*مأذنة جامع ابن طولون ومأذنة جامع سامرارء بالعراق
بعدما استقر األمر البن طولون في الديار المصرية ،وأصبح
المتصرف فيها دون الخليفة ،إذ لم َ يبق للخليفة في مصر إال دعاء وموال وآالت، ٍ المنبر ،وقد .كثر مرافقو ابن طولون من جند وعبيد شرع حينئ ٍذ في إنشاء عاصمته «القطائع» شمال الفسطاط ،فبنى ُّ يخطوا .لهم الدور حتى اتصلت القصر والميدان ،ثم أمر مرافقيه أن بالفسطاط. ثم أراد أن يبني مسجداً جامعا ً بالقرب من قصره على طراز عمائر العراق التي نشأ فيها وتأثر بفنونها ،ويكون على نسق ملوية سامراء التي أنشأها الخليفة المتوكل ،فخطط للمئذنة الملوية ولسور .الزيادة اللذين اشتهرت بهما مساجد العباسيين ،وال سيما جامع سامراء، وبنى سور الزيادة من اآلجر لحماية الجامع من الحريق ومن الضوضاء الخارجية ،فكأنما .أراده رمزاً دينيا ً الستقالله عن الخليفة في بغداد. قُ ِّدر للمسجد 300عمود ،وكانت إشكالية صناعة األعمدة الرخامية -التي كثيراً ما الزمت البناء المسلم- تمثل عائقا ً أمامه ،حيث إن المسلمين كانوا يلجؤون إلى إعادة استخدام األعمدة الرخامية من الكنائس الخ ِربة والديار المُتهدمة ،وكان الحل المعروض على ابن طولون أن يأتي بها من كنائس األرياف أو َ الضياع الخراب ،إال أنه تورع .عن ذلك ،وظل األمر يؤرقه حتى علم باألمر أحد مهندسي .القبط النصارى في محبسه ،وكان ابن طولون قد حبسه لظن سوء سابق به ،فكتب إليه القبطي يعرض له أن يبني الجامع بال أعمدة إال عمودي القبلة ،وكما يريده ابن طولون أن يكون. وصوره له فُأعجب َّ ضر .له الجلود فُأحضرت،أمر ابن طولون أن ُتح َ به واستحسنه ،فأطلقه وخلع عليه ،وأطلق له النفقة على البناء مائة ألف دينار ،فقاله له :أنفق وما احتجت إليه بعد ذلك أطلقناه لك، فوضع النصراني .يده في البناء في الموضع الذي هو فيه ،وهو «جبل يشكر» ،فكان ينشر منه ويسطح ويعمله جيراً ويبني ،إلى أن فرغ من جميعه وبيضه وخلَّقه وفرش .فيه الحصر ،وعلَّق القناديل والسالسل الطوال الغالظ الحسان ،وحمل إليه صناديق .الصحاف، ونقل إليه الفقراء والقُرَّ اء ،وتص َّدق في ذلك اليوم صدقات عظيمة فيه ،وعمل طعاما ً واسعا ً كبيراً و ُحمِل إليه ،فأطعم سائر من حضر. وعند افتتاح المسجد صعد النصراني المنارة ،ووقف إلى جانب الركن النحاسي ،وصاح بأحمد بن طولون« :أيها األمير عبدك يريد الجائزة ،ويسأل األمان وأاَّل يجري عليه مثل ما جرى في المرة األولى» ،فقال له أحمد بن طولون« :انزل» ،فقال« :وحق رأس األمير ال نزلت أو تؤمِّنني» ،فقال له« :انزل فقد أمَّنك هللا ولك الجائزة» ،فنزل وأمر له بعشرة آالف دينار ،وخلع عليه وأجرى عليه رزقاً .واسعا ً العمارة اإلسالمية عند الغرب: كان للجسور الثالثة (الشام – صقلية – األندلس) والتي تحكم البحر المركزي (البحر المتوسط) وتسيطر. على ممراته الدور األكبر في نقل الحضارة إلى الغرب المتخلف ،وخاصة عبر الغزو اإلسالمي (الحركة الجهادية) والحركة الصليبية (الفرنجية) والحركة التجارية ،وبسيطرة العالم اإلسالمي على المحيط المركزي (الهندي) وتجارته (الصين – الماليو – الهند – الزنج) انتشرت اللغة العربية والنقود اإلسالمية ،كما كان الحجاج النصاري .يعودون محملين بالهدايا الثمنية العجيبة. وجاء العصر العثماني فخضعت .أوروبا لنا أربعة قرون تخاطبنا .بالدولة العليا وبالسيد األعظم ،بينما يخاطب سليمان القانوني فرانسوا .بقوله (من ملكالبرين والبحرين والحجاز .والرومان والصرب إلى فرانسوا .ملك والية فرنسا).
وصف أثر العمارة اإلسالمية على الغرب:
وأبرز األثر كان في العمارة والزخرفة ،حيث يتجلى في اقتباس الصليبين الحصون وأساليب بنائها من الشام خاصة األبراج والممرات الداخلية الملتوية والمزاغل ،وفي صقلية أقام النورمان عمائرهم متأثرين بالعمارة اإلسالمية بأعمدتها وأقواسها .ومقرصناتها . وتبدو أبراج النواقيس في جنوب إيطاليا في عصر النهضة مقتبسة من المآذن المغربية ،كما اقتبس الطليان أسلوب التبادل اللوني الطبقي للعمائر المملوكية بين طبقة بحجارة قاتمة وأخرى زاهية ،ونفوذها في الواجهات الرخامية في بيزا وفلورنسا .وجنوا ومسينا ،وفي جنوب فرنسا استخدمت العقود المفصصة والملونة والزخارف .المشتقة من الكتابة العربية والزخارف .المحفورة والمساند الخشبية. كما استخدمت المقرنصات واألرابيسك .ووريقات الشجر الثالثية في بولندا ،حيث تظهر .في كنيسة لفوف عام 1370ميالدي ،وفي إنجلترا اقتبسوا .األرابسك .وزخرفوا به عمائرهم ،وقد قلد اإليرلنديون الكتابة الكوفية ،ويبدو .ذلك في صليب كتب عليه (باسم هللا) دون إدراك منهم للمعنى وهو محفوظ في المتحف البريطاني ،وفي .صناعة التحف الزجاجية وخاصة في البندقية التي قلدتها وموهتها .بالمينا. كما حفروا على الخشب والصاج وأخذ اإليطاليون أسرار صناعة النسيج اإلسالمية عبر تلمذهم على يد صُناعها في جنوب إيطاليا وصقلية ،يبدو ذلك في عباءة التتويج لروجر .ملك صقلية في عام 1134 ميالدي ،كما قلد السجاد محتفظين بزخارفه العربية لقرون. كما كان للخزف األثر األكبر في أوروبا .خاصة ذو البريق المعدني االندلسي ،وغزت التحف المعدنية ألمانيا ونشات في البندقية المدرسة الشرقية للتحف ،وقد تأثر الرسام اإليطالي جنتيلي بليني بالفن اإلسالمي.