قضية الترجمة

You might also like

Download as pdf or txt
Download as pdf or txt
You are on page 1of 106

‫مار�س ‪� /‬أبريل ‪2010‬م‬

‫جملة ثقافية ت�صدر‬


‫كل �شهرين‬
‫مار�س ‪� -‬أبريل ‪2010‬‬

‫قضية الترجمة‬
‫اليوم‬
‫ملــف الع ــدد‬

‫الكذب وحباله‬
‫‪2‬‬ ‫‪59‬‬
‫قافلة األبحاث‬
‫تنظم مجلة القافلة ن�شاطاً بحثياً غر�ضه �إ�شراك الباحثين‬
‫ِّ‬
‫الراغبين‪ ،‬ال �سيما طالب الجامعات وطالباتها‪ ،‬ب�أبحاث ميدانية معمقة‬
‫في مو�ضوعات تقترحها المجلة �أو يقترحها المتقدمون �أنف�سهم‪ .‬هدف‬
‫هذه الخطوة هو كتابة مو�ضوعات تتجاوز المقال العادي وتحقق ال�شمول‬
‫والإحاطة بزوايا المو�ضوع المطروح كافة‪ ،‬لتقديمها في النهاية على‬
‫�شكل مواد �صحافية جادة تتمتع بعنا�صر الجذب والت�شويق ال�صحفي ‪.‬‬

‫في هذا الن�شاط البحثي يرجى‬ ‫للم�شاركة‬


‫مرا�سلة فريق تحرير القافلة على العنوان الإلكتروني التالي‪:‬‬
‫‪qresearch@qafilah.com‬‬

‫وذلك من �أجل‬
‫االطالع على قائمة الأبحاث المقترحة من المجلة‪.‬‬ ‫ ‬
‫معرفة �شروط اعتماد البحث و�صالحيته للن�شر‪.‬‬ ‫ ‬
‫االتفاق على المو�ضوع وتبادل الر�أي حول محتوياته و�آفاقه‪.‬‬ ‫ ‬
‫تحديد عدد الكلمات وملحقات البحث‪.‬‬ ‫ ‬
‫تعيين المهلة الزمنية للبحث واالتفاق على موعد الت�سليم‪.‬‬ ‫ ‬

‫البحث للن�شر من هيئة تحرير المجلة‪� ،‬ست�صرف‬ ‫بعد اعتماد‬


‫لكتابها‪.‬‬
‫مكاف�أة الباحث ح�سب �سلم المكاف�آت المعتمد لدى المجلة َّ‬

‫صـورة الغالف‬

‫ر�سم لكميل حوَّا يمثِّ ل ال�صورة‬


‫التقليدية للكاتب �أو المترجم‬
‫العربي‪ ،‬تعبيراً عن مو�ضوع ق�ضية‬
‫هذا العدد‪� ،‬أال وهي حال الترجمة‬
‫�إلى العربية اليوم‪.‬‬
‫محطات العدد‬
‫‪21–12‬‬ ‫قضـايـا‬
‫‪12‬‬ ‫الترجمة‪ ..‬ق�ضية على نار‪ ..‬حامية؟‬
‫قول في مقال‪ :‬الق�صة الهزلية‪ ..‬احتفاء‬
‫‪20‬‬ ‫بالتراث �أم �سخرية منه‬

‫‪37–22‬‬ ‫طاقة واقتصاد‬


‫الم�شتقات النفطية‪ ..‬بين تنوع اال�ستعماالت‬
‫‪22‬‬ ‫وتعدد الأ�سماء‬
‫‪30‬‬ ‫دور المدير في تطور الموظف‬
‫من الرف الآخر‪ ..‬اقر�أ‪« :‬الأذكياء» القيادة‬
‫‪36‬‬ ‫الإدارية المميزة‬

‫‪48–38‬‬ ‫بيئة وعلوم‬


‫‪38‬‬ ‫جراحة الرجل الآلي‬ ‫النا�شر‬
‫‪44‬‬ ‫زاد العلوم‬ ‫�شركة الزيت العربية ال�سعودية‬
‫‪46‬‬ ‫ق�صة ابتكــار‪ :‬ال�سكين ال�سوي�سرية‬ ‫(�أرامكو ال�سعودية)‪ ،‬الظهران‬
‫‪47‬‬ ‫ق�صة مبتكر‪ :‬ثيودور مايمان‬ ‫رئي�س ال�شركة‪ ،‬كبير �إدارييها التنفيذيين‬
‫‪48‬‬ ‫اطلب العلم‪� :‬أثر التكنولوجيا على �أداء المخ‬ ‫خالد بن عبدالعزيز الفالح‬
‫نائب الرئي�س ل�ش�ؤون �أرامكو ال�سعودية‬
‫خالد عبداهلل البريك‬
‫‪65–55‬‬ ‫احلياة اليومية‬ ‫مدير عام ال�ش�ؤون العامة‬
‫ع�صام زين العابدين توفيق‬
‫‪55‬‬ ‫حياتنا اليوم‪ :‬رفيقنا �صغاراً كنَّ ا �أم كباراً‪..‬‬
‫ال�صوت ونحن‪ ..‬الح�ضور الدائم بين‬ ‫رئي�س التحرير‬
‫�صالح محمد ال�سبتي‬
‫مار�س ‪� -‬أبريل ‪2010‬‬
‫ربيع الأول ‪ -‬ربيع الآخر‬

‫‪56‬‬ ‫الإزعاج والإمتاع‬ ‫نائب رئي�س التحرير‬


‫�صورة �شخ�صية‪ :‬دهري‪ ..‬ربيب المكتبة‬ ‫محمد الدميني‬
‫‪64‬‬ ‫و�صديق الق َّراء‬ ‫مدير التحرير‬
‫محمد �أبو المكارم‬
‫مدير التحرير الفني‬
‫‪86–66‬‬ ‫الثقافة واألدب‬ ‫كميل ح ّوا‬
‫‪1431‬‬

‫‪66‬‬ ‫الق�صة الق�صيرة جداً‪ ..‬من التبعية نحو اال�ستقالل‬ ‫�سكرتير التحرير‬
‫‪75‬‬ ‫ديوان الأم�س‪ :‬الحطيئة وق�صيدة وطاوي ثالث‬ ‫عبود عطية‬
‫‪78‬‬ ‫ديوان اليوم‪ :‬ق�صيدة «دموع الوداع»‬ ‫المكاتب‪:‬‬
‫‪80‬‬ ‫بيت الرواية‪« :‬العون»‪..‬‬ ‫الريا�ض‪ ،‬دينا ال�شهوان‬
‫رواية يحكيها �شاهد من �أهلها‬ ‫بيروت‪ ،‬روالن قطان‬
‫‪86‬‬ ‫قول �آخر‪ :‬ثقافتنا �آ�سيوياً‪� ..‬صفحة بي�ضاء‬ ‫القاهرة‪ ،‬ليلى �أمل‬
‫�أمريكا ال�شمالية‪� ،‬أ�شرف �إح�سان فقيه‬
‫قافلة الأبحاث ومكتب جدة‬
‫‪102–87‬‬ ‫امللــف‬ ‫�أحمد المنعي‬
‫‪87‬‬ ‫ملف «الكذب‪� ..‬ش ُّر الحياة»‪..‬‬ ‫الإنتاج والموقع الإلكتروني‬
‫طوني بيروتي‬
‫المخرج المنفذ‬
‫ح�سام ن�صر‬
‫ت�صميم و�إنتاج‬
‫‪54–49‬‬ ‫الفا�صل امل�ص ّور‬ ‫المحترف ال�سعودي‬
‫طباعة‬
‫توزع مجاناً للم�شتركين‬ ‫مطابع التريكي‬
‫العنوان‪� :‬أرامكو ال�سعودية‬
‫�ص ‪ .‬ب ‪ ،1389‬الظهران ‪ 31311‬المملكة العربية ال�سعودية‬ ‫ردمد ‪ISSN 1319-0547‬‬
‫البريد الإلكتروني‪alqafilah@aramco.com.sa :‬‬ ‫جميع املرا�سالت با�سم رئي�س التحرير‬
‫الموقع الإلكتروني‪www.qafilah.com :‬‬ ‫ما ين�شر فـي القافلة ال يعرب بال�ضرورة‬
‫عن ر�أيها‬
‫‪+966 3 897 0607‬‬ ‫الهواتف‪ :‬فريق التحرير‬ ‫ال يجوز �إعادة ن�شر �أي من مو�ضوعات �أو �صور‬
‫‪+966 3 874 6948‬‬ ‫اال�شتراكات‬ ‫«القافلة» �إال ب�إذن خطي من �إدارة التحرير‬
‫فاك�س ‪+966 3 873 3336‬‬ ‫ال تقبل «القافلة» �إال �أ�صول املو�ضوعات‬
‫التي مل ي�سبق ن�شرها‬
‫رسالة احملرر‬
‫في وقـ ـ ـ ٍـت واح ـ ـ ــد‪ ،‬وم ـ ـ ـ ــن‬
‫دون تن�سيق م�سـ ـ ــبق‪ُ ،‬ع ـ ـ ــقد‬
‫م�ؤخراً م�ؤتمـ ــران حـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــول‬
‫ق�ضـ ـ ـ ـ ـ ــية الترجمة والتعريب‬
‫في كلٍ من الريا�ض وبيروت‪ .‬ومواكبة لهذين‬
‫الم�ؤتمرين‪ ،‬وعلى هام�شهما‪ ،‬تتناول «القافلة»‬
‫في م�ستهل رحلتها لهذا العدد هذه الق�ضية‬
‫التي ت�شهد حراكاً متزايداً منذ �أن �صدر‬
‫تقرير الأمم المتحدة عن حال الترجمة في‬
‫البالد العربية قبل �سنوات معدودة‪ ،‬ليوقظ‬
‫الجميع على واقع حالها الذي ال يبعث كثيراً‬
‫وفي مناخ الطاقة واالقت�صاد مو�ضوعان‪:‬‬ ‫على الزهو بها‪ .‬و�إن كان هذا الحراك قد بد�أ‬
‫الأول يتناول الم�شتقات النفطية ويركِّ ز‬ ‫يعطي بع�ض الثمار الملحوظة‪ ،‬فمما ال �شك‬
‫على االخت ــالفـ ــات بينـ ــها‪ ،‬وخ ـ ــا�صة‬ ‫فيه �أن الترجمة ال تزال �أمام طريق طويل جداً‬
‫اللب�س الذي يثيره عند الم�ستهلك رواج �أكثر‬ ‫قبل بلوغها الم�ستوى المطلوب كماً ونوعاً‪.‬‬
‫من ا�سم للمنتج الواحد‪.‬‬
‫�أما المو�ضوع الثاني فهو �إداري‪ ،‬ويتعلَّق بالدور الذي‬
‫يمكن للمدير �أن يلعبه على م�ستوى تطوير الموظفين‬
‫الذين يديرهم‪ ،‬كما ي�شير �إلى النتائج ال�سلبية على �أداء‬
‫الموظف التي يمكن �أن تترتب عن الإدارة ال�سيئة‪.‬‬

‫�أما في مناخ العلوم‪ ،‬فثمة جواب غير مبا�شر‬


‫عن ال�س�ؤال العام حول حدود الرجل الآلي‬ ‫وفي �إطار الق�ضايا �أي�ضاً‪ ،‬يتناول باب «قول في‬
‫في حلوله محل الإن�سان‪ ،‬من خالل مثل‬ ‫مقال» نمطاً �إبداعياً جديداً في عالم الرواية‬
‫محدد‪� ،‬أال وهو دور هذا الرجل الآلي في‬ ‫الغربية‪ ،‬ويت�ساءل عن قابلية الرواية العربية‬
‫العمليات الجراحية بقلم متخ�ص�ص في هذا المجال‪،‬‬ ‫لهذا ال�شكل الإبداعي‪ ،‬والعامل الم�شجِّع على‬
‫ي�ؤكد حدود هذا الدور الذي لم ي�صل حتى الآن‪ ،‬ولن‬ ‫ذلك �أو المحبط له على م�ستوى محتوى‬
‫ي�صل في الم�ستقبل القريب �إلى �إخراج الطبيب من غرفة‬ ‫الرواية العربية وكاتبها وقارئها‪.‬‬
‫العمليات‪.‬‬
‫مار�س ‪� /‬أبريل ‪2010‬م‬

‫وفي منت�صف العدد‪ ،‬ي�ستريح القارئ مع الفا�صل الم�صوَّر‬

‫الفاصل املصور‬
‫المخ�ص�ص هنا للم�صور ال�سعودي عبدالمجيد عبداهلل‬
‫الجهني‪ ،‬وعد�سته الح�سا�سة ب�شكل خا�ص تجاه الطبيعة‬
‫وما فيها من عنا�صر جرافيكية يخطها �أو يلوِّنها ال�ضوء‬
‫والظل والحيوان‪.‬‬

‫وكما هو الحال دائماً‪ ،‬يت�ضمَّن المناخ‬


‫الثقافي مو�ضوعين‪� .‬أولهما حول الق�صة‬
‫الق�صيرة جداً‪ ،‬ال يكتفي بالدفاع عنها‬
‫�أو رف�ضها كما اعتاد الكثيرون �أن يفعلوا‪،‬‬
‫بل يعر�ض العنا�صر المو�ضوعية التي يت�ألف منها هذا‬
‫المذهب الأدبي الجديد على �ساحتنا الأدبية‪.‬‬
‫�أما المو�ضوع الثاني‪ ،‬فهو عر�ض لرواية «العون» التي‬
‫حظيت باهتمام مميز فور �صدورها في �أمريكا‪ ،‬لي�س‬
‫فقط ب�سبب مو�ضوعها الذي يدور حول مرحلة التمييز‬
‫العن�صري‪ ،‬بل �أي�ضاً ب�سبب الدور الكبير الذي لعبه تعاون‬
‫الروائية مع المحررة في دار الن�شر‪ ،‬حتى �أتت الرواية‬
‫بهذا الم�ستوى الأدبي الرفيع‪.‬‬

‫وبعد الفا�صل الم�صوَّر‪ ،‬تت�ضافر جهود ثالثة‬


‫من الزمالء لعر�ض عالقتنا المعقَّدة بعالم‬
‫الأ�صوات من حولنا‪ ،‬بعيداً عن الجانب‬
‫الذي كثيراً ما تناولته و�سائل الإعالم تحت‬
‫وختاماً‪ ،‬مع �ش ِّر الحياة‪ ..‬في ملف مخ�ص�ص‬ ‫عنوان «التلوث ال�ضو�ضائي»‪� ،‬إذ يتناول الأ�سباب الغام�ضة‬
‫في هذا العدد للكذب‪ ،‬بكل �ألوانه و�أ�شكاله‬ ‫والكثيرة التي تجعلنا نحب بع�ض الأ�صوات وننفر من‬
‫وغاياته والدوافع �إليه‪ ،‬وما �إلى هنالك من‬ ‫بع�ضها الآخر‪ ،‬ومعظمها يندرج في �إطار الم�س�ألة الثقافية‬
‫عوامل جعلته جزءاً في �سلوكنا الب�شري‪.‬‬ ‫واالجتماعية‪ ،‬خا�صة في الع�صر الحديث و�ضو�ضائه‪.‬‬
‫ربع قرن‬
‫من اجلنادرية‬
‫ب�شكل كبير‪ ،‬وتم تعزيز الم�شاركة الن�سائية في المهرجان‬ ‫جدَّدت مدينة الريا�ض عر�سها الثقافي ال�سنوي يوم‬
‫وفعالياته‪ ،‬كما قررت �إدارة المهرجان �إقامة فعاليات‬ ‫الأربعاء الأول من ربيع الآخر ‪1431‬هـ‪ ،‬الموافق ‪17‬‬
‫ثقافية خارج مدينة الريا�ض في مكة المكرمة وجدة‬ ‫مار�س ‪2010‬م عندما افتتح خادم الحرمين ال�شريفين‪،‬‬
‫والظهران‪ ،‬تمت من خاللها مناق�شة عدة محاور من‬ ‫الملك عبداهلل بن عبدالعزيز �آل �سعود‪ ،‬حفظه اهلل‪،‬‬
‫�أهمها ر�ؤية الملك عبداهلل بن عبدالعزيز للحوار وال�سالم‬ ‫الدورة الخام�سة والع�شرين للمهرجان الوطني للتراث‬
‫وقبول الآخر ومعوقات الحوار وال�سالم بين ال�شعوب‪.‬‬ ‫والثقافة (مهرجان الجنادرية) في مدينة الريا�ض‬
‫بح�ضور عدد من ممثلي دول الخليج العربي وغيرها‬
‫كما �شاركت الجمهورية الفرن�سية ك�ضيف في مهرجان‬ ‫والكثير من المثقفين والمهتمين في المملكة العربية‬
‫الجنادرية هذا العام‪ ،‬وقدَّمت فعاليات فكرية وفلكلورية‬ ‫ال�سعودية والعالم العربي ودول العالم‪.‬‬
‫وثقافية متنوعة‪� ،‬شملت محا�ضرات في مجاالت االقت�صاد‬
‫وحوار الح�ضارات و�أم�سيات �شعرية‪ ،‬وعرو�ضاً لفرق‬ ‫وال �شك �أن مهرجان الجنادرية بعد ربع قرن من‬
‫فلكلورية ورق�صات �شعبية‪.‬‬ ‫انطالقته الأولى قد �أ�صبح معلماً من معالم الحركة‬
‫الثقافية في بالدنا‪ ،‬و�أن �أ�صداءه تعدّت المملكة لتغطي‬
‫ثم جاء الإعالن عن جائزتين �سنويتين تحت م�سمى‬ ‫العالم العربي ب�أ�سره وت�صل �إلى كثير من �أ�صقاع‬
‫جائزة الملك عبداهلل بن عبدالعزيز العالمية للثقافة‬ ‫المعمورة‪.‬‬
‫وجائزة الملك عبداهلل بن عبدالعزيز العالمية للتراث‪،‬‬
‫اللتين �سيبد�أ تقديمهما في مهرجان العام القادم‪،‬‬ ‫ولعل من �أهم ما يميِّز مهرجان الجنادرية هذا العام‬
‫و�ستعطيان المهرجان وهجاً ثقافياً وبعداً عالمياً �آخر‪.‬‬ ‫التطور الملحوظ الذي طر�أ عليه في جوانب كثيرة؛‬
‫فلقد تم تطوير قرية الجنادرية وتح�سين مرافقها‬
‫مار�س ‪� /‬أبريل ‪2010‬م‬

‫اجتماعياً مهماً في المملكة العربية ال�سعودية وفي مدينة‬ ‫وال �شك �أن المتابع يرى بو�ضوحٍ التطو َر الذي واكب‬
‫مهرجان الجنادرية منذ انطالقته الأولى في عام ‪1405‬هـ‪ ،‬الريا�ض على وجه الخ�صو�ص‪.‬‬
‫والقفزات النوعية التي حققها على م�ستوى الفعاليات‬
‫وهنا �أي�ضاً نود �أن نعبِّ ر عن تقديرنا لجهود القائمين‬ ‫والبرامج والمعار�ض الم�صاحبة‪ ،‬وعلى م�ستوى الإعداد‬
‫على معر�ض الريا�ض الدولي للكتاب‪ ،‬وجهود ودعم وزارة‬ ‫والخدمات المقدَّمة في المدينة التراثية المقامة لهذه‬
‫المنا�سبة‪ ،‬والتي ت�ستوعب �سنوياً مئات الآالف من الزوّار‪ .‬الثقافة والإعالم‪ ،‬وعلى ر�أ�سها معالي الوزير ال�شاعر‬
‫والمثقف‪ ،‬الدكتور عبدالعزيز محي الدين خوجة‪ ،‬التي‬
‫ولعل القيمة الكبرى لمهرجان الجنادرية �أنه �صار �سج ًال �أو�صلت المعر�ض �إلى المكان المرموق الذي يتبو�أه الآن‪.‬‬
‫لتاريخ الإن�سان ال�سعودي‪ ،‬يوثّ قه ويحفظه من �أن تطويه‬
‫مهرجان الجنادرية ومعر�ض الريا�ض الدولي للكتاب‬ ‫عجلة الن�سيان‪ ،‬كما �أ�صبح مر�آ ًة تعك�س ما و�صل �إليه‬
‫الح َراك الثقافي الكبير الذي‬
‫يمثالن عن�صرين من عنا�صر ِ‬ ‫مجتمعنا من تقدّمٍ فكري وح�ضاري يعزِّز موقع و�صورة‬
‫المملكة بين دول العالم‪ .‬ي�ضاف �إلى ذلك �أن المهرجان‪ ،‬تزخر به مملكتنا الغالية‪ِ ،‬ح َراك يت�سم بالأ�صالة والتجديد‬
‫وهو يركِّ ز على التراث‪� ،‬أ�صبح �أي�ضاً من عنا�صر التجديد والت�سامح الذي يدعمه خادم الحرمين ال�شريفين‪ ،‬الملك‬
‫في المجتمع‪ ،‬يتبنى الأفكار الجديدة ويقدِّمها‪ ،‬وي�سهم في عبداهلل بن عبدالعزيز‪ ،‬وولي عهده‪� ،‬صاحب ال�سمو الملكي‬
‫الأمير �سلطان بن عبدالعزيز‪ ،‬حفظهما اهلل‪.‬‬ ‫قيادة الحراك الثقافي في المجتمع‪.‬‬

‫و�إن كان لنا من مالحظة هنا لرفع م�ستوى الفائدة من‬ ‫و�إنه لمن المنا�سب هنا �أن نقدِّم ال�شكر والتقدير للقائمين‬
‫تلك المهرجانات الثقافية ف�إننا نرى �أنه يجب �أن تو�ضع‬ ‫على هذا المهرجان من رجاالت الحر�س الوطني‪،‬‬
‫رزنامة لأهم المنا�سبات الثقافية في العالم العربي لتجنب‬ ‫وعلى ر�أ�سهم �صاحب ال�سمو الملكي الأمير بدر بن‬
‫الت�ضارب في المواعيد وتعميم الفائدة‪ ،‬فقد الحظنا �أنه‬ ‫عبدالعزيز‪ ،‬نائب رئي�س الحر�س الوطني‪ ،‬رئي�س اللجنة‬
‫كان هناك ت�ضارب بين موعد معر�ض الريا�ض الدولي‬ ‫العليا للمهرجان‪ ،‬و�صاحب ال�سمو الملكي الأمير متعب‬
‫للكتاب ومعر�ض �أبوظبي الدولي للكتاب‪ .‬فكم من مهتم لم‬ ‫بن عبداهلل بن عبدالعزيز‪ ،‬نائب رئي�س الحر�س الوطني‬
‫ي�ستطع ح�ضور معر�ض �أبو ظبي لح�ضوره معر�ض الريا�ض‪،‬‬ ‫لل�ش�ؤون التنفيذية‪ ،‬نائب رئي�س اللجنة العليا للمهرجان‪،‬‬
‫كما فات البع�ض معر�ض الريا�ض لأنه كان في �أبو ظبي‪.‬‬ ‫على ما يقومون به من جهود ال تك ّل للمحافظة على وهج‬
‫المهرجان وتطوره‪.‬‬

‫الح َراك الثقافي في المملكة العربية‬‫وما دام الحديث عن ِ‬


‫ال�سعودية ف�إنه البد من الإ�شارة �أي�ضاً �إلى معر�ض الريا�ض‬
‫الدولي للكتاب‪ ،‬الذي افتتح يوم الثالثاء ‪ 16‬ربيع الأول‬
‫‪1431‬هـ الموافق ‪ 2‬مار�س ‪2010‬م‪ .‬لقد �أ�صبح هذا‬
‫المعر�ض من �أهم الفعاليات الثقافية في المنطقة‪ ،‬تُ �شد‬
‫�إليه الرحال من مختلف الدول‪ ،‬وتت�سم فعالياته بدرجة‬
‫كبيرة من الت�سامح والقبول ‪ ،‬وت�ضرب مبيعاته �أرقاماً‬
‫رئي�س التحرير‬ ‫قيا�سية‪ .‬وفوق كل ذلك فقد �أ�صبح هذا المعر�ض حدثاً‬
‫«قافلة الأبحاث» على العنوان الإلكتروني‬
‫المذكور على الغالف الداخلي للمجلة‪.‬‬
‫القافلة‪ :‬كما هو حال معظم الم�شاركين في‬
‫القافلة‪ ،‬يمكنك االطالع على كل التفا�صيل‬
‫�إلى‪..‬‬
‫وتبادل الأفكار مع فريق تحرير المجلة‬ ‫رئي�س التحرير‬
‫في كل بيت‬ ‫من خالل «قافلة الأبحاث» على عنوانها‬
‫�أتقدم �إليكم بال�شكر الجزيل على كل ما‬ ‫الإلكتروني المذكور على الغالف الداخلي‪.‬‬ ‫ترحِّب القافلة بر�سائل قرائها‬
‫وتعقيبهم على مو�ضوعاتها‪،‬‬
‫تبذلونه من جهد في �سبيل �إي�صال المعلومة‬ ‫وتحتفظ بحق اخت�صار الر�سائل‬
‫المتنوعة والقيِّمة �إلى كل بيت وكل فرد من‬ ‫ق�صة ابتكار ومبتكر‬ ‫�أو �إعادة تحريرها �إذا تطلب‬
‫المجتمع ال�سعودي عن طريق هذه المجلة‬ ‫�أنا طبيب حا�صل على الزمالة العربية‬ ‫الأمر ذلك‪.‬‬
‫القيِّمة‪ ،‬مجلتنا الغالية القافلة‪ ،‬التي كنا‬ ‫أح�ضر الآن الماج�ستير‬
‫لطب المجتمع‪ ،‬و� ِّ‬
‫منذ ال�صغر نترقب �صدورها‪ ،‬لنح�صل عليها‬ ‫في �إدارة الأعمال التنفيذية بجامعة الملك‬
‫من �أقاربنا الموظفين في ال�شركة �آنذاك‪.‬‬ ‫عبدالعزيز‪ ،‬وقد جعلت عنوان بحث التخرج‬
‫وحتى اليوم‪ ،‬ما زلنا نترقب الجديد من‬ ‫«قيا�س الميول واالتجاهات والمعوقات‬
‫�أعدادها‪ .‬فلكم منا جزيل ال�شكر والتقدير‪.‬‬ ‫لطالب الكليات ال�صحية حول االبتكار»‪.‬‬
‫�آمل التكرم ب�إمكانية الح�صول على مادة‬
‫�سامي عبدالوهاب ال�صالح‬ ‫ق�صة ابتكار وق�صة مبتكر لجميع الأعداد‬
‫الهفوف‬ ‫ال�سابقة لال�ستفادة منها في مادة البحث‪.‬‬
‫�شاكراً لكم كريم اهتمامكم وتوا�صلكم‪.‬‬
‫في مكتبة المدر�سة‬
‫ت�سلَّمنا م�ؤخراً ن�سختين من العدد ال�ساد�س‬ ‫الدكتور عمَّار بن عبداهلل عطار‬
‫(المجلد ‪ )58‬من مجلة «القافلة»‪ ،‬الذي‬ ‫جامعة الملك عبدالعزيز بجدة‬
‫ي�شكِّ ل �إ�ضافة جديدة ورائعة �إلى مكتبتنا‬
‫في «مدر�سة ال�شهيد زيد المو�شكي الثانوية‬ ‫القافلة‪ :‬يمكنكم االطالع على محتويات بابي‬
‫للبنات»‪ .‬وفي انتظار الأعداد التالية‪ ،‬ف�إننا‬ ‫ق�صة ابتكار وق�صة مبتكر في كل الأعداد‬
‫ن�ستبق البريد (الذي من عادته �أن يت�أخر)‪،‬‬ ‫ال�سابقة من القافلة على موقعها الإلكتروني‬
‫ونرتاد الموقع الإلكتروني للمجلة با�ستمرار‪.‬‬ ‫‪ www.qafilah.com‬مع تمنياتي لكم‬
‫ف�شكراً لكم‪ ،‬وجزاكم اهلل خيراً‪.‬‬ ‫بالتوفيق في درا�ستكم‪.‬‬
‫الكت�ساب الخبرة‬
‫من�صور �سليمان عبداهلل‬ ‫رغبة في الم�شاركة‬ ‫�أنا طالبة في ال�سنة الرابعة «�صحافة‬
‫تعز‪ ،‬اليمن‬ ‫اطلعت على مجلتكم الباهرة في مكتبة �أحد‬ ‫و�إعالم» في جامعة اليرموك في الأردن‪،‬‬
‫الأ�صدقاء الذي �أهداني عدداً منها �أعتز به‪.‬‬ ‫وقد وجَّهني �إليكم �أ�ستاذي الدكتور عادل‬
‫�أحببتها كثيراً‬ ‫واقترح �صديقي �أن �أرا�سلكم بم�شاركة �أدبية‪،‬‬ ‫الزيادات لمرا�سلتكم ومعرفة �سبل التعاون‬
‫عثرت على مجلة «القافلة» (العدد ‪ 3‬المجلد‬ ‫و�أرجو �أن يجد هذا المقترح قبوالً لديكم‪.‬‬ ‫معكم‪ ،‬والم�شاركة بالكتابة في «القافلة»‪،‬‬
‫‪ )58‬بال�صدفة عن طريق �أحد الزمالء‬ ‫كما �أني �أنتظر �إ�شعاراً بو�صول ر�سالتي‪،‬‬ ‫خا�صة و�أنني قر�أت في العدد الأخير من‬
‫في العمل‪ .‬فقر�أتها و�أحببت كثيراً الجانب‬ ‫لأطمئن من �صحة العنوان‪.‬‬ ‫مجلتكم الغرَّاء �أنكم ت�سعون �إلى ا�ستقطاب‬
‫الفكري والإبداعي والثقافي الذي تركِّ ز‬ ‫لكم بالغ ال�شكر واالحترام‪.‬‬ ‫ال�شباب للكتابة في مجلتكم والم�شاركة في‬
‫عليه المجلة‪ ،‬والمو�ضوعات التي تطرحها‬ ‫�أبحاثها‪ .‬وهذا ما �شجَّعني على �أن �أكتب‬
‫على المثقَّف العربي‪.‬‬ ‫د‪ .‬عمر عبدالعزيز العاني‬ ‫�إليكم رغبة مني في اكت�ساب المزيد من‬
‫ولذلك �أرغب في معرفة كيفية الح�صول‬ ‫كلية الآداب‪ ،‬جامعة البحرين‬ ‫الخبرة في تخ�ص�صي‪.‬‬
‫على هذه المجلة ب�شكل دوري عن طريق‬
‫�صندوق البريد‪ ،‬وهل من الممكن �إر�سالها‬ ‫القافلة‪� :‬أه ًال بك �صديقاً للمجلة التي ترحِّب‬ ‫هبة فتحي حميدات‬
‫لي مبا�شرة �إلى مكان عملي؟‪.‬‬ ‫بك وبم�شاركتك فيها‪ .‬ولهذه الغاية‪ ،‬نرجو‬ ‫جامعة اليرموك‪ ،‬الأردن‬
‫التن�سيق الم�سبق مع فريق التحرير من خالل‬
‫مار�س ‪� /‬أبريل ‪2010‬م‬

‫بوا�سطة البريد الإلكتروني‪.‬‬


‫�أما المو�ضوع الثاني‪ ،‬وهو ملف البطل‪ ،‬فقد‬ ‫القافلة‪� :‬أحلنا ا�سمك وعنوانك على ق�سم‬ ‫�آية الحايك‬
‫لفت نظري بمحتواه الغني‪ ،‬وتنوّع مقايي�س‬ ‫اال�شتراكات‪ ،‬و�ست�صلك «القافلة» بانتظام �إن‬ ‫دبي‬
‫البطولة ونوعياتها‪ ..‬والحقيقة �أنه وفَّ ر مادة‬ ‫�شاء اهلل‪.‬‬
‫للتفكير جعلتني �أكت�شف المزيد عن مفهوم‬ ‫القافلة‪� :‬أحلنا ا�سمك وعنوانك على ق�سم‬
‫البطولة‪ ،‬حتى �أيقنت �أنه كمو�ضوع �أو�سع من‬ ‫الإعالن والبطل‬ ‫اال�شتراكات‪ ،‬و�ست�صلك القافلة عبر �صندوق‬
‫�أن يُ حاط به بالكامل في عدد محدود من‬ ‫قر�أت في العدد ال�ساد�س من المجلد الثامن‬ ‫البريد الوارد في الر�سالة‪.‬‬
‫ال�صفحات‪ .‬فلماذا ال تزيدون عدد ال�صفحات‬ ‫والخم�سين من «القافلة» مو�ضوعين لفتا نظري‬
‫عندما يكون المو�ضوع قاب ًال للتو�سعة؟‬ ‫ب�شكل خا�ص‪� ،‬أولهما عن الإعالن التجاري على‬ ‫غاية في الروعة‬
‫الهاتف النقَّال‪ ،‬والثاني عن البطل‪.‬‬ ‫قر�أت ب�ضعة �أعداد من مجلتكم المباركة عن‬
‫زياد مبارك‬ ‫والحقيقة �أني �أ�شارك مجلتكم الغرَّاء في نقدها‬ ‫طريق �صديقي الذي ي�ستلمها منكم بانتظام‪،‬‬
‫بيروت‬ ‫للإعالن على الهاتف النقَّال الذي ال يراعي‪ ،‬ال‬ ‫ووجدتها فع ًال مجلة في غاية الروعة‪.‬‬
‫التوقيت المالئم وال اهتمامات �صاحب الهاتف‪،‬‬ ‫بارك اهلل لكم في جهودكم على هذا العمل‬
‫القافلة‪ :‬كما هو حال معظم الم�شاركين في‬ ‫والإخراج‪ .‬و�أتمنى �أن �أكون �صديقاً لكم‪ ،‬و�أح�صل بل ي�شكِّ ل اعتدا ًء عليه في بع�ض الأحيان‪ ،‬حتى‬
‫القافلة‪ ،‬يمكنك االطالع على كل التفا�صيل‬ ‫�أنني وعدد من �أ�صدقائي قررنا مقاطعة كل‬ ‫على المجلة لال�ستفادة من غناها العلمي‬
‫وتبادل الأفكار مع فريق تحرير المجلة‬ ‫المعلنين الذي ير�سلون �إلينا ر�سائلهم الإعالنية‬ ‫والثقافي‪ ،‬ولتكون عوناً لي على تو�سعة معارفي‬
‫من خالل «قافلة الأبحاث» على عنوانها‬ ‫ليالً‪ .‬ويا ليت يتم و�ضع �ضوابط قانونية تمنع‬ ‫وثقافتي‪.‬‬
‫الإلكتروني المذكور على الغالف الداخلي‪.‬‬ ‫المعلنين من �إر�سال ر�سائلهم الق�صيرة �إلى‬
‫من ال يرغب با�ستالمها‪ ،‬تماماً كما هو حال‬ ‫�أيمن ريا�ض النا�صيف‬
‫وقود حيوي و�أخالق ميتة‬ ‫ال�شركات المحترمة في تعاملها مع الإعالن‬ ‫دم�شق‪� ،‬سوريا‬
‫�أود �أن �أتوجه بالتحية �إلى الأ�ستاذ �أمجد‬
‫قا�سم الذي كثَّ ف في مقالته حول الوقود‬
‫الحيوي الجانب الأخالقي القبيح الذي‬
‫يتك�شف عنه اعتماد المحا�صيل الزراعية‬ ‫َّ‬ ‫المشتركون الجدد‬
‫لإنتاج الوقود‪ ،‬وما يت�سبَّ ب به الأمر من ارتفاع‬
‫في �أ�سعار المواد الغذائية وزيادة عدد الفقراء‬ ‫الإخوة‪ :‬عبداهلل بن نا�صر بن عبدالعزيز العروان‪ ،‬الريا�ض ‪ -‬محمد �أحمد عبداهلل القرقو�ش‪،‬‬
‫والجياع في العالم‪ .‬ومن حقِّنا �أن نت�ساءل عن‬ ‫الأح�ساء ‪ -‬عبدالرحيم محمد علي‪ ،‬الريا�ض ‪ -‬عبداهلل غازي الحربي‪ ،‬الخرج ‪� -‬أحمد عبداهلل‬
‫�أ�سباب �سكوت العالم بما فيه من منظمات‬ ‫العريفي‪ ،‬الريا�ض ‪ -‬عثمان �أبو الكالم ف�ضل �أحمد‪ ،‬جدة ‪ -‬الدكتور خالد ح�سن الجبالي‪ ،‬جامعة‬
‫�إن�سانية حول هذا الحل البائ�س لم�شكلة‬ ‫جازان ‪ -‬محمد مح�سن باروم‪ ،‬مكة المكرمة ‪ -‬مريم ح�سين العبدال�سالم‪ ،‬الأح�ساء ‪ -‬م�أمون‬
‫الطاقة‪ ،‬الذي لن يزيد العالم �إال ب�ؤ�ساً؟‬ ‫الدليمي‪ ،‬الواليات المتحدة ‪ -‬محمد بن مو�شي�ش‪ ،‬الجزائر ‪� -‬أحمد ح�سين‪ ،‬العراق ‪ -‬الدكتورة يمنى‬
‫رجب �إبراهيم‪ ،‬القاهرة ‪ -‬ح�سن علي الأحمدي‪ ،‬المدينة المنورة ‪ -‬محمد المزيدي‪ ،‬الأح�ساء ‪ -‬علي‬
‫�سليمان �أحمد فرحات‬ ‫ح�سن �آل �إ�سماعيل‪ ،‬القطيف ‪ -‬علي مح�سن ال�صيقل‪ ،‬تاروت ‪ -‬عبدالمطلب محمد حماد‪ ،‬الخرطوم‬
‫عمَّان ‪ -‬الأردن‬ ‫‪ -‬الدكتور عيد المطيري‪ ،‬جامعة الملك فهد للبترول والمعادن ‪ -‬عبدالعزيز النافع‪ ،‬الأح�ساء ‪ -‬رنا‬
‫زندقي‪ ،‬الأردن ‪ -‬عبداهلل �صالح المغربي‪ ،‬الجبيل ال�صناعية ‪ -‬ح�سين �سلمان الهاجري‪ ،‬الهفوف‬
‫‪ -‬محمد هادي �صادق الرم�ضان‪ ،‬الهفوف ‪ -‬فايزة الطلق‪ ،‬الواليات المتحدة ‪ -‬ح�سن ح�سين علي‪،‬‬
‫الخبر ‪ -‬ح�سن علي �شامان‪ ،‬القطيف ‪ -‬علي هالل التركي‪ ،‬تاروت ‪� -‬سليمان محمد البرعي‪ ،‬الخبر ‪-‬‬
‫خالد الع�صيمي‪ ،‬ر�أ�س تنورة ‪ -‬محمد �أحمد �آدم‪ ،‬نيجيريا ‪ -‬محمد بن �سعيد‪� ،‬سوي�سرا‪.‬‬

‫القافلة‪ :‬و�صلتنا عناوينكم وما طر�أ على بع�ضها من تعديل‪ ،‬ونر ِّحب بكم �أ�صدقاء لـ «القافلة» التي‬
‫�ست�صلكم �أعدادها بانتظام من الآن ف�صاعداً ‪�-‬إن �شاء اهلل‪.-‬‬
‫نافذة جديدة في بريد القافلة لكتابات‬
‫تناق�ش مو�ضوعات ُطرحت في �أعداد المجلة‬
‫فتكون �أكثر من ر�سالة و�أقل من مقال‪.‬‬
‫ق َّراء القافلة مدعوون �إلى الإ�سهام في هذا النقا�ش على �أن تكون كلمات الم�شاركة بين‬
‫‪ 300‬و‪ 600‬كلمة‪ ،‬مع احتفاظ فريق التحرير بحق االخت�صار �إذا دعت الحاجة �إلى‬
‫ذلك‪.‬‬
‫‪ - 6‬احر�ص على تقطيع ر�سالتك �إلى مقاطع‪ ،‬وخ�ص�ص مقطعاً لكل فكرة‪،‬‬
‫وتجنب المقاطع الطويلة المرهقة للقارئ (راجع �صيغ التحرير في ال�صحف‬ ‫لح�سن ا�ستخدام البريد الإلكتروني‬
‫والمجالت)‪.‬‬
‫�شجَّعني المبحث الذي قر�أته في العدد الأخير من مجلة «القافلة» حول‬
‫‪ - 7‬ال ت�ستخدم حقل (‪� )cc‬إال �إذا كان محتوى الر�سالة يحتِّ م ذلك‪ .‬فالبع�ض‬ ‫«ال�سكرتارية»‪� ،‬أن �أتوجه �إليكم بهذه الر�سالة حول البريد الإلكتروني‪ ،‬وبع�ض‬
‫ير�سل �أحياناً ر�سالة �إلى موظف هو المعني الأول والأخير بها‪ ،‬وير�سل منها‬ ‫العيوب التي ت�شوب بع�ض ا�ستخداماته عندنا‪ ،‬خا�صة في �صفوف �أولئك ممن ال‬
‫ن�سخة �إلى مدير هذا الموظف مثالً‪ ،‬علماً ب�أنه غير معني مبا�شرة بها‪ .‬وفي‬ ‫عهدة لهم ب�أعمال ال�سكرتارية‪ .‬فعلى ه�ؤالء �أن يعرفوا �أن للبريد الإلكتروني قواعده‬
‫هذه الحالة يك�شف الأمر عن وجود نوايا غير وا�ضحة مثل انعدام الثقة بهذا‬ ‫(الم�ستمدة �أ�ص ًال من البريد العادي)‪ ،‬و�أهمها ما ي�أتي‪:‬‬
‫الموظف �أو تحذيره ب�شكل غير مبا�شر من خالل القول‪ :‬لقد �أبلغت مديرك‬
‫�أي�ضاً‪.‬‬ ‫‪ - 1‬على المر�سل �أن يتذكر دائماً �أن م�ستلم ر�سالته هو كائن ب�شري ولي�س جهازاً‪.‬‬
‫�أي �أنه �سي�ستلم ر�سالته في وقت ال يمكن معرفة ما �سيكون عليه خالله مزاجياً‬
‫‪ - 8‬ال تكتب ر�سائل �إلكترونية �إال �إذا بدت لك الو�سيلة الأف�ضل‪ .‬لأن هناك و�سائل‬ ‫ونف�سياً وانهماكاً في �أعمال �أخرى‪.‬‬
‫ات�صال عديدة‪ ،‬منها ر�سائل الهاتف المحمول‪ ،‬واالت�صال الهاتفي‪ ،‬التي قد تفي‬
‫بالغر�ض في بع�ض الظروف ب�شكل �أف�ضل من الر�سالة الإلكترونية‪.‬‬ ‫‪ - 2‬تجنَّ ب العناوين الغام�ضة مثل «اجتماع»‪« ،‬راتب»‪�« ،‬س�ؤال» وما �إلى ذلك‪ .‬فخانة‬
‫العنوان تت�سع لأكثر من ذلك‪ ،‬وي�ستح�سن �أن يكون العنوان وا�ضحاً ومحدداً حتى‬
‫‪- 9‬ال تُ عِد �إر�سال الر�سالة الإلكترونية مرة ثانية بنا ًء على االفترا�ض فقط �أنها‬ ‫�أق�صى حد ممكن ي�سمح به ما بين خم�س وع�شر كلمات‪.‬‬
‫لم ت�صل بالإر�سال الأول‪ .‬بل ا�س�أل‪« :‬هل و�صلتك ر�سالتي بخ�صو�ص كذا؟»‪،‬‬
‫و�إذا كان الجواب نفياً‪ ،‬يمكنك عندها �أن تعيد �إر�سالها‪ .‬و�إذا لم تح�صل على‬ ‫‪ - 3‬اعرف �أن قارئ الر�سالة �سيكتفي بقراءة المهم فقط‪ ،‬و�سط طوفان الر�سائل‬
‫جواب‪ ،‬يمكنك �أن تعيد �إر�سال ر�سالتك بعد �إ�ضافة تنويه في مقدمتها ت�شير‬ ‫الإلكترونية‪ ،‬ولهذا عليك �أن تكثِّ ف المعلومات المهمة في الأ�سطر الأولى من‬
‫فيه �إلى �أنه �سبق �أن �أر�سلت هذه الر�سالة ولكن يبدو �أنها لم ت�صل‪.‬‬ ‫الر�سالة‪ .‬لأن كل ر�سالة تخ�ضع منذ الكلمات الأولى فيها لمحاولة م�ستلمها‬
‫تقييمها‪ ،‬ومعرفة ما �إذا كانت جديرة بالقراءة‪ ،‬وت�ستحق المتابعة‪.‬‬
‫‪ - 10‬ال تفتر�ض �أبداً �أنك ال�شخ�ص الوحيد الذي يرا�سل الطرف الآخر‪ .‬وال‬
‫يحق لك �أن تتوقع جواباً فورياً‪ .‬لأن الأمر مرتبط باطالع الآخر على بريده‬ ‫‪ - 4‬عدم الخوف من طول الر�سالة‪� ،‬إذا كان محتواها يتطلَّب ذلك‪� ،‬شرط �أن تكتب‬
‫الإلكتروني‪ .‬فهناك الكثيرون ممن يطلعون على بريدهم الإلكتروني مرة‬ ‫بعناية‪.‬‬
‫واحدة في اليوم‪ ،‬وقد يغيبون عن جهاز الكمبيوتر لبع�ض الأوقات‪ ،‬وحتى لعدة‬
‫�أيام ب�سبب ظروفهم الخا�صة‪.‬‬ ‫‪� - 5‬إذا كان محتوى المرفقات قاب ًال لأن يُ درج �ضمن ن�ص الر�سالة‪ ،‬يكون الأمر‬
‫�أف�ضل بكثير من �إر�ساله منف�صالً‪ ،‬لأن االنتقال من الر�سالة �إلى المرفق‬
‫يتطلَّب بع�ض الوقت‪ .‬كما �أنه قد يفوت الر�سالة تو�ضيح �أهمية المرفق الذي قد ‪ - 11‬تذكر دائماً �أن ما تكتبه في �أية ر�سالة �إلكترونية �سيبقى م�سج ًال با�سمك‬
‫ومح�سوباً عليك‪ ،‬حتى ولو محاها الم�ستلم بعد قراءتها‪ .‬فهي باقية في مكان‬ ‫يتجاهله الم�ستلم‪.‬‬
‫ما‪ ،‬يمكن لبرنامج معين �أن ي�ستعيدها ويحا�سبك عليها‪.‬‬

‫‪ - 12‬ال تُ فرط في تحويل الر�سائل الإلكترونية مثل تلك التي تحتوي على الطرائف‬
‫وال�صور الجميلة �إلى �أ�شخا�ص معينين وبا�ستمرار من دون نوعية �أخرى من‬
‫الر�سائل الخا�صة وال�شخ�صية‪ .‬لأن الم�ستلم �سيتعامل مع كل بريدك على‬
‫�أ�سا�س �أنه واحد‪ ،‬وقد ي�ستخف في قراءة ر�سالة بالغة الأهمية منك العتقاده‬
‫�أنها لن تكون مختلفة عن ر�سائلك الأخرى‪.‬‬

‫نزوى عبداهلل �سالم‬


‫بيروت‬
‫تعقيباً على مو�ضوع «ال�سكرتارية‪ ..‬البقاء للأ�صلح تكنولوجياً»‪« ،‬القافلة» عدد يناير‪-‬فبراير ‪2010‬‬
‫مار�س ‪� /‬أبريل ‪2010‬م‬

‫هل كان ابن ماجد حقاً مر�شد فا�سكو دي غاما؟‬


‫طالعت في العدد الثالث من المجلد الثامن والخم�سين من «القافلة» «ملف البحر»‬
‫الذي �أتى على ذكر �أحمد بن ماجد‪ ،‬الربَّ ان العربي ال�شهير‪ ،‬والذي يُ روى �أنه‬
‫كان مر�شداً للربان البرتغالي فا�سكو دي غاما‪ .‬الأمر الذي دفعني �إلى تناول هذا‬
‫الجانب والبحث في �صحته التاريخية‪.‬‬

‫الم�صدر الوحيد للرواية‬


‫�إن القول ب�أن ابن ماجد هو مر�شد فا�سكو دي غاما في رحلته من مالندي على‬
‫�ساحل �إفريقيا ال�شرقية �إلى الهند عام ‪1498‬م‪ ،‬لم يظهر عند �أي م�ؤرِّخ غير‬
‫قطب الدين النهرواني في كتابه «البرق اليماني في الفتح العثماني»‪ ،‬حيث‬
‫كتب عن البحارة البرتغاليين يقول‪ ..« :‬خل�ص منهم غراب (�سفينة) �إلى بحر‬
‫‪Corbis‬‬

‫الهند‪ ،‬فما زالوا يتو�صلون �إلى معرفة هذا البحر �إلى �أن دلَّهم �شخ�ص ماهر‬
‫من �أهل البحر يُ قال له �أحمد بن ماجد‪� ،‬صاحبه كبير الفرنجة وكان يقال له‬
‫كل ما تقدَّم ي�ؤكد �أن اتهام ابن ماجد بم�ساعدة دي غاما على الو�صول �إلى الهند هو‬ ‫الأملندي (يعني الملندي �أي الأميرال)‪ ،»..‬وظلَّت رواية النهرواني مهملة من‬
‫رواية غير �صحيحة‪ ،‬اختلقها النهرواني ليبرِّر بوا�سطتها الم�صائب التي حلَّت بهم‬ ‫تاريخ كتابتها �سنة ‪1577‬م‪ ،‬وحتى العام ‪1922‬م‪ ،‬حين اطَّ لع عليها الم�ست�شرق‬
‫نتيجة و�صول البرتغاليين �إلى الهند واحتكارهم �أ�سواق التوابل‪ ،‬من خالل �إلقاء‬ ‫الفرن�سي غبريال فران‪ ،‬وتبنَّ ى ما جاء فيها‪ ،‬من دون تدقيق‪ ،‬في مقال ن�شره‬
‫الم�س�ؤولية على �أكبر ا�سم معروف في عالم المالحة �آنذاك‪� ،‬أحمد ابن ماجد‪..‬‬ ‫في مجلة حوليات الجمعية الجغرافية في باري�س تحت عنوان «الربَّ ان العربي‬
‫اال�سم الذي ظل يتردد لقرون ك�أ�سطورة في الخليج العربي والمحيط الهندي‪.‬‬ ‫لفا�سكو دي غاما في القرن الخام�س ع�شر الميالدي»‪ ،‬ذكر فيها باال�سم ابن‬
‫ماجد على �أنه الربان العربي الذي �أر�شد �سفينة البرتغاليين �إلى الهند‪.‬‬
‫المر�شد الحقيقي‬
‫يذكر الم�ؤرِّخ البرتغالي خوان بارو�ش �أن ملك مالندي على ال�ساحل الإفريقي �أر�سل‬ ‫ومما يُ �ضعف رواية النهرواني �أكثر هو �أنه جعل و�صول فا�سكو دي غاما �إلى الهند‬
‫مر�شداً �إلى فا�سكو دي غاما يُ دعى المعلِّم كانكا‪ ،‬وهو من غوجرات في الهند‪.‬‬ ‫عام ‪1495‬م‪ ،‬علماً ب�أن ذلك ت َّم عام ‪1498‬م‪ .‬ولأن ابن ماجد مولود بين عامي ‪1432‬‬
‫وهناك م�ؤرخون برتغاليون كثيرون يذكرون «ماليمو كانكا» �أي المعلِّم كانكا‪.‬‬ ‫و‪1437‬م‪ ،‬ف�إنه كان على الأرجح قد اعتزل العمل البحري في العام ‪1498‬م‪.‬‬

‫وكان لقب المعلم يعطى لرئي�س البحارة في منطقة المحيط الهندي‪ ،‬و�أما كانكا‬ ‫و�إ�ضافة �إلى ما تقدَّم‪ ،‬ت�سقط رواية النهرواني من خالل االفتراءات وال�صفات‬
‫القبيحة التي و�ضعها الرجل في الربان العربي‪ ،‬الذي عرف عنه م�ؤرخون عديدون فهي كلمة هندية تعني العارف بالنجوم‪ .‬و�أحياناً يذكر البرتغاليون مر�شدهم با�سم‬
‫«الم�سلم من غوجرات»‪ .‬فلو كان هذا المر�شد عربياً لذكروا �أنه «الم�سلم العربي»‪.‬‬ ‫تقواه و�إيمانه‪ ،‬وهو القائل‪:‬‬
‫والمرجَّح �أن المر�شد المق�صود كان هندياً مقيماً في ال�ساحل ال�شرقي في �إفريقيا‪،‬‬ ‫ركبت‪ ،‬على ا�سم اهلل مجرى �سفينتي‬
‫و�أنه كان ي�أمل من وراء ذلك تمكينه من العودة �إلى وطنه‪ .‬ولم يكن �أبداً عربياً من‬ ‫وعجلت فيها بال�صالة مبادرا‬
‫طراز ابن ماجد‪ ،‬الذي يُ درك من دون �شك العواقب الكثيرة المترتبة على و�صول‬
‫ومما يثير الده�شة �أن النهرواني الذي لم يذكر م�صدر روايته‪ ،‬لم يعرف فا�سكو دي البرتغاليين �إلى الهند‪ ،‬ومناف�ستهم للتجار العرب‪.‬‬
‫غاما‪� ،‬إذ وُلد عام ‪1511‬م‪� ،‬أي بعد و�صول دي غاما �إلى الهند بنحو ‪� 14‬سنة‪ .‬كما‬
‫�صالح عبدال�ستار ال�شهاوي‬ ‫�أنه و�ضع كتابه عام ‪1577‬م‪� ،‬أي بعد رحلة دي غاما بنحو ثمانين �سنة‪ .‬فمن �أين‬
‫م�صر‬ ‫ا�ستقى معلوماته؟‬
‫تعقيباً على ملف القافلة «البحر»‪« ،‬القافلة» عدد مايو‪-‬يونيو ‪2009‬‬
‫في المقابل‪ ،‬ال نجد من الم�ؤرخين الذين عا�صروا ابن ماجد والنهرواني من‬
‫�أمثال عفيف الدين عبداهلل الطيب (‪1540 - 1465‬م) ووجيه الدين عبدالرحمن‬
‫ال�شيباني (توفي ‪1537‬م) من يذكر ما ذكره النهرواني‪� ،‬أو ي�شير من بعيد �أو قريب‬
‫�إلى قيام ابن ماجد ب�إر�شاد فا�سكو دي غاما على الطريق البحري �إلى الهند‪.‬‬
‫رات جديدة‬
‫�إ�صدا‬
‫قافلة النشر‬
‫الدار العربية‬
‫للعلوم ناشرون‬

‫�شرفة العار (رواية)‬ ‫قلب مفتوح‬ ‫القراءة ك�سياق له معنى‬ ‫مجازات الحداثة‬ ‫ال�شعر المنثور والتحديث‬
‫�إبراهيم ن�صر اهلل‬ ‫عبده وازن‬ ‫(مقاربات)‬ ‫د‪� .‬صالح زياد‬ ‫ال�شعري‬
‫علي ال�شدوي‬ ‫حورية الخملي�شي‬

‫دار الفكر العربي‬

‫�إيه �أبيك حبيبي (�شعر)‬ ‫�أ�شقر في كلية بنات (رواية)‬ ‫�أوراق م�سافر (مقاالت)‬ ‫الأماكن (رواية)‬ ‫با�ص رقم ‪( 9‬م�شاهد‬
‫عبدالرحمن القبي�سي‬ ‫�سناء القحطاني‬ ‫د‪� .‬إبراهيم الح�ضيبي‬ ‫ندى العريفي‬ ‫واقعية)‬
‫يا�سين ال�صالحي‬

‫فراديس للنشر والتوزيع‬

‫�سماء ثامنة تلفظني (رواية)‬ ‫ه�سه�سة التراب (رواية)‬ ‫بمقدار �سمك قدم (رواية)‬
‫�إيمان هادي‬ ‫عيد النا�صر‬

‫دار طوى للنشر والتوزيع‬

‫قلب الوردة (رواية)‬ ‫ظل قمي�ص �أبي�ض (رواية)‬ ‫م�ساء ي�صعد ال َّدرَج (رواية)‬ ‫ال�س�أم يتلون‬
‫وفاء العمير‬ ‫�سلمى الحقول‬ ‫عادل حو�شان‬ ‫دني غالي‬
‫مار�س ‪� /‬أبريل ‪2010‬م‬

‫نادي المنطقة‬
‫ال�شرقية الأدبي‬

‫ق�صيدة الوم�ضة (درا�سة‬ ‫وجوه ي�سترها العري‬ ‫الألم في اتجاه معاك�س‬ ‫�أمنيات حافية (مجموعة‬ ‫ربما غد ًا (مجموعة‬
‫تنظيرية تطبيقية)‬ ‫(ق�ص�ص ق�صيرة جد ًا)‬ ‫محمد مهدي الحمادي‬ ‫ق�ص�صية)‬ ‫ق�ص�صية)‬
‫هايل محمد الطالب و�أديب ح�سن محمد‬ ‫علي فايع الألمعي‬ ‫عقيلة �آل حريز‬ ‫�شيمة ال�شمري‬

‫الم�ؤ�س�سة العربية للدرا�سات والن�شر‬

‫كالم (الحب والوجوه‬ ‫يتوك�أ على عماه (�شعر)‬ ‫حقوق الإن�سان في روايات‬ ‫�سيا�سة الرمز (عن نهاية‬ ‫وطني �صحراء كبرى‬
‫والثورة)‬ ‫عبود الجابري‬ ‫عبدالرحمن منيف‬ ‫ثقافة الدولة الوطنية في‬ ‫�إبراهيم الكوني‬
‫محمود البياتي‬ ‫خديجة �شهاب‬ ‫العراق)‪ ،‬حيدر �سعيد‬

‫دار ال�ساقي‬

‫ليلة واحدة في دبي (رواية)‬ ‫�أحالم م�سروقة‬ ‫المنارة والبحَّ ار‬ ‫الأرجوحة (رواية)‬
‫هاني نق�شبندي‬ ‫ميادة كيالي‬ ‫جهاد فا�ضل‬ ‫بدرية الب�شر‬

‫رياض الريس‬
‫للنشر والكتب‬

‫تطور النظرة الإ�سالمية‬ ‫�سكين في خا�صرة‬ ‫منزل الأخت ال�صغرى‬


‫�إلى �أوروبا‬ ‫الأفق (�شعر)‬ ‫(�شعر)‬
‫خالد زيادة‬ ‫جمال محمد �إبراهيم‬ ‫ناظم ال�سيد‬

‫دار الفارابي‬

‫من العمارة �إلى المدينة‬ ‫بيروت في ق�صائد ال�شعراء‬ ‫الزهور ال�صفراء (حكايات‬ ‫ال�سيدة (�س) والحفلة‬ ‫الدواء‪ ..‬مافيا �أم �أزمة‬
‫رهيف فيا�ض‬ ‫�شوقي بزيع‬ ‫وق�ص�ص ق�صيرة)‬ ‫عبدالحليم البراك‬ ‫نظام؟‬
‫محمد المن�صور ال�شقحاء‬ ‫د‪� .‬إ�سماعيل �سكرية‬
La traduction est le fait d'interpréter le sens d'un texte dans une langue (« langue source », ou « langue de départ »), et de produire un texte ayan
un sens et un effet équivalents sur un lecteur ayant une langue et une culture différentes (« langue cible », ou « langue d'arrivée »).
Jusqu'ici, la traduction est restée une activité essentiellement humaine. Des tentatives ont cependant été faites pour automatiser et informatise
la traduction (traduction automatique), ou pour utiliser les ordinateurs comme support de la traduction humaine. (traduction assistée par ordina
teur)
Le but de la traduction est d'établir une équivalence entre le texte de la langue source et celui de la langue cible (c’est-à-dire faire en sorte que les
deux textes signifient la même chose), tout en tenant compte d'un certain nombre de contraintes (contexte, grammaire, etc.), afin de le rendre
compréhensible pour des personnes n'ayant pas de connaissance de la langue source et n'ayant pas la même culture ou le même bagage de
connaissances. Pour être à même de traduire, il ne suffit pas de maîtriser la langue source. Il est également et surtout nécessaire de maîtriser 13 12la
langue cible, qui est généralement la langue maternelle. Le traducteur possède plus que des compétences linguistiques : il a quelque chose de

‫قضــايـا‬
l'écrivain, du journaliste, etc. Il existe une différence entre la traduction, qui consiste à traduire des idées exprimées à l'écrit d'une langue vers une
autre, et l'interprétation, qui consiste à traduire des idées exprimées oralement ou par l'utilisation de parties du corps (langue des signes) d'une
langue vers une autre.
Bien que l'interprétation puisse être considérée un sous-domaine de la traduction au regard des processus mis en oeuvre (études en traduction),
en pratique ces activités requièrent des aptitudes très différentes.
Le processus de traduction peu être découpé en trois phases successives :
compréhension : assimilation du sens véhiculé par un texte, du vouloir dire d'un auteur… ; déverbalisation : oubli des mots et conservation du
sens ; « Opération par laquelle un sujet prend conscience du sens d'un message en perdant conscience des mots et des phrases qui lui ont donné
corps. » Sur le marché du travail, on distingue deux types de traduction : la traduction de textes techniques et la traduction littéraire. La majorité
des traducteurs professionnels traduisent des textes techniques.
La traduction technique concerne les documents tels que les manuels, feuillets d'instructions, notes internes, procès-verbaux, rapports financier
et autres documents destinés à un public limité (celui qui est directement concerné par le document) et dont la durée de vie utile est souvent lim
tée. Par exemple, un guide d'utilisateur pour un modèle particulier de réfrigérateur n'a d'utilité que pour le propriétaire du réfrigérateur, et rester
utile tant que ce modèle de réfrigérateur existera. De même, la documentation logicielle s'adresse généralement à un logiciel particulier, dont les
applications concernent une catégorie d'utilisateurs.
La traduction de textes techniques exige souvent des connaissances spécialisées dans un domaine particulier. Font partie des textes techniques
Les documents d'ordre technique (informatique, électronique, mécanique, etc.) ;
Les textes scientifiques (astronomie, médecine, géologie, etc.) ;
La traduction technique est un type de traduction souvent « anonyme » dans lequel le nom du traducteur peut ne pas être associé au document
traduit, tout comme certaines entreprises ne font pas mention des auteurs de guides d'utilisation des produits. Cependant, dans le cas de la
traduction de livres à contenu informatif, le traducteur sera mentionné dans la section de responsabilité primaire de l'item bibliographique du
livre. En général, la traduction technique est plus accessible et rapporte un salaire plus élevé que la traduction littéraire. Cette dernière est effec-
tuée avant tout par amour de la langue et du texte original, ou par volonté de faire connaître toutes les subtilités d'un texte admirable écrit en
langue étrangère. Selon l'école de pensée cibliste, il est nécessaire de privilégier l'exactitude des propos au détriment de la stylistique, lorsque cel
s'impose. Pour « faire passer son message », la traduction devra parfois remplacer les éléments culturels du texte original par des exemples équiv
alents, mais mieux connus des lecteurs de la culture d'arrivée. Le plus important demeure le « sens » du message que tente de véhiculer l'auteur.
Le traducteur doit d'abord faire passer ce message de manière idiomatique et naturelle pour le lecteur en langue d'arrivée, tout en demeurant
fidèle au langage, au registre et au ton employé par l'auteur du texte en langue de départ.
Selon l'école de pensée sourcière, le traducteur a la responsabilité de demeurer strictement fidèle à la forme du texte original. Le traducteur
devra donc reproduire tous les éléments stylistiques de l'original, employer le même ton, laisser tous les éléments culturels intacts et même (à
l'extrême) contraindre la langue d'arrivée à prendre la forme dictée par le texte de départ. Le traducteur sourcier veillera en premier lieu à ne pas
trahir le véhicule employé par l'auteur, et tâchera ensuite de bien restituer le sens du message.
Pour réaliser des traductions pragmatiques utiles, il est nécessaire de maîtriser le jargon du domaine et de savoir employer les bons termes ; une
traduction qui ne reflète pas l'usage courant et l'évolution de la langue de spécialité ne saurait intéresser ses lecteurs, au même titre qu'on n'écri
plus comme en 1750. Certains domaines (comme l'informatique) évoluent à une vitesse vertigineuse, au point où le jargon spécialisé de la langue
d'arrivée (par exemple le français) n'arrive pas à s'enrichir assez rapidement pour suivre l'évolution de la langue d'origine (par exemple l'anglais).
Dans cette situation, le traducteur peut être confronté à l'absence d'équivalent français (donc à la nécessité de créer un néologisme) ; à plusieurs
de néologismes à peu près équivalents ou à une alternative entre un terme relativement général et bien connu, et un terme plus précis, mais
moins employé. La traduction de logiciels (qui comporte deux phases distinctes, l'internationalisation et la régionalisation) est un processus qui
diffère de la simple traduction textuelle à divers degrés.
La traduction littéraire demande des aptitudes en stylistique, une bonne imagination et des connaissances culturelles étendues. Il s'agit de
reproduire l'effet intégral du texte original chez le lecteur en langue d'arrivée, autant que le sens des mots. La traduction doit être aussi plaisante
lire, et susciter les mêmes émotions que l'original, suivant l'adage de Cervantès : « ne rien mettre, ne rien omettre ». Les grands traducteurs, quel
que soit la langue, ont une formation très exigeante, études littéraires et universitaires, dans leur langue maternelle, langue vers laquelle ils
traduisent, mais aussi et surtout dans celle de laquelle ils traduisent – et grand nombre de traducteurs littéraires traduisent de plusieurs langues
Une difficulté bien connue des traducteurs, et dont on a peu conscience en dehors d'eux, est le fait que le texte à traduire est parfois déjà une
traduction, pas nécessairement fidèle, et qu'il faut, dans la mesure du possible, essayer de la dépasser pour remonter à l'original.
L'exemple classique est constitué par les Évangiles, dont les plus anciens manuscrits connus sont rédigés en grec ancien, mais nous rapportent
des propos vraisemblablement tenus en araméen ; comme les originaux éventuels dans cette langue semblent perdus, s'ils ont jamais existé, il e
résulte des querelles d'érudits, par essence interminables.
De nos jours, le phénomène s'est amplifié et se présente sous des formes diverses. Il y a d'abord l'utilisation consciente d'une langue-pont ; s'il fa
traduire en grec moderne un texte écrit en estonien, on pourra avoir du mal à dénicher un traducteur connaissant à la fois le
‫مار�س ‪� /‬أبريل ‪2010‬م‬

‫الترجمة‬
‫ق�ضية على نار‪ ..‬حامية؟‬
‫ه��ل كان ف��ي الأم��ر �صدف��ة �أن يُ عق��د م�ؤتم��ران لبح��ث ق�ضي��ة‬
‫الترجم��ة ف��ي كل م��ن الريا���ض وبي��روت في وق��ت واح��د؟ �أم �أن‬
‫هن��اك ح��راكاً و�ضع هذه الق�ضي��ة على نار حامية من��ذ �أن �صدر‬
‫تقرير الأمم المتحدة للتنمية الإن�سانية عام ‪2003‬م حول حال‬
‫الترجمة في البلدان العربية‪ ،‬والذي ك�شف �أن مجموع ما ترجمه‬
‫الع��رب من��ذ �أيام الم�أمون وحت��ى نهاية القرن الع�ش��رين هو �أقل‬
‫مما تترجمه �إ�سبانيا �سنوياً؟‬
‫الم�ؤتمر الأول الذي عُقد في الريا�ض من ‪� 28‬إلى ‪ 30‬دي�سمبر‪،‬‬
‫وه��و الثالث من نوع��ه الذي تنظِّ مه «الجمعية العلمية ال�س��عودية‬
‫للغ��ات والترجم��ة»‪ ،‬ح��دد مو�ضوع��ه ب��ـ «الترجم��ة والتعريب في‬
‫المملكة العربية ال�سعودية»‪� ،‬أما الثاني الذي عُقد يومي ‪30 29‬‬
‫دي�س��مبر تح��ت عنوان «بي��روت عا�صمة الكت��اب المترجم»‪ ،‬فقد‬
‫دع��ا �إليه «اتحاد المترجمين العرب» الذي ت�أ�س���س عام ‪2007‬‬
‫عن «المنظمة العربية للترجمة»‪ ،‬وتناول الق�ضية على الم�س��توى‬
‫العربي العام بكل �أبعادها‪.‬‬
‫وانطالق��اً مم��ا يك�ش��ف عن��ه ه��ذان الم�ؤتم��ران‪ ،‬ولي���س م��ن‬
‫ب��اب عر���ض م��ا ج��اء ف��ي �أوراق العم��ل الكثي��رة فيهم��ا‪ ،‬يتناول‬
‫�أحم��د عثمان واقع الترجمة في الب�لاد العربية والتحديات التي‬
‫تواجهه��ا وال��ر�ؤى المختلف��ة لم��ا يمك��ن به��ا �أن يرتق��ي به��ا �إلى‬
‫م�ستوى المعقول والمقبول‪.‬‬
‫‪15 14‬‬

‫وحول �ضخامة ح�صة الإنجليزية من المعارف الإن�س��انية‬ ‫‪UNDESA%10‬‬


‫ف��ي الوق��ت الحا�ض��ر‪ ،‬يق��ول الدكت��ور عبدالق��ادر فنتوخ‪:‬‬ ‫ه��ذا الرق��م بحد ذاته يعني �أن ‪ %90‬م��ن العرب ال غنى لهم عن الترجمة‬
‫«لقد باتت اللغة الإنجليزية لغة م�ش��تركة للبحوث العلمية‬ ‫لالط�لاع عل��ى الآداب والعل��وم غير العربي��ة‪ .‬لكن الم�س���ألة ال تتوقّف عند‬
‫ف��ي مختل��ف المج��االت‪ .‬فكثير م��ن الجامع��ات الألمانية‬ ‫هذا الحدّ‪� ،‬إذ ي�ضيف د‪ .‬مراياتي �أن ‪� 90‬إلى ‪ %93‬من الآداب والعلوم في‬
‫والياباني��ة‪ ،‬عل��ى �س��بيل المث��ال‪ ،‬تق��دِّ م درا�س��اتها العلي��ا‬ ‫العالم حالي ًا هي باللغة الإنجليزية‪ .‬وتتقا�سم الـ‪ %10‬المتبقية العربية مع‬
‫حالي�� ًا باللغ��ة الإنجليزي��ة‪ ،‬ولم يع��د ينظر �إلى ه��ذه اللغة‬ ‫(ف�ضل‬
‫ً‬ ‫لغات كبرى كالفرن�سية والألمانية والإيطالية والإ�سبانية واليابانية‬
‫كلغ��ة ذات �أه��داف ا�س��تعمارية‪ ،‬ب��ل يُنظ��ر �إليها كو�س��يلة‬ ‫ع��ن ‪ 6000‬لغ��ة حي��ة �أخرى)‪ ،‬جميعها �أن�ش��ط م��ن العربية‬
‫�أفرزه��ا التاريخ لعولم��ة التطور المعرفي عموماً‪ ،‬والبحث‬ ‫ف��ي الإنتاج المعرف��ي‪ .‬ون�صيبها من الـ‪ %10‬المتبقية �أكبر‬
‫العلم��ي والتقن��ي ب�ص��ورة خا�صة‪ .‬وبالطب��ع‪ ،‬ال يجوز لهذا‬ ‫ال �أن للعربية ‪%2‬‬ ‫م��ن ن�صي��ب العربي��ة‪ .‬ولو افتر�ضن��ا ج��د ً‬
‫التح��دي �أن يقو�ض جه��ود الترجمة والتعري��ب»‪ .‬طبعاً‪ ،‬ال‬ ‫م��ن مجموع العل��وم والآداب في العالم حالي�� ًا (وهو تقدير‬
‫يجوز ذلك‪ ،‬لأن ‪ %98‬من العرب �س��يبقون محرومين من‬ ‫أ�صل)‪ ،‬فالأمر يعني �أن ال�سواد الأعظم من العرب‬ ‫�س��خي � ً‬
‫االط�لاع على ه��ذه الأبحاث العلمية‪ ،‬والآداب �أي�ض ًا �إن لم‬ ‫محروم��ون م��ن ‪ %98‬من العل��وم والآداب الموجودة حالي ًا‬
‫تترجم �إلى لغتهم‪.‬‬ ‫�إن هي لم تجد من يترجمها لهم‪.‬‬
‫فم��ا تق��دَّم ال يعن��ي �أن الح��ل ه��و ف��ي الت�س��ليم ب��ـ «االنتق��اء‬ ‫عن��د االطالع على ح�صة الإنجليزي��ة المهولة من مجموع‬
‫الطبيع��ي» و«انهي��ار العربي��ة» تح��ت ال�ضغوط��ات الخارجية‬ ‫العل��وم والآداب العالمية‪ ،‬قد يتبادر �إلى خاطر القارئ �أن‬
‫بحي��ث يب��دو وك�أن ن�ش��ر التعلي��م بالإنجليزي��ة ه��و الحل‪ .‬فلو‬ ‫اللح��اق برك��ب الإنجليزية �أم ٌر م�س��تحيل‪ ،‬و�أنه ربما علينا‬
‫عدن��ا �إلى �أرقام الأم��م المتحدة‪ ،‬لوجدنا �أن كل لغات العالم‬ ‫�أن ن��درك �أن قان��ون االنتق��اء الطبيعي ينطب��ق �أي�ض ًا على‬
‫ه��ي حالي�� ًا في محنة «الع�ش��رة في المئة» ذاته��ا‪ ،‬غير �أنها ال‬ ‫اللغات‪ :‬اللغات العاجزة عن �إثبات نف�سها تموت‪ ،‬واللغات‬
‫تجع��ل م��ن هذه المحنة ذريعة لوقف جه��ود الترجمة عندها‬ ‫الأر�ش��ق تبقى‪ .‬العربية فع ًال في خط��ر‪ ،‬وهذا الأمر يلفت‬
‫واال�ست�س�لام للإنجليزي��ة‪� .‬إذ �إن الترجم��ة‪ ،‬ومهم��ا بلغ��ت‬ ‫النظ��ر �إلي��ه مدي��ر ع��ام المنظم��ة العربي��ة للترجم��ة د‪.‬‬

‫تكلفتها من جهود تبقى �أقل تكلفة من الت�ضحية بلغة قومية‪،‬‬ ‫الطاهر لبيب في كلمة المنظمة‪ ،‬حيث يقول ال �شيء يمنع‬
‫�إل��ى درج��ة �أن معظم �ش��عوب العال��م (بمعنى كله��ا) ترف�ض‬ ‫العربية من �أن تلقى نف�س م�صير الالتينية‪ ،‬بحيث ت�صبح‬
‫و�ض��ع مكان��ة لغتها مو�ض��ع �أية م�س��اومة مهما كان��ت النتائج‬ ‫لغ��ة ال يعرفه��ا �إال نخب��ة رجال الدي��ن‪ .‬بالفعل‪ ،‬ما ي�ش��فع‬
‫المتوخاة من هذه الم�ساواة‪.‬‬ ‫للعربي��ة حتى الآن هو حفظ الق��ر�آن الكريم لها‪ ،‬و�إ�صرار‬
‫معظ��م جه��ات الإنت��اج المعرف��ي والإعالم��ي ف��ي الوطن‬
‫�أم��ا بخ�صو���ص لماذا علين��ا �أن نترجم ب�أنف�س��نا‪ ،‬عو�ض ًا عن‬ ‫العربي على اعتماد الف�صحى حتى الآن‪.‬‬
‫ت��رك باق��ي الدول تترج��م �أعماله��ا �إل��ى العربية (وه��و �أمر‬
‫مار�س ‪� /‬أبريل ‪2010‬م‬ ‫الترجمة‪..‬‬

‫تل��ى ع�صر الظلم��ة العربية نظيره الأوروب��ي‪ ،‬فهمدت حركة‬ ‫يح�ص��ل بالفع��ل حالياً)‪ ،‬ف�س���ؤا ٌل يجيب عن��ه د‪ .‬مراياتي في‬
‫الترجم��ة �أ�س��و ًة بغيره��ا م��ن مظاه��ر الثقاف��ة ف��ي العال��م‬ ‫المعر�ض نف�س��ه‪ ،‬عندما يق��ول �إننا �إذا نظرنا �إلى �سيا�س��ات‬
‫العرب��ي‪ .‬ث��م ع��ادت فظه��رت ف��ي ب�لاد ال�ش��ام وم�ص��ر ف��ي‬ ‫ال��دول ف��ي دعم الترجمة م��ن لغتها‪ ،‬نجد العنا�ص��ر التالية‪:‬‬
‫الق��رن التا�س��ع ع�ش��ر‪ .‬وه��ي المرحلة الت��ي ناق�ش��ها الدكتور‬ ‫«ت�صدي��ر غي��ر تناف�س��ي‪ ،‬ل�س��لعٍ ا�س��تهالكية ولي���س �إنتاجية‪،‬‬
‫ولثقاف��ة و ِقيَ��م الدول��ة ولي���س المعرف��ة‬
‫التناف�سية»‪.‬‬

‫فما الذي يعنيه ذلك؟‬


‫ال�ش��طر الأول يعن��ي �أن ال��دول الأجنبي��ة‬
‫م�س��تعدة بالفع��ل لدعم الترجم��ات من لغتها‬
‫�إلى العربية‪� ،‬إال �أنها ال تهدف من هذا العمل‬
‫�أن تدخل ال�س��وق ب�ش��كل تناف�س��ي‪� ،‬إنما لرفع‬
‫العت��ب �إن �ص��ح التعبي��ر‪ .‬م��ن هن��ا‪ ،‬ي�صع��ب‬
‫التوق��ع �أن يك��ون ع��دد الطبعات ل��كل ترجمة‬
‫كبي��راً‪ .‬والأه��م‪ ،‬ال يمك��ن االعتم��اد عل��ى �أن‬
‫نوعية الترجمة �ستكون جيدة‪.‬‬

‫ال�شطر الثاني يخ�ص «ال�سلع» المترجمة‪� ،‬أي‬


‫الكتب نف�س��ها‪ :‬لي���س من م�صلحة دور الن�شر‬
‫الأجنبي��ة �أن تترج��م كتب ًا لن ُتب��اع‪ ،‬ومن هنا‬
‫فهي �س��تح�صر �إنتاجها بالكتب اال�ستهالكية‬
‫مثل)‪،‬‬‫(كت��ب اليوغا والجمال والأكثر مبيع ًا ً‬
‫ال الإنتاجي��ة (الكت��ب العلمي��ة والفل�س��فية‬
‫مثل)‪ ،‬وللأ�سف النوع الثاني من‬ ‫والتاريخية ً‬
‫الكتب هو ما يحتاجه العرب حالياً‪.‬‬

‫�أخيراً‪ ،‬ال�ش��طر الثالث ي�ش��رح نف�س��ه بنف�سه؛‬


‫عبد اللّطيف عبيد‪ ،‬نائب رئي���س اتح��اد المترجمين العرب‪،‬‬ ‫ولئ��ن كان االط�لاع عل��ى الثقاف��ات والقي��م المغاي��رة م��ن‬
‫والدكتور ق�صي الح�س��ين‪ .‬وكانت العربية التي طالعت ه�ؤالء‬ ‫م�صلح��ة الق��ارئ العرب��ي‪� ،‬إال �أن نظام�� ًا قرائي�� ًا تغي��ب عن��ه‬
‫المترجمي��ن ف��ي ح��ال حرج��ة‪ ،‬حي��ث �إن ال�صيغ��ة الموحدة‬ ‫المعرفة التناف�سية هو نظا ٌم غير فعَّال على �صعيد التنمية‪.‬‬
‫منه��ا كان��ت في ح��ال تحج��ر و�صد�أ نتيج��ة الق��رون الطويلة‬
‫من قلَّة اال�س��تعمال‪ .‬ونظر ًا لهذه الحال‪ ،‬ا�ضطر المترجمون‬ ‫ف��ي كل الأح��وال‪ ،‬ال يخفى على �أحد �أن الع��رب لهم با ٌع طوي ٌل‬
‫الأوائ��ل �إل��ى تحدي��ث العربي��ة‪ ،‬ال حب�� ًا به��ا بق��در حاجته��م‬ ‫ف��ي الترجمة‪ .‬فقد عرف العرب الترجمة منذ الع�صر الأموي‬
‫لتي�س��ير عملهم وتوحي��د لغة الترجمة الم�س��تقبلية‪ .‬وكان في‬ ‫وطوروها‪ ،‬ح�س��بما يقول رئي���س اتح��اد المترجمين العرب د‪.‬‬
‫ه��ذا العم��ل م�س��اهمة جبَّ��ارة ف��ي بع��ث العربية‪ ،‬كم��ا نتجت‬ ‫�ش��حادة الخوري ف��ي كلمة المنظمة العربي��ة للترجمة‪ ،‬بحيث‬
‫عن��ه �أكثر مناهج الترجمة الحديثة‪ ،‬كمنهج يعقوب �صرّوف‪،‬‬ ‫بلغت �أوجها خالل الع�صر العبا�س��ي‪ .‬وي�شهد التاريخ الأوروبي‬
‫و�أحمد فار�س ال�شدياق‪ ،‬وجرجي زيدان‪ ،‬ونا�صيف اليازجي‪،‬‬ ‫للعربي��ة �أنه��ا �أدت دور حاف��ظ وناق��ل المعرف��ة الكال�س��يكية‬
‫وغيره��م‪ ،‬مم��ن غطّ ��وا مج��االت ال�ص��رف وال ّنح��و والبي��ان‬ ‫خالل ع�صور الظلمة الأوروبية‪ :‬ذلك �أن العرب انكبّوا في تلك‬
‫واال�ستطراد والمجاز وغيرها من مجاالت اللغة العربية‪.‬‬ ‫الفت��رة عل��ى ترجم��ة الن�صو���ص الكال�س��يكية (�أي الإغريقية‬
‫والروماني��ة) ف��ي جمي��ع المجاالت م��ن فل�س��فة و�أدب وعلوم‪.‬‬
‫من جهة �أخرى‪ ،‬و�ضع الدكتور عبيد حركة الترجمة اللبنانية‬ ‫وتالزم بدء ع�صر النه�ضة الأوروبية مع �إقبال الأوروبيين على‬
‫�ضمن �إطارها المو�سّ ع‪ ،‬ذاكر ًا �أن م�صر كانت في حال ن�شاط‬ ‫درا�سة الن�صو�ص الكال�سيكية‪ ،‬ولما كانت بع�ض المخطوطات‬
‫اقت�ص��ادي خ�لال الن�صف الثاني من القرن التا�س��ع ع�ش��ر‪،‬‬ ‫الأ�صلي��ة قد �ضاع��ت �أو َت ُلفَت بطبيعة الحال‪ ،‬كانت الترجمات‬
‫وكان��ت بالتال��ي بحاج��ة لأنا���س مزدوجي اللغة ف��ي مجاالت‬ ‫العربية لتلك المخطوطات المرجع الوحيد لها‪.‬‬
‫التجارة والإدارة‪ ،‬ما جذب «ال�ش��وام» �إليها‪ .‬و�أن الم�شهد في‬
17 16
‫مار�س ‪� /‬أبريل ‪2010‬م‬ ‫الترجمة‪..‬‬

‫العرب��ي ق��د �أ�صبح ‪ 2000‬كت��اب �س��نوياً‪ .‬فالم�ؤك��د �أن تقرير‬ ‫تون�س كان م�شابهاً‪ ،‬ذلك �أن البايات «كانوا مت�أثرين بما ر�أوا‬
‫الأم��م المتح��دة و�ض��ع الترجمة العربي��ة في دائ��رة ال�ضوء‪،‬‬ ‫في باري�س‪ ،‬وبالنه�ضة في م�صر»‪ ،‬ما �أ�س�س لنه�ضة �إ�صالحية‬
‫حي��ث �ش��هدت منذ ع��ام ‪2003‬م ع��دد ًا من المب��ادرات‪ ،‬من‬ ‫ي�س��مّي‬
‫احتاجت‪ ،‬هي الأخرى‪� ،‬إلى مزدوجي لغة‪ .‬من ه�ؤالء‪ِ ،‬‬
‫�أهمه��ا �إط�لاق مكتب��ة المل��ك عبدالعزي��ز العام��ة بالريا�ض‬ ‫د‪ .‬عبيد �أحمد فار���س ال�ش��دياق الذي قطن تون�س بين عامي‬
‫جائ��زة عالمي��ة للترجم��ة با�س��م «جائ��زة خ��ادم الحرمي��ن‬ ‫‪ 1857‬و‪1860‬م‪ ،‬وب��ول فان�س��نت فارلين��ي (كان �إيطال��ي‬
‫ال�شريفين الملك عبداهلل بن عبدالعزيز العالمية للترجمة»‪،‬‬ ‫الأ�صل)‪ ،‬الذي �أ�س�س مجلة «عطارد» وجريدة «الرائد»‪ ،‬ناق ًال‬
‫من �أجل تبادل المعارف وتقوية التفاعل بين الثقافة العربية‬ ‫عن مجلة «الجوائب» لل�شدياق ما كان هذا الأخير قد ترجمه‬
‫والثقافات الأخرى‪ ،‬ودعم حوار الح�ضارات والثقافات‪ .‬وهي‬ ‫لفولتير‪ .‬قال فارليني عن نف�سه �إنه «ديموكرات»‪ ،‬م�ستخدم ًا‬
‫تتكون من خم���س جوائز �س��نوية تقديرية للأعمال المتميزة‬ ‫الكاف ال القاف‪� ،‬إذ لم يكن �آنذاك قد تر�سّ ��خ التقليد المتّبع‬
‫والجه��ود البارزة في مج��االت‪ :‬العلوم الإن�س��انية من اللغات‬ ‫حالي�� ًا ف��ي الترجم��ة‪ ،‬والقا�ض��ي بتفخي��م �أح��رف اللفظ��ات‬
‫الأخ��رى �إل��ى اللغة العربي��ة‪ ،‬وفي العلوم الإن�س��انية من اللغة‬ ‫�أوروبي��ة الأ�ص��ل ع َّله��ا تب��دو عربي��ة الأ�صل‪.‬‬
‫العربي��ة �إل��ى اللغ��ات الأخ��رى‪ ،‬وف��ي العل��وم الطبيعي��ة م��ن‬ ‫الأه��م من هذا‪ ،‬نق��ل فارليني في مطبوعتيه‬ ‫معدَّل ما كانت‬
‫اللغ��ات الأخرى �إلى اللغة العربي��ة‪ ،‬وفي العلوم الطبيعية من‬ ‫�أ�صداء الحركتين العمالية والن�سائية‪ ،‬وكان‬ ‫تترجمه الدول العربية‬
‫اللغ��ة العربية �إلى اللغات الأخرى‪ ،‬وجائ��زة الترجمة لجهود‬ ‫��ال على المترج��م كناقلٍ للفكر‪،‬‬ ‫ف��ي ذلك مث ً‬ ‫كان ‪ 175‬كتاباً في‬
‫الم�ؤ�س�سات والهيئات‪.‬‬ ‫�إ�ضاف ًة �إلى اللغة‪.‬‬ ‫ال�سنة‪� ،‬أي خُم�س ما‬
‫تترجمه دولة واحدة مثل‬
‫وم��ن المب��ادرات �أي�ض�� ًا اتفاقي��ة مدين��ة المل��ك عبدالعزي��ز‬ ‫يذكِّ��ر رئي���س اتح��اد المترجمي��ن الع��رب د‪.‬‬ ‫اليونان‬
‫للعل��وم والتقني��ة (‪ )KACST‬م��ع المنظم��ة العربي��ة للتربي��ة‬ ‫�ش��حادة الخ��وري �أن الم��ادة ‪ 9‬ف��ي ميث��اق‬
‫والثقاف��ة (الإ�س��كوا) لإ�ص��دار ‪ 40‬كتاب�� ًا مترجم�� ًا في عامي‬ ‫ن�صت‬ ‫ت�أ�سي�س الجامعة العربية عام ‪1945‬م‪ّ ،‬‬
‫‪ 2010‬و‪2011‬م‪ .‬وهن��اك �أي�ض�� ًا برنام��ج «ترج��م» الخا���ص‬ ‫على ت�شجيع حركة الترجمة‪ .‬ويبدو �أن هذه المادة بقيت حبر ًا‬
‫بم�ؤ�س�س��ة محم��د ب��ن را�ش��د �آل مكت��وم‪ ،‬ومب��ادرة «كلم��ة»‬ ‫عل��ى ورق‪ .‬ف���إذا قفزنا في الزمن نحو بداية ال�س��بعينيات من‬
‫الخا�صة بهيئة �أبوظبي للثقافة والتراث‪.‬‬ ‫الق��رن المي�لادي الما�ضي‪ ،‬نج��د �أن معدل م��ا كانت تترجمه‬
‫ال��دول العربي��ة مجتمعة بلغ ‪ 175‬كتاب ًا في ال�س��نة �آنذاك‪ .‬بعد‬
‫وعلى �صعيد �إعداد الكفاءات المتخ�ص�صة الالزمة للنهو�ض‬ ‫ذلك بثالثين عاماً‪� ،‬أي ببداية القرن الواحد والع�ش��رين‪ ،‬كان‬
‫بحرك��ة الترجم��ة ال بد من الإ�ش��ارة �إلى زيادة ات�س��اع دوائر‬ ‫المعدل نف�سه قد �صار ‪ 330‬كتاباً‪ .‬هذه الأرقام‪ ،‬وغيرها‪ ،‬كان‬
‫تدري�س��ها جامعي��اً‪ .‬ففي المملكة ارتفع ع��دد كليات الترجمة‬ ‫الم�ؤلّف �ش��وقي جالل قد �س��بق ون�ش��رها عام ‪1999‬م‪� ،‬إال �أنها‬
‫�إلى �س��ت كليات في الجامعات المرموق��ة مثل جامعة الملك‬ ‫ا�ش��تهرت عندما نُ�ش��رت �ضمن تقرير الأمم المتحدة للتنمية‬
‫�س��عود‪ ،‬وجامع��ة الملك عبدالعزي��ز‪ ،‬وجامع��ة الإمام محمد‬ ‫الإن�سانية في البلدان العربية عام ‪2003‬م‪.‬‬
‫ابن �س��عود الإ�س�لامية‪ ،‬وجامعة الملك خالد‪ ،‬وجامعة نايف‬
‫العربي��ة‪ ،‬وجامعة الأميرة نورة بنت عبدالرحمن‪ .‬ولو �أخذنا‬ ‫تعن��ي ه��ذه الأرقام �أن م��ا تترجمه الدول العربي��ة مجتمع ًة هو‬
‫جامعة الملك �سعود على �سبيل المثال لوجدنا �أن كليتها التي‬ ‫م�س ما تترجمه اليونان‪ .‬علم ًا ب�أن اليونان هي من �أفقر دول‬ ‫خُ ُ‬
‫ت�أ�س�س��ت �أو ًال ف��ي الع��ام ‪1397‬هـ تحت ا�س��م «مرك��ز اللغات‬ ‫االتحاد الأوروبي و�أقلها ن�شاط ًا في مجال الإنتاج الثقافي‪ .‬و�إن‬
‫الأوروبي��ة والترجم��ة» الذي تح��ول الحق ًا �إل��ى «معهد اللغات‬ ‫ق�سمنا عدد الكتب المترجمة على عدد ال�سكّان‪ ،‬نجد �أن هناك‬
‫والترجمة»‪ ،‬قبل �أن يتحول المعهد �إلى كلية متكاملة‪ ،‬تدر ‪11‬‬ ‫‪ 4.4‬كتاب يُترجَ م كل �س��نوات خم���س لكل مليون عربي‪� ،‬أي �أقل‬
‫لغة �أجنبية‪ ،‬وتعد اخت�صا�صيين في الترجمة من هذه اللغات‬ ‫م��ن كتاب واحد �س��نوي ًا ل��كل مليون عربي‪ .‬في حق��ل المقارنة‪،‬‬
‫�إلى العربية‪ ،‬ومن العربية �إليها‪.‬‬ ‫وف��ي الفت��رة الزمنية نف�س��ها (من ع��ام ‪ 1981‬حتى ‪1985‬م)‪،‬‬
‫كانت هنغاريا مث ًال تترجم ‪ 519‬كتاب ًا لكل مليون �شخ�ص فيها‪،‬‬
‫وم��ن المبادرات العربية الأخرى‪ ،‬نذكر قيام جامعة دم�ش��ق‬ ‫وكان��ت �إ�س��بانيا تترج��م ‪ 920‬كتاب ًا ل��كل مليون �ش��خ�ص فيها‪.‬‬
‫بت�أ�سي���س المعه��د العال��ي للترجم��ة والترجم��ة الفورية فيها‬ ‫محلي��اً‪ ،‬وا�س��تناد ًا �إل��ى مكتب��ة الملك فه��د الوطني��ة‪ ،‬كما جاء‬
‫عام ‪2006‬م‪ ،‬الذي يبدو �أنه يبلي بال ًء ح�سناً‪ ،‬وهو في الواقع‬ ‫ف��ي بحث ن�ش��رته جريدة ال�ش��رق الأو�س��ط‪ ،‬ف�إن حج��م النتاج‬
‫تخ�ص�صاته تعمل‬ ‫ي�ستعد لتخريج دفعته الثالثة الآن‪ ،‬كما �أن ّ‬ ‫المترجم في ال�س��عودية خالل ‪� 42‬س��نة من��ذ عام ‪ 1966‬وحتى‬
‫عل��ى ثالث��ة م�س��تويات‪ ،‬ه��ي الترجم��ة‪ ،‬والترجم��ة الفوريّ��ة‪،‬‬ ‫‪2007‬م و�صل �إلى ‪ 2200‬كتاب‪� ،‬أي بمعدل ‪ 52‬كتاب ًا �سنوياً‪.‬‬
‫والترجم��ة ال�س��مع‪-‬ب�صرية‪ .‬وتق��ول الدكت��ورة لبان��ة م�ش��وح‬
‫�أم��ا اليوم‪ ،‬في�ؤكِّ��د د‪ .‬الطاهر لبيب ف��ي محا�ضرته المعنْونة �إن ت�أ�سي���س المعه��د ج��اء تجاوب ًا مع حاجة ال�س��وق ال�س��ورية‬
‫«مفارق��ات الترجم��ة العربي��ة»‪� ،‬أن الرق��م عل��ى الم�س��توى المتزايدة لمترجمين‪ ،‬ال �س��يما و�أنها تعي���ش نه�ضة وانفتاح ًا‬
‫على العالم الخارجي‪ ،‬و�أن طاقم الترجمة‪ ،‬ال �سيما الترجمة الكتاب با�سمه في نهاية المطاف على �أنه من ترجمته هو‪.‬‬
‫الفوري��ة‪ ،‬فيه��ا �صغي��ر وال يمكن��ه �أن يبق��ى كم��ا ه��و‪ .‬ويركز‬
‫المعه��د عل��ى �أن يك��ون طالبه م��ن مختلف المج��االت‪ ،‬على وما غياب االحترافية �إال �إحدى الم�ش��كالت الموجودة �ضمن‬
‫اعتب��ار �أن التمكّ��ن م��ن المجال ه��و �أحد عوام��ل الجودة في مجتم��ع الترجمة والمترجمين‪� ،‬إذ يذك��ر الباحث والمترجم‬
‫في المنظمة العربية للترجمة د‪ .‬جورج كتورة في محا�ضرته‬ ‫الترجمة‪.‬‬ ‫‪19 18‬‬

‫المعنون��ة «ترجم��ة الفل�س��فة ‪ -‬التجرب��ة والممار�س��ة» �أن‬


‫�إل��ى ذلك‪ ،‬تجدر الإ�ش��ارة �إل��ى دور مركز الأه��رام للترجمة م�ؤ�س�س��ات الترجمة غير �ش��فافة فيما بينه��ا‪ ،‬و�أن هذا يفوّت‬
‫والن�ش��ر‪ ،‬وهو من �أقدم مراك��ز الترجمة الحديثة في م�صر‪ ،‬عليها فر�ص ًا كثيرة للتن�س��يق وتبادل الخبرات‪ ،‬كما �أن هناك‬
‫�إذ ت�أ�س���س ع��ام ‪1975‬م با�س��م «مرك��ز الأه��رام للترجم��ة م�ش��كلة غي��اب التوحيد ف��ي الم�صطلحات (و�إذا م��ا و�ضعنا‬
‫العلمي��ة»‪ ،‬ثم �أعيدت ت�س��ميته با�س��مه الحالي ع��ام ‪1985‬م‪ .‬الترجم��ة الم�ش��رقية ونظيرته��ا المغربي��ة الواح��دة مقاب��ل‬
‫وق��د �أ�صدر ‪ 360‬كتاب ًا حتى الآن‪ ،‬ويعمل على الأخرى‪ ،‬تت�ضح حدة الم�شكلة �أكثر و�أكثر)‪.‬‬
‫كل م��ن �صعي��دي الكت��ب الفردي��ة و�سال�س��ل‬ ‫رقم ‪ 2000‬كتاب‬
‫الكت��ب‪ ،‬كم��ا تعتمده الأم��م المتّحدة والبنك ولك��ن �أن يك��ون غي��اب االحترافي��ة ه��ذا �أح��د عنا�ص��ر‬ ‫�سنوياً الحالي هو‬
‫الدولي لترجم��ة تقاريرها ووثائقها‪ .‬وهناك الق�ضي��ة‪ ،‬فه��ذا ال يعني �أبد ًا غي��اب المحترفين‪ .‬ففي م�ؤتمر‬ ‫�أف�ضل من الرقم‬
‫�أي�ض ًا المركز القومي للترجمة الذي ت�أ�س���س الريا�ض‪ ،‬ك�ش��ف رئي���س ق�س��م الترجمة في �أرامكو ال�سعودية‬ ‫ال�سابق‪� ،‬إال �أننا ال نن�سى‬
‫ع��ام ‪2006‬م‪ ،‬وه��و ا�س��تكمال للم�ش��روع عبدالمح�س��ن الدروي�ش‪� ،‬أن ال�ش��ركة تترجم ما متو�سطه ‪10‬‬
‫�أنه ي�شمل �إنتاج جميع‬
‫القوم��ي للترجم��ة ال��ذي �أطلق��ه المجل���س ماليي��ن كلم��ة من الن�صو���ص المتخ�ص�صة كل �س��نة (�أي ما‬ ‫الدول العربية‬
‫الأعل��ى للثقاف��ة ف��ي م�ص��ر‪ .‬ويق��وم بترجمة يع��ادل محت��وى نح��و مئ��ة مجلد م��ن الحجم الكبي��ر)‪ .‬ومثل‬
‫الأعم��ال م��ن �ش��تى الميادي��ن الأدبي��ة‪ ،‬م��ن هذا الأداء «الداخلي» والخا�ص بم�ؤ�س�س��ة واحدة ي�ؤكد وجود‬
‫الإبداع الق�ص�صي �إلى روائع الدراما و�سل�س��لة ال�ش��عر وعالم كفاءات عربية يمكنها �أن تعطي �أكثر بكثير مما تعطي حالياً‪،‬‬
‫الطفل‪ .‬وهناك �أي�ض ًا مكتبة الإ�س��كندرية التي لديها برنامج فيم��ا ل��و توافرت له��ا البيئة ال�صالح��ة والتدري��ب والرعاية‪.‬‬
‫متكام��ل لترجم��ة الت��راث الإن�س��اني ككل‪ ،‬ورغ��م عمره��ا فخارج مجتمع الترجمة والمترجمين‪ ،‬هناك م�شكلة التمويل‬
‫ال�صغير (افتتحت عام ‪2002‬م)‪� ،‬إال �أنها من �أكبر المكتبات والرعاي��ة‪ ،‬اللذان ال ي��زاالن �ضعي َفيْن‪ ،‬والمب��ادرات الأخيرة‬
‫الفرنكوفونيّة في العالم‪ ،‬كما تندرج �ضمنها مكتبة �س��معية‪ -‬حمي��دة لك ّنه��ا غير كافية‪ ،‬كما �أنها مب��ادرات فردية‪ ،‬بمعنى‬
‫ب�صري��ة‪ ،‬و�أخرى للمكفوفين‪ ،‬و�أخ��رى للمايكروفلم‪ ،‬و�أخرى �أن الحكوم��ات العربي��ة �إجم��ا ًال ال ت��زال غائب��ة عن ال�سّ ��مع‪.‬‬
‫ورق��م ‪( 2000‬كتاب �س��نوياً) الحالي هو رق��م جميل‪� ،‬إال �أننا‬ ‫للكتب النادرة‪.‬‬
‫ال نن�س��ى �أنه يخ�ص ال��دول العربية مجتمعة‪ ،‬وهذا يعني �أننا‬
‫تج��در الإ�ش��ارة �إل��ى �أن��ه م��ن �أول �إنج��ازات جامع��ة ال��دول ال ن�ستطيع �أن ننام قريري الأعين على �سرير الألفي كتاب‪.‬‬
‫العربي��ة كان ت�أمي��ن الإطار الت�ش��ريعي الداع��م للتعريب في‬
‫تن�ص المادة ‪ 9‬في بند ت�أ�سي�س��ها على الحلول متنوعة بتنوع الم�شكالت‪ ،‬وهي متوافرة على �أ�صعدة‬ ‫الوط��ن العربي‪ ،‬حيث ّ‬
‫ف�ض�لا عن ذلك‪ ،‬تن�ض��وي �ضمنها جمي��ع الأط��راف المعنيين‪ ،‬وهم المترجم��ون‪ ،‬والحكومات‪،‬‬ ‫ت�ش��جيع حرك��ة الترجمة‪ً .‬‬
‫المنظّ م��ة العربي��ة للتربي��ة والثقافة والعلوم (�ألي�س��كو) التي والأفراد‪.‬‬
‫تعن��ى ب�ش���ؤون الترجمة والت��راث العربي �ضم��ن هيكلية عمل‬
‫عل��ى �صعي��د المترجمي��ن‪ ،‬ي�ش��ير د‪ .‬مراياتي �إلى �أن م�ش��كلة‬ ‫م�شابهة لنظيرتها العالمية‪ ،‬اليوني�سكو‪.‬‬
‫تباي��ن الم�صطلحات تع��ود لكونها تُبتدع ابتداع��اً‪� ،‬إذ قطعاً‪،‬‬
‫م��ن جهة �أخرى‪ ،‬ال يمكننا االطمئنان تمام ًا �إلى و�ضع الترجمة ل��ن تُكتب اال�س��تمرارية و�ش��يوع التداول لم�صطلح ا�س��تنبطه‬
‫رغم الأرقام والم�ؤ�شرات المذكورة �أعاله‪� .‬إذ �إن د‪ .‬لبيب يذكر المترج��م وح��اول �إنزال��ه �إل��ى �أه��ل الحِ رف��ة ‪�-‬أي م��ن �أعلى‬
‫فعل على ح�س��اب النوعيّة‪ ،‬فيقول‪� :‬إل��ى �أ�س��فل‪ .-‬وعلى النقي���ض‪ ،‬يجب على المترجمين �س���ؤال‬ ‫�أن الطف��رة العددي��ة جاءت ً‬
‫هن��اك �أو ًال الكثير م��ن الهواة الذين وجدوا �أنف�س��هم يترجمون �أه��ل الحِ رَف عن كيف ي�س��مون ه��ذه الأداة �أو تلك‪ ،‬والأجوبة‬
‫بحك��م حاجة ال�س��وق‪ ،‬كما �أن هناك مترجمي��ن �أكفاء من فترة ل��دى �أه��ل الحرف ه��ي التي �س��تُكتب لها اال�س��تمرارية لأنها‬
‫ما قبل الـ‪2003‬م‪ ،‬ولهم في ال�س��وق كتب م�ش��هود لها بالجودة‪ ،‬ب��كل ب�س��اطة ف��ي ح��ال ت��داول � ً‬
‫أ�ص�لا‪ ،‬وه��ي طبيعي��ة و�أليفة‬
‫ق��د فق��دوا الأمان��ة العلمي��ة بف�ض��ل الطّ ف��رة الحالي��ة‪ .‬ونتيجة لدى م�س��تخدميها‪ .‬هذا بالن�سبة لم�شكلة الم�صطلحات‪� ،‬أما‬
‫ل�ضغط الوقت‪ ،‬وما ي�سمَّى «التعاقد على الترجمة من الباطن»‪ ،‬م�ش��كلتا التعاق��د ال�ضمن��ي وغياب ال�ش��فافية بين م�ؤ�س�س��ات‬
‫ونلخ�ص��ه بالو�ض��ع التالي‪ :‬ت�س��لِّم دار الن�ش��ر �أ�س��تاذ ًا كبير ًا في الترجم��ة‪ ،‬فحلوله��ا �أ�س��هل و�أ�صع��ب ف��ي الوق��ت نف�س��ه‪ ،‬لأن‬
‫ِّ‬
‫الترجم��ة كتاب�� ًا ليترجم��ه‪ ،‬في�س��لِّمه ب��دوره �إل��ى �أح��د تالمذته الأول��ى تعتم��د على �أخالقي��ات المترج��م في المق��ام الأول‪،‬‬
‫ليترجم��ه عن��ه مقاب��ل مبلغ زهيد م��ن المال‪ ،‬ثمّ يو ِقّع الأ�س��تاذ والثانية على �أخالقيات م�ؤ�س�سة الترجمة‪.‬‬
‫م‬2010 ‫ �أبريل‬/ ‫مار�س‬ ..‫الترجمة‬

.‫العربية‬
:‫ يتمث��ل التق�صي��ر عل��ى �صعيدي��ن‬،‫عل��ى �صعي��د الحكوم��ات‬
‫ وحتى‬،‫والقراءة في العالم العربي ال تزال مح�صورة بالنخب‬ ‫ال�صعي��د الت�ش��ريعي الذي يطال كافة جوان��ب الترجمة بدء ًا‬
‫ �إن دور الأفراد‬.‫�ضمن هذه النخب فهي لي�ست الخبز اليومي‬ ،‫بفر�ضها لغة التدري���س في مجاالت �أو�سع مما هي عليه الآن‬
‫حتى على‬- ‫ عبر تعويد �أنف�سهم‬،‫يكمن في جعل القراءة كذلك‬ ‫حت��ى ول��و ل��م ي�صل الأم��ر �إل��ى اعتماده��ا لغة التدري���س في‬
‫ عبر‬،‫ وعلى زرع هذه العادة عند �أوالدهم‬،‫ على القراءة‬-ْ‫كِ َبر‬ ‫ حي��ث �أدى تعريب‬،‫كل المج��االت كم��ا ه��و الحال في �س��وريا‬
‫ وعب��ر �إهدائهم الكت��ب بين الحين‬،‫الق��راءة له��م قبل الن��وم‬ ‫التدري���س الجامع��ي ب�أ�س��ره �إلى و�ضعه��ا في المرتب��ة الأولى‬
.‫ �أن يكونوا لهم القدوة القارئة‬،‫ والأهم من هذا كله‬،‫والآخر‬ ‫ كما يجب على هذه‬.‫بين الدول العربية على �صعيد الترجمة‬
‫الت�ش��ريعات �أن تع ِ��زّز من �أداء المترجمي��ن من خالل �ضبط‬
.‫ ال عائ��ق حقيق��ي بي��ن الع��رب وتن�ش��يط الترجم��ة‬،ً‫وختام��ا‬ ‫ممار�س��تهم لمهنته��م بقواني��ن تحفظ له��م حقوقهم وتحدد‬
،‫فهن��اك �ش��عوب كثي��رة ا�س��تطاعت القي��ام بقف��ز ٍة نوعي��ة‬ ‫ وتوفِّر لهم فر���ص التدريب الالزم والت�أهيل‬،‫له��م واجباتهم‬
‫ وموج��ة الترجمة‬،‫ نح��و حرك��ة ترجم��ة �صحيح��ة‬،‫وحقيقي��ة‬ ‫ �إذ‬.‫ �أم��ا على ال�صعيد الثاني فه��و متعلِّق بالتمويل‬.‫الم�س��تمر‬
.‫الحالية قد تكون الخطوة الأولى نحو ذلك‬ ‫يج��ب �أن تحظ��ى الترجم��ة كقط��اع م�س��تقل �ضم��ن مجاالت‬
‫البح��ث والتطوير بموازنة �أكبر مم��ا تر�صده البلدان العربية‬
‫مجتمعة من الن�س��بة المئوية المتدنية من موازناتها ال�سنوية‬
.‫لكل عالم البحث العلمي والتطوير‬

‫ فمهما كان التن�س��يق الإداري لم�ؤ�س�سات الترجمة‬،ً‫و�أخيرا‬


‫ لن ي�صبح‬،‫ ومهم��ا كانت الأنظمة الحكومي��ة فعَّالة‬،ً‫جي��دا‬
‫ ول��ن‬،‫و�ض��ع الترجم��ة العربي��ة عن��د الم�س��تويات الالئق��ة‬
‫ م��ا ل��م يكن هن��اك طل��بٌ عليها‬،‫تُكت��ب له��ا اال�س��تمرارية‬
‫معدّل‬
َ ‫ نذكر هن��ا �أن‬.‫ وهن��ا ي�أتي دور الأف��راد‬،‫ف��ي ال�س��وق‬
‫ و�أن‬،ً‫ كتابا‬11 ‫الكتب التي يقر�أها الأمريكي في ال�س��نة هو‬
‫ فيما المعدل للعربي هو ربع‬،‫ كتب‬7 ‫المع��دل للأوروب��ي هو‬
‫ وهو رقم ال يبرِّ ره فقر بع�ض الدول‬،)‫�صفحة (ال ربع كتاب‬
‫ فمازال �ش��راء الكت��ب غريب ًا عن ع��ادات العائلة‬.‫العربي��ة‬
La traduction est le fait d'interpréter le sens d'un texte dans une langue (« langue source », ou « langue de
départ »), et de produire un texte ayant un sens et un effet équivalents sur un lecteur ayant une langue
et une culture différentes (« langue cible », ou « langue d'arrivée »). Jusqu'ici, la traduction est restée une
activité essentiellement humaine. Des tentatives ont cependant été faites pour automatiser et informa-
tiser la traduction (traduction automatique), ou pour utiliser les ordinateurs comme support de la traduc-
tion humaine. (traduction assistée par ordinateur)
Le but de la traduction est d'établir une équivalence entre le texte de la langue source et celui de la langue
cible (c’est-à-dire faire en sorte que les deux textes signifient la même chose), tout en tenant compte d'un
certain nombre de contraintes (contexte, grammaire, etc.), afin de le rendre compréhensible pour des per-
sonnes n'ayant pas de connaissance de la langue source et n'ayant pas la même culture ou le même bagage
de connaissances.
Pour être à même de traduire, il ne suffit pas de maîtriser la langue source. Il est également et surtout
nécessaire de maîtriser la langue cible, qui est généralement la langue maternelle. Le traducteur possède
plus que des compétences linguistiques : il a quelque chose de l'écrivain, du journaliste, etc.
Traduction et interprétation [modifier] Il existe une différence entre la traduction, qui consiste à traduire
des idées exprimées à l'écrit d'une langue vers une autre, et l'interprétation, qui consiste à traduire des
idées exprimées oralement ou par l'utilisation de parties du corps (langue des signes) d'une langue vers
une autre. Bien que l'interprétation puisse être considérée un sous-domaine de la traduction au regard
des processus mis en oeuvre (études en traduction), en pratique ces activités requièrent des aptitudes très
différentes. Le processus de traduction peu être découpé en trois phases successives : compréhension :
assimilation du sens véhiculé par un texte, du vouloir dire d'un auteur… ;
déverbalisation : oubli des mots et conservation du sens ; « Opération par laquelle un sujet prend con-
science du sens d'un message en perdant conscience des mots et des phrases qui lui ont donné corps. »
réexpression : reformulation du vouloir dire en langue cible.
Sur le marché du travail, on distingue deux types de traduction : la traduction de textes techniques et la
traduction littéraire. La majorité des traducteurs professionnels traduisent des textes techniques.
Traduction technique La traduction technique concerne les documents tels que les manuels, feuil
‫وغيرهم من عتاولة الأدب الإنجليزي‪ .‬كيف يتفق‬
‫�إذ اً �أن ي�أتي كاتب �شاب في بدايات القرن الحادي‬ ‫قول في مقال‬
‫والع�شرين و«يعبث» ب�إحدى �أيقونات التراث هكذا‬
‫تحت ذريعة «االقتبا�س»؟ وبمباركة دار ن�شر تجارية‬

‫القصة الهزلية‬
‫تعمل على ت�سويق «فعلته» هذه حول العالم؟ و�أي‬ ‫‪21 20‬‬

‫نوع من االقتبا�س؟ �إن غراهام �سميث لم يقم‬


‫ب�إ�سقاط �أحداث رواية �أو�ستن و�شخو�صها على‬
‫الزمن المعا�صر مثالً‪ ..‬ولم يناق�ش �أفكار الم�ؤلفة‬
‫وهمومها التي �صورتها قبل مائتي �سنة على �ضوء‬
‫هموم مواطن القرن الحادي والع�شرين‪.‬‬ ‫احتفاء بالتراث �أم �سخرية منه‬
‫ثمة نوع من االقتبا�سات �أو «�إعادة المعالجة» �شائع‬ ‫االقتبا�س والإبداع مفهومان �أدبيان طالما اعتبرهما‬
‫ومنت�شر عبر �أكثر من تجربة �أدبية و�سينمائية‪.‬‬
‫لكن اقتبا�س غراهام‪�-‬سميث كان عبر «اختراع»‬
‫الكثيرون متناق�ضين‪ .‬ولكن ماذا عن تجربة ت�ضمنت‬
‫بُ عد �آخر للرواية‪ .‬و�أي بعد؟ بُ عد عوالم الرعب‬ ‫من االقتبا�س ما جعل الم�ؤلف ي�ضيف �إلى ا�سمه ا�سم‬
‫الأ�سطورية ال�شاطحة في الخياالت‪� :‬أ�شباح‬
‫وم�سوخ وكائنات مرعبة تنت�شر في الطرقات‬ ‫الم�ؤلف المقتب�س منه على الغالف‪ ،‬ومن الإبداع ما‬
‫وتبث الهلع في النا�س! وفي الن�سخة الجديدة‬ ‫يجعل عمله الجديد مختلفاً تماماً؟‬
‫من الرواية؛ ف�إن عالم جين �أو�ستن الرومان�سي‬
‫ال بتلك الكائنات الب�شعة‪.‬‬‫والمثالي �صار حاف ً‬ ‫�أ�شرف فقيه ال يتوقف عند عر�ض هذه التجربة التي‬
‫ال�سادة الإنجليز الغارقون في التهذيب‪ ،‬والآن�سات‬
‫الرقيقات الحالمات بالزواج والم�شغوالت حتى‬
‫تبدو في طريقها لأن ت�ؤ�س�س لمذهب روائي جديد في‬
‫ذاك بالتطريز والرق�ص في ثياب (الدانتيال)‬ ‫الغرب‪ ،‬بل ينطلق منها ال�ست�شراف قابلية الرواية‬
‫من طراز القرن الثامن ع�شر‪ ..‬ه�ؤالء كلهم‬
‫�صار لزاماً عليهم الآن �أن يتقنوا فنون القتال‬
‫العربية لمثل هذا التطور‪.‬‬
‫الآ�سيوية‪ ،‬وا�ستخدام الأ�سلحة البي�ضاء وبنادق‬
‫البارود الالزمة لق�صف ر�ؤو�س تلك الم�سوخ‪..‬‬
‫كطريقة �أكيدة ووحيدة للق�ضاء عليها‪ ..‬ومن دون‬ ‫�أعلن عنه حتى في عنوان الرواية الجديدة لت�صبح‪:‬‬ ‫على غالف الرواية ال�صادرة في �أبريل‬
‫�أن يخ ّل �أي من ذلك ب�سمت التهذيب والرقي‬ ‫«كبرياء و�إجحاف‪ ..‬وم�سوخ»‪ ،‬وهي توليفة مده�شة‬ ‫‪2009‬م والتي حملت عنوان «كبرياء‬
‫الل�صيق بذلك العالم! �أال يُ عد ذلك ت�شويهاً للعمل‬ ‫حقاً وجديرة ب�أكثر �أنواع القرَّاء �إقداماً ومغامرة‪.‬‬ ‫و�إجحاف‪ ..‬وم�سوخ» يطالعك ا�سما الم�ؤلِّفين‪:‬‬
‫الأ�صلي‪..‬وا�ستهزا ًء كاريكاتورياً بالن�ص وبالحقبة‬ ‫�سيث غراهام �سميث وجين �أو�ستن‪ ،‬والأمر لي�س‬
‫التاريخية �أي�ضاً؟‬ ‫ونحن هنا ل�سنا في �صدد مناق�شة الجودة الفنية‬ ‫فيه ت�شابه �أ�سماء‪ ،‬فجين �أو�ستن هي بعينها الكاتبة‬
‫لهذه التجربة الروائية‪ ،‬وال اال�ستقبال الذي تلقته‬ ‫الإنجليزية ال�شهيرة التي توفيت عام ‪1817‬م‪ .‬ما‬
‫هل نجرِّبها عربياً؟!‬ ‫من قبل قرَّاء الإنجليزية ونقَّادها‪ ..‬و�إن كنا �سنمر‬ ‫يف�سر الف�صاحة المتكلفة واللغة القديمة التي‬
‫ِّ‬
‫في الواقع‪� ،‬إن المتابع العربي‪� ،‬سواء �أكان ناقداً‬ ‫على ذلك كله؛ لكن ما �سنتوقف عنده هاهنا هو كنه‬ ‫ويف�سر �أي�ضاً الجو الفيكتوري‬
‫كُ تبت بها الرواية‪ِّ ،‬‬
‫محترفاً �أو قارئاً عادياً‪ ،‬قد يجد نف�سه مدفوعاً‬ ‫التجربة نف�سها‪.‬‬ ‫يف�سر‬
‫الرومان�سي الذي يغلِّف �أحداثها‪ ..‬لكنه ال ِّ‬
‫�إلى اعتبار عمل كهذا بمثابة «ال�سفاهة» الأدبية �أو‬ ‫‪�-‬أبداً‪ -‬وجود �أ�شباح ووحو�ش في الرواية!‬
‫التجديف الإبداعي! وهذا الر�أي هو وليد عوامل‬ ‫ف�أعمال جين �أو�ستن هي من �أعمدة الأدب‬
‫�شتى‪ ،‬بع�ضها وليد النف�سية العربية‪ ،‬والآخر خلقته‬ ‫الإنجليزي الكال�سيكي‪ .‬ويقال �إن الأديبة التي ال‬ ‫والحا�صل �أن الم�ؤلِّف الأول ‪-‬غراهام �سميث‪ -‬قد‬
‫ظروف البيئة الإبداعية‪.‬‬ ‫تقل عنها �شهرة وعظمة‪ ،‬فيرجينيا وولف‪� ،‬صرَّحت‬ ‫«اقتب�س» روح الرواية الأ�صلية ال�شهيرة جداً‪:‬‬
‫مرة ب�أن جين �أو�ستن هي ‪�:‬أت ّم المبدعات كماالً»‪.‬‬ ‫«كبرياء و�إجحاف» ال�صادرة عام ‪1813‬م‪ ،‬م�ستغ ًال‬
‫فالنف�سية العربية المعا�صرة مجبولة على التطرف‬ ‫وبالتالي ف�إن لنا �أن نت�صور هالة من الح�صانة �أو‬ ‫ثالثة �أرباع مادتها‪ ،‬لـ «ي�ضيف» �إليها‪ ،‬مطعِّماً �إياها‬
‫بخ�صو�ص الما�ضي والموروث‪ :‬ف�إما التمجيد‬ ‫القد�سية تحوط كتابات �أو�ستن والحال كذلك‪..‬‬ ‫بعن�صر جديد تماماً وخارج عن الحبكة الأ�صلية؛‬
‫المطلق‪ ،‬و�إما الرف�ض التام‪ .‬ويمكن تعميم ذلك‬ ‫مثلها مثل �أعمال �شيك�سبير و�شيلي وديكينز‬ ‫عن�صر قادم من عوالم ق�ص�ص الخرافة والرعب‪،‬‬
‫على التراث الإبداعي‪ .‬هنالك طبعاً مغامرات‬
‫مار�س ‪� /‬أبريل ‪2010‬م‬

‫الكتاب واالنفتاح الذي جاءت به الإنترنت‪ ،‬ف�إن‬ ‫و�إبراهيم �أ�صالن والطيب ال�صالح وعبدالرحمن‬ ‫تطويرية في مجال المو�سيقى وفي ال�شعر �أي�ضاً‪.‬‬
‫اقت�صاد الكتاب في الغرب ‪-‬في �أمريكا تحديداً‪-‬‬ ‫منيف وبهاء طاهر‪ .‬الم�شهد العربي حافل على ما‬ ‫لكن فيما يخت�ص بالكتابة الحرَّة‪ ،‬ف�إن هناك‬
‫تقف وراءه �صناعات ر�أ�سمالية متكاملة؛ ح�سبُ نا‬ ‫يبدو بالقامات الروائية‪ .‬لكن �أي منها يخدم الغر�ض‬ ‫(تابوهات) �أكثر �صالبة‪ .‬وحتى لو تواجدت النية‬
‫�أن نذكر منها �صناعة الترفيه‪ .‬الكتاب في ثمة‬ ‫الذي نناق�شه هنا؟‬ ‫للمغامرة الإبداعية‪ ،‬ف�إن محاذير الم�شهد الثقافي‬
‫منظومة هو �أ�سا�س وامتداد لمنتج حقيقي ي�شكِّ ل‬ ‫ت�ضع �ألف حاجز وحاجز �أمامها‪ .‬فحيِّز الحرام‬
‫�شخ�صيات النا�س و�أنماط معي�شتهم وتفكيرهم‪،‬‬ ‫بداية لنتذكر �أننا نبحث عن عمل «كال�سيكي»‬ ‫الأدبي‪ ..‬الذي تُ عرِّفه وتحر�س حماه �أكثر من‬
‫ولي�س مجرد مادة نخبوية للخا�صة‪ ،‬بل �إن هناك‬ ‫يج�سد قيم اللغة والمرحلة الما�ضية‪ .‬هذا عمل‬ ‫ِّ‬ ‫جهة‪ ..‬هو ع�صيّ على االختراق‪ .‬ولو «تجر�أ» �أحد‬
‫قطاعات متعددة ل�سوقه‪ ،‬من دون �أن يخل ذلك‬ ‫البد �أن يكون قديماً و�أ�صيالً‪ .‬بالتالي فنحن‬ ‫وتناول عم ًال �أدبياً قديماً باالقتبا�س �أو بالتحوير‬
‫بمعايير الجودة وال االحترافية في �إنتاج وت�سويق‬ ‫�سن�ستثني من القائمة �أعاله كل الذين يُ ترجِ مون �أو‬ ‫على النحو المذكور �أعاله‪ ،‬ف�إنه بب�ساطة �سيقيم‬
‫كل قطاع‪.‬‬ ‫تُ ترجم �أعمالهم للعربية! �سن�ستثني �أي�ضاً الأعمال‬ ‫القيامة على نف�سه‪ ،‬و�سيجلب عليها تهماً �أي�سرها‬
‫المعا�صرة التي نُ�شرت خالل الخم�سين عاماً‬ ‫متعلِّق بـ«ال�سرقة» �أو االعتيا�ش على �أمجاد من‬
‫بالرجوع لمثال روايتنا‪ ،‬ف�إنها خالل �أ�سبوع واحد‬ ‫الأخيرة بدعوى �أنها لم تتغلغل في الوعي الجمعي‬ ‫�سبقوه! ناهيك عن �أنه لي�س هناك اعتراف �صريح‬
‫على �صدورها‪ ،‬حلَّت بالمركز الثالث في قائمة‬ ‫وتتحول لـ«تراث قديم» بعد‪ .‬ثم �سن�أتي بثالثة‬ ‫وجاد بالأجنا�س الأدبية من قبيل الخيال العلمي‬
‫«نيويورك تايمز» لأف�ضل الكتب مبيعاً وا�ستُ قبلت‬ ‫الأثافي‪ ..‬ون�ستثني الأعمال الفكرية الالخيالية‪.‬‬ ‫و�أدب الرعب والمغامرة عربياً‪ ،‬ولي�ست هناك رعاية‬
‫بحفاوة بالغة‪ .‬بل �إنها وبالرغم من هزليتها قد‬ ‫بمعنى �أن كُ تَّ اباً مثل عبا�س محمود العقاد �أو طه‬ ‫وال ت�سويق على الم�ستويين الم�ؤ�س�ساتي والر�سمي‬
‫�أنع�شت �سوق كال�سيكيات الأدب الإنجليزي‪ .‬وعلى‬ ‫ح�سين لي�س لهم مكان في قائمتنا وال م�شروعنا!‬ ‫لهذا النوع من الإبداع‪.‬‬
‫وقع هذا النجاح الهائل عهدت دار الن�شر للكاتب‬ ‫هل تكفي هذه ال�شروط للحكم على الفكرة ب�أنها‬
‫نف�سه بت�أليف رواية �أخرى مقتب�سة من �أعمال‬ ‫«غير جادة»‪ ..‬وربما «فا�شلة»؟!‬ ‫هذا الت�صور ي�ضعنا مبا�شرة في مواجهة المع�ضل‬
‫جين �أو�ستن �صدرت في �سبتمبر من نف�س ال�سنة‬ ‫الثقافي الذي نناق�شه هنا‪ ..‬وهو (مع�ضل التجديد)‪.‬‬
‫«الح�س والح�سا�سية ووحو�ش البحر» حقَّقت‬
‫ّ‬ ‫بعنوان‬ ‫العقدة في من�شار «واقع ال�سوق»‬ ‫فالتجربة الروائية العربية على وجه التحديد غارقة‬
‫نجاحاً مماثالً‪ ،‬مع تر�شيح �أعمال �أخرى لتول�ستوي‬ ‫نحن هكذا نعود �إلى المربع الأول �إذاً! فهل تظل‬ ‫�إلى حد بعيد في م�آزق الركاكة والتكرارية‪� .‬صحيح‬
‫ودي�ستويف�سكي و�إيميلي برونتي لالقتبا�س على ذات‬ ‫�أعمال نجيب محفوظ بمثابة بي�ضة القبان في‬ ‫�أن هناك �أ�سماء عربية �شاهقة في مجال الرواية‪..‬‬
‫النمط‪ .‬كما ت�سري في �أروقة الإنتاج ال�سينمائي‬ ‫الأدب العربي؟ �أم �إننا بحاجة للرجوع �إلى �أغاني‬ ‫�إلى حد يدفع البع�ض �إلى الزعم ب�أن الرواية‬
‫�أقاويل عن احتمال ظهور ِفلم مبني على الرواية‬ ‫الأ�صفهاني وق�ص�ص �ألف ليلة الغارقة في الخرافية‬ ‫قد �صارت هي ديوان العرب الجديد! لكن هذه‬
‫الهزلية الأولى!‬ ‫�أ�ص ًال لنبا�شر تجربتنا؟ هناك �أي�ضاً اقتراح مفاده‬ ‫الجودة في المجمل تظل �شحيحة على الم�ستويين‬
‫�أن نقوم بتبني عمل �أجنبي ما‪� ..‬أن نترجمه ثم‬ ‫الكمي والكيلي‪ .‬فكم رواية ت�صدر �سنوياً في العالم‬
‫نحن �إذاً في مواجهة (�صناعة) �إبداعية متكاملة‪.‬‬ ‫نحوِّره بما يتنا�سب وتجربتنا الما بعد الحداثية‬ ‫العربي؟ وكم ن�سبة الممتاز منها؟ و�إ�ضافة لكل‬
‫ولعل الحديث عن تجربة �أدبية عربية مماثلة هو‬ ‫هذه!‬ ‫ما �سبق‪ ..‬ف�إن تخيل نظير لهذه التجربة عندنا‬
‫�سابق لأوانه بالنظر للمعوقات االقت�صادية والفنية‬ ‫�سوف يك�شف لنا عن مع�ضل �آخر‪ :‬ف�إذا ت�صورنا‬
‫�سالفة الذكر‪ .‬لكن التجريب لن ي�ضر �أحداً‪.‬‬ ‫طبعاً يظل القول ب�أن محاولة تكرار التجربة‬ ‫‪-‬مجاز اً‪� -‬أن كاتباً عربياً معا�صراً وطليعياً �سيكرِّر‬
‫الأجنبية هو �ضرب من التقليد غير المبرر‪ ..‬و�أن‬ ‫مغامرة غراهام‪�-‬سميث‪ ،‬لكن مع واحدة من �أهم‬
‫هنالك على كلٍ ‪ ،‬جزئية مهمة ال ي�سع �أحداً �أن‬ ‫المقارنة بين الأدبين هي مقارنة مجحفة‪ ..‬يظل‬ ‫كال�سيكيات الرواية العربية‪ ،‬ف�أي عنوان �سيختار؟!‬
‫يجادل ب�ش�أنها‪� :‬أال وهي وجود قطاعات غير‬ ‫هذا القول معتبراً وقائماً‪ .‬ويظل ال�س�ؤال مع ذلك‬
‫تقليدية من المتلقين العرب‪ ،‬عندها ا�ستعداد‬ ‫مطروحاً‪ :‬لماذا هي مقارنة مجحفة بحق الأدب‬ ‫لوهلة‪ ،‬تبدو المكتبة العربية حافلة بالعناوين‬
‫وقابلية للتعاطي مع ثمة تجارب وتنتظر من‬ ‫العربي؟‬ ‫الباذخة‪ .‬كما و�أن جذور الرواية العربية ترجع‬
‫«يخدمها»‪ .‬الكرة هي في ملعب النا�شر وملعب‬ ‫لأواخر القرن التا�سع ع�شر مع �أعمال جورجي زيدان‬
‫الم�ؤ�س�سة الإبداعية‪ ..‬وهي كذلك منذ عهد‬ ‫الجواب قد تحمله عبارة واحدة‪« :‬واقع ال�سوق»‪.‬‬ ‫ومحمد ح�سين هيكل‪ .‬لكن بعد الوهلة الأولى‪ ..‬ف�إننا‬
‫المنفلوطي وجورجي زيدان!‬ ‫ف�سوق الكتاب الإنجليزي مثالً‪ ،‬في �أمريكا والمملكة‬ ‫�سنكت�شف �أن تجربتنا الروائية ب�أ�سرها هي ال تزال‬
‫المتحدة و�سواهما‪ ،‬هو �سوق هائل وموّار‪ .‬لي�س‬ ‫في طور الت�شكّ ل‪ .‬وللتدليل على هذا الر�أي‪ ،‬تعالوا‬
‫بالنظر للعمق اال�ستهالكي الذي يمثله مئات‬ ‫ن�ستعر�ض �أ�سماء جهابذة الروائيين العرب بدءاً‬
‫الماليين من القرَّاء‪ .‬ولكن لأن هناك «�سوقاً» في‬ ‫من المنفلوطي‪ .‬هناك �أي�ضاً �إح�سان عبدالقدو�س‬
‫الأ�سا�س‪ ..‬بكل مقوماته من عر�ض وطلب وتناف�سية‬ ‫ويو�سف �إدري�س‪ .‬هناك �أي�ضاً حنا مينة والطاهر‬
‫ودعاية وت�سويق وربحية‪ .‬و�إذا كان �سوق الكتاب‬ ‫بن جلون و�أمين معلوف‪ .‬من دون �أن نن�سى جمال‬
‫العربي يت�سع في ال�سنوات الأخيرة بف�ضل معار�ض‬ ‫الغيطاني و�صنع اهلل �إبراهيم و�إدوار الخراط‬
‫طاقة واقتصاد‬
‫‪23 22‬‬
‫مار�س ‪� /‬أبريل ‪2010‬م‬

‫المشتقات‬
‫النفطية‬
‫بين تنوع اال�ستعماالت وتعدد الأ�سماء‬
‫كل م�ستهلك في العالم يعرف بدقة نوع الوقود الذي يحتاجه في‬
‫حياته اليومية‪� ،‬س��واء �أكان لل�سيارة �أو للتدفئة �أو للإنارة �أو غير‬
‫ذل��ك‪ ..‬وكل م�س��تهلك يطل��ب حاجته من محطة الوقود باال�س��م‬
‫ال�صحي��ح ب�ش��كل عف��وي ال يحتاج �إل��ى عناء ف��ي التفكير‪ .‬ولكن‬
‫ماذا لو �س��ئل هذا الم�ستهلك عن خ�صائ�ص الوقود الذي يطلبه‬
‫والفرق بينه وبين نوع �آخر من الوقود؟ و�أكثر من ذلك‪ ،‬ماذا لو‬
‫�س���ألناه عن الأ�س��ماء الكثيرة التي ي�ش��ير �أحيان��اً �أكثر من واحد‬
‫منها �إلى نف�س النوع من الوقود‪ ،‬و�أحياناً ورغم ال�شبه الكبير ما‬
‫بين عدة �أ�سماء‪ ،‬ف�إن ك ًال منها ي�شير �إلى م�شتق نفطي مختلف؟‬
‫فري ـ��ق القـ ـ��افلة‪ ،‬واعتم��اداً عل��ى بحـ ـ ـ��ث �أجـ ـ��راه المهن ـ ـ��د�س‬
‫�أمج��د قا�س��م‪ ،‬ع�ضو الرابط��ة العربي��ة للإعالميي��ن العلميين‪،‬‬
‫يتن��اول هن��ا �أب��رز م�ش��تقات الزيت الخ��ام‪ ،‬وتحدي��داً �أكثر هذه‬
‫الم�شتقات ا�ستخداماً في الحياة اليومية‪� ،‬أال وهو الوقود ب�أنواعه‬
‫المختلفة‪ ،‬وما يميز الواحد منها عن الآخر‪.‬‬
‫�أرامكو ال�سعودية‬
‫عل��ى الرغم من �أن الإن�س��ان عرف البترول (الزيت والغ��از الطبيعيين) منذ‬
‫نحو �ستة �آالف عام‪ ،‬ف�إن م�شتقات الزيت الكثيرة التي ن�ستخدمها في حياتنا‬
‫اليومية هي وليدة �صناعة التكرير الحديثة العهد ن�سبياً‪ ،‬التي تعود بداياتها‬
‫�إلى الن�صف الثاني من القرن التا�سع ع�شر‪.‬‬

‫ول��و توقفنا لبره��ة �أمام النفط الخام‪ ،‬لوجدنا �أنف�س��نا �أمام‬


‫ع��دد م��ن المفردات التي يعرفها الجمي��ع من دون �أن يعرف‬
‫الكثيرون حقيقة المق�صود بكل منها على وجه التحديد‪.‬‬

‫فكلمة النفط هي المرادف العربي لكلمة بترول (بالإنجليزية‬


‫والفرن�س��ية)‪ ،‬الم�شتقة من اللغة الالتينية «‪»Petra Oleum‬‬ ‫‪25 24‬‬

‫وتعن��ي حرفي ًا في الأ�صل «زي��ت ال�صخر»‪ .‬ونقول في الأ�صل‪،‬‬


‫لأن كلم��ة بترول �صارت معتمدة للإ�ش��ارة �إل��ى الزيت والغاز‬
‫الطبيعيين �س��وية‪ .‬وعندما يدور الحديث عن النفط ال�سائل‬
‫لوحده ت�س��تخدم كلمة «زيت» فقط‪� ،‬أما الغاز في�س��مى «الغاز‬
‫الطبيعي»‪ .‬وا�ستطراداً‪ ،‬ن�شير �إلى �أن هنالك نوعين من الغاز‬
‫الطبيع��ي هما الغاز الطبيعي الم�س��تخرج من مكامن الزيت‬
‫وي�س��مى «الغ��از الم�صاح��ب»‪ ،‬والغ��از الطبيع��ي الم�س��تخرج‬
‫بعيد ًا عن مكامن الزيت وي�سمى «الغاز غير الم�صاحب»‪.‬‬

‫وفيم��ا ي�ش��كِّل الغ��از الطبيع��ي اللقي��م الأ�سا�س��ي لل�صناعات‬


‫البتروكيماوي��ة العمالقة التي ال ت��زال تنمو وتتطور يوم ًا بعد‬
‫يوم‪ ،‬وقد تناولتها «القافلة» �س��ابق ًا ببحث مو�س��ع‪� ،‬س��نتوقف‬
‫فيم��ا ي�أت��ي �أمام م�ش��تقات الزيت الت��ي نتعامل معه��ا يومياً‪� ،‬أنواع النفط الخام‬
‫ويكتفي الكثيرون منا بمعرفة ا�س��م الم�ش��تق الذي يحتاجونه وبالرغ��م م��ن �أن النف��ط الخام يتركب �أ�سا�س�� ًا من مجموعة‬
‫م��ن الهيدروكربون��ات‪� ،‬إال �أن ن�س��ب تل��ك المركب��ات تتفاوت‬ ‫من دون �أن ي�ستطلعوا الفرق بينه وبين م�شتق �آخر‪.‬‬
‫ح�س��ب م�صدرها‪ .‬فقد يكون النفط الخ��ام غني ًا بالمركبات‬
‫البارافيني��ة الم�ش��بعة وقد يكون غني ًا بالمركب��ات النفثينية‪.‬‬ ‫التركيب الكيميائي‬
‫الزيت الخام هو عبارة عن مزيج معقَّد من �آالف الجزيئات وه��ذا ب��دوره �سينعك���س على مظهر النفط وتما�س��كه ب�ش��كل‬
‫المختلفة‪ ،‬والن�س��بة الأعظم منه‪ ،‬عبارة عن هيدروكربونات عام‪ ،‬حيث يكون على �ش��كل �س��وائل رجراج��ة ‪ Mobile‬ذات‬
‫تتحد مع عنا�صر �أخرى كالكبريت والنيتروجين والأوك�سجين ل��ون بن��ي يميل �إلى ال�صفرة‪� ،‬أو �س��وائل �س��وداء لزجة و�ش��به‬
‫�صلبة‪.‬‬ ‫بن�سب قليلة ومتفاوتة‪.‬‬

‫والمركب��ات الهيدروكربوني��ة‪ ،‬عبارة عن طائف��ة كبيرة جد ًا وتتحك��م طبيعة الزي��ت الخام في نوع المنتج��ات التي يمكن‬
‫م��ن المركب��ات‪ ،‬نكتفي هنا بذكر �أ�س��ماء �أهمها‪ ،‬تالفي ًا لزج الح�ص��ول عليها منه‪ .‬فالزيت الخام النفثيني يكون منا�س��ب ًا‬
‫القارئ في متاهة تركيباتها الكيميائية المختلفة والمعقَّدة‪ :‬لإنتاج الإ�سفلت‪� ،‬أما النفط الخام البارافيني فيكون منا�سب ًا‬
‫لإنتاج ال�ش��مع‪ ،‬وكذلك الأمر بالن�س��بة لإنت��اج زيوت التزييت‬ ‫‪ - 1‬البارافينات ‪Paraffins‬‬
‫الت��ي يمك��ن الح�ص��ول عليه��ا م��ن النف��ط الخ��ام النفثين��ي‬ ‫‪ - 2‬النفثينات ‪Naphthenes‬‬
‫العطري‪ .‬لكن تطور طرق التكرير‪� ،‬أدى �إلى التغلب على هذه‬ ‫‪ - 3‬الأوليفينات ‪Olefins‬‬
‫الم�ش��كلة الكيميائية‪ ،‬بحي��ث �أ�صبح ممكن�� ًا التعامل مع كافة‬ ‫‪ - 4‬الأ�سيتيالنيات ‪Acetylenics‬‬
‫�أنواع النفط و�إنتاج مختلف الم�شتقات‪.‬‬ ‫‪ - 5‬المركبات الأروماتية �أو العطرية ‪Aromatics‬‬
‫‪ - 6‬المركبات الكبريتية‬
‫‪- 7‬المركب��ات النيتروجيني��ة والمركب��ات الأوك�س��يجينية وبن��ا ًء عليه‪ ،‬ف�إن��ه يتم في العادة ت�صني��ف الزيت الخام �إلى‬
‫ثالث��ة �أ�صناف باالعتماد على مكونات��ه من الهيدروكربونات‬ ‫وال�شوائب المعدنية‬
‫وهي‪:‬‬ ‫‪ - 8‬الإ�سفلت والإ�سفلتين‬
‫مار�س ‪� /‬أبريل ‪2010‬م‬ ‫الم�شتقات النفطية‬

‫ف�صل الم�شتقات‬ ‫ُت َ‬


‫بوا�سطة التقطير في‬
‫�أبراج خا�صة‪ ،‬حيث‬
‫المركبات‬
‫َّ‬ ‫ف�صل‬‫ُت َ‬
‫عن بع�ضها وفقاً‬
‫لدرجة غليانها‬

‫طبيعة الزيت الخام تختلف من م�صدر �إلى‬


‫�آخر‪ ،‬وتحدد نوعية الم�شتقات التي يمكن‬
‫ا�ستخال�صها منه‬

‫وي�شتمل تكرير الزيت على ثالث عمليات رئي�سة هي‪:‬‬ ‫‪ - 1‬زيت برافيني الأ�صل‪.‬‬
‫‪ - 1‬العمليات الفيزيائية (الف�صل)‪.‬‬ ‫‪ - 2‬زيت نفثيني الأ�صل‪.‬‬
‫‪- 3‬زيت مختلط الأ�صل‪� ،‬أي يتركب من النوعين ال�س��ابقين ‪ - 2‬العمليات الكيميائية (التحويل)‪.‬‬
‫مع وجود ن�س��ب من المركبات العطرية و�ش��مع البرافين ‪ - 3‬المعالجات والتنقية‪.‬‬
‫والمواد الإ�سفلتية‪.‬‬
‫وت�ش��تمل عملي��ة الف�صل‪� ،‬إجراء عملي��ات التقطير التجزيئي‬
‫في �أبراج �ضمن �أكثر من مرحلة‪ ،‬حيث يتم ف�صل المركبات‬ ‫تكرير النفط الخام‬
‫تط��وَّرت �صناع��ة الزيت ب�ش��كل كبي��ر مع تزاي��د االحتياجات الأخ��ف ذات درجات الغليان المنخف�ضة‪ ،‬من قمة البرج �أما‬
‫العالمي��ة له��ذه الم��ادة الثمين��ة‪ ،‬وق��د تمحورت ف��ي البداية‪ ،‬المركبات الأثقل فتف�صل من �أ�سفل البرج‪.‬‬
‫�أي خ�لال الفت��رة بين عام��ي ‪ 1860‬و‪1890‬م‪ ،‬ف��ي الح�صول‬
‫عل��ى الكيرو�س��ين (‪� ،)Kerosene‬إذ اعتب��ر ف��ي تلك الفترة وتتع��دد نوعي��ات �أب��راج التقطير‪ ،‬حي��ث تكون �أب��راج تقطير‬
‫الم�شتق الأهم والذي كان ي�ستعمل للإنارة والتدفئة والطهو‪ .‬ابتدائي��ة تح��ت �ضغ��ط ج��وي ع��ادي‪� ،‬أو �أبراج تقطي��ر تعمل‬
‫تح��ت �ضغ��ط مخلخل من �أج��ل تخفي�ض درج��ة غليان بع�ض‬
‫وته��دف عملية تكرير النفط‪� ،‬إلى ف�صل المكونات المرغوبة المركبات‪.‬‬
‫من هذا المزيج وتحويلها �إلى منتجات �صالحة لال�س��تهالك‬
‫وق��د �أدت زي��ادة الطل��ب العالم��ي عل��ى م�ش��تقات الزيت �إلى‬ ‫�ضمن موا�صفات محددة‪.‬‬
‫�إحداث تغيرات جوهرية في �أنظمة تقطيره ومعالجته‪ .‬فبد ًال‬
‫وتكرير النفط علمي ًا يعني تك�س��ير الزيت الخام �إلى مكوناته م��ن النظام الم�س��تخدم �س��ابق ًا وال��ذي يعتمد على ت�س��خين‬
‫وجزيئاته الأ�صلية و�إع��ادة ترتيبها لتكوين مركبات جديدة‪ ،‬مق��دار مح��دد م��ن الزي��ت الخ��ام وتقطي��ره ثم تكثيف��ه‪ ،‬تم‬
‫و�أ�سا�س هذه ال�صناعة التقطير‪ ،‬المعتمد على االختالف في ا�س��تخدام �أنظمة التقطير التجزيئي الم�س��تمرة‪ ،‬كما طُ وِّرت‬
‫درج��ات غليان هذه المركب��ات‪ ،‬ويتم �إجراء هذه العملية في �أب��راج بوح��دات خا�ص��ة لف�ص��ل كل منتج نفطي عل��ى حدة‪،‬‬
‫حي��ث يتم الح�ص��ول على الم��واد المتطايرة م��ن قمة البرج‬ ‫�أبراج تجزيئية خا�صة‪.‬‬
‫‪27 26‬‬

‫‪corbis‬‬
‫من الزيت الواحد‪ ،‬تتعدد الم�شتقات‬

‫ويتبقى في الأ�س��فل المواد الثقيلة كالإ�س��فلت‪ .‬كما ا�س��تعمل �أهم م�شتقات تكرير الزيت الخام‬
‫بخ��ار الماء لف�صل المركب��ات الأكثر تطاير ًا لتفادي تحطيم الم�ش��تقات النفطية‪ ،‬ه��ي المركبات الكيميائي��ة التي نتجت‬
‫بع�ض المركبات الكيميائية ب�س��بب الح��رارة العالية في برج م��ن عملي��ة تكري��ر النف��ط الخ��ام‪ ،‬وه��ي اله��دف الأ�سا�س��ي‬
‫التقطير‪ ،‬كما ا�س��تعمل نظام التقطي��ر الفراغي‪ .‬وغير ذلك لعملي��ة التكري��ر برمته��ا �ضم��ن مراح��ل الف�ص��ل والتنقي��ة‬
‫والتهذيب واال�ستخال�ص المختلفة‪.‬‬ ‫من �أنظمة التك�سير المختلفة‪.‬‬

‫وتتع��دد ط��رق ت�صني��ف الم�ش��تقات النفطي��ة‪ ،‬فق��د ت�صنف‬ ‫ه��ذه التقني��ات والعملي��ات الكيميائي��ة الت��ي ت��م تطويره��ا‪،‬‬
‫ح�س��ب �أوج��ه ا�س��تعمالها‪ ،‬ك�أن تك��ون م�ص��در ًا للطاق��ة‬ ‫واكبته��ا تط��ورات كبي��رة ف��ي �صناع��ة «عم��ود التقطي��ر‬
‫التحريكي��ة‪� ،‬أو م�صدر ًا للطاق��ة الحرارية‪� ،‬أو نواتج لعمليات‬
‫التجزيئ��ي»‪ ،‬ال��ذي هو عبارة عن �أ�س��طوانة فوالذية �ضخمة‪،‬‬
‫�صناعية �أخرى‪ ،‬وقد ت�صنف ح�سب اللون والوزن النوعي‪.‬‬ ‫مثب��ت في داخله��ا �صوان��ي ‪ ،Trays‬ويتجمع ال�س��ائل المكثف‬
‫على تلك ال�صواني وينحدر عبر �أنبوب �إلى ال�صينية التالية‪.‬‬
‫وتحت��وي تل��ك ال�صوان��ي عل��ى ع��دد كبي��ر م��ن الثق��وب التي لك��ن الت�صنيف الأكثر منهجية وقبو ًال في الأو�س��اط العلمية‪،‬‬
‫يت�صاع��د منها البخ��ار القادم من ال�صواني ال�س��فلى‪ ،‬ويعلو ا�ستند �إلى درجات الغليان االبتدائية والنهائية‪ ،‬وقد �صنفت‬
‫كل ثق��ب �أنب��وب ق�صي��ر وغط��اء ‪ Cap‬بحي��ث يندف��ع البخار بنا ًء عليه �أهم الم�شتقات النفطية على النحو التالي‪:‬‬
‫من خالل �ش��قوق ‪ slots‬في محيط الغطاء �إلى داخل ال�سائل‬
‫‪ - 1‬غازات البترول الم�سالة‬ ‫الذي تحتويه ال�صينية‪.‬‬
‫‪)L.P.G) Liquefied Petroleum Gases‬‬
‫وه��ي خليط من غازي البروب��ان والبيوتان‪ ،‬ودرجة غليانهما‬ ‫وهك��ذا تحدث عملية التبخير والتكاثف الحراريتين ويتجمع‬
‫�أق��ل م��ن ‪ 20‬درج��ة مئوي��ة‪ ،‬واللذي��ن يمك��ن تحويلهم��ا �إل��ى‬ ‫عل��ى كل �صيني��ة مركب��ات ذات درج��ات غليان �أق��ل من تلك‬
‫�س��ائل تحت �ضغط مرتفع‪ ،‬وي�س��تخدمان كوقود في المنازل‪،‬‬ ‫المركب��ات المتجمعة عل��ى ال�صينية التي تليها في الأ�س��فل‪،‬‬
‫وكم�ص��در للطاق��ة في بع���ض الم�صان��ع‪ ،‬وكوق��ود لمحركات‬ ‫ثم يتم �س��حب المنتجات �ضمن م�ستويات متقاربة من عمود‬
‫بع�ض ال�سيارات والحافالت‪.‬‬ ‫التجزئة‪.‬‬
‫مار�س ‪� /‬أبريل ‪2010‬م‬ ‫الم�شتقات النفطية‬

‫‪corbis‬‬
‫اللزوجة‪ ..‬من الم�ؤ�شرات النوعية للم�شتقات البترولية‬

‫‪corbis‬‬

‫‪corbis‬‬

‫‪ ..‬وتتعدد ا�ستخداماتها �أي�ضاً‬

‫ويخ�ضع الجازولين لعدد كبير من المعالجات الكيميائية في‬ ‫‪Gasoline‬‬‫‪ - 2‬وقود ال�سيارات (البنزين)‬
‫م�صافي التكرير لكي ي�صبح وقود ًا منا�سب ًا لل�سيارات بنوعيه‬ ‫�إ�ضافة �إلى ا�س��م «جازولين» الإنجلي��زي الأ�صل‪ ،‬المعتمد في‬
‫الع��ادي (�أوكتان ‪ )90 – 83‬والممتاز (�أوكتان ‪،)100 – 95‬‬ ‫الأ�س��واق الأمريكي��ة والكثير من الأ�س��واق العالمية‪ ،‬ف�إن دول‬
‫�أو كوق��ود للطائ��رات والطائ��رات المروحي��ة‪ ،‬كم��ا ي�س��تعمل‬ ‫الكومنولث تطلق على وقود ال�س��يارات ا�سم «بترول» منذ عام‬
‫ف��ي تح�ضي��ر بع�ض �أن��واع وق��ود الطائ��رات النفاث��ة المدنية‬ ‫‪1892‬م‪ ،‬علم ًا ب�أن هذا اال�سم كان قد ظهر قبل ذلك للإ�شارة‬
‫والع�سكرية وفي �إنتاج بع�ض المذيبات ال�صناعية‪.‬‬ ‫�إلى الزيت غير المكرر‪ .‬ومن الأ�س��ماء الأخرى لهذا الم�ش��تق‬
‫نف�سه‪« ،‬البنزين» ن�سبة �إلى المركب الكيميائي «‪،»Benzene‬‬
‫‪ - 3‬الكيرو�سين ‪Kerosene‬‬ ‫ولي���س كما تزعم بع�ض الم�صادر ن�س��بته �إلى بيرتا بينز التي‬
‫ا�ستخدمته وقود ًا في رحلة طليعية بال�سيارة عام ‪1888‬م‪ .‬الكيرو�سين معروف منذ القدم‪ .‬ومن روَّاد ا�ستخراجه كم�شتق‬
‫من الزيت الخام‪ ،‬العا ِل ْم الم�س��لم الرازي‪ ،‬الذي �س��ماه «نفط‬
‫والجازولي��ن ال��ذي ي�ش��كِّل الي��وم الوق��ود الأول المعتم��د ف��ي �أبي�ض» في كتابه المعروف با�س��م «كتاب الأ�سرار»‪ .‬ولكن منذ‬
‫ال�س��يارات ف��ي معظ��م بل��دان العال��م‪ ،‬كان يب��اع عن��د بدايات القرن التا�س��ع ع�ش��ر فقط‪� ،‬أ�صبح الكيرو�سين واحد ًا من �أهم‬
‫�إنتاجه في القرن التا�سع ع�شر في قوارير �صغيرة كدواء يق�ضي الم�شتقات النفطية الرئي�سة ال�شائعة اال�ستخدام‪.‬‬
‫على القمل وبيو�ضه‪ ،‬ومن ثم كمذيب ومنظِّ ف للمالب�س‪.‬‬
‫فف��ي العام ‪1854‬م‪ ،‬تم ت�س��جيل ا�س��م «الكيرو�س��ين» كا�س��م‬
‫وه��و خلي��ط م��ن المركب��ات الهيدروكربوني��ة‪ ،‬ويك��ون غني�� ًا مارك��ة في �أمريكا‪ ،‬وظلت �ش��ركة �أمريكية واحدة تحتكر حق‬
‫بالبارافين��ات العادي��ة والمتفرع��ة والمركب��ات الأروماتي��ة ا�س��تخدام هذا اال�سم لعدة �سنوات‪� ،‬إلى �أن �شاع عالمي ًا على‬
‫العطري��ة‪ ،‬ويت�ضم��ن ه��ذا الخلي��ط ع��دد ًا م��ن الم�ش��تقات كل ل�سان‪.‬‬
‫الفرعي��ة ذات اال�س��تعماالت المختلف��ة‪ ،‬فالجازولي��ن الأولي‬
‫‪ُ Straight run gasoline‬يع��د �أخ��ف الم�ش��تقات النفطي��ة و�إ�ضافة �إلى ا�س��م الكيرو�س��ين �أو الكاز‪ ،‬ي�سمى المنتج نف�سه‬
‫ال�س��ائلة‪ ،‬ودرج��ة غليان��ه ت��راوح بي��ن ‪ 25‬و‪ 40‬درج��ة مئوية‪« ،‬بارافي��ن» �أو «زي��ت البارافين» في كل م��ن المملكة المتحدة‬
‫وجنوب �شرق �آ�سيا وجنوب �إفريقيا‪.‬‬ ‫ويدعى في �أوروبا با�سم النفتا ‪.Naphta‬‬
‫‪29 28‬‬

‫�صناعة التكرير الحديثة‪ ..‬مهد الم�شتقات وتطوير نوعياتها ب�شكل م�ستمر‬

‫ويُعد الكيرو�س��ين واحد ًا من �أهم منتجات م�صافي التكرير‪ ،‬محت��وى ح��راري مرتفع‪ ،‬لذل��ك يتم ح�صر م��دى تقطيره ما‬
‫ويق��ع �ضم��ن مدى ح��راري يتراوح م��ن ‪� 150‬إل��ى ‪ 250‬درجة بين ‪ 160‬و‪ 240‬درجة مئوية‪ ،‬وال تتعدى ن�سبة المواد العطرية‬
‫مئوية‪ ،‬ويحتوي على عدد من البارافينات وعلى النافثينات‪ ،‬فيه حد ًا معيناً‪.‬‬
‫وي�ستخدم كوقود منزلي للطبخ والتدفئة‪ ،‬كما �أنه مكون رئي�س‬
‫لوق��ود النفاثات‪ ،‬ويدخ��ل �أي�ض ًا في �صناع��ة بع�ض المذيبات ويطل��ق عل��ى وقود الطائ��رات النفاثة المدني��ة اخت�صار ‪JP1‬‬
‫ال�صناعية والمذيبات المخففة في الدهانات ‪ Thinner‬التي بينم��ا يدعى وق��ود الطائ��رات النفاث��ة الع�س��كرية ‪ ،JP4‬لأنه‬
‫هي عبارة عن مجموعة كبيرة من المركبات الكيميائية التي يتمي��ز بم��دى تقطي��ر وا�س��ع يتراوح م��ا بي��ن ‪ 50‬و‪ 240‬درجة‬
‫مئوية‪ ،‬ون�س��بة م��واد عطرية �أكبر‪ ،‬ون�س��بة م��واد كبريتية قد‬ ‫يتم مزجها مع بع�ض بن�سب متفاوتة لتخفيف اللزوجة‪.‬‬
‫ت�ص��ل �إل��ى ‪ ،%0.4‬ودرج��ة تجم��ده حوال��ي ‪ 65‬درج��ة مئوية‬
‫تحت ال�صفر‪.‬‬ ‫‪ - 4‬وقود الطائرات النفاثة‬
‫و ُيع��رف هذا النوع م��ن الوقود بوقود الطائرات (كيرو�س��ين‬
‫‪ - 5‬الديزل �أو ال�سوالر ‪Diesel or Solar‬‬ ‫الطائرات) ‪ ،Jet Kerosene‬وي�س��تعمل لت�ش��غيل المحركات‬
‫التوربيني��ة الت��ي تعم��ل ب�ش��كل متوا�ص��ل‪ ،‬عك���س مح��ركات الدي��زل ه��و اال�س��م ال�ش��ائع عالمي�� ًا لن��وع م��ن الوقود يت�س��م‬
‫ال�س��يارات ذات االحت��راق الداخل��ي‪ .‬ويراع��ى عن��د تح�ضير بقابلي��ة �أق��ل م��ن قابلي��ة الجازولي��ن لال�ش��تعال واالنفج��ار‪.‬‬
‫وق��ود الطائرات النفاثة عدد كبي��ر من الموا�صفات المهمة‪ ،‬وله��ذا يعتم��د علي��ه ب�ش��كل رئي���س ف��ي العرب��ات الع�س��كرية‬
‫لدواع��ي ال�س�لامة والأم��ان‪ ،‬فنقط��ة الومي�ض يج��ب �أ َّال تقل وال�شاحنات‪� ،‬إ�ضافة �إلى بع�ض ال�سيارات‪ ،‬والتدفئة المنزلية‬
‫ع��ن ‪ 38‬درج��ة مئوي��ة‪ ،‬ودرجة تجم��ده تبلغ ‪ 50‬درج��ة مئوية وما �ش��ابه‪ .‬ويعود ا�س��م الديزل �إلى ا�س��م المخت��رع الألماني‬
‫تح��ت ال�صفر‪ ،‬بحيث يبقى �س��ائ ًال في المناطق الباردة وفي رودول��ف دي��زل ال��ذي ابتك��ر ع��ام ‪1892‬م المح��رك العامل‬
‫بهذا النوع المحدد من الوقود‪.‬‬ ‫طبقات الجو العليا‪.‬‬

‫كذل��ك يج��ب �أ َّال يحت��وي ه��ذا النوع م��ن الوقود عل��ى رطوبة وفي بالد ال�ش��ام وبع�ض بلدان المغرب العربي ت�س��تخدم‬
‫(م��اء)‪ ،‬كما يجب �أن يكون متجان�س�� ًا وثابت ًا في تركيبه وذي كلم��ة «م��ازوت» للإ�ش��ارة �إل��ى الدي��زل‪ ،‬وه��ي ت�س��مية‬
‫مار�س ‪� /‬أبريل ‪2010‬م‬ ‫الم�شتقات النفطية‬

‫وقد حل مكان الفحم الحجري منذ مطلع القرن الع�ش��رين‪،‬‬


‫حي��ث ي�س��تعمل حالي�� ًا لت�ش��غيل محط��ات تولي��د الكهرب��اء‬
‫الحراري��ة‪ ،‬وف��ي ال�صناع��ات الثقيل��ة كالتعدي��ن و�صناع��ة‬
‫الأ�سمنت و�صناعة الزجاج لت�أمين الطاقة الحرارية الالزمة‬
‫لت�شغيلها‪.‬‬ ‫�إذا كانت �أنواع الوقود‬
‫«�أ�شهر» م�شتقات‬
‫ويتم الح�صول عليه من برج التقطير بعد الديزل مبا�ش��رة‪،‬‬ ‫الزيت الخام‪ ،‬ف�إن‬
‫وت��راوح درج��ة غليان��ه م��ا بي��ن ‪ 300‬و‪ 350‬درج��ة مئوي��ة‪.‬‬ ‫الأقل �شهرة لي�س‬
‫ويعرف با�س��م الفي��ول �أويل الثقي��ل ‪ ،Heavy Fuel Oil‬بينما‬
‫يطلق ا�س��م الفيول �أويل الخفيف ‪ Light Fuel Oil‬على بقايا‬
‫�أقل �أهمية‪ ،‬وال حتى‬
‫التقطير بعد خروج الكيرو�سين‪� ،‬أي عند ‪ 230‬درجة مئوية‪.‬‬ ‫م�شتقات الم�شتقات‬
‫التي ال تغيب عن‬
‫‪ - 7‬الزيوت (‪)Lubricating Oils‬‬ ‫محيطنا لحظة‬
‫وه��ي م��ن نوات��ج عملي��ة التقطي��ر الفراغ��ي‪ ،‬ويتف��اوت مدى‬
‫غليانه��ا بي��ن ‪ 350‬و‪ 500‬درجة مئوية‪ ،‬ف�ضمن مدى ‪� 350‬إلى‬
‫‪ 400‬درج��ة مئوية ت�صنف الزيوت عل��ى �أنها خفيفة‪ ،‬و�ضمن‬
‫م��دى م��ن ‪� 400‬إل��ى ‪ 450‬درج��ة مئوية ت�صن��ف الزيوت على‬
‫�أنه��ا متو�س��طة‪� ،‬أما الزيوت الثقيلة فيك��ون مدى غليانها من‬
‫‪� 450‬إل��ى ‪ 500‬درجة مئوية‪ ،‬وهذه القطفات المتعددة‪ ،‬ت�ضم‬
‫خليط ًا من الزيوت وال�شموع والإ�سفلت‪.‬‬

‫‪ - 8‬القار (الإ�سفلت) (‪)Asphalt‬‬


‫الم��ادة المتبقي��ة ف��ي ق��اع ب��رج التقطي��ر الفراغ��ي‪ ،‬يطل��ق‬
‫فرن�س��ية‪ ،‬م��ن الن��ادر �أن ي�ؤتى على ذكرها ف��ي المراجع عليها البع�ض ا�س��م القطران‪ ،‬الذي يتم ا�ستخال�ص القار �أو‬
‫الإ�س��فلت من��ه‪ ،‬وهو خليط م��ن المركب��ات الكيميائية عالية‬ ‫العلمية‪.‬‬
‫اللزوجة‪ ،‬لونه �أ�س��ود‪ ،‬وهو �أثقل الم�شتقات النفطية و�أعالها‬
‫ويحت��وي الدي��زل �أو ال�س��والر �أو الم��ازوت عل��ى البارافينات في درجة الغليان‪.‬‬
‫كم��ا يحت��وي عل��ى النافثين��ات وبع���ض الم��واد العطري��ة‬
‫�أحادي��ة وثنائي��ة الحلق��ة‪ ،‬وعلى مركبات كبريتي��ة ومركبات ويحت��وي الق��ار عل��ى ن�س��ب متفاوت��ة م��ن الكبري��ت وبع���ض‬
‫نيتروجيني��ة‪ ،‬ويت��م الح�ص��ول عل��ى الدي��زل �ضم��ن قطف��ة المعادن الثقيلة‪ ،‬وي�ستخدم في ر�صف الطرق‪ ،‬وعزل �أ�سقف‬
‫عل��ى ح��رارة تراوح م��ن ‪� 250‬إلى ‪ 350‬درج��ة مئوية‪ ،‬ويتميز المن��ازل‪ ،‬كما ا�س��تخدم �س��ابق ًا ف��ي �صنع قذائ��ف المنجنيق‬
‫بلون��ه الأ�صف��ر الباه��ت ال�ش��فاف‪ ،‬وي�س��تخدم ه��ذا الن��وع الحارقة التي كان يتم �إ�شعالها و�إلقائها على الأعداء‪.‬‬
‫م��ن المنتج��ات كوق��ود للآلي��ات الثقيلة‪ ،‬ولبع���ض محركات‬
‫ختام��اً‪ ،‬ن�ش��ير �إل��ى �أنن��ا توقفن��ا في ه��ذا المج��ال‪ ،‬المحدد‬ ‫ال�سيارات‪.‬‬
‫�أمامنا‪ ،‬عند م�ش��تقات الزيت الرئي�س��ة التي يمكنها �أن تكون‬
‫وتقا���س قابلية احت��راق الديزل بما يعرف بـ «رقم ال�س��يتان» م�صدر ت�س��ا�ؤل حول حقيقتها في ذهن الم�ستهلك‪ .‬ولكن كل‬
‫تقدّم هو نقطة في بحر م�شتقات البترول �أو النفط الخام‬ ‫(‪ ،)Cetane Number‬وكلم��ا ارتفع رقم ال�س��يتان كلما كان ما َ‬
‫احت��راق الوق��ود ذا �أداء جي��د‪� ،‬أي �أن��ه يمك��ن بدء اال�ش��تعال (زيت�� ًا وغ��ازاً)‪� .‬إذ �إن هن��اك م�ش��تقات من هذه الم�ش��تقات‬
‫عن��د درجات ح��رارة منخف�ضة‪ .‬وينبغ��ي �أن يتمتع هذا النوع ت�ضم ع�ش��رات المنتجات التي ن�ستهلكها في حياتنا اليومية‪،‬‬
‫م��ن الوق��ود بدرجة منا�س��بة م��ن اللزوج��ة و�أن يحت��وي على ويت�ضاع��ف ه��ذا الع��دد �إل��ى المئ��ات ربم��ا‪ ،‬عندم��ا ن�ضي��ف‬
‫ن�س��بة محددة من الكبريت‪ ،‬حيث �إن زيادة هذا العن�صر في م�ش��تقات الغاز الطبيعي وم�شتقات م�شتقاته لت�شمل الالئحة‬
‫الوقود ي�ؤدي �إلى ت�آكل المحرك خالل وقت ق�صير ن�سبياً‪ .‬الطويلة‪ :‬الدهانات‪ ،‬والمذيبات على �أنواعها‪ ،‬والبال�س��تيك‪،‬‬
‫والأ�صم��اغ‪ ،‬والأقم�ش��ة‪ ،‬والعقاقي��ر‪ ،‬والعط��ور‪ ،‬والمط��اط‬
‫ال�صناع��ي‪ ..‬وغي��ر ذل��ك الكثي��ر مم��ا ي�س��تحيل ح�ص��ره‪،‬‬ ‫‪ - 6‬زيت الوقود (‪)Fuel Oil‬‬
‫ي�ستخدم هذا النوع من الوقود على نطاق وا�سع في ال�صناعة‪ .‬وي�ضاف �إليه جديد في كل يوم‪.‬‬
‫بين دفعه �إلى الأمام وتدمير كفاءاته‪..‬‬

‫دور المدير‬
‫في تطور الموظف‬
‫‪31 30‬‬

‫�ضم��ن م�س��تويات النج��اح والف�ش��ل ف��ي العم��ل‬


‫الوظيف��ي‪ ،‬كثي��راً م��ا ن�س��مع ع��ن عاملي��ن لمع��ت‬
‫�أ�س��ما�ؤهم م��ن خ�لال تحقيقه��م لأكث��ر مم��ا كان‬
‫متوقع��اً منهم‪ ،‬تماماً كما ن�س��مع ع��ن �آخرين كانوا‬
‫من الم�ش��هود لهم بكفاءاتهم‪ ،‬ولكنهم عجزوا عن‬
‫تقدي��م الحدود الدنيا من العم��ل المطلوب منهم‪،‬‬
‫فتعثروا (وتحطموا) و�ش��اركوا م�ؤ�س�ساتهم في دفع‬
‫ثمن الخيبة‪.‬‬
‫ليل��ى �أمل ت�س�� ِلّط ال�ض��وء على تطور بال��غ الأهمية‬
‫ط��ر�أ عل��ى مج��ال الإدارة ف��ي ال�س��نوات الأخي��رة‪،‬‬
‫وب��ات ي��ركِّ ز عل��ى نوعية العالق��ة ما بي��ن المدير‬
‫والموظف ودورها في تطور هذا الأخير‪ ،‬بحيث �أن‬
‫نج��اح الموظف وتط��وره وعوائد ه��ذا النجاح على‬
‫الم�ؤ�س�س��ة‪ ،‬بات��ت رهن��اً به��ذه العالق��ة التبادلي��ة‪.‬‬
‫ولم��ا كان مرك��ز القرار ف��ي هذه العالق��ة هو عند‬
‫‪Illustration: Tamara Makarem - Almohtaraf Alsaudi‬‬

‫الطرف الأعلى في ال�س��لم الوظيفي‪ ،‬تتفتح الأعين‬


‫�أكثر ف�أكثر على دور المدير عند البحث في ح�سن‬
‫�أداء الموظف �أو ف�شله‪.‬‬
‫مار�س ‪� /‬أبريل ‪2010‬م‬

‫لك��ن الم�ش��كلة ه��ي �أن كل ه��ذه‬ ‫تغيرت العقلية ال�سائدة التي تحكم العالقة بين الم�ؤ�س�سات وموظفيها تغيراً‬
‫الجه��ود والنوايا الطيبة ال تكفي‪.‬‬ ‫كبيراً خالل العقدين الأخيرين‪ .‬فقد كانت هذه العالقة تقوم على مجموعة‬
‫فالعوامل التي ت�ؤدي �إلى اجتذاب‬ ‫م��ن القناع��ات ت��رى �أن الموظفي��ن هم من في حاج��ة �إلى الم�ؤ�س�س��ات‪ ،‬و�أن‬
‫الم�ؤ�س�سات للموظف الكفء‪،‬‬ ‫الوظائف المتاحة قليلة ويتناف�س عليها كثيرون‪ .‬و�أن الموظف باقٍ دائماً‪ ،‬وال‬
‫تختل��ف كثي��ر ًا ع��ن العوامل‬ ‫حاجة �إلى القلق بهذا ال�ش�أن‪.‬‬
‫الت��ي ت���ؤدي �إل��ى ا�س��تمراره‬
‫ف��ي العم��ل لأجلها يوم�� ًا بعد‬ ‫كم��ا كان��ت ه��ذه النظ��رة ت��رى �أن الق��درات الب�ش��رية ف��ي‬
‫ي��وم‪ ،‬وتحفزه على اكت�س��اب‬ ‫الم�ؤ�س�س��ة يمك��ن �أن تح��دث بع�ض الفارق ف��ي نجاحها‪ ،‬لكن‬
‫مه��ارات جدي��دة ومعرف��ة‬ ‫ه��ذا الف��ارق لي���س كبي��راً‪ .‬لأن ق��درة الم�ؤ�س�س��ة التناف�س��ية‬
‫جدي��دة ف��ي مج��ال عمل��ه‪،‬‬ ‫تعتمد في الأ�سا���س على عوامل �أخرى كر�أ���س المال‪ ،‬والآالت‬
‫وتدفع��ه لأن يفك��ر ف��ي حل��ول‬ ‫والمعدات‪ ،‬والموقع الجغرافي‪.‬‬
‫جدي��دة للم�ش��كالت وفر���ص‬
‫جديدة ت�ضيف لنجاح الم�ؤ�س�سة‪.‬‬ ‫لك��ن م��ع التغيرات الكثي��رة التي حدثت في مج��ال الأعمال‪،‬‬
‫�أثبتت درا�سات عديدة‪ ،‬وقبلها الواقع‪� ،‬أن الم�ؤ�س�سات تحتاج‬
‫بمعن��ى �آخ��ر‪ ،‬هن��اك مجموع��ة‬ ‫�إل��ى موظفيها ربما �أكثر من حاجتهم ه��م �إليها‪ ،‬و�أن الندرة‬
‫�أخ��رى مختلف��ة م��ن المه��ارات‬ ‫الحقيقية لي�س��ت في الوظائف‪ ،‬ولكن ف��ي �أ�صحاب القدرات‬
‫تحت��اج �إليه��ا الإدارة لك��ي تتمك��ن م��ن‬ ‫الب�شرية المتفوقة التي يمكن �أن ت�شغلها‪ .‬فهذه القدرات هي‬
‫تطوي��ر موظفيها‪ ،‬وتح��وِّل قدراتهم التي �ضمته��م �إليها على‬ ‫العامل الأكثر حركية و�أهمية في �أداء الم�ؤ�س�سات ونجاحها‪،‬‬
‫�أ�سا�س��ها‪� ،‬إل��ى �أداء مرتفع ي�س��هم بفاعلية ف��ي تحقيق نجاح‬ ‫وه��ي المقيا���س الأعل��ى �صوت�� ًا ف��ي الحك��م عل��ى قدرتها في‬
‫الم�ؤ�س�سة‪.‬‬ ‫الثبات وال�صعود و�سط بيئة �شديدة التناف�سية‪.‬‬

‫ونتيج��ة له��ذا «الإدراك» الجدي��د‪ ،‬انتب��ه المدي��رون لأهمي��ة ما الذي �أتى بي �إلى هنا من الأ�سا�س؟‬
‫ال يمك��ن تح��ت �أي ظ��رف �أن يجتم��ع الأداء المرتف��ع‬ ‫القدرات الب�ش��رية وقوة ت�أثيرها‪ .‬و�أ�صبح �ضم �أ�صحابها �إلى‬
‫للموظ��ف‪ ،‬مع �إح�سا�س��ه بع��دم الو�ضوح تجاه عمله ب�ش��كل‬ ‫م�ؤ�س�س��اتهم هدف�� ًا يحت��ل مركز ًا متقدم ًا ف��ي قائمة مهامهم‬
‫خا���ص‪ ،‬وتجاه عمل الم�ؤ�س�س��ة كوحدة واحدة ب�ش��كل عام‪.‬‬ ‫و�أولوياتهم‪ ،‬و�أ�صبحت ال�شركات تهتم �أكثر من �أي وقت �سابق‬
‫فع��دم الو�ض��وح ه��و عائ��ق كبي��ر �أم��ام كل نواح��ي العم��ل‪:‬‬ ‫بكونه��ا جاذبة للموظفين‪ ،‬عن طري��ق تقديم مميزات مادية‬
‫كف��اءة العم��ل الف��ردي‪ ،‬وفاعلي��ة العمل الجماع��ي‪ ،‬وحتى‬ ‫ف��ي الروات��ب والمكاف�آت تتج��اوز الحدود الدني��ا المفرو�ضة‬
‫�ش��عور الموظف بالر�ضا وباالنتماء‪ .‬فكيف يمكن للموظف‬ ‫في قوانين العمل‪ ،‬وتبدي بع�ض المرونة فيما يخ�ص مواعيد‬
‫�أن يح��دِّ د �أولوياته خالل �س��اعات عمل��ه المحدودة‪� ،‬إن لم‬ ‫العمل والإجازات‪ ،‬كما تبني برامج تدريبية تزيد من خبرات‬
‫يك��ن يع��رف جي��د ًا م��ا هي الأه��داف م��ن الأ�ص��ل؟ وكيف‬ ‫موظفيه��ا ومعلوماتهم ع��ن تخ�ص�صهم‪ ،‬وت�س��عى �إلى التمتع‬
‫يمكن��ه �أن يق ِ��دّر �إ�س��هام بقي��ة �أع�ض��اء فريق��ه �إذا لم يكن‬ ‫ب�سمعة جيدة تقول �إنها �شركة «�صديقة للموظفين»!‬
‫با�س��تطاعته �أن يع��رف ما ه��ي الإ�س��هامات المطلوبة منه‬
‫هو نف�س��ه؟ وكيف يمكن �أن ي�ش��عر بالنج��اح �أو يبذل جهد ًا‬
‫لتح�س��ين �أدائه في مجال مح��دَّ د‪� ،‬إذا لم يكن يعرف كيف‬
‫يقا�س نجاحه ويقيم لدى مديريه؟‬

‫يجب �أن تكون لدى كل موظف �صورة وا�ضحة تماماً‪� ،‬أو ًال عن‬
‫دوره الوظيفي الذى عينته ال�شركة لأدائه‪ ،‬وثاني ًا عن المهام‬
‫التي عليه �أن يقوم بها يوم ًا بعد يوم في كل م�ش��روع �أو مهمة‬
‫يت��م تكليف��ه بها‪ ،‬وثالث�� ًا عن �أه��داف الم�ؤ�س�س��ة و�أولوياتها‪..‬‬
‫من تخدم‪ ،‬وكيف‪ ،‬وب�أية معايير‪ ،‬وما هي مواردها الأ�سا�سية‬
‫وكيف ت�ستخدمها‪.‬‬

‫وعل��ى الرغم من الأهمية ال�ش��ديدة للو�ضوح في بيئة العمل‪،‬‬


‫�إال �أن ن�س��بة هائلة من المديرين ال ي�ستطيعون تطبيقه‪ .‬فقد‬
‫�إذ ت�شير �إح�صاءات �إلى �أن‬ ‫�أظهرت بع�ض الأبحاث �أن �أكثر من ‪ 50‬بالمئة من الموظفين‬
‫�أكث��ر م��ن ثلث��ي الموظفين‬ ‫ف��ي مج��االت عم��ل متع��ددة‪ ،‬ال ي�س��تطيعون تحدي��د م��ا ه��و‬
‫ي��رون �أنه��م ال يتلق��ون‬ ‫المطلوب منهم بال�ضبط في العمل!‬
‫التقدي��ر عل��ي عمله��م‬
‫الجي��د‪ .‬و�إذا ترجمن��ا هذه‬ ‫�إذ ًا كي��ف يق��وم المدي��ر بهذا الأم��ر؟ �أوالً‪ ،‬يج��ب �أن يكون‬
‫النتيج��ة ف�س��نجد �أن له��ا‬ ‫لدي��ه ه��و نف�س��ه �ص��ورة وا�ضح��ة ع��ن دوره وواجبات��ه‬
‫احتمالين‪� .‬إما �أنهم قدموا‬ ‫و�أولوياته‪ ،‬وعما يريده للم�ؤ�س�س��ة‪ ،‬وما يطلبه من موظفيه‪.‬‬
‫عم ًال عال��ي الجودة لكنهم‬ ‫ثاني�� ًا علي��ه �أن ي�أخ��ذ كل الأه��داف والأولوي��ات والخط��ط‬
‫ل��م يح�صلوا عل��ى التقدير‬ ‫وال�ص��ور الكبيرة الت��ي يتعامل على �أ�سا�س��ها خط القيادة‬
‫ال��ذي ي�س��تحقونه‪� ،‬أو �أنهم ماركو�س باكينجام‬ ‫الأول ف��ي الم�ؤ�س�س��ة‪ ،‬ويحولها �إلى �صيغة وا�ضحة تنا�س��ب‬
‫�لا عالي الجودة من الأ�ص��ل‪ .‬واالحتماالن‬ ‫ل��م يقدِّ موا عم ً‬ ‫موظفي��ه‪ ،‬وتحدد �أمامه��م �أهداف ًا ق�صيرة‬ ‫‪33 32‬‬

‫في النهاية �سيئان‪.‬‬ ‫الم��دى‪ ،‬ومجموع��ة مح��ددة ووا�ضح��ة من‬ ‫�أكثر من ‪ 50‬بالمئة‬
‫معايير الأداء‪.‬‬ ‫من الموظفين في‬
‫يع��رف المدي��ر الجي��د �أن التقدي��ر والمكاف�أة‪ ،‬لي�س��ت نتيجة‬ ‫مجاالت عمل متعددة‪ ،‬ال‬
‫والطريق��ة الفعَّال��ة الت��ي يمك��ن للمدي��ر �أن للعمل الجيد‪ ،‬ولكنها ال�سبب فيه‪ .‬فالعمل الجيد لي�س �إنجاز ًا‬ ‫ي�ستطيعون تحديد ما هو‬
‫ينق��ل به��ا ه��ذه ال�صيغ��ة لموظفي��ه‪ ،‬تعتم��د‬
‫على مفتاح �ش��ديد الأهمية‪ ..‬اال�س��تمرارية‪.‬‬
‫المطلوب منهم بال�ضبط‬
‫فالمدي��ر الجيد يق��دِّ م الإي�ضاحات الالزمة‬ ‫في العمل!‬
‫لموظفي��ه عب��ر كل اجتم��اع‪ ،‬وكل محادث��ة‪،‬‬
‫وكل تقري��ر يتعام��ل معهم من خالل��ه‪ .‬فكل حديث يدور بين‬
‫المدي��ر وموظفي��ه ه��و فر�ص��ة جديدة لجع��ل الأم��ور �أو�ضح‬
‫قليالً‪.‬‬

‫مكاف�أة العمل الجيد‬


‫يق��ول �أوب��ري دانيال��ز‪ ،‬الم�ست�ش��ار الإداري لل�ش��ركات‪،‬‬
‫ف��ي كتاب��ه «الو�ص��ول �إل��ى �أف�ضل ما ف��ي النا���س»‪� ،‬إن كل‬
‫�س��لوك ب�ش��ري‪ ،‬تك��ون له تبع��ات مع َّين��ة‪ ،‬و�إن طبيعة هذه‬
‫التبعات هي التي تحدِّ د ما �إذا كان ال�س��لوك �س��يتكرر �أم‬
‫ال‪ .‬وتنق�س��م تبعات ال�س��لوك �إلى �أن��واع متقابلة‪ :‬فهي �إما‬
‫متمي��ز ًا يح��دث لم��رة واح��دة‪ .‬العم��ل الجي��د ه��و ممار�س��ة‬ ‫�أن تك��ون �إيجابي��ة �أو �س��لبية‪� ،‬آني��ة �أو م�س��تقبلية‪ ،‬م�ؤكدة‬
‫م�س��تمرة‪ ،‬وتح�س��ين م�س��تمر‪ ..‬خطوة �صغيرة تعقبها خطوة‬ ‫�أو محتمل��ة‪ .‬ومن هذه الأنواع تك��ون �أقلها ت�أثير ًا التبعات‬
‫�صغيرة لكن في االتجاه ال�صحيح‪ .‬ويعرف المدير الجيد �أن‬ ‫الم�س��تقبلية ال�س��لبية غير الم�ؤكدة‪ .‬وهذا ما يو�ضح على‬
‫علي��ه �أن يق��دِّ ر هذه الخطوات ال�صغي��رة ويحتفي بها‪ .‬وحين‬ ‫�س��بيل المث��ال لم��اذا ي�صعب عل��ى المدخ��ن الإقالع عن‬
‫يفع��ل‪ ،‬يع��رف �أنه بذل��ك يع��زِّ ز الأداء الجي��د‪ ،‬ويجعل فر�ص‬ ‫التدخين‪.‬‬
‫تكراره دائم ًا �أعلى‪.‬‬
‫وعل��ى هذا الأ�سا���س‪ ،‬يو�ض��ح دانيالز �أنه لك��ي يُخرج المدير‬
‫وعلى العك�س من ذلك‪� ،‬إذا لم يتلق الأداء الجيد ما ي�ستحقه‬ ‫�أف�ض��ل ما ف��ي موظفيه من طاق��ات ومهارات يج��ب �أن يدير‬
‫م��ن تقدير‪( ،‬في حالة اعتقاد المدير خط�أ �أن التقدير يفقد‬ ‫تبعات �س��لوكهم‪ .‬ف�إذا �أراد ل�س��لوك معيَّن �أن يتكرر‪ ،‬فعليه �أن‬
‫الحما�س‪ ،‬ويدفع �إلى الر�ضا والتكا�سل) يتلقى �أداء الموظف‬ ‫ي�صم��م تبعات��ه بحيث تك��ون �آني��ة و�إيجابية م�ؤك��دة‪ .‬وبمعنى‬
‫�ضغطة قوي��ة على المكابح‪ .‬فحين يقدِّ م الموظف �أدا ًء جيد ًا‬ ‫�أكث��ر و�ضوح��اً‪ ،‬علي��ه �أن يتعلم جيد ًا كيف يتع��رف �إلى العمل‬
‫م��رة بع��د مرة‪ ،‬وال يتلق��ى رد فعل يوازي ه��ذا الأداء‪ ،‬ال يجد‬ ‫الجيد‪ ،‬ويقدِّ ره‪ ،‬ويحتفي به‪.‬‬
‫�أمام��ه �س��وى تغيي��ر ال�س��لوك ال��ذي �أت��ى �إلي��ه به��ذه النتيجة‬
‫ورغ��م الت�أثي��ر الهائ��ل لعملي��ة تقدي��ر العم��ل الجيد على المثي��رة لل�ضيق والإزعاج‪ ،‬حتى يتفادى حدوثها مرة �أخرى‪.‬‬
‫�أداء الأف��راد والم�ؤ�س�س��ات‪� ،‬إال �أنها ال تلقى ولو جزء ًا من ف�لا �ش��يء يقت��ل حاف��ز الموظ��ف للعم��ل والإنج��از �أكثر من‬
‫العناية التي ت�س��تحقها من قبل المديرين و�أرباب العمل‪ .‬الالمب��االة الت��ي يتلقاها من قب��ل ر�ؤ�س��ائه‪ .‬والإدارة الجيدة‬
‫مار�س ‪� /‬أبريل ‪2010‬م‬ ‫دور المدير في تطور الموظف‪..‬‬

‫�إذاً‪ ..‬كي��ف يمك��ن العث��ور عل��ى الموظ��ف‬ ‫ه��ي الت��ي تجع��ل تقدير العم��ل الجي��د ومكاف�أته ج��زء ًا ثابت ًا‬
‫المنا�س��ب؟ �س��يكون الأم��ر �أكث��ر �س��هولة �إذا‬ ‫ومتوقع ًا من �سيا�ساتها‪.‬‬
‫ا�س��تطاع المدير �أن يحدد بال�ضبط ما هو نوع‬
‫المه��ارات ال�ش��خ�صية والمواه��ب التي يبحث‬ ‫�إلى �أي مدى تجيد الإدارة لعب ال�شطرنج؟‬
‫عنه��ا‪ .‬فكم��ا يعتن��ي كثي��ر ًا بالح�ص��ول عل��ى‬ ‫ف��ي كتاب��ه «�أمر واح��د عليك �أن تعرف��ه ب�ش���أن الإدارة» يقول‬
‫الم�ؤه�لات والمه��ارات الوظيفي��ة المنا�س��بة‪،‬‬ ‫الباح��ث في �ش���ؤون الإدارة ماركو���س باكينج��ام‪� ،‬إن الإدارة‬
‫ف���إن المه��ارات ال�ش��خ�صية تتطل��ب الق��در‬ ‫الجي��دة هي التي ت��رى الم�ؤ�س�س��ة ك�أنها رقعة �ش��طرنج‪ .‬لكل‬
‫نف�س��ه من العناية‪ ،‬وربما �أكثر‪ ،‬من ال�ش��خ�ص‬ ‫قطع��ة عل��ى هذه الرقعة طريقة معيَّنة تتحرك بها‪ ،‬و�أ�س��لوب‬
‫المنا�س��ب ال��ذي يمكن �أن ي�ش��غل ه��ذا الموقع‬ ‫معيَّن ت�صل به من نقطة �إلى �أخرى‪ .‬ف�أ�س��و�أ ما تفعله الإدارة‬
‫بالذات؟ هل هو �ش��خ�ص يتمتع بقدرات عالية‬ ‫ه��و �أن تت�ص��ور (�أو ت�أم��ل!) �أن جمي��ع موظفيه��ا يتحرك��ون‬
‫ف��ي مج��ال العم��ل الجماع��ي؟ ف��ي التحلي��ل‬ ‫بطريق��ة واحدة‪ .‬الأمر الذي يجعلها تك ِّر���س‬
‫والمالحظ��ة؟ ف��ي الق��درة على االبت��كار؟ في‬ ‫جهوده��ا ف��ي �أن تعلمه��م‪ ،‬كي��ف يتوافق��ون‬ ‫الإدارة ال�سيئة تتخ َّوف‬
‫التناف�سية؟‬ ‫م��ع قال��ب ثاب��ت تح��دده الإدارة م�س��بق ًا‬ ‫من �إ�صابة الموظف‬
‫ل��كل موظ��ف‪ ،‬يك��ون محكوم�� ًا ف��ي الغال��ب‬ ‫الجيد بالغرور‪ ،‬في حين‬
‫بالتف�ضي�لات ال�ش��خ�صية وطريق��ة نظ��ر‬ ‫�أنه يحتاج �إلى التقدير‬
‫ممثلي الإدارة للأمور‪ ،‬ولي���س بمراعاة جودة‬
‫العمل �أو م�صلحته العامة‪.‬‬
‫واالحتفاء به‬

‫وبالرغ��م من الأهمي��ة الكبيرة لعملية التعلي��م والتدريب في‬


‫االرتق��اء ب���أداء الموظفي��ن ف��ي الم�ؤ�س�س��ة‪� ،‬إال �أنه��ا ال تعن��ي‬
‫�أن الم�ؤ�س�س��ة �أو مديريه��ا ق��ادرون عل��ى تغيي��ر الموظ��ف �أو‬
‫تبدي��ل �ش��خ�صيته ب�أخ��رى �أف�ض��ل منه��ا‪ .‬فكل موظ��ف يمثل‬
‫نمط�� ًا مح��دد ًا م��ن ال�صف��ات والم�ش��اعر وال�س��لوك والأداء‪.‬‬
‫والموظف��ون ف��ي �أي��ة م�ؤ�س�س��ة يختلف��ون ف��ي الطريق��ة الت��ي‬
‫يفكِّ��رون به��ا‪ ،‬والطريق��ة الت��ي يتفاعل��ون به��ا م��ع الآخري��ن‬
‫ويك ِّون��ون العالق��ات‪ ،‬والطريق��ة التي يتعلمون به��ا الأفكار �أو‬
‫المه��ارات الجدي��دة‪ .‬ويختلف��ون ف��ي قدرتهم عل��ى التعاون‪،‬‬
‫‪corbis‬‬

‫ومرونته��م ف��ي التعام��ل م��ع العقب��ات‪ .‬ويختلفون ف��ي درجة‬


‫الإج��ادة الت��ي يف�ضل��ون العم��ل عل��ى �أ�سا�س��ها‪ ،‬وف��ي درج��ة‬
‫عل��ى المدي��ر �أن يع��رف ما ه��ي ال�صفات الت��ي يبحث عنها‪،‬‬ ‫التح�ضي��ر الت��ي يحتاج��ون �إليه��ا‪ .‬ويختلف��ون فيم��ا يثي��ر‬
‫وبعدها يحدِّ د الطريقة التي ي�س��تطيع بها �أن يختبر وجودها‬ ‫حما�سهم‪ ،‬ويتحدى قدراتهم‪ ،‬ويدفعهم �إلى الأمام‪ .‬والإدارة‬
‫ف��ي المر�ش��حين ل�ش��غل ه��ذه الوظيف��ة‪ .‬فيبحث ف��ي خبرات‬ ‫الجيدة هي التي ت�ضع هذه الحقيقة ن�صب عينيها‪ ،‬فتراعيها‬
‫الموظ��ف ال�س��ابقة‪ ،‬ويتي��ح م�س��احة كبي��رة ف��ي المقاب�لات‬ ‫عند اختيار الموظفين للعمل‪ ،‬وت�ستمر في ذلك في كل خطوة‬
‫ال�ش��خ�صية لمعرف��ة هذه النق��اط بالتحديد‪ .‬عليه �أن ي�س���أل‬ ‫من م�سيرتهم معها‪.‬‬
‫وي�س��تمع جي��داً‪ ،‬وي�ضع ف��ي ذهنه ت�صور ًا ع��ن الإجابات التي‬
‫حي��ن يق��ول المدي��ر الجي��د ع��ن موظ��ف م��ا �إن��ه يري��ده في يحتاج �أن ي�سمعها‪.‬‬
‫م�ؤ�س�س��ته �أو فريق��ه ف�إن��ه يعني ما يقول‪ .‬لكن المدير ال�س��يئ‬
‫يقوله��ا وه��و يعن��ي «�أريدك ف��ي هذا العم��ل‪ ،‬لك��ن بطريقتي و�إذا كان��ت الق��درة عل��ى معرف��ة ه��ذه ال�صف��ات مه��ارة‬
‫الخا�ص��ة‪ ،‬وبع��د �أن �أجري عليك كل التعدي�لات المطلوبة!»‪� .‬ضرورية في الإدارة الجيدة‪ ،‬ف�إن الطريقة التي ت�س��تخدم‬
‫وه��ذا التفكي��ر ال ي�س��تند �إل��ى �أي نوع من المنط��ق‪ .‬ال منطق به��ا هذه المعرفة هي مفتاح ال�س��ر‪ .‬الإدارة ال�س��يئة تميل‬
‫الأعم��ال والطريق��ة الت��ي ت�س��ير به��ا‪ ،‬وال منط��ق الطبيع��ة �إل��ى �أن تك��ون مت�ش��ككة تج��اه نق��اط الق��وة الت��ي يحمله��ا‬
‫الب�ش��رية‪ .‬وله��ذا تك��ون نتيجت��ه �ض��ارة عل��ى كل الأط��راف‪ .‬موظفوه��ا‪ ،‬ومحمل��ة بالخ��وف م��ن �أن ي�ص��اب الموظفون‬
‫ولتجنب كل هذه ال�سل�س��لة من ال�سلبيات‪ ،‬على المدير الجيد بالثق��ة المفرط��ة والغ��رور‪ .‬وبالتال��ي‪ ،‬تعتق��د الإدارة �أن‬
‫�أن يت��رك هذا التفكير جانباً‪ ،‬ويب��د�أ العمل منذ البداية على واجبه��ا يحت��م �أن تعطي كل موظف تقييم�� ًا مف�ص ًال حول‬
‫نق��اط �ضعفه‪ .‬و�إذا افتر�ضنا ح�س��ن نيته��ا‪ ،‬تعتقد الإدارة‬ ‫اختيار الموظف «المنا�سب» بالفعل‪.‬‬
‫�أنه��ا بذل��ك ت�ضع الموظف ف��ي موقف الم�س���ؤولية وتدفعه‬
‫نح��و اتخ��اذ خط��وات لمعالجة نقاط ال�ضع��ف تلك‪ .‬وهذا‬
‫التوجه يجعل جو العمل جو ًا �ش��ديد ال�سلبية‪ .‬فكل التركيز‬
‫من�صب وب�ش��دة على نقاط ال�ضعف‪� .‬أو ًال بتقييمها‪ ،‬وثاني ًا‬
‫بمح��اوالت تح�س��ينها‪ .‬بينم��ا تهمل نقاط الق��وة وال تقابل‬
‫بج��زء م��ن االهتم��ام والرعاي��ة الت��ي ت�س��تحقها‪ .‬في هذا‬
‫الج��و‪ ،‬ي�صعب عل��ى الموظف �أن يفكر ف��ي الأداء المتميز‬
‫وتحقي��ق الأه��داف الكبي��رة‪ ،‬لأن��ه غالب�� ًا ما يك��ون مكب ًال‬
‫بال�شعور بالإحباط‪.‬‬

‫ومما يزيد الأمر �سوء ًا حقيقة �أنه ال يمكنك‬ ‫‪35 34‬‬

‫�أن تح�ص��ل عل��ى �أداء متمي��ز ع��ن طري��ق‬ ‫حين يقدِّم الموظف‬
‫كيف يصنع المدير موظفا‬ ‫العم��ل عل��ى نقط��ة �ضع��ف‪ .‬الأداء المتمي��ز‬
‫يول��د ع��ن طري��ق االعتم��اد على نقط��ة قوة‬
‫�أدا ًء جيداً مرة بعد مرة‪،‬‬
‫وال يتلقى رد فعل يوازي‬
‫مبدعا؟‬ ‫من��ذ البداية‪ ،‬ث��م �إجراء تح�س��ينات طفيفة‬
‫م�س��تمرة لالرتق��اء م��ن الم�س��توى الجي��د‬
‫هذا الأداء‪ ،‬ال يجد �أمامه‬
‫�سوى تغيير ال�سلوك‬
‫�إل��ى الأف�ض��ل‪� .‬أما العمل ال�ش��اق على نقاط‬
‫يطم��ح المدي��رون الأذكي��اء‪� ،‬إل��ى تطوي��ر �أداء م�ؤ�س�س��اتهم‬ ‫ال�ضع��ف ف�أق�ص��ى م��ا يمك��ن �أن يحققه هو‬ ‫الذي �أتى �إليه بهذه‬
‫والإب��داع ف��ي �إنتاجيتها‪ ،‬حتى ي�صل��وا بها �إلى �أعلى م�س��توى‬ ‫و�ص��ول الأداء فيها �إلى الم�س��توى المقبول‪.‬‬ ‫النتيجة المثيرة لل�ضيق‬
‫من التطور والقدرة على المناف�س��ة محلية كانت �أم عالمية‪.‬‬ ‫وه��و �ش��يء مه��م �إذا اعتبرن��ا فائدت��ه �إزالة‬ ‫والإزعاج‪...‬‬
‫وي��درك ه���ؤالء الق��ادة �أن الإب��داع ف��ي الأداء والإنت��اج‪� ،‬إنما‬ ‫عقب��ة مح��ددة تمنع تق��دم الموظف وظهور‬
‫يتحق��ق على �أي��دي الموظفين المتميزي��ن‪ ،‬وبجهود جماعية‬ ‫نق��اط قوت��ه في مجاالت �أخرى‪� ،‬أم��ا �أن يكون هذا الأمر هو‬
‫م��ن كل العنا�ص��ر الب�ش��رية العاملة ف��ي الم�ؤ�س�س��ة‪ ،‬من قمة‬ ‫الغاي��ة النهائية فهذا �إهدار لطاقات وقدرات غالية وم�ؤثرة‬
‫اله��رم �إلى �أدن��ى مرتبة في هيكلها التنظيم��ي‪ .‬فعبء العمل‬ ‫في �أداء الم�ؤ�س�سة وقدرتها على البقاء‪.‬‬
‫المتميز م�س�ؤولية الجميع‪.‬‬
‫الإدارة الجيدة ال تقلقها م�س�ألة الثقة المفرطة‪ ،‬و�إنما يقلقها‬
‫وي��درك ه���ؤالء المدي��رون حقيق��ة �أن �إب��داع الموظفي��ن ف��ي‬ ‫كثير ًا �أن تف�ش��ل في �أن تحول القدرات ال�ش��خ�صية لموظفيها‬
‫�إنتاجه��م و�أدائه��م يتطل��ب بيئ��ة عم��ل متط��ورة ف��ي نظمه��ا‬ ‫�إل��ى �أداء متف��وق ومتمي��ز‪ .‬ولذل��ك ف���إن عملها م��ع موظفيها‬
‫و�أ�س��اليب العم��ل فيها‪ ،‬تتواف��ر فيها الأج��واء ال�صالحة التي‬ ‫يتجه نحو دعم كل واحد منهم لمعرفة نقاط قوته وتح�سينها‬
‫تعين الموظف على العمل‪ ،‬وتوفر له و�سائل الإبداع في �أدائه‬ ‫واالرتقاء بها �إلى الم�ستوى الأعلى‪.‬‬
‫كالتدري��ب والت�أهي��ل والتحفيز والت�ش��جيع‪ ،‬على العك���س من‬
‫�أجواء العمل التي تنت�ش��ر فيها الأ�س��اليب الإدارية الت�س��لطية‬ ‫منذ �أن تنبهت الم�ؤ�س�سات لأهمية القدرات الب�شرية‪� ،‬أ�صبح‬
‫المتخلف��ة‪ ،‬كالترهي��ب والتخوي��ف والتهدي��د والوعيد‪ ،‬والتي‬ ‫ال�س��عي ل�ض��م �أ�صح��اب الكف��اءات العالي��ة �إل��ى �صفوفها في‬
‫تنم��ي بدوره��ا اتجاه��ات �س��لبية ل��دى الموظفي��ن‪ :‬كالأنانية‬ ‫مقدم��ة �أولوياتها‪ .‬لكنها عادة ما تختار �أن ترى ن�صف الأمر‬
‫وال�ص��راع الم�صح��وب بالع��داوات‪ ،‬وال�س��لوكيات العدوانية‪.‬‬ ‫«الواع��د»‪ ،‬وتغ���ض الطرف ع��ن الن�صف الآخ��ر‪ ،‬وهو الجهد‬
‫فتنت�شر الأكاذيب والأعمال الكيدية‪.‬‬ ‫ال��ذي عليه��ا �أن تبذله كي تحقق هذا الوع��د‪ .‬وك�أن الموظف‬
‫الجيد هو �آلة �إنتاجية‪ ،‬يكفي �أن ت�ضعها خلف مكتب وت�ضغط‬
‫ف��ي مث��ل ه��ذه الأج��واء الم�ش��حونة‪ ،‬تنخف���ض معنوي��ات‬ ‫ال��زر! �إال �أن الواق��ع ي�ؤك��د ما يك��ره عادة �أن ي��راه المديرون‪.‬‬
‫الموظفين‪ ،‬وتتال�ش��ي الدوافع النف�سية �إلى العمل المخل�ص‪،‬‬ ‫تو�ضح له معالم‬
‫الموظ��ف الجيد‪ ،‬يحتاج �إل��ى �إدارة جيدة ‪ِّ ..‬‬
‫كم��ا ينخف���ض وال�ؤه��م للم�ؤ�س�س��ة‪ ،‬وتنت�ش��ر بينه��م االتكالية‬ ‫الطري��ق ال��ذي يم�ش��ي في��ه والأه��داف الت��ي يم�ش��ي نحوها‪،‬‬
‫والنميم��ة‪ ،‬وتخت��ل العالق��ات الإن�س��انية‪ ،‬وتبرز المح�س��وبية‬ ‫وتق��دِّ ر عمل��ه الجيد‪ ،‬وتحتفي ب��ه‪ ،‬وتفهم تميزه ال�ش��خ�صي‪،‬‬
‫عل��ى ح�س��اب الإنتاجي��ة‪ ،‬وم��ن ث��م تتخل��ف الم�ؤ�س�س��ة ع��ن‬ ‫وتوفِّ��ر ل��ه الفر���ص المنا�س��بة للتعل��م واالرتقاء‪ .‬به��ذا يكون‬
‫الركب‪ ،‬وتتبدد �إمكاناتها المادية والب�ش��رية‪ ،‬وتت�س��رب �إليها‬ ‫العم��ل م�صدر فخر و�إلهام‪ ،‬وي�صبح الأداء المتميز للموظف‬
‫عوامل الف�شل‪.‬‬ ‫وللم�ؤ�س�س��ة م�ش��هد ًا يومي�� ًا يلخ���ص م��ا ي�س��تطيع كل منها �أن‬
‫يقدِّ مه للآخر‪.‬‬
‫مار�س ‪� /‬أبريل ‪2010‬م‬ ‫دور المدير في تطور الموظف‪..‬‬

‫والظروف والق�ضايا المحيطة بم�شكلة معيَّنة �أو مجال معيَّن‪،‬‬ ‫يع�� َرّف الإب��داع ف��ي الأداء ب�أنه ابتكار ط��رق جديدة متطورة‬
‫وه��ي تت�ضم��ن الخب��رة التقني��ة الالزم��ة للتمكن م��ن تقديم‬ ‫لأداء العم��ل‪ ،‬والتو�ص��ل �إلى �إج��راءات فعالة و�أف��كار جديدة‬
‫حل��ول عملي��ة لم�ش��كلة معيَّنة‪ .‬كما ت���ؤدي المعرف��ة المت�صلة‬ ‫ت���ؤدي �إل��ى زي��ادة �إنتاجي��ة الم�ؤ�س�س��ة وتح�س��ينها ب�أقل وقت‬
‫بمجال محدد �إلى الت�أثير الإيجابي في الأداء المبدع‪ ،‬وذلك‬ ‫وجه��د ومال‪ ،‬و�إعادة ت�ش��كيل الأ�س��اليب المعروف��ة وتحويلها‬
‫بزيادة القدرة على ا�س��تنباط الحلول الممكنة‪ ،‬والتحقق من‬ ‫�إل��ى بدائ��ل جديدة‪ ،‬وتقدي��م حلول �إيجابية للم�ش��كالت التي‬
‫�صحتها لتحديد مدى مالءمتها‪.‬‬ ‫تواجه الم�ؤ�س�س��ة‪ .‬و�إ�ضافة �إلى ذلك‪ ،‬ف�إن الإبداع هو مفهوم‬
‫م�س��تمر ومت�صل‪ ،‬يركّز على رفع الم�س��توى الن�س��بي لتحقيق‬
‫�أما المه��ارات المت�صلة بالإب��داع الخا�صة بالموظف فترجع‬ ‫الجودة النوعية كم ًا وكيف ًا لأي منتج �أو خدمة م�ستهدفة‪.‬‬
‫�إل��ى الق��درة عل��ى التفكي��ر ب�ش��كل متط��ور‪ ،‬كتولي��د بدائ��ل‬
‫هناك عوامل عديدة ت�ؤدي �إلى الإبداع في العمل‪ .‬فلقد ظهر والتفكي��ر خ��ارج نط��اق الم�أل��وف وعدم الت�س��رع ف��ي �إ�صدار‬
‫�أن نظ��م المكاف���آت المقي��دة بالإنتاجي��ة‪ ،‬و�أ�س��اليب القيادة الأح��كام قب��ل التطبي��ق والتجرب��ة وقب��ل اكت�س��اب الخب��رة‪،‬‬
‫التعاوني��ة والداعم��ة‪ ،‬والم��وارد المتاح��ة‪ ،‬والتنظيم الإداري وقب��ل الت�أكد من النجاح‪ ،‬وقبل اكت�ش��اف الجوانب الإيجابية‬
‫الفع��ال‪ ،‬ترتبط ارتباط ًا موجب ًا بالإب��داع الفردي في الأداء‪ ،‬وال�سلبية‪.‬‬
‫وبالإ�ضاف��ة �إل��ى ذلك‪ ،‬ف���إن بيئة العمل الت��ي تحكمها معايير‬
‫ت�ش��جع على المبادرة والحما�س��ة واال�س��تقاللية‪ ،‬من �ش���أنها �إن التفاع��ل الإيجاب��ي مع �أفراد مختلفي��ن‪ ،‬وزيادة االت�صال‬
‫ض�لا عن �أن هن��اك ثالثة بالآخري��ن ب�ش��كل ع��ام‪ُ ،‬يع��د بداي��ة طيب��ة لفهم �أعم��ق‪ ،‬لأن‬ ‫�أن توف��ر ج��و ًا مالئم�� ًا للإب��داع‪ .‬ف� ً‬
‫عوام��ل مهم��ة ف��ي ه��ذا ال�ش���أن‪ ،‬وهي‪ :‬دع��م فك��رة التطوير ال�س��لوك االجتماع��ي المتزاي��د ي�ؤث��ر �إيجابي�� ًا ف��ي الإب��داع‪،‬‬
‫الذات��ي بين الموظفي��ن‪ ،‬والتفاعل ال�ش��خ�صي الإيجابي بين وي�ش��كل �أ�سا�س�� ًا مهم ًا لتكوين منظ��ور اجتماعي‪ .‬ومن خالل‬
‫العنا�صر الب�شرية في الم�ؤ�س�سة‪ ،‬وتوفير المعلومات الحديثة التفاع�لات االجتماعي��ة‪ ،‬تت��م عملي��ة االحت��كاك الثقاف��ي‬
‫ذات ال�صل��ة بتطور �أ�س��اليب العمل في الم�ؤ�س�س��ات المماثلة واكت�س��اب الخب��رات والمعلوم��ات العام��ة‪ ،‬والتع��رف �إل��ى‬
‫و�إنج��ازات المبدعين فيها لتكون متاحة لموظفي الم�ؤ�س�س��ة الإنج��ازات الإبداعي��ة الأخرى و�أ�س��اليبها‪ .‬كم��ا �أن المبادرة‬
‫ال�ش��خ�صية م��ن قب��ل الموظ��ف ف��ي تو�س��يع �ش��بكة االت�صال‬ ‫لدرا�ستها واال�ستفادة من معطياتها‪.‬‬
‫بم�ص��ادر الخب��رات والمعلوم��ات‪ ،‬م��ن خ�لال العالق��ات‬
‫فالأف��كار والمعلوم��ات والخبرات تلع��ب دور ًا مهم ًا في تغذية االجتماعي��ة‪ ،‬واالط�لاع ال�ش��خ�صي‪ ،‬وح�ض��ور الملتقي��ات‬
‫الإب��داع‪ ،‬لأنه��ا ترتب��ط ب��كل م��ن المعرف��ة المت�صل��ة بمجال والن��دوات ذات العالق��ة بعمل��ه‪ ،‬تلعب دور ًا مهم ًا في تو�س��يع‬
‫مح��دد‪ ،‬كما ترتب��ط بالمه��ارات الخا�صة بالموظ��ف‪ ،‬وتعني �آفاق فكره الإبداعي وتطوير ذاته‪.‬‬
‫المعرف��ة المت�صل��ة بمجال مح��دد‪ :‬معرفة الف��رد بالحقائق‬
‫كم��ا تجدر الإ�ش��ارة �إل��ى �أن ت�ش��جيع موظفي الم�ؤ�س�س��ة على‬
‫م��ا تق��دم وت�س��هيل احتكاكه��م بم�ص��ادر الخب��رة وتفاعله��م‬
‫الإيجاب��ي م��ع المعلوم��ات المت�صلة ب�أعمالهم‪ ،‬من �ش���أنه �أن‬
‫ينم��ي االتجاهات الإبداعية لديهم‪ ،‬ويزودهم بر�ؤية حقيقية‬
‫عم��ا حققه الآخرون من �أعمال �إبداعية عظيمة‪ .‬كما �أن من‬
‫�أهم �أ�س��باب تطوي��ر الموظف‪� :‬ش��عوره باالطمئن��ان‪ ،‬ومنحه‬
‫الثق��ة المو�ضوعي��ة المبني��ة على م��ا يحققه م��ن عمل متميز‬
‫بالج��ودة كم ًا وكيف��اً‪ ،‬و�إب��رازه‪ ،‬والثناء عليه في المنا�س��بات‬
‫العام��ة �أم��ام موظف��ي الم�ؤ�س�س��ة وغيره��م‪ ،‬وكل ذل��ك يعود‬
‫بالخي��ر لي���س عل��ى الموظ��ف وح��ده‪ ،‬ب��ل عل��ى الم�ؤ�س�س��ة‬
‫وقيادتها‪.‬‬

‫الدكتور علي بن عبد العزيز العبد القادر‬


‫األذكياء‬
‫من الرف اآلخر‪ ..‬اقرأ‬

‫القيادة الإدارية المميزة‪..‬‬


‫‪37 36‬‬

‫يكثر اليوم الحديث عن الكفاءات في �س��وق العمل‪ ،‬حتى �أ�صبح هذا‬


‫المو�ضوع «�ش��به الزمة» في �صحاف��ة الأعمال و�صفوف الباحثين في‬
‫الإدارة‪ .‬لك��ن كت��اب «الأذكياء‪� :‬إدارة �أكث��ر موظفيك ذكا ًء و�إبداعاً»‬
‫ال��ذي تعر�ض��ه لن��ا ه��دى �صال��ح‪ ،‬يتن��اول ه��ذا المو�ضوع م��ن زاوية‬
‫مختلفة‪.‬‬
‫• كم��ا �أن ال�ش��ركات تحت��اج �إل��ى ه��ذه الكفاءات‪ ،‬ف���إن هذه‬ ‫�صدر هذا الكتاب م�ؤخر ًا عن دار الن�شر المرموقة «هارفارد‬
‫الكف��اءات تحت��اج �إلى �ش��ركاتها كي تق��وم بوظائفها‪ ،‬مثل‬ ‫بيزن���س بر���س»‪ ،‬و�ألفه خبي��را القي��ادة والتغيي��ر روب جوفي‬
‫الباح��ث ال�صيدالني الذي يريد �أن ي�صل �إلى تركيب دواء‬ ‫وج��ارث جون��ز‪ ،‬و ُيع��د تكملة لعملهم��ا مع ًا ف��ي كتابهما الأول‬
‫لمر���ض ع�ضال‪ ،‬ف�إنه يحت��اج �إلى �ش��ركته (دعمها المالي‬ ‫«لم يجب على �أي �أحد �أن ين�صاع لقيادتك؟»‪.‬‬
‫والمعن��وي وبنيته��ا التحتية) كي ي�س��تطيع �أن يم�ضي قدم ًا‬
‫في البحث‪.‬‬ ‫يق��ول ه��ذا الكت��اب �إن اقت�ص��اد المعرفة �أتى ليبق��ى‪ ،‬وحياة‬
‫• �إن تق��دم ال�ش��ركات يعتم��د على مدى قدرتها‪ ،‬لي���س فقط‬ ‫ال�ش��ركات �أ�صبح��ت مرتبط��ة بالأف��كار الذكي��ة الت��ي يحل��م‬
‫عل��ى االحتف��اظ به��ذه الكف��اءات م��ن �أفخ��اخ ال�ش��ركات‬ ‫به��ا الأ�ش��خا�ص الأذكياء‪ ،‬وه��ذا ما تدل علي��ه الأبحاث التي‬
‫المناف�س��ة‪ ،‬ب��ل �أي�ض�� ًا قدرته��ا عل��ى �أن توفِّ��ر له��م الإدارة‬ ‫ت�ش��ير �إل��ى �أن االقت�صاد الحديث قائ��م على المنظمات التي‬
‫والقي��ادة الراجح��ة كي تمكنه��م من الو�ص��ول �إلى �أق�صى‬ ‫تمل��ك مجموع��ة مح��دودة م��ن الموظفي��ن الأذكي��اء الأكفاء‬
‫م�ستوى ممكن من العطاء المهني‪.‬‬ ‫الذي��ن يقدِّ م��ون م�س��اهمة ل�ش��ركاتهم ال يمك��ن قيا�س��ها‪..‬‬
‫وه�ؤالء‪ ،‬ال يمكن �أن يقا���س ذكا�ؤهم وفق المعدالت التقليدية‬
‫وف��ي ثالثة �أق�س��ام تعاد �صياغة م��ا تتطلبه القي��ادة الأف�ضل‬ ‫�أو ب�ش��هاداتهم الأكاديمي��ة‪ ..‬ومن جهة �أخ��رى‪ ،‬ال يمكن لهم‬
‫للأ�ش��خا�ص الأذكي��اء ف��ي من��اخ العم��ل‪ ،‬وهذه الأق�س��ام بما‬ ‫النج��اح لوحدهم‪ ،‬بل رغم قدراته��م المتفوقة يحتاجون كي‬
‫تحتويه من ف�صول عديدة‪ ،‬هي مرتبة كما يلي‪:‬‬ ‫يكتم��ل عطا�ؤه��م‪� ،‬إلى ق��درات وم�ص��ادر �ش��ركاتهم المالية‬
‫والإدارية واللوج�س��تية‪ .‬وبهذا ي�ضع الكتاب الأ�سا�س��ات الأول‬
‫‪ - 1‬الأذكياء ك�أفراد‪..‬‬ ‫التي يقوم عليها‪.‬‬
‫يتمع��ن الكاتب��ان خ�لال هذا الق�س��م ف��ي القائد نف�س��ه‪ ،‬كما‬ ‫• الأذكي��اء ف��ي تعري��ف الكت��اب ه��م �أ�صح��اب المه��ارات‬
‫يتمعن��ا في نوعية الأفراد الذي��ن يقودهم‪ ..‬من هم‪ ،‬وما هي‬ ‫اال�س��تثنائية ف��ي �س��وق العم��ل‪ ،‬مم��ن يعمل��ون فق��ط ف��ي‬
‫�سماتهم الم�ش��تركة‪ ،‬ولماذا ت�صاعد نفوذهم ك�أ�شخا�ص في‬ ‫ال�ش��ركات الكب��رى‪ ،‬وهو ال يتناول الأذكي��اء من خارج فئة‬
‫ال�س��نوات الأخي��رة‪ ،‬وما التحدي��ات التي يمثلونه��ا لقادتهم‪.‬‬ ‫موظفي ال�شركات الكبرى‪.‬‬
‫مار�س ‪� /‬أبريل ‪2010‬م‬

‫وفي �آخر هذا الق�سم يقدِّ م الم�ؤلفان ما يمكن التقن��ي‪ ،‬الفري��ق المهن��ي المتخ�ص���ص‪ ،‬الفري��ق الإبداعي‪،‬‬
‫و�صفه ب�أنه خطة عمل للقادة كي يتعرفوا على الفريق اال�ستراتيجي وغيرها من الفرق‪.‬‬
‫�أف�ضل عطاءات ه�ؤالء الأذكياء‪.‬‬
‫كم��ا يتن��اول ه��ذا الق�س��م ال�ضغ��ط �أو التوت��ر النا�ش��ئ عن‬
‫ف��ي هذا الق�س��م يع��دد الكاتبان ت�س��ع �س��مات طبيع��ة العم��ل ال��ذي يت��واله الفري��ق الذك��ي والديناميكي��ة‬
‫م�ش��تركة بي��ن �أذكياء ال�ش��ركات الكبرى منها االجتماعية للفرق الذكية بمعزل عن العمل‪� ..‬إذ �إن المهام‬
‫�أن ذكاءه��م مح��وري ف��ي تعريفه��م لذواتهم‪ .‬المعقَّ��دة التي ع��ادة ما ت�ضطلع بها الفرق الذكية ت�س��تلزم‬
‫فاختياره��م لعمله��م اعتم��د عل��ى م��ا لديه��م ق��در ًا كبير ًا من التن��وع �ضمن �أع�ضاء الفريق في اتجاهات‬
‫م��ن مواهب منحه��ا له��م الخالق‪ ..‬كم��ا �أنهم التفكي��ر والتخ�ص�ص��ات وال�ش��خ�صيات‪ ،‬ك��ي ي�س��تطيع كل‬
‫م��ن النادري��ن ف��ي �س��وق العم��ل ولي���س م��ن واح��د منه��م التعام��ل م��ع جان��ب مختلف م��ن الم�ش��كلة �أو‬
‫ال�س��هل �إيج��اد موظفي��ن بمث��ل مهارته��م �أو المهمة‪ ..‬وي�س��بب هذا التن��وع توتر ًا يمكنه �أن يدفع الفريق‬
‫�إجادته��م لعمله��م‪ .‬وه��م �أي�ض ًا يعرف��ون قيمة �إل��ى طريق معاك���س لوجهته‪ ،‬مث��ل فريق العلم��اء الذي بد�أ‬
‫�أنف�س��هم‪ ،‬ولذلك يتوقعون الكثير من ال�ش��ركة بحث��ه لإنت��اج عقار للأزم��ات القلبية‪ ،‬وانته��ى ب�إنتاج عقار‬ ‫غالف الكتاب‬
‫مقاب��ل عطائه��م لها‪ .‬ومن ال�س��مات الم�ش��تركة التي حددها ناجح جد ًا للقرحة‪.‬‬
‫الكت��اب �أي�ض�� ًا �أنهم يعرفون ح��ق المعرف��ة ديناميكية العمل‬
‫في ال�ش��ركات �أو المنظمات التي يلتحقون بها‪ ،‬وي�س��تطيعون و�أخي��راً‪ ،‬في هذا الق�س��م يقدِّ م الكاتب��ان ن�صائحهما للقادة‬
‫التع��رف �إل��ى الأنم��اط الإداري��ة فيه��ا رغ��م ع��دم انبهارهم �أثن��اء بن��اء الف��رق الذكية‪ ،‬و�أوله��ا �أن ي�ضعوا ن�ص��ب �أعينهم‬
‫بالم�س��ميات الوظيفية قدر انبهارهم بالمعرفة والقدرة على �أ�سا�س��يات �أي فري��ق ناج��ح‪ ،‬وه��ي الأه��داف الم�ش��تركة‬
‫والمهم��ات المتداخل��ة بين �أع�ضاء الفري��ق‪ ،‬والوعي بح�ضور‬ ‫توليد الأفكار‪..‬‬
‫الآخر‪ ،‬وثانيها هي �أن يمنح الأذكياء فر�صة اختيار الأع�ضاء‬
‫وبن��ا ًء عل��ى ه��ذه ال�س��مات‪ ،‬ي�ض��ع الكاتب��ان مجموع��ة م��ن الم�شاركين في الفرق وت�شكيلها‪..‬‬
‫الو�صاي��ا للقائ��د منه��ا �أ َّال يعتم��د عل��ى �إبراز نج��م واحد‪ ،‬بل‬
‫علي��ه �أن يح��اول خل��ق مج��رة من النج��وم الأذكي��اء‪ ..‬ومنها ‪ - 3‬المنظمات الذكية‬
‫�أي�ض�� ًا �أن يعتم��د عل��ى خب��رة ه���ؤالء ف��ي قيادته��م ال درجت��ه يركِّ��ز الكاتب��ان في الق�س��م الثالث والأخير م��ن الكتاب على‬
‫ف��ي ال�س��لم الوظيف��ي ‪ ..‬كم��ا �أن علي��ه �أن يتف��ق معه��م عل��ى المنظم��ات الذكي��ة وال�س��ياقات الت��ي تن�ش���أ فيه��ا‪ .‬فيحلالن‬
‫قواع��د �س��هلة يلتزمون بها ف��ي عملهم‪ ،‬بد ًال م��ن �أن يغرقهم تح��ت ه��ذه العد�س��ة ثالث ًا م��ن �أهم ه��ذه المنظمات ح�س��ب‬
‫ف��ي البيروقراطي��ة والكثير م��ن الأعمال الورقي��ة‪ .‬ومن هذه طبيعته��ا‪ ،‬وه��ي‪« :‬المنظم��ات الإنتاجي��ة» المعتم��دة عل��ى‬
‫الو�صاي��ا ن�صائ��ح دقيق��ة منه��ا �أن عل��ى القائ��د التعليق على ت�صنيع ال�س��لع وتوزيعها‪ ،‬و«المنظمات الخدماتية» المعتمدة‬
‫�إنجازاتهم ونجاحاتهم والتعرف �إليها‪ ،‬بد ًال من النقد (حتى عل��ى تقديم خدمات معق��دة ومتعارف عليه��ا‪ ،‬و«المنظمات‬
‫الجامع��ة» المعتم��دة عل��ى �إب��داع حل��ول متف��ردة متعلق��ة‬ ‫و�إن كان �إيجابياً) �أمام كل �صغيرة وكبيرة‪..‬‬
‫بالمنتجات والخدمات معاً‪..‬‬
‫‪ - 2‬الأذكياء كفرق عمل‪..‬‬
‫ويذك��ر الكاتب��ان �أه��م التحدي��ات الت��ي تواجهه��ا ه��ذه‬ ‫ف��ي الق�س��م الثاني م��ن الكتاب‪ ،‬يركِّ��ز الكاتب��ان اهتمامهما‬
‫المنظم��ات‪ ،‬ث��م يختتم��ان عملهم��ا بف�صل �أخير ف��ي الكتاب‬ ‫على الأذكياء كفرق عمل‪ ،‬وذلك بب�ساطة لأن االقت�صاد قائم‬
‫يتح��دث ع��ن مجموع��ة م��ن التحدي��ات الم�س��تقبلية التي قد‬ ‫عل��ى الكفاءات المنتجة جماعياً‪ ،‬ولي���س من كفاءات منعزلة‬
‫تواجهها وحلولها الممكنة‪.‬‬ ‫ع��ن بع�ضها‪ .‬فالخليط الذي ي�ش��كله الأذكي��اء وينتجونه عند‬
‫العمل جماعات هو قمة ما يمكن �أن تنتجه ال�شركة‪.‬‬
‫ق��ال الرئي���س التنفيذي لإحدى �أكبر ال�ش��ركات العالمية عن‬
‫ه��ذا الكت��اب �إن��ه كت��اب متب�ص��ر وعمل��ي ويج��ب عل��ى الكل‬ ‫ويف��رق الكتاب بي��ن فريق الأذكياء والفري��ق الذكي حيث �إن‬
‫قراءت��ه‪ ..‬ورغ��م �أن تن��اول الكت��اب لمو�ضوع��ه مختل��ف ع��ن‬ ‫فري��ق الأذكي��اء هو مجموع��ة من الأذكياء م��ن دون �أن يعني‬
‫الم�أل��وف‪ ،‬فعل��ى قارئ��ه �أن يحتم��ل �إغراق��ه ف��ي النظريات‪،‬‬ ‫بال�ض��رورة �أن �إنت��اج فريقه��م �س��يكون ذكي��اً‪ ،‬بينم��ا الفريق‬
‫وبع��ده ع��ن القدرة عن الإمتاع التي يمك��ن �أن تتميز بها كتب‬ ‫الذك��ي ي�ض��م مجموع��ة م��ن الأذكي��اء قادري��ن عل��ى العم��ل‬
‫م��ن هذا النوع‪ .‬لكن يبق��ى الجهد والتب�صر الذي يت�ضمنهما‬ ‫ب��ذكاء ليقدِّ م��وا منتج�� ًا متفوق��اً‪ .‬وي�ش��رح الكت��اب مجموع��ة‬
‫هذا الكتاب قيمة ت�ستحق التقدير واالهتمام‪.‬‬ ‫من ال�س��يناريوهات وال�س��ياقات المنظماتية‪ ،‬ومنها‪ :‬الفريق‬
‫هذه قدراتها وحدودها في الوقت الحا�ضر‪..‬‬ ‫‪39 38‬‬

‫جراحة الرجل اآللي‬

‫بيئة وعلوم‬
‫‪corbis‬‬
‫�أم��ام كل تط��ور علم��ي كبير �أو اخت��راع باهر‪ ،‬يذه��ب الخيال �أحيان��اً بعيداً‬
‫ج��داً ع��ن الواق��ع في ر�س��م ال�ص��ورة الم�س��تقبلية للمج��ال الذي ط��ر�أ عليه‬
‫ه��ذا التط��ور‪ .‬وكما ت�صور البع�ض في �أواخر �س��بعينيات القرن الما�ضي �أن‬
‫ا�س��تخدام الرجل الآلي في �صناعة ال�سيارات اليابانية �سيق�ضي على وجود‬
‫العمال في هذه الم�صانع‪ ،‬ف�إن ا�س��تخدام الرجل الآلي في الجراحة (وعن‬
‫بع��د) ب��دءاً م��ن مطلع العق��د الحالي‪ ،‬دفع البع���ض �إلى المغ��االة في ت�صور‬
‫دوره‪ ،‬حت��ى ذه��ب البع�ض �إل��ى حد الت�صور �أنه �س��يخلي الم�ست�ش��فيات من‬
‫الأطباء‪.‬‬
‫الدكتور عبد الواحد ن�صر م�ش��يخ�ص‪ ،‬رئي���س ق�سم الجراحة في م�ست�شفى‬
‫الملك فهد التخ�ص�صي في الدمام‪ ،‬يعر�ض حقيقة الدور الذي يمكن للرجل‬
‫الآل��ي �أن يلعب��ه ف��ي الجراح��ة في الوق��ت الحا�ضر‪ ،‬والذي رغ��م االعتراف‬
‫ب�أهميت��ه الكبي��رة يبق��ى �ضم��ن ح��دود ت�ؤك��د ا�س��تمرارية ال��دور الحي��وي‬
‫والأ�سا�سي للطبيب خالل الم�ستقبل المنظور على الأقل‪.‬‬
‫مار�س ‪� /‬أبريل ‪2010‬م‬

‫يبحثون دوم ًا عن حلول لهذه الم�شكالت التي تواجههم �أثناء‬


‫�إجراء العمليات المنظارية‪.‬‬

‫وتبق��ى الحاج��ة �إل��ى التطوي��ر والح�صول على ما ه��و �أف�ضل‬


‫دوم�� ًا �أ ّم االخت��راع‪ .‬وه��ذا م��ا ح��دا بالباحثي��ن �إل��ى تطوي��ر‬
‫ل��م ي��در في خلد �أحد �أبداً �أن يقوم جرَّاح يقبع في غرفة عمليات بم�ست�ش��فى جراح��ة الرج��ل الآل��ي (‪ )Robotic Surgery‬للتغل��ب عل��ى‬
‫في دولة ما ب�إجراء جراحة لمري�ضة ترقد في غرفة عمليات بم�ست�شفى �آخر مث��ل هذه ال�صعوبات التي يواجهه��ا الجرَّاحون في الجراحة‬
‫المنظاري��ة وال�س��يما ف��ي بداية تدربه��م على ه��ذا النوع من‬ ‫في دولة �أخرى تبعد ع�شرات الآالف من الأميال‪.‬‬
‫الجراحات‪ .‬فهل نجح الرجل الآلي في تذليل هذه ال�صعاب؟‬
‫ولكن هذا ما حدث فع ًال في يوم ال�سابع من �سبتمبر من عام‬
‫‪2001‬م‪� .‬إذ قام الجرَّاح الفرن�سي جاك مرا�سكو من غرفة في تاريخ جراحة الرجل الآلي‬
‫�إحدى ناطحات �س��حاب بمدينة نيويورك الأمريكية‪ ،‬ب�إجراء ا�س��تمدت فك��رة ا�س��تعمال الرج��ل الآل��ي ف��ي الجراح��ة من‬
‫عملية ا�ستئ�صال المرارة بالمنظار الجراحي لمري�ضة ترقد ا�ستعمال رجل الت�أهيل الآلي في م�ساعدة المر�ضى المعاقين‪،‬‬
‫في م�ست�شفى بمدينة �سترازبورغ الفرن�سية‪ ،‬م�ستخدم ًا تقنية كالذي��ن فق��دوا �أطرافه��م العليا ل�س��بب م��ن الأ�س��باب‪ .‬فهو‬
‫الرج��ل الآلي لأول مرة في عال��م الجراحة‪ .‬وتناقلت وكاالت ي�س��اعدهم عل��ى الأكل وال�ش��رب والكتابة وخالف��ه‪ .‬كما كان‬
‫الأنباء العالمية هذا ال�س��بق الجراحي العظيم و�س��ط ده�شة ل��وزارة الدفاع الأمريكية دور كبير في تطوير رجل الجراحة‬
‫عارمة من قبل الأو�ساط الطبية العالمية‪ .‬وقد �أطلق الج َرّاح الآل��ي لغر�ض القيام بعمليات جراحية معقَّدة عن بعد خارج‬
‫مرا�س��كو وفريق��ه الطب��ي عل��ى ه��ذه المغامرة ا�س��م «عملية الوالي��ات المتح��دة‪ ،‬للم�صابي��ن من الجن��ود الأمريكيين في‬
‫ليندبي��رغ»‪ ،‬تيمن�� ًا بالطي��ار الفرن�س��ي ليندبي��رغ ال��ذي قطع �س��احات القت��ال‪ ،‬وكذلك لرجال الف�ض��اء �إذا ما �ألم عار�ض‬
‫المحي��ط الأطل�س��ي من باري���س �إلى نيوي��ورك بالطائرة لأول مر�ضي ي�س��تدعي تدخ ًال جراحي ًا �أثن��اء رحالتهم الف�ضائية‬
‫بعيد ًا عن كوكب الأر�ض‪.‬‬ ‫مرة دون توقف‪.‬‬

‫وق��د تمت تجربة �إمكانية ا�س��تخدام الرج��ل الآلي في �إجراء‬ ‫انطالقاً من جراحة المناظير‬
‫جراح��ة م��ا عل��ى الحيوان��ات �أو ًال ث��م تع��دى ا�س��تعمالها بعد‬ ‫ال يختلف اثنان ب�أن جراحة المناظير نف�سها �أحدثت ثورة‬
‫تحديد �سالمتها على بني الب�شر في جراحات مختلفة �شملت‬ ‫عارم��ة في دنيا الجراحة التقليدية لم ي�س��بق لها مثيل في‬
‫جراح��ة القلب والتجوي��ف ال�صدري وكذل��ك البطن‪ .‬وكانت‬ ‫الألفي��ة الثانية‪ ،‬مما جعلها تحل مح��ل الجراحة التقليدية‬
‫جراح��ة ا�س��تئ�صال الم��رارة واالرت��داد المريئ��ي‬ ‫المفتوح��ة ف��ي كثي��ر م��ن العملي��ات الجراحي��ة المختلفة‪،‬‬
‫من �أكث��ر العمليات الجراحية التي �أجريت‬ ‫لم��ا له��ا م��ن فوائ��د جم��ة تع��ود عل��ى الج�� َرّاح والمري���ض‬
‫بوا�سطة الرجل الآلي حتى يومنا هذا‪،‬‬ ‫مع�� ًا بالخي��ر العمي��م‪ .‬فالج��روح الناتج��ة عنه��ا �صغي��رة‪،‬‬
‫وه��ي عب��ارة عن ثقوب يبل��غ طولها من ‪� 5‬إل��ى ‪ 12‬مليمتر ًا‬
‫فق��ط‪ .‬لذل��ك‪ ،‬فالآالم الم�صاحبة له��ا قليلة ال تكاد تذكر‪،‬‬
‫والم�ضاعف��ات ذات العالق��ة بالج��روح ال ت��كاد تحدث‪،‬‬
‫والنتائج الجمالي��ة ممتازة تلبي رغبة‬
‫المر�ض��ى جميع�� ًا وخا�ص�� ًة الإن��اث‬
‫منهم‪.‬‬

‫�إال �أن الجراح��ة المنظاري��ة تفق��د الج��رَّاح‬


‫حا�س��ة مهمة لديه �أثناء العملية‪� ،‬أال وهي حا�س��ة اللم�س‪ ،‬كما‬
‫�أن التن�سيق بين حركة اليد والعين �صعب في بداية التدريب‪.‬‬
‫�أ�ض��ف �إل��ى ذلك �أن بع���ض الحركات الجراحي��ة التي يحتاج‬
‫الج��رَّاح �إل��ى القي��ام به��ا منظاري�� ًا ق��د تك��ون م��ن ال�صعوبة‬
‫بم��كان نظ��ر ًا لمحدودية الم��كان‪ ،‬مما يجعل حرك��ة الأدوات‬
‫الجراحي��ة في هذا المحيط المحدود �صعبة‪ ،‬تحرم الجرَّاح‬
‫القي��ام بما ي�صب��و �إليه من حركات جراحي��ة‪ .‬ولذلك‪ ،‬وعلى‬
‫‪corbis‬‬

‫الرغ��م من انت�ش��ار جراح��ة المناظير‪ ،‬ما انف��ك الجرَّاحون‬


‫الرج��ل الآل��ي‪ -‬من �ضم��ن وقت العملي��ة الجراحية نف�س��ها‪.‬‬
‫فف��ي عملي��ة ا�س��تئ�صال الم��رارة ق��د ي�س��تغرق وق��ت تركيب‬
‫الجه��از ما معدل��ه قرابة ‪ 45‬دقيق��ة �أما العملية نف�س��ها فقد‬
‫ت�ستغرق ‪ 90-45‬دقيقة‪ ،‬مثلها في ذلك مثل عملية ا�ستئ�صال‬
‫المرارة بالمنظار الجراحي‪.‬‬

‫�أنواع الرجل الآلي الجراحي‬


‫حالي��اً‪ ،‬يوج��د نوع��ان من �أجه��زة الرجل الآلي هم��ا‪« :‬جهاز‬
‫دافين�شي» وهو الأكثر انت�شار ًا في العالم‪ .‬وقد عمم ا�ستعماله‬
‫من��ذ الع��ام ‪2000‬م حت��ى �أ�صبح ع��دد �أجهزته الم�س��تخدمة‬
‫يف��وق ‪ 300‬جه��از في مختلف �أنح��اء العالم‪ ،‬ويتراوح �س��عره‬
‫بي��ن ‪ 1000000‬و‪ 1600000‬دوالر‪� .‬أم��ا الجه��از الآخ��ر فه��و‬
‫«جهاز زيو���س» الذي يتراوح �سعره بين ‪ 600000‬و‪1000000‬‬
‫نجاحات الرجل‬
‫دوالر �أمريكي‪ ،‬ولكنه �أقل انت�شار ًا حول العالم‪.‬‬ ‫الآلي في بع�ض‬
‫المجاالت‪� ،‬أ َّدت �إلى‬
‫يتكون كل جهاز من �أجهزة الرجل الآلي من‪:‬‬ ‫‪corbis‬‬ ‫رفع �سقف التوقعات‬
‫ب�شكل غير منطقي‬ ‫‪41 40‬‬
‫‪.1‬مركز رئي���س للتحكم يوفِّر لل�س��يد الج��رَّاح (وهو في هذه‬
‫الحال��ة ال�س��يد الذي يعط��ي الأوامر للرج��ل الآلي ‪-‬الذي‬ ‫ثم عمليات ال�س��منة المفرطة وا�س��تئ�صال القولون والطحال‬
‫يُعد هن��ا خادماً‪ -‬للقيام بكل حركة عليه تنفيذها) ثالثة‬ ‫والمريء والبنكريا�س‪.‬‬
‫عنا�صر �أ�سا�سية‪:‬‬
‫‪�-‬ص��ورة ثالثي��ة الأبعاد لموقع العملية تنقلها عد�س��ة منظار‬ ‫ولك��ن يبق��ى االخت�لاف الكبي��ر ف��ي الفت��رة الزمني��ة الت��ي‬
‫يركِّزه��ا �أح��د �أذرع الرج��ل الآل��ي ف��ي موق��ع العملي��ة مما‬ ‫ت�س��تغرقها العملية الجراحية بوا�س��طة الرج��ل الآلي مقارنة‬
‫يعط��ي الج��رَّاح ر�ؤية وا�ضحة‪ ،‬وك�أنه ي�س��بح حق�� ًا في حقل‬ ‫بتل��ك التي ي�س��تغرقها الجرَّاح لنف���س العملي��ة الجراحية �إذا‬
‫العملية‪.‬‬ ‫م��ا قام ب�إجرائها منظاري�� ًا �أو تقليدياً‪ .‬وحيث �إن هذه الفترة‬
‫‪-‬الق��درة على تحريك الأذرع والأع��واد والأدوات الجراحية‬ ‫مختلفة اختالف ًا كبير ًا في مختلف الأبحاث العلمية المن�شورة‬
‫ف��ي ج�س��م المري���ض بن��ا ًء عل��ى �أوام��ر �س��يده الج��رَّاح‪.‬‬ ‫ف��ي �أمهات الدوري��ات والمدونات الطبية في وقتنا الحا�ضر‪،‬‬
‫وتك��ون ه��ذه الح��ركات دقيق��ة وخالية م��ن �أي��ة اهتزازات‬ ‫ف�إن مقارنة العمليات التي تُجرى بطريقة من الطرق الثالث‬
‫�أو تذبذب��ات‪ .‬وانع��دام مثل ه��ذه االهت��زازات والتذبذبات‬ ‫�صعبة للغاية‪ .‬وال�سبب الرئي�س لذلك هو الوقت الطويل الذي‬
‫ي�س��تغرق لتركي��ب �أذرع الجه��از الآل��ي قب��ل الب��دء بالعملية‪.‬‬
‫فالوق��ت الفعل��ي ال��ذي ت�س��تغرقه‬
‫العملية الجراحي��ة يطول كثير ًا �إذا‬
‫ما ح�س��ب ه��ذا ‪�-‬أي وق��ت تح�ضير‬

‫توجيه الج َّراح الآلي‬


‫عن بعد لم ُيخرج‬
‫الطبيب من غرفة‬
‫‪corbis‬‬

‫العمليات‬
‫مار�س ‪� /‬أبريل ‪2010‬م‬ ‫جراحة الرجل الآلي‬

‫واختفا�ؤه��ا ه��و حق�� ًا م��ا يمي��ز الرج��ل الآل��ي عل��ى نظيره‬


‫الجرَّاح الب�شري‪.‬‬
‫‪-‬لوحة تحكم لتعديل الوظائف الأخرى مثل تركيز العد�س��ة‬
‫وقيا�س الحركة والتحكم في ملحقات الجهاز‪.‬‬

‫‪�.2‬أذرع الرج��ل الآل��ي الت��ي تم�س��ك ب��الأدوات الجراحي��ة‬


‫والكامي��را عن��د ج�س��م المري���ض‪ .‬وتحتوي ه��ذه الأذرع‬
‫عل��ى مفا�ص��ل دقيق��ة جد ًا ومتع��ددة‪ ،‬تمكنها م��ن القيام‬
‫بحركات عديدة ال ت�ستطيع اليد الب�شرية القيام بها‪.‬‬

‫م�ساوئ وم�صاعب جراحة‬


‫الرجل الآلي‬ ‫على الرغم من المنافع‬
‫وعلى الرغم من المنافع التي يجنيها‬ ‫التي يجنيها الجرَّاح من‬
‫الجرَّاح م��ن جراحة الرجل الآلي‪� ،‬إال �أن لها‬ ‫الرجل الآلي‪� ،‬إال �أن لها‬
‫بع���ض الم�س��اوئ‪ ،‬ومنه��ا‪ :‬ا�س��تغراق �إج��راء‬ ‫بع�ض الم�ساوئ مثل طول‬
‫العملي��ة الجراحي��ة م��دة �أط��ول م��ن العملية‬
‫المنظارية‪ ،‬وكذلك التكلفة المالية الباهظة‬ ‫مدة الجراحة وارتفاع‬
‫الم�صاحب��ة لمثل هذا النوع من التكنولوجيا‬ ‫التكلفة‬
‫الطبي��ة المتقدِّ مة‪ ،‬مما يحد كثير ًا من توافر‬
‫ه��ذا الجه��از ف��ي كل مرك��ز طب��ي‪ .‬ولك��ن المقارن��ة العلمية‬
‫البحت��ة بي��ن هذي��ن النوعين م��ن الجراح��ة ‪�-‬أي المنظارية‬
‫وجراحة الرجل الآلي‪ -‬تكاد تكون معدومة وال يمكن الترويج‬
‫لأي��ة جراح��ة مهم��ا كان��ت‪ ،‬ما ل��م تقيَّ��م �س�لامتها وفائدتها‬
‫للمر�ضى تقييم ًا علمي ًا مح�ضاً‪.‬‬

‫وق��د يواج��ه الج��رَّاح بع�ض ال�صعوب��ات التقنية ف��ي ‪ %2‬من‬


‫‪corbis‬‬

‫الح��االت‪ ،‬بع�ضه��ا ب�س��يط مث��ل عط��ل ف��ي المع�ض��د �أو ذراع‬


‫الرج��ل الآل��ي‪� ،‬أو قد يك��ون كبير ًا مثل عطل ع��ام في الجهاز‬
‫الج َّراح الآلي‪..‬‬ ‫مم��ا قد ي�س��تدعي تحوي��ل العملية �إل��ى ا�س��تئ�صال بالمنظار‬
‫متعدد الأذرع!‬
‫الجراحي �أو حتى �إلى جراحة مفتوحة تقليدية‪.‬‬

‫�أم��ا الم�ضاعف��ات الجراحي��ة التي ق��د تحدث �أثن��اء العملية‬


‫فن�س��بتها م��ن ‪� 2‬إل��ى ‪ %3‬م��ن الح��االت وه��ي مماثل��ة تمام ًا‬
‫لتل��ك التي يواجهها الجرَّاح �أثناء �إجراء العملية المنظارية‪.‬‬
‫�أم��ا ف��ي جراح��ة القول��ون والم�س��تقيم فقد اعت��رف معظم‬ ‫ولك��ن هن��اك م�ضاعفة جدي��دة لم يتع��وَّد عليه��ا �أو يواجهها‬
‫الجرَّاحي��ن ب���أن هذا الن��وع م��ن الجراحة بوا�س��طة الرجل‬ ‫الجرَّاح��ون من قبل في عمليات المنظار الجراحي‪� ،‬أال وهي‬
‫الآل��ي �أ�صع��ب من غيرها من الجراح��ات‪ .‬وعلى الرغم من‬ ‫فق��دان بع�ض الأجزاء ال�صغيرة م��ن الأدوات الجراحية مما‬
‫�أن��ه يت��م تحري��ر القولون وت�س��ليكه بوا�س��طة الرج��ل الآلي‪،‬‬ ‫قد ي�ستدعي فتح البطن للبحث عنها وا�ستخراجها‪.‬‬
‫وكذل��ك اال�س��تئ�صال‪ ،‬ف���إن تو�صي��ل الأمع��اء ببع�ضه��ا يت��م‬
‫ع��ن طريق ا�س��تخراج جزئي الأمع��اء وتو�صيلهما بوا�س��طة‬ ‫وق��د يتفق الجرَّاحون على �أن ا�س��تخدام الرج��ل الآلي يجعل‬
‫دبابي���س جراحية‪� ،‬أو يدوي ًا بوا�س��طة خيوط جراحية خارج‬ ‫من ت�ش��ريح الع�ضو الذي يرغب الجرَّاح في ا�س��تئ�صاله �أمر ًا‬
‫البط��ن عب��ر ج��رح ف��ي ج��دار البط��ن‪ ،‬مثل��ه في ذل��ك مثل‬ ‫هين��اً‪ ،‬خا�ص��ة ف��ي بع���ض الموا�ض��ع ال�صعب��ة الت��ي يواجهها‬
‫جراح��ة القول��ون التقليدي��ة وم��ن ثم �إع��ادة القول��ون ثانية‬ ‫الج��رَّاح دوم�� ًا �أثناء العملي��ة بالمنظار‪ .‬ومي��زة �أخرى جيدة‬
‫للبطن‪ .‬ونظر ًا لطول القولون الم�س��ت�أ�صل ف�إن هناك حاجة‬ ‫ه��ي �أن تعل��م هذا النوع من الجراحات والتدرُّب عليه �س��ريع‬
‫متك��ررة لتغيي��ر موقع الثواق��ب‪ ،‬وكذلك موق��ع الرجل الآلي‬ ‫جد ًا من قبل الجرَّاحين المبتدئين‪.‬‬
‫‪43 42‬‬

‫تح�ضير الج َّراح‬


‫الآلي يتطلب نحو‬
‫‪ 45‬دقيقة لإجراء‬
‫جراحة قد ت�ستغرق‬
‫‪corbis‬‬

‫بين ‪ 45‬و‪ 90‬دقيقة‬

‫مم��ا ي���ؤدي �إلى �إطالة فترة العملي��ة الجراحية �إلى �أكثر من المناظي��ر‪ .‬وتبق��ى حا�س��ة اللم���س المهم��ة للج��رَّاح معدومة‬
‫�أي�ض ًا في هذا النوع من الجراحة مثلها في ذلك مثل جراحة‬ ‫‪ 300‬دقيقة‪.‬‬
‫المناظير‪ ،‬وهذا يحتم على الم�صنعين تطوير هذه الحا�س��ة‬
‫وتبقى الحقيقة التي ال خالف فيها هي �أن جراحة الرجل الآلي لجعل جراحة الرجل الآلي �أمر ًا مرغوب ًا �أكثر من الجرَّاح‪.‬‬
‫ف��ي وقتنا الراه��ن ال ت�ضيف �أية ميزة �أو منفع��ة للمري�ض تفوق‬
‫تلك الخدمة التي تقدِّ مها جراحة المناظير‪ .‬وهذا ما تم �إثباته وم��ن فوائ��د الرج��ل الآل��ي �أي�ض ًا �أن يق��وم ج��رَّاح يقبع خلف‬
‫ف��ي كثير من الدرا�س��ات المن�ش��ورة ف��ي الدوري��ات الجراحية‪ ،‬جهاز التحكم ب�إجراء عملية جراحية لمري�ض في م�ست�ش��فى‬
‫م��ا ع��دا ف��ي عملي��ة واح��دة وه��ي عملي��ة تو�س��يع حال��ب الكلية يبع��د �آالف وحت��ى مئ��ات الآالف م��ن الأمي��ال‪ ،‬مم��ا يمك��ن‬
‫وا�س��تئ�صال البرو�س��تات الم�صاب��ة بال�س��رطان‪ .‬كم��ا �أن �س��عر المري���ض م��ن اال�س��تفادة م��ن خبرة ه��ذا الج��رَّاح‪ ،‬وكذلك‬
‫الرج��ل الآل��ي الباهظ ج��د ًا و�صيانته المكلف��ة وكذلك الحاجة ا�س��تفادة الجرَّاحي��ن القابعي��ن ف��ي الم�ست�ش��فيات الثانوي��ة‬
‫�إل��ى غرف��ة عمليات �أكبر نظ��ر ًا لكبر حجم الجه��از‪ ،‬يجعل من البعي��دة وتدريبه��م عل��ى �إجراء ن��وع من العمليات ب�إ�ش��راف‬
‫ه��ذا الخبي��ر الذي يقبع وراء جهاز التحكم دون الحاجة �إلى‬ ‫الترويج لجراحة الرجل الآلي �أمر ًا غير معقول حالياً‪.‬‬
‫�سفره لذلك الم�ست�شفى‪.‬‬
‫محا�سن ال يمكن �إغفالها‬
‫وكان��ت �أول عملي��ة م��ن هذا النوع ه��ي التي �أ�ش��رنا �إليها في‬ ‫من �أهم محا�س��ن جهاز الرجل الآل��ي هو تمكين الجرَّاح من‬
‫بداية هذا المقال‪ .‬وكانت �أوامر الجرَّاح تر�سل عبر المحيط‬ ‫الجلو���س عل��ى جه��از تحكم دون ال�ش��عور بالتع��ب والإرهاق‪،‬‬
‫الأطل�س��ي بوا�س��طة �أ�س�لاك ال�ش��عيرات ال�ضوئي��ة (‪Fibro-‬‬ ‫والقي��ام بح��ركات جراحي��ة دقيق��ة خالية م��ن �أية رع�ش��ة �أو‬
‫‪ .)optics‬وج��رى كل �ش��يء على ما يرام ف��ي لحظة تاريخية‬ ‫ه��زة مهما كان��ت خفيفة‪ .‬وهذه الميزة مهمة جد ًا في �إجراء‬
‫م��ن لحظ��ات الجراحة الحديثة‪ ،‬ولم تك��ن هناك مالحظات‬ ‫العملي��ات الجراحي��ة الدقيق��ة ج��داً‪ .‬ولك��ن ه��ل بالإم��كان‬
‫تذكر من ِقبَل الجرَّاحين الذين �أثلج �صدورهم الحدث �سوى‬ ‫ترجم��ة ذل��ك �إلى ا�س��تفادة كبي��رة للمري�ض؟ ه��ذا ما يجب‬
‫ت�أخر طفيف في تلقي ال�صوت وانتقاله بين طرفي الأطل�سي‪،‬‬ ‫عل��ى المروِّجي��ن م��ن الجرَّاحي��ن له��ذا الن��وع م��ن الجراحة‬
‫ولكن الأمر لم ي�ؤثر على �سير العملية بتاتاً‪.‬‬ ‫�إثبات��ه و�إقناع الآخرين ب��ه لتحل هذه الجراحة محل جراحة‬
‫مار�س ‪� /‬أبريل ‪2010‬م‬ ‫جراحة الرجل الآلي‬

‫الفائدة الكبرى‬
‫المنفع��ة الكبرى في الوقت الحالي التي يمكن ا�س��تخال�صها‬
‫من هذه التقنية الغالية هو التمكن من اال�س��تفادة من خبرة‬
‫ج��رَّاح متخ�ص���ص ف��ي عملي��ة جراحي��ة مع َّين��ة يجريها دون‬
‫الحاجة �إلى ح�ضوره �ش��خ�صي ًا في غرف��ة العمليات الموجود‬
‫فيها المري�ض‪� ،‬أي �إجراء العملية عن بعد‪.‬‬

‫وهن��اك فائ��دة �أخ��رى تكمن في ا�س��تخدام الرج��ل الآلي في‬


‫‪corbis‬‬

‫تعليم وتدريب الجرَّاحين المتدرِّبين‪ ،‬وكذلك الجرَّاحين في‬


‫المناط��ق النائي��ة‪ ،‬والإ�ش��راف عليهم عن بع��د �أثناء قيامهم‬
‫ب�إج��راء بع���ض العملي��ات تح��ت �إ�ش��راف‬
‫الم��درّب‪ .‬ولك��ن ه��ذه التقني��ة تبق��ى مكلف��ة‬ ‫من �أهم فوائد الرجل‬
‫ج��د ًا مهم��ا روّج له��ا المتحم�س��ون‪ .‬وم��ن‬ ‫الآلي �أن يقوم جراح خلف‬
‫المتوق��ع م�س��تقب ًال �أن ت�س��هم جراحة الرجل‬ ‫جهاز التحكم ب�إجراء‬
‫الآل��ي به��ذه الميزة في تط��ور تعليم جرَّاحي‬ ‫عملية جراحية لمري�ض‬
‫الم�ستقبل وتدريبهم في وقت �سريع‪ ،‬وكذلك‬
‫تعليمه��م ح��ركات جراحي��ة معقَّدة ب�س��هولة‬ ‫في م�ست�شفى يبعد مئات‬
‫�آالف الأميال‬
‫‪corbis‬‬

‫دون المخاط��رة بحي��اة المري���ض‪� .‬إال �أن��ه‬


‫وحت��ى الآن‪ ،‬ل��م تدخ��ل تقني��ة الرج��ل الآلي‬
‫�ضم��ن البرام��ج التدريبي��ة ف��ي ال��دول المتقدِّ مة ف��ي �أوروبا‬
‫و�أمريكا ال�شمالية نظر ًا لتكلفتها المادية العالية‪.‬‬

‫وم��ن الفوائ��د الأخ��رى للرجل الآل��ي دقته المتناهي��ة‪ ،‬ولكنه‬


‫ال ي��زال ي��دار ويتحك��م في��ه عن بعد بوا�س��طة الج��رَّاح الذي‬
‫الج َّراح الآلي‪..‬‬ ‫يعط��ي كل الأوامر �أثناء العملية عب��ر جهاز التحكم‪ .‬ويطمح‬
‫رغم مهاراته‬
‫يبقى مج َّرد‬ ‫الباحث��ون م�س��تقب ًال ب���أن يق��ل هذا ال��دور التحكم��ي لي�صبح‬
‫خادم للطبيب‬ ‫دور ًا رقابياً‪.‬‬
‫‪corbis‬‬

‫المتحكم به‬

‫التحك��م م��ن الج��رَّاح‪ .‬ويبق��ى في ه��ذه الحال��ة دور الجرَّاح‬


‫وكم��ا ذكرن��ا �س��ابقاً‪ ،‬يتف��وق الج��رَّاح الآل��ي عل��ى الج��رَّاح‬
‫المتخ�ص�ص �إ�ش��رافي ًا فقط‪ ،‬وال ي�ستدعى تدخله �إال �إذا كان‬ ‫الآدم��ي ف��ي ثالثة �أم��ور على الأق��ل‪ ،‬هي القدرة عل��ى العمل‬
‫هناك خلل فني عار�ض قد يداهم الرجل الآلي‪ .‬وقد يتقل�ص‬ ‫ف��ي بعد ثالثي‪ ،‬الثق��ة التامة‪ ،‬وكذلك الدق��ة المتناهية التي‬
‫هذا الدور الإ�ش��رافي �إذا ما ثبتت �سالمة هذه التقنية علمي ًا‬ ‫ال يمكن لإن�س��ان توفيرها‪ .‬كما �أن��ه يمكِّن الجرَّاح من القيام‬
‫وم��ن دون ح��دوث �أخط��اء طبي��ة تذكر‪ .‬ولكن ه��ذا قد يترك‬ ‫بح��ركات معق��دة ال يمكنه القيام بها م��ن دون الرجل الآلي‪.‬‬
‫كثير ًا من الجرَّاحين من دون عمل‪ ،‬ويمكن اال�س��تغناء عنهم‬ ‫وتمكّ��ن خا�صي��ة التحك��م بالج��رَّاح الآل��ي ع��ن بع��د‪� ،‬إج��راء‬
‫ِ‬
‫وا�ستبدالهم بطاقم مدرَّب من الفنيين يجيد تركيب الجهاز‬ ‫عملي��ات جراحية معقَّدة في �أنحاء بعيدة عن مكان الجرَّاح‪،‬‬
‫الآلي وت�شغيله وبرمجته للقيام بالعملية المطلوبة‪.‬‬ ‫كالف�ض��اء الخارج��ي وفي الغوا�صات في �أعم��اق البحار وفي‬
‫ميادي��ن المع��ارك‪ .‬ولكن تبقى ال�س�لامة ه��ي العامل الكبير‬
‫ال��ذي يق���ض من��ام و�أعي��ن الباحثي��ن‪ .‬وم��ا ل��م تح��ل ه��ذه �أم��ا الرج��ل الآل��ي ال��ذي ي�س��تعمل حالي�� ًا فه��و يعتمد على‬
‫المخ��اوف ف�إن��ه من ال�صع��ب بمكان الترويج له��ذا النوع من تلقي الأوامر من جرَّاح متحكم وربما يكون مت�س��لطاً‪ ،‬وما‬
‫الرجل الآلي �إال خادم مطيع لما يمليه عليه �سيده الجرَّاح‪.‬‬ ‫التقنية العالية‪.‬‬
‫و�إل��ى �أن يحي��ن ذلك الوقت �س��يبقى الجرَّاح الإن�س��ان ذو‬
‫العواط��ف هو �س��يد الموقف وهو الآم��ر الناهي‪ .‬ومن دون‬ ‫طموحات م�ستقبلية‬
‫يطم��ح الباحثون م�س��تقب ًال �أن ي�س��تطيع الرج��ل الآلي �إجراء ح�ضور ال�سيد الجرَّاح الآدمي لن ي�ستطيع الرجل الآلي �أن‬
‫عملي��ات جراحي��ة تخ�ص�صي��ة تت��م برمجت��ه عل��ى عمله��ا يقوم ب�أ�سهل المهمات‪ ،‬ناهيك من �إجراء �أب�سط العمليات‬
‫م�س��بقاً‪ ،‬دونم��ا الحاج��ة �إلى �أوام��ر تعطى ع��ن طريق جهاز الجراحية!‬
‫‪ 1‬موت لغة‬
‫قبل ب�ضعة �أ�س��ابيع �أعلن عن وفاة �س��يدة هندية تدعى «بوا �سر» عن‬
‫عمر يناهز الخام�س��ة والثمانين‪ ،‬التي كانت �آخر �ش��خ�ص على قيد‬
‫الحي��اة يتح��دث بلغ��ة «الب��و» الهندية‪ ،‬وه��ي واحدة من ع�ش��ر لغات‬

‫زاد العلوم‬
‫مختلفة في جزر الأندما ونيكوبار الهندية‪.‬‬
‫ل��م يثر ه��ذا النب�أ �ضجيجاً كبيراً في �صف��وف اللغويين‪ ،‬لأنهم وبكل‬
‫ب�ساطه يعرفون �أن هناك لغات عديدة مهددة باالنقرا�ض من �ضمن‬
‫ال�س��بعة �آالف لغة الموجودة في العالم‪ .‬والمده���ش الذي طالعنا به‬
‫ه���ؤالء ه��و قوله��م �إن هناك لغ��ة واحدة تنقر���ض كل �أ�س��بوعين!؟!‬
‫ولهذا ‪ ،‬ف�إن موت اللغة �أ�صبح للأ�سف �أمراً عادياً‪.‬‬
‫لكن من ا�ستمع يوم وفاة هذه ال�سيدة �إلى الت�سجيل الإذاعي لغنائها‬
‫بلغته��ا الأم‪� ،‬أدرك �أن فق��دان كل لغ��ة ه��و م�أ�س��اة تخت�ص��ر زوال‬
‫ح�ض��ارة م��ا ت�ش��كَّ لت عبر �آالف ال�س��نين بم��ا تحتويه م��ن ق�ص�ص‬
‫وخراف��ات و�أغانٍ �ش��عبية و�ألغاز لن ن�س��معها بع��د الآن‪ ،‬حتى و�إن تم‬ ‫‪45 44‬‬
‫االحتفاظ ببع�ض الت�سجيالت ال�صوتية �أو الب�صرية‪� .‬إذ �إن التجربة �إليه‪ ،‬وم�ش��اركته الحكايات والنكات والتلميحات بلغتها الأم‪ .‬فموت‬
‫اللغة م�ؤ�ش��ر وا�ضح على �أزمة �إن�س��انية حادة تفقد فيها ذخيرة من‬ ‫المعا�شة تبقى �أمراً مختلفاً تماماً عما يترجمه لنا علماء الآثار‪.‬‬
‫والجان��ب الم�ؤلم �أكثر من غيره في ق�صة ال�س��يدة «بوا �س��ر» هو في الحكمة والإح�سا�س باالنتماء �إلى المجتمع‪.‬‬
‫ت�صور مدى �إح�سا�سها بالوحدة التي �شعرت بها طلية الثالثين �سنة‬
‫الأخي��رة من عمرها‪ ،‬عندما لم تجد حولها �أحداً ت�س��تطيع التحدث‬

‫التكنولوجيا المتطوِّرة‬
‫‪ 2‬في خدمة الريا�ضيين‬
‫مهند�سين ع�سكريين اعتمدوا على برنامج ي�ستخدم عادة لت�صميم‬ ‫ل��م تع��د التكنولوجي��ا والمع��ادالت الريا�ضي��ة ونظري��ات‬
‫الطائرات النفاثة المقاتلة والغوا�صات‪.‬‬ ‫الدينامي��كا الهوائية حكراً على االختراعات والتطورات في‬
‫يقول بيلي بيك���س‪ ،‬الدماغ المخطط «لل�س�لاح ال�س��ري» لفريق تزلج‬ ‫مج��ال الطائ��رات النفاثة والغوا�ص��ات المقاتلة‪� ..‬إنما بات‬
‫ال�س��رعة البريطاني‪�« :‬إن التقنية التي طورناها فريدة‪ ،‬ولم يتو�صل‬ ‫من الممكن ا�ستخدامها واال�ستفادة منها لتحقيق الن�صر‬
‫�إليه��ا �أي بل��د �آخر في العالم‪� ،‬إنها عبارة ع��ن قطعة معدنية بحجم‬ ‫في الألعاب الريا�ضية‪.‬‬
‫�إن�شين تربط ما بين الن�صل وحذاء المزالج»‪.‬‬ ‫فبالن�س��بة لمتاب��ع ع��ادي‪� ،‬أ�صب��ح التزل��ج عل��ى حلب��ة‬
‫ق��د تب��دو ه��ذه القطع��ة تافه��ة‪ ،‬لكنها ف��ي الواق��ع �آخر �إ�ص��دار من‬ ‫جلي��د �صناع��ي ب�س��رعة م��ا �أم��راً عادي��اً‪ .‬لكنه لي���س‬
‫برنامج �أحدث ثورة في �أداء الفريق البريطاني في مباريات �أولمبية‬ ‫كذل��ك بالن�س��بة للفريق البريطاني المتناف���س في‬
‫�س��ابقة‪ .‬وف��ي ع��ام ‪2008‬م‪ ،‬وافق��ت الوكال��ة الحكومي��ة الريا�ضية‬ ‫حلب��ة ريكموند ف��ي فانكوف��ر‪� ،‬إذ �إن فريق الحلبة‬
‫ف��ي بريطانيا‪ ،‬الم�س���ؤولة عن نخب��ة الريا�ضيين في البل��د بالتعاون‬ ‫الق�صي��رة وم��ن �ضمن��ه ج��ون �إيل��ي الم�ص��نَّ ف‬
‫م��ع «ال�ش��ركة البريطانية للطيران والف�ض��اء»‪ ،‬على منح ‪ 2.3‬مليون‬ ‫الثال��ث عالمي��اً‪ ،‬انتعل��وا مزالي��ج مع َّدل��ة من قبل‬
‫دوالر عل��ى م��دى �س��نوات خم���س لتموي��ل البح��وث التي من �ش���أنها‬
‫�إحراز النجاحات الم�ستقبلية للريا�ضيين البريطانيين‪.‬‬
‫وقد عقدت ال�ش��هر الما�ضي �ش��راكة م�ش��ابهة مع فريق «ماكالرين»‬
‫فورم�لا ون‪ .‬ومن��ذ ذل��ك الحي��ن والعم��ل ج��ا ٍر ف��ي المختب��ر عل��ى‬
‫تجريب النماذج الريا�ضية ومعادالت الديناميكا الهوائية لم�ساعدة‬
‫الريا�ضيي��ن البريطانيي��ن على الو�ص��ول �إلى م�س��تويات جديدة في‬
‫الريا�ضة‪.‬‬
‫مار�س ‪� /‬أبريل ‪2010‬م‬

‫‪ 3‬القيلولة لمن طلب العُال‬


‫هناك �إعالن توعوي مده���ش يطالعنا من وقت لآخر على �شا�ش��ات‬
‫بع���ض الف�ضائي��ات‪ ،‬ن��رى في��ه موظف��اً انك��ب نائم��اً عل��ى طاولت��ه‪.‬‬
‫وعندم��ا يدخ��ل المدي��ر القاعة‪ ،‬يحب���س الموظفون �أنفا�س��هم وهم‬
‫يرون��ه يقت��رب م��ن الموظ��ف‪ ،‬تح�س��باً النفج��ار غ�ضب��ه‪ ..‬غي��ر �أن‬
‫المدي��ر بع��د �أن يت�أم��ل الموظف للحظ��ة‪ ،‬ويطفي م�صب��اح الطاولة‬
‫وه��و يبت�س��م‪ ،‬ت��اركاً الموظ��ف يغ��ط ف��ي نوم��ه‪ ..‬ويختت��م الإع�لان‬
‫بالق��ول‪� :‬إن ‪ 15‬دقيق��ة من النوم خالل النهار ت�س��اعد على الإنتاج‬
‫ب�ش��كل �أف�ضل‪ .‬وهذا الإعالن لم ي�أت من فراغ‪ ،‬بل قام على درا�س��ة‬
‫�أجراه��ا فريق م��ن الباحثين ف��ي جامعة كاليفورني��ا لتحديد الآثار‬
‫الإيجابي��ة للقيلولة‪ ،‬علماً ب�أن‪ ،‬بع���ض فوائدها معروفة ومعترف بها‬
‫منذ �سنين عديدة‪.‬‬
‫من �أداء المجموعة الثانية‪.‬‬ ‫فم��ن خالل مقارن��ة مجموعتين من النا���س العاملين في المجاالت‬
‫وخل�ص الباحثون �إلى �أن كل هذه الفروقات الناجمة عن «القيلولة»‬ ‫المهنية نف�س��ها‪ ،‬و�أحياناً في الم�ؤ�س�س��ة ذاتها‪ ،‬واح��دة ت�ضم �أولئك‬
‫ه��ي نتيجة « �إع��ادة تمو�ضع» الذهن‪ ،‬على حد قولهم‪ ،‬بحيث ت�صبح‬ ‫الذي��ن ي�أخ��ذون قيلول��ة �صغي��رة بعيد الظه��ر‪ ،‬و�أخرى تعمل ب�ش��كل‬
‫قابلية الدماغ على الفهم والتذكر �أف�ضل‪.‬‬ ‫متوا�ص��ل‪ ،‬تبي��ن للباحثين �أن المجموعة الأول��ى كانت خالل الفترة‬
‫وتتوق��ع بع���ض المج�لات العلمي��ة �أن ت��ودي ه��ذه الدرا�س��ة في حال‬ ‫الم�س��ائية تتمت��ع بق��درة �أكبر ب�ش��كل ملحوظ من الفئ��ة الثانية على‬
‫ثبوت �صحة نتائجها‪� ،‬إلى مراجعة فكرة العمل المت�صل الذي تتبعه‬ ‫تذك��ر الأ�س��ماء والأماكن والأح��داث‪ .‬و�أي�ضاً قدرة �أكب��ر على تعلُّم‬
‫معظم ال�شركات الكبرى في العالم في الوقت الآخر‪.‬‬ ‫�أمور جديدة في الفترة الم�سائية‪ .‬كما �أن �أداءها المهني كان �أ�سرع‬

‫‪ 4‬ال�صواعق‪ ..‬لمـاذا ت�ضرب‬


‫الذكور �أكثر؟‬
‫والمحاذي��ر الأهمية التي توليه��ا �إياها المر�أة‪ .‬وحتى عندما يدرك‬ ‫من��ذ زم��ن طوي��ل‪ ،‬لوح��ظ �أن ال�صواع��ق ت�ض��رب الذك��ور �أكث��ر من‬
‫ب���أن هن��اك خطراً محتم ًال من م�صدر مع��يَّ ن‪ ،‬ف�إنه غالباً يميل �إلى‬ ‫الإن��اث وبفارق كبير ج��داً‪ ،‬الأمر الذي دفع «هيئ��ة الأر�صاد الجوية‬
‫تقليل هذا االحتمال‪� .‬إ�ضافة الى ما ي�شعر به على �أنه من المكا�سب‪،‬‬ ‫الوطني��ة» ف��ي الواليات المتحدة ال��ى التعاون مع بع���ض العلماء في‬
‫�أيظهر �أمام الرجال الآخرين (و�أي�ضاً الن�ساء) �أنه �شجاعة ال يعرف‬ ‫جامع��ة �إنديانا لتف�س��ير هذه الظاهرة‪ ،‬ا�س��تناداً �إل��ى حاالت الوفاة‬
‫الخوف ‪ ....‬وفي �أحيان كثيرة‪ ،‬يمكن لهذا ال�س��لوك « الطائ���ش» �أن‬ ‫بال�صواعق مابين العامين ‪ 1955‬و‪2008‬م‪ ،‬والتي بلغ عددها ‪648‬‬
‫يوت��ي بمكا�س��به ولكن��ه ف��ي حاالت �أخ��رى‪ ،‬ي�أت��ي لي�ش��كل الفرق في‬ ‫حال��ة‪ ،‬كان��ت ن�صيب الذك��ور منه��ا ‪ ،%82‬ون�صي��ب الإناث ‪%18‬‬
‫ارتف��اع ن�س��بة الوفيات بال�صواعق عن��د ه�ؤالء « ال�ش��جعان» مقارنة‬ ‫فقط‪.‬‬
‫بما هي عليه عند الن�ساء‪.‬‬ ‫وعبث��اً ح��اول العلم��اء �أن يج��دوا تف�س��يراً علمي��اً �أو بيولوجي��اً له��ذا‬
‫الف��ارق رغ��م �أنه��م غا�صوا في البح��ث عن الأ�س��باب الممكنة حتى‬
‫الو�صول �إلى ن�سبة الحديد في جمجمة الرجل التي تزيد على ن�سبته‬
‫في جمجمة المر�أة‪ ،‬و�أي�ضاً الفارق في الهرمونات الذكرية والأنثوية‬
‫وم��ا �إذا كان بع�ضه��ا يمكن �أن يلع��ب دور الالقط للكهرباء �أكثر من‬
‫الآخر‪.‬‬
‫تو�صل العلماء �إلى �أن الم�س�ألة برمتها هي م�س�ألة‬ ‫وبعد طول عناء ‪َّ ،‬‬
‫«طي���ش وا�س��تهتار» لي���س �أكثر فالم��ر�أة بطبعه��ا الحذر والح�سا���س‬
‫تتفاعل نف�س��ياً مع العوا�صف الرعدي��ة الكهربائية �أكثر من الرجل‪،‬‬
‫فتلتزم جانب الحيطة والحذر �أكثر منه‪.‬‬
‫�أم��ا الرجل‪ ،‬ح�س��بما يق��ول بيترت��ودر البروفي�س��ور في علم النف���س‬
‫ال�س��لوكي ف��ي جامع��ة �إنديان��ا‪ ،‬فه��و �إجم��االً ال يول��ي المخاط��ر‬
‫في عام ‪1891‬م اكت�شف كارل �إل�سنر الذي يمتلك �شركة ل�صناعة المعدات الجراحية‪،‬‬
‫�أن �س��كين الجيب التي ي�س��تخدمها جنود الجي�ش ال�سوي�س��ري هي في الواقع م�صنوعة‬
‫في م�صانع �ألمانية‪ .‬فقد كان الجنود ال�سوي�س��ريون يحتاجون ل�س��كين �صغيرة ال�س��تخدامها في‬
‫تجهيز الأ�س��لحة وقطع الأ�س�لاك وفتح علب الطعام‪ .‬ولما كانت الم�صانع ال�سوي�سرية تفتقر �إلى‬
‫الموارد الالزمة لت�صنيع ال�سكين بنف�سها‪� ،‬أر�سلت الحكومة في طلب ‪� 15‬ألف �سكين للجيب من‬
‫�أحد الم�صانع الألمانية ال�ضخمة‪.‬‬

‫�أ�صابت �إل�س��نر الغيرة الوطنية‪ ،‬وقرر �أن يعمل على الأمر بحيث يتم ت�صنيع �س��كين الجيب التي‬
‫يحتاجها الجنود ال�سوي�س��ريون في �سوي�س��را‪ .‬فعمل في البداية على محاكاة ال�سكين الم�ستوردة‬
‫م��ن �ألماني��ا‪ ،‬الت��ي كان��ت تحتوي على ن�ص��ل قاطع ومثق��اب وفتَّ احة علب ومف��ك‪ .‬لكنه لم يكن‬
‫را�ضي��اً ع��ن �أدائه��ا كثيراً‪ .‬وبعد �س��نوات خم���س من مح��اوالت التطوي��ر‪ ،‬تو�صل �إل�س��نر في عام‬
‫‪47 46‬‬
‫‪1896‬م �إل��ى تركيب ناب�ض خا�ص‪� ،‬س��مح له ب�أن يجهِّز ال�س��كين ب�ضع��ف عدد الأدوات التي كانت‬
‫تحملها ال�سكين القديمة‪.‬‬
‫قصة ابتكار‬
‫�أ�س���س �إل�سنر �ش��ركة ل�صناعة منتجه المتطوِّر‪ ،‬و�أطلق عليها ا�سم «فيكتوريا»‬
‫وف��ا ًء لذك��رى والدت��ه الراحل��ة‪ .‬ث��م في ع��ام ‪1921‬م‪ ،‬ت��م اكت�ش��اف ال�صلب‬

‫الــســكــيــن‬
‫المق��اوم لل�ص��د�أ‪ ،‬و�س��رعان م��ا اعتمدت��ه ال�ش��ركة ليك��ون المادة الأ�سا�س��ية‬
‫لت�صني��ع �س��كينها‪ ،‬نظ��راً ل�صالبت��ه ومقاومت��ه لعوام��ل التل��ف‪ .‬وتغي��ر ا�س��م‬
‫ال�ش��ركة بع��د ذلك �إل��ى «فيكتورينوك���س»‪ ،‬ليك��ون المقطع الأخير «�إينوك���س»‬
‫ال��ذي يخت�ص��ر كلمة معناها «غي��ر قابل لل�ص��د�أ»‪ ،‬دلي ًال دائم��اً على الجودة‬
‫العالية التي تتميز بها هذه ال�سكين‪.‬‬ ‫ا لســو يسـر ية‬
‫ا�س��تمر عمل �إل�سنر و�ش��ركته على تطوير المنتج‪ ،‬و�إ�ضافة المزيد من الأدوات‬
‫والتح�س��ينات عليه��ا‪ .‬و�أ�صبح��ت «فيكتورينوك���س» ال�ش��ركة الوحي��دة الت��ي‬
‫يعتم��د عليه��ا الجي���ش ال�سوي�س��ري‪� .‬إلى �أن ظهرت �ش��ركة جديدة تحمل ا�س��م‬
‫«فينجر» كمناف�س قوي يعر�ض �إنتاجه الجديد على الجي�ش‪ .‬وف�ضلت الحكومة‬
‫ال�سوي�س��رية حينئ��ذ لأ�س��باب �سيا�س��ية وربم��ا تجاري��ة �أي�ض��اً‪� ،‬أن تق�س��م الأمر‬
‫بي��ن ال�ش��ركتين‪ ،‬بحي��ث تم��د كل منهما الجي���ش بن�صف حاجته من �س��كاكين‬
‫الجيب‪ .‬وفي الوقت الذي تم�س��كت فيه «فيكتورينوك���س» ب�شعار «�سكين الجي�ش‬
‫ال�سوي�س��ري الأ�صلي��ة»‪� ،‬س��محت لفينجر ب�أن ت�س��تخدم �ش��عاراً يقول‪�« :‬س��كين‬
‫الجي���ش ال�سوي�س��ري العبقري��ة»‪ .‬وبعد عقود طويلة‪ ،‬وتحدي��داً في عام ‪2005‬م‬
‫قامت «فيكتورينوك���س» ب�ضم �ش��ركة «فينجر» �إليها‪ ،‬لتعود مرة �أخرى الم�صنع‬
‫الوحيد ل�سكين الجيب ال�سوي�سري ال�شهيرة‪.‬‬

‫وخ�لال رحلته��ا الطويل��ة الت��ي امت��دت عب��ر ثالثة ق��رون‪ ،‬من��ذ ظهورها في‬
‫نهايات القرن التا�س��ع ع�ش��ر‪ ،‬وحتى وقتنا الحالي‪ ،‬ا�س��تمرت ال�س��كين ال�سوي�س��رية في التطور‪،‬‬
‫لت�شمل �أدوات جديدة‪ ،‬وتوفر لحاملها نطاقاً �أو�سع من اال�ستخدامات المختلفة‪ .‬فوجدت طريقها‬
‫�إل��ى جي��وب العمال‪ ،‬والمهند�س��ين‪ ،‬والرحَّالة‪ ،‬والم�س��افرين‪ ،‬ومت�س��لقي الجب��ال‪ ،‬والريا�ضيين‪،‬‬
‫والغوا�صي��ن‪ ،‬وحت��ى روَّاد الف�ض��اء‪ ،‬و�ص��ارت رم��زاً �صغيراً للنج��اح في جمع الفك��رة الذكية �إلى‬
‫التجديد و�إتقان التنفيذ‪.‬‬
‫مار�س ‪� /‬أبريل ‪2010‬م‬

‫ولد ثيودور هارولد مايمان في مدينة لو���س �أنجلو���س بوالية كاليفورنيا الأمريكية‪ ،‬في العام‬
‫‪1927‬م‪ .‬وكان �أب��وه مهند�س��اً يه��وى العم��ل على تطوير الأجه��زة الكهربائي��ة‪ ،‬فانتقلت هذه‬
‫الهواية �إلى االبن الذي �أحب في �صغره اللعب بالأجهزة والمعدات‪.‬‬

‫وم��ع الأي��ام‪ ،‬كبرت معه هوايت��ه‪ .‬فعمل في مراهقته في �إ�صالح الأجه��زة الكهربائية و�أجهزة الراديو‬
‫الت��ي كان��ت م��ن �أهم الأجه��زة المنزلية �آن��ذاك‪ .‬وفي الع��ام ‪1949‬م �أكمل مايمان درا�س��ته الجامعية‬
‫وح�صل على �ش��هادة البكالوريو���س ف��ي الفيزياء من جامعة كولورادو الأمريكي��ة‪ .‬ثم اتجه بعدها �إلى‬
‫الدرا�س��ة في جامعة �س��تانفورد المرموقة ليح�صل على �شهادة الماج�ستير في الفيزياء عام ‪1951‬م‪،‬‬
‫ثم الدكتوراة في التخ�ص�ص نف�سه عام ‪1955‬م‪.‬‬

‫ان�ض��م مايم��ان �إلى العمل في م�صانع هيوز للأبحاث بوالية كاليفورنيا الأمريكية‪ ،‬والتي كانت واحدة‬
‫من �أهم معامل الأبحاث الأمريكية في ذلك الوقت‪ .‬وكان مايمان مهتماً بدرا�سة ا�ستخدام الموجات‬
‫الكهرومغناطي�سية في توليد �شعاع �ضوئي نقي ومتما�سك‪ ،‬وهو ما نعرفه الآن بالليزر‪.‬‬ ‫قصة مبتكر‬
‫تع��ود �أول��ى النظري��ات والأفكار الت��ي يعتمد عليها اللي��زر �إلى �آين�ش��تاين‪ ،‬ومن بعده‬

‫ثيــودور مايمان‬
‫العالِ مين ت�شارلز تاونز و�آرثر �شالو‪ .‬ويرجع الف�ضل لميمان في تحويل هذه النظريات‬
‫والأفكار �إلى �شيء مادي ملمو�س‪ .‬ففي تاريخ ‪ 16‬مايو للعام ‪1960‬م ا�ستطاع �أن يطلق‬
‫�أول �ش��عاع لي��زر بوا�س��طة الجهاز الذي ق��ام بتركيبه‪ .‬وهو الأول م��ن نوعه الذي يتم‬
‫تركيب��ه وت�ش��غيله ف��ي العال��م‪ .‬واعتمد مايمان في تركيب جهازه على ت�س��ليط �ش��عاع‬ ‫وج ـهـ ـ ـ ـ ــاز اللـيـ ـ ــزر الأول‬
‫م��ن ال�ض��وء على و�س��ط اختاره ليكون م��ن الياقوت ال�صناعي الذي ي�س��تحث ال�ضوء‬
‫جزيئاته‪ .‬كما قام مايمان بتركيب �سطحين من الف�ضة على جانبي �أنبوب الياقوت‪،‬‬
‫بحيث ينعك�س ال�ضوء ذهاباً و�إياباً‪ ،‬ويكت�سب قوة �أكبر مرة بعد مرة‪.‬‬

‫وع��ن طري��ق هذا الجه��از‪ ،‬تم م��ا كان يتمناه الرجل‪ ،‬حي��ن انبعثت نب�ض��ات �ضوئية‬
‫�ش��ديدة التركيز‪ ،‬لتعلن نجاح تجربته وجهازه‪ .‬وقد ن�ش��ر مايمان اكت�ش��افه في مقال‬
‫بمجل��ة العل��وم المرموق��ة «نيت�ش��ر»‪ ،‬وقال عن��ه العال��م الأمريكي ت�ش��ارلز تاونز‪� ،‬إنه‬
‫‪www.britannica.com - Hughes Aircraft Company‬‬

‫المقال الأهم الذي ن�شرته «نيت�شر» خالل مئة عام من تاريخها‪.‬‬

‫وبف�ض��ل عمل��ه المه��م على اللي��زر‪ ،‬تم تر�ش��يح مايمان مرتي��ن لجائزة نوب��ل‪ ،‬ومُنح‬
‫ع�ضويت��ي الأكاديميتين القوميتين للعلوم وللهند�س��ة‪ .‬كما ح�صل على جائزة �أوليفر‬
‫باكلي التي تمنح للأعمال والأبحاث المهمة في علم الفيزياء وذلك في عام ‪1966‬م‪.‬‬
‫وفي عام ‪1987‬م حاز «جائزة اليابان»‪ ،‬وهي الجائزة العالمية التي تمنحها «م�ؤ�س�سة‬
‫الياب��ان للعلوم والتكنولوجيا»‪ .‬كما منحته العديد من الجامعات الجوائز والدرجات‬
‫الفخرية‪ ،‬كان �آخرها في عام ‪2002‬م من جامعة �سايمون فرازير الكندية‪.‬‬

‫توف��ي ثي��ودور مايمان في الع��ام ‪2007‬م بمنزله بمدينة فانكوفر الكندية‪ .‬و�أقيمت مرا�س��م وداعه في‬
‫ي��وم ‪ 16‬ماي��و‪ ،‬وه��و التاري��خ نف�س��ه الذي �ش��هد المي�لاد الفعل��ي لليزر على يدي��ه في معمل��ه في والية‬
‫كاليفورنيا الأمريكية‪.‬‬
‫اطلب العلم‬

‫في درا�سة �أجراها كل من جاري �سمول و�سوزان بوكهايمر يحدث خالل الفترة الأولى للتعامل مع تكنولوجيا الإنترنت‪،‬‬
‫ثم يحافظ على م�ستواه ثابت ًا بعد ذلك‪ .‬وتُعد هذه المنطقة‬ ‫الباحثان بجامعة كاليفورنيا الأمريكية‪ ،‬تم قيا�س ن�شاط‬
‫من المخ م�س�ؤولة عن قدرتنا على اتخاذ القرارات والتعامل‬ ‫المخ �أثناء قيام مجموعتين من المتطوعين بعملية بحث‬
‫مع المعلومات المعقَّدة‪ .‬كما �أنها تتحكم في قدرتنا على‬ ‫عادية على �شبكة الإنترنت‪ .‬تكونت المجموعة الأولى من‬
‫�أ�شخا�ص ممن لي�ست لهم خبرة با�ستخدام الإنترنت‪ ،‬وهي الدمج بين الم�شاعر والأفكار‪ .‬وكذلك ف�إن لها دور ًا كبير ًا‬
‫في عمل الذاكرة ق�صيرة المدى‪ ،‬وهي الذاكرة التي نعتمد‬ ‫المجموعة التي ا�ستغرق العثور على �أفرادها الكثير من‬
‫الجهد بالطبع‪� .‬أما المجموعة الثانية فتكونت من �أ�شخا�ص عليها كثير ًا �أثناء التجول بين �صفحات الإنترنت‪.‬‬
‫متمر�سين على ا�ستخدامها‪ ،‬ومطابقين لأفراد المجموعة‬
‫و�إذا كانت هذه هي الم�شاهدات التي ا�ستطاعت الأجهزة‬ ‫الأولى في العمر وم�ستوى التعليم‪ .‬وقد كلف الباحثان‬
‫�أن ت�سجلها‪ ،‬ف�إن خبراتنا الحياتية مع التكنولوجيا تعطينا‬ ‫المتطوعين ب�إجراء عمليات بحث عن معلومات محددة‬
‫�آالف الدالئل على الطريقة التي تتغير بها طبيعة عمل‬
‫المخ الب�شرى كلما تعر�ض لجرعات �أكبر و�أكبر من هذه‬
‫التكنولوجيا‪ .‬فطوال الوقت الذي نق�ضيه في التعامل‬
‫�أثر التكنولوجيا‬ ‫‪49 48‬‬

‫معها‪ ،‬تكون عقولنا منغم�سة في حالة من «االنتباه الجزئي‬


‫الم�ستمر»‪ ،‬وهو الم�صطلح الذي �أطلقته خبيرة البرمجيات‬ ‫على �أداء المخ‬
‫الأمريكية ليندا �ستون على تلك الحالة التي نكون فيها‬
‫متابعين لأ�شياء كثيرة من دون �أن نعطي انتباه ًا �أو تركيز ًا‬
‫ودقيقة تخ�ص مجموعة متنوعة من المو�ضوعات‪ ،‬بدء ًا من حقيقي ًا لأي �شيء‪ .‬هذه الحالة من االنتباه‪ ،‬تمثل عبئ ًا كبير ًا‬
‫على المخ‪ ،‬في�ستجيب لها بتحفيز الج�سم لإطالق هرمونات‬ ‫الفوائد ال�صحية لتناول ال�شوكوالتة‪ ،‬وانتها ًء بالتخطيط‬
‫التوتر (الكورتيزول والأدرينالين)‪ .‬هذه المواد تزيد من‬ ‫لرحلة �إلى جزر المحيط الهادي‪.‬‬
‫طاقة الج�سم وحدة الذاكرة على المدى الق�صير‪ .‬لكنها‬
‫على المدى الأبعد‪ ،‬قد تكون ذات ت�أثير �شديد الإيذاء‪.‬‬ ‫�أظهرت المجموعتان نمطين مختلفين من الن�شاط في‬
‫فت�سبب ال�شعور بالإجهاد‪ ،‬وبتدني الطاقة‪ .‬كما �أنها تقوم‬ ‫الخاليا الع�صبية‪ ،‬عندما قام �أفرادهما ب�إجراء عمليات‬
‫ب�إعاقة عملية التعلم‪ ،‬وت�ؤثر على �سير التيارات الع�صبية في‬ ‫البحث تلك‪ .‬فقد كانت القيا�سات الأولية لمجموعة‬
‫المتمر�سين تظهر ن�شاط ًا وا�ضح ًا في منطقة محددة من مناطق المخ الم�س�ؤولة عن الحالة النف�سية‪ ،‬م�سببة ال�شعور‬
‫بالتوتر والك�آبة والعزلة‪.‬‬ ‫الجانب الأمامي الأي�سر للمخ‪ ،‬بينما لم تظهر قيا�سات‬
‫المجموعة الأخرى وجود �أي ن�شاط فيها‪.‬‬
‫�إن ال�ساعات التي نق�ضيها في مدننا الرقمية الخا�صة‪ ،‬تعيد‬
‫وبعد القيا�سات الأولية‪ ،‬كلف الباحثان �أفراد المجموعتين ت�شكيل الطريقة التي يعمل بها المخ‪ ،‬وت�ؤ�س�س لم�سارات‬
‫و�شبكات ع�صبية لم تكن موجودة من قبل‪ .‬وبقدر ما يتمدد‬ ‫بالقيام بت�صفح الإنترنت لمدة �ساعة يومي ًا على مدى‬
‫المخ في قدرته لي�سع هذه الخبرات الجديدة‪ ،‬بقدر ما هو‬ ‫خم�سة �أيام‪ .‬وبعد ذلك تكررت عملية القيا�س‪ ،‬لتظهر‬
‫معر�ض ليفقد ما تعلمه من قبل ولم يعد يمار�سه الآن‪ .‬يقول‬ ‫ن�شاط هذه المنطقة من المخ لدى �أفراد المجموعتين‪.‬‬
‫العلماء �إن مهارات التوا�صل الب�شري المبا�شر وجه ًا لوجه‬ ‫�أي �أن خم�سة �أيام فقط من التعر�ض لهذه التكنولوجيا‬
‫من �أولى المهارات المعر�ضة «لالنقرا�ض» و�سط االعتماد‬ ‫والتعامل معها كانت قادرة على �إحداث تغيير في طريقة‬
‫ن�شاط المخ الب�شري‪ ،‬وهو ما حدث لدى المجموعة التي لم الهائل على برامج المحادثات‪ ،‬والر�سائل الن�صية‪،‬‬
‫يكن لها في ال�سابق خبرة مع الإنترنت‪ .‬وبالن�سبة لمجموعة والتطبيقات االجتماعية على الإنترنت‪ .‬ولذلك ين�صحنا‬
‫العلماء بالتوازن وبالرفق في تعاملنا مع المخ ‪ ..‬هذا الع�ضو‬ ‫المتمر�سين فقد جاءت نتيجة القيا�سات الثانية مطابقة‬
‫�شديد المرونة‪ ،‬و�شديد الح�سا�سية �أي�ضاً‪.‬‬ ‫لنتيجة القيا�سات الأولية‪ ،‬مما يو�ضح �أن هذا التن�شيط‬

‫�أحمد الإمام‬
‫عبداملجيد اجلهني‬
‫امللف امل�صو َّر‬
‫يت�سلق عليك ال�ضوء‪،‬‬
‫�آتياً من ف�ضاء‪.‬‬
‫يت�سع له ال�سحاب‪..‬‬
‫فيحوّله �إلى مظلة من ذهب‪..‬‬
‫وعلى ال�شاطئ ‪ ..‬الحجرة �سبيكة‪.‬‬
‫وفي الأر�ض الفالة‪،‬‬
‫الريح نحّات ماهر‬
‫تجعل ال�صخرة �شجرة‬
‫وال�شجرة راق�صة مرحة‪..‬‬
‫والطير على �سور خ�شب‪،‬‬
‫�سعيداً بالغروب‪.‬‬
‫رفع رج ًال واحدة‪..‬‬
‫وبعد قليل يطير!‬
‫عبدالمجيد عبداهلل الجهني‬
‫م�صوِّر �سعودي من مواليد مدينة ينبع‪ .‬يعمل‬
‫مهند�س معدات ثابته في �إحدى �شركات �سابك‪.‬‬
‫بد�أ الت�صوير الفوتوغرافي في منت�صف عام‬
‫‪2007‬م بعد التعرف بال�صدفه على موقع عد�سات‬
‫عربية‪..‬‬
‫يع�شق ت�صوير الطبيعه وتجميد اللحظات‬
‫الجميلة‪ ،‬و�إبراز التفا�صيل الدقيقة التي ال‬
‫يالحظها النا�س عادة ب�شكل جمالي‪..‬‬
‫�شارك في العديد من المعار�ض داخل المملكه‬
‫وخارجها‪..‬‬
‫‪2010‬‬ ‫امل�صوِّر عبداملجيد اجلهني‪ ...‬جملة القافلة ‪ -‬العدد ‪ 2‬مار�س‪�/‬أبريل‬
‫مار�س ‪� /‬أبريل ‪2010‬م‬

‫حياتنا اليوم‬

‫ظلت هذه العادة معنا حتى كبرنا وكبر معنا هذا الحب‬ ‫هناك رفيق ي�ستيقظ معك �صباحاً‪ ،‬وتلقي عليه التحية‬
‫وال�شغف ب�أ�شياء نحملها بداخلنا‪ ،‬وربما �أينما ذهبنا حتى‬ ‫ليالً‪ ،‬ال يتوانى عن م�صاحبتك �ساخن ًا كان �أم بارداً‪ ،‬يقول‬
‫في حقائب ال�سفر‪ .‬هل هذا عيبٌ فينا �أم هو ت�شبث بعادتنا‬ ‫لك �أنت اخترتني و�أنا بين يديك الآن‪ ،‬املأني كما ت�شاء‪،‬‬
‫القديمة! هي �أمو ٌر ال يمكن تف�سيرها وربما تبقى في دائرة‬ ‫ولكن كن رقيق ًا معي كيما �أكون رفيقك دائماً!!‬
‫فل�سفة نفو�سنا منذ ال�صغر‪.‬‬
‫هذا الرفيق نحتاج �إليه في بع�ض الأوقات نتم�سك به‪ ،‬وقد‬
‫ومع ما نتمتع به من ذائقة‪� ،‬صغار ًا كنا �أم كباراً‪ ،‬ف�إننا‬ ‫نقدِّ مه كهدية قيِّمة لأ�صدقائنا لكي يتذكروننا‪ .‬ومع �أن‬
‫ال ن�ستطيع �أن نخفي وعينا في خ�صو�صية االختيار‪� ،‬أو‬ ‫هذا الرفيق ي�صاحبنا في بيتنا وفي مكاتبنا‪� ،‬إال �أنه ذو‬
‫االنتقاء كوننا ن�ستطيع وبكل حريه �أن نختار ما نحب دائماً‪.‬‬ ‫خ�صو�صية عن بقية �أدواتنا التي ن�ستخدمها طيلة اليوم‪،‬‬
‫ولكن ما �سر العالقة في اختيار كوبك رفيقك مربع ًا كان �أم‬ ‫وغالب ًا ال نختار غيره‪ ..‬هو لي�س لغز ًا �إنما دعابة ذهنية‬
‫دائرياً‪ ،‬عميق ًا �شفاف ًا كان �أم ملوناً‪ ،‬المهم �أنه كوبك والأهم‬ ‫لنفكِّر به‪ ،‬ولنلتفت �إلى �أناقته‪� ،‬أو لونه‪� ،‬أو �شكله‪ ..‬وعموماً‪،‬‬
‫�أنه اختيارك‪ ،‬و�أنه ذائقتك التي تنطلق منك �شخ�صي ًا من‬ ‫هو كوبنا الرفيق‪.‬‬
‫دون تدخل الآخر‪.‬‬
‫ماذا لو انتابك �شعور ما عند ر�ؤية �أحد �أ�صدقائك �أو‬
‫كلما كبرنا كبرت معنا عاداتنا التي تحفها الطفولة من‬ ‫�أقاربك يرت�شف القهوة من كوبك‪ ..‬هل �ستغ�ضب �أم تحزن‬
‫كل جانب‪ ،‬ف�ضحكاتنا واختياراتنا و�ألواننا نختزنها في‬ ‫�أم �أنك �ستكتئب! �أم �ستهرول م�سرع ًا نحوه وتعطيه كوب ًا‬
‫طفولتنا ونعبِّر عنها ونحن كبار كما كنا �صغاراً‪.‬‬

‫�إن كينونتنا دائم ًا ما تقودنا �إلى العالم الح�سي‪ ،‬وتخير‬


‫الأ�شياء التي حولنا بذكرياتنا الطفولية‪ ،‬وربما الخجولة‬
‫رفيقنا �صغاراً كنا �أم كباراً‪..‬‬
‫منها‪ ،‬بنب�ض فكرنا ال�صغير والذي يتحول يوم ًا بعد يوم‬ ‫�آخر‪� ،‬أم ت�صمت وتقول في نف�سك‪ :‬ال �ضير من ذلك!! هل‬
‫�إلى عادة ن�ستطيع �أن نلم�سها‪ ،‬و�أن نقترب منها �أكثر‪ ،‬و�أن‬ ‫تراه تعدي ًا على ممتلكاتك الخا�صة ب�شكل م�ؤقت �أم �أنه‬
‫نترجمها ب�أحا�سي�س عدة‪.‬‬ ‫دعابة من �صديق ال�ستفزازك!!‬

‫من الممكن �أن تطرق كل هذه الم�شاعر باب فكرك لمجرد وبهذا تتوالى الذكريات واحدة تلو الأخرى‪ ،‬ويبقى هذا‬
‫�أن �أحدهم جاء و�أخذ كوبك‪ ،‬الذي تعودت �أن تلم�سه عند الرفيق منتظر ًا في المطبخ �أو على طاولة �صغيرة في غرقة‬
‫كل �صباح وم�ساء‪ .‬والبد �أن نتذكر كيف كنا ن�صرخ ونحن الجلو�س �أو قرب �سريرك‪� ،‬أو بين �أوراقك المبعثرة هنا‬
‫وهناك‪ .‬و�أينما كان ومتى ما �شئت‪ ،‬فهو حا�ض ٌر ينتظر �أن‬ ‫�صغار ًا بجملة واحدة نكررها مرار ًا وتكرار ًا «ال تلم�س‬
‫ت�أخذه‪ ،‬وت�ستمتع به‪ ،‬هذا هو الرفيق حاله حال �أ�شيائنا‬ ‫كوبي»‪� .‬إذن �أكوابنا عنوان �شخ�صيتنا منذ ال�صغر‪ .‬كيف‬
‫ال‪ ،‬وهي الملم�س الأول للتعرف �إلى �أدوات الطعام‪ ،‬فالطفل التي نحب‪.‬‬
‫ي�شرب قبل �أن ي�أكل‪ ،‬ومن ثم يم�سك بالكوب قبل الملعقة‪.‬‬
‫على �أية حال من يراجع ما يمر بحياته اليومية ربما ال‬
‫يلتفت �إلى �أب�سط الأ�شياء التي تحف به‪ ،‬وربما ين�ساها �أو‬ ‫حينما كنا �صغاراً‪ ،‬كانت اختياراتنا ح�سب �ألواننا التي‬
‫يهملها‪ ،‬ولكن في لحظة‪� ،‬أو �أثناء ر�شفة‪� ،‬سيتذكر جمال‬ ‫نحب‪ .‬وكان لنا الحق في انتقائها‪� ،‬أزرق كان �أم �أحمر‪،‬‬
‫الكوب الذي بين يديه وق�صة اختياره‪ ،‬وربما ال يكون لديه‬ ‫�أو حتى �أ�صفر ولنقل بنف�سجياً‪ ،‬هي كلها �ألوان تقبع في‬
‫�أي اح�سا�س به‪ ،‬ولكن ربما يمر في خاطره �شيء وهو يقر�أ‬ ‫ذاكرة كل منا‪ ،‬وغالب ًا ما نختارها بعناية فائقة‪� ،‬إما لون‬
‫هذه ال�سطور‪.‬‬ ‫نحبه ونف�ضله‪� ،‬أو �شكل غريب نر�سمه بداخلنا‪� ،‬أو مزين ًا‬
‫بالبالونات �أو دوائر ملونة �أو قطط �أو ر�سوم كرتونية‪.‬‬
‫دينا ال�شهوان‬
‫الصوت ونحن‬ ‫‪57 56‬‬

‫الح�ضور الدائم بين الإزعاج والإمتاع‬

‫احلياة اليومية‬
‫نكاد ال ننتبه �إلى وجود ال�صوت في حياتنا �إال عندما ي�صدر ب�شكل‬
‫مفاجئ عن جهة ما‪� ،‬أو عندما يعلو �أو ي�س��تمر �إلى درجة مزعجة‪،‬‬
‫ولهذا‪ ،‬يتم عادة تناول ال�صوت كق�ضية بيئية تحت عنوان «التلوث‬
‫ال�صوت��ي»‪ ..‬ولك��ن ماذا عن الح�ضور الدائ��م لل�صوت في حياتنا؟‬
‫م��اذا عن �آالف الأ�ص��وات الخافتة في معظمها‪ ،‬التي ال تغيب عنا‪،‬‬
‫وت�ش��كِّ ل جزءاً �أ�سا�س��ياً من وعينا للعال��م المحيط بنا ومن هويته‬
‫‪Illustration: Nayla Yehia, Almohtaraf Alsaudi‬‬

‫�أي�ض��اً؟ حليمة �س��ليمان ومحمد م�صطفى العم��ري‪ ،‬ي�ضعان جانباً‬


‫ق�ضي��ة التل��وث ال�صوتي‪ ،‬ويكتفيان من الجانب العلمي في درا�س��ة‬
‫ال�صوت بما يكفي لتقديم القراءة الثقافية الآتية لعالقتنا به‪ ،‬هذه‬
‫العالقة المتلوِّنة حباً ونفوراً‪� ،‬إفادة و�إيذاءً‪ ،‬ا�ستمتاعاً به وانزعاجاً‬
‫منه‪.‬‬
‫مار�س ‪� /‬أبريل ‪2010‬م‬

‫تماماً كما هو الأوك�سجين في الهواء من حولنا‪ ،‬حا�ضر دائماً و�شرط �أ�سا�سي وال يُح�ص��ى ما بين �صرخته الأولى عند الوالدة و�ش��خيره‬
‫من �ش��روط الحياة‪ ،‬ف�إن ال�صوت حا�ضر دائماً في الهواء نف�س��ه و�ش��رطاً من خالل النوم‪.‬‬
‫�شروط الحياة كما نعرفها‪.‬‬
‫وهن��اك �أي�ض�� ًا الأ�ص��وات ال�ص��ادرة‪ ،‬غي��ر المبا�ش��رة‪ ،‬ع��ن‬
‫وحت��ى عندما نكون ف��ي �أكثر اللحظات �س��كوناً‪ ،‬يكفي �أن الإن�س��ان من خالل ما �أنتجه من �صناعات وم�صنوعات لجعل‬
‫ن�سترق ال�سمع جيد ًا لن�سمع �صوت ًا ما‪� ،‬سواء �أكنا نيام ًا في الحي��اة �أكث��ر رفاهي��ة في تط��وره الح�ض��اري الم�س��تمر‪ ،‬بدء ًا‬
‫بيوتن��ا المعزولة ب�إحكام عن الخارج‪ ،‬حيث ي�صر محرك ب�ساعة اليد الميكانيكية التي نخلعها من معا�صمنا لي ًال «كي ال‬
‫الثالجة على �أن يهم���س بما ي�ؤن�س��نا في �س��كون الليل �إذا تُتكتك على م�سامعنا عند النوم» و�صو ًال �إلى الطائرات وهدير‬
‫ل��م يتولَّ ذل��ك الجيران ال�س��اكنون في ال��دور الأعلى‪� ،‬أم محركاته��ا‪ ،‬وم��ا بينهم��ا ال�س��يارة الناطق��ة بل�س��انين‪ :‬ل�س��ان‬
‫كن��ا في الب��راري حيث يمكن لحفيف الن�س��يم على الأذن البوق ول�س��ان المح��رك‪ ،‬والهاتف‪ ،‬والتلفزيون و�آلة الت�س��جيل‬
‫�أن ي�ص��در �صوت��اً‪� ،‬إذا غاب �صوت الحي��وان �أو عواء ذئب (لحف��ظ ال�ص��وت)‪� ..‬إ�ضاف��ة �إل��ى الم�صان��ع الالزم��ة لإنتاج‬
‫هذه الأ�شياء‪ ،‬وعود ًا �إلى البدء‪� ...‬إلى المناجم التي تُ�ستخرج‬ ‫من بعيد‪.‬‬
‫منها المواد الخام لهذه ال�صناعات‪ .‬بعبارة �أخرى‪� ،‬إن كوكبنا‬
‫يمك��ن تق�س��يم عالم الأ�ص��وات وفق ع�ش��رات االعتبارات الأر�ض��ي عالم ال يعرف ال�صمت‪ ،‬و�س��كونه هن��ا �أو هناك‪ ،‬هو‬
‫والمقايي�س‪ .‬فهناك الأ�صوات ال�صادرة عن الطبيعة مثل ن�س��بي فق��ط‪ ،‬وك�أن ال�س��كون المطل��ق هو نظري‪ ،‬يطلق ا�س��مه‬
‫حفي��ف الأ�ش��جار �أو الرمال بفع��ل الن�س��يم‪ ،‬والعوا�صف‪ ،‬على الحالة التي تكون فيها الأ�صوات منخف�ضة لي�س �أكثر‪.‬‬
‫وزقزق��ة الع�صافي��ر وخري��ر الم��اء‪ ،‬وتك�س��ر الم��وج‪...‬‬
‫وهن��اك الأ�ص��وات ال�صادرة عن الإن�س��ان مبا�ش��رة‪ ،‬و�إن موقفنا العام من ال�صوت‬
‫كان ال��كالم ه��و �أهمها‪ ،‬ف�إنها ت�ش��مل �أي�ض�� ًا وقع خطواته يتراوح الت�أثير الذي يتركه ال�صوت على نف�س الإن�سان ما بين‬
‫وحركت��ه وتحريكه للأ�ش��ياء من حوله و�س��عاله وما ال يُعد اال�س��تمتاع حتى الن�شوة ببع�ضها مثل المو�سيقى‪ ،‬وا�ستلطاف‬
‫وف��ي مج��ال النق��ل والموا�ص�لات‪ ،‬ي�صدر ع��ن ال�س��يارة �أو‬ ‫بع�ضها مثل خرير الماء في الجداول‪ ،‬والإح�سا���س بال�ضغط‬
‫الدرَّاج��ة النارية حوالي ‪ 90‬دي�س��يبال‪ ،‬وعن الطائرة خالل‬ ‫مثل �صوت الآالت الرتيب في الم�صانع‪ ،‬والذعر ل�صوت قوي‬
‫�إقالعها ما بين ‪ 100‬و‪ 160‬دي�سيبال‪ ،‬والجرار الزراعي ‪98‬‬ ‫مفاجئ مثل دوي انفجار �أو �صوت ارتطام‪.‬‬
‫دي�س��يبال‪ ،‬ومحط��ة قط��ارات تحتوي على �أكث��ر من خط ما‬
‫بين ‪ 100‬و‪ 160‬دي�س��يبال‪ .‬وفي مجال الأ�س��لحة ي�صدر عن‬ ‫غير �أن ردة الفعل الأكثر �شيوع ًا عند الإن�سان على الأ�صوات‬
‫المدفع القريب ما بين ‪ 100‬و‪ 160‬دي�س��يبال‪ ،‬وعن انطالق‬ ‫المحيطة به هي الالمباالة‪ .‬نعم الالمباالة تجاه �آالف و�آالف‬
‫�صاروخ ‪ 200‬دي�س��يبال‪ ،‬وع��ن انفجار قنبلة قريبة نحو ‪200‬‬ ‫الأ�ص��وات م��ن حول��ه‪ ،‬الت��ي ال تخاطب��ه مبا�ش��رة في �ش��يء‪،‬‬
‫دي�سيبال‪.‬‬ ‫فتلتقطها �أذنه وال ي�سمعها‪ .‬ففي المكاتب على �سبيل المثال‪،‬‬
‫تلتق��ط �أذننا �صوت مكيف الهواء‪ ،‬ولكنها ال تح�س��ب ح�س��ابه‬
‫�أم��ا الأ�ص��وات االجتماعي��ة الم�ألوف��ة �أكث��ر مم��ا تق��دَّم‪،‬‬ ‫في �شيء‪ ،‬لأنه م�ألوف‪ ،‬ولأنه هناك ب�شكل طبيعي ومتوا�صل‪.‬‬
‫فتت�ضمَّن النوادي والمقاهي والمطاعم ومنا�س��بات الأفراح‪،‬‬ ‫�أما �صوت الطابعة‪ ،‬فال ن�سمعه من الغرفة المجاورة‪� ،‬إال �إذا‬
‫وا�س��تخدام مكب��رات ال�ص��وت في الحفالت وما�ش��ابه ذلك‪،‬‬ ‫كنا نحن قد �أ�صدرنا الأمر بالطبع‪ ،‬فن�صغي‬
‫الت��ي ت�ص��در عنه��ا �أ�ص��وات يتراوح متو�س��ط �ش��دتها ما بين‬ ‫ون�سمع �صوتها وك�أنه يهم�س «�سمع ًا وطاعة»‪.‬‬ ‫ال�صوت القوي‬
‫‪ 60‬و‪ 90‬دي�س��يبال‪ .‬وف��ي حين �أن �صوت المو�س��يقى المنبعث‬ ‫المفاجئ �أخطر على‬
‫من �آلة ت�س��جيل يبلغ ‪ 70‬دي�س��يبال‪ ،‬ف�إن هذا الرقم يرتفع في‬ ‫التف�سير العلمي‪ ..‬جزئي‬ ‫ال�صعيد النف�سي من‬
‫�ص��وت �آل��ة البيانو �إلى ‪ 78‬دي�س��يبال‪ ،‬وفي حفالت مو�س��يقى‬ ‫من��ذ �أن ت��م ا�س��تنباط الدي�س��يبال ف��ي‬ ‫ال�ضجيج المتوا�صل‪� .‬أما‬
‫الروك �آند الرول «ال�صاخبة» �إلى ‪ 125‬دي�س��يبال‪ .‬وال نن�س��ى‬ ‫ثالثيني��ات الق��رن الما�ضي‪ ،‬كوحدة لقيا���س‬ ‫ال�صوت المرتفع فم�صدر‬
‫الأجهزة الكهربائية المنزلية حيث تبلغ �شدَّة �صوت المكن�سة‬ ‫�ش��دة الأ�ص��وات‪ ،‬طالعتن��ا قيا�س��ات معظ��م‬
‫الكهربائية ‪ 70‬دي�سيبال‪ ،‬والخالط المنزلي ‪ 93‬دي�سيبل‪.‬‬ ‫الأ�ص��وات الت��ي يمكنها �أن تطرب م�س��امعنا‬ ‫قلق وخوف لأنه يرتبط‬
‫�أو ت�صمها‪.‬‬ ‫في الالوعي الإن�ساني‬
‫وانطالق ًا من هذه القيا�سات العلمية الباردة ل�شدة ال�صوت‪،‬‬ ‫بالتهديد‬
‫وبع��د �إ�ضاف��ة مقدم��ة ال تتع��دى ال�س��طر �أو ال�س��طرين ح��ول‬ ‫فف��ي نط��اق الأ�ص��وات الطبيعي��ة ال يتج��اوز‬
‫‪59 58‬‬
‫تق�س��يم الأ�ص��وات بي��ن ما ه��و مرغ��وب �أو مقبول م��ن جهة‪،‬‬ ‫�صوت حفيف الأ�ش��جار بفعل الرياح ‪ 10‬دي�س��يبال‪� ،‬أما �صوت‬
‫وغير مرغوب من جهة ثانية‪ ،‬والتعريف بهذا الأخير على �أنه‬ ‫الرع��د فيتراوح عادة ما بين ‪ 90‬و‪ 100‬دي�س��يبال‪ ،‬ويمكنه �أن‬
‫«ال�ضجيج»‪ ،‬تقول الدرا�سات الكثيرة (الملخ�صة ب�شكل جيد‬ ‫ي�صل �إلى ‪ 120‬دي�سيبال‪.‬‬
‫عل��ى موق��ع المو�س��وعة الإلكتروني��ة «ويكيبيدي��ا»)‪� ،‬إن��ه على‬
‫الم�س��توى النف�س��ي والذهني ي�ؤثر م�س��توى «ال�ضجيج» (دون‬ ‫وفي نطاق الأ�صوات ال�صناعية‪ ،‬تبلغ �ش��دة ال�صوت على بعد‬
‫‪ 60‬دي�س��يبال) على المدى الطويل في ق�ش��رة المخ‪ ،‬ويت�سبب‬ ‫‪86‬‬ ‫خم�س��ين متر ًا من محط��ة لتوليد الطاق��ة الكهروحرارية‬
‫ب�ش��عور من عدم االرتياح الداخلي المرتبط في حجمه بعمر‬ ‫دي�س��يبال‪ ،‬وعل��ى بعد خم�س��ة وع�ش��رين مت��ر ًا ‪ 93‬دي�س��يبال‪،‬‬
‫الإن�س��ان وو�ضعه ال�صحي وطول فترة تعر�ضه لل�ضجيج‪ .‬كما‬ ‫وعل��ى بع��د ‪ 26‬مت��ر ًا م��ن م�صان��ع المبان��ي الجاه��زة ‪96‬‬
‫�أن ال�صوت القوي المفاجئ هو �أخطر على ال�صعيد النف�سي‬ ‫دي�سيبال‪.‬‬
‫م��ن ال�ضجيج المتوا�صل‪� .‬أم��ا ال�صوت المرتفع فم�صدر قلق‬
‫وخ��وف لأن��ه يرتبط في الالوعي الإن�س��اني بالتهديد‪� ،‬س��وا ًء‬
‫�أكان �ص��ادر ًا عن مخاطبة رئي���س لمر�ؤو�س��يه‪� ،‬أم عن حيوان‬ ‫الحداثة‪ ..‬تنتج المزيد من‬
‫الأ�صوات وتتذ َّمر منها‬
‫مفتر�س‪.‬‬

‫وعل��ى م�س��توى الت�أثي��رات الع�صبي��ة والوعائي��ة‪ ،‬ي���ؤدي‬


‫ال�ضجي��ج �إل��ى ا�ضطراب ف��ي التوازن‪ ،‬و�إل��ى ازدياد �ضربات‬
‫القل��ب وت�صل��ب ال�ش��رايين التاجي��ة نتيج��ة القل��ق والتوت��ر‪،‬‬
‫وع�س��ر اله�ض��م ف��ي المعدة‪ ،‬و�إل��ى زيادة ملحوظة ف��ي �إفراز‬
‫الأدرينالي��ن �إل��ى ال��دم م��ع كل م��ا يمك��ن �أن ي���ؤدي ذلك من‬
‫متاعب على �صحة القلب‪.‬‬

‫‪120‬‬ ‫وعل��ى م�س��توى ال�س��مع‪ ،‬فعندم��ا تتجاوز �ش��دة ال�ص��وت‬


‫دي�س��يبال لبع���ض الوق��ت‪ ،‬ت�ص��اب الأذن «بنمنم��ة» تتطل��ب‬
‫مار�س ‪� /‬أبريل ‪2010‬م‬ ‫ال�صوت ونحن‬

‫ال�سكون‪ ..‬هل هو موجود فعالً؟‬

‫الحق ًا �سكون ًا لبع�ض الوقت كي ت�سترد عافيتها‪ ،‬و�إذا تجاوزت الح�سن والمنفِّ ر بين المزاج والبيئة‬
‫�شدَّة ال�صوت ‪ 140‬دي�سيبال‪ ،‬فهو يولِّد �ألم ًا في الأذن و�ضعف ًا كت��ب ابن عبدربه يقول عن ل�س��ان �أطباء زمان‪�« :‬إن ال�صوت‬
‫فوري�� ًا ولكنه م�ؤقت‪� .‬أما �إذا تجاوز ‪ 160‬دي�س��يبال ف�إنه ي�ؤدي الح�س��ن ي�س��ري في الج�س��م ويجري في الع��روق‪ ،‬في�صفو له‬
‫الدم ويرتاح له القلب وته���ش له النف���س‪ ،‬وتفز له الجوارح»‪.‬‬ ‫فور ًا �إلى تلف دائم في الأذن‪.‬‬
‫ولكن ماهو ال�صوت الح�سن؟‬
‫ويمك��ن لدرا�س��ة ذي��ول ما ب��ات يع��رف بالتل��وث ال�صوتي �أن‬
‫تجمع مئات ال�شواهد على �آثاره ال�سلبية ما بين �أثر ال�ضجيج ل��و انطلقن��ا م��ن مَ ثَ��لٍ نعرف��ه جميع�� ًا �أال وه��و ال�ص��وت‬
‫ال�صناع��ي عل��ى المباني وانخفا�ض ن�س��بة �إنت��اج الحليب في الب�ش��ري‪ ،‬لوجدن��ا �أن �أ�ص��وات حفن��ة من النا���س حظيت‬
‫باعت��راف وا�س��ع ن�س��بي ًا ب�أنه��ا ح�س��نة حت��ى �أن بع�ضه��ا‬ ‫الأبقار التي تعي�ش في مزارع قريبة من المطارات‪.‬‬
‫تمكَّ��ن م��ن احت��راف الغناء‪ ..‬وف��ي المقابل هناك �أنا���س‬
‫ولك��ن كل ه��ذه الح�س��ابات الفيزيائي��ة والفيزيولوجي��ة هي‪ ،‬يفتقر �صوتهم �إلى الح�س��ن بحيث �أنهم �إذا حاولوا الغناء‬
‫على �صحتها‪� ،‬أب�س��ط من �أن تعبِّر عن العالقة المعتمدة بين يُ�ضحك��ون �س��خرية منهم �أكث��ر مما يُطرب��ون‪ .‬ومع العلم‬
‫الإن�س��ان وال�ص��وت‪ .‬خا�صة و�أنه‪ ،‬كما �أ�ش��رنا �س��ابقاً‪ ،‬تُعرِّف �أن التميي��ز بي��ن االثني��ن ه��و غالب�� ًا واقع على الم�س��امع‪،‬‬
‫ال�ضجي��ج عل��ى �أنه‪ ،‬لي���س ال�صوت العالي فق��ط‪ ،‬بل ال�صوت �إال �أن العلم عجز عن ا�س��تنباط و�س��ائل قيا���س �أو �أدوات‬
‫العال��ي غي��ر المرغ��وب في��ه‪ .‬وهن��ا بي��ت الق�صي��د‪ .‬فم��ا هو اختبار دقيقة تجعل التمييز ممكن ًا بين ال�صوت الإن�ساني‬
‫الح�سن والآخر القبيح‪ .‬فالم�سالة �إذ ًا هي في جانب منها‬ ‫ال�صوت الذي نرغب فيه‪ ،‬وذاك الذي ننفر منه؟‬
‫موقفنا من ال�صوت ال يعود فقط �إلى قوته‪ ،‬بل‬
‫�إلى المحيط الذي يعلو فيه‬

‫عل��ى حلب��ة �س��باق الدراج��ات‪ ،‬م�ص��در �إث��ارة وت�ش��ويق لدى‬


‫�صف��وف المتفرجي��ن‪ .‬فحُ �س��ن ال�ص��وت و�س��وئه مرتبط��ان‬
‫�إذن بالبيئ��ة الت��ي ي�صدر فيها‪ .‬وكم��ا �أن �أ�صوات المفرقعات‬
‫واالنفجار يمكنها �أن تت�سبب بالهلع والذعر في بلد م�ضطرب‬
‫‪61 60‬‬
‫�أمني��اً‪ ،‬ف���إن الأ�ص��وات نف�س��ها (و�إن كانت �ش��دَّتها �أقل بعدد‬
‫مح��دود ج��د ًا من الدي�س��يبال) هي م�صدر ف��رح للأوالد في‬
‫الألعاب النارية‪.‬‬

‫خطاب ال�صوت �أوالً‬


‫�إن كل م��ا تق��دَّم حت��ى الآن تن��اول ال�صوت بحد ذاته‪ ،‬ولي���س‬
‫الكالم المعبِّر عن خطاب وا�ضح ي�س��تمد م�ضمونه و�أثره من‬ ‫مزاجي��ة مرتبط��ة بعوامل قيا���س نف�س��ية‪ ،‬ولي���س ب�أدوات‬
‫محت��واه بغ�ض النظر ع��ن كونه مرتفع ًا �أو منخف�ضاً‪ ،‬لأنه من‬ ‫قيا�س علمية‪.‬‬
‫الممكن نقل تهديد بالقتل هم�س��اً‪ ،‬كم��ا يمكن �إعالن المودة‬
‫�أو اال�ستح�س��ان �صراخاً‪ ..‬و�س��نبقى في �إطار ال�صوت نف�سه‪،‬‬ ‫ويت�أكد ح�ضور الدور الذي يلعبه المزاج في اختالف مواقف‬
‫ولك��ن �آن الأوان ف��ي �س��ياق تف�س��ير عالقة الإن�س��ان ب�أ�صوات‬ ‫�لا الذي‬
‫النا���س م��ن الأ�ص��وات الواحدة‪ ،‬ف�ص��وت الرعد مث ً‬
‫بيئت��ه اليومية‪ ،‬لأن ن�ش��ير �إلى �أن لكل �ص��وت خطاب ًا �ضمنياً‪،‬‬ ‫يط��رب له البع�ض‪ ،‬قد يثير قلق �آخرين‪ ،‬الأمر نف�س��ه ينطبق‬
‫ق��د يك��ون مبا�ش��ر ًا ووا�ضح ًا وقد يك��ون غام�ض�� ًا ولكنه ي�ؤدي‬ ‫عل��ى �صوت الرياح‪ ،‬وبع�ض �ألوان المو�س��يقى المعا�صرة التي‬
‫وظيفته بو�ضوح‪.‬‬ ‫يرغ��ب المراهقون �س��ماعها ب�أعلى �صوت ممك��ن‪ ،‬ال تختلف‬
‫ف��ي �س��لبية وقعه��ا عل��ى �آذان م��ن ه��م �أكبر �س��ن ًا من �س��لبية‬
‫ف�ص��وت الدرَّاج��ة النارية القوي في ال�ش��ارع‪ ،‬ي�ش��كِّل اعتدا ًء‬ ‫�ضجيج الأدوات ال�صناعية �أو �أبواق ال�سيارات‪.‬‬
‫عل��ى حدي��ث �ش��خ�صين جال�س��ين ف��ي المقه��ى‪ ،‬لأن��ه يجعل‬
‫و�إ�ضاف��ة �إل��ى المزاج‪ ،‬هن��اك عامل البيئة الت��ي ي�صدر فيها ا�س��تماع �أحدهم��ا لحدي��ث الآخ��ر �أم��ر ًا �صعب��اً‪ .‬كم��ا �أنه من‬
‫�ص��وت معيَّ��ن‪� ،‬س��وا ًء �أكان منخف�ض�� ًا �أم مرتفعاً‪ .‬فل��و �أخذنا خ�لال لف��ت نظر المتنزه وحيد ًا في الجوار‪ ،‬وب�ش��كل ق�س��ري‬
‫�ص��وت الدراج��ة الناري��ة القوي جد ًا حتى في �ش��ارع مزدحم �إل��ى م��رور الدرَّاجة النارية بجواره‪ ،‬يكون قد قطع عليه حبل‬
‫بال�س��يارات‪ ،‬لوجدن��ا �أن��ه م�صدر �إزعاج و�ضيق للم�ش��اة على �أفكاره التي كانت ت�شغل ذهنه‪� ،‬أو بعبارة �أخرى‪� ،‬شد اهتمام‬
‫الأر�صف��ة‪� ،‬أو للجال�س��ين في مقهى مج��اور يتبادلون �أطراف ه��ذا الذه��ن م��ن م��كان �إل��ى �آخ��ر‪ .‬ولك��ن ل�ص��وت الدرَّاجة‬
‫الحدي��ث‪ .‬ولك��ن ال�صوت نف�س��ه يفق��د كل �س��لبياته وي�صبح‪ ،‬النارية على حلبة ال�سباق خطاب ًا مختلفاً‪� ،‬إذ ي�صبح في هذه‬
‫مار�س ‪� /‬أبريل ‪2010‬م‬ ‫ال�صوت ونحن‬

‫الحال��ة معب��ر ًا ع��ن الجهد الفائ��ق والمناف�س��ة والطموح �إلى وال�ش��رطة و�أحيان ًا الطائرات �أو القطارات‪ ..‬كل ذلك ي�ستفز‬
‫الفوز والح�ضور الذي ال يقطع �أي حديث وال ي�ش��تت �أي ذهن الإن�سان‪ ،‬لي�س فقط بقوته ال�صوتية‪ ،‬بل لعجزه عن اال�ستماع‬
‫ل��كل خط��اب على ح��دة‪ ،‬فيتحول مجم��ل هذه الأ�ص��وات �إلى‬ ‫لأنه مرتقب‪.‬‬
‫�صوت �ضخم واحد ال معنى له‪ ،‬وال �أثر �إال الأثر ال�سلبي نف�سي ًا‬
‫ولو �أخذنا مث ًال ثاني ًا وهو �ش��خ�ص يزور �أ�صدقاء له ي�س��كنون وفيزيولوجياً‪.‬‬
‫قرب �أحد المطارات‪ ،‬لوجدناه ي�س�أل م�ضيفيه عند مرور �أول‬
‫طائ��رة م��ن فوقه ع��ن م��دى انزعاجهم من حرك��ة الطيران الم�س�ألة الثقافية‬
‫المجاورة‪ ،‬ولكان جواب م�ضيفيه على الأرجح �أنهم �ألفوه ولم واحتواء ال�صوت على خطاب ال يف�سِّ ر فقط تقبل الإن�سان له‬
‫يع��ودوا يكترثون ل��ه‪ .‬ولكن لو كان هذا الزائ��ر من المقيمين �أو نفوره منه‪ ،‬بل يحمل الم�س���ألة من م�ستوى المزاج‪ ،‬لينتقل‬
‫ف��ي قري��ة �صغي��رة بعي��د ًا ع��ن الم��دن وطائراته��ا‪ ،‬لأده�ش��ه بها �إلى بعدها الثقافي‪.‬‬
‫(و�أمتعه) �صوت الطائرة‪ ،‬لأن خطابه في هذه الحال هو عن‬
‫التط��ور والمدنية وال�س��فر �إل��ى �أماكن بعيدة فخطاب ال�صوت الواحد لي���س دائم ًا واحداً‪ .‬ولو �أخذنا عواء‬
‫الذئ��اب مث�لاً‪ ،‬لوجدنا علم الحيوان يف�سِّ ��ره لن��ا على �أنه قد‬ ‫وما �إلى ذلك‪.‬‬ ‫ال�ضو�ضاء لي�ست عملياً‬
‫يكون بحث ًا عن �شريك للتزاوج‪� ،‬أو ندا ًء لباقي الذئاب‪ .‬ولكن‬ ‫وليدة الأ�صوات القوية‬
‫واحت��واء ال�ص��وت عل��ى خط��اب �ضمن��ي هو الم��زارع ال��ذي يرب��ي الدواجن يرى ف��ي هذا الع��واء تهديد ًا‬ ‫بحد ذاتها‪ ،‬بل هي‬
‫وحده ما يف�سِّ ��ر تع��دد المواقف منه وتنوعها مثي��ر ًا للقل��ق‪� ،‬أو �إنذار ًا بوجود عدو في الج��وار‪ ،‬في حين �أن‬ ‫في تداخل خطابات‬
‫ال�ش��اعر يمكنه �أن يُحمِّله �ألف معنى رومان�س��ي ي�أن���س �إليه‪..‬‬ ‫بين اال�ستح�سان واالنزعاج‪.‬‬ ‫مختلفة لأ�صوات‬
‫فالقيمة الحقيقية لل�صوت والتي تجعله م�ستح�س��ن ًا �أو منفر ًا‬
‫فال�ص��وت المزع��ج ه��و ال��ذي يتداخل مع ترتب��ط �أي�ض ًا بالخلفي��ة الثقافية عند الم�س��تمع‪ .‬وهل هناك‬ ‫مختلفة‬
‫�ص��وت ذي خط��اب ن�صغ��ي �إلي��ه‪ .‬ف�صوت غي��ر الخلفي��ة الثقافية ما يجعل ابن القري��ة ال�صغيرة يفرح‬
‫الخ�لاَّط ف��ي المطب��خ ال يثي��ر عن��د م��ن ي�س��تخدمه ردة ل��دى �س��ماعه �ص��وت الطائ��رة‪ ،‬والمراه��ق يتحم���س ل�صوت‬
‫الفع��ل ال�س��لبية الت��ي يثيره��ا عن��د �ش��خ�ص منهم��ك في الدرَّاج��ة النارية‪ ،‬ومتذوق الغناء يطرب ل�صوت من�ش��د �أكثر‬
‫�س��ماع خطاب �آخر عبر الهات��ف‪� ،‬أو من خالل التلفزيون من �صوت من�شد �آخر‪...‬؟‬
‫�أو محادثة مع �شخ�ص �آخر‪ .‬وفي هذا الإطار‪ ،‬ال فرق بين‬
‫نوعية �صوت و�آخر‪� .‬أال يح�صل �أحيان ًا ويطلب �أحدهم من و�إن كان م��ن الممكن‪ ،‬على الم�س��توى االجتماع��ي‪� ،‬أن تعالج‬
‫الآخر �أن يخر���س �صوت الراديو �أو التلفزيون رغم عذوبة م�س���ألة ال�ضو�ض��اء و«التلوث ال�صوتي» بالح���ؤول دون تداخل‬
‫م��ا يبث��ه من �ألح��ان‪ ،‬لأنه يعكر ح��وار ًا �صاخب�� ًا وعنيف ًا �أو الأ�ص��وات حت��ى �أق�ص��ى ح��د ممك��ن‪� ،‬أو عندم��ا يك��ون ذل��ك‬
‫ممكن��اً‪ ،‬فال ت�ش��غِّل ربة المن��زل المكن�س��ة الكهربائية عندما‬ ‫م�شاجرة كالمية؟‬
‫يك��ون زوجها ي�ش��اهد التلفزيون (وي�س��تمع �إليه) على �س��بيل‬
‫�إن «ال�ضو�ض��اء» الت��ي ي�ش��كو منه��ا الكثي��رون‪ ،‬لي�س��ت عملي ًا المث��ال‪ .‬فمم��ا ال �ش��ك في��ه �أن عالمن��ا المعا�ص��ر يزي��د م��ن‬
‫وليدة الأ�صوات القوية التي قد ت�صل بالمقايي�س العلمية �إلى م�ص��ادر الأ�ص��وات م��ن حولن��ا‪ ،‬ويخف��ي بع�ضه��ا الآخر مثل‬
‫�إلحاق الأذى النف�سي والج�سدي بالإن�سان‪ ،‬بل هي في تداخل �أ�ص��وات الطبيع��ة التي تبتع��د م�صادرها عنا يوم�� ًا بعد يوم‪.‬‬
‫�أ�ص��وات ذات خطاب��ات مختلفة تره��ق الذهن ال�س��اعي �إلى ولك��ن ه��ذا ال يب��رر �أب��د ًا التحف��ظ وال�س��لبية ال�ش��ديدة التي‬
‫�س��ماع واحد منها فقط‪ .‬فالمُرهق في الم�صانع‪ ،‬لي���س فقط يواج��ه به��ا ع��ادة كل �صوت مرتف��ع‪� ،‬أو كل �ص��وت �صادر عن‬
‫هدي��ر الآالت والمحركات‪ ،‬ب��ل اال�ضطرار �أحيان ًا �إلى الكالم ن�ش��اط م��ن �صن��ع الإن�س��ان‪ .‬وم��ن ال�س��ذاجة (حت��ى ح��دود‬
‫الخط���أ) تق�س��يم الأ�ص��وات م��ن حولن��ا �إل��ى فئتي��ن واح��دة‬ ‫�صراخ ًا لإ�سماع ال�صوت �إلى الطرف الآخر‪.‬‬
‫مرغوبة و�أخرى منفِّرة‪.‬‬
‫والق�ضي��ة الت��ي تثيره��ا الم��دن الحديث��ة لي�س��ت ف��ي �ش��دَّة‬
‫الأ�صوات التي ت�صدر فيها‪ ،‬مُقا�سة بالدي�سيبال‪ ،‬بقدر ما هي فلك��ي نحاك��م ال�صوت يجب �أن ن�س��معه جيد ًا لكي ندرك‬
‫تعدد م�صادر الأ�صوات المختلفة في الوقت الواحد والمكان عم��ق خطابه وتوقيته ومو�ضعه‪ ..‬وال�س��ماع الجيد‪� ،‬ش��ئنا‬
‫الواح��د‪ ،‬م��ن البي��ت حي��ث يختل��ط الحدي��ث م��ا بي��ن �أفراد �أم �أبين��ا‪ ،‬ال يمكن��ه �أن يك��ون عل��ى �أ�سا���س ثقاف��ي‪ ..‬هذا‬
‫الأ�سرة ب�صوت التلفزيون والمكن�سة الكهربائية‪ ،‬وال�سيارات الأ�سا���س ال��ذي جع��ل الكثيري��ن يحبون �ضو�ض��اء المدن‬
‫العاب��رة في ال�ش��ارع‪ ،‬وبع�ض ما ي�صدر ع��ن بيوت الجيران‪ ..‬ويرونه��ا عل��ى �أنه��ا م��ن عالم��ات الحي��اة ووعيه��م لها‪،‬‬
‫�إل��ى ال�س��احات العام��ة حي��ث �أب��واق ال�س��يارات ومحركاته��ا رغ��م �أن الكثيري��ن يكتفون بذم ه��ذه ال�ضو�ضاء وهم في‬
‫و�ضجيج المارة وور���ش البناء و�صفارات الإ�س��عاف والإطفاء مكاتبهم ال�ساكنة‪.‬‬
‫كلُّ هذا الضجيج الجميل‬
‫تقول كلمات �أغنية للأمريكي المخ�ضرم نيل دايموند ظهرت يحتف��ي دايمون��د بال�ضجيج اليومي المدين��ي بو�صفه �صنيع َة‬
‫ع��ام ‪1976‬م وحظي��ت ب�ش��هرة عالمي��ة‪ ،‬بعن��وان «ال�ضو�ضاء الحي��اة‪ ،‬ب�صفت��ه الحياتي��ة الت��ي ال ب��د منه��ا كتجرب��ة غي��ر‬
‫مف�صوم��ة ع��ن ت�آلفن��ا م��ع الوج��ود‪ ،‬وانغمارن��ا في��ه ك�ش��رط‬ ‫الجميلة»‪:‬‬
‫وجودن��ا‪ .‬ي��ا له��ا م��ن �ضو�ض��اء جميل��ة تل��ك الت��ي تجع��ل‬
‫الإح�سا� َ��س‪� ،‬إح�سا�سَ ��نا‪ ،‬ي�ض��يء‪ .‬ي��ا له��ا من �ضو�ض��اء عذبة‬ ‫«يا لها من �ضو�ضاء جميلة‬
‫��رك �أن الي��ومَ مر�شّ �� ٌح لأن يتك��وّن‪ ،‬و�أن الحي��ا َة �آخذ ٌة في‬
‫تخب َ‬ ‫تعلو في ال�شارع‬
‫الت�ش��كّل المتوق��ع‪ ،‬ذل��ك �أن الحي��ا َة ه��ي مجم��و ُع التوقع��ات‬ ‫تطوي �صوتاً جمي ًال‬
‫والتماثالت والت�شابهات والتواترات والتكرار المنطقي وقدر‬ ‫تحمل �إيقاعاً جمي ًال‬
‫محتمل من المفاج�آت وال�ش��ذوذ المحمود عن ال�سرب وقدر‬
‫�أقل من الالمنطقية‪.‬‬ ‫�إنها �ضو�ضاء جميلة‬
‫تع ّم الأماكن كلّها‬
‫يعل��و ال�ص��وت في هذه الأغني��ة‪ ،‬مع ِبّر ًا عن �ضو�ضائه الآ�س��رة‬ ‫ك�صوت طقطقة عجالت القطار‬
‫بتفا�صيله��ا الم�ش��غولة ف��ي الع��ادي وذل��ك بالتواف��ق م��ع عل�� ّو‬ ‫فوق خط ال�سكة الحديدية‬
‫وتي��رة �ضو�ضاء ال�ش��ارع �أو انهمار �إيحاءاته��ا‪ ،‬محتف ًال بمزيج‬ ‫�إيقاعُها يظ ّل يتلكّ �أ‬
‫الأ�صوات الم�صوغة من غبطة وفرح‪ ،‬و�صياح و�صراخ و�صخب‬
‫وزعيق‪ ،‬وك ّل نوتات ال�ضجيج‪ ،‬م�شكل ًة في مجموعها �سيمفونية‬ ‫هي �ضو�ضاء جميلة‬
‫ه��ي «مو�س��يقى الحي��اة»‪ ،‬تت�س��رّب �إل��ى غرفته‪ ،‬ت�س��تجديه كي‬ ‫وهو �صوت �أع�شقه‬
‫يدوزنها وي�ضبط �إيقاعها كفنّان‪ ،‬ال�ضو�ضاء الجميلة هي فنّه‪.‬‬ ‫حيث ينا�سبني‬ ‫‪63 62‬‬

‫كما تنزلق اليد في القفاز‬


‫ي�ش ِبّه دايموند �ضو�ضاءه المبعثرة في الأماكن ب�صوت طقطقة‬ ‫نعم �إنه كذلك‪ ،‬هو كذلك‪..‬‬
‫عج�لات القط��ار على ال�س��كة الحديدية‪ ،‬وهو �ص��وت قد ي�صحّ‬
‫�أن نترجم��ه �إل��ى ذاك ال�صوت العالق ف��ي الطفولة من القطار‬ ‫يا لها من �ضو�ضاء جميلة‬
‫البعيد‪ ،‬قاهر ال�سِّ ��كك الحديد القديمة‪ ،‬ال�شاقّ بلدات �أوطاننا‬ ‫تعلو من المتنزه‬
‫الغابرة في الذاكرة‪ ،‬ت�شكت�شكت�شكت�شكت�شكت�شكت�شكت�شكت�شكت‬ ‫�إنها �أغنية ه�ؤالء الأطفال‬
‫�شكت�ش��ك‪ ،‬ف�لا تبحّ حنجرت��ه القوية‪ ،‬وتظ ّل طافي��ة في �أ�صايل‬ ‫تظل تعزف حتى الم�ساء‬
‫الطرق��ات‪ ،‬مند�سّ �� ًا ف��ي �ص��رّة الذكري��ات المطويّة ف��ي �أدراج‬ ‫‪.....‬‬
‫القل��ب‪ .‬ف�إذا ما ا�ش��تعل ال�صوت ثاني��ة‪ ،‬ول ْعلَعتْ �ضو�ضاء قطار‬ ‫‪.....‬‬
‫ق��ادم ف��ي الج��وار‪ ،‬قف��ز القل��ب منطلق ًا فوق �س��كّة الم�ش��اعر‪،‬‬ ‫يا لها من �ضو�ضاء جميلة‬
‫مطلق ًا «ت�شكت�شكته» التي توقظ حكايا منوّمة و�أ�صوات ًا م�ؤر�شفة‬ ‫تت�سرب �إلى غرفتي‬
‫لم تفقد �ضجيجها الحي في وجداننا‪.‬‬ ‫تتو�سل �إلي‬
‫وهي ّ‬
‫فقط كي �أدوْزنها‬
‫�إنم��ا نح��ن كائن��ات «مغزول��ون» بال�ضجي��ج! الحي��اة تب��د�أ‬
‫بال�صوت‪ ،‬فنعلن عن بدء دخولنا الوجود ب�صرخة‪ ،‬ب�ضو�ضاء‬
‫متمنّاة‪ ،‬تكون توقيع بدْ ء ال َّنفَ�س الأول‪ ،‬النب�ض الأول‪ ،‬والزمن‬
‫مار�س ‪� /‬أبريل ‪2010‬م‬ ‫ال�صوت ونحن‬

‫الأول ف��ي الحي��اة‪ .‬علين��ا �أن ن�ص��رخ ك��ي نحي��ا‪ ،‬ف���إذا ت�أخر الحل��م ت��ارة والواقع ت��ارة �أخرى في الحي الغا�ص ب�ش��بابيك‬
‫ال�ص��راخ �أو تعطّ ��ل ‪-‬ل�س��بب �أو لآخر‪ -‬تعطّ ل��ت الحياة‪ .‬طيلة مفتوح��ة على الحياة؛ هي �ضو�ضاء جميلة‪ ..‬جميلة؛ ذلك �أن‬
‫طري��ق العم��ر ال�س��ائر‪ ،‬تظ ّل ال�ضو�ض��اء‪� ،‬ضو�ض��اء ال�ضحك الحياة تحيا ب�صوت عالٍ بكل طرقها وطرائقها‪.‬‬
‫و�ضو�ض��اء الب��كاء‪ ،‬تعبيرنا الأبهى‪� ،‬إل��ى �أن نتعلّم �أن نلجمها‬
‫بي��ن �ص��وت و�ص��وت ثمة فرق‪ .‬ه��ذه �ضو�ضاء وتل��ك �ضو�ضاء‬ ‫�أو نقنّنها‪ ،‬نخفّفها من عنفها وعنفوانها‪.‬‬
‫مختلفة تماماً‪ ،‬يا له من فرق!‬
‫�لا ومعنى‪ ،‬تطوّقها‬ ‫�إن ال�ضو�ض��اء حي��اة‪ ،‬وهي تتبع حياتنا ظ ً‬
‫�س��ماءً‪ ،‬ترقّطه��ا نجوم��اً‪ ،‬تلب�س��ها ه��واءً‪ ،‬تع�صف به��ا ريحاً‪� ،‬إن ال�ضو�ض��اء بتجليّاته��ا تنكُ���ش حكايا م�س��ترخية ف��ي الأرواح‬
‫تغ�س��لها مط��راً‪� .‬إذ تُ�شْ ��كَل ال�ضو�ض��ا ُء بالمعن��ى التاريخ��ي الن�ش��طة والبليدة على ح ّد �س��واء‪ ،‬تحفر في الألفة حتى ال تعود‬
‫وال�س��ياقي ال��ذي يحفّزه �صوت بعينه ف��ي قلوبنا الواقفة على تح�ض��ر ف��ي ح�ضوره��ا‪ ،‬لكنه��ا تح�ض��ر جد ًا ف��ي ح��ال غيابها‪.‬‬
‫عندما تتج�ش�أ النهارات �ضو�ضاء محركات ال�سيارة «النع�سانة»‪،‬‬ ‫�أعتاب الذكريات‪.‬‬
‫فتطم���س �أ�صوات الع�صافير اليقظة �إلى حين نعرف �أن الحياة‬
‫نف��رح بال�ضجي��ج وقد ن�أ�س��ى ب�س��بب ال�ضجيج �أي�ض��اً‪ ،‬ال لأنه بد�أت‪ ،‬حتى و�إن لم ت�ؤُلْ �إلى الحياة التي نريد تماماً‪� .‬إذ تتوقف‬
‫يبهجن��ا وي�ؤلمن��ا بالمفهوم الـ«دي�س��بلي»‪ ،‬و�إنم��ا لأنه يبهجنا م�س��جّ لة المقه��ى المج��اور بال�ص��وت المنهك العاب��ر للأزمان‬
‫وي�ؤلمن��ا‪ ،‬وق��د يك�س��رنا‪ ،‬بالمفه��وم «ال�ش��جني» عل��ى اعتب��ار �آخر الم�ساء نعرف �أن الحياة �إلى �أفول‪� ..‬إلى حين‪.‬‬
‫ال�ش��جن وح��دة قيا���س ت�أ�سّ ��ي العاطفة وت�ش��ظّ ي ال��روح‪ ،‬كما‬
‫التئامه��ا‪ .‬فزعي��ق طائ��رة عال��ق بال�س��حاب الواطئ��ة يم��زق الأفول �صمت‪ ،‬وال�صمت �أفول‪ ،‬ونحن �إنما نخ�ش��ى ال�صمت‪،‬‬
‫الج ّو كما يمزق القلب �إذ يقترن بالرحيل والفراق الق�س��ري‪ ،‬ونخ�ش��ى �أكث��ر �ص��وت ال�صمت» كم��ا حذر منه ثنائي��ا الغناء‬
‫تمام�� ًا كم��ا �أن ه��ذا الزعيق – �إذ يقترب – يناغ���ش مواطن الأ�ش��هر ف��ي �س��تينيات الق��رن الما�ضي ب��ول �س��ايمون و�آرت‬
‫القلب التي تت�شوّف عودة غالية وم�شوقة‪ .‬والأغنية ال�صاخبة غارفنكل‪ .‬ففي �أغنيتهما الأيقونية «�صوت ال�صمت» ‪Sound‬‬
‫الت��ي ت�س��تدر دمع��ة هاجع��ة ف��ي �صفح��ة �أخيرة م��ن حكاية‪ – of Silence ،‬الت��ي عرف��ت ال�ش��هرة ف��ي الع��ام ‪1966‬م‬
‫�أو ق��د تر�س��م ابت�س��امة في عي��ون تلهث في �صفح��ات حكاية واعتب��رت م��ن �أب��رز عالم��ات الإنج��از الب�ش��ري الإبداع��ي‬
‫غي��ر م�س��تكملة‪ ،‬ق��د تك��ون ه��ي نف�س��ها الت��ي ُتح��دث توقيع ًا ف��ي الق��رن الع�ش��رين – ي�س��ير �صوت��ا �س��ايمون وغارفن��كل‬
‫ب��ارد ًا مزعج ًا على الأذن‪ ،‬ي�صحّ معه �أن ن�س��د �أ�س��ماعنا عن كالحفيف المرتاب على �إيقاع م�ؤثر‪ ،‬متوج�سيْن من ال�صمت‬
‫المطب��ق في العالم؛ واللحن مع الكلمات من البالغة بحيث‬ ‫«دي�سبيالتها» الموجعة‪.‬‬
‫ي�س��تحيل ال�صم��ت هن��ا �إلى �ص��وت‪ ،‬و�إذ يتنامى في ال�ش��عور‬
‫هي �ضو�ضاء جميلة تلك التي تنثرها عربات نقل �أ�سطوانات – كناي��ة ع��ن غي��اب التوا�ص��ل الب�ش��ري وانح�س��ار �ضو�ضاء‬
‫الغ��از ف��ي بلداتن��ا ال�صاب��رة عل��ى ت��واري �أ�س��باب المدنيّ��ة الم�ش��اعر – ف���إن �ص��وت ال�صمت يبلع الوج��ود‪ .‬وال يفيد �أن‬
‫يق�ض تح��ذر الأغني��ة الب�ش��ر «الحمق��ى» م��ن ال�صمت ال��ذي ينمو‬ ‫الحديث��ة‪ ،‬ت�ش��حط العرب��ات خلفه��ا نفي��ر ًا متوا�ص�لاً‪ّ ،‬‬
‫�سكينة الهواء الم�ستلقي على �أعطاف ال�شرفات الخاملة؛ هو كورم �س��رطاني‪ ،‬فكلمات �س��ايمون وغارفنكل ت�سقطان على‬
‫�إزع��اج جميلٌ‪ ،‬وال �ش��ك‪ ،‬ذاك الذي يجتمع في��ه �صراخ باعة الأ�سماع «المغلقة» كحبات مطر �صامتة‪ ،‬فيتردد �صداها في‬
‫الخ�ضار في ال�شارع مع ال�سيارات المُتداف�شة النزقة و�ضرب �آب��ار ال�صمت‪ ،‬في ت�ش��بيه بالغي يحي��ل ال�صمت – بحق –‬
‫المطارق على �صفائح النحا���س وعزف الأزميل على منحوتة �إلى �ضجيج مرعب!‬
‫جدارية و�أزيز المن�ش��ار الكهربائي على لوح خ�ش��ب وبحّ ة �آلة‬
‫لحْ ��م الحدي��د وهدي��ر ماكينة الخياط��ة الر�ش��يقة في محال �إن الحيا َة ما هي �إال �ضو�ضاء‪ ،‬بنب�ض مُ �ستقى منها‪ ،‬بنب�ض‬
‫ال�س��وق المتج��اورة؛ ه��و �ضجي��ج حميم ذاك ال��ذي يفوح في يفدُ �إليها‪� ...‬إن الحيا َة تخ�شى ال�صمت‪ ،‬لأن ال�صمت �صنو‬
‫ت�ضاعي��ف المطابع القديمة ي�صم الآذان‪ ،‬ومعها رائحة ورق النهاي��ات ورديف الم��وت‪� ...‬إن الحياة �ضجي��ج‪ ،‬و�ضجيج‪،‬‬
‫جدي��د‪ ،‬يزك��م الأنوف؛ هو �صراخ دافئ ل�صبية يكبرون على ومزيد من ال�ضجيج‪ .‬يا لكل هذا ال�ضجيج الجميل‪.‬‬
‫صورة شخصية‬

‫ق��د ال يك��ون الرج��ل نجم��اً بالمفه��وم‬


‫التقلي��دي للكلم��ة‪ ،‬ولكن��ه كذل��ك ف��ي‬
‫عالمه الخا�ص الم�ؤلَف من مكتبة وقرَّاء‬
‫يرتادونه��ا في طلب الكت��ب‪ ،‬ويغادرونها‬
‫وه��م يحملون مع الكت��ب �صداقة ومودة‬
‫للبائ��ع والمثقف والمط��لِّع جيداً دهري‬
‫محم��د خي��ر‪ ،‬الذي ير�س��م لنا ال�ش��اعر‬
‫عبدالرحمن ثامر �صورته ال�شخ�صية‪.‬‬
‫الر�سوم‪ :‬المحترف ال�سعودي ‪ -‬عمر �صبير‬

‫دهــري‪..‬‬
‫ربيب المكتبة و�صديق الق َّراء‬ ‫‪65 64‬‬

‫م�سالك �أخرى» كما يقول دهري‪ ،‬فا�ضطر �إلى‬ ‫عندم��ا تدخ��ل �إل��ى مكتبت��ه‪ ،‬ي�س��تقبلك الطفل و�س��ط عائلة كبيرة م�ؤلفة من �أب و�أم‬
‫قطع درا�سته في مرحلة الماج�ستير‪ ،‬ليخو�ض‬ ‫مبت�س��م ًا وواقف�� ًا بالت�أكي��د‪ .‬وحي��ن تودع��ه وثمانية �أخوة و�أخوات‪.‬‬
‫معت��رك العمل موظف ًا في �أكث��ر من مجال في‬ ‫تكون قد حملت مع��ك بع�ض الكتب و�صورة‬
‫بلده‪� ،‬إلى �أن �س��اقه القدر ف��ي زيارة �أولى �إلى‬ ‫ف��ي ذهن��ك لرج��ل �أ�س��مر مبت�س��م‪ ،‬مطلِّع‪ ،‬كان وال��ده يتك�س��ب م��ن العم��ل الح��ر ال��ذي‬
‫المملكة‪ ،‬حيث و�ضع��ه �أمام منعطف مختلف‪،‬‬ ‫وجدي��ر بالثق��ة‪ .‬هك��ذا ه��و ده��ري ال��ذي �أمَّ��ن اال�س��تقرار والعي���ش الكري��م لأ�س��رته‪.‬‬
‫انتهى به في �أح�ضان المكتبة‪.‬‬ ‫�س��اقه الق��در م��ن «الخرط��وم بح��ري» �إلى غير �أن هناء العي�ش تعكَّر بق�سوة عندما كان‬
‫العم��ل منذ اثنتي ع�ش��رة �س��نة بي��ن رفوف ده��ري ف��ي الثامن��ة من عم��ره و�أ�صب��ح يتيم‬
‫بين �أحالم الطفولة وعالم الكبار‬ ‫الكتب وكرا�سي القراءة في �إحدى مكتبات الأم‪ .‬الأم��ر ال��ذي زاده تقرب ًا من �أبيه‪ ،‬ودفع‬
‫يق��ول ده��ري �إن��ه كان يحل��م ف��ي طفولت��ه‬ ‫مدين��ة الخب��ر‪ ،‬ف�أ�صب��ح �صديق�� ًا حقيقي�� ًا ب�أخواته ال�س��ت الأكبر منه �س��ن ًا �إلى �إحاطته‬
‫ب���أن ي�صب��ح كابتن طائ��رة‪ ،‬يقطع م�س��افات‬ ‫للكتاب والورقة والقلم‪ ،‬كما هو �صديق لكل بمزيد من العطف والرعاية‪.‬‬
‫الأر���ض‪ ،‬ويتوق��ف لال�س��تراحة ف��ي مطارات‬ ‫من يزوره بين كتبه حتى ولو كان ذلك لأول‬
‫العال��م‪ ،‬يهب��ط من الطائ��رة ببذل��ة الكابتن‬ ‫تاب��ع ده��ري درا�س��ته بتف��وق دائم ف��ي مدينة‬ ‫مرة‪.‬‬
‫ويقطع �ساحة المطار ببذلة الكابتن‪ ،‬ويدخل‬ ‫الخرط��وم بح��ري‪ .‬وبع��د انته��اء المرحل��ة‬
‫على عائلته فج�أة‪ ،‬ببذلة الكابتن‪.‬‬ ‫الثانوي��ة‪ ,‬انتق��ل بطموح��ه �إل��ى �أم درم��ان‬ ‫من الطفولة �إلى م�شارف‬
‫لينت�س��ب �إل��ى جامعته��ا الأهلي��ة �س��عي ًا �إل��ى‬ ‫الماج�ستير‬
‫وي�ضيف‪« :‬لم تجرِ الأمور كما كنت �أ�ش��تهي‪..‬‬ ‫في الثالثين من �شهر دي�سمبر عام ‪1965‬م‪ ،‬التخ�ص�ص في اللغة العربية‪ .‬وهناك �أي�ض ًا لم‬
‫فم��ع الأيام ازددت حب�� ًا للغ��ة العربية‪ .‬وكان‬ ‫ا�ستب�ش��رت عائل��ة ال�ش��يخ ط��ه محم��د ف��ي يفارقه التفوق‪ .‬غير �أن «الحياة تجبرنا �أحيان ًا‬
‫زوج �أخت��ي ملحق�� ًا ثقافي�� ًا ومقدِّ م�� ًا لبرنامج‬ ‫ال�س��ودان ب��والدة �آخر �أبنائها‪ :‬دهري‪ .‬ون�ش���أ على �أن نتخلى عن اختياراتنا و�أن ننعطف في‬
‫مار�س ‪� /‬أبريل ‪2010‬م‬

‫الت�أثي��ر عندم��ا ب��د�أت عمل��ي ف��ي المكتب��ة‪.‬‬ ‫الحديث عن كتاب معيَّن‪ ،‬بدت لك معرفته‬ ‫ثقاف��ي ف��ي التلفزي��ون‪ ،‬وق��د �أثَّر كثي��ر ًا على‬
‫فق��د قابل��ت �أنا�س�� ًا من طبق��ات وم�س��تويات‬ ‫وا�س��عة ومفي��دة ل��ك‪ .‬وفيما ي��روح يحدثك‬ ‫توجهي الدرا�سي الحقاً»‪.‬‬
‫ال تع��د وال تح�صى‪� .‬إذ �أ�س��تقبل هنا �أ�س��اتذة‬ ‫ع��ن محت��وى الكت��اب �أو عن �إ�ص��دار جديد‬
‫ومثقفين وم�س���ؤولين وب�س��طاء و�آباء و�أمهات‬ ‫مرتق��ب‪� ،‬أو ي��رد عل��ى �أ�س��ئلتك الت��ي مهما‬ ‫وال يبدو على دهري كبير �أ�سف للتحول الذي‬
‫و�أطف��ال‪ ..‬وب��كل �صراح��ة‪� ،‬أ�صبحت ب�س��بب‬ ‫كث��رت‪ ،‬ف�إنها تبقى دائم�� ًا مو�ضع ترحيبه‪،‬‬ ‫فر�ض��ه الواق��ع على �أح�لام الطفول��ة‪� .‬إذ �إن‬
‫ذلك �أقرب �إلى االلتزام النف�س��ي والأخالقي‬ ‫ال بد و�أن تترك رقته في الكالم وابت�سامته‬ ‫عالقت��ه بالكتاب انقلبت �ش��غف ًا تج��اوز الأثر‬
‫واالجتماعي‪ ،‬وتغيَّرت حياتي كثيراً»‪.‬‬ ‫الدائم��ة �أثره��ا في نف�س��ك‪ ،‬فتجد نف�س��ك‬ ‫الذي تركه في نف�سه قريبة المثقف‪ ،‬و�أ�صبح‬
‫تتعام��ل مع��ه ك�صديق مثق��ف ومطلع‪� ،‬أكثر‬ ‫العي���ش م��ع الكت��اب ف��ي المكتبة نم��ط حياة‬
‫الكتاب حتى في البيت‬ ‫بكثير مما هو بائع‪.‬‬ ‫ممتع ًا بالن�سبة له‪.‬‬
‫تغيَّ��رت حي��اة ده��ري كثي��راً‪ ،‬ولكنه��ا قائم��ة‬
‫على ثوابت ال تتزعزع‪ .‬ف�إلى جانب انغما�س��ه‬ ‫بادرن��اه بال�س���ؤال‪« :‬ه��ل تعل��م ي��ا ده��ري‬ ‫ل��م يخط��ر ببال��ه �أب��د ًا �أن يعم��ل يوم�� ًا ف��ي‬
‫حت��ى الغرق ف��ي عالم الكتاب خ�لال وجوده‬ ‫�أن��ك �صدي��ق محتم��ل ل��كل م��ن يق�ص��د م��ن‬ ‫مكتب��ة‪ .‬فما ق��اده �إلى هذا العم��ل هو بحثه‬
‫ف��ي م��كان عمل��ه‪ ،‬ف���إن الرج��ل ال��ذي جعلته‬ ‫مكتبت��ك؟»‪ .‬ف�أج��اب بع��د فت��رة �صم��ت على‬ ‫ع��ن لقم��ة العي���ش ال�ش��ريفة‪ .‬ولكن��ه وج��د‬
‫الظ��روف يق��دِّ ر قيم��ة الحي��اة العائلي��ة منذ‬ ‫طريقة �أهل النيل‪�« :‬أعي�ش حياتي بال �أعداء‪.‬‬ ‫و�س��ط الكت��ب عالم�� ًا رائع ًا جعل��ه يتعلق بها‬
‫نعوم��ة �أظف��اره‪ ،‬حري���ص على �إحاط��ة ابنته‬ ‫�أن��ا قري��ب جد ًا من ال�صداق��ة ومنفتح عليها‬ ‫�إل��ى حد التعام��ل معها وقوف��اً‪ .‬فيقول‪« :‬كل‬
‫�ش��هد وابني��ه محم��د وخال��د ب��كل االهتم��ام‬ ‫وم�ستعد دائم ًا لها‪ .‬و�أعامل الجميع على هذا‬ ‫ي��وم �أح��ب الكت��ب والمكتب��ات �أكث��ر‪ ،‬حت��ى‬
‫والعط��ف اللذي��ن يع��رف قيمتهم��ا وقدرهما‬ ‫الأ�سا�س»‪.‬‬ ‫الوقوف الطوي��ل �أحببته‪ ،‬و�أ�صبحت �أتجنب‬
‫منذ �أن كان طف ًال بمثل �أعمارهم‪.‬‬ ‫الجلو���س‪ ،‬وحت��ى ف��ي المن��زل �أتعام��ل م��ع‬
‫وم��ن يم�ض��ي بع���ض الوق��ت م��ع ده��ري ف��ي‬ ‫الكتب وقوفاً»‪.‬‬
‫ويطي��ب لده��ري �أن يحدث��ك‪ ،‬وق��د �أ�صبحت‬ ‫مكتبت��ه‪ ،‬يالح��ظ بالفع��ل م��دى قرب��ه م��ن‬
‫�صديق��ه‪ ،‬ع��ن �أبنائ��ه‪ .‬فيت��وزع حديث��ه عل��ى‬ ‫�س���ألناه وه��و يرتِّب الكتب عل��ى الرف خلفه‪ :‬الزبائ��ن‪ ،‬الذي��ن ن��ادر ًا م��ا يتحدث��ون �إلي��ه‬
‫جانبي��ن‪ :‬م��دى تعلق��ه به��م‪ ،‬وحر�ص��ه عل��ى‬ ‫«ه��ل يمك��ن �أن يمر يوم م��ن دون �أن تقر�أ؟»‪ .‬بطريق��ة ر�س��مية‪� .‬إذ يب��دو عل��ى معظمه��م‬
‫�أن يب��ث فيه��م روح العلم وحب الدرا�س��ة كي‬ ‫ف�أج��اب به��دوء وثق��ة‪« :‬م��ن دون مبالغ��ة �أنه��م يعرفون��ه منذ زم��ن طوي��ل‪ ،‬وتجمعهم‬
‫ي�صلوا �إلى �أعلى الم�س��تويات في درا�ساتهم‪،‬‬ ‫�أ�ؤك��د ل��ك �أنه قد ال يم��ر كت��اب بمكتبتي من �إليه الألفة وال�صداقة ال�شخ�صية‪ .‬فكثير ًا ما‬
‫وليحققوا ماعجز هو عن تحقيقه‪.‬‬ ‫دون قراءت��ه �أو االط�لاع جي��د ًا عليه‪ .‬تعودت ت�س��مع و�أنت تت�صف��ح عناوين الكت��ب‪� ،‬صوت ًا‬
‫الق��راءة بحي��ث ب��ات ي�صع��ب عل��يَّ التوق��ف م��ن خلف��ك يقول‪« :‬ال�س�لام عليك��م‪ ..‬كيفك‬
‫وبالن�س��بة للرج��ل‪ ،‬فالم�س��افة الفا�صل��ة‬ ‫عنه��ا‪ .‬وال �أتخيل مرور يوم عليَّ دون �أن �أقر�أ ي��ا ده��ري؟»‪« ،‬ال�س�لام عليك��م ي��ا بو�ش��هد‪،‬‬
‫مابين �ش��غفه بالكتاب ف��ي مكتبته‪ ،‬والمكانة‬ ‫ب�ش��رني عن��ك وع��ن الأوالد»‪« ،‬م�س��اء الخير‬ ‫ولو �صفحات قليلة»‪.‬‬
‫الكبي��رة الت��ي تحتله��ا عائلت��ه ف��ي نف�س��ه‪،‬‬ ‫ده��ري‪ ..‬كيف��ك وكي��ف الأه��ل؟» و�أي�ض�� ًا‬
‫لي�ست كبيرة على الإطالق‪ .‬ف�ضمن اهتمامه‬ ‫«مرحب ًا يا زول‪ ..‬لك وح�شة»‪.‬‬ ‫�صديق القرَّاء‬
‫ال�ش��ديد ب�أبنائه وبتربيتهم‪ ،‬يح�ضر الكتاب‪،‬‬ ‫عندما تكون مع دهري في مكتبته‪ ،‬يمكنك‬
‫والت�شجيع على القراءة‪.‬‬ ‫�أن تلح��ظ ب�س��رعة �أن��ه مختلف عمَّ��ا �ألفته ويت�أثر كما ي�ؤثِّ ر‬
‫في باع��ة الكتب الذي��ن يكتفون ب�إر�ش��ادك هك��ذا و�ضعت الأيام دهري في محطة رائعة‬
‫والكت��اب ف��ي بي��ت ده��ري لي���س فق��ط مادة‬ ‫�إل��ى الجناح ال��ذي قد تجد فيه م��ا تطلبه‪ .‬يلتق��ي فيه��ا بعقول كثيرة لي�س��ت ذات �ش��كل‬
‫تثقيف وتربية للأوالد‪ ،‬وال هو �أي�ض ًا لقراءاته‬ ‫فالرج��ل يع��رف كل كت��اب ف��ي مكتبت��ه‪ :‬واح��د‪ ،‬وال من فئ��ة عمرية واحدة وال جن���س‬
‫كلم��ا �أمكن��ه ذل��ك‪ ،‬ب��ل ه��و �أي�ض�� ًا رم��ز راق‬ ‫مكان��ه‪ ،‬مو�ضوع��ه‪ ،‬محت��واه‪ ،‬وف��ي �أحي��ان واح��د‪ .‬وكم��ا يت��رك الرجل �أث��ر ًا عميق�� ًا في‬
‫و�أنيق وفريد من نوعه لح�سن �ضيافة الرجل‬ ‫كثيرة يعرف كتب�� ًا �أخرى تناولت المو�ضوع كل م��ن يمر بمكتبته‪ ،‬فهو يت�أث��ر بدوره بهم‪.‬‬
‫ال��ذي يقول‪« :‬كل من يزورني في بيتي �أهديه‬ ‫نف�س��ه ولكنه��ا غي��ر موج��ودة عن��ده‪ ..‬و�إذا ويق��ول م�س��ترجع ًا مواق��ف عدي��دة‪�« :‬أت�أث��ر‬
‫كتاباً»‪.‬‬ ‫اقت�ض��ى الأم��ر وتبادل��ت و�إي��اه �أط��راف كثي��ر ًا بزبائن��ي‪ .‬ول��م �أك��ن �أتوق��ع مث��ل هذا‬
‫القصة‬ ‫‪67 66‬‬

‫القصيرة جدا‬
‫الثقافة واألدب‬
‫من التبعيّ ة نحو اال�ستقالل‬
‫ارن�ست همنغواي‪ ..‬كاتب ق�صة‬
‫ق�صيرة جداً �أي�ضاً‬
‫مار�س ‪� /‬أبريل ‪2010‬م‬

‫كان يفتر���ض بال�س��نوات التي انق�ض��ت على �إطاللة الق�ص��ة الق�صيرة جداً‬
‫كمذه��ب جدي��د ومختل��ف عل��ى ال�س��احة الأدبي��ة العربي��ة �أن تك��ون كافي��ة‬
‫للتعريف بها وتر�سيخ مكانتها �أو �إ�شاحة النظر عنها‪ .‬ولكن مقابل الدرا�سات‬
‫المع��دودة الت��ي �صدرت عن الق�صة الق�صيرة ج��داً والتي توجهت بالدرجة‬
‫الأولى �إلى المخت�صين‪ ،‬يبدو �أن ق�صر الق�صة الق�صيرة جداً انعك���س على‬
‫الكتابات التي تناولتها‪ ،‬فاقت�صرت في معظمها على الدفاع عنها �أو نقدها‬
‫انطالقاً من �أحكام مقولبة �سلفاً‪.‬‬
‫الناق��د ولي��د �أب��و بكر يتن��اول هنا ماهي��ة الق�صة الق�صيرة ج��داً من خالل‬
‫تناول��ه بالنقا���ش والتحلي��ل العنا�صر التي تميزها عن الق�ص��ة‪ ،‬ت�أكيداً على‬
‫حقه��ا في �أن تحظى باالعتراف با�س��تقاللها الكامل �ضم��ن الألوان الأدبية‬
‫الأخرى‪ ،‬والق�ص�صية منها ب�شكل خا�ص‪.‬‬

‫كتب الروائي �آرن�ست همنغواي ق�صة من �ست كلمات‪ ،‬اعتبرها �أف�ضل �أعماله ال ي�س��تطيعون ا�س��تيعاب ما يخرج على �س��ننِهم التي تت�صف‬
‫بالثبات‪ ،‬لينا�صبوه العداء‪ ،‬وي�صفوه بما ال يليق بالفن‪.‬‬ ‫على الإطالق‪ .‬تقول الق�صة‪« :‬للبيع‪ :‬حذاء طفل‪ ،‬لم يرتدِه �أحد»‪.‬‬

‫�إن النم��اذج الناجح��ة له��ذا الن��وع م��ن ال�س��رد الق�ص�ص��ي‪ ،‬نحو تحديدها �أوالً‬
‫الق�ص��ة الق�صي��رة ج��داً‪ ،‬كف��ن كتاب��ي جدي��د‪ ،‬تتعرَّ���ض لما‬ ‫عل��ى قلّته��ا‪ ،‬والمح��اوالت النقدي��ة الج��ادة الت��ي �أرادت �أن‬
‫تعرَّ�ض��ت له االنطالقتان الأدبيتان ال�س��ابقتان‪ ،‬لأن كل ن�ص‬ ‫ت�صل �إلى تقنين له‪ ،‬على ندرتِها‪ ،‬ت�س��تطيع �أن تت�س��امى فوق‬
‫جدي��د‪ ،‬كم��ا يق��ول يوجين �أوني�س��كو‪ ،‬ه��و عدائ��ي‪« .‬العدائية‬ ‫غي��اب الجدي��ة عن كثي��ر مما يكت��ب من ق�ص���ص ومن نقد‪،‬‬
‫تمتزج بالأ�صالة‪ ،‬وهي تقلق ما اعتاد عليه النا�س من �أفكار»‪.‬‬ ‫وخ�صو�ص��اً‪ ،‬وف��ي الحالتي��ن مع��اً‪ ،‬م��ا تمتل��ئ به الم�س��احات‬
‫كم��ا �أن غلب��ة االدع��اء جع��ل كثيري��ن مم��ن مار�س��وا الفنون‬ ‫الإلكترونية التي تتحرّك من دون �ضوابط‪.‬‬
‫ال�س��ردية الأخ��رى بنجاح‪ ،‬ينظ��رون �إلى ه��ذه الق�صة نظرة‬
‫ا�س��تخفاف‪� ،‬أو عل��ى الأق��ل نظ��رة تراه��ا ج��زء ًا قا�ص��ر ًا من‬
‫كل ذل��ك يذكِّ��ر ب���أن النم��اذج الناجح��ة ف��ي �أي ف��ن كتاب��ي‬
‫كتابة الق�صة التي تعوَّدوا عليها‪ ،‬وهي بذلك نظرة ال تعترف‬ ‫جدي��د‪ ،‬دائم ًا ما تكون قليل��ة‪ ،‬لأن الذين يدَّعون القدرة على‬
‫بوج��ود م�س��تقل لها‪ ،‬كفن كتابي‪ ،‬بينم��ا يراها �آخرون مجرد‬ ‫الكتاب��ة‪ ،‬والذي��ن ي�ست�س��هلون التط��اول عل��ى م��ا ه��و جديد‪،‬‬
‫طرفة يت�سلى بها عديمو الموهبة‪.‬‬ ‫لأن��ه تخلّ�ص من بع�ض القواعد القديمة‪ ،‬قبل �أن ير�س��و على‬
‫قواع��ده‪ ،‬م��ن فن��ون تو�ص��ف ب�أنه��ا �س��هلة ممتنعة‪ ،‬ي�ش��كِّلون‬
‫الن�س��بة الغالبة بين من يكتبون‪ .‬وهي ن�س��بة ت�سيء �إلى النوع م��ا يق��ف �إلى جانب م�س��تقبل الق�ص��ة الق�صيرة ج��داً‪ ،‬كما‬
‫الأدب��ي‪ ،‬وتنج��ح فقط ف��ي �أن تجنِّد �ض��دَّه محاربين قدامى‪ ،‬ي��رى م��ن ي�ؤم��ن با�س��تقالليتها‪� ،‬أم��ران‪ :‬الأول ه��و توال��ي‬
‫يعت��رف ب��ه كتَّ��اب ق�صة ب��ارزون‪ ،‬ويمار�س��ونه بنج��اح كبير‪،‬‬ ‫النم��اذج الجي��دة‪ ،‬والنق��د الذي يدر�س��ها بجدي��ة‪ ،‬والثاني‬
‫م��ن �أمث��ال محمود �ش��قير وزكريا تام��ر‪ ،‬و�أع��داد كبيرة من‬ ‫ه��و �أن ك َتّاب ًا كبار ًا مار�س��وا كتابتها منذ زمن‪ ،‬واعتبروا من‬
‫الكتَّاب العرب الذين ما زالت �ش��هرتهم داخل بالدهم (كما‬ ‫ر َوّاده��ا‪� ،‬أغروا ك َتّاب�� ًا �آخرين بكتابة ما يلف��ت النظر منها‪،‬‬
‫في المغرب والمملكة العربية ال�س��عودية و�س��وريا على �س��بيل‬ ‫�إل��ى الح��د ال��ذي ر�أى بع���ض م��ن يتابعونه��ا‪ ،‬مث��ل الدكت��ور‬
‫المثال)‪� ،‬إ�ضافة �إلى �أعداد هائلة من كتّاب اللغات الأخرى‪،‬‬ ‫ح�س��ين المنا�ص��رة‪� ،‬أنه��ا «الكتاب��ة العلي��ا �إل��ى ح��د م��ا في‬
‫وخ�صو�ص ًا في �أمريكا الالتينية‪.‬‬ ‫المج��ال ال�س��ردي‪ ... ،‬و�أن كتابتها قد تبدو‬
‫�أ�صعب من الرواية التي تت�س��ع لعالم �شا�سع‬ ‫الق�صة الق�صيرة جداً‬
‫ومع �أن الق�صة (الق�صيرة)‪ ،‬الحديثة في الفن ن�سبياً‪ ،‬والتي‬ ‫من اللغ��ات والأ�صوات والأح��داث‪ ،‬و�أ�صعب‬ ‫هي خال�صة لتجربة‬
‫�أخذت معظم قواعدها من النماذج الغربية‪ ،‬هي �أقرب فنون‬ ‫من الق�صة الق�صيرة التي قد تقبل التطويل‬ ‫�سردية ال بد و�أن ي�سبقها‬
‫الكتاب��ة �إل��ى الق�صة الق�صيرة جداً‪ ،‬وم��ع �أن هناك من يرى‬ ‫واال�س��تطراد والح��وارات‪� .‬أم��ا الق�ص��ة‬ ‫باع طويل في كتابة كل‬
‫�أنه��ا ق�ص��ة ق�صيرة‪ ،‬لكنها تبالغ في ق�صره��ا‪ ،‬دون �أن تفقد‬ ‫الق�صيرة جد ًا فهي خال�صة لتجربة �سردية‬ ‫من الرواية والق�صة‬
‫مقوم��ات الق�ص��ة العادية‪� ،‬إال �أن بع���ض الباحثين‪ ،‬ومن باب‬ ‫ال بد و�أن ي�سبقها باع طويل في كتابة كل من‬ ‫الق�صيرة �أو �إحداهما‬
‫م��ا يطلق��ون عليه محاول��ة الت�أ�صيل‪ ،‬ذهبوا �إل��ى التراث بكل‬ ‫الرواية والق�صة الق�صيرة �أو �إحداهما على‬
‫ق��وة‪ ،‬ووجدوا له��ذه الق�صة جذور ًا عميق��ة‪ ،‬كما هي حالتهم‬ ‫الأق��ل‪ ،‬بحي��ث تغدو ه��ذه الكتاب��ة ذات �آلية‬ ‫على الأقل‬
‫في كل فن كتابي‪.‬‬ ‫جمالي��ة‪ ،‬مركزها المغامرة والتجريب وفق‬
‫ر�ؤى �إبداعية متمكنة و�أ�صيلة في فن ال�سرد‪ ،‬ال ر�ؤى مبتدئة‬
‫ربم��ا كان ذل��ك مدخله��م �إل��ى الحدي��ث ع��ن ن�ش���أة الق�ص��ة‬ ‫وم�ست�س��هلة لهذه الكتاب��ة الإبداعية �أو غيره��ا»‪ ،‬كما �أ�صبح‬
‫الق�صي��رة ج��د ًا وع��ن ريادته��ا‪ ،‬م��ع �أن المو�ضوع كل��ه ال يُعد‬ ‫هن��اك من يعتقد‪ ،‬ف��ي بالد و�صلت تجربة هذه الكتابة فيها‬
‫ق�ضي��ة مركزي��ة‪ ،‬ب�س��بب تع��دد الآراء في��ه‪ ،‬و�إن كان يمك��ن‬ ‫م�ستوى عالي ًا من الن�ضج‪� ،‬أنه «عندما يعتاد المرء على هذا‬
‫الحدي��ث ع��ن زخمه ب��دء ًا من �س��بعينيات القرن الع�ش��رين‪،‬‬ ‫ال�شكل‪� ،‬سيجد �أنه من ال�صعب جد ًا �أن يتخلى عنه»‪.‬‬
‫ومحاوالت تقنينه بعد ذلك بعقدين‪.‬‬
‫�أما عربياً‪ ،‬ف�إن الق�ص�ص الناجحة في هذه االنطالقة الأدبية‬
‫الأخرى‪ ،‬يمكنها �أن ت�ؤكد وجود هذا النوع من الكتابة‪ ،‬الذي هذا التوا�ضع العام على الت�سمية يوحي ب�أننا نتوقف �أمام فن‬ ‫‪69 68‬‬
‫عربي �أ�صيل‪ ،‬خ�صو�ص ًا و�أن االتفاق على الت�سمية في اللغات‬
‫الأجنبية ال يزال بعيد المنال‪ ،‬حتى و�إن وجد ر�أي عام ي�شير‬
‫�إلى �أنه ين�ضوي تحت ما ي�سمى «�أدب ال�صدمة»‪ .‬مع �أن بع�ض‬
‫قدم��ت تنظي��ر ًا للق�صة الق�صيرة جداً‪ ،‬ن�ش��رت‬
‫الكت��ب التي َّ‬
‫قب��ل منت�صف القرن الما�ض��ي‪ ،‬مثل كتاب «‪Writing Short‬‬
‫‪ »Stories‬ال��ذي �ص��در في الوالي��ات المتح��دة الأمريكية في‬
‫العام ‪1945‬م‪ ،‬وا�شترك في ت�أليفه ت�سعة من النقاد‪ ،‬ون�شرت‬
‫له ترجمة في بغداد في العام ‪1987‬م‪ ،‬قام بها قا�س��م �س��عد‬
‫الدين‪� ،‬ضمن �سل�س��لة «المو�س��وعة ال�صغيرة»‪ ،‬وتحت عنوان‬
‫«فن كتابة الأق�صو�صة»‪.‬‬

‫وم��ع وج��ود ن��وع م��ن التواط���ؤ النقدي ال��ذي ي��رى �أن كل فن‬
‫�إبداع��ي ي��كاد ي�س��تع�صي عل��ى التعري��ف‪� ،‬إال �أن مح��اوالت‬
‫كثي��رة‪ ،‬حاول��ت تعري��ف الق�ص��ة الق�صي��رة ج��داً‪ ،‬م��ن باب‬
‫العب��ث في كثير من الأوقات‪ ،‬والتقاليد البحثية الجامدة في‬
‫�أوقات �أخرى‪ ،‬لتكون النتائج الجادة �أقرب �إلى الو�صف منها‬
‫مار�س ‪� /‬أبريل ‪2010‬م‬ ‫الق�صة الق�صيرة جداً‬

‫محمود �شقير وزكريا تامر‬

‫�أو �أن الق�ص��ة الق�صي��رة ج��د ًا ول��دت م��ن رح��م �س��ابقتها‪،‬‬ ‫�إلى التعريف المنطقي الجامع المانع‪ ،‬لأن حرية الإبداع‪ ،‬في‬
‫وعل��ى �أي��دي م��ن نجحوا في مو�ض��وع الق�ص تحدي��داً‪ ،‬منذ‬ ‫المقام الأول‪ ،‬ال تخ�ضع لأية قواعد ثابتة‪.‬‬
‫البدايات‪ ،‬و�أن اال�ستقالل المفتر�ض للنوع الجديد عن النوع‬
‫ال�س��ابق ي�س��تلزم محاول��ة للتوجه �إلى طريق مختلف ي�ش��قه‬ ‫�لا م��ن و�ص��ف الق�ص��ة الق�صي��رة ج��د ًا ب�أنه��ا‬
‫هن��اك مث ً‬
‫ه��ذا النوع‪ ،‬الذي ي�ضع من��ذ البداية حدود ًا للطول‪ ،‬لم تكن‬ ‫«بب�س��اطة‪ ،‬ق�ص��ة ت�ص��ل �إلى هدفه��ا دون �إه��دار للكلمات»‬
‫موج��ودة ف��ي ال�س��ابق‪ ،‬وهي ح��دود حاول بع���ض المنظرين‬ ‫كم��ا يق��ول �إريك برغ��ر‪ ،‬فعرَّفه��ا ب�أنها ق�ص��ة؛ وهناك من‬
‫م��ن ناحي��ة �ش��كلية‪ ،‬كما ه��ي عادته��م‪� ،‬أن يح�س��بوها بعدد‬ ‫اعتبرها‪ ،‬مثل الدكتور المنا�صرة‪ ،‬ق�صة ق�صيرة مخت�صرة‬
‫الكلم��ات‪ ،‬الأم��ر ال��ذي يتعار�ض مع الفن‪ ،‬ال��ذي يتط َلّع �إلى‬ ‫ت�ص��ل �إل��ى نهاية مده�ش��ة ف��ي الغال��ب‪� ،‬أو ذك��ر بكثير من‬
‫�شروطها الأخرى‪.‬‬ ‫الغمو���ض �أنه��ا «بنية �س��ردية بال�ض��رورة �أوالً‪ ...‬غير قابلة‬
‫للت�أطي��ر الجمال��ي ال�س��ردي (العنا�صر الفنية لل�س��رد)‪...‬‬
‫ينطل��ق النقد التقلي��دي في الق�صة (الق�صي��رة) من النظر‬ ‫يت�ش��كل وجوده��ا من خ�لال ن�صو�صه��ا»‪ ،‬وكل ذل��ك يخرج‬
‫�إلى عملية ال�س��رد‪ ،‬في مراحلها الأ�سا�س��ية الثالث‪ :‬البداية‪،‬‬ ‫عن طبيعة التعريف‪ ،‬لأنه ي�ش��تق ذاته مما هو معرَّف �أ�ص ًال‬
‫وال��ذروة (�أو القم��ة)‪ ،‬والنهاي��ة‪ ،‬وهو �أمر مت�ص��ل ب�صيرورة‬ ‫(الق�ص��ة ه��ي ق�ص��ة) �أو م��ن النف��ي (غي��ر قابل��ة) �أو من‬
‫الأح��داث ف��ي الق�ص��ة‪� ،‬أو تطوره��ا‪� ،‬أو م��ا ي�س��مى بحرك��ة‬ ‫الغمو���ض‪ ،‬وهي كله��ا �صفات تتعار�ض مع التعريف‪ .‬ولذلك‬
‫الحبك��ة فيه��ا �إل��ى الأم��ام‪ ،‬حين ت�ص��ل �إلى المتلق��ي‪ ،‬فيعيد‬ ‫ف���إن ه��ذه المقال��ة تعمد �إل��ى التو�صل �إلى ال�ص��ورة العامة‬
‫ترتيبه��ا زمني�� ًا ف��ي الذه��ن‪ ،‬م��ن دون �أن يعن��ي ذل��ك �إلزام‬ ‫للق�ص��ة م��ن خ�لال التناق�ض م��ع التعري��ف المنطقي غير‬
‫الكتابة نف�سها بهذا الترتيب‪.‬‬ ‫المج��دي‪ ،‬بالتركيز �أ�سا�س�� ًا على نفي ال�س��مات التي ال تُعد‬
‫�أم��ر ًا يخ���ص هذا النوع من ال�س��رد‪ ،‬وتثبيت ال�س��مات التي‬
‫ولأن االفترا���ض الأول �س��يرى �أن الق�ص��ة الق�صي��رة ج��د ًا‬ ‫ال بد و�أن تلحق به‪� ،‬أو �أن ينفرد بها‪.‬‬
‫خرج��ت م��ن رحم الق�صة الق�صيرة �إل��ى حد كبير‪ ،‬فهي من‬
‫ناحية ال�شكل ت�شبه «الق�صة الق�صيرة بال�ضبط‪ ،‬لكن المكان‬ ‫�صفاتها وعنا�صرها‬
‫والبناء والنتيجة لها م�ساحة وا�سعة في الق�صة الق�صيرة‪ ،‬هي‬ ‫بي��ن الفنون ال�س��ردية‪ ،‬ومن ناحية ال�ش��كل الفن��ي تحديداً‪،‬‬
‫م�س��احة �ضيقة ف��ي الق�صة الق�صيرة جداً»‪ .‬ومع ا�س��تفادتها‬ ‫ت�ش��ترك الق�ص��ة (الق�صي��رة) م��ع الق�صة الق�صي��رة جد ًا‬
‫م��ن �أن��واع الكتاب��ة الأخ��رى‪ ،‬ف�س��وف يفتر���ض ف��ي الق�ص��ة‬ ‫ف��ي �صف��ة الق�ص��ر‪� ،‬إ�ضاف��ة �إل��ى م��ا ي�س��مى «الحكائي��ة» �أو‬
‫الق�صي��رة جد ًا �أن تمتلك مراح��ل الق�صة الق�صيرة‪� ،‬ضمني ًا‬ ‫الق�ص�صي��ة‪ ،‬التي ت�ضم جميع فنون الحكي بال�ضرورة‪ ،‬وقد‬
‫عل��ى الأقل‪ .‬لكننا لو ت�أملن��ا النماذج الناجحة من هذا اللون‬ ‫ت�س��تفيد منه��ا فن��ون الكتابة الأخ��رى �أي�ضاً‪ .‬ه��ذا التقارب‬
‫ت�ش��ير �إل��ى �أن المقدِّ م��ات غالب ًا م��ا تكون محذوف��ة‪ ،‬لأدركنا‬ ‫يعن��ي �أن النوعي��ن الأدبيي��ن ينطلق��ان م��ن قاع��دة واحدة‪،‬‬
‫الحكائية موجودة في هذه الق�صة بو�ضوح‪ ،‬لأنها تروي خبر ًا‬ ‫م��ن ال�س��ياق‪ ،‬و�أن��ه ال �ض��رورة �أن تحت��وي ه��ذه الق�ص��ة على‬
‫عن �شخ�ص ما‪ ،‬يبد�أ ثم يتح َرّك �إلى �أن ينتهي‪ .‬وهي بالتالي‬ ‫�أ�سا�س��يات كتابة الق�صة الق�صيرة‪ ،‬مثل اال�ستهالل والعقدة‬
‫ال تعان��ي م��ن غي��اب الحكاية ال��ذي يكون مك�ش��وفاً‪ ،‬لأن هذا‬ ‫والح��ل‪ ،‬لأن اللحظ��ة الت��ي تبد�أ به��ا الق�صة الق�صي��رة جد ًا‬
‫الن��وع الأدب��ي ال يحتم��ل الموارب��ة‪ ،‬ب�س��بب ق�صره ال�ش��ديد‪،‬‬ ‫ه��ي لحظة الفعل‪ ،‬وه��ي بالتالي لحظة الذروة‪ ،‬التي ت�س��اعد‬
‫ويقال �إنه في مثل هذه الق�صة «ال يجد الكاتب مكان ًا يختفي‬ ‫على الإم�ساك بما ي�س��مى اللحظة الق�ص�صية‪ ،‬ح�سبما يقول‬
‫وراءه»‪.‬‬ ‫ح�س��ين عل��ي محم��د‪ ،‬وعلى المحافظ��ة عليها حت��ى النهاية‪،‬‬
‫لأن الق�ص��ة الق�صي��رة بتعبي��ر �آخر «ق�صة ال��ذروة الدرامية‬
‫وقد يكون غياب الحكائية عن كثير من الن�صو�ص التي تقدم‬ ‫القاطن��ة ف��ي ذهن تخمين��ي متمكّن من �صياغة ن�س��يج لغوي‬
‫نف�س��ها كق�ص���ص ق�صي��رة جد ًا هو ال�س��بب في ف�ش��لها‪ ،‬وفي‬ ‫درام��ي نا�ض��ج المعان��ي وال�صور والدالالت» كم��ا يرى جمال‬
‫كثرة ما يُعده النقاد نوع ًا من العبث‪ ،‬في المحاوالت الكتابية‬ ‫المظف��ر؛ وه��و ما يوحي ب�صفة �أ�سا�س��ية تلت�ص��ق بهذا النوع‬
‫الكثي��رة الت��ي غالب ًا ما ُتتّخذ حجة من قب��ل الذين يهاجمون‬ ‫الأدبي‪ ،‬تبد�أ معه منذ لحظته الأولى‪ ،‬هي �صفة «التوتّر»‪.‬‬
‫ه��ذا النوع م��ن الكتابة‪ ،‬ممن ال ي�ؤمنون ب�أحقيته في الوجود‪،‬‬
‫ي�أت��ي ه��ذا التوت��ر م��ن المي��ل �إل��ى م��ا يمك��ن �أن يطل��ق عليه كنوع �أدبي م�ستقل‪.‬‬
‫حك��م «�إجاع��ة اللفظ و�إ�ش��باع المعنى»‪ ،‬كما ي�ش��ار �إلى حدّي‬
‫حدثها وبطلها‬ ‫المعادلة في ال�سرد الحكائي‪ :‬حد اللغة‪ ،‬وحد التاريخ‪.‬‬
‫ولأنها ق�صة‪ ،‬ف�إن عليها �أن ت�ستند �إلى حدث‪ ،‬ولأنها ق�صيرة‬
‫�إن �أول �صف��ة يفتر���ض �أال تخل��و منها الق�ص��ة الق�صيرة جد ًا جداً‪ ،‬فهي غالب ًا ما تقوم على حدث مركزي واحد‪ ،‬كما �أنها‬
‫ه��ي �إذن �صف��ة الحكائي��ة‪ ،‬على اعتب��ار �أن �أية كتابة �س��ردية يجب �أن ت�ستند �إلى �شخ�صيات‪ ،‬وغالب ًا ما ال يكون فيها �أكثر‬
‫ال ب��د و�أن تنطل��ق «من الفكرة ومعالجته��ا من خالل �أحداث من �شخ�صية مركزية واحدة �أي�ضاً‪.‬‬
‫مركّ��زة‪ ،‬ت�ؤديه��ا عوام��ل و�ش��خو�ص مع َّين��ة وغي��ر معيَّنة‪ ،‬في‬
‫ف�ض��اءات مح��ددة �أو مطلق��ة‪ ...‬عب��ر منظور �س��ردي معيّن‪ ،‬من ناحي��ة العن�صر الأول‪ ،‬ف�إن حدث الق�صة الق�صيرة جد ًا‬
‫�ضم��ن قال��ب زمن��ي مت�سل�س��ل �أو متقاط��ع �أو هاب��ط �س��رع ًة ال ب َّد �أن يكون مكتمالً‪ .‬هو عادة ما ي�شير وال ي�صرّح‪ ،‬ويترك‬
‫وبطئ��اً‪ ،‬م��ع انتقاء �س��جالت لغوية و�أ�س��لوبية معين��ة‪ ،‬للتعبير للق��ارئ �أن ي�س��تكمل ما هو ناق�ص‪ .‬وهو ح��دث متنام كثيف‪،‬‬ ‫‪71 70‬‬
‫ينطل��ق م��ن فكرة عميق��ة‪ ،‬ويحمل �أب��رز ال�س��مات الدرامية‪،‬‬ ‫عن ر�ؤية فل�سفية ومرجعية معيَّنة»‪.‬‬
‫الت��ي تمنحه الحرك��ة والتوت��ر والفعل‪ ،‬وتجعله ينمو ب�س��رعة‬
‫وبالتال��ي‪ ،‬ال ب��د و�أن ت��روي ه��ذه الق�ص��ة حكاي��ة م��ا‪ .‬ولأنها كبيرة‪ ،‬وفي اتجاه واحد غير مت�ش��عّب‪� ،‬ضمن حبكة مركزية‬
‫ق�صي��رة ج��د ًا ف�إنه��ا تبد�أ من داخ��ل الحدث‪ ،‬ويعم��د كاتبها نحو النهاية‪.‬‬
‫�إل��ى «ر�س��م �صور �ش��خ�صياته وه��ي تفع��ل‪ ،‬ال �أن يخبرنا عن‬
‫�أفعالها»‪ .‬يقول محمود �شقير في ق�صة «وجع»‪:‬‬
‫«كَتب��تْ ق�صي��د ًة ع��ن المدين��ة‪ .‬قر�أ ْته��ا للم��رَّة‬
‫�لا وه��ي ت��رى كي��ف‬ ‫ال�ساد�س��ة‪ ،‬وانتع���ش قلبه��ا قلي ً‬
‫امتزج وجع المدينة بوجعِها الخا�ص‪.‬‬
‫مزق��ت الق�صي��دة وه��ي تعي�� ُد النظ��ر فيه��ا للم��رّة‬ ‫َّ‬
‫ال�سابعة‪ ،‬لأن وج َع المدينة �أكب ُر من ق�صيدتها‪� ،‬أكب ُر‬
‫مما تحتمله الحوا�س»‪.‬‬

‫‪..‬المق ّدمات غالباً ما تكون‬


‫محذوفة‪ ..‬ال �ضرورة �أن تحتوي‬
‫على اال�ستهالل والعقدة والحل‬
‫مار�س ‪� /‬أبريل ‪2010‬م‬ ‫الق�صة الق�صيرة جداً‬

‫يقول زكريا تامر في ق�صة «مخت�صر ما حدث»‪:‬‬


‫حكم على خليل حاوي بالإعدام‪ ،‬فحدَّق �إلى ال�سماء‬
‫متعجب ًا من لونها الأزرق الذي لم يتحول لونا �أ�سود‪،‬‬
‫و�ش��نق ثالث مرات‪ ،‬فكان الحبل في ك ّل مرة يتمزّق‬
‫على الرغم من �أن ج�سمه هزيل وعنقه نحيل‪ ،‬ووقف‬
‫م�شدود القامة مغمور ًا ب�ضياء ال�شم�س بينما‬
‫كان �س��بعة رجال ي�س��ددون فوه��ات بنادقهم‬ ‫قد يكون غياب‬
‫نح��وه‪ ،‬ويطلق��ون الن��ار علي��ه‪ ،‬فال تم�س�س��ه‬ ‫الحكائية عن كثير من‬
‫�أي��ة ر�صا�ص��ة ك�أنه��م كان��وا عميانا‬ ‫الن�صو�ص التي تقدم‬
‫�أو ك�أن��ه كان يبع��د عنه��م �أمي��اال‪،‬‬ ‫نف�سها كق�ص�ص ق�صيرة‬
‫وق��ذف �إلى ن��ار قادرة عل��ى �إحراق‬ ‫جداً هو ال�سبب في‬
‫مدين��ة بكامله��ا‪ ،‬وانتظ��رت عيونه��م‬ ‫ف�شلها‪ ،‬وفي كثرة ما‬
‫ال�ش��امتة ر�ؤية رماده‪ ،‬ولكنه خرج من النار‬
‫�س��ليما ي�س��عل �س��عال من دخّ ن �سيجارة من‬ ‫يُ عده النقاد نوعاً من‬
‫ن��وع رديء‪ ،‬ول��م يج��د مهرب ًا م��ن االنتحار‬ ‫العبث‬
‫حتى يثبت �أنه الناجح وهم المخفقون‪.‬‬

‫وتخطّ ��ط �ش��فتيها بالأحمر‪ .‬ي�س��تقبلُها‬ ‫ويغل��ب �أن ترك��ز الق�ص���ص الق�صي��رة ج��د ًا الت��ي ت�س��تقي‬
‫بحف��اوة‪ .‬يطل��ب لها فنج��ان قهوة‪ .‬ي��رنّ هاتفه‪.‬‬ ‫مادته��ا م��ن المجتمع‪ ،‬على نقد العيوب في ه��ذا المجتمع �أو‬
‫يردّ‪ ،‬وين�ساها جال�سة‪ ،‬مهملة‪.‬‬ ‫ك�ش��فها بطريقة حادّة‪ ،‬لأن الحكاية ال تكتفي بذاتها في هذا‬
‫ت�ش��ربُ القه��و َة وتع��ود‪ .‬تق�س��مُ �أال تع��ود‪� .‬أال تخب��رَه‬ ‫الفن‪ ،‬ولكنها ال بد و�أن تقول �شيئ ًا له قيمته‪.‬‬
‫ب�ش��يء‪ .‬ت�ص�� ُل غرفتها‪ .‬تلقي بنف�س��ها في فرا�ش��ها‪.‬‬
‫تن�س��ى ق�سَ مها‪ ،‬وتت�ساءل‪ :‬ما الأمر المهم الذي �أري ُد‬ ‫ولأن الم��ر�أة هي العن�صر الأ�ضعف في المجتمع‪ ،‬ولأن هناك‬
‫�أن �أقوله في المرة القادمة؟»‪.‬‬ ‫مالحظة يدركها الر�صد‪ ،‬هي �أن ن�س��بة كبيرة من كتاب هذا‬
‫الن��وع الأدب��يّ ه��ن من الن�س��اء‪ ،‬وه��و ما يحت��اج �إلى درا�س��ة‬
‫تحلله‪ ،‬ف�إن كثير ًا مما يكتب‪ ،‬من قبل الن�ساء والرجال‪ ،‬يكون وب�س��بب �صف��ة الق�صر ال�ش��ديد الت��ي تلحق به��ذا النوع من‬
‫ع��ن واق��ع الم��ر�أة‪ ،‬والظلم ال��ذي تتعرَّ���ض له‪ ،‬مادي�� ًا كان �أو الكتاب��ة‪ ،‬ف���إن م��ا هو مطلوب منها ه��و الإيحاء ب���أن �أحداث ًا‬
‫ت�س��تحقّ �أن ت��روى جرت‪ ،‬بي��ن بداية الق�ص��ة ونهايتها‪ ،‬و�أن‬ ‫معنوياً‪.‬‬
‫المتلق��ي �س��وف ي�ش��عر بم��رور ه��ذه الأح��داث‪ ،‬دون حاج��ة‬
‫وحي��ن يك��ون الح��دث مكتم�لاً‪ ،‬ف�إن��ه يحاف��ظ عل��ى الوحدة �إل��ى �س��رد تفا�صيله��ا‪ .‬لأنه��ا تنزل��ق �إل��ى نهايته��ا ب�س��رعة‪،‬‬
‫الت��ي تعن��ي تركي��ز الإ�ض��اءة علي��ه وح��ده‪ ،‬من خ�لال حبكة وب�ش��كل يثير ده�ش��ة المتلقي‪ ،‬رغم �أنها ال تخرج بعد ت�أملها‬
‫واح��دة تبدو وا�ضحة للعي��ان‪ ،‬لأن تنوع الأحداث يخلق تعدد ًا وا�س��تيعابها ع��ن منطق الح��دث كله‪ .‬وه��ذا الحدث يرتبط‬
‫ف��ي الحكاي��ات‪ ،‬وي���ؤدي بها �إل��ى الترهّ ��ل‪ .‬هذا يعن��ي �أن من ب�شخ�صية‪ ،‬لأنه «ال يوجد فن ق�ص�صي ق�صير جد ًا من دون‬
‫ال�ض��روري ف��ي الق�ص��ة الق�صيرة ج��د ًا «�أن تت�ص��ل تفا�صيل �ش��خ�صية �أو بطل��ة‪ .‬لكن ال مج��ال للتفريق بين ال�ش��خ�صية‬
‫الخب��ر و�أجزا�ؤه‪ ،‬وتتما�س��ك تما�س��ك ًا ع�ضوي ًا متين�� ًا من �أجل وبي��ن الح��دث‪ ،‬لأن الح��دث هو ال�ش��خ�صية وه��ي تعمل‪� ،‬أو‬
‫توفي��ر الوح��دة الفنية» له��ا‪ .‬تقول �أمان��ي الجنيدي في ق�صة الفاعل وهو يفعل»‪.‬‬
‫«لقاء»‪:‬‬
‫«تقط��ع الجب��ال من �أج��ل �أن تراه‪ .‬تري��د �أن تقول له وبالطب��ع لي���س م��ن المل��زم �أن تك��ون ه��ذه ال�ش��خ�صيات‬
‫�أم��ر ًا مهم��اً‪ .‬تلب���س ف�س��تان ًا رائع�� ًا وتتعطّ ��ر‪ .‬تتكحّ ل ف��ي الق�ص���ص الق�صي��رة ج��د ًا قا�ص��رة عل��ى ال�ش��خ�صيات‬
‫بطول الطريق وطول العمر وطول االنتظار‪،‬‬ ‫الإن�س��انية‪� ،‬إذ �إن الق�ص��ة الق�صي��رة جد ًا ت�س��تطيع �أن تتقبل‬
‫وعبث ًا �أ�شعر بطولِ لحظ ِة الموت الآن!‬ ‫تنوع�� ًا كبير ًا في ال�ش��خ�صيات‪ ،‬تبد�أ من الجم��اد لتنتقل �إلى‬
‫الأحي��اء ث��مّ �إل��ى النا���س‪ ،‬دون �أن ت�س��تثنى م��ن ذل��ك حت��ى‬
‫مكانة النهاية المده�شة‬ ‫الأف��كار‪ ،‬وه��ي جميع�� ًا �ش��خ�صيات تخ�ض��ع للأن�س��نة‪ ،‬وه��و‬
‫عندم��ا تتوافر ال�ش��خ�صية‪ ،‬والحكاية التي ت��روى عنها‪ ،‬ف�إن‬ ‫م��ا يعن��ي «بناء الق�ص��ة الق�صيرة جد ًا على �أن�س��نة الأ�ش��ياء‬
‫�أه��م م��ا تركز عليه الق�ص��ة الق�صيرة جد ًا ه��و الو�صول �إلى‬ ‫والجم��اد والحي��وان‪ ...‬فتتح��ول الحيوان��ات‬
‫نهاية مده�ش��ة تلخ�ص فكرة هذه الق�صة‪� ،‬أو تقدِّ مها ب�ضربة‬ ‫الت��ي تت�ضمنها الق�ص�ص الق�صيرة جد ًا �إلى‬ ‫تحتل عملية التكثيف‬
‫واحدة مفاجئة‪� ،‬إلى الحد الذي اعتبرت فيه النهاية مقيا�س‬ ‫�أقنع��ة ب�ش��رية رمزية تحمل دالالت �إن�س��انية‬ ‫اللغوي م�ساحة وا�سعة‬
‫نجاح للق�صة‪ ،‬وكادت توحي بكثير الأ�س��ماء التي حملها هذا‬ ‫معبرة»‪.‬‬ ‫من الدرا�سات التي تهتم‬
‫النوع م��ن الق�ص�ص‪ ،‬وخ�صو�ص ًا «الق�ص��ة الوم�ضة» (‪Flash‬‬ ‫بالق�صة الق�صيرة جداً‪،‬‬
‫وال يتوق��ف مو�ضوع الق�ص�ص عند الأن�س��نة‪.)Fiction ،‬‬ ‫لأن الأ�سا�س الذي تقوم‬
‫لكن��ه يتج��اوز ذل��ك �إل��ى م��ا ه��و خ��ارج عن‬ ‫عليه هذه الق�صة هو‬
‫نط��اق المنطق��يّ والمعق��ول ف��ي التعامل مع ولأن الق�صة الق�صيرة جد ًا تتميز ب�إيقاع �سريع في �أحداثها‪،‬‬
‫الأح��داث‪� ،‬إل��ى حدود ت�صل ب��ه �إلى ال�صيغة القليلة ن�س��بياً‪ ،‬ف�إن االعتماد على النهاية المفاجئة هو الذي‬ ‫االختزال‬
‫ال�س��ريالية‪ ،‬حي��ث تفق��د الأ�ش��ياء واقعيتها‪ ،‬يجم��ع هذه الأحداث في مح�صلة ناجعة‪ ،‬تنقل فكرة الق�صة‬
‫م��ن �صميم ه��ذه الواقعي��ة ذاتها‪ ،‬وتتح��وّل �إلى رم��وز فكرية �إلى المتلقي بقوة‪.‬‬
‫م�أزومة‪ .‬يقول عبد الفتاح �شحادة في ق�صة «لحظة الموت»‪:‬‬
‫تنته��ي الق�ص��ة الناجح��ة نهاية غي��ر نمطية‪ ،‬وغي��ر مرتبطة‬ ‫أم�س‪ ،‬خط َر لي �أن ال�شار َع �أطول مما يجب‪.‬‬ ‫بال ِ‬
‫بمق�ص حاولتُ تق�صيره‪ ،‬فبدا �أق�ص َر مما يجب‪« ،‬ب�س��ياق الحرك��ة الداللية للحكاي��ة‪ ،‬ولكنها تنته��ي بما يلغي‬ ‫ّ‬
‫�إل��ى ح�� ّد ما تلك المالم��ح‪ ،‬من دون �أدن��ى �إخبار �أو �إ�ش��ارة‪،‬‬ ‫و�صلتُه مر ًة �أخرى‪،‬‬
‫وال حتى �س��ياق داللي‪( ...‬ما يه�شّ ��م وحدة ال�صورة) بما هو‬ ‫فعا َد ال�شار ُع �أطول مما كان عليه في ال�سابق!‬
‫غير مح�س��وب �أ�صالً»‪ ،‬فهي بالتالي مغايرة و�صادمة ومربكة‬
‫وكان ب�إم��كان الكات��ب �أن يتوقَّ��ف عن��د ه��ذه النهاي��ة لتك��ون لأفق انتظار القارئ‪ ،‬لأنها تكون غير متوقعة قبل �أن تحدث‪،‬‬ ‫‪73 72‬‬
‫لديه ق�صة ق�صيرة جد ًا مكتملة ال�ش��روط‪ ،‬بطلها هو ال�شارع بل يكون االفترا�ض �أن يكون المتوقع عك�س ما يحدث تماماً‪،‬‬
‫نف�س��ه‪ ،‬لكن��ه �آث��ر �أن ي�س��تمر في ن�ص��ه الغرائبي حت��ى نهاية م��ا يجع��ل المتلقي بعي��د النظر فيما ق��ر�أ‪ ،‬في��زداد ت�أثر ًا به‪،‬‬
‫�أخرى‪ ،‬هي جزء من �أ�س��لوب يعتمده كتاب هذا النوع الأدبي ب�س��بب ما يثي��ره لديه من الده�ش��ة‪ .‬يقول �أمين دراو�ش��ة في‬
‫كثي��راً‪ ،‬ه��و المتوالي��ة الق�ص�صية‪ ،‬التي تق��دم فيها مجموعة ق�صة «محامون»‪:‬‬
‫ل��م يكن يدور في خلد العج��وز �أم �إبراهيم‪� ،‬أن يقوم‬ ‫م��ن الق�ص���ص الق�صيرة ج��داً‪ ،‬الت��ي يربطها خي��ط درامي‬
‫واحد من �ألمع المحامين‪ ،‬بفعل ذلك‪.‬‬ ‫واحد‪� ،‬أو �شخ�صية واحدة‪ .‬ومع �أن تتمة هذه الق�صة تقع في‬
‫كان��ت نيته��ا تتج��ه �إل��ى بي��ع قطع��ة �أر���ض �صغي��رة‬ ‫ه��ذا ال�س��ياق‪� ،‬إال �أن الكاتب لم يخت��ره‪ ،‬وجعل ما كتبه ق�صة‬
‫وح�س��ب‪ ،‬لتعتا�ش من ثمنها‪ ،‬وت�ضمن لنف�سها جنازة‬ ‫واحدة‪ ،‬ما يت�سبب في �شيء من االرتباك في الن�ص‪:‬‬
‫الئقة‪.‬‬ ‫��ف ع��ن ا�ست�ش��عا ِر الط��ولِ‬
‫�أغم�ض��تُ عين��يَّ ك��ي �أك َ‬
‫المحامي الذي تثق به منذ حياة المرحوم‪،‬‬ ‫والق�صر المقيت‪.‬‬
‫طل��ب منه��ا �أن توقِّع على ورقة تحف��ظ لها حقَّها في‬ ‫ا�صطدمتْ قدمي ب�شيء ثقيل‪.‬‬
‫الحياة‪،‬‬ ‫ده�ستني �سيارة‪ ،‬ك�سرت يدي‪ ،‬وته�شمتْ جمجمتي‪.‬‬
‫وت�ضمن لها موت ًا مريحاً‪.‬‬ ‫�أدخلون��ي غرف�� ِة العمليات‪ .‬رقدتُ �ش��هر ًا ف��ي غرف ِة‬
‫المحامي الف ّذ با َع لنف�سه ك ّل ما تملك‪،‬‬ ‫العناي ِة الفائقة‪.‬‬
‫مقابل مبلغ �صغير جداً‪..‬‬ ‫متُّ !‬
‫هي دفعتْه له!‬ ‫ول��م �أفت��ح عينيَّ �أب��داً‪ ...‬ك��ي �أهرب من الإح�سا���س‬
‫مار�س ‪� /‬أبريل ‪2010‬م‬ ‫الق�صة الق�صيرة جداً‬

‫غرامي جب�سون‬

‫وتع��دّ «جمالي��ات �صدم��ة الق��ارئ م��ن �أه��م محف��زات‬


‫االنفع��ال والإقب��ال عل��ى ق��راءة الق�ص��ة الق�صي��رة‬
‫ج��داً‪ ...‬بدء ًا م��ن العنوان الذي ينبغي �أن يكون �إ�ش��كالي ًا‬
‫و�صادم��اً‪ ...‬و�أن تكون النهاية �إ�ش��كالية مفتوحة» وفق ما‬
‫يراه المنا�صرة‪.‬‬

‫تقول ليلى العثمان في ق�صة «ظلم»‪:‬‬


‫فت��ح كرَّا�س��تها‪ ...‬ق��ر�أ بوحَ ه��ا‪ ...‬عا�صف�� َة تو�سّ ��لها‬
‫للحبيب �أن يتزوّجها‪.‬‬
‫في �ستر الليل‪ ،‬كانت �سكِّينة تغو�ص في �صدرِها‪.‬‬
‫�أمام المحقق اعترف‪ :‬غ�سلت عاري!‬
‫قدَّم له المحقق تقرير الطبيب‪:‬‬
‫القتيلة عذراء!‬

‫�إن الجملة الأخيرة في هذا النوع من الق�ص لها �أهميتها في‬


‫نقل حكاية ا�س��تثنائية وم�ؤثرة‪ ،‬وب�س��ببها «يك��ون �أفق القارئ‬
‫متهيئ ًا لهذا النوع من المخالفة»‪ ،‬حتى ال تقدِّ م الق�صة ن�ص ًا‬
‫�س��ردي ًا مكثف ًا لحالة غير ا�ستثنائية‪ ،‬قد يم ّر بها �أي فرد‪ ،‬وال‬
‫يكون فيها ما يميزها كي تتحول �إلى فن كتابي‪.‬‬

‫وحت��ى تحم��ل الق�ص��ة الق�صي��رة ج��د ًا نهايته��ا ب��كل هذه‬


‫ال�ش��حنة االنفعالي��ة ال�صادمة‪ ،‬الت��ي تحتاج �إليه��ا‪ ،‬ف�إنها‬
‫تلج�أ �إلى و�س��ائل‪ ،‬يمكن �أن ت�س��مى بالغية‪ ،‬منها ما يتعلق‬
‫بالح��دث نف�س��ه‪ ،‬ومنه��ا م��ا يتعل��ق باللغ��ة التي ت��روى بها‬
‫الحكاية‪.‬‬

‫م��ن ناحي��ة الح��دث‪ ،‬قد تك��ون المفارقة �أب��رز �صفة تعمل‬


‫عل��ى �إنج��اح الق�ص��ة الق�صي��رة ج��داً‪ ،‬لأنه��ا الأق��در على‬
‫رف��ع �إح�سا���س المتلقي بها‪ ،‬فهي «ت�أخ��ذ بتالبيب القارئ‪،‬‬
‫وته��زه‪ ،‬فتو�صل��ه �إلى ما يروم الكاتب‪ ،‬عل��ى غير ما يتوقع‬
‫القارئ»‪.‬‬

‫وتعتم��د المفارق��ة عل��ى تفري��غ ال��ذروة وخ��رق المتوق��ع‪...‬‬


‫خ�صو�ص ًا عندما ال تعتمد على الإقحام الق�س��ري‪ .‬وهي حالة‬
‫مالزمة للواقعيّ والم�ألوف‪ ،‬تقوم على تناق�ضات �سردية تنمّ‬
‫ع��ن م�س��تويات لتعددية الق��راءات �أو اللغ��ات �أو الأ�صوات �أو‬
‫الإيح��اءات؛ فم��ا يفه��م بطريق��ة ما‪ ،‬يمك��ن النظ��ر �إليه من‬
‫زاوي��ة �أخرى‪ ،‬لتظهر المفارقة بين داللتين �أو �أكثر‪ .‬يقول د‪.‬‬
‫فاروق موا�سي في ق�صة «المر�آة»‪:‬‬
‫��رت �إلى وجهي في الم��ر�آة‪ ،‬فر�أيت‬ ‫نظ ُ‬
‫�شخ�ص ًا ا�ستغربت �صورته‪.‬‬
‫�س�ألته ب�إ�شارة‪ :‬من �أنت؟‬
‫ف�أ�شار لي و�س�ألني‪ :‬من �أنت؟‬
‫وك ّلم��ا فعل��ت �ش��يئ ًا �أمام��ه ك��رَّر ذل��ك‪،‬‬
‫وك�أنه ي�سخر مني‪.‬‬
‫ولكنه عندما ابت�سمت‪،‬‬
‫ظ ّل واجماً!‬

‫ويت��مّ التو�ص��ل �إل��ى ه��ذه ال�س��مة المهمة‬


‫ف��ي الق�صة الق�صيرة ج��داً‪ ،‬و�إلى غيرها‬
‫م��ن ال�س��مات الت��ي تميزه��ا‪ ،‬ع��ن طريق‬
‫الأ�س��طرة والترمي��ز والتنا���ص وغيره��ا م��ن العملي��ات‬
‫فاروق موا�سي‬ ‫الكتابي��ة الت��ي تنا�س��ب ه��ذا الن��وع م��ن الكتاب��ة‪ ،‬كم��ا‬
‫ليلى العثمان‬
‫تنا�س��ب غيره��ا‪ .‬بينم��ا تُعد ال�س��خرية من �أه��م مقومات‬
‫ه��ذه الق�ص��ة‪ ،‬وكثي��ر ًا ما ي�س��تجاب �إلى لقطته��ا الأخيرة‬
‫بال�ضحك‪ ،‬بالرغم من �أن ما هو ناجح منها ال يتخذ �شكل‬
‫العك���س م��ن ذل��ك تتخذ من تطوي��ر اللغة �س��بي ًال �إل��ى رواية‬ ‫النكتة‪.‬‬
‫الحكاي��ة وطرح الفكرة الت��ي تنمو من خاللها‪ .‬ولأن الحكاية‬
‫حتى ت�صبح ق�صة‪ ،‬ال ب ّد و�أن تكون موحية‪ ،‬ف�إن �صفة الإيحاء‬ ‫التكثيف اللغوي‬
‫تق��ول ق�صة ق�صي��رة جد ًا للكاتب الأمريكي غرامي جب�س��ون تلحق بلغة الق�صة الق�صيرة جداً‪ ،‬بد ًال من المبا�ش��رة‪ .‬تقول‬
‫ف��ي كلمات قليلة جداً‪ :‬ثالث��ة ذهبوا �إلى العراق‪ .‬واحد منهم �صفاء عمير في ق�صة «احتماء»‪:‬‬
‫��ف ع��ن‬
‫قال��ت ل��ه‪ :‬ل��م �أع��د �أطيق��ك‪� .‬أرج��و �أن تك ّ‬ ‫عاد!‬ ‫‪75 74‬‬
‫مالحقتي‪ ،‬حتى في الأماكن التي �أحتمي منك فيها‪.‬‬
‫ق��ال لها‪ :‬و�أنت‪� ..‬أرج��وك �أن تكفِّي عن االحتماء في‬ ‫�س��وف يكت�ش��ف القارئ �أن من لم يعودوا‪( ،‬وقدرتهم الق�صة‬
‫�أماكن تعلمين تمام ًا �أنني �س�أجدك فيها‪.‬‬ ‫بالثلثين)‪ ،‬ربما عادوا في �أكيا���س‪� ،‬أو لأن �أحد ًا لم يعثر على‬
‫جثثه��م بع��د تناثرها‪ .‬وم��ن الممكن �أن ت�س��تكمل الق�صة في‬
‫الذهن ب�صفحات كثيرة وهو ما يميِّز الق�صة الق�صيرة جد ًا مثل هذا النوع من الإيحاء يدخل في �سياق ما ي�سمى �شعرية‬
‫اللغة‪ ،‬التي تتخلّق من تركيب ال�صور فيها‪.‬‬ ‫الناجحة‪.‬‬

‫فاللغ��ة ف��ي الق�ص��ة الق�صي��رة ج��د ًا ا�س��تعارية ف��ي المق��ام‬ ‫وتحتل عملية التكثيف اللغوي م�س��احة وا�سعة من الدرا�سات‬
‫الأول‪ :‬ه��ي لغ��ة �إيج��از وترمي��ز و�إيح��اء‪ ،‬وح��ذف �إبداع��ي‪،‬‬ ‫الت��ي تهتم بالق�صة الق�صيرة جداً‪ ،‬لأن الأ�سا���س الذي تقوم‬
‫و�إيقاع��ات متع��ددة ف��ي عب��ارات مح��دودة‪� ،‬إل��ى �أن ت�صب��ح‬ ‫علي��ه ه��ذه الق�ص��ة هو االخت��زال‪ .‬و�إذا كان االخت��زال يطال‬
‫اللغ��ة ف��ي مجمله��ا ا�س��تعارة �أو مج��ازاً‪ .‬وه��ي تعتم��د عل��ى‬ ‫الأح��داث وال�ش��خ�صيات‪ ،‬والأزمن��ة والأمكن��ة‪ ،‬وي�ضعه��ا في‬
‫المحذوف والت�شذيب والتركيب والمقت�صد‪ ،‬والبنية الدقيقة‬ ‫حدودها الدنيا‪ ،‬ف�إن الأمر ال ب ّد و�أن ين�سحب على الأداة التي‬
‫والمعمقة»‪ ،‬كما يقول خو�س��يه خيمينيث لوتانو‪ .‬وهي ت�س��تند‬ ‫تنقل هذه الأحداث‪ ،‬وهي اللغة‪ ،‬ب�شكل ال لب�س فيه‪.‬‬
‫�إلى االنزياح‪ :‬وهو بالمعنى اللغوي خلخلة التركيب والمعنى‪،‬‬
‫وتدمي��ر الآل��ة المنطقي��ة‪ ،‬والخ��روج ع��ن معايي��ر التف�ضي��ة‬ ‫والتركي��ز على اللغة ي��كاد يوحي ب�أن الق�ص��ة الق�صيرة جد ًا‬
‫الب�صرية الم�ألوفة‪ ،‬مع تخريب االن�سجام الإيقاعي‪.‬‬ ‫لعب��ة لغوي��ة‪ ،‬وهو م��ا يقع فيه كثي��ر من ُكتَّابها‪ ،‬م��ع �أنها على‬
‫مار�س ‪� /‬أبريل ‪2010‬م‬

‫ديوان األمس‬ ‫ي�ست�ضيف هذا الباب المك ّر�س لل�شعر قديمه وحديثه في حلته الجديدة‬
‫�شعراء �أو �أدباء �أو متذوقي �شعر‪ .‬وينق�سم �إلى ق�سمين‪ ،‬في ق�سمه الأول‬
‫يختار �ضيف العدد �أبياتاً من عيون ال�شعر مع �شروح مخت�صرة عن �أ�سباب‬
‫اختياراته ووجه الجمال والفرادة فيها‪� ،‬أما الثاني فينتقي فيه ال�ضيف‬
‫مقطعاً طوي ًال �أو ق�صيدة كاملة من �أجمل ما قر�أ من ال�شعر‪ ..‬وقد يخ�ص‬
‫ال�ضيف ال�شاعر القافلة بق�صيدة من �آخر ما كتب‪� ..‬أو قد تختار القافلة‬
‫ق�صيدة ل�شاعر معا�صر‪.‬‬
‫ديوان اليوم‬

‫الر�سوم‪ :‬المحترف ال�سعودي ‪ -‬عمر �صبير‬

‫تُ عد ق�صيدة الحُطيئة «وطاوي ثالث» واحدة من الق�صائد الخالدة في ديوان‬


‫ال�شعر العربي لجهة قدرتها الدائمة على الإمتاع والإدها�ش‪ ،‬التي ت�سمو على‬
‫عوامل الزمان والمكان‪.‬‬
‫ال�شاعر والكاتب يحيى البطاط يقدِّم قراءته في ديوان الأم�س لهذه الق�صيدة‬
‫الفذَّة بكل المقايي�س‪ ،‬للعنا�صر الفنية التي �ضمنت لها خلودها‪.‬‬
‫�أما لديوان اليوم فاختارت القافلة ق�صيدة لل�شاعر مو�سى الأمير بعنوان دموع‬
‫الوداع‪.‬‬
‫ملحمة الحطيئة‬
‫وطاوي ثالث‬
‫طالم��ا يراودن��ي �س���ؤال ع��ن ال�س��ر ال��ذي يجع��ل ق�صيدة ما‬

‫ديوان األمس ديوان اليوم‬


‫قادرة على ا�ستقطاب اهتمام و�شغف ال�سامعين والقرَّاء عبر ه��ذا الت�ش��كيل‪� ،‬أو الموالفة الناجح��ة بين كل تلك العنا�صر‪،‬‬
‫الزمن‪ ،‬فال تمل الأجيال من ا�س��تعادة �أبياتها ب�شغف وفرح‪ ،‬هو ما ي�سبب ال�صدمة‪ ،‬وانعقاد الل�سان‪ ،‬وال�صدمة‪ ،‬ويم�سك‬
‫دون كثي��ر اعتب��ار للع�صر الذي قيلت في��ه‪� ،‬أو الظرف الذي بل��بّ المتلق��ي‪� .‬إن��ه البوتقة التي تتفاعل فيه��ا عنا�صر العمل‬
‫الفن��ي‪ ،‬لتول��د كيمي��اء جديدة �س���أطلق عليها مج��ازاً كيمياء‬ ‫تزامن مع والدتها‪.‬‬
‫الده�شة‪.‬‬
‫�أت�س��اءل‪ :‬ه��ل يكمن ال�س��ر ف��ي اللغ��ة؟ �أم في معان��ي الق�صيدة‬
‫ومقا�صد جملها؟ وهل للمو�ضوع عالقة بالحدث الذي قيلت فيه �أ�ضي��ف �إل��ى ذل��ك الزم��ن الداخل��ي للن���ص‪ ،‬ال��ذي تت�ش��كل‬
‫عل��ى �ضوئ��ه الحكاية‪ ،‬ففي �أي عمل فن��ي �أ�صيل يعتمد اللغة‬ ‫تلك الأبيات؟ �أم �أن ال�سر مرتبط ب�شخ�صية �شاعرها؟‬
‫خام�� ًة ل��ه‪ .‬ال بد من زمن تتعاقب خالله الوحدات‪ ،‬ال�صوتية‬
‫ربم��ا تك��ون كل ه��ذه الأ�س��باب محف��زات للتلق��ي‪ ،‬لكنه��ا ال والبنائية‪ .‬وت�صب بجملتها في وظيفة اللغة‪ ،‬لتو�صل ر�سالتها‬
‫ت�صي��ب �صمي��م الفك��رة‪ .‬فخل��ود الق�صي��دة �أعلى �ش���أناً من �إلى المتلقي من دون جهد‪.‬‬
‫�ش��هرة قائلها‪ ،‬وبقاء الق�صيدة حية في �ضمائر النا���س �أبعد‬
‫نح��ن نعل��م �أن تلق��ي اللوحة الت�ش��كيلة ال ي�س��تغرق زمناً‪ ،‬لأن‬ ‫مرمى من مجرد منا�سبة قولها‪.‬‬
‫ر�سالتها محمولة ب�صرياً وتتوجه �إلى عين المتلقي مبا�شرة‪،‬‬
‫في الغالب ال �أجد �إجابة وافية تهديني �إلى ذلك ال�سر‪� ..‬سر وه��ي مكون��ة م��ن الأل��وان ودرجاته��ا وت�ش��كالتها ف��ي ف�ضاء‬
‫خلود ق�صيدة ما‪ ..‬و�سر �إعجاب النا�س بها‪ .‬غير �أن مفتاحاً اللوح��ة‪ .‬غي��ر �أن الن���ص ال�ش��عري‪ ،‬ن���ص �ش��فاهي بالدرجة‬
‫هداني �إلى ك�ش��ف بع�ض جوانب ال�س��ر‪ ،‬وهنا ال �أدَّعي ك�شفاً‪ ،‬الأول��ى‪ ،‬ي�س��تلزم زمن��اً لكي ي�ص��ل‪ ،‬وفي طي��ات ذلك الزمن‬ ‫‪77 76‬‬
‫وال �س��بقاً عل��ى �أح��د‪ ،‬فالأمر برمت��ه ال يتعدى كون��ه محاولة تكمن عبقرية ن�ص من الن�صو�ص‪.‬‬
‫�ش��خ�صية‪� ،‬أو ذاتي��ة ال�س��تكناه حقيقة الجم��ال الفني لبع�ض‬
‫�أن تبني لوحة ت�شكيلية‪ ،‬بخامة لغوية‪ ،‬يعني �أن ت�سرد حكاية‪،‬‬ ‫الق�صائد‪.‬‬
‫ولكي ت�سرد حكاية‪ ،‬ال بد لك من زمن‪ ،‬ولكي تنتج الزمن‪ ،‬ال‬
‫ح�س��ناً‪ ،‬لي���س في الأم��ر مبالغة‪ ،‬و�س���أخت�صر مفتاحي بكلمة بد لك من �ضابط �إيقاع ماهر!!‬
‫واح��دة‪ ،‬ه��ي (الت�ش��كيل)‪ .‬نعم‪ ،‬الت�ش��كيل ه��و المفتاح الذي‬
‫يمكن �أن يقود في معظم الأحيان �إلى بع�ض من ذلك ال�سر‪ .‬وال�ش��اعر المخ�ضرم الحطيئة (�أبو مُليكة جرول ابن �أو�س‬
‫العب�سي‪� ،‬أدرك الجاهلية و�أ�سلم في زمن �أبي بكر)‪ ،‬ها هنا‬
‫و�أق�ص��د بالت�ش��كيل هن��ا‪ ،‬البن��اء الفن��ي للق�صي��دة‪ ،‬البن��اء هو �ضابط الإيقاع الماهر‪� ،‬أو الماي�سترو الذي �أدار بنجاح‬
‫ال��ذي تت�ضافر فيه جملة عنا�صر‪ ،‬ابتدا ًء باللغة و�س��ياقاتها‪ ،‬باه��ر �أدوار العازفي��ن في �س��يمفونيته‪ .‬ففي ن�صه ال�ش��هير‬
‫مروراً بمعمار الق�صيدة‪ ،‬وحبكتها الفنية‪ ،‬ثم بتوالي ال�صور ال��ذي مطلع��ه (وط��اوي ث�لاث) تت�ضافر عنا�صر الت�ش��كيل‬
‫المترابط��ة مو�ضوعياً وبنائياً‪ ،‬و�أخي��راً �صدق العاطفة الذي اللغ��وي‪ :‬الحكاية‪ ،‬توالي ال�صور‪ ،‬االنفعال‪ ،‬اللغة بتقلباتها‬
‫ال غن��ى عن��ه ف��ي �أي عمل فن��ي‪ .‬تمام��اً كما ي�س��تعين الفنان المده�شة‪ ،‬اللون وحركته وظالل الأبطال‪ ،‬و�أخيراً الزمن‪.‬‬
‫الت�شكيلي بجملة عنا�صر فنية لر�سم لوحته‪ ،‬كالخامة واللون تت�ضاف��ر كله��ا لتحق��ق مع��اً ن�ص��اً ت�ش��كيلياً‪ ،‬يتمت��ع بطاق��ة‬
‫عالي��ة‪ ،‬ق��ادرة عل��ى ال�س��فر لأكث��ر م��ن ‪� 1400‬س��نة لي�صل‬ ‫وال�ضوء والظل والمو�ضوع‪.‬‬
‫مار�س ‪� /‬أبريل ‪2010‬م‬ ‫ديوان الأم�س‪ ..‬ديوان اليوم‬

‫وبع��د ت��ردد‪ ،‬يهم الوالد بذبح ابن��ه‪ ،‬وفي تلك اللحظة يظهر‬ ‫�إلينا‪ ،‬وك�أنه ن�ص كتب قبل �ساعات فقط‪.‬‬
‫العن�ص��ر الثال��ث المتحرك في زاوية اللوحة‪ ،‬قطيع من ُحمُر‬
‫لنق��ر�أ مع��اً حكاية رجل وزوجته وثالثة �أبناء‪ ،‬يعي�ش��ون في الوح�ش‪� ،‬ساقها الظم�أ �إلى بركة الماء القريبة‪.‬‬
‫بي��داء مرمل��ة‪ ،‬فقراء جياع��اً‪ ،‬حفاة‪ ،‬عراة‪ ،‬م�ستوح�ش��ين‪،‬‬
‫ك�أنهم بُ هُم‪ .‬خم�سة ب�ؤ�ساء ك�أنهم �أ�شباح يعي�شون في مكان الأب يتوق��ف ع��ن فعلت��ه المكروه��ة‪ ،‬وي�س��تعي�ض عنه��ا بفعل‬
‫منقط��ع ع��ن الحي��اة‪ ،‬وي�ؤلف��ون مع��اً القاع��دة الداكن��ة في �آخ��ر‪ ،‬حي��ث ينطلق لي�صط��اد واحداً منها‪ ،‬ينتظ��ر �أوالً حتى‬
‫بيداء اللوحة‪ ،‬التي ي�صفها ب�أنها بيداء لم يعرف ل�س��اكنها تطف��ئ ال�� ُحمُر ظم�أها‪ ،‬قبل �أن ي�أتي بواحد منها �إلى الخيمة‬
‫بعد �أن يطلق عليه �سهماً من كنانته‪.‬‬ ‫ر�سماً‪� ،‬ألي�ست هذه هي �صفات الالمكان والالزمان؟!‬

‫�لا ث���ـ��� ّم �أح���ـ���ج���ـ���م ب��ـ��ره�� ًة‬


‫ف������روى ق��ل��ـ��ي ً‬ ‫وط�����اوي ث��ل�اث ع��ا���ص��ب ال��ب��ط��ن م��رم��ل‬
‫و�إن ه����و ل����م ي���ذب���ح ف���ت���اه ل��ق��ـ��د ه��ـ��م��ـ��ا‬ ‫ب���ب���ي���داء ل���م ت���ع���رف ل�����س��اك��ن��ه��ا ر���س��ـ��م��ـ��ا‬
‫ف��ب��ي��ن��اه��م ع��ن��ت ع��ل��ى ال��ـ��ب��ـ��ع��ـ��د ع��ـ��ان��ة‬ ‫�أخ�����ا ج���ف���وة ف��ي��ه م��ـ��ن الإن���ـ�������س وح��ـ�����ش��ة‬
‫ق��د ان��ت��ظ��م��ت م��ن خ��ل��ف م�سحلها نظما‬ ‫ي���رى ال��ب���ؤ���س ف��ي��ه��ا م��ن ���ش��را���س��ت��ه نعما‬
‫ظ��م��اء ت��ري��د ال���م���اء ف��ان�����س��اب نحـوهـا‬ ‫ت���ف���رّد ف���ي ���ش��ع��ـ��ث ع��ـ��ج��ـ��وزا �إزاءه����ـ����ا‬
‫ع��ل��ى �أنّه م��ن��ه��ا �إل�����ى دم���ه���ا �أظ��ـ��م��ـ��ى‬ ‫ث��ل�اث����ة �أ�����ش����ب����اح ت���خ���ال���ـ���ه���ـ���م ب��ـ��ه��ـ��م��ـ��ا‬
‫ف���أم��ه��ل��ه��ا ح�����تّ ى ت������روّت ع��ـ��ط��ـ��ا���ش��ـ��ه��ـ��ا‬ ‫ح���ف���اة ع�����راة م���ا اغ����ت����ذوا خ��ـ��ب��ـ��ز مـلة‬
‫و�أر������س�����ل ف��ي��ه��ا م����ن ك��ن��ان��ت��ه ���س��ـ��ه��ـ��م��ـ��ا‬ ‫وال ع���رف���وا ل����ل����بُ ّر م���ذ خ��ل��ق��وا طعمـا‬
‫ف���خ���رّت ب��ج��و���ض ذات ج��ح�����ش فـتـية‬
‫ق��د اك��ت��ن��زت ل��ح��م��اً وق���د ط��بّ ق��ت �شحما‬ ‫ه��ذه المقدم��ة الت�صويري��ة‪� ،‬أ�ش��به م��ا تك��ون بلقط��ة بعي��دة‬
‫طويلة‪ ،‬تقدِّم لنا م�ش��هداً عاماً لحالة هذه الأ�س��رة البائ�س��ة‪.‬‬
‫قاربت اللوحة على االنتهاء الآن‪ ،‬فقد انفكت عقدة الحكاية‬ ‫بع��د البي��ت الراب��ع تتح��رك فج���أة عنا�صر اللوح��ة‪ ،‬عندما‪،‬‬
‫بظهور قطيع من حمر الوح�ش‪ ،‬ونجاة الولد من موت محقق‬ ‫يظهر في الأفق المظلم �شبح ل�شخ�ص‪ ،‬ربما يكون وح�شاً‪� ،‬أو‬
‫بع��د �أن كاد يكون وليمة لل�ضي��ف الغريب‪ ،‬كما انتهت معاناة‬ ‫وهم��اَ‪ .‬وقد يك��ون �ضيفاً‪ .‬ولكن ال وقت هنا للتخمين‪ ،‬فال بد‬
‫الأ�س��رة برمته��ا م��ن كونه��ا �س��تو�صم بالبخ��ل‪ ،‬عندما يظن‬ ‫من حل لهذه المع�ضلة‪.‬‬
‫النا�س �أنها امتنعت عن �إطعام �ضيفها‪.‬‬
‫ويح��ار الأب ماذا �س��يقدم من طع��ام بعد �أن ت�أكد له �أن هذا‬
‫غير �أن الحطيئة يرف�ض �أن يتوقف عند هذا الحد‪ ،‬فاللوحة‬ ‫القادم �ضيف‪ ،‬ولي�س لديهم ما ي�سد رمقهم‪.‬‬
‫لم تكتمل بعد‪ ،‬وما زالت بحاجة �إلى بع�ض اللم�سات بالألوان‬
‫االب��ن يتح��رك ويب��ادر‪ ،‬حاثاً �أباه �أن يبا�ش��ر بذبح��ه ليقدِّمه الفاتحة المفرحة هنا وهناك‪ ،‬ليعادل بها تلك القتامة التي‬
‫طعاماً للغريب!! و�إال ف�إن ال�ضيف �س��يظن بهم الظنون على ا�ستهل بها لوحته‪.‬‬
‫حد قول االبن‪�( ،‬سيظن لنا ماالً فيو�سعنا ذماً) و�سيدعي �أننا‬
‫انظر �إليه كيف يجعل كل �شيء يرق�ص ب�ألوان الفرح في تلك‬ ‫حرمناه من الطعام‪.‬‬
‫اللحظات الختامية من ملحمته‪:‬‬
‫ف��ي��ا ب�����ش��ره �إذ ج���� َّره����ا ن��ـ��ح��ـ��و ق��ـ��وم��ـ��ه‬ ‫ر�أى ���ش��ب��ح��اً و����س���ط ال���ظ�ل�ام ف��ـ��راع��ـ��ه‬
‫وي����ا ب�����ش��ره��م ل����مّا ر�أوا ك��ل��م��ه��ا ي��دم��ـ��ى‬ ‫ف����ل����مّا ب�����دا ���ض��ي��ف��اً ت�������س���وّر واه��ـ��ت��ـ��م��ـ��ا‬
‫وب��ات��وا ك��رام��اً ق��د ق�����ض��وا ح��� ّق �ضيفهـم‬ ‫وق�����ال ه��ي��ا ربّ اه ���ض��ـ��ي��ف��ـ��اً وال ق��ـ��رىً‬
‫وم����ا غ���رم���وا غ���رم���اً وق����د غ��ن��م��وا غنما‬ ‫ب���ح���قّك ال ت��ح��رم��ه ت��ال��ل��ي��ل��ة ال��ل��ح��ـ��م��ـ��ا‬
‫وب�����ات �أب����وه����م م���ن ب��ـ�����ش��ـ��ا���ش��ـ��ت��ـ��ه �أب���ـ���اً‬ ‫ف����ق����ال اب���ـ���ن���ـ���ه ل����ـ���� ّمـ����ا ر�آه ب��ـ��ح��ـ��ي��رة‬
‫ل�����ض��ي��ف��ه��م والأُ ّم م���ن ب�����ش��ـ��ره��ـ��م ُ�أ ّمـ�����ا‬ ‫�أي����ا �أب���ت���ى اذب��ح��ن��ي وي���� ّ���سر ل���ه طعـمـا‬
‫وال ت��ع��ت��ذر ب��ال��ع��دم ع���� ّل ال���ـ���ذي ط��ـ��رى‬
‫ي����ظ����نّ ل���ن���ا م�����اال ف��ـ��ي��و���س��ـ��ع��ـ��ن��ـ��ا ذ ّمـ�����ا‬
‫دموع الوداع‬
‫�شعر‪ :‬مو�سى الأمير‬

‫‪79 78‬‬
‫مار�س ‪� /‬أبريل ‪2010‬م‬ ‫ديوان الأم�س‪ ..‬ديوان اليوم‬

‫ديوان األمس ديوان اليوم‬


‫من��ذ الإع�لان ع��ن �ص��دور رواي��ة «الع��ون» ف��ي �ش��هر فبراي��ر م��ن الع��ام‬
‫الما�ض��ي‪ ،‬ع��رف نق��اد الأدب ف��ي �أمري��كا �أنه��م �س��يكونون �أم��ام عم��ل‬
‫�أدب��ي ممي��ز‪ ،‬لأن الرواي��ة ه��ي الأول��ى الت��ي ت�صدر ع��ن دار ن�ش��ر جديدة‬
‫تح��ت مظل��ة دار بنجوي��ن العمالق��ة والمعروف��ة عالمي��اً بن�ش��رها ل�ل�أدب‬
‫الكال�س��يكي‪ ،‬و�أي�ض��اً لأن دار الن�ش��ر الجدي��دة تحم��ل ا�س��م مح��ررة‬
‫معروف��ة ف��ي الأو�س��اط الأدبي��ة‪ ،‬الأم��ر ال��ذي كان ينب��ئ �س��لفاً بو�ص��ول‬
‫التعاون ما بين الروائي والمحرر �إلى م�س��توى غير م�س��بوق من التالحم‪.‬‬
‫فاطم��ة الجف��ري تعر���ض محتوى ه��ذه الرواي��ة الت��ي تتناول بع���ض �أوجه‬
‫التميي��ز العن�ص��ري ال��ذي كان قائماً في �أمريكا خ�لال الن�صف الأول من‬
‫�ستينيات القرن الما�ضي‪ .‬و�إن وجد البع�ض �أن مثل هذا المو�ضوع قد يكون‬
‫بعي��داً بع�ض ال�ش��يء عن اهتمام��ات القارئ العربي‪ ،‬فمما ال �ش��ك فيه �أن‬
‫ت�شكل تنويعاً مده�شاً ومختلفاً عما �ألفناه‪.‬‬
‫المعالجة الأدبية ِّ‬

‫«العون»‬
‫رواية يحكيها �شاه ٌد من �أهلها‬
‫‪81 80‬‬

‫م��ن حكاي��ات �آيبلي��ن نتع��رف �إل��ى �ش��خ�صيات �أخ��رى‪.‬‬ ‫لأن هذا ما يفعله الأدب‪� .‬شم� ٌ��س تغمرك‪� ،‬أو ظال ٌم يبتلعك‪ .‬تراه ي�ش�� ّل ذرات‬
‫نتع��رف �إل��ى مين��ي‪ ،‬الخادمة ال�س��وداء الت��ي تُطرد مرة‬ ‫اله��واء حول��ك‪ ،‬يخر���س كل �ش��ي ٍء بج ٍ��د وتف��انٍ ك��ي ال يبق��ى �س��وى الكلم��ات‬
‫بع��د م��رة من بي��وت م�س��تخدميها لح��دة طباعه��ا رغم‬ ‫المكتوبة‪ .‬ح�سها المت�صاعد‪ ،‬ونب�ضها الحي‪ ..‬هذا ما يفعله الأدب‪ .‬وهذا ما‬
‫�أنه��ا �أمهر الطه��اة في المدينة ال�صغي��رة‪ .‬ونتعرف �إلى‬ ‫تفعله رواية «العون» لمن يقر�أها‪.‬‬
‫هيلي هولبروك‪ ،‬ال�سيدة التي يروق لها �أن تجمع مقاليد‬
‫�أم��ور المدين��ة ب�أكمله��ا ف��ي قب�ضتها رغم �أنه��ا ما زالت‬ ‫عندم��ا تحكي �آيبلين لأول مرة في �أغ�سط���س ‪1962‬م‪ ،‬ي�أتينا‬
‫ف��ي الثالثة والع�ش��رين من العمر‪ .‬ونتع��رف �إلى يوجينيا‬ ‫لفح ال�شم�س‪ ،‬ونرى حبات العرق تلمع على الجبين الأ�سود‪..‬‬
‫في�لان‪ ،‬الفت��اة الت��ي تعوّد ال��كل على مناداتها ب�س��كيتر‪،‬‬ ‫تحك��ي ع��ن ال�صغي��رة ماي‪-‬موبل��ي‪ ،‬ووالدته��ا �إليزابي��ث‬
‫والت��ي ع��ادت للت��و م��ن خ��ارج المدين��ة حامل�� ًة �ش��هادة‬ ‫ليفول��ت‪ .‬ومن��ذ البداية‪ ،‬لك��ن دونما �أية عجلة‪ ،‬تق��ول �آيبلين‬
‫جامعي��ة ف��ي الأدب الإنجلي��زي‪ .‬وعلى يد �س��كيتر‪ ،‬رغم‬ ‫�إنها تعتني بالأطفال البي�ض‪ .‬وبهذا التعريف الب�سيط نعرف‬
‫هدوئه��ا الذي قد يخطئ البع���ض �أحيان ًا فيظنه خنوعاً‪،‬‬ ‫�أن الرواي��ة ه��ي ع��ن نظرتي��ن‪ ،‬جانبي��ن‪ ،‬عالمي��ن‪� .‬أحدهما‬
‫تح��اك �أح��داث «الع��ون» م��ن ت�ألي��ف الأمريكي��ة كاثرين‬ ‫�أبي�ض والآخر �أ�س��ود‪ ،‬بالمعنى الحرفي للألوان‪ ،‬ال كما يروق‬
‫�ستوكت‪.‬‬ ‫للأدباء ا�ستخدامهما ت�ساه ًال لت�صنيف الخير وال�شر‪.‬‬
‫مار�س ‪� /‬أبريل ‪2010‬م‬

‫ر�سوم المو�ضوع‪ :‬المحترف ال�سعودي ‪ -‬عمر �صبير‬


‫تع��ود �س��كيتر �إل��ى مدينته��ا تحل��م بالعم��ل ككاتبة‪ ،‬فترا�س��ل �صداقتها‪ .‬وبين ال�ش��خ�صيات الثالث ال�سابقة يظهر التوازن‬
‫مجموع��ة لي�س��ت بالوا�س��عة م��ن دور الن�ش��ر‪ ،‬حت��ى ي�صله��ا اللم��اح بي��ن حكمة �آيبلي��ن وحدّة مين��ي‪� ،‬أما حيادية �س��كيتر‬
‫�أخي��ر ًا ر ٌد م��ن �إحداه��ا تن�صحه��ا المح��ررة في��ه بالكتاب��ة بينهما فقد زادت من ت�ألق االثنتين‪.‬‬
‫عم��ا يزعجه��ا‪ ..‬لعل ما تكتبه ي�صلح للن�ش��ر‪ .‬وتكتب �س��كيتر‬
‫ف��ي مو�ضوعات ب��اردة على اختالفه��ا‪ ،‬دون �أن تقتنع حقيق ًة هيل��ي �أخي��راً‪ ،‬هي �أكث��ر �ش��خ�صيات الرواية �أحادي��ة‪ ،‬وربما‬
‫بقيم��ة م��ا تكتب��ه‪� ،‬إل��ى �أن تطلب منه��ا هيلي م�س��اعدتها في القارئ الذي �ش��اهد الفِلم الأمريكي (ابت�سامة الموناليزا ‪-‬‬
‫كتابة م�ش��روع حملة‪ ،‬تدعو فيها ال�س��يدات البي�ض �إلى �إدراج ‪2003‬م) يتذك��ر م��ع هيلي �ش��خ�صية بيتي وارن ف��ي الفِلم‪..‬‬
‫حمام��ات خا�ص��ة بـ«الملوني��ن»‪ ،‬كم��ا ت�صفه��م‪ ،‬ف��ي �أفني��ة ال�ش��ابة الأمريكي��ة البي�ضاء التي تكبت م�ش��اعرها‪ ،‬وتختلط‬
‫المن��ازل الخلفي��ة للوقاي��ة من �إ�صابة الأ�س��ر �أفكاره��ا وت�صرفاتها بنفحة من تع�ص��ب ي�ضحي معه الفرق‬
‫البي�ضاء بالأمرا�ض‪ .‬هنا يهتز هدوء �سكيتر‪ ،‬بين الالئق وغير الالئق اجتماعي ًا فرق ًا بين الحياة والموت‪.‬‬ ‫اللهجة التي تكتب بها‬
‫ويت�ش��كل �أمامها بالتدريج ما تريد �أن ترويه‪.‬‬ ‫الرواية‪� ،‬أ�ضافت متع ًة‬
‫كتابٌ تحكي فيه الخادمات ال�س��ود‪ ،‬ب�أ�س��ماء الرواية هي عن الكوالي���س الخلفية لم�ش��روع الكتاب‪ ،‬وتُروى‬ ‫خا�صة للقارئ الذي‬
‫م�س��تعارة‪ ،‬حكاياتهن عن الخدمة في منازل ب�أ�ص��وات ال�ش��خ�صيات الث�لاث‪� :‬آيبلي��ن ومين��ي و�س��كيتر‪،‬‬ ‫تع َّود على الإنجليزية‬
‫يتناوب��ن على رواية �أحداثها كما يرينها‪ ،‬و�إن كان االختالف‬ ‫الأ�سر البي�ضاء‪.‬‬ ‫الر�صينة فيما يقر�أه‬
‫في ر�ؤاهن وروايتهن للأحداث لي���س كما قد يتوقعه القارئ‪.‬‬
‫وبي��ن التردد والح�س��م‪ ،‬وال�ش��ك والثقة‪ ،‬والخ��وف والرجاء‪،‬‬ ‫فيه ثالثة ع�شر‪..‬‬
‫ومع هذا الحلم �أو القرار‪ ،‬كيفما يريد القارئ ت�سميته‪ ،‬تظهر تنتظ��م �أكث��ر م��ن ع�ش��ر خادم��ات‪ ،‬واح��د ًة بع��د الأخ��رى‪،‬‬
‫الطيَّ��ات المخفي��ة ل��كل �ش��خ�صيات الرواي��ة‪ .‬عندم��ا قررت ف��ي حكاياته��ن ل�س��كيتر‪ .‬وفي الخام���س ع�ش��ر من دي�س��مبر‬
‫��اب كهذا‪ ،‬كان��ت في حقيق��ة الأمر ‪1963‬م‪ ،‬بع��د �أكث��ر من �س��نة م��ن بداية العمل عل��ى الكتاب‪،‬‬ ‫�س��كيتر �أن تعم��ل عل��ى كت ٍ‬
‫�لا ا�ضطلع ب�أمرٍ ال يدري تمام ًا ما يتطلبه من �ش��جاعة �أو تر�س��له �سكيتر للمحررة‪ ،‬وتنتظر وينتظر معها كل من �أ�سهم‬ ‫بط ً‬
‫في الكتاب‪ ،‬الرد‪.‬‬ ‫ت�ضحية‪.‬‬

‫ما دفع �س��كيتر �إلى ا�س��تنكار حملة هيلي �أتى من �إح�سا�س��ها من ق�ص�ص الن�ساء‪..‬‬ ‫‪83 82‬‬
‫«الع��ون» ت��دور ف��ي عال��م الن�س��اء‪ .‬بداي�� ًة م��ن مو�ضوعه��ا‬ ‫الفطري بالعدالة‪ ،‬ولي���س من وعيٍ ن�ش��ط بم��ا يحتدم حولها‬
‫(العالقة بين �سيدة المنزل والخادمة) ومرور ًا ب�شخ�صيـات‬ ‫م��ن �أح��داث �س��ميت فيم��ا بع��د بحرك��ة الحق��وق المدني��ة‪..‬‬
‫الرواي��ة الرئي�سـ��ة (�آيبلي��ن‪ /‬مين��ي‪� /‬س��كيتر)‪ ،‬وانته��ا ًء‬ ‫الحرك��ة ال�ش��عبية الت��ي كان مارت��ن لوث��ر كن��ج م��ن قادتها‪،‬‬
‫بالح�ض��ور الباه��ت للرج��ل الغائب عن عمد‪ .‬ربم��ا كان �أكثر‬ ‫وقادت الأمريكان ال�س��ود في نهاي��ة الأمر �إلى الح�صول على‬
‫رج��ال الق�ص��ة ح�ضور ًا ه��و ابن �آيبلين تريل��ور‪ ،‬المتوفى قبل‬ ‫حقوقهم الكاملة‪.‬‬
‫�سنتين من بداية �أحداث الق�صة‪.‬‬
‫�آيبلي��ن‪ ،‬من ناحية �أخرى‪ ،‬وهي الخادمة الأولى التي عر�ضت‬
‫عليها �س��كيتر الم�ش��اركة في الكتاب‪ ،‬كان��ت واعية تمام ًا لكل وفي عالم الن�س��اء‪ ،‬تجد التعاطف والفهم جنب ًا �إلى جنب مع‬
‫كتاب كهذا‪ .‬هذه الحكمة نف�س��ها هي الكيد الالذع والظرف الحاد‪.‬‬ ‫ما تعنيه الم�ش��اركة في ٍ‬
‫الت��ي دفعتها ف��ي البداية �إلى رف�ض عر�ض �س��كيتر ثم قبوله‪،‬‬
‫ثم تجنيد بقية الخادمات‪ ،‬وميني �أولهن‪ ،‬للم�شاركة في كتاب �ش��خ�صيات كاثري��ن �س��توكت ل��م ِّ‬
‫تق�ص��ر ف��ي تخيي��ب �أم��ل‬
‫فيه قطع مورد رزقهن �إن افت�ضح �أمره بين �سيدات المدينة‪ .‬الق��ارئ الذي ينتظر �أن تخيّب ال�صفح��ة التالية �أمله‪ .‬وربما‬
‫ي�ص��ل مك��ر الن�س��اء ذروته عندما يكت�ش��ف الق��ارئ ما فعلته‬
‫ميني �أي�ضاً‪ ،‬الطاهية الق�صيرة الممتلئة التي ال ت�س��تطيع �أن �س��كيتر لت�س��اعد هيل��ي ف��ي حمل��ة «الحمام��ات»‪� ،‬أو عندم��ا‬
‫ت�سكت على ماال ير�ضيها في عملها‪ ،‬نراها امر�أ ًة م�ست�ضعف ًة ي��زاح ال�س��تار عم��ا فعلته ميني ف��ي ذروة غ�ضبه��ا من �إحدى‬
‫�أم��ام الرج��ل ال��ذي تح��ب‪ ،‬و�أم�� ًا تمار���س دوره��ا باقت��دار‪� ،‬ش��خ�صيات الرواي��ة‪ .‬ولع��ل الروائي��ة التي وازن��ت بين رحلة‬
‫و�صديق�� ًة مخل�ص��ة و�إن لم يكن من ال�س��هل على الكل ك�س��ب �س��كيتر م��ع م�ش��روعها لتدوي��ن حكاي��ات الخادمات ال�س��ود‪،‬‬
‫مار�س ‪� /‬أبريل ‪2010‬م‬ ‫«العون»‪..‬‬

‫و�أ�ضف��ت تحدي�� ًا م�س��تع�صي ًا عل��ى الح��ل لم��ن يتول��ى ترجمة‬ ‫ورحلته��ا الذاتية الكت�ش��اف ما تريد تحقيق��ه في حياتها‪ ،‬قد‬
‫الرواي��ة �إل��ى العربية �أو �إلى لغة �أخرى‪ ،‬فكيف لأية لغ ٍة �أخرى‬ ‫خ�شيت �أن ي�ضعف �أحد المحورين الآخر‪ ،‬فاختارت �أن يكون‬
‫�أن تت�ش��كل بما يقترب من حدود هذه اللهجة التي تروي‪ ،‬في‬ ‫�صوت رحلة �س��كيتر الذاتية خافت ًا بالمقارنة بالحدث المهم‬
‫حد ذاتها‪ ،‬رواية �أخرى‪ .‬التفرقة العن�صرية التي عانى منها‬ ‫وهو العمل على الم�شروع‪ .‬وقد �أ�سهم هذا من ناحية في ت�ألق‬
‫الأمري��كان ال�س��ود لي�س��ت مو�ضوع ًا وثي��ق ال�صل��ة بالجمهور‬ ‫المح��ور الأ�سا�س��ي للرواية‪ ،‬لكن��ه �أي�ض ًا ترك خيط�� ًا مفتوح ًا‬
‫العرب��ي‪ ،‬لك��ن نج��اح رواي��ة «الع��ون» ال ي�أتي م��ن مو�ضوعها‪،‬‬ ‫كاف‪.‬‬ ‫للقارئ من دون �أن يجيب عن ت�سا�ؤالته ب�شكل ٍ‬
‫ب��ل م��ن �صياغتها لأح��داث يومي��ة و�أخرى م�صيري��ة بمهارة‬
‫ا�س��تثنائية لروائي��ة تطرح عمله��ا الأول‪ .‬ه��ي بالت�أكيد تنوي ٌع‬ ‫اللهج��ة الت��ي تكتب به��ا �س��توكت روايتها على ل�س��اني �آيبلين‬
‫مختل��ف لم��ا تعوَّد الق��ارئ ال�س��عودي عل��ى مطالعت��ه محت ًال‬ ‫ومين��ي‪ ،‬وه��ي لهج��ة الزنوج وقت��ذاك‪� ،‬أ�ضافت متع�� ًة خا�صة‬
‫رفوف المكتبات من الروايات الغربية الأكثر مبيعاً‪.‬‬ ‫للق��ارئ المتع��ود عل��ى الإنجليزي��ة الر�صين��ة فيم��ا يق��ر�أه‪.‬‬

‫الروائية والمحررة‬
‫�صناعة الن�شر‪ .‬التعاون الوثيق الذي ين�ش�أ بين الكاتب‬ ‫م��ن هي �آمي اينه��ورن‪ ،‬ولم نبد�أ الحديث بال�س���ؤال عنها‬
‫ومحرره لي���س غريب ًا في �صناعة الن�ش��ر بالإنجليزية‪،‬‬ ‫بد ًال من التعريف بكاثرين �ستوكت‪ ،‬م�ؤلفة الرواية؟‬
‫�إنم��ا «الع��ون» كان��ت نموذج�� ًا �صارخ�� ًا لم��ا يمك��ن �أن‬
‫يفعل��ه النا�ش��ر‪/‬المحرر الناج��ح لتجرب��ة الكات��ب‬ ‫للإجاب��ة ع��ن الج��زء الأول م��ن ال�س���ؤال نق��ول �إن �آم��ي‬
‫الأولى‪ .‬في �صفحة ال�ش��كر التي �أتت في �آخر الرواية‪،‬‬ ‫اينه��ورن مح��ررة �أمريكي��ة ب��د�أت م�ش��وارها العمل��ي في‬
‫تب��د�أ �س��توكت بالثن��اء على اينه��ورن‪ ،‬المح��ررة التي‬ ‫بداي��ة الت�س��عينيات‪ ،‬فالتحقت بق�س��م التحرير في �إحدى‬
‫لواله��ا لما نجحت تج��ارة ورق المالحظات الال�صقة‬ ‫دور الن�شر الأمريكية الرائدة‪ ،‬ومنها تنقلت بين عدد من‬
‫ال�صف��راء‪ ،‬ف��ي �إ�ش��ارة �ضاحك��ة للكمي��ة الهائل��ة من‬ ‫الوظائ��ف التحريري��ة حتى تول��ت م�ؤخر ًا من�صب رئي���س‬
‫المالحظ��ات والتعدي�لات الت��ي طالبت به��ا اينهورن‬ ‫المحررين في دار «جراند �س��نترال ببلي�شنج» الأمريكية‪.‬‬
‫قب��ل �أن ت�س��مح للن���ص بالذه��اب �إل��ى المطبعة‪ .‬هذه‬ ‫�أ�ش��رفت على ن�شر عدد من الكتب التي و�صلت �إلى قائمة‬
‫المالحظ��ات تنقّب عن �أف�ض��ل و�أجود و�أجمل ما لدى‬ ‫النيوي��ورك تايم��ز لأكث��ر الكت��ب مبيع��اً‪ ،‬ومنه��ا «�أرمل��ة‬
‫الكاتب من ح���س وذوق ومهارة �سردية‪ .‬والرواية التي‬ ‫الجن��وب» لروب��رت هِ ك���س‪ ،‬و«جمعي��ة القبع��ة الحم��راء»‬
‫�أت��ت خالية م��ن عثرات التج��ارب الأولى �ش��اه ٌد على‬ ‫ل�س��و �إلي��ن كوبر‪ .‬في الع��ام ‪2007‬م دعته��ا دار «بنجوين»‬
‫نتيجة الجهد‪.‬‬ ‫العمالقة للن�ش��ر كي ت�ؤ�س�س �شركتها الخا�صة تحت مظلة‬
‫ال�ش��ركة الأم‪ .‬وبالفعل‪ ،‬ت�أ�س�س��ت دار «كتب �آمي اينهورن»‬
‫�أخي��راً‪ ،‬وم��ن دون �أن ي�ضطر القارئ �إلى ال�س���ؤال مر ًة‬ ‫في نف���س الع��ام‪ ،‬و�أ�صدرت �أول كتبها‪ ،‬وه��ي الرواية التي‬
‫�أخ��رى‪ ،‬كاثرين �س��توكت ه��ي ابنة جاك�س��ون‪ ،‬المدينة‬ ‫نح��ن ب�صددها هنا‪ ،‬في فبراير من ‪2009‬م‪ .‬وتتخ�ص�ص‬
‫ال�صغي��رة ن�س��بي ًا عا�صم��ة والي��ة الم�سي�س��بي‪ ،‬والت��ي‬ ‫ال��دار في ن�ش��ر ما ت�صف��ه اينهورن بالكتاب��ة اللماحة‪ ،‬مع‬
‫تدور فيها �أحداث «العون»‪ .‬تخرجت من ق�س��م الكتابة‬ ‫تركيز خا�ص على الرواية الق�ص�صية الممتعة كمعيار لما‬
‫الإبداعي��ة ف��ي جامع��ة �أالبام��ا‪ ،‬وانتقل��ت بعده��ا �إل��ى‬ ‫ين�شر‪.‬‬
‫نيوي��ورك لتعم��ل في ت�س��ويق ع��دد من المج�لات لمدة‬
‫�أما �إجابة الجزء الثاني من ال�س�ؤال‪ ،‬والذي ربما كان �س��نوات ت�س��ع‪ ،‬حت��ى قدمته��ا اينه��ورن لأول م��رة ف��ي‬
‫�أكث��ر �أهمي��ة من الأول‪ ،‬فه��و �أن رواي��ة «العون» تطرح «العون»‪ .‬تعي���ش �س��توكت الي��وم في مدين��ة �أطلنطا مع‬
‫�أ�س��ئل ًة مثي��ر ًة لالهتم��ام ع��ن التج��ارب الأول��ى ف��ي زوجها وابنتها‪.‬‬
‫«العون»‪..‬‬
‫مقتطفات من الرواية‬

‫مقتطفات‬
‫�آيبلين ‪ -‬الف�صل الأول‬
‫�أغ�سط�س ‪1962‬م‬
‫�أعتن��ي بالأطف��ال البي���ض‪ ،‬ه��ذا م��ا �أفعل��ه‪ ،‬م��ع كل الطب��خ‬
‫والتنظي��ف‪ .‬ف��ي حيات��ي ربيت على يدي �س��بعة ع�ش��ر طفالً‪.‬‬
‫�أعرف كيف �أجعله��م ينامون‪ ،‬يتوقفون عن البكاء‪ ،‬ويق�ضون‬
‫الق�صرية قبل �أن ت�ستيقظ �أمهاتهم من النوم‪.‬‬ ‫حاجتهم على ْ‬
‫عندم��ا �أتم��ت ماي‪-‬موبل��ي ال�س��نة‪ ،‬كان��ت تتبعن��ي كظل��ي‪،‬‬
‫وعندما ت�أتي الخام�س��ة ع�صراً‪� ،‬أجدها وقد تعلقت بحذائي‪،‬‬ ‫�لا ي�صرخ كما ت�ص��رخ ماي‪-‬موبلي‬ ‫لكن��ي ل��م �أر من قبل طف ً‬
‫وجُ ��رّت م��ن دون ق�ص��د من��ي عل��ى الأر�ضية‪ ،‬باكي��ة تنتحب‪.‬‬ ‫ليفول��ت‪ .‬عندم��ا زرته��م لأول م��رة‪ ،‬كان��ت �أول م��ن ر�أي��ت‪،‬‬
‫وت�أتي م���س ليفولت فتنظ��ر �إلي بعينين �ضيقتين مت�ش��ككتين‬ ‫�صغي��رة محم��رة الوج��ه‪ ،‬ت�صي��ح م��ن المغ���ص‪ ،‬وتم�س��ك‬
‫وك�أنم��ا �أجرم��تْ ‪ ،‬وتنتزع ال�صغيرة الباكي��ة عن قدمي‪� .‬أظن‬ ‫بالر�ضاع��ة ك�أنم��ا تم�س��ك بلفت��ة متعفن��ة‪� ،‬أم��ا م���س ليفولت‬
‫ّ‬
‫�أن ه��ذه �ضريب��ة تدفعه��ا �إن ترك��ت �ش��خ�ص ًا �آخ��ر يربي لك‬ ‫فكانت تنظر �إلى ابنتها في فزع وت�س�ألني‪« :‬ما خطبها؟ لم ال‬
‫�أطفالك‪.‬‬ ‫�أ�ستطيع �أن �أخر�س هذا ال�شيء؟»‪.‬‬

‫الي��وم ماي‪-‬موبل��ي ف��ي الثاني��ة م��ن العم��ر‪ .‬بعيني��ن بنيتين‬ ‫ال�ش��يء؟ كان هذا �أول تلميح‪� .‬أحوال هذا المنزل لي�ست على‬
‫كبيرتي��ن‪ ،‬و�ش��عر متموج بلون الع�س��ل‪ ،‬لكن البقع��ة ال�صلعاء‬ ‫ما يرام‪.‬‬
‫في م�ؤخرة ر�أ�س��ها تف�س��د الأمور نوع ًا ما‪ .‬ورثت عن والدتها‬
‫تجعي��دة لطيف��ة بين حاجبيها عندما ت�س��تغرق ف��ي التفكير‪،‬‬ ‫حملت ال�صغيرة الزاعقة بين ذراعي‪ ،‬و�أ�س��ندتها على ردفي‬
‫لك��ن طفلت��ي ال�صغيرة �س��مينة ج��داً‪ ،‬و�أعرف �أنه��ا لن تكبر‬ ‫لتتخل���ص معدته��ا من الغازات المزعجة‪ ،‬ول��م تمر دقيقتان‬
‫لت�صبح ملكة جمال‪� .‬أعتقد �أن هذا يزعج م�س ليفولت‪ ،‬لكنه‬ ‫حتى توقفت ال�صغيرة عن البكاء‪ ،‬وتطلعت �إلي تبت�س��م‪ ،‬لكن‬
‫ال يزعجني‪ .‬ماي‪-‬موبلي هي طفلتي الغالية‪.‬‬ ‫م���س ليفولت؟ لم تقترب من ابنتها لبقية اليوم‪ .‬ر�أيت كثير ًا‬ ‫‪85 84‬‬
‫م��ن ال�س��يدات ي�صب��ن باكتئاب م��ا بعد ال��والدة‪ ،‬وظننته في‬
‫ميني ‪ -‬الف�صل الثالث‬ ‫البداية ال�سبب‪.‬‬

‫واقف�� ًة عل��ى �ش��رفة ال�س��يدة البي�ض��اء �إياه��ا‪� ،‬أق��ول لنف�س��ي‬ ‫هن��اك �ش��ي ٌء �آخ��ر ب�ش���أن م���س ليفولت‪� :‬إنه��ا مك�ش��رّة طوال‬
‫احفظيه بداخلك يا ميني‪ .‬احفظي �أي ًا ما كان بداخلك كيال‬ ‫الوق��ت‪ ،‬نحيلة ولها �س��اقان كبراعم نمت الأ�س��بوع الما�ضي‪.‬‬
‫يطي��ر م��ن فم��ك‪ .‬تظاهري ب�أن��ك خادم��ة تفعل م��ا ت�ؤمر به‬ ‫ف��ي الثالث��ة والع�ش��رين م��ن العم��ر‪ ،‬لكنه��ا تب��دو ك�صبيٍ في‬
‫فق��ط‪ .‬الحقيق��ة �أنن��ي متوترة ج��د ًا الآن‪ ،‬لدرج��ة �أنني قد ال‬ ‫الرابعة ع�ش��رة‪ .‬حتى �ش��عرها البني خفيف‪ ،‬وي�ستطيع المرء‬
‫�أجادل مرة �أخرى �إن كان هذا يعني ح�صولي على الوظيفة‪.‬‬ ‫�أن ي��رى من خالله جلد ر�أ�س��ها‪ .‬تحاول �أحيان�� ًا �أن تنفخ فيه‬
‫الروح‪ ،‬لكن النفخ ال يزيده �إال خفةً‪ .‬وجهها له �شكل ال�شيطان‬
‫�أ�ش��د جورب��ي �إلى الأعلى كي�لا يتدلى حول قدم��ي ‪-‬لعنة كل‬ ‫الأحمر المر�سوم على علبة الحلوى الحمراء‪ ،‬بذقنه المدبب‬
‫الن�س��اء ال�س��مينات الق�صيرات حول العالم‪ -‬ثم �أ�ستذكر ما‬ ‫وكل �ش��يء في��ه‪ .‬الحقيق��ة �أن ج�س��دها ب�أكمل��ه مل��يء بعق��د‬
‫يقال‪ ،‬وما ال يقال‪� .‬أ�ستجمع �شجاعتي و�أدق الجر�س‪.‬‬ ‫وزواي��ا ح��ادة‪ ،‬ف�لا عجب �أنها ال ت�س��تطيع �أن ته��دئ من روع‬
‫ابنته��ا‪ .‬الأطفال يحبون الج�س��د المكتن��ز‪ .‬يحبون �أن يدفنوا‬
‫ي��دوي �ص��وت الجر���س بينج‪-‬بون��ج‪ ،‬جمي��ل و�أني��ق كم��ا يليق‬ ‫وجوههم في ح�ضنك وي�ست�س��لموا للنعا���س‪ .‬هم يحبون �أي�ض ًا‬
‫بهذا الق�صر الكبير في ال�ضواحي‪ .‬بنا ٌء رمادي ي�ش��به القلعة‬ ‫الأرجل المكتنزة �أي�ضاً‪ .‬هذا �أعرفه يقيناً‪.‬‬
‫مار�س ‪� /‬أبريل ‪2010‬م‬ ‫«العون»‪..‬‬

‫يعل��و ف��ي ال�س��ماء‪ ،‬ويمتد يمين�� ًا و�ش��ما ًال �أي�ضاً‪،‬‬


‫والغابات تحيط بال�سياج من كل ناحية‪� .‬إن كان‬
‫هذا البيت في ق�صة‪ ،‬ف�ستقطن في هذه الغابات‬
‫�ساحرات من النوع الذي ي�أكل الأطفال‪.‬‬

‫ينفتح الباب الخلفي‪ ،‬وتقف وراءه م���س مارلين‬


‫مونرو‪� ،‬أو �شيء �شديد ال�شبه بها‪.‬‬

‫«�أهالً‪� .‬أتيتِ في موعدك تماماً‪� .‬أنا �سيليا‪� .‬سيليا‬


‫راي فوت»‪.‬‬

‫تم��د ال�س��يدة البي�ض��اء يده��ا لم�صافحت��ي‪ ،‬لكن��ي �أتوق��ف‬


‫لأت�أمله��ا‪ .‬ربم��ا ت�ش��به مارلي��ن‪ ،‬لكنه��ا لي�س��ت م�س��تعدة على‬
‫الإطالق لتظهر على �أي �شا�شة‪ .‬الدقيق على ت�سريحة �شعرها‬
‫الأ�صف��ر‪ .‬الدقي��ق عل��ى رمو�ش��ها ال�صناعي��ة‪ .‬والدقي��ق على‬
‫ثيابه��ا الزهري��ة المبتذلة‪� .‬أت�س��اءل كيف يمكنها �أن تتنف���س‬
‫بينم��ا تق��ف �أمامي في بذلته��ا ال�ضيقة‪ ،‬وحولها �س��حابة من‬
‫الدقيق الأبي�ض‪� .‬أقول‪« :‬نعم يا �سيدتي‪� .‬أنا ميني جاك�سون»‪.‬‬
‫و�أع��دّل م��ن مريول��ي الأبي���ض متجاهل�� ًة يده��ا المم��دودة‪.‬‬
‫ال �أريد �أن ينتقل هذا الغبار �إلي‪.‬‬

‫�أ�س�أل‪�« :‬أتطبخين؟»‪.‬‬
‫تق��ول‪�« :‬أج��رب �أن �أع��د واح��دة م��ن الكعكات ال�ش��هية‬
‫في المجلة»‪ ..‬تتنهد‪« .‬ال يبدو �أنها �س��تكون لذيذة على‬
‫يدي»‪.‬‬

‫عندم��ا �أتبعها للداخل‪� ،‬أدرك �أن م���س �س��يليا راي فوت‬


‫ل��م تعان �س��وى م��ن ر�ضة ٍخفيف��ة في كارث��ة الدقيق‪.‬‬
‫الحادث الأليم كان من ن�صيب المطبخ‪ .‬ربع �إن�ش من‬
‫الدقي��ق الثلجي يحيط بالثالجة‪ ،‬الطاولة‪ ،‬والخالط‪..‬‬
‫وكل �ش��يء �آخ��ر‪ .‬هذا الن��وع م��ن الفو�ضى العارم��ة يقودني‬
‫�إل��ى الجن��ون‪ .‬لم �أُعيَّ��ن بعد‪ ،‬وه�أنذا �أبحث ف��ي الحو�ض عن‬
‫ا�سفنجة التنظيف‪.‬‬

‫قالت م�س �سيليا‪�« ،‬أظن �أنني مازلت �أحتاج للتعلم»‪.‬‬


‫قلت‪« :‬بالت�أكيد تحتاجين‪ »..‬ثم ع�ض�ضت على ل�س��اني‪� .‬إياك‬
‫وجدال هذه البي�ضاء يا ميني كما فعلتِ مع الأخريات‪� .‬إياك‬
‫وجدالها حتى ت�سوقيها لدار العجزة‪.‬‬
‫قول آخـر‬

‫جغرافياً‪ ،‬وتفاع ًال تاريخياً‪ .‬وهذه الثقافات لي�ست‬ ‫�أمام معظم الق�ضايا الثقافية المثيرة للجدل �أو‬
‫مجرد منبت لبع�ض الأعالم في الع�صر الحديث و�صل‬ ‫االنق�سام �أو النقد مثل الق�صة الق�صيرة‪ ،‬وال�شعر‬
‫�إنتاجهم �إلينا عن طريق جائزة نوبل‪� ،‬أو فِلم �سينمائي‬ ‫الحديث والرواية وحتى الر�سم والمو�سيقى‪ ..‬نجد‬
‫�أمريكي‪� ..‬إنها ح�ضارات يتكامل فيها الأعالم الذين‬ ‫«المثال الغربي» حا�ضر ًا في كل مناق�شة‪� ،‬سواء �أتمثل‬
‫لمعت �أ�سما�ؤهم على م�ستوى الإن�سانية مع التحديات‬ ‫هذا الح�ضور ب�شكل دعوة �إلى اال�ستفادة من «الدر�س‬
‫المحلية التي تثيرها م�سيرة التطور على م�ستوى الآداب‬ ‫الغربي المتطور» في هذا ال�ش�أن �أو ذاك‪� ،‬أم كان نقد ًا‬
‫والفنون ب�أ�سرها‪ .‬ومما ال �شك فيه �أن لهذه الثقافات‬ ‫لما هو عليه حال هذه ال�ش�أن في الغرب‪.‬‬
‫�أجوبتها المختلفة‪ ،‬وتقترح بع�ض الحلول‪ ،‬والم�ؤكد �أنها‬
‫نجحت في مو�ضوعات عديدة مازلنا نتخبط فيها بحث ًا‬ ‫والواقع �أن هذا الح�ضور القوي للثقافة «الغربية»‬
‫عن حلول‪.‬‬ ‫ب�صفتها «�أ�ستاذاً» �أو «نداً» �أو «تحدياً» �أو «عدواً»‪ ،‬له‬
‫�أ�سباب كثيرة تف�سره‪� ،‬أطلت منذ بدايات القرن التا�سع‬
‫عندما نراجع اال�ست�شهادات والأمثلة في الأبحاث‬ ‫ع�شر‪� ،‬أي قبل فترة اال�ستعمار الأوروبي المبا�شر لبع�ض‬
‫المكتوبة �أو في الحوارات ال�شفهية‪ ،‬قد اليطالعنا‬ ‫البلدان العربية‪ ،‬وت�ستمر اليوم بفعل تطور و�سائل‬
‫منها ما هو هندي �أو �صيني الم�صدر‪� ،‬أكثر من واحد‬ ‫االت�صال «والتبادل» على الم�ستوى الثقافي بدء ًا بحركة‬
‫على مليون (�شخ�صياً‪ ،‬ال �أذكر �أني قر�أت �أو �سمعت‬ ‫ال�سفر و�صو ًال �إلى برامج التلفزيون ون�شر المطبوعات‬
‫ا�ست�شهاد ًا �شفهي ًا هندي �أو �سيامي �أو �صيني الم�صدر)‪،‬‬ ‫ما �شابه‪.‬‬
‫حتى ليبدو وك�أننا ن�صر �أو نحر�ص على �أ َّال يت�سلل �إلى‬
‫عقولنا �شيء من المعرفة عن طريق ال�شرق‪.‬‬ ‫ل�سنا هنا التخاذ موقف من نوع «مع و�ضد»‪ .‬ولكن‬
‫للت�سا�ؤل عن ال�سبب‪� ،‬أو جملة الأ�سباب الغام�ضة‪ ،‬التي‬
‫وكما �أننا ل�سنا هنا ب�صدد اتخاذ �أي موقف من‬ ‫دفعت المثقف العربي �إلى الإ�شاحة بوجهه‪ ،‬وب�شكل‬
‫«التغرب» الثقافي‪ ،‬ف�إننا ل�سنا هنا للدعوة �إلى‬
‫«الت�شرق»‪ ،‬ولكن لالعتراف بوجود م�ساحة بي�ضاء في‬
‫ثقافتنا الآ�سيوية‪ ،‬حتى في �أب�سط �أ�شكالها المقت�صرة‬
‫على المعلومات المجردة‪.‬‬
‫ثقافتنا �آ�سيوياً‪..‬‬ ‫‪87 86‬‬

‫فقد يمكن لمعالجة الإ�شكاليات الثقافية على الم�ستوى‬ ‫�صفحة بي�ضاء‬


‫الآ�سيوي �أن يكون «در�ساً» مفيداً‪ ،‬وقد ال يكون كذلك‪.‬‬
‫ولكن مما ال �شك فيه �أن �سيكون ال�ستطالع �أحوال هذه‬
‫الثقافات وما تنتجه‪� ،‬أثر ًا �إيجابي ًا على ثقافتنا العربية‪،‬‬ ‫�شبه تام‪ ،‬عن ثقافات عظيمة وعريقة مثل الثقافات‬
‫ال يقت�صر على انتعا�شها بالجديد المختلف‪ ،‬بل لأن كل‬ ‫الآ�سيوية‪ .‬حتى �أن النذر الي�سير الذي يعرفه عنها‬
‫معلومة مهما كانت دقيقة ومجرَّدة عندما ت�ضاف �إلى‬ ‫و�صله عن طريق الغرب‪ ،‬ولي�س مبا�شرة‪ ،‬رغم القرب‬
‫معلومة دقيقة ومجردة �أخرى‪ ،‬ت�صبح قابلة لأن تكون‬ ‫الجغرافي‪.‬‬
‫م�صدر فكرة‪.‬‬
‫ال يمكن لعاقل �أن ينكر عظمة ثقافات مثل اليابانية‬
‫�ألي�س هذا هو تعريف الثقافة؟‬ ‫وال�صينية‪ ،‬وب�شكل خا�ص الهندية القريبة جد ًا �إلينا‬

‫عبود عطية‬
‫مار�س ‪� /‬أبريل ‪2010‬م‬

‫��راف عن الحقيق��ة وتحريفٌ لها‪،‬‬ ‫ه��و انح ٌ‬


‫ه��و �إخف��ا ُء الحقيق��ة م��ن ب��اب الحماي��ة‪،‬‬
‫حماي��ة النف���س �أو الآخ��ر‪� ،‬أو م��ن ب��اب‬
‫الت�ضلي��ل‪ ،‬ت�ضلي��ل النف���س �أو الآخ��ر؛‬
‫أن�ص��اف الحقائ��ق �أو �أ�ش��باهها‪ ،‬ه��و‬
‫ُ‬ ‫ه��و �‬
‫الخ��دا ُع والتحايلُ‪ ،‬هو الفبرك�� ُة والتلفيقُ‪،‬‬
‫ه��و التزيي��فُ والتزوي��رُ‪ ،‬وه��و االدع��ا ُء‬
‫والمغاالةُ‪ ،‬وه��و المراوغ ُة والمواربةُ‪ ،‬وهو‬
‫في المبتد�أ والمنتهى‪ ،‬الكذب‪.‬‬

‫الكذب‬
‫فالكذب‪ ،‬هو بمعظم تجلياته و�ألوانه جزء‬
‫م��ن ن�س��يج ال�س��لوك الإن�س��اني ف��ي حياته‬
‫اليومي��ة‪ .‬و�إن كان يمك��ن لبع�ض��ه �أن يم��ر‬
‫من دون �أن يت��رك �أثراً‪ ،‬ف�إن بع�ضه الآخر‬
‫ي�صل ب�شرِّه �إلى م�ستوى الجريمة‪.‬‬
‫امللــف‬

‫فري��ق القافل��ة يجول بن��ا في ه��ذا الملف‬


‫عل��ى عال��م الك��ذب‪ ،‬الحا�ض��ر دائم��اً‬
‫بكبائره و�صغائره في حياة الأفراد وتاريخ‬
‫ال�شعوب‪.‬‬
‫‪�..‬ش ُّر الحياة‬
‫‪Corbis‬‬
‫كتب الفيل�سوف الألماني فريدريك نيت�شه يقول‪:‬‬
‫«�إن الكذبة �شرطُ الحياة»؛ ذلك �أنها موجودة‬
‫وقائمة طالما وجدت الحياة وقامـت‪ .‬لكنها �شرطٌ‬
‫غير نبيل‪ ،‬و�إن كان م�ضفوراً في مناحينا الإن�سانية‬
‫والمعرفية‪.‬‬
‫فالكذب‪ ،‬ك�سلوك �آني �أو منهجي‪ ،‬وكعادة‪ ،‬عابرة �أو‬
‫مت� ِّأ�صلة‪ ،‬يت�شكَّ ل بت�شكّ لنا‪ ،‬كما يتطوَّر بتطورنا‪،‬‬
‫وهو �أمر مقرون بتطوّر قدراتنا العقلية وملكاتنا‬
‫الإن�سانية بذات القدر الذي يقترن فيه بتطوّر‬
‫منظومتنا الأخالقية والقيمية‪ .‬وفي جميع الأحوال‪،‬‬
‫نحن ال نولد كذابين بطبعنا‪ .‬ولكننا نولد «تابيوال‬
‫رازا»‪� ،‬أو «لوحاً �أبي�ض»‪ ،‬بح�سب الفر�ضية المعرفية‬
‫التي تبناها المفكر التنويري الإنجليزي جون‬
‫لوك‪ ،‬القائلة �إن الفرد يولد من دون محتوى عقلي‬
‫جاهز‪ ،‬و�أن المعرفة ت�أتي من التجربة والإدراك‪.‬‬
‫وبما �أن الكذبَ معرف ٌة ‪-‬حتى و�إن كانت منبوذة‪-‬‬
‫ف�إنها تُ خطّ على �صفحة العقل البي�ضاء مع التطور‬
‫الإدراكي لل�شخ�ص‪.‬‬

‫‪Corbis‬‬
‫تشكّل الوعي‬ ‫‪89 88‬‬
‫النف�س��ي واالجتماعي‪ ،‬كما �أن الأطفال ال ي�س��تطيعون ا�س��تيعاب قيم مثل‬ ‫�إذن‪ ،‬نحن نولد �صادقين‪ ،‬كما نولد خالين من الآثام والأخطاء والخطايا‪.‬‬
‫�أن الك��ذب خط���أ وحرام‪ .‬وعادة ما يكون الكذب‪ ،‬الذي يُراد منه الإفالت‬ ‫فمتى نبد�أ بالكذب؟‬
‫م��ن عقاب �أو �إث��ارة �إعجاب الآخرين‪ ،‬خيالياً‪� ،‬أق��رب �إلى حكاية خرافية‬
‫�لا مزهري��ة ف��ي البي��ت‪،‬‬
‫غي��ر قاب��ل للت�صدي��ق‪ ،‬ك�أن يك�س��ر ال�صغي��ر مث ً‬ ‫يمكن ر�صد نزوع الإن�س��ان للكذب منذ تبلور وعيه‪ .‬فبح�س��ب علم النف���س‬
‫وعندم��ا ت�س���أله �أم��ه عن الأمر ين�س��ب التهمة لكائن خيال��ي‪ ،‬فيقول مث ًال‬ ‫االجتماع��ي وعلم النف���س التط��ورّي‪ ،‬يتطور الكذب مع الف��رد في مرحلة‬
‫�أن ع�صف��ور ًا بجناحي��ن كبيرين (قد يبالغ بر�س��م الجناحين في الهواء)‬ ‫الطفولة المبكرة التي يميز فيها بين الإ�ش��ارات التربوية والتعليمية التي‬
‫دخل من ال�ش��باك و�أطاح بالمزهرية! هنا ال ي�ستطيع الطفل‪ ،‬الذي يتمتَّع‬ ‫يتلقَّاها من �أقرب م�صادر متوافرة له وهي‪ :‬الأهل �أو الأبوان‪.‬‬
‫بمقدرة مده�ش��ة على التخيّ��ل‪ ،‬التمييز بين الواق��ع والخيال نظر ًا لغياب‬
‫�إطار معرفي ي�ؤهله للحكم على ال�شيء ما �إذا كان قاب ًال للت�صديق �أم ال‪.‬‬ ‫وفي المرحلة المبكرة من النمو‪ ،‬ال يُنظر �إلى الكذب كم�شكلة �أو كانحراف‬
‫وبالتالي‪ ،‬ف�إنه ال يعرف كيف «ي�س��كّ » كذبة مقنعة‪ ،‬بل قد ي�س��تغرب لماذا‬ ‫عن ال�سلوك الواجب‪ ،‬ذلك �أن الكذب يع ُّد جزء ًا حيوي ًا من عملية التطور‬
‫مار�س ‪� /‬أبريل ‪2010‬م‬

‫ال يقبل الآخرون وجهة نظره المنطقية تمام ًا بالن�س��بة له‪ .‬لكنه ي�س��تطيع‬
‫�أن يدرك‪ ،‬منذ بدايات ت�شكّل الوعي‪� ،‬أن الكذب قد ينجيه من العقاب �أو‬
‫قد ينيله مراده �أو يجنِّبه �ش��يئ ًا ال يريده‪ ،‬وذلك حتى قبل �أن يطوِّر نظرية‬
‫العقل الالزمة لفهم �آلية الكذب‪.‬‬

‫يبد�أ الكذب باتخاذ �شكل �أكثر جدية و�صيغة �أكثر �إقناع ًا لدى الأطفال‬
‫عن��د الخام�س��ة م��ن العمر تقريب��اً‪ ،‬عندما يتط��وَّر لديهم م��ا يعرف بـ‬
‫«ال��ذكاء المكيافيلل��ي»‪ ،‬وهي ال�س��ن التي ي�صبحون فيه��ا قادرين على‬
‫الك��ذب المقن��ع �أو القاب��ل للت�صدي��ق‪� .‬إذ تتراج��ع م�س��احة الخيال في‬
‫اختالقاته��م عل��ى ح�س��اب تمدُّد م�س��احة الواق��ع‪ .‬في العل��م المعرفي‬
‫وف��ي عل��م النف���س التط��وري ُيع��رَّف ال��ذكاء المكيافيللي‪ ،‬الذي يُ�ش��ار‬
‫ل��ه �أي�ض ًا بال��ذكاء االجتماعي �أو الذكاء ال�سيا�س��ي‪ ،‬ب�أن��ه مقدرة كيان‬
‫م��ا عل��ى �إقامة عالقة �سيا�س��ية ناجح��ة �ضمن مجموع��ات اجتماعية‪،‬‬
‫وه��و مب��د�أ �ش��كَّل الحق�� ًا ن��واة ما ب��ات يع��رف بالواقعي��ة ال�سيا�س��ية �أو‬
‫النفعي��ة‪ .‬وكان �أول م��ن �صاغ ه��ذا الم�صطلح عالم النف���س الهولندي‬
‫واخت�صا�ص��ي الثديي��ات فران��ز دي وال‪ ،‬ف��ي كتاب��ه ال�ش��هير «�سيا�س��ة‬
‫ال�ش��يمبانزي» (‪ ،)1982‬ال��ذي ي�ص��ف في��ه المن��اورة االجتماعي��ة ف��ي‬
‫�سلوك القردة‪ ،‬م�ست�شهد ًا ب�أقوال المفكر والمنظر ال�سيا�سي الإيطالي‬
‫الأكبر‪ ،‬مكت�ش��ف ًا عن وعي و�إدراك �أن الكذب �أو الخداع قد ينجيه من‬ ‫ال�ش��هير نيكول��و مكيافيلل��ي ف��ي كتاب��ه الأ�ش��هر «الأمي��ر»‪ ،‬منطلق ًا من‬
‫«العقاب» �أو «العاقبة»‪ ،‬ولو �إلى حين‪ ،‬في �إطار �سلوك قد يتطور لي�أخذ‬ ‫فر�ضية قائمة على �أن الو�س��ائل التي تقود �إلى �أنواع معينة من النجاح‬
‫طابع�� ًا انتهازي��اً‪ ،‬وفي ح��ال خرج عن حدوده المحتمل��ة قد يتحول �إلى‬ ‫ال�سيا�س��ي �ضم��ن كيان��ات اجتماعي��ة �أكب��ر يمكن تطبيقه��ا بالمثل في‬
‫�شكل من �أ�شكال االنحراف‪.‬‬ ‫نطاق كيانات ومجموعات �أ�صغر‪ ،‬من بينها وحدة الأ�سرة‪ .‬وهكذا‪� ،‬إذ‬
‫يط��ور الطف��ل ذكاء مكيافيللياً‪ ،‬ف�إنه بذل��ك يكون قد قطع‬
‫عندم��ا يتعل��م الطف��ل كي��ف حقَّ��ق ل��ه الكذب م��راده‪،‬‬ ‫خط��وة جوهري��ة في التطور االجتماع��ي الذي يحكم‬
‫ناجي�� ًا ‪-‬ب�س��ببه‪ -‬م��ن عاقب��ة ال يرتجيه��ا‪ ،‬ت��راه‬ ‫عالقت��ه بمحيط��ه‪ ،‬ب��دء ًا ب�أ�س��رته ث��م المجتم��ع‬
‫يفتق��ر �إل��ى الفه��م الأخالق��ي ال�لازم ب�ش���أن‬
‫�ض��رورة االمتناع عن الكذب‪ ،‬وهو فهم يت�أتى‬
‫م��ن التربي��ة والتثقي��ف الأ�س��ري‪ ،‬ذل��ك �أن‬
‫بع���ض الآباء ‪-‬للأ�س��ف ال�ش��ديد‪ -‬هم �أول‬
‫«الكذَّ ابي��ن» الذي��ن يتفت��ح وع��ي الطف��ل‬
‫عليهم‪ ،‬فيرى �أمه تكذب على �أبيه �أو على‬
‫جاراتها‪ ،‬كما ي�سمع �أباه وهو يتحدث عبر‬
‫الهات��ف �إلى مركز عمل��ه‪ ،‬مدعي ًا المر�ض‬
‫و�أن��ه ال ي�س��تطيع �أن يلتحق بالمكتب اليوم!‬
‫�إن الأم��ر يحت��اج �إل��ى �س��نوات لمراقب��ة‬
‫النا���س يكذب��ون‪ ،‬كل �أن��واع الك��ذب‪ ،‬ومعاينة‬
‫نت��اج �أكاذيبهم �س��واء عليه��م �أو على الآخرين‬
‫والمجتمع من حولهم‪ ،‬جنب ًا �إلى جنب مع التربية‬
‫الخارجي��ة والتثقي��ف الذاتي‪ ،‬قبل �أن يطور الفرد مع‬
‫الوق��ت فهم��ه ال�ش��خ�صي‪ ،‬ومن ث��م منظومت��ه الأخالقية‬
‫التي تحكم عالقاته بمحيطه ومجتمعه‪.‬‬

‫سيكولوجية «الكذب اليومي»‬


‫دوافعه ستة أم سبعة؟‬
‫يجم��ع علم��اء النف���س ب�أن الكذب ظاهرة �ش��ائعة جد ًا ومعقَّ��دة جداً‪ .‬فكما‬
‫يق��ول بروفي�س��ور عل��م النف���س ليون��ارد �ساك���س‪ ،‬م��ن جامع��ة براندي���س‬
‫الأمريكي��ة‪« :‬طالم��ا �ش��كَّل الكذب جزء ًا م��ن الحياة‪ ،‬وال يمك��ن �أن نم�ضي‬
‫يوم�� ًا دون �أن نمار���س الخ��داع ب�ص��ورة م��ن ال�ص��ور»‪ .‬المفارق��ة �أننا حين‬
‫نك��ذب ق��د ال نع��رف �أننا نك��ذب حقيقة! ف���إذا �س���ألك �أحدهم ع��ن الحال‬
‫والأح��وال‪ ،‬تجيب��ه ب�آلي��ة‪« :‬بخير»‪ ،‬وذلك م��ن دون �أن تك��ون �أحوالك بخير‬
‫بال�ضرورة! و�إذا بدت مقولة نيت�ش��ه ب�أن «الكذبة �ش��رط الحياة» �ضرب من‬
‫المغ��االة �أو المج��از الفل�س��في‪ ،‬فقد جاءت درا�س��ة مهمة قام��ت بها عالمة‬
‫النف���س بي�لا دي باولو‪ ،‬م��ن جامعة فيرجيني��ا الأمريكية‪ ،‬لت�ؤك��د المقولة‪.‬‬
‫ففي هذه الدرا�سة التي �أجرتها في العام ‪1996‬م‪ ،‬ون�شرت نتائجها في مجلة‬
‫«�س��ايكولوجي ت��وداي» المخت�صة بعلم النف���س‪ ،‬طلب��ت دي باولو وزمال�ؤها‬
‫من ‪� 147‬شخ�ص ًا تتراوح �أعمارهم بين ‪ 18‬و‪ 71‬عام ًا �أن يدوِّنوا في يومياتهم‬
‫كل الأكاذي��ب الت��ي قالوها �أو مار�س��وها خالل �أ�س��بوع‪ .‬فوج��دت �أن معظم‬
‫النا�س يكذبون مرة �أو مرتين في اليوم‪ .‬كما وجدت �أنهم يكذبون في خُ م�س‬
‫لقاءاته��م االجتماعي��ة تقريباً‪ ،‬وهو كذب ي�س��تمر ‪ 10‬دقائ��ق �أو �أكثر‪ ،‬وعلى‬
‫مدى �أ�سبوع يخدعون ‪ 30‬في المئة من الذين يتعاملون معهم مبا�شرة‪.‬‬
‫‪Corbis‬‬

‫وهك��ذا ف���إن الك��ذب «�صفة» ب�ش��رية‪ ،‬تحكم عالقتن��ا بنف�س��نا وعالقاتنا‬


‫ا ِّدعاء ال�سعادة‪ ..‬من �أكثر �أ�شكال الكذب �ألفة وانت�شاراً‬
‫بالآخرين‪ .‬نحن جميع ًا نكذب‪ ،‬نمار���س الخ��داع ب�صورة �أو ب�أخرى‪ ،‬ومن‬
‫ال�صعب �أن يم�ضي يومنا دون �أن نتحايل على موقف ما بكذبة‪ ،‬حتى و�إن‬
‫ب��دت الكذب��ة «بريئ��ة» �أو ذات نوايا ح�س��نة‪� ،‬أو ذات مق�ص��د نبيل �أو على‬
‫الأقل غير م�ؤذية‪.‬‬

‫في مقالته ال�ش��هيرة «حول انحالل فن الكذب»‪ ،‬التي ن�ش��رت عام ‪1882‬م‪،‬‬
‫كت��ب الروائ��ي الأمريك��ي م��ارك توين يق��ول‪« :‬الجميع يكذب��ون‪ ،‬كل يوم‪،‬‬
‫كل �س��اعة؛ ف��ي اليقظة وفي الن��وم‪ ،‬في �أحالمهم وف��ي مباهجهم وفي‬
‫�أحزانه��م»‪ .‬قطع��اً‪ ،‬تنط��وي مقول��ة م��ارك توي��ن عل��ى مبالغ��ة‪ ،‬وهي‬
‫مبالغ��ة يقت�ضيه��ا اله��وى الأدب��ي غي��ر المحاي��د‪ .‬لك��ن المبالغة في‬
‫النهاية ال ت�ستوفي �شروطها من فراغ‪ ،‬فالحقيقة التي ال منا�ص منها‬
‫�أن الكذب خا�صية ‪-‬كما هي خ�صلة‪ -‬ال يمكن ا�ستئ�صالها من ن�سيج‬ ‫‪91 90‬‬
‫حياتن��ا وتفا�صي��ل وجودنا‪ .‬فالنقط��ة الخالفية هنا لي�س��ت هل نكذب‬
‫و�إنما‪ :‬لماذا نكذب؟ تلك هي الم�س�ألة‪.‬‬

‫ف��ي ه��ذا الخ�صو�ص‪ ،‬نذكر عالم النف���س البارز ب��ول �إيكمان‪� ،‬صاحب‬
‫كت��اب «ق��ول الأكاذي��ب‪ :‬مفاتيح الخداع ف��ي العمل وال�سيا�س��ة‬
‫والزواج»‪ ،‬الذي يحدِّ د �س��بعة �أ�سباب ت�ش��كِّل حافز ًا �أو دافع ًا‬
‫للم��رء ك��ي يك��ذب‪ :‬فهن��اك الك��ذب ال��ذي نلج�أ ل��ه لتجنب‬
‫العق��اب‪ ،‬الك��ذب للح�ص��ول على مكاف���أة‪ ،‬الك��ذب لحماية‬

‫الوجه الذي نراه قد يخفي �أكثر من وجه خلفه‬


‫‪Corbis‬‬
‫مار�س ‪� /‬أبريل ‪2010‬م‬

‫أنواع وألوان‬
‫االنت�ساب لها عبر عالقته مع فتاة جامعية من عائلة مي�سورة‪ ..‬وحين‬ ‫لعل من �أ�سو�أ �أنواع الكذب على نف�س �صاحبه والآخرين الكذب‬
‫تقع المواجهة �أخيراً‪ ،‬ي�ستجير البطل «الك َّذاب» بما يُ عرف في علم‬ ‫المدرو�س المتع َّمد الذي يهدف �إلى �إلحاق الأذى بالنا�س‪ ،‬وهو كذب‬
‫النف�س بحلول توفيقية لتبرير خديعته‪ ،‬قائ ًال ب�أنه لم يكذب حين ن�سب‬ ‫ي�شي بنية خبيثة ونف�س ن َّزاعة لل�شر‪ ،‬فهو كالأ�سيد الذي يفتت حتى �أكثر‬
‫لنف�سه و�ضعاً و�سياقاً اجتماعياً ال ينتمي له‪ ،‬كل ما في الأمر �أنه كان‬ ‫الروابط �صالبة ومتانة‪ ،‬وهو بذرة فا�سدة ال تروم منها نبتة �صحية‬
‫«يتج َّمل» ليقبله الآخر!‬ ‫قابلة للنماء‪ .‬لكن لي�س كل الكذب كذباً في �صيغته الأكثر �سطوعاً؛ �أي‬
‫منافاة الحقيقة واجتناب ال�صدق‪ ،‬فالكذب �أنواع ودرجات و�ألوان‪.‬‬
‫من �أنواع الكذب الدارجة �أي�ضاً ما يعرف بـ «الكذب الأبي�ض»‪ ،‬وهو‬ ‫ويجدر بنا هنا �أن نتوقف عند بع�ضها‪.‬‬
‫�ألطف �أنواع الكذب و�أخفه �ضرراً و�إ�ضراراً‪� ،‬إذ يهدف �إلى تجنب ما قد‬
‫تلحقه الحقيقة من �آثار غير مرغوبة‪ .‬فترى الكذبة البي�ضاء ‪-‬كون‬ ‫فهناك «الكذب المك�شوف»‪ ،‬الذي يبدو للجميع كذباً فجاً ال ي�سعى �إلى‬
‫البيا�ض يرمز �إلى نقاء ال�سريرة و�سالمة النية‪ -‬و�سيلة يلج�أ �إليها‬ ‫تحقيق �ضرر �أو �إلحاق �أذى بال�ضرورة‪ .‬وهناك «التلفيق» �أو «االختالق»‪،‬‬
‫البع�ض لتجنب «زعل» من يحب �أو لحمايتهم �أو لإر�ضائهم‪ ،‬وفي جميع‬ ‫وذلك حين يقول �أحدهم كالماً �أو ينقل رواية �أو واقعة يزعم �أنها‬
‫الأحوال للحفاظ على تلك اللحمة الإن�سانية الالزمة للتوا�صل الب�شري‪:‬‬ ‫حقيقية دون �أن ت�ستند على حقائق مثبتة‪ ،‬وعلى الرغم من �أن الرواية‬
‫ك�أن تثني مث ًال على �شيء بو�صفه جمي ًال‪ ،‬دون �أن يكون جمي ًال في‬ ‫قد تبدو قابل ًة للت�صديق �إال �أنها غالباً ما تكون مختلق ًة �أو مفبرك ًة‪ ،‬وهو‬
‫حقيقة الأمر ال ل�شيء �إال لأن الحقيقة لن ت�سهم �إال في زعزعة عالقتك‬ ‫تلفيق قد ينطوي على رغبة لإثارة �إعجاب المتلقي �أو للت�أثير عليه �أو‬
‫ب�صاحب ال�شيء‪ .‬هنا‪ ،‬تندرج المجامالت عادة في �إطار الأكاذيب‬ ‫لإر�ضاء غرورنا ال�شخ�صي‪.‬‬
‫البي�ضاء‪ .‬وقد تكون الكذبة البي�ضاء ذات غاية محمودة �أكثر وذلك‬
‫حين ن�ضطر �إلى �أن نلوي الحقيقة �أو نح ِّرفها حماية لم�شاعر الآخر‪،‬‬ ‫وهناك الت�ضليل‪ ،‬وهو �إعطاء المعلومات التي تدفع الآخر �إلى االعتقاد‬
‫الذي قد تجرحه حقيقة ال يتوقعها �أو ال يريدها‪.‬‬ ‫بما هو لي�س �صحيحاً‪� ،‬أو تقديم وقائع ومعلومات حقيقية بالمعنى‬
‫مقابل الكذب الأبي�ض‪ ،‬هناك الكذب الأ�سود‪ ،‬المتمثل في �أن�صاف‬ ‫الحرفي للكلمة لكن بطريقة يُ راد بها الت�ضليل على طريقة «حق يُ راد‬
‫الحقائق �أو �أ�شباه الحقائق‪ ،‬وهي من �أخطر �أنواع الأكاذيب ذلك �أنها‬ ‫به باطل»‪ .‬وهناك الحنث باليمين‪ ،‬وهو الكذب تحت الق�سم في �شهادة‬
‫منكهة بالحقيقة‪ ،‬محيكة بها بطريقة تخدم الكذبة وتجعلها‬ ‫تكون َّ‬ ‫�أو في م�س�ألة قانونية‪ ،‬وقد تكون �شهادة �شفهية �أو مكتوبة؛ و�أياً كانت‬
‫�أكثر قابلية لل�صمود والتداول والت�صديق‪ .‬وهذا من طراز الكذب‬ ‫طبيعتها‪ ،‬فهذا النوع من الكذب م�صنَّ ف �ضمن الجرائم‪.‬‬
‫اال�ستراتيجي الذي يحدث بلبل ًة في الفكر وخلطاً في الم�شاعر‪ ،‬لذا ال‬ ‫«الب ْلف»‪ ،‬وهو الخداع الذي يمار�سه �أحدهم على الآخرين‪،‬‬‫ثم هناك َ‬
‫غرو �أن ي�شير ال�شاعر الإنجليزي �ألفريد لورد تيني�سون قائ ًال‪�« :‬إن‬ ‫فنقول �إن �شخ�صاً ما «يبلف»‪� ،‬أو يدعي امتالكه مقدرة �أو نية غير‬
‫الكذبة التي تكون ن�صف حقيقة هي �أكثر �أنواع الكذب ا�سوداداً»‪.‬‬ ‫و«الب ْلف» �صفة المخادعين الذين ي�شقون طريقهم في‬‫موجودة فعلياً‪َ ،‬‬
‫على �أننا قد نكذب حتى من دون �أن نكذب وذلك ب�إخفاء الحقيقة �أو‬ ‫الحياة والعمل على �أجنحة من كذب‪ ،‬يحلقون بها لبع�ض الوقت‪ ،‬لكنهم‬
‫ال�سكوت على ما يجب قوله‪ ،‬بحيث نتع َّمد �إخفاء معلومة ما عن‬
‫�أحدهم‪� ،‬أو نغ�ض الطرف عن تداول فهم خط�أ فال ن�سعى �إلى ت�صويبه‪،‬‬
‫فنراقب الآخرين �سادرين في غ ِّي قناعات مغلوطة دون التدخل بتوفير‬
‫معلومات جوهرية تعيد تقييم هذه المفاهيم �أو الأفكار �أو تن�سفها‬
‫جملة وتف�صي ًال‪.‬‬
‫في �إطار الكذب المحمود نوعاً ما‪ ،‬دون �أن يكون‬ ‫إن الكذبة التي‬
‫مقبوالً‪ ،‬المبالغة التي يُ �شار لها كذلك بـ ّ‬
‫«مط‬ ‫تكون نصف حقيقة هي‬
‫الحقيقة»‪� ،‬أو جعل �شيء ما يبدو ذا‬ ‫أكثر أنواع الكذب اسوداداً‬
‫معنى �أكبر مما هو عليه في‬
‫الواقع‪.‬‬ ‫�سرعان ما يقعون‪� .‬ضمن تو�صيف «البلف» �أي�ضاً‪،‬‬
‫تق�صد منه الظهور بمظهر لي�س‬ ‫نذكر الكذب الذي يُ ّ‬
‫حقيقي‪ ،‬لإر�ضاء الذات‪ ،‬التي تت�آكلها الدونية وال�شعور‬
‫بالنق�ص‪ ،‬ولإر�ضاء الآخر الواقع �ضمن نخبة متفوقة �أو مختلفة‪.‬‬
‫وهو كذب يميل البع�ض �إلى التخفيف من وط�أة الزيف فيه في�صفه‬
‫ـ«التجمل»‪ .‬ون�ستح�ضر هنا حجة النجم العربي الراحل �أحمد زكي في‬ ‫ُّ‬ ‫ب‬
‫ج�سد دور طالب جامعي فقير‬ ‫ِفلم «�أنا ال �أكذب ولكني �أتجمل»‪ ،‬الذي َّ‬
‫يتحايل على بيئته البائ�سة بادعاء �صفة غير حقيقية وتقم�ص كيان‬
‫اجتماعي لي�س له‪ ،‬كي ين�سجم مع البيئة االجتماعية التي يريد‬
‫أعذب الشعر‬
‫ثم��ة �ضربٌ من الكذب الجميل والعذب والممتع والمغفور‬ ‫الكاتبة‬
‫له‪� :‬إنه ال�شعر بو�صفه الكالم المباح حتى و�إن غالى و�شط‬ ‫البريطانية‬
‫وتخطَّ ى ح��دود الت�صديق‪ ،‬ذلك �أن الحكمة هنا للبالغة‪،‬‬ ‫جورج �إيليوت‬
‫ف�إذا كانت المبالغة �س��بي ًال لها كي تتحقق فال ب�أ���س‪ ،‬و�إال‬
‫لما قيل «�أعذب ال�شعر �أكذبه»‪.‬‬ ‫الآخرين‪ ،‬الكذب للإفالت من موقف اجتماعي �صعب �أو محرج‪ ،‬الكذب‬
‫لإر�ض��اء غرورن��ا وتعزي��ز «الأن��ا» ف��ي دواخلن��ا‪ ،‬الك��ذب لل�س��يطرة عل��ى‬
‫ربما يجدر بنا �أن نتوقف عند هذه المقولة من منطلقين؛‬ ‫المعلومات والتحكم بها‪ ،‬و�أخير ًا الكذب الذي نلج�أ �إليه لتلبية م�س��مياتنا‬
‫الأول �إيجاب��ي‪ ،‬ويدخل مجال البالغة القديمة ويمكن �أن‬ ‫وتو�صيفاتنا الوظيفية‪.‬‬
‫ين�س��حب عل��ى النق��د الحديث �أي�ض��اً‪ ،‬بمعنى �أن��ه يطالب‬
‫ال�ش��عر بنوع من االنزياح عن المعنى الأول للألفاظ‪� ،‬إلى‬ ‫من جانبه‪� ،‬أجمل جوزيف تي�س��ي‪ ،‬الباحث في جامعة بو�س��طن الأمريكية‬
‫معن��ى مختل��ف‪ ،‬غالب�� ًا م��ا يكون على �ش��كل �ص��ورة‪ .‬ولعل‬ ‫دواف��ع الكذب �إلى �س��تة‪ ،‬تلتق��ي مع دوافع �إيكم��ان وتتقاطع معها؛ فهناك‬
‫�أبل��غ ما تو�صل �إليه ال�ش��عراء في ه��ذا المجال‪ ،‬كان يتعلق‬ ‫الأكاذيب «الوقائية»‪ ،‬التي تهدف �إلى �إبقاء الكذَّ اب بمن�أى عن �أي خطر‪،‬‬
‫بالمبالغ��ة في الو�صف‪ ،‬من �أجل �ضمان ما يحاول الذهن‬ ‫وهن��اك الأكاذيب البطولية التي يُ��راد منها حماية الآخرين من الخطر‪،‬‬
‫�أن ينقل��ه‪� .‬إن �أبا الطيب المتنب��ي ‪-‬مثالً‪ -‬يعرف �أن ورد‪،‬‬ ‫ع�لاوة على الأكاذي��ب التي تروم المزاح والهزل لإ�ضفاء نكهة �إثارة على‬
‫بمعنى الأ�سد‪ ،‬ال يملك قوة زئير ينطلق من بحيرة طبريا‬ ‫ق�صة ما‪ ،‬والأكاذيب التي تتعلق بـ «الأنا» التي ت�ساعد الكذَّ اب في التملُّ�ص‬
‫ف��ي فل�س��طين‪ ،‬لي�صل �إل��ى نهر الفرات ف��ي العراق‪ ،‬ونهر‬ ‫م��ن م���أزق محرج‪ ،‬والأكاذي��ب «النفعي��ة» �أو التي تبتغي الك�س��ب‪ ،‬وننتهي‬
‫الني��ل ف��ي القاهرة‪ ،‬على بع��د كيلومترات‪ ،‬لك��ن المبالغة‬ ‫بالأكاذيب الماكرة والخبيثة‪ ،‬وهي �أ�س��و�أ دوافع الكذب على الإطالق‪� ،‬إذ‬
‫ج��اءت ف��ي بيت ال�ش��عر ال��ذي و�صف في��ه الأ�س��د‪ ،‬مكمِّلة‬ ‫تتق�صد �إلحاق الأذى بالآخرين‪.‬‬
‫َّ‬
‫للبالغ��ة اللفظية‪ ،‬التي جعلت��ه يكرِّر حروف «ورد» لتحمل‬
‫�إيقاع ًا مثيراً‪:‬‬ ‫ق��د يكون م��ن الحكمة التوقف عن��د نقطة جوهرية ف��ي المو�ضوع تجعلنا‬
‫ور ٌد إذا و َر َد الــبــحــيــرة شــاربــا‬ ‫نبدي ا�س��تيعاب ًا وتفهم ًا �أكبر لنزوع النف���س الب�ش��رية �إلى «االختالق» بكل‬
‫ورد الــــفــــرات زئـــيـــره والــنــيــا‬ ‫�أ�شكاله‪ ،‬دون �أن يعني ذلك لزام ًا �أننا نتعاطف مع الأمر‪ .‬فالكذاب يلعب‬
‫على التوق الإن�س��اني ل�س��ماع ما يحب �س��ماعه‪ .‬ن�س��تعيد في هذا ال�س��ياق‬
‫وال�ش��عر العرب��ي ممتل��ئ بهذا الن��وع من «الك��ذب»‪ ،‬ومنه‬ ‫م��ا قالت��ه المفك��رة والمنظرة ال�سيا�س��ية‬
‫ي�ستم ّد كثير ًا قدرته على الإدها�ش من خالل �صور مركبة‪.‬‬ ‫الألماني��ة هانا �آرن��دت مرة �إن «الأكاذيب‬
‫الك��ذب في ه��ذا االتج��اه لي���س كذب�� ًا حقيقياً‪،‬‬ ‫�أكث��ر قابلي��ة للت�صدي��ق و�أق��رب �إل��ى‬ ‫‪93 92‬‬
‫لأن��ه مجموع��ة م��ن «الحي��ل» الفني��ة التي‬ ‫المنط��ق م��ن الحقيقة لأن الك��ذَّ اب لديه‬
‫يك��ون اله��دف منها �إدها���ش المتلقي‪.‬‬ ‫الأف�ضلي��ة الكب��رى لأن يعرف م�س��بق ًا ما‬
‫وق��د انتقل ه��ذا التوجه �إل��ى ال�صور‬ ‫الذي يرغب النا�س �أو يتوقعون �سماعه»‪.‬‬
‫ال�ش��عرية في كل الأزمنة‪ ،‬في ال�ش��كل‬ ‫ث��م �إن ال�ص��دق �أو الحقيق��ة تحتاج‪ ،‬في‬
‫ال�شعري المتوارث‪ ،‬وفي‬ ‫كثير من الأحيان‪� ،‬إلى ثقة قوية و�أ�صيلة‬
‫الأ�شكال المحدثة‪ .‬يقول‬ ‫بال��ذات للتعام��ل معه��ا واعتناقه��ا‪.‬‬
‫محمود دروي�ش مثالً‪:‬‬ ‫لذا‪ ،‬لي���س م�س��تغرب ًا �أن تعلنه��ا الكاتبة‬
‫البريطاني��ة ج��ورج �إيلي��وت قائل��ة‪�« :‬إن‬
‫الك��ذب �س��هل‪ ،‬بينم��ا الحقيق��ة �صعب��ة‬
‫للغاي��ة»‪ .‬وهي مقولة تلتقي بوجه ما مع‬
‫م��ا قال��ه الكات��ب الإنجلي��زي �صامويل‬
‫مار�س ‪� /‬أبريل ‪2010‬م‬

‫لكن �أبرز ما حدث في هذا االتجاه هو المديح الذي يُ�شتمّ‬


‫من��ه التهك��م على الفور‪ ،‬ال كما في ح��ال المتنبي وكافور‪.‬‬
‫ويُعد ال�ش��اعر الفل�س��طيني �إبراهيم طوقان نموذج ًا جيد ًا‬
‫في هذا التوجه‪ ،‬خ�صو�ص ًا وهو يتعامل مع الم�س��تعمرين‪،‬‬
‫�أو مع ال�سيا�س��يين الذين ي َّدع��ون الوطنية‪ ،‬وت�ضيع البالد‬
‫من �أيديهم‪:‬‬
‫أنــتــم الــمــخــلــصــون للوطنية‬
‫أنتم الحاملون عــبء القضية‬
‫أنــتــم العاملون مــن غير قول‬
‫ب ــارك اهلل فــي الــزنــود القوية‬
‫وبـــيـــان مــنــكــم يـــعـــادل جيشا‬
‫بــمــعــدات زحــفــه الــحــربــيــة (‪)...‬‬
‫وخــــــاص الــــبــــاد صـــــار عــلــى‬
‫الــبــاب؛ وجــاءت أعــيــاده الوردية‬

‫كم كذب �ش��عرا�ؤنا ويكذبون وكم �صدقناهم و�سن�صدقهم‬


‫�أو لعلن��ا ن�ؤث��ر �أن ن�صدقه��م‪ .‬ذل��ك �أن الحي��اة المطعم��ة‬
‫بعذب الكالم‪ ،‬المطرزة باال�ستعارات والت�شبيهات وبدائع‬
‫اللغ��ة وبدي��ع ال�صورة وبالغ��ة الخيال في ف�ض��اء يت�أرجح‬
‫بي��ن المبالغ��ة والمغ��االة‪ ،‬ال��ذي يح��اذي الك��ذب‪ ،‬حي��اة‬
‫محتملة‪ ،‬وعي���ش ه��ذه الكذبة ال�ش��عرية �أو التعاي���ش معها‬ ‫لم نأت من بلد إلى هذا البلد‬
‫لي���س جريم��ة‪ .‬ق��د ال تك��ون ال�ص��ورة ال�ش��عرية �صادق��ة‪،‬‬ ‫جئنا من الرّمان‪ ،‬من سرّيس ذاكرة أتينا‬
‫لكنه��ا تعك���س �صدق�� ًا في ال�ش��عور وارتق��ا ًء ف��ي العاطفة‪.‬‬ ‫من شظايا فكرة جئنا إلى هذا الزبد‬
‫هنا تح�ضرني �أبيات ال�ش��اعر جميل بن عبداهلل بن معمر‬ ‫ال تسألونا كم سنمكث بينكم‪ ،‬ال تسألونا‬
‫العذري الق�ضاعي‪� ،‬أو جميل بثينة كما يُعرف‪:‬‬ ‫أي شيء عن زيارتنا‪ .‬دعونا‬
‫ّ‬
‫ِيت‪ ،‬فحَ سبي‬ ‫ارحَ ِميني‪ ،‬فقد بل ُ‬ ‫نفرغ السفن البطيئة من بقية روحنا ومن‬
‫بعض ذا الداءِ ‪ ،‬يا بثينةُ ‪ ،‬حسبي!‬ ‫ُ‬ ‫الجسد‪.‬‬
‫صحبي‪،‬‬ ‫فيك‪ ،‬يا بُثينةُ ‪َ ،‬‬‫ِ‬ ‫المني‬
‫الحب قلبي!‬ ‫ُّ‬ ‫ال تلوموا‪ ،‬قد أقرحَ‬ ‫وم��ن الوا�ض��ح‪ ،‬عن��د الت�أم��ل المو�ضوع��ي‪� ،‬أن كثي��ر ًا مما‬
‫دائـــي ِط ـ ّبــي‪،‬‬
‫َ‬ ‫الــنــاس أنّ‬
‫ُ‬ ‫زعـــم‬
‫َ‬ ‫يحمل��ه الن�ص يدخل باب الكذب‪ ،‬ومع ذلك ففيه البالغة‬
‫أنـــت‪ ،‬واهلل‪ ،‬يــا ُبــثــيــنــةُ ‪ِ ،‬طـ ّبــي!‬
‫ِ‬ ‫ال�شعرية التي ت�صوِّر واقعاً‪ ،‬عن طريق االنزياح عنه‪.‬‬

‫رع��ى اهلل �إرثك يا جميل‪ ،‬ونوَّلك بقا ًء جمي ًال فوق بقائك!‬ ‫المنطلق الثاني لـ «�أعذب ال�شعر �أكذبه» �سلبي‪� ،‬إذ يحتمل‬
‫لو �أن كل القلوب تتقرَّح ب�سبب الحب‪ ،‬لما ظل قلب ينب�ض‬ ‫�أن ذل��ك قيل من باب ال�س��خرية مم��ن كانوا يكذبون ‪-‬من‬
‫بالعافي��ة‪ ،‬ولو �أن بثينة وكل الن�س��اء «البثينات» هن الطبّ‬‫ال�ش��عراء‪ -‬ف��ي ب�لاط ال�س�لاطين‪ ،‬و�س��يلتهم الوحي��دة‬
‫ل�شُ في كل الرجال!‬ ‫للتك�س��ب؛ لذل��ك يمكن �أن يدخ��ل في ب��اب المفارقة التي‬
‫تقول ال�ش��يء لتو�صل �إلى نقي�ضه‪ .‬ون�ست�ش��هد ثانية ب�ش��عر‬
‫المتنب��ي‪ ،‬وخ�صو�ص�� ًا م��ا قال��ه ف��ي كاف��ور الإخ�ش��يدي؛ ف��ي النهاية‪ ،‬تجوز لل�ش��اعر «الكذبة» الت��ي ال تجوز لغيره!‬
‫فبالرغ��م م��ن كثير م��ن المبالغة في و�صف ه��ذا الحاكم يح��ق ل��ه �أن «يبل��ف» و�أن يغالي ويجول وي�ص��ول في عوالم‬
‫«الكذب» ال�شعري لي�ست الآثمة بالمطلق!‬ ‫ومدحه‪ ،‬ثبت في النهاية �أن ال�شاعر كان يحتقره‪.‬‬
‫مفبرك��ة بالمطل��ق‪ ،‬وغالب�� ًا م��ا تنطوي على بع���ض عنا�ص��ر الحقيقة فيها‪.‬‬ ‫جون�س��ون‪� ،‬إن «الم��رء ي�ؤثر �أن تُروى عنه مئة كذب��ة‪ ،‬عن �أن تُروى حقيقة‬
‫كذل��ك‪ ،‬ق��د ال تك��ون ه��ذه الأكاذي��ب تج�س��يد ًا لوهم �أو �ش��ك ًال من �أ�ش��كال‬ ‫واحدة عنه ال يرغب في �أن تتك�شف للعيان‪».‬‬
‫اال�ضط��راب العقل��ي‪ .‬فعن��د مواجهة ال�ش��خ�ص بالأم��ر‪ ،‬ي�س��تطيع �أن يميِّز‬
‫ب�أنه��ا لي�س��ت �صحيحة‪ .‬عالوة عل��ى ذلك ف�إن الميل �إل��ى الفبركة والتلفيق‬ ‫هي وهو‬
‫هن��ا طوي��ل الأم��د‪ ،‬فال تكون الكذبة ولي��دة موقف �آن��ي �أو �ضغط اجتماعي‬ ‫يجمع علماء النف���س ب�أن �أي �ش��خ�ص يرزح تحت ما يكفي من ال�ضغط �أو‬
‫ما بقدر ما تنبثق من باعث داخلي لل�ش��خ�ص‪ ،‬وغالب ًا ما يمكن اقتفاء هذا‬ ‫لديه ما يكفي من الحافز يمكن �أن يكذب‪ .‬لكن كذب ًا عن �آخر يفرق! فقد‬
‫الباع��ث �إل��ى ا�ضطرابات �س��لوكية ناجمة ع��ن تعر�ض ال�ش��خ�ص في حقبة‬ ‫ك�ش��فت درا�سة نُ�ش��رت قبل �س��نوات في مجلة «جورنال �أوف بير�سونالتي‬
‫م��ا من حيات��ه لالبتزاز �أو لال�ضطهاد �أو لإ�س��اءة المعامل��ة على نحو دفعه‬ ‫�آن��د �سو�ش��ال �س��ايكولوجي» (�أجرته��ا عالم��ة النف���س بي�لا دي باول��و مع‬
‫للكذب ب�صورة متكررة ومعتادة‪.‬‬ ‫زميلته��ا الباحث��ة ديب��ورا �إي��ه كا�ش��ي‪� ،‬أ�س��تاذة عل��م النف���س ف��ي جامعة‬
‫تك�سا���س �إي��ه �آن��د �إم الأمريكي��ة) �أن الأ�ش��خا�ص المعتادي��ن على الكذب‬
‫ي�ض��اف �إلى ما �س��بق �أن الق�ص���ص التي تُروى تميل �إل��ى تقديم �صاحبها‬ ‫‪-‬خالف�� ًا للأ�ش��خا�ص الذي��ن يكذبون لظ��رف عابر �أو مكرهي��ن‪ -‬يميلون‬
‫ب�ص��ورة �إيجابي��ة وم�ش��رقة‪ ،‬ك�أن يظهر الك��ذاب هنا بمظه��ر المقدام �أو‬ ‫�إل��ى �أن يكونوا متالعبين‪ ،‬مراوغين‪ ،‬ومكيافيلليين‪ ،‬عالوة على هو�س��هم‬
‫المطَّ ل��ع �أو �صاحب عالقات مع �ش��خ�صيات متنف��ذة في المجتمع وما �إلى‬ ‫المفرط باالنطباع الذي يتركونه عن �أنف�س��هم لدى الآخرين‪ .‬ومع ذلك‪،‬‬
‫ذل��ك‪ .‬ه���ؤالء الكذاب��ون يكذبون ب�ش���أن �أي �ش��يء‪� ،‬صغي��ر ًا كان �أم كبيراً‪،‬‬ ‫ال توجد �صورة نمطية واحدة للكذاب‪ .‬فقد ك�شفت العديد من الدرا�سات‬
‫وعلى كل �ش��يء‪ ،‬ف�شهيّتهم للكذب مفتوحة دائماً‪ ،‬ال ي�شبعها �سوى المزيد‬ ‫�أن الأ�ش��خا�ص المنفتحي��ن‪ ،‬المنب�س��طين اجتماعي�� ًا �أمي��ل م��ن غيره��م‬
‫من الكذب‪ ،‬م�ستقين �شعورهم بالر�ضا والثقة من ت�صديق الآخرين لهم‪.‬‬ ‫للك��ذب‪ ،‬ذلك �أنهم يكونون مُقنعين‪ ،‬وفي الوقت نف�س��ه مُريحين وقابلين‬
‫للتعام��ل معه��م‪ ،‬كما تقترن بع�ض ال�صفات ال�ش��خ�صية‪ ،‬كالثقة بالنف���س‬
‫ويبدو �أن وتيرة الكذب مختلفة بين الجن�سين‪ .‬فقد تكون الن�ساء ثرثارات‪،‬‬ ‫والو�سامة الخارجية‪ ،‬بمهارة الفرد في الكذب‪ .‬فنحن ن�صدِّ ق الجميلين‪،‬‬
‫كما يطيب للبع�ض �أن يتهمهن‪ ،‬وقد يكذبن لكنهن ل�سن في م�ستوى كذب‬ ‫ونتعاط��ف معه��م حت��ى و�إن كانوا كذابين‪� .‬ألم ي�ش�� ُد عبدالحليم حافظ بـ‬
‫الرج��ال! ه��ذا ما �أقرته �أحدث درا�س��ة في هذا الخ�صو�ص‪ .‬فوفق ك�ش��ف‬ ‫«حل��و وك��ذاب» متقب ًال الحبيبة «المفتر�ضة» على كذبها‪ ،‬ذلك �أن جمالها‬
‫ا�س��تبيان �أُج��ري ف��ي بريطاني��ا و�ش��مل ‪� 2000‬ش��خ�ص‪ ،‬نُ�ش��رت نتائجه في‬ ‫يغفر لها؟! �أو ربما لأنها امر�أة؟! فالرجال �أميل للت�سامح مع الن�ساء حتى‬
‫�صحيف��ة ال��ـ «ديل��ي ميل» اللندني��ة في �س��بتمبر (�أيل��ول) ‪2009‬م‪ ،‬تبين �أن‬ ‫و�إن كذبن‪ ،‬في حين ال يفوِّتون كذب نظرائهم من الجن�س الخ�شن!‬
‫الرج��ال يكذبون �أكثر من الن�س��اء بمعدل ال�ضع��ف‪� .‬إذ وجد الباحثون �أن‬
‫�أفراد الجن���س الخ�شن يكذبون �س��ت كذبات في اليوم بالمتو�سط‪ ،‬مقابل‬ ‫�لا للك��ذب ه��م الذي��ن يتحمل��ون‬ ‫بالمقاب��ل‪ ،‬ف���إن الأ�ش��خا�ص الأق��ل مي ً‬
‫ث�لاث كذب��ات يومي ًا لكائنات الجن���س اللطي��ف‪ .‬وهو ما يعن��ي �أن الرجل‬ ‫الم�س���ؤولية‪ ،‬تجاه �أنف�س��هم وتجاه الآخرين‪ ،‬كما يتمتعون ب�صداقات قوية‬
‫يكذب بمعدل ‪ 42‬كذبة في الأ�سبوع‪� ،‬أي ‪ 2184‬كذبة في العام‪ ،‬وهو ما يعادل‬ ‫ومتينة‪ ،‬ناهيك عن اتكائهم على منظومة قيمية را�س��خة‪ .‬وقد ي�س��تغرب‬
‫‪ 126,672‬كذبة بالمتو�س��ط طيلة �س��ني عمره‪ ،‬مقابل ‪ 68,796‬كذبة تمار�سها‬ ‫البع���ض �إذا عل��م �أن المكتئبي��ن �أي�ض�� ًا ال يكذب��ون؛ ففي كتاب��ه «�أكاذيب!‬
‫المر�أة �أو تطلقها في عمرها‪.‬‬ ‫�أكاذيب!! �أكاذيب!!! علم نف���س الخداع»‪ ،‬يرى الطبيب النف�سي الأمريكي‬
‫ت�ش��ارلز ف��ورد �أن الأ�ش��خا�ص عل��ى �ش��فير االكتئ��اب ن��ادر ًا م��ا يخدعون‬
‫«مف�ضل��ة» بين الجن�س��ين فهي «ال �أ�ش��كو من‬
‫الآخري��ن ‪�-‬أو لعله��م هم �أنف�س��هم �ضحاي��ا الخداع‪� -‬إذ يب��دو �أنهم يرون �أم��ا �أكث��ر كذب��ة متداول��ة �أو َّ‬
‫�ش��يء‪� ،‬أن��ا بخير»‪ .‬وعند ح�ص��ر �أكثر الأكاذيب الت��ي يقولها الرجال فقد‬ ‫الحقيقة وي�صفونها بدقة �أكبر من غيرهم‪.‬‬
‫�ش��ملت‪ ،‬من بين ما �ش��ملت‪« :‬كال‪ ..‬ال تبدين �س��مينة في هذا الف�س��تان»‪،‬‬
‫و«فرغ��ت بطاري��ة الموبايل»‪ ،‬و«�آ�س��ف لم �أنتب��ه �إلى ات�صال��ك»‪ ،‬و«�أنا في‬ ‫الكذب المرضي‬
‫ق��د يج��در بن��ا هن��ا التوق��ف عن��د م��ا يع��رف ب��ـ الطريق» و«�أنا عالق في اختناق مروري»‪� .‬أما �أكثر الأكاذيب التي ت�سوقها‬ ‫‪95 94‬‬
‫والتب�ضع‪،‬‬
‫ُّ‬ ‫«ميثوماني��ا» �أو «الكذب المر�ضي»‪ ،‬الذي ي�ش��ار له الن�س��اء لرجالهن‪ ،‬فتركز جلها على �س��بل �إخفاء �آثار الت�س��وق‬
‫�أي�ض ًا بالكذب القهري‪ ،‬وذلك حين ي�صبح الكذب م��ن بينه��ا‪« :‬م��ا �أرتديه لي���س جدي��داً‪ ،‬فهو عن��دي من زم��ان»‪ ،‬و«لم يكن‬
‫عاد ًة مر�ضي ًة مت�أ�صل ًة في نف���س �صاحبه‪ ،‬و�إدمان ًا غالي��اً»‪ ،‬و«ا�ش��تريته ف��ي التنزي�لات»‪� ،‬إ�ضافة �إل��ى �أكاذيب �أخرى �ش��ائعة‬
‫ي�صعب ال�شفاء منه‪ .‬وكان م�صطلح «ميثومانيا» �أو �أي�ض ًا من نوع‪« :‬ال �أعرف �أين هو‪ ،‬لم �ألم�سه»‪ ،‬و«لدي �صداع»‪.‬‬
‫الكذب المر�ضي قد دخل �أدبيات علم النف�س الطبي‬
‫في �أواخر القرن التا�س��ع ع�ش��ر‪� .‬أما خ�صائ�ص هذا ولعلنا �سمعنا بالكذبتين الأنثويتين الأكثر �شيوع ًا في التاريخ‪ ،‬هما‪ :‬الكذب‬
‫الك��ذب فهي �أن الق�ص���ص المروية ال تكون زائفة �أو ب�ش���أن العم��ر والكذب ب�ش���أن ال��وزن! ف�إياك ث��م �إياك عزي��زي الرجل �أن‬
‫ت�سوِّل لك نف�سك �أن ت�س�أل امر�أة عن حقيقة عمرها �أو حقيقة وزنها‪ .‬هنا‬
‫ن�س��وق حادثة طريفة على ل�س��ان «�ستايل�ست» عالمي يُدعى فيليب بلوت�ش‪.‬‬
‫جرى‪..‬ب���ة ف���أن��ك��ر وادع�����ى» ولمن ال يعرف‪ ،‬فـ «ال�ستايل�س��ت» هو من�س��ق �أزياء معني بالقيام بالت�س��وق‬ ‫«ما �أهون الدمع الج�سور �إذا‬
‫َّ‬ ‫م���ن ع��ي��ن ك���اذ‬
‫مار�س ‪� /‬أبريل ‪2010‬م‬

‫المعن��ي �أكث��ر و�أوث��ق‪ ،‬ما يجعلنا �أق��در على تبين �أي �س��لوك �أو تعبير وجه‬ ‫�إنابة عن الم�شاهير والنجوم‪ ،‬واختيار‬
‫مختل��ف ع��ن الم�أل��وف‪ .‬ولنح��اول �أن نق��ر�أ لغ��ة الج�س��م للك��ذَّ اب‪ :‬عادة‪،‬‬ ‫م��ا ينا�س��بهم م��ن مالب���س‪ .‬يعت��رف‬
‫يكون التعبير الج�س��دي ككل متوتر ًا ومت�صلِّباً‪ ،‬بحيث تكون حركة اليدين‬ ‫بلوت���ش‪ ،‬الم�صن��ف م��ن بي��ن �أ�ش��هر‬
‫والقدمي��ن ف��ي حدِّ ه��ا الأدنى‪ ،‬كم��ا يميل ج�س��م الكذاب �إلى االنكما���ش‪،‬‬ ‫و�أغلى من�سقي الأزياء في العالم‪� ،‬أنه‬
‫محت ًال م�س��احة انت�ش��ار �أقل من المعتاد‪ .‬كما يبدو متقلق ًال ومتملم ًال في‬ ‫عن��د بداي��ة عمله في ه��ذا الم�ضمار‪،‬‬
‫مكان��ه‪ ،‬موحي�� ًا ب�أنه م�ش��غول �أو في عجلة من �أمره‪ .‬فيم��ا يتعلق بتعبيرات‬ ‫وج��د �صعوبة ف��ي �إر�ض��اء زبوناته من‬
‫الوجه‪ ،‬عادة ما ي�صبح وجه الكذَّ اب م�شدوداً‪ ،‬خا�صة عند الجبين وحول‬ ‫نجم��ات هولي��ود المتط ِّلب��ات‪ ،‬فكان��ت‬
‫الحواج��ب‪ ،‬وق��د يلع��ق �ش��فتيه‪ ،‬اللتي��ن ت�ضيق��ان‪ ،‬كم��ا قد يتح�سَّ ���س بيده‬ ‫الواحدة منهن تطلب منه �شراء مالب�س‬
‫وجهه وحنجرته وفمه �أثناء الكالم‪ .‬و�إذا ما فتح فمه عن ابت�س��امة ف�إنها‬ ‫له��ا‪ ،‬ث��م فج���أة يج��ن جنونها حي��ن تبدو‬
‫تكون م�صطنعة وزائفة‪ ،‬تت�صف بجمودها‪ ،‬مع تال�ش��ي الحركة الطبيعية‬ ‫�ضيق��ة عليها‪ ،‬فترميها ف��ي وجهه غا�ضبة!‬
‫المتوقعة لخطوط التجاعيد حول العين الذي يرافق االبت�سامة الحقيقية‬ ‫ل��م يحت��ج فيليب �إلى وقت طويل كي يكت�ش��ف‬
‫وال�صادقة في الغالب‪.‬‬ ‫�أنهن يكذبن ب�ش���أن مقا�س��هن‪ ،‬فبات حين ي�س�أل‬
‫الواحدة عن مقا�س��ها‪ ،‬وتجيبه ب�أنه «‪ »4‬مثالً‪ ،‬ي�شتري‬
‫المالب���س �أكبر بمقا���س �أو مقا�سين �أحياناً‪ ،‬دون �أن يُطلع النجمة المعنيَّة �إلى ذلك‪ ،‬ت�ش��ير معظم الثقافات �إلى عالمة جلية على الكذب وهي حك‬
‫الأن��ف‪ ،‬وه��و �أم��ر يعود �إل��ى الحقيقة ب���أن الأنف يحتوي على م��ا يُعرف بـ‬ ‫على حقيقة الأمر!‬
‫«�أن�سجة ناعظة» تحتقن بالدماء حين يكذب ال�شخ�ص‪ ،‬الأمر الذي يدفعه‬
‫على �أن الكذب بين �شركاء العمر لي�س م�أموناً‪ ،‬والقابلية للت�صديق لي�ست ‪-‬ك��رد فع��ل ال �إرادي‪� -‬إل��ى هر���ش الأن��ف للتخفيف من االحتق��ان‪ .‬بع�ض‬
‫م�ضمونة‪ ،‬ذلك �أنه بح�س��ب الم�س��ح �أي�ض ًا ف�إن ‪ 83‬في المئة ممن ا�ستطلت العلماء ي�ش��يرون �إلى هذه الظاهرة بـ «ت�أثير بينوكيو» ن�سبة �إلى �شخ�صية‬
‫�آرا�ؤه��م �أكدوا �أنهم ي�س��تطيعون �أن يعرفوا ب�س��هولة ما �إذا كان ال�ش��ريك بينوكي��و المتخيل��ة في حكاية «مغامرات بينوكي��و» للكاتب الإيطالي كارلو‬
‫يك��ذب �أم ال! وف��ي جميع الأحوال‪ ،‬ف�إن كذب الن�س��اء يظل �أهون بال ًء من كولودي‪ .‬وبينوكيو هذا ي�شتهر ب�أنفه الطويل الذي ي�صبح �أطول كلما وجد‬
‫ك��ذب الرج��ال‪ ،‬وعلينا �أن نتذكر �أن المر�أة �إنما قد تكون مدفوعة للكذب نف�س��ه يك��ذب! مع ت��داول الق�صة على نط��اق عالمي‪ ،‬بات من ال�ش��ائع �أن‬
‫ف��ي الأ�سا���س لحماي��ة الآخر (الرج��ل �أو الأبن��اء) �أو لحماية نف�س��ها من ي�ش��ار للكذَّ اب بذي الأنف الطويل �أو قد يقول �أحدهم ‪-‬من باب المزاح‪-‬‬
‫ل�ش��خ�ص ي��روي حكاي��ة ال تخلو م��ن فبركة‪« :‬انظ��ر �إلى �أنف��ك‪ ..‬لقد بد�أ‬ ‫مغبة نقد �أو ر�أي �سلبي ال تحتمله طبيعتها «القارورية» اله�شة!‬
‫يطْ وَل!»‪.‬‬
‫«امسك حرامي!»‬
‫�ضم��ن �س��ياق الكالم العادي‪ ،‬يُالح��ظ �أن �صوت الكذَّ اب يغ��دو �أعلى‪ ،‬مع‬ ‫لغة الجسم تفضح الكذبة‬
‫يقولون «حبل الكذب ق�صير»‪ ،‬قد يطول ويطول‪ ،‬لكنه ال يلبث �أن ينقطع‪ .‬ميله �إلى اتخاذ نبرة دفاعية �أو عدائية كما لو �أنه ينفي تهمة عن نف�س��ه‪.‬‬
‫فه��ل يمك��ن �أن «ن�صيد» الكذبة‪ ،‬و«نم�س��ك» حرام��ي الحقيقة؟ ربما‪ ..‬مع �أ�ض��ف �إل��ى ذل��ك‪ ،‬ت��راه يتكل��م �أكثر م��ن المعت��اد‪ ،‬م�ضيف�� ًا تفا�صيل غير‬
‫االعتراف ب�أن ذلك لي�س بالأمر ال�سهل‪.‬‬

‫ثم��ة م�س��اقات وط��رق تبلورت ‪-‬ب�صفة �ش��به ر�س��مية‪ -‬في العق��ود القليلة‬
‫الما�ضية لتبيان �أ�س���س ك�ش��ف الكذب وافت�ضاح الكذَّ ابين‪ .‬قد يكون عالِمْ‬
‫النف���س الأمريك��ي ب��ول �إيكم��ان «المعلِّ��م» في ه��ذا الم�ضمار‪ .‬ف��ي كتابه‬
‫ال�ش��هير «ق��ول الأكاذي��ب» (‪1985‬م)‪ ،‬يختبر �إيكمان المقدرة على ك�ش��ف‬
‫الك��ذب لأكث��ر م��ن ‪� 12‬أل��ف �ش��خ�ص‪ ،‬حي��ث وج��د �أن ال�ش��خ�ص الع��ادي‬
‫ي�س��تطيع �أن يميِّز كذبة بو�ضوح في ‪ 54‬في المئة من المرات‪ ،‬وهي ن�س��بة‬
‫نجاح لي�س��ت جيدة‪ ،‬لكن ال�ش��خ�ص ي�س��تطيع �أن يح�سِّ ��ن هذه الن�سبة �إذا‬
‫تعلَّ��م التقاط م��ا ي�صفه �إيكمان ب��ـ «التعبيرات الدقيق��ة»‪ ،‬وهي العواطف‬
‫المقموع��ة �أو المكبوت��ة الت��ي تظه��ر بلم��ح الب�ص��ر على وجه ال�ش��خ�ص‪،‬‬
‫بمن�أى عن االنطباع الذي يعطيه ال�شخ�ص‪.‬‬

‫تن��درج ه��ذه التعبي��رات الدقيق��ة �أو تعبي��رات الوج��ه في �إط��ار ما يمكن‬


‫ت�س��ميته بال�س��لوك غير اللفظ��ي‪ ،‬الذي ي�ش��مل �أي�ض ًا قراءة لغة الج�س��م‪،‬‬
‫علم�� ًا ب���أن هذه القراءة تك��ون �أدق و�أوفى كلما كانت معرفتنا بال�ش��خ�ص‬
‫�أداة تقي���س وت�س��جِّ ل اال�س��تجابات الف�س��يولوجية ك�ضغ��ط ال��دم والنب�ض‬
‫والتنف�س‪ ،‬ودرجة حرارة الج�سد ومو�صلية الجلد عند طرح مجموعة من‬
‫الأ�س��ئلة على �أحدهم و�إجابته عنها‪ ،‬على �أ�سا���س �أن الإجابات الخط�أ من‬
‫�ش�أنها �أن ت�سجِّ ل قيا�سات مميزة �أو مختلفة‪.‬‬
‫�أول ر�سم لبينوكيو‬
‫يق��وم البوليغراف بقيا���س التغيرات الف�س��يولوجية الت��ي يحدثها الجهاز‬ ‫لإنريكو مازانتي‬
‫الع�صبي ال�س��يمبثاوي �أثناء اال�س��تجواب‪ .‬وكان هذا الجهاز الذي اختُرع‬
‫في حوالي العام ‪1921‬م‪ ،‬في واحدة من �أوائل مظاهر التعاون بين العلماء‬ ‫�ضروري��ة‪ ،‬خ�ش��ية �أن يُترج��م �صمته �أو توقفه كنوع م��ن التردد‪ .‬وقد يميل‬
‫وال�ش��رطة‪ ،‬قد �أحدث انقالب ًا في �سير العمل ال�شرطي والتحقيقي‪ ،‬لكننا‬ ‫�إلى المزاح �أو التهكم‪� ،‬أثناء الحديث‪ ،‬دون �أن يكون ذلك من �شيمه‪.‬‬
‫ن�س��تطيع �أن نق��ول �إن��ه انق�لاب درام��ي �أكثر من��ه حقيقي‪ ،‬ذل��ك �أن هذا‬
‫الجه��از اكت�س��ب �ش��هرته ‪-‬المبالغ به��ا‪ -‬من خ�لال الأفالم ال�س��ينمائية‬ ‫ثم��ة عالم��ات كثيرة ق��د تعيننا في ف�ضح الك��ذاب �أو ا�صطياده متلبِّ�س�� ًا‬
‫والم�سل�س�لات التلفزيونية والروايات البولي�س��ية‪ ،‬التي تجنح �إلى الإثارة‪،‬‬ ‫بالتلفي��ق‪ ،‬وه��ي عالم��ات ي�صعب ح�صره��ا كما يتطلب �إتقانها فرا�س��ة‬
‫في حين �أن دوره على �أر�ض الواقع «البولي�سي» ظل محدوداً‪ ،‬ويتم اللجوء‬ ‫م��ن ن��وع خا�ص‪ ،‬لكنَّنا نتوقف عند لغة العيون‪ ،‬فهي لغة بليغة‪ ،‬تحكى ما‬
‫�إلي��ه �أحيان�� ًا ف��ي مرحل��ة التحقيق��ات الأولي��ة دون �أن ي�ؤخذ ب��ه وبنتائجه‬ ‫ال يُحكى‪ ،‬وتك�شف ما قد يبدو ع�صي ًا على الك�شف‪� .‬أال يقولون �إن العيون‬
‫كدلي��ل في المحاكم في معظم �أنحاء العالم‪ ،‬ذلك �أنه بح�س��ب درا�س��ات‬ ‫نواف��ذ ال��روح؟ فالك��ذَّ اب يحر���ص على ع��دم التوا�صل بالعي��ن‪ ،‬متجنب ًا‬
‫ع��دة ف�إن ن�س��بة الخط�أ في هذا الجه��از تراوح بين ‪ 25‬و‪ 75‬في المئة‪ ،‬وهي‬ ‫النظ��ر ف��ي عي��ن محدِّ ث��ه مبا�ش��رة‪ ،‬ذل��ك �أن تالق��ي العيون ق��د يف�ضح‬
‫ن�سبة كبيرة جد ًا بالمقايي�س العلمية‪.‬‬ ‫م�ش��اعر الم��رء الداخلية وقد يك�ش��ف توت��ره وقلقه‪ .‬في قامو���س العيون‬
‫�أي�ض��اً‪ ،‬م��ن المفي��د �أن نقر�أ ف��ي باب «تقلي��ب العيون» ذل��ك �أن الكذَّ اب‬
‫وال يب��دو �أن ه��ذا الجهاز‪� ،‬أو تقنيات ك�ش��ف الكذب الآلية‪ ،‬تحظى ب�ش��عبية‬ ‫يقلِّب عينيه وهو يتكلم كما لو كان يبحث عن جملة ما �أو ال�سطر التالي‬
‫و�س��ط �ش��ريحة عري�ضة من العلماء‪ ،‬بل �إن باحث ًا مثل جيوفري �س��ي‪ .‬بان‪،‬‬ ‫ف��ي ن���ص �أمام��ه‪ ،‬وه��ذا �أم��ر طبيعي فحي��ن نختل��ق حكاي��ة �أو واقعة ما‬
‫وه��و عالم نف�س��ي وم���ؤرخ للبوليغراف في جامع��ة يورك بكن��دا‪ ،‬ذهب �إلى‬ ‫نُعم��ل الفكر ف��ي البحث عن تفا�صي��ل مفبركة‪ ،‬فنكون ك�أننا نفت���ش عن‬ ‫‪97 96‬‬
‫حد و�صف كا�ش��ف الكذب ب�أنه «جهاز ترفيه» �أكثر منه �أداة علمية محكمة‬ ‫المعلوم��ة ف��ي �صفحات كتاب لم نقر�أه من قبل! هناك �أي�ض ًا غمز العين‬
‫وذات م�صداقية‪� .‬إن م�شكلة البوليغراف �أنه ير�صد فعلي ًا الخوف ال الكذب‪،‬‬ ‫وطرفها با�ستمرار‪ ،‬ب�سبب �ضغط التوتر الناجم عن الكذب؛ �إذ يُالحظ‬
‫فاال�س��تجابات الف�س��يولوجية الت��ي يقي�س��ها كنب�ض القلب ومعدل التنف���س‬ ‫�أن معدل طرف العين ي�ش��هد زيادة فجائية حين نكذب‪ ،‬وهو �أمر قد ال‬
‫ومو�صلية الجلد‪ ،‬قد تعك�س توتر ًا وخوف ًا وال ترتبط بالكذب بال�ضرورة‪ .‬و�إذا‬ ‫تكون لنا يد في التحكم به!‬
‫�أردن��ا �أن نفه��م �آلي��ة عمل الجهاز يمكن تلخي�ص الأمر عل��ى النحو التالي‪:‬‬
‫عندما نكذب‪ ،‬ينطلق ما يُ�شبه جهاز �إنذار في الدماغ لأننا نعرف �أننا نقوم‬ ‫البوليغراف‬
‫ب�ش��يء خط���أ‪ ،‬لكننا ف��ي بع�ض الأحيان قد نكون من�س��جمين م��ع �أكاذيبنا‪.‬‬ ‫التقنية في خدمة الحقيقة‬
‫وبالتال��ي‪ ،‬ف�إن المج��رم الذي يخ�ضع لجهاز الكذب ي�س��تطيع �أن ينجح في‬ ‫لما كانت قراءة لغة الج�سد‪ ،‬بحنكتنا المفتر�ضة‪ ،‬وت�صفح الوجه‪ ،‬اعتماد ًا‬
‫اال�ستجواب �إذا لم تكن لديه م�شكلة في الكذب‪ ،‬و�إذا كان يعرف �أن الكذب‬ ‫على فرا�س��تنا المزعومة‪ ،‬بحث ًا عن عالمات خ��داع وافتراء �صعبة الفهم‬
‫قد ينجيه‪ ،‬بينما قد نجد الجهاز ي�سجِّ ل �أن �شخ�ص ًا بريئ ًا يكذب‪ ،‬ال ل�شيء‬ ‫و�صعب��ة الترجمة ف��ي الغالب‪ ،‬فقد نجد الحل ف��ي التكنولوجيا‪ ،‬وتحديد ًا‬
‫�إال لأنه خائف ومتوتر فعلي ًا من اال�ستجواب!‬ ‫ف��ي الـ «بوليغ��راف»! والبوليغراف جهاز لك�ش��ف الك��ذب‪ ،‬وهو عبارة عن‬
‫مار�س ‪� /‬أبريل ‪2010‬م‬

‫جهاز ك�شف‬
‫بل�س��انه‪ ،‬وه��ي ظاه��رة ينطل��ق تف�س��يرها م��ن‬ ‫الكذب‪،‬‬
‫اعتقاد مف��اده �أن ال�صادق يكون واثق ًا بنف�س��ه‪،‬‬ ‫والح��ق �أن فكرة التغيرات التي يمر بها الج�س��م عند‬ ‫يمكن للكذَّاب‬
‫الماهر �أن‬
‫��ف ريق��ه‪ ،‬وال يتناق���ص �إف��راز اللع��اب‬
‫ف�لا يج ّ‬ ‫الكذب وت�س��خيرها كمقيا���س لي�س��ت بالأم��ر الجديد‬ ‫يخدعه!‬
‫ف��ي فم��ه‪ ،‬فيظل ل�س��انه رطباً‪ ،‬حي��ث تكون هذه‬ ‫تمام��اً‪ .‬تاريخي��اً‪ ،‬اعتم��دت بع���ض القبائ��ل في غرب‬
‫الرطوب��ة كالو�س��ادة التي تحمي �س��طح الل�س��ان‬ ‫�إفريقي��ا تقنيته��ا الخا�ص��ة بها لك�ش��ف الكذب؛ حيث‬
‫من الحرق‪� ،‬أما الكذَّ اب فيكون من اال�ضطراب‬ ‫كان يق��وم مجموعة من الم�ش��تبه به��م بتمرير بي�ضة‬
‫بحي��ث يج��ف ريق��ه وين�ش��ف ل�س��انه م��ا يجع��ل‬ ‫طائر فيما بينهم‪ ،‬ف�إذا �س��قطت البي�ضة من �أحدهم‬
‫جهاز ك�شف الكذب عند اختراعه عام ‪1921‬م‬
‫الأداة المعدنية تلت�صق به وتحرقه‪.‬‬ ‫اع ُتب��ر حينئذ مذنباً‪ ،‬وذل��ك انطالق ًا من الفكرة ب�أن‬
‫توتّره‪ ،‬الناجم عن كذبه �أو �إخفاء الحقيقة‪ ،‬جعله يوقع البي�ضة من يده!‬
‫عل��ى �أن الخي��ال الب�ش��ري المفت��ون بالغرائبي��ة م�ض��ى �إل��ى ح��د ابت��داع‬
‫وف��ي ال�صي��ن القديم��ة‪ ،‬كان الم�ش��تبه به ي�ض��ع حفنة م��ن �أرز في فمه �أدوي��ة لك�ش��ف الك��ذب‪� ،‬أطل��ق عليها ا�س��م «عقاقي��ر الحقيقة»‪ ،‬م��ن بينها‬
‫�أثن��اء خطب��ة المدع��ي الع��ام‪ .‬وكان يُعتق��د ب���أن �إف��راز اللع��اب يتوقف عق��ار يُعرف با�س��م «ثيوبنتال ال�صوديوم» وهو مخدِّ ر �س��ريع المفعول يتم‬
‫ب�س��بب القل��ق والتوتر العاطفي‪ ،‬ف�إذا انتهى المدع��ي العام من خطبته ا�س��تخدامه بغر�ض انتزاع معلومات م��ن متهم يرف�ض التكلم‪ ،‬من منطلق‬
‫وظل الأرز في فم ال�شخ�ص المعني جافاً‪� ،‬صدر عندئذ الحكم القاطع االعتقاد ب�أن ال�شخ�ص ال ي�ستطيع �أن يكذب تحت ت�أثير عقار مخدر! على‬
‫�أن «م�شروعية» مثل هذه العقاقير ا�ستُقبلتْ بجدل ورف�ض كبير في �أو�ساط‬ ‫بحقه‪ :‬مذنب!‬
‫الحقوقيين في مختلف �أنحاء العالم على اعتبار �أنها تقتات على ال�ضعف‬
‫المب��د�أ نف�س��ه ا�س��تثمره الب��دو ‪-‬حت��ى عه��د قري��ب‪ -‬ف��ي �ش��به الجزيرة الب�شري �أو تع ُّد �شك ًال من �أ�شكال انتزاع اعتراف تحت الإكراه! ناهيك عن‬
‫�أن نتائجه��ا غير م�ضمونة وال تعد دلي ًال يُعتد به‪.‬‬ ‫العربية لك�ش��ف الك��ذَّ اب؛ مخترعي��ن بدورهم جهازه��م الخا�ص بهم‪،‬‬
‫لك��ن هذا ال يمنع من ا�س��تغالل العقار في‬ ‫�ضمن جل�س��ة تحقيق عُ رفتْ با�سم «البِ�ش��عة»‪ .‬في هذه الجل�سة‪،‬‬
‫مداعبة الخيال في الأفالم والروايات‬ ‫كان يجتمع المحكِّمون والم�شتبه به في مجل�س عند �شخ�ص‬
‫المطعمة بالإثارة‪.‬‬ ‫ُيق��ال ل��ه «المب�شّ ��ع»‪ ،‬يق��وم بت�س��خين �أداة معدنية ت�ش��به‬
‫المقالة بالنار‪� ،‬إلى �أن ي�صبح لونها كالجمر‪ ،‬من �شدة‬
‫الحرارة‪ ،‬فيلعقها المتهم بل�سانه‪ ،‬ف�إن كان �صادق ًا لم‬
‫فم الحقيقة‪ ..‬من فن النحت‬ ‫ي�صبه �ضرر و�إن كان كاذب ًا الت�صقت الأداة ال�ساخنة‬
‫الروماني‬
‫«بروباغاندا» احلرب‬
‫من �أكثر الأكاذيب خطور ًة وا�ست�شرا ًء تلك التي ُتر َّوج في الحرب‪ ،‬وعن‬
‫الحرب‪ ،‬والتي تكت�سب «قانونية» و«م�شروعية» خا�صة بها عم ًال بالمقولة‬
‫ال�شائعة «كل �شيء م�سموح في الحب والحرب»! فتحت مفهوم «الإعالم‬
‫الحربي»‪ ،‬يتحول الكذب فج�أة �إلى �ضرورة قومية‪ ،‬تمليها �شروط ذات‬
‫نف�س وطني تعبوي‪ ،‬ال يخلو من تفخيم لغوي من نوع‪« :‬الحفاظ على‬
‫الوحدة»‪ ،‬و«تما�سك اللحمة الوطنية»‪ ،‬وما �إلى ذلك من تعبيرات تهدف‬
‫�إلى تبرير تغييب الحقيقة واعتماد المعلومات الم�ضللة وتزوير البيانات‬
‫وتلفيق االنت�صارات والتعتيم على الهزائم! هذا النوع من الإعالم‬
‫يُ عرف بـ«البروباغاندا» �أو الدعاية الإعالمية الحربية‪ .‬وفق المبد�أ‬
‫الأ�سا�سي الذي تقوم عليه البروباغاندا‪ ،‬الحقيقة «نحن» والكذب‬
‫«هم»‪ ،‬كائناً من كان «نحن» وكائناً من كان «هم»! �إن البروباغاندا‬
‫في كل �صيغها منحازة بال�ضرورة‪ ،‬وال يمكن �أن تكون مو�ضوعية فيما‬
‫‪Corbis‬‬ ‫تقدِّمه من معلومات‪ ،‬فهي انتقائية‪ ،‬اجتزائية‪ ،‬ت�شويهية‪ ،‬تروم الت�أثير‬
‫في الجمهور‪� ،‬سواء بالكذب �أو ب�إخفاء المعلومة‪ ،‬بغية �صوغ تعاطف �أو‬
‫عن الحقائق خالل حرب فيتنام مث ًال‪ ،‬لعب دوراً �أ�سا�سياً في تحديد‬ ‫اتجاه في الر�أي العام يخدم غايات جهة بعينها‪ ،‬وغالباً ما تكون هذه‬
‫م�سار هذه الحرب و�إنهائها بال�شكل الذي انتهت فيه‪ .‬ويبدو �أن ذلك‬ ‫الجهة ذات �أجندة �سيا�سية‪.‬‬
‫كان در�ساً لل�سيا�سيين و�إعالمهم الر�سمي‪ .‬ومن الذين حفظوا هذا‬
‫الدر�س‪ ،‬بريطانيا في «حرب الفوكالند» �ضد الأرجنتين‪� ،‬إذ لج�أت �إلى‬ ‫لعل �أ�شهر �أقطاب الدعاية الحربية في التاريخ الحديث جوزيف غوبلز‪،‬‬
‫ما يُ عرف بـ «‪� »gniloop sserp‬أي التجمع ال�صحافي من‬ ‫وزير الدعاية ال�سيا�سية في عهد الزعيم الألماني النازي �أدولف هتلر‬
‫خالل جمع ال�صحافيين في مراكز معينة �أو ا�صطحابهم في جوالت‬ ‫في الأعوام من ‪� 3391‬إلى ‪5491‬م‪ .‬ا�ستخدم غوبلز تقنيات الدعاية‬
‫معينة حيث يمكن �إطالعهم على ما هو «مالئم» بعيداً ع َّما هو «غير‬ ‫الحديثة لتح�ضير ال�شعب الألماني نف�سياً لخو�ض حرب �شر�سة‬
‫مالئم»‪ .‬ومن دون الدخول في التفا�صيل الكثيرة‪ ،‬يمكن القول �إن لكل‬ ‫ومدمرة‪ ،‬ذات طابع �إبادي‪ ،‬فار�ضاً كذلك �سيطرة توتاليتارية على‬
‫حرب «غوبلزها» الخا�ص‪ ،‬وطريقة خا�صة في �إخفاء الحقائق وترويج‬ ‫و�سائل الإعالم والفنون وم�صادر المعلومات في �ألمانيا‪ ،‬مطوراً في‬
‫الأكاذيب‪.‬‬ ‫هذا ال�سياق مفهوماً خا�صاً لما يعرف بـ «الكذبة الكبيرة»‪ ،‬وهو القائل‪:‬‬
‫«�إذا رويتَ كذبة كبيرة بما يكفي وك َّررتها‬
‫وعندما ي�سعى الإعالم‬ ‫تباعاً‪ ،‬ف�إن النا�س �سوف ي�صدقونك في‬
‫المو�ضوعي �إلى التفلت من‬ ‫الحقيقة هي أكبر‬ ‫النهاية»‪ ،‬معلناً ب�أن «الحقيقة هي �أكبر عدو‬
‫القيود المفرو�ضة عليه‪ ،‬حيثما‬ ‫للدولة!»‪.‬‬
‫ا�ستطاع �إلى ذلك �سبي ًال‪ ،‬نرى‬ ‫عدو للدولة!‬
‫بع�ض المذيعين يعلنون بحما�سة‬ ‫والواقع �أن غوبلز‪ ،‬الذي ت�صاغ ر�ؤيته‬ ‫‪99 98‬‬
‫جلية‪« :‬التقرير التالي ي�ضم م�شاهد‬ ‫للإعالم الحربي �أحياناً بالقول‪« :‬اكذبوا‪،‬‬
‫م�ؤلمة‪ ،‬وال نن�صح ذوي النفو�س ال�ضعيفة ب�أن‬ ‫اكذبوا‪ ،‬ال بد من �أن يبقى منه �شيء»‬
‫يروها!» ثمة �أنا�س ال قدرة لهم على ر�ؤية الحقيقة‪ ،‬وهذه حقيقة‪.‬‬ ‫لم يكن حالة ا�ستثنائية‪ ،‬بقدر ما‬
‫كان «طليعياً» �إذا جاز التعبير في‬
‫الك�شف عن خطورة الحقيقة‬
‫في زمن الحرب‪.‬‬

‫فالدور الإعالمي الذي‬


‫لعبه الإعالم في الك�شف‬
‫مار�س ‪� /‬أبريل ‪2010‬م‬

‫جيم كاري في ِفلم «كذَّاب‪ ،‬كذَّاب»‬ ‫هايدن كري�ستين�سين في دور ال�صحافي �ستيفن غال�س في ِفلم �شاتارد غال�س‬

‫تبين عام ‪2003‬م �أنه كان يلفق �أجزاء عدة من ق�ص�صه‪ ،‬فا�س��تقال ون�ش��ر‬ ‫كذّابون‪ ..‬كذّابون كبار‬
‫كتاب�� ًا ع��ن ف�ضيحته‪ ،‬ليحقِّق له الكتاب من ال�ش��هرة والمال ما لم تحققه‬ ‫كوفئوا!!‬
‫ل��م يك��ن الأم��ر ولي��د ال�صدف��ة �أن يت��م اختي��ار مح��امٍ ليك��ون بط��ل فِلم له وظيفته!‬
‫«ك��ذَّ اب‪ ..‬ك��ذَّ اب» (‪1997‬م)‪ ،‬ال��ذي ج�سّ ��ده النج��م الأمريك��ي الكوميدي‬
‫جي��م كاري‪ .‬ذل��ك �أن��ه ينظر �إلى مهن��ة المحاماة في بع���ض المجتمعات وال نن�س��ى واح��دة م��ن �أب��رز ف�ضائح الن�ش��ر الأمريكي في ه��ذا الميدان‪،‬‬
‫عل��ى �أنه��ا قائمة عل��ى ل��يّ ذراع الحقائق به��دف انتزاع حق��وق �أو تبرئة من خالل ق�صة جانيت كوك‪ ،‬ال�صحافية في جريدة «وا�ش��نطن بو�ست»‪،‬‬
‫متهمين �أو اختالق المبررات لتخفيف العقوبات‪ ،‬من دون �أن يعني ذلك التي نالت عام ‪1981‬م جائزة «بوليتزر» لل�صحافة عن تحقيق لها نُ�شر في‬
‫ال�صحيف��ة بعنوان «عالم جيم��ي»‪ ،‬حول فتى في الثامنة من العمر مدمن‬ ‫التعميم بالمطلق‪.‬‬
‫على الهيروين! و�س��رعان ما تبين �أن كوك اختلقت الحكاية من ال �ش��يء‪،‬‬
‫لكن الكذب يطال كثيرين في ال�شرائح «المحترمة» من المجتمع‪� .‬أولها فا�س��تقالت م��ن عمله��ا و�أرجعت الجائ��زة‪ ،‬غير الم�س��تحقَّة‪ ،‬لكنها باعت‬
‫و�أهمها ت�ضم �أ�صحاب القلم‪ ،‬من كتَّاب و�صحافيين يفتر�ض �أن الكلمة فيم��ا بع��د «حق��وق ف�ضيحته��ا» لتحويلها �إلى ِفل��م �س��ينمائي مقابل حفنة‬
‫�ش��رفهم‪ .‬ومن �أ�ش��هر الكذابين ف��ي هذا الخ�صو���ص الكاتب الأمريكي �شهية من الدوالرات‪.‬‬
‫جيم�س فراي‪ ،‬فبعد ال�شهرة العالمية التي نالتها �سيرته الذاتية «مليون‬
‫قطع��ة �صغيرة»‪ ،‬بف�ضل اختيار الإعالمي��ة الأمريكية �أوبرا وينفري لها قد نتوقع الكذب من �أي طرف‪ ،‬من كل الأطراف ربما‪� ،‬إال العلماء‪ ..‬ومع‬
‫في نادي الكتاب‪ ،‬تبين �أن �أجزاء كثيرة من ال�سيرة مفبركة وملفقة وال ذل��ك‪ ،‬ال يب��دو �أن��ه حتى العلم��اء‪� ،‬أو بع�ضهم‪ ،‬بمن�أى ع��ن هذه الخطيئة‬
‫تمت لحياة الكاتب الحقيقية ب�صلة‪ ،‬ما دفع وينفري في �إحدى حلقاتها الم�س��تفحلة ب�ش��رياً‪� .‬إذ ي��روي لن��ا التاري��خ حكاي��ات عديدة ع��ن علماء‬
‫عمدوا �إلى التالعب بتجاربهم جزئي ًا على الأقل كي تتمخ�ض عن نتائج‬ ‫�إلى �أن تعترف لجمهورها بالقول‪« :‬لقد خُ دعت»‪.‬‬
‫مرغوب��ة‪ .‬لك��ن الف�ضيح��ة الأكبر الم�س��جلة ف��ي التاريخ القري��ب بطلها‬
‫ويبدو �أن الحياة الغربية‪ ،‬المهوو�س��ة بال�ش��هرة‪ ،‬ت�شجِّ ع على الكذب‪ ،‬ومن العالم الكوري هوانغ وو‪�-‬س��وك‪� ،‬أ�س��تاذ التوالد البيطري والتكنولوجيا‬
‫ثم تكافئ ‪-‬بطريقتها‪ -‬الكذَّ ابين! فال�صحافي �س��تيفن غال���س الذي كان الحيوية في جامعة �س��يول الوطنية‪ ،‬الذي ادَّعى في درا�س��تين له نُ�شرتا‬
‫يعم��ل في ت�س��عينيات القرن الما�ضي في مجل��ة «ذا نيو ريبابليلك» ن�صف في مجلة «�ساين�س» العلمية المرموقة‪ ،‬عامي ‪ 2004‬و‪2005‬م‪� ،‬أنه نجح في‬
‫ال�ش��هرية‪ ،‬كان يلفِّ��ق الق�ص���ص والتقاري��ر‪ ،‬ب��ل م�ض��ى �إل��ى ح��د اختالق اختالق خاليا جذعية جنينية ب�شرية عن طريق اال�ستن�ساخ‪ .‬ولقد �أدين‬
‫م�صادر ومواقع �إلكترونية مزيفة‪ .‬فماذا ح َّل به؟ فُ�صل غال���س من عمله هوان��غ عام ‪2006‬م باالحتيال‪ ،‬حيث طُ رد م��ن جامعته‪ ،‬ومنعته الحكومة‬
‫لكن �شهرته ت�ضاعفت‪ ،‬حين �أنتج فِلم بعنوان «�شاتارد غال�س» (‪2003‬م)‪ ،‬من متابعة �أبحاثه في اال�ستن�ساخ الب�شري‪ ،‬وفي �أكتوبر (ت�شرين الأول)‬
‫ليحكي ق�صته ك�صحافي «على ا�س��تعداد للقيام ب�أي �ش��يء للح�صول على ‪2009‬م‪� ،‬صدر بحقّه حكم بال�سجن عامين مع وقف التنفيذ‪.‬‬
‫ق�صة مذهلة»‪.‬‬
‫وقب��ل هوان��غ‪ ،‬كان��ت الأو�س��اط العلمي��ة في �أوروب��ا قد �صحت ف��ي �أحد‬
‫وهن��اك جي�س��ون بلي��ر‪ ،‬ال�صحافي ف��ي جري��دة «نيويورك تايم��ز»‪ ،‬الذي �أي��ام ‪2002‬م عل��ى ف�ضيح��ة م��ن عي��ار ثقيل‪ ،‬وذل��ك حين تبي��ن �أن عالم‬
‫وف��ي خليجن��ا العرب��ي‪ ،‬هن��اك «�أبو �ش�لاخ» �أو «ب��و �ش�لاخ»‪ ،‬الم�أخوذ‬ ‫الفيزي��اء الألماني ال�ش��اب ي��ان هندريك �ش��ون قد زوَّر نتائ��ج‪ ،‬وُ�صفت‬
‫م��ن كلم��ة «�ش��لخ»‪ ،‬الت��ي تعني ‪-‬م��ن بين معان ع��دة‪« -‬الك��ذب»‪ .‬وال‬ ‫ب�أنها مده�شة‪ ،‬في حقل �أ�شباه المو�صالت والمو�صالت الخارقة‪ .‬وكان‬
‫ي�ش��ير �أبو �ش�لاخ �إل��ى �ش��خ�صية بعينها و�إنم��ا �إلى «بطاق��ة تو�صيف»‬ ‫�ش��ون قد ن��ال العديد من الجوائز العلمي��ة المرموقة‪ ،‬من بينها جائزة‬
‫تل�ص��ق عل��ى جبي��ن كل م��ن يذه��ب بكذب��ه وف�شْ ��ره ومغاالت��ه ح��د ًا‬ ‫العالم ال�ش��اب في �ألمانيا‪ ،‬قبل تك�شّ ��ف تفا�صيل ف�ضيحته‪ ،‬فتم �س��حب‬
‫فا�ضحاً‪ .‬ولقد ا�س��تثمر الأديب وال�ش��اعر الدكتور غازي عبدالرحمن‬ ‫�ش��هادة الدكتوراة منه‪ ،‬كما تمت مقاطعته ر�س��مي ًا في �أو�س��اط البحث‬
‫الق�صيبي �شخ�صية �أبي �شالخ �سردي ًا في روايته المعنونة «�أبو �شالخ‬ ‫العلمي في �ألمانيا‪.‬‬
‫��ف العال��م‪ ،‬ف�أبحر‬‫البرمائ��ي»‪ ،‬الت��ي يق��دِّ م فيه��ا �أب��ا �ش�لاخ‪ ،‬الذي ل َّ‬
‫ف��ي الم��كان والزمان‪ ،‬و�ش��ارك في �صن��ع القرارات و�ص��وغ الأحداث‬ ‫من أبي لمعة إلى أبي شالخ‬
‫والحروب‪ ،‬و�شكَّل عون ًا ور�أي ًا ُي�ؤخذ به وهو ال�شاعر والعا�شق والإن�سان‬ ‫الفشّارون يُضحكون وال يؤذون‬
‫الخ��ارق‪ ،‬الذي �س��بق ع�صره‪ ،‬ف��ي جعبته من الحكاي��ات ما تفوق في‬ ‫بعي��د ًا ع��ن �أه��ل العلم و�أهل ال�سيا�س��ة و�أه��ل الكلمة‪ ،‬هناك «الف�شَّ ��ارون»‬
‫خيالها «الف�شَّ ار» الجامح كل خيال‪.‬‬ ‫الظرف��اء‪ ،‬و«الفَ�شْ ��ر» كلمة عامية تعني الكذب غي��ر ال�ضار‪ ،‬الذي يُق�صد‬
‫من��ه اللهو والمرح والمزاح وا�س��تثارة ال�ضحك م��ن القلوب والترويح عن‬
‫يمكن القول‪ ،‬في المجمل‪� ،‬إن الف�شَّ ار �شخ�صية تاريخية وعالمية‪ ،‬ندر‬ ‫النفو���س‪ ،‬واال�س��تئثار بانتب��اه الآخري��ن عب��ر رواية ق�ص���ص تنطوي على‬
‫�أن تغيب في التراث الإن�س��اني‪ .‬ومن بين �أ�ش��هر الف�ش��ارين في الثقافة‬ ‫مغاالة في تفا�صيلها على نحو ي�صعب ت�صديقه‪ ،‬وفي الوقت نف�سه تراها‬
‫ال�ش��عبية الغربي��ة الب��ارون مونخهاوزن‪ ،‬الذي عا���ش ف��ي الأعوام بين‬ ‫ت�أ�سر اهتمام الم�ستمعين‪.‬‬
‫‪ 1720‬و‪1797‬م‪ ،‬وه��و ب��ارون �ألمان��ي خدم في الجي���ش‪ .‬وعن��د عودته �إلى‬
‫موطنه‪ ،‬ا�س��تعر�ض بطوالته ومغامراته التي كانت ف�شر ًا في ف�شر‪ ،‬من‬ ‫من �أ�ش��هر ال�ش��خ�صيات الف�شَّ ��ارة في عالمنا العربي «�أبو لمعة»‪ ،‬الف�شَّ ��ار‬
‫ذلك ادعا�ؤه �أنه �سافر �إلى القمر على متن قذائف مدفع‪ .‬ولقد �شكَّلت‬ ‫الأول ف��ي م�ص��ر‪ ،‬حت��ى �ص��ار يُ�ض��رب المثل به فيق��ال ع��ن �أحدهم «وال‬
‫مغام��رات مونخهاوزن المزعوم��ة مادة كتب وحكاي��ات خرافية تُروى‬ ‫�أب��و لمع��ة»‪ ،‬كناية عن ف�ش��ره المف�ض��وح! و«�أبو لمعة» هو ال�ش��خ�صية التي‬
‫للأطف��ال‪ ،‬وف��ي الع��ام ‪1998‬م‪ ،‬تحوَّلت بع�ض هذه المغام��رات �إلى فِلم‬ ‫تقمَّ�صه��ا الممث��ل الراح��ل محم��د �أحم��د الم�صري في م�سل�س��ل «�س��اعة‬
‫�س��ينمائي بعنوان «مغام��رات البارون مونخه��اوزن»‪ .‬وثمة ا�ضطرابان‬ ‫لقلب��ك» الإذاع��ي‪ ،‬ال��ذي ا�ش��تهر بحكايات��ه المختلق��ة الت��ي كان يرويه��ا‬
‫نف�س��يان م�س��تلهمان م��ن ا�س��مه وم��ن خرافات��ه‪ ،‬فهن��اك «متالزم��ة‬ ‫ع��ن الخواج��ة بيجو‪ ،‬كادعائه �أنه ذهب �إلى الإ�س��كيمو م��رة وتمدد تحت‬
‫مونخه��اوزن»‪ ،‬وه��و ا�ضط��راب يختل��ق في��ه �أحده��م المر���ض بغي��ة‬ ‫�ش��جرة �آي���س كريم‪ ،‬مرتدي ًا جالبي��ة مقلَّمة! �أو �أنه بنى الأهرام بنف�س��ه‪،‬‬
‫الح�صول على االهتمام‪ ،‬وهناك «متالزمة مونخهاوزن بالت�أثير»‪ ،‬وهو‬ ‫�أو قتل ع�ش��رة �أ�سود بر�صا�صة واحدة‪ .‬وفي م�صر �أي�ضاً‪،‬‬
‫ا�ضط��راب يقوم فيه �ش��خ�ص يرعى �ش��خ�ص ًا �آخ��ر (الأم في الغالب)‬ ‫هناك «�أبو العربي»‪ ،‬ال�ش��خ�صية البور�سعيدية‬
‫باخت�لاق المر�ض لدى ابنها �أو �أي �ش��خ�ص �آخر ف��ي عهدتها من �أجل‬ ‫الفولكلورية‪ ،‬الذي يعمل بين �صيد ال�سمك‬
‫الح�صول على االهتمام والتعاطف‪.‬‬ ‫والجم��رك‪ ،‬حي��ث عُ ��رف عنه الف�ش��ر‬
‫والفهل��وة ومغاالت��ه ف��ي بطوالت��ه‬
‫كذبة أول إبريل‪..‬‬ ‫والح��روب الت��ي خا�ضه��ا وادعائه‬
‫احتفاء ولكن‪..‬‬ ‫�صداقاته بزعماء العالم‪.‬‬
‫هناك نوع واحد من الكذب الذي �أ�صبح‬
‫تقلي��د ًا في الغرب‪ ،‬ال��ذي تختبر فيه‬
‫قدرة المخيّلة الب�ش��رية على الفَ�شْ ��ر‬
‫واالخت�لاق غي��ر الم���ؤذي‪ .‬من��ذ‬ ‫‪101 100‬‬
‫عه��د بعي��د‪ ،‬يحتف��ي قط��اع عري���ض‬
‫ف��ي الغ��رب بما يعرف ب��ـ «كذب��ة �إبريل»‪،‬‬
‫الت��ي ت�ص��ادف ف��ي الأول م��ن �إبري��ل‬
‫(ني�س��ان) وفيه��ا يمار���س الب�ش��ر‬
‫الك��ذب الهزلي م��ن خالل مقالب‬
‫طريفة يحتالون بها على �أحبَّتهم‬
‫�أو زمالئهم‪.‬‬

‫البارون مونخهاوزن‬
‫مار�س ‪� /‬أبريل ‪2010‬م‬

‫ذل��ك الع��ام التقوي��م الجديد‪ ،‬لك��ن العديد من النا���س رف�ضوا قبول‬


‫التاري��خ الجديد وبع�ضهم لم ي�س��مع به‪ ،‬فوا�صل��وا االحتفال بالتاريخ‬
‫ال�س��ابق لر�أ�س ال�س��نة الميالدية‪ .‬وبد�أ النا�س الآخرون ي�سخرون من‬
‫المت�شبثين بالتاريخ القديم‪ ،‬وو�صفوهم بالحمقى‪ ،‬وقد ير�سلون لهم‬
‫ر�س��ائل تحم��ل �أخب��ار ًا مزيف��ة‪� ،‬أو ق��د يخدعونهم بحي��ث يدفعونهم‬
‫لالعتقاد بما لي�س �صحيحاً‪.‬‬

‫عل��ى مدى العقود المن�صرمة‪ ،‬احتفى الإعالم العالمي بـ «كذبة �إبريل»‬


‫عبر تبني تقليد �س��نوي تقوم عبره العديد من الم�ؤ�س�س��ات الإعالمية‪،‬‬
‫حت��ى المرموق��ة منه��ا‪ ،‬بن�ش��ر ق�ص���ص وتقاري��ر مفرطة ف��ي غرابتها‪،‬‬
‫وقيا���س قابلي��ة الجمه��ور لت�صديقه��ا وتداوله��ا‪ ،‬ومن ثم نفيه��ا الحقاً‪.‬‬
‫من �أ�ش��هر المقالب الإعالمية في هذا ال�س��ياق تقرير تلفزيوني عر�ضه‬
‫�أكبر كذَّاب في العالم‪..‬‬
‫برنام��ج «بانورام��ا» الوثائق��ي ف��ي محط��ة «ب��ي ب��ي �س��ي» البريطاني��ة‬
‫ع��ام ‪1957‬م‪� ،‬أظه��ر �إيطاليي��ن يقطف��ون المعكرون��ة «ال�س��باغيتي» م��ن‬
‫الأ�شجار‪ .‬وزعم التقرير �أنه تم الق�ضاء على الح�شرة التي كانت تلحق‬ ‫م��ن غي��ر المع��روف تاري��خ ه��ذه البدع��ة‪ ،‬لك��ن معظ��م الم�ص��ادر‬
‫ال�ض��رر بح�ص��اد المعكرونة! الطريف �أن عددا كبير ًا من الم�ش��اهدين‬ ‫ترجعها �إلى �أواخر القرن ال�ساد���س ع�ش��ر‪ ،‬حين بد�أ العمل بالتقويم‬
‫ات�صلوا بالتلفزيون ي�ستف�س��رون عن كيفية زراعة �أ�ش��جار �سباغيتي في‬ ‫ال�س��نوي الحال��ي ف��ي الغ��رب‪ ،‬بحي��ث يك��ون ب��دء الع��ام الجديد في‬
‫حدائقهم!‬ ‫الأول م��ن يناي��ر (كان��ون الثان��ي)‪ ،‬ب��د ًال م��ن التقويم ال�س��ابق الذي‬
‫غي��ر �أن كذب��ة �أول �إبريل تنقلب �إلى واحد من �أ�س��و�أ �أن��واع الكذب عندما‬ ‫كان يح��دد ر�أ���س ال�س��نة الميالدي��ة بي��ن ‪ 25‬مار���س (�آذار) والأول‬
‫تفتقر �إلى ح� ّ��س الطرفة‪ ،‬فت�سبب الأذية لمتلقيها‪ ،‬مثل بعث ر�سالة تعزية‬ ‫م��ن �إبري��ل (ني�س��ان)‪ .‬بح�س��ب التف�س��ير ال�س��ائد‪ ،‬تبنت فرن�س��ا في‬

‫بينوكيو أنفه يفضح كذبه‬


‫في العام ‪3881‬م‪� ،‬أهدى الكاتب الإيطالي كارلو كولودي ق َّراءه‪ ،‬كباراً‬
‫و�صغاراً‪ ،‬روايته المعنونة «مغامرات بينوكيو»‪ .‬وكان الن�صف الأول‬
‫من الكتاب قد ُكتب على �شكل ق�صة م�سل�سلة بين العامين ‪1881‬‬
‫و‪3881‬م قبل �أن تظهر الرواية �أخيراً كاملة‪ ،‬لتتحول �إلى واحدة من‬
‫يتق�صد كولودي �أن يكون عمله‬ ‫�أ�شهر كال�سيكيات �أدب الأطفال‪ ،‬و�إن لم َّ‬
‫موجهاً للأطفال بال�ضرورة‪.‬‬
‫تدور الرواية حول مغامرات الفتى ال�شقي بينوكيو‪ ،‬وهو دمية خ�شبية‬
‫حفار خ�شب فقير يُ دعى غيبيتو‬ ‫م�صنوعة من خ�شب ال�صنوبر نحتها َّ‬
‫في قرية �إيطالية كائنة في مقاطعة تو�سكاني‪ .‬ما �إن يفرغ غيبيتو‬
‫من �صنع بينوكيو‪ ،‬الذي يعني ا�سمه باللهجة التو�سكانية بالإيطالية‬
‫«�صنوبرة» حتى يبد�أ �أنف الفتى الخ�شبي يطول‪ .‬ثم يقترن تغير طول‬
‫�أنفه الحقاً بكذبه‪ .‬لكن بينوكيو لم يرد �شيئاً من الحياة �سوى �أن يتحول‬
‫�إلى ولد حقيقي‪ ،‬وهي �أمنية تبدو بعيدة وال تتحقق �إال �أخيراً‪ ،‬مكاف�أة له‬
‫لأنه تعلم درو�س الحياة ون�ضج ولم يعد �شقياً‪.‬‬
‫عن بينوكيو (لعل �أ�شهرها ِفلم «بينوكيو» الذي �أنتجته ديزني عام‬ ‫نالت «مغامرات بينوكيو» �شهرة عالمية تخطت �إيطاليا وقفزت عبر‬
‫‪0491‬م) ناهيك عن ن�سخ فرن�سية و�إيطالية ورو�سية و�ألمانية ويابانية‬ ‫حقب التاريخ‪ ،‬حيث تم ا�ستلهامها في العديد من الأعمال الم�سرحية‬
‫وغيرها‪.‬‬ ‫واال�ستعرا�ضات المو�سيقية والم�سل�سالت الكرتونية والأفالم‬
‫ال�سينمائية‪ .‬ثمة على الأقل �أربعة ع�شر ِفلماً ناطقاً باللغة الإنجليزية‬
‫الكذب يهدي إلى الفجور‬
‫قال ر�سول اهلل (�صلى اهلل عليه و�سلم)‪( :‬كفى بالمرء كذباً �أن يُ حدّث‬ ‫الكذب �أخو الخيانة و�شر القول‪ ،‬وهو من المحرمات في كافة الأديان‪،‬‬
‫بكل ما �سمع)‪ ،‬كما منع الكذب لمجرد �إ�ضحاك الآخرين‪ ،‬قال (�صلى‬ ‫وعدّه الإ�سالم من المعا�صي و�أنه �أ�سا�س لكل �شر‪ ،‬ومف�سدة لحياة‬
‫لي�ضحك به القوم وي ٌل له‬‫اهلل عليه و�سلم)‪( :‬وي ٌل للذي يُ ح ِدّث فيكذب ُ‬ ‫النا�س و�ضمائرهم‪.‬‬
‫وي ٌل له)‪ .‬كما �أكد عدم الكذب في المتاجرة والمعامالت بين النا�س‪،‬‬
‫(البيعان‬
‫وربط البركة فيها بال�صدق‪ ،‬قال (�صلى اهلل عليه و�سلم)‪ّ :‬‬ ‫وقد ذ ّم الإ�سالم الكذب ومقترفيه في مواطن عديدة من القر�آن‬
‫وبيّ نا بورك لهما في َبي ِعهما‪ ،‬و�إن‬
‫بالخيار ما لم يتف ّرقا‪ ،‬ف�إن َ�صدَقا َ‬ ‫الكريم والأحاديث النبوية‪ ،‬ومنها قوله تعالى‪} :‬‬
‫كتما وكذبا ُم ِحقت بركة بيعهما)‪.‬‬ ‫{(البقرة‪ :‬الآية‬ ‫ ‬
‫‪ ،)01‬وقوله تعالى‪} :‬‬
‫غير �أن الدين الإ�سالمي ا�ستثنى حاالت ا�ضطرارية �أباح فيها الكذب‪،‬‬ ‫{ (النحل‪ ،)501:‬وقوله تعالى‪:‬‬ ‫ ‬
‫من �أجل غايات �سامية‪ .‬في هذه الحاالت ال يُ �ستخدم الكذب لتحقيق‬ ‫{ (الزمر‪ ،)3 :‬وقوله تعالى‪} :‬‬ ‫ ‬ ‫}‬
‫�أهداف �أنانية فردية‪ ،‬بل لتحقيق خدمة للغير �أو للمجتمع‪ ،‬دون �إيقاع‬ ‫{ (النحل‪ ،)611 :‬وقوله تعالى‪:‬‬ ‫ ‬
‫�ضرر بالآخرين‪ .‬ومن ذلك الكذب لإ�صالح ذات البين و�إطفاء الفتن‪.‬‬ ‫{‬ ‫ ‬ ‫}‬
‫فقد ورد في �صحيح م�سلم ب�شرح النووي‪« :‬عن �أم كلثوم بنت عقبة ابن‬ ‫(الأنعام‪.)12:‬‬
‫�أبي معيط (ر�ضي اهلل عنها) �أنها �سمعت ر�سول اهلل (�صلى اهلل عليه‬
‫و�سلم) وهو يقول لي�س الك َّذاب الذي ي�صلح بين النا�س ويقول خيراً‬ ‫وفي الحديث‪ ،‬قول ر�سول اهلل (�صلى اهلل عليه و�سلم)‪�( :‬إن ال�صدق‬
‫وينمي خيراً‪.‬‬ ‫يهدي �إلى البر‪ ،‬و�إن البر يهدي �إلى الجنة‪ ،‬و�إن الرجل لي�صدق حتى‬
‫كتب عند اهلل �صديقاً‪ ،‬و�إن الكذب يهدي �إلى الفجور و�إن الفجور‬ ‫يُ َ‬
‫�إذن فالكذب ممار�سة مقيتة في الإ�سالم و�ضرب من الدناءة ومفتاح‬ ‫يهدي �إلى النار‪ ،‬و�إن الرجل ليكذب حتى يُ كتَ ب عند اهلل كذابا)‪ً،‬‬
‫لكل �شر‪ ،‬و�إنما �أباحها في حاالت ا�ستثنائية من باب ال�ضرورات‪ ،‬ومن‬ ‫وقوله (�صلى اهلل عليه و�سلم)‪� ( :‬آية المنافق ثالث‪� :‬إذا َح َدّث َك َذب‪،‬‬
‫�أجل غايات �سامية‪.‬‬ ‫و�إذا وعَد �أخلف‪ ،‬و�إذا ا� ُؤتمن خان)‪ ،‬وفي رواية �أخرى‪( :‬و�إن �صام‬
‫و�صلى وزعم �أنه م�سلم)‪.‬‬

‫و�شدّد الإ�سالم على منع الكذب لي�س اختالقاً فح�سب‪ ،‬بل حتى رواية‪،‬‬

‫وعل��ى م��دى تاريخ الم�س��ابقة‪ ،‬الحديث ن�س��بياً‪ ،‬لم تفز بها امر�أة �س��وى‬ ‫بوفاة �ش��خ�ص عزيز على المتلقي‪� ،‬أو دفعه �إلى القيام بعمل �شاق ال دافع‬
‫م��رة واح��دة‪ ،‬وذل��ك في بطول��ة العام ‪2006‬م حي��ث انتزع��ت الكوميدية‬ ‫حقيق��ي ل��ه‪ ..‬ومثل هذه الأكاذيب ال تك�ش��ف �إال عن �س��وء طب��اع مطلقيها‬
‫البريطاني��ة �س��و بيركنز اللق��ب‪ ،‬بف�ض��ل روايتها المختلقة ح��ول ت�ضرر‬ ‫وافتقارهم �إلى الذوق وح�سن الت�صرف‪.‬‬
‫طبق��ة الأوزون وذوبان القم��م الجليدية وا�ضطرار النا���س �إلى الذهاب‬ ‫‪102‬‬
‫�إل��ى �أعماله��م على ظه��ور الجمال! وه��ذا ما يدعم النظري��ة القائلة �إن‬ ‫في نهاية حبله القصير‬
‫الرجال �أكثر مي ًال �إلى الكذب من الن�س��اء‪� ،‬س��واء لجهة الكذب الأ�صغر‬ ‫�أخي��راً‪ ،‬عل��ى حب��ل الك��ذب �أن يُقط��ع‪ ،‬ونقطع��ه هنا م��ع احتفاليّ��ة �أخرى‬
‫�أم الأكبر‪.‬‬ ‫بالفَ�شْ ��ر والف�شَّ ��ارين‪ ،‬لكنه��ا م��ن ن��وع خا�ص‪ :‬فف��ي نوفمبر م��ن كل عام‪،‬‬
‫ت�س��ت�ضيف مقاطعة كامبريا ب�إنجلترا م�س��ابقة طريفة تحت عنوان «�أكبر‬
‫وبعد‪� ..‬أيمكن �أن نعي�ش في عالم خالٍ من الكذب؟‬ ‫ك��ذَّ اب ف��ي العالم»‪ ،‬يتبارى فيها ع�ش��رات الف�شَّ ��ارين من مختل��ف �أنحاء‬
‫علين��ا �أن نعت��رف �أن ف��ي الحي��اة مواق��ف تتطل��ب مواجهته��ا الكثي��ر‬ ‫العال��م‪ ،‬بحي��ث يُمنح كل مت�س��ابق خم���س دقائق كي ي��روي الكذبة الأكبر‬
‫م��ن ال�ش��جاعة‪ ،‬والحقيق��ة ال يق��در عليه��ا �إال ال�ش��جعان‪ .‬فه��ل نتمتع‬ ‫والأكثر �إقناعاً‪ .‬ومن �أبطال الم�سابقة البريطاني جون غراهام الم�شهور‬
‫كلن��ا ودائم�� ًا بم��ا يكفي م��ن ال�ش��جاعة الالزم��ة والكافي��ة للمواجهة‬ ‫ب��ـ «جون��ي الكذَّ اب»‪ ،‬وهو حامل لقب الكذَّ اب الأكبر �س��بع مرات؛ من بين‬
‫الم�ستمرة؟‬ ‫كذبات��ه الفائ��زة �أن غوا�ص��ة �ألماني��ة من الح��رب العالمي��ة الثانية غزت‬
‫من يجيب بـ «نعم»‪� ،‬أو يزعم ذلك‪ ،‬هو مجرد �سطر في هذا الملف‪.‬‬ ‫بريطانيا لال�ستيالء على �أجهزة فك الت�شفير الرقمي التلفزيوني‪.‬‬
‫م‬2010 ‫ �أبريل‬/ ‫مار�س‬

‫بني يديك‬
‫جديد القافلة وقدميها‬
‫حتى خمسني عاما‬

«¢
√d�
�U LÝ ³¹≈
¢
« WO ÍU ²�«
ÆÆ¢
e
O) ∞` ∏
¹d U& LB ©dG
rO Oó`

�«
W — á∏› Y
°ÆÆ¢ �« … ¼ É≤K CG ø
á«a eGQ jÉe
² «u

³
üJ G ƒμ - ƒ ŸG
Wze− * c Qó° Oƒ©°ùd ƒ«fƒj 58 ó∏é ¢U
π j 9

×
'« R� øjô
¡°T á 200 Oó©dG 9 Ü . μ∏ªŸG
°‰Ë
38 G á om

d
3
¹b dG 1 ô©d .c
¡¶ á«H co
…b ¿Gô ©°ùdG ram
11 Oƒ dia
13 áj au 3 .s
w
w
w

G
dG ø«H ..Qó¡d K á∏› Y
´ƒédGh áÄ«Ñ
∞``∏e á«aÉ≤ GQCG ø
°üJ ƒμe «dƒj
¢UÉN SÉμ«H c Qó ©°ùdG CG - ƒ ŸG
..ìô°ùªdGh ƒ° ¡°T π ájOƒ ¢ù£°ùZdG 58 ó∏é U

UM�
øjô 9 ó © Ü . ¢∏ªŸG

K� …— KŽ
0
20 4O 89 μ
Oó` `©dG ∞``∏e dG 13 ©dG á om

rKF‰uŁ ¡vÞUý v
Gô¡¶°ùdG á«Hô mco.c
20

1¿
31 jOĩ iara

qD³�«
09

3 1 á aud
ƒ«f

w.s
ƒj -

ww
ƒjÉe
á∏› c

3
É≤K °T π

øjô«Ñ°SC’G ¢Uôb á°üb


á«a jô¡

20
09
üJ ø

É≤K á πc
Qó° ƒjÉe •

∏›

..áªjôμdG QÉéMC’G Aɪ°SCG


¢ù£
J á«a jô¡°T


bOŠ
°ùZCG
-

Qó°ü«dƒj • ø
fƒj


F�« ł ..»aÉ≤ãdG ´GóHE’Gh ºjôμdG ¢û«©dG aÉ≤K á∏
- ƒ«

°üJ á« eGQCG øY
ƒ«

öL O�UL
09

T πc QóájOƒ©°ùdG ƒμ- ȪàÑ°S


dƒj

  U
ƒ

øjô¡°
20

Æ
á«aÉ≤K πc

Æ   �«
-

ƒàcCG 58 ó∏éŸG
á∏›

«
u¹b
°ùZCG

9 ôH
œ_
Qó°üJ • øjô¡°T

« – U* « Ë « 200 Oó ©d G
. ¢U
¢ù£

5
�Ë «  ÆÆ Ê ` ∏e Oó`` ©dG ∞``∏e
138

∏ªŸG
nO OLKF� O% dG ∞ Gô¡¶dGG á«Hô©dG áμ.com
09

qHI�«
Oó` `© 11 ¿
ȪàÑ°S

d³�«
313 ájOƒ©°ùd ramco
20

«W K �
U A 4 dia
πc

ù au
á∏›

öÝ Ž w.s
�d ww
ĈcCG -

Qó°üJ á«aÉ≤K ¡°T

WO� « bL×
ÕU²H*«Ë
- Ȫaƒf • øjô

200


09 ôH

³¦�
9

² O
ôHƒàcCG

w
20

- Ȫ
°ùjO

àÑ°S
Qó°üJ á«aÉ≤K á∏›
2010 ôjGô`Ña - ôjÉ`æj • øjô¡°T πc
2009 Ȫ

www.qafilah.com 5
øjô¡°T πc
2009

20

3 58
Ȫ°ùjO - Ȫ

31311
á
www

4
aƒf

58

5 58 6
2010

6
ôjGÈa - ôjÉæj

58

1 59

1
‫جملة ثقافية ت�صدر كل �شهرين‬
‫عن �أرامكو ال�سعودية‬
‫مار�س ‪� -‬أبريل ‪2010‬‬
‫املجلد ‪ 59‬العدد ‪2‬‬
‫�ص ‪ .‬ب ‪ 1389‬الظهران ‪31311‬‬
‫اململكة العربية ال�سعودية‬
‫‪www.saudiaramco.com‬‬

You might also like