الشذرة العرفانية عند النفري

You might also like

Download as pdf or txt
Download as pdf or txt
You are on page 1of 84

‫جميل حمداوي‬

‫الشذرة العرفانية عنــد النف ــري‬

‫‪1‬‬
‫املؤلف‪ :‬جميل حمداوي‬
‫الكتاب‪ :‬الشذرة العرفانية عنــد النف ــري‬
‫الطبعة الثالثة‪2222:‬‬

‫سلسلة دراسات أكاديمية محكمة‪ ،‬تصدر عن املركز املتوسطي للدراسات‬


‫واألبحاث‪ ،‬الناظور‪ /‬طنجة‪ ،‬اململكة املغربية‪.‬‬

‫دولية متعددة التخصصات رقم ‪66‬‬

‫)‪ ISBN‬ردمك( ‪978-9920-9531-5-3‬‬

‫حقوق الطبع محفوظة للمؤلف‬

‫‪2‬‬
‫اإله ــداء‬

‫أهدي هذا الكتاب إلى املطبعي والناشر الراقي‬


‫واملتحضر واملتمدن واملتفاني في خدمة الثقافة‬
‫العربية بصفة عامة‪ ،‬والثقافة املغربية بصفة‬
‫خاصة‪ ،‬األستاذ عبد الهادي بنيسف صاحب مكتبة‬
‫سلمى جزاه هللا عنا خيرا‪.‬‬

‫‪3‬‬
‫بسم هللا الرحمن الرحيم‬

‫قال محمد بن عبد الجبارالنفـ ــري‪:‬‬

‫"كلما اتسعت الرؤية‪ ،‬ضاقت العبارة"‪.1‬‬

‫‪ - 1‬النفري‪ :‬ضاقت العبارة ‪ ،‬تقديم وتحقيق‪:‬قاسم محمد عباس‪ ،‬مؤسسة املدى‪ ،‬دمشق‪،‬‬
‫سورية‪ ،‬الطبعة األولى سنة ‪2222‬م‪( ،‬موقف ما تصنع باملسئلة) ‪ ،‬ص‪.821:‬‬
‫‪4‬‬
‫الفهرس‬
‫اإلهداء‬
‫الفهرس‪5..................................................................................................‬‬
‫مقدمة‪6....................................................................................................‬‬
‫أوال‪ ،‬آلي ــات الكتابة الشذرية‪9............................................................................‬‬
‫ثانيا‪ ،‬مميزات الكتابة الشذريــة ‪65.....................................................................‬‬
‫خاتمة‪61...................................................................................................‬‬
‫ثبت املصادرواملراجع‪22..........................................................................‬‬

‫‪5‬‬
‫مقدمة‬

‫يتناول هذا الكتاب آليات الكتابة الشذرية عند النفري في كتاباته الصوفية‬
‫والعرفانية‪ ،‬كما يبدو ذلك جليا في كتاب (املخاطبات)‪ ،‬وكتاب (املو اقف)‪،‬‬
‫وأشعاره الروحانية‪ .‬وبعد ذلك‪ ،‬استجلينا مختلف اآلليات الشذرية التي‬
‫اعتمد عليها النفري في بناء نسقه الصوفي برصد املبادئ األساسية واملميزات‬
‫العامة لكتابته الشذرية على مستوى التدليل وبناء الخطاب معا‪.‬‬
‫ويعني هذا أن املتصوفة قد سبقوا منذ فترة بعيدة شعراء ما بعد الحداثة‬
‫والفالسفة الشاذريين الغربيين إلى توظيف املقاطع الشذرية بمختلف أنواعها‪.‬‬
‫بيد أن الشعرية العربية والغربية على حد سواء قد أهملت هذه الكتابة‬
‫املقطعية التي أنتجها املتصوفة العرب‪ ،‬والسيما النفري صاحب الشذرات‬
‫العميقة واملوغلة في الرمزية‪ ،‬والتجريد‪ ،‬والتلميح‪ ،‬والتعريض‪.‬‬
‫وبناء على ما سبق ‪ ،‬يبدو أن الشذرية سمة حاضرة في مختلف اإلبداعات‬
‫واألجناس األدبية األخرى‪ .‬ومن ثم‪ ،‬فهي خاصية أسلوبية من جهة‪ ،‬وجنس‬
‫أدبي مستقل بنفسه من جهة أخرى‪.‬‬
‫والجديد في هذا الكتاب أنه يطرح‪ ،‬ألول مرة في الساحة الثقافية العربية‬
‫املعاصرة‪ ،‬مقاربة منهجية جديدة لتحليل اإلبداع الشذري أو النص الشذري‬
‫تسمى باملقاربة الشذرية إن داللة‪ ،‬وإن صياغة‪ ،‬وإن مقصدية‪ ،‬بتوفير العدة‬
‫املفاهيمية اإلجرائية والتطبيقية التي حصرناها في مجموعة من اآلليات‬
‫واملبادئ التي تسعف الباحث أو الدارس في تفكيك النصوص وتشريحها‬
‫وتركيبها‪.‬‬
‫ومازالت الكتابة الشذرية في الوطن العربي في حاجة ماسة إلى كتابات نظرية‬
‫ونقدية وتوجيهية متميزة من حيث القراءة‪ ،‬والتحليل‪ ،‬والتقويم‪ ،‬والتوجيه‪.‬‬

‫‪6‬‬
‫ونتمن ــى م ــن ى أن يلقـ ـ ه ــذا الكت ــاب املتواض ــع رض ــا القـ ـراء األفاض ــل‪ ،‬ويع ــود‬
‫علــيهم بــالنفع والفائــدة‪ ،‬مــع الــدعوة لنفسـ ي بــاملغفرة والتوبــة مــن أي تقصــير‪ ،‬أو‬
‫ادعاء‪ ،‬أو نسيان‪ ،‬أو خطإ‪ ،‬أو سهو‪.‬‬

‫‪7‬‬
‫توطئة‪:‬‬
‫كل من يرغب في الحديث عن الكتابة الشذرية في ثقافتنا العربية اإلسالمية‪،‬‬
‫فالبد من التوقف عند املتصوفة املسلمين الذين استعملوها بكثافة في‬
‫كتاباتهم النظرية وممارساتهم الذوقية ‪ .‬ومن ثم‪ ،‬لم تقتصر كتابتهم على‬
‫الشذرات فحسب‪ ،‬بل استخدموا أنواعا أخرى من الكتابة للتعبير عن‬
‫تجاربهم السلوكية واملعرفية إن تنظيرا‪ ،‬وإن ممارسة‪ .‬ومن بين ما اعتمدوا‬
‫عليه الشعر‪ ،‬والحكاية‪ ،‬والسرد‪ ،‬واملناجاة‪ ،‬والكرامة‪ ،‬والخاطرة‪ ،‬والدعاء‪،‬‬
‫والشطح‪ ،‬واملنقبة‪ ،‬والكتابة النظرية‪ ،‬والعرض املنظم‪ ،‬والحوار‪ ،‬والرسالة‪،‬‬
‫واملقالة‪...‬‬
‫ويعد محمد بن عبد الجبار النفري(ت‪453‬هـ) ‪ 2‬من أهم الصوفية الذين‬
‫توسلوا بالكتابة الشذرية في كتابيه (املو اقف) و(املخاطبات)‪ 3‬للتعبير عن‬
‫تجاربه العرفانية ومواقفه ومخاطباته الصوفية‪ .‬ومن ثم‪ ،‬ترد الشذرة عند‬
‫النفري في شكل موقف‪ ،‬أو مخاطبة‪ ،‬أو مناجاة‪ ،‬أو دعاء‪ ،‬أو إشارة‪ ،‬أو‬
‫لطيفة‪ ،‬أو حكمة‪ ،‬أو حوار‪ ،‬أو مبدإ عرفاني أو صوفي‪...‬‬

‫‪ - 2‬ولد محمد بن عبد الجبار بن الحسن البصري امللقب بالنفري (بكسر النون‪ ،‬وتشديد الفاء‬
‫املفتوحة‪ ،‬بعدها ياء النسبة) ببلدة نفر بالعراق في القرن الثالث‪ ،‬وتوفي سنة ‪453‬هـ و ‪468‬هــ‪ ،‬وقد‬
‫عايش فترة العصر العباس ي‪ ،‬وكان من كبار الصوفية‪ ،‬وقد تنقل في رحالته بين العراق ومصر‪.‬‬
‫وقيل‪ :‬إنه تشيع ‪ .‬والدليل على ذلك أنه ذكر املهدي املنتظر في كتاباته الصوفية‪ .‬وقد ترك لنا‬
‫مجموعة من الشذرات والديوان واملناجيات واملواقف واملخاطبات‪.‬‬
‫انظر‪:‬قاسم محمد عباس‪( :‬املخطوطات املتعلقة بآثار النفري ومادة الكتاب)‪ ،‬النفري‪ :‬ضاقت‬
‫العبارة ‪ ،‬تحقيق وتقديم قاسم محمد عباس‪ ،‬دار املدى للثقافة والنشر‪ ،‬دمشق‪ ،‬سورة‪ ،‬الطبعة‬
‫األولى سنة‪2222‬م‪ ،‬صص‪.82-9:‬‬
‫‪ - 3‬النفري‪ :‬املو اقف واملخاطبات‪ ،‬تحقيق آرتر آريري‪ ،‬تقديم وتعليق عبد القادر محمود‪ ،‬الهيئة‬
‫املصرية العامة للكتاب‪ ،‬القاهرة‪ ،‬مصر‪ ،‬طبعة ‪8915‬م‪.‬‬
‫‪8‬‬
‫ً‬
‫إذا‪ ،‬ما تجليات الكتابة الشذرية عند النفري؟ وما آلياتها الداللية والفنية‬
‫واملقصدية؟ وما مميزات الكتابة الشذرية عند النفري ؟ هذا ما سوف نتوقف‬
‫عنده في كتابنا هذا‪.‬‬
‫أوال‪ ،‬آلي ــات الكتابة الشذرية في املخيال العرفاني عند النفري‪:‬‬
‫لقد توسل النفري‪ ،‬في كتابته الشذرية العرفانية‪ ،‬بمجموعة من املبادئ‬
‫العرفانية واآلليات الذهنية والجمالية والتداولية والبصرية التي يمكن‬
‫حصرها في ما يلي‪:‬‬
‫‪ /1‬آلي ــة الت ــدوين‪:‬‬
‫من املعلوم أن النفري لم يكتب كتابا أو مؤلفات خاصة به‪ ،‬يضمنها شذراته‬
‫ومواقفه ومخاطباته ومناجاته وأدعيته وأشعاره؛ بل كان كثير الترحال‬
‫والسفر من بلد إلى آخر‪ .‬لذا‪ ،‬كان يكتب أقواله وشذراته في جزازات أو‬
‫جذاذات‪ ،‬فجمعها حفيده ؛ حيث رتبها بالطريقة التي يرتضيها شخصيا‪ .‬ومن‬
‫ثم‪ ،‬فال دخل للنفري في هذه الكتابات وال في ترتيبها‪ .‬وفي هذا الصدد‪ ،‬يقول‬
‫عفيف الدين التلمساني في شرحه للمواقف‪:‬‬
‫" إن الذي ألفه ولد ولد الشيخ‪ ،‬رحمه ى‪ ،‬وليس هو الشيخ نفسه‪ ،‬إذ كان‬
‫الشيخ لم يؤلف كتابا‪ ،‬إنما كان يكتب هذه التنزالت في جزازات أوراق نقلت‬
‫بعده‪ ،‬فإنه كان مولها ال يقيم بأرض‪ ،‬وال يتعرف إلى أحد‪ ،‬وذكر أنه توفي بأرض‬
‫مصر في بعض قراها‪ ،‬وى أعلم بجلية أمره‪4".‬‬

‫ومن ثم‪ ،‬تتميز كتابة النفري بالتقطيع‪ ،‬والتشذير‪ ،‬والتجزيء بسبب أنه لم‬
‫يؤلف كتابا متكامال ذي وحدة نصية منسجمة؛ بل دون أقواله في أوراق‬
‫متفرقة ومشتتة‪ .‬ثم‪ ،‬جمعت في شكل شذرات ومواقف ومخاطبات بترتيب‬

‫‪ - 4‬عفيف الدين التلمساني‪ :‬شرح مو اقف النفري‪،‬دراسة وتحقيق جمال املرزوقي‪ ،‬تصدير‬
‫عاطف العراقي‪ ،‬مركز املحروسة‪ ،‬القاهرة‪ ،‬مصر‪ ،‬الطبعة األولى سنة ‪8929‬م‪ ،‬ص‪.259:‬‬
‫‪9‬‬
‫الحفيد واختياره الشخص ي‪ .‬والدليل على ما قلناه ما ذهب إليه التلمساني‬
‫عندما توقف عند الشذرة التالية‪:‬‬
‫" وقال لي‪ :‬اذكرني كما يذكرك الطفل‪ ،‬وادعوني كما تدعوني املرأة"‪.5‬‬
‫وقد علق عليها التلمساني قائال‪:‬‬
‫" هذا التنزل ال يليق أن يكون إلى جانب هذه التنزالت‪ ،‬ألن مقامه مغاير‬
‫ملقامات هذه التنزالت ‪ ،‬وإنما أوجب هذا‪ ،‬ما نقل من أن الذي رتب هذه‬
‫املواقف وألف ترتيبها هو ابن بنت الشيخ‪ ،‬ولم يكن الشيخ هو الذي رتبها‪ ،‬ولو‬
‫رتبها الشيخ لكانت على أحسن من هذا النظام‪ ،‬بحيث ال يكون ش يء إال مع ما‬
‫يناسبه"‪.6‬‬
‫ويكرر ذلك في سياق آخر‪:‬‬
‫" وهذا يدل على أن الذي ألف هذه املواقف لم يكن هو النفري‪ ،‬بل هو بعض‬
‫أحبابه‪ ،‬وقيل هو ابن بنته‪ .‬فال جرم لم يأت مرتبا ترتيب املقامات في نفس‬
‫األمر‪."7‬‬
‫ويتبين لنا ‪ ،‬من هذا كله‪ ،‬أن سياق تدوين هذه الشذرات املتقطعة هو أن‬
‫النفري كان هائما في أرض ى‪ ،‬كثير السفر والترحال‪ ،‬يكتب أقواله وتأمالته‬
‫ومواجيده في أوراق وجذاذات محدودة الحجم بعناوين وأرقام ومواضيع‬
‫مختلفة‪ .‬وبعد ذلك‪ ،‬جمعها حفيده بين دفتي كتاب‪ ،‬فاختار الترتيب الذي‬
‫يناسب أوراقه‪ ،‬وربما يكون قد استشار فيه جده أو لم يستشره‪ .‬بيد أن ابن‬
‫عربي لم يشك إطالقا في ترتيب كتب النفري كما فعل الشارح عفيف الدين‬
‫التلمساني‪8.‬‬

‫‪ - 5‬النفري‪ :‬املو اقف واملخاطبات‪ ،‬ص‪.835:‬‬


‫‪ - 6‬عفيف الدين التلمساني‪ :‬نفسه‪ ،‬ص‪.492:‬‬
‫‪ - 7‬نفسه‪ ،‬ص‪.522:‬‬
‫‪ - 8‬خالد بلقاسم‪ :‬الصوفية والفراغ ‪/‬الكتابة عند النفري‪ ،‬املركز الثقافي العربي‪ ،‬الدار لبيضاء‪،‬‬
‫املغرب‪ ،‬الطبعة األولى سنة ‪2282‬م‪ ،‬ص‪.285:‬‬
‫‪10‬‬
‫‪ /2‬آلي ــة التجني ــس‪:‬‬
‫تتنوع الكتابة الشذرية عند النفري على مستوى التجنيس‪ ،‬فهي أدعية‪،‬‬
‫ومقاالت‪ ،‬وخواطر‪ ،‬وشذرات‪ ،‬ومناجيات‪ ،‬ومواقف‪ ،‬ومخاطبات‪ ،‬وأشعار‪...،‬؛‬
‫أو يمكن تجنيس هذه الكتابات كلها ضمن املقطعات‪ ،‬أو املقتطفات‪ ،‬أو‬
‫اللطائف‪ ،‬أو اإلشارات‪.‬‬
‫وعليه‪ ،‬فاملواقف عبارة عن نصوص حوارية بامتياز‪ ،‬تتكون من عدة شذرات‬
‫مكثفة ومترابطة بنيويا تركيبا وداللة‪ ،‬على الرغم من مظهرها املتقطع‬
‫واملستقل‪ .‬وغالبا ‪ ،‬ما يبدأ املوقف بعبارة (أوقفني‪....‬وقال لي)‪ .‬ثم‪ ،‬ننتقل إلى‬
‫موقف تابع بالصيغة التالية‪( :‬وقال لي) كما في موقف (العز)‪:‬‬
‫" أوقفني في العز وقال لي ال يستقل به من دوني ش يء‪ ،‬وال يصلح من دوني‬
‫لش يء‪ ،‬وأنا العزيز الذي ال يستطاع مجاورته‪ ،‬وال ترام مداومته‪ ،‬أظهرت‬
‫الظاهر وأنا أظهر منه فما يدركني قربه وال يهتدي إلي وجوده‪ ،‬وأخفيت الباطن‬
‫وأنا أخفي منه فما يقوم علي دليله وال يصح إلي سبيله‪.‬‬
‫وقال لي أنا أقرب إلى كل ش يء من معرفته بنفسه فما تجاوزه إلي معرفته‪ ،‬وال‬
‫يعرفني أين تعرفت إليه نفسه‪.‬‬
‫وقال لي لوالي ما أبصرت العيون مناظرها‪ ،‬وال رجعت األسماع بمسامعها‪.‬‬
‫وقال لي لو أبديت لغة العز لخطفت األفهام خطف املناجل‪ ،‬ودرست املعارف‬
‫درس الرمال عصفت عليها الرياح العواصف‪.‬‬
‫وقال لي لو نطق ناطق العز لصمتت نواطق كل وصف‪ ،‬ورجعت إلى العدم‬
‫مبالغ كل حرف‪.‬‬
‫وقال لي أين من أعد معارفه للقائي لو أبديت له لسان الجبروت ألنكر ما‬
‫ً‬
‫عرف‪ ،‬وملار مور السماء يوم تمور مورا‪.‬‬

‫‪11‬‬
‫وقال لي إن لم أشهدك عزي فيما أشهد أقررتك على الذل فيه‪ ،‬وقال لي طائفة‬
‫أهل السموات وأهل األرض في ذل الحصر‪ ،‬ولي عبيد ال تسعهم طبقات‬
‫السماء وال تقل أفئدتهم جوانب األرض‪.‬‬
‫أشهدت مناظر قلوبهم أنوار عزتي فما أتت على ش يء إال أحرقته‪ ،‬فال لها منظر‬
‫في السماء فتثبته‪ ،‬وال مرجع إلى األرض فتقر فيه‪.‬‬
‫وقال لي خذ حاجتك التي تجمعك علي وإال رددتك إليها وفرقتك عني‪.‬‬
‫وقال لي مع معرفتي ال تحتاج‪ ،‬وما أتت معرفتي فخذ حاجتك‪.‬‬
‫وقال لي تعرفي الذي أبديته ال يحتمل تعرفي الذي لم أبده‪.‬‬
‫وقال لي ال أنا التعرف وال أنا العلم‪ ،‬وال أنا كالتعرف وال أنا كالعلم‪".9‬‬
‫ويتفرع موقف (القرب) إلى مجموعة من الشذرات الحوارية التي يتحدث فيها‬
‫ى مع عبده‪ ،‬وإن كانت تلك الحوارات في الحقيقة ذاتية ومنولوجية‪:‬‬
‫" أوقفني في القرب وقال لي ما مني ش يء أبعد من ش يء وال مني ش يء أقرب من‬
‫ش يء إال حكم إثباتي له في القرب والبعد‪.‬‬
‫وقال لي البعد تعرفه بالقرب‪ ،‬والقرب تعرفه في بالوجود‪.‬‬
‫وأنا الذي ال يرومه القرب‪ ،‬وال ينتهي إليه الوجود‪.‬‬
‫وقال لي أدن علوم القرب أن ترى أثار نظري في كل ش يء فيكون أغلب عليك‬
‫من معرفتك به‪.‬‬
‫وقال لي القرب الذي تعرفه في القرب الذي أعرفه كمعرفتك في معرفتي‪.‬‬
‫وقال لي ال بعدي عرفت وال قربي عرفت وال وصفي كما وصفي عرفت‪.‬‬
‫وقال لي أنا القريب ال كقرب الش يء وأنا البعيد ال كبعد الش يء من الش يء‪.‬‬
‫ً‬
‫وقال لي قربك ال هو بعدك وبعدك ال هو قربك‪ ،‬وأنا القريب البعيد قربا هو‬
‫البعد وبعدا هو القرب‪.‬‬

‫‪ - 9‬النفري‪ :‬ضاقت العبارة‪ ،‬ص‪.26-25:‬‬


‫‪12‬‬
‫وقال لي القرب الذي تعرفه مسافة‪ ،‬والبعد الذي تعرفه مسافة‪ ،‬وأنا القريب‬
‫البعيد بال مسافة‪.‬‬
‫وقال لي أنا أقرب اللسان من نطقة إذا نطق‪ ،‬فمن شهدني لم يذكر ومن‬
‫ذكرني لم يشهد‪.‬‬
‫وقال لي الشاهد الذاكر إن لم يكن حقيقة ما شهده حجبه ما ذكر‪.‬‬
‫وقال لي ما كل ذاكر شاهد وكل شاهد ذاكر‪.‬‬
‫وقال لي تعرفت إليك وما عرفتني ذلك هو البعد‪ ،‬رآني قلبك وما رآني ذلك هو‬
‫البعد‪.‬‬
‫وقال لي لن تجدني وال تجدني ذلك هو البعد‪ ،‬تصفني وال تدركني ذلك هو‬
‫البعد‪ ،‬تسمع خطابي لك من قلبك وهو مني ذلك هو البعد‪ ،‬تراك وأنا أقرب‬
‫إليك من رؤيتك ذلك هو البعد‪"10.‬‬
‫ويتبين لنا ‪ ،‬من خالل هذا املوقف‪ ،‬أنه حوار شذري طويل‪ ،‬ينقسم إلى‬
‫مجموعة من الشذرات املستقلة ‪ ،‬بيد أنها مترابطة بنيويا ضمن الوحدة‬
‫الداللية للنص‪ .‬والدليل على ذلك تكرار كلمتي القرب والبعد في كل شذرة‪،‬‬
‫ويعني هذا أن التيمة الداللية واحدة‪ ،‬مهما تنوعت مظاهرها في كل موقف‬
‫شذري‪.‬‬
‫أما املخاطبات العرفانية‪ ،‬فهي حوارات يخاطب فيها ى عبده‪ ،‬مستعمال في‬
‫ذلك أسلوب النداء( يا عبد) في كل شذرة على حدة‪ .‬بيد أن هذا الحوار‬
‫التخاطبي هو في الحقيقة حوار داخلي ذاتي كما في املخاطبة األولى ‪:‬‬
‫" يا عبد إن لم أنشر عليك مرحمة الرحمانية لطوتك يد الحدثان عن املعرفة‪.‬‬
‫يا عبد إن لم تنر أنوار جبروتي لخطفتك خواطف الذلة وطمستك طامسات‬
‫الغيار‪.‬‬

‫‪ - 10‬نفسه‪ ،‬ص‪.26:‬‬
‫‪13‬‬
‫يا عبد إن لم أسقك برأفتي عليك أكواب تعرفي إليك أظمأك مشرب كل علم‬
‫وأحالتك برقه كل خاطر‪.‬‬
‫يا عبد أنا الناطق وما نطقي النطق‪ ،‬وأنا الحي وما حيوتي الحيوة‪ ،‬أحلت‬
‫العقول عني فوقفت في مبالغها‪ ،‬وأذهلت األفكار عني فرجعت إلى متقلبها‪.‬‬
‫يا عبد أنا الحاكم الذي ال يحكم عليه‪ ،‬وأنا العالم الذي ال يطلع عليه‪.‬‬
‫يا عبد لوال صمودي ما صمدت ولوال دوامي ما دمت‪.‬‬
‫حدك‪.‬‬ ‫من‬ ‫تخرج‬ ‫همك‬ ‫من‬ ‫اخرج‬ ‫عبد‬ ‫يا‬
‫يا عبد لو لم أكتبك في العارفين قبل خلقك ما عرفتني في مشهود وجدك‬
‫لنفسك‪.‬‬
‫يا عبد إن لم تعرف من أنت مني لم تستقر في معرفتي‪.‬‬
‫يا عبد إن لم تستقر في معرفتي لم تدر كيف تعمل لي‪.‬‬
‫يا عبد إن عرفت من أنت مني كنت من أهل املراتب‪.‬‬
‫يا عبد أتدري ما املراتب‪ ،‬مراتب العزة يوم قيامي ومراتب التحقيق في يوم‬
‫مقامي أولئك يلوني وأولئك أوليائي‪.‬‬
‫يا عبد اعرف من أنت يكن لقدمك ويكن أسكن لقلبك‪.‬‬
‫يا عبد إذا عرفت من أنت حملت الصبر فلم تعي به‪.‬‬
‫يا عبد إذا عرفت من أنت أشهدتك محل العلم بي من كل عالم ومقر الوجد‬
‫بي من كل واجد‪ ،‬فإذا أشهدتك ذلك كنت من شهودي على العاملين وإذا كنت‬
‫من شهودي على العاملين فأبشر بمرافقة النبيين‪.‬‬
‫يا عبد أنا أولى بك إن عقلت وأنت أولى بي إن حملت‪.‬‬
‫يا عبد ال أزال أتعرف إليك بما بيني وبينك حتى تعلم من أنت مني‪ ،‬فإذا عرفت‬
‫من أنت مني تعرفت بما بيني وبين كل ش يء‪.‬‬
‫يا عبد أنا القريب منك ولوال قربي منك ما عرفتني‪ ،‬وأنا املتعرف إليك لوال‬
‫تعرفي إليك ما أطعتني‪.‬‬

‫‪14‬‬
‫يا عبد الجأ إلي في كل حال أكن لك في كل حال‪.‬‬
‫يا عبد اقصدني وتحقق بي فإن األمر بيني وبينك‪ ،‬إذا أشهدتك أن ذكرى ال‬
‫يمنع مني وأن أسمى ال يحجب عني وأنني أمنع بذكرى من أشاء ممن أشاء‬
‫وأحجب باسمي من أشاء عمن أشاء فأنت من خاصتي‪.‬‬
‫يا عبد أنا أولى بك من علمك وأنا أولى بك من علمك وأنا أولى بك من رؤيتك‪،‬‬
‫فإذا علمت فصر وما علمت إلي فاستمع مني فيه واحمل إلي رؤيتك ووقفتك‬
‫وقف بين يدي وحدك ال بعلم فإن العلم ال يواريك عني وال بعمل فإن العمل ال‬
‫يعصمك مني وال برؤية فإن الرؤية ال تغني مني وال بوقفة فإن الوقفة ال تملك‬
‫بها مني‪.‬‬
‫يا عبد قف بين يدي في الدنيا وحدك أسكنك في قبرك وحدك وأخرجك منه‬
‫إلي وحدك وتقف بين يدي في القيامة وحدك‪ ،‬وإذا كنت وحدك لم تر إال‬
‫وجهي وإذا لم تر إال وجهي فال حساب وال كتاب وإذا ال حساب وال كتاب فال‬
‫روع وإذا ال روع فأنت من الشفعاء‪.‬‬
‫يا عبد الوجد بما دوني سترة عن الوجد بي وبحسب السترة عن الوجد بي‬
‫فتأخذ منك الباديات كنت من أهلها أم لم تكن من أهلها‪11".‬‬

‫وتتميز املناجيات أو الخواطر بكونها أيضا عبارة عن شذرات تبتدئ بلفظة‬


‫(إلهي ) ‪ ،‬كما يبدو ذلك جليا في املناجية األولى (يوم التروية)‪:‬‬
‫" إلهي‪:‬أرني مشهودات صنعك في مسخرات أمرك تجري بإجرائك في قدرتك‪،‬ال‬
‫ُيرجع بها إلى معنوية في نفاذ قدرتك‪ ،‬وال تستقل بآلة من دون تربيتك وجعلك‪.‬‬
‫إلهي ‪:‬أسلمت العدد أربابها يوم قيامك‪،‬وفارقت املعارف عارفيها يوم كالمك‪،‬‬
‫ونادى السعداء برحمتك‪ ":‬أجرنا من عذابك" ونادى األشقياء أن‪ ( :‬يا ويلنا من‬
‫حلول نكالك)‪.‬‬

‫‪ - 11‬نفسه‪ ،‬ص‪.222-289:‬‬
‫‪15‬‬
‫إلهي‪ :‬تقاصرت العلوم إلى حجبها عن درك علمك‪،‬وعكفت اإلدراكات على مبالغ‬
‫حدودها من دون معرفتك‪ ،‬فأين تبلغ العلوم إال إلى مبالغها من أمرك؟ وأن‬
‫حكمك؟‬ ‫من‬ ‫مبالغها‬ ‫إلى‬ ‫إال‬ ‫املعارف‬ ‫تبلغ‬
‫إلهي ‪:‬حارت الهمم في إدراكك‪،‬فال ذكرى لها إال بمدائد أنوارك‪،‬وتاهت العقول‬
‫عن درك صفاتك‪،‬فال مسلك لها إال بدليل إخبارك‪.‬‬
‫إلهي‪ :‬يئست األرواح من التوجه إليك بجواهرها‪ ،‬وعميت الجواهر عنك‪ ،‬فال‬
‫إدراك لها في مناظرها‪.‬‬
‫إلهي‪:‬أرني بينتك في كل موعظة‪ ،‬وأهدني لنورك في كل قيومية‪،‬حتى أرى حولك‬
‫ً‬
‫قائما بإظهارك‪ ،‬وقوتك مستولية بأسباب مشيئتك‪،‬فال أضل عن قصدك‪،‬وال‬
‫أحتجب بالدعوى عن إصابة سبلك‪.‬‬
‫إلهي‪:‬أنت امللك‪،‬فال ملك ألحد من دونك‪ ،‬وأنت القادر‪ ،‬فال مشترك ألحد في‬
‫ً‬
‫قدرتك‪ ،‬بدأت بعلمك وكالمك‪ ،‬وتعيد بعلمك وكالمك‪ ،‬أسألك ثبتا بهديك‬
‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫ً‬
‫وتأييدا ببسط حنانك إلهي أعوذ بك أن أخترم من دوني معرفتك‪ ،‬وأن أحاد‬
‫عن السراط الهادي إليك‪ ،‬أسألك بإذنك فأجرني‪ ،‬إنما املجار في‬
‫ظلك‪،‬وحطني‪ ،‬إنما الحياط في التسليم ألمرك‪.‬‬
‫إلهي‪:‬أنت خلقتني من الضعف‪،‬وأنت يارب ربيتني بألطف اللطف‪ ،‬وأنت‬
‫ّ‬ ‫ً‬
‫سويتني رجال بقدرتك‪ ،‬وأنت رزقتني‪ ،‬ووق ّت أجلي بحكمتك‪ ،‬وأنت الذي‬
‫مبادىء أمري عن إرادتك ومراجع أمري إلى مشيئتك‪ ،‬فأما مقلبك‪ ،‬إن أحسنت‬
‫فبفضلك‪ ،‬وإن أسأت فعلى نفس ي‪ ،‬إال أن يجيرني عفوك‪.‬‬
‫إلهي‪:‬أفسح لقلبي في أنوار معارفك‪ ،‬وزكه باألخبات لقدسك‪ ،‬وتوله في كل ما‬
‫قلبته بجميل واليتك‪ ،‬واكنفه أين ما توجهت همومه بابتغاء مرضاك"‪.12‬‬

‫‪ - 12‬نفسه‪ ،‬ص‪.63-64:‬‬
‫‪16‬‬
‫ً‬
‫إذا‪ ،‬فاملناجيات هي شذرات مقطعة يناجي فيها العارف ربه‪ .‬وبالتالي‪ ،‬تندرج‬
‫هذه املناجيات في باب األلوهية‪ .‬وعلى الرغم من استقاللها بالزمة (إلهي)‪ ،‬فهي‬
‫مترابطة بنيويا‪ ،‬ودالليا‪ ،‬ومقصديا‪.‬‬
‫ويبدو أن ديوان النفري هو كذلك شذرات ومقطعات من أبحر عروضية‬
‫مختلفة‪ ،‬تتفاوت من حيث الحجم و عدد األبيات‪ ،‬فهناك البيت اليتيم ‪،‬‬
‫والدوبيت‪ ،‬والنتفة‪ ،‬والقطعة‪ ،‬والقصيدة‪ .‬بمعنى أن الكتابة الشذرية هي التي‬
‫تهيمن على جذاذات النفري بصفة عامة‪.13‬‬
‫‪ /3‬آلي ــة التشذير‪:‬‬
‫يعد النفري من أهم املتصوفة الذين استخدموا الكتابة الشذرية أو آلية‬
‫التشذير للتعبير عن رؤيته الصوفية ومواقفه العرفانية‪ .‬وبذلك‪ ،‬فقد اكتسب‬
‫بها الحداثة‪ ،‬قبل أن يحققها كتاب الغرب في فترة ما بعد الحداثة حينما‬
‫التجأوا إلى الكتابة الشذرية للتعبير عن تجاربهم الحياتية وفلسفاتهم‬
‫النسقية‪.‬‬
‫ومن ثم‪ ،‬تحولت الشذرات‪ ،‬بسبب تكثيفها‪ ،‬إلى مناجيات وأدعية ومقطعات‬
‫ووقفات ومخاطبات مركزة ومقتضبة‪ .‬وفي هذا السياق‪ ،‬يقول خالد بلقاسم‪:‬‬
‫النصية َّ‬
‫للنفري بالبداية التالية‪" :‬أوقفني في ‪...‬‬ ‫" َّاتسمت الوقفة في املمارسة ّ‬
‫ِّ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫ً‬ ‫ّ‬
‫وتمثل هذه البداية الزمة تفتتح بها كل وقفة‪ .‬كما تتكون الوقفة من‬ ‫وقال لي"‪ِّ .‬‬
‫مكثفة يتم االنتقال فيها بعبارة "وقال لي"‪ .‬وتظل الثيمة التي تدور‬ ‫َّ‬
‫شذرات‬
‫حولها الوقفة هي الوصل بين هذه الشذرات املكثفة‪14".‬‬

‫‪ - 13‬راجع ديوانه الشعري في آخر كتاب ضاقت العبارة للنفري من تحقيق قاسم محمد عباس‪،‬‬
‫صص‪.293-224:‬‬
‫‪ - 14‬خالد بلقاسم‪ ،‬الكتابة والتصوف عند ابن عربي‪ ،‬دار توبقال للنشر‪ ،‬الطبعة األولى سنة‬
‫‪ ،2223‬ص‪.223:‬‬
‫‪17‬‬
‫وعليه‪ ،‬ارتض ى النفري‪ ،‬على مستوى الكتابة‪ ،‬أن يتمثل الشذرة للتعبير عن‬
‫الصمت واالنفالت والخيبة واالغتراب الذاتي واملكاني‪ .‬ومن ثم‪ ،‬فثمة شذرات‬
‫صغرى مكثفة مستقلة على مستوى الفضاء البصري كهذه الشذرة‪:‬‬
‫" العلم يشهد على العمل‪ ،‬واملعرفة تشهد على العلم‪ ،‬والوقفة تشهد على‬
‫املعرفة‪ ،‬وإرادة الحق تشهد على الوقفة"‪.‬‬

‫وقد أدرجها النفري ضمن باب الشذرات‪ .‬ومن جهة أخرى‪ ،‬هناك شذرات‬
‫كبرى تنقسم إلى شذرات صغرى‪ ،‬كما يتضح ذلك بينا في املناجيات واملواقف‬
‫واملخاطبات كما في موقف(الكبرياء) مثال‪:‬‬
‫" أوقفني في كبريائه وقال لي أنا الظاهر الذي ال يكشفه ظهوره‪ ،‬وأنا الباطن‬
‫الذي ال تراجع البواطن بدرك من علمه‪.‬‬
‫وقال لي بدأت فخلقت الفرق فال ش يء مني وال أنا منه‪ ،‬وعدت فخلقت الجمع‬
‫فيه اجتمعت املتفرقات وتألفت املتباينات‪.‬‬
‫وقال لي ما كل عبد يعرف لغتي فتخاطبه‪ ،‬وال كل عبد يفهم ترجمتي فتحادثه‪.‬‬
‫وقال لي لو جمعت قدرة كل ش يء لش يء‪ ،‬وحزت معرفة كل ش يء لش يء‪ ،‬وأثبت‬
‫قوة كل ش يء لش يء‪.‬‬
‫ما حمل تعرفي بمجوه‪ ،‬وال صبر على مداومتي بفقد وجده لنفسه‪.‬‬
‫وقال لي األنوار من نور ظهوري بادية والى نور ظهوري آفلة‪ ،‬والظلم من فوت‬
‫مرامي بادية والى فوت مرامي آثبة‪.‬‬
‫وقال لي الكبرياء هو العز والعز هو القرب والقرب فوت عن علم العاملين‪.‬‬
‫وقال لي أرواح العارفين ال كاألرواح وأجسامهم ال كاألجسام‪.‬‬
‫وقال لي أوليائي الواقفون بين يدي ثالثة فواقف بعبادة أتعرف إليه بالكرم‪،‬‬
‫واقف بعلم أتعرف إليه بالعزة ‪ ،‬وواقف بمعرفة إليه بالغلبة‪.‬‬
‫وقال لي نطق الكرم بالوعد الجميل‪ ،‬ونطقت العزة بإثبات القدرة‪ ،‬ونطقت‬
‫الغلبة بلسان القرب‪.‬‬

‫‪18‬‬
‫وقال لي الواقفون بي واقفون في كل موقف خارجون عن كل موقف‪15".‬‬
‫ً‬
‫إذا‪ ،‬هناك نوعان من الشذرات في كتابات النفري‪ :‬شذرات صغرى مستقلة‬
‫بنفسها‪ ،‬وشذرات كبرى تتولد عنها شذرات صغرى متتابعة ومتراكبة‪.‬‬
‫‪ /4‬آلي ــة التقطي ــع‪:‬‬
‫تستند مواقف النفري ومخاطباته العرفانية إلى تقطيع النصوص إلى شذرات‪،‬‬
‫ومقطعات‪ ،‬ومواقف‪ ،‬ومخاطبات‪ ،‬ومناجيات‪ ،‬وحوارات‪ .‬والدليل على ذلك‬
‫مبدأ التقطيع‪ ،‬ومبدأ التعدد‪ ،‬ومبدأ كثرة الفقرات واملتواليات املتتابعة ‪ .‬ومن‬
‫األمثلة الدالة على مبدإ التقطيع وجود عناوين الشذرات التي تعني استقاللية‬
‫كل شذرة بنفسها شكال‪ ،‬وتركيبا‪ ،‬وداللة‪ ،‬على الرغم من تكرار بعض‬
‫العناوين‪ ،‬واختالف مقاطعها‪.‬‬
‫وإذا أخذنا ‪ -‬مثال‪ -‬كتاب (ضاقت العبارة) للنفري‪ ،‬بتحقيق قاسم محمد‬
‫عباس‪ ،‬ففي قسم الشذرات نجد إحدى وأربعين شذرة معنونة بالطريقة‬
‫التالية‪ :‬البكاء‪ -‬فصل‪ -‬مسألة‪ -‬الحد‪ -‬فصل‪ -‬وقال رحمه ى تعالى‪ -‬العلم‬
‫واملعرفة‪ -‬زيادة‪ -‬زيادة‪ -‬الخوف‪ -‬فصل‪ -‬زيادة‪ -‬فصل‪ -‬مسألة‪ -‬في السفر في‬
‫جمادى اآلخرة من سنة ثمان وخمسين وثالثمائة‪ -‬املخاوف‪ -‬حكمة في الصبر‬
‫ومطاياه‪ -‬من كالمه رض ي ى عند وأرضاه‪ -‬مسألة‪ -‬ومن كالمه‪ -‬الطريق‪-‬‬
‫البرهان‪ -‬نطق املعارف املعارف‪ -‬وجود البلغة‪ -‬بسم ى الرحمن الرحيم‪ -‬وقال‬
‫رحمه ى‪ -‬من من ى الكريم وفضله‪ -‬قال قدس ى روحه‪ -‬الحمد‪ -‬العمود‪-‬‬
‫الخلوة‪ -‬استواء األضداد في الوجد‪ -‬الوحدانية في األشياء‪ -‬املصاحبة‪ -‬املقارنة‪-‬‬
‫إسفار اليقين‪ -‬حكمة‪ -‬من من ى الكريم وفضله‪ -‬بسم ى الرحمن الرحيم‪-‬‬
‫بسم ى الرحمن الرحيم‪ -‬بسم ى الرحمن الرحيم‪.‬‬
‫كما تنقسم املخاطبات إلى ست وخمسين (‪ )56‬مخاطبة‪ ،‬وتنقسم املواقف إلى‬
‫سبعة وسبعين (‪ )22‬موقفا بوجود مخاطبات ومواقف جديدة‪.‬‬

‫‪ - 15‬النفري‪ :‬نفسه‪ ،‬ص‪.22:‬‬


‫‪19‬‬
‫كما تنقسم املناجيات إلى تسع (‪ )9‬مناجيات أو أدعية‪ .‬ومن هنا‪ ،‬فالتقطيع‬
‫سمة الكتابة عند النفري؛ حيث ننتقل من موقف إلى آخر‪ ،‬ومن مخاطبة إلى‬
‫أخرى‪ ،‬ومن شذرة إلى أخرى‪ ،‬ومن مناجاة إلى أخرى‪ ،‬ومن دعاء إلى آخر‪ .‬وفي‬
‫هذا ‪ ،‬يقول خالد بلقاسم في كتابه (الصوفية والفراغ‪ /‬الكتابة عند‬
‫النفري)‪:‬‬
‫"يعد التقطع عنصرا الفتا في بناء النفري لخطابه‪ ،‬بل يكاد يكون املميز األول‬
‫للشكل الكتابي الذي اعتمده هذا الصوفي‪ ،‬إذ لم يتخل عنه إال في مواقف‬
‫محدودة‪ .‬إن نهوض الشكل الكتابي على التقطع يهب هذا العنصر شرعية‬
‫تأويلية‪ ،‬ويجعل منه موقعا للتأمل والحفر ينضاف إلى املوقع الذي أتاحته‬
‫املحاورة بوصفها عنصرا مميزا للشكل الكتابي عند النفري‪ .‬لن نحيد في اعتماد‬
‫املقطع موقعا للتأويل عمنا سلكناه في مصاحبة عنصر املحاورة‪ ،‬أي‬
‫مصاحبته من داخل تجربة الوقفة‪ ،‬لصون فهمه من االختزال‪ ،‬بما ييهئ‬
‫للقراءة‪ ،‬وهي تنصت للتقطع في الشكل‪ ،‬استشراف أفقه بوصفه تجربة مع‬
‫املطلق وتجربة كتابية في آن‪16".‬‬

‫ويعد املقطع‪ ،‬أو الشذرة‪ ،‬أو آلية التقطيع بصفة عامة‪ ،‬معيارا سيميولوجيا‬
‫للتعامل مع النصوص النفرية‪.‬أي‪ :‬يتخذ املقطع أساسا للقراءة والتحليل‬
‫والتأويل‪ ،‬سواء على مستوى املواقف‪ ،‬أم املخاطبات‪ ،‬أم الشذرات‪ ،‬أم‬
‫املناجيات واألدعية؛ ألن املقطع يسهل عملية القراءة والتأويل معا‪.‬‬
‫ومن جهة أخرى‪ ،‬نعلم أن بنية التقطع بنية دالة‪ ،‬فهل يعني هذا أن كل كتابة‬
‫مقطعة هي كتابة شذرية بالضرورة؟ الجواب ال‪ .‬فالشذرة هي خالصة تجربة‬
‫في الحياة‪ ،‬وتتخذ طابع الحكمة والفلسفة والقول املأثور‪ ،‬وتطبعها شاعرية‬
‫متميزة‪ .‬وبالتالي‪ ،‬تتسم بالتكثيف واالختزال الشديد‪ .‬وكم من أشعار وقصائد‬
‫هي مقطعات‪ ،‬وليست شذرات؛ ألن دالالتها تختلف عن دالالت الشذرة‪.‬‬

‫‪ - 16‬خالد بلقاسم‪ :‬نفسه‪ ،‬ص‪.256:‬‬


‫‪20‬‬
‫ومن ثم‪ ،‬تخضع الشذرة لثالثة معايير متكاملة‪ :‬البنية‪ ،‬والداللة‪ ،‬واملقصدية‪.‬‬
‫وفي هذا الصدد‪ ،‬يقول خالد بلقاسم‪:‬‬
‫" قبل مصاحبة التقطع بوصفه بنية دالة‪ ،‬يمكن االنطالق من سؤال نظري‬
‫عام‪ ،‬يتعلق بالتشذير‪ ،‬نصوغه على النحو اآلتي‪ :‬هل كل كتابة متقطعة في‬
‫شكلها كتابة شذرية؟ واضح أن هذا السؤال يضمر‪ ،‬بالنسبة إلى موضوع‬
‫اشتغالنا‪ ،‬سؤاال آخر‪ ،‬هو ‪ :‬هل املواقف واملخاطبات كتابة شذرية؟ اليوجهنا‬
‫في مصاحبة السؤال الثاني مسعى االنتهاء إلى اإلقرار أو النفي‪ ،‬يقدر ما نتغيا‬
‫اإلنصات لخطاب النفري في ضوء القضايا املتحصلة من هذه املصاحبة‪.‬‬
‫اليقوم التقطع في الشكل حجة على شذرية الكتابة وتشظيها‪.‬فليست الشذور‬
‫أو " الشظايا" هي كل كتابة تتخللها فراغات ويطبعها التقطع"‪ .‬ما يعضد ذلك‬
‫هو أن االنفصال في الكتابة املتشظية مضمون وليس شكال‪ ،‬أو قل إنه شكل‬
‫مضمون يكرس مفهوما معينا عن الزمان‪ ،‬وفلسفة خاصة عن الكائن‪ ،‬ورؤية‬
‫معينة إلنتاج املعاني‪ ،‬وفهما معينا للغة‪ ،‬ونظرية مغايرة عن املؤلف"‪ .‬وهو ما‬
‫يكشف عن القضايا النظرية والفلسفية املسيجة لتصور الكتابة الشذرية ‪،‬‬
‫مما يمنع من التمادي في استعمال مصطلحها من غير مراقبة‪ ،‬ومن غير وعي‬
‫بشجرة أنساب املفهومات املقترنة بتصورها‪ .‬فالسيولة التداولية التي شهدها‬
‫مصطلح الكتابة الشذرية‪ ،‬وهو يطمئن فقط إلى انفصال في الشكل‪ ،‬تنطوي‬
‫على استسهال ينتصر لغير املعرفة النظرية ‪ .‬فالسيولة لم تكن محصنه بتأمل‬
‫ومراقبة نظريين‪.‬‬
‫الوعي بالتقطع‪ ،‬ال فقط في الشكل وإنما في بناء املعنى بوجه خاص‪ ،‬منطلق‬
‫رئيس في تشغيل مصطلح الكتابة الشذرية‪ ،‬التي يتعين االحتفاظ لتحققاتها‬
‫بملمح االختالف املانع من حصر تصورها في تحديد قار أو عام‪ .‬ذلك أن من‬

‫‪21‬‬
‫توسلوا بالتشذير في البناء ال يحكمهم رهان موحد‪ ،‬إذ تظل داللة التشذير‬
‫مقترنة بالتصور املوجه ملن يعتمد هذا البناء‪ ،‬ومقترنة بتجربته في الكتابة‪17".‬‬

‫ومن هنا‪ ،‬ال تتميز الكتابة الشذرية بمقومات شكلية فقط‪ ،‬أو بمقومات‬
‫داللية فقط كما يقول خالد بلقاسم؛ بل البد من إضافة البعد الثالث الذي‬
‫يكمن في البعد التداولي أو النية أو املقصدية التي تتمثل في نية كتابة الشذرة‪.‬‬
‫ومن ثم‪ ،‬فالشذرة هي تأمالت فلسفية وصوفية‪ ،‬وحكم تعليمية‪ ،‬وتأمالت‬
‫عميقة في الزمان واملكان واإلنسان والوجود‪ ،‬تصاغ في عبارات مكثفة ومختزلة‬
‫وموجزة‪ ،‬تتخللها فراغات دالة على استقاللية الشذرة أو املقطع‪.‬‬
‫‪ /5‬آلي ــة التفض ــيء‪:‬‬
‫تتسم الشذرات‪ ،‬على مستوى الفضاء البصري ‪ ،‬بانكتابها على جذاذات‬
‫مقطعة إما مرقمة‪ ،‬وإما معنونة ‪ .‬وغالبا ‪ ،‬ما تنتهي تلك الشذرات أو‬
‫املخاطبات أو املواقف بفراغات أو عالمات التوقف واالنتهاء ‪ .‬ومن هنا‪ ،‬يعتمد‬
‫التفض يء البصري على مجموعة من املكونات الدالة على التشذير ‪ ،‬مثل‪:‬‬
‫الفراغ الدال على االنتهاء أو الوقفة أو االنتقال أو التخلص‪ .‬بمعنى أن الفراغ‬
‫يدل على انتهاء الشذرة‪ ،‬واالنتقال إلى شذرة أخرى‪ .‬ومن ثم‪ ،‬نجد انتقاالت عدة‬
‫من وقفة إلى أخرى‪ ،‬ومن مخاطبة إلى أخرى‪ ،‬ومن مناجاة إلى أخرى‪ ،‬ومن دعاء‬
‫إلى آخر‪ ،‬ومن شذرة إلى أخرى‪ .‬ومن ثم‪ ،‬تقوم عالمات الترقيم ‪ ،‬والسيما‬
‫النقطة منها ‪ ،‬بدور سيميائي في التأشير على نهاية الشذرة‪ ،‬وبداية الشذرة‬
‫األخرى‪ .‬كما تقوم بعض املؤشرات اللغوية بتحديد بداية الشذرة وانتهائها ‪،‬‬
‫مثل‪ :‬يا عبد‪....‬أوقفني وقال لي‪ ...‬إلهي‪ ...‬ويا عبد‪...‬‬
‫وال ننس ى كذلك أن التقطع‪ ،‬أو التقطيع‪ ،‬معيار بصري وسيميائي يدل على‬
‫استقاللية الشذرة وتكاملها الشكلي والداللي واملقصدي‪ ،‬إلى جانب ثنائية‬
‫البياض والسواد‪ .‬ومن ثم‪ ،‬يؤشر البياض على الفراغ‪ ،‬واالنتهاء‪ ،‬والكمال‪ .‬في‬

‫‪ - 17‬خالد بلقاسم‪ :‬الصوفية والفراغ‪ ،‬ص‪.251-252:‬‬


‫‪22‬‬
‫حين‪ ،‬يدل السواد على الكتابة واالمتالء‪ ،‬أو تدل هذه الثنائية على النطق‬
‫والصمت‪.‬‬
‫ومن هنا‪ ،‬تتكئ آلية التفض يء البصري على ثنائية البياض والسواد‪ ،‬وثنائية‬
‫النطق والصمت‪ ،‬وثنائية االتصال واالنفصال‪ ،‬وثنائية االبتداء واالنتهاء‪،‬‬
‫وثنائية االمتالء والفراغ‪ ،‬وثنائية الجزء والكل‪ ،‬وثنائية الوحدة والتنوع‪،‬‬
‫وثنائية الفهم والتأويل‪ ،‬وثنائية اإلضاءة والعتمة‪ ،‬وثنائية التسلسل والتقطع‪،‬‬
‫وثنائية التالحم والتجاور‪ ،‬وثنائية املوصول واملقطوع‪ ،‬وثنائية املحدد‬
‫واملنفلت‪ ...‬ويساعد هذا كله املتلقي على قراءة شذرات النفري وتأويلها ‪ ،‬سواء‬
‫أكانت مناجيات‪ ،‬أم أدعية‪ ،‬أم مواقف‪ ،‬أم مخاطبات‪ ،‬أم أشعارا‪.‬‬
‫ويضاف إلى ذلك أن ثمة شذرات طويلة‪ ،‬أو متوسطة‪ ،‬أو قصيرة‪ .‬كما وردت‬
‫مخاطبات أخرى بدون شذرات ؛ بل وردت مقاطع مستقلة‪ ،‬مثل‪ :‬املخاطبة‬
‫اإلحدى والعشرين‪:‬‬
‫"مقام رد موهبة الكيل يا عبد كلما كان أشعث كان أنظر وكلما كان أعرف كان‬
‫أشعث وكلما كان أعذل كان أعرف وكلما كان أعمل كان أعذل وكلما كان أنفع‬
‫كان أعمل وكلما كان أصبر كان أنفع وكلما كان أشكر كان أصبر وكلما كان‬
‫أذكر كان أشكر وكلما كان أستر كان أذكر وكلما كان أشهر كان أستر وكلما‬
‫كان أجمع كان أشهر وكلما كان أسرع كان أجمع وكلما كان أخف كان أسرع‬
‫وكلما كان أورع إلي كان أخف وكلما كان أهيب من نفسه كان أورع إلى ربه وكلما‬
‫كان أرهب كان أهيب وكلما كان أرهب كان أرغب وكلما اطلب كان أرغب وكلما‬
‫كان أنسب كان أطلب وكلما كان أعظم كان انسب وكلما كان أكظم كان أعظم‬
‫وكلما كان أحكم كان أكظم وكلما كان ألزم كان أحكم وكلماه كان أكتم كان‬
‫ألزم وكلما كان أسلم كان أكتم وكلما كان أقوم كان أسلم وكلما كان أدوم كان‬
‫أقوم وكلما كان أخص كان أدوم وكلما كان أخلص كان أخص وكلما كان أغض‬
‫كان أخلص وكلما كان أخلص كان أنفذ وكلما كان أنصت كان أفرغ وكلما كان‬

‫‪23‬‬
‫أفزع كان أنصت وكلما كان أقرب كان أفزع وكلما كان أدأب كان أقرب وكلما‬
‫كان أدب كان أدأب وكلما كان أنصب كان آدب وكلما كان أيقن كان أنصب‬
‫وكلما كان أثبت كان أيقن وكلما كان أشهد كان أثبت وكلما كان أحضر كان‬
‫أشهد وكلما كان أحضر كان أحضر وكلما كان أكشف كان أحضر‪"18.‬‬
‫وعليه‪ ،‬تتميز كتابة النفري بالتقطيع الشذري الذي يعبر عن االنفالت‪،‬‬
‫والخيبة‪ ،‬والتفكك‪ .‬ناهيك عن التصدع الذاتي‪ ،‬والكينوني‪ ،‬واالجتماعي‪،‬‬
‫والوجودي‪ ،‬والسياس ي‪.‬‬
‫‪ /6‬آليـ ــة التفري ــع‪:‬‬
‫ترتكز الكتابة الشذرية عند النفري على تنويع املقام أو املوقف أو الحالة‬
‫الوجدانية كما في شذرة (املخاوف) التي يفرعها إلى مجموعة من املخاوف‬
‫الفرعية‪:‬‬
‫" خوف املعاص ي‪ ،‬خوف التقصير‪ ،‬خوف الشرك الخفي‪ ،‬خوف الرد‪ ،‬خوف‬
‫املقت‪ ،‬خوف املحاسبة‪ ،‬خوف االدعاء‪ ،‬خوف النسبة‪ ،‬خوف التحقق‪ ،‬خوف‬
‫النطق‪ ،‬خوف الصمت‪ ،‬خوف األخذ‪ ،‬خوف الترك‪ ،‬خوف الوعد‪ ،‬خوف‬
‫الرقبة‪ ،‬خوف البعد‪ ،‬خوف القرب‪ ،‬خوف املحادثة‪ ،‬خوف البسط‪ ،‬خوف‬
‫الذكر‪ ،‬خوف الفترة‪ ،‬خوف الداللة‪ ،‬خوف الريق‪ ،‬خوف الورود‪ ،‬خوف عام‪،‬‬
‫خوف شهر‪ ،‬خوف يوم‪ ،‬خوف ليلة‪ ،‬خوف ساعة‪ ،‬خوف نفس‪ ،‬خوف العمر‬
‫‪ ،‬خوف التالوة‪ ،‬خوف الفهم‪ ،‬خوف االستيثار‪ ،‬خوف اإليجاب‪ ،‬خوف الكل‪،‬‬
‫خوف الجنس‪ ،‬خوف التقرير‪ ،‬خوف ال يعلم‪ ،‬خوف معرفة‪ ،‬خوف علم‪،‬‬
‫خوف وقفة‪ ،‬خوف دنيا‪ ،‬خوف آخرة‪ ،‬خوف سكون‪ ،‬خوف حركة‪ ،‬خوف‬
‫صبر‪ ،‬خوف عجز‪ ،‬خوف هم‪ ،‬خوف خاطر‪ ،‬خوف تبشير‪19".‬‬

‫‪ - 18‬النفري‪ :‬نفسه‪ ،‬ص‪.232-249:‬‬


‫‪ - 19‬نفسه‪ ،‬ص‪.34:‬‬
‫‪24‬‬
‫وعليه‪ ،‬تستند الشذرات أو املخاطبات أو املواقف أو املناجيات إلى تفريع‬
‫املوحد وتصنيفه وتقسيمه إما في إطار التفريع الخارجي كأن نقسم ‪ -‬مثال‪-‬‬
‫الشذرة الكبرى إلى شذرات صغرى‪ ،‬وإما في إطار التفريع الداخلي كأن نقسم‬
‫الشذرة الصغرى إلى وحدات فرعية وأنواع صغرى‪.‬‬
‫‪ /7‬آلي ــة التكثي ــف‪:‬‬
‫نعني بتكثيف الشذرة اختزال األحداث وتلخيصها وتجميعها في موضوعات‬
‫رئيسة‪ ،‬أو تحبيكها ضمن محموالت نووية مركزة بسيطة‪ ،‬والتخلي عن‬
‫الوظائف الثانوية التكميلية‪ ،‬واالبتعاد عن األوصاف املسهبة ‪ ،‬و اجتناب‬
‫التمطيط في وصف األجواء‪.‬‬
‫ومن هنا‪ ،‬تخضع الشذرة لخاصية االختزال والتركيز‪ ،‬وتجميع أكبر عدد ممكن‬
‫من املوضوعات واملحموالت في رقعة طبوغرافية محددة‪ ،‬ومساحة فضائية‬
‫قصيرة جدا‪ .‬وهنا‪ ،‬ال يكون التكثيف فقط على مستوى تجميع الجمل‬
‫والكلمات فقط‪ ،‬بل يكون أيضا على املستوى الداللي؛ حيث تحمل الشذرة‬
‫تأويالت عدة‪ ،‬وتزخر بقراءات ممكنة ومفتوحة‪ .‬ومن ثم‪ ،‬ينبني التكثيف على‬
‫االقتصاد‪ ،‬واالقتضاب‪ ،‬والتركيز‪ ،‬واإليجاز ‪ .‬ويتجلى ذلك عند النفري عندما‬
‫ينتقل من العبارة إلى اإلشارة‪ ،‬كما يتضح ذلك جليا في شذرة (قال قدس ى‬
‫روحه)‪:‬‬
‫" العلم يشهد على العمل‪ ،‬واملعرفة تشهد على العلم‪ ،‬والوقفة تشهد على‬
‫املعرفة‪ ،‬وإرادة الحق تشهد على الوقفة‪20".‬‬

‫تتميز هذه الشذرة باختصار بصري وداللي‪ .‬فهناك أربع جمل متساوية من‬
‫حيث الفواصل‪ ،‬وتتمثل داللة الشذرة في أن الوصول إلى الحق لتحقيق‬
‫الوصال واالستمتاع بالكشف والجالء لن يتحقق إال بالعلم‪ ،‬واملعرفة‪،‬‬
‫والعمل‪ ،‬واإلرادة‪ ،‬والوقفة ‪ .‬وتتميز هذه الدالالت بطابعها السيميائي اإلشاري‪،‬‬

‫‪ - 20‬نفسه‪ ،‬ص‪.36:‬‬
‫‪25‬‬
‫ويتخط كل مصطلح دالالته السطحية والظاهرة إلى دالالت ثاوية وجدانية‬
‫عميقة‪.‬‬
‫ويبلغ التكثيف درجته القصوى في شذرة النفري املشهورة ‪ " :‬كلما اتسعت‬
‫الرؤيا ضاقت العبارة"‪ ،‬فهي شذرة موجزة ومختصرة ‪ ،‬وعلى الرغم من قصرها‬
‫الشديد ‪ ،‬فهي تطرح أسئلة كثيرة وكبيرة‪ .‬كما تعبر هذه الشذرة عن عجز اللغة‬
‫أمام التوسع الداللي ورحابة الفكر والرؤية ‪.‬‬
‫ويهيمن التكثيف كثيرا على شذرات املواقف كما في موقف(قلوب العارفين)‪:‬‬
‫" أوقفني في قلوب العارفين وقال لي للعارفين إن رجعتم تسألوني عن معرفتي‬
‫فما عرفتموني‪ ،‬وإن رضيتم القرار على ما عرفتم فما أنتم مني‪.‬‬
‫وقال لي أول ما ترث وتأخذ معرفتي من العارف كالمه‪.‬‬
‫وقال لي آية معرفتي إن ال تسألني عني وال عن معرفتي‪.‬‬
‫وقال لي إذا ألفت معرفتي بينك وبين علم أو اسم أو حرف أو معرفة فجريت‬
‫بها وأنت بها واجد وأنت بها ساكن فإنما معك علم معرفة ال معرفة‪.‬‬
‫وقال لي صاحب املعرفة هو املقيم فيها ال يخبر وصاحب املعرفة هو الذي إن‬
‫تكلم تكلم فيها بكالم تعرفي وبما أخبرت به من نفس ي‪.‬‬
‫وقال لي أنت من أهل ما ال تتكلم فيه وإن تكلمت خرجت من املقام وإذا‬
‫خرجت من مقام فلست من أهله وإنما أنت به من العاملين وإنما أنت له من‬
‫الزائرين‪.‬‬
‫وقال لي األمر أمران أمر يثبت له عقلك وأمر ال يثبت له عقلك‪ ،‬وفي األمر‬
‫الذي يثبت له ظاهر وباطن وفي األمر الذي ال يثبت له ظاهر وباطن‪.‬‬
‫وقال لي لن تدوم في عمل حتى ترتبه وتقض ي ما يفوت منه وإن لم تفعل لم‬
‫تعمل ولم تدم‪.‬‬
‫وقال لي كيف ال تحزن قلوب العارفين وهي تراني أنظر إلى العمل فأقول لسيئه‬
‫كن صورة تلقي بها عاملك وأقول لحسنه كن صورة تلقي بها عاملك‪.‬‬

‫‪26‬‬
‫وقال لي قلوب العارفين تخرج إلى العلوم بسطوات اإلدراك وذلك كبرها وهو‬
‫الذي أنهاها عنه‪.‬‬
‫وقال لي يتعلق العارف باملعرفة ويدعي أنه تعلق بي ولو تعلق بي هرب من النار‬
‫كما يهرب من النكرة‪.‬‬
‫وقال لي قل لقلوب العارفين أنصتوا له ال لتعرفوا‪ ،‬واصمتوا له لتعرفوا‪ ،‬فإنه‬
‫يتعرف إليكم كيف تقيمون عنده‪.‬‬
‫وقال لي قل لقلوب العارفين رأيت معرفتي أعلى من معرفة فوقفت في األعلى‬
‫ووقفت في حجابي‪ ،‬فأظهرت الوصول إلى عند عبادي فأنت في حجابي تدعيني‬
‫وهم في حجابي ال يدعوني‪.‬‬
‫وقال لي قلوب العارفين أعرفي حالك منه فإن أمرك بتعريف العبيد فعرفيهم‬
‫وأنت في تلك الحال أدرك لقلوبهم وال نجاة لك إال به‪.‬‬
‫وقال لي لقلوب العارفين ال تخرجي عن حالك وإن هديت إلي من ضل‪ ،‬أتضلين‬
‫عني وتريدين أن تهدي إلي‪.‬وقال لي وزن معرفتك كوزن ندمك‪.‬‬
‫وقال لي قلوب العارفين ترى األبد وعيونهم ترى املواقيت‪.‬وقال لي أصحابي‬
‫ً‬
‫عطل مما بدا‪ ،‬وأحبابي من وراء اليوم وغدا‪.‬‬
‫وقال لي لكل ش يء أقمت الساعة فهي له منتظرة وعلى كل ش يء تأتي الساعة‬
‫فهو منها وجل‪.‬‬
‫وقال لي قل للعارفين كونوا من وراء األقدار فإن لم يستطيعوا فمن وراء‬
‫األفكار‪.‬‬
‫وقال لي قل للعارفين وقل لقلوب العارفين قفوا لي ال للمعرفة‪ ،‬أتعرف إليكم‬
‫بما أشاء من املعرفة وأثبت فيكم ما أشاء من املعرفة فإن وقفتم لي حملتم‬
‫معرفة كل ش يء وإن لم تقفوا لي غلبتك معرفة كل ش يء فلم تحملوا لش يء‬
‫معرفة‪.‬‬

‫‪27‬‬
‫وقال لي قل لقلوب العارفين ال تستقيموا على خلة فتقلبكم الخلة إلى الخلة‪.‬‬
‫وقال لي األكل والنوم يحسبان على الحال التي يكونان فيها‪ ،‬إن كانا في العلم‬
‫ً‬
‫حسبا فيه إن كانا في املعرفة حسبا فيها‪.‬‬
‫وقال لي قل لقلوب العارفين من أكل في املعرفة ونام في املعرفة ثبت فيما عرف‪.‬‬
‫وقال لي قل لقلوب العارفين من خرج من املعرفة حين أكله لم يعد منها إلى‬
‫مقامه‪.‬‬
‫وقال لي أنت طلبتي والحكمة طلبتك‪.‬‬
‫ً ً‬ ‫ً‬ ‫ً‬
‫وقال لي الحكمة طلبتك وإذا كنت عبدا عبدا فإذا صيرتك عبدا وليا كنت أنا‬
‫طلبتك‪.‬‬
‫وقال لي التقط الحكمة من أفواه الغافلين عنها كما تلتقطها من أفواه‬
‫العامدين لها‪ ،‬إنك تراني وحدي في حكمة الغافلين ال في حكمة العامدين‪.‬‬
‫وقال لي اكتب حكمة الجاهل كما تكتب حكمة العالم‪.‬‬
‫وقال لي أنا مجرى الحكمة فمن أشاء أشهده أنني أجريت فذلك حكيمها‪ ،‬ومن‬
‫أشاء ال أشهده فذلك جاهلها فأكتب أنت يا من شهدها‪.‬‬
‫وقال لي القلوب ال تهجم علي وال على من عندي‪.‬‬
‫وقال لي إذا هجمت على قلبك ولم يهجم عليك قلبك فأنت من العارفين‪.‬‬
‫وقال لي ما قدر املسئلة أن يناجي بها كرمي فبهذا فادعوني وقل يا رب أسألك‬
‫بك ما قدر مسئلة أن يناجي بها كرمك‪.‬‬
‫وقال لي الشك حبس من محابس ي أحبس في قلوب من لم يتحقق بمعارفي‪21".‬‬

‫ويهيمن التكثيف أيضا على املخاطبات كما في هذه املخاطبة الثانية واألربعين‪:‬‬
‫" يا عبد ليس األمين على العلم من عمل به إنما األمين من رده إلى عامله كما‬
‫أبداه له‪.‬‬
‫يا عبد العلم كله علم واألعالم كلها موقفه‪.‬‬

‫‪ - 21‬نفسه‪ ،‬ص‪.832-841:‬‬
‫‪28‬‬
‫يا عبد ما بقي بينك وبيني ش يء فأنت عبده ما بقي‪.‬‬
‫يا عبد إذا استندت إلى ش يء فقد اعتصمت به دوني‪.‬‬
‫يا عبد من لم ينقله األدب عن غيره فأين النسب‪.‬‬
‫يا عبد ابسط قلبك بالحياء ووجهك بالتضرع‪.‬‬
‫يا عبد قل موالي وجنهي بوجهك لوجهك‪ ،‬موالي إذا واريتني عنك فوار بنظري‬
‫إلى معصيتي لك‪ ،‬موالي أنا منظرك فإن جعلت معصيتي بيني وبينك أحرقتها‬
‫بنظرك‪ ،‬موالي حطني بحياطة قربك وقدني بأزمة حبك‪.‬‬
‫ً‬
‫يا عبد اجعلني بينك وبين األشياء فإن أعطيتك فتحت لك بالعطاء بابا من‬
‫ً‬
‫العلم وإن منعتك فتحت لك باملنع بابا من العلم‪.‬‬
‫يا عبد أعطيتك بالعطاء واملنع ومنعتك بالعطاء واملنع فذممتني على العطاء‬
‫باملنع وشكرتني على املنع بالعطاء فال وحرمة ما أبرزته لك وسترتك عنه‬
‫ً‬
‫وأقبلت بك إليه وأدبرت بك عنه من رؤيتي ما أعطيتني وفاء بالنعمة فال شكرا‬
‫على املسألة‪.‬‬
‫ً‬
‫يا عبد لي العطاء فلو لم أجب مناجاتك لم أجعلها له رائدا‪.‬‬
‫ً‬
‫يا عبد لو جعلت العطاء مني مكان الطلب منك ما دعوتني أبدا وال سميتني‬
‫ً‬
‫محسنا‪.‬‬
‫يا عبد ما بتسميتك تسميت وال بدعائك أعطيت وإنما أسررت فيك عنك‬
‫ً‬
‫متعلقا بي أظهر له ويراني فأنا أكشفه تار ًة وتار ًة‪22".‬‬

‫وهكذا‪ ،‬تتميز الكتابة الشذرية العرفانية عند النفري بخاصيات التكثيف‪،‬‬


‫واالقتصاد‪ ،‬واالختزال‪ ،‬والتركيز‪ ،‬والتبئير‪ ،‬وتجميع الكالم الكثير في عبارات‬
‫قصيرة موجزة ‪.‬‬
‫‪ /8‬آلي ــة االنزي ــاح‪:‬‬

‫‪ - 22‬نفسه‪ ،‬ص‪.255-253:‬‬
‫‪29‬‬
‫تتميز الشذرات الصوفية عند النفري بالعدول أو االنزياح العام إن مجاورة‪،‬‬
‫وإن استبداال‪ .‬بمعنى أن هذه الشذرات تتمرد عن السائد اللغوي‪ ،‬وتنتهك‬
‫املعايير العادية في التركيب‪ ،‬واالستعمال‪ ،‬واإلنجاز ‪ .‬كما تخرق اللغة الطبيعية‬
‫الواضحة واملنطقية املباشرة‪.‬أي‪ :‬تنزاح شذرات النفري داللة‪ ،‬وتركيبا‪،‬‬
‫وتداوال‪ ،‬وإيقاعا‪ .‬والدليل على ذلك أن لغته سامية وراقية ورمزية وموحية ‪،‬‬
‫اليمكن فهمها بالطريقة التي نفهم بها اللغة التواصلية العادية‪ .‬فهي لغة‬
‫وجدانية غيبية وكشفية تتجاوز الحس ي والعقلي نحو املجهول‪ ،‬واملمكن‪،‬‬
‫واملحتمل‪ ،‬والغامض‪.‬وبالتالي‪ ،‬يستوجب هذا االنزياح قارئا ضمنيا متخصصا‬
‫أو عارفا أو صامتا قادرا على التأويل الهيرمينوطيقي وشرح الغامض‪.‬‬
‫ومن ثم‪ ،‬يعد التقطع من مظاهر االنزياح واالنحراف عن االنتظام‪،‬‬
‫والتسلسل‪ ،‬والوضوح‪ .‬وبالتالي‪ ،‬يرتبط التقطع بالصمت‪ .‬في حين‪ ،‬يرتبط‬
‫التسلسل بالنطق‪ .‬وفي هذا‪ ،‬يقول خالد بلقاسم‪:‬‬
‫" الصمت رجة لتركيب اللغة العادي‪ ،‬بما يسمح بإنتاج تركيب مخالف‪،‬‬
‫متحرر من التتالي والخطية‪ ،‬تركيب شاهد على الغياب الساري فيه‪ ،‬وعلى‬
‫املنفلت الذي يتملص منه وفيه‪ .‬فمالمسة اللغة ألقاصيها واختبارها لقول ما‬
‫ال ينقال يتجلى في تخليها عن انتظامها‪ ،‬وعن امتالئها ووضوحها‪ ،‬وعن كل‬
‫خطية مطمئنة للتسلسل والتتابع‪ .‬الصمت الباني لكتابة النفري هو ما‬
‫يسعفها في قول ما ال يتسنى قوله بنفس كتابي طويل ال تقطع فيه‪ .‬ومن ثم‬
‫يحصن التقطع الكتابة من زيف التتابع‪ ،‬الذي تكون الكتابة‪ ،‬حسب إميل‬
‫سيوران‪ ،‬ضحيته كلما أفرطت في التماسك‪ ،‬الذي يمنعها من أن تكون‬
‫حقيقية‪"23.‬‬
‫ويحقق االنزياح إبداعية اللغة الصوفية عند النفري‪ .‬وعليه‪ ،‬تتسم اللغة‬
‫النفرية باإلبداعية ‪ .‬وفي هذا الصدد‪ ،‬يقول منصف عبد الحق‪:‬‬

‫‪ - 23‬خالد بلقاسم‪ :‬نفسه‪ ،‬ص‪.422:‬‬


‫‪30‬‬
‫"والواقع‪ ،‬ليس افتتان الصوفي باللغة‪ -‬كافتتانه باأللوهية‪ -‬هو ما يجعل منه‬
‫صوفيا ومبدعا‪ ،‬بل بالعكس إن افتتان اللغة به هو ما يجعله صوفيا ومبدعا‪،‬‬
‫إنها حقا عالقة غريبة باللغة وصعبة الفهم‪ .‬وبالفعل‪ ،‬طاملا ظن الكثير أن‬
‫املبدع‪ -‬الشاعر على الخصوص‪ -‬هو الذي عرف كيف يستعمل اللغة بغرابة‬
‫وشذوذ‪ .‬لكن تجربة اإلبداع‪ -‬وهذا ما توحي به التجربة الصوفية كما سنرى‬
‫بعد مع النفري – التكمن أصال في قدرات الذات املبدعة على تكسير الحدود‬
‫املألوفة الستعمال اللغة‪ ،‬بل في قدرة املبدع على تكسير ذاته في عالقته باللغة‬
‫اإلبداعية‪.‬إنه ال يكتب لغة جديدة بقدر ما يكتب عالقة جديدة يعيشها مع‬
‫اللغة‪"24.‬‬
‫وعليه‪ ،‬فاالنزياح سمة الكتابة الشذرية عند النفري؛ ألنها خرق للغة‬
‫التواصلية العادية‪ ،‬وتخريب لسننها املباشر ‪ ،‬وتجاوز للمواضعات السائدة‪.‬‬
‫‪ /9‬آلي ــة التصويـ ــرالبالغي‪:‬‬
‫يعضد النفري كتابته الشذرية بتوظيف التضمين‪ ،‬وتجاوز التعيين ‪،‬‬
‫واستعمال الصور البالغية واملحسنات البديعية واملعنوية بكثرة‪ ،‬باستخدام‬
‫التشبيه‪ ،‬واالستعارة‪ ،‬واملجاز املرسل والعقلي‪ ،‬والكناية‪ ،‬والرموز‪،‬‬
‫واإليحاءات‪ ،‬وتوظيف محسنات التآلف واالختالف‪ .‬فضال عن الصور‬
‫الحجاجية التي تؤدي وظيفة التأثير واإلقناع واالقتناع على حد سواء‪.‬‬
‫وهكذا‪ ،‬يستعمل النفري‪ ،‬في شذراته ومواقفه ومخاطباته‪ ،‬صورة التشبيه‬
‫لعقد املماثلة بين املشبه واملشبه به بغية ربط املجرد باملحسوس‪ ،‬وتبسيط‬
‫الفهم ‪ ،‬كما يبدو ذلك جليا في هذه الشذرات‪:‬‬

‫‪ - 24‬منصف عبد الحق‪ :‬أبعاد التجربة الصوفية‪ ،‬أفريقيا الشرق‪ ،‬الدار البيضاء‪ ،‬املغرب‪،‬‬
‫الطبعة األولى سنة ‪2226‬م‪ ،‬ص‪.222:‬‬
‫‪31‬‬
‫" وقال لي لو أبديت لغة العز لخطفت األفهام خطف املناجل‪ ،‬ودرست‬
‫املعارف درس الرمال عصفت عليها الرياح العواصف‪ ...‬وقال لي ال أنا التعرف‬
‫وال أنا العلم‪ ،‬وال أنا كالتعرف وال أنا كالعلم‪25".‬‬

‫ويعني هذا أن النفري يوظف بالغة التشبيه أو التمثيل لتقريب العناصر‬


‫املتنافرة أو املتباعدة في لحمة مشتركة من الدالالت املتقاربة أو املتآلفة‪.‬‬
‫والغرض من ذلك كله هو التبيان‪ ،‬والتوضيح‪ ،‬والشرح‪ ،‬والتقرير‪ ،‬والتثبيت‪،‬‬
‫والتأكيد‪ ،‬والتقرير‪.‬‬
‫كما يستند التصوير البالغي عند النفري إلى استعمال االستعارات املجازية‬
‫واملرسلة و العقلية‪ ،‬واالستعارات العرفانية والذهنية‪ ،‬والكنايات ذات الطاقة‬
‫اإلحالية والرمزية‪ ،‬كما يبدو ذلك جليا في موقف(البحر)‪:‬‬
‫" أوقفني في البحر فرأيت املراكب تغرق واأللواح تسلم‪ ،‬ثم غرقت األلواح‪،‬‬
‫وقال لي ال يسلم من ركب‪.‬‬
‫وقال لي خاطر من ألق نفسه ولم يركب‪.‬‬
‫وقال لي هلك من ركب وما خاطر‪.‬‬
‫وقال لي في املخاطرة جزء من النجاة‪ ،‬وجاء املوج ورفع ما تحته وساح على‬
‫الساحل‪.‬‬
‫وقال لي ظاهر البحر ضوء ال يبلغ‪ ،‬وقعرة ظلمه ال تمكن‪ ،‬وبينهما حيتان ال‬
‫تستأمن‪.‬‬
‫وقال لي ال تركب البحر فأحجبك باآللة‪ ،‬وال تلق نفسك فيه فأحجبك به‪.‬‬
‫وقال لي في البحر حدود أيها يقلك‪.‬‬
‫وقال لي إذا وهبت نفسك للبحر فغرقت فيه كنت كدابة من دوابه‪.‬‬
‫وقال لي غششتك إن دللتك على سواي‪.‬‬
‫وقال لي إن هلكت في سواي كنت ملا هلكت فيه‪.‬‬

‫‪ - 25‬النفري‪ :‬نفسه‪ ،‬ص‪.25:‬‬


‫‪32‬‬
‫وقال لي الدنيا ملن صرفته عنها وصرفتها عنه‪ ،‬واآلخرة ملن أقبلت بها إليه‬
‫وأقبلت به علي‪26".‬‬
‫ً‬
‫إذا‪ ،‬يتخذ مشهد أو موقف البحر دالالت بالغية متنوعة استعارية‪ ،‬ورمزية‪،‬‬
‫ومجازية‪ ،‬وكنائية‪ .‬ويذكرنا هذا املوقف بمشهد موس ى عليه السالم مع الولي‬
‫الصالح الخضر‪ ،‬كما ذكرته (سورة الكهف) في القرآن الكريم‪ .‬ومن ثم‪ ،‬يحيل‬
‫البحر على أهوال التجربة الذوقية على مستوى املقامات واألحوال والسفر‬
‫النوراني ‪ ،‬والغرض من ذلك كله هو املشاهدة واللقاء والنجاة من أهوال‬
‫املخاطرة العرفانية الشديدة على مريدها‪ ،‬وعارفها‪ ،‬ومستعذبها‪.‬‬
‫وال ننس ى أن نقول بأن هذه الصور الذوقية والخيالية اليمكن فصلها عن‬
‫املتخيل العرفاني أو الصوفي أو الديني أو املارورائي‪ ،‬على الرغم من طابعها‬
‫الحس ي العادي‪ .‬ويعني هذا أن الصورة الكشفية الذوقية‪ ،‬في الكتابة‬
‫الصوفية‪ ،‬تنتقل من املحسوس إلى املجرد‪ ،‬ومن الظاهر إلى الباطن‪ ،‬ومن‬
‫النطق إلى الصمت‪ .‬كما تقترن هذه الصور باملخيال العرفاني من جهة‪،‬‬
‫والعوالم املمكنة التخييلية ذات الطابع الذوقي‪ ،‬والحدس ي‪ ،‬والغيبي‪،‬‬
‫وامليتافيزيقي‪ ،‬والصوفي‪.‬‬
‫‪ /11‬آلي ـ ــة التخيي ــل‪:‬‬
‫يتسم التخييل عند النفري في كتاباته الشذرية بأنه تخييل صوفي‪ ،‬وعرفاني‪،‬‬
‫وغيبي‪ ،‬وميتافيزيقي‪ .‬ويعني هذا أن التخييل عند النفري يتجاوز املحسوس‬
‫والعقلي ليصبح تخييال نورانيا وذوقيا‪ ،‬يتخط األرض والسماء نحو ملكوت‬
‫الغيب والعرش والحشر‪ ،‬كما يبدو واضحا في هذا املوقف الرباني العجيب‪:‬‬
‫" وقال لي قد جاء وقتي وأن لي أن أكشف عن وجهي وأظهر سبحاتي ويتصل‬
‫نوري باألفنية وما وراءها وتطلع على العيون والقلوب‪ ،‬وترى عدوي يحبني‬
‫وترى أوليائي يحكمون‪ ،‬فأرفع لهم العروش ويرسلون النار قال ترجع‪ ،‬وأعمر‬

‫‪ - 26‬نفسه‪ ،‬ص‪.29:‬‬
‫‪33‬‬
‫بيوت الخراب وتتزين بالزينة الحق‪ ،‬وترى فسطي كيف ينف ما سواه‪ ،‬وأجمع‬
‫الناس على اليسر فال يفترقون وال يذلون‪ ،‬فأستخرج كنزي وتحقق ما أحققتك‬
‫به من خبري وعدتي وقرب طلوعي‪ ،‬فأني سوف أطلع وتجتمع حولي النجوم‪،‬‬
‫وأجمع بين الشمس والقمر‪ ،‬وأدخل في كل بيت ويسلمون علي وأسلم عليهم‪،‬‬
‫بذلك بأن لي املشيئة وبأذني تقوم الساعة‪ ،‬وأنا العزيز الرحيم‪27".‬‬

‫ومن هنا‪ ،‬يتبين لنا أن الصوفية قد أعطوا أهمية كبرى للتخييل والخيال‬
‫واملتخيل‪ .‬وفي هذا الصدد‪ ،‬يقول جابر عصفور‪:‬‬
‫" والحق أن املتصوفة هم الذين منحوا الخيال أسمى ما يمكن أن يناله من‬
‫قداسة وتقدير طوال عصور الفكر العربي‪ ،‬إن الخيال عندهم يساعد في‬
‫الكشف عن نوع مهم من املعرفة‪ ،‬وينير الطريق إلدراك طائفة من الحقائق‬
‫املتعالية التي اليصل إليها العقل الصارم للفيلسوف‪ ،‬وال يقترب منها ذهن‬
‫الرجل العادي املنصرف إلى الظواهر واألعراض الزائلة والطارئة‪ ،‬والذي‬
‫يتعامل مع األشياء من زوايا املنفعة‪ ،‬دون أن ينفذ إلى دالالتها الرامزة إلى‬
‫املعاني الروحية العميقة‪ .‬إن الصوفي يعتمد كل االعتماد على البصيرة‬
‫والحدس‪ ،‬ويثق بالنشوة الروحية الغامرة‪ ،‬وبالخيال املحلق الذي يسمو حتى‬
‫يدنو من الحقيقة اإللهية أو يحوم حول حماها"‪.28‬‬
‫ومن ثم‪ ،‬يتميز هذا التخييل بطابعه الصوفي املاورائي الذي يطبعه الجانب‬
‫الديني واألخروي‪.‬‬
‫بيد أن ما يالحظ على مواقف النفري أن الخيال عنده ليس خياال فنيا‬
‫وجماليا عاديا‪ ،‬بل هو خيال ذوقي وصوفي يقوم على الكشف‪ ،‬والتجلي‪،‬‬
‫والوصال‪ ،‬والحدس اللدني‪ .‬وكما قال منصف عبد الحق عن ابن عربي يمكن‬
‫قوله‪ ،‬بشكل من األشكال‪ ،‬عن النفري‪:‬‬

‫‪ - 27‬نفسه‪ ،‬ص‪.21:‬‬
‫‪ -28‬انظر‪ :‬جابر عصفور‪ :‬الصورة الفنية في التراث النقدي والبالغي عند العرب‪ ،‬الطبعة‬
‫الثالثة‪ ،‬املركز الثقافي العربي‪ ،‬بيروت‪.8992 ،‬‬
‫‪34‬‬
‫" إن الخيال [عند النفري] ليس عاملا تخييليا كما هو الشأن عند الشعراء‬
‫والفنانين‪ ،‬وإنما هو خيال وجودي‪ .‬إنه حقيقة‪ ،‬والصوفي يحاول أن يرقى إلى‬
‫مستوى هذه الحقيقة عن طريق الكشف الذي يحاول أن يجمع مظاهرها على‬
‫الرغم من تعارضها‪29".‬‬

‫وعليه‪ ،‬يتميز التخييل عند النفري بطابعه الصوفي‪ ،‬والتأملي‪ ،‬والغيبي‪،‬‬


‫والرمزي‪.‬‬
‫‪ /11‬آلي ــة املقارنـ ــة‪:‬‬
‫يعتمد النفري في شذراته العرفانية على آلية املقارنة للبحث عن أوجه‬
‫االئتالف واالختالف بين املفاهيم الصوفية أو املقارنة بين املقامات واألحوال‬
‫الذوقية ‪ ،‬كما يتجلى ذلك واضحا في شذرة (املقارنة) التي يقارن فيها بين‬
‫اليقين والتقوى ‪ ،‬والصبر والرضا‪ ،‬والخلوة والعبادة‪ ،‬والعالقة بينها هي عالقة‬
‫استلزام حضورا وغيابا‪:‬‬

‫" اليقين والتقوى قرينان‪ ،‬إن غاب أحدهما غاب اآلخر‪ .‬والصبر والرضا‬
‫قرينان‪ ،‬إن غاب أحدهما غاب اآلخر‪ .‬والخلوة والعبادة قرينان‪ ،‬إن غاب‬
‫أحدهما غاب اآلخر‪"30.‬‬

‫وتعج املواقف واملخاطبات والشذرات النفرية بخاصية املقارنة بين ذات علوية‬
‫وذات سفلية‪ ،‬بين ذات خالقة وذات مخلوقة‪ ،‬وذات عاشقة وذات معشوقة‬
‫كما في موقف(العز)‪:‬‬

‫" أوقفني في العز وقال لي ال يستقل به من دوني ش يء‪ ،‬وال يصلح من دوني‬
‫لش يء‪ ،‬وأنا العزيز الذي ال يستطاع مجاورته‪ ،‬وال ترام مداومته‪ ،‬أظهرت‬

‫‪ - 29‬منصف عبد الحق‪ :‬الكتابة والتجربة الصوفية (نموذج محيي الدين بن عربي)‪ ،‬منشورات‬
‫عكاظ‪ ،‬الرباط‪ ،‬املغرب‪ ،‬الطبعة الثانية ‪2288‬م‪ ،‬ص‪.239:‬‬
‫‪ - 30‬النفري‪ :‬نفسه‪ ،‬ص‪.31:‬‬
‫‪35‬‬
‫الظاهر وأنا أظهر منه فما يدركني قربه وال يهتدي إلي وجوده‪ ،‬وأخفيت الباطن‬
‫وأنا أخفي منه فما يقوم علي دليله وال يصح إلي سبيله‪.‬‬
‫وقال لي أنا أقرب إلى كل ش يء من معرفته بنفسه فما تجاوزه إلي معرفته‪ ،‬وال‬
‫يعرفني أين تعرفت إليه نفسه‪.‬‬
‫وقال لي لوالي ما أبصرت العيون مناظرها‪ ،‬وال رجعت األسماع بمسامعها‪.‬‬
‫وقال لي لو أبديت لغة العز لخطفت األفهام خطف املناجل‪ ،‬ودرست املعارف‬
‫درس الرمال عصفت عليها الرياح العواصف‪.‬‬
‫وقال لي لو نطق ناطق العز لصمتت نواطق كل وصف‪ ،‬ورجعت إلى العدم‬
‫مبالغ كل حرف‪.‬‬
‫وقال لي أين من أعد معارفه للقائي لو أبديت له لسان الجبروت ألنكر ما‬
‫ً‬
‫عرف‪ ،‬وملار مور السماء يوم تمور مورا‪.‬‬
‫وقال لي إن لم أشهدك عزي فيما أشهد أقررتك على الذل فيه‪ ،‬وقال لي طائفة‬
‫أهل السموات وأهل األرض في ذل الحصر‪ ،‬ولي عبيد ال تسعهم طبقات‬
‫السماء وال تقل أفئدتهم جوانب األرض‪.‬‬
‫أشهدت مناظر قلوبهم أنوار عزتي فما أتت على ش يء إال أحرقته‪ ،‬فال لها منظر‬
‫في السماء فتثبته‪ ،‬وال مرجع إلى األرض فتقر فيه‪.‬‬
‫وقال لي خذ حاجتك التي تجمعك علي وإال رددتك إليها وفرقتك عني‪.‬‬
‫وقال لي مع معرفتي ال تحتاج‪ ،‬وما أتت معرفتي فخذ حاجتك‪.‬‬
‫وقال لي تعرفي الذي أبديته ال يحتمل تعرفي الذي لم أبده‪.‬‬
‫وقال لي ال أنا التعرف وال أنا العلم‪ ،‬وال أنا كالتعرف وال أنا كالعلم‪31".‬وهكذا‪،‬‬
‫يتبين لنا أن الشذرات الصوفية العرفانية مليئة باملقارنات املباشرة وغير‬
‫املباشرة بين ذات ربانية نورانية متعالية‪ ،‬وذوات مخلوقة أرضية وراجية‪.‬‬

‫‪ - 31‬نفسه‪ ،‬ص‪.26-25:‬‬
‫‪36‬‬
‫‪ /12‬آلي ـ ــة الت ــدرج‪:‬‬
‫يستعمل النفري ‪ -‬من حيث يدري أو ال يدري‪ -‬آلية التدرج في بناء الشذرة‬
‫العرفانية في عالقتها بآلية التقابل والتناقض‪ .‬ويحيل مبدأ التدرج على مبدإ‬
‫القوة والكم والعدد ارتفاعا أو انخفاضا ضمن ما يسمى بسيميائية التوتر‪ ،‬في‬
‫عالقة جدلية باملدى واملسافة‪ .‬وهكذا‪ ،‬يفضل النفري الرجاء والعلم على‬
‫الخوف واملعرفة من حيث القوة‪ ،‬والشدة‪ ،‬والسمو‪ ،‬والعلو‪ ،‬واالرتفاع‪،‬‬
‫بتوظيف قرائن كمية ‪ ،‬مثل‪ :‬كل وبعض‪ .‬بمعنى أن الرجاء والعلم يوجدان في‬
‫محور القوة أو االرتفاع‪ .‬في حين‪ ،‬يوجد الخوف واملعرفة في محور االنخفاض‪:‬‬

‫" الرجاء يصحب كل عمل‪ ،‬والخوف يصحب بعض العمل‪ ،‬والعلم طريق كل‬
‫العمل‪ ،‬واملعرفة طريق بعض العمل‪32".‬‬

‫ويتجلى التدرج كذلك في عبارته املشهورة‪ ":‬كلما اتسعت الرؤية ضاقت‬


‫العبارة"‪ ،‬فهناك محوران متقابالن ومتكامالن في الوقت نفسه‪ ،‬محور الشدة‬
‫أو القوة الذي يرتبط بظاهرة الرؤية‪ ،‬وتشتد هذه الرؤية قوة وضعفا بارتباطها‬
‫باملدى أو املسافة توسعا وضيقا‪ .‬ومن ثم‪ ،‬تكون الرؤية اإلدراكية أو الواصلة‬
‫أو ال عاشقة قوية أو مرتفعة كلما كان املدى واسعا أو شديد االتساع‪.‬‬

‫وتكون الرؤية ضعيفة اإلدراك حينما يكون املدى ضيقا على مستوى املسافة‪.‬‬
‫ومن ثم‪ ،‬فالترابط بين املحورين ترابط غير مباشر‪.‬أي‪ :‬إنه ترابط مخالف أو‬
‫معاكس ومشروط‪ .‬لذا‪ ،‬يترتب على هذا ما يسمى بسيميوزيس التوتر الناتج‬
‫عن مفارقتين أو قيمتين متعاكستين‪ :‬سعة الرؤية مع ضيق العبارة‪.‬‬

‫‪ - 32‬النفري‪ :‬نفسه‪ ،‬ص‪.31:‬‬


‫‪37‬‬
‫‪ -‬محورالشدة أو القوة‪-‬‬

‫الرؤي ــة مرتفعة وقوية‬

‫محوراملدى العبارة ضيقة‬

‫‪/13‬آلي ــة املفارق ــة‪:‬‬


‫ترتكز آلية املفارقة على الجمع بين املتناقضات واملتضادات تآلفا واختالفا‪،‬‬
‫كما تنبني على التناقض وتنافر الظواهر واألشياء في ثنائيات متعاكسة‬
‫ومفارقة في جدليتها الكينونية‪ ،‬والواقعية‪ ،‬والتخييلية‪ .‬بمعنى أن التجليات‬
‫والشذرات الصوفية ال تستقيم إال بالجمع بين املفارقات التي يوحدها‬
‫الكشف الرباني الجلي‪ ،‬فالكثرة كما يقول‪ -‬ابن عربي ‪ -‬تعود إلى مبدإ الوحدة‪.‬‬
‫ويعني هذا وحدة الوجود‪ ،‬وتأكيد مبدإ الربانية ‪.‬‬
‫وعليه‪ ،‬تعج شذرات النفري باملفارقات العديدة التي تنصهر جميعها في وحدة‬
‫ذوقية جامعة‪ ،‬كما يتجلى ذلك واضحا في موقف (القرب) الذي يشير إلى‬
‫مفارقات ضدية ومتقابلة‪ ،‬يوحدها املعشوق بقدرته النورانية الخارقة‪:‬‬
‫" أوقفني في القرب وقال لي ما مني ش يء أبعد من ش يء وال مني ش يء أقرب من‬
‫ش يء إال حكم إثباتي له في القرب والبعد‪.‬‬

‫‪38‬‬
‫وقال لي البعد تعرفه بالقرب‪ ،‬والقرب تعرفه في بالوجود‪.‬‬
‫وأنا الذي ال يرومه القرب‪ ،‬وال ينتهي إليه الوجود‪.‬‬
‫وقال لي أدن علوم القرب أن ترى أثار نظري في كل ش يء فيكون أغلب عليك‬
‫من معرفتك به‪.‬‬
‫وقال لي القرب الذي تعرفه في القرب الذي أعرفه كمعرفتك في معرفتي‪.‬‬
‫وقال لي ال بعدي عرفت وال قربي عرفت وال وصفي كما وصفي عرفت‪.‬‬
‫وقال لي أنا القريب ال كقرب الش يء وأنا البعيد ال كبعد الش يء من الش يء‪.‬‬
‫ً‬
‫وقال لي قربك ال هو بعدك وبعدك ال هو قربك‪ ،‬وأنا القريب البعيد قربا هو‬
‫البعد وبعدا هو القرب‪.‬‬
‫وقال لي القرب الذي تعرفه مسافة‪ ،‬والبعد الذي تعرفه مسافة‪ ،‬وأنا القريب‬
‫البعيد بال مسافة‪.‬‬
‫وقال لي أنا أقرب اللسان من نطقة إذا نطق‪ ،‬فمن شهدني لم يذكر ومن‬
‫ذكرني لم يشهد‪.‬‬
‫وقال لي الشاهد الذاكر إن لم يكن حقيقة ما شهده حجبه ما ذكر‪.‬‬
‫وقال لي ما كل ذاكر شاهد وكل شاهد ذاكر‪.‬‬
‫وقال لي تعرفت إليك وما عرفتني ذلك هو البعد‪ ،‬رآني قلبك وما رآني ذلك هو‬
‫البعد‪.‬‬
‫وقال لي لن تجدني وال تجدني ذلك هو البعد‪ ،‬تصفني وال تدركني ذلك هو‬
‫البعد‪ ،‬تسمع خطابي لك من قلبك وهو مني ذلك هو البعد‪ ،‬تراك وأنا أقرب‬
‫إليك من رؤيتك ذلك هو البعد‪"33.‬‬
‫وتأسيسا على ما سبق‪ ،‬تتميز الكتابة الشذرية عند النفري بخاصية املفارقة‬
‫التي ال تدل على التناقض والتنافر والتباعد واالختالل كما يبدو من الظاهر‪،‬‬

‫‪ - 33‬نفسه‪ ،‬ص‪.26:‬‬
‫‪39‬‬
‫بقدر ما تدل على الوحدة الجامعة للمتناقضات على املستوى الوجودي‬
‫والذوقي‪.‬‬
‫‪ /14‬آلي ــة التجدي ــد‪:‬‬
‫لقد جدد النفري طريقة الكتابة الصوفية العرفانية بتشذير املواقف‬
‫واملخاطبات واملناجيات واألدعية إلى نصوص مقطعة مستقلة شكال‪ ،‬وداللة‪،‬‬
‫ومقصدية‪ .‬وقد سبق النفري بهذه الكتابة املتميزة كتاب زمانه ومترسلي‬
‫عصره‪ ،‬فلم تنتبه الشعرية العربية القديمة إلى أهمية هذه الكتابة؛ بل لم‬
‫تنتبه إلى قيمة الكتابة الصوفية بشكل عام‪ ،‬فتشير إلى حداثتها الخاصة ؛ بل‬
‫أهملتها تهميشا‪ ،‬وإقصاء‪ ،‬ونسيانا‪ .‬ومن ثم‪ " ،‬فالحديث عن الشعرية‬
‫الصوفية هو حديث عن تيار نوعي متميز‪ ،‬مسه ما مسه من اإلقصاء‪ ،‬و‬
‫التهميش‪ ،‬واإللغاء‪ ،‬من طرف النقد العربي القديم‪ .‬وهذا ما جعله تجربة‬
‫نصية ونظرية‪ ،‬تعيش على هامش الخارطة النقدية العربية‪ ،‬وال يعني هذا‬
‫اإلقصاء أن التجربة الشعرية الصوفية لم تكن ذات قيمة تذكر‪ ،‬بل إنها ـ‬
‫على العكس من ذلك ـ تجربة تسجل حضورها املتميز والفريد على الساحة‬
‫اإلبداعية للشعر العربي القديم‪ ،‬الش يء الذي جعلها موضوعا لسجل نقدي‬
‫ومعرفي متواصل‪ ،‬يفجر مكبوت الشعرية العربية القديمة برمتها‪ ،‬ويضع‬
‫محصالتها ونتائجها موضع شك وتساؤل‪34".‬‬

‫ولم نجد لهذه الكتابة الحداثية مكانة إال في كتابات الرمزيين والسرياليين‬
‫وكتاب ما بعد الحداثة ‪ ،‬أمثال‪ :‬فاليري (‪ ،)Valéry‬وجورج باطاي( ‪Georges‬‬
‫‪ ،)Bataille‬وسيوران (‪ ،)Cioran‬وجوليان جراك(‪ ،)Julien Gracq‬وموريس‬
‫بالنشو( ‪ ،)Maurice Blanchot‬وروالن بارت( ‪ ،)Roland Barthes‬وعبد الكبير‬
‫الخطيبي( ‪ ،)Abdelkebir Khatibi‬وفرناندو بيسووا ( ‪،)Fernando Pessoa‬‬

‫‪ - 34‬نور الدين أعراب الطريس ي‪ :‬االستعارة في الخطاب الشعري الصوفي املعاصر باملغرب‪،‬‬
‫مطبعة عين برينت‪ ،‬وجدة‪ ،‬املغرب‪ ،‬الطبعة األولى سنة ‪2282‬م‪ ،‬ص‪.28:‬‬
‫‪40‬‬
‫وجان بودريار(‪ ،)Jean Baudrillard‬وميشيل هويلبيك ( ‪Michel‬‬
‫‪ ،)Houellebecq‬وأدونيس‪ ،‬ومحمد بنيس‪ ،‬وعبد الكريم الطبال‪ ،‬وغيرهم من‬
‫الشعراء العرب املعاصرين‪...‬‬
‫وتبعا لذلك‪ ،‬فالكتابة الشذرية العرفانية والحدسية عند النفري هي عالمة‬
‫التحول والتغير والتجدد والتميز واإلبداع‪ ،‬وثورة على الثبات والتقليد‬
‫واملوروث والسائد العادي‪ .‬وفي هذا السياق‪ ،‬يقول أحمد الطريس ي أعراب‪:‬‬
‫"والخطاب الوحيد الذي استطاع أن ينجح في الخروج عن قواعد هذا املنطق‪،‬‬
‫وشروط العقل‪ ،‬يتمثل في الكتابات الصوفية التي يتحول فيها مركز إنتاج‬
‫املعرفة من العقل إلى القلب‪ ،‬ومن البصر إلى البصيرة‪ ،‬ولكن هذه الكتابات لم‬
‫يكن لها تأثيرها الفعال في الوسط الثقافي العربي‪ ،‬بل إن هذا الوسيط كان‬
‫يحاصرها‪ ،‬ويضيق الخناق عليها‪ ،‬وينظر إليها بعين االزدراء"‪.35‬‬
‫وعليه‪ ،‬فالكتابة الشذرية عند النفري عالمة للتحول الفكري واإلبداعي والفني‬
‫والجمالي في الثقافة العربية قديما وحديثا‪ .‬وبالتالي‪ ،‬ميسم واضح للتجديد‪،‬‬
‫والتغيير‪ ،‬والتثوير‪ ،‬واالنزياح الشامل‪.‬‬
‫‪ /15‬آلية التجريـ ــد‪:‬‬
‫تتسم الكتابة الشذرية عند النفري بطابع التجريد‪ ،‬واالبتعاد عن العقلي‬
‫واملنطقي واملحسوس والواضح‪ ،‬وتثوير اللغة العادية املألوفة باستعمال‬
‫اإلشارات‪ ،‬والرموز‪ ،‬واإليحاء‪ ،‬والتلويح‪ ،‬واإلحالة ‪ .‬بمعنى أن لغة الكتابة‬
‫الشذرية تجريدية ورمزية‪ ،‬وليست أيقونية بصرية‪ ،‬وال واقعية مشخصة‪ .‬ومن‬
‫ثم‪ ،‬يتحول الواقع إلى لغة مجردة غير مرئية‪ ،‬ترتبط بالغيب والفراغ واملاوراء ‪،‬‬
‫كما يبدو ذلك جليا في هذه املخاطبة ‪:‬‬

‫‪ - 35‬أحمد الطريس ي أعراب‪ :‬النص الشعري بين الرؤية البيانية والرؤيا اإلشارية‪ ،‬دار عالم‬
‫الكتب للطباعة والنشر والتوزيع‪ ،‬الرياض‪ ،‬اململكة العربية السعودية ‪ 8324‬هـ‪ ،‬ص‪59 :‬‬
‫‪41‬‬
‫" يا عبد إن لم أنشر عليك مرحمة الرحمانية لطوتك يد الحدثان عن املعرفة‪.‬‬
‫يا عبد إن لم تنر أنوار جبروتي لخطفتك خواطف الذلة وطمستك طامسات‬
‫الغيار‪.‬‬
‫يا عبد إن لم أسقك برأفتي عليك أكواب تعرفي إليك أظمأك مشرب كل علم‬
‫وأحالتك برقه كل خاطر‪.‬‬
‫يا عبد أنا الناطق وما نطقي النطق‪ ،‬وأنا الحي وما حيوتي الحيوة‪ ،‬أحلت‬
‫العقول عني فوقفت في مبالغها‪ ،‬وأذهلت األفكار عني فرجعت إلى متقلبها‪.‬‬
‫يا عبد أنا الحاكم الذي ال يحكم عليه‪ ،‬وأنا العالم الذي ال يطلع عليه‪.‬‬
‫يا عبد لوال صمودي ما صمدت ولوال دوامي ما دمت‪.‬‬
‫يا عبد اخرج من همك تخرج من حدك‪.‬‬
‫يا عبد لو لم أكتبك في العارفين قبل خلقك ما عرفتني في مشهود وجدك‬
‫لنفسك‪.‬‬
‫يا عبد إن لم تعرف من أنت مني لم تستقر في معرفتي‪.‬‬
‫يا عبد إن لم تستقر في معرفتي لم تدر كيف تعمل لي‪.‬‬
‫يا عبد إن عرفت من أنت مني كنت من أهل املراتب‪.‬‬
‫يا عبد أتدري ما املراتب‪ ،‬مراتب العزة يوم قيامي ومراتب التحقيق في يوم‬
‫مقامي أولئك يلوني وأولئك أوليائي‪.‬‬
‫يا عبد اعرف من أنت يكن لقدمك ويكن أسكن لقلبك‪.‬‬
‫يا عبد إذا عرفت من أنت حملت الصبر فلم تعي به‪.‬‬
‫يا عبد إذا عرفت من أنت أشهدتك محل العلم بي من كل عالم ومقر الوجد‬
‫بي من كل واجد‪ ،‬فإذا أشهدتك ذلك كنت من شهودي على العاملين وإذا كنت‬
‫من شهودي على العاملين فأبشر بمرافقة النبيين‪.‬‬
‫يا عبد أنا أولى بك إن عقلت وأنت أولى بي إن حملت‪.‬‬

‫‪42‬‬
‫يا عبد ال أزال أتعرف إليك بما بيني وبينك حتى تعلم من أنت مني‪ ،‬فإذا عرفت‬
‫من أنت مني تعرفت بما بيني وبين كل ش يء‪.‬‬
‫يا عبد أنا القريب منك ولوال قربي منك ما عرفتني‪ ،‬وأنا املتعرف إليك لوال‬
‫تعرفي إليك ما أطعتني‪.‬‬
‫يا عبد الجأ إلي في كل حال أكن لك في كل حال‪.‬‬
‫يا عبد اقصدني وتحقق بي فإن األمر بيني وبينك‪ ،‬إذا أشهدتك أن ذكرى ال‬
‫يمنع مني وأن أسمى ال يحجب عني وأنني أمنع بذكرى من أشاء ممن أشاء‬
‫وأحجب باسمي من أشاء عمن أشاء فأنت من خاصتي‪.‬‬
‫يا عبد أنا أولى بك من علمك وأنا أولى بك من علمك وأنا أولى بك من رؤيتك‪،‬‬
‫فإذا علمت فصر وما علمت إلي فاستمع مني فيه واحمل إلي رؤيتك ووقفتك‬
‫وقف بين يدي وحدك ال بعلم فإن العلم ال يواريك عني وال بعمل فإن العمل ال‬
‫يعصمك مني وال برؤية فإن الرؤية ال تغني مني وال بوقفة فإن الوقفة ال تملك‬
‫بها مني‪.‬‬
‫يا عبد قف بين يدي في الدنيا وحدك أسكنك في قبرك وحدك وأخرجك منه‬
‫إلي وحدك وتقف بين يدي في القيامة وحدك‪ ،‬وإذا كنت وحدك لم تر إال‬
‫وجهي وإذا لم تر إال وجهي فال حساب وال كتاب وإذا ال حساب وال كتاب فال‬
‫روع وإذا ال روع فأنت من الشفعاء‪.‬‬
‫يا عبد الوجد بما دوني سترة عن الوجد بي وبحسب السترة عن الوجد بي‬
‫فتأخذ منك الباديات كنت من أه لها أم لم تكن من أهلها‪36".‬‬

‫وهكذا‪ُ ،‬يخرج الخيال هذه الشذرات من طابعها الحس ي واملادي نحو الخيال‬
‫املجرد؛ حيث العوالم الذوقية‪ ،‬والعرفانية‪ ،‬والدينية‪ ،‬والغيبية‪ ،‬واملاورائية‪.‬‬
‫‪ /16‬آلي ــة الترم ــيز‪:‬‬

‫‪ - 36‬النفري‪ :‬نفسه‪،‬ص‪.289:‬‬
‫‪43‬‬
‫تتحول الشذرات عند النفري إلى رموز‪ ،‬ولطائف‪ ،‬ورقائق‪ ،‬وإشارات‪،‬‬
‫وتلويحات‪ .‬بمعنى أن دالالت هذه الشذرات تتجاوز الظاهر نحو الباطن‪،‬‬
‫فتصبح عالمات سيميائية وقرائن دالة ولطائف موحية من الصعب معرفة‬
‫مدلوالتها إال باستكشاف السياق املعرفي‪ ،‬والتشبث بمبدإ التأويل املحلي‪.‬‬
‫وإذا أخذنا على سبيل املثال هذه الشذرة‪:‬‬
‫" أقص ى همم القلب يت علق باملعيشة‪ ،‬فمن أصلحها صلح‪ ،‬ومن أفسدها‬
‫فسد‪ ،‬وليس إلى عدم الفكر فيها سبيل بحال؛ ألنها أصل البالء الذي ركب‬
‫عليه تركيب البشرية"‪.37‬‬
‫هنا‪ ،‬يبدو أن املعيشة كناية عن الدنيا الدنية ‪ ،‬وإحالة عن شواغل العيش‪.‬‬
‫فالصوفي الحقيقي هو من ابتعد عن الدنيا‪ ،‬وتشبث بتالبيب اآلخرة‪ ،‬واختار‬
‫الخلوة والعبادة مسلكين للنجاة‪ .‬ومن ينشغل بالدنيا‪ ،‬فقد وقع في البالء‪،‬‬
‫وخسر اليقين‪ ،‬وضاع لذة الوصال والكشف‪ .‬ومن ثم‪ ،‬فاملعيشة رمز للدنيا‬
‫الواهمة‪ ،‬ورمز للجسد الزائل الذي يتعارض مع القلب الواصل‪ .‬ومن ثم‪،‬‬
‫فتجربة النفري " تجربة رموز وإشارات وتلويحات‪ .‬النص هنا يقول أكثر مما‬
‫يقول ظاهر كلماته‪ ،‬وتتقاطع فيه أبعاد ودالالت تجسدها لغة تفرض‬
‫التواصل معها ذوقيا‪ ،‬أو حدسيا‪ .‬فهذا النص لغة ال تحمل أسرار املتخيل‬
‫وحده‪ ،‬وإنما تحمل كذلك أسرار الذات‪."38.‬‬
‫ومعنى ذلك عند أدونيس أنه «يتعذر الدخول إلى عالم التجربة الصوفية عن‬
‫طريق عباراتها‪ ،‬فاإلشارة‪ ،‬ال العبارة‪ ،‬هي املدخل الرئيس»‪.39‬‬

‫‪ - 37‬نفسه‪ ،‬ص‪.32:‬‬
‫‪ - 38‬أدونيس‪ :‬التصوف والسوريالية‪ ،‬دار الساقي‪ ،‬بيروت ‪ ،‬لبنان‪ ،‬الطبعة الرابعة ‪2282‬م‪،‬‬
‫ص‪.815:‬‬
‫‪ - 39‬أدونيس‪ :‬نفسه‪ ،‬ص‪.24:‬‬
‫‪44‬‬
‫ويتخذ موقف البحر عند النفري دالالت صوفية رمزية بامتياز‪ ،‬توحي‬
‫باملغامرة الذوقية للوصول إلى الحق‪ ،‬واإلشارة إلى صعوبة الطرق واملسالك‬
‫التي تؤدي إلى البصيرة النوارنية‪:‬‬
‫" أوقفني في البحر فرأيت املراكب تغرق واأللواح تسلم‪ ،‬ثم غرقت األلواح‪،‬‬
‫وقال لي ال يسلم من ركب‪.‬‬
‫وقال لي خاطر من ألق نفسه ولم يركب‪.‬‬
‫وقال لي هلك من ركب وما خاطر‪.‬‬
‫وقال لي في املخاطرة جزء من النجاة‪ ،‬وجاء املوج ورفع ما تحته وساح على‬
‫الساحل‪.‬‬
‫وقال لي ظاهر البحر ضوء ال يبلغ‪ ،‬وقعرة ظلمه ال تمكن‪ ،‬وبينهما حيتان ال‬
‫تستأمن‪.‬‬
‫وقال لي ال تركب البحر فأحجبك باآللة‪ ،‬وال تلق نفسك فيه فأحجبك به‪.‬‬
‫وقال لي في البحر حدود أيها يقلك‪.‬‬
‫وقال لي إذا وهبت نفسك للبحر فغرقت فيه كنت كدابة من دوابه‪.‬‬
‫وقال لي غششتك إن دللتك على سواي‪.‬‬
‫وقال لي إن هلكت في سواي كنت ملا هلكت فيه‪.‬‬
‫وقال لي الدنيا ملن صرفته عنها وصرفتها عنه‪ ،‬واآلخرة ملن أقبلت بها إليه‬
‫وأقبلت به علي‪40".‬‬

‫وهكذا‪ ،‬تتخذ املفاهيم واملصطلحات في مواقف النفري وشذراته ومخاطباته‬


‫أبعادا رمزية وإشارية وسيميائية لإلحالة على عوالم داخلية ذوقية وكشفية‪.‬‬
‫‪ /17‬آلي ــة التقابـ ـ ــل‪:‬‬
‫يستعمل النفري في شذراته آلية التقابل القائمة على بالغة التضاد والطباق‬
‫واملفارقة‪ ،‬والجمع بين املتناقضات‪ ،‬كما يظهر ذلك جليا في (شذرة البكاء)‬

‫‪ - 40‬النفري‪ :‬نفسه‪ ،‬ص‪.29:‬‬


‫‪45‬‬
‫التي يتقابل فيها العلم والوجد‪ ،‬والفرح والبكاء‪ .‬بيد أن هذه املطابقة أو املقابلة‬
‫تنتفي حينما يتحول بكاء املحب الخاشع إلى فرح وجداني‪:‬‬
‫" البكاء كله يتعلق بمعنى يثيره‪ ،‬وذلك املعنى ينتهي إلى قصد هو مبلغ البكاء‪،‬‬
‫وفي املبلغ فرح مستكين فيه‪ ،‬فالباكي يبكي مادام ذلك الفرح في علمه دون‬
‫وجده‪ ،‬فإذا حصل ذلك الفرح في وجده‪ ،‬أمسك عن البكاء‪41".‬‬

‫ونجد هذه اآللية بوضوح في شذرة ( العمود) حينما يجمع بين نقيضين هما‬
‫العلم والجهل في وحدة تامة ‪:‬‬
‫" العلم عمود الدين‪ ،‬واملعرفة عمود العلم‪ ،‬واإلخالص عمود املعرفة‪ ،‬والرضا‬
‫عمود اإلخالص‪ ،‬واإلشهاد عمود الرضا‪ ،‬والتمكين عمود اإلشهاد‪ ،‬والطمأنينة‬
‫عمود التمكين‪ ،‬والجهل عمود الطمأنينة‪ ،‬فمن لم يجهل لم يطمئن‪ ،‬ومن لم‬
‫يطمئن لم يتمكن‪ ،‬ومن لم يتمكن لم يشهد‪ ،‬ومن لم يشهد لم يرض‪ ،‬ومن لم‬
‫يرض لم يخلص‪ ،‬ومن لم يخلص لم يعرف‪ ،‬ومن لم يعرف لم يعلم‪ ،‬ومن لم‬
‫يعلم ذهب به الضالل‪42".‬‬

‫وهكذا‪ ،‬يتبين لنا أن الشذرة الصوفية عند النفري قائمة على "التناقض‪ .‬وهو‬
‫يعني أن الش يء ال يفصح عن ذاته إال في نقيضه‪ ،‬املوت في الحياة والحياة في‬
‫املوت‪ ،‬النهار في الليل والليل في النهار‪ ،‬هكذا تتالقى األطراف في وحدة تامة‪:‬‬
‫الحركة والسكون‪ ،‬الحقيقة والخيال‪ ،‬الغريب واألليف‪ ،‬الوضوح والغموض‪،‬‬
‫الداخل والخارج‪.‬‬
‫وإذ يوحد املتصوف بين الداخل والخارج‪ ،‬بين الذات واملوضوع‪ ،‬بين الواقع‬
‫الخبيء والواقع املض يء‪ ،‬فلكي يبلغ حالة من الوعي السامي ال يتجلى عند فرد‬
‫بعينه‪ ،‬بل عند كل فرد‪.‬‬

‫‪ -41‬النفري‪ :‬ضاقت العبارة ‪ ،‬تحقيق وتقديم قاسم محمد عباس‪ ،‬دار املدى للثقافة والنشر‪،‬‬
‫دمشق‪ ،‬سورة‪ ،‬الطبعة األولى سنة‪2222‬م‪ ،‬ص‪.49:‬‬
‫‪ - 42‬النفري‪ :‬نفسه‪ ،‬ص‪.32:‬‬
‫‪46‬‬
‫هذه الوحدة بين العالم املرئي والعالم غير املرئي‪ ،‬هي وحدة النقيضين‪ -‬وهي‬
‫من األسس الجمالية في الكتابة الصوفية‪.43".‬‬
‫وعليه‪ ،‬تتميز الكتابة الشذرية عند النفري بالجمع بين املتضادات‬
‫واملتناقضات واملفارقات واملقابالت في وحدة صوفية عرفانية جامعة في إطار‬
‫مبدإ الربانية أو وحدة الوجود‪.‬‬
‫‪ /18‬آلي ــة الغم ــوض‪:‬‬
‫تتميز الكتابة الصوفية بصفة عامة‪ ،‬وكتابة النفري بصفة خاصة‪ ،‬بخاصية‬
‫الغموض؛ ألنها كتابة عصية على الفهم والتفسير والتأويل‪ ،‬تتجاوز الدالالت‬
‫التعيينية إلى الدالالت التضمينية‪ ،‬أو تتعدى حجاب الظاهر إلى المرئي‬
‫الباطن والغيب واملجهول ‪ ،‬كما يبدو ذلك جليا في هذه الشذرة‪:‬‬
‫" أيتها البنية! غصن في مصدر املياه عنه‪ ،‬وذكرى عند تكامل الري له عن أي‬
‫ذكر انتقل؟ وبأي ذكر اذكر؟ وهل تذكرني أوراقه في الينبوع؟ أم هل تذكرني في‬
‫شاهد اإليراق؟ فإن ذكرني الورق‪ ،‬أفعن الغصن يستمد ذكره؟ أو ذكرني‬
‫الغصن في إيراقه‪ ،‬أعن ذكره في حين صدر املاء عنه؟‬
‫فلتجيبيني أيتها املعنية! فإنما هو نظري يصوغك للجواب‪ ،‬وإنما هي محبتي‬
‫تعديك ذكر الكل‪44".‬‬

‫تتسم هذه الشذرة الرمزية بالغموض ‪ ،‬وتحمل دالالت معقدة من الصعب‬


‫فهمها أو استيعابها‪ ،‬وقد ال يستجليها إال العارفون املتخصصون في علم الذوق‬
‫واملكاشفة الربانية‪ .‬وفي هذا الصدد‪ ،‬يقول أدونيس‪:‬‬
‫" الخاصية األساس في نص النفري هي خروجه من األسماء (الدالالت‪ ،‬املعاني‪،‬‬
‫الصور‪...‬إلخ) التي أضفتها على األشياء (املسميات) الكتابة التي تقدمه‪.‬هكذا‬
‫يكتب النفري الغامض‪ ،‬وما لم يكشف عنه‪ ،‬من قبل‪ .‬يخرج األشياء من‬

‫‪ - 43‬أدونيس‪ :‬الصوفية والسوريالية‪ ،‬ص‪.838-832:‬‬


‫‪ - 44‬النفري‪ :‬نفسه‪ ،‬ص‪.33:‬‬
‫‪47‬‬
‫ماضيها‪ ،‬من أسمائها السابقة‪ ،‬ومن طرق التعبير عنها‪ ،‬ويدخلها في صورة أخرى‬
‫مضفيا عليها أسماء جديدة‪ .‬الكتابة هنا تغيير‪ :‬إنها تجدد األشياء من حيث إنها‬
‫تجدد صورها وعالقاتها‪ ،‬وتجدد اللغة من حيث إنها تنش ئ عالقات جديدة بين‬
‫الكلمة والكلمة‪ ،‬وبين الكلمات واألشياء‪.‬‬
‫بدئيا‪ ،‬ينظر النفري إلى األشياء بوصفها غير مسماة‪ ،‬وإلى العالم بوصفه غير‬
‫مفكر فيه‪.‬إنه يكتب عاملا لم يتعين ولم يتحدد‪ :‬ليست له هوية جاهزة‪ ،‬عاملا‬
‫تبدو هويته أنها‪ ،‬على العكس‪ ،‬في مجيء دائم‪ -‬أنها‪ ،‬هي كذلك‪ ،‬ال تنتهي‪.‬‬
‫اإلنسان نفسه يبدو‪ ،‬في هذا العالم‪ ،‬أنه عص ي هو أيضا على كل هوية جاهزة‬
‫ومنتهية‪.‬إنه متحرك كمثل هذا العالم‪ -‬وهو يخلق هويته فيما يمارس اإلفصاح‬
‫عن هذا العالم‪ :‬يبدع ذاته فيما يبدع عمله‪45".‬‬

‫ومن جهة أخرى‪ ،‬يسهم التشذير والتقطيع في توسيع مساحة الغموض؛ ألن‬
‫التقطع يتنافى مع الخطاب املوصول املنسجم واملتسلسل واملتابع في أفكاره‬
‫ودالالته‪ .‬وفي هذا السياق‪ ،‬يقول خالد بلقاسم‪:‬‬
‫" مع النفري‪ ،‬تتعلم الكتابة أن تدمج الخيبة في مسارها وأن تالمس استحالة‬
‫املعنى واستحالة تلخيص الكتاب‪ .‬فالتقطع يتعارض مع هاجس التلخيص‪،‬‬
‫ويمنح املعنى قوة ال تنفصل عن الغموض الذي يبني هذا املعنى‪ ،‬مؤمنا سريان‬
‫الصمت فيه‪ ،‬كتابة املنفلت تطالب بقراءة مهيأة ملساءلة ذاتها؛ قراءة خليقة‬
‫بمصاحبة صراع الكتابة مع املنفلت فيها ومنها‪ .‬إن لهذا املنفلت أثره على‬
‫القراءة أيضا‪ ،‬إذ تتخلى عن وهم االنتهاء إلى معنى قار‪ .‬بهذا التخلي يصبح‬
‫التقطع بانيا لها‪ ،‬أي إنه يتسلل من الكتابة إلى القراءة التي تنمو من داخل‬
‫بياضات تحتفظ لها بنقصها وخيبتها‪46".‬‬

‫‪ - 45‬أدونيس‪ :‬نفسه‪ ،‬ص‪.816:‬‬


‫‪ - 46‬خالد بلقاسم‪ :‬نفسه‪ ،‬ص‪.295:‬‬
‫‪48‬‬
‫ومن ثم‪ ،‬التقدم الكتابة الصوفية " ذاتها ألي قارئ كان‪ ،‬بل تستوجب قارئا‬
‫خاصا هو الذي يجعل من القراءة تجربة حية ومؤثرة مثل تجربة الكتابة‪ :‬أن‬
‫نقرأها‪ ،‬يعني أن نجدد تساؤلها األصلي حول اللغة والتأويل وحول‬
‫اإليديولوجيا االجتماعية من جهة‪ ،‬وأن نجعل من القراءة فعال للحب‬
‫واالفتتان بالجمال‪ ،‬وفعال لتعميق الوعي باالغتراب والنزوع نحو اكتشاف‬
‫العمق البدائي لإلنسان الذي يتنزعه من الرتابة والتكرار اليومي‪ ،‬أي حركة‬
‫للبحث عن املجهول‪ ،‬عن الغريب‪ ،‬عن الالمعرف‪.47"...‬‬
‫وعليه‪ ،‬تتسم شذرات النفري بخاصية الغموض على مستوى الداللة‬
‫وتوظيف الرموز الكثيرة‪ ،‬واالصطالحات الصوفية الخاصة باملتخصصين‬
‫واملتفقهين في علم العرفان‪.‬‬
‫‪ /19‬آليـ ـ ــة التنظي ــر‪:‬‬
‫تحمل شذرات النفري مجموعة من التنظيرات الصوفية العميقة فيما يخص‬
‫الحقيقة والالحقيقة‪ ،‬والظاهر والباطن‪ ،‬والعلم واملعرفة ‪ ،‬والحجاب‬
‫والكشف‪ .‬فيقرن العلم بالظاهر‪ .‬في حين‪ ،‬ترتكز املعرفة على الباطن‪ .‬ومن‬
‫هنا‪ ،‬فالظاهر مجرد حجاب‪ ،‬ووصف‪ ،‬وعلم‪ .‬بينما الباطن معرفة وقلب‬
‫ووجدان وحجاب كذلك‪ .‬ومن ثم‪ ،‬ال يتحقق الكشف إال بتجاوز الظاهر‪،‬‬
‫واستشعار الخوف وركوب الخطر‪:‬‬
‫" العلم لسان الظاهر‪ ،‬واملعرفة لسان الباطن‪ ،‬والظاهر حد الصفة‪ ،‬والباطن‬
‫حد القلب‪ ،‬والظاهر حجاب‪ ،‬والباطن حجاب‪ ،‬والصفة حجاب‪ ،‬والقلب‬
‫حجاب‪ ،‬والحجاب اليحمل الكشف وال يقوم له‪ ،‬والكشف يثبت في البوادي‪،‬‬
‫والبوادي كلها حكمها الروع‪ ،‬والخطر مصحوب كل حكم‪48".‬‬

‫‪ -47‬منصف عبد الحق‪ :‬الكتابة والتجربة الصوفية‪ ،‬ص‪.82-88 :‬‬


‫‪ - 48‬النفري‪ :‬نفسه‪ ،‬ص‪.38:‬‬
‫‪49‬‬
‫ومن هنا‪ ،‬تحمل الشذرات الصوفية ‪ ،‬في طياتها‪ ،‬تنظيرات معرفية وسلوكية‬
‫وعرفانية بامتياز‪ ،‬تعبر عن رؤية املتصوفة إلى العالم ‪ .‬وفي هذا الصدد‪ ،‬يقول‬
‫خالد بلقاسم‪:‬‬
‫"لم تكن الشذرات النظرية التي تتخلل كتب الصوفية حصيلة تأمل فكري‬
‫بقدر ما كانت وليدة تجربة وجودية ومعرفية‪ ،‬وفي هذه التجربة تتراجع العلوم‬
‫التي يمتلكها الصوفي ليعاد صوغها إما وفق أحوال ترد عليه أو وفق مقامات‬
‫يجهد في بلوغها‪ ،‬ولعل هذا ما يسمح بتدمير الحدود بين النظرية والتجربة" ‪.49‬‬
‫ومن هنا‪ ،‬تتخلل التنظيرات مجمل شذرات النفري سواء أكانت مناجيات‪ ،‬أم‬
‫أدعية‪ ،‬أم مواقف‪ ،‬أم مخاطبات‪ ،‬أم أشعارا ‪.‬‬
‫‪ /21‬آلي ــة التفكي ــك‪:‬‬
‫تتميز الكتابة الشذرية عند النفري بآلية التفكيك أو تقويض املسلمات‬
‫املركزية‪ .‬بمعنى أن شذرات النفري ثورة على الظاهر‪ ،‬والسائد‪ ،‬والتقليد‪،‬‬
‫والحس ي‪ .‬أي‪ :‬إن الشذرات عوالم وجدانية قلبية ولدنية وحدسية بامتياز‪،‬‬
‫تتجاوز الظاهر نحو الباطن؛ بل تتعدى الباطن نحو الغيب‪ ،‬واملجهول‪،‬‬
‫والالمرئي‪.‬‬
‫ً‬
‫إذا‪ ،‬يفكك النفري مقومات السلطة الظاهرة الحسية التي يمثلها الفقهاء ‪،‬‬
‫ويدعو إلى استبدالها بسلطة القلب والوجدان التي تملك زمام الحقيقة‬
‫النوارنية الحقيقية ‪ .‬في حين‪ ،‬تتميز حقيقة الفقهاء بالنصية الظاهرة‪ .‬وفي هذا‬
‫الصدد‪ ،‬يقول النفري‪:‬‬
‫" العلم كله تظهر فيه أحكام النفوس‪ ،‬واملعرفة كلها تخف فيها أحكام‬
‫النفوس؛ ألن النفس ال ترتبط إال بحظ‪ ،‬فإن صاحبت العلم كان حظا‬
‫ممدوحا‪ ،‬وإن فارقته كان حظا مذموما‪ ،‬واملعارف كلها تمحو الحظوظ كلها‬

‫‪ - 49‬خالد بلقاسم‪( :‬مدخل إلى العالقة بين الشعر والتصوف)‪ ،‬مجلة البيت‪ ،‬املغرب‪ ،‬العدد‬
‫األول‪ ،‬خريف ‪2222‬م‪ ،‬ص‪.25 :‬‬
‫‪50‬‬
‫محمودها ومذمومها‪ ،‬وتحل مكان الوجد بها من القلوب والعقول‪ ،‬فتختفي‬
‫أحكام النفوس حتى تبدو املعارف على حكم غلبة املعارف عليه ودوام مكثها‪،‬‬
‫فالعلم كله أمر ونهي‪ ،‬واملعرفة كلها تنبيه وتبصير‪ ،‬والتنبيه كله تثبيت وتأييد‪،‬‬
‫والتبصير كله رسوخ وتمكين‪ ،‬فالصمت شاهد التثبت والتأييد‪ ،‬والنطق شاهد‬
‫الرسوخ والتمكين‪ ،‬فمن نطق في التثبيت والتأييد لم يفصح عن حقيقة‪ ،‬ولم‬
‫يوضح عن مبلغ‪ ،‬وصاحب الرسوخ والتمكين إن نطق فبحقيقة‪ ،‬وإن صمت‬
‫فلحقيقة‪50".‬‬

‫يقارن النفري في هذه الشذرة بين علماء الظاهر و عارفي الباطن‪ .‬ومن ثم‪ ،‬يميز‬
‫بين العلم واملعرفة‪ ،‬فالعلم ظاهر‪ ،‬واملعرفة باطن‪ .‬ومن ثم‪ ،‬تنبني املعرفة على‬
‫الوجد‪ ،‬والقلب‪ ،‬والذوق‪ .‬كما يرتبط العلم باألحكام الفقهية التكليفية من أمر‬
‫ونهي‪ .‬في حين‪ ،‬ترتبط املعرفة الوجدانية بالبصيرة واملحبة الوجدانية‪ .‬كما‬
‫يختلف الصمت عن النطق‪ .‬فالصمت لغة الصوفي‪ ،‬والنطق لغة أهل الظاهر‪.‬‬
‫وال تدرك الحقيقة إال باملعرفة‪ ،‬والبصيرة‪ ،‬والذوق الوجداني‪ ،‬والصمت‬
‫الراسخ ‪ .‬ومن هنا‪ ،‬فهذه املقارنة هي تقويض لخطاب أهل الظاهر الذي يستند‬
‫إلى العلم والنطق والحكم على النفوس من خالل الفقه‪ ،‬أو منطق الحالل‬
‫والحرام‪.‬‬
‫ويرى أدونيس أن نص النفري" يمثل قطيعة كتابية‪ ،‬يمثل قطيعة ثقافية‪.‬إنه‬
‫نوع من إعادة النظر جذريا في الثقافة العربية‪ ،‬وبخاصة في جوانبها الدينية‪-‬‬
‫الفقهية ومتضمنات هذه الجوانب‪.‬إنه يؤسس لعالقات مع املجهول‪ ،‬سماء‬
‫وأرضا‪ ،‬تغاير العالقات التي يرسيها التقليد الديني‪-‬الفقهي‪ .‬وتبعا لذلك‪،‬‬
‫يؤسس للغة أخرى من أجل التواصل مع هذا املجهول‪ ،‬غير اللغة الدينية‪-‬‬
‫الفقهية‪.‬وطبيعي‪ ،‬إذن‪ ،‬أن يبدو هذا النص عنصر خلخلة للنظام الفكري –‬

‫‪ - 50‬النفري‪ :‬نفسه‪ ،‬ص‪.52-39:‬‬


‫‪51‬‬
‫االجتماعي املرتبط قليال أو كثيرا بنظام الرؤية الدينية‪ -‬الفقهية‪ .‬وهو‪ ،‬في ذلك‬
‫يجسد بعدا آخر‪ ،‬كتابيا وفكريا‪ ،‬داخل الثقافة العربية‪51".‬‬

‫ويعني هذا أن الكتابة الشذرية عند النفري هي تقويض لسلطة الظاهر‪ ،‬وثورة‬
‫على عالم املرئي الحس ي‪ ،‬واستكشاف لعالم الغيب واملجهول والالمرئي‪.‬‬
‫ومن ثم‪ ،‬ليست الحقيقة واحدة‪ ،‬بل هي حقائق متعددة نصل إليها بطرائق‬
‫مختلفة‪ .‬ومن ثم‪ ،‬فالحقيقة املطلقة عند النفري هي حقيقة القلب‪،‬‬
‫والصمت‪ ،‬والبصيرة‪ ،‬واتساع الرؤية‪ .‬وفي هذا اإلطار‪ ،‬يقول أدونيس أيضا‪:‬‬
‫" نشأت التجربة الصوفية في مناخ ثقافي ينهض على اإليمان بأن هناك حقيقة‬
‫واحدة‪ ،‬وحيدة‪ ،‬نهائية‪ ،‬وكل ما عداها باطل‪ .‬وهي إلى ذلك‪ ،‬مجسدة في‬
‫شريعة‪ ،‬يستند إليها ويحرسها نظام سياس ي‪ .‬وكل قول آخر‪ ،‬إما أنه يتطابق‬
‫معها وحينئذ يكون ناقال‪ ،‬وإما أنه يتناقض معها‪ ،‬وحينئد يجب رفضه و نبذه ‪.‬‬
‫وقد رفضت التجربة الصوفية هذا التبسيط‪ ،‬ذاهبة إلى القول‪ :‬إن هذه‬
‫الحقيقة الشرعية الظاهرة ال تمثل الحقيقة كلها‪ -‬فهناك ما لم يقله الشرع‪،‬‬
‫وهو الغيب‪ ،‬املجهول‪ ،‬أو ما تسميه بالباطن الخفي‪ .‬وهذا العالم الباطن ال‬
‫يتم الوصول إليه بالوسائل التي نعرف بها الظاهر‪ ،‬سواء تمثلت في الشريعة أو‬
‫العقل‪ ،‬وإنما يتم الوصول إليه بوسائط أخرى‪ :‬القلب‪ ،‬الحدس‪ ،‬اإلشراق‪،‬‬
‫الرؤيا‪...‬ومن هنا ارتبطت معرفة الحقيقة في التجربة الصوفية بالذات‬
‫العارفة‪ ،‬في تجربتها الخاصة‪ ،‬خارج العقل والنقل‪ .‬وبما أن لكل ذات تجربتها‬
‫املغايرة‪ ،‬فإن الحقيقة تتجلى لكل ذات‪ ،‬بشكل مغاير‪ .‬لكن هذا التغاير ليس‬
‫تناقضا‪ ،‬وإنما هو على العكس‪ ،‬تكامل – أو هو‪ ،‬في األصح‪ ،‬تعدد ضمن‬
‫الوحدة‪ -‬وحدة الحقيقة‪52".‬‬

‫‪ - 51‬أدونيس‪ :‬نفسه‪ ،‬ص‪.812:‬‬


‫‪ - 52‬نفسه‪ ،‬ص‪.811:‬‬
‫‪52‬‬
‫وتأسيسا على ما سبق‪ُ ،‬ت ّ‬
‫شدد الشذرة النفرية على علو الحقيقة الصوفية‬
‫ِّ‬
‫مقارنة بالحقيقة الظاهرة‪ .‬وبالتالي‪ ،‬فلغة الصمت أفصح بكثير من لغة‬
‫النطق‪.‬‬
‫‪/21‬آلي ــة التوسي ــع‪:‬‬
‫تتميز العبارات‪ ،‬في الكتابة الشذرية عند النفري‪ ،‬بتوسيع مفهومها لتخرج من‬
‫نطاقها اللغوي واالصطالحي والتعييني إلى رحاب التضمين والدالالت‬
‫املوسعة‪.‬وبالتالي‪ ،‬التتخذ املفاهيم واملصطلحات في الشذرات الصوفية لدى‬
‫النفري دالالتها الحرفية والقاموسية واملعجمية والتخصصية؛ بل تصبح ذات‬
‫دالالت ذوقية وجدانية مرتبطة بتجربة السالك أو العارف ‪.‬‬
‫وإذا أخذنا كلمة (البحر)‪ ،‬على سبيل التمثيل‪ ،‬في موقف (البحر)‪ ،‬فدالالت‬
‫الكلمة غير حسية ‪ ،‬وال تعني البحر املادي؛ بل له دالالت صوفية لدنية‬
‫وحدسية ؛ ألنها تشير إلى عوالم املقامات واألحوال واألسفار الصوفية ‪:‬‬
‫" أوقفني في البحر فرأيت املراكب تغرق واأللواح تسلم‪ ،‬ثم غرقت األلواح‪،‬‬
‫وقال لي ال يسلم من ركب‪.‬‬
‫وقال لي خاطر من ألق نفسه ولم يركب‪.‬‬
‫وقال لي هلك من ركب وما خاطر‪.‬‬
‫وقال لي في املخاطرة جزء من النجاة‪ ،‬وجاء املوج ورفع ما تحته وساح على‬
‫الساحل‪.‬‬
‫وقال لي ظاهر البحر ضوء ال يبلغ‪ ،‬وقعرة ظلمه ال تمكن‪ ،‬وبينهما حيتان ال‬
‫تستأمن‪.‬‬
‫وقال لي ال تركب البحر فأحجبك باآللة‪ ،‬وال تلق نفسك فيه فأحجبك به‪.‬‬
‫وقال لي في البحر حدود أيها يقلك‪.‬‬
‫وقال لي إذا وهبت نفسك للبحر فغرقت فيه كنت كدابة من دوابه‪.‬‬
‫وقال لي غششتك إن دللتك على سواي‪.‬‬

‫‪53‬‬
‫وقال لي إن هلكت في سواي كنت ملا هلكت فيه‪.‬‬
‫وقال لي الدنيا ملن صرفته عنها وصرفتها عنه‪ ،‬واآلخرة ملن أقبلت بها إليه‬
‫وأقبلت به علي‪53".‬‬

‫وهكذا‪ ،‬تتميز الكتابة الشذرية عند النفري بخاصية التوسيع من جهة‪،‬‬


‫واالنزياح عن الدالالت الظاهرة لتسبح في دالالت جوانية وروحانية عميقة من‬
‫جهة أخرى‪.‬‬
‫‪ /22‬آليـ ــة الحج ــاج‪:‬‬
‫تحمل الكتابة الشذرية ‪ ،‬في بواطنها ومضمراتها‪ ،‬بنية حجاجية لغوية‬
‫واستداللية وتداولية بامتياز‪ ،‬والغرض منها التبليغ واإلقناع من ناحية‪،‬‬
‫والدفاع عن وجهة نظر مسلكية ذوقية ووجدانية من ناحية أخرى‪ ،‬مقابل‬
‫مسلك ظاهري يعتمد على النص‪ ،‬والعلم‪ ،‬والنطق‪ .‬ويتجلى هذا واضحا في‬
‫شذرة (البرهان) التي قال فيها النفري‪:‬‬
‫" البرهان إيضاح وجوب الحجة وتثبيتها‪ ،‬واالستدالل على ذلك بما ال يعرض‬
‫عليه كسر الحجة من وجه‪ ،‬فإيجاب الحجة وتثبيتها يستمدان من العلم‪،‬‬
‫والبرهان على ذلك يستمد من املعرفة‪ ،‬وآية وذلك أن البرهان ال تنحصر‬
‫داللته‪ ،‬فإن انحصرت فليس ببرهان‪ ،‬وهذه آيته‪ ،‬وإيجاب الحجى ينتهي إلى‬
‫مقر من العلم ليس له خروج عنه‪ ،‬فإن خرج فارق العلم‪ ،‬وإن فارق العلم‬
‫فارق اإليجاب‪54".‬‬

‫يشير النفري إلى نوعين من الحجاج‪ :‬حجاج العلم وحجاج املعرفة‪ ،‬فاألول‬
‫مرتبط بالظاهر‪ ،‬والثاني مقترن بالتصوف والتجربة الذوقية‪ .‬ويعني هذا أن‬
‫العلم الظاهر اليهمه من الحجاج سوى تثبيت الحجة‪ ،‬والتيقن منها عقليا‪ .‬في‬
‫حين‪ ،‬يكون االستدالل على صدق الحجة والتيقن من صحتها بالبرهان‪ ،‬وال‬

‫‪ - 53‬النفري‪ :‬نفسه‪ ،‬ص‪.29:‬‬


‫‪ - 54‬نفسه‪ ،‬ص‪.35-33:‬‬
‫‪54‬‬
‫يتحقق البرهان إال باملعرفة الذوقية‪ .‬أي‪ :‬إن البرهان اللدني أفضل بكثير من‬
‫االستدالل الصوفي العقلي‪ .‬فالبرهان ال تنتهي دالالته وال تنحصر‪ .‬بينما‬
‫االستدالل العقلي محدود في دالالته ومقاييسه‪ .‬ويعني هذا أن هناك نوعين‬
‫من الحجاج‪ :‬حجاجا عقالنيا منطقيا ظاهريا‪ ،‬وحجاجا ذوقيا كشفيا باطنيا‪.‬‬
‫وتنبني شذرات النفري على مجموعة من املقومات الحجاجية‪ ،‬مثل‪ :‬اإلثبات‪،‬‬
‫والنفي‪ ،‬والشرط‪ ،‬والوصل‪ ،‬واالستدراك‪ ،‬والتضاد‪ ،‬والتقابل‪ ،‬واملماثلة‪،‬‬
‫واالختالف‪ ،‬والبرهنة‪ ،‬واالستدالل‪ ...‬كما في املخاطبة األربعين التي نصها‪:‬‬
‫" يا عبد استعن بي تر فقر كل ش يء‪.‬‬
‫يا عبد من استغنى بش يء سواي افتقر بما استغنى به‪.‬‬
‫يا عبد سواي ال يدوم فكيف يدوم به غنى‪.‬‬
‫يا عبد إن أحببت أن تكون عبدي ال عبد سواي فاستعذ بي من سواي وإن‬
‫أتاك برضاي‪.‬‬
‫يا عبد رضاي يحمل رضاي سكن لقلوب العارفين‪ ،‬سواي يحمل رضاي فتنة‬
‫لعقول اآلخذين‪.‬‬
‫يا عبد رضاي وصفي وسواي ال وصفي فكيف يحمل وصفي ال وصفي‪.‬‬
‫يا عبد أنا القيوم بكل ما علم وجهل على ما افترقت به أعيانه واختلفت به‬
‫أوصافه‪.‬‬
‫يا عبد استعذ بي مما تعلم تستعذ بي منك واستعذ بي مما ال تعلم تستعذ بي‬
‫مني‪.‬‬
‫يا عبد أين ضعفك في القوة وأين فقرك في الغنى وأين فناؤك في البقاء وأين‬
‫زوالك في الدوام‪55".‬‬

‫تستند هذه املخاطبة إلى مجموعة من الشذرات الحجاجية الذوقية التي‬


‫تختلف فيما بينها على مستوى طرائق البرهنة‪ ،‬واالستدالل‪ ،‬والقياس‪ .‬فهناك‬

‫‪ - 55‬نفسه‪ ،‬ص‪.254:‬‬
‫‪55‬‬
‫حجاج الشرط (يا عبد من استغنى بش يء سواي افتقر بما استغنى به)‪،‬‬
‫وحجاج اإلثبات (يا عبد أنا القيوم بكل ما علم وجهل على ما افترقت به أعيانه‬
‫واختلفت به أوصافه)‪ ،‬وحجاج النفي (يا عبد سواي ال يدوم فكيف يدوم به‬
‫غنى)‪ ،‬وحجاج اإلقناع والتوجيه (يا عبد استعن بي تر فقر كل ش يء)‪ ،‬وحجاج‬
‫املخالفة (يا عبد رضاي يحمل رضاي سكن لقلوب العارفين‪ ،‬سواي يحمل‬
‫رضاي فتنة لعقول اآلخذين)‪ ،‬وحجاج البرهنة واالستدالل االفتراض ي(يا عبد‬
‫رضاي وصفي وسواي ال وصفي فكيف يحمل وصفي ال وصفي)‪...‬‬
‫‪ /23‬آلي ــة التأوي ــل‪:‬‬
‫بما أن الشذرات الصوفية عند النفري غامضة ومعقدة ‪ ،‬فهي تتطلب قارئا أو‬
‫متلقيا عارفا بخصوصيات التجربة الصوفية‪ ،‬أو تتطلب متخصصا يفهم‬
‫جيدا آليات املمارسة الذوقية ‪ .‬ومن ثم‪ ،‬التقدم " الكتابة الصوفية ذاتها ألي‬
‫قارئ كان‪ ،‬بل تستوجب قارئا خاصا هو الذي يجعل من القارئ تجربة حية‬
‫ومؤثرة مثل تجربة الكتابة‪ :‬أن نقرأها‪ ،‬يعني أن نجدد تساؤلها األصلي حول‬
‫اللغة والتأويل وحول اإليديولوجيا االجتماعية من جهة‪ ،‬وأن نجعل القراءة‬
‫فعال للحب واالفتتان بالجمال‪ ،‬وفعال لتعميق الوعي باالغتراب والنزوع نحو‬
‫اكتشاف العمق البدائي الذي ينتزعه من الرتابة والتكرار اليومي‪.‬أي‪ :‬حركة‬
‫للبحث عن املجهول‪ ،‬عن الغريب‪ ،‬عن الالمعرف‪.56"..‬‬
‫وإذا أخذنا‪ ،‬على سبيل املثال‪ ،‬شذرة (الوحدانية في األشياء)‪ ،‬فهي تستلزم‬
‫قارئا متخصصا ومتمكنا في علم التصوف‪ ،‬وتستوجب عارفا سالكا متيقنا له‬
‫من التجارب العرفانية الكثير فالكثير لكي يفهم دالالت املقامات واألحوال‬
‫والتجارب الذوقية واملسلكية من أجل شرحها وتأويلها واستيعاب دالالتها‬
‫اللدنية‪:‬‬

‫‪ - 56‬منصف عبد الحق‪ :‬الكتابة والتجربة الصوفية‪ ،‬منشورات عكاظ‪ ،‬الرباط‪ ،‬املغرب‪ ،‬الطبعة‬
‫الثانية ‪2282‬م‪ ،‬ص‪.88 :‬‬
‫‪56‬‬
‫" نسب األشياء كلها واحد‪ ،‬وهو االختراع‪ ،‬ووصفها كلها واحد ‪ ،‬وهو التقليب‬
‫واإلبادة‪.‬‬
‫وهيأتها كلها واحدة‪ ،‬وهي الحد‪ ،‬وداللتها كلها واحدة‪ ،‬وهي القدرة‪،‬‬
‫ومعناها كلها واحد‪ ،‬وهو االختيار ‪ ،‬ومعارفها كلها واحدة ‪ ،‬وهي اإلقرار‪،‬‬
‫وإقرارها كلها واحد ‪ ،‬وهو الجهل‪ ،‬وائتالفها كلها واحد ‪ ،‬وهو الرفق ‪ ،‬واختالفها‬
‫كلها واحد ‪ ،‬وهو الفرق ‪ ،‬ووزنها كلها واحد وهو الحصر‪ ،‬وأعيانها كلها واحدة ‪،‬‬
‫ً‬
‫وهي الوجود‪ ،‬فال يزال وجود يحطم وجودا حتى ال يبق وجود‪ ،‬وتراجمها كلها‬
‫واحدة ‪ ،‬وهي اإلبانة ‪ ،‬وسكونها كلها واحد ‪ ،‬وهو الترتيب‪ ،‬وحركتها كلها واحدة ‪،‬‬
‫وهي التركيب‪ ،‬وأحكامها كلها واحدة ‪ ،‬وهي املشيئة‪ ،‬وأفعالها كلها واحدة ‪ ،‬وهي‬
‫املراد ‪ ،‬ومبلغها كلها واحد ‪ ،‬وهو العجز ‪ ،‬ومحلها كلها واحد ‪ ،‬وهو املكان ‪،‬‬
‫وقوتها كلها واحدة ‪ ،‬وهي التسخير‪ ،‬وضعفها كلها واحد‪ ،‬وهو الحدث‪ ،‬ولبستها‬
‫كلها واحدة ‪ ،‬وهي الضعف‪ ،‬ونطقها كلها واحد ‪ ،‬وهو الحرف‪ ،‬وصمتها كلها‬
‫واحد ‪ ،‬وهو اإللزام "‪.57‬‬
‫وعليه‪ ،‬يبدو أن شذرات النفري العرفانية والحدسية عبارة عن نصوص‬
‫مفتوحة حبلى بالدالالت والتأويالت املتعددة التي تختلف من قارئ إلى آخر‪،‬‬
‫ومن سالك إلى آخر‪ ،‬حسب طبيعة املعرفة الخلفية لدى كل واحد‪ .‬ومن ثم‪،‬‬
‫يتطلب تقطع النصوص وتحولها إلى شذرات مؤوال عارفا بالتجربة الذوقية‬
‫ليعيد بناء انسجامها الداللي من جديد‪.‬‬
‫وهكذا‪ " ،‬التغدو مصاحبة خطاب النفري ممكنة إال بالتأويل وفيه‪ ،‬من غير‬
‫ادعاء بناء تماسك ما‪ .‬فاإلقرار بهذا التماسك يخون املقروء وينس ى احتفاءه‬
‫بالتقطع‪ ،‬إال إذا تمت إعادة بناء مفهوم التماسك في ضوء التقطع الذي يهب‬
‫الخيبة داللة من خارج السائد‪ .‬ثمة‪ ،‬في خطاب النفري‪ ،‬غموض يجدد نفسه‬
‫ويعلم القراءة اإلقامة فيه‪ ،‬ال بغاية استجالئه وإنما بغاية مساءلة القراءة‬

‫‪ - 57‬النفري‪ :‬نفسه‪ ،‬ص‪.31:‬‬


‫‪57‬‬
‫لذاتها ولذاكرتها‪ .‬كما يعلمها عد الخيبة المنطقية كتابية وحسب‪ ،‬بل أيضا‬
‫رهانا قرائيا يمنع املقاربة من االنغالق‪58".‬‬

‫وعليه‪ ،‬تتميز الكتابة الشذرية عند النفري بخاصية الغموض التي تستلزم‬
‫قارئا ضمنيا عارفا أو مؤوال متخصصا يقارب التجربة من داخلها فناء‪،‬‬
‫ومشاهدة‪ ،‬وكشفا‪ ،‬وحبا‪ ،‬وعشقا‪.‬‬
‫‪ /24‬آلي ــة التولي ــد‪:‬‬
‫تعتمد بعض الشذرات عند النفري على آلية التوليد اللغوي‪ .‬بمعنى أن املبتدأ‬
‫يتولد عنه الخبر ‪ ،‬ويتحول الخبر إلى مبتدإ‪ ،‬وهكذا‪ ،‬دواليك‪ ،‬وهذا إن دل على‬
‫ش يء‪ ،‬فإنما يدل على صيرورة التجربة وتناسلها التوليدي‪ ،‬وتغير األحوال‬
‫واملقامات الوجدانية من موقف إلى آخر كما في شذرة (زيادة)‪:‬‬
‫" الناس أشتات‪ ،‬والدهر ميقات‪ ،‬وامليقات عادات‪ ،‬والعادات زالت‪ ،‬والزالت‬
‫حجب‪ ،‬والحجب حدود‪ ،‬ولكل حد باب‪ ،‬ولكل باب طريق‪ ،‬ولكل طريق نفاذ‪،‬‬
‫ولكل نفاذ وصول‪ ،‬ولكل وصول علم‪ ،‬من انتهى إليه لم يجهل‪"59.‬‬
‫تشير هذه الشذرة إلى طرائق الوصول إلى الحق‪ ،‬وتبين مجمل الكيفيات التي‬
‫تكتسب بها املعرفة التي التتحقق إال بإزالة الحجب‪ ،‬وتجاوز العادات‪ ،‬والبحث‬
‫عن مسلك العلم اللدني الحقيقي‪.‬‬
‫وتعد هذه الظاهرة التوليدية القائمة على تحصيل السؤال من الجواب‪ ،‬أو‬
‫إتباع اللفظة باللفظة‪ ،‬أو توظيف مقياس االشتقاق والتشاكل والجناس‬
‫والتكرار‪ ،‬دليال قاطعا على ضيق اللغة واتساع الرؤية ‪.‬وفي هذا الصدد‪ ،‬يقول‬
‫عبد السالم الغرميني‪:‬‬
‫" يدعي املتصوفة مند القديم بأن التجربة الروحية التي يحيونها ال تتسع لها‬
‫األلفاظ اللغوية املتواضع عليها للداللة على حقائق مادية قبل كل ش يء‪ .‬ومن‬

‫‪ - 58‬خالد بلقاسم‪ :‬نفسه‪ ،‬ص‪.295:‬‬


‫‪ - 59‬النفري‪ :‬نفسه‪ ،‬املرجع املذكور سابقا‪ ،‬ص‪.32 :‬‬
‫‪58‬‬
‫ثم فهم يشتكون دائما من ضيق العبارة‪ .‬وكلما ازدادت التجربة لديهم عمقا‬
‫ازدادت شفافية ورقة وتمنعا عن أن تسجن في القوالب اللغوية‪ .‬ومن األمثال‬
‫السائرة منذ فجر التصوف قولهم" كلما اتسعت الرؤية ضاقت العبارة" ‪...‬‬
‫ولكن الصوفية لم يستعملوا فقط اللغة املتداولة عند جميع الناس وحملوها‬
‫مدلوالت مغايرة‪ .‬وإنما أيضا ابتدعوا مصطلحات خاصة وولدوا كلمات جديدة‬
‫إن لم تكن وافية بأداء تجربتهم فهي أرقى من غيرها في تلك املهمة‪60".‬‬

‫وهكذا‪ ،‬يتبين لنا أن الكتابة الشذرية تتميز عند النفري بخاصية التوليد قلبا‪،‬‬
‫ومعاكسة‪ ،‬واشتقاقا‪ ،‬و تكرارا ‪ ،‬و تجنيسا‪ ،‬و إتباعا‪...‬‬
‫‪ /25‬آلي ــة التدل ــيل‪:‬‬
‫لقد تناول النفري في شذراته مجموعة من التيمات واملواضيع التي كانت تؤرق‬
‫املتصوفة بصفة عامة‪ ،‬والنفري بصفة خاصة‪ ،‬مثل‪ :‬املناجيات‪ ،‬والدعوات‪،‬‬
‫والخواطر‪ ،‬واملواقف‪ ،‬واملخاطبات‪ ،‬واإللهيات‪ ،‬والحقيقة‪ ،‬والظاهر والباطن‪،‬‬
‫والعلم واملعرفة‪ ،‬واملقامات واألحوال‪ ،‬والعبادة والخلوة‪ ،‬والتجربة والتأويل‪،‬‬
‫والحب اإللهي‪ ،‬والصمت والنطق‪ ،‬والقول والكتابة‪ ،‬والقرب والبعد‪ ،‬والرؤية‬
‫والعبارة‪ ،‬والكثرة والوحدة‪ ،‬والوالية ‪ ،‬والعبودية‪ ،‬والكشف‪ ،‬والوقفة ‪ ...‬كما‬
‫يبدو ذلك جليا في هذه الشذرة التي عنوانها(من من ى الكريم وفضله)‪:‬‬
‫" املحادثة لسان من ألسن املعرفة‪ ،‬واملعرفة نور من أنوار اإلشهاد‪ ،‬واإلشهاد‬
‫علم من أعالم التثبيت‪ ،‬والتثبيت مقام من مقامات الوالية‪ ،‬والوالية مقام من‬
‫مقامات االصطفاء‪ ،‬والكشف مقام من مقامات االئتمان‪ ،‬واالئتمان مقام من‬
‫مقامات الكشف‪ ،‬والكشف مقام من مقامات الخلة‪ ،‬والخلة مقام من‬
‫مقامات املحبة‪.‬‬

‫‪ - 60‬عبد السالم الغرميني‪ :‬الصوفي واآلخر‪ ،‬شركة النشر والتوزيع‪ -‬املدارس‪ ،‬الدار البيضاء‪،‬‬
‫املغرب‪ ،‬الطبعة األولى سنة ‪2222‬من ص‪.34-32:‬‬
‫‪59‬‬
‫واملحبة مقام المن مقام‪ ،‬وهو مقام سيدنا‪ -‬صلعم‪ ، -‬وملقام املحبة مواقف‪،‬‬
‫أولها املطلع‪ ،‬وللمطلع مواقف‪ ،‬وأولها القطع‪ ،‬وللقطع مواقف‪ ،‬أولها‬
‫السكون‪"61.‬‬
‫تلخص لنا هذه الشذرة مجموعة من املواضيع التي ركز عليها النفري‪ ،‬مثل‪:‬‬
‫العلم واملعرفة‪ ،‬والنطق والصمت‪ ،‬والوالية‪ ،‬والحقيقة الربانية النورانية‪،‬‬
‫واملقامات واألحوال‪ ،‬والحقيقة املحمدية‪ ،‬والكشف‪ ،‬واإلشهاد‪ ،‬والتثبيت‪،‬‬
‫واالصطفاء‪ ،‬والخلوة‪ ،‬والعبادة‪ ،‬واألمان‪ ،‬واملحبة‪ ،‬واملواقف‪ ،‬والقطع‪...‬‬
‫ومن جهة أخرى‪ ،‬نجد شذرات مستقلة بموضوع خاص‪ ،‬وشذرات ذات‬
‫مواضيع أو عناوين داللية موحدة‪ .‬ثم‪ ،‬تنقسم ‪ ،‬بدورها‪ ،‬إلى مواضيع فرعية‬
‫صغرى‪ ،‬كما يتبين ذلك واضحا في املخاطبات واملواقف خصوصا‪.‬‬
‫‪ /26‬آلي ــة التضميــن‪:‬‬
‫تحمل شذرات النفري‪ ،‬في طياتها‪ ،‬إحاالت معرفية خلفية تندرج ضمن ما‬
‫يسمى باالقتباس‪ ،‬أو التضمين‪ ،‬أو االستشهاد‪ ،‬أو التناص‪ .‬وال يقتصر‬
‫التضمين على املصطلحات الصوفية املتكررة لدى املتصوفة بعامة ‪ ،‬وإن‬
‫اختلفت دالالتها الرمزية من صوفي إلى آخر حسب السياق؛ بل ثمة تضمينات‬
‫معرفية‪ ،‬ودينية‪ ،‬وتاريخية ‪ ،‬كما يظهر ذلك جليا في هذه الشذرة التي تحيل‬
‫على السامري الذي زين العجل في عهد موس ى عليه السالم‪ ،‬وحاله بالزينة‬
‫ليجعله وثنا ألوهيا للعبادة والتبرك والوصال‪:‬‬
‫"العادة سامري املعتاد‪ .‬فالعجل من أي حاله؟ ربع الجدار من أي أوصاف‬
‫الجدار؟ ولم تنقلب عادات الضيف إذا أضيف؟ وإذا صحب السائر وحد‬
‫املقيم فعلى م يدليه؟"‪.62‬‬

‫‪ - 61‬النفري‪ :‬نفسه‪ ،‬ص‪.39:‬‬


‫‪ - 62‬نفسه‪ ،‬ص‪.49:‬‬
‫‪60‬‬
‫ويتجلى التضمين باالقتباس الديني واضحا في املخاطبة السابعة(كشجرة‬
‫طيبة أصلها ثابت وفرعها في السماء)‪:‬‬
‫" يا عبد همك املحزون علي " بسم ى الرحمن الرحيم كشجرة طيبة أصلها‬
‫ثابت وفرعها في السماء صدق ى العظيم‪.‬‬
‫يا عبد ما كنت تعلم علم همك املحزون علي هو تحت كاف التشبيه كالشعاع‬
‫تحت السحاب‪.‬‬
‫يا عبد قل لبيك رب كل حال‪.‬‬
‫يا عبد الحزن علي حقيقة الحزن‪.‬‬
‫يا عبد أنا عند الحزين وإن أعرض عني‪.‬‬
‫يا عبد كيف يحزن علي من لم يرني أم كيف ال يحزن على من رآني‪.‬‬
‫ً‬
‫يا عبد قل لبيك رب أكتبك مجيبا من وجه‪.‬‬
‫ً‬ ‫ً‬ ‫ً‬
‫يا عبد إن كتبتك مجيبا من وجه كتبتك مجيبا من كل وجه وإن كتبتك مجيبا‬
‫ً‬
‫من كل وجه جعلت لك بين يدي موقفا وجعلت كل ش يء وراء ظهرك‪.‬‬
‫يا عبد إذا وقفت بين يدي فوار عني كل ش يء حتى همك املحزون علي‪.‬‬
‫يا عبد جزاء املحتمل في أن ال أغيب عنه أين حل‪.‬‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫يا عبد اجعل لي من بيتك وطنا كما جعلت لذكرى من قلبك وطنا‪.‬‬
‫يا عبد شكرني همك املحزون عن كل ش يء إثباتي الحزن فيه على من يشكره‬
‫عنه‪.‬‬
‫يا عبد ش يء كان وش يء يكون وش يء ال يكون‪ ،‬فش يء كان حبي لك وش يء يكون‬
‫ً‬
‫تراني وش يء ال يكون ال تعرفني معرفة أبدا‪.‬‬
‫يا عبد الهم املحزون كاملعول في الجدار املائل‪.‬‬
‫يا عبد لكل ش يء قلب وقلب القلب همه املحزون‪.‬‬
‫يا عبد القلب ينقلب قلب القلب ال ينقلب‪.‬‬
‫يا عبد املتقلب يصلح على كل ش يء‪ ،‬ما ال ينقلب ال يصلح على ش يء‪.‬‬

‫‪61‬‬
‫يا عبد وار جسمك أوار قلبك‪ ،‬وار قلبك أوار همك‪ ،‬وار همك تراني‪.‬‬
‫ً‬
‫يا عبد هذا ما عهد ربك إلى الضعيف أتخذ عهدا بالخلوة أنصرك وإال فال‪.‬‬
‫يا عبد ما لم ترني فالبالء يسير أو كاد أن ال بالء إنما هي أعواض تقلبك على‬
‫ً‬
‫أعواض‪ ،‬فإن رأيتني طالبتك بأن ال تغيب عني فلم تجد عني عوضا وال علي‬
‫ً‬
‫صبرا وكانت الغيبة حديثك وقلت لك عهدت إليك في رؤيتي أن ال أقبلك في‬
‫غيبتي ولو جئت برؤيتي‪"63.‬‬
‫ويتضح لنا ‪،‬من هذا كله‪ ،‬أن الكتابة الشذرية عند النفري غنية باملعرفة‬
‫الخلفية القائمة على التناص‪ ،‬والتضمين‪ ،‬واالقتباس‪ ،‬واالستشهاد ‪.‬‬
‫‪ /27‬آلي ـ ــة التأجي ــل‪:‬‬
‫بما أن الشذرة النفرية قائمة على التقطع واالنفالت‪ ،‬فمن الصعب أن يكتمل‬
‫املعنى وينتهي عند مقطع محدد أو شذرة معينة‪ .‬دائما هناك تأجيل للمعنى‬
‫النهائي‪ .‬هناك دائما تراكم للمعاني وتراكب لها‪ .‬بمعنى أن املعنى ال يتوقف عند‬
‫شذرة معينة‪ ،‬بل ينفلت عبر الشذرات املتقطعة لينصهر في الكل‪ ،‬أو قد ال‬
‫ينصهر إطالقا‪ .‬ومن ثم‪ ،‬ينبغي " لنا أن نستنتج أن خطاب النفري ينتسب‪،‬‬
‫تجربة وشكال‪ ،‬إلى كتابة املنفلت‪ .‬كتابة تخلت لديه عن التتابع والتنامي‬
‫والتسلسل‪ ،‬ألن هويتها التنفصل عن التقطع بوصفه خيبة‪ ،‬وبوصفه أيضا‬
‫ممكن املعنى‪ .‬املعنى‪ ،‬في التقطع وبه‪ ،‬اليكتمل‪ .‬يظل دوما مؤجال‪ ،‬استجابة ملا‬
‫يمليه املنفلت‪ .‬ذلك أن املعنى يحتفظ‪ ،‬في التقطع‪ ،‬للمنفلت بانفالته ويؤمن‬
‫للخيبة حصتها في بناء هوية الفعل الكتابي‪ .‬ال تماسك في الكتابة إال بالتقطع‪.‬‬
‫ما يهدد الكتابة املتواصلة في تماسكها هو عين ما يبنى تماسك كتابة النفري‪.‬‬
‫تماسك من داخل ال تقطع وبالتقطع‪.‬وهو ما يقلب مفهوم التماسك نفسه‪،‬‬
‫ويمنع من حصر تحققه في احتمال واحد‪ ،‬ليتسنى أن ينبني من خارج التتابع‬

‫‪ - 63‬نفسه‪،‬ص‪.226-225:‬‬
‫‪62‬‬
‫والتنامي والتسلسل‪ .‬فالحقيقة التي تبتغيها كتابة النفري تتمنع على هذه‬
‫اآلليات‪ ،‬ألن التتابع اليستجيب‪ ،‬بتسلسله وتناميه‪ ،‬لالنفالت‪64".‬‬

‫ويضيف الباحث قائال‪:‬‬


‫" التتابع حجاب‪ ،‬خالفا للتقطع الذي‪ ،‬وإن لم يتخلص تماما من الحجاب‪،‬‬
‫يمنع املعنى من االمتالء واالنغالق‪ .‬فكل امتالء إال ويتعارض مع االنفالت‪.‬من‬
‫ثم يمكن عد التقطع‪ ،‬عند النفري‪ ،‬الشكل خطاب فقط‪ ،‬وإنما‪ ،‬أبعد من‬
‫ذلك‪ ،‬شكل معنى‪ .‬املعنى متقطع ال بوصفه كال قابال للجمع‪ ،‬بل بوصفه متمنع‬
‫االكتمال النفالته‪.‬تقطع املعنى مصير كتابة ترصد التملص واالنفالت‪.‬ليس‬
‫ثمة أجزاء محكومة بالتنامي في كتابة النفري‪ .‬األجزاء فيها التفض ي إلى كل‬
‫متماسك بالتنامي‪ ،‬ألن تجاورها ينتظم وفق التقطع ال التسلسل‪ .‬تماسك‬
‫التقطع‪ ،‬أي التماسك القائم على الصمت ال التتابع‪ ،‬هو ما يستجيب‬
‫لالنفالت‪ ،‬ويستجيب أيضا الستيعاب ماله وضعية التناقض‪65".‬‬

‫وإذا أولنا هذا التقطع‪ ،‬فإنه يعبر ‪ -‬سوسيولوجيا‪ -‬عن تفكك الدولة العباسية‬
‫التي عاش في ظلها النفري في القرنين الثالث والرابع الهجريين‪ ،‬فقد تفككت إلى‬
‫إمارات ودويالت وممالك صغيرة متعددة‪ ،‬تتصارع فيما بينها حول السلطة‬
‫والنفوذ والجاه؛ مما جعلها عرضة للخوف الشديد‪ ،‬وغزو األعداء‪ ،‬وعدم‬
‫االستقرار‪ .‬ومن ثم‪ ،‬ال يستطيع النفري أن يعبر عن غرابة الواقع بخطاب‬
‫جامع متسلسل واضح‪ .‬وبذلك‪ ،‬يكون قد مهد لخطاب غير معقول وسريالي‬
‫وثوري‪ ،‬يخرق فيه مبادئ العقل واملنطق‪ ،‬ويتمرد عن الواقع املنهار‪.‬‬
‫ً‬
‫ويعني التقطع ‪-‬إذا‪ -‬سالحا قاطعا وصارما وحادا في نصله‪ ،‬يتخذه النفري‬
‫ملواجهة الواقع املوبوء واملنحط تعبيرا عن موقفه الذي يستنكر فيه غرابة‬

‫‪ - 64‬خالد بلقاسم‪ :‬نفسه‪ ،‬ص‪.292:‬‬


‫‪ - 65‬نفسه‪ ،‬ص‪.292:‬‬
‫‪63‬‬
‫الواقع وتالشيه وانقراضه املادي‪ ،‬واملعنوي‪ ،‬والرمزي؛ واندثاره فكريا‪،‬‬
‫وثقافيا‪ ،‬ومجتمعيا ‪ ،‬وسياسيا‪.‬‬
‫‪ /28‬آلي ــة التفجي ــر‪:‬‬
‫لقد فجر النفري اللغة من الداخل ليكسبها دالالت مجازية ورمزية وسيميائية‬
‫ثرية؛ ألن اللغة البشرية عاجزة عن التعبير عما هو لدني وذوقي‪ .‬ويعني هذا أن‬
‫النفري قد ثار على لغة الظاهر والعقل واملنطق والتقريرية واملباشرة‪،‬‬
‫فاستبدلها بلغة االنزياح والغموض واملجاز والذوق واملجهول‪ .‬وبذلك‪ ،‬تتخذ‬
‫اللغة عند النفري دالالت تضمينية متنوعة حسب سياق الشذرة‪ ،‬أو الوقفة‪،‬‬
‫أو الدعاء‪ ،‬أو املناجاة‪ ،‬أو الحكمة‪ ،‬أو املخاطبة‪.‬‬
‫أي‪ :‬تتجاوز اللغة لدى النفري الظاهر نحو الباطن‪ ،‬وتتخط حجاب العقل‬
‫واملمكن نحو عالم املمكن واملحتمل واملجهول والغرابة‪ ،‬كما يبدو ذلك واضحا‬
‫في هذه الشذرة التي تتحدث عن عظمة اإللوهية الربانية ‪ ،‬بتوظيف لغة ذات‬
‫دالالت صوفية عرفانية‪:‬‬
‫" قريب فال ينقال قربه‪ ،‬وبعيد فال ينقال بعده‪ ،‬وظاهر فال يدرك ظهوره‪،‬‬
‫وباطن فال يكشف حجابه‪ ،‬بسط السماء بنظره فرفعها‪ ،‬وبسط األرض بقوله‬
‫فسطحها‪ ،‬وأذهب السماوات عن نظره وأذهب األرضين عن قيله‪ ،‬وأثبتهما‬
‫بحكومته‪ ،‬وأوجدهما إتيانا به فقال (ائتيا) ‪ ،‬قالتا‪( :‬أتينا) فيه سمعا‪ ،‬وبه‬
‫قالتا‪ ،‬وبه أتينا‪ ،‬فمشهودهما به في السمع والقول واإلتيان‪ ،‬ومشهود به‪،‬‬
‫محجوب به‪ ،‬فال تشهد إال به‪ ،‬وال تحجب إال به‪ ،‬إذ كل محجوب لسواه باد‬
‫لسواه‪ ،‬وإذ كل مشهود به باد به‪ ،‬وإذ كل باد به موجود به‪ ،‬موقوف به‪ ،‬وإذ كل‬
‫موقوف به معلق به‪66".‬‬

‫واليمكن فهم لغة هذه الشذرة إال في سياق عرفاني صوفي وحدس ي‪ .‬ومن ثم‪،‬‬
‫التحمل كلمات الشذرة الرمزية دالالت ظاهرة ‪ ،‬بل لها دالالت عرفانية‬

‫‪ - 66‬النفري‪ :‬نفسه‪ ،‬ص‪.58:‬‬


‫‪64‬‬
‫عميقة‪ ،‬مثل‪ :‬القرب والبعد‪ ،‬والظاهر والباطن‪ ،‬والكشف والحجاب‪،‬‬
‫واملشهود واملحجوب‪...‬‬
‫ويذهب أدونيس‪ ،‬في كتابه(الصوفية والسريالية)‪ ،‬إلى أن كتابة النفري تتميز‬
‫بكونها" تفجر الفكر فيها إنما هو تفجر لغوي‪.‬فهو‪ ،‬فيما يخرج الفكر من نظام‬
‫القمع‪ ،‬يخرج اللغة أيضا‪ ،‬يحررهما معا من الوظيفية والعقالنية‪ ،‬ويرد لهما‬
‫مهمتهما األساسية‪ ،‬عنيت الكشف عن أعماق الذات وأسرار الوجود‪ .‬ويمتلئ‬
‫هذا التفجر بالتغيرات املفاجئة والتوترات املتضادة‪ ،‬بحيث تبدو كتابته كأنها‬
‫فيض يتحرك على مسرح الذات‪ -،‬يتنقل ‪ ،‬يتبدل‪ ،‬وتتغير أشكاله‪ ،‬خارج كل‬
‫سببية‪ ،‬كما يحدث في الحلم‪ .‬وفي هذا الفيض يبدو اإلنسان قلقا وتعطشا‬
‫وتساؤال؛ ويبدو توقا إلى املوت لحظة يبدو قابضا على الحياة متمسكا بها كمن‬
‫ال يريد أن يموت أبدا‪ .‬وتبدو الكلمات في هذا الفيض كأنها تحاور نفسها فيما‬
‫تحاور العالم‪ ،‬كأن النفري يخيطها‪ ،‬ثم ينسلها خيطا خيطا‪ ،‬ثم يعيد‬
‫نسجها‪.‬كأنه العب بذاته وباللغة وبالوجود في حركة بهية نبيلة‪ ،‬آسرة‪ ،‬لم‬
‫تتحها اللغة الشعرية ألحد قبله‪67".‬‬

‫وعليه‪ ،‬تتميز الكتابة الشذرية عند النفري بخاصية التفجير اللغوي خرقا‪،‬‬
‫وانزياحا‪ ،‬وتفكيكا ‪ ،‬وتوسيعا ‪ ،‬و توليدا ‪...‬‬
‫ثانيا‪ ،‬مميزات الكتابة الشذريــة عند النف ــري‪:‬‬
‫تتميز كتابة النفري‪ ،‬على مستوى التجربة الصوفية العرفانية والحدسية‪،‬‬
‫بطابعها الشذري الذي ينبني على التقطيع والتجزيء والتفض يء البصري‬
‫الصامت‪ .‬ومن ثم‪ ،‬فاملناجيات واملواقف واملخاطبات والشذرات هي وحدات‬
‫تركيبية وداللية وتداولية مستقلة بنفسها‪ ،‬يعقبها الفراغ والصمت والتوقف‬
‫على السواء‪ .‬ومن هنا‪ ،‬فالشذرة هي ضد الخطاب املوصول املتسلسل‬
‫واملتتابع‪ ،‬وتعبير عن التفكك والتصدع والخيبة والتالش ي‪ .‬ومن هنا‪ ،‬فقد‬

‫‪ - 67‬أدونيس‪ :‬نفسه‪ ،‬ص‪.898:‬‬


‫‪65‬‬
‫اعتمد النفري‪ ،‬في بناء شذراته‪ ،‬على مجموعة من اآلليات واملبادئ املنهجية‬
‫التي حصرناها في ‪ :‬التدوين‪ ،‬والتشذير‪ ،‬والتقطيع‪ ،‬والتجنيس‪ ،‬والتفريع‪،‬‬
‫والتكثيف‪ ،‬والتصوير‪ ،‬والتجريد‪ ،‬والتخييل‪ ،‬واملقارنة‪ ،‬واملقابلة‪ ،‬والحجاج‪،‬‬
‫والتفجير‪ ،‬والتأجيل‪ ،‬والتوليد‪ ،‬والتوسيع‪ ،‬والتدليل‪...‬‬
‫بيد أن أهم ميزة تتميز بها كتابة النفري هي تفكيك مؤسسة الظاهر‪ ،‬وتثوير‬
‫اللغة من الداخل تفجيرا وتوليدا وتوسيعا واشتقاقا وتكرارا على حد سواء‪.‬‬
‫وفي هذا اإلطار‪ ،‬يقول خالد بلقاسم‪:‬‬
‫" واجه النفري حدود اللغة والمس أقاصيها‪ .‬وتهيأ له أن يمارس الفعل الكتابي‬
‫باعتباره فعال تنهض هويته على النقص‪ ،‬واالنفالت‪ ،‬والغياب‪ ،‬واإلخفاق‪،‬‬
‫والخيبة‪ ،‬واأللم‪ ،‬والتقطع‪ ،‬والصمت‪ .‬وهي مفهومات تكف عن االحتفاظ‬
‫بمعانيها املألوفة‪ ،‬ملا تشهده‪ ،‬في ممارسة الكتابة‪ ،‬من قلب داللي‪ ،‬ومن تحول في‬
‫حمولتها‪ ،‬مما يهبها ثراء قادما من عمق املناطق التي تحصلت فيها ومنها‪.‬ذلك‬
‫أنها ليست‪ ،‬في حقيقة األمر‪ ،‬مفهومات نظرية مجردة‪ ،‬بقدر ما هي تجارب‬
‫ومدارج ومناطق نائية في بناء املعنى وفي الوعي باللغة وأقاصيها‪ .‬هذه التجارب‬
‫هي التي حرص الخطاب الواصف في الدراسة على التوسل بها‪ ،‬بغاية االقتراب‬
‫من خصائص كتابة تمت على عتبة املستحيل‪ .‬ذلك أنها انشغلت باملطلق‪ ،‬أي‬
‫بما ال يقبل الحصر‪ .‬وهو ما جعل رهانها قائما على املنفلت‪"68.‬‬
‫وأخيرا‪ ،‬تتصف الكتابة الشذرية عند النفري بالسمات واملميزات والخصائص‬
‫التالية‪ :‬خاصية التشذير ‪ ،‬وخاصية تدوين الكتابة في جذاذات متقطعة‪،‬‬
‫وخاصية التفض يء البصري القائم على التفريع ‪ ،‬وخاصية البياض والسواد‪،‬‬
‫وخاصية التوقف واالنفالت‪ .‬عالوة على خاصية التصوير ‪ ،‬وخاصية التخييل‪،‬‬
‫وخاصية التجريد‪ ،‬وخاصية التدليل‪ ،‬واالعتماد على الحجاج واملقارنة‬
‫واملقابلة والتكثيف واملفارقة‪ ،‬وتنويع التجنيس‪ ،‬وتأجيل املعنى‪ ،‬وتفجير اللغة‬

‫‪ - 68‬خالد بلقاسم‪ :‬نفسه‪ ،‬ص‪.422:‬‬


‫‪66‬‬
‫وتوليدها وتوسيعها‪ ،‬وتفكيك مؤسسة الظاهر والناطق‪ ،‬وتثوير العبارة‬
‫انزياحا لتوسيع الرؤية اإلدراكية‪...‬ويتمثل الغرض من ذلك كله في تأسيس‬
‫حداثة ذوقية جديدة سابقة لعصرها‪.‬‬

‫‪67‬‬
‫خاتمة‬

‫وخالصة القول‪ ،‬يتبين لنا ‪ -‬مما سلف ذكره‪ -‬أن الكتابة الشذرية العرفانية هي‬
‫التي تقوم على الفوض ى‪ ،‬والتفكك‪ ،‬وعدم االنتظام واالكتمال واالنتهاء‪ .‬ومن‬
‫ثم‪ ،‬فهي تخلو من التتابع والتسلسل والترابط واالنسجام املنطقي‪ .‬ومن ثم‪،‬‬
‫فالكتابة الشذرية عادة قديمة تعود إلى الفترة اليونانية ‪ ،‬وقد ازدهرت مع‬
‫الطبيب أبقراط ‪ ،‬واملؤرخ تاسيت‪ ،‬وفالسفة الطبيعة‪.‬‬
‫ونجد لها أيضا جذورا في ثقافتنا العربية اإلسالمية مع املتصوفة املسلمين ‪،‬‬
‫مثل‪ :‬ابن العربي‪ ،‬والحالج‪ ،‬والنفري‪ ،‬والبسطامي‪...‬إال أن الشعرية العربية‬
‫القديمة لم تهتم بهذه الكتابة إال تهميشا‪ ،‬وإقصاء‪ ،‬ونفيا‪ .‬باإلضافة إلى موقف‬
‫الفقهاء من التصوف بصفة عامة ‪ ،‬والتصوف الفلسفي بصفة خاصة‪.‬‬
‫وعليه‪ ،‬وظف النفري كتابة شذرية في مناجياته وأدعيته ومواقفه ومخاطباته‪،‬‬
‫معتمدا في ذلك على مجموعة من اآلليات‪ ،‬مثل‪ :‬آلية التدوين‪ ،‬وآلية‬
‫التجنيس‪ ،‬وآلية التقطيع‪ ،‬وآلية التشذير‪ ،‬وآلية التكثيف‪ ،‬وآلية التأجيل‪،‬‬
‫وآلية التجديد‪ ،‬وآلية التفجير‪ ،‬وآلية التجريد‪ ،‬وآلية االنزياح‪ ،‬وآلية املقابلة‪،‬‬
‫وآلية الحجاج‪ ،‬وآلية املقارنة‪ ،‬وآلية التصوير‪ ،‬وآلية التخييل‪ ،‬وآلية التوسيع‪،‬‬
‫وآلية املفارقة‪ ،‬وغيرها من اآلليات اإلجرائية التي تسعف القارئ الضمني في‬
‫مقاربة التجربة الصوفية عند النفري قراءة‪ ،‬وفهما‪ ،‬وتفسيرا ‪ ،‬وتأويال‪،‬‬
‫وعشقا‪...‬‬
‫وعليه‪ ،‬تمتاز الكتابة الشذرية العرفانية عند النفري بمجموعة من السمات‬
‫والخصائص املميزة كالتأرجح بين السرد والحوار واملنولوج واملناجاة‪ ،‬والتراوح‬
‫بين الظاهر والباطن‪ ،‬أو بين الحس ي واملجرد‪ ،‬أو بين البياض والسواد‪ ،‬أو بين‬
‫النطق والصمت‪ ،‬أو بين االتصال واالنفصال‪ ،‬أو بين االبتداء واالنتهاء‪ ،‬أو بين‬
‫االمتالء والفراغ‪ ،‬أو بين الجزء والكل‪ ،‬أو بين الوحدة والتنوع‪ ،‬أو بين الغموض‬

‫‪68‬‬
‫والتأويل‪ ،‬أو بين اإلضاءة والعتمة‪ ،‬أو بين التسلسل والتقطع‪ ،‬أو بين التالحم‬
‫والتجاور‪ ،‬أو بين املوصول واملقطوع‪ ،‬أو بين املحدد واملنفلت‪...‬‬

‫‪69‬‬
‫ثبت املصادرواملراجع‬

‫املصادراإلبداعية‪:‬‬

‫‪ -8‬النفري‪ :‬املو اقف واملخاطبات‪ ،‬تحقيق آرتر آريري‪ ،‬تقديم وتعليق عبد‬
‫القادر محمود‪ ،‬الهيئة املصرية العامة للكتاب‪ ،‬القاهرة‪ ،‬مصر‪ ،‬طبعة‬
‫‪8915‬م‪.‬‬
‫‪ -2‬النفري‪ :‬كتاب النطق والصمت‪ ،‬نصوص صوفية‪ ،‬الشذرات‪ ،‬املناجيات‪،‬‬
‫الديوان‪ ،‬تحقيق‪:‬قاسم عباس‪ ،‬دار أزمنة‪ ،‬عمان‪ ،‬األردن‪ ،‬الطبعة األولى سنة‬
‫‪2222‬م‪.‬‬
‫‪ -4‬النفري‪ :‬ضاقت العبارة‪ ،‬تحقيق وتقديم قاسم محمد عباس‪ ،‬دار املدى‬
‫للثقافة والنشر‪ ،‬دمشق‪ ،‬سورة‪ ،‬الطبعة األولى سنة‪2222‬م‪.‬‬

‫املراجع املكتوبة باللغة العربية‪:‬‬

‫‪ -3‬أحمد الطريبق أحمد‪ ،‬الكتابة الصوفية في أدب التستاوتي‪ ،‬القسم‬


‫األول‪ ،‬منشورات وزارة األوقاف والشؤون اإلسالمية‪ ،‬الرباط‪ ،‬املغرب‪ ،‬الطبعة‬
‫األولى سنة ‪2224‬م‪.‬‬
‫‪ -5‬أحمد الطريس ي أعراب‪ :‬النص الشعري بين الرؤية البيانية والرؤيا‬
‫اإلشارية‪ ،‬دار عالم الكتب للطباعة والنشر والتوزيع‪ ،‬الرياض‪ ،‬اململكة‬
‫العربية السعودية ‪ 8324‬ه ـ‪.‬‬
‫‪ -6‬أدونيس‪ :‬الصوفية والسوريالية‪ ،‬دار الساقي‪ ،‬بيروت ‪ ،‬لبنان‪ ،‬الطبعة‬
‫الرابعة ‪2282‬م‪.‬‬

‫‪70‬‬
‫‪ -2‬جابر عصفور‪ :‬الصورة الفنية في التراث النقدي والبالغي عند العرب‪،‬‬
‫الطبعة الثالثة‪ ،‬املركز الثقافي العربي‪ ،‬بيروت‪.8992 ،‬‬
‫‪ -1‬خالد بلقاسم‪ ،‬الكتابة والتصوف عند ابن عربي‪ ،‬دار توبقال للنشر‪،‬‬
‫الطبعة األولى سنة ‪.2223‬‬
‫‪ -9‬خالد بلقاسم‪ :‬الصوفية والفراغ ‪/‬الكتابة عند النفري‪ ،‬املركز الثقافي‬
‫العربي‪ ،‬الدار البيضاء‪ ،‬املغرب‪ ،‬الطبعة األولى سنة ‪2282‬م‪.‬‬
‫‪ -82‬عبد السالم الغرميني‪ :‬الصوفي واآلخر‪ ،‬شركة النشر والتوزيع‪ -‬املدارس‪،‬‬
‫الدار البيضاء‪ ،‬املغرب‪ ،‬الطبعة األولى سنة ‪2222‬م‪.‬‬
‫‪ -88‬عفيف الدين التلمساني‪ :‬شرح مو اقف النفري‪،‬دراسة وتحقيق جمال‬
‫املرزوقي‪ ،‬تصدير عاطف العراقي‪ ،‬مركز الحروسة‪ ،‬القاهرة‪ ،‬مصر‪ ،‬الطبعة‬
‫األولى سنة ‪8929‬م‪.‬‬
‫‪ -82‬منصف عبد الحق‪ :‬أبعاد التجربة الصوفية‪ ،‬أفريقيا الشرق‪ ،‬الدار‬
‫البيضاء‪ ،‬املغرب‪ ،‬الطبعة األولى سنة ‪2226‬م‪.‬‬
‫‪ -84‬منصف عبد الحق‪ :‬الكتابة والتجربة الصوفية‪ ،‬منشورات عكاظ‪،‬‬
‫الرباط‪ ،‬املغرب‪ ،‬الطبعة الثانية ‪2282‬م‪.‬‬
‫‪ -83‬نور الدين الطريس ي أعراب‪ :‬االستعارة في الخطاب الشعري الصوفي‬
‫املعاصر باملغرب‪ ،‬مطبعة عين برينت‪ ،‬وجدة‪ ،‬املغرب‪ ،‬الطبعة األولى سنة‬
‫‪2282‬م‪.‬‬

‫املقاالت‪:‬‬

‫‪ -85‬خالد بلقاسم‪( :‬مدخل إلى العالقة بين الشعر والتصوف) ‪ ،‬مجلة البيت‪،‬‬
‫املغرب‪ ،‬العدد األول‪ ،‬خريف ‪2222‬م‪.‬‬

‫‪71‬‬
‫السي ــرة العل ــمية‪:‬‬

‫‪ -‬جميل حمداوي من مواليد مدينة الناظور باململكة املغربية سنة ‪8964‬م ‪.‬‬
‫‪ -‬حاصل على دبلوم الدراسات العليا سنة ‪8996‬م في موضوع (العنوان في‬
‫الشعرالعربي الحديث واملعاصرنحو مقاربة سيميائية) بميزة حسن جدا‪.‬‬
‫‪ -‬حاصل على دكتوراه الدولة سنة ‪2228‬م في الرواية ‪ ،‬وكان موضوع األطروحة‬
‫( مقاربة النص املوازي في روايات بنسالم حميش) بميزة حسن جدا‪.‬‬
‫‪ -‬حاصل على إجازتين‪ :‬األولى في األدب العربي‪ ،‬والثانية في الشريعة والقانون‪.‬‬
‫كما تابع دراساته الجامعية في الفلسفة وعلم النفس وعلم االجتماع بكليتي‬
‫اآلداب بفاس وتطوان‪.‬‬
‫‪ -‬دكتور بروفيسور في األدب العربي الحديث واملعاصر‪.‬‬
‫‪ -‬أستاذ التعليم العالي باملركز الجهوي ملهن التربية والتكوين بالناظور‪.‬‬
‫‪ -‬أستاذ التربية الخاصة والعامة ‪ ،‬وأستاذ علم التدريس في اللغة العربية ‪،‬‬
‫وعلوم التربية باملركز الجهوي ملهن التربية والتكوين بالجهة الشرقية‬
‫(وجدة‪/‬املغرب)‪.‬‬

‫‪72‬‬
‫‪ -‬كان سابقا أستاذ األدب الرقمي ومناهج النقد األدبي بماستر الكتابة‬
‫النسائية بكلية اآلداب والعلوم اإلنسانية بتطوان‪.‬‬
‫‪ -‬كان سابقا أستاذ الرواية ومناهج مابعد الحداثة وعلم التحقيق بماستر النثر‬
‫العربي القديم بكلية اآلداب تطوان‪.‬‬
‫‪ -‬كان سابقا أستاذ الصحافة بماستر الترجمة والتواصل والصحافة بمدرسة‬
‫فهد العليا بطنجة (املغرب)‪.‬‬
‫‪ -‬كان سابقا أستاذ مادة حضارات البحر األبيض املتوسط بالكلية املتعددة‬
‫التخصصات بالناظور‪.‬‬
‫‪ -‬أستاذ األدب العربي‪ ،‬والصحافة‪ ،‬ومناهج البحث التربوي‪ ،‬واإلحصاء‬
‫التربوي‪ ،‬وعلوم التربية‪ ،‬والتربية الفنية‪ ،‬والحضارة األمازيغية‪ ،‬وعلم التدريس‬
‫في التعليم األولي‪...‬‬
‫‪ -‬يدرس ‪ -‬اآلن‪ -‬علم النفس التربوي‪ ،‬وعلوم التربية‪ ،‬ومناهج البحث التربوي‪،‬‬
‫وطرائق التدريس‪ ،‬واإلحصاء التربوي‪ ،‬ومناهج البحث التربوي‪.‬‬
‫ّ‬
‫‪ -‬شاعر‪ ،‬وناقد‪ ،‬وباحث‪ ،‬وسيناريست‪ُ ،‬ومحكم‪ ،‬وكاتب مسرحي‪ ،‬وخبير‬
‫تربوي‪ ،‬ومؤطر ومحاضر ثقافي وفني‪ ،‬ومكون تربوي‪ ،‬ومستشار في كثير من‬
‫املجالت العربية والدولية املحكمة وغير املحكمة‪.‬‬
‫‪ -‬مخرج مسرحي‪.‬‬
‫‪ -‬باحث فني وناقد سينمائي وتشكيلي وموسيقي‪.‬‬
‫‪ -‬يعد من املنظرين العرب األوائل للقصة القصيرة جدا‪ ،‬والكتابة الشذرية‪،‬‬
‫والبالغة الرحبة‪ ،‬والصورة السردية‪... ،‬‬
‫‪ -‬ممثل الخبراء في مجال التربية والتعليم‪.‬‬
‫‪ -‬صاحب مقاربات نقدية جديدة عربيا ‪ :‬املقاربة امليكروسردية في دراسة‬
‫القصة القصيرة جدا‪ ،‬واملقاربة الشذرية في دراسة الشذرات‪ ،‬واملقاربة‬
‫امليديولوجية في دراسة األدب الرقمي‪ ،‬واملقاربة الكوسمولوجية في دراسة‬

‫‪73‬‬
‫العوالم املمكنة‪ ،‬واملقاربة الهايكية في دراسة شعر الهايكو‪ ،‬واملقاربة‬
‫املقاصدية في دراسة مقاصد األدب‪ ،‬واملقاربة الفيزيائية في دراسة حركة‬
‫الشعر‪ ،‬والبيداغوجيا اإلبداعية في مجال التربية والتعليم‪ ،‬ومقاربة البالغة‬
‫الرحبة في دراسة الصور السردية‪ ،‬واملقاربة الطوبيقية في دراسة املواضع‬
‫الحجاجية‪ ،‬والتربية الناقدة‪ ،‬واملقاربة املهارية في التربية والتعليم‪...‬‬
‫‪ -‬كتب حوالي ‪ 8282‬كتاب ورقي وإلكتروني‪.‬وبهذا‪ ،‬يكون أكثر إنتاجا في الثقافة‬
‫العربية اإلسالمية‪.‬‬
‫‪ -‬نشر أكثر من ‪ 8422‬مقال علمي محكم وغير محكم في الصحف األجنبية‬
‫والعربية واملغربية‪ ،‬دون أن ننس ى ما نشرناه من مقاالت في مواقع إلكترونية‪،‬‬
‫فهي كثيرة جدا‪.‬‬
‫‪ -‬نشر أكثر من ‪ 52‬كتابا في املجال السياس ي والقانوني ككتاب علم االجتماع‬
‫السياس ي‪ ،‬ومغاربة العالم واملشاركة السياسية‪ ،‬والت ــرب ـيــة والديمقراط ـي ــة‪،‬‬
‫والشباب املغربي واملشاركة السياسية‪ ،‬والشباب العربي واملشاركة السياسية‪،‬‬
‫وكتاب األحزاب السياسية باملغرب‪ ،‬والعنف بين الرفض واملشروعية (مقاربة‬
‫فلسفية)‪ ،‬والتسامح الصوفي والطرقي باملغرب‪ ،‬ومبادىء علم االجتماع‬
‫االقتصادي‪ ،‬وعلم التدبير‪ ،‬ومن اإلدارة البيروقراطية إلى اإلدارة البديلة‪،‬‬
‫ومفهوم اإلدارة التربوية‪ ،‬والعــدوان الكيـماوي عـلى منطقة الـريـف‪ ،‬واملفاهيم‬
‫السوسيولوجية عند بيير بورديو ‪ ،‬واملقاربة الثقافية أساس التنمية البشرية‪،‬‬
‫والنظرية النقدية أو مدرسة فرانكفورت ‪ ،‬وعلم اجتماع البيئة و التنمية‪،‬‬
‫وسوسيولوجيا التطرف ‪ ،‬والجماعات اإلسالمية وسالح التكفير‪ ،‬والسياسات‬
‫العمومية باملغرب‪ ،‬والفضاء الـعــام في ضوء علم االجتماع السياس ي‪ ،‬واملغرب‬
‫وصدمة الحداثة(مقاربة سوسيولوجية)‪ ،‬ومناهج العلوم االجتماعية‬
‫والقانونية‪ ،‬وسيميولوجيا الهجرة املغربية‪ ،‬وحجاج الخطاب السياس ي‪،‬‬
‫والحرب العادلة أو الحرب األخالقية املشروعة في منظور العالقات الدولية‪،‬‬

‫‪74‬‬
‫وهل من مستقبل للحزاب السياسية في الوطن العربي؟ واملقاربة الثقافية‬
‫أساس التنمية والحكامة الجيدة ‪ ،‬وعلم االجتماع اإلداري ‪ ،‬وأثر التقلبات‬
‫السياسية العربية الراهنة في السلوك االجتماعي‪ ،‬ومقاربة سوسيو‪-‬سياسية‪،‬‬
‫وجهود ماكس فيبر في مجال السوسيولوجيا‪ ،‬وسوسيولوجيا النخب(النخبة‬
‫املغربية أنموذجا)‪ ،‬وسوسيولوجيا الثقافة‪ ،‬و هل هناك حرب عادلة؟‪ ،‬إلخ‪...‬‬
‫‪ -‬له موقع إلكتروني مجاني يضم كتبا عديدة موجهة للباحثين والطلبة‬
‫للتحميل بعنوان( موقع الثقافة للجميع)‬
‫‪Hamdaoui.ma‬‬
‫‪ -‬كتب أكثر من ‪822‬كتاب في التربية والتعليم‪.‬‬
‫‪ -‬رئيس مركز جسور للبحث في الثقافة والفنون بالناظور‪/‬املغرب‪.‬‬
‫‪ -‬عضو في االتحاد الدولي للغة العربية رقم العضوية ‪.5994/22‬‬
‫‪ -‬أديب ومبدع وناقد وباحث‪ ،‬يشتغل ضمن رؤية أكاديمية موسوعية‪.‬‬
‫‪ -‬حصل على جائزة مؤسسة املثقف العربي (سيدني‪/‬أستراليا) لعام ‪2288‬م في‬
‫النقد والدراسات األدبية‪.‬‬
‫‪ -‬حصل على جائزة ناجي النعمان األدبية سنة‪2283‬م‪.‬‬
‫‪ -‬رئيس الرابطة العربية للقصة القصيرة جدا‪.‬‬
‫‪ -‬رئيس املهرجان العربي للقصة القصيرة جدا‪.‬‬
‫‪ -‬رئيس الهيئة العربية لنقاد القصة القصيرة جدا‪.‬‬
‫‪ -‬رئيس الهيئة العربية لنقاد الكتابة الشذرية ومبدعيها‪.‬‬
‫‪ -‬رئيس جمعية الجسور للبحث في الثقافة والفنون‪.‬‬
‫‪ -‬رئيس مختبر املسرح األمازيغي‪.‬‬
‫‪ -‬عضو الجمعية العربية لنقاد املسرح‪.‬‬
‫‪-‬عضو رابطة األدب اإلسالمي العاملية‪.‬‬
‫‪ -‬عضو اتحاد كتاب العرب‪.‬‬

‫‪75‬‬
‫‪-‬عضو اتحاد كتاب اإلنترنت العرب‪.‬‬
‫‪-‬عضو اتحاد كتاب املغرب‪.‬‬
‫‪ -‬عضو في الجامعة الدولية لإلبداع والعلوم اإلنسانية والسالم بين الشعوب‪.‬‬
‫‪ -‬خبير في التربية والثقافة األمازيغية‪.‬‬
‫‪ -‬ترجمت مقاالته ودراساته إلى اللغة الفرنسية‪ ،‬واللغة الفارسية‪ ،‬واللغة‬
‫الكردية‪ ،‬والبنغالية‪ ،‬واألندونيسية‪...‬‬
‫‪ -‬شارك في مهرجانات عربية عدة في كل من‪ :‬الجزائر‪ ،‬وتونس‪ ،‬وليبيا‪ ،‬ومصر‪،‬‬
‫واألردن‪ ،‬والسعودية‪ ،‬والبحرين‪ ،‬والعراق‪ ،‬واإلمارات العربية املتحدة‪،‬‬
‫وسلطنة عمان‪...‬‬
‫‪ -‬مستشار في مجموعة من الصحف واملجالت والجرائد والدوريات الوطنية‬
‫والعربية‪.‬‬
‫‪ -‬ألف ( ‪ )8282‬كتاب ورقي وإلكتروني في تخصصات متعددة‪.‬وبهذا‪ ،‬يكون أكثر‬
‫إنتاجا في الثقافة العربية اإلسالمية ‪.‬‬
‫‪ُ -‬منح جميل حمداوي لقب شخصية العام من أفضل مائة شخصية مؤثرة في‬
‫العالم لعام ‪2228‬م من قبل الجامعة الدولية لإلبداع والعلوم اإلنسانية‬
‫والسالم بين الشعوب‪.‬‬
‫‪ -‬نشر الباحث مقاالته في املجالت املغربية ( مجلة ضفاف‪ -‬مجلة املجرة‪-‬‬
‫مجلة فضاءات مغربية‪ -‬مجلة فكر‪ -‬مجلة املقاومة وجيش التحرير املغربي‪-‬‬
‫مجلة فكر ونقد‪ -‬مجلة علوم التربية‪ -‬مجلة آفاق‪ -‬مجلة إيقاظ‪ -‬مجلة الحياة‬
‫املدرسية‪ -‬مجلة الفرقان‪ -‬مجلة رهانات‪ -‬مجلة التذكرة‪ -‬مجلة نغم‪ -‬مجلة‬
‫كتابات‪ -‬مجلة الحياة الفنية‪-‬مجلة أدليس‪-‬مجلة نوافذ‪ -‬مجلة األزمنة‬
‫الحديثة‪-‬مجلة التاريخ العربي‪-‬مجلة امللتق ‪ -‬مجلة طنجة األدبية‪ -‬مجلة‬
‫شؤون إستراتيجية‪ -‬مجلة لكل النساء‪ -‬مجلة اهتمامات تربوية – مجلة دعوة‬

‫‪76‬‬
‫الحق‪ -‬مجلة أمل‪ -‬مجلة رهانات‪ -‬مجلة مدارات التربية والتكوين‪ -‬مجلة اإلدارة‬
‫التربوية‪ -‬مجلة الذاكرة الوطنية‪ -‬ومجلة الغنية‪ ،‬ومجلة الثقافة املغربية‪.)...‬‬
‫‪ -‬نشر في املجالت العربية والخليجية‪ ،‬مثل‪ :‬مجلة الكويت (الكويت)‪ ،‬ومجلة‬
‫عالم الفكر(الكويت)‪ ،‬ومجلة الراوي(السعودية)‪ ،‬ومجلة الفيصل‬
‫(السعودية) ‪ ،‬ومجلة الشؤون التربوية (الكويت)‪ ،‬ومجلة األدب اإلسالمي (‬
‫السعودية) ‪ ،‬ومجلة جريدة الفنون( الكويت) ‪،‬ومجلة عشتروت (سوريا)‪،‬‬
‫ومجلة الكرمل( فلسطين) ‪ ،‬ومجلة املجلة العربية (السعودية)‪ ،‬ومجلة العربي‬
‫(الكويت) ‪،‬ومجلة نزوى (عمان)‪،‬ومجلة البيان (الكويت)‪ ،‬ومجلة الجوبة‬
‫(السعودية)‪ ،‬ومجلة التسامح (سلطنة عمان)‪ ،‬ومجلة الغدير(لبنان)‪ ،‬ومجلة‬
‫الفرقان (األردن)‪ ،‬ومجلة اآلطام (السعودية)‪ ،‬ومجلة شانؤ (كوردستان)‪،‬‬
‫ومجلة (هةنار) كوردستان‪ ،‬ومجلة الدوحة (قطر)‪ ،‬ومجلة حوليات التراث‬
‫(الجزائر)‪ ،‬ومجلة أبعاد (السعودية)‪ ،‬ومجلة اإلشراق (العراق)‪ ،‬ومجلة املنهاج‬
‫(لبنان)‪ ،‬ومجلة املسرح العربي (اإلمارات العربية املتحدة) ‪ ،‬ومجلة إبداع‬
‫(مصر)‪ ،‬ومجلة املعرفة(السعودية)‪ ،‬ومجلة الرافد (اإلمارات العربية‬
‫املتحدة)‪ ،‬ومجلة دراسات الخليج والجزيرة العربية(الكويت)‪،‬ومجلة الحياة‬
‫املسرحية(سوريا)‪ ،‬ومجلة الفيصل األدبية (السعودية)‪ ،‬ومجلة جرش‬
‫الثقافية (األردن)‪ ،‬ومجلة سيميائيات (الجزائر)‪ ،‬ومجلة قضايا إستراتيجية‬
‫(تونس)‪ ،‬ومجلة املسرح (الشارقة)‪ ،‬ومجلة العربية والترجمة (لبنان)‪ ،‬ومجلة‬
‫الجسرة (قطر)‪ ،‬ومجلة كتابات معاصرة (لبنان)‪ ،‬ومجلة العربية والترجمة‬
‫(لبنان)‪ ،‬ومجلة عتبات الثقافية (مصر)‪ ،‬ومجلة الصورة واالتصال(الجزائر)‪،‬‬
‫ومجلة الكلمة (لبنان)‪،‬ومجلة لسان العرب (ليبيا)‪ .،‬وسردم‬
‫العربي(كردستان)‪ ،‬ومجلة قصص(تونس)‪ ،‬ومجلة املستقبل العربي (لبنان)‪،‬‬
‫ومجلة اإلمارات الثقافية (اإلمارات)‪ ،‬والحياة الثقافية (تونس)‪،‬ومجلة‬
‫اإلصالح اإللكترونية (تونس)‪ ،‬ومجلة الرقيم(العراق)‪ ،‬ومجلة أيقونات‬

‫‪77‬‬
‫(الجزائر)‪ ،‬ومجلة رؤية سينمائية (اإلمارات العربية املتحدة)‪ ،‬ومجلة (املوقف‬
‫ومجلة (قصص) تونس‪ ،‬ومجلة الحرس‬ ‫األدبي) السورية‪،‬‬
‫الوطني(السعودية)‪ ،‬ومجلة العالم (السعودية)‪ ،‬ومجلة فصول (مصر)‪،‬‬
‫ومجلة سمات(البحرين)‪ ،‬ومجلة املنافذ الثقافية (لبنان)‪ ،)...‬ومجلة الفكر‬
‫العربي املعاصر(لبنان)‪،‬ومجلة جيل العلوم اإلنسانية واالجتماعية (الجزائر)‪،‬‬
‫ومجلة (األقالم) العراق‪،‬ومجلة شؤون عربية (مصر)‪ ،‬ومجلة جرش الثقافية‬
‫(األردن)‪ ،‬ومجلة أدب ونقد (مصر)‪ ،‬ومجلة االجتهاد املعاصر (لبنان)‪ ،‬ومجلة‬
‫أقالم عربية(اليمن)‪ ،‬ومجلة أبحاث ودراسات تربوية(لبنان)‪ ،‬ومجلة فرقد‬
‫اإلبداعية (السعودية)‪ ،‬ومجلة دراسات معاصرة(الجزائر)‪( ،‬مجلة الطفولة‬
‫العربية) الكويت‪ ،‬ومجلة االستغراب(لبنان)‪ ،‬ومجلة شؤون األوسط (لبنان)‪،‬‬
‫وصحيفة فنون الخليج (السعودية)‪ ،‬ومجلة الفيصل (السعودية)‪ ،‬ومجلة‬
‫جيل الدراسات السياسية والعالقات الدولية (لبنان)‪ ،‬ومجلة (املوقف‬
‫األدبي) سورية‪ ،‬ومجلة دراسات استشراقية (لبنان)‪ ،‬ومجلة (شرفات)‬
‫(العراق)‪ ،‬ومجلة (أقالم عربية) (اليمن)‪ ،‬ومجلة (ضفاف عربية) العراق‪،‬‬
‫ومجلة (أبحاث ودراسات تربوية) لبنان‪ ،‬ومجلة (جيل) لبنان‪...‬‬
‫‪ -‬نشر أيضا مقاالته في املجالت العاملية ( مجلة العرب األسبوعي ( لندن)‪،‬‬
‫ومجلة الكلمة ( لندن)‪ ،‬صوت العروبة(الواليات املتحدة األمريكية)‪ ،‬ومجلة‬
‫القلم األدبي (لندن)‪ ،‬ومجلة صدى املهجر(الواليات املتحدة األمريكية)‪،‬‬
‫ومجلة عالم الغد (ڤيينا بالنمسا)‪ ،‬وصحيفة العاملية (كاليفورنيا بالواليات‬
‫املتحدة األمريكية)‪ ،)...،‬ومجلة جامعة ابن رشد (هولندا)‪ ،‬ومجلة الزمان‬
‫(لندن)‪...‬‬
‫‪ -‬نشر دراساته في الجرائد العربية واإلسالمية والدولية (جريدة املواطن‬
‫العراقية‪ ،‬والكلمة الحرة العراقية‪ ،‬وصحيفة العدالة العراقية‪ ،‬وجريدة‬
‫الجريدة العراقية‪ ،‬وجريدة املنارة العراقية‪ ،‬وجريدة امليثاق البحرينية‪،‬‬

‫‪78‬‬
‫وجريدة األيام البحرينية‪ ،‬وجريدة العراق اليوم‪ ،‬وجريدة السيادة العراقية‪،‬‬
‫وجريدة الوفاق اإليرانية‪ ،‬وجريدة بغداد العراقية‪ ،‬وجريدة صوت العروبة‬
‫الصادرة بالواليات املتحدة األمريكية‪ ،‬والصحيفة البحرينية‪ ،‬وجريدة الثورة‬
‫العراقية‪ ،‬وجريدة العدالة العراقية‪ ،‬وجريدة املؤتمر العراقية‪ ،‬وصحيفة‬
‫الوقت البحرينية‪ ،‬وجريدة الثورة العراقية‪ ،‬وجريدة الزمان العراقية اللندنية‪،‬‬
‫وجريدة الدعوة العراقية‪ ،‬وجريدة البينة العراقية‪ ،‬وجريدة االتحاد العراقية‪،‬‬
‫وجريدة مسرحنا املصرية‪ ،‬وجريدة منبر الرأي( األردن)‪ ،‬واملدينة (السعودية)‪،‬‬
‫وجريدة املستشار(العراق)‪ ،‬وجريدة الثقافية(تونس)‪ ،‬وجريدة أقالم الغد‬
‫(املغرب)‪ ،‬الرأي (األردن)‪ ،‬وجريدة املشرق (العراق)‪ ،‬وجريدة بدر (العراق)‪،‬‬
‫وكالة النهار األخبارية (العراق)‪ ،‬والحياة الطيبة (لبنان)‪ ،‬وجريدة بدر‬
‫(العراق)‪ ،‬وجريدة االتحاد (كردستان)‪ ،‬وصحيفة عكاظ (السعودية)‪ ،‬وجريدة‬
‫الوركاء‪،‬وصحيفة وار( كردستان)‪ ،‬وجريدة التآخي (العراق) ‪ ،‬وصحيفة منارة‬
‫الشرق للثقافة واإلعالم(العراق)‪،‬وجريدة الخليج (اإلمارات العربية‬
‫املتحدة)‪)....،‬‬
‫‪ -‬نشر مقاالته في الجرائد املغربية الوطنية ( االتحاد االشتراكي ‪ -‬العلم‪ -‬طنجة‬
‫األدبية ‪ -‬روافد ثقافية‪ -‬املنعطف الثقافي‪-‬الشمال‪ -‬رسالة األمة‪-‬أنغميس‪-‬‬
‫العالم األمازيغي‪ -‬املنعطف‪ -‬أگراو‪ -‬يومية الناس‪ -‬جريدة مالمح ثقافية‪ -‬جريدة‬
‫الرأي املغربية‪ -‬جريدة التجديد‪-‬الجريدة التربوية‪ -‬مرايا مغربية‪ -‬جريدة الرأي‬
‫الحر‪ -‬بيان اليوم‪-‬العدالة والتنمية‪ -‬النهار املغربية‪ -‬املنتدى األمازيغي‪ -‬عين‬
‫على الفن‪ -‬الشروق املغربية‪ -‬األيام‪ -‬الفسحة‪-‬القصة املغربية‪ -‬الخبر‪-‬املساء‪-‬‬
‫أقالم املغرب‪ -‬اقالم الغد‪ -‬جريدة العاصمة‪ -‬األخبار‪.)......‬‬
‫‪ -‬نشر مقاالته في الصحف املحلية (البديل‪ ،‬وصوت الريف‪ ،‬والصدى‪،‬‬
‫والساعة‪ ،‬وأنوال اليوم‪ ،‬والريفي‪ ،‬والعبور الصحفي‪ ،‬وصوت الشمال‪،‬‬
‫وأمنوس‪ ،‬وبين السطور‪ ،‬وتيفراس‪ ،‬وأصداء الريف‪ ،‬وأنباء الريف‪،‬‬

‫‪79‬‬
‫واألسبوعية الجهوية‪ ،‬وجريدة الريف املغربية‪ ،‬والصحيفة الشرقية‪،‬‬
‫ونوميديا‪ ،‬وأصوات الريف‪ ،‬واملساء‪.)....‬‬
‫‪ -‬نشر مقاالت عدة في كثير من املواقع اإللكتورنية‪ ،‬مثل‪ :‬دروب‪ ،‬واملثقف‪،‬‬
‫والوطن‪ ،‬والحوار املتمدن‪،‬والندوة العربية ‪ ،‬واملثقف‪ ،‬وملتق شعراء العرب‪،‬‬
‫واملجلة العربية‪ ،‬والفوانيس‪ ،‬ومنبر دنيا الوطن‪ ،‬وصوت العروبة‪ ،‬والصحيفة‪،‬‬
‫وديوان العرب‪ ،‬وأقالم الثقافية‪ ،‬وأفق الثقافي‪ ،‬وفراديس‪ ،‬وفضاءات‪ ،‬وجدار‪،‬‬
‫ومنتدى مسرحيون‪ ،‬ومسرح الطائف‪ ،‬والتجديد العربي‪ ،‬والقصة العربية‪،‬‬
‫والقصة العراقية‪ ،‬ورجال األدب‪ ،‬وعراق الكلمة‪ ،‬وشعراء العراق‪ ،‬وبوابة‬
‫املغرب‪ ،‬واتحاد كتاب اإلنترنت العرب‪ ،‬والفوانيس‪ ،‬واملناهل ‪.....‬‬
‫‪ -‬صاحب مقاربات نقدية جديدة وأصيلة هي‪ :‬املقاربة الشذرية‪ ،‬واملقاربة‬
‫الوسائطية أو امليديولوجية‪ ،‬واملقاربة القالبية‪ ،‬واملقاربة املقاصدية‪ ،‬واملقاربة‬
‫امليكروسردية‪ ،‬واملقاربة الطوبيقية‪ ،‬واملقاربة الفيزيائية في دراسة الحركة في‬
‫األدب والفن‪ ،‬و املقاربة الهايكية‪ ،‬و املقاربة البنيوية الدياكرونية‪،‬‬
‫وسيميوطيقا التوتر‪ ،‬والبيداغوجيا اإلبداعية‪ ،‬والتربية الناقدة‪ ،‬وتربية‬
‫امللكات‪ ،‬والبالغة الرحبة‪ ،‬والبالغة الرقمية‪...‬‬
‫‪ -‬ومن أهم كتبه‪ :‬الجديد في الدرس البالغي‪ ،‬واالستغراب‪ ،‬واالستعراب‬
‫اإلسباني في خدمة األدب العربي‪ ،‬واالستشراق‪ ،‬وسوسيولوجيا األسلوب‪،‬‬
‫ونحو املقاربة الكوسمولوجية‪ ،‬ومن هم البربر؟‪ ،‬والحكاية الشعبية األمازيغية‪،‬‬
‫والسرد األمازيغي بمنطقة الريف‪ ،‬ومدخل إلى اللسانيات األمازيغية‪ ،‬ولسانيات‬
‫النص‪ ،‬واألدب الرقمي‪ ،‬والجهة في اللغة العربية‪ ،‬واملقاربة امليديولوجية‪ ،‬و‬
‫سيميوطيقا التوتر‪ ،‬وفقه النوازل‪ ،‬ومفهوم الحقيقة في الفكر اإلسالمي‪،‬‬
‫ومحطات العمل الديدكتيكي‪ ،‬وتدبير الحياة املدرسية‪ ،‬وبيداغوجيا األخطاء‪،‬‬
‫ونحو تقويم تربوي جديد‪ ،‬والشذرات بين النظرية والتطبيق‪ ،‬والقصة‬
‫القصيرة جدا بين التنظير والتطبيق‪ ،‬والرواية التاريخية‪ ،‬تصورات تربوية‬

‫‪80‬‬
‫جديدة‪ ،‬واإلسالم بين الحداثة وما بعد الحداثة‪ ،‬ومجزءات التكوين‪ ،‬ومن‬
‫سيميوطيقا الذات إلى سيميوطيقا التوتر‪ ،‬والتربية الفنية‪ ،‬ومدخل إلى األدب‬
‫السعودي‪ ،‬واإلحصاء التربوي‪ ،‬ونظريات النقد األدبي في مرحلة مابعد‬
‫الحداثة‪ ،‬ومقومات القصة القصيرة جدا عند جمال الدين الخضيري‪ ،‬وأنواع‬
‫املمثل في التيارات املسرحية الغربية والعربية‪ ،‬وفي نظرية الرواية‪ :‬مقاربات‬
‫جديدة‪ ،‬وأنطولوجيا القصة القصيرة جدا باملغرب‪ ،‬والقصيدة الكونكريتية‪،‬‬
‫ومن أجل تقنية جديدة لنقد القصة القصيرة جدا ‪ ،‬والسيميولوجيا بين‬
‫النظرية والتطبيق‪ ،‬واإلخراج املسرحي‪ ،‬ومدخل إلى السينوغرافيا املسرحية‪،‬‬
‫واملسرح األمازيغي‪ ،‬ومسرح الشباب باملغرب‪ ،‬واملدخل إلى اإلخراج املسرحي‪،‬‬
‫ومسرح الطفل بين التأليف واإلخراج‪ ،‬ومسرح األطفال باملغرب‪ ،‬ونصوص‬
‫مسرحية‪ ،‬ومدخل إلى السينما املغربية‪ ،‬ومناهج النقد العربي‪ ،‬والجديد في‬
‫التربية والتعليم‪ ،‬وببليوغرافيا أدب األطفال باملغرب‪ ،‬ومدخل إلى الشعر‬
‫اإلسالمي‪ ،‬واملدارس العتيقة باملغرب‪ ،‬وأدب األطفال باملغرب‪ ،‬والقصة‬
‫القصيرة جدا باملغرب‪،‬والقصة القصيرة جدا عند السعودي علي حسن‬
‫البطران‪ ،‬وأعالم الثقافة األمازيغية‪...‬‬
‫‪ -‬من أعضاء الهيئة االستشارية العلمية في كثير من املجالت العربية والدولية‬
‫‪ ،‬مثل‪ :‬مجلة جرش التابعة لجامعة األردن ابتداء من العدد‪ 26‬لسنة ‪2222‬م‪،‬‬
‫ومجلة ابن رشد بهولندة‪ ،‬ومجلة أطلنتيس‪ ،‬مجلة (عتبات) الثقافية املصرية‪،‬‬
‫و (مجلة كتابات معاصرة) الصادرة بلبنان ابتداء من العدد‪ 826‬سنة‬
‫‪2281‬م‪ ،‬ومجلة (العلوم القانونية) املغربية التي يشرف عليها نبيل بوحميدي‬
‫وميمون خراط ‪ ،‬و (مجلةاآلداب واللغات والعلوم اإلنسانية) الصادرة عن‬
‫كلية اآلداب واللغات بجامعة الشاذلي بن جديد‪ ،‬الطارف‪ ،‬الجزائر‪ ،‬و مجلة‬
‫ابن رشد بهولندة ‪ ،‬ومجلة الصورة واالتصال بالجزائر‪ ،‬ومجلة القلم األدبي‬

‫‪81‬‬
‫بلندن‪ ،‬ومجلة أجراس الثقافية باملغرب‪ ،‬ومجلة فضاءات مغربية‪ ،‬ومجلة‬
‫أدب الطفل بالجزائر‪...‬‬
‫‪ -‬مدير سابق ملوقع الريف الثقافي ‪www.rifculture.net‬‬
‫‪ -‬مدير سابق ملوقع (الثقافة للجميع)‪.www.jamilhamdaoui.net‬‬
‫‪ -‬مدير سابق ملوقع (األكاديمية املغربية للثقافة األمازيغية) الرقمية‬
‫‪.www.jamilrifi.net‬‬
‫‪ -‬مسؤول سابق عن موقع (الريف الثقافي)‬
‫‪www.rifculture.net‬‬
‫‪ -‬مدير املوقع الشخص ي للدكتور جميل حمداوي (‪)Hamdaoui.ma‬‬
‫‪ -‬رئيس موقع الثقافة للجميع (‪)Hamdaoui.ma‬‬
‫‪ -‬رئيس مركز جسور للبحث في الثقافة والفنون بالناظور‪.‬‬
‫‪ -‬رئيس مختبر املسرح األمازيغي بالناظور‪.‬‬
‫‪ -‬رئيس مختبر القصة القصيرة جدا بالناظور‪.‬‬
‫‪ -‬رئيس مختبر الثقافة األمازيغية بمنطقة الريف‪.‬‬
‫‪ -‬رئيس مختبر ابن خلدون للتربية والتعليم باملركز الجهوي ملهن التربية‬
‫والتكوين بالجهة الشرقية‪ ،‬فرع الناظور‪.‬‬
‫‪ -‬رئيس مختبر مسرح الشباب‪.‬‬
‫‪ -‬رئيس مختبر الكتابة الشذرية بالناظور‪.‬‬
‫‪ -‬نائب رئيس مختبر املونودراما بالناظور‪.‬‬
‫‪ -‬رئيس مختبر أدب األطفال في الناظور‪.‬‬
‫‪ -‬رئيس مختبر أدب الشباب في مدينة الناظور‪.‬‬
‫‪ -‬رئيس مختبر الرواية في منطقة الريف‪.‬‬
‫‪ -‬مستشار مختبر الظواهر األدبية بالجهة الشرقية‪.‬‬
‫‪ -‬عضو فريق بيبليوغرافيا األدب املغربي الحديث‪.‬‬

‫‪82‬‬
‫‪ -‬عنوان الباحث‪ :‬جميل حمداوي‪ ،‬صندوق البريد‪ ،8299‬الناظور‪،62222‬‬
‫املغرب‪.‬‬
‫‪ -‬الهاتف النقال‪2622453441:‬‬
‫‪ -‬الهاتف املنزلي‪2546444311:‬‬
‫‪ -‬الواتساب‪2622453441:‬‬
‫‪ -‬اإليميل‪Hamdaouidocteur@gmail.com:‬‬
‫‪Jamilhamdaoui@yahoo.fr‬‬

‫‪83‬‬
‫يتناول هذا الكتاب آليات الكتابة الشذرية عند النفري في‬
‫كتاباته الصوفية والعرفانية‪ ،‬كما يبدو ذلك جليا في‬
‫(املخاطبات)‪ ،‬و(املو اقف)‪ ،‬وأشعاره الروحانية‪ .‬وقد‬
‫استجلينا مختلف اآلليات الشذرية التي اعتمد عليها النفري‬
‫في بناء نسقه الصوفي الحدس ي برصد املميزات العامة‬
‫لكتابته الشذرية على مستوى التدليل وبناء الخطاب معا‪.‬‬

‫‪84‬‬

You might also like