Professional Documents
Culture Documents
الجذور البدائية Book
الجذور البدائية Book
الجذور البدائية Book
ُ
الجذور البدائية
َّ ُ
ُ
الجذور البدائية
ُّ
لسينما الـ ــرعب
ُ
ومتثالت اخلوف النف�س التطوري
ِ علم
ُ
عقالين
ٍّ الـذي تثيره ،اخلـوف الـذي نجـده -مهما بـدا ذلـك غير
-لذيـذ ًا حتـى اليـوم .يف اخلمسـينيات ،عندمـا سـادت موضوعـ ُة
غـزو الفضائيين أفلا َم الرعـبَ ،ف َتنَتْنـي تلـك األفالم أيضـ ًا كفيلم
It Came from the Outer Spaceوفيلـم The Thingوغريهـا.
الي�وم وبعد أن ازدادت حدة الرعب يف األفلام ،أصبح فيلم The
قـورن بفيلم An American wolf manيبـدو شـيئ ًا مبتذالً تافه ًا لو ِ
Werewolf in Londonمثلاً ،وغيره مـن األفلام التـي تنتمـي
ن أفلام The wolf man، Frankenstein، جلنـس الرعـب .لكـ َّ
Dracula، The Mummyوغريهـا مـن أفلام الرعـب يف تلـك
زرعـت بداخلي بذور االسـتمتاع هبـذا اجلنس مـن األفالم، ْ احلقبـة
عزمـت عىل
ُ بما فيهـا األفلام املعـارصة التي تتسـم باحلدة ،مـن ثم
الكتابـة عنها.
لكـن كتـايب هذا ليـس تأرخيـ ًا ألفلام الرعب .بـل يعالـج بعد ًا
آخـر متامـ ًا يف هـذا اجلنس مـن األفالم.
قبـل عـدة سـنوات ،كنت عضـو ًا يف حلقة نقاشـية عـن الكتب،
وكان موضـوع نقاشـنا مر ًة كتـاب ديزمونـد موريس القـرد العاري
.The Naked apeوقـد أثـار ذلـك الكتـاب جدالً حاميـ ًا بني أفراد
املجموعـة حينهـا ،شـبيه ًا جد ًا باجلدل الـذي كثري ًا ما أثـاره الكتاب
عب بعـض األعضاء عن سـخطهم عىل على املسـتوى العـام ،حيث َّ
االفتراض الـذي ينطلـق منـه الكتـاب ،وهـو أن البشر جمـرد نـو ٍع
الكتـاب يف حماجته -بنـا ًء عىل نظرية
ُ ينتمـي إىل مملكـة احليوان .أكد
دارويـن يف التطـور -على أن تطـور البرش قـد خضع لـذات القوى
8
مقدمة
أي قوى
َمت تطور األنـواع األخرى من الكائنـات احليةْ ،التـي َحك ْ
الصراع مـن أجـل البقـاء ،واالنتخـاب الطبيعـي .بطبيعـة احلـال،
فقـد كان كتـاب موريـس ذاك جزء ًا من ٍ
محلة سـادت وقتها لتبسـيط
ٍ
خطـاب يف فـروع البيولوجيـا ،األنثروبولوجيـا ،والسـيكولوجيا،
وتقديمـه لعامـة النـاس .لكـن كتاب القـرد العـاري بالـذات ،بقي
عالقـ ًا يف ذهني لعرشيـن عام ًا.
ٍ
كتـب مماثلـةَ ،ت َب َّين يل أهنـا رشعـت يف قـراءة
ُ الحقـ ًا ،عندمـا
كانـت تقدم رؤيـ ًة جديد ًة للطبيعة والسـلوك البرشيين .كذلك فقد
حتليلي ٌ
فعال يف ٌّ وجـدت أن النقد التطـوري ،كام ُيد َعـى أحيان ًاٌ ،
فرع
عـر ُض كتـايب هذا مقاربـ ًة أخرى يف هـذا اجلدل. ميـدان الفنـون .و َي ِ
ٍ
مقـاالت ت َُو ِّظـف كتبـت ثلاث
ُ خلال السـنوات املاضيـة،
البيولوجيـا االجتامعيـة (السوسـيوبيولوجيا) وعلـم النفـس
التطـوري .وأشـكر ُم َ ِّـر ِري الدوريـات التاليـة على السماح يل
باسـتخدام أجـزاء منها يف هذا الكتـاب ،واملقاالت هـي :مقالة(we
Are Legion: Primal Dreams and Primal Screams in the
) ،Satanic Filmاملنشـورة يف دوريـة The Journal of Literature
)and Film (19:2، 2015؛ مقالـة The New Naturalism:
،Primal Screams in Abraham Stoker’s Draculaاملنشـورة
يف دوريـة )Midwest Quarterly (47:1، 2004؛ ومقالـة From
Technology to Transcendence: Humanity’s Evolutionary
ُشر ْت يف دورية ،Journey in 2001: A Space Odysseyوالتـي ن ِ
) .Extrapolation (44: 2001أشـكر أيض ًا سـاندرا فراي Sandra
9
اجلذو ُر البدائ َّي ُة ل�سينما ُّ
الرعب
10
تمهيد
لا مـن بنيتنـا اجلينيـة كبرش .تقـدم هذه وإهنما يشـكالن جـزء ًا أصي ً
الكشـوفات منظـور ًا جديـد ًا لِ َف ْهـ ِم اسـتجابتنا للأدب واألفلام،
وعـاد ًة مـا ُيدعى هـذا املنظـور بالنقـد التطـوري .أما أنا فسأسـمي
منظـوري الـذي ابتدعته بـ «نقـد الصفات البدائية» ،ألننـي ُأركِّز فيه
على عنـارص بعينها مـن التكيـف التطـوري .ت َُو ِّفر لنا أفلا ُم الرعب
والروايـات التـي يعتمدهـا منتجو األفالم ً
مثـال مفيـد ًا إلعامل هذا ُ
أي نقـد الصفـات البدائية املشـار إليه آنفـ ًا ،وهذا النـوع مـن النقدْ ،
حتليل للسـبب الذي يكمـن وراء اسـتجابتنا للتمثالت الكتـاب هو ٌ
ُ
البدائيـة التـي يتضمنهـا هـذا اجلنس مـن األفالم.
«جدراهنـا املتهالكـة مـن الصخـور الرماديـة الداكنـة ،جعلتْهـا
شـيئ ًا كئيب ًا و ِ
سـامي ًا» َ
هكـذا وصفـت آن ِ
رادكليـف Ann Radcliffeقلعـ َة أودولفـو
يف روايتهـا القوطية أرسار أودولفـو The Mysteries of Udolpho
املنشـورة عـام .1794كغريهـا مـن ُكتَّـاب الرومانسـية القوطيـة يف
القـرن الثامـن عشر ،كانـت رادكليف متأثـرة بكتـاب إدموند بريك
فلسـفي يف أصـل أفكارنـا عـن السـامي
ٌّ «حتقيـق
ٌ Edmund Burke
واجلميـل A Philosophical Enquiry into the Origin of Our
»Ideas of the Sublime and the Beautifulاملنشـور عـام .1757
«كل ما ِ
اخلوف اإلنـايب)*( بأهنـا «سـامية»ُّ : حيـث وصـف بريك لـذ َة
)*( اخلوف اإلنايب ،VICARIOUS FEARيقصد به اخلوف الذي يشعر به املرء عند
مشاهدته (أو قراءته) عن موقف خميف ،كام يف مشاهدة أفالم الرعب أو مطالعة أدب
الرعب ،كمقابل للخوف املبارش الذي يشعر به عندما جيد نفسه يف موقف خميف يف
ِ
(املرتجم) العامل احلقيقي..
12
متهيد
طيـف واسـ ٍع من املخـاوف التي هتجـس يف دواخلنا على الدوام»، ٍ لِ
أو كما يقـول يف موضـع آخـر واملعنـى واحـد « ُت َع ِّل ُمنـا ثقافتنا ]عرب
متنوعة ما الـذي جيب أن نخافـه ،كام إهنا- ٍ بطرائـق
َ أفلام الرعـب[
ثقافتنـا -ومـن خالل طيف واسـع من املنتجـات الثقافيـةِ ،
تعك ُس
املخـاوف التـي تُع ِّل ُمنا إياهـا»(.)2
َ وتعـزز تلكـم
ِّ
يعـزو سـتيفن برنـس Stephen Princeجاذبيـة جنـس أفلام
الرعـب أيضـ ًا إىل الثقافـة« :يمكـن رؤيـة أفلام الرعـب على أهنـا
تصويـر للديالكتـك بني األنظمـة اللغوية وتلك املفروضـة اجتامعي ًا ٌ
تصويـر الهنيـار هـذه األنظمـة ٌ حلفـظ االنتظـام يف املجتمـع ،وكـذا
مـن خلال تناقضاهتـا الداخلية ..وليسـت إسـقاط ًا عىل اجلنسـانية
املناطق
َ ُ
الوحـش املكبوتـة أو عمليـات سـيكولوجية أخـرىُ ،ي َم ِّث ُـل
املجهولـ َة التـي تقبـع على حـواف ال ُبنْيـات املألوفـة لالنتظـام
االجتامعـي»(.)3
فـروع جديـد ٌة يف دراسـة الطبيعـة البرشيـة منظـور ًا
ٌ تَطـرح
مسـتحدث ًا .يلخص تيري بريهنـام Terry Burnhamوجـاي فيالن
«ص ِّم َمـت أدمغتنـا بفعـل التطور ُ Jay Phelanل َّ
ـب األمـر بقوهلماُ :
صـوب
َ أنفسـنا وعا َملنـا ،علينـا ْ
أن نتجـه اجلينـي ...ولكـي نفهـم َ
تشـارلز دارويـن ،ال سـيگموند فرويـد»( .)4بينما يشير جوزيـف
كل مـن النقـد الثقـايف والنقـد كارول Joseph Carrollإىل أمهيـة ٍّ
التطـوري« :يصر التطوريـون على أن اجلينـات تُك ِّب ُـل وت َُو ِّجـ ُه
السـلوك البشري .وعلى اجلانـب املضـاد ،يصر أنصـار مذهـب
متضمنـ ًة
َّ البنائويـة الثقافيـة cultural constructivismأن الثقافـة،
15
اجلذو ُر البدائ َّي ُة ل�سينما ُّ
الرعب
كل منهما بخصوص السـلوك البرشي متشـاهب ٌة التـي متخض عنهـا ٌّ
مـن حيـث اجلوهـر .حيـث يطرحـان أن التطـور قـد خلـق يف عقل
اجلنـس البشري Homo Sapiensاسـتجاب ًة جتاه السـلوك التكيفي
ألسلافنا األقدمين ،السـلوك الـذي عـزز مـن فـرص بقائهـم.
وحيـث أن املتخصصين بعلـم النفـس التطـوري قـد كانـوا ذوي
البـاع األطـول يف تطويـع حقلهـم السـتخدامه يف التحليـل النقدي
لألفلام واألدب ،فسأسـتخدم هـذا احلقـل على مسـتوى النتائـج
املشتركة بينه وبني السوسـيوبيولوجيا عند مناقشـة األعمال األدبية
النتائـج التي توصـل إليها احلقالن منظـور ًا جديد ًاُ واألفلام .تُقـدِّ م
نلتـذ باخلـوف اإلنـايب الـذي نجده يف لِ َف ْهـ ِم السـبب الـذي جيعلنـا ُّ
مشـاهدة أفالم الرعب .يقـول ماتياس كاليسـن Mathias Clasen
إن ا َملشـاهد املخيفـة يف األفلام أو النصـوص األدبيـة «تنجـح يف
املطـورة القديمـة وتعطيـل آليـات َّ اسـتهداف اآلليـات الدفاعيـة
الفـص الدماغـي قبـل اجلبهي .بعبـارة أخـرى ،يقـوم أدب الرعب
عـال يف الرتاكيب القديمـة للجهازبإلقـاء سـلك ذي تيار كهربائـي ٍ
ٍّ
شـاهدين» .
()8 العصبـي املركـزي للم ِ
ُ
باإلضافـة إىل نقد أفالم الرعب ،فإن كشـوفات النظرية التطورية
تو ِّفـر منظور ًا خصبـ ًا للنقد السـينامئي واألديب عموم ًا .يف السـنوات
األخيرة ،قـام جوزيـف كارول ،جوناثـان غوتشـال Jonathan
،Gottschallديفيـد سـلون ويلسـون ،David Sloan Wilson
ٍ
جبـارة لتطويـر ،إن برايـان بويـد Brian Boydوغريهـم بجهـود
صـح التعبير ،وتكييـف االكتشـافات التطوريـة الداروينيـة لبنـاء
17
اجلذو ُر البدائ َّي ُة ل�سينما ُّ
الرعب
ٍ
متامسـكة للنقـد التطـوري .على بعـض املسـتويات ،ربما ٍ
مدرسـة
يتعـارض عملهـم النقدي ومنظـوري اخلاص الذي سـميته بمنظور
نقـد الصفـات البدائيـة مـن جهـة ،مـع منظـور النقـد الثقـايف على
يطوعـان النقـد الثقايف، اجلهـة األخـرى ،ومع ذلـك َّ
فـإن منظورينا ِّ
بمعنـى إننـا نعتقد أن اهلمسـات اخلافتة ألسلافنا األقدمني تسـاهم
يف تشـكيل الثقافـة والـذوق الفنـي أصالً.
ِّ ْ ْ
«اعرف نفسك ..العينة األمثل لدراسة الجنس البشري
ِ
هي الفرد»
ْ
«قبل أن يرفع الستار ،وقبل أن يبدأ العرض ،كانت المنصة
ً ٌ ٌ ًّ ُ َ َّ ً
معدة جزئيا ،وكان جزء كبير من السيناريو مكتوبا»
التطور
ُ ِ
الداروين ُّيون اجلدد من فرضيـة مفادها أنه إذا كان ينطلـق
أن سـلوكيات أسلافنا البدائيني لـق هيأتنا اجلسمانية ،فلا بد َّ
قـد َخ َ
التـي عـززت مـن فـرص بقائهـم وتكيفهـم مـن خلال االنتخاب
دخلـت ضمـن إرثنـا اجليني عبر مئات آالف السـنني ْ الطبيعـي قـد
مـن التطـور ،وال بـد إهنا ،على األقـلَ ،تؤ ِّثر على أفعالنـا ،قراراتنا،
كيل. ٍ
وأفكارنـا يف وقتنـا احلـارض ،ولـو إهنا ال تتحكـم هبا عىل نحـو ٍّ
لا عنـد روبـرت أردري Robert Ardrey نجـد هـذه األفـكار مث ً
يف كتابـه African Genesisالصـادر عـام ،1961كونـراد لورنـز
Konrad Lorenzيف كتابـه On Aggressionالصـادر عـام ،1963
كما يف مقالة ويليـام دي .هاميلتـون William D. Hamiltonذائعة
الصيـت The Genetical Evolution of Social Behaviorوكـذا
يف مقالـة جـون مينـارد سـميث John Maynard Smithالشـبيهة
24
متهيد
ْ
إذن ،فعلـم النفـس التطـوري والسوسـيوبيولوجيا مهـا امتـدا ٌد
الكتشـافات ِ
دارويـن .أال يمكـن أن يكـون بقاء األصلـح واالنتقاء
الطبيعـي للصفـات التكيفيـةَ ،يقترح احلقلان ،يفعلان أكثـر مـن
ٍ
زرافـات بأعنـاق طويلـة ،أكثـر مـن جمـرد التأثير يف جمـرد خلـق
التكيف مـع البيئة،
ُ اهليـأة اجلسـمية للحيـوان؟ أال يمكن أن َيشـمل
َ
األنماط السـلوكية لألنـواع ،بما يف باإلضافـة إىل اهليـأة اجلسـمية،
ذلـك األنماط السـلوكية اخلاصـة بنـا نحـن البشر؟ أال يمكـن أن
ٍ
درجة مـا ،خاضعـ ًا لذات يكـون اجلنـس البشري ،على األقـل إىل
القوانين التطوريـة التي خلقت السـلوكيات الغريزيـة التكيفية عند
مجيـع األنـواع األخرى ،مـن أنامط اهلجـرة ،إىل الدفاع عـن اإلقليم،
وصـوالً إىل طقـوس التـزاوج؟ إن الطـرح الرئيـس هلـذا الكتـاب
هو إن السـلوكيات التكيفيـة -كاإلقليميـة ،territorialityال َق َب ِل َّية،
التـزاوج ،اخلوف من املفرتسين ،االسـتحالة ،ASSIMILATION
مكنـت أسلافنا البدائيين مـن
ْ واالرتيـاب أو كـره اآلخـر -التـي
البقـاء ما زالت موجـود ًة ضمن اإلرث اجليني لنوعنـا تنادينا هبمس
مؤ ِّث َـر ًة على اسـتجابتنا جتـاه التمثلات ٍ
خافـت يف أعماق عقولنـاَ ،
اخلالـدة ا ُمل َض َّمنـة يف األفلام والروايـاتَ .يكتـب إدوارد أوزبـورن
ٍ
متفاوتة يف ويلسـون قائ ً
لا «ينبـع وحـي الفن الـذي ينـز بدرجـات
عقـول مجيـع البشر مـن اآلبـار االرتوازيـة للطبيعـة البرشية...مـا
ـس حتى أعظم األعمال الفنية باالسـتعانة يعنـي أنه يمكـن فهم ُأ ُس ِ
تطـورت بيولوج ًّيا
ْ بمعرفـة القواعد فـوق اجلينيـة epigeneticالتي
وجهـت إنتاج هـذه األعمال الفنيـة»(.)18
ْ ومن ثـم
26
متهيد
اآلالم
ِ «من أشد ما تتعرض له الطبيعة البشرية من
ُ
()19
جديدة»
ٍ فكرة
ٍ األلم الناتج عن
أسـس اعتباطية- ٍ قسـم البيولوجيـون التطوريـون –على ربما ُي َّ
جل ْم َعويـون على معسـكرين :أنصـار التكيـف adaptationistsوا َ
.pluralistsحيـث خيتلـف الطرفـان على درجـة تأثير التكيـف يف
تطـور اهليـأة اجلسـمية لألنـواع ،كما على درجـة تأثيره يف التطـور
البيولوجـي للطبيعـة البرشيـة .ومتيـل رؤى أنصـار التكيـف ألن
حلت َْم ِو َّيـة .determinismكما يف هـذا االقتباس تنتمـي إىل مذهـب ا َ
«حافظـت جيناتنـا على ْ الشـهري عـن أحدهـم ،ريتشـارد داوكنـز:
بقائهـا ،ملاليين السـنني يف بعـض احلـاالت ،كما حيافـظ رجـال
عـالٍ يتسـم َ عصابـات شـيكاگو الناجحـون على حياهتـم ،يف
ٍ
صفـات ُم َع َّينَـة يف بالتنافسـية الشـديدة .هـذا يسـتتبع ْ
إذن أن نتوقـع
جيناتنـا .وأقـول إن إحـدى أهم الصفـات التـي ُيت ََو َّقـع أن يمتلكها
ناجـح مـا ،هـي األنانيـة الصارمـة يف َخ ْل ِقـه للسـلوك الـذي ٌ جين
ٌ
ِ
يضمـن بقـاءه ومتريـره إىل اجليـل التـايل»( .)20بينما تُفصـح كتابـات
جـاي گولـد Jay Gouldعـن مذهـب اجلمعويـة يف أنقـى صـوره.
حيـث يؤكـد گولـد أن التطـور يشـتمل على عوامـل عديـدة ،وإنه
ـت الطبيعـة البرشية .يتخـذ دانييل التكيـف قد ن ََح َ
ُ ـك أن يكـون َي ُش ُّ
دينـت Daniel Dennettموضعـ ًا وسـط ًا بني الطرفني .حيث يشير
إىل إن القيـود البيئيـة على البشر -بوصفهـم بنـا ًة للثقافـة -تبـدو
أقـوى مـن مثيالهتـا عنـد معظـم األنـواع احليوانيـة األخـرى ،ومع
ٍ
بشـكل مـا(.)21 أن للتكيـف تأثير ًا علينا
ذلـك ال بـد َّ
مـع ذلـك ،يتفـق التكيفيـون مـع معظـم اجلمعويين على
27
اجلذو ُر البدائ َّي ُة ل�سينما ُّ
الرعب
شر ـب البيولوجيـا ال َب َ َلا جذر ًّيـا بين البيولوجيـا والثقافـةَ َ .ت ُ َفص ً
احلـواس اخلمـس ،بضع غرائـز كاجلوع واخلـوف ،واسـتعداد ًا عام ًا َّ
للتعلـم .لكـن التطـور الثقـايف ،وفقـ ًا للــ ،SSSMقـد َح َّـل حمـل
بر جـون لـوك 1632-( John Locke التطـور البيولوجـي» َ . 25ع َّ
( ) ِ
)1704عـن نسـخة مبكـرة مشـاهبة مـن هـذه الرؤيـة يف كتابـه An
.Essay on Human Understandingحيـث َط َـر َح أن العقـل هو
فكـرة .مـاٍ «صفحـ ٌة بيضـاء ،خاليـ ٌة مـن كل صفـة وال حتتـوي أي
واحدة ُأجيـب :التجربـة»( .)26قد جتيء ٍ الـذي ُي َشـ ِّك ُل ُه إذن؟ بكلمـة
ـزود ًة ببعض َ
العـال ُم َّ هـذه الصفحـ ُة البيضـاء (الدمـاغ الفـارغ) إىل
الرغبـات األساسـية كاحلاجـة للطعـام وللجنـس ،لكـن مـا خيلـق
العقـل هـو التجربـ ُة وتراكمهـا املسـتمر .وقـد كان لنمـوذج لـوك َ
متنوعـة ،على الدارسين للسـلوك ٍ ٍ
وبأشـكال كبير، تأثير للعقـل
ٌ ٌ
البشري منـذ أيـام لـوك حتـى عرصنـا احلارض.
يف اخلمســينياتَ ،ص َعــدَ مؤســس املدرســة الســلوكية
behaviorismيب .أف .ســكنر B.F. Skinnerبمفهــوم الصفحــة
أنمســتوى أعــى .حيــث يــر ســكنر َّ ً البيضــاء للــوك إىل
باإلمــكان هندس ـ َة ســلوك األفــراد مــن خــال التع ُّلــم املرب َمــج.
ويف روايتــه اليوتوبيــة Walden Twoيقــول َبط ُلــ ُه فريــزر« :عــى
املــدى الطويــل ،فــإن اإلنســان مق َّيــدٌ بالدولــة .إذ تتعــارض فلســف ُة
احلريــة املطلقــة ،الفلســف ٌة التــي تتــكل عــى مــا حتســبه يف اإلنســان
اجلبِ َّلــة الطيبــة واحلكمــة ،تتعــارض مــع احلقيقــة العــادي مــن ِ
الواقعيــة املرصــودة التــي تشــر إىل أن نــوع البيئــة التــي ينمــو
30
متهيد
فيهــا اإلنســان هــو الــذي جيعــل مــن اإلنســان طي ًّبــا أو رشيــر ًا،
ــرا»(َ .)27ينطلــق ســكنر أيضــ ًا مــن ذات االفــراض ِ
حكيــ ًا أو غ ًّ
أي مفهــوم الصفحــة البيضــاء، الــذي ينطلــق منــه جــون لــوكْ ،
لكــ َّن الكثرييــن ،بــا فيهــم ليرباليــون وحمافظــون ،قــد رأوا أنــه
كان يــارس التالعــب بالكلــات ،مــن حيــث أن مــا كان يســميه
ـري لغســيلـاع تنكـ ٌّ باهلندســة الســلوكية إنــا هــو – بحســبهم قنـ ٌ
الدمــاغ.
فرضيـات لوك وسـكنر حـول مطواعية العقـل البرشي ُ سـادت
ْ
ٍ
العلـو َم االجتامعية لوقت طويل .أشـار ريتشـارد رانـگام Richard
Wranghamوديـل بيرتسـون Dale Petersonإىل األخطـاء التـي
ً
أجيال ارتكبتهـا مارگريـت ميـد Margaret Meadعندمـا أقنعـت
«إن الثقافة وحدها – التنشـئة مـن األنثروبولوجيين هبـذه الرؤيـةَّ :
دون الوراثـة تترك عالماهتـا الغامضـة على الصفحـة الفارغـة
للشـخصية البرشيـة»( .)28يكتـب دانييل دينيت« :ال يسـتطيع الناس
ٍ
كبشر خمتلفـون كثري ًا عـن مجيع ٍ
بسـهولة عـن اإليمان بأننـا التخلي
األنـواع احليـة األخـرى – َو ُهم حمقـون! فنحن النـوع الوحيد الذي
يمتلك واسـطة إضافيـة حلفظ النماذج وتناقلها :الثقافـة .ولو أن يف
هـذا مبالغـ ًة بعـض الشيء ،ألن أنواع ًا أخـرى متتلك أيض ًا أشـكاالً
بدائيـ ًة جـد ًا من الثقافـة ،وقدرهتا على تناقل املعلومات «سـلوك ًّيا»،
لا عـن تناقلهـا وراث ًّيـا ،هي بحـد ذاهتا ظاهـر ٌة بيولوجيـة مثريةفض ً
لالهتامم» ( .)29
املفاهيم العامة لعلم
ُ بمـرور الزمن ،ورغم كل املعارضة ،تلقـت
31
اجلذو ُر البدائ َّي ُة ل�سينما ُّ
الرعب
النفـس التطوري والسوسـيوبيولوجيا قبوالً واسـع ًا .فمثالًَ ،ف َّس ْت
مقالـ ُة The Science of Why People Snap in Angerاملنشـورة
يف جملـة Timeيف السـادس عشر مـن ينايـر ،2016فسرت ظاهر َة
عمليـات كيميائيـ ًة دماغيـة نتجت عن ٍ الغضـب املفاجـئ بوصفهـا
غـة تنتمـي إىل علـم النفس التطـوري ،وهي لغـة مل تكن التطـور ،بِ ُل ٍ
سـنوات ٍ
قليلة فقـط« :لقد َط َّو ْرنا هـذه الدارات ٍ مقبولـ ًة إطالقـ ًا منذ
بحاجـة إليهـا» .وكذلـك يفٍ العصبيـة للبقـاء يف الربيـة .ومـا زلنـا
العـدد 10-17لشـهر أكتوبر عام 2011من جملـة ،Newsweekفقد
ُشر ْت مقالـ ٌة تَعـزو التقلبـات الرسيعـة يف السياسـة وأسـواق املال ن ِ
إىل آليـات التواصـل الفوري على االنرتنت ،حيـث أن «دماغ نوعنا
حـد كبريـــ نفـس العضو الذي كان Homo Sapiensمـا زال – إىل ٍ
يمتلكـه أسلافنا البدائيـون يف إفريقيا قبـل مائتي ألف عـام» .هكذا
أصبحـت اإلشـارة إىل اجلذور التطورية للسـلوك شـيئ ًا عادي ًا اليوم.
ويبـدو أن النـاس يتقبلـون عمومـ ًا أن الصفحـة ليسـت فارغة بقدر
مـا كان ُيع َت َقدُ يف السـابق.
يعتقـد علماء التطـور أن نـداءات أسلافنا املختزنـة يف إرثنـا
بسـلوكيات كانـت ذات فوائـد بقائيـة تكيفيـة ٍ اجلينـي ،تغرينـا
ألسلافنا يف املـايض السـحيق ،لكنها قـد ال تكون مفيـدة يف عرصنا
التطـور قـد جعلنـا عبيـد ًا بالكامـل هلذه
َ احلـارض .ال يعنـي هـذا أن
لا مـع معظـم األنـواع األخـرى من النـداءات ،كما هـو األمـر فع ً
وهبت نوعنـا دماغ ًا كبري ًا جد ًا .وبانتشـار
ْ األحيـاء .فعمليـة التطـور
ِ
احلديـث أن خيتار ِ
اإلنسـان وتوسـع التعليـم والثقافـة ،صار بإمكان
32
متهيد
33
اجلذو ُر البدائ َّي ُة ل�سينما ُّ
الرعب
التطـور ِعدَّ َة مسـارات للتعلـم يف العقولُ ،مه ِّيئـ ًا إياها ُ ذاتـه« :يبنـي
للتعامـل مع أنـوا ٍع متو َّقعة بعينها مـن املواقف ،ولِ َف ْه ِمها باالسـتناد
ٍ
ـموسـأطوع هـذا املفهـوم ألُ َن ِّظ َ ُ معلوماتيـة خاصـة»(.)34 إىل أنماط
لسـت من الوحـدات أو املسـارات ال َت َع ُّلمية التي ٍّ هـذا الكتاب وفق ًا
تطورت – ْ سأسـميها بالتمثالت البدائيـة يف األدب واألفلام ،التي
ٍ
خافتة يف ٍ
هبمسـات التمثلات من جتربة أسلافنا ،وما زالـت تنادينا
أفلام الرعب حتديـد ًا -ويف احلياة أيضـ ًا-1 :اإلقليميـة؛ -2اخلوف
مـن االسـتحالة ،ومحايـ ُة اجلامعـة واحلـوض اجلينـي؛ -3القبليـة؛
املفرتسـات؛ و-6االرتيـاب وكراهية -4التـزاوج؛ -5اخلـوف مـن ِ
فسـد إرثنـا اجليني ويسـتويل عىل اآلخـر الـذي قـد حيتـل إقليمنـا ،ي ِ
ُ
متثـل يشـتمل على التمثلات اخلمسـة السـابقة ممتلكاتنـا ،وهـو ٌ
أن األنواع السـتة التـي ذكرهتا تُغطـي كل أنواع كلهـا .ال أعنـي هنـا َّ
التمثلات املوجـودة ،لكننـي انتخبتهـا ألعاجلهـا يف هـذا الكتـاب
كوهنـا متثل جمـاالً خصبـ ًا إلعامل املنظـور التحليلي الذي أنـا بصدد
تطبيقـه على أفلام الرعـب .يعتقـد باحثـو علـم النفـس التطوري
والسوسـيوبيولوجيا أن هـذه اهلمسـات القادمـة مـن أسلافنا
37
اجلذو ُر البدائ َّي ُة ل�سينما ُّ
الرعب
عـن طريـق َت َع ُّقب مهسـات أحالمنـا البدائية هـذه ،أن نفهم أنفسـنا
نحـو أعمق. ٍ على
رغـم أن روايـة آرثـر يس .كالرك Arthur C. Clarkeوسـتانيل
كوبـرك »2001: A Space Odyssey« Stanley KubricK
ٍ
بوضوح والفيلـم الذي ُأنتِـج عنها وحيمل ذات االسـم ،ال ينتميـان
إىل جنـس أفلام الرعـب أو أفلام رعـب اخليـال العلمـي ،إال إهنام
ال ممتـاز ًا إلعامل مقاربتـي النقدية ،والتي سـميتها بنقد
يمثلان مدخ ً
الصفـات البدائيـة ،لـذا سـيكون الفيلـم والرواية موضـوع الفصل
األول .فقـد كان الفيلـم رائع ًا بحـق ،وفذ ًا يف اسـتخدامه للتمثالت
البدائيـة يف بيئـة بدائيـة خيالية ،وسـأعود إليه مرار ًا يف هـذا الكتاب.
يركـز الفصل الثـاين عىل اإلقليمية ،كما يناقش األفالم الشـيطانية -
َت َ ُّث ٌـل ظـل يثري اخلـوف اإلنايب لقـرون -وأفالم اخليـال العلمي التي
تنضـوي حتـت صنف الرعـب ابتدا ًء مـن رواية حرب العـوامل War
of the Worldsألتـش .جـي .ويلـز H.G. Wellsواألفلام التـي
انبثقـت عنهـا .حيـث تُعدُّ قصة الغـزو مثاالً على كيفية قيـام الثقافة
بإعـادة تشـكيل التم ُّثل دون املسـاس بعنـارصه اجلوهرية.
يركـز الفصـل الثالـث على َت ُّثـل االسـتحالة assimilationكام
بـدأ يف أفلام رعـب اخليـال العلمـي يف اخلمسـينيات مـن القـرن
املـايض ،كما سـيتناول ميمـة قيامـة املوتـى األحيـاء أو الزومبـي
متعقبـ ًا جذورها يف تراث سـحر الفودو .يف روايتـه I Am Legend
أحدث ريتشـارد ماثيسـون Richardَ اسـتقت منها،
ْ واألفلام التي
Mathesonنقلـ ًة نوعيـ ًة كبير ًة يف موضوعـة الزومبـي .حيث يدين
40
متهيد
42
الفصل األول
رواية وفيلم
A Space Odyssey :2001
َ
«ديف ..أنا متحمس أشد التحمس لهذه المهمة»
يف مـا يتعلـق بمن الذي قام بتطويع عمل من ،يبقى هذا السـؤال
ـاب حتـى اآلن ،حيث يرص كوبـرك عىل لفـت انتباهنا إىل أن غير ُم ٍ
الفيلـم صدر قبل نشر الرواية بقليل ،رغـم أن الرواية كانت جاهزة
للنشر قبـل صـدور الفيلم .يشـتمل هـذا الفيلـم على منظورين يف
جمـال التكيف :فأو ًَّل هناك تكييف أو تطويـع الفيلم للرواية ،وثاني ًا،
الداروينـي عبر التكيـف مـع البيئةِ تطويـع الفيلـم لنظريـة التطـور
يف الوقـت الـذي بدأت فيـه النظريـة بالتمـدد مدعوم ًة باكتشـافات
املتخصصين بعلـم النفـس التطـوري والسوسـيوبيولوجيا .يتفـرد
ـة يف هـذا الكتـاب من حيث فيلـم 2001عـن بقيـة األفلام املتناو َل ِ
َ
ِ
إنـه يبدو توظيفـ ًا واعي ًا ومقصود ًا مـن ق َبل كوبـرك وكالرك ألفكار
والعلماء اآلخرين الذين ط َّبقـوا تلك األفكار على الطبيعةِ دارويـن
وإن كانت وظفت البرشيـة ،خالفـ ًا لبقية األفلام والروايات التـيْ ،
التمثلات البدائيـة كموضوعـة ،إال إن ذلـك مل يكـن مقصـود ًا ،بل
السـتجابة غير واعية مـن ِق َبل املنتجين والروائيني أنفسـهمٍ نتاجـ ًا
للتمثلات البدائية املخزونـة يف الالوعي خاصتهـم وإرثهم اجليني،
بالتـوازي مع جتربتهـم الثقافية.
يف بدايـات عرضـه يف دور السـينام عـام ُ ،1968أ ِخـذ معظـم
عـم كان
املشـاهدين بالفخامـة البرصيـة للفيلـم ،لكنهـم مل يفهمـوا َّ
يـدور الفيلـم حتديـد ًا .وربام لـو أن كلمـة «التطور» ظهـرت يف أحد
احلـوارات يف أثنـاء الفيلـم ،لـكان كل يشء قـد اتضـح للجمهـور.
جتيـب روايـ ُة كالرك على العديـد مـن األسـئلة .وقـد اعترف ِكال
كالرك وكوبـرك باملغـزى الفلسـفي للفيلم .أشـار كالرك بالتحديد
44
الف�صل الأول
لبقائنـا يف املـايض السـحيق ،مـع أهنـا قـد تكـون مد ِّمـر ًة لنـا على
الصعيـد البقائـي يف بيئتنـا احلاليـة.
مقطـع «فجـر اإلنسـان» اسـتخدا َم نظريـة التطور ُ هكـذا َد َّشـن
اعتمـدت روايـ ُة كالرك عىلْ مـن ِق َبـل الروائيين ومنتجـي األفالم.
ص َّيـ ًة .حيـث ٍ
تفسيرات مكتوبـة .بينما كانـت مقاربـ ُة كوبـرك َب َ ِ
جماز
بصـور إحيائية متكـررة عىل جنـة التكويـنٌ ، ٍ أغـرق املشـاهدينَ
طبيعـي إىل حـدٍّ كبري لبدايـات البرشية .لكـ َّن َجنَّ َة كوبـرك اإلحيائية
ٌّ
تبقـى مـع ذلـك تصويـر ًا سـاخر ًا بالكامـل ،ذلـك إهنـا كانـت جن ًّة
داروينيـة – حيـث أمـا أن تكـون مفرتسـ ًا أو تكون الفريسـة ال جنة ِ
متر الكاميرا مرار ًا وتكـرار ًا عىل ِ
عـدن املوصوفة يف سـفر التكويـنُّ .
العظـام .حيـث نـرى القـرود البرشيـة تتنافـس مـع حيوان مشـاهد ِ
َ
تلميح إىل كـون النوعني ٌ التابير العاشـب عىل مرعى العشـب ،وهو
يف نفـس املوضـع تقريب ًا من السلسـلة الغذائية؛ كام نرى ق ًّطا مفرتسـ ًا
كبير ًا هياجـم أحد أسلافنا ،حيـث مل تكن لـدى األخري ميـزة بقائية
تنفعـه للدفـاع عـن نفسـه يف مواجهة القـط .هكـذا يرينـا الفيلم أن
ك ًُّل مـن القـرود وحيوانـات التابير كانـت فرائـس ،يف مفارقة هتزأ
بالتصويـر التـورايت لسـيادة البشر على احليوانـات .ثم نـرى كيف
)*(
كهف ،خشـية «خـوف الليل» ال يف ٍخيتبـئ أسلافنا التطوريـون لي ً
الـذي يشير إليـه سـفر املزامير ،كما إهنـم – أسلافنا قـد أصبحوا
بعـد ذلـك خيشـون أيضـ ًا من «السـهم الـذي يطير يف النهـار»)**(،
تعرض هذه العبارة بآية من سفر املزامري «ال ختشى من خوف الليل ،وال من سهم
)*( ِّ
ِ
يطري يف النهار»( ..املرتجم).
)**( انظر اهلامش السابق (..املرتجم).
46
الف�صل الأول
مبالغـة أن عاملـه قد تغير ،وإنـه مل َي ْعد ٍ أن ذلـك القـرد «أحـس دون
تلـك الضحيـة الضعيفـة للقـوى الطبيعيـة التـي حتيـط بـه») .(5ثـم
حيـدث الشيء ذاتـه ألعضـاء آخريـن يف تلـك الصـورة البدائية من
القبيلـة .يسـتخدم كوبـرك املشـهد ليجعلنـا نفهمـه بـذات الطريقة
التـي فهـم هبـا مراقب القمـر األمـر .حيث نسـتخدم ذكاءنـا لنرى،
الربـط بين َ ُخبر (وهـو األمـر الـذي حيـدث يف الروايـة)، ال ْ
ألن ن َ
(أ) اإلنسـان البدائـي وهـو يمسـك العظـم وينظر إليـه وإىل مججمة
التابير املطروحة أمامـه باسـتغراق ،و(ب) اللقطـات القريبة إلهبام
اإلنسـان البدائـي املتعامـدة على أصابعه عندما متسـك يـدُ ه اليمنى
بالعظـم لتجعلـه صانعـ ًا للأدوات .اآلن وقـد امتلك هـؤالء البرش
البدائيـون الـذكاء والقـدرة على صنـع األدوات ،فقد رشعـوا فور ًا
ِ
مواجهة ألغـراض عدوانيـة لتقويـة مركـز نوعهـم يف ٍ باسـتخدامها
آخـر .يعطينـا كالرك وصفـ ًا تفصيل ًّيـا نوعـ ًا مـا للخطـر املحـدق
الـذي كان يعيشـه هـؤالء البشر البدائيون .أمـا كوبـرك فريينا هذه
بلمسـة مـن الطرافـة الربيئـة ،أن ٍ املوضوعـة برص ًّيـاُ ،م ِ
بر ًا إيانـا،
نسـتخدم عمليـات التفكير النقـدي ذاهتا التـي اسـتخدمها مراقب
القمـر :إدراك التَامثـل واكتشـاف األنماط.
نـرى يف املعركـة التـي نشـبت حـول بركـة املــاء جتسـيد ًا لِت ََم ُّثل
َـر األعلى مكانـ ًة (األلفا) يف مراقـب القمـر َ
الذك َ ُ اإلقليميـة .أصبـح
املجموعـة ،قائـد ًا لزمـرة مـن الصياديـن وملجوعـة املدافعين عـن
دراماتيكـي يف املواجهـة الثانيـة بين
ٌّ منعطـف
ٌ اإلقليـم .ثـم حيـدث
املجموعتين مـن القرود :إذ نرى أن مراقــب القمـر وزمرته صاروا
50
الف�صل الأول
األدوات التـي انحـدرت مـع الزمـن عـن األداة األوىل ،وربما تكون
خفـي إىل كـون القلـم أقـوى من السـيف. ٍّ أيضـ ًا إشـار ًة مـن طـرف
ويتمحـور هـذا اجلـزء أساسـ ًا حـول تطـور التكنولوجيـا ابتـدا ًء من
مـة كأداة /سلاح مـن ِق َبـل مراقـب القمـر .وقد اسـتخدام أول ع ْظ ٍ
البشر يف األلفيـات التي تفصـل بني النقطتين الزمنيتين قواعدَ ُ بنـى
مأمور
ٌ هلـم على القمرُ .يظهر املشـهدُ التـايل شـخصي َة هيوود فلويـد،
ـفت تنتدبـه الواليـات املتحـدة للتحقيـق يف أمـر مسـ َّلة غريبـة اكت ُِش ْ
حمطـة فضائيةٍ حديثـ ًا عىل سـطح القمـر .وتتضمـن رحلتُـ ُه توقفـ ًا يف
قبـل أن يكمـل طريقـه نحـو القمـر ،حيـث نـرى يف املحطـة حدثـ ًا
تكـرار للمعركة اإلقليمية ٌ مشـاهب ًا ملا حدث يف املشـاهد األوىل للفيلم:
التـي حدثـت يف الفصـل األول من الفيلم املسـمى «فجر اإلنسـان»،
حيـث يواجـه َذكَـران مـن قبيلتين خمتلفتين بعضهما بعضـ ًا .يشـعر
الـروس ،الذيـن يمتلكـون أيضـ ًا قاعـد ًة على سـطح القمـر ،بالقلق
جـراء اإلشـاعات املنتشرة حـول التوسـع اإلقليمي لألمريـكان عىل َّ
ِ
القمـر وكـذا حـول يشء ما قد اكتُشـف هنـاك .حياول مأمـور رويس
إرهـاق فلويـد باألسـئلة؛ وتنتهـي املواجهـة بأزمـة وطريق مسـدود،
حادة قائالً« :ليسـت ٍ ٍ
بنظـرة حيـث يـر ُّد فلويد عىل املسـؤول الـرويس
لـدي الصالحيـة للتكلـم عن األمـر» .لقـد كان املشـاهدون يف العام
،1968حين كان األطفـال ُي َع َّلمـون يف املـدارس كيفيـة االحتماء يف
أثنـاء الرضبـات النوويـة ،قادريـن على فهـم داللـة هـذه الصـورة
احلديثـة مـن املواجهـة بين القبائـل الدوليـة والقـادة .ومل تكـن هذه
املواجهـة إال تطـور ًا طبيع ًّيـا للمواجهـة بين مجاعتي البشر البدائيني
حديثة،ٍ ٍ
قاعـة عنـد بركـة املـاء يف بدايـة الفيلـم ،لكنهـا جتـري هنـا يف
53
اجلذو ُر البدائ َّي ُة ل�سينما ُّ
الرعب
عواطف
ُ املذيـع ما إذا كان لنظـام هال
ُ عـن تكنولوجيا كهذهَ .ي ُ
سـأل
نَ ،يعمـل كومبيوتـر هـال 9000 حقيقيـ ٌة ،فيجيـب ديـف« :حسـ ٌ
مشـاعر حقيقيـ ٌة
ُ وكأن لـه عواطـف حقيقيـة ..أمـا مـا إذا كان لديـه
سـؤال ال أعتقـد أن أحـد ًا يسـتطيع اإلجابـة عليـه». ٌ أو ال فهـذا
لكـ َّن ا َملشـاهد التاليـة مـن فصـل «مهمـة املشتري» جتيب على هذا
الصفـات التكيفيـ ُة التي
ُ مرئـي .بلى ،لقـد ُم ِّـر َر ْت
ٍّ ٍ
بشـكل السـؤال
سـاعدت البشر على البقـاء – الدفـاع عـن اإلقليم ،والصراع بني
زعماء القبائـل إىل خليقتهـم – خليقة البرشـــ ،طفلنـا التطوري إن
صـح التعبير .فقـد أصبـح الكومبيوتـر ،كما يرجـح مذيـع البي يب
ال على «أداء ...معظم األنشـطة التي تطور يس يف الفيلـم ،قـادر ًا فع ً
الدمـاغ البشري ألدائها».
عندمـا بـدأ العطـب يـدب يف أجهـزة السـفينة الفضائيـة ،حبك
ديـف وفرانـك خطـ ًة إلطفـاء كومبيوتـر هـال الـذي زوده البشر
بغرائزهـم التـي ورثوهـا مـن متثالهتـم البدائيـة ،وقـد رد اجلهـاز
بشري .إذ اسـتطاع بعينـه
ٌّ على خطتهما تلـك كما يفعـل كائـ ٌن
االصطناعيـة أن يقـرأ حـركات شـفاه ديـف وفرانـك ومهـا حيبكان
مؤامرهتما لتعطيـل وعيه مؤقتـ ًا عىل األقـل .هكذا يصور لنـا الفيلم
مـرة أخـرى الغريـز َة اإلقليميـة؛ فكما فعـل مراقـب القمـر ،حاول
جهـاز هـال الدفـاع عن إقليمـه وحياته .إذ قـام بقتل العلماء الثالثة
املوضوعين يف حالة السـبات ،كما حـاول أن يدبر مكيـد ًة إلخراج
لا بقتـل فرانكديـف وفرانـك مـن داخـل السـفينة ،وقـد نجح فع ً
عندمـا خرج األخري السـتبدال أحـد أجزاء السـفينة يف اخلـارج(.)8
56
الف�صل الأول
ٍ
فـراش مواجه ًا املسـلة التـي هتبه اخللـود أخير ًا .ليبدأ يمـوت على
بعدهـا رحلـة العـودة إىل األرض بشـكله اجلديد :الطفـل النجمي.
هكـذا كانـت اخلامتة التصويريـة للفيلم غني ًة باأللغـاز الغامضة،
حيـث تقـدم جمـاز ًا إحيائ ًّيـا ملحوظ ًا على املـوت والتناسـخ ،املعتقد
الـذي ينتمـي إىل مدرسـة العصر اجلديـد ،الـذي وظفـه الفيلـم
ٍ
مرحلـة أخـرى مـن ليعـرض رؤيـة خياليـ ًة علميـة للتطـور إىل
واهلنـدويس إطـار ًا مناسـب ًا مـن
ُّ البـوذي
ُّ الكينونـة .و ُي َو ِّفـر ُ
التاثـان
مت لصناعـة النبرة الدينيـة أو التصاويـر املرجعيـة التـي اسـت ِ
ُخد ْ
العرفانيـة للفيلـم ،التـي أشـار إليهـا النقـاد كما اشـار إليهـا كوبرك
نفسـه .يركـز هـذان الرتاثان على االنفصال عـن العامل املـادي ومن
ثـم التناسـخ .ومـن الواضـح أن ديف قد حتـول وولِدَ مـن جديد يف
ٍ
مرحلـة تطوريـة أخـرى ،ويتيـح العرفان الرشقـي جماز ًا برص ًّيـا غن ًّيا
ملوتـه وإعـادة والدتـه مـن جديد.
املسلة يف هناية الطور الفاين من حياة ديف (كري دوليا )Keir Dullea
61
اجلذو ُر البدائ َّي ُة ل�سينما ُّ
الرعب
ِ
وعـال يبـدو أن كتابـات العرفـاين والراهـب املسـيحي اليسـوعي
احلفريـات تيلار دي شـاردان )1881-1955( Teilhard de Chardin
التـي تبنَّتهـا حركة العصر اجلديـد ،كانت إحـدى املصادر التي اسـتقى
فكـر شـاردان بين التطـور البيولوجـي منهـا الفيلـم مادتـه .يمـزج ُ
والعرفـان الرتانسـندنتايل (األمـر الـذي كاد أن يتسـبب بفصلـه مـن
لا من ِق َبـل الكنيسـة ،ومل تبدأ
الكنيسـة) .تعرضـت كتاباتـه للقمـع طوي ً
مقاالتـه وكتبـه بالظهـور إال يف هناية اخلمسـينياتُ ،ب َعيد وفاتـه ،ككتاب
ِ
Living in the Divine Milieuالـذي نُشر عـام 1957وكتـاب The
Phenomenon of Manعـام .1959وقد تلقفـت حرك ُة العرص اجلديد
أعام َلـه يف الوقـت الـذي كان فيـه كوبـرك يعمـل على فيلمه.
ٍ
بكثري من جمرد التغري يرصح شـاردان أن التطور البيولوجي أكثر
يف الشـكل املـادي بالتكيـف مع البيئـة واالنتخـاب الطبيعـي وبقاء
داروين .ففـي كتابـه The Phenomenon of األصلـح ،كام صـوره ِ
ٍ
بمصطلحـات تذكرنا باإلهلام ،Manيصـف شـاردان جذور الفكـر
ُ
التوصـل إىل الفكـر عتبـ ًة ال الـذي اختبره مراقـب القمـرُ « :يم ِّث ُـل
خطـوة واحـدة ،فتر ٌة جتريبيـ ٌة ترانسـيندنتالية ال ٍ بـد مـن ختطيهـا يف
يمكننـا أن نصفهـا علم ًّيـا على اإلطلاق») .(12وربما تصلـح كلامته
لوصـف جتربة ديـف يف خامتة فيلـم .2001ففـي ذات الوقت الذي
نـرى فيـه الكائنـات الفضائية وقـد أخذت ديـف ،نراه يتطـور أيض ًا
خمتلـف جد ًا عـن التطور
ٌ تطـور
ٌ مسـتوى ترانسـيندنتا ٍّيل آخـر،
ً نحـو
ِ
التمثلات البدائي َة. العضـوي الذي أوجـد يف البشر
يمكـن تلخيـص فيلـم 2001بأنه قصـة حتكي قـدوم الفضائيني
62
الف�صل الأول
موج ٌه
تطـور َّ
ٌ حـي يمكن أن ُيـرى عليه إىل األرض بحثـ ًا عـن نـو ٍع ٍّ
كـي يصبح ذك ًّيـا ،فيجـد الفضائيـون هذا النـوع ويغريونـه .ثم بعد
أن يمتلـك هـذا النوع ما يكفي مـن التكنولوجيا للسـفر يف الفضاء،
يقـوم الفضائيـون باجتـذاب أحد أفـراده من خلال رحلـة فضائية
أرسع مـن الضـوء عبر بوابـة النجـوم ،ليدخلـوه عاملهـم اخلـاص،
مسـتوى ال ينتمـي إىل العـامل
ً حيـث يقومـون بتغيير هـذا الفـرد إىل
املـادي ،ثـم يعيدونـه إىل األرض .ويؤكـد كوبـرك نفسـه أن هـذا
الوصـف هو اهليـكل األسـايس حلبكـة فيلمه.
لكـن هـذا التبسـيط املفـرط سـيكون كام لـو أننا نلخـص كتاب
Eve of St. Agnesجلـون كيتـس John Keatsبأنـه قصيـدة عـن
فتًـى يتسـلل إىل خمدع فتـاة ويامرس معهـا اجلنس ثم يغرهيـا باهلرب
كل من الفيلممعـه .إذ يف كلتـا احلالتين ،فإن العمل الـذي يتضمنـه ٌّ
والقصيـدة ،أعظـم بكثير من احلبكـة املجـردة .وربام يكـون عنوان
فيلـم كوبـرك األخير Eyes Wide Shutاملنتَـج عـام 1999جمـاز ًا
مناسـب ًا .إذ مل يسـتطع بطـل الفيلم األخير إدراك التفاصيـل املعقدة
للحيـاة؛ ألنـه خـاض غامرهـا – كما ُيسـتدَ ُّل مـن عنـوان الفيلـم
«بعينين مغلقتين على اتسـاعهام» .وحاملـا فتـح عينيـه ،اكتشـف
مسـتوى جديـد ًا وإشـكال ًّيا مـن التجربـة .كذلـك األمـر بالنسـبة
ً
ُملشـاهد فيلـم .2001إذ سـيجد فيـه املشـاهدون الذيـن يتلقونـه
ٍ
مفتوحـة أفـكار ًا عميقـ ًة عـن الطبيعـة البرشيـة ٍ
وعقـول ٍ
بعيـون –
وعـن عالقـة البشر بالتكنولوجيـا.
63
الفصل الثاني
التمثل اإلقليمي
يش ٌء مـا ال حيـب بنـاء اجلـدار» .ومـع ذلـك يبـدو أن مـن صميـم
طبيعتنـا بنـا َء اجلدران.
رسـومات
ٌ وقرنين يدعـى سيرنونوس ،Cernunnosوقد ُو ِجدت
متثـل كليهما عىل جـدران الكهـوف ،وأن الكنيسـة ،بحسـب هؤالء
املؤرخين ،قـد َخ َل َقـت صـورة الشـيطان مـن اللوحـات التـي
تصـور سيرنونوس هـذه لتفـادي املنافسـة ،كما أحرقـوا كاهنـات
ٍ
وخادمـات للشـيطان .يقترح هؤالء اإلهلـة باعتبارهـن سـاحرات
املؤرخـون أن عبادة الشـيطان قد نشـأت مـن عبادة سيرنونوس يف
األريـاف إ َّبـان العصـور املظلمة ،كـر ِّد ٍ
فعل عىل اسـتبداد الكنيسـة.
ويلخـص آرثـر ليونـز Arthur Lyonsنظرية اإللـه ذي القرون عىل
اكتشـافات جيمس فريزر
ُ أنه أصل شـخصية الشـيطان) .(9اجتذبت
James Frazerعـن اآلهلـة ذات القـرون يف العديـد مـن األسـاطري
اهتاممـ ًا كبير ًا هبـذا املفهـوم .بحلـول القـرن الثامـن عشر ،انتهـت
عمل ًّيـا عبـاد ُة الشـيطان بني صفـوف سـكان األريـاف ،لكن بعض
الن َُخـب اسـتمرت باالحتفـال بالقـداس األسـود كنـادي هيلفايـر
Hellfire Clubوجمموعـة َدير مدمنهـام Medmenham Abbeyيف
إنگلترا وغريهـا مـن الدوائـر التي جتمـع هـواة الشـيطان يف القارة
األوروبيـة .ثم مـع بزوغ فجر احلركة الرومانسـية ،أصبح الشـيطان
رمـز احلريـة والتمرد عىل السـلطة يف كتابات الشـعراء الرومانسـيني
الذيـن اقتطعـوا مقولة الشـيطان يف ملحمـة جون ملتـون الفردوس
املفقـود «سـيدٌ يف جهنـم أكـرم ِمـن َعب ٍ
ـد يف اجلنـة») (10من سـياقها. ُ ْ ْ َ ِّ
الشـاعر بايـرون Byronمقا َم الشـيطان حني
ُ يف كتابـه ُ Cainي َع ِّظـم
وعبر دوامـات اجلحيـم التي ال ْ «عبر األبديـة
يقـول على لسـانهْ :
قـرار هلـا ...سـأقاتله يف كل مـكان» .كذلـك يتكـرر صـدى كلامت
بايـرون على لسـان الشـيطان يف كلمات القبطـان آهـاب يف روايـة
71
اجلذو ُر البدائ َّي ُة ل�سينما ُّ
الرعب
باسـتخدام الـدم والبول فيه ،بدالً مـن اخلبز والنبيذ املسـتخدمني يف
الطقـس املسـيحي؛ اسـتخدام الصليـب املقلوب رأسـ ًا على عقب؛
ٍ
بزاويـة ختلق هلـا قرنني مرفوعين بدالً اسـتخدام النجمـة اخلامسـية
مـن وضعهـا الطبيعي؛ اسـتخدام رمز رأس العنزة؛ اسـتخدام الرقم
بإجياز يف ِسـ ْفر رؤيا يوحنـا الالهويت (اإلصحاح
ٍ ،666والـذي ُذ ِكـر
:13اآليـة )18؛ طقـوس العربـدة اجلامعيـة؛ إىل غير ذلـك مـن
اإلحيـاءات والتصاويـر التـي يمكـن تعقبهـا يف الفلكلـور .وقـد
كل مـن دينيـس ويتلي Dennis Wheatleyوويليـام فيسر وظـف ٌّ
وغريهم هذا الفلكلور
ُ وكونسـتانس كومبـي Constance Cumby
يف كتاباهتـم ورواياهتـم التي صدروها للجمهور املسـيحي املحافظ.
ُي َعـدُّ الشـيطان العبـ ًا رئيسـ ًا يف أفلام الرعـب .وهنـاك أربعـة
خطـوط رئيسـة حلبكـة األفلام الشـيطانية :الغـزو اإلقليمـي؛
كغـاز؛ االسـتحواذ؛ وقصـة فاوسـت ٍ املسيخ الدجـال antichrist
التمثلات واألفلام أساسـ ًا عىل وتـر اخلوف
ُ تعـزف هـذه ِ .Faust
البدائـي مـن اآلخر بوصفـه غاز ًيا خف ًّيـا يفرض حضـوره يف إقليمنا
مـع أتْباعـه :قبيلـ ٌة معاديـة أو طائف ٌة مزروعـ ٌة يف إقليمنا متهـد للغزو
الشـيطاين.
يف التراث املسـيحي ،كما ختربنـا ملحمـة الفـردوس املفقـود
الشـيطان متـرد ًا قوامـه نحـو ثلـث مالئكـة
ُ جلـون ميلتـون ،قـاد
اجلنـة .وقد س ِ
ـخطوا مجيعـ ًا يف اجلحيـم التي كانـت ُم َعدَّ ًة سـلف ًا من ُ
أجلهـم .يف ملحمـة جـون ميلتون ،ليـس رضور ًّيا أن الـرب قد قدَّ ر
كل يشء سـلف ًا ،لكنـه يعـرف مسـبق ًا كل مـا سـيحدث قطعـ ًا .يتبع
73
اجلذو ُر البدائ َّي ُة ل�سينما ُّ
الرعب
ٍ
بكائنات ميلتـون التقليدَ املسـيحي يف تصويـر اجلحيم كمكان يعـج
قـد حتـاول غـزو إقليمنـا إذا مـا اسـتطاعت ذلك ،بنـا ًء على القصة
اليهوديـة املسـيحية التـي تـروي كيف هرب الشـيطان مـن اجلحيم
ليغـزو جنة عـدن .ويف األفالم التـي انبثقت عن هذا التراث ،غالب ًا
ٍ
بوابـة تفصـل بين اإلقليمني ،ويقـوم عىل مـا يتضمـن الغـزو عبور
حراسـتها بعـض املدافعني.
الصراع ،العنرص
َ َتمـل املواجهـ ُة الناجتـ ُة عـن الغزو يف طياهتـا
املحـوري يف الدرامـا .يالحـظ دينيـس داتـون :Dennis Dutton
«عبر كل التاريـخ الثقـايف املعـروف ،متحـورت القصـص أساسـ ًا ْ
أن الصراع يتضمن حـول الصراع واملشـاكل» ،كام يسـجل داتـون َّ
« -1رغبـ ًة برشيـ ًة و -2نو ًعا مـن العراقيل التي تعيقهـا») .(13فمثالً،
ليـس يف قصـة وقـوع بنجامين بـرادوك يف حـب إيلين روبنسـون
وزواجـه منهـا ما يثرينـا تكيف ًّيا .لكـن عندما نجد أن إيلني تكتشـف
ٍ
عالقـة مع يف غمـرة قصـة حبهـا مـع بـرادوك أنه قـد كان سـابق ًا يف
قصة شـديدة اإلثارة ،حيث يدخل والدهتـا ،حينهـا يتحول األمر إىل ٍ
الصراع على اخلط ،وهـو مـا حـدث يف فيلـم .The Graduateأما
الصراع املركـزي يف األفلام الشـيطانية ،فهو الرصاع على اإلقليم.
ً ً َ َ ْ
«ال تدع شيئا شريرا يدخل ههنا»:
أفالم The Sentinel، Prince of Darkness، Cabin in
،the Woods، Poltergeistو Insidious
ذكرنـاه قبـل قليـل .يف األفلام الشـيطانية ،غالبـ ًا مـا تكـون هنـاك
مجاعـ ٌة رسيـ ٌة حتـرس البوابة مـن الغـزو املتوقـع للشـيطان وأتباعه،
ِ
لي عـن اإلقليم ضـد اآلخرين .هكـذا يكون نمـوذج للدفـاع ال َق َب ِّ
ٍ يف
البدائـي لقبيلتين متحاربتين يف العديـد مـن األفالم ِ
املعـاد ُل لدينـا
ُّ
الشـيطانية ،واحـد ٌة حتـاول تنفيـذ الغـزو ،فيما حتاول األخـرى منع
وقوعه .نـرى يف اللقطات االفتتاحية لفيلـم The Sentinelجمموع ًة
مـن الرهبـان ُي َص ُّلـون مرددين «ال تـدَ ْع شـيئ ًا رشير ًا يدخـل ههنا».
ثـم ينتقـل املشـهد إىل أليسـون باركر ،عارضة ناجحة تسـكن شـقة
إجيـار منخفـض يثير الريبـة بعـض ٍ أنيقـة يف بنايـة فاخـرة مقابـل
الشيء .حتـدث بعـض األشـياء الغريبـة .تصـاب أليسـون بنوبات
نـص باللغة الالتينيـة ،رغم إهنا غيبوبـة ،ويف إحداهـا ،تقـوم بكتابة ٍّ
مل تتعلـم هـذه اللغـة إطالق ًا .هكذا هيـرع حبيبها مايكل إىل الكنيسـة
ٍ
ترمجة له. ال يف احلصول على لا النص الـذي كتبتْه أليسـون ،أم ً حام ً
مقتبـس من ملحمـة الفـردوس املفقود ٌ وهنـاك يكتشـف أن النـص
جلـون ميلتـون ،وفيـه يتلقـى امللاك گابرييل أمـر ًا من أرييـل Uriel
بحراسـة بوابـة اجلحيـم ومنع الشـيطان من اخلـروج منهـا واقتحام
جنـة عـدن« :واجبـك هـو احلراسـة الصارمـة هلـذا املـكان ،أن ال
تـدع شـيئ ًا رشيـر ًا يدخـل هـذا املـكان السـعيد أو يقرتب منـه»).(14
قـس ُم ِسـ ٌن أعمى يعيـش يف الطابق تتعـرف أليسـون على هالريانٌ ،
العلـوي مـن البنايـة .ثـم نعـرف الحقـ ًا أن هاليران هـو احلـارس
ٍ
رسيـة ُع ِهدَ إليها بحاميـة البوابة ٍ
مجعيـة ،Sentinelالعضـو األهـم يف
الفاصلـة بين اجلنة واجلحيـم ،وهاليران هذا هو الشـخص األخري
مـن نسـل العائلـة التـي توارثت القيـام بعمل امللاك گابرييـل .تقع
75
اجلذو ُر البدائ َّي ُة ل�سينما ُّ
الرعب
البوابـة يف البنايـة التـي تقـع فيها شـقة أليسـون .كام يعيـش يف تلك
البنايـة أيضـ ًا أفرا ٌد مـن الطائفـة الشـيطانية حياولون التمهيـد لعودة
َكتشـف أليسـون أهنا قـد ُاختيرت لتكونسـيدهم الشـيطان .ثـم ت ِ
احلارسـ َة اجلديـدة التـي ختلـف هاليران يف حراسـة البوابـة ومنـع
غـزو الشـيطان إلقليـم البرش.
أن معظـم أفلام يسـجل كينـدال فيليبـس َّ Kendall Philips ِّ
املخـرج جـون كاربنتر John Carpenterتتمحـور حـول قصـص
الغـزو ،مستشـهد ًا بأفلا ٍم لـه مثـل Assault on Precinct 13و
ٍ
إنتـاج لفيلم The Fogباإلضافـة إىل فيلـم The Thingوهـو إعادة
قديـم) .(15يو ِّظـف فيلـم Prince of Darknessأيضـ ًا حبكـة الغزو
اإلقليمـي مـع اسـتخدام تفريعة أخـرى من قصص أسـطورة كثولو
قصـصٌ Cthulhu mythosلالفكرافـت ،H.P. Lovecraftوهـي
حتكـي سـعي جمموعـة القدمـاء The Old Onesللعـودة جمـدد ًا من
بعـد خمتلـف .لكـن كاربنتر يمـزج يف هـذا الفيلـم بين الفكرافت ٍ
مسـيحية غير واضحـة حـول الشـيطان باإلضافـة إىل ٍ ٍ
وحبكـة
بعـض اخليـال العلمـيَ .يكتشـف القس لوميـس (دونالـد بليزانس
أخ ِو َّيـ َة النـوم The Brotherhood of َّ )Donald Pleasence
أن َ
( Sleepقبيلـة أخـرى مـن املدافعين) كانـت حتـرس أللفـي عـا ٍم
الوعـاء الـذي حيتوي جوهر الشـيطان ،الـذي يوجـد –الوعاء اآلن
يف كنيسـة لـوس انجلـوس .مـن ثـم يقـوم لوميـس بتجنيـد أسـتاذ
الفيزيـاء بيراك (فيكتـور وونـگ )Victor Wongوطلبتـه لتحليـل
َ
الشـيطان الذي سـيقتحم بدوره الوعـاء ،الـذي إذا ما ُفتِ َح سـيحرر
76
الف�صل الثاين
80
الف�صل الثاين
العـامل الروحـي إلنقـاذ طفله ،رغـم إننا نـرى يف هناية الفيلـم أنه قد
جلـب الكيان الرشيـر معه.
يتشـابه عنصر الرعـب يف فيلـم Insidiousكثير ًا مـع مثيلـه يف
َ
لعـال البرش من غـزو
ٌ فيلـم .Poltergeistففـي كال الفيلمين هنـاك
خطر شـديد طفل يف ٍ ِق َبـل آخر ،كائـ ٌن خارق للطبيعـة ،وهناك أيض ًا ٌ
حيـدق بـه من طـرف ذلـك اآلخـر ،وأخير ًا هنـاك والـدٌ يذهب إىل
مظهـر َ
اآلخرانية: َ إقليـم الغازي إلنقـاذ الطفـل .نالحظ أن للغـزاة
الرجـل الذي تشـع مـن وجهه النـار والعجـوز التي تظهـر يف املرايا
والصـور الفوتوغرافيـة ،التـي وصفتْهـا رينيير بالــ « ُطفيليـة» التي
ٍ
أبعـاد أعمق يف عـامل األرواح. تسـحب دالتـون إىل
كانـت األفلام اخلمسـة األخيرة التـي ناقشـناها جمـرد أمثلـة
على اسـتخدام الت ََم ُّثـل البدائـي للغـزو الشـيطاين أو غـزو األرواح
األنـواع األخرى ٍ
بوابـة تفصل بين عا َلين .تتضمـن عبر
ُ الرشيـرة ْ
مـن البوابـات التـي تسـتغلها الشـياطني للغـزو لوحـات الوجيا كام
يف فيلـم The Exorcistوغيره الكثير مـن أفلام الوجيـا منخفضة
امليزانيـة كفيلـم Witch Boardاملنتَـج عـام ،1986وفيلـم Ouija
املنتَـج عـام ،2013كما تتضمـن أيضـ ًا املرايا كما يف َ
فيلمـي Prince
of Darknessو Mirrorsعـام .2008يؤكـد املختصـون بعلـم
النفـس التطـوري على مركزيـة الدفـاع ال َق َبلي عـن اإلقليـم يف
طبيعتنـا كبرش .يتعقب رينـي دوبو René Dubosجـذور اإلقليمية
territorialityإىل العصر احلجـري القديـم عندمـا كانت جمتمعات
الصيـد وااللتقـاط ختيـم قـرب مصـادر امليـاه ،حيـث كان الرجـال
83
اجلذو ُر البدائ َّي ُة ل�سينما ُّ
الرعب
املسـيخ الدجال غازي ًا وآخر أيض ًا ،آتيـ ًا من اجلحيم ليحكم األرض،
وغالبـ ًا مـا يكـون مدعومـ ًا مـن ِق َبل طائفـة دينية مـا ،قبيلـة معادية.
غالبـ ًا مـا جيـري تعظيم خطـر املسـيخ الدجـال يف هذه األفلام ْ
كأن
ٍ
كبوابـة للعبور. العـال من خلال َر ِحم امـرأة
َ يـأيت هـذا الغـازي إىل
وهـذا مـا حـدث يف فيلـم Rosemary’s Babyاملنتَـج عـام ،1968
مـن إخـراج رومـان بوالنسـكي Roman Polanskiوالـذي يقـوم
روايـة للكاتـب إيـرا ليفين .Ira Levinعندمـا ينتقـل ٍ أساسـ ًا على
روزمـاري وزوجهـا گاي وودهـوس (مايـا فـارو Mia Farrow
وجـون كاسـافيتز )John Cassavetesإىل شـقة يف بنايـة راقيـة يف
برانفـورد ،نيويـورك ،يصبحـان حتت سـيطرة َع َبدَ ة الشـيطان الذين
يسـتغلون نقطـة ضعـف گاي وعـدم رضـاه عـن مهنتـه كممثـل،
ف ُي ْقنِعونـه بـأن يسـمح للشـيطان باغتصـاب روزمـاري .تكتشـف
روزمـاري تدرجييـ ًا الوجـه احلقيقـي جلرياهنـا يف البنايـة ،طائفـ ٌة من
أي مسـاعدة َع َبـدَ ة الشـيطان تقتـل كل مـن حيـاول مسـاعدهتا – ْ
روزمـاري يف التنبـه للخطـر املحدق هبا .يقـوم هؤالء النـاس بأخذ
الطفـل مـن روزمـاري فـور والدتـه ،لكنهـا تتدبـر أمر اهلـرب من
ُج َـزت فيها وتذهـب ملواجهة املجموعـة .فيقودها غرفتهـا التي احت ِ
رومـان ،رئيـس املجموعـة ،نحو املهـد الـذي يرقد فيه طفـل ،وهو
ٍّ
متـدل يف وض ٍع صليب
ٌ أسـود ،وقد ُع ِّلـق أعاله ٍ
بقامش ْ مهـد مغطى
مقلـوب .وحاملـا تقع عينـا األم على طفلها ،تصرخ باكيـ ًة يف فزع،
«مـا الـذي فعلتمـوه بعينيـه؟» فيجيـب الزعيـم رومان «لقـد ورث
الطفـل عينَـي أبيـه ...الشـيطان هو أبـوه ،وليس گاي .لقـد أتى من
وأو َلـدَ ِك طفلاً!» ،ورغـم كل هـذا نالحـظ يف اللقطـات اجلحيـم ْ
87
اجلذو ُر البدائ َّي ُة ل�سينما ُّ
الرعب
بشـكل واضح جـد ًا ،تقليدي ٍ أيديولوجـي« :الفيلـم قديـم الطـراز
َبرأ ُّ
الشـك إىل العائلـة وصالحهـا كوحـدة؛ ُيت َ َّ ورجعـي :ال يتطـرق
الطفلَ ٍ
قصـد مـن الرعـب بجعـل العائلة األمريكيـة تتبنى عـن غري
العـال القديـم؛ كذلك فـإن الطفل الشـيطاين َ الشـيطاين القـادم مـن
وحارسـته (إىل حـدٍّ ما ،يمكـن تأويلهام أسـطور ًّيا عىل إهنما يرمزان
إىل حتريـر الطفـل وحتريـر النسـاء) اللذيـن ُي َقدَّ مـان بوصفهما رش ًا
مطلقـ ًا) .(24برغـم ذلـك فـإن هـذه الصفـات التـي يدينهـا وود يف
ِ
تشـعل الـوالء ال َق َبيل واخلـوف اإلنـايب من الفيلـم هـي تلـك التـي
اآلخـر .ربام تكـون احلبكـة مبتذلة بعض الشيء ،لكن الغـزو ومـن َ
املخـرج دونر نجـح يف إحيـاء التمثلات البدائية كيام يسـتطيع إثارة
الرعـب املمتع وحصـد النجـاح السـينامئي التجاري.
يـؤدي النجـاح التجـاري واملـايل للفيلـم إىل صناعـة إحلاقيـات
كمـل فيلام THE Omen IIاملنتج sequelsله ليتحول إىل سلسـلة .ي ِ
ُ
عـام 1978و )1981( THE Omen III: The Final Conflict
مسيرة داميـان ،املسـيخ الدجـال ،والـذي يـدرك تدرجييـ ًا طبيعتـه
حلركة مـن حـركات النظام العاملـي اجلديدٍ ومهمتـه ويصبـح قائـد ًا
َـل مع القـدوم الثاين للمسـيح .يف كل فيلم مـن الثالثة ،هناك ثـم ُيقت ُ
طائفـ ٌة شـيطاني ٌة حتـاول مسـاعدة املسـيخ الدجـال على إمتـام غزوه
وسـيطرته على األرض ،بينما هنـاك مجاعـ ٌة صغير ٌة حتـاول قتلـه
ِ
نموذجي للــ «نحن» ضد الـ
ٌّ وإقليمي
ٌّ رصاع َق َب ٌّ
لي ٌ والتخلـص منـه،
«هـم» .أعيـد إنتـاج نسـخة شـبه مطابقة للفيلـم األول يف السلسـلة ُ
عـام .2004عـام ،1992أنتِـج فيلـم ،The Omen IVإحلاقيـ ٌة مـن
91
اجلذو ُر البدائ َّي ُة ل�سينما ُّ
الرعب
ـض مــن املؤلــف بــا ورد يف إنجيــل متــي ،اإلصحــاح الســادس ،اآليــة )*( تعريـ ٌ
الرابعــة والعرشيــن« :ال تقــدرون أن ختدمــوا الــرب ومامــون» أو «ال تقــدرون أن
ِ
(املرتجــم). ختدمــوا الــرب واملــال» ،حيــث مامــون هــو رمـ ٌـز للثــراء واملــال..
94
الف�صل الثاين
يف شـخصية جـون ميلتـون (وقد حيمل االسـم املختار إحيـا ًء أدب ًّيا)،
حمـا ٍم يقطن مدينـة نيويورك ،حيـاول ميلتـون أن يدبر عالق ًة جنسـي ًة
بين ابنتـه كريتسـابيال وبين كيفـن ،الـذي نعـرف الحقـ ًا أنـه ابنـه
أيضـ ًا ،األمـر الـذي سـيؤدي إىل والدة املسـيخ الدجـال مـن رحـم
العـال .يعتمـد كال الفيلمين على َ كريتسـابيال ودخولـه إىل هـذا
رسديـة البوابـة ووالدة املسـيخ الدجـال.
لخـص ميـك برودريـك Mick Broderickتأثير حبكـة ُي ِّ
املسـيخ الدجـال يف األفلام التـي ذكرناها وأفلا ٍم أخرى مـن قبيل
The Omega Codeعـام Lost Souls ،1999عـام ،2000و End
الشـك والقلق، ِّ ٍ
منظـور ثقـايف« :يف فرتات of Dayعـام 1999مـن
ت َُو ِّفـر الرسديـات السـينامئي ُة لنهاية العـامل ،والتي متثل جتسـيد ًا حرف ًّيا
شـخص ًا للمسـيخ الدجـال ،توفر قالب ًا أسـطور ًّيا تارخي ًّيـا للدراماو ُم َّ
ُي َب ِّسـط العالقـات املعقـدة لتحالفـات اخلير أو الشر ،الصـواب أو
اخلطـأ ،والتـي تتكشـف وفقـ ًا خلطـة كونية مسـبقة تقـدِّ م لنـا حبكة
درامية بعنـوان نحن/هـم»).(26
ال يمكـن إنـكار قـوة تأثير الثقافـة على ذائقتنـا السـينامئية أو
الفيلميـة .وربام كان للقلق الـذي أمل َّ بالعامل مع انتهـاء القرن املنرصم
دور يف جعـل األفلام التـي تتنـاول املسـيخ الدجـال وهنايـة العـامل ٌ
أشـدَّ تأثير ًا وإخافـ ًة .لكن حتليـل بروديـرك للـ «نحن/هـم» ينطبق
جمال أوسـع .إذ يؤكـد املختصون بعلـم النفس التطـوري طبع ًا على ٍ
على التأثري اإلضـايف للنـداءات التي تنبع مـن داخلنـا لتحذيرنا من
الغـازي اإلقليمـي ومـن املنافـس الذي يفسـد حوضنـا اجليني.
95
اجلذو ُر البدائ َّي ُة ل�سينما ُّ
الرعب
وهم وضوح ًا شـديد ًا. إىل تشـنجات ريگان على الرصاع بني نحـن ُ
الفيلم على التمثـل البدائي للغـزو والدفاع املسـتميت ُ أدخ َـل هـذا
َ
ضـده تغيير ًا َت َ َّثل يف كـون البوابة هنا فتا ًة عىل عتبـة البلوغ والتحول
إىل امـرأة .كما إن حـدوث الصراع يف غرفـة نومها يغمـز من طرف
خفـي إىل وجـود مضامين جنسـية واغتصاب يف هـذا الغـزو .ينبع
الرعـب البيولوجـي يف هـذه القصـة من الدفـاع عن اإلقليـم ،وهو
راهقـ ٌة على وشـك البلوغ ،وكـذا من خطر إفسـاد يف هـذه احلالـة م ِ
ُ
اإلحياءات اإلنجيليـ ُة من تأثري
ُ احلـوض اجليني من قبـل آخرُ .ت َع ِّـزز
معركـة اخلري والشر ،اآلخـر وا ُملدافِع ،وتوفـر خلفي ًة غنيـ ًة للرصاع
الدرامـي .يتابـع األب كاراس املعركـة بعـد مـوت األب مرييـن،
الشـيطان املسـتحوذ عىل ريگان عن اسـمه .جييبه الشيطان: َ ويسـأل
«اسـمي ليجـن ،»legionيف إحالـة على مـا ورد يف إنجيـل مرقس:
اإلصحـاح اخلامـس ،اآليـة 9والتـي تتحـدث عـن عمليـة طـرد
َ
الشـيطان املسـيح
ُ ُ
يسـأل للشـياطني قـام هبـا املسـيح ،ويف أثناء ذلك
ال اسـمي جلئـون ألننا عـن اسـمه« :وسـأله ما اسـمك فأجـاب قائ ً
كثيرون»)*( ،وتتكـرر القصـة يف إنجيـل متّـي وإنجيـل لوقـا أيض ًا.
املقطـع اإلنجيلي هـذا مصـدر ًا للفكـرة الفلكلوريـة ُ قـد َيكـون
الشـائعة القائلـة أن معرفة االسـم احلقيقي لشيء ما كفيلـ ٌة بتحقيق
السـيطرة عليه وا َملسـك بزمامه ،فقد اسـتخدمت الروائية أورسـوال
يل جويـن Ursula Le Guinهـذه الفكـرة أيض ًا يف سلسـلة روايات
)*( نالحــظ هنــا أن كلمــة جلئــون يف الرتمجــات العربيــة لألناجيــل هــي مقابــل
لكلمــة legionاالنگليزيــة املأخــوذة – الكلمــة مــن الالتينيــة ،وتعنــي يف كلتــا
ِ
(..املرتجــم).اللغتــن فيلقــ ًا أو حشــد ًا ،باملعنــى العســكري واجلنــود خصوص ًا
98
الف�صل الثاين
99
اجلذو ُر البدائ َّي ُة ل�سينما ُّ
الرعب
«سأحرق كتبي!»:
أفالم ،Dr. Faustus، The Devil and Daniel Webster
و Angel Heart
بـدأت أسـطورة فاوسـت يف القرن السـادس عرش ،وهـي قص ٌة
حتكي كيـف عقدت شـخصي ٌة تارخيي ٌة صفق ًة مع الشـيطان .ويصف
«سـاحر أو
ٌ گـوردون ميلتـون Gordon Meltonذلـك الرجـل بأنه
ضر أرواح متنقـل اكتسـب شـهرته مـن شـخصيته الفاتنـة»).(27 ُم ِّ
ٍ
صاخـب ٍ
فتر ُض أنـه قـد أغـوي وسـقط يف اجلحيـم إثـر لقـاء
و ُي َ َ
مـع الشـيطانُ .طبِعـت احلكايـة على هيـأة كتيـب صغير يف أملانيـا
عـام ،1587ثـم تناولتهـا أقلام األدباء العظـام ابتدا ًء مـن مرسحية
كريسـتوفر مارلـو Christopher Marloweحتـت عنـوان «التاريخ
املأسـاوي للدكتـور فاوسـت The Tragical History of Dr.
Faustusعـام 1604وصـوالً إىل مرسحيـة Faust، ein Tragödie
للشـاعر األملاين الشـهري يوهان فـون گوتـه ،Johann Von Goethe
100
الف�صل الثاين
منهـا رمـز ًا شـيطان ًّيا .يف أحد املشـاهد ،نـرى أيض ًا النجمة اخلامسـية
املقلوبـة منقوشـ ًة على أحـد األسـنان األماميـة للعـازف األسـود
الـذي حياربـه هـاري ،ويدعـى توتـس سـويت .حييـل الفصـل
االفتتاحـي للفيلـم ،والـذي نـرى فيـه أبخـر ًة تتصاعـد مـن جماري
ٍ
مشـهد مظلـم ،إىل اجلحيم التحتـي ،إقليم خمتلف شـوارع املدينـة يف
وغريـب .تتناثـر يف الفيلـم بعـض املشـاهد هلبوط هاري من سلامل
ملتفـة ،كنايـ ًة عـن ت ََر ِّديـه إىل هاويـة اجلحيـم ،كما احلـال مـع داللة
املشـهد اخلتامـي للفيلـم ،حيـث ينـزل هـاري باسـتخدام املصعـد:
رحلـ ٌة إىل اإلقليـم اجلديـد .يتمحـور الفيلـم أساسـ ًا حـول املسـار
األوديبـي الـذي يسـلكه هـاري الستكشـاف نفسـه .حيـث نعرف
تدرجييـ ًا أن روحين تسـكنان جسـده ،روحه وروح جـوين فافرت،
الشـخص الـذي اسـتأجر سـايفر هـاري إلجيـاده يف بدايـة الفيلـم،
وبالطبـع كان سـايفر يعـرف النتيجـة مسـبق ًا .كان فافـرت سـاحر ًا
متمكنـ ًا قـد باع نفسـه على الطـراز الفاوسـتي .وعندما حـان وقت
أحـل روحه يف دفـع الثمـن لسـايفر ،حـاول فافـرت التملـص بـأن َّ
جسـد هـاري أينجـل .مـن منظـور نقـد الصفـات البدائيـة ،يكمن
الرعـب هنـا ال يف حتـول أحدنا إىل آخر فحسـب ،بل أيضـ ًا يف قيامه
فـرد آخـر منـا إىل ذات املصري املأسـاوي. بسـحب ٍ
113
اجلذو ُر البدائ َّي ُة ل�سينما ُّ
الرعب
وثيق ٍ
اتصـال ٍ معظـم األحيان ،فـإن هذه املوضوعـات الثقافية عىل
جـد ًا بالتمثـل البدائي الـذي نتكلم عنـه :اإلقليمية .قبـل أن يرشع
أشـخاص يقرتبـون مـن ٍ املرخييـون بمامرسـة العنـف ،نـرى ثالثـة
ما أبيض إحـدى سـفنهم – سـفن املرخييين حيمـل أحد الثالثـة َع َل َ ً
وحيـدِّ ث رفيقيـه قائلاً« :اجلميـع يفهـم داللـة ال َع َلـم األبيـض».
لكـ َّن املرخييين حيرقـون الثالث َة باألشـعة القاتلـة .من منظـور أيام
احلـرب البـاردة ،ربام يكون املشـاهدون قـد فهموا مغـزى الفيلم:
وهـو إن الـروس ال يمكـن أن يعتربونـا أصدقـاء ،وإهنـم أعـدا ٌء
عديمـو الرمحـة عىل األرجـح .أما مـن منظـور الصفـات البدائية،
فـكال املرخييين والـروس قـادرون على إيقـاد الرعـب اإلنـايب
لآلخـر ،وهـي فينـا بوصفهـم غـزا ًة إلقليمنـا وبوصفهـم جتسـيد ًا َ
بكثير من املشـكلة الثقافيـة الوقتية ٍ اسـتجاب ٌة بدائيـ ٌة أعمـق وأقدم
التـي يتناوهلـا الفيلم.
اإلصـدار األحـدث مـن الفيلـم ( ،)2005والـذي ُ ال يتضمـن
حيمـل اسـم الروايـة ذاتـه ،إال القليـل من املحتـوى األصلي لرواية
ويلـز .لكنـه يقـدم تنويع ًا خمتلفـ ًا عىل حبكـة الغزو اإلقليمـي .إذ إن
ُسـ ُفن الفضائيني يف هـذا الفيلـم ،مدفون ٌة عميق ًا حتـت األرض ،ربام
ٍ
شـخصيات نموذجي ًة ٍ
قـرون من الزمـن .ويعتمـد الفيلـم منـذ عدة
نموذج
ٌ ور راي فريير،معـارصة .يلعـب تـوم كـروز َ Tom Cruiseد َ
ٍ
عامـل بسـيط يف حتميـل ثقـايف للبطـل النقيـض ،حيـث هـو جمـرد ٌّ
السـفن الراسـية يف املينـاء ،وقـد خسر زواجـه وانفصل عـن طفليه
ترك زوجتُـه السـابق ُة طفليهما معه بسـبب سـلوكه غير املنضبطَ .ت ُ
114
الف�صل الثاين
ليعتنـي هبما يف عطلة هناية األسـبوع ،ويركـز الفيلم عىل سـعي راي
املسـتميت إلنقـاذ طفليه.
َ
أشـكالا كما وصفهـا ُ
أشـكال سـفن املرخييين يف الفيلـم تشـبه
ويلـز يف الروايـة .عـدا ذلـك ال حيمـل الفيلـم مـن الشـبه بالروايـة
اآلخر
أي احتلال َ إال القليـل ،إذا اسـتثنينا هيـكل احلبكة الرئيسـةْ ،
إلقليمنـا .يقـوم الغـزاة املرخييـون بجمـع البشر واسـتخالص
دمائهـم وأجسـادهم لتسـميد نبتـة عىل شـكل حشيشـة محـراء يبدو
أدبيـات اخليـال العلمـي
ُ تناولـت
ْ أهنـم يتغـذون عليهـا .كثير ًا مـا
ِ
حبكـ َة اسـتخدام البرش كطعـام ،إنام كام يشير برايان ألـدسBrian
،Aldissفـإن الفضائيين لن يغـزوا األرض ملجرد اسـتخدام البرش
كطعـام« :فلحـوم البقـر خيـار أفضل بعـض اليشء ،لكنـه – اللحم
البشري ُيسـتَخدَ م يف األدب واألفالم لتكثيف جرعـة الرعب»).(36
كذلـك يرجح علـم النفس التطـوري أن اخلوف مـن املفرتس الذي
يصطادنـا ليأكلنـا ال بد أن يكون أعمق رسـوخ ًا يف ذاكرتنـا البدائية.
بالع ْلـم أو التطـور البيولوجـي ال حيمـل الفيلـم الكثير ممـا يتعلـق ِ
َ
ِ
عـدا شـخصية املجنـون هـارالن أوگلفـي (و ُيناظر شـخصية رجل
املدفعيـة يف الروايـة ،وقـد أدى تيـم روبنـز Tim Robbinsهـذا
لا «لـن نسـتطيع النجـاة يـا راي .مل نُخ َلق الـدور) حيـث يبكـي قائ ً
اخلطر
ُ هبـذا املسـتوى» .مـن املضامين املسـترتة لقصـة الفيلم أيضـ ًا
املحـدق بالطفلـة ريتشـل (داكوتـا فاننـگ ،)Dakota Fanning
وهـي جزئيـة تدق جـرس اإلنذار عند املشـاهد بخصـوص التهديد
املحـدق باحلـوض اجليني.
115
اجلذو ُر البدائ َّي ُة ل�سينما ُّ
الرعب
هبـدف سـلب ثرواتـه .يسـلط فيلـم كاميرون هـذا الضـو َء عىل أن
«هـم» والـ «نحن»، التحـوالت الثقافيـة يمكن أن تغير منظورنا للـ ُ
آخـر. وأن ختلـق تعاطفـ ًا مـع أولئـك الذيـن نُصنِّفهـم عـاد ًة بأهنـم َ
اهلمـج النبلاء يف الرتاث الفلسـفي الروسـوينَ ُيم ِّثـل شـعب النـايف
(نسـب ًة إىل جـان جـاك روسـو) .ومـن اجلديـر باملالحظـة إن َف َر َحنا
بانتصارهـم ونجاحهـم يف الدفـاع عـن إقليمهـم ضـد التكنولوجيا
و َطمـ ِع الشركات ،يشير إىل األثـر الكبير الـذي تلعبـه الثقافـة يف
تغيير رؤيتنـا هلـذا الت ََم ُّثـل البدائـي .لكـ ْن رغـم تعاطفنا مـع َ
اآلخر
الفضائـي يف الدفـاع عـن إقليمـه ضـد الغـزاة مـن بني جنسـنا ،فإن
التمثـل البدائـي ما زال كما هو ،وكلام تغير فيه هو البـؤرة .فا ُملدافِع
اآلخـر الفضائـي بـدالً مـن البرش.
يف فيلـم Avatarهـو َ
يف فيلـم They Liveاملنتـج عـام ،1988يقـدم املخـرج جـون
اآلخـر الفضائـي املتخفـي، كاربنتر تفريعـ ًة سياسـي ًة على حبكـة َ
ٍ
خمتلـف متامـ ًا لآلخرانيـة .بأحداثـه التـي جتـري يف زمـن ٍ
وبمنظـور
الفيلم
ُ مـن املسـتقبل يشـبه إىل حـدٍّ ما فترة الكسـاد العظيـم ،يتت َّبـع
األحـداث التـي حتدث للهائـم (جورج بـاك فلـور George Buck
ٍ
جمموعـة مـن املقاومين عىل ،)Flowerحيـث حيصـل األخير مـن
نظـارة شمسـية تكشـف لـه الفضائيين املتخفين الذيـن حيكمـون ٍ
ٍ
تقنيـات إلكرتونية املجتمـع األمريكي .يقوم الفضائيون باسـتخدام
إلخفـاء أنفسـهم ومتويـه الرسـائل اخلفيـة املكتوبـة يف إعالنـات
التلفزيـون ولوحـات الشـوارع ،رسـائل مـن قبيـل «ال تقـاوم» و
« َت َق َّبـل األمـر» ،وال يمكن رؤيتها إال باسـتخدام النظـارة املذكورة.
119
اجلذو ُر البدائ َّي ُة ل�سينما ُّ
الرعب
كل يشء .مل تعـد هنـاك بلـدان ،مل يعـد هناك أخيـار .يديـر الفضائيون
الكوكـب اللعين بأكمله».
َ األمـر برمتـه .إهنـم يملكـون كل يشء،
متثل الغزو مـن ِقبل َ
اآلخر املذكـور َ
ُ فيلم كاربنرت
حـول ُ
إذن فقـد َّ
مـن صنف الرعـب إىل ٍ
نقد للظلـم االقتصادي .ومع ذلـك فإن َت َ ُّثل
حـارض يف الفيلـم .لكنـه ال يقتصر هنـا على الفضائيين كام
ٌ اآلخـر
َ
اآلخرانية احلـال يف معظم أفلام اخليـال العلمي ،بـل يمتد ليشـمل َ
عىل مسـتوى الطبقات االجتامعيـة واالقتصادية.
يالحـظ إدوارد أوزبـورن ويلسـون أن األقـوام البدائيـة تقسـم
ـهل هـذه اآلخريـن« .ت َُس ِّ َ
العـال إىل اإلقليـم الـذي يعرفـون وإقليـم َ
الطوبوغرافيـا البدائيـ ُة التمييـز بني األعـداء الذين يمكـن مهامجتهم
وقتلهـم وبين األصدقـاء الذيـن ال ينبغـي أن ُيف َعـل هبـم ذلك .كام
جيـري أيضـ ًا تضخيـم هـذا التصنيـف الثنائـي باختزال األعـداء إىل
كيـان خميـف أو كيان أقـل من برشيـ ًة حتى») .(37لقد توسـعت ٍ جمـرد
هـذه الطوبوغرافيـا يف أفلام اخليـال العلمـي يف القـرن العرشيـن
لتجعـل األرض إقليمنـا الـذي ينبغـي لنـا الدفـاع عنـه ضـد أنـوا ٍع
خمتلفـة مـن الغـزاة املتخ َّيلين .لكـ ْن وكام سـيتبني يف الفصـل الرابع
طريقـة يمكـن أن ُيغزى هبا ٍ مـن هـذا الكتـاب ،فإن هنـاك أكثر مـن
ال طريق ًة أبسـط للغزو هي حتويـل وغزو حوضنا إقليمنـا .فهنـاك مث ً
اجلينـي ،كام نـرى يف أفلام الزومبـي وأفالم رعـب اخليـال العلمي
القائمـة على روايـة ? Who Goes Thereالقصيرة للكاتـب جون
دبليـو .كامبل االبـن John W. Campbell Jr.أو رواية Invasion
of the Body Snatchersواألفلام األربعـة التـي و َّظ َفتْهـا.
121
الفصل الثالث
َ َ ُّ
تمثل االستحالة Assimilation
ٌ ُ
«المقاومة عبث»
123
اجلذو ُر البدائ َّي ُة ل�سينما ُّ
الرعب
ٍ
خملوق هي دمه) Stokerإىل ِسـ ْفر الالويين ( 14 :17ألن حيـاة كل
يف روايـة (دراكـوال )Draculaعندما يقول عىل لسـان األسـتاذ فان
هيلسـنگ« :الـدم هـو احليـاة»؛ حيـث يسـتطيع الن ََّـزاف (مصـاص
الدمـاء) حتويـل ضحيته من خلال امتصـاص دمها .وباملِثـل ،يقوم
ـول
الزومبـي بتحويـل ضحاياهـم عـن طريـق العـض ،كذلـك ُي ِّ
املسـتذئبون مـن هيامجون مـن البشر إىل مسـتذئبني بِدَ ورهـم عندما
يكتمـل القمـرُ .ت َعـدُّ قص ُة االسـتحالة يف األفلام والروايـات مثاالً
على توظيف الثقافـة للتمثل البدائـي .وربام تَكـون الدوافع البرشية
ال َق َبليـة مسـؤول ًة عـن املخـاوف ثقافية املنشـأ جتـاه متـازج األعراق،
آخـر من خـوف االسـتحالة َّ
تفشـى يف مجيـع الثقافات. نـوع َ
ٌ
أن اخلـوف اإلنـايب – اللذيذ عىل علـم النفس التطـوري َّ ُ يقترح
ٍ
نحـو مـا الـذي يثيره فينـا َت َ ُّث ُـل االسـتحالة ،إنما ينشـأ مـن جرس
اإلنـذار الـذي هيمـس بداخلنـا حمـذر ًا إيانـا مـن تلـوث أو فقـدان
إرثنـا اجلينـي .ت َُو ِّف ُـر موضوع ُة االسـتحالة األسـاس مليمـة الزومبي
أدخ َل
فرعـي مهـم من أفلام رعـب اخليـال العلمـيَ . ٍ
لصنـف كما
ٍّ
ريتشـارد داوكنـز مفهوم اجلين األنـاين يف كتابه الذي حيمل االسـم
نفسـه .جيادل داوكنز أن سـلوكنا يرتبـط ارتباط ًا وثيقـ ًا باحلفاظ عىل
مثـال الطائر الـذي يطلق ِ
سـتخدم َ اسـتمرارية أقربائنـا اجلينيين .و َي
أصواتـ ًا لتحذيـر جمموعته عندما يـرى صقر ًا جارحـ ًا يقرتب .كيف
تكـون ،يتسـاءل داوكنـز ،هـذه التضحيـة بالنفـس التـي يقـوم هبـا
املحـذر ،والـذي يضـع نفسـه يف خطـر املـوت املحتَّـم حال ِّ الطائـر
إطلاق األصـوات ،تكيفـ ًا تطور ًّيـا؟ وجييـب على هـذه األحجيـة
124
الف�صل الثالث
بـأن الطائـر ال ُي ْؤثِـر على نفسـه يف هـذا املوقف كما نتصـور للوهلة
األوىل ،إنما يقـوم بحاميـة اإلرث اجلينـي لِنوعه.
اكتشـافات داوكنـز مؤيديـن ومعارضين .يتفـق باري ُ وجـدت
ْ
شـوارتز Barry Schwartzمـع داوكنـز ،حيـث يسـجل أن اجلين
أنـاين سـ َيكون مفارقـ ًة سـافرة ،ألن ٍ
سـلوك غير الـذي يـؤدي إىل
ٍّ
البداهـة تقـول إن اجلين األناين فقط ينجـح يف البقاء .لكـن الوحدة
التـي يعمـل عليهـا االنتخـاب الطبيعـي ليسـت الفـرد؛ بـل اجلني.
ٍ
ببسـاطة الطريقـة التـي يكتـب شـوارتز« :إن الكائنـات احليـة هـي
عرجـ ًا عىل مثال
ُسـخ أخرى مـن اجلينات»ُ .م ِّ تتبعهـا الطبيعـة خللق ن ٍ
داوكنـز للطائـر الذي يبـدو إيثار ًّيـا ،يعتقـد شـوارتز أن اجلني الذي
املحـذرة «هيتـم بمصلحتـه – مصلحة ِّ يتحكـم بإطلاق األصـوات
اجلين فقـط ،وال يأخـذ باالعتبـار مصلحـة اجلسـد الـذي حيملـه.
فـإذا كانـت مصلحـة اجلين تتعـارض مـع مصلحـة الفـرد الـذي
ألقـت ،فاألولوية بالنسـبة للجني هـي مصلحته ْ حيملـه ،فإىل حيـث
ٍ
جينـات أنانيـ ًة ،ال كائنات أنانيـة»).(1 اخلاصـة .وهكـذا فـإن لدينـا
ال يتفـق إدوارد أوزبـورن ويلسـون مـع هـذه الرؤيـة املتطرفـة
النتخـاب اجلين .ففـي تعريفـه بمفهـوم االجتامعيـة احلقيقيـة
،eusocialityيتسـاءل ويلسـون« :هـل يتعـرف األقـارب على
ٍ
جمموعـات إيثاريـ ًة ،ألهنـم حيملـون بعضهـم البعـض و ُيك َِّونـون
اجلينـات ذاهتـا وألهنـم يسـتطيعون متريـر هـذه اجلينـات إىل اجليـل
ٍ
واحـد ذريتـه كلالقـادم ،حتـى لـو مل تكـن الطريقـة بـأن ينجـب ُّ
الكائنـات التـي تـرث السـلوك
ُ اخلاصـة؟ أو أخير ًا ،هـل ُتك ِّ
َـون
125
اجلذو ُر البدائ َّي ُة ل�سينما ُّ
الرعب
ٍ
عالية مـن التنظيم بحيث جمموعـات تعاونيـ ًة عىل درجـة ٍ اإليثـاري،
تتفـوق تكاثر ًّيا عىل السلاالت التي ال تتمتع بالسـلوك اإليثاري؟»
يف رده على داوكنـزَ ،يطـرح ويلسـون أن اجلينات ال َتلـق لوحدها
السـلوك االجتامعـي والبقـاء على مسـتوى املجموعـات ،بل تنشـأ
ٍ
أجيـال متعاقبـة تنتظـم يف السـلوكيات أيضـ ًا مـن «وجـود ُ هـذه
أسـاس التقسـيم اإليثـاري للعمـل») .(2جيـادل ِ ٍ
جمموعـات على
تكيفـي بحـد ذاتـه يف مـا يتعلـق
ٌّ اإليثـاري
َّ ويلسـون أن السـلوك
باحلفـاظ على املجموعـة اجلينيـة والنـوع أيضـ ًا .ومـع ذلـك فـإن
أن َت َ ُّثـل التهديد الذي حيـدق باحلوض ُرجـح َّاكتشـافات ويلسـون ت ِّ
ٍ
جمموعة صغيرة أو عىل اجلينـي ،سـواء كان احلـوض على مسـتوى
مسـتوى النـوع ،قد ُي َو ِّلـدُ خوف ًا إناب ًّيا لذيـذ ًا عند القارئ أو املشـاهد
بوصفـه َت َ ُّث ً
لا بدائ ًّيا.
َّ ْ
«لقد توصلنا إلى العدو ،وهو نحن»
جدالـه مـع زمالئه .يرتعـب كونات ،أحـد أعضاء البعثـة ،من منظر
وجـه املخلـوق الفضائي ،فيرد عليه بلري« :ليـس ما تـراه إال طريق ًا
مثال آخـر عىل القـدرة املذهلـة للطبيعة عىلآخـر ابتدعتـه الطبيعـةٌ ،
التكيـف» .كان خطأ بلري هو نسـيانه أن اليشء ،املخلـوق الفضائي،
حـي منافِس ،ولـن يرتدد يف اسـتئصال بلري ليـس إال عضـو ًا يف نو ٍع ٍّ
ونوعـه يف سـبيل البقاء.
تتمثـل أعظـم امليـزات التكيفيـة للفضائـي الـذي ُعثِـر عليـه
يف قدرتـه على التحويـل .فبعـد أن يطمئـن أفـراد البعثـة إىل إهنـم
قـد قتلـوا الكائـن عـن طريـق الصعـق الكهربائـي ،يكتشـفون،
الكلـب الـذي كان قـد هاجم اجلسـد َ ولدهشـتهم ،أنـه قـد أصبـح
املتجمـد عنـد عثورهـم عليـه .يقول بلير« :قـام اليش ُء باسـتيعاب
كل خليـة من أنسـجته، الكلـب تشـارنوك ،ويف أثنـاء ذلـكَ ،د َر َس َّ
مـن ثـم قـام بإعـادة تشـكيل خاليـاه هـو لتحاكـي أشـكال خاليـا
الكلـب متامـ ًا» .مـن ثم يسـأل أحـد الزملاء بلري عن هـدف اليشء
مـن وراء كل هـذا ،فيجيـب« :أتصـور أنـه يريـد االسـتيالء على
عا َلنـا» .لكـ َّن البشر يمتلكـون أيضـ ًا ميزاهتـم البقائيـة اخلاصـة،
أدمغتهـم وقدرهتـم على حـل األحاجـي .عندمـا يكتشـف أعضاء
البعثـة أن بعضهـم قـد جـرى حتويلـه ،جتتـاح موجـ ٌة مـن البارانويا
صفوفهـم بخصـوص العـدو ا ُملنْـدَ ِّس بينهـم ،حيـث يشـتبه اجلميع
حل يشـبه حلـول القصص باجلميـع .لكنهـم يتوصلـون أخير ًا إىل ٍّ
العـال من الغزو واالسـتحالة.َ البوليسـية مـن ثم ينجحـون يف إنقاذ
السـينامئي األول هلذه الروايـة ،وهو فيلم The
ُّ اقتصر التوظيف
129
اجلذو ُر البدائ َّي ُة ل�سينما ُّ
الرعب
أنتجتهـا هـذه البذور تفتقـر إىل العاطفـة ،من ثم فإهنا سـتموت بعد
الكائنـات الفضائي ُة حتـو ُل ٍ
ُ بضـع سـنوات دون أن تتكاثـر .وعندمـا ِّ
مجيـع الكائنـات احلية على األرض ،ثم متـوت مجيع النسـخ دون أن َ
تترك ذرية ،سـيغادر الفضائيون كوكبنـا امليت للبحث عـن كائنات
حيث دارويـنُ : حيـة على كواكـب أخـرى .حييـل فينـي إىل نظريـة ِ
أن الكائنـات الفضائية هـذه تتمتع بـ بر األسـتا ُذ بودلونـگ ميلـز َُّي ِ
شـكل من أشـكال احليـاة األخرى، ٍ وكل ٍ
شـكل ِّ ألي
كوين ِّ «تكيـف ٍّ
ٍ ٍ
ظـرف ِّ
وكل ظـرف يمكـن أن تواجهـه» .وإهنـا «ال ُط َف ُّ
ييل أي
وحتـت ِّ
األكمـل ،حيـث ال تقتصر قدرته عىل جمرد ُسـكنى جسـد املض ِّيف.
حـي متطـور بالكامـل»).(4
إهنا شـكل ٌّ
يل ِّفـق فينـي هنايـ ًة سـعيدة غير متو َّقعـة لروايتـه ،حيـث ينترص
حماربونـا على الكائنـات الفضائيـة الغاز َيـة مسـتخدمني الـذكاء
اجلمعـي هلـا ،إذ جعلوهـا تعـرف «البرش لـن يكونـوا مضيفـ ًا جيد ًا
هلـا ،ولـن تسـتطيع التكاثـر باسـتخدامهم أبـد ًا» ،كما يقتبـس جاك
فينـي اخلطبـة الناريـة لوينسـتون ترشتشـل Winston Churchill
يف أثنـاء احلـرب العامليـة الثانيـة ،التي شـحذ هبـا اهلمـم يف مواجهة
غـاز يريـد حتويـل الثقافـة الربيطانيـة« :سـنقاتلهم يف احلقـول ،يفٍ
الشـوارع ،سـنقاتل على اجلبـال والتلال؛ لـن نستسـلم أبـد ًا» .من
ثـم يشير فيني أن اجلنـس البرشي سـيعيد نفس البطولة ضـد الغزاة
ٌ
مؤهـل لذلـك. الفضائيين وهيزمهـم أيضـ ًا ،فهـو
لكتـاب كُتِـب يف أوج حقبـة احلـرب البـاردة واخلـوفٍ بالنسـبة
األمحـر ،ال يمكـن أن ختفـى علينـا املضامين الثقافيـة التـي تكمـن
135
اجلذو ُر البدائ َّي ُة ل�سينما ُّ
الرعب
بين السـطور ،بالضبـط كام احلـال مـع روايـة ?Who Goes There
وغريهـا مـن أفلام اخليـال العلمـي يف تلـك احلقبـة ،فالفضائيـون
واألشـخاص الذيـن حتولـوا ليسـوا إال إسـقاط ًا على اخلاليـا
الشـيوعية النائمـة التـي كان الكثيرون يعتقدون بوجودهـا متخفي ًة
يف املجتمـع األمريكـي وتعمـل على تقويضـه :صـور ٌة أخـرى مـن
البارانويـا الناجتـة عن اخلـوف من وجـود طوائف رسيـة يف األفالم
الشـيطانية .لكـن روايـة فينـي واألفلام التـي قامـت عليهـا تطرح
قضيـ ًة أكبر يف موضوعـة الرعـب خاصتهـا :حتويـل إرثنـا اجلينـي
ذاتـه .يثير َت َ ُّثال الغـزو واالسـتحالة يف هـذه الرواية رعبـ ًا بيولوج ًّيا
ٍ
واحد قو ًّيـا بحيـث أدى ذلـك إىل حتويـل الروايـة إىل فيلم بعد عـا ٍم
فقـط مـن نرشها.
عـام ،1956صـدر أول توظيـف سـينامئي للروايـة حتـت اسـم
Invasion of the Body Snatchersالـذي أخرجـه دون سـيگل
بـكل مـن اإلسـقاطات على االندسـاس ٍّ Don Siegelحمتفظـ ًا
لي الغـزو واالسـتحالة أيضـ ًا .مل ُي ِ
ـر سـيگل تغيير ًا وت َ ُّث َالشـيوعي َ
على الروايـة على معظم األصعـدة ،إذ يكتشـف ميلز وبيكـي (وقد
كل مـن كيفـن مكارثـي Kevin McCarthyوودانا لعـب دورمهـا ٌّ
وينتر Dana Wynterعلى التـوايل) تدرجييـ ًا اخلطر الداهـم ،لتنتج
عـن ذلـك حبكـة شـبيهة بحبكـة القتـال واملطـاردة املوجـودة يف
يرت البلـدة يف الفيلم إىل سـانتا مريا ،بدالً مـن بلدة ميل الروايـةُ .غ ِّ َ
الفيلـم رسدية حبكـة الروايـة ،حيث يفتتـح الفيلمُ غير
سـيتي .كام َّ
بمشـهد مليلـز يف حالـة هيسـترييا ،وجيـري فحصـه يف املستشـفى ٍ
136
الف�صل الثالث
الفيلم
ُ يصـور
ِّ شـكل فِطريـات تنتشر مـن مركبـة فضائيـة سـاقطة.
ِ
شـخصية الطبيبـة النفسـية كارول بينيـل (نيكـول كدمـان Nicole
)Kidmanوابنهـا أوليفـر ،الطفـل املهـدَّ د وهو موضوع ٌة شـائع ٌة يف
األدب خصوصـ ًا منـذ بداية القرن التاسـع عرش .ففـي رواية Little
،Dorritحبـس تشـارلز ديكينـز Charles Dickensأنفـاس ُقر ِ
ائـه َّ ََ َ
َف َر َقـ ًا على مصير دوريت عندمـا تصبـح حياهتا عىل كـف عفريت،
كما يف روايتـه Dombey and Sonحيـث يمـوت الصغير بـول
ببـطء ناهيك عـن الصغير ديفيـد كوبرفيلـد ومعاناته ،وصـوالً إىل
كل مـن تايني تيـم وأوليفر تويسـت .لقد املصاعـب التـي يواجهها ٌّ
ف إيلني التطوري عىل االسـتجابة هلـذه احلبكـة .ت َِص ُ
ُّ َب ْر َمَنـا تارخينـا
ديسـانايك « Ellen Dissanayakeاإلشـباع الغامـر الذي نشـعر به
صغري عاجـز – خصوصـ ًا لـو كان خاصتنا... ٍ عندمـا نعتنـي بشيء
بـال حلـب األم لوليدهـا عنـد ورغـم أن معظـم النـاس ال يلقـون ً
البشر ،فإنـه واحدٌ من أهـم التكيفـات يف تارخينا التطـوري») .(5لذا
عندمـا جتـد كارول أن ابنهـا يتمتـع باملناعة ضـد العـدوى الفضائية
ض ُأصيب بـه يف طفولتـه) وإن الفضائيني يريـدون قتله (نتيجـ ًة َمل َـر ٍ
آخـر وألنه هيـدد وجودهـم ،يتحول الفيلـم إىل التمثـل اخلالد ألنـه َ
للأم التـي تدافع عـن حيـاة ابنها.
جعـل املخـرج اهلجمات عىل مركـز التجـارة العاملـي يف احلادي
عنـف يف الشرق األوسـط خلفي ًة ٍ عشر مـن أيلـول ومـا تالها مـن
َ
األحـداث اآلن َّيـة ألحـداث الفيلـم .يربـط ُكتَّـاب سـيناريو الفيلـم
باكتشـافات علـم النفـس التطـوري عن الطبيعـة البرشية .تستشير
141
اجلذو ُر البدائ َّي ُة ل�سينما ُّ
الرعب
143
اجلذو ُر البدائ َّي ُة ل�سينما ُّ
الرعب
الفودو في األفالم
الليـل» .وقـد ورد احلـوار ذاتـه حرف ًّيـا تقريبـ ًا يف كتـاب سـيربوك.
الفيلـم أنواعـ ًا أخـرى مـن الفلكلور حـول الفـودو ،حيث ُ يسـتغل
يمارس مـوردر سـحر الفـودو باسـتخدام الدمى الشـمعية.
إذن ،هبـذه الطريقـة املتواضعـة شـقت ميمـة الفـودو جذورهـا
أي بتجسـيدها لت ََم ُّثـل االسـتحالة البدائي عىل الشاشـة.
يف السـينامْ ،
آخـر؛ واخلطر يتهدد بشـكل رئيس يقـوم مـوردر بتحويل البشر إىل َ
املـرأة البيضـاء ،التـي كان معظـم مشـاهدي األفلام آنـذاك يروهنا
حاملـ َة اإلرث اجلينـي .يف مـا خيـص اسـتمرارية فلكلـور الزومبي،
تكتـب سـوزان گـودين ليـا Suzanne Goodney Leaإن جاذبيـ َة
هـذه الظاهـرة كما تقدمهـا ثقافـة الفـودو إنما تكمـن يف الرغبـة
حموري يف
ٌّ دور
باالسـتحواذ والسـيطرة . 16وقـد كان لتلـك الرغبـة ٌ
) (
155
اجلذو ُر البدائ َّي ُة ل�سينما ُّ
الرعب
نيفيـل هـو آخـر مـن تبقـى مـن البشر ،إذ مل ُي َصـب باملـرض ألن
جسـمه كان منيعـ ًا (يظهـر أنـه تعـرض لعـدوى خفيفـة منه سـابق ًا
حو َل ْت العـدوى مجيع
مـا أكسـبه أجسـام ًا مضادة يف جسـمه) ،بينما َّ
سـكان العـامل إىل نزافين وزومبـي يف الوقـت ذاتـه .يعيـش نيفيـل
لوحـده يف ٍ
بيـت ُم َ َّصـن ،إقليمه اخلـاص ،فيام حيـاول الزومبي النيل
منـه كل ليلـة .يكتشـف نيفيـل أن حالـة الزومبي -مصـاص الدماء
ٍ
جسـيامت ينقلهـا البعـوض تنشـأ عـن عـدوى بكترييـة ناجتـة عـن
والريـاح لتصيـب اجلميع (بام فيهـم زوجته وابنتـه) باملرض .يموت
املصابـون ولكنهـم يقومـون مـن موهتـم ،حتـى إهنـم يسـتطيعون
اخلـروج مـن قبورهـم لـو كانـوا قـد ُق ِ
بروا ،كام حـدث مـع زوجته
التـي قتلهـا بعـد تعرضهـا للعـدوى وظـن أن األمـر قد انتهـى ،إال
إهنـا عـادت مـن قربها .يق ِّلـد ماثيسـون روايـة دراكوال لسـتوكر يف
مواصفـات الزومبي -مصـايص الدماء يف روايتـه :إذ إهنم يكرهون
ـم شـديدٌ للـدم واللحـم البشري ،ينفـرون مـن املرايـا ،لدهيـم َنَ ٌ
بغرز
الثـوم ،خيافـون الصليـب ،ال يطيقـون نور الشـمس و ُيقتَلـون ْ
ٍ
وتـد فيهـم .بتقدم أحـداث الرواية ،يوضح ماثيسـون أسـباب ًا علمية
بدرجـات خمتلفـة هلـذه الظواهـر .لكنهـم – وكما أصبـح شـائع ًا يف
ميمـة الزومبـي الحق ًا يمشـون مشـي ًة متثاقلـة باحثني عـن فرائس.
تُركِّـز الروايـة على َت َ ُّثـل اخلوف مـن َ
اآلخر على صعيديـن :رصاع
ٍ
جمموعـة مـن الناجين أصيبوا نيفيـل مـع الزومبـي ،ورصاعـه مـع
معين ولكنهم اهتدوا إىل عقـار يقيهم أن يتحولوا
َّ بالعـدوى إىل حدٍّ
إىل زومبـي بالكامل.
157
اجلذو ُر البدائ َّي ُة ل�سينما ُّ
الرعب
وقـد عـرف أنه ال ينتمـي إليهم؛ َع َرف أنـه كان ،مثـل النزافني ،لعن ًة
آخر ورعبـ ًا مقيم ًا بالنسـبة هلـؤالء النـاس اجلـدد ...أنـا أسـطورة»ِ :
آخـر بالنسـبة للزومبـي والناس َمـن ت َب َّقـى مـن نوعـه ،بمعنـى أنـه َ
اجلـدد أيضـ ًا ،وسيسـعون حتم ًا إىل اسـتئصاله مـن بينهـمَ .ي ِصـف
ماتيـاس كاليسـن اهلمسـات التطوريـة التي ختلق عنصر الرعب يف
وقـادت إىل والدة ميمـة الزومبي الـذي أصبح من ْ روايـة ماثيسـون
أهـم موضوعـات األفلام« :لرعب الزومبـي املعـارص خصيصتان
ُي َع ِّرفانـه ،االفتراس ونشر العـدوى ،وكلتامهـا تتيحان لـه التفاعل
ـورة لل ُبنْية السـيكولوجية ٍ
مبـارش مع اآلليـات الدفاعيـة ا ُمل َط َّ بشـكل
البرشيـة .فنحـن نخـاف الكيانـات التي لدهيـا الرغبة والقـدرة عىل
إن لدينـا نفـور ًا شـديد ًا جتـاه األشـياء التـي قـد تسـبب أكلنـا ،كما َّ
العدوى» ).(20
فـت ثالثـ ُة أفلا ٍم روايـ َة ماثيسـون بما فيهـا مـن الرعـب َو َّظ ْ
واألسـى املصاحب لتمثل االسـتحالة مـن ِق َبل الزومبـي .كان أوهلا
فيلـم The Last Man on Earthعـام 1964مـن بطولـة فينسـنت
برايـس ،Vincent Priceثـم فيلـم The Omega Manعـام 1971
مـن بطولة تشـارلتون هيسـتون ،Charlton Hestonوأخير ًا فيلم I
Am Legendعـام 2007مـن بطولـة ويـل سـميث .Will Smith
يسـتلهم الفيلم األول رواي َة ماثيسـون حرف ًّيا تقريب ًا ،كام إن ماثيسون
سـاهم بكتابـة السـيناريو ولكـ َّن املنتَج النهائـي مل يعجبه فاسـتخدم
اسم ًا مسـتعار ًا يف قائمـة املسـامهني بصناعـة الفيلم .يف هـذا الفيلم،
تنتشر العـدوى نتيجـة التعـرض هلجـو ٍم باألسـلحة البيولوجيـة
159
اجلذو ُر البدائ َّي ُة ل�سينما ُّ
الرعب
ٍ
حـرب مع الصين ،فيموت معظـم الناس عدا نيفيـل (الذي خلال
ـل مضـاد للمـرض) وجمموعـة صغيرة مـن اسـتطاع صناعـة َم ْص ٍ
الفيلـم القضايـا السـائدة يف ثقافـة تلك
ُ الناجين املختبئين .يمـزج
احلقبـة مـع اخلـوف مـن الشـيوعية بوصفهـا اسـتحالة ،إىل جانـب
ٍ
متثلات بدائيـة أخـرى .يبتعـد فيلـم The Omega Manإىل درجـة
معتبر ٍة عـن ِّ
خـط الروايـة األصليـة ،حيـث حيتـوي فروقـ ًا عديـدة َ
ٍ
حـرب هنائيـة مد ِّمـرة مـع الصين أو روسـيا، تعكـس اخلـوف مـن
آخـر على التقاطعـات بين الثقافـة والتمثلات البدائيـة. ٍ
مثـال َ يف
مسـخون ويتغيرون جسـدي ًا، تنجـو طائفـ ٌة مـن النـاس ولكنهـم ُي َ
ويقودهـم رجـل يدعـى ماتيـاس .تعكـس هـذه الطائفـ ُة عنصر ًا
َ
أخـر مـن العنـارص املكونـة لثقافـة السـبعينيات ،ففي تلـك الفرتة،
أوجـه .تُدعى طائفة ماتيـاس بالعائلة
كان اخلـوف مـن الطوائف يف ِّ
،Familyوربما يكـون ذلـك إسـقاط ًا على طائفـة عائلـة مانسـون
Manson Familyالتـي قامـت بأعامل قتل ابتدا ًء مـن العام .1969
هكـذا يعـرض الفيلم ِعـدة قبائل مـن َ
اآلخرين ،ا ُملسـوخ والناجون
مغترب عـن املجموعتني
ٌ الذيـن عثـر عليهـم نيفيـل ،لكـن نيفيـل
(كما يف الروايـة متامـ ًا) .تقـود ليـزا ،إحـدى الناجين ،تقـود نيفيـل
ٍ
بشـكل إىل مـكان جمموعتهـا وحتدثه قائلـة« :أنـت ال تنتمي إلينا...
مـا أنـت ختيفنـي أكثـر مـن ماتيـاس نفسـه» .يتعطـش كل أحـد يف
اآلخريـن ،وكام
الفيلـم لقتـل أولئـك الذيـن ال ينتمـون إىل قبيلتـهَ ،
يف التوظيفـات السـينامئية األخـرى للروايـة ،فـإن مناعـة نيفيل ضد
ً
دخيلا عىل احلـوض اجليني لـكال املجموعتني. االسـتحالة جعلتْـه
160
الف�صل الثالث
ذلـك إن أدمغتنـا الراقيـة جـد ًا هي مـا يميزنا عـن باقي أفـراد مملكة
احليـوان ،كما أنـه العضـو الذي تطـور ليتيـح لنـا التكيـف والبقاء.
يعـزو بعـض النقـاد جاذبية ميمـة الزومبـي إىل الثقافـة .ومنهم توين
مهمويليامـز :ال يمثـل فيلـم Night of the Living Deadتطويـر ًا ًّ
كل مـن الرعـب القوطـي ورعب ِ
تـراث ٍّ ٍ
كبير يف وحقيق ًّيـا إىل حـدٍّ
الزومبـي فحسـب ،لكنـه كان فيلم ًا ابتكار ًّيـا جعـل الزومبـي رمـز ًا
سـيكولوج ًّيا قو ًّيـا للتوترات واهلواجـس االجتامعيـة والثقافية»).(24
الفيلم بأنه «النقـد األكثر رصام ًة
َ يصـف روبـن وود Robin Wood
ألمريـكا املعـارصة يف تاريـخ األفالم األمريكيـة»).(25
لكـ َّن هنـاك على أي حـال ،شـيئ ًا أكبر من جمـرد التأثير الثقايف
يقـف وراء قوة جاذبيـة ميمة الزومبي .يف رواية ماثيسـون وتوظيف
ٍ
كمزيـج مـن الثقافة روميرو السـينامئي هلـا ،تُطـرح ميمـة الزومبي
ومهسـات التمثلات البدائيـة ،يف َ َتس ٍ
ـد ممتـاز لتشـبيه بالكمور عن ُّ
الكلـب ِ
والعنان.
يف معظـم أفلام الزومبـي التـي تلتْه ،كانـت احلبكـة ترتكز عىل
أست اخليـال الشـعبي يف فيلـم Night of ذات التمثلات التـي َ َ
آخـر. .the Living Deadيتبايـن مصـدر العـدوى مـن فيلـ ٍم إىل َ
الشـجاع ُة أليـس ِ
حتـارب ُ يف سلسـلة Resident Evilالسداسـية،
صنعـت
ْ (ميلا جوفوفيتـش )Milla Jovovichرشكـ ًة رشيـر ًة
ذكاء اصطناعـي ،صـور ٌة أخـرى مـن ٍ فريوسـ ًا باسـتخدام نظـام
اآلخـر .باالنتقـال إىل فيلـم ،28 Days Laterنتجـت العـدوى عن َ
ٍ
بعض من ٍ
جمموعـة من نشـطاء حقوق احليـوان بإطلاق رساح قيـام
167
اجلذو ُر البدائ َّي ُة ل�سينما ُّ
الرعب
بـدل من مونتيگـو وكابوليـت ،حتى إننـا نرى مشـهد ًا يذكرنا هنـاً ،
ظـف فيلـم Maggie بمشـهد الرشفـة يف املرسحيـة املذكـورة .يو ِّ
أب البنتـه .عندمـا تتعرض حـب ٍ
ِّ ( )2015ميمـة الزومبـي يف قصـة
ماگـي ابنـة ويد فوجيـل إىل عـدوى الزومبي عن طريـق العض ،ثم
صحـي حيث ُي َْضـع املتحولـون واملصابون ٍّ تؤخـذ إىل مركـز َح ْج ٍر
بالعـدوى للقتـل الرحيـم .يرص والدهـا ويـد (أرنولد شـوارزنيگر
)Arnold Schwarzeneggerعلى إعادهتـا إىل البيـت حيث يتعهد
للمسـؤولني أنـه سـيتخذ «اخليـار الثالـث» (أن يقتلهـا بنفسـه بدالً
احلجـر الصحـي) عندمـا حيين الوقـت ،الوعـد مـن أن يقتلوهـا يف ْ
الـذي فشـل يف تنفيـذه يف النهايـة .للفيلـم أمهيـ ٌة دراميـة أكبر ممـا
ملعظـم أمثالـه مـن أفالم جنـس الزومبـي ،لكـن التمثلات البدائية
تبقـى فيـه كما هـي ،إضافـة إىل جزئيـة األب املدافـع عـن طفلتـه،
مسـتقبله اجلينـي وعائلته ،وعـدم قدرته على قتلها رغـم معرفته أن
هـذا هـو التصرف السـليم يف سـبيل محاية نوعـه ككل.
ُو ِّظفـت ميمـة الزومبـي أيضـ ًا يف الكثير مـن أفلام حمـاكاة
الزومبـي السـاخرة كفيلـم )2009( Zombielandوغيره الكثير
مـن األفلام التلفزيونيـة وأفلام األقـراص املدجمـة ذات العناويـن
اهلزليـة مثـل ،)1999( Hot Wax Zombies on Wheelsثـم
Zombie Sharkو Zombie Strippersالصادريـن عـام ،2008
باإلضافـة إىل أفلام الكوميديـا السـوداء كفيلـم Shaun of the
.)2004( Deadبالطبـع ،أثـار املخـرج بـور سـتريز Burr Steers
َ
العـال بفيلمه اسـتياء حمبـي الروائيـة االنكليزيـة جني أوسـتني حول
170
الف�صل الثالث
171
الفصل الرابع
َ َ َ َ ُّ
التمثل القبلي
ً ْ ُ ُ
«فتياتكم الالتي تحبون ،أخذتهن وأصبحن ملكا لي»
يف أحـد مقاطـع كتاباهتـا الـذي كثير ًا مـا ُيق َت َبـس ،اختـارت
هيلاري كلينتـون Hillary Clintonمث ً
لا إفريق ًّيـا هـو «يتطلـب
176
الف�صل الرابع
ف ُي َف َّضـل قطـع رأس النـزاف ومـلء فمـه بالثـوم ومن ثـم إعادته إىل
القبر ،أو اسـتخراج القلـب وحرقـه ونثـر رمـاده عىل القبر»).(7
ذكـرت جيرارد يف كتاهبـا كثير ًا من املعلومـات املتعلقـة بطبيعة ْ
النزافين وطـرق قتلهـم ،وقـد اسـتفادت األفلا ُم كثير ًا مـن كتاهبا
وبنـت على حمتـواهَ .كتَـب أوگسـتني كامليـت ،Augustin Calmet ْ
وكاتب يف أمور السـحر عـاش يف القـرن الثامن عرش، ٌ راهـب
ٌ وهـو
ُتب مشـهورة ككتـاب Dissertation on ghosts، demons
ٍ ِعـدَّ َة ك ٍ
and vampiresوكتـاب ،The Phantom Worldوقـد ظلـت كتبه
متداولـة حتـى منتصف/هنايـة القـرن التاسـع عشر يف إنگلترا. َ
خيتلـف النقـاد حـول املصـادر التـي اسـتقى منهـا سـتوكر روايتـه،
لكـ ْن سـتوكر التقـى ذات مرة مع سـفري إقليـم ترانسـلفانيا يف حفلة
ٍ
معلومـات عـن ملـك عشـاء وحتـدث معـه ،فأطلعـه السـفري على
ترانسـلفانيا يف القـرن اخلامـس عشر فلاد تيبيـس ،Vlad Tepes
خـوزق» ،حيث اعتـاد امللك فالد ِ وتيبيـس كلمـ ٌة رومانية تعنـي «ا ُمل
على إعـدام أعدائه باخلازوق .ومن تلك املحادثة اسـتوحى سـتوكر
روايتـه املشـهورة دراكوال).(8
مل تقفـز روايـة دراكوال إىل ميـدان األدب االنگليـزي فجأة دون
ِ
سـوابق .ففـي العـام ،1847نُشر كتـاب Varney the Vampire
مـن تأليـف جيمـس مالكـومل رايمـر James Malcolm Rymer
وتومـاس بيكيـت بريسـت ،Thomas Peckett Prestوكذلـك
كتـاب The Vampyreالـذي نُشر عـام 1819مـن تأليـف جـون
بوليـدوري ،John Polidoriهنـاك أيضـ ًا قصيـدة Christabel
179
اجلذو ُر البدائ َّي ُة ل�سينما ُّ
الرعب
شـخص ًّيا .عندمـا يصل جوناثـان ،خياطبه دراكوال عنـد بوابة القلعة
شـئت بكامل إرادتك» .يشـكل التمثـل اإلقليمي َ قائ ً
لا «ادخـل إن
اآلخر خمتـار ًا ال
إقليـم َ
َ هيـكل هذا املشـهد .جيـب أن يدخـل هاركر
جمبر ًا .ويف موضـ ٍع الحق مـن الرواية أيضـ ًا ،يتلقى دراكـوال دعو ًة
َ
مـن رينفيلـد املجنون ،فيتخـذ تلك الدعـوة فرص ًة لدخـول َم َص َّحة
الدكتـور سـيوارد كيام يسـتطيع افتراس مينـا هاركر هنـاك« :ادخل
يـا سـيدي ومـوالي» ،هكـذا كان يـردد رينفيلد.
ْـس سـتوكر أن يضيـف بعـد ًا جنسـ ًّيا للروايـة أيضـ ًا منـذ مل َين َ
فصوهلـا األوىل ،وهـو بعـدٌ أصبـح مركز ًّيـا يف األفلام التـي بنيـت
على الروايـة الحقـ ًا) .(12بعـد أن يدخـل هاركـر قلعـة الكونـت،
يغامـر باخلـروج مـن غرفـة نومـه خمالفـ ًا وصيـة مضيفـه دراكـوال،
وهكـذا يلتقـي بزوجات األخير الاليت يقطـرن شـهواني ًة .يصفهن
شـديدة األيروسـية ،مثـل «شـهيات» و «مثيرات ِ ٍ
كلمات سـتوكر بِ
آن واحـد» .حيكـي جوناثـان كيف انحنني عليه فشـعر ومنفـرات يف ٍ
«برغبـة وقحـة حارقـة بتقبيـل شـفاههن احلمـراء» .مـن ثـم جـاء
الكونـت دراكـوال ورصفهن ،وهنـا يصف هاركر كيـف إن أمجلهن
ِ
ب«بغنـج خليـع» ور َّد ْت عىل الكونـت قائل ًة «أنـت ال ُت ُّ
ٍ ضحكـت
ْ
ـب أبـد ًا» .ابتعـد هاركـر كثير ًا عـن إقليمـه عندمـا جاء ِ
أبـد ًا ،ال حت ُّ
إىل ترانسـلفانيا ،ثـم خـرج مـرة أخـرى مـن اإلقليم الـذي خصصه
لـه الكونـت دراكـوال يف قلعتـه؛ هكـذا دخـل عا َلـ ًا خـارج حـدود
معرفتـه وبعيـد ًا عـن أقاربـه اجلينيين ،مـن ثـم أصبحـت هويتـه
اجلنسـية وحتـى رابطتـه اجلينيـة مـع البشر مهدَّ َدتني.
184
الف�صل الرابع
قبيلة مـن املحاربني ،حيثَ َتـول فـان هلسـنگ وفريقه ،عمليـا ،إىل ٍ
ًّ َّ
يمثـل هلسـنگ الرجـل األلفـا ،حتـى إنـه كان يسـمي اجتامعـات
«جملـس احلـرب» .كقـراء ،نجـد لـذ ًة يف التامهـي مـع هـذه َ فريقـه
تركة ألن «تعاضـد الذكور»، ٍ
املجموعـة مـن املحاربني يف غايـة مش َ
كما يكتب ليونيـل تايگـر « ،Lionel Tigerهو أداة التنظيم الرئيسـة
يف اإلجـراءات العدائيـة والعنيفـة .وغالبـ ًا مـا تُسـتَب َعد اإلنـاث من
التنظيمات العدوانيـة التـي تُعنـى بالعنـف ،كاجليـوش مثلاً»).(13
مـن منظـور القرن احلـادي والعرشيـن ،تعبـق تعليقـات تايگر هذه
برائحـة اجلنسـوية ،sexismلكنهـا تبـدو دقيق ًة يف وصفهـا لألدوار
اجلنسـية قديم ًا بما يف ذلـك احلقبـة التـي كتب فيهـا سـتوكر روايته.
كذلـك فـإن تايگـر يتحـدث هنـا عـن السـلوك الـذي كان تكيف ًّيـا
يف حقبـة أسلافنا الغابريـن .ال تُسـتَب َعد مينـا متامـ ًا مـن املعركـة،
تراقـب بوقـار ،مثل إنـاث أغنام اجلبـل ،بينام يتقاتـل الذكور لكنهـا ِ
مـن أجلهـا .إال إن هـذا املنظـور لألنثـى تغير دراماتيك ًّيـا يف أفلام
النزافين احلديثة.
آخرانيـة دراكـوال عندمـا يصفـه يعيـد سـتوكر التوكيـد على َ
بشري إىل
ٍّ الدكتـور سـيوارد بأنـه «شـبي ٌه بالنمـر» وبـه يش ٌء «غير
حـدٍّ كبير» .وملواجهـة هـذه َ
اآلخرانيـة ،يقـوم لـورد گوداملنـگ،
كوينسي موريـس ،جوناثـان هاركـر ،والدكتـور سـيوارد بتأليـف
النـزاف إىل
مـا يشـبه قـوات تعبئـة بينما يتبعـون رؤى مينـا لتعقـب َّ
ترانسـلفانيا .يـويص فـان هلسـنگ فريقـه يف بدايـة مشـوارهم أن
يشـقوا طريقهـم كما فعـل «فرسـان الصليـب القدامى» .يقـول هلم
187
اجلذو ُر البدائ َّي ُة ل�سينما ُّ
الرعب
ٍ
صـورة أخـرى مـن فرق إهنـم فريـق ،و «سـنكون أقـوى معـ ًا» ،يف
«جملس حـرب» ،حيثِ االغتيـال القديمـة .يبـدأ الفريـق عملـه كــ
شـخص عىل عاتقـه جزء ًا من املسـؤولية .هكـذا يتعقبونٍ يأخـذ كل
دراكـوال حتـى حيصروه هـو وأتباعـه مـن الغجـر وينجحـوا يف
تدميره داخـل إقليمـه ،الـذي كان يتصـف «بالغرابـة الشـديدة من
الناحيـة الكيميائيـة واجليولوجيـة» .ذهـب الفريق ملحاربـة الغازي
إلنقـاذ نوعهـم عىل املـدى البعيد ،إنما إلنقـاذ مينا أيض ًا على املدى
املبـارش .إذ بوصفهـا أنثـىُ ،ت ِّثـل مينـا احلامـل الرمـزي للمسـتقبل
اجلينـي للنـوع البشري.
سـافر فـان هلسـنگ ومينا ٌّ
كل عىل حـدة إىل قلعة دراكـوال ،بينام
الغجر وصناديـق دراكوال املليئة بالتراب .عندما
َ َت َع َّقـب اآلخـرون
جيـد فـان هلسـنگ زوجـات دراكـوال ،خيتبر بنفسـه َ
آخرانيتهـن
«الشـهوانية» و «الداعـرة» .ورغـم إنـه يقـول كما يفترض برجـل
ٍ
نبيـل« :تدفعنـي غريـزة الرجـل يف داخلي إىل حبهـا فيكتـوري
ٍّ
ومحايتهـا» ،إال إنـه جيـد أماكنهـن ويقتلهن بأوتـاد قضيبية الشـكل.
وبينما يلفظن أنفاسـهن األخيرة ،يرى هلسـنگ «نظرة السـكينة يف
الوجـه األول ،ومظاهـر السـعادة ،قبل أن حيـدث التحلل» ،إشـار ًة
ٍ
مشـاهبة ٍ
بطريقـة إىل عودهتـن مـن ُهـم إىل نحـن .يمـوت دراكـوال
أيضـ ًا بعـد معركـة طاحنـة بين فرقـة النـور وأتباعـه مـن الغجـر.
وحيكـي فـان هلسـنگ أنـه قـد رأى «على وجـه دراكـوال نظـرة
سلا ٍم يف حلظـة حتللـه» .مثـل زوجاتـهَ َ ،ت َّ
ـول دراكـوال إىل نحـن
النـزاف ،تتحـرر مينـا أيضـ ًا مـن َ
اآلخـر. يف حلظـة موتـه .وبمـوت َّ
188
الف�صل الرابع
النزاف أورلوك (ماكس رشيك )Max Schreckيموت بتأثري ضوء الشمس يف غرفة
إيلني هاتر (گريتا رشودر )Greta Schröder
196
الف�صل الرابع
يف هـذا الفيلـم ،بقـي التمثـل اإلقليمـي على حالـه كما كان يف
الروايـة تقريبـ ًا ،حيـث ختـوض جمموعـة املحاربين القبليين نضاالً
اآلخـر .تغري اسـم جوناثـان هاركـر إىل رينفلـد ،وبينما تقطع ضـد َ
عربتُـه الطـرق الوعـرة يف مرتفعـات الكاربـات ،تقـرأ إحـدى
ٍ
–بصـوت مسـمو ٍع فقـر ًة مـن كُت ِّيب للسـياح: املسـافرات بجـواره
لاع خربـ ٌة ِ
«بين القمـم الوعـرة املطلـة على ممـر بورگـو ،تقـع ق ٌ
زمـن سـحيق» .كام احلـال يف روايـة سـتوكر ،تعكس هذه ٍ تعـود إىل
األوصـاف التـي تفوهت هبا املـرأ ُة لغ ًة تعـود إىل الروايـات القوطية
ُ
للقـرن الثامـن عشر ،كا َملشـاهد املهيبـة واخلرائـب التـي نجدهـا
موصوفـ ًة يف كتابـات إيليـزا بارسـونز Eliza Parsonsوتشـارلز
ماتوريـن .(19) Charles Maturinمل تتغير قلعـة دراكـوال يف الفيلم
كثير ًا عنهـا يف الروايـة ،عـدا أن الفيلـم أضـاف إليهـا الوطاويـط
واجلـرذان ،كما نـرى أيضـ ًا حيـوان املـدرع (األرماديلـو) عندمـا
يقترب رينفلـد مـن القلعـة.
الفيلـم مجيـع التمثلات البدائيـة التـي محلتهـا الروايـة
ُ قـدَّ م
بأسـلوب بصري .إذ حيـذر القرويـون رينفلـد مـن دخـول إقليـم
النـزاف .ثـم يرحـب بـه دراكـوال كما يرحـب هباركـر يف الروايـة،
بتحيتـه املعهـودة :أنـا دراكـوال ..أدعـوك للتفضـل بالدخـول»،
هكـذا يسـتدرج دراكـوال ضيفـه إىل داخـل إقليمه ،حيـث ال بد أن
يدخـل بإرادتـه متامـ ًا كما جيب على دراكـوال أن حيصل على اإلذن
قبـل دخـول أقاليـم ضحاياه عندمـا يصـل إىل لندنُ .ي َقـوي املخرج
آخرانيـة دراكوال بشـكل مبـارش حيث نرى مشـهد ًا تـود براوننـگ َ
197
اجلذو ُر البدائ َّي ُة ل�سينما ُّ
الرعب
الكونت دراكوال (بيال لوگويس) وتابِعه رينفيلد (دوايت فراي )Dwight Frye
وآخر تقاتلـه عصب ٌة من بقـي َت َ ُّثل النـزاف بوصفه غازيـ ًا رشير ًا َ
املحاربين القبليني كما هو يف أفال ٍم مثـل Vampiresعام 30 ،1998
Days of Nightعـام The Lost Boys ،2007عـام 1987وغريها
الكثير مـن أفلام اإلثـارة والرعـب .لكـن من جهـة أخـرى ،كان
ير صورة دراكـوال والتمثـل القبيل مسـار آخر مـن األفالم َغ َّ
ٌ هنـاك
ـول دراكـوال يف بعـض األفالم جذر ًّيـا .مـع بدايـة السـبعينياتُ ،ح ِّ
بطـل أو – على األقـل إىل شـخصية ٍ مـن الوحـش املفترس إىل
كاريزميـة جذابـةَ ُ .ت ِّسـد أفلا ُم النزافين يف عصر مـا بعـد احلداثة
آخـر على التفاعـل بين التمثلات البدائيـة وبين التأثيرات مثـاالً َ
ا ُمل َغ ِّيرة للثقافـة .لكـ ْن حتـت هذه التغيرات ،مـا زال دراكـوال ُي َقدَّ م
200
الف�صل الرابع
آخـر يريـد غـزو إقليمنا؛ كما يبقى خطـر االسـتحالة قائ ًام،
بوصفـه َ
ْ
وإن تغيرت تفاصيله.
ير املواقـف مـن تكتـب كارول سـينف َّ Carol Senf
أن « َت َغ ُّ َ
ٍ
تعـاط أكثـر السـلطة ومـن التمـرد عليهـا يف زمننـا قـد ...أدى إىل
النـزاف») .(20تبـدو ملحوظـات جـون كاويلتـي John تعاطفـ ًا مـع َّ
Caweltiحـول الصيـغ األدبيـة دقيقـ ًة أيضـ ًا مـن حيـث تفسيرها
النزافين .يسـجل كاويلتـي أن الصيـغ للتقلبـات الثقافيـة يف أفلام َّ
منتجـات ثقافيـ ٌة ،كام يكتب عـن وظيفتها مـن وجهة نظره: ٌ األدبيـة
ِ
ووجهات املصالـح القصـص التي تتبـع الصيغـة التقليديـة «تؤكِّـد
َ ُ
ـلعـال متخ َّي ٍ
النظـر ]التـي يتبناهـا القـراء أو املشـاهدون[ بتقديـم َ
ُ
الصيـغ يصطـف مـع هـذه املصالـح ووجهـات النظـرُ ...تكِّـن
اجلمهـور أن يستكشـفوا – يف عـامل اخليـال احلـدود بين املسـموح َ
بطريقة مسـي َط ٍر عليها بعنايـة إمكانية عبور ٍ واملمنـوع ،وأن جيربـوا –
هـذه احلـدود).(21
سـؤال يطرح ٌ مـن تعريـف كاويلتـي للصيغة كمنت ٍ
َـج ثقايف ،يربز
نفسـه :ما تأثري التمثلات البدائيـة يف َخ ْلق الثقافـة والصيغ األدبية.
آن واحد صورتان مـن َت َ ُّثل ابتـداء من السـتينيات ،كانـت هنـاك يف ٍ
ً
النـزاف يمكـن مقارنـة التعـارض بينهما بالتعـارض بني شـخصية َّ
آريش بانكـر وشـخصية صهـره مايـكل يف املسلسـل الكوميـدي
التلفزيـوين الطويل .All in the Familyيسـجل سـكوت بوكامتان
Scott Bukatmanأن «السـايرببنك ،cyberpunkالتيكنـو-
سـوريالية ،والتطبيـق النصي «مـا بعـد احلداثـي» ،متثـل احتجاجـ ًا
201
اجلذو ُر البدائ َّي ُة ل�سينما ُّ
الرعب
203
اجلذو ُر البدائ َّي ُة ل�سينما ُّ
الرعب
تغيرت عما كانت عليـه يف رواية سـتوكر .إذ ينتقـل دور مينا هاركر
إىل شـخصية لويس سـيوارد (كيت نيليجـان ،)Kate Nelliganابنة
الدكتـور سـيوارد .وبـدالً مـن أن يسـتحوذ عليها دراكـوال (فرانك
النجيلا )Frank Langellaرغم ًا عنهـا ،تقع لويس يف حبه .جيسـد
كل من فان هلسـنگ (لورنس أوليفيير Laurence Olivierبلكنته ٌّ
ـذال الذين األملانيـة) ،جوناثـان هاركـر ،والدكتور سـيوارد َدور ال ُع َّ
يسـعون إلجهـاض قصـة احلـب بين لـويس والنـزاف ،يف منهـج
جديـد يف التعاطـي مـع صـورة املحاربين القبليني يف متثـل النزاف.
لا «أوصيك أال متـويت حتى عندمـا يـويص فان هلسـنگ لـويس قائ ً
نفسـه» ،تـرد عليه «أحتاول يمـوت الشر العظيم الذي لوث حياتك ُ
األرق واألشـد حزن ًا؟» .يف ُّ تضليلي؟ وتريـد تعذيبـه؟ وهو الكائـن
هنايـة الفيلـم ،يبدو لوهلـة أن دراكوال حيترق ويمـوت بفعل ضوء
الشـمس ،ولكنه اسـتطاع أخري ًا التحليق والفـرار يف صورة خفاش،
وحيش بينام تبتسـم لـويس مطمئن ًة ٍّ ثم يسـمع املشـاهدون عواء ذئب
إىل إنـه نجـا من املـوتُ .ي َعـدُّ فيلـم بـادام نموذج ًا على ملحوظات
معظـم األفلام احلديثة دراكـوال ...بوصفه ُ كارول سـينفُ « :ت َقـدِّ م
شـخصي ًة جذابـة ،أكثـر جاذبيـة – بكل مـا للكلمة من معنـى بكثري
النـزاف يف فلكلور األعامل األدبيـة األقدم ،كام إنـه أكثر جاذبي ًة مـن َّ
بما ال يقاس مـن خصومه البرشيين»).(24
النـزاف
غير صـورة َّ مل يكـن فيلما كورتيـز وبـادام أول مـن َّ
الكالسـيكية يف السـينام .ففـي كتاهبما ،The Vampire Filmناقش
جيمس أورسـيني James Ursiniوألني سـلفر Alain Silverعدد ًا
205
اجلذو ُر البدائ َّي ُة ل�سينما ُّ
الرعب
أيضـ ًا .أصبـح جـورج گـوردون بايرون لـورد بيرون Lord Byron
بعـد أن أسـعفه احلظ بمـوت مجيع مـن كانـوا أما َمه يف سلسـلة وراثة
اللقـب ،ويمكـن القول أنـه أصبح أكثـر شـعراء احلركة الرومانسـية
شـعبي ًة .تظهر الشـخصي ُة النموذجي ُة لبايرون ،والتي سماها الباحثون
بالبطـل البايـروين ،بأسماء متنوعة يف أعمال بايرون الشـعرية ،و ُأعيدَ
ٍ
أدبيـة وسـينامئية ال حتىص ،من ٍ
كشـخصية نموذجيـة يف أعامل َخ ْلقهـا
وصـول إىل األدب الرويس كأعاملً سلسـلة روايات األختين برونتي
ألكسـندر بوشـكني Alexander Pushkinيف القـرن التاسـع عشر
وإىل أفلام جيمـس ديـن James Deanأخير ًا .تأ َّثر بايـرون ب ُكتَّاب
وخ ْلقهم «الرشيـر البطل» يف األدب القوطـي يف القـرن الثامـن عشر َ
رواياهتـم ،الشـخصي ُة القويـة التي هتـدد البطالت يف تلـك الروايات
تقاوم.
ولكنهـا تتمتـع مـع ذلك بجاذبيـة جنسـية ال َ
التنـاص بأنه التفاعل َّ ـرف جوليـا كريسـتيفا Julia Kristeva ُت َع ِّ
فسيفسـاء مـن ٍ نـص ن ْف َسـه على هيـأةأي ٍّبين النصـوص« :يبنـي ُّ
وت ُّولـه»)ُ .(26متأ ِّث َر ًة آخر َ
نـص َ
نـص هو امتصاص ٍّ أي ٍّ
االقتباسـات؛ ُّ
بكتابـات ميخائيـل باختين Mikhail Bakhtinحـول التعدديـة
واحلواريـة dialogismوبنيوية سوسـيري، اللغويـة ِ heteroglossia
تفرتض كريسـتيفا وغريها مـن النقاد املهتمني بتحليل التشـابك بني
النصوص ،بحسـب جانين بلوتيل Jeanine Plottelوهانا تشـارين
آخر وهكذا إىل لنـص َ نـص هـو «صدً ى ٍّ كل ٍّ أن َّ
َّ ،Hanna Charney
النصوص خيـوط الثقافة ذاهتـا») .(27ربام ُ مـا ال هناية ،وهكذا تَنسـج
التنـاص بأنـه اكتشـاف املعنـى يف الفراغ ِّ يمكننـا تعريـف التحليـل
207
اجلذو ُر البدائ َّي ُة ل�سينما ُّ
الرعب
دراكـوال منتحبـ ًاِ .م ْث َـل بطـل بايـرون ،يغترب دراكـوال عـن بنـي
آخر .من ثـم يعيد الفيلـم موضوعة جنسـه من البشر ،ليتحـول إىل َ
التناسـخ التـي ظهـرت يف فيلـم Blaculaوفيلمـي كورتيـز وبادام،
حيـث يـزور جوناثـان هاركر قلعـة الكونـت دراكوال بعـد أربعامئة
عـام عىل وفـاة اليزابيث فيرى الكونت صـور ًة ملينا هاركـر (وينونا
رايـدر )Winona Ryderفيعـرف أهنـا إليزابيث نفسـها قـد ُولِدَ ْت
مـن جديـد .يتبـع الفيلـم اخلطـوط الرئيسـة حلبكـة الروايـة ،مـع
بعـض التغييرات يف الشـخصية تعكـس التغيرات الثقافيـة .يعاود
الفيلـم التوكيـد مـرار ًا على ازدواجيـة دراكـوال من حيـث إنه نحن
مسـقط ًا عليه الصفات املختلطـة للبطل املخالف،ِ وآخـر يف ٍ
آن معـ ًا، َ
جـذري عن التمثـل البدائـي َ
لآلخرانيـة يف الرواية. ٍ
اختلاف يف
ٍّ
عندمـا يصـل هاركـر إىل ترانسـلفانيا ،يـرى دراكـوال هبيئة رجل
ٍ
منظـر يترك يف الن ْفـس انطباعـ ًا كرهيـ ًا متامـ ًا .يتمتـع عجـوز ذي
لا أحيان ًا ،كام دراكـوال ببرشة بيضاء شـديدة الشـحوب ،ويبـدو ِ
مهم ً
إن ترسحية شـعره ولباسـه ،ورغـم انتامئهام إىل موضة عصره القديم،
للمشـاهد بنـو ٍع من التخنث واالنحطـاط .يصل الكونت إىل ِ يوحيان
ليلي من الفلكلورجنيس ٌّ ٌّ إنگلترا ونـراه مر ًة عىل هيـأة جاثومٌ ،
وحش
القروسـطي ،نصـف إنسـان ونصف وحـش ،حيث نـراه يعتيل صدر
لـويس ويسـترينا يف ممـرات احلديقـة .عندمـا يقتحـم دراكـوال الحق ًا
مسـكن مينـا يف مستشـفى الدكتـور سـيوارد ويواجهـه فان هلسـنگ
وفريقـه ،يتحـول دراكـوال إىل هيـأة برشيـة ممسـوخة جـد ًا وبـرأس
لآلخرانيـة الوحشـية للشـخصية .أما بصري آخـر َ ٍّ خفـاش ،يف ٍّ
جتـل
211
اجلذو ُر البدائ َّي ُة ل�سينما ُّ
الرعب
يف لقاءاتـه مـع مينـا ،فيكـون دراكـوال يف أشـد حاالته أناقـ ًة .أضاف
كوبـوال يف فيلمـه ملسـة مـن الرقـة إىل الشـخصية ال نجدهـا يف فلاد
ملـك ترانسـلفانيا وال عنـد عفريـت اجلاثـوم .فحينما يلتقـي بمينـا،
ٍ
حميطـات من الزمن يأخذهـا دراكـوال جانب ًا وحيدثهـا قائالًَ « :ع َ
بر ُت
ألجـدك» .ثـم يبدو عىل وشـك رشب دمهـا ،لكنه يكبح مجاح نفسـه ِ
ويمتنـع .ويف تلـك اللحظـة ،نـرى الذئب الـذي حـرره دراكوال من
حديقـة احليـوان يف لنـدن ،حمدثـ ًا اهللـع والفـوىض .لكـ َّن دراكـوال
يزجـره ،كما نـرى مينـا تالعـب ذلـك احليـوان أيضـ ًا .يمكـن فهـم
اجلانـب الوحيش مـن دراكوال.
َ رمزيـة هـذا املشـهد باعتبـار الذئـب
مـن ثـم فـإن مالطفة مينـا لذلك املخلـوق تبين قدرهتا على التحكم
بـه ،باإلضافة إىل ذلـك ،فإن املشـاهد التي تعرض ذكريـات دراكوال
عـن إليزابيـث جتعله ينتمـي أكثـر إىل النحن .أمـا املظهـر الفيكتوري
األنيـق لدراكـوال فيمثـل اجلانـب الطيب مـن طبيعـة دراكوال.
ٍ
بوضـوح نـرى اجلانـب اجليـد يف طبيعـة دراكـوال مـرة أخـرى
عندمـا تطلـب منه مينـا أن جيعلهـا له« :أريـد أن أكون معـك دوم ًا»
هتمـس مينـا ،فيرد عليهـا« :ال فكـرة لديـك عما تطلبينـه منـي ،ال
حيـاة يف هذا اجلسـد».
ورغـم معرفتهـا أن «أمريهـا الفاتـن» قـد قتـل صديقتهـا لويس،
تصر مينـا على طلبهـا .وعندمـا يبـدأ دراكـوال بإعطائهـا دمـه،
يكـف فجـأة ويبـدأ بالبـكاء« :ال ،ال يمكننـي أن َأ َد َع هـذا حيـدث».
ال يسـتطيع أن يدعهـا «متشي يف ظِلال املـوت إىل األبـد» ،ويتحسر
تنضـم إىل حبيبها
َّ قائلاً« :أحبـك كثري ًا مينـا» .لك َّن مينا تصر عىل أن
212
الف�صل الرابع
213
اجلذو ُر البدائ َّي ُة ل�سينما ُّ
الرعب
طفلـ ًة تدعـى كلوديا بتسـهيل مـن ليسـتات ،ليكون لـدى لويس ما
يشـبه األُ ْسة .بعـد سـنوات ،تكبر كلوديـا عقل ًّيـا ولكـن جسـمها
اآلخر ،ثم
يظـل جسـم طفلة ،وتشـعر باالسـتياء حيـال انتامئهـا إىل َ
قتلـت ليسـتات (لكنه يعـود ليظهـر فجأة يف
ْ يبـدو األمـر كأهنـا قـد
هنايـة الفيلم).
مل يكـن لويـس وال كلوديـا راضيين عـن كوهنما ُمبعدَ يـن ،فقد
كانـا نزا َفين ممانعين ومغرتبين ،ورغبـا يف إجيـاد بنـي نوعهما مـن
النزافين والتواصـل معهـم ،قبيلتهما اجلديـدة .يتوج بحثهما أخري ًا
بعثورمهـا على جمتم ٍع مـن النزافين ولكنهام خيوضان رصاعـ ًا ضده.
إذ مل يسـتطيعا العثـور على نوعهام اخلاص مـن النزافني ،فيتشـظيان
ٍ
هويـات خمتلفة. بين
يقـدم فيلـم Bladeاملنتَج عام ،1998والذي يسـتلهم شـخصية
القصـص املصـورة مارفـل ،مثـاالً آخـر على النـزاف املامنـع مـا -
بعـد -احلداثـي .حتكي حبكـة الفيلـم قصة شـخصية بليد (ويسلي
سـنايبس )Wesley Snipesالـذي ُولِـد مبـارشة بعـد أن تعرضـت
نـزاف ،مـا منحه بشـكل مـا قـدرات خاصـة ،ليولد والدتـه لعضـة َّ
مثـال آخـر على االغتراب .يتمتـع والنـزافٌ ،
َّ هجينـ ًا بين البشر
بليـد بقـوة النـزاف اجلسـدية ،ويف نفـس الوقـت ال يعاين مـن نقاط
الضعـف املميـزة للنـزاف ،فهـو يسـتطيع املشي يف النهـار دون أن
يؤثـر عليـه ضـوء الشـمس .يغلي صـدر بليـد بنيران الثـأر ألمـه
النزافين .يسـاعد أبراهام ويسـلر (كريس كريستوفرسـن Kris مـن َّ
)Kristoffersonبليـد عىل التحكم بشـهوته للدم باسـتخدام َم ْص ٍل
222
الف�صل الرابع
مـن أشـد التمثالت تأثير ًا يف جنس أفلام الرعب َت َ ُّث ُـل التهديد
املحيـق باألطفـال .حقـق سـتيفن كنـگ لرواياتـه – واألفلام التي
انبثقـت منهـا شـعبي ًة واسـعة من خلال اسـتخدامه املتكـرر ألنواع
ٍ
خاصـة خمتلفـة من األطفـال .من األمثلـة األخرى عىل شـخصيات
األطفـال املهدديـن باخلطـر أيضـ ًا :هيلاري يف فيلـم God Bless
)1988( the Childوريـگان يف فيلـم .The Exorcistترتكـز مجيع
ٍ
بقـوة على موضوعة الطفـل املهدَّ د. أفلام سلسـلة Jurassic Park
كذلـك يظهر هـذا التمثـل املؤ ِّثـر للتهديـد املحيق باحلـوض اجليني
النزافين .وقـد كانـت واحـد ٌة من أشـدكثير ًا يف أفلام وروايـات َّ
اللحظـات رعبـ ًا يف روايـة دراكـوال لبرام سـتوكر عندمـا دخـل
الكونـت «كعاصفـة من الغضـب» ليقاطـع زوجاته اللايت ُك َّن عىل
وشـك مـص دم جوناثـان هاركـر ،وكان حيمـل معـه حقيبـة حتوي
بداخلهـا طف ً
لا يئـن ،عىل سـبيل اهلديـة لزوجاتـه .وعندمـا أتت أم
الطفـل إىل القلعـة متوسـلة الكونـت أن يعيـد إليهـا طفلهـا ،أطلـق
عليهـا الكونـت ذئابـه لطردها.
يف العـام ،1963أنتِـج فيلـم املقتطفـات ،Black Sabbath
وقـد تضمـن ثالث قصـص قصيرة ،كانـت إحداهـا بعنـوان ذا
إنتـاج إيطـايلَ ،ف َل ْم
ٍ فريديلاك .The Wurdulakكان الفيلـم مـن
جيتـذب بالطبـع إال املخلصين مـن مجهـور أفلام الرعـب ،لكنه
احتـوى مشـهد ًا مؤثـر ًا بعمـق ،يلعب على وتر الطفـل املنكوب.
يف قصـة «ذا فريديلاك» ،قـام بوريـس كارلـوف Boris Karloff
225
اجلذو ُر البدائ َّي ُة ل�سينما ُّ
الرعب
النزافون هم نحن
229
الفصل الخامس
َ َ ُّ
تمثل التزاوج
في الرومانسية القوطية
ٌ
خمـزون يف اإلرث اجلينـي لنصـف نوعنـا –النسـاء أن هـذا الت ََم ُّثـل
وإهنـن يسـمعن أصـداء مهسـاته يف حبـكات الروايـات واألفلام
الرومانسـية .أمـا النصـف اآلخر – الرجـال فربام يتمثـل حلمهم يف
إجيـاد امـرأة ذات جاذبية جنسـية عاليـة وتصلـح كأم لألطفال .منذ
انطالقـات جنس األدب الرومانسي ،كان َت َ ُّثل الرجـل الذي يدافع
ٍ
رشير ،عنصر ًا مركز ًّيا فيه. ٍ
شـخص ٍ
امـرأة أو ينقذهـا من براثن عـن
مـن السـهل مشـاهدة القـوة التـي تتمتـع هبـا أصـدا ُء َت َ ُّثـل
التـزاوج .أعلنـت رابطة ُكتَّـاب الرومانسـية يف أمريـكا Romance
،Writers of Americaوهـي منظمـ ٌة تضم املؤلفني الرومانسـيني،
أن مبيعـات هـذا اجلنس مـن األدب بلغـت 1.37مليـار دوالر عام
،2006متفوقـ ًة بمقـدار 26%على مبيعـات مجيـع الكتـب األخرى
حصـة كربى من ٍ جمتمعـة) .(3ويسـتحوذ صنـف األدب القوطي عىل
سـوق جنـس األدب الرومانسي .قـد يرفـض القـراء واملشـاهدون
العنـارص اجلنسـوية sexistألصـداء َت َ ُّثـل التـزاوج كما يقدمهـا
غيرت
ْ األدب الرومانسي واألفلام الرومانسـية؛ كما أن الثقافـة
أدوار اجلنسين .تسـتطيع النسـاء جتاهـل هـذه األصـداء بالكامـل
لـو َأ َر ْد َن ذلـك .لكنهـا ما زالـت موجودة عنـد الكثري منهـن ،وربام
معظمهـن ،بدرجـة أو بأخـرى ،وتثير فيهـن االسـتمتاع بالروايات
الرومانسـية القوطيـة التـي جتسـد َت َ ُّث َـل التـزاوج .على أن ظهـور
األفلام والسـينام أضـاف بعـد ًا جديـد ًا هلـذا اجلنـس األديب.
رفعت فتا ٌة يدها لتسـألني:
ْ يف أحـدى حمـارضايت يف مادة األدب،
«د .فـراي ،ملـاذا تتمحور الكثري مـن هذه القصص حـول اجلنس؟»
237
اجلذو ُر البدائ َّي ُة ل�سينما ُّ
الرعب
واألفلام التـي انبثقت عنـه الحق ًا ،نموذجـ ًا يظهر لنا كيـف تفاعل
هـذان العاملان – الثقافـة والتطـور البيولوجي يف َخ ِ
لـق اللذة عند
القـارئ أو ا ُملشـاهد منـذ قـرون .تقـع بـؤرة هـذا اجلنـس األديب يف
الرقصـة البرشيـة للتـزاوج ،ويطـرح علـم النفـس التطـوري أنه إذا
مـا ُأزيلـت مجيع الزخـارف التـي أضافهـا ال ُكتَّاب ومنتجـو األفالم
يف َج ْعلهـم الرومانسـي َة منتَجـ ًا ثقاف ًّيـا ،فـإن مـا يتبقـى هـو الغريـزة
البرشيـة املركزيـة لتَكاثـر النوع.
يتميـز البرش باختالفـات متيزهم عن احليوانـات األخرى يف ما
خيـص لعبة التـزاوج ،وعلى كال الصعيديـن البيولوجـي والثقايف.
خيار على صعيد ليـس لألغلبيـة السـاحقة مـن األنـواع احليوانيـة ٌ
التـزاوج واإلنجـاب .حيـث تتحكم هبـا البيولوجيـا والغريزة .متر
إنـاث ُمع َظـ ِم الثدي َّيـات بفترة الـوداق ،الطريقـة التـي اعتمدهـا
ـق األنثـى الراغبـ ُة باجلنـس التطـور حلملهـن على التكاثـر .ت ِ
ُطل ُ
مـزاج رومانسي .يف بعـض األنواع، ٍ رائحـ ًة ت ِ
ُعلـم الذكـور أهنا يف
حموري
ٌّ دور
كام نـرى يف الوثائقيـات التلفزيونية ،لطقوس املغازلـة ٌ
ٍ
رقصات معقـد ًة أو ذكـور الطيـور يف بـدء عمليـة التـزاوج .تؤدي
ُ
تسـتعرض مجـال ريشـها الجتـذاب انتبـاه احلبيبـة املرجـوة .ومن
األمثلـة على ذلـك الريـش اجلميـل لذكـور الطـاووس رغـم إنـه
يبـدو ضـار ًا عىل صعيـد البقاء ،إذ جيعلـه طريد ًة سـهل ًة للحيوانات
املفرتسـة .لكـ َّن هـذا الكسـاء الريشي اجلميـل يعـد دلي ً
لا مرئ ًّيـا
لإلنـاث على اجلـودة اجلينيـة للذكر الـذي حيملـه ومن ثم فـإن له
يسـميه دينيس داتـون «مؤرش ِّ فائـدة عىل صعيـد بقاء النـوع ،أو ما
239
اجلذو ُر البدائ َّي ُة ل�سينما ُّ
الرعب
على الوالديـن فيـه أطـول بكثير مما هـي عليـه يف األنـواع احليوانية
ٍ
واحد يف األخـرى ،وهكـذا فمن املرجـح أنـه كان صعب ًا عىل رجـل
ٍ
ألطفال العصر احلجـري القديـم أو اجلديـد أن يوفر مـوارد كافيـ ًة
مـن أكثـر من رشيكة جنسـية .ومـع أن احلضارة الغربيـة قد طورت
الـزواج األحـادي باعتبـاره النمـط املطلوب مـن التزاوج ،وسـنت
قوانين ضـد اختـاذ أكثـر مـن رشيـك أو رشيكـة ،إال أن الرجـال
الذيـن كانـوا مقتدريـن ماد ًّيـا قـد مارسـوا عبر التاريـخ البشري
انعكاس آخـر للغريـزة البدائيـة التي تدفع
ٌ اختـا َذ العشـيقات ،وهـو
الرجـال ملكاثـرة جيناهتـم على أوسـع نطـاق ممكن.
كذلـك اسـتمتعت النسـاء عبر التاريـخ هبـذا النـوع مـن
جمسـد ًا يف األدب عبر العصـور .يسـجل املغامـرات ،ونـرى ذلـك َّ
كريسـتوفر ويلبر Christopher Wilburولـورن كامبـل Lorne
Campbellأن «النسـاء ُي َث ِّمـ َّن األمـان الـذي توفـره عالقـ ٌة ملتزمـ ٌة
جنسي مع ٍ
نشـاط طويلـة األمـد ولكنهـ َّن يرت َّقبـن الفرص ملامرسـة
ٍّ
رجـال ذوي قيمـة جينيـة عاليـة يف الوقت الـذي تكون فيـه إمكانية ٍ
َحلهـن مرتفعـة») .(8لكـ َّن الـزواج األحـادي – الرابطـة الثنائيـة
العـال ،عىل األقلَ أصبـح الشـكل القيـايس السـائد يف معظم أجـزاء
حتـى يسـتطيع األطفـال االعتماد على أنفسـهم .نعم ،نحـب فكرة
احلـب الـذي يـدوم مـدى احليـاة مـع تـوأم الـروح ،لكـ َّن باحثـي
علـم النفـس التطـوري يصرون على َّ
أن التطـور مل جيعلنـا أحا ِّديي
التـزاوج متامـ ًا .مـن املرجح أن «هرشـة السـنة السـابعة» قـد كانت
الزمـن الـذي احتاجته املجتمعـات البدائية لتنشـئة الطفـل وإدخاله
241
اجلذو ُر البدائ َّي ُة ل�سينما ُّ
الرعب
يف معترك احليـاة ،مما قـد يتيح للزوجين إهناء العالقـة والبحث عن
عالقـات جديدة.
مـن املنظـور التطـوري للتـزاوج والتمريـر الناجـح للجينـات،
ختتلـف احتياجـات الرجـال عـن احتياجات النسـاء .مـن مصلحة
الرجـال نشر جيناهتـم على أوسـع نطـاق .تكتـب فيشر« :اجلماع
هـو وسـيلة الرجل إلنجـاب الذرية؛ فـإذا محلت رشيكته فستسـافر
جيناتـه إىل املسـتقبل .هكـذا ورغـم أن الرجـال غالبـ ًا ال يرغبـون
بإنجـاب األطفـال على مسـتوى الوعـي ،إال أنـه يبـدو أن هـذه
ـت يف نفسـية الذكور عىل هيـأة َم ٍ
يل غري املكافـأة التطوريـة قـد ُغ ِر َس ْ
احلميميـة ،املـو َّد ِة ،والصحبـة») .(9أمـا
ِ جوهـر
َ وا ٍع العتبـار اجلماع
النسـاء على اجلهـة األخـرى ،فيبذلن اسـتثامر ًا أعىل بكثير يف ميدان
التكاثـر ،وهـذا االختلاف بني حاجـات الرجال وحاجات النسـاء
هـو مـا أهلـم قصة سـندريال.
ث النسـاء عـن الزوج االختلاف أسـاس َت ُّثل بح ِ
ُ يشـكل هـذا
ْ َ َ
املثـايل .تتواجـد القصـة ضمـن فلكلـور الكثري مـن الثقافـات وعرب
التاريـخ السـحيق :من الصين القديمة وصـوالً إىل إصدار الشـاعر
ُشر عـام ،1697ووصوالً شـارل بيرو Charles Perraultالـذي ن ِ
سـينامئي للقصـة مـن إنتـاج رشكة ديـزين عام ٍ
توظيـف إىل أحـدث
ٍّ
صنعت أشـكاالً متنوعة مـن القصة .فمثالً، ْ .2015لكـ َّن الثقافـات
يقـدم لنـا فيلـم )1990( Pretty Womanشـخصية سـندريال على
أهنـا َب ِغ ٌّي ،أما فيلـم Maid in Manhattanالذي صـدر عام ،2002
فريبـط القصـة إىل الثقافـة املعـارصة بتصويـره للشـخصية على أهنا
242
الف�صل اخلام�س
أ ٌّم عزبـاء .ت ِ
َعـزف قصـ ُة الفتـاة الصغيرة التي تعـاين الظلـم ولكنها
تنجـح أخير ًا يف إجيـاد أمريهـا ،نعـم تعزف على َوتَـر حلم النسـاء
بلقـاء رجـل كهـذا و َعيش قصـة رومانسـية معه.
احتفـت املئـات من الروايـات واألفالم باحلـب احلقيقي ،احلب
الـذي ُيت َِّو ُجـ ُه الزواج بعـد معاناة الصعـاب؛ ففي َ
عال الرومانسـية،
كما يقـول شكسـبري« ،ال بـد للحـب احلقيقـي أن يواجـه املتاعـب
الصراع عنصر ًا أساسـ ًّيا يف األفلام والروايات.
ُ يف طريقـه»ُ .ي َعـدُّ
كل من الرومانسـية والرومانسـية ويقـع الصراع الدرامي يف قلـب ٍّ
القوطيـة ،ويتموضـع حتديـد ًا يف َت َ ّثـل التـزاوج :حكايـ ُة نجـاح
االحتـاد بين امـرأة ورجل طيـب وكريـم ،ويف الكثري مـن األحيان،
فيلم
رجـل يريدها ملجـرد املتعة اجلسـدية .يضع ُ ٌ يالحـق املـرأ َة أيض ًا
ُ
Bridget Jones’ Diaryتنويعـ ًة ثقافيـ ًة جديـد ًة على هـذه القصـة
اخلالـدة ،حيـث التعـارض بين مـارك داريس (بالطبع فإن تسـميته
على اسـم شـخصية مـن روايـة Pride and Prejudiceليسـت
مصادفـة) كأمير وبين دانييـل كليفـر الفتـى اخلليـع .لكـن يف هذا
الفيلـم ،تتشـوق البطلة الرومانسـية ملامرسـة اجلنس مـع دانييل بعد
فترة قصيرة على لقائهام.
يصنِّـف يـان جوبلنـگ ،Ian Joblingدايـان كروگـر Diane
،Krugerوماريـان فيشر Marianne Fisherنموذجني لشـخصية
الرجـل يف املدرسـة الرومانسـية مـن منظور علـم النفـس التطوري
ومهـا« :اآلبـاء» و«األنـذال» .والنـذل أو الوغـد هـو زيـر النسـاء
الـذي يرجـح أن يع ِّقـب كثير ًا مـن األطفـال .وتربـح املـرأة مـن
243
اجلذو ُر البدائ َّي ُة ل�سينما ُّ
الرعب
والتنهـدات منهـا أو ينـال منها احلزن ألقل األسـباب؛ تعيش شـهر ًا
على لقمـة طعـا ٍم واحـدة ،وهزيل ٌة شـاحبة عىل الـدوام).(12
يتحـدث باريـت هنا عـن الصيغـة النموذجية لشـخصية البطلة
اجلوالـة كما قدمتهـا الرومانسـية القوطيـة ،أي تلـك البطلـة التـي
تنتقـل مـن قلعـة إىل ٍ
بيـت فاخر.
اجلنسـوي sexistوالتحقيري لشـخصية
ِّ رغـم تصويـر باريـت
تشيري ،كانت البطلة يف بدايات الرومانسـية القوطية ،تتسـم بالقوة
والدهـاء ،وعازمـ ًة على صد الرجل الـذي ال يعجبها .ومما ال شـك
فيـه أن الفتيـات اليافعـات يف تلـك احلقبـة –اللايت رتبـت العائلـة
زجياهتـن يف الغالـب قـد وجـدن يف شـخصية البطلـة يف الروايـات
الرومانسـية صدً ى لقصص حياهتن الواقعية .تتسـم هـذه الروايات
بميلودراميـة شـديدة؛ لكن البطلـة تكرس قوالب اخلضـوع األنثوي
يف سـعيها لالسـتقالل وإنشـاء عالقة مع رجل حمـب وداعم .هكذا
يقترح علماء البيولوجيا التطورية أن النسـاء اليافعـات لتلك احلقبة
كـن يقـرأن هـذه الروايـات وحيلمـن بالرشيـك األمثل على صعيد
اسـتمرار شـيوع جنس
ُ املـوارد ،التوافـق اجليني ،والعطف؛ ويرجح
األدب الرومانسي أن الكثير مـن النسـاء مازلـن حيلمن هبذا.
َ ِّ
«نيلي ،أنا هيثكليف» جين آير ومرتفعات ويذرنگ
مل تو َّظـف األعمال املبكـرة األوىل للرومانسـية القوطيـة يف
السـينام .لكـن روايـة جين آيـر Jane Eyreلشـارلوت برونتـي
Charlotte Brontëوروايـة مرتفعـات ويذرنـگ Wuthering
Heightsلشـقيقتها إيميلي برونتـي Emily Brontëو ِّظفتـا يف
246
الف�صل اخلام�س
عـدد كبير مـن األفلام .سـطع نجـم روايـات األخـوات برونتـي ٍ
نشرت آن برونتـي Anne Brontë ْ الثلاث عـام ،1847حيـث
مجيع الشـقيقات الثالث حتت أسماءكتبت ُ
روايتهـا ْ .Agnes Gray
نشرت شـارلوت حتت اسـم كوريـر بيل ْ رجاليـة مسـتعارة ،حيـث
،Currer Bellوإيميلي حتـت اسـم إيليـس بيـل ،Ellis Bellأما آن
فقـد اختارت اسـم آكتـون بيـل .Acton Bellيف احلقبـة الفيكتورية
تلـك ،كانـت الكاتبـات يواجهـن مصاعـب مجـة يف نشر أعامهلـن
األدبيـة .فمثالً ،كانت مـاري آن إيفانـس Mary Ann Evansتنرش
رواياهتـا حتـت اسـ ٍم مسـتعار هـو جـورج إليـوت .George Eliot
ُت َعـدُّ روايـة جني آيـر Jane Eyreتطـور ًا يف الصيغة الرومانسـية
القوطيـة للقـرن السـابق ولتراث السـندريال أيضـ ًا .جتسـد الرواية
التمثـل اخلالـد للتـزاوج والتكاثـر ،وإن كان ُم َقنَّعـ ًا بِ ُز ْخـرف
الرومانسـية الـذي اخرتعتـه الثقافـةُ .و ِّظ َفـت روايـة جين آيـر يف
عـدد كبير مـن األفلام .إذ يعـدد موقـع قاعـدة بيانـات األفلام
على اإلنرتنـت Database Internet Movieثامنيـة منهـا ،وهـذا ال
يشـمل بالطبـع العـروض التلفزيونيـة واملرسحيـات العديـدة التـي
اسـتلهمت الروايـة .متيـز الفيلـم الذي أنتج عـام 1943بأنـه األكثر
ْ
اعتنـا ًء بتقديـم روح الروايـة .عمـل ثالثـة كتَّـاب سـيناريو مميزون
هـم ألـدوس هكسلي ،Aldous Huxleyجـون هوزمـان John
،Housemanوروبـرت ستيفنسـون ( Robert Stevensonالـذي
مشـذبة مـن الرواية؛ َّ قـام أيضـ ًا بإخـراج الفيلم) ،على تقديم حبكة
إذ حذفـوا اجلزئيـة التـي تتحـدث عـن التقـاء جين آيـر بسـانت
247
اجلذو ُر البدائ َّي ُة ل�سينما ُّ
الرعب
جـون ريفـرز وأخواتـه كما حذفـوا تفاصيـل ميراث جين أيضـ ًا.
عولـوا على مواهـب املمثلين: لكـ َّن ُكتَّـاب السـيناريو واملخـرج َّ
جـوان فونتين Joan Fontaineيف دور جين آيـر وأورسـون ويلـز
Orson Wellesيف دور روتشيستر .وقـد أتقـن أورسـون تقمـص
دور البطـل البايـروين للروايـة .كذلـك شـهد الفيلـم ظهـور ثالث
ممثلات يف مرحلـة الطفولـة ُقـدِّ ر هلـن الحقـ ًا أن يصبحـن نجمات
يف عـامل السـينام :مارگريـت أوبرايـن Margaret O’Brienيف دور
أديـل ،ابنـة روتشستر غير الرشعية مـن راقصـة فرنسـية؛ بيگي آن
گارنـر Peggy Ann Garnerيف دور جين الصغيرة؛ وإيليزابيـث
تايلـور بعمـر أحـد عرش عامـ ًا يف دور هيلين برينز العليلـة ،صديقة
جين األقـرب يف املدرسـة.
مل تنسـب برونتـي جلين صفـات اجلمال التـي كرسـها تـراث
الرومانسـية القوطيـة .فقـد كانـت جين «عاديـة» .لكـ َّن املؤلفـة
وظفـت العديـد من عنـارص التراث القوطـي والتمثل الـذي يقف
وراءه .يلعـب َت َ ُّثـل التـزاوج كما تقدمـه روايـة جين آيـر على وتر
بدائيـة مغروسـة يف النسـاء منـذ عهـد أسلافنا األولين. ٍ ٍ
اسـتجابة
كما يصر املختصـون بعلم النفـس التطـوري ،كانت النسـاء خيضن
خماطـرة أكبر بكثير يف عمليـة التـزاوج مقارنـة بالرجـال .يالحـظ
ٍ
رشيـك سـ ِّيئ» كان كارل گرامـر Karl Grammerأن «اختيـار
يمثـل خطـر ًا على بقـاء ذريـة األنثـى النـادرة أصلاً .مـن ثـم كان
على اإلنـاث أن يكـ َّن أكثـر انتقائيـ ًة مـن الذكـور») .(13وهكـذا فإن
روتشيستر يمثل للنسـاء القارئـات يف تلك الفرتة ،خيـاالً للرشيك
248
الف�صل اخلام�س
ـت اجلزئية املتعلقـة بعرض ريفرز يف هذا الفيلم) يسـتثري فقط (ح ِذ َف ْ
ُ
إحساسـها بالواجـب كمسـيحية ،وال يسـتثري عواطفهـا احلـارة كام
يفعـل روتشيستر .ويرجح منظور علـم النفس التطـوري أن غريزة
جنسي ٍ
رشيـك جين جعلتهـا تـرى يف روتشيستر أكثـر مـن جمـرد
ٍّ
ذي جاذبيـة ورومانسـية ومـوارد أكبر ،بل رأتـه أفضل مـن الناحية
اجلينيـة أيض ًا .جتسـد الروايـ ُة – والفيلم أيض ًا حتقيـق األمنية الكربى
وعبر التاريـخ ،ذلـك إن جين تعـود ،يف ْ للنسـاء يف حقبـة برونتـي
هنايـة الروايـة ،إىل عزبـة ثورنفيلـد بالثـروة واالسـتقالل اللذيـن
اكتسـبتهام ،لتعتنـي بروتشيستر املصـاب األعمى .حيـث ترمز هذه
النهايـة إىل أهنـا أخضعـت روتشيستر بالكامـل ،كما حـدث عندما
ٍ
لقـاء بينهام. سـقط أرضـ ًا من على صهـوة جـواده يف أول
تقدم نانيس ايسترلني Nancy Easterlinمنظور ًا نسـو ًّيا للرواية
ٍ
هيمنـة فتقاومـه والفيلـم .حيـاول روتشيستر أن يؤسـس عالقـ َة
جين .إذ أن رغبتـه يف السـيطرة هـي غريـزة تطوريـة ال واعيـة ،أما
َلف ُت إيسترلني اسـتجابة جين فتقوم على حس االسـتقالل لدهيا .ت ِ
األنظـار إىل املقارنـة بين مقاومـة جين هليمنـة روتشيستر وبين
الديـن ،والتـي كادت جين جـون ريفـرز وهيمنتـه املعتمـدة على ِ
أن ختضـع هلـا ولكنهـا مل تفعـل« :مـن املنظـور النسـوي الداروينـي
هنـا ،أرادت برونتـي اإلشـارة إىل الغريـزة التملكيـة التطوريـة عند
وكشـفت عـن بعـض األشـكال الثقافيـة ْ الرجـال جتـاه النسـاء،
التـي كانـت تتخذهـا ]هـذه الغريـزة[ يف القـرن التاسـع عشر ،كام
صـورت تأثيرات ذلـك على الرجـال والنسـاء يف الرابطـة ْ أهنـا
252
الف�صل اخلام�س
إن رؤيـة جوزيـف كارول على العالقة بين إيليزابيث الثنائيـة»)َّ .(15
وداريس يف Pride and Prejudiceتنطبـق أيضـ ًا على جين بينيـت ْ
آيـر .فالرجـال يبحثـون عـن اجلامل والشـباب يف املـرأة ،أما النسـاء
فيبحثـن فيهـم بدورهـن عن املـوارد ،لكـ َّن «املحك األهـم لتدوين
السـمة الشـخصية يف هـذه الروايـة ] [Pride and Prejudiceهـو
كل مـن الرجال والنسـاء فوق هـذا املعيار األسـايس مـدى ارتفـاع ٍّ
بصفـات أخـرى على مسـتوى الشـخصية والعقـل»).(16 ٍ ليتميـزوا
إذ يقترح كارول أن ُكلًّ مـن اهليمنـة َ
الذكَريـة واحلاجـة األنثوية إىل
االسـتقالل صفتـان متطورتـان.
ُت َعـدُّ روايـة إيميلي برونتـي «مرتفعـات وذرنـگ Wuthering
»Heightsالرومانسـي ُة قوطيـ ًة بامتيـاز ،لكنهـا ختتلـف جذر ًّيـا عن
مثيالهتـا يف هـذا اجلنس األديب .إذا ما اسـتثنينا فيل ًام صامتـ ًا ُأنتِج عىل
ِ
املخـرج ويليام أسـاس هـذه الرواية عـام ،1920فيمكـن عدُّ فيلـم
توظيف سـينامئي ملرتفعات ٍ وايلـر William Wylerعام َّ 1939أول
وذرنـگ ،وقـد أسـندت األدوار الرئيسـة ملمثلني اسـتثنائيني ،حيث
أدى لورنـس أوليفـر Laurence Olivierوميرل أوبيرون Merle
وري هيثكليـف وكاثريـن على التـوايل .كما احلـال مـع َ Oberonد َ
غير سـيناريو الفيلـم – الـذي أعَـدَّ ه ُكت ُ
َّاب روايـة جين آيـر ،فقـدْ َّ
سـيناريو شـهريون هم تشـارلز مكارثر ،Charles MacArthurبن
ـذبوش َّهيكـت ،Ben Hechtوجـون هيوسـتن John Hustonـــ َ
روايـة برونتـي إىل حـدٍّ مـا ،حيـث غابـت عـن الفيلـم بعـض أكثر
املشـاهد العاطفيـة إثـار ًة مـن الروايـة ،كمشـهد َن ْبـش هيثكليـف
253
اجلذو ُر البدائ َّي ُة ل�سينما ُّ
الرعب
التـي كانت حتملهـا هليثكليف عىل الـدوام ،رغم أهنا اسـتطاعت أن
تصمـد أمـام توسلاته ألن هتـرب معه.
حمـور ًة بعض تقـدم الروايـة والتوظيفـات السـينامئية هلا صـور ًة َّ
الشيء للصيغـة التقليديـة للحبكة الرومانسـية التي تتمثـل يف املرأة
احلائـرة يف االختيـار بين أكثـر من رجـل ،حيث نـرى كاثريـن أمام
اختياريـن مهـا هيثكليـف وإدگار ،ويمثـل الرجلان النوعين مـن
االحتياجات التي قد تشـعر هبـا النسـاء .يف األدب القوطي األقدم،
ٍ
خطورة كان أحـد الرجلين ُي َقدَّ م بوصفـه «مغوي ًا» أو «خليعـ ًا» ،وذا
وشـخصية كاريزميـة ،وحيـاول إغـواء البطلـة ،ومـع ذلـك فإنـه
بجاذبيـة غريبـة ،أما الرجـل اآلخر فغالبـ ًا ما يكون حساسـ ًا ٍ يتمتـع
شـفوق ًا .جيسـد هيثكليـف بحبه البايـروين اجلـارف لكاثريـن النوع
تطوري.
ٍّ ٍ
منظـور األول .ويتمتـع كال الرجلين بمحاسـن مـن
يسـجل جوزيـف كارول جتسـيد الروايـة لـكال النوعين مـن
املحاسـنَ « :يسـتحرض الـزواج الـذي تلمح إليـه خامتـة الرواية بني
هاريتـون وكاثـي ،يسـتحرض مبـد ًأ أو معيـار ًا كوميد ًّيـا رومانسـ ًّيا،
رابطـة تعاونيـة يسـتفيد منهـا ٍ حيـث تندمـج املصالـح الفرديـة يف
حـد سـواء ،لكـ َّن رابطـ ًة كهـذه ال يمكـن أن كال الطرفين على ٍ
تكـون دائمـ ًة أو كاملـة ،بـل كثير ًا مـا تكـون خمتلـة متامـ ًا .تعـرض
خامتـة مرتفعـات وذرنـگ صـور ًا مـن التناغـم وأخرى مـن العنف
العاطفـي ،لتعكـس بذلـك التضاربـات العميقـة يف أطـوار تاريـخ
احليـاة البرشيـة»).(18
تعكـس األحلام البدائيـة يف األدب القوطـي جاذبيـة كال
257
اجلذو ُر البدائ َّي ُة ل�سينما ُّ
الرعب
النوعين مـن الرجال .يف املـايض ،احتاجـت النسـاء إىل إدگار ،وما
زال هـذا النـوع مـن الرجـال جذابـ ًا إىل يومنـا هـذا .لكـ َّن تاريـخ
األدب واألفلام ملي ٌء أيضـ ًا بجاذبيـة الطـراز اآلخـر ،الرجـل
الوغـد .يمثـل هيثكليف هذا النـوع من الشـخصيات ،إذ يدمر حياة
املسـكينة إيزابيـل التـي تنجـذب إليه كام تنجـذب العثـة إىل اللهب،
كما تنجـذب إليـه كاثريـن أيضـ ًا .ولـو أن حبـه البايـروين اجلـارف
لكاثريـن يشـفع لـه .يف مقالتـه عـن الرواية ،يكتـب ديفيد سيسـيل
شـخصية قـد تنجـذب سـطح ًّيا إىل هـؤالء ٍ َّ David Cecil
أن «أي
الذيـن يتمتعـون بمواصفات تعشـقها هـذه الشـخصية ]كانجذاب
كاثريـن إىل إدگار[ .لكـن املشـاعر العميقـة هلـذه الشـخصية ال
بإحسـاس باألُ ٍ
لفـة ينبـع من ٍ ٍ
شـخص تشـعر نحـوه تنجـذب إال إىل
ٍ
عمليـة واحدة. تعبير عن حقيقـة أن كال النوعين مـن املشـاعر مها
ٌ
ٍ
«بإعجـاب» جتـاه هيثكليـف فقـط ،بـل هي حتبه فكاثريـن ال تشـعر
أيضـ ًا بـكل مـا يف كينونتها مـن قـوة») .(19يصف سيسـيل هنا نوعي
الرجـال اللذيـن ربام جيعلهما التطـور البيولوجـي جذا َبين للمرأة:
الرجـل الثـري صاحـب املـوارد ،والرجـل الـذي يشـع جاذبيـ ًة
جنسـية تكسر الدفاعـات العقليـة عنـد هـذه املرأة.
يف أحـد املشـاهد مـن فيلم كوسمينسـكي ،تسـأل نيللي كاثرين
عما يعجبهـا يف إدگار« ،إنـه فتًـى شـاب ،وسـيصبح غن ًّيـا» ،جتيـب
جـواب جيـدٌ للصفـة املنشـودة يف الرشيـك .ثـم تضيف
ٌ األخيرة،
الحقـ ًا« :حبـي للينتون كأوراق األشـجار .سـيغريه الزمـن كام يغري
الشـتاء األشـجار .أنـا أحـب هيثكليـف .فهـو كالصخـور األزليـة
258
الف�صل اخلام�س
االختيـار بين رجلين حيباهنـا ،نعـم يعد هـذا املوقـف أمنيـ ًة عزيزة
للنسـاء منـذ بـزوغ فجـر املدرسـة الرومانسـية يف األدب ،ويبدو أنه
ِ
واملشـاهدات. مـا زال كذلـك للكثري مـن القارئات
إن بيلا بطلـة تقليديـ ٌة إىل حدٍّ كبير ،من حيث أهنـا -كام جرت
عليـه العـادة يف الرتاث الرومانسي -عاجز ٌة إىل حدٍّ مـا دون البطل.
ينقذهـا إدوارد مـرار ًا ،ويبـدو أن عجزهـا عـن الدفـاع عـن نفسـها
مدفـوع
ٌ جـز ٌء مـن جاذبيتهـا ،كما يعترف هلـا إدوارد «أشـعر أننـي
جـد ًا حلاميتـك» و «أنـت مثل ماركـة اهلريويني اخلاصـة يب» .تعكس
املشـاعر الغريـز َة البدائيـ َة حلامية األنثـى باعتبارهـا منبع اجليل
ُ هـذه
التـايل واسـتمرارية احلـوض اجليني .ويعـد إدوارد من نـوع الرجل
املهيمـن احلسـاس الـذي قـد يثير االسـتجابة البدائيـة عنـد مجهور
بـاد ،وال حيتـاج املـرء ٍ
بثـراء ٍ قـراء الرومانسـية .يتمتـع آل كولينـس
إىل االطلاع على علـم النفـس التطـوري ليعـرف أن املـوارد التـي
يمتلكهـا الرجـل تعـد مـن العوامـل التـي جتعـل فتًـى مثـل إدوارد
جذاب ًا للنسـاء.
َّ
كذلـك قـد يثير ُ
متثـل التـزاوج يف العالقـة بين بيلا وإدوارد
اللـذ َة اإلنابيـة عند الكثير من املشـاهدين أو القراء الذكـور .تكتب
فيشر «يشـعر الرجـال بالفحولـة عندمـا ينقذون فتـا ًة مـن مصيبة.
وال شـك أن ماليين األعـوام مـن احلاميـة وتوفير املـوارد للنسـاء
قـد غـرس يف أدمغـة الذكور هـذا امليل جتاه النسـاء الاليت يشـعرون
ٍ
بحاجـة للحاميـة») .(20قـد تسـتفز البطلـ ُة «مكسـورة اجلناح» أهنـن
كما تسـمي فيرش األنثـى التي تشـعل غريـزة احلاميـة عنـد الرجال،
261
اجلذو ُر البدائ َّي ُة ل�سينما ُّ
الرعب
مسـتوى ما.ً نعـم ،قد تسـتفز االسـتجابة البدائيـة عند الذكـور عىل
ٍ
برجـل هيتم املكون مـن التمثـل – حلم املـرأة لكـن قـوة تأثير هـذا ِّ
ٍ
شـعبية يف الروايات وحيمـي قـد جعلت الرومانسـية جنسـ ًا أدب ًّيـا ذا
وتوظيفاهتـا السـينامئية على حدٍّ سـواء.
اهلمسـات التطوريـ َة لِت ََم ُّثـل التـزاوج ،والتـي تعد
ِ تعكـس بيلا
ِ
نس الرومانسـية والرومانسـية القوطية .تتشبث مركزي ًة يف جاذبية ج َ
بـإدوارد على أنـه الرشيـك اجلنسي املمكـن الوحيـد هلـا .وتالحظ
ٍ
متلكيـات جـد ًا ٍ
«آليـات دماغيـ ًة جتعلهـن طـو ْر َن
فيشر أن النسـاء َّ
عندمـا يشـعرن أن الرشيـك عىل وشـك أن يكف عن توفير املوارد
أو الدعـم العاطفـي ،أو أنـه عىل وشـك تـرك العالقـة والذهاب إىل
رشيكـة أخرى») .(21يف رواية سيسـيليا Ceciliaلفـاين بريين Fanny
ٍ
Burneyالصـادرة عـام ،1782وهـي واحـد ٌة مـن أشـد الروايـات
تأثير ًا يف بدايـات ظهـور الرومانسـية ،تركـض البطلـ ُة يف الشـارع
فاقـد ًة صواهبـا بعـد أن ختسر حبيبهـا ،وهـو مشـهدٌ أصبـح نمط ًّيـا
ٍ
مشـاهبة، ٍ
بشـخصية يف املدرسـة الرومانسـية .كذلـك تتمتـع بيلا
فقـد أصيبـت باهليسـترييا وأوشـكت على االنتحـار تقريبـ ًا عندمـا
حـاول إدوارد فسـخ العالقـة مراعـا ًة ملصلحتهـا .كذلـك قـد تقـع
الشـخصيات الرجاليـة يف األدب الرومانيس حتت هـذه الصعوبات
نفسـها بفعـل خسـارهتم حلبيباهتم .ففي روايـة أحزان الفتـى ويرذر
The Sorrows of Young Wertherليوهـان وولفگانـگ فـون
گوتـه ،Johann Wolfgang von Goetheالصـادرة عـام ،1774
قـوي على الشـبان الرومانسـيني يف تلـك ٍّ ٍ
تأثير وقـد كانـت ذات
262
الف�صل اخلام�س
يرضهبـا وال يسـاعدها يف حياهتـا بأي يشء .ملـاذا تنجـذب امرأة إىل
ري ،وهوتطـو ٍّ ٍ
منظور ِّ رجـل بمواصفـات كهذه؟ أو تبقـى معه؟ من ٍ
بدائـي للبقاء مع
ٌّ رومانسي باملرة ،قد يـراود املرأة نـدا ٌء
ٍّ منظـور غير
ٌ
رجـل هـو والـد أطفاهلـا أو قـد يصبـح والـد أطفاهلـا يف املسـتقبل،
بـدالً من املخاطـرة بخسـارة دعمه العاطفـي واملايل باملـرة .يلخص
بـاري شـوارتز Barry Schwartzمتثـل التزاوج:
«للذكـور واإلنـاث مصالـح متباينـة .تنتـج األنثـى بيضـة
بقـدر هائـل يف احلمل وتنشـئة األطفـال .يف املقابل، ٍ وتسـتثمر فيهـا
ينتـج الذكـر باليين احليامـن وسـيكون مـن صاحلـه نرشهـا على
أوسـع نقـاط ليحقق خلـوده اجليني .وهكـذا يتبع الذكـور واإلناث
ٍ
ستراتيجيات خمتلفـة .على األنثـى أن ختتـار ذكـر ًا راغبـ ًا بالبقـاء
معهـا ودعمهـا .أمـا الذكـر فرييـد عالقـ ًة جنسـية عابـرة .وهلـذا
تكـون األنثـى انتقائيـة وتتطلب الغزل كـي تعرف مـا إن كان الذكر
مسـؤوالً وعطوفـ ًا ويمتلـك املـوارد»).(23
بدائية ،ومـن الواضح أن ٍ ٍ
اسـتجابة تطـرق شـوارتز هنا فقـط إىل
الثقافـة قد نحتت أشـكاالً متنوع ًة مـن العالقات الرومانسـية .لكن
يف الرومانسـية القوطيـة ،حاملـا تصبـح النسـاء ملتزمـات مـع رجل
مـا ،فإهنـن قـد يغضضـن الطرف عـن سـلوكياته السـيئة مـن أجل
احلفـاظ عىل اسـتثامرهن.
يف كثير مـن الروايات واألفلام ،جتد امـرأة نفسـها واقعة حتت
سـيطرة رجل سـ ِّيئ ،لكنها قد كرسـت نفسـها له كام يف األغنية التي
حتدثنـا عنها قبـل قليـل .يعـد فيلـم Suspicionأللفرد هيتشـكوك
267
اجلذو ُر البدائ َّي ُة ل�سينما ُّ
الرعب
القديمـة عـن رجـل يشـعل رشارة احلـب يف قلـب امـرأة ،أو كام يعرب
املختصـون بعلـم النفس التطوري ،يوقـظ فيها نداء جيناهتـا للتكاثر،
نحو ال فـكاك منه .ليـس الرجل تكـون البطلـة متعلقـة برجلها على ٍ
هنـا من نـوع األمير يف القصص اخليالية .فهو ليس السـيد املناسـب،
الفيلـم مـن
ُ بـل هـو يف الواقـع السـيد غير املناسـب متامـ ًا .يلطـف
حـدة الروايـة املأخـوذ عنهـا .ففـي الروايـة ،مل يكن جـوين جمرد لص
وكـذاب ،لكنـه زير نسـاء مهـووس وقاتـل عىل مـا يبـدو :إذ ربام قام
ـم غير قابـل لالكتشـاف ،ولـو أن الرواية مل بقتـل لينـا يف النهايـة بِ ُس ٍّ
جتعـل ذلـك واضحـ ًا ،بينما أسـقط الفيلـم هـذه االحتامليـة .للرواية
مغـزى أخالقـي أقـوى من حيـث أهنا حتكي مـا حيدث عندمـا ال جتد
املـرأة مـا كانـت تطمح إليـه يف الرجـل الـذي وقفـت إىل بجانبه.
تضرب قصـة املرأة التـي تكرس نفسـها لرجل سـ ِّيئ بجذورها
قديم ًا يف تاريـخ األدب .ففـي روايـة كالريسـا Clarissaلصامويل
ريتشاردسـون Samuel Richardsonمـن القـرن الثامـن عشر،
هتـرب البطلـة كالريسـا مـن عائلتهـا مـع الوغـد لوفليـس ،فينتهي
هبـا األمـر إىل احلبـس واالغتصـاب .يرجـح دينـس داتـون أن هلـذا
الن�وع م�ن القص�ص قيم� ًة تكيفيـ ًة «تسـتمد التكيفيـة مـن قـدرة
العقـل البرشي على بناء ذخيرة من اخلبرات عىل صعيـد احلاالت
لا ويصفهـا ،بـل الفرديـة –ال احلـاالت التـي يعيشـها املـرء فع ً
الرسديـات املرتاكمـة أيضـ ًا يف الذاكـرة ،والتـي تشـكل عماد تراث
القصـص واحلكايـات») .(25وتعـدُّ جتربـة لينـا يف فيلـم Suspicion
مثـاالً على هـذا النـوع مـن الرسديات.
270
الف�صل اخلام�س
وتعـزف عندمـا تقـع العائلـة يف ضيق .جيسـد الفيلـم مثـاالً تقليد ًّيا
حمـر ٍم تعثر
برج َّعلى بنيـة الرومانسـية القوطيـة ،بما يف ذلك وجـود ٍ
عليـه مريانـدا يف ختـام الفيلم.
كما يف كثير مـن األعمال األخـرى املندرجـة حتـت صنـف
املحلي ـج ِ
ُّ الرومانسـية ،يتـودد عـدة خاطبين للبطلـة .يسـاند املعال ُ
ِ
احتجاجـات املزارعني ضـد نظام اإلقطـاع ،ويمثل الدكتـور ترينـر
ضـد ًا لغطرسـة فـان ريـن الـذي جيلـس على مـا يشـبه عـرش ٍ
أمري
مـن القرون الوسـطى عندمـا يسـتقبل املسـتأجرين القادمين لدفع
املـال .يقـع ترينـر يف غـرام مريانـدا ،لكنهـا تفضـل الرجـل األكبر
الثـري الذي يمثـل نمط الذكـور الذي انجذبـت إليه النسـاء قدي ًام،
وتنجـذب إليـه معظمهن اليـوم ،الرجل صاحـب النفـوذ واملوارد.
مـن منظـور علـم النفـس التطـوري ،كالمهـا يفعـل مـا تريـده منـه
جيناتـه :مـن جهـة مريانـدا ،أن جتـد رشيـك ًا ذا مـوارد قـادر ًا على
دعمهـا هـي وأطفاهلـا املرتقبين ،ومـن جهـة فـان ريـن ،أن يمـرر
ابـن يـرث أمالكه .لكنـه هييمن عليهـا بعـد أن يتزوجها جيناتـه إىل ٍ
ثـم يفقـد اهتاممـه هبـا عندمـا يمـوت ابنهما بعـد مـدة قصيرة مـن
والدتـه .وكما يف حتليـل نانيس ايسترلني ِلين آير ،يسـعى فان رين
إىل اهليمنـة بينما تبحـث مريانـدا عـن االسـتقالل ،وهـو مـا حتصل
عليـه أخري ًا.
جيسـد فيلـم Gaslightالصـادر عـام 1944التمثـل ذاتـه للمرأة
املنجذبـة إىل الرجـل اخلطـأ ،رجل هييمـن عليها .يف خلفيـة أحداث
القصـة ،نجـد مغنية تدعى أليـس ألكيسـت تُقتَل يف جريمة سـطو،
272
الف�صل اخلام�س
حيـاول أنتـون أن جينن باوال بـأن يقنعها أهنا صارت تفقد أشـياءها
وتنسـى مـا قامت بـه .كذلك كانـت هـذه القصة من مكونـات جنس
األدب الرومانسي منـذ بداياته .ففي روايـة Maria، or the Wrongs
of Womenالصـادرة عـام 1798للكاتبـة مـاري وولسـتونكرافت
( Mary Wollstonecraftماتـت قبـل إكمال الروايـة ،وقـد نرشهـا
زوجهـا ويليـام گادويـن William Godwinبعـد وفاهتـا) ،نجـد
قصـ ًة مل تكـن نـادرة احلـدوث يف تلك احلقبـة :رجل حيبـس زوجته يف
مـأوى للمـرىض العقليين كـي يتخ َّلـص منهـا وحيصـل على ثروهتا،
وهـذه هـي حبكـة فيلـم .Gaslightيقنـع گريگـوري – وهـو اسـم
مسـتعار لسيرجيوس بوير ،قاتـل أليس ألكيسـت بـاوال باهلرب معه
والذهـاب إىل بيـت عمتهـا ،كـي يبحـث عـن املجوهرات التي فشـل
يف إجيادهـا يـوم َقتَلهـا ،وحيـاول يف الوقـت نفسـه أن جينـن بـاوال كي
يودعهـا يف مستشـفى املجانين وحيصـل على ثروهتا.
من فيلم دراگونويك :اإلقطاعي نيكوالس فان راين (فينسينت برايس) يتلقى االحرتام من املزارعني
274
الف�صل اخلام�س
من فيلم :Gaslightباوال (إنگريد بريگامن ،غري ظاهرة يف الصورة) تنتقم من زوجها
گريگوري أنتون (تشارل بوييه)
278
الف�صل اخلام�س
جـو ِ
منزل ألريديـل بالرومانسـية القوطية للقـرن الثامن يذكرنـا ُّ
طابع يشـبه القلاع اخلربة ،كام
عشر والعصر الفيكتـوري .للمنزل ٌ
أن لـه سـقف ًا مفتوحـ ًا يدخـل منه املطـر والثلـج .هناك أيضـ ًا غرف
رسيـة ،كما نـرى األشـباح على مـدار الفيلـم .يف التعليـق الصويت
االفتتاحـي ،تقـول إيديـث «األشـباح حقيقية .هـذا ما أعرفـه» ،ثم
يتبـع ذلـك مشـهدٌ ألم إيديـث امليتـة وهي هتمـس هلا عندمـا كانت
طفلـ ًة «احـذري القمـة القرمزيـة» (املـكان الـذي يوجـد فيـه منزل
ألريديـل) .يف ألريديـل ،ترى إيديث أشـباح زوجـات توماس الاليت
تزوجهـن للحصول على املال اللازم لتمويل مرشوعه ،ثم أشـباح
تومـاس ولوسـيل أيض ًا يف النهايـة .حياكي تعليق إيديـث الصويت يف
ختـام الفيلـم عن األشـباح وملاذا هي موجـودة ،حياكي كثير ًا أفكار
املذهب السبرييتشـوايل.
كما يف كثير جـد ًا مـن أفلام وروايـات الرومانسـية القوطيـة،
تتعـرض البطلـة للخطـر يف هـذا املنـزل الريفـي اخلـرب ،حتـى
تفهـم بعـض اإلشـارات تدرجيي ًا مـن األشـباح التي جتوبـه .تقودها
(تنويـع على الغرفـة املخفيـة أو
ٌ األشـباح أخير ًا إىل عليـة يف املنـزل
املحرمـة يف جنـس الرومانسـية القوطيـة) حيـث تـرى أدلـة على
زوجـات تومـاس األخريـات اللايت ُقتِلن مـن أجل ماهلـن .خيطط
سـم بطيء.
آل شـارب لفعـل الشيء نفسـه مـع إيديث باسـتخدام ٍّ
كما هـو شـائع يف التراث الرومانسي ،إليديـث عـدة خاطبين.
ومنهـم الرجـل املوثـوق أالن مكاميـكل (تشـاريل هونـام Charlie
،)Hunnamالـذي يعمـل طبيبـ ًا يف نيويـورك ،حيـب أالن إيديـث،
279
اجلذو ُر البدائ َّي ُة ل�سينما ُّ
الرعب
لا حـب الرجـل الوغـد ،ومـع ذلـك فإهنـا تسـتقر يف النهاية مع فع ً
مكاميـكل ،اخليـار األسـلم من املنظـور التزاوجـي .تنقـذ إيديث يف
النهايـة الرجـل الـذي حيـاول إنقاذهـا ،وهـو اختلاف عـن اخلامتة
القياسـية يف أفلام الرومانسـية القوطيـة ،مـا يعكـس التأثيرات
ٍ
كثيرة ،لكـن ٍ
بطـرق ـرف مصطلـح الثقافـة culture الثقافيـةُ .ع ِّ
يبـدو أن تعريـف سـتيفن بنكـر Steven Pinkerمناسـب يف هـذا
يعـرف
املجـال ،أي فهـم التغيرات يف صيغـة األدب الرومانسيِّ .
بنكـر الثقافـة بأهنـا ظواهـر «تنشـأ عندمـا جيمـع النـاس ويراكمون
مكتشـفاهتم ،ويؤسسـون تقاليـد تتيح هلم تنسـيق أعامهلـم والفصل َ
يف خالفاهتـم») ،(29كذلـك تعـدل الثقافـة التمثلات البدائيـة وتعيد
تشـكيلها ،كما أن التمثلات البدائيـة تؤ ِّثـر يف خلـق الثقافـة.
ال خمتلفـ ًا ومغاير ًا مـن التـزاوج ،وهو
جيسـد الفيلـم أيضـ ًا شـك ً
عالقـة ِسـفاح املحـارم الدائمة بين توماس ولوسـيل .يتفـق معظم
نتائـج سـلبي ًة على
َ علماء التطـور البيولوجـي أن لسـفاح املحـارم
التطـور .يكتـب دينيـس داتـون «إن جتنـب سـفاح املحـارم غريـز ٌة
يتشـاركها البشر مـع احليوانـات األخـرى التـي تتكاثر جنسـ ًّيا ،بام
يف ذلـك مجيع أنـواع الرئيسـيات ..لكـن يف حالة البشر ،لدينا أيض ًا
النهـي الثقايف عن هذا األمـر») .(30يعد مأزق أوديب وسـوفوكليس
املأسـاوي مثـاالً أدب ًّيـا مبكـر ًا عىل جتنب سـفاح املحـارم .لكن حتى
يف هـذا الشـكل املغايـر مـن التـزاوج هنـاك قواعـد ،ومنهـا الغيرة
التـي تعد سـم ًة أساسـية يف نوعنا ،ونرى أن لوسـيل تسـتجيب هلذا
كل من الرجال والنسـاء، الدافـع بجنـون .حترك الغير ُة سـلوكيات ٍّ
282
الف�صل اخلام�س
ٌ
مـدان ثقاف ًّيا عرب ورغـم أن نـوع احلب الـذي تكنه لوسـيل ألخيهـا
آالف السـنني ،ورغـم أنـه ذو نتائـج سـلبية مـن املنظـور التطـوري
أيضـ ًا ،نـرى أهنا تشـعر بـذات الغضـب الناتـج عن ختلي الرشيك،
والـذي شـعرت بـه النسـاء عبر التاريـخ عندمـا يقـوم رشكاؤهـن
ِ
هبجرهـ َّن وحتويـل مواردهـم نحـو رشيكـة أخرى.
ٍ
منظـور علم يعـرف ديفيـد بـاراش وجوديث ليبتـون احلب من ِّ
النفـس التطـوري «بدايـ ًة ،ليـس احلـب إال آل َّيـ ًة ،ال أكثـر وال أقل،
أي إنـه وسـيلة نحـو غايـة أخـرى ،وليـس غايـ ًة يف ذاتـه ،وسـيل ٌة
طورهـا االنتخـاب الطبيعي لتسـهيل التزاوج واإلنجـاب ،أي مترير
ٍ
قـرون مـن اجلينـات إىل املسـتق َبل») .(31ومـع ذلـك يصعـب أقنـاع
كاف .وهلـذا نجـد هيلينـا يف الشـعراء والعشـاق أن هـذا التعريـف ٍ
مرسحيـة «حلـم ليلـة صيـف »A Midsummer Night’s Dream
لشكسـبري تعبر عن حبهـا لديميرتيـوس رغـم كل عيوبـه قائل ًة «ال
ـور إله احلـب كيوبيد احلـب بالعينين ،بـل بالذهن ،وهلـذا ُص ُِّّ َينظـر
كفيفـ ًا» .مـع ذلك فال شـك يف أمهيـة فهمنـا لغرائزنا البدائيـة .وربام
يكـون مـا نسـميه احلـب ومهـ ًا يف احلقيقة.
حتكـي أغنيـة « »Just My Imaginationلفرقـة The
Temptationsعـن رجـل يـرى مـن النافـذة فتـاة مجيلـة وخيلـق يف
ذهنـه خيـاالت عن مواعدهتـا والزواج منهـا والعيش معهـا يف بيت
ظريـف وإنجاب أطفـال .لكن هذا السـيناريو ،كام تكشـف األغنية
يف النهايـة ،غير موجـود إال يف خياالتـه .لـذا قـد تكـون الطقـوس
التزاوجيـة التـي خلقتهـا ثقافتنـا جمـرد نتاجـات خليالنـا اجلمعـي.
283
اجلذو ُر البدائ َّي ُة ل�سينما ُّ
الرعب
284
الفصل السادس
َ َ ُّ
تمثل المفترسين
ِكلك بها»
ِ «ل
يف قصـة شـارل بيرو Charles Perraultالفلكلوريـة الشـهرية،
هـذا مـا رد بـه الذئـب الكبير عندمـا سـألته ذات الـرداء األمحـر
ملـاذا يمتلـك أسـنان ًا كبيرة .ليسـت قصـة بيرو خالية مـن املغزى،
إذ أراد حتذيـر الفتيـات الصغيرات مـن الرجـال الغربـاء الذيـن قد
جمـازي طبعـ ًا ال حـريف .لكن للقصة بأشـكاهلا
ٍّ يلتهموهنـن ،بمعنًـى
آخـر يلمـس خوفـ ًا بدائ ًّيا:
مغـزى َ
الثقافيـة املختلفـة عبر العصـور ً
التعـرض للمـوت بين فكوك املفرتسين.
لنعـد مرة أخـرى إىل افتتاحية فيلم .2001: A Space Odyssey
شـدد ٌّ
كل مـن الفيلـم والروايـة على تفصيلة عجـز البشر البدائيني
مقابـل حيـوان مفترس أكثـر منهـم تطـور ًا على الصعيـد البقائي،
285
اجلذو ُر البدائ َّي ُة ل�سينما ُّ
الرعب
البدائي عند
َّ اخلـوف
َ تعكـس هـذه العبـار ُة مـن فيلـم Predator
اإلنسـان مـن مطاردته مـن قبل مفترس قوي .يقـوم التمثـل الذي
ٍ
أسـاس مـن موضوعتـي اإلقليميـة والغـزو: يقدمـه الفيلـم على
غـزو البشر إلقليـم جمموعـة أخـرى لصيدهـم وقتلهـم مـن جهة،
واملفترس الفضائـي الـذي يصطـاد البشر مـن جهـة أخـرى.
افتتـاح الفيلـم داتـش شـيفر (أرنولـد شـوارزنيگر Arnoldُ ُي ِ
ظهـر
،)Schwarzeneggerوهـو قائـد قـوة خاصـة من النخبـة ،واص ً
ال
على متن مروحية ،يمسـك شـيفر يف فمه سـيگار ًا ذا مظهـر قضيبي
واضـح .يف اجتامعهما ،يطلـب منـه الضابـط املسـؤول تنفيـذ مهمة
بمعيـة صديـق قديـم لشـيفر هـو جـورج ديلـون (كارل ويـذرز
289
اجلذو ُر البدائ َّي ُة ل�سينما ُّ
الرعب
مالحقـون .يقول بنتشـو لرفاقه ،وهو من سـكان َ يب أهنم ٍ
نحـو ضبـا ٍّ
أمريـكا األصليين« ،ثمة يشء مـا هنا يرتبص بنا ،وهـو ليس برش ًا».
عندما يتسـاقط رجـال املجموعـة بالتعاقب ،يقـول بلني «إنـه يقتلنا
واحـد ًا بعـد آخـر» ،فيرد عليـه داتـش «كام لـو أنـه صيـاد» ،وهذه
مناسـب جد ًا حلـث اخلـوف اللذيذ
ٌ موقـف
ٌ حقيقـة األمـر بالفعـل،
القـادم مـن ماضينا عندمـا كنـا طرائد تالحقهـا املفرتسـات .ينتهي
الفيلـم بمسـتوى جديـد مـن الرجولـة ،حيـث جتـري معركـة بين
الفضائـي وداتـش الـذي ال ينجـو غريه.
كالسالسـل الناجحـة األخـرى مـن األفلام ،أسسـت سلسـلة
ال من األسـاطري بشـخصياهتا وأنواع الشـخصيات Predatorهيـك ً
واحلبـكات التـي تظهـر خالهلـا .يف الفيلـم األول ،يقـدم الفضائـي
املفترس بوصفـه خملوقـ ًا نبيلاً ،وهـو نمـط سـيتبع يف األفلام
الالحقـة مـن السلسـلة .عندمـا يتمكـن مـن حمـارصة داتـش ،خيلع
الفضائـي خوذتـه اسـتعداد ًا للعـراك الفـردي ،ليخسر املعركـة يف
ٍ
هنايـة تسـتحث النهايـة بفعـل الدهـاء الـذي يتصـف بـه نوعنـا ،يف
فينـا الـرىض اإلنـايب عن انتصـار حماربنا على عدوه .كما يف كثري من
األفلام القائمة عىل متثل املفرتسين ،يسـتخدم البشر موهبة الذكاء
التكيفيـة للتعويـض عـن الضعـف اجلسـدي .يعكـس هـذا التمثل
مـن أفالم الرعب ما قالـه أتش كالرك باريـت H. Clarke Barrett
عـن تكيفيـة البشر كصياديـن وكطرائد« :حتـى وقت متأخـر جد ًا،
كانـت هجامت الوحـوش املفرتسـة األخـرى }املفرتسين احلاذقني
غير البرشيني{ إمكانيـة حقيقية ومسـتمرة يف حياتنـا اليومية ..ومن
291
اجلذو ُر البدائ َّي ُة ل�سينما ُّ
الرعب
ثـم فقـد كان االنتخـاب قو ًّيـا باجتـاه احلـذر مـن هـذه املخلوقـات
ستراتيجي
ٍّ وأفكارهـا وخططهـا ونواياهـا ،كما باجتـاه خلـق ذكاء
لالسـتفادة مـن معارفنـا بـكل هـذا») .(3بعبـارة أخـرى ،ربما كان
لا رئيسـ ًا يف تنميـة الدمـاغ والـذكاء البرش َّيني.
االفتراس عام ً
تضيـف األجـزاء الالحقـة للفيلـم وتفرعاتـه تفاصيـل أخـرى
عـن طبيعـة املفرتسين ،كما تُطـور بنيتهـم اجلسـدية والنفسـية
أكثـر .بخلاف الكثير مـن الفضائيين يف اخليـال العلمـي ،ال يبدو
الفضائيـون هنـا راغبني بغـزو األرض ،بـل يريدون صيـد اخلصوم
املعتربين فحسـب .يواصـل فيلـم Predator 2تصويرهم كصيادين
انتباههـم يف مفتتح
َ يالحقـون طرائدهـم يف نيويـورك ،حيث يلفـت
قتـال باألسـلحة الناريـة بين رشطـة نيويـورك وبعـض ٌ الفيلـم
عصابـات املخـدِّ رات .أدى داين گلوفـر Danny Gloverدور
البطـل القـوي يف الفيلـم بشـخصية مايـك هاريـگان الـذي يقـود
فريقـ ًا مـن املحققين .عندما يقتل املفترس رجال هاريگان ،يسـعى
األخير لالنتقـام .يعـرف مكتـب التحقيقـات الفيـدرايل باحلوادث
التـي حصلـت يف الفيلـم األول ،لـذا يرسـل املكتب فرقـة مدججة
كبير العملاء كييـز
ُ بالسلاح الثقيـل للقضـاء على الغـازي .خيبر
(گاري بـويس )Gary Buseyهاريگان أن خصومهم هم «أشـكال
فضائـي لعني ..جتذبـه احلرارة واملعـارك .إنه
ٌ حياتيـة مـن عامل آخـر،
يقـوم برحلة سـفاري» .عندما يفشـل مكتب التحقيقـات الفيدرايل،
املفترس وهيزمـه يف جممـع واسـع حتـت األرضَ يواجـه هاريـگان
يسـتخدمه الفضائيـون كقاعـدة هلـم ،ومـرة أخـرى كان الـذكاء
292
الف�صل ال�ساد�س
َ
العامـل احلاسـم يف هـذا النصر .يعيـد املشـهد اخلتامـي البشري
تصويـر ُن ْبـل املفرتسين واحرتامهم خلصمهـم املنتصر عندما حتيط
جمموعـة منهـم هباريـگان بعـد انتصـاره ولكنهـم ال يؤذونـه ،بـل
سلاح بالطبـع .جيعلنـا تكيفنـا التطـوري
ٌ يعطونـه تـذكار ًا لفـوزه:
نخـاف مـن هـؤالء الفضائيين بعدِّ هـم مفرتسين ،لكـن ثقافتنـا
قـد تضفـي عليهـم ملسـة مـن اجلـدارة باإلعجـاب تقديـر ًا لنبلهـم
ورشفهـم.
يتابـع فيلـم - Predators 2010وهـو اجلـزء الثالـث -البنـاء
على الفيلمني السـابقني ،إذ ُت َط ُ
ـف جمموعة من البرش خمتـارة بعناية
عـال فضائـي حيـث سـيطاردهم املفرتسـون .يطور ويلقـى هبـم يف َ
مسـتوى جديـد ًا مـن الصراع حيث يوجـد نوعـان خمتلفان ً الفيلـم
مـن املفرتسين يصطـادان بعضهام بعضـ ًا بالتـوازي مـع اصطيادمها
للبشر .يقـدم هذا اجلـزء باإلضافـة إىل أجـزاء أخرى من السلسـلة
لا مثير ًا على متثـل الفريسـة واملفرتس .وصـف ويليـام أس. تعدي ً
الفلين William S. Laughlinالصيـدَ بأنـه «النمـط السـلوكي
املسـيطر عنـد بنـي البشر» ،وعـدَّ ه «طريقـة حيـاة ،ال جمـرد وسـيلة
لتحصيـل القـوت») .(4يصـور الفيلـم املفرتسين عىل شـاكلة مماثلة
لنـا كثير ًا بطـرق عديدة ،بما يف ذلـك امتالكهم متثـل اآلخر اخلاص
هبم .
تقـوم سلسـلة أفلام Predatorعلى هـذا التشـابه .للتحـول
التطـوري للجنـس البشري كصياديـن جـذور عميقـة يف التاريـخ
التطـوري .يف اجلـزء الثالـث مـن السلسـلة ،يظهـر املفرتسـون
293
اجلذو ُر البدائ َّي ُة ل�سينما ُّ
الرعب
ريبلي «كل مـا أسـتطيع التفكير بـه هـو ال بـد أن }الرشكـة{ مهتمة
بأسـلحة هـذا الكائن».
يف اجلـزء الصـادر عـام 1987مـن سلسـلة ،Alienجيـري إقناع
ريبلي بمصاحبـة فرقة من نخبة سلاح البحرية يف مهمـة إىل كوكب
فقـد االتصـال بـه .وهكذا حيـدث املتو َّقـع ،إذ ما أن تصـل ريبيل مع
الفرقـة حتى يبـدأ املفرتسـون الفضائيون بمطاردهتم بـذات الطريقة
التي رأيناهـا يف الفيلم األول :ألجل الطعام ،والسـتخدام الضحايا
كحاضنـات لبيـوض امللكـة .ينبع الرعـب يف هذا املوقـف من رؤية
يالحقـون عبر املسـتعمرة
َ أولئـك الذيـن نتعاطـف مهـم وهـم
الفضائيـة كطرائـد ،كما حـدث مـع طاقـم سـفينة نوسترومو مـن
قبـل .لدينـا هنـا منافسـة بين انثيين مهيمنتين ،ريبلي وامللكـة
الفضائيـة .تعثـر ريبلي على طفلـة اسـمها نيـوت ،نجـت بكيفية ما
مـن اإلبـادة التـي طالـت املسـتعمرين (اسـتخدَ م الفضائيـون مجيع
البشر يف املسـتعمرة كحاضنـات لتفقيـس بيـوض امللكـة) ،وهكذا
تصبـح ريبلي بمثابـة أ ٍّم بديلـة لنيوت.
بدائـي آخـر يف املواجهـة بين األُ َّمين حيـث
ٌّ لدينـا أيضـ ًا رصاع
تتقاتلان مـن أجـل املسـتقبل اجلينـي ،وتنجـح ريبلي ونيـوت وما
تبقـى مـن اإلنسـان اآليل املصـاب بيشـوب بالصعـود إىل السـفينة
الفضائيـة ،غري عاملني أن امللكة اسـتطاعت التسـلل معهـم عىل متن
السـفينة أيضـ ًا .عندمـا هتـدد امللكـ ُة الطفلـ َة نيـوت ،ترتـدي ريبلي
بدلـة ماكنـة التحميـل خلـوض املعركـة قائلـة لغريمتهـا «ابتعـدي
عنهـا أيتهـا العاهـرة» ،ثـم تتمكـن أخير ًا مـن حرشهـا يف حجـرة
298
الف�صل ال�ساد�س
تركـز على الرابطـة بين اإلنـاث هي برهـان آخر على قـدرة الثقافة
على إعـادة تشـكيل التمثلات البدائيـة دون املس بصميمها .يشير
روبـرت بويـد إىل يشء خيـص الطبيعـة البرشيـة ويربطـه بالغرائـز
التطوريـة« :للبشر دافعيـات اجتامعيـة ترابطيـة فطرية ،وتثـار هذه
املشـاعر عنـد رؤيـة أدوار االنتماء إىل جمموعة مشتركة») ،(10سـواء
كان األفـراد املنتمـون ذكـور ًا أو إناثـ ًا .تظهـر األفلام الشـبيهة
بسلسـلة Alienعلى نحـو خـاص الـدور املطـور ثقاف ًّيـا للنسـاء
املحاربـات والروابـط بين اإلنـاث يف مقاتلـة املفرتسين.
بما أن سلسـلتَي Predatorو Alienقـد أبليتـا بلا ًء حسـن ًا يف
شـباك التذاكـر ،فلـم ال ُي َمـع بين وحوشـهام؟ نجحـت رشكـة
يونيفرسـال يف هـذه الفكـرة سـابق ًا يف الثالثينيـات واألربعينيـات.
وهكذا دشـن فيلـم )2004( Alien vs. Predatorسلسـلة ثالثة من
اجلمـع بين االثنتني األصليتني ،موسـع ًا اهليكل األسـطوري هلام .يف
الفيلـم األول مـن هـذه السلسـلة ،لدينا مزيـج من أسـاطري املايا مع
كتابـات إيريـك فـون دانكـن .Erich Von Däniken
يقـدم لنـا الفيلـم بطل ًة شـجاعة أخرى هي أليكسـا (سـانا الثان
ثري
،)Sanaa Lathanوهـي مهندسـة بيئيـة يقنعهـا رجـل صناعة ٌّ
باالنضمام إىل مهمـة لتحـري مصـدر حـرارة شـديدة حتـت جزيرة
يف انتاركتيـكا .يكتشـفون حينهـا نفقـ ًا يف أعماق اجلليـد يقـود إىل
جممـع بنـاه املفرتسـون لتفريـخ الفضائيين ليسـتخدموهم كطرائـد
يف طقـوس أشـبه بالتدريـب .لكـن املـكان يصبـح مصيـدة ألفـراد
البعثـة ،إذ يبدأ كال النوعني من املفرتسين بمطاردهتـم ،نوع يصطاد
302
الف�صل ال�ساد�س
مفترس ومـن ثـم فقـدان الن ْفـس والتحـول إىل آخر .وهكـذا تقدم
لنـا أفالم املسـتذئبني شـخصيات شـبيهة بتلـك التـي تقدمها بعض
النزافين :شـخصية جتسـد مأسـاة رجـل (أو امرأة) لـه قلب أفلام َّ
نقـي ولكنـه يتحول إىل ذئب رغم ًا عنه عندما يكتمـل القمر .خيتلف
والنزافني من
هـذا الشـكل من متثل املفرتسين عـن أفلام الزومبـي َّ
حيـث أن الزومبـي قـد حتولـوا إىل مـا هـم عليـه برضبة حظ سـ ِّيئ،
ولكنهـم أرشار دون مواربـة أو نـدم ،ومـع أن بعـض النزافين يف
السـينام قـد يكونـون كارهني ملا هـم عليـه ،إال أهنم َّنزافـون يف مجيع
األحـوال ،وموضـع االختلاف هنـا هـو أن املسـتذئبني ال يعودون
مـن نوعنـا عندمـا يكونـون يف شـكلهم الذئبـي ،إذ يصبحـون
مفرتسين آكلين ل َّلحـم ،لكنهم يعـودون منـا عندما يغـرب القمر.
النزافين والزومبـي ،يمكـن لعضـة املسـتذئب أن كما احلـال مـع َّ
حتـول طبيعـة الضحية.
قـد يكـون متثـل املسـتذئب املفترس يف األفلام مدينـ ًا لقصـة
«احلالـة الغريبـة للدكتـور جيـكل والسـيد هايـد The Strange
»Case of Dr. Jekyll and Mr. Hydeاملنشـورة عـام 1886
للكاتـب روبرت لويـس ستيفنسـون .Robert Louis Stevenson
كما املسـتذئبني ،جليـكل طبيعـة مزدوجـة ،كأنه قـادر على التحول
الشـكيل نوعـ ًا مـا .لكنـه خيتلـف عـن املسـتذئبني يف كـون حتوله إىل
وحـش جيري بمحـض مشـيئته اخلاصة ،نتيجـة لتجاربـه املختربية؛
وألنـه قـام بتحويل نفسـه مرات كثيرة جـد ًا ،فقد فقدَ السـيطرة ومل
يعـد قـادر ًا عىل تغيير حالتـه .كذلك للمسـتذئب طبيعـة مزدوجة،
305
اجلذو ُر البدائ َّي ُة ل�سينما ُّ
الرعب
لكـن يف معظم احلـاالت يكون ذلك رغـم إرادة الفـرد املصاب .إن
ًّ
كل مـن املسـتذئب والدكتـور جيكل/السـيد هايـد مهـا مزيـج من
النحـن واآلخر.
يصف مونتاگ سامرز املستذئب قائالً:
«املسـتذئب هـو كائـ ٌن برشي ،رجـل أو امـرأة أو طفـل (وغالب ًا
مـا يكـون األول) يتحـول إراد ًّيـا أو ال إراد ًّيـا ليكـون لـه ظاهر ًّيـا
شـكل الذئـب ،لتكـون لـه حينهـا كل صفات ذلـك احليـوان وقواه
الوحشـية ومكره ورسعته ورضاوته وشـهواته الكرهيـة .ويف أغلب
احلـاالت ،يبـدو املسـتذئب لنفسـه وملـن يـراه وقـد اختـذ بالكامـل
الشـكل الفرائي الذئبـي»).(12
يـروي سـامرز قصصـ ًا رهيبـة عـن هجمات املسـتذئبني عبر
التاريـخ ويصـف نوعني منهـم :الليكانثـروب ،وهو ضحيـة بريئة،
تابـع للشـيطان .يتفـق هـذا التصنيـف
واملسـتذئب احلقيقـي ،وهـو ٌ
بشـكل مجيـل مـع نوعـي املسـتذئبني يف األفلام.
يفترض أن يلعـب املسـتذئب على وتـر اهلمسـات البدائيـة
القادمـة من أسلافنا الذيـن الحقتهم الذئـاب .تقدم لنـا فقرة خميفة
مـن روايـة My Antoniaالصـادرة عـام 1918لويلا كاثـر Willa
Catherنمطـ ًا للخـوف القديـم مـن هـذا املفترس :حيكـي بافـل،
مهاجـر مـن روسـيا ،عـن حادثـة َخ ِبهـا هنـاك .تتَّبِـع زمـر ٌة
ٌ وهـو
مـن الذئـاب جمموع ًة مـن البشر خرجت من حفـل زفاف مسـتقل ًة
زالجـة جترها اخليـول .جيلس العـروس والعريـس يف الزالجة التي
يقودهـا بافـل وصديقه .وهكـذا حتت تأثير اخلوف الشـديد ،يلقي
306
الف�صل ال�ساد�س
العالقـة بين األب وابنـه ،إذ يقـوم بعكـس القصـة اخلالـدة عـن
الرجـل الـذي جيـد والده.
لفيلمـي )1981( An American Werewolf in Londonو َ
خطـوط قصصيـ ٌة
ٌ )1997( An American Werewolf in Paris
متشـاهب ٌة ،ولـو أهنما اختلفـا من حيـث املمثلين ومسرح األحداث،
كذلـك هنـاك عالقة بين احلبكتني ،إذ يعـدُّ الثاين إحيـا ًء إىل األول .إن
مثال عىل شـخصية الاليكانثروب كام وصفها سـامرز، كال الفيلمين ٌ
وكالمهـا يتمحـوران حـول التمثـل املركـزي لتحـول واحـد مـن
النحـن إىل مفترس رغ ًام عنـه .اسـتخدم ُكتَّاب الفيلمين متثل الرعب
يف فيلـم ،The Wolf Manشـخصية تفقـد هويتهـا ال َق َبليـة وعالقتها
بمجموعتهـا اجلينيـة لتصبـح آخـر يفترس أبنـاء نوعـه .يمـزج كال
غريـب مـن الفكاهة وقصـص احلب. ٍ الرعـب مـع نـو ٍع
َ الفيلمين
من فيلم :)1941( The Wolf Manالرجل الذئب (لون تشاين جونيور) هياجم حفار
القبور (فوريست هاريف )Forrest Harvey
312
الف�صل ال�ساد�س
ً
مصلا يتيـح هلـم التحـول متى مـا شـاؤوا دون احلاجة املسـتذئبون
النتظـار اكتمال القمـر .يتعـرض أنـدي للعـض ويتحـول .كما يف
فيلـم ،American Werewolf in Londonتنشـأ لدينا عالقة حب
حتـاول الفتـاة فيهـا إنقـاذ رجلهـا ،وهـو مـا تنجـح بـه بعـد معارك
طاحنـة مـع مجعيـة املسـتذئبني يف نـادي دي ال لـون.
ينجـح احلبيبان الشـابان بإجيـاد طريقة للشـفاء من االسـتذئاب
يف هنايـة مرجتلـة سـعيدة .من منظـور الصفـات البدائية ،عـاد أندي
وسيرافني إىل جموعتهما ال َقرابيـة ،كام أهنما حققا غاية متثـل التزاوج
أيضـ ًا .كذلـك تثير مجعيـة املسـتذئبني وهجامهتـا رعـب املالحقـة
مـن قبـل قطيـع الذئـاب املفرتسـة .يعكـس كال الفيلمين مأسـاة
الاليكانثـروب ،الضحيـة البريء الـذي حتـول رغم ًا عنـه إىل آخـر
وحيـاول باسـتامتة أن يبقـى «نحـن» .يبين الفيلـم الفـروق بني هذه
الشـخصية وبين شـخصيات املسـتذئبني األرشار كأعضـاء نـادي
حتـول األبطـال اليافعين
أن ُّدي ال لـون .تعـدُّ شـانتال دو كـودري َّ
«شـكل مـن الدخول يف مرحلـة البلوغ ً يف هذيـن الفيلمين يضاهي
واسـتعراض القـوة ،ترمـز لذلك عالمـات الرجولـة املفرطـة»).(17
يلخـص وصـف دو كـودري هـذا قصة هـؤالء الفتيـان الذاهبني يف
دقيـق بما فيـه الكفايـة ،إال أن هذين
ٌ إجـازة .ومـع أن وصفهـا هلـم
الفيلمين وأفلام املسـتذئبني األخـرى تثير الرعـب ال مـن طريـق
مضامينهـا الثقافيـة فحسـب ،بـل من طريـق اخلوف من املفرتسين
واالغتراب عـن جمموعـة القرابـة البرشية.
مـن األمثلـة األخرى على الضحية الربيئـة يف أفالم املسـتذئبني
314
الف�صل ال�ساد�س
السـنني .ترمـز مشـاريع فـان ديـر فير التنمويـة إىل الدمـار الـذي
أحلقنـاه بعا َلهـم .لـذا يرتكنـا الفيلـم بمشـاعر متضاربـة ،إذ نشـعر
ببعـض التعاطف مـع متقميص اجللـود رغم أهنم آخـرون وقتلة ،يف
مثـال آخـر على تأثري الثقافـة على التمثلات البدائيـة .إن متقميص
اجللـود متصاحلون مع حالتهم كمفرتسين ،فهي حالتهـم الطبيعية،
بعكـس املسـتذئبني الذيـن هـم ضحايا.
يعـد الفيلـم نموذج ًا لتمثيل املفرتسين والصيـد يف أفالم الرعب
مثـال للسـامي يف املناطـق احلرضيـة .على بأجوائـه البريكيـة ،فهـو ٌ
الـدوام ،كانـت اخلرائـب اخليـار املفضـل كمسرح لألحـداث منذ
بدايـات جنـس الرعـب القوطـي ،ابتـدا ًء مـن األديـرة والقلاع
املتداعيـة يف بدايتـه وصـوالً إىل املنـازل الشـبيهة نوعـ ًا مـا بتلـك
القلاع واألديـرة يف أفلام الرعـب يف أيامنـا هـذه .يف هـذا الفيلم،
لدينـا خرائـب حرضيـة مـع أكـوا ٍم مـن األنقـاض ،حيـث ُهدِّ مـت
البنايـات بغـرض إعـداة اإلعمار ،ومركز األحـداث هنا هو كنيسـة
مهدمـة ،يش ٌء شـبي ٌه بالدير اخلـرب يف الروايـات القوطيـة القديمة.
احلراري والتصويـر تَصنع م ِ
شـاهدُ التصويـر من منظور املسـتذئبني
ُّ ُ َ
حميطـ ًا مؤ ِّثـر ًا لعمليـات الصيـد التـي يقـوم هبا املفرتسـون.
ال ينـدرج فيلـم )1942( Cat Peopleحتـت صنـف أفلام
املسـتذئبني ،لكنـه واحـد مـن أفضـل األفالم عـن متغريي الشـكل
كما أن البطلـة فيه امـرأة .عاد ًة مـا نعزو النجـاح الفني لفيلـم ما إىل
خمرجـه أو ممثليه ،أمـا املنتجون فغالب ًا ما ينظر إليهـم بوصفهم الرعاة
املاليين ملرشوع الفيلم فحسـب ،لكن فال ليوتـن Val Lewtonكان
318
الف�صل ال�ساد�س
اسـتثنا ًء مـن هذا .يكتـب جويـل سـيگل « :Joel Siegelعموم ًا ،ال
عتبر املنتجـون مـن خالقـي العمـل الفنـي ،ذلـك أهنـم يف معظـم ُي َ
احلـاالت أعـداء عمليـة اخللق هـذه .أمـا ليوتن فقـد كان اسـتثنا ًء،
ورغـم أنـه يذكـر كمنتـج فحسـب ،إال أنـه كان اخلالـق الفنـي هلذا
الفيلـم بال شـك وقطـب الرحى فيـه») .(18تعاقدت رشكـة آر كَي أو
RKOمـع ليوتـن على أمـل أن جيعلها تنافـس النجاح املـايل ألفالم
لـت إدارة الرشكـةالرعـب التـي تنتجهـا رشكـة يونيفرسـال ،وأ ْم ْ
عليـه عناويـن صعبـ ًة ،طالبـة منـه حتويلهـا إىل فيلـم دون أن تـزوده
بالسـيناريوهات .تعلـق العنـوان األول الـذي اقرتحه أحـد مديري
التصويـر باملسـتقطني werecatsوأرادوا تسـميته ،Cat People
ٌ
عنـوان أرادت منـه اإلدارة أن يذكـر املشـاهدين بفيلـم The Wolf
Manالناجـح الـذي صـدر قبـل عـام .يقـول كتَّـاب سيرة ليوتـن
أنـه أصيـب باإلحبـاط ولكنـه نجـح يف إرشـاد الكاتـب املوهـوب
ديويـت بوديـن Dewitt Bodeenواملخـرج جـاك تورنـر Jacques
Tourneurلصناعـة الفيلـم الذي أصبح الحق ًا من الكالسـيكيات.
يركـز الفيلـم على أيرينا (سـيمون سـيمون ،)Simone Simon
ٍ
ملعون مـذ كانت العائلة ـبمهاجـر ٌة رصبية تؤمن أهنا تنتمي إىل ن ََس ٍ
يف الوطـن :لعنـ ٌة جتعـل نسـاء هـذه العائلـة يتحولن إىل قطـط كبرية
عندمـا ُي َث ْـر َن جنسـ ًّيا .عندمـا تقـع أيرينـا يف احلـب مع أوليفـر رييد
(كينـت سـميث )Kent Smithوتتزوجه ،تواصـل املامطلة وتأجيل
العالقـة اجلنسـية ،ممـا حيبـط أوليفـر وجيعلـه يتقـرب مـن زميلته يف
العمـل أليـس (جين راندولـف .)Jane Randolphوهكـذا توقظ
319
اجلذو ُر البدائ َّي ُة ل�سينما ُّ
الرعب
الزعانف واألنياب:
أفالم ،Jaws، Deep Blue SeaوOpen Water
أهنـا سـتنفجر بعـد مخـس عشرة دقيقـة ،فإننا نشـعر بالتشـويق ألن
الشـخصيات غافلـة عن اخلطـر املحيق هبـا).(21
انتهـج سـبيلربگ منهجـ ًا مماث ً
لا لبنـاء التشـويق يف الفيلـم بـأن
كبيرا ،كما نكتشـف بعـد قليـلً أبيـض
قرشـا َ أعلمنـا أن مفرتسـ ًاً ،
مـن انطلاق األحـداث ،يلتهـم السـباحني وركاب القـوارب
الصغيرة يف منتجـع خيـايل يف نيـو إنگالنـد يف جزيـرة أميتـي.
يتصاعـد التوتـر ببـطء ،إذ تطـول املقدمة بعض الشيء حتى يصدق
اجلمهـور واآلبـاء يف مدينـة أميتـي بوجـود قـرش أبيض كبير دون
أن يـروه .يتفهـم قائـد الرشطـة مارتن بـرودي (روي شـايدر Roy
)Scheiderاخلطـر ويعـرف أن عليه إغالق السـاحل عىل السـ َّياح.
لكـن البزنـس هـو البزنـس ،إذ يتجلى لدينا هنـا الرصاع السـينامئي
رصاع
ٌ القيـايس حيـث يتغلب الربـح عىل االهتامم بسلامة النـاس:
يعكـس اسـتجابتنا الغريزيـة جتـاه األخطـار التـي هتـدد اجلامعـة
واألمـان القبلي.
ذروة مـن التشـويق عندمـا يبحـر كل مـن ٍ يـؤول كذلـك إىل
بـرودي وخبير البحـار مات هوبـر (ريتشـارد دريفـوس Richard
)Dreyfussوكوينـت –الشـبيه بالكابـت آهـاب( -روبـرت شـو
)Robert Shawعلى قـارب الصيد أوركا اخلـاص باألخري خلوض
املعركـة .يصـور الفيلـم رصاعات بين الرجـال الثالثة أيضـ ًا ،ومن
الفيلـم مـن أمههـا الصراع الطبقـي بين كوينـت وهوبـر .ي ِ
سـقط
ُ ُ
أحـداث الروايـة اجلـز َء املتعلـق بنـدم زوجـة بـرودي على زواجها
عـن حـب وخسـارهتا مكاهنـا يف الطبقـات العليـا مـن املجتمـع كام
325
اجلذو ُر البدائ َّي ُة ل�سينما ُّ
الرعب
ِ
يسـقط أيضـ ًا عالقتهـا القصرية مـع هوبر واشـتباه بـرودي باألمر.
ختتفـي الرصاعـات بني الشـخصيات عندمـا يواجه بـرودي القرش
يف أثنـاء رميـه ل َّلحـم املقطـع مـن السـفينة .يظهـر القـرش أمامـه
ٍ
زورق ٍ
بصوت مبهـور «سـتحتاجون إىل مبـارشةً ،فيقول ألصحابـه
أكرب».
القـرش على أنـه قـو ٌة مـن قـوىَ يصـف كال الفيلـم والروايـة
الطبيعـة ،قـو ٌة غير مباليـة بالبشر ،كما احلـال مـع القـرش الذي
حيـوم حـول القـارب ليتفحصـه يف قصـة سـتيفن كريـن ،كما أنـه
مفترس هائـل .يف الفيلـم ،يصفـه هوبـر للعمـدة قائلاً« :مـا ٌ
حمـر ٌك مثـا ٌّيل ،آلـة التهـام .إنـه حقـ ًا أعجوب ٌة
نتعامـل معـه هنـا هو ِّ
تطوريـة .كل مـا تفعلـه هـذه اآللـة هـو السـباحة واألكل وتفريخ
صغيرة .هـذا كل يشء» .بعـد أن تبدأ املطاردة ،يف مشـهد ٍ ٍ
قـروش
مـن اهلمـس خلمـس دقائـق ،يناجـي كوينـت نفسـه مسـتعيد ًا
تفاصيـل جتربتـه املرعبـة يف امليـاه بعـد أن رضبـت غواصـ ٌة يابانيـ ُة
سـفينة يـو أس أس إنديانابولـس على الطريـق إىل اليتـي Leyte
بعـد أن أوصلـت السـفين ُة إىل تينيـان Tinianالقنبلـ َة الذريـ َة التي
دمـرت هريوشـيام الحقـ ًا .يصـف هوبـر هجـوم القـروش على
الناجين« :أحيانـ ًا ،ينظـر القـرش إليك مبـارشةً ،يف عينيـك متام ًا.
هـل تعـرف مـا الـذي يتميز بـه القـرش؟ ليـس يف عينيه أدنـى أثر
للحيـاة ،عينان سـوداوان لكأهنام عينـا لعبة أطفـال .عندما يتحرك
يعضك .تَسـمع ذلك باجتاهـك ،ال يبـدو وكأنـه كائـ ٌن حي ،حتـى َّ
الصراخ الفظيـع ،ويتحول مـاء املحيط إىل اللـون األمحر» .يعكس
326
الف�صل ال�ساد�س
من فيلم :Jawsقائد الرشطة برودي (روي شيدر) يرى القرش فيخرب رفاقه عىل متن السفينة
«ستحتاجون إىل قارب أكرب».
دون أدوات الدفـاع عـن النفـس التـي مكننـا تكيفنـا التطـوري من
صناعتهـا .بخلاف التمثل يف فيلمـي Jawsو ،Deep Blue Seaال
يمتلـك البطلان هنا أي سلاح ملقاتلـة القروش .طبقـت فكرة هذا
الفيلـم مرتين الحقـ ًا يف أفالم ذات حبكة مشـاهبة تتلخـص يف ترك
األبطـال يف عـرض البحـر حتـت رمحـة الطبيعة.
أدى نجـاح فيلـم Jawsيف توظيـف متثـل يثير اخلـوف اإلنـايب
املـوروث عـن أسلافنا البدائيني ،أدى إىل نشـوء فرع خـاص بأفالم
أسماك القرش .فازدمحت شاشـات التلفاز ومبيعـات أقراص الدي
يف دي DVDبالعشرات مـن األفلام ذات العناويـن الرباقـة منها:
Trailer، Mega Shark Versus Giant Octopus،Sharktapus
،Park Sharkوفيلـم Sharknadoبإحلاقياتـه الثلاث .و ِّظفـت
ميمـة القـرش حتـى يف الرسـوم املتحركـة املوجهـة لألطفـال كام يف
)2003( Finding Nemoو )2004( Shark Taleحيـث نجـد
قروشـ ًا نباتيـة وأخرى مفرتسـة.
ََ
أكلة البشر في األفالم:
َ
فيلمي ،The Ghost and the Darknessو Anaconda
335
اجلذو ُر البدائ َّي ُة ل�سينما ُّ
الرعب
340
الفصل السابع
َّ َ َ ُّ
تمثل اآلخر :األشباح ،الطعانون
،slashersالساحرات والروبوتات كآخرين
الرعـب ،أن نـرى أهنا منبثقـة من جتارب أسلافنا البدائيين .إن من
أعمـدة هذه التمثلات كلها كراهيـ َة من ندركهم َ
كآخـر واالرتياب
جتاههـم ،كام يتبين يف قصـة اجللعاديين واإلفرايميني .يبني سـتيفن
بنكـر أن العقـل ،مثـل اجلسـد« ،يتكون من عـدة أعضاء منفـردة أو
«وحـدات» هندسـها االنتخـاب الطبيعـي لرفـع اللياقـة التكاثريـة
ألسلافنا األقدمين يف العصـور احلجريـة ،وأن هـذه اهلندسـة
تنعكـس إىل حـدٍّ مـا يف الطريقـة التـي تعمـل هبـا عقولنا حال ًّيـا»).(1
كما تبين يف الفصول السـابقة ،ما زالت هـذه اهلمسـات القادمة من
مئـات اآلالف من السـنني يف ماضينـا التطوري السـحيق قادرة عىل
حـث اسـتجابة اخلوف جتـاه أفلام الرعب.
يتجلى إدراك اآلخرانيـة يف عدة أشـكال خالل التاريـخ املدون .ومن
أشـدها تدمري ًا العنرصيـة .يالحظ ويليام أملـان William Allmanأن:
«العنرصيـة ليسـت جـزء ًا مـن سـيكولوجيتنا التي نشـأت بفعل
التطـور .بـل أن عقولنـا القادمـة مـن العصر احلجـري واقعة حتت
وطـأة ٍ
يشء أكثـر بدائي ًة وأساسـي ًة هو تقسـيم «النحن» ضـد «اهلُم».
قضى أقـدم البشر معظم وقـت حيواهتـم متفاعلني مع عـدد حمدود
جـد ًا مـن البشر ،وكان التفاعـل جيـري بني أفـراد هلم نفـس املظهر
ويتحدثـون بنفس الطريقـة ،ولذا فقـد كانت مالقاة الغربـاء وأفراد
املجموعـات املجـاورة شـيئ ًا «نـادر ًا» .عندما يكون «ظل املسـتقبل»
صغير ًا – أي عندمـا يكـون لقـاؤك بذلـك الشـخص جمـدد ًا شـيئ ًا
مسـتبعد ًا جـد ًا فمن املسـتبعد أن جيـري أي نوع من التعـاون .وهلذا
تعـدُّ أي شـخص ال ينتمـي إىلفـإن نفوسـنا التـي شـكلها التطـور ِ
342
الف�صل ال�سابع
346
الف�صل ال�سابع
آخر ٍّ
مسـل .ويعدُّ الشـبح َ ٍ
نحـو كانـت على الـدوام خميفة جـد ًا عىل
رشيـر ًا.
بغـض النظـر عما إذا كان ط ِّيبـ ًا أو ِّ
ِّ
إن معظـم الكنائـس السبرييتشـوالية مسـيحية ،ويف مـا عـدا
«مقـررات القـراءة» التـي تقدمهـا جلـان الوسـطاء ألعضـاء هـذه
املحافـل ،فـإن طقـوس هـؤالء النـاس ال ختتلـف عـن طقـوس
الطوائـف الربوتسـتانتية املعروفـة .ال يؤمـن السبرييتشـواليون أن
لا أن بعـضبإمـكان األشـباح إيـذاء البشر ،لكنهـم يؤمنـون فع ً
األرواح رشيـرة ،بحيـث أن ثمـة خطـورة يف االتصـال هبـاِ .
تناقش
األدبيـات السبرييتشـوالية بإسـهاب مفاهيـم اإليكتوبلازم (وهي،
كما يقولـون ،املـادة اللزجـة التـي تتشـكل عنـد جتلي الشـبح)،
االسترفاع ،levitationظهـور األرواح يف جلسـات التحضير،
الكتابـة امليكانيكيـة ،القـدرة على التالعـب بالكهربـاء ،شـم
العطـور التـي كان يسـتخدمها املوتـى عىل حياهتـم ،زيـارة األحباء
يف حلظـات الشـدة مـن خلال األحلام ،األطيـاف التـي يراهـا
املـرء عنـد االحتضـار ،والتغير يف درجـات احلـرارة عنـد حضـور
أرواح املوتـى .مؤخـر ًا ،اسـتعان السبرييتشـواليون بالتكنولوجيـا؛
إذ يدَّ عـون أهنـم يسـتطيعون التواصـل مـع املوتـى مـن خلال ترك
أرشطـة تسـجيل تعمل اللتقـاط أصواهتم ،أي ما يسـمى اإلسـقاط
الصـويت األلكتروين .و ِّظفـت فكرة اإلسـقاط الصـويت األلكرتوين
يف فيلـم ُ .)2005( White Noiseو ِّظفـت مجيـع معتقـدات الرتاث
السبرييتشـوايل هـذه يف أفلام األشـباح ،وهـي تنجـح يف خلـق
اآلخرانيـة والقلـق أو الرعـب ،اعتماد ًا على الفيلـم.
مسـتوى مـن َ
348
الف�صل ال�سابع
ُي َعـد فيلـم ،)1999( The Sixth Senseوهو أول أفالم املخرج
أم .نايـت شـياماالن M. Night Shyamalanالناجحـة ،النمـوذج
األبـرز حلبكـة الشـبح املضطلـع بمهمـة .تالحـظ كاثريـن فاوكس
Katherine Fowkesأن «هوليـود حولـت أفلام األشـباح إىل
مناقشـة ملعضلـة العالقـات اجلندريـة الضعيفـة ،وغالبـ ًا مـا تعـزى
األخيرة إىل غيـاب األب أو الـزوج أو عـدم التواصـل معهما»).(12
يتطابـق تعليـق فاوكس هذا مع موضوعة فيلـم .The Sixth Sense
يعالـج الطبيـب النفسي مالكـوم كـرو (بـروس ويليـس Bruce
)Willisالطفـل املضطـرب كـول سير (وال خيلو األمر مـن تورية،
إذ يشـبه اسـم «سير »searكلمـة «سير »seerالتي تعنـي الرائي أو
العـراف) ،الذي يبـوح يف النهايـة للطبيب كرو يف ما أصبـح العبارةَّ
األرسـخ يف الذاكرة مـن هذا الفيلم «أرى أناسـ ًا موتـى» .كام العادة
مع الشـخصية غير املؤمنة الشـائعة يف أفالم اخلـوارق ،ال بد من أن
يقـر كـرو يف النهايـة أن الطفل يـرى املوتى فعلاً ،ثم يواجـه – كرو َّ
يؤرقـه ،ويف النهايـة ،يـدرك أنـه هو نفسـه واحد ً
خطـأ مـن املـايض ِّ
مـن أشـباح املوتـى الذين يراهم كـول .يف األفالم التـي توظف هذه
احلبكـة املشـتقة من التراث السبرييتشـوايل ،نرى شـخصا يواجه يف
احليـاة األخـرى أخطـاءه التـي قام هبـا على حياتـه األوىل ،وحياول
إصالحهـا .يمكـن أن نتامهـى مـع الشـبح هنـا ونتعاطـف معـه
باعتبـاره نحـن ،ولكنـه ّ
حتـول إىل حالة خمتلفـة من الكينونـة ليصبح
آخـر مـع احتفاظـه بالتزاماتنـا األخالقيـة والقدرة على احلب .جيد
َ
البطـل نفسـه يف وضـع مغـادرة إقليمـه والدخـول يف حالـة أخرى.
ويعـد كـرو مثـاالً نموذج ًّيا للشـبح ذي املهمة ،حيث يقـول لزوجته
354
الف�صل ال�سابع
من فيلم :The Sixth Senseكول سري (هايل جويل أوزمنت )Haley Joel Osment
خيرب د .كرو (بروس ويليس) «أرى أناس ًا موتى).
ٌ
«منزل قديم مشؤوم ،من النوع الذي يسميه الناس
البيت المسكون»:
The Haunting، The Legend of Hell House، The
Shining، Burnt Offeringsو 1408
تعـدُّ أفالم األشـباح القائم ُة على فكرة بيت خبيـث أفال َم رعب
حقيقيـ ًة .ينتهـج ديـل بيلي Dale Baileyمقاربـة نقديـة ثقافيـة؛ إذ
356
الف�صل ال�سابع
357
اجلذو ُر البدائ َّي ُة ل�سينما ُّ
الرعب
متشـابكة بإحـكام ،بكيفيـة مـا ،مـع بنيـة املنـزل نفسـه؛ ويف النهاية
يسـتحوذ املنـزل على مادلين .ويرمـز اهنيـار املنزل ملـوت رودريك
وشـقيقته ،آخـر مـن تبقى مـن البيت.
توظـف أفلام البيت القادر على احلس مقاربـ ًة خمتلفة عن أفالم
الرعـب األخـرى يف ما خيـص ثنائيـة البطل/الغريم .تصـور معظم
مادي ،سـواءٍّ جسـدي
ٍّ آخر ِ
شـكل َ األفلام الغريم antagonistعىل
كان نزافـ ًا ،مسـتذئب ًا ،حيوانـ ًا مفرتسـ ًا أو أي نوع مـن الغرماء الذين
ناقشـناهم يف هـذا الكتـاب و ُيسـتَخدَ مون خللـق الرصاع مـع البطل
أو الشـخصية الرئيسـة .protagonistيف احلقيقة ،يعـدُّ البيت القادر
مـادي .ولـذا فهو
ٍّ بدل مـن ٍ
كائن حضـور ً
ٌ على احلـس غريم ًا ،لكنه
ال خمتلفـ ًا مـن اآلخر من منظـور نقـد الصفـات البدائية، يمثـل شـك ً
خطـر يعمـل كوسـيط خللـق اخلـوف اإلنـايب. ٌ إقليـم
ٌ بمعنـى أنـه
تنعكـس قوة تأثري هـذه احلبكة يف السالسـل الناجحة التـي وظفتها
كفيلـم )1979( The Amityville Horrorالـذي انبثـق عنه سـبعة
عرش فيلم ًا بني إحلاقية واسـتعادة وحمـاكاة ،وفيلـم )1986( House
وإحلاقياتـه الثلاث .يف أفلام البيـت القـادر على احلـس ،غالبـ ًا ما
يـراد منـا أن نتعاطـف مـع جمموعة مـن الشـخصيات حييطهـا الرش
بأخطـاره .يف نقاشـهام للبشر كحيوانـات اجتامعيـة ،يسـجل النس
وول ريـدر Will Readerأن هـذا ووركمان ِ Lance Workman
السـلوك شـائع يف اجلنـس البرشي ،وأننـا نتعاطف معـه يف األفالم:
«ليـس علينـا أن نبحـث عن نظـراء يامثلوننـا عقل ًّيـا ،وكل مـا علينا
(أي يشء) جيعلنـا نشـعر أننـا جزء من أن نفعلـه هـو أن نجـد شـيئ ًا َّ
358
الف�صل ال�سابع
ألن وجهـه بـدا مسـتيقظ ًا ،بحيـث خييـل ملن يـراه أن نوافـذه الكئيبة
عيـون تراقـب ،مـع ملسـة مـن اجلـذل يف األفريـز الـذي يبـدو مثـل
احلواجب» .تشـبه هـذه العبـارات «منـزل أرش» بـ «نوافـذه اخلاوية
الشـبيهة بالعيون».
يريـد األنثروبولوجـي جـون ماركـوي (ريتشـارد جونسـون
)Richard Johnsonدراسـة اخلـوارق فيجـد يف منـزل ِهـل هـاوس
نموذجـ ًا مثال ًّيا لدراسـته .بعد أن يعلـن ماركوي عن حاجته ملسـاعدة
النـاس الذين شـهدوا أشـياء خارقة كـي يصاحبوه يف بقائـه يف املنزل،
تسـتجيب له إليانـور (جويل هاريـس )Julie Harrisوثيـودورا (كلري
بلـوم )Claire Bloomفقـط .ثـم ينضـم إليهـم مالـك املنـزل لـوك
ساندرسـون (روس تامبلين )Russ Tamblynثـم زوجـة ماركـوي
(لويـس ماكسـويل .)Lois Maxwellيعتقـد ماركـوي أن منـزل ِهل
هـاوس واعدٌ جد ًا كموضوع للدراسـة بسـبب مجيع األشـياء الرشيرة
«ولِـدَ سـ ِّيئ ًا» .وكمعظـم املنـازل
التـي حدثـت فيـه مـن قبـل .فقـد ُ
املسـكونة يف األدب واألفلام ،ملنـزل ِهل هـاوس ذلك اجلـو البريكي
السـامي ،إذ لـه أبـراج ومظهـر شـبيه بالقلاع اخلربة.
ال يف أفالم األشـباح ،وهي يوظف الفيلم األشـياء التي حتدث لي ً
مشـتقة مـن التراث السبرييتشـوايل ،كجلسـات التحضير ،الكتابة
امليكانيكيـة ،األصـوات الغامضـة ،صـوت بـكاء طفـل ،األماكـن
البـاردة وظهـور األطيـاف .يبـدو املنزل عازمـ ًا عىل االسـتيالء عىل
إليانـور الضعيفـة االنطوائيـة ذات احلساسـية لألشـياء اخلارقـة كام
توصـف يف األدبيـات السبرييتشـوالية .فبينما يتجولـون يف املنـزل،
360
الف�صل ال�سابع
املدينـة .مـن ثـم ينتقلـون إىل منـزل ريفي كبير بعيد عـن احلضارة،
مسرح األحـداث املعتـاد يف هـذا اجلنـس مـن األفلام .يؤجـر
املالـكان – األخ واألخـت أالردايس ذوا املظهـر املخيف املنزل عىل
العائلة بسـعر يثير انخفاضه الريبـة ومقداره تسـعامئة دوالر لقضاء
الصيفيـة كلهـا .كجزء مـن عقد اإلجيار ،على آل رولـف أن يضعوا
ثلاث مرات يوم ًّيـا صينية طعـام أمام بـاب إحدى الغـرف العلوية
التـي يقـول األخ وأختـه أن أمهما تعيـش فيهـا منعزلة.
كآخر .قبـل أن يغـادر آل أالردايس
هكـذا تقـدم احلبكة املنـزل َ
املنـزل ،يقـول أرنولـد الـذي يتحرك عىل كـريس بعجلات« :املنزل
يعتنـي بنفسـه ،سـيد رولـف»؛ ثـم تضيـف روز أالردايـس الحق ًا:
«إنـه خالـدٌ عمل ًّيـا» .وتنبثـق بقيـة الفيلـم من هـذه االفتتاحيـة التي
متهـد ملوضوعـة املنـزل الـذي يمتلـك عق ً
ال وهيـدد باألخطـار مجيع
أفـراد العائلة.
يمتـص املنـزل ماريـان إىل وعيـه ،مـا جيعلهـا ترتـدي مالبـس
عتيقـة الطـراز وتزهـد يف احلميميـة متامـ ًا ،وتقضي معظـم وقتهـا
بالقـرب مـن الغرفـة التـي تضـع الطعـام بباهبـا ،وهـي مثـال آخـر
للغرفـة الرسيـة كإقليم حمـرم يف أفلام الرعب .نكتشـف تدرجيي ًا أن
ال كام وصفـه أرنولد أالردايـس ،حيث نرى البيـت يعتني بنفسـه فع ً
املنـزل يغير جلـده حرف ًّيـا ،إذ تسـقط بعض األجـزاء التالفـة لتحل
اآلخر
حملهـا أخـرى جديـدة .ويتمثـل الرعب يف هـذا الفيلـم يف أن َ
امتـص يف النهايـة قـوة احليـاة مـن أفـراد العائلـة ،إذ نـرى صورهم
وقـد علقـت إىل جانب صـور من عاشـوا فيـه قبلهم .والفكـرة هنا
363
اجلذو ُر البدائ َّي ُة ل�سينما ُّ
الرعب
أن تفـكك العائلـة وحتوهلـا إىل يشء آخـر ،وهـي الوحـدة املركزيـة
الرضوريـة يف إرثنـا التطـوري ،يثيران الرعب يف كثري مـن األفالم.
ينطبـق التمثـل ذاتـه ،ولـو أنـه أكثـر حـد ًة هنـا ،عىل فيلـم The
)1980( Shiningالـذي أخـذه سـتانيل كوبريـك عـن رواية بنفس
االسـم للكاتـب سـتيفن كنـگ .Stephen Kingيبنـي كال الفيلـم
والروايـة موضوعة مشـاهبة حيث جيـري حتويل شـخصيات نتامهى
كآخـر .ينتقـل جـاك تورانـس معهـا كنحـن مـن ِق َبـل منـزل ُيقـدَّ م َ
(جـاك نيكلسـون )Jack Nicholsonمـع زوجتـه وينـدي (شـييل
دوفـال )Shelley Duvallوابنهما الصغير داين (داين لويد Danny
)Lloydإىل منتجـع أوفرلـوك يف كولـورادو ،حيـث سـيعمل جـاك
على العنايـة بالفنـدق طوال فرتة تسـاقط الثلوج يف موسـم الشـتاء.
قبـل جـاك الوظيفـة ،وهـو كاتـب طمـوح ،كيما يتوفـر لـه الوقـت
للعمـل على كتـاب يكتبـه .أضفـى كوبريـك على فنـدق أوفرلوك
ذلـك املظهـر الشـبيه بالقلاع الـذي صـار ميمـ ًة سـينامئية يف هـذا
اجلنـس مـن األفلامُ .قـدِّ م داين بوصفـه وسـيط ًا على مواصفـات
الرتاث السبرييتشـوايل ،إذ يسـمع أصواتـ ًا من روح ترشـده« :الولد
الصغير الـذي يعيش يف فمـي» .عندما خيوض جـاك مقابلة العمل،
تلتقـي العائلـة بديـك هالـوران (سـكامتان كـروذرس Scatman
)Crothersكبير الطهـاة الـذي يتبين أنـه ممـن يمتلكـون قـدرات
فـوق طبيعيـة ورسعـان مـا يـدرك شـبه داين بـه مـن هـذه الناحية.
كل مـن الروايـة والفيلـم املغزى مـن العنـوان حيث وهنـا يوضـح ٌّ
خيبر ديـك داين أنـه – ديـك كان يتواصـل مـع جدتـه دون كالم،
364
الف�صل ال�سابع
من فيلم :1408مايك إنسلن (جون كيوزاك) يرصخ مرتعب ًا وبيده جهاز التسجيل.
يشء :ال عقـل وال ضمير وال فهـم -حتـى بأبسـط املسـتويات -
رأيت طف ً
ال للحيـاة أو املـوت ،للخري أو الشر ،للصواب أو اخلطـأُ .
أثـر فيـه للعاطفـة ،وجـه ٍ ٍ ٍ
ضامـر ال َ شـاحب وجـه يف السادسـة ذا
حيمـل العينين األشـد اسـوداد ًا ،عينـي الشـيطان .قضيـت ثامنيـة
أعـوا ٍم للوصـول إليـه ،ثـم سـبعة أعـوا ٍم حابسـ ًا إياه ألننـي عرفت
أن مـا يكمـن وراء تلكما العينني كان الشر بأنقى وأبسـط صوره».
يتخـذ مايـكل مـن بطلـة الفيلـم لـوري سترود (جيمـي يل
كورتيـس – )Jamie Lee Curtisالتـي يتبني أهنا أختـه يف اإلحلاقية
األوىل للفيلـم طريـدة لـه .إذ نراه يتعقبهـا ويقتـل أصدقاءها .تعمل
األخري
ُ لـوري جليسـة للطفل تومـي ذي العرشة أعوام ،حيـث يرى
مايـكل عـدة مـرات يف اخلـارج ويسـأل لـوري« :هـل كان ذلـك
البعبـع؟» فتطمئنـه قائلـة إنـه ليس كذلـك .لكـن يف النهايـة ،وبعد
أن يبـدو أن لـوري قتلـت مايـكل مرتين ،مـرة بإبـرة احلياكـة ومرة
بسـكينه نفسـه ،وبعـد أن أطلـق عليـه لوميـس سـت رصاصـات،
خيتفـي مايـكل مرة أخرى .تقول لـوري لتومي «كان ذلـك البعبع»،
فيضيـف لوميـس« :يف حقيقـة األمـر ،كان البعبـع فعالً».
اسـتقطبت أفلام الط َّعانين نقـد ًا ثقاف ًّيـا وآخـر سـيكولوج ًّيا.
يعتقـد روبـن وود Robin Woodأن هـذه األفلام اسـتحدثت
نتاج للكبـت ..وهي متثـل جوهر ًّيا األنـا العليا التي شـخصي ًة «هـي ٌ
تنتقم لنفسـها من اجلنسـانية املتحـررة لألنثى») .(20مـن منظور النقد
الثقـايف ،يعبر فيلـم Halloweenعن فقـدان التالحـم يف جمتمعات
الضواحـي .ففـي حماولته إنـكار إمكانية وقوع العنـف يف هادنفيلد،
371
اجلذو ُر البدائ َّي ُة ل�سينما ُّ
الرعب
دخـل الطلبـة إقليـم القاتل .يف ما بعـد ،تتوقف آين ،وهي فتاة شـابة
تطمـح ألن تكـون طاهيـة يف كامـب كريسـتال ،تتوقـف يف إحـدى
االستراحات للسـؤال عـن الطريـق إىل مـكان التخييـم ،حيـث
خيربهـا النـاس عـن حـوادث املـوت يف ذلـك املـكان :أوالً مـوت
أحـد الفتيـان الصغـار غرقـ ًا ،ثـم بعـد سـنة مـوت الفتـى والفتـاة.
حيذرهـا رالـف العجـوز ،الذي يبـدو أنه رجـل كبري السـن مصاب
«لدي رسـالة مـن الرب .مصريكـم مجيع ًاَّ ببعـض التخلـف العقيل:
اهللاك» ،ويمثـل رالـف نموذج ًا آخر للشـخصية املتنبئـة التي تظهر
يف الرتاجيديـا اإلغريقيـة القديمـة وأفلام الرعب احلديثـة لتنذر بام
سيحد ث .
تتقـدم احلبكـة يف الزمـن عـدة سـنوات حيـث ُيقتَـل شـ َّب ٌ
ان
وفتيـات .وبما يتامشـى مـع تقاليـد أفلام الط َّعانين ،تنجـو الفتـاة
ٌ
األكثـر عفـة بني املرشفين ،أليـس ،بعـد أن تكتشـف أن الط َّعان هو
باميلا فورهيـس والـدة جيسـون ،ويفترض أن ولدهـا مـات قبل
عـدة سـنوات عندمـا كان املرشفون عىل املخيم مشـغولني بمامرسـة
اجلنـس وكان بإمكاهنـم إنقـاذه مـن املوت .رغـم أنه يظهـر يف هناية
ظـروف غير حمتملـة ،يقـدم الفيلـم جيسـون عىل ٍ الفيلـم متامـ ًا ويف
أنـه الط َّعـان يف السلسـلة ،ثـم يعـود بعـد ذلـك مـرار ًا وتكـرار ًا يف
اإلحلاقيـات واألفلام األخـرى املشـتقة مـن الفيلـمُ .تثـل باميلا
آخ َـر يشـاطرنا جيناتنـافورهيـس -الشـخصية املريضـة نفسـي ًا َ -
ولكنـه يفتقـر إىل التعاطـف مـع النـوع أو املجموعـة الـذي يصفـه
املختصـون بعلـم النفـس التطـوري؛ وقد أنجبـت باميال فـرد ًا آخر
377
اجلذو ُر البدائ َّي ُة ل�سينما ُّ
الرعب
مـن نوعهـا .مـن اجلديـر بالذكـر أن اجلـزء الثاين مـن الفيلـم صدر
بعـد عـام مـن األول ،وفيـه يعود جيسـون وقـد ارتدى على وجهه
كيسـ ًا قامشـ ًّيا ثـم يسـتخدم قناعـ ًا مميز ًا يشـبه قنـاع مايـكل مايرز يف
اإلحلاقيـات التاليـة العديـدة ،يف كثير من املـرات يبدو أن جيسـون
قـد ُقتِـل ،ولكنه يعـود كل مـرة بكيفية مـا و َيقتُل جمدد ًا .مـن منظور
الصفـات البدائيـةُ ،ي َعـد القنـاع نموذجـ ًا آخـر للعالمـة البرصيـة
كآخر .كما يف معظم أفلام الط َّعانني ،جليسـون إقليم يامرس عرفـه َ ُي ِّ
فيـه الصيد.
النجـاح املـايل لفيلمـي Halloweenو Friday the 13th
ُ أطلـق
موجـة كبيرة مـن األفلام التـي تقلدمهـا .ويف معظم هـذه األفالم
هنـاك إقليـم يسـتخدمه اآلخـر كمـكان لصيـد ضحايـاه .يف فيلـم
،Prom Nightكان اإلقليـم مدرسـة إعدادية حيـث يالحق الط َّعان
أربـع فتيـات حيملن رس ًا مشـين ًا منـذ الطفولـة .مرة أخـرى ،يرتدي
القاتـل كيسـ ًا قامشـ ًّيا كقنـاع .ويف فيلـم ،My Bloody Valentine
كان اإلقليـم منجـم فحـم شـهد يف املـايض كارثـة ،وكان الطعـان
أحـد الناجين مـن حتطـم املنجـم ولكنـه أصيـب باجلنـون .يرتدي
الطعـان هنـا زي عمال املناجـم مـع قنـاع ٍ
واق مـن الغـاز .أحيانـ ًا،
يكـون القنـاع وسـيلة إلخفـاء اهلوية حتـى هنايـة الفيلم ،كما احلال
مـع گوسـت فيس ،القاتل يف فيلـم ،Screamإذ يرتـدي قناع ًا جيعله
يبدو شـبيه ًا بالوجه الذي نـراه يف لوحة «الرصخـة» إلدوارد مونش
.Edvard Munchيف فيلـم ،The Texas Chain Saw Massacre
يضـع ليـذر فيس على وجهه قناعـ ًا من اجللـد البرشي .أمـا يف فيلم
378
الف�صل ال�سابع
ديانـة منافِسـة ،وأن «دينـ ًا قديم ًا» وثن ًّيـا قـد نجا من تلـك احلمالت
ٍ
ومـا زال ح ًّيا حتـى اليوم .ويف كتابـه ،)1954( Witchcraft Today
ادعـى جريالد گاردنر Gerald Gardnerأنه اكتشـف حمف ً
ال سـحر ًّيا
للوثنيـة اجلديـدة يف إنگلترا تـوارث أعضـاؤه إقامـة الطقـوس منذ
القرن السـابع عشر ،ويف كتابه اآلخـر ،Book of Shadowsوضح
گاردنـر تفاصيـل املامرسـات السـحرية .كتـب السـاحر الربيطـاين
أليستر كـراويل )1875-1947( Aleister Crowleyجملـدات
«ع ْلـم وفنضخمـة عـن أنظمـة السـحر .وقد عـرف السـحر بأنـه ِ
َّ
تغييرات بما يتامشـى مـع اإلرادة») .(28سـاهمٍ التسـبب بحـدوث
مجيـع هـؤالء الكتـاب الثالثـة بدفـع تنامـي الوثنيـة اجلديـدة Neo
،Paganismوهـي االصطلاح الواسـع الـذي يطلـق على هـذه
لون فيمينسـتياحلـركات الدينية اجلديـدة .ويبـدو أن الويكا ،وهي ٌ
مـن هـذه الديانـات ،هـي األكثـر شـعبي ًة .وتعـود جذورهـا إىل
أسـطورة حـول ديانـة أوروبية كانـت موجـودة قبل املسـيحية تركز
على عبـادة ربـة ورب ذي قـرون .مل يغفـل كتَّـاب السـيناريو عـن
تنامـي الوثنيـة اجلديـدة والويـكا ومن ثم ن َّقبـوا فيهام بحثـ ًا عن مادة
تصلـح لألفلام .لكن السـاحر الرشير كآخـر يمثل موضوعـ ًا أكثر
إثار ًة .
يوظـف فيلـم )1966( The Witchesالقائـم على روايـة The
Little Wax Dollلنـورا لوفتـس Norah Loftsالبنيـة الگاردنريية
Gardnerianللمحفـل السـحري العائلي .بعـد قضائهـا فترة يف
املصحـة النفسـية إثـر اهنيـار عصبي ،تعـود گويـن مايفيلـد (جوان
385
اجلذو ُر البدائ َّي ُة ل�سينما ُّ
الرعب
من فيلم :Bell، Book and Candleجيليان هولرويد (كيم نوفاك) تستخدم تابعها
بيواكيت لتسحر شيربد هندرسون (جيمس ستيوارت .)James Stewart
ٍ
كشـكل خمتلـف مـن النحن .ربما مـن الطبيعي مـن الشـخصيات،
أن تظهـر تصويـرات إجيابية وأخرى سـلبية للسـاحرات يف األفالم،
ألهنـا منتجـات ثقافيـة تثير اسـتجابة بدائيـة .يكتـب برايـان بويد:
«أتـاح التطـور لنـا نحـن البشر أن ننمـي اسـتعدادنا للثقافـة ألهنـا
تسـاعدنا على تتبـع التغيرات يف البيئـة بشـكل أرسع ممـا تفعـل
اجلينـات») .(32وأفلام السـحرة مثـال جيـد على هـذه املقاييـس
الثقافيـة.
من فيلم :Blade Runnerروي بايت (روتگر هاور )Rutger Hauerخيرج من النافذة وخيرب
ريك ديكارد (هاريسون فورد) أن ذكرياته – األول ستضيع «كام تضيع الدموع حتت املطر».
أي
الفيلـم األصلي .تبدأ رحلة كـي الستكشـاف طبيعتـه احلقيقيةْ ،
مـا إذا كان بشر ًا أو نسـخ ًة ،عندما جيـد دمية حصان تثير فيه بعض
الذكريـات .لكـن هـل هـذه الذكريـات زائفـة كتلـك التـي زرعتها
رشكـة ترييل يف النسـخ التـي صنعتهـا ،أم إهنا حقيقية؟ يقـوده بحثه
بصحبـة حبيبته اهلولوگرافية جوي ألن يكتشـف أن ريتشـل أنجبت
طف ً
لا من ديـكارد يف الفيلـم األول.
يبنـي الفيلم مادتـه عىل رؤى كي للحصـان الدمية كرمز مركزي
مـأوى لأليتـام .عندما جيد
يف الفيلـم كما على ذكريـات طفولتـه يف ً
كـي صندوقـ ًا حيـوي عظامـ ًا يتبين أهنا عظـام ريتشـل ،النسـخة يف
الفيلـم األصليُ ،يظهـر فحص العظـام أهنا قـد ولدت طفلاً ،وهو
يشء غير مسـبوق بالنسـبة للنسـخ .يعتقد كـي أنه ربام يكـون ذلك
الطفـل .وتقـول لـه جـوي «دائم ًا مـا كنـت أخبرك أنك فريـد من
حقيقـي اآلن» .مـن ثم فـإن مركز الفيلـم هو ما
ٌّ نوعـك .أنـت ولـدٌ
إذا كان كـي «ولـد ًا حقيقي ًا» حقـ ًا أو ال.
وهكـذا ،يبـدأ كي رحلتـه الكتشـاف طبيعته .يعـرج الفيلم عىل
موضوعـات اهلوية ،طبيعة الروح ،والتحرر من االسـتعباد .تسـتمد
جذورهـا مـن التمثـل القبيل البدائـي .ختربه
َ رغبتُـه يف معرفـة نوعـه
مبنـي على جـدار .نوعـان منفصلان. ٌّ رئيسـته جـويش أن« :العـامل
أخبر أ ًّيـا مـن الطرفين أن اجلـدار غير موجـود ،وستشـعل حرب ًا، ِْ
طفـل مـن قبل نسـخة هي هتديدٌ لذلـك اجلدار، ٍ مذبحـ ًة» .إن والدة
اجلـدار الـذي يفصـل مسـتويات الكينونـة ،أو القبائـل .يصـل كي
يف رحلتـه إىل خرائـب الس فيـگاس حيـث جيـد جمتمع ًا من النسـخ
412
الف�صل ال�سابع
خلـوه
ِّ تكـوين ميتـة» .هكـذا فهـو يشـبه الط َّعـان املريـض نفسـ ًّيا يف
مـن مجيع العواطـف والقيـم البرشية ،مصمـم جيد ًا إلثـارة الرعب
البدائـي عندمـا نـرى الشـخصيات التـي نتعاطـف معهـا يطاردهـا
آخـر عديم الشـفقة ،آخر يرفـض أن يموت ،كام احلال مع جيسـون
ومايـكل مايرز.
ثقايف
إن لعنصر الرعب يف سلسـلة أفلام Terminatorبعدينٌّ ،
وبدائـي .مـن منظـور البعد الثقـايف ،تعد رشكـة سـايربنت أقل رش ًا
ٌّ
نوعـ ًا ما مـن نظرياهتا يف أفلام الرعـب األخرى كرشكـة أمربيال يف
سلسـلة Resident Evilورشكة ويالند -يوتاين يف سلسـلة .Alien
تُقـدِّ م هـذه املجموعـات الربـح على القيـم والسلامة البرشيتين.
منظـور الصفـات البدائيـة السـبب يف شـعورنا السـلبي جتـاهُ يفسر
ِّ
املؤسسـات النافـذة التي تعـد نوع ًا خمتلفـ ًا من اآلخـر .مل نعد نخاف
احليوانـات املفرتسـة يف معظـم أنحـاء العـامل ،وقـد صـار اجلـزء
العقلاين منـا يعـرف أن الوحوش اخلارقـة – مع كوهنا آخر ليسـت
هتديـد ًا حقيق ًّيـا .لكن الشركات الغامضة التي تتحكـم باحلكومات
وحيـاة النـاس صـارت نوع ًا جديـد ًا وخطـر ًا جد ًا مـن اآلخر.
اجلسـدي للتريمينيتـور – كام احلال مـع ٍ
كثري جد ًا ُ املظهر
ُ يضفـي
مـن القتلـة يف أفالم الرعـب من دراكـوال إىل الزومبـي إىل الطعانني
عليـه طابـع اآلخـر ،بوجهـه املشـوه وتعبرياتـه املتحجـرة عندمـا
يقتـل البشر .كذلـك يصبـح سـكاينت – الكومبيوتـر الـذي صنع
التريمينيتـور قـو ًة أكثـر خطـور ًة وهتديـد ًا عندمـا يصبـح واعيـ ًا .إذ
حيتـوي بداخلـه الشـبح الذي يسـكن اآللة وقـد ورث مـن صانعيه
415
اجلذو ُر البدائ َّي ُة ل�سينما ُّ
الرعب
كـي ال ُيع َثـر على الرقاقـة التـي بداخلـه .يقدمـه الفيلم كواحـد منا
بأوضـح صـورة عندمـا نرى سـارة كونـور تقـول« :إذا اسـتطاعت
آلـ ٌة ..أن تعـرف قيمـة احليـاة البرشيـة ،ربما يمكننا نحـن أن نعرف
قيمتهـا أيض ًا».
يف فيلـم ،)1977( Demon Seedالقائـم على روايـة دين كونتز
Dean Koontzالصـادرة عـام ،1973كان الكومبيوتـر الواعـي
بروتيـوس 4-وحشـ ًا آخر صنعته شـخصية من طراز فرانكشـتاين.
آخر ،لكنه
كما الكوبيوترات األخرى يف األفلام ،كان بروتيوسَ 4-
ٍ
كجـزء مـن حبكة الشـبح الذي ورث منـا هـذه املـرة متثل التـزاوج
يسـكن اآللـة .يعرفنـا التعليـق الصـويت للدكتـور أليكـس هاريـس
(فرتـز ويفـر )Fritz Weaverيف مفتتـح الفيلم عىل قـوة الكومبيوتر
ٍ
باقتدار املذكـور« :اليوم ،سـيبدأ بروتيـوس 4-بالتفكير ،وسـيفكر
ودقـة سـتجعل الكثير مـن وظائـف الدمـاغ البشري تبـدو تافهـة ٍ
لا بـارد ًا ُيقـدِّ م -مثل فرانكشـتاين -
باملقارنـة» .يعـد هاريـس رج ً
العقـل على املشـاعر .ينفصـل هاريس عـن زوجته سـوزان (جويل
كريسـتي )Julie Christieالتـي تبـدو معاكسـة لـه يف الطبـاع مـن
حيـث أهنـا امـرأة ذات مشـاعر قويـة ،ويتجلى ذلـك يف قدرهتا عىل
معاجلـة األطفـال املأزومين عاطف ًّيـا ،وهكـذا يقـدم الفيلـم احلبكة
اخلالـدة (أو ربما األكليشـيهية) للرصاع بين العقل واملشـاعر.
تتكشـف حبكـة فرانكشـتاين عندما يبـدأ بروتيوس ببنـاء هويته
اخلاصـة والتمـرد على صانعـه .كما احلـال مـع فرانكشـتاين ماري
شـييل ،يريـد بروتيـوس رشيكـ ًة ،وهيـدف ألن ينجـب طف ً
لا مـن
417
اجلذو ُر البدائ َّي ُة ل�سينما ُّ
الرعب
أهنـا حتبه ،إال أهنـا ترتكه لرتافـق نظراء مـن نوعها ،اسـتجاب ٌة تتوافق
مـع نمـوذج للصفـات البدائية يتعلـق بالتـزاوج مع املامثلين .يقدم
فيلـم )2001( A.I. Artificial Intelligenceقصـة حـب مـن نوع
اصطناعي يدعـى ديفيد (هايل خمتلـف ،إذ يركـز على روبـوت ٍ
ذكاء
ٍّ
جويـل أوزمنـت )Haley Joel Osmentتشتريه امـرأ ٌة ليعوضهـا
عـن ابنهـا الـذي يرقـد يف إنعاش معلـق يف املستشـفى إثـر مرض مل
خيترع لـه علاج بعـد .متلي برجمـة هـايل عليه احلـب غير املرشوط
لــ «أمـه» .وعندمـا تنفـر منه وترتكـه ،يبدأ هـايل رحلـة للبحث عن
اجلنيـة الزرقـاء (وقـد قـرأ عنهـا يف كتـاب مغامـرات بينوكيـو The
)Adventures of Pinocchioكـي يصبـح ولـد ًا حقيق ًّيـا على أمل
أن حتبـه املرأة .يستكشـف الفيلمان األخريان قوة احلـب ،األول من
منظـور متثـل التـزاوج ،والثاين مـن منظور احلـب العائلي ،وكالمها
متثلان بدائيـان ُغ ِرسـا يف الـذكاء االصطناعي ويقرتحـان أنه يمكن
للشـبح الـذي يسـكن اآللـة أن يكـون قـادر ًا على احلـب كصانعي
الـذكاء االصطناعـي ،ما يشـوش اخلط الفاصـل بني النحـن ُ
واهلم.
تثير أفلام األشـباح والطعانين والسـاحرات والكومبيوترات
ٍ
ألسـباب مفهومـة .فهـي تعكـس والروبوتـات الرعـب اللذيـذ
اخلـوف مـن األشـباح القلـق
ُ مهسـات التمثلات البدائيـة .يمثـل
الـذي نشـعر بـه مـن مواجهـة فنائيتنـا وكـذا مـن التواصـل مـع
الرعـب مـن الطعانني اخلـوف من
ُ آخـر مـن َ
عـال خمتلـف .يعكـس َ
التعـرض للمطـاردة والقتـل على يـد أفـراد مـن نوعنـا ولكنهـم
ال يمتلكـون بوصلـة أخالقيـة ،كائـ ٌن يامثـل القـرش أو األسـد،
419
اجلذو ُر البدائ َّي ُة ل�سينما ُّ
الرعب
420
خاتمة
ٌ
فضـل كبير يف إدراك دور ينسـب إلدوارد أوزبـورن ويلسـون
التطـور البيولوجي يف نشـوء الفنون« .إن الـدور احلرصي للفنون»،
يكتـب ويلسـون« ،هـو نقـل التفاصيـل املعقـدة للتجربـة البرشيـة
بوسـاطة التفنـن هبدف تكثيف االسـتجابة اجلاملياتية (األسـتطيقية)
واالنفعاليـة») .(1سـاهم تأثير أفـكاره وأفـكار باحثـي علـم النفس
التطـوري يف نمـو النقـد التطـوري ومقاربتِـي يف نقـد الصفـات
البدائيـة .يمتـد أفق هذيـن املنظورين النقديني ليشـمال مادة أوسـع
مـن موضـوع هـذا الكتـاب ،أي أنه يمكـن إعامهلام يف أجنـاس ٍ
أدبية
أخـرى .يشـدد تعليق جوزيـف كارول على أمهية النقـد التطوري:
«مـا مـن عمـل أديب كتبـه أي مؤلـف يف أي بقعـة مـن األرض ،يف
ِ
الداروينـي ..فـإذا كانت رؤية أي حقبـة ،يقـع خـارج أفق التحليـل
دارويـن للعقـل البشري صحيحـ ًة ،وإذا كان العقـل البشري هـو
421
اجلذو ُر البدائ َّي ُة ل�سينما ُّ
الرعب
وجمسـد ًة يف
توجيههـا هلـذه التمثلات كما نراهـا يف احليـاة احلقيقيـة َّ
األفلام واألدب .يف بلدنـا ومعظم البلـدان الصناعية ،متكـن التعليم
واألثـر اإلمجـايل للثقافـة مـن إضعـاف القـوة التدمرييـة للتمثلات
البدائيـة التـي ناقشـناها يف هـذا الكتـاب أو تقليصهـا على أقـل
ٍ
مؤذيـة نسـب ًّيا هلـا حولنـا كما عندمـا تقديـر .نعـم ،نـرى آثـار ًا غير
نـرى النـاس منخرطين عاطف ًّيـا يف مجاهري الفـرق الرياضيـة ،مجاهري
فـرق اهليـب هـوب ،ومجاهير ألعـاب الفيديـو :قبائل مصغـرة عابرة
للحـدود اإلثنيـة والعرقيـة .مل تعـد النسـاء يف العامل الغـريب مملوكات
كما يف املـايض ،ورصن يطالبـن بحقوقهـ َّن يف نظـا ٍم يعدنـه بطريارك ًّيا
متحيـز ًا ضـد تقدمهن السـيايس واالقتصادي .غيرت الثقافة تدرجيي ًا
العالقـات اجلندريـة ،ويف احلـروب ،صـار يمكـن للكـف التـي
هتـز املهـد أن تقـود الطائـرة وتطلـق الصواريـخ .ومـع أن األحـكام
املجحفـة والتحيـزات مـا زالـت موجـودة ،إال أننـا رصنا نـرى تقب ً
ال
ال أكرب (تقبل لتمثـل االسـتحالة) وتقب ًمتزايـد ًا للـزواج بني األعـراق ٌ
آخر يف ُبروا َلـزواج الشـواذ وجمتمـع امليم ،LGBTأولئـك الذين اعت ِ
املـايض .كذلك يعترف كثريون باألسـف والنـدم على الطريقة التي
عومـل هبـا األمريكيـون األصليـون واألمريـكان األفارقـة.
ورغـم هـذا اإلضعاف للهمسـات البدائية ،وحتـى يف الواليات
املتحـدة ،بوجـود حتسـن يف التواصـل بين املجموعـات القبليـة
املختلفـة وتعاظـم الوعـي االجتامعي عند كثري من النـاس ،ما زالت
التمثلات البدائية تشـكل خطورة على العالقات وتولـد الكراهية.
ينظـر األمريـكان األفارقـة واهلسـبانيون واآلسـيويون والقوقازيون
إىل بعضهـم بعض ًا بعين احلذر عرب حواجز العـرق واإلثنية ،ناظرين
425
اجلذو ُر البدائ َّي ُة ل�سينما ُّ
الرعب
ٍ
بتوتـر كآخـر .يعـادي املحافظـون والليرباليـون إىل بعضهـم بعضـ ًا
معتقـدات بعضهـم بعضـ ًا وتتعاظم صعوبـة التسـوية بينهم .كذلك
ال يبـدو أن اجلامعـات املسـاندة حلـق اإلجهـاض وتلـك املناوئـة له
قـادرة عىل الوصـول إىل مناطـق التقـاء يف املنتصف.
مـع وجـود بعـض االسـتثناءات ،مـا زال الصراع الـذي تثيره
التمثلات البدائيـة يف بلدنـا حمـدود ًا عنـد مسـتوى الكلمات احلادة
التـي تُتبـا َدل عبر احلواجـز الدينيـة واأليديولوجيـة واالقتصاديـة
واإلثنيـة .لكـن حتـى يف البلـدان األكثـر تنويـر ًا ،مـا زلنـا نـرى أن
من السـهل جـد ًا على الديامگوگيين صناعة ميمات كراهيـة َ
اآلخر
هبـدف الوصـول إىل السـلطة .ومـن األشـد خطـورة على وجـه
والتعصـب يف البلـدان األقل تطـور ًا ،خصوص ًا
ُ اخلصـوص القبليـ ُة
وهنـاك اخلطـر الداهـم املتمثـل بوقـوع أسـلحة الدمـار الشـامل يف
أيـدي املتعصبين.
نميـل – معشر البشر ألن نـرى العـامل وطبيعتَنـا مـن خلال
عدسـات األيديولوجيـا التـي نشـأنا عليهـا ،سـواء كانـت تعاليـم
اإلسلام أو املسـيحية أو اليهوديـة أو القناعـات السياسـية اليمينيـة
أو اليسـارية .يزودنـا علـم النفس التطـوري بعدسـات جديدة نرى
هبـا أنفسـنا .يلخـص ريتشـارد بـرودي مأزقنـا برباعـة قائلاً« :هل
سنسـمح لالنتخـاب الطبيعـي أن يطورنـا عشـوائ ًّيا ،دون اكتراث
ِ
أرسـان تطورنا بسـعادتنا أو رضانـا ،أو روحيتنـا؟ أم سـنقبض عىل
ونختـار لـه اجتاهـ ًا يناسـبنا؟») .(6إذا فشـلنا يف اتبـاع اخليـار الثـاين،
سماه الشـاعر ووردزوورث Wordsworth فسـنواصل عيـش مـا َّ
«املوسـيقى السـاكنة احلزينـة للبرشية».
426
هوامش المؤلف على المقدمة
1-Edward O. Wilson, On Human Nature (Cambridge: Harvard
University Press, 1978), 201.
427
اجلذو ُر البدائ َّي ُة ل�سينما ُّ
الرعب
428
الهوام�ش
429
ُّ اجلذو ُر البدائ َّي ُة ل�سينما
الرعب
430
الهوام�ش
431
ُّ اجلذو ُر البدائ َّي ُة ل�سينما
الرعب
432
الهوام�ش
433
ُّ اجلذو ُر البدائ َّي ُة ل�سينما
الرعب
26- Mike Broderick, «Better the Devil You Know: Film Antichrists
at the Millennium,» in The Horror Zone: The Cultural Experience
of Contemporary Horror Cinema, ed. Ian Conrich (New York: I. B.
Taurus, 2010), 243.
27- J. Gordon Melton, Encyclopedia of the Occult and
Parapsychology (Detroit: Gale Research, 1996), 449.
28- Robert Singer, «One against All: The New England Past
and Present in The Devil and Daniel Webster,» Literature/Film
Quarterly 22.4 (2007): 265.
29- Christopher Marlowe, The Tragical History of Dr. Faustus, in The
Works of Christopher Marlowe (Oxford: Clarion, 1925), 90–91.
30- Edward O. Wilson, The Social Conquest of Earth (New York
and London: Liveright, 2012), 244–45.
31- Kyle William Bishop, «Black Magic and White Guilt: Voodoo
in Angel Heart,» Psy Art, 2011: 11.
32- David M. Buss, The Evolution of Desire: Strategies of Human
Mating (New York: Basic Books, 2003), 59.
33- Brian Aldiss, The Billion Year Spree (New York: Schocken,
1974), 25.
34- John Clute, Encyclopedia of Science Fiction (New York: St.
Martins, 1993), 114–115.
35- George Herbert Wells, The Time Machine and The War of the
Worlds (New York: Oxford University Press, 1963), 123.
36- Aldiss, The Billion Year Spree, 227.
37- Wilson, On Human Nature, 111.
434
الهوام�ش
435
ُّ اجلذو ُر البدائ َّي ُة ل�سينما
الرعب
436
الهوام�ش
437
اجلذو ُر البدائ َّي ُة ل�سينما ُّ
الرعب
438
الهوام�ش
لكن أمـل البطلة خاب متامـ ًا عندما.)215 نوافذهـا القوطيـة العالية (صفحـة
.وصلـت لتجـد أن البنايـة كانـت بنايـة عادية على الطـراز احلديث
هنـاك،ً فمثلا.تزخـر روايـات النزافين األقـدم باإلحيـاءات اجلنسـية-12
لكولريـدجChristabel وصـف رصيـح بدرجـة مـا للسـحاق يف قصيـدة
كذلـك يسـتخدم الفصـل األول.Carmilla وتوظيـف يل فانـو هلـا يف روايـة
ٍ
اغتصـاب واضحـة يف وصـف هجـوم لغـةVarney the Vampire مـن قصـة
.النـزاف
13-Lionel Tiger, Men in Groups (New York: Vantage, 1979), 218.
14-Wilson, On Human Nature, 107.
15-Alcock, The Triumph of Sociobiology, 46.
16-Gould, Ever Since Darwin: Reflections in Natural History, 238.
17-James Skar, Hollywood Gothic: The Tangled Web of Dracula
from Novel to Stage to Screen (New York: Faber and Faber, 2004),
appendixes A and B.
. ولكنه مل يعد متوفر ًا،Dracula يذكر سكار فيل ًام هنگاري ًا بعنوان-18
لبارسـونز واحـدة مـن الرواياتCastle of Wolfenbach كانـت روايـة-19
السـبع التي حبذهتـا ايزابيال ثـورب للفتاة السـاذجة كاثرين مورالنـد عىل أهنا
ٍّ
.مسـل» يف روايـة دير نـورث انگر جلني أوسـتن ٍ «فظيعـة على
نحو
20-Carol Senf, The Vampire in Nineteenth-Century English
Literature (Bowling Green, OH: Bowling Green State University
Popular Press, 1988), 150.
21-John Cawelti, The Six-Gun Mystique (Bowling Green:
Bowling Green University Press, 1971), 35.
22-John Bucktaman, Terminal Identities: The Virtual Subject
in Post Modern Science Fiction (Durham and London: Duke
439
ُّ اجلذو ُر البدائ َّي ُة ل�سينما
الرعب
440
الهوام�ش
441
ُّ اجلذو ُر البدائ َّي ُة ل�سينما
الرعب
and Eckhkart Voland (London and New York: Chapman and Hall,
1989), 148.
14-Buss, Evolution of Desire, 103.
15-Nancy Easterlin, «From Reproductive Resource to Autonomous
Autonomous Individuality: Charlotte Brontë’s Jane Eyre,» in
Evolution’s Empress.
16-Joseph Carroll, «Human Nature and Literary Meaning:
A Theoretical Model Illustrated with a Critique of Pride and
Prejudice,» in The Literary Animal, 95.
17-David P. Barash, and Judith Eve Lipton, Strange Bedfellows:
The Surprising Connection Between Sex, Evolution and
Monogamy. (New York: Belleview Literary Press, 2009), 48.
18-Carroll, Reading Human Nature, 113.
19-David Cecil, «Emily Bronte and Wuthering Heights,» in Critical
Essays on Emily Bronte (New York: G. K. Hall, 1997), 148.
20-Fisher, Why We Love, 111.
.175 صفحة، املصدر السابق-21
.102-110 الصفحات، املصدر السابق-22
23-Schwartz, The Battle for Human Nature, 96.
24-Diane Waldman, «At Last, I Can Tell Someone: Feminine Point
of View and Subjectivity in the Gothic Romance Film of the 1940s,»
Cinema Journal 23 (no. 2 1983): 30.
25-Dutton, The Art Instinct, 113.
26-Boyd, On the Origin of Stories, 227.
27-Sara Hemriajani, Reuters.com 10/12.15.
442
الهوام�ش
29-Steven Pinker, The Blank Slate (New York: Viking, 2002), 60.
443
ُّ اجلذو ُر البدائ َّي ُة ل�سينما
الرعب
444
الهوام�ش
445
ُّ اجلذو ُر البدائ َّي ُة ل�سينما
الرعب
446
الهوام�ش
447
ُّ اجلذو ُر البدائ َّي ُة ل�سينما
الرعب
448