Download as pdf or txt
Download as pdf or txt
You are on page 1of 13

‫العالقات االجتماعية وسيكولوجية االندماج‬

‫مقدمة عامة ‪:‬‬


‫يعتبر اإلنسان كائنا اجتماعيا بامتياز‪ ،‬ال ينفصل عن الشرط االجتماعي في مختلف مستوياته وأبعاده‪ ،‬بل يرتبط به منذ الوهلة‬
‫األولى وطيلة صيرورته الوجودية‪ ،‬وبمختلف مكوناته وبنياته االجتماعية والعالئقية‪ ،‬بكل ما تحيل عليه هذه األخيرة من ثقافة وقيم‬
‫ومعايير واتجاه ات‪...‬وما ينتج عن أشكال التفاعل معها من تمثالت اجتماعية وانتماءات هوياتية وثقافية وسمات ذهنية ووجدانية وأنماط‬
‫سلوكية‪...‬تسم شخصية الفرد والجماعة عبر مسارات تشكلها وتطورها النفسي واالجتماعي‪ .‬كل هذه العناصر في تداخلها وتفاعلها‬
‫وجداليتها تؤثر بشكل أو بآخر على إيقاعات وديناميات التوازن النفسي واالندماج االجتماعي لألفراد والجماعات‪ ،‬وعلى طبيعة العالقات‬
‫االجتماعية ونوعيتها ومستويات جودتها‪.‬‬
‫ال يمكن استيفاء الفهم الموضوعي للظاهرة اإلنسانية خاصة في بعدها النفسي واالجتماعي والعالئقي إال باستحضار الشروط االجتماعية‬
‫التي تحصرها وتحددها سواء من الناحية الوجدانية أو المعرفية أو السلوكية‪ ،‬فمهما بلغت درجات ومستويات استقاللية الفرد وتعاليه عن‬
‫الشروط االجتماعية ‪ ،‬إال أنه يظل مبدئيا إفرازا وإنتاجا اجتماعيا مباشرا أو غير مباشر لمختلف المكونات والبنيات والعالقات‬
‫االجتماعية ‪...‬التي تشكل في مجموعها ما نسميه بالشرط االجتماعي الموضوعي‪ ،‬باعتباره شرطا سابقا عن وجود الفرد ومحددا له‪ .‬لكن‬
‫الحديث عن الفرد كإفراز وإنتاج اجتماعي ال يعني بالضرورة أنه إفراز وإنتاج ميكانيكي لبنيات المجتمع ومؤسساته وثقافته ‪...‬بل هو حديث‬
‫ال يلغي بأي حال من األحوال فاعلية الفرد وتفاعله مع المجتمع‪ ،‬انطالقا مما تزخر به ذاته من مقومات ذاتية‪ :‬كالحرية واإلرادة‬
‫والوعي‪...‬والتي تجعل منه فاعال اجتماعيا‪ ،‬يساهم بشكل أو بآخر في بناء شخصيته وهويته وتمثالته وعالقاته باآلخر‪ ...‬لكن ضمن شروط‬
‫اجتماعية موضوعية‪.‬‬
‫إن المقاربة العلمية لقي مة "العالقات االجتماعية وسيكولوجية االندماج"؛ تقتضي االستحضار الواعي والقصدي للمجتمع بمختلف‬
‫بنياته االجتماعية كشرط موضوعي من جهة‪ ،‬وللفرد كفاعل اجتماعي له مقوماته الذاتية من جهة ثانية‪ ،‬واستحضار كل التفاعالت الممكنة‬
‫بينهما‪ ،‬وذلك من أجل فهم علمي و موضوعي ألسس وطبيعة العالقات االجتماعية وخصوصياتها‪ ،‬وللمحددات النفسية واالجتماعية ألشكال‬
‫ومستويات اندماج األفراد والجماعات‪ .‬لتحقيق هذه الغاية تبقى المرجعية النظرية والمعرفية األكثر مالءمة لمقاربة هذه اإلشكالية هي‬
‫مرجعية العلوم اإلنسانية بمختلف تخصصاتها الع لمية بشكل عام‪ ،‬وتحديدا مرجعية علم النفس االجتماعي بشكل خاص‪ ،‬باعتبار هذه األخيرة‬
‫مرجعية علمية تدرس كما أكد على ذلك فيشر السلوكات اإلنسانية والظواهر االجتماعية كعمليات عالئقية متداخلة وال تقبل الفصل بين‬
‫النفسي والجماعي‪ ،‬وبعبارة أدق دراسة كل فرد في واقعه ككائ ن اجتماعي‪ ،‬وتحليل سلوكاته كما يتم التعبير عنها من خالل أشكال مختلفة‬
‫لعالقات محددة بمستويات من الفعل والممارسة‪ ،‬يبرز فيها التأثير والتمثل والتواصل بشكل ملحوظ‪.‬‬
‫تثير قيمة "العالقات االجتماعية وسيكولوجية االندماج" مجموعة من اإلشكاليات والتساؤالت ذات طبيعة سيكولوجية‬
‫وسوسيولوجية‪ ،‬سنحاول تركيزها في خمسة محاور إشكالية‪:‬‬

‫المحور األول‪ :‬الطبيعة الجمعية لإلنسان‪.‬‬ ‫•‬


‫المحور الثاني‪ :‬الطفولة إلى المراهقة؛ التطور الشخصي واالندماج االجتماعي‪.‬‬ ‫•‬
‫المحور الثالث‪ :‬العالقات بين الجماعات‪.‬‬ ‫•‬
‫المحور الرابع‪ :‬تحليل نماذج من النزاعات االجتماعية(تم حذفه من طرف أستاذ المادة يتضمن المحاضرة ‪5‬و‪)6‬‬ ‫•‬
‫المحور الخامس‪ :‬الثابت والمتغير في إدراك الذات وإدراك اآلخر‪.‬‬ ‫•‬

‫مراجع لتعميق البحث وإغناء الفهم‪:‬‬


‫أحمد زايد‪ ،‬سيكولوجية العالقات بين الجماعات‪ ،‬سلسلة كتب عالم المعرفة‪ ،‬العدد ‪، 326‬المجلس الوطني للثقافة والفنون‬ ‫‪-‬‬
‫واآلداب ‪،‬الكويت ‪2006،‬‬
‫مصطفى حدية‪ ،‬التنشئة االجتماعية والهوية‪ ،‬دراسة نفسية اجتماعية ترجمة محمد الشيخ‪ ،‬منشورات كلية اآلداب والعلوم‬ ‫‪-‬‬
‫اإلنسانية‪ ،‬الرباط‪ - 1996 ،‬موريس شربل‪ ،‬التيارات المعاصرة في علم النفس الطفل والمراهق‪ ،‬دار الفكر العربي‪،‬‬
‫عالء الدين كفافي‪ ،‬علم النفس االرتقائي‪ :‬سيكولوجية الطفولة والمراهقة‪ ،‬دار الفكر‪ ،‬األردن‪.2015،‬‬ ‫لبنان‪- 2007، .‬‬
‫غالينا ليبوموفا‪ ،‬سيكولوجية النزاع‪ ،‬ترجمة وتحقيق نزار عيون السود ‪،‬اتحاد الكتاب العرب‪.7002 ،1، .‬‬ ‫‪-‬‬
‫المصطفى حدية‪ ،‬قضايا في علم النفس االجتماعي‪ ،‬منشورات المجلة المغربية لعلم النفس‪،‬‬ ‫‪-‬‬
‫‪(2013‬تحديدا الفصل السادس‪ :‬الذات ومفهوم الذات)‬
‫‪-G.N Fischer, les concepts fondamentaux de la psychologie sociale : le champ Du social, E.dunod, Paris, 1990‬‬
‫‪-S. Moscovici, Des représentations collectives aux représentations sociales, in Jodelet, D.(dir),‬‬
‫‪Les représentations sociales, coll.(Sociologie d’aujourd’hui), PUF,Paris, 1989.‬‬
‫‪-M. Picard, l’interaction sociale, PUF, Paris, 1989.‬‬
‫‪- S. Moscovici, Psychologie sociale, PUF, Paris, 1984.‬‬
‫‪-Richard Cloutier, psychologie de l’adolescence, edition Eska, paris,1982‬‬
‫‪-Newcomb et coll, Manuel de psychologie sociale, trad. H.Touzard, P.U.F, Paris, 1970.‬‬
‫‪-Jean-Luc Boilleau, Conflit et lien social. La rivalité contre la domination, La Découverte/MAUSS, Paris, 1995.‬‬
‫‪-Julien Freund, Sociologie du conflit, P.U.F, Paris, 1983.‬‬
‫‪-Renaud Barbaras, La perception, essai sur le sensible, Vrin, Paris, 2009.‬‬
‫العالقات اإلجتماعية وسيكولوجية اإلدماج‬
‫المحور األول‪ :‬الطبيعة الجمعية لإلنسان‪.‬‬
‫إن كل مجتمع قائم ومتحقق يتكون في جوهره من منظومة من العناصر والمكونات الجمعية‪ ،‬ذلك أن اإلنسان بما هو كائن اجتماعي يستند‬
‫في عالقته ببنيات المجتمع ومؤسساته‪ ،‬على تصورات ذات طبيعة جمعية؛ يستند عليها في فهمه وتعاطيه مع ذاته ومع اآلخرين وفي بناء‬
‫مختلف صالته وعالقاته االجتماعية‪ ،‬ذلك أن طبيعة انتظام العناصر والمكونات الجمعية في شخصية األفراد والجماعات هو ما يؤثر على‬
‫نحو مباشر أوغير مباشر على طبيعة وبنية العالقات االجتماعية وعلى أشكال وديناميات االندماج والتكيف االجتماعي‪ .‬إذن ما هي أهم‬
‫مظاهر وتجليات الطبيعة الجمعية لإلنسان؟ وكيف تبنى وتتأسس؟ وما هي أهم العناصر‬
‫والمكونات الدالة عليها؟ وبأي معنى يمكن اعتبار الهوية الثقافية والتمثالت االجتماعية واألفكار النمطية شكل من أشكال الطبيعة الجمعية‬
‫لإلنسان؟‪...‬‬
‫الهوية الثقافية‪:‬‬
‫مفهوم "الهوية الثقافية" مفهوم مركب وعالئقي‪ ،‬يحيل على زوج مفاهيمي‪ ،‬يتركب من مفهومين مرتبطين على سبيل اإلضافة‬
‫واالقتران لضرورة وعالقة وظيفية بينهما‪ ،‬وظيفة ال تتحقق في غياب أحد الطرفين‪ ،‬طرف الهوية وطرف الثقافة‪.‬‬
‫يحيل مفهوم"الهوية الثقافية" على مجال تقاطع والتقاء بين ما هو نفسي واجتماعي وثقافي‪ ،‬ألنه يرتبط دال ليا ووظيفيا بمفاهيم‬
‫سيكولوجية من قبيل اإلدراك والتمثالت واالتجاهات والعواطف واإلحساس بالذات‪...‬مثلما يرتبط ارتباطا وثيقا بمفاهيم‬
‫سوسيولوجية من قبيل الثقافة والتنشئة االجتماعية واالندماج االجتماعي والقيم والمعايير االجتماعية‪ ،...‬ذلك أن أي محاولة لتعريف هذا‬
‫المفهوم البد وأن تستحضر هذا االلتقاء والتقاطع‪ ،‬وهو ما يظهر بشكل جلي مثال في التعريف الذي تبنته منظمة اليونسكو لمفهوم الهوية‬
‫الثقافية باعتبارها تحيل على االنتماء إلى جماعة لغوية محلية أو إقليمية أو وطنية‪ ،‬بما لها من قيم أخالقية وجمالية تميزها‪ ،‬وباألسلوب‬
‫الذي يُستوعب ويدُرك به تاريخ الجماعة وتقاليدها ونمط عيشها‪ ،‬واإلحساس بالخضوع له والمشاركة فيه‪ ،‬أو تشكيل قدر مشترك منه‪،‬‬
‫وتعني كذلك الطريقة التي يُبرز من خاللها األفراد انتماءهم في ذات كلية‪ ،‬إنها نوع من المعادلة األساسية التي تقرر‪ -‬بطريقة إيجابية أو‬
‫سلبية‪ -‬الطريقة التي ينتسب بها األفراد إلى الجماعة والعالم بشكل عام وبهذا فإن الهوية الثقافية عبارة عن مركب نفسي اجتماعي يشير‬
‫إلى إدراك وتمثل جماعة ما لذاتها‪ ،‬ولكيفية تمايزها عن اآلخرين‪ ،‬وهي تستند في ذلك على معطيات ومكونات ثقافية مرتبطة تاريخيا بقيمة‬
‫اجتماعية وسياسية واقتصادية‪...‬تولد مشاعر االنتماء والفخر واالعتزاز‪ ،‬وتحدد تمييزا فئويا بين "نحن "و"هم"‪ ،‬تمييزا قائما على‬
‫االختالف الثقافي ‪.‬‬
‫التصور السوسيولوجي للهوية‪:‬‬
‫يرتبط مفهوم الهوية في الدراسات السوسيولوجية بإشكالية التنشئة االجتماعية واالندماج والتكيف االجتماعي‪ ،‬خاصة في ظل تعدد وتعقيد‬
‫بنيات المجتمع وتنوع الفئات االجتماعية والثقافية وتميزها‪ ،‬مما يجعل عملية االندماج في النظام االجتماعي عملية معقدة جدا تنعكس‬
‫نتائجها على مستوى تكوين أشكال الهوية الثقافية؛ الفردية والجماعية‪.‬‬
‫تعتبر السوسيولوجيا الما ركسية الهوية انعكاسا لإليديولوجية المهيمنة داخل المجتمع‪ ،‬والتي تعمل الطبقة المسيطرة اقتصاديا وسياسيا‬
‫وثقافيا على نقل قيمها ومعاييرها لألفراد من أجل توجيه وعيهم وسلوكاتهم في اتجاه الحفاظ على مصالحها وتكريس هيمنتها‪ ،‬وبهذا الشكل‬
‫تكون الهوية عبارة عن وعي زائف ومغلوط ال يعكس الشروط والظروف الموضوعية لواقع األفراد والجماعات‪ ،‬وهو ما يجعل من الهوية‬
‫نوعا من أنواع االستالب الثقافي والقيمي‪ ،‬وشكال من أشكال االنتماء المغلوط لثقافة مهيمنة دون الوعي بالدالالت الحقيقية لعالقات الصراع‬
‫والهيمنة ‪.‬‬
‫في مقابل هذه الهوية المغلوط ة والمزيفة التي ال تعكس الشروط الموضوعية لألفراد والجماعات‪ ،‬تراهن السوسيولوجيا الماركسية على‬
‫بناء هوية حقيقية وواقعية تعكس الفهم الموضوعي للواقع االقتصادي والسياسي واالجتماعي والثقافي ولطبيعة الصراع وأشكال الهيمنة‪،‬‬
‫هوية ترتبط بقيم التحرر من النظام االجتماع ي والثقافي المهيمن‪ ،‬ليتحول الفرد بذلك من كيان خاضع إلى فاعل اجتماعي يسعى لتغيير‬
‫واقعه‪.‬‬
‫أما السوسيولوجيا الوظيفية فتنطلق في تصورها للهوية من مفهوم التنشئة االجتماعية ‪ Socialisation‬باعتبارها سيرورة دمج األفراد‬
‫ضمن نمط عيش سائد في المجتمع وداخل نظام من العال قات والخبرات االجتماعية واألخالقية‪ ،‬إلنتاج وإعادة إنتاج األفراد كما هو مرغوب‬
‫فيهم اجتماعيا‪ ،‬لتكون بذلك الهوية وفقا لهذا التصور انعكاسا مباشرا للنظام االجتماعي على المستوى الفردي والجماعي‪ ،‬انعكاس للقيم‬
‫والمعايير واالتجاهات كما هي محددة اجتماعيا‪ ،‬وذلك بهدف تحقيق اندماج اجتماعي مع أهداف المجتمع ومعاييره‪ ،‬وهو ما يجعل الهوية‬
‫وفقا لهذا التصور ذات طابع استاتيكي ‪ Statique‬ونتاج لنوع من الترويض الميكانيكي ‪ mécanique Dressage‬من أجل إعادة إنتاج‬
‫نفس البنيات االجتماعية والثقافية ‪.‬‬
‫التصور السيكولوجي للهوية‪:‬‬
‫يعتبر إريك إريكسون من الباحثين في علم النفس األكثر استخداما وتناوال لمفهوم الهوية‪ ،‬والذي يربطه بالنمو النفسي للفرد وتحديدا بما‬
‫يسميه "اإلحساس بالهوية مقابل اضطراب األدوار "في مرحلة المراهقة‪ ،‬حيث تبرز لدى المراهق مشكلة تكوين الذاتومعرفة من هو‪ ،‬وما‬
‫األدوار المنوطة به‪ ،‬وهل هو طفل على نحو ما كان ينظر إليه من قبل‪ ،‬أم راشد على نحو ما هو صائر إليه‪ ،‬وهل بإمكانه أن يصير إنسانا له‬
‫كيانه الخاص وقيمته في المجتمع‪ ،‬مثلما يصير أكثر اهتماما بالتوفيق بين ما تعلمه من مهارات وأدوار في مراحل نموه السابقة‪ ،‬وبين ما‬
‫هو مقبول اجتماعيا ه نا واآلن‪ ،‬وما يتطلبه ذلك من مجهود ال يقل عن المجهود الذي بذله قبال في مرحلة الطفولة ‪.‬‬
‫على هذا األساس فالهوية ال تنفصل عن مفهوم الذات وعن الخصائص المميزة لها وعن المعايير االجتماعية التي تستدمجها عبر فعل‬
‫التربية والتنشئة االجتماعية‪ .‬فهي تتمظهر من خالل أربعة عناصر أساسية ‪:‬‬
‫‪ -‬الثقة في النفس‪.‬‬

‫‪ -‬الطابع الثابت لبعض الخصائص الفردية‪.‬‬

‫‪ -‬تكامل األنا‪.‬‬

‫‪ -‬االنتماء إلى قيم جماعة إلى هويتها الثقافية‪.‬‬

‫بناء على هذه العناصر‪ ،‬تتميز الهوية بكونها تلعب دورا اندماجيا في الوسط االجتماعي‪ ،‬باإلضافة إلى وظيفة التكوين والبناء للفرد في‬
‫منظوم ة سوسيوثقافية محددة ‪.‬‬
‫التصور النفسي‪-‬االجتماعي للهوية‪:‬‬
‫يعتبر فيشر أن الهوية تعبر عن ذلك التركيب والتفصل بين ما هو سيكولوجي واجتماعي على المستوى الفردي‪ ،‬باعتبارها حصيلة‬
‫التفاعالت المعقدة بين الفرد واآلخرين والمجتمع‪ ،‬إنها تحديدا ذلك الوعي االجتماعي الذي يكونه الفرد أو الفاعل االجتماعي عن نفسه‬
‫وعن موضوعات وأشياء العالم المحيط به‪ ،‬في إطار عالئقي خالل سيرورة تنشئته االجتماعية يلعب الشعور بالهوية التي يكتسبها الفرد‬
‫خالل نموه النفسي واالجتماعي دورا حيويا في تحديد وتوجيه حوافزه ومواقفه وتفاعالته وكذلك تصوراته وتمثالته‪ ،‬التي تشتغل كأنظمة‬
‫ضابطة للسلوكات والممارسات ومتحكمة فيها‪ ،‬فمجرد تحقق هذا الشعور بالهوية تتحقق الوساطة بين الشخص ومحيطه الثقافي‬
‫واالجتماعي‪ ،‬ويصير مؤهال التخاذ مواقف وردود أفعال من مختلف الموضوعات والقضايا‪ .‬تكمن أهمية التصور النفسي االجتماعي للهوية‬
‫في كونه يقدم فهما متكامال لمفهوم الهوية باعتبارها نتاج تفاعل بين محددات نفسية ذاتية وشروط اجتماعية موضوعية‪ ،‬بعيدا عن أي شكل‬
‫من أشكال االختزال والتعاطي األحادي الذي يمكن أن تسقط فيه بعض المقاربات السوسيولوجية أو بعض المقاربات السيكولوجية‪ ،‬خاصة‬
‫وأن الفرد في ظل المجتمعات الحديثة يعيش اجتماعيا وثقافيا في ظل مرجعيات وإيديولوجيات متعددة ومختلفة ومتضاربة ومتصارعة‪ ،‬مما‬
‫يمكن أن يولد لديه مشاعر التيه والحيرة والقلق‪ ،‬ويفرض عليه حسم اختياراته الثقافية واإليديولوجية‪ ،‬والتي على أساسها يتبنى معايير‬
‫واتجاهات وسلوكات‪،‬وهو ما يبرز أهمية‬
‫المحددات والمقومات الذاتية والقصدية للفرد ) اإلدراك‪ ،‬الفهم‪ ،‬التحليل‪ ،‬المقارنة‪ ،‬القدرة على التجاوز‪ (...‬في سيرورة بناء هويته‬
‫الشخصية والثقافية بهذا المعنى تصبح الهوية الثقافية وفقا للمنظور النفسي االجتماعي سببا ونتيجة في نفس اآلن؛ سببا لكونها تشكل وعيا‬
‫فرديا يوجه السلوكات والممارسات ويحدد االختيارات والتوجهات الفردية‪ ،‬ونتيجة لكونها حصيلة تفاعالت اجتماعية‬
‫وثقافية وتنشئوية‪ .‬فالهوية من هذه الزاوية تتجاوز أي فهم سيكولوجي أو سوسيولوجي ضيق ومختزل‪ ،‬لتصير مجاال داخليا‪/‬ذاتيا ووسيلة‬
‫لفهم الكيفية التي يُكون ويبني بها الفرد هويته االجتماعية والثقافية‪.‬‬
‫مراجع أساسية إلغناء البحث وتعميق الفهم‪:‬‬
‫‪-‬أحمد زايد ‪،‬سيكولوجية العالقات بين الجماعات‪ ،‬سلسلة كتب عالم المعرفة‪ ،‬العدد ‪.326‬‬

‫‪-‬مصطفى حدية ‪،‬التنشئة االجتماعية والهوية‪ ،‬دراسة نفسية اجتماعية‪ ،‬ترجمة محمد الشيخ‪،‬منشورات كلية اآلداب والعلوم‬
‫اإلنسانية‪ ،‬الرباط ‪. 1996،‬‬

‫‪-G.N Fischer, les concepts fondamentaux de la psychologie sociale.‬‬

‫‪-M. Picard, l’interaction sociale, PUF, Paris, 1989 .‬‬

‫‪-S. Moscovici, Psychologie sociale, PUF, Paris, 1984‬‬


‫العالقات اإلجتماعية وسيكولوجية اإلدماج‬
‫المحاضرة الثانية‪:‬‬
‫التمثالت االجتماعية‪:‬‬
‫تلعب التمثالت االجتماعية دورا مهما في فهم األفراد والجماعات للعالم الذي يحيط بها‪ ،‬وفي تحديد عالقاتها مع بعضها البعض‪ ،‬هدفها‬
‫األساسي الحفاظ على صورة إيجابية للذات والنتماءاتها الثقافية واالجتماعية وحفظ تكيفها واندماجها االجتماعي‪ ،‬إنها تعكس وبشكل‬
‫جوهري الطبيعة الجمعية لإلنسان بوصفه كائنا اجتماعيا‪.‬‬
‫مفهوم التمثالت االجتماعية ‪:‬‬
‫يحيل التمثل ‪ Représentation‬على نوع من التصورات االجتماعية التي تتكون من خالل تجارب الفرد في الحياة وعبر نماذج التفكير‬
‫التي يستقبلها خالل التربية والتنشئة االجتماعية وعن طريق التفاعالت الحاصلة في عالقاته االجتماعية‪ ،‬والتي تشكل لديه نظام تصور‬
‫للقيم والممارسات‪ ،‬وتتحكم في استجاباته وردود أفعاله إزاء موضوعات وقضايا محددة ‪ ،‬وهو بهذا المعنى عبارة عن شكل من أشكال‬
‫المعرفة الخاصة بالمجتمع‪ ،‬وجسر بين ما هو فردي وما هو اجتماعي‪ ،‬تتيح لألفراد والجماعات سبل االتصال والتواصل ضمن بيئة دينامية‬
‫للمعرفة‪ ،‬وفي هذا السياق يعرف سيرج موسكوفيتشي ‪ Moscovici Serge‬التمثل االجتماعي على أنه صورة مشبعة بمجموعة من المعاني‬
‫واألنساق المرجعية ‪ ،‬التي يتم من خاللها معرفة وتأويل وتحليل وتفسير ما يحدث في حياتنا اليومية بمختلف تعقيداتها‪ ،‬بهدف استيعاب‬
‫الواقع وفهمه وإعطاء ه داللة معينة‪.‬‬
‫بنية التمثالت وطبيعتها ‪:‬‬
‫إذا كان إميل دوركايم قد تحدث عن ما يسميه بالتمثالت الجمعية في مقابل التمثالت الفردية‪ ،‬معتبرا أن األولى تتميز عن الثانية بالثبات‬
‫واالستقرار ألنها ترتبط با لوعي الجمعي ‪ ،‬فإن موسكوفيتشي يتحدث عن التمثالت االجتماعية ويعتبر أنها ليست ذات طبيعة جمعية وفقط‪ ،‬بل‬
‫ذات طبيعة اجتماعية قابلة للمراجعة والتغيير والتجديد وإعادة البناء من طرف المجموعات التي تكون المجتمع الواحد‪ ،‬والتي من الممكن‬
‫أن تختلف في تمثالتها إزاء نفس ا لموضوع‪ ،‬وذلك بحسب االختالفات والتمايزات بين األفراد والجماعات سواء على مستوى المحددات‬
‫والمقومات الذاتية‪ ،‬أوعلى مستوى الشروط والعوامل الموضوعية‪.‬‬
‫بناء على ما سبق يمكن القول أن للتمثالت مستويين‪ :‬األول نفسي والثاني اجتماعي؛ فلكونها تشكل جزءا كبيرا من عالمنا الداخلي‪ ،‬فإننا‬
‫نستخدمها بشكل دائم للتفاعل والتعاطي مع واقعنا االجتماعي‪ ،‬فترشدنا إلى"ما يجب فعله"‪ ،‬في إطار االلتزام والتقيد بالمعايير االجتماعية‬
‫وبالسياق الثقافي واالجتماعي الذي نوجد فيه‪ ،‬وبهذا يعكس التمثل عالقة الذات الفردية أو الجماعية بموضوع ما كما هو مبني و ُمتصور‬
‫و ُمنظم من خالل شخصيتها وتاريخها وقيمها الثقافية واالجتماعية‪.‬‬
‫وظائف التمثالت االجتماعية‪:‬‬
‫تتحدد أهمية التمثالت االجتماعية فيما تحققه من وظائف يمكن إجمالها فيما يلي‪:‬‬

‫وظيفة المعرفة‪ :‬اكتساب المعارف وإدماجها بهدف استيعاب الواقع وتفسيره والتفاعل معه‪.‬‬ ‫•‬
‫وظيفة الهوية‪ :‬تعزيز مشاعر االنتماء للهوية االجتماعية بهدف الحفاظ على صورة إيجابية للذات والجماعة‪.‬‬ ‫•‬
‫وظيفة التوجيه‪ :‬توجه اختيارات الفرد وسلوكاته وتساهم في تحديد ما هو مقبول وما ليس في وضعية اجتماعية محددة ‪.‬‬ ‫•‬
‫وظيفة التبرير‪ :‬تبرير المواقف والسلوكات المتبناة تجاه الشركاء االجتماعيين أو تجاه أفراد الجماعات المنافسة‪.‬‬ ‫•‬
‫تتيح التمثالت االجتماعية لألفراد والجماعات إمكانية ال تنظيم الدال والمتوازن للواقع‪ ،‬وبالتالي إمكانية التكيف واالندماج عن طريق تنظيم‬
‫وترتيب إدراكهم وتوجيه تصرفاتهم داخل محيطهم بما يحقق بناء عالقات اجتماعية وتواصلية فيما بينهم‪.‬‬
‫األفكار النمطية‪:‬‬
‫في سياق واقع اجتماعي متغير ومعقد‪ ،‬وفي ظل كثرة الوقائع واألحدا ث االجتماعية وكثافتها‪ ،‬وأمام عجز األفراد والجماعات عن إدراكها‬
‫والتعاطي معها‪ ،‬تبرز الحاجة إلى إعادة بناء الواقع االجتماعي في نماذج بسيطة من أجل التعامل مع أحداثه ووقائعه‪ ،‬بحيث تشكل األفكار‬
‫النمطية إحدى الميكانيزمات المبسطة التي يستخدمها األفراد والجماعات لل تعامل مع وقائع وتعقيدات العالم االجتماعي‪ ،‬وذلك بهدف جعل‬
‫هذا األخير معطى طيعا وسهال يستجيب لحاجاتهم النفسية واالجتماعية‪.‬‬
‫مفهوم األفكار النمطية‪:‬‬
‫يعرف مجموعة من علماء النفس االجتماعي األفكار النمطية بأنها مختلف الصور والمعتقدات المبسطة حول اآلخرين؛ أفرادا وجماعات‪ ،‬وتتكون من‬
‫مجموعة من السمات والخصائص )إيجابية أو سلبية(التي تميز جماعات معينة‪ ،‬ذلك أن الوعي ببعض السمات والخصائص فقط يقود إلى تكوين أفكار‬
‫نمطية معينة عن الجماعات‪ ،‬وفي هذا اإلطار يقول ألبورت ‪: " Allport‬إذا حصل الناس على مجموعة من الحقائق الضئيلة فإنهم يندفعون إلى تكوين‬
‫تعميمات كبيرة "‪ ،‬وعن طريق هذه التعميمات يحاول األفراد إصدار أحكام حول كيفية تصرف أعضاء جماعة معينة إزاء مواقف وموضوعات معينة‪.‬‬
‫يؤكد هودرسل ‪ Hothersall‬أن األفكار النمطية عبارة عن "تصور يتسم بالتصلب والتبسيط المفرط عن جماعة محددة‪ ،‬يتحقق فيضوئه‬
‫وصف وتصنيف األفراد الذين ينتمون لهذه الجماعة بناء على مجموعة من الخصائص المميزة لها"‪ ،‬بحيث تتحول هذه الخصائص إلى‬
‫تعميمات مفرطة والتي قد تكون في األساس مجرد خصائص ترتبط بفرد واحد أو بمجموعة قليلة من األفراد‪ ،‬لكن يتم تعميمها ‪-‬عن قصد أو‬
‫بغير قصد‪ -‬على المجموعة بكاملها‪ .‬وبهذا يمكن القول أن األفكار النمطية عبارة عن صور عقلية مفرطة في التبسيط والتعميم‪ ،‬تتكون عن‬
‫بعض الفئات أو المؤسسات أو األحداث اال جتماعية‪ ،‬والتي يساهم في بناء مالمحها األساسية عدد من الناس‪ .‬لكن السؤال الذي يطرح نفسه‬
‫هو ما مصدر األفكار النمطية؟‬
‫أسس ومصادر األفكار النمطية‪:‬‬
‫يمكن تصنيف مصادر األفكار النمطية إلى ما يلي‪:‬‬

‫أن األفكار النمطية تصدر وتنقل من خالل مؤسسات التنشئة االجتماعية‪ :‬األسرة‪ ،‬المدرسة‪ ،‬وسائل اإلعالم‪ ،‬وسائل االتصال‬ ‫•‬
‫والتواصل‪...‬‬
‫أن األفكار النمطية تصدر وتشتق على نحو ما من بعض جوانب "الحقيقة االجتماعية"‪ ،‬وهذا ال يعني أن أي فكر نمطي عن‬ ‫•‬
‫جماعة خارجية يشكل في بعض جوانبه حقيقة موضوعية مطلقة‪ ،‬لكن األرجح أن نماذج سلوك الجماعة المختلفة ثقافيا أو‬
‫الظروف االجتماعية واالقتصادية الخاصة بها قد تقدم "نواة" أو جزءا من الحقيقة‪ ،‬عن طريقها قد تنمو وتزدهر أفكار نمطية‬
‫معينة‪.‬‬
‫أن األفكار النمطية تصدر عن التصنيفات االجتماعية‪ ،‬حيث أن تصنيف األفراد والجماعات بحسب تشابها أو تمايزها يسقط في‬ ‫•‬
‫تعميمات مفرطة ومبسطة‪ ،‬تنتهي إلى صور وأفكار نمطية‪.‬‬
‫تأثيرات األفكار النمطية‪:‬‬
‫على الرغم من أن األفكار النمطية تعكس الطبيعة الجمعية لإلنسان باعتباره كائنا اجتماعيا؛ إال أن لها تأثيرات سلبية على جودة الحياة‬
‫والعالقات االجتماعية‪ ،‬تأثيرات يمكن تحديدها على سبيل المثال ال الحصر فيما يلي ‪:‬‬

‫اإلفراط في رصد االختالفات والتمايزات بين الجماعات‪ ،‬مما قد يخلق هوة اجتماعية تفصل بين األفراد والجماعات‪،‬‬ ‫•‬
‫ويقلل من سبل االنسجام واالندماج االجتماعي‪ ،‬فعوض التركيز على المشترك اإلنساني ووحدة المصير تؤدي األفكار‬
‫النمطية القائمة على رصد مفرط لالختالفات‪ ،‬إلى تفتيت الجماعات إلى وحدات ذرية صغرى يطبعها االعتداد المرضي‬
‫بالذات في مقابل تبخيس واحتقار اآلخر‪ ،‬مما يمكن أن يولد أشكاال من الصراع واالصطدام والتعصب والتمييز‬
‫السلبي‪.‬‬
‫تحريف وتشويه الواقع‪ ،‬كأن نحكم بشكل نمطي على أن الفرد الذي ينتمي لطبقة اجتماعية غنية يتميز بأخالق‬ ‫•‬
‫حسنة‪ ،‬في حين أن الذي ينتمي لطبقة فقيرة يتميز بأخالق سيئة‪.‬‬
‫تبرير السلوكات العدوانية والتعسفية في حق األفراد والجماعات‪ ،‬حيث من الممكن أن تترجم األفكار النمطية إلى‬ ‫•‬
‫ممارسات تعسفية‪ ،‬فمثال الفكر النمطي الذي كان ينظر للسود بأنهم أقل ذكاء من البيض‪ ،‬حرم السود من حقوقهم‬
‫األساسية لفترات طويلة من الزمن‪.‬‬
‫التقليل المفرط من االختالفات والتمايزات داخل الجماعة‪ ،‬حيث أن األفكار النمطية تفترض أن الجماعات الكبيرة من‬ ‫•‬
‫األفراد كلها متشابهة‪ ،‬وهو ما من شأنه إهمال التمايزات واالختالفات الفردية‪ ،‬وقولبة األفراد والجماعات في‬
‫تعميمات قاتلة لالختالف والتمايز‪.‬‬
‫بروز أشكال من االنغالق والتعصب والتمييز االجتماعي والثقافي السلبي‪ ،‬مما يؤثر سلبا على جودة العالقات‬ ‫•‬
‫االجتماعية وعلى سبل االندماج السليم لألفراد والجماعات داخل المجتمع ‪.‬‬
‫جوردن ألبورت‪:‬‬
‫عالم نفس أمريكي‪ .‬كان ألبورت من أوائل علماء النفس الذين اهتموا بدراسة الشخصية ‪،‬ممن وضعوا أساس علم نفس الشخصية‪.‬‬
‫سيرجي موسكوفيتشي‪:‬‬
‫عالم نفس اجتماعي ‪ ،‬مؤرخ علوم فرنسي من أصل روماني وأحد المنظرين الرئيسيين لعلم البيئة السياسية‬

‫دافيد هودرسل‪ :‬من بين كتبه ‪HISTORY OF PSYCHOLOGIE‬‬


‫العالقات اإلجتماعية وسيكولوجية اإلدماج‬
‫المحور الثاني‪ :‬من الطفولة إلى المراهقة؛ التطور الشخصي واالندماج االجتماعي‪.‬‬
‫إذا كان مفهوم االندماج االجتماعي يحيل على تلك العملية النفسية االجتماعية التي تمكن األفراد والجماعات من االنصهار داخل مختلف‬
‫البنيات االجتماعية والتكيف معها‪ ،‬وذلك عبر استدماج القيم والعادات وأنماط العيش السائدة في المجتمع‪ ،‬وأيضا عبر اكتساب هوية‬
‫شخصية واجتماعية تعزز االنتساب لهذا المجتمع واالنتماء لثقافته‪ ،‬فإن هذه العملية بما هي صيرورة‪ ،‬ال تختزل وال ترتبط وال تتوقف في‬
‫مرحلة محددة‪ ،‬بل هي صيرورة ممتدة منذ مرحلة الطفولة مرورا بالمراهقة والرشد وصوال إلى مرحلة الشيخوخة‪ ،‬تختلف إيقاعاتها‬
‫وصعوباتها من مرحلة أخرى‪ ،‬وتتأثر بنوعية الثقافات والمجتمعات وبطبيعة التمثالت والقيم واالتجاهات االجتماعية واالقتصادية‬
‫والسياسية‪ .‬ومن أكثر المحطات تأثيرا في سيرورة االندماج االجتماعي لألفراد والجماعا ت نجد المرحلة االنتقالية من الطفولة إلى الرشد‪،‬‬
‫وذلك بالنظر لطبيعة التحوالت والتغيرات التي تعرفها‪ ،‬وبالنظر لكثافة وغنى متغيراته وتداخل وتشابك العوامل المتدخلة فيها‪.‬‬
‫االنتقال من الطفولة إلى المراهقة‪:‬‬
‫إن تطور الفرد ونموه وانتقاله من مرحلة نمائية إلى أخرى ليس أمرا بسيطا وتلقائيا ‪ ،‬بل هو عملية معقدة ومتداخلة يصعب رصد‬
‫مفصالتها ومراحلها والمتغيرات المتحكمة فيها ‪ ،‬وهو ما يبرر تعدد المقاربات والنظريات واختالفها بل وتناقضها في وصف وتفسير‬
‫الصيرورة النمائية للفرد داخل المجتمع‪ ،‬لكن وبالرغم من اختالفها إال أنها تتفق على أن الفرد كائن نمائي؛ ينمو ويتطور في مختلف أبعاده‬
‫ومكوناته الوجدانية والمعرفية والسلوكية‪ ،‬وبحسب ما توفره له بيئته ومحيطه االجتماعي من إمكانات ووسائل ودعامات محفزة أو محبطة‬
‫لنموه واندماجه االجتماعي‪ .‬ومن بين أهم النظريات المفسرة لنمو الفرد نذكر ‪:‬‬

‫النظرية البيولوجية‪ :‬تولي أهمية كبيرة للنمو البيولوجي وتعتبره عامال أساسيا في عملية نمو الفرد وارتقائه‪ ،‬بحيث ترى أن أي‬ ‫•‬
‫نمو عقلي أو نفسي أو سلوكي إال ويجد أساسه في محددات بيولوجية‪ ،‬بمعنى أن نمو الطفل يتم بالتوازي مع نموه ونضجه‬
‫البيولوجي‪ ،‬أي أن مختلف السلوكا ت تنمو وتتطور وفق تسلسل قار يعكس طبيعة البرمجة البيولوجية الداخلية الموروثة والمميزة‬
‫للنوع البشري‪.‬‬
‫النظرية السلوكية‪ :‬ال تنفي دور النضج البيولوجي في عملية نمو الطفل‪ ،‬إال أنها تولي أهمية أكبر للشروط والمحددات الخارجية‬ ‫•‬
‫المرتبطة بالمحيط االجتماعي وما يوفره من مثيرات تعزز أوتحبط السيرورة النمائية للطفل‪.‬‬
‫نظرية التحليل النفسي‪ :‬تمنح أهمية كبرى للعامل الوجداني وتؤكد على أن إمكانيات النمو التي يحدثها النضج البيولوجي للطفل ال‬ ‫•‬
‫يمكن أن تتحقق إال في ظل تفاعله مع المحيط األسري واالجتماعي في إطار عالقات بينشخصية ‪، Interpersonnelle‬تبنى من‬
‫خاللها شخصية الفرد وتنمو على أساس نضجها البيولوجي وطبيعة التأثيرات التربوية واالجتماعية الخارجية‪ .‬وتقسم هذه النظرية‬
‫مراحل نمو الفرد إلى ما يلي‪:‬‬
‫➢ المرحلة الفمية ‪( ،oral Stade‬الثقة‪/‬عدم الثقة)‬
‫➢ المرحلة الشرجية ‪(،anal Stade‬االطمئنان والتلقائية‪/‬القلق والخجل)‬
‫➢ المرحلة القضيبية ‪(،phallique Stade‬المبادرة والتعبير عن المشاعر‪ /‬الخوف والشعور بالذنب)‬
‫➢ مرحلة الكمون ‪(،latence de Stade‬اإلنتاجية واإلحساس بالذات‪ /‬اإلحساس بالدونية)‬
‫➢ المرحلة التناسلية ‪( ،génital Stade‬الفاعلية‪ ،‬االندماج‪ ،‬الخصوبة‪ /‬فقدان الدور‪،‬االنطواء‪ ،‬اليأس)‬
‫• النظرية البنائية‪ :‬بدل النمو الوجداني؛ تركز هذه النظرية على النمو المعرفي للطفل في عالقته بالنضج العضوي وبالخبرات‬
‫والتجارب الشخصية التي يبنيها ويطورها ذاتيا عبر تفاعله مع وسطه االجتماعي ذلك أن البنية المعرفية للفرد تنمو بالتدرج من‬
‫خالل تنظيمه وإعادة تنظيمه لخطاطاته المعرفية بحثا عن التوازن‪ ،‬وتقسم هذه النظرية النمو المعرفي من الطفولة المبكرة إلى‬
‫المراهقة‪ ،‬إلى أربعة مراحل ‪:‬‬
‫➢ ‪ moteur- sensori Stade‬المرحلة الحسية الحركية ‪ préopératoire Stade‬مرحلة ما قبل العمليات‪‬‬
‫➢ مرحلة العمليات المحسوسة والمادية ‪concret opératoire Stade‬‬
‫➢ مرحلة العمليات الصورية المجردة ‪formel opératoire Stade‬‬
‫• النظرية السوسيوبنائية‪ :‬تولي هذه النظرية أهمية كبيرة للسياق االجتماعي في صيرورة النمو‪ ،‬حيث يتحقق نمو الفرد انطالقا من‬
‫تفاعله مع ما يوفره له محيطه من إمكانيات ودعامات وعالقات‪ ،‬تعتمد على التواصل والتعاون من أجل تحقيق المكتسبات‬
‫والتعلمات واستدماجها في بنيته الداخلية‪ ،‬وهو ما يساعده على تحقيق النمو واالرتقاء باعتباره نتيجة لحركة تنطلق مما هو‬
‫اجتماعي في اتجاه ما هو فردي‪.‬‬
‫بالرغم من األهمية العلمية للنظريات السالفة الذكر‪ ،‬إال أنها تفتقر للنظرة الكلية والشمولية لمسألة النمو؛ والتي تعاطت معها بنوع من‬
‫االختزالية والتجزيء‪ ،‬بحيث ركزت كل ن ظرية على جانب أوعامل من عوامل النمو وأغفلت الجوانب والعوامل األخرى وفي أقصى الحاالت‬
‫منحت بعضها دورا ثانويا‪ ،‬لكن ومن أجل فهم النمو واالرتقاء من الطفولة إلى المراهقة البد من استحضار هذه النظريات مجتمعة دون أي‬
‫إقصاء ألي مكون من المكونات أو ألي عامل من العوامل ‪ ،‬ألن النمو عملية مركبة ومتداخلة يتفاعل فيها ما هو بيولوجي مع ما هو‬
‫وجداني مع ما هو معرفي مع ما هو سلوكي‪ ،‬وكل هذا يحدث ضمن سياقات وتفاعالت مع المحيط االجتماعي‪ ،‬ويتم بكيفية تتراوح بين‬
‫التدرج في االنتقال من مرحلة إلى أخرى وبين األزمة والصراع بين مرحلتين ‪.‬‬
‫المراهقة واالندماج االجتماعي‪:‬‬
‫تكتسي المراهقة كمرحلة أهمية كبرى في الصيرورة النمائية للفرد‪ ،‬نظرا لما يترتب عنها من تغيرات على مستوى شخصيته في مختلف‬
‫مكوناتها الوجدانية والمعرفية والسلوكية‪ ،‬ولما يترتب عنها من نتائج حاسمة على صعيد اندماجه االجتماعي‪ .‬فالمراهقة بما هي مرحلة‬
‫انتقالية تفصل بين مرحلة الطفولة ومرحلة الرشد‪ ،‬وبما هي شكل من أشكال االنتقال من التبعية واالرتباط باألبوين أو من يقوم‬
‫مقامهما‪،‬إلى البحث المتدرج عن نوع من االستقالل الذاتي‪ ،‬إال أنه يصعب الحسم وتحديد متى تبدأ ومتى تنتهي‪ ،‬نظرا الختالف صيرورة‬
‫النمو‬
‫البيولوجي والنفسي واالجتماعي الخاصة باألفراد من جهة‪ ،‬واختالف المجتمعات والثقافات وأشكال التربية والتنشئة االجتماعية من جهة‬
‫أخرى‪.‬‬
‫بالرغم من تعدد الدراسات واألبحاث التي تناولت موضوع المراهقة‪ ،‬إال أنه يمكن تركيزها في أربع مقاربات علمية أساسية‪ ،‬تختلف من‬
‫حيث تصورها للمراهقة وللعوامل والمتغيرات المرتبطة بها‪ ،‬وهي كاآلتي‪:‬‬

‫المقاربة التقليدية‪ :‬تعتبر هذه المقاربة أن المراهقة هي انعكاس للتغيرات العضوية والفيزيولوجية التي تطال البنية الجسمية‬ ‫•‬
‫للمراهق‪ ،‬والتي بسببها يمر بما تسميه هذه المقاربة بـ"أزمة المراهقة"‪ ،‬حيث تؤثر مجموع التغيرات العضوية على توازناته‬
‫النفسية واالجتماعية‪ ،‬مما يجعله يواجه جملة من الصعوبات ويعيش حاالت من الصراع والتوتر على مستوى شخصيته‬
‫واندماجه االجتماعي‪.‬‬
‫المقاربة األنثروبولوجية االجتماعية‪ :‬عملت هذه المقاربة على نقد طرح المقاربة التقليدية‪ ،‬مستندة في ذلك على نتائج مجموعة‬ ‫•‬
‫من الدراسات والبحوث األنثروبولوجية التي أجريت على مجموعات موسعة من القبائل البدائية‪ ،‬والتي ثبت من خاللها أن‬
‫المراهقين بهذه القبائل ال يمرون بأي أزمة‪ ،‬مما يدل على أن مشكلة المراهقة ال ترجع إلى التغيرات العضوية التي يمر بها‬
‫المراهق‪ ،‬وإنما ترجع باألساس إلى ثقافة المجتمع وثمتالته حول المراهقة والمراهقين ‪.‬‬
‫المقاربة الدينامية‪ :‬تنظر هذه المقاربة للمراهق والمراهقة من زاوية ما يسمى بمحاولة تأكيد الذات والبحث عن الهوية‬ ‫•‬
‫واألدوار‪ ،‬على اعتبار أن مرحلة االنتقال من البلوغ إلى الرشد مرحلة تتميز سيكولوجيا بضعف أو غياب االستقرار حيث ال‬
‫يتوفر المراهق على شخصية قارة؛ فهو يتقمص ويقلد ويقلب النماذج والشخصيات إلى أن يعثر على الشخصية التي توافقه‬
‫وتستجيب للمواصفات التي يرغب فيها من حيث الشكل والسلوك والممارسة ‪.‬‬
‫مقاربة الضغوط واستراتيجيات المواجهة‪ :‬يواجه المراهق حسب هذه المقاربة نوعين من الضغوطات‪ :‬ضغوطات داخلية منبعثة‬ ‫•‬
‫من الذات؛ ناتجة عن ما يعرفه خالل هذه المرحلة من تغيرات وتحوالت‪ ،‬وضغوطات خارجية مرتبطة بما هو ثقافي‬
‫واجتماعي)األسرة‪ ،‬المدرسة‪ ،‬جماعة األقران‪ ،(...‬يحاول المراهق اال ستجابة لهذين النوعين من الضغوطات بمجموعة من‬
‫االستراتيجيات العضوية والنفسية والمعرفية واالجتماعية من أجل تجاوز قوة هذه الضغوطات‪ ،‬ويطورها في كل مرة بتطوير‬
‫آليات وأساليب مواجهتها وتجاوزها‪.‬‬
‫بناء على المقاربات العلمية السالفة الذكر يمكن القول أن المراهق يتميز نفسيا واجتماعيا بأربعة نواظم أساسية‪ ،‬تشكل في جوهرها أساسا‬
‫الندماجه االجتماعي‪ ،‬وتتمثل في كونه‪:‬‬

‫➢ كائن نمائي وجداني‪ :‬يتميز بمشاعر االرتباط والتعلق والمحبة واالنتماء‪.‬‬


‫➢ كائن نمائي معرفي‪ :‬يمتلك تكوينيا مصفاة معرفية وكفاءات ومؤهالت معرفية يستثمرها في استيعاب مكونات وسطه الخارجي‪.‬‬
‫➢ كائن نمائي اجتماعي‪ :‬يمتلك دينامية ذاتية متميزة للتفاعل والتواصل اإليجابي مع وسطه االجتماعي‪.‬‬
‫➢ كائن نمائي مشاريعي‪ :‬يعب ر من خالل أنشطته اإلنجازية وسيناريوهات أنشطته الترفيهية؛ عن نزعة ذاتية فيها الكثير من مواصفات‬
‫التصور والتوقع واالستشراف والمبادرة الذاتية‪.‬‬
‫بناء على ما سبق وبعيدا عن التصورات والتمثالت االجتماعية السلبية حول المراهق‪ ،‬يمكن القول أن المراهقة بما هي مرحلة بينية‬
‫انتقالية‪ ،‬ينتقل خاللها الفرد من مرحلة الطفولة في اتجاه مرحلة الرشد‪ ،‬تتميز نفسيا واجتماعيا بمواصفات الرغبة في إثبات الذات‬
‫واالستقالل والتدبير الذاتي‪ ،‬وبمشاعر االنتماء إلى جماعة األقران في مقابل المساءلة األسرية واالجتماعية والثقافية والهوياتية‪ ،‬وبالكثير من‬
‫مواقف الجرأة والحجاج والرغبة في تغيير معيارية الراسخ والسائد مجتمعيا‪ ،‬وفقا لقيم الحرية والمساواة والرغبة في التغيير واإلبداع‪.‬‬
‫كما تتميز مرحلة المراهقة نفسيا واجتماعيا ببزوغ مواصفات "مشروع الحياة المفضل" الشخصي واألسري والتأهيلي واالندماجي‪ ،‬إنها‬
‫مرحلة المشروع بامتياز نظرا لما يطبعها من دينامية خاصة على مستوى الطموح واالستشراف والقدرة على التصور والتوقع والتخطيط‬
‫والبرمجة‪ ،‬مما يعني أن شخصية المراهق هي في األصل ومن الناحية المبدئية شخصية إرادية فاعلة ومبادرة‪ ،‬تتميز بغنى روافدها‬
‫وبدينامية سماتها النفسية واالجتماعية‪.‬‬
‫لكن كل هذه السمات والمواصفات السيكولوجية اإليجابية الخاصة بالمراهقة وبنواظمها النفسية واالجتماعية؛ تبقى في حاجة‬
‫إلى وسط مجتمعي وثقافي‪ ،‬أسري وتربوي ومؤسساتي‪ ،‬يحتضنها ويتفهم حاجاتها وتطلعاتها‪ ،‬ويتعامل معها بشكل إيجابي‪ ،‬قائم على ثقافة‬
‫الحوار واإلنصات والتواصل الودي‪ ،‬بعيدا عن أشكال اإلقصاء والتهميش وعدم االعتراف‪ ،‬وهو ما يمكن أن يضمن لهذه الفئة اندماجا‬
‫اجتماعيا سليما‪ ،‬ويحميها من براثن الضياع واالنحراف بمختلف أنواعه‪.‬‬
‫العالقات االجتماعية وسيكولوجية االندماج‬
‫المحور الثالث‪ :‬التفاعل االجتماعي والعالقات بين الجماعات‬
‫عادة ما يتم استخدام مفهوم العالقات والتفاعالت استخداما مترادفا ومترابطا‪ ،‬بحيث يصعب استدعاء أحدهما دون استحضار اآلخر‪ ،‬لكن هذا ال‬
‫ينفي بأي حال من األحوال تمايزهما واختالفهما الدال لي والوظيفي‪ ،‬ذلك العالقة ما هي إال صلة بين شخصين أو أكثر‪ ،‬في حين أن التفاعل هو‬
‫التأثير المتبادل بينهما وما يمكن أن ينشأ عنه من تغيير‪ ،‬فليس ‪ -‬بالضرورة‪ -‬في كل العالقات االجتماعية يحدث تفاعل‪ ،‬بل يحدث في بعض‬
‫األحيان أن نصادف بعض النماذج من العالقات التي يغ يب فيها التفاعل‪ ،‬خاصة عندما ننظر للعالقات االجتماعية من مرجعية علم النفس‬
‫االجتماعي‪ .‬لكن وبالرغم من تمايزهما إال أن مفهوم التفاعل االجتماعي يشكل مدخال أساسيا لفهم العالقات االجتماعية‪ ،‬حيث أن حضور أو غياب‬
‫التفاعل يساعد على فهم طبيعة العالقة االجتماعية‪ ،‬مثلم ا أن تحديد نوع ومستويات التفاعل وأشكاله يساهم في تحديد نوع العالقة االجتماعية‬
‫ومستوياتها‪ .‬إذن ما داللة مفهوم التفاعل االجتماعي؟ وما داللة مفهوم الجماعة؟ وكيف تؤثر طبيعة ومستويات التفاعالت االجتماعية على أنواع‬
‫العالقات بين األفراد والجماعات؟‪...‬‬
‫التفاعل االجتماعي‪:‬‬
‫يحيل مفهوم التفاعل االجتماعي على مجموع العمليات المتبادلة بين طرفين اجتماعيين )فردين أوجماعتين‪ ،‬أوفرد وجماعة صغيرة أوكبيرة(‬
‫في سياق موقف أو وسط اجتماعي محدد‪ ،‬يكون فيه السلوك االجتماعي منبها أومثيرا لسلوكات وممارسات األطراف المتفاعلة‪ ،‬ويحدث هذا‬
‫التفاعل عبر وسائط معينة )لغة‪ ،‬أعمال‪ ،‬أشياء(‪ ،‬يتم عبرها تبادل رسائل صريحة أوضمنية ترتبط بهدف ما أوغاية محددة‪ ،‬إال أن عمليات‬
‫التفاعل تتخذ أشكاال ومظاهر مختلفة تؤدي إلى عالقات اجتماعية متنوعة ومختلفة ‪.‬‬
‫ال يمكن للتفاعل االجتماعي أن يتم إال في إطار موقف اجتماعي معين؛ يضم عناصر وأطراف العالقة التفاعلية والوسائط المادية أو غير‬
‫المادية‪ ،‬في مكان وزمان محددين‪ ،‬وبشكل عام وكما أكدت األبحاث والدراسات خاصة دراسة ورتشل و كوبر ‪، Cooper et Worchel‬فإن‬
‫عمليات التفاعل االجتماعي تمر بأربعة مراحل أساسية ‪:‬‬

‫مرحلة التعارف‪-‬التصنيف والتقدير‪:‬‬ ‫•‬


‫يتم خاللها نوع من االكتشاف المتبادل بين طرفي العالقة التفاعلية‪ ،‬يحاول كل طرف ترتيب العالقة بناء على تحديد وتصنيف سمات وصفات‬
‫شخصية الطرف المتفاعل من خالل استقراء ردود أفعال ه األولية‪ ،‬وعلى أساسها يحصل نوع من التقدير والتقييم لشكل العالقة الممكنة ولنوعية‬
‫وحدود األهداف الخاصة بكل منهما‪ ،‬إنها باختصار مرحلة جس النبض واالكتشاف والتقدير للنتائج ولمستوى العالقة بين الطرفين‪.‬‬

‫مرحلة التفاوض والمساومة‪:‬‬ ‫•‬


‫كل طرف يحاول التصريح بما يراهن عليه ويرغب فيه في إطار هذه العالقة الممكنة بينهما‪ ،‬مع التركيز بشكل أو بآخر على ما يثبت و يدعم‬
‫هذه العالقة ويشجع استمراريتها ويقوي مكتسباتها وأهدافها لكال الطرفين‪.‬‬

‫مرحلة التوافق واالتفاق وااللتزام‪:‬‬ ‫•‬


‫يتم خالل هذه المرحلة تدبير التفاوتات واالختالفات وفقا لنزعات توافقية غايتها تحقيق االتفاق واالنسجام بما يخدم المصالح الخاصة لكال‬
‫الطرفين‪ ،‬مع الحرص على تعزيز االلتزام بما تم التوافق واالتفاق عليه فيما بينهما‪.‬‬

‫مرحلة مؤسسة العالقة وتعزيزها واإلعالن عنها‪:‬‬ ‫•‬


‫بعد تحقيق االتفاق وااللتزام بتوصياته ومخرجاته تتأسس العالقة ومجاالت ومستويات التفاعل بين طرفيها‪ ،‬وتدخل في صيرورة تعزيز ودعم‬
‫المبادئ والسلوكات التي تقوي العالقة وتضمن نجاعتها وفعاليتها والحفاظ على استمراريتها بشكل منظم وواضح وهادف‪.‬‬
‫تعكس هذه المراحل مسار تطور العالقة التفاعلية وكيفية نموها وارتقائها في اتجاه تحقيق أهداف وغايات مشتركة تخص األطراف‬
‫المتفاعلة‪ ،‬لكن ال يمكن بأي حال من األحوال اعتبارها صيرورة ثابتة وميكانيكية بل هي عملية اجتماعية مركبة ومعقدة تتداخل فيها محددات‬
‫ذاتية وشروط موضوعية تؤثر في مساراتها وإيقاعاتها‪ ،‬فقد تعتريها صعوبات‪ ،‬وقد تعيقها مشاكل تحول دون تطورها‪ ،‬وقد توقفها في مرحلة‬
‫معينة دون أن تحقق األهداف المرجوة منها‪.‬‬
‫يمكن تناول مفهوم التفاعل االجتماعي من خالل االنفتاح على مجموعة من النظريات العلمية التي حاولت تفسيره باعتماد مفاهيم‬
‫ومقاربات متعددة ومختلفة‪ ،‬تعددها واختالفها يكشف الطبيعة المعقدة والمركبة للعالقات والتفاعالت االجتماعية‪ ،‬نذكر من هذه النظريات على‬
‫سبيل المثال ال الحصر‪:‬‬
‫نظرية سكينر ‪: Skinner‬‬

‫تفسر هذه النظرية التفاعل االجتماعي من خالل مفهومي المثير واالستجابةوما يرتبط بهما من عمليات التعزيز والتدعيم والتكرار‪ ،‬حيث أن‬
‫األفراد والجماعات يتلقون داخل محيطهم االجتماعي منبهات ومثيرات يستجيبون لها‪ ،‬مثلما تشكل سلوكاتهم وردود أفعالهم مثيرات لسلوكات و‬
‫ردود أفعال اآلخرين‪ ،‬في إطار نوع من تبادل وتفاعل المنبهات واالستجابات‪ .‬ومن هنا يميل األفراد والجماعات إلى تكرار وتعزيز االستجابات‬
‫التي تحقق لهم هدفا أو منفعة أو تلبي لهم حاجة معينة‪ ،‬مما يحفر وينشط عملية التفاعل االجتماعي فيما بينهم‪.‬‬
‫نظرية نيوكمب ‪: Newcomb‬‬

‫تقوم نظريته على مفهومي التشابه والتوازن‪ ،‬من خاللهما يفسر أساليب التفاعل االجتماعي ومستوياته ويحصرها في ثالثة مستويات‪:‬‬

‫‪- .1‬مستوى ينشأ فيه التفاعل على التشابه بين الطرف(أ) والطرف (ب) إزاء موضوع(ب)‪ ،‬ويؤدي إلى عالقات اجتماعية متوازنة‪.‬‬
‫‪- .2‬مستوى تتبادل فيه األطراف المتشابهة نوعا من التعزيز(الجزاء والمكافأة والثواب‪ )...‬وكل ما يقوي التفاعل فيما بينها‪ ،‬مما ينتج‬
‫عنه تجاذب وتوازن عالئقي ‪.‬‬
‫‪ - .3‬مستوى يؤدي فيه التشابه إلى توقع التجاذب الذي يسهل عملية التفاعل االجتماعي ويؤدي في غالب األحيان إلى عالقات اجتماعية‬
‫إيجابية ‪.‬‬
‫على هذا األساس يعتبر نيوكمب أن نمط العالقة المتوازنة يتحقق عندما تتشابه االتجاهات واآلراء تجاه شيء أو موقف أو شخص معين ‪،‬وأن‬
‫نمط العالقة المتوترة وغير المتوازنة ينشأ في حالة تضارب وتباين االتجاهات واألفكار بين طرفين حول موضوع معين‪ .‬إن التفاعل‬
‫االجتماعي القائم على مبدأي التشابه والتوازن هو ما يحقق حسب نيوكمب االندماج االجتماعي لألطراف المتفاعلة ‪.‬‬
‫نظرية بيلز ‪: Bales‬‬

‫ترتبط هذه النظرية بإستراتيجية حل المشكالت داخل الجماعة؛ وما يتطلبه األمر من تنظيم ومشاركة ومرونة وأشكال متدرجة من التفاعل‪ ،‬ذلك‬
‫أن العالقات التفاعلية وأنماط التفاعل تمر بمراحل تطور حددها بيلز في ‪ 6‬مراحل ‪:‬‬

‫‪- 1‬تحديد المشكلة والتعرف عليها ‪.‬‬

‫‪- 2‬طرح الحلول والبدائل‪.‬‬

‫‪ - 3‬المناقشة ومحاولة تأثير أعضاء المجموعة في بعضهم البعض‪.‬‬

‫‪- 4‬التوصل إلى قرار نهائي أو إنتاجات محددة ‪.‬‬

‫‪- 5‬مواجهة المشكالت الناشئة عن التفاعل ومحاولة التحكم فيها ‪.‬‬

‫‪- 6‬صيانة تكامل الجماعة وحفظ تماسكها‪.‬‬

‫من داخل هذه المراحل الستة يتطور حسب بيلز ‪ 12‬نمطا من التفاعل االجتماعي‪ ،‬يمكن حصرها في أربعة أنواع من التفاعل‪:‬‬

‫‪- 1‬التفاعل المحايد بطرح أسئلة‪.‬‬

‫‪- 2‬التفاعل المحايد بطرح أجوبة‪،‬‬

‫‪- 3‬التفاعل االنفعالي السلبي ‪.‬‬

‫‪- 4‬التفاعل االنفعالي اإليجابي‪.‬‬

‫تكشف نظريات التفاعل االجتماعي ع لى أن هذا األخير ليس عملية بسيطة وتلقائية بل هي صيرورة معقدة ومتداخلة‪ ،‬تتحكم في إيقاعاتها‬
‫ومستوياتها مجموعة من الشروط الموضوعية المرتبطة بالوسط االجتماعي وثقافته وقيمه ومعاييره‪...‬ومجموعة من المحددات الذاتية‬
‫المرتبطة بالذات المتفاعلة من حيث طبيعة شخصيتها و سماتها النفسية واالجتماعية‪ ،‬ومن حيث تمثالتها الخاصة للقيم والمعايير‪ ،‬ومن حيث‬
‫طبيعة حاجاتها ورغباتها الذاتية‪...‬وعلى هذا األساس ال يمكن فهم التفاعل االجتماعي إال باستحضار مختلف األبعاد والمستويات المشكل‬
‫والمحددة للوضع النفسي واالجتماعي لألفراد والجماعات‪.‬‬
‫العالقات بين الجماعات‪:‬‬

‫• مبدئيا يشير مفهوم الجماعة إلى مجموع السمات والصفات المشتركة نسبيا بين فئة اجتماعية‪ ،‬والتي يتفاعل أفرادها في إطار‬
‫وحدة من القيم و المعايير واالتجاهات ووحدة األهداف والرهانات‪ ،‬وما ينشأ عن هذا التفاعل من عالقات اجتماعية متبادلة‪ ،‬قد‬
‫تض يق لتكون عالقة بين فردين وتسمى جماعة ثنائية‪ ،‬وقد تتسع لتشمل ما يقرب من ثالثين فردا وتسمى جماعة صغيرة‪ ،‬وقد تمتد‬
‫ألكثر من ذلك وتسمى جماعة كبيرة‪.‬‬
‫• ينتمي الفرد‪-‬باعتباره فاعال اجتماعيا‪ -‬إلى جماعات متعددة ومختلفة‪ ،‬تتعدد وتختلف باختالف مراحل ومحطات صيرورته النمائية‪،‬‬
‫كما أن االنتماء لجماعة من الجماعات تتدخل فيه مجموعة من العوامل واألسباب الذاتية والموضوعية التي تؤثر في نوعية‬
‫الجماعة وفي أشكال بنائها واالن تماء إليها مثلما تؤثر في أهدافها وفي استمراريتها الزمنية‪ ،‬وهو ما يفرز أنواعا متعددة من‬
‫الجماعات نذكر منها على سبيل المثال‪ :‬الجماعات الصغيرة والجماعات الكبيرة‪ ،‬الجماعات العرقية أو اإلثنية أو المذهبية أو‬
‫الدينية الجماعات المهنية أوالسياسية أو النقابية أوالثقافية أوالعلمية‪ ،‬الجماعات المنغلقة والجماعات المنفتحة‪،‬الجماعات الثابتة‬
‫والجماعات المتغيرة‪ ،‬الجماعات الداخلية والجماعات الخارجية‪ ،‬الجماعات األولية والجماعات الثانوية‪ ،‬الجماعات الحرة والمقيدة ‪.‬‬
‫لكل نوع من الجماعات خصائصه النفسية واالجتماعية‪ ،‬مثلما لكل نوع منها ديناميته العالئقية واالرتباطية التي تتأثر بأهداف وقيم‬ ‫•‬
‫ومعايير الجماعة وبتركيبتها وأسباب وجودها‪ ،‬لكن تمايز أنواع الجماعات ال يلغي إمكانية تفاعلها أو انزياحها أو اختالطها لتشكل‬
‫مالمح جماعات أخرى‪ ،‬ما دام نشاط األفراد‪ ،‬وباعتبارهم فاعلين اجتماعيين‪ ،‬يجعلهم ينتمون في نفس الوقت لجماعات مختلفة‬
‫يتأثرون بها ويؤثرون فيها ‪.‬‬
‫مستويات التفاعل وأنواع العالقات بين الجماعات‪:‬‬

‫• إن الحديث عن التفاعل في العالقات بين الجماعات هو حديث عن تبادل التأثير والتأثر‪ ،‬بحيث كل طرف يؤثر في الطرف‬
‫اآلخر ويتأثر به‪ ،‬ليكون التباد ل بهذا المعنى أعلى أنواع التفاعل االجتماعي بين األفراد والجماعات‪.‬‬
‫• تتحدد العالقات بين األفراد والجماعات في مستويات متعددة ومختلفة وذلك تبعا لنوعية التبادل ولدرجة التأثير والتأثر بين‬
‫األطراف المتفاعلة‪ ،‬ويمكن تحديد هذه المستويات على الشكل التالي‪:‬‬
‫➢ المستوى األول‪:‬‬
‫• العالقات الالتبادلية‪ :‬ال وجود لتبادل مباشر بين األطراف وال وجود لتأثير أو تأثر مباشرين بينهما‪ ،‬بل هي عالقات غير‬
‫مباشرة يعتمد فيها على وسائط ودعامات قد تتخذ شكل بيانات أو صور أو أخبار‪...‬يتخذها كل طرف من أجل إصدار أحكام‬
‫على الطرف اآلخر دون أي لقاء أو مباشرة حقيقية أو فعلية بين الطرفين‪.‬‬
‫➢ المستوى الثاني‪:‬‬
‫• عالقات اتجاه التأثير الواحد‪ :‬ال وجود لتبادل مباشر بين األطراف‪ ،‬بل هي عالقات غير مباشرة‪ ،‬لكن يمارس أحد الطرفين‬
‫تأثيرا على الطرف اآلخر‪ ،‬بمعنى أن الطرف)أ( يؤثر في الطرف)ب( دون أن يؤثر الطرف)ب( في الطرف)أ(‪ ،‬وكمثال على‬
‫ذلك‪ :‬الذي يشاهد برنامجا تلفازيا يتأثر وينفعل بما يقدمه صاحب البرنامج لكن المشاهد ال يؤثر في مقدم البرنامج أو في‬
‫مادته اإلعالمية‪.‬‬
‫➢ المستوى الثالث‪:‬‬
‫• العالقات شبه التبادلية‪ :‬يكون فيها التبادل مباشرا بين الطرفين‪ ،‬لكنه تبادل مصطنع يتم تحديده واالتفاق عليه قبليا‪ ،‬فال‬
‫يكون التأثير والتأثر بينهما حقيقيا وواقعيا‪ ،‬ومثال ذلك ما يحدث في االستعراضات العسكرية بحيث كل طرف يسلك وفق‬
‫نظام دقيق‬
‫وصارم محدد قبليا ال يحق ألحد خرقه أو تجاوزه‪ ،‬وكذلك الشأن بالنسبة للمثلين ومن يؤدون أدورا على خشبة المسرح حيث تكون‬
‫العالقات والتبادالت محددة قبليا في السيناريو ‪.‬‬
‫➢ المستوى الرابع‪:‬‬
‫• العالقات المتوازية‪ :‬يكون فيها التبادل مباشرا بين الطرفين وحول موقف أو موضوع واحد‪ ،‬لكنه تبادل صوري ال يحدث‬
‫أي تأثير أو تأثر لدى الطرفين‪ ،‬بحيث كل طرف متمركز على ذاته‪ ،‬كأن يتحدث الطرف)أ( إلى الطرف)ب( دون أن ينصت‬
‫هذا األخير له‪ ،‬وكذلك أن يتحدث)ب( للطرف)أ( دون أن ينصت له هذا األخير ‪.‬‬
‫➢ المستوى الخامس‪:‬‬
‫• العالقات المتبادلة غير المتناسقة‪ :‬يكون فيها التبادل مباشرا وحقيقيا لكنه تبادلغير متناسق‪ ،‬بحيث تعتمد استجابات أحد‬
‫الطرفين على س لوك الطرف اآلخر دون أن تعتمد استجابات هذا األخير على سلوك الطرف األول‪ ،‬مثلما يحدث في بعض‬
‫الحاالت المتعلقة بعالقة الشيخ أو رجل الدين بأتباعه ومريديه‪ ،‬أو في خطابات الحاكم المستبد لجماهيره‪.‬‬
‫➢ المستوى السادس‪:‬‬
‫• العالقات التبادلية‪ :‬وهو المستوى الذي تصل فيه عالقات التفاعل إلى صورتها االجتماعية الصحيحة‪ ،‬حيث تتحقق التبادالت‬
‫الواقعية والحقيقية والمتوازنة‪ ،‬ويكون فيها التأثير والتأثر متبادال بين األطراف المتفاعلة‪.‬‬
‫ال يمكن بأي حال من األحوال اعتبار مستويات التفاعل وما تحيل عليه من أنماط من العالقات االجتماعية – كما تم تحديدها سلفا‪ ،-‬تصنيفات‬
‫نهائية ومطلقة يمكن تعميمها وتنزيلها بشكل ميكانيكي على الواقع االجتماعي لألفراد والجماعات‪ ،‬بل هي عناصر وآليات مساعدة على فهم‬
‫وتف سير األبعاد النفسية واالجتماعية للعالقات البشرية‪ ،‬التي ال زالت تحتاج مزيدا من البحث والدراسة‪ ،‬نظر للتعقيد والتركيب والتداخل الذي‬
‫يطبع مختلف أبعادها ومستوياتها‬
‫العالقات االجتماعية وسيكولوجية اإلدماج‬
‫المحور الخامس‪ :‬الثابت والمتغير في إدراك الذات وإدراك اآلخر‪.‬‬
‫إن المتأمل للوضع البشري خاصة في بعده االجتماعي والعالئقي‪ ،‬يدرك أن اإلنسان يتحدد "كذات" وكـ"آخر" في نفس اآلن؛ يتحدد‬
‫كذات من خالل ضمير المتكلم "أنا "‪ ،‬ويتحدد كآخر من خالل ضمير المخاطب "أنت"‪ ،‬بمعنى أن الذات تحضر سيكولوجيا كـ"أنا" بالنسبة لذاتها‪،‬‬
‫وتحضر سوسيولوجيا كـ"آخر" بالنسبة للغير‪ ،‬وهو ما يمكن أن يكشف عن الطبيعة المتداخلة لعملية إدراك الذات وإدراك اآلخر‪ ،‬بل تنطوي أيضا‬
‫على إدراك مزدوج؛ حيث أن عملية إ دراك الذات يمكن أن تتم من خالل عملية إدراك اآلخر مثلما أن عملية إدراك اآلخر يمكن أن تتم من خالل عملية‬
‫إدراك الذات‪ ،‬كل هذه العناصر وغيرها تكشف أن إدراك الذات واآلخر عملية نفسية اجتماعية معقدة ومتداخلة‪ ،‬تتحكم فيها مجموعة من الثوابت‬
‫والمتغيرات السيكولوجية وال سوسيولوجية‪ .‬إذن ما داللة مفهوم الذات ومفهوم اآلخر؟ وكيف تتم عملية إدراك الذات وإدراك اآلخر؟ وما عالقة إدراك‬
‫الذات بإدراك اآلخر؟ وما هي العوامل المؤثرة في عملية إدراك الذات وإدراك اآلخر؟‬
‫من مفهوم الذات إلى مفهوم اآلخر‪:‬‬
‫يكتسي مفهوم الذات ومفهوم اآلخر أهمية كبرى في مجموعة من التخصصات المعرفية والعلمية كالفلسفة وعلم النفس وعلم‬
‫االجتماع‪ ،‬وذلك بالنظر للقوة التفسيرية التي يتمتعان بها في إطار اآلخالظواهر اإلنسانية خاصة في بعدها الوجودي والنفسي واالجتماعي‪ ،‬وهو ما‬
‫يفسر تعدد و تنوع واختالف تعاريف هذين المفهومين من باحث إلى آخر ومن تخصص آلخر ‪.‬‬
‫مفهوم الذات‪:‬‬
‫من بين أشهر التعاريف الخاصة بمفهوم الذات نذكر‪:‬‬
‫الذات هي حصيلة التمثالت والتصورات التي يكونها الفرد عن نفسه‪ ،‬والتي تشكل في مجموعها كينونة األنا الناتجة عن صيرورة من التفاعل بين‬
‫محددات ذاتية وشروط موضوعية ‪.‬‬

‫الذات هي مركب من األفكار واألحاسيس التي تشكل وعي الفرد بوجوده وبأبعاد شخصيته الوجدانية والمعرفية والسلوكية‪.‬‬ ‫•‬
‫الذات هي نتاج التقويم الكلي الذي يقوم به الفرد لمظهره وأصوله وقدراته وإمكاناته واتجاهاته وانفعاالته‪ ،‬التي تشكل قوة موجهة له‬ ‫•‬
‫في مختلف سلوكاته‪.‬‬
‫الذات هي فكرة الشخص عن نفسه على ضوء أهدافه الخاصة ومن خالل عالقته بالوقع واآلخر ‪.‬‬ ‫•‬
‫الذات عبارة عن تكوين نفسي معرفي مكتسب ومنظم‪ ،‬يتميز بثبات نسبي وبتداخل عناصره ومكوناته‪ ،‬يُبنى في إطار تفاعل الفرد مع‬ ‫•‬
‫نفسه ومع بيئته االجتماعية‪.‬‬
‫من خالل التعاريف السابقة يتبين أن الذات هي حصيلة إدراك الفرد ألبعاده ومكوناته الوجدانية والمعرفية والسلوكية‪ ،‬وذلك في إطار عالقته‬
‫التفاعلية مع واقعه وعناصر بيئته االجتماعية‪ ،‬وهو ما يكشف على أن الذات عبارة عن بناء نفسي اجتماعي‪ ،‬يُينى ويكتسب من خالل التفاعل‬
‫الدينامي بين األنا ومختلف عناصر وبنيات عالمه الداخلي والخارجي‪.‬‬
‫مفهوم اآلخر‪:‬‬
‫يشير مفهوم اآلخر عامة إلى كل ما يوجد خارج الذات؛ سواء كان شيئا أو حيوانا أو غيرا‪ ،‬لكن عادة ما يستعمل مفهوم اآلخر للداللة على‬
‫اآلخرين من الناس‪ ،‬أي "األغيار"‪ ،‬ومن بين أشهر التعاريف التي قدمت لمفهوم اآلخر نذكر‪:‬‬

‫اآلخر هو الغير المشا به لألنا والمختلف عنها‪ ،‬يتحدد باعتباره ذاتا أخرى وليس شيئا أو موضوعا ‪.‬‬ ‫•‬
‫اآلخر هو األنا الذي ليس أنا‪ ،‬والذي ال يبرز إال في إطار اختالفه وتمايزه عن الذات‪ ،‬وقد يكون هذا اآلخر المختلف قريبا أو بعيدا‪.‬‬ ‫•‬
‫اآلخر هو بنية نفسية واجتماعية؛ تحيل على معاني التعدد واالخ تالف‪ ،‬قد يشكل بالنسبة للذات بنية غامضة غير واضحة المعالم‪ ،‬مثلما‬ ‫•‬
‫يمكن أن يشكل لها بنية واضحة ومنكشفة‪.‬‬
‫اآلخر يحيل على الضمير المجهول "هو" )الناس(‪ ،‬وهو صيغة عامة لإلشارة لتعدد "األنات‪"،‬أو إلى "أنا"جمعي بوجه عام‪.‬‬ ‫•‬
‫اآلخر هو كل بنية اجتماعية تلعب دور الوسيط في عملية إدراك الذات لذاتها وعالمها الداخلي والخارجي‪.‬‬ ‫•‬
‫على ضوء التعاريف السابقة يمكن القول أ ن مفهوم اآلخر عبارة عن بنية نفسية واجتماعية‪ ،‬توجد داخل الذات وخارجها‪ ،‬شبيهة بالذات‬
‫ومختلفة عنها‪ ،‬قريبة من الذات وبعيدة عنها‪ ،‬غريبة عن الذات ومألوفة بالنسبة لها‪ ،‬قد تساهم في إدراك الذات لذاتها وعالمها‪ ،‬مثلما قد تساهم في‬
‫تضليل الذات عن ذاتها وعالمها‪ ،‬قد تشك ل إغناء للذات ولشروط وعيها وإدراكها‪ ،‬مثلما قد تشكل تهديدا للذات وسلبا لوعيها وتشويها إلدراكاتها ‪...‬‬
‫من خالل دالالت ومعاني مفهومي "الذات" و"اآلخر"‪ ،‬يتبين أن بين المفهومين تداخل صميمي وجوهري‪ ،‬حيث من الصعب استدعاء‬
‫أحدهما دون استحضار اآلخر‪ ،‬إنهما ب نيتان نفسيتان واجتماعيتان متالزمتان دالليا ووظيفيا وبنائيا وإدراكيا‪.‬‬
‫من إدراك الذات إلى إدراك اآلخر ‪:‬‬
‫يمكن تعريف اإلدراك بأنه عملية حسية وعقلية يتم من خاللها التعرف على المحيط الخارجي‪ ،‬عن طريق االستقبال الحسي لمثيرات‬
‫العالم الخارجي‪ ،‬والتي يعمل النشاط العقلي على محاولة فهمها وتفسيرها وتأويلها حسب االتجاهات الذاتية للفرد‪ ،‬إنه عملية نفسية ومعرفية‬
‫وتنظيمية تهدف لمعرفة األشياء والموضوعات والقضايا من حيث شكلها وطبيعتها ومكوناتها وعالقاتها وكيفية حدوثها ‪...‬وبهذا فإن اإلدراك يعبر‬
‫عن قدرة الفر د على فهم وتفسير وتحديد هوية موضوع ما ‪ ،‬ومعرفة صورته الكلية وأجزائه المكونة‪ ،‬وتحديد أوجه تشابهه واختالفه مع‬
‫الموضوعات القريبة أو البعيدة منه‪.‬‬
‫لكن السؤال الذي يطرح نفسه هنا هو‪ :‬إذا كان من الممكن إدراك األشياء المادية والثابتة والقابلة للمالحظة‪ ،‬فإلى أي حد يمكن‬
‫إدراك الظاهرة اإلنسانية سواء كانت "ذاتا" أو"غيرا" خاصة وأنها ظاهرة مركبة ومعقدة وتتميز بالوعي والحرية والتغير‪...‬؟‬
‫إدراك الذات ‪:‬‬
‫يحيل مفهوم إدراك الذات على ذلك الوعي السيكولوجي" لألنا" بمختلف عناصر ومكونات عالمها الداخلي ‪ ،‬وبكل ما يحيل عليه ويرتبط به في‬
‫عالمها الخارجي‪ ،‬إنه وعي األنا بنفسها وبوحدتها وهويتها الذاتية الممتدة في الزمان والمكان‪ ،‬وهو ما يجعل من عملية إدراك الذات عملية معقدة‬
‫ومركبة يتداخل فيها ما هو معرفي بما هو نفسي بما هو اجتماعي ‪ ،‬لكن وبالرغم من ذلك يمكن رصد أهم معالم ومستويات سيرورة إدراك الذات‬
‫على النحو التالي ‪:‬‬

‫➢ المستوى األول؛ اإلدراك النفسي للذات‪:‬‬

‫يتم خالله إدراك األنا لمختلف العمليات الشعورية والواعية التي تقوم بها ذاتيا سواء على المستوى الوجداني أو المعرفي أو السلوكي‪ ،‬أنه شكل‬
‫من أشكال الوعي الذاتي بالحاالت النفسية وما يرتبط بها من أفعال وردود أفعال تخضع لتقييم ذاتي وشخصي وبمعزل عن أي تقييم للذات من‬
‫وجهة نظر اآلخر‪ ،‬وعلى هذا النحو يتحقق لدى الفرد إدراكا سيكولوجيا لذاته‪.‬‬
‫➢ المستوى الثاني؛ اإلدراك االجتماعي للذات‪:‬‬
‫يتم في هذا المستوى معرفة الذات وتقييمها لذاتها انطالقا من تفاعلها مع اآلخر في وضعيات اجتماعية مختلفة‪ ،‬حيث تدرك األنا ذاتها انطالقا من‬
‫إدراكها لتمثالت اآلخر عنها‪ ،‬أي أن اآلخر يشكل في هذه الحالة مرآة تنعكس عليها صورة الذات التي تدركها األنا ذاتيا لكن عبر وساطة الغير‪ ،‬هذا‬
‫وباإلضافة إلى أن إدراك الذات لبعض الخبرات كالخجل أو الحب مثال‪ ،‬أو لبعض قدراتها كالقدرة على التواصل والنقاش وتقبل االختالف‪ ،‬أو إدراكها‬
‫لبعض جوانب القوة والضعف في شخصيت ها‪ ،‬ال يتم إال في ظل وجودها التفاعلي مع اآلخر‪ ،‬ليكون إدراك الذات لذاتها في هذا المستوى إدراكا اجتماعيا‬
‫يبنى بشكل عالئقي وتفاعلي‪.‬‬
‫➢ المستوى الثالث؛ اإلدراك النفسي‪-‬االجتماعي للذات‪:‬‬
‫هو إدراك مزدوج للذات؛ يتم من خالل تضافر وتفاعل اإلدراكات الذاتية مع اإلدراكات االجتماعية للذات‪ ،‬حيث بالقدر الذي تعمل فيه األنا على بناء‬
‫إدراكها الذاتي تعمل في نفس اآلن على تعزيزه وتقويته أو على نقده أو تعديله بناء على إدراكها لذاتها اجتماعيا‪ ،‬مثلما تعمل في نفس الوقت على‬
‫بناء إدراكها االجتماعي للذات لكن في تفاعل مع إدراكاتها الخاصة والذاتية حول ذاتها‪ ،‬بمعنى أن إدراك الذات‬
‫لذاتها في هذا المستوى يتأسس على المقومات الذاتية لألنا من جهة وعلى التفاعل االجتماعي مع اآلخر من جهة أخرى‪ ،‬أي أن الذات تستطيع‬
‫إدراك ذاتها باعتمادها على وعيها وفهمها وخبراتها الخاصة والذاتية‪ ،‬لكن لكي ال يكون إدراكها لذاتها إدراكا ناقصا أو مشوها أو منغلقا أو‬
‫مضطربا‪ ،‬ينبغي لهذه الذات أن تقصد اآلخر وتنفتح عليه من أجل تطوير و إغناء إدراكها لذاتها دون الوقوع ضحية لألحكام النمطية والنماذج‬
‫والتصنيفات االجتماعية المسبقة والجاهزة ‪.‬‬
‫إن التمييز في عملية إدراك ال ذات بين هذه المستويات ال يعني أن هذه المستويات تتم بمعزل أو باستقاللية عن بعضها البعض‪ ،‬بل هي‬
‫مستويات متزامنة ومتداخلة مع بعضها البعض وتختلف أشكال عملها وحضورها من فرد إلى آخر ومن مرحلة عمرية إلى أخرى ومن ثقافة إلى‬
‫أخرى‪ ،‬وتتحكم في إيقاعاتها وديناميتها طبيعة وقوة المقومات الذاتية والشروط الموضوعية المتدخلة و المؤثرة فيها‪.‬‬
‫إدراك اآلخر ‪:‬‬
‫إذا كان وجود الذات هو وجود مع اآلخر‪ ،‬فإن السمة المميزة لوجوده االجتماعي هذا هي أنه وجود اجتماعي عالئقي وتفاعلي وتبادلي‪ ،‬يفترض‬
‫وجود عالقة معرفية بين الذات واآلخر‪ ،‬حيث أن كل تفاعل اجتماعي ال يستلزم فقط إدراك الذات لذاتها‪ ،‬بل يستلزم محاولة إدراك الذات لآلخر‪ ،‬ذلك‬
‫أن طبيعة وجودة التفاعالت والعالقات االجتماعية ومساراتها مشروطة بعملية إدراك الذات لذاتها من خالل اآلخر من جهة‪ ،‬وبعملية إدراك الذات‬
‫لآلخر من جهة أخرى‪ .‬إذن كيف تتم عملية إدراك الذات لآلخر؟ وما هي مقوماتها وآلياتها؟ وما هي حدودها؟‬
‫يمكن التمييز في عملية إدراك الذات بين المستويات التالية‪:‬‬

‫❖ المستوى األول؛ إدراك اآلخر عن طريق المماثلة ‪: analogie‬‬


‫• ي تم في هذا المستوى إسقاط التجارب والخبرات واإلدراكات الذاتية لألنا على الغير‪ ،‬بحيث تفترض الذات مثال أن ما تشعر به هو نفسه ما‬
‫يشعر به اآلخر‪ ،‬بمعنى أن الذات تعمل على المماثلة بين سلوكات اآلخر وسلوكاتها الذاتية‪ ،‬فيكون إدراك اآلخر في هذا المستوى إدراكا‬
‫ذاتيا يتم عبر وساطة إدراك الذات لذاتها‪.‬‬
‫❖ المستوى الثاني؛ إدراك اآلخر كوحدة ال تقبل التجزئة‪:‬‬
‫• تنظر الذات لآلخر في هذا المستوى كبنية واحدة غير قابلة لالختزال أو التجزئة(نفس‪/‬جسد‪ ،‬ظاهر‪/‬باطن)‪ ،‬أي كوحدة متكاملة تتطابق‬
‫عناصرها وتعكس بعضها البعض‪ ،‬حيث أن ما هو خارجي يعكس ما هو داخلي وباطني‪ ،‬وما هو سلوكي وعملي يعكس ما هو وجداني‬
‫ومعرفي‪.‬‬
‫❖ المستوى الثالث؛ إدراك اآلخر عبر التجارب المشتركة‪:‬‬
‫تدرك الذات اآلخر في هذا المستوى عبر وساطة العالم وتحديدا من خالل التجارب والخبرات المشتركة التي تمر بها الذات واآلخر‬ ‫•‬
‫باعتبارهما ينتميان إلى نفس العالم‪ ،‬بحيث تلعب المشاركة الوجدانية وأشكال التواصل والتعاطف والتوحد مع الغير دورا أساسيا في‬
‫عملية إدراك الذات لآلخر‪.‬‬
‫إن عملية إدراك الذات لآلخر ليست عملية بسيطة وتلقائية بل هي عملية معقدة وصعبة ومحفوفة بالصعوبات والعوائق‪ ،‬التي قد يكون‬
‫مصدرها الذات أو اآلخر أو البيئة االجتماعية‪ ،‬مما قد يؤثر سلبا على عملية إدراك الذات لآلخر سواء عبر هذه المستويات أو في مستويات أخرى‬
‫وهو ما يمكن أن يفسر مختلف الصراعات والنزاعات االجتماعية والعالئقية الناتجة في أحيان كثيرة عن أشكال من سوء الفهم واإلدراك المشوه‬
‫والمغلوط للذات واآلخر‪.‬‬
‫العوامل المؤثرة في إدراك الذات وإدراك اآلخر ‪:‬‬
‫إذا كان اإلدراك بشكل عام وباعتباره قدرة على معرفة وفهم وتمثل موضوع ما؛ يتأثر بمجموعة من العوامل يمكن حصرها في عوامل وراثية‬
‫وبيولوجية وعوامل نفسية وعوامل اجتماعية وعوامل ثقافية‪ . ..‬فإن عملية إدراك الذات وإدراك اآلخر بما هي عملية نفسية واجتماعية تتأثر بشكل‬
‫خاص بمجموعة من العوامل يمكن تصنيفها إلى عوامل ذاتية وأخرى موضوعية ‪:‬‬
‫العوامل الذاتية ‪:‬‬
‫ترتبط بشخصية الفرد وطبيعة خبراته وتجاربه الذاتية‪ ،‬وبالكيفية التي يتصور ويتمثل بها ذاته واآلخر‪ ،‬كما ترتبط بطبيعة استعداداته الوجدانية‬
‫والمعرفية‪ ،‬وبمختلف الحاالت النفسية المرتبطة بميوالت الفرد ورغباته‪ ،‬مثلما ترتبط أيضا بالطريقة التي يتمثل بها ثقافته وعناصر هويته‬
‫الذاتية وبطبيعة تفاعالته وعالقاته االجتماعية مستويات اندماجه االجتماعي‪...‬إنها تت علق عامة بأشكال التفاعل واالنتظام الذاتي للفرد مع مختلف‬
‫عناصر ومكونات عالمه الداخلي والخارجي‪.‬‬
‫العوامل الموضوعية ‪:‬‬
‫تخص مختلف العناصر والمحددات التي تقع خارج إطار إرادة الفرد‪ ،‬أي مجموع الشروط التي تحصر الذات وتحددها في مختلف أبعادها‬
‫ومستوياتها الوجدانية والمعرفية والسلوكية‪ ،‬ونقصد هنا تحديدا المحددات الوراثية والبيولوجية ومختلف الشروط المرتبطة بالبيئة االجتماعية‬
‫والثقافية وبأشكال التربية وأنماط التنشئة االجتماعية التي يخضع لها الفرد باعتباره كائنا بيو ثقافي ا ال ينفصل عن الشرط الطبيعي والثقافي‪.‬‬
‫مثلما ت رتبط هذه العوامل أيضا بمنظومة التفاعالت والعالقات االجتماعية السائدة داخل مختلف بنيات المجتمع سواء كانت ثقافية أو اجتماعية أو‬
‫اقتصادية أو سياسية‪...‬‬
‫إن تأثير العوامل الموضوعية في عملية إدراك الذات وإدراك اآلخر ليس تأثيرا ميكانيكيا‪ ،‬بدليل أن األفراد يختلفون في طبيعة ومستويات‬
‫إدراكهم وتفاعلهم مع نفس الشروط والمحددات الموضوعية التي يخضعون لها‪ ،‬األمر الذي يجعل من عملية اإلدراك بشكل عام ومن عملية إدراك‬
‫الذات واآلخر عملية مركبة ومعقدة ومتداخلة األبعاد والمستويات‪ ،‬يتداخل ويتفاعل فيها ما هو ذاتي بما هو موضوعي‪ ،‬وما هو نفسي بما هو‬
‫اجتماعي‪ ،‬وما هو بيولوجي بما هو ثقافي‪ ،‬وما هو وجداني بما هو معرفي‪ ،‬وما هو فردي بما هو عالئقي‪...‬‬
‫خالصة عامة‪:‬‬

‫أن اإلنسان بما هو كائن اجتماعي يستند في عالقاته وتفاعالته االجتماعية على تصورات ذات طبيعة جمعية؛ يرتكز عليها في فهمه‬ ‫•‬
‫وتعاطيه مع ذاته ومع اآلخرين وفي بناء مختلف صالته وعالقاته االجتماعية‪ ،‬ذلك أن طبيعة انتظام العناصر والمكونات الجمعية في‬
‫شخصية األفراد والجماعات هو ما يؤثر على نحو مباشر أو غير مباشر على طبيعة وبنية العالقات االجتماعية وعلى أشكال و ديناميات‬
‫االندماج والتكيف االجتماعي‪.‬‬
‫أن من أكثر المحطات تأثيرا في صيرورة االندماج االجتماعي لألفراد والجماعات وطبيعة عالقتها وتفاعالتها االجتماعية نجد المرحلة‬ ‫•‬
‫االنتقالية من الطفولة إلى المراهقة‪ ،‬وذلك بالنظر لطبيعة التحوالت والتغيرات التي تعرفها‪ ،‬وبالنظر لكثافة وغنى متغيراتها وتداخل‬
‫وتشابك العوامل المتدخلة فيها‪.‬‬
‫أن مفهوم التفاعل االجتماعي يشكل مدخال أساسيا لفهم العالقات االجتماعية‪ ،‬حيث أن حضور أو غياب التفاعل يساعد على فهم طبيعة‬ ‫•‬
‫العالقة االجتماعية‪ ،‬مثلما أن تحديد نوع ومستويات التفاعل وأشكاله يساهم في تحديد نوع العالقة االجتماعية ومستويات جودتها ‪.‬‬
‫أن النزاعات االجتماعية تعبر في جوهرها عن عجز األطراف المتنازعة عن االتفاق حول أمر معين‪ ،‬وغياب اإلجماع فيما بينهم حول‬ ‫•‬
‫المبادئ أو األهداف والغايات‪ ،‬وغياب التوافق بينهم ودخولهم في حاالت من التصادم الخفي أو الظاهري‪ ،‬إنه سلوك نفسي واجتماعي‬
‫يحدث نتيجة التعارض والتضارب حول موضوع مادي أو رمزي‪ ،‬يقود إلى نوع من الخالف والذي قد يتطور إلى أشكال من الصراع‪.‬‬
‫أن "الذات" هي حصيلة إدراك الفرد ألبعاده ومكوناته الوجدانية والمعرفية والسلوكية‪ ،‬وذلك في إطار عالقته التفاعلية مع واقعه‬ ‫•‬
‫وعناصر بيئته االجتماعية‪ ،‬فهي عبارة عن بناء نفسي اجتماعي ‪،‬يبن ى ويُكتسب من خالل التفاعل الدينامي بين األنا ومختلف عناصر‬
‫وبنيات عالمه الداخلي والخارجي ‪.‬‬
‫أن" اآلخر" عبارة عن بنية نفسية واجتماعية‪ ،‬توجد داخل الذات وخارجها‪ ،‬شبيهة بها ومختلفة عنها‪ ،‬قريبة منها وبعيدة عنها‪ ،‬غريبة‬ ‫•‬
‫عنها ومألوفة بالنسبة لها‪ ،‬قد تساهم في إدراك الذات لذاتها وعالمها‪ ،‬مثلما قد تساهم في تضليل الذات عن ذاتها وعالمها‪ ،‬قد تشكل‬
‫إغناء لل ذات ولشروط وعيها وإدراكها‪ ،‬مثلما قد تشكل تهديدا لها وسلبا لوعيها وتشويها إلدراكاتها‪.‬‬
‫أن عملية إدراك الذات وعملية إدراك اآلخر ليستا عمليتان منفصلتين بل هما عمليتان متداخلتان ومتزامنتان‪ ،‬من الصعب تصور حدوث‬ ‫•‬
‫إحداهما بمعزل عن األخرى‪.‬‬
‫أن عملية إدراك الذات وإدر اك اآلخر ليست عملية بسيطة وتلقائية بل هي عملية معقدة وصعبة؛ تؤثر فيهما مجموعة من العوامل الذاتية‬ ‫•‬
‫والموضوعية المتداخلة‪ ،‬وتظل محفوفة بالصعوبات والعوائق‪ ،‬التي قد يكون مصدرها الذات أو اآلخر أو البيئة االجتماعية‪ ، ،‬مما قد يؤثر‬
‫سلبا على هذه العملية في مختلف مستو ياتها‪ ،‬وهو ما يمكن أن يفسر مختلف الصراعات والنزاعات االجتماعية والعالئقية الناتجة في‬
‫أحيان كثيرة عن أشكال من سوء الفهم واإلدراك المشوه والمغلوط للذات واآلخر‪.‬‬
‫كللاللتقديرلولاللشكرلجملموعةللخنب لةلع للللاللنفسلع ل‬
‫لللاملساعدلةلل لفلحتريرلالمللادلة‬ ‫ل‬
‫منللاعدا لدلالطالب‪:‬لحلامتلالرخا لم‬

You might also like