Professional Documents
Culture Documents
العلاقات الاجتماعية وسيكو... - حاتم
العلاقات الاجتماعية وسيكو... - حاتم
-تكامل األنا.
بناء على هذه العناصر ،تتميز الهوية بكونها تلعب دورا اندماجيا في الوسط االجتماعي ،باإلضافة إلى وظيفة التكوين والبناء للفرد في
منظوم ة سوسيوثقافية محددة .
التصور النفسي-االجتماعي للهوية:
يعتبر فيشر أن الهوية تعبر عن ذلك التركيب والتفصل بين ما هو سيكولوجي واجتماعي على المستوى الفردي ،باعتبارها حصيلة
التفاعالت المعقدة بين الفرد واآلخرين والمجتمع ،إنها تحديدا ذلك الوعي االجتماعي الذي يكونه الفرد أو الفاعل االجتماعي عن نفسه
وعن موضوعات وأشياء العالم المحيط به ،في إطار عالئقي خالل سيرورة تنشئته االجتماعية يلعب الشعور بالهوية التي يكتسبها الفرد
خالل نموه النفسي واالجتماعي دورا حيويا في تحديد وتوجيه حوافزه ومواقفه وتفاعالته وكذلك تصوراته وتمثالته ،التي تشتغل كأنظمة
ضابطة للسلوكات والممارسات ومتحكمة فيها ،فمجرد تحقق هذا الشعور بالهوية تتحقق الوساطة بين الشخص ومحيطه الثقافي
واالجتماعي ،ويصير مؤهال التخاذ مواقف وردود أفعال من مختلف الموضوعات والقضايا .تكمن أهمية التصور النفسي االجتماعي للهوية
في كونه يقدم فهما متكامال لمفهوم الهوية باعتبارها نتاج تفاعل بين محددات نفسية ذاتية وشروط اجتماعية موضوعية ،بعيدا عن أي شكل
من أشكال االختزال والتعاطي األحادي الذي يمكن أن تسقط فيه بعض المقاربات السوسيولوجية أو بعض المقاربات السيكولوجية ،خاصة
وأن الفرد في ظل المجتمعات الحديثة يعيش اجتماعيا وثقافيا في ظل مرجعيات وإيديولوجيات متعددة ومختلفة ومتضاربة ومتصارعة ،مما
يمكن أن يولد لديه مشاعر التيه والحيرة والقلق ،ويفرض عليه حسم اختياراته الثقافية واإليديولوجية ،والتي على أساسها يتبنى معايير
واتجاهات وسلوكات،وهو ما يبرز أهمية
المحددات والمقومات الذاتية والقصدية للفرد ) اإلدراك ،الفهم ،التحليل ،المقارنة ،القدرة على التجاوز (...في سيرورة بناء هويته
الشخصية والثقافية بهذا المعنى تصبح الهوية الثقافية وفقا للمنظور النفسي االجتماعي سببا ونتيجة في نفس اآلن؛ سببا لكونها تشكل وعيا
فرديا يوجه السلوكات والممارسات ويحدد االختيارات والتوجهات الفردية ،ونتيجة لكونها حصيلة تفاعالت اجتماعية
وثقافية وتنشئوية .فالهوية من هذه الزاوية تتجاوز أي فهم سيكولوجي أو سوسيولوجي ضيق ومختزل ،لتصير مجاال داخليا/ذاتيا ووسيلة
لفهم الكيفية التي يُكون ويبني بها الفرد هويته االجتماعية والثقافية.
مراجع أساسية إلغناء البحث وتعميق الفهم:
-أحمد زايد ،سيكولوجية العالقات بين الجماعات ،سلسلة كتب عالم المعرفة ،العدد .326
-مصطفى حدية ،التنشئة االجتماعية والهوية ،دراسة نفسية اجتماعية ،ترجمة محمد الشيخ،منشورات كلية اآلداب والعلوم
اإلنسانية ،الرباط . 1996،
وظيفة المعرفة :اكتساب المعارف وإدماجها بهدف استيعاب الواقع وتفسيره والتفاعل معه. •
وظيفة الهوية :تعزيز مشاعر االنتماء للهوية االجتماعية بهدف الحفاظ على صورة إيجابية للذات والجماعة. •
وظيفة التوجيه :توجه اختيارات الفرد وسلوكاته وتساهم في تحديد ما هو مقبول وما ليس في وضعية اجتماعية محددة . •
وظيفة التبرير :تبرير المواقف والسلوكات المتبناة تجاه الشركاء االجتماعيين أو تجاه أفراد الجماعات المنافسة. •
تتيح التمثالت االجتماعية لألفراد والجماعات إمكانية ال تنظيم الدال والمتوازن للواقع ،وبالتالي إمكانية التكيف واالندماج عن طريق تنظيم
وترتيب إدراكهم وتوجيه تصرفاتهم داخل محيطهم بما يحقق بناء عالقات اجتماعية وتواصلية فيما بينهم.
األفكار النمطية:
في سياق واقع اجتماعي متغير ومعقد ،وفي ظل كثرة الوقائع واألحدا ث االجتماعية وكثافتها ،وأمام عجز األفراد والجماعات عن إدراكها
والتعاطي معها ،تبرز الحاجة إلى إعادة بناء الواقع االجتماعي في نماذج بسيطة من أجل التعامل مع أحداثه ووقائعه ،بحيث تشكل األفكار
النمطية إحدى الميكانيزمات المبسطة التي يستخدمها األفراد والجماعات لل تعامل مع وقائع وتعقيدات العالم االجتماعي ،وذلك بهدف جعل
هذا األخير معطى طيعا وسهال يستجيب لحاجاتهم النفسية واالجتماعية.
مفهوم األفكار النمطية:
يعرف مجموعة من علماء النفس االجتماعي األفكار النمطية بأنها مختلف الصور والمعتقدات المبسطة حول اآلخرين؛ أفرادا وجماعات ،وتتكون من
مجموعة من السمات والخصائص )إيجابية أو سلبية(التي تميز جماعات معينة ،ذلك أن الوعي ببعض السمات والخصائص فقط يقود إلى تكوين أفكار
نمطية معينة عن الجماعات ،وفي هذا اإلطار يقول ألبورت : " Allportإذا حصل الناس على مجموعة من الحقائق الضئيلة فإنهم يندفعون إلى تكوين
تعميمات كبيرة " ،وعن طريق هذه التعميمات يحاول األفراد إصدار أحكام حول كيفية تصرف أعضاء جماعة معينة إزاء مواقف وموضوعات معينة.
يؤكد هودرسل Hothersallأن األفكار النمطية عبارة عن "تصور يتسم بالتصلب والتبسيط المفرط عن جماعة محددة ،يتحقق فيضوئه
وصف وتصنيف األفراد الذين ينتمون لهذه الجماعة بناء على مجموعة من الخصائص المميزة لها" ،بحيث تتحول هذه الخصائص إلى
تعميمات مفرطة والتي قد تكون في األساس مجرد خصائص ترتبط بفرد واحد أو بمجموعة قليلة من األفراد ،لكن يتم تعميمها -عن قصد أو
بغير قصد -على المجموعة بكاملها .وبهذا يمكن القول أن األفكار النمطية عبارة عن صور عقلية مفرطة في التبسيط والتعميم ،تتكون عن
بعض الفئات أو المؤسسات أو األحداث اال جتماعية ،والتي يساهم في بناء مالمحها األساسية عدد من الناس .لكن السؤال الذي يطرح نفسه
هو ما مصدر األفكار النمطية؟
أسس ومصادر األفكار النمطية:
يمكن تصنيف مصادر األفكار النمطية إلى ما يلي:
أن األفكار النمطية تصدر وتنقل من خالل مؤسسات التنشئة االجتماعية :األسرة ،المدرسة ،وسائل اإلعالم ،وسائل االتصال •
والتواصل...
أن األفكار النمطية تصدر وتشتق على نحو ما من بعض جوانب "الحقيقة االجتماعية" ،وهذا ال يعني أن أي فكر نمطي عن •
جماعة خارجية يشكل في بعض جوانبه حقيقة موضوعية مطلقة ،لكن األرجح أن نماذج سلوك الجماعة المختلفة ثقافيا أو
الظروف االجتماعية واالقتصادية الخاصة بها قد تقدم "نواة" أو جزءا من الحقيقة ،عن طريقها قد تنمو وتزدهر أفكار نمطية
معينة.
أن األفكار النمطية تصدر عن التصنيفات االجتماعية ،حيث أن تصنيف األفراد والجماعات بحسب تشابها أو تمايزها يسقط في •
تعميمات مفرطة ومبسطة ،تنتهي إلى صور وأفكار نمطية.
تأثيرات األفكار النمطية:
على الرغم من أن األفكار النمطية تعكس الطبيعة الجمعية لإلنسان باعتباره كائنا اجتماعيا؛ إال أن لها تأثيرات سلبية على جودة الحياة
والعالقات االجتماعية ،تأثيرات يمكن تحديدها على سبيل المثال ال الحصر فيما يلي :
اإلفراط في رصد االختالفات والتمايزات بين الجماعات ،مما قد يخلق هوة اجتماعية تفصل بين األفراد والجماعات، •
ويقلل من سبل االنسجام واالندماج االجتماعي ،فعوض التركيز على المشترك اإلنساني ووحدة المصير تؤدي األفكار
النمطية القائمة على رصد مفرط لالختالفات ،إلى تفتيت الجماعات إلى وحدات ذرية صغرى يطبعها االعتداد المرضي
بالذات في مقابل تبخيس واحتقار اآلخر ،مما يمكن أن يولد أشكاال من الصراع واالصطدام والتعصب والتمييز
السلبي.
تحريف وتشويه الواقع ،كأن نحكم بشكل نمطي على أن الفرد الذي ينتمي لطبقة اجتماعية غنية يتميز بأخالق •
حسنة ،في حين أن الذي ينتمي لطبقة فقيرة يتميز بأخالق سيئة.
تبرير السلوكات العدوانية والتعسفية في حق األفراد والجماعات ،حيث من الممكن أن تترجم األفكار النمطية إلى •
ممارسات تعسفية ،فمثال الفكر النمطي الذي كان ينظر للسود بأنهم أقل ذكاء من البيض ،حرم السود من حقوقهم
األساسية لفترات طويلة من الزمن.
التقليل المفرط من االختالفات والتمايزات داخل الجماعة ،حيث أن األفكار النمطية تفترض أن الجماعات الكبيرة من •
األفراد كلها متشابهة ،وهو ما من شأنه إهمال التمايزات واالختالفات الفردية ،وقولبة األفراد والجماعات في
تعميمات قاتلة لالختالف والتمايز.
بروز أشكال من االنغالق والتعصب والتمييز االجتماعي والثقافي السلبي ،مما يؤثر سلبا على جودة العالقات •
االجتماعية وعلى سبل االندماج السليم لألفراد والجماعات داخل المجتمع .
جوردن ألبورت:
عالم نفس أمريكي .كان ألبورت من أوائل علماء النفس الذين اهتموا بدراسة الشخصية ،ممن وضعوا أساس علم نفس الشخصية.
سيرجي موسكوفيتشي:
عالم نفس اجتماعي ،مؤرخ علوم فرنسي من أصل روماني وأحد المنظرين الرئيسيين لعلم البيئة السياسية
النظرية البيولوجية :تولي أهمية كبيرة للنمو البيولوجي وتعتبره عامال أساسيا في عملية نمو الفرد وارتقائه ،بحيث ترى أن أي •
نمو عقلي أو نفسي أو سلوكي إال ويجد أساسه في محددات بيولوجية ،بمعنى أن نمو الطفل يتم بالتوازي مع نموه ونضجه
البيولوجي ،أي أن مختلف السلوكا ت تنمو وتتطور وفق تسلسل قار يعكس طبيعة البرمجة البيولوجية الداخلية الموروثة والمميزة
للنوع البشري.
النظرية السلوكية :ال تنفي دور النضج البيولوجي في عملية نمو الطفل ،إال أنها تولي أهمية أكبر للشروط والمحددات الخارجية •
المرتبطة بالمحيط االجتماعي وما يوفره من مثيرات تعزز أوتحبط السيرورة النمائية للطفل.
نظرية التحليل النفسي :تمنح أهمية كبرى للعامل الوجداني وتؤكد على أن إمكانيات النمو التي يحدثها النضج البيولوجي للطفل ال •
يمكن أن تتحقق إال في ظل تفاعله مع المحيط األسري واالجتماعي في إطار عالقات بينشخصية ، Interpersonnelleتبنى من
خاللها شخصية الفرد وتنمو على أساس نضجها البيولوجي وطبيعة التأثيرات التربوية واالجتماعية الخارجية .وتقسم هذه النظرية
مراحل نمو الفرد إلى ما يلي:
➢ المرحلة الفمية ( ،oral Stadeالثقة/عدم الثقة)
➢ المرحلة الشرجية (،anal Stadeاالطمئنان والتلقائية/القلق والخجل)
➢ المرحلة القضيبية (،phallique Stadeالمبادرة والتعبير عن المشاعر /الخوف والشعور بالذنب)
➢ مرحلة الكمون (،latence de Stadeاإلنتاجية واإلحساس بالذات /اإلحساس بالدونية)
➢ المرحلة التناسلية ( ،génital Stadeالفاعلية ،االندماج ،الخصوبة /فقدان الدور،االنطواء ،اليأس)
• النظرية البنائية :بدل النمو الوجداني؛ تركز هذه النظرية على النمو المعرفي للطفل في عالقته بالنضج العضوي وبالخبرات
والتجارب الشخصية التي يبنيها ويطورها ذاتيا عبر تفاعله مع وسطه االجتماعي ذلك أن البنية المعرفية للفرد تنمو بالتدرج من
خالل تنظيمه وإعادة تنظيمه لخطاطاته المعرفية بحثا عن التوازن ،وتقسم هذه النظرية النمو المعرفي من الطفولة المبكرة إلى
المراهقة ،إلى أربعة مراحل :
➢ moteur- sensori Stadeالمرحلة الحسية الحركية préopératoire Stadeمرحلة ما قبل العمليات
➢ مرحلة العمليات المحسوسة والمادية concret opératoire Stade
➢ مرحلة العمليات الصورية المجردة formel opératoire Stade
• النظرية السوسيوبنائية :تولي هذه النظرية أهمية كبيرة للسياق االجتماعي في صيرورة النمو ،حيث يتحقق نمو الفرد انطالقا من
تفاعله مع ما يوفره له محيطه من إمكانيات ودعامات وعالقات ،تعتمد على التواصل والتعاون من أجل تحقيق المكتسبات
والتعلمات واستدماجها في بنيته الداخلية ،وهو ما يساعده على تحقيق النمو واالرتقاء باعتباره نتيجة لحركة تنطلق مما هو
اجتماعي في اتجاه ما هو فردي.
بالرغم من األهمية العلمية للنظريات السالفة الذكر ،إال أنها تفتقر للنظرة الكلية والشمولية لمسألة النمو؛ والتي تعاطت معها بنوع من
االختزالية والتجزيء ،بحيث ركزت كل ن ظرية على جانب أوعامل من عوامل النمو وأغفلت الجوانب والعوامل األخرى وفي أقصى الحاالت
منحت بعضها دورا ثانويا ،لكن ومن أجل فهم النمو واالرتقاء من الطفولة إلى المراهقة البد من استحضار هذه النظريات مجتمعة دون أي
إقصاء ألي مكون من المكونات أو ألي عامل من العوامل ،ألن النمو عملية مركبة ومتداخلة يتفاعل فيها ما هو بيولوجي مع ما هو
وجداني مع ما هو معرفي مع ما هو سلوكي ،وكل هذا يحدث ضمن سياقات وتفاعالت مع المحيط االجتماعي ،ويتم بكيفية تتراوح بين
التدرج في االنتقال من مرحلة إلى أخرى وبين األزمة والصراع بين مرحلتين .
المراهقة واالندماج االجتماعي:
تكتسي المراهقة كمرحلة أهمية كبرى في الصيرورة النمائية للفرد ،نظرا لما يترتب عنها من تغيرات على مستوى شخصيته في مختلف
مكوناتها الوجدانية والمعرفية والسلوكية ،ولما يترتب عنها من نتائج حاسمة على صعيد اندماجه االجتماعي .فالمراهقة بما هي مرحلة
انتقالية تفصل بين مرحلة الطفولة ومرحلة الرشد ،وبما هي شكل من أشكال االنتقال من التبعية واالرتباط باألبوين أو من يقوم
مقامهما،إلى البحث المتدرج عن نوع من االستقالل الذاتي ،إال أنه يصعب الحسم وتحديد متى تبدأ ومتى تنتهي ،نظرا الختالف صيرورة
النمو
البيولوجي والنفسي واالجتماعي الخاصة باألفراد من جهة ،واختالف المجتمعات والثقافات وأشكال التربية والتنشئة االجتماعية من جهة
أخرى.
بالرغم من تعدد الدراسات واألبحاث التي تناولت موضوع المراهقة ،إال أنه يمكن تركيزها في أربع مقاربات علمية أساسية ،تختلف من
حيث تصورها للمراهقة وللعوامل والمتغيرات المرتبطة بها ،وهي كاآلتي:
المقاربة التقليدية :تعتبر هذه المقاربة أن المراهقة هي انعكاس للتغيرات العضوية والفيزيولوجية التي تطال البنية الجسمية •
للمراهق ،والتي بسببها يمر بما تسميه هذه المقاربة بـ"أزمة المراهقة" ،حيث تؤثر مجموع التغيرات العضوية على توازناته
النفسية واالجتماعية ،مما يجعله يواجه جملة من الصعوبات ويعيش حاالت من الصراع والتوتر على مستوى شخصيته
واندماجه االجتماعي.
المقاربة األنثروبولوجية االجتماعية :عملت هذه المقاربة على نقد طرح المقاربة التقليدية ،مستندة في ذلك على نتائج مجموعة •
من الدراسات والبحوث األنثروبولوجية التي أجريت على مجموعات موسعة من القبائل البدائية ،والتي ثبت من خاللها أن
المراهقين بهذه القبائل ال يمرون بأي أزمة ،مما يدل على أن مشكلة المراهقة ال ترجع إلى التغيرات العضوية التي يمر بها
المراهق ،وإنما ترجع باألساس إلى ثقافة المجتمع وثمتالته حول المراهقة والمراهقين .
المقاربة الدينامية :تنظر هذه المقاربة للمراهق والمراهقة من زاوية ما يسمى بمحاولة تأكيد الذات والبحث عن الهوية •
واألدوار ،على اعتبار أن مرحلة االنتقال من البلوغ إلى الرشد مرحلة تتميز سيكولوجيا بضعف أو غياب االستقرار حيث ال
يتوفر المراهق على شخصية قارة؛ فهو يتقمص ويقلد ويقلب النماذج والشخصيات إلى أن يعثر على الشخصية التي توافقه
وتستجيب للمواصفات التي يرغب فيها من حيث الشكل والسلوك والممارسة .
مقاربة الضغوط واستراتيجيات المواجهة :يواجه المراهق حسب هذه المقاربة نوعين من الضغوطات :ضغوطات داخلية منبعثة •
من الذات؛ ناتجة عن ما يعرفه خالل هذه المرحلة من تغيرات وتحوالت ،وضغوطات خارجية مرتبطة بما هو ثقافي
واجتماعي)األسرة ،المدرسة ،جماعة األقران ،(...يحاول المراهق اال ستجابة لهذين النوعين من الضغوطات بمجموعة من
االستراتيجيات العضوية والنفسية والمعرفية واالجتماعية من أجل تجاوز قوة هذه الضغوطات ،ويطورها في كل مرة بتطوير
آليات وأساليب مواجهتها وتجاوزها.
بناء على المقاربات العلمية السالفة الذكر يمكن القول أن المراهق يتميز نفسيا واجتماعيا بأربعة نواظم أساسية ،تشكل في جوهرها أساسا
الندماجه االجتماعي ،وتتمثل في كونه:
تفسر هذه النظرية التفاعل االجتماعي من خالل مفهومي المثير واالستجابةوما يرتبط بهما من عمليات التعزيز والتدعيم والتكرار ،حيث أن
األفراد والجماعات يتلقون داخل محيطهم االجتماعي منبهات ومثيرات يستجيبون لها ،مثلما تشكل سلوكاتهم وردود أفعالهم مثيرات لسلوكات و
ردود أفعال اآلخرين ،في إطار نوع من تبادل وتفاعل المنبهات واالستجابات .ومن هنا يميل األفراد والجماعات إلى تكرار وتعزيز االستجابات
التي تحقق لهم هدفا أو منفعة أو تلبي لهم حاجة معينة ،مما يحفر وينشط عملية التفاعل االجتماعي فيما بينهم.
نظرية نيوكمب : Newcomb
تقوم نظريته على مفهومي التشابه والتوازن ،من خاللهما يفسر أساليب التفاعل االجتماعي ومستوياته ويحصرها في ثالثة مستويات:
- .1مستوى ينشأ فيه التفاعل على التشابه بين الطرف(أ) والطرف (ب) إزاء موضوع(ب) ،ويؤدي إلى عالقات اجتماعية متوازنة.
- .2مستوى تتبادل فيه األطراف المتشابهة نوعا من التعزيز(الجزاء والمكافأة والثواب )...وكل ما يقوي التفاعل فيما بينها ،مما ينتج
عنه تجاذب وتوازن عالئقي .
- .3مستوى يؤدي فيه التشابه إلى توقع التجاذب الذي يسهل عملية التفاعل االجتماعي ويؤدي في غالب األحيان إلى عالقات اجتماعية
إيجابية .
على هذا األساس يعتبر نيوكمب أن نمط العالقة المتوازنة يتحقق عندما تتشابه االتجاهات واآلراء تجاه شيء أو موقف أو شخص معين ،وأن
نمط العالقة المتوترة وغير المتوازنة ينشأ في حالة تضارب وتباين االتجاهات واألفكار بين طرفين حول موضوع معين .إن التفاعل
االجتماعي القائم على مبدأي التشابه والتوازن هو ما يحقق حسب نيوكمب االندماج االجتماعي لألطراف المتفاعلة .
نظرية بيلز : Bales
ترتبط هذه النظرية بإستراتيجية حل المشكالت داخل الجماعة؛ وما يتطلبه األمر من تنظيم ومشاركة ومرونة وأشكال متدرجة من التفاعل ،ذلك
أن العالقات التفاعلية وأنماط التفاعل تمر بمراحل تطور حددها بيلز في 6مراحل :
من داخل هذه المراحل الستة يتطور حسب بيلز 12نمطا من التفاعل االجتماعي ،يمكن حصرها في أربعة أنواع من التفاعل:
تكشف نظريات التفاعل االجتماعي ع لى أن هذا األخير ليس عملية بسيطة وتلقائية بل هي صيرورة معقدة ومتداخلة ،تتحكم في إيقاعاتها
ومستوياتها مجموعة من الشروط الموضوعية المرتبطة بالوسط االجتماعي وثقافته وقيمه ومعاييره...ومجموعة من المحددات الذاتية
المرتبطة بالذات المتفاعلة من حيث طبيعة شخصيتها و سماتها النفسية واالجتماعية ،ومن حيث تمثالتها الخاصة للقيم والمعايير ،ومن حيث
طبيعة حاجاتها ورغباتها الذاتية...وعلى هذا األساس ال يمكن فهم التفاعل االجتماعي إال باستحضار مختلف األبعاد والمستويات المشكل
والمحددة للوضع النفسي واالجتماعي لألفراد والجماعات.
العالقات بين الجماعات:
• مبدئيا يشير مفهوم الجماعة إلى مجموع السمات والصفات المشتركة نسبيا بين فئة اجتماعية ،والتي يتفاعل أفرادها في إطار
وحدة من القيم و المعايير واالتجاهات ووحدة األهداف والرهانات ،وما ينشأ عن هذا التفاعل من عالقات اجتماعية متبادلة ،قد
تض يق لتكون عالقة بين فردين وتسمى جماعة ثنائية ،وقد تتسع لتشمل ما يقرب من ثالثين فردا وتسمى جماعة صغيرة ،وقد تمتد
ألكثر من ذلك وتسمى جماعة كبيرة.
• ينتمي الفرد-باعتباره فاعال اجتماعيا -إلى جماعات متعددة ومختلفة ،تتعدد وتختلف باختالف مراحل ومحطات صيرورته النمائية،
كما أن االنتماء لجماعة من الجماعات تتدخل فيه مجموعة من العوامل واألسباب الذاتية والموضوعية التي تؤثر في نوعية
الجماعة وفي أشكال بنائها واالن تماء إليها مثلما تؤثر في أهدافها وفي استمراريتها الزمنية ،وهو ما يفرز أنواعا متعددة من
الجماعات نذكر منها على سبيل المثال :الجماعات الصغيرة والجماعات الكبيرة ،الجماعات العرقية أو اإلثنية أو المذهبية أو
الدينية الجماعات المهنية أوالسياسية أو النقابية أوالثقافية أوالعلمية ،الجماعات المنغلقة والجماعات المنفتحة،الجماعات الثابتة
والجماعات المتغيرة ،الجماعات الداخلية والجماعات الخارجية ،الجماعات األولية والجماعات الثانوية ،الجماعات الحرة والمقيدة .
لكل نوع من الجماعات خصائصه النفسية واالجتماعية ،مثلما لكل نوع منها ديناميته العالئقية واالرتباطية التي تتأثر بأهداف وقيم •
ومعايير الجماعة وبتركيبتها وأسباب وجودها ،لكن تمايز أنواع الجماعات ال يلغي إمكانية تفاعلها أو انزياحها أو اختالطها لتشكل
مالمح جماعات أخرى ،ما دام نشاط األفراد ،وباعتبارهم فاعلين اجتماعيين ،يجعلهم ينتمون في نفس الوقت لجماعات مختلفة
يتأثرون بها ويؤثرون فيها .
مستويات التفاعل وأنواع العالقات بين الجماعات:
• إن الحديث عن التفاعل في العالقات بين الجماعات هو حديث عن تبادل التأثير والتأثر ،بحيث كل طرف يؤثر في الطرف
اآلخر ويتأثر به ،ليكون التباد ل بهذا المعنى أعلى أنواع التفاعل االجتماعي بين األفراد والجماعات.
• تتحدد العالقات بين األفراد والجماعات في مستويات متعددة ومختلفة وذلك تبعا لنوعية التبادل ولدرجة التأثير والتأثر بين
األطراف المتفاعلة ،ويمكن تحديد هذه المستويات على الشكل التالي:
➢ المستوى األول:
• العالقات الالتبادلية :ال وجود لتبادل مباشر بين األطراف وال وجود لتأثير أو تأثر مباشرين بينهما ،بل هي عالقات غير
مباشرة يعتمد فيها على وسائط ودعامات قد تتخذ شكل بيانات أو صور أو أخبار...يتخذها كل طرف من أجل إصدار أحكام
على الطرف اآلخر دون أي لقاء أو مباشرة حقيقية أو فعلية بين الطرفين.
➢ المستوى الثاني:
• عالقات اتجاه التأثير الواحد :ال وجود لتبادل مباشر بين األطراف ،بل هي عالقات غير مباشرة ،لكن يمارس أحد الطرفين
تأثيرا على الطرف اآلخر ،بمعنى أن الطرف)أ( يؤثر في الطرف)ب( دون أن يؤثر الطرف)ب( في الطرف)أ( ،وكمثال على
ذلك :الذي يشاهد برنامجا تلفازيا يتأثر وينفعل بما يقدمه صاحب البرنامج لكن المشاهد ال يؤثر في مقدم البرنامج أو في
مادته اإلعالمية.
➢ المستوى الثالث:
• العالقات شبه التبادلية :يكون فيها التبادل مباشرا بين الطرفين ،لكنه تبادل مصطنع يتم تحديده واالتفاق عليه قبليا ،فال
يكون التأثير والتأثر بينهما حقيقيا وواقعيا ،ومثال ذلك ما يحدث في االستعراضات العسكرية بحيث كل طرف يسلك وفق
نظام دقيق
وصارم محدد قبليا ال يحق ألحد خرقه أو تجاوزه ،وكذلك الشأن بالنسبة للمثلين ومن يؤدون أدورا على خشبة المسرح حيث تكون
العالقات والتبادالت محددة قبليا في السيناريو .
➢ المستوى الرابع:
• العالقات المتوازية :يكون فيها التبادل مباشرا بين الطرفين وحول موقف أو موضوع واحد ،لكنه تبادل صوري ال يحدث
أي تأثير أو تأثر لدى الطرفين ،بحيث كل طرف متمركز على ذاته ،كأن يتحدث الطرف)أ( إلى الطرف)ب( دون أن ينصت
هذا األخير له ،وكذلك أن يتحدث)ب( للطرف)أ( دون أن ينصت له هذا األخير .
➢ المستوى الخامس:
• العالقات المتبادلة غير المتناسقة :يكون فيها التبادل مباشرا وحقيقيا لكنه تبادلغير متناسق ،بحيث تعتمد استجابات أحد
الطرفين على س لوك الطرف اآلخر دون أن تعتمد استجابات هذا األخير على سلوك الطرف األول ،مثلما يحدث في بعض
الحاالت المتعلقة بعالقة الشيخ أو رجل الدين بأتباعه ومريديه ،أو في خطابات الحاكم المستبد لجماهيره.
➢ المستوى السادس:
• العالقات التبادلية :وهو المستوى الذي تصل فيه عالقات التفاعل إلى صورتها االجتماعية الصحيحة ،حيث تتحقق التبادالت
الواقعية والحقيقية والمتوازنة ،ويكون فيها التأثير والتأثر متبادال بين األطراف المتفاعلة.
ال يمكن بأي حال من األحوال اعتبار مستويات التفاعل وما تحيل عليه من أنماط من العالقات االجتماعية – كما تم تحديدها سلفا ،-تصنيفات
نهائية ومطلقة يمكن تعميمها وتنزيلها بشكل ميكانيكي على الواقع االجتماعي لألفراد والجماعات ،بل هي عناصر وآليات مساعدة على فهم
وتف سير األبعاد النفسية واالجتماعية للعالقات البشرية ،التي ال زالت تحتاج مزيدا من البحث والدراسة ،نظر للتعقيد والتركيب والتداخل الذي
يطبع مختلف أبعادها ومستوياتها
العالقات االجتماعية وسيكولوجية اإلدماج
المحور الخامس :الثابت والمتغير في إدراك الذات وإدراك اآلخر.
إن المتأمل للوضع البشري خاصة في بعده االجتماعي والعالئقي ،يدرك أن اإلنسان يتحدد "كذات" وكـ"آخر" في نفس اآلن؛ يتحدد
كذات من خالل ضمير المتكلم "أنا " ،ويتحدد كآخر من خالل ضمير المخاطب "أنت" ،بمعنى أن الذات تحضر سيكولوجيا كـ"أنا" بالنسبة لذاتها،
وتحضر سوسيولوجيا كـ"آخر" بالنسبة للغير ،وهو ما يمكن أن يكشف عن الطبيعة المتداخلة لعملية إدراك الذات وإدراك اآلخر ،بل تنطوي أيضا
على إدراك مزدوج؛ حيث أن عملية إ دراك الذات يمكن أن تتم من خالل عملية إدراك اآلخر مثلما أن عملية إدراك اآلخر يمكن أن تتم من خالل عملية
إدراك الذات ،كل هذه العناصر وغيرها تكشف أن إدراك الذات واآلخر عملية نفسية اجتماعية معقدة ومتداخلة ،تتحكم فيها مجموعة من الثوابت
والمتغيرات السيكولوجية وال سوسيولوجية .إذن ما داللة مفهوم الذات ومفهوم اآلخر؟ وكيف تتم عملية إدراك الذات وإدراك اآلخر؟ وما عالقة إدراك
الذات بإدراك اآلخر؟ وما هي العوامل المؤثرة في عملية إدراك الذات وإدراك اآلخر؟
من مفهوم الذات إلى مفهوم اآلخر:
يكتسي مفهوم الذات ومفهوم اآلخر أهمية كبرى في مجموعة من التخصصات المعرفية والعلمية كالفلسفة وعلم النفس وعلم
االجتماع ،وذلك بالنظر للقوة التفسيرية التي يتمتعان بها في إطار اآلخالظواهر اإلنسانية خاصة في بعدها الوجودي والنفسي واالجتماعي ،وهو ما
يفسر تعدد و تنوع واختالف تعاريف هذين المفهومين من باحث إلى آخر ومن تخصص آلخر .
مفهوم الذات:
من بين أشهر التعاريف الخاصة بمفهوم الذات نذكر:
الذات هي حصيلة التمثالت والتصورات التي يكونها الفرد عن نفسه ،والتي تشكل في مجموعها كينونة األنا الناتجة عن صيرورة من التفاعل بين
محددات ذاتية وشروط موضوعية .
الذات هي مركب من األفكار واألحاسيس التي تشكل وعي الفرد بوجوده وبأبعاد شخصيته الوجدانية والمعرفية والسلوكية. •
الذات هي نتاج التقويم الكلي الذي يقوم به الفرد لمظهره وأصوله وقدراته وإمكاناته واتجاهاته وانفعاالته ،التي تشكل قوة موجهة له •
في مختلف سلوكاته.
الذات هي فكرة الشخص عن نفسه على ضوء أهدافه الخاصة ومن خالل عالقته بالوقع واآلخر . •
الذات عبارة عن تكوين نفسي معرفي مكتسب ومنظم ،يتميز بثبات نسبي وبتداخل عناصره ومكوناته ،يُبنى في إطار تفاعل الفرد مع •
نفسه ومع بيئته االجتماعية.
من خالل التعاريف السابقة يتبين أن الذات هي حصيلة إدراك الفرد ألبعاده ومكوناته الوجدانية والمعرفية والسلوكية ،وذلك في إطار عالقته
التفاعلية مع واقعه وعناصر بيئته االجتماعية ،وهو ما يكشف على أن الذات عبارة عن بناء نفسي اجتماعي ،يُينى ويكتسب من خالل التفاعل
الدينامي بين األنا ومختلف عناصر وبنيات عالمه الداخلي والخارجي.
مفهوم اآلخر:
يشير مفهوم اآلخر عامة إلى كل ما يوجد خارج الذات؛ سواء كان شيئا أو حيوانا أو غيرا ،لكن عادة ما يستعمل مفهوم اآلخر للداللة على
اآلخرين من الناس ،أي "األغيار" ،ومن بين أشهر التعاريف التي قدمت لمفهوم اآلخر نذكر:
اآلخر هو الغير المشا به لألنا والمختلف عنها ،يتحدد باعتباره ذاتا أخرى وليس شيئا أو موضوعا . •
اآلخر هو األنا الذي ليس أنا ،والذي ال يبرز إال في إطار اختالفه وتمايزه عن الذات ،وقد يكون هذا اآلخر المختلف قريبا أو بعيدا. •
اآلخر هو بنية نفسية واجتماعية؛ تحيل على معاني التعدد واالخ تالف ،قد يشكل بالنسبة للذات بنية غامضة غير واضحة المعالم ،مثلما •
يمكن أن يشكل لها بنية واضحة ومنكشفة.
اآلخر يحيل على الضمير المجهول "هو" )الناس( ،وهو صيغة عامة لإلشارة لتعدد "األنات"،أو إلى "أنا"جمعي بوجه عام. •
اآلخر هو كل بنية اجتماعية تلعب دور الوسيط في عملية إدراك الذات لذاتها وعالمها الداخلي والخارجي. •
على ضوء التعاريف السابقة يمكن القول أ ن مفهوم اآلخر عبارة عن بنية نفسية واجتماعية ،توجد داخل الذات وخارجها ،شبيهة بالذات
ومختلفة عنها ،قريبة من الذات وبعيدة عنها ،غريبة عن الذات ومألوفة بالنسبة لها ،قد تساهم في إدراك الذات لذاتها وعالمها ،مثلما قد تساهم في
تضليل الذات عن ذاتها وعالمها ،قد تشك ل إغناء للذات ولشروط وعيها وإدراكها ،مثلما قد تشكل تهديدا للذات وسلبا لوعيها وتشويها إلدراكاتها ...
من خالل دالالت ومعاني مفهومي "الذات" و"اآلخر" ،يتبين أن بين المفهومين تداخل صميمي وجوهري ،حيث من الصعب استدعاء
أحدهما دون استحضار اآلخر ،إنهما ب نيتان نفسيتان واجتماعيتان متالزمتان دالليا ووظيفيا وبنائيا وإدراكيا.
من إدراك الذات إلى إدراك اآلخر :
يمكن تعريف اإلدراك بأنه عملية حسية وعقلية يتم من خاللها التعرف على المحيط الخارجي ،عن طريق االستقبال الحسي لمثيرات
العالم الخارجي ،والتي يعمل النشاط العقلي على محاولة فهمها وتفسيرها وتأويلها حسب االتجاهات الذاتية للفرد ،إنه عملية نفسية ومعرفية
وتنظيمية تهدف لمعرفة األشياء والموضوعات والقضايا من حيث شكلها وطبيعتها ومكوناتها وعالقاتها وكيفية حدوثها ...وبهذا فإن اإلدراك يعبر
عن قدرة الفر د على فهم وتفسير وتحديد هوية موضوع ما ،ومعرفة صورته الكلية وأجزائه المكونة ،وتحديد أوجه تشابهه واختالفه مع
الموضوعات القريبة أو البعيدة منه.
لكن السؤال الذي يطرح نفسه هنا هو :إذا كان من الممكن إدراك األشياء المادية والثابتة والقابلة للمالحظة ،فإلى أي حد يمكن
إدراك الظاهرة اإلنسانية سواء كانت "ذاتا" أو"غيرا" خاصة وأنها ظاهرة مركبة ومعقدة وتتميز بالوعي والحرية والتغير...؟
إدراك الذات :
يحيل مفهوم إدراك الذات على ذلك الوعي السيكولوجي" لألنا" بمختلف عناصر ومكونات عالمها الداخلي ،وبكل ما يحيل عليه ويرتبط به في
عالمها الخارجي ،إنه وعي األنا بنفسها وبوحدتها وهويتها الذاتية الممتدة في الزمان والمكان ،وهو ما يجعل من عملية إدراك الذات عملية معقدة
ومركبة يتداخل فيها ما هو معرفي بما هو نفسي بما هو اجتماعي ،لكن وبالرغم من ذلك يمكن رصد أهم معالم ومستويات سيرورة إدراك الذات
على النحو التالي :
يتم خالله إدراك األنا لمختلف العمليات الشعورية والواعية التي تقوم بها ذاتيا سواء على المستوى الوجداني أو المعرفي أو السلوكي ،أنه شكل
من أشكال الوعي الذاتي بالحاالت النفسية وما يرتبط بها من أفعال وردود أفعال تخضع لتقييم ذاتي وشخصي وبمعزل عن أي تقييم للذات من
وجهة نظر اآلخر ،وعلى هذا النحو يتحقق لدى الفرد إدراكا سيكولوجيا لذاته.
➢ المستوى الثاني؛ اإلدراك االجتماعي للذات:
يتم في هذا المستوى معرفة الذات وتقييمها لذاتها انطالقا من تفاعلها مع اآلخر في وضعيات اجتماعية مختلفة ،حيث تدرك األنا ذاتها انطالقا من
إدراكها لتمثالت اآلخر عنها ،أي أن اآلخر يشكل في هذه الحالة مرآة تنعكس عليها صورة الذات التي تدركها األنا ذاتيا لكن عبر وساطة الغير ،هذا
وباإلضافة إلى أن إدراك الذات لبعض الخبرات كالخجل أو الحب مثال ،أو لبعض قدراتها كالقدرة على التواصل والنقاش وتقبل االختالف ،أو إدراكها
لبعض جوانب القوة والضعف في شخصيت ها ،ال يتم إال في ظل وجودها التفاعلي مع اآلخر ،ليكون إدراك الذات لذاتها في هذا المستوى إدراكا اجتماعيا
يبنى بشكل عالئقي وتفاعلي.
➢ المستوى الثالث؛ اإلدراك النفسي-االجتماعي للذات:
هو إدراك مزدوج للذات؛ يتم من خالل تضافر وتفاعل اإلدراكات الذاتية مع اإلدراكات االجتماعية للذات ،حيث بالقدر الذي تعمل فيه األنا على بناء
إدراكها الذاتي تعمل في نفس اآلن على تعزيزه وتقويته أو على نقده أو تعديله بناء على إدراكها لذاتها اجتماعيا ،مثلما تعمل في نفس الوقت على
بناء إدراكها االجتماعي للذات لكن في تفاعل مع إدراكاتها الخاصة والذاتية حول ذاتها ،بمعنى أن إدراك الذات
لذاتها في هذا المستوى يتأسس على المقومات الذاتية لألنا من جهة وعلى التفاعل االجتماعي مع اآلخر من جهة أخرى ،أي أن الذات تستطيع
إدراك ذاتها باعتمادها على وعيها وفهمها وخبراتها الخاصة والذاتية ،لكن لكي ال يكون إدراكها لذاتها إدراكا ناقصا أو مشوها أو منغلقا أو
مضطربا ،ينبغي لهذه الذات أن تقصد اآلخر وتنفتح عليه من أجل تطوير و إغناء إدراكها لذاتها دون الوقوع ضحية لألحكام النمطية والنماذج
والتصنيفات االجتماعية المسبقة والجاهزة .
إن التمييز في عملية إدراك ال ذات بين هذه المستويات ال يعني أن هذه المستويات تتم بمعزل أو باستقاللية عن بعضها البعض ،بل هي
مستويات متزامنة ومتداخلة مع بعضها البعض وتختلف أشكال عملها وحضورها من فرد إلى آخر ومن مرحلة عمرية إلى أخرى ومن ثقافة إلى
أخرى ،وتتحكم في إيقاعاتها وديناميتها طبيعة وقوة المقومات الذاتية والشروط الموضوعية المتدخلة و المؤثرة فيها.
إدراك اآلخر :
إذا كان وجود الذات هو وجود مع اآلخر ،فإن السمة المميزة لوجوده االجتماعي هذا هي أنه وجود اجتماعي عالئقي وتفاعلي وتبادلي ،يفترض
وجود عالقة معرفية بين الذات واآلخر ،حيث أن كل تفاعل اجتماعي ال يستلزم فقط إدراك الذات لذاتها ،بل يستلزم محاولة إدراك الذات لآلخر ،ذلك
أن طبيعة وجودة التفاعالت والعالقات االجتماعية ومساراتها مشروطة بعملية إدراك الذات لذاتها من خالل اآلخر من جهة ،وبعملية إدراك الذات
لآلخر من جهة أخرى .إذن كيف تتم عملية إدراك الذات لآلخر؟ وما هي مقوماتها وآلياتها؟ وما هي حدودها؟
يمكن التمييز في عملية إدراك الذات بين المستويات التالية:
أن اإلنسان بما هو كائن اجتماعي يستند في عالقاته وتفاعالته االجتماعية على تصورات ذات طبيعة جمعية؛ يرتكز عليها في فهمه •
وتعاطيه مع ذاته ومع اآلخرين وفي بناء مختلف صالته وعالقاته االجتماعية ،ذلك أن طبيعة انتظام العناصر والمكونات الجمعية في
شخصية األفراد والجماعات هو ما يؤثر على نحو مباشر أو غير مباشر على طبيعة وبنية العالقات االجتماعية وعلى أشكال و ديناميات
االندماج والتكيف االجتماعي.
أن من أكثر المحطات تأثيرا في صيرورة االندماج االجتماعي لألفراد والجماعات وطبيعة عالقتها وتفاعالتها االجتماعية نجد المرحلة •
االنتقالية من الطفولة إلى المراهقة ،وذلك بالنظر لطبيعة التحوالت والتغيرات التي تعرفها ،وبالنظر لكثافة وغنى متغيراتها وتداخل
وتشابك العوامل المتدخلة فيها.
أن مفهوم التفاعل االجتماعي يشكل مدخال أساسيا لفهم العالقات االجتماعية ،حيث أن حضور أو غياب التفاعل يساعد على فهم طبيعة •
العالقة االجتماعية ،مثلما أن تحديد نوع ومستويات التفاعل وأشكاله يساهم في تحديد نوع العالقة االجتماعية ومستويات جودتها .
أن النزاعات االجتماعية تعبر في جوهرها عن عجز األطراف المتنازعة عن االتفاق حول أمر معين ،وغياب اإلجماع فيما بينهم حول •
المبادئ أو األهداف والغايات ،وغياب التوافق بينهم ودخولهم في حاالت من التصادم الخفي أو الظاهري ،إنه سلوك نفسي واجتماعي
يحدث نتيجة التعارض والتضارب حول موضوع مادي أو رمزي ،يقود إلى نوع من الخالف والذي قد يتطور إلى أشكال من الصراع.
أن "الذات" هي حصيلة إدراك الفرد ألبعاده ومكوناته الوجدانية والمعرفية والسلوكية ،وذلك في إطار عالقته التفاعلية مع واقعه •
وعناصر بيئته االجتماعية ،فهي عبارة عن بناء نفسي اجتماعي ،يبن ى ويُكتسب من خالل التفاعل الدينامي بين األنا ومختلف عناصر
وبنيات عالمه الداخلي والخارجي .
أن" اآلخر" عبارة عن بنية نفسية واجتماعية ،توجد داخل الذات وخارجها ،شبيهة بها ومختلفة عنها ،قريبة منها وبعيدة عنها ،غريبة •
عنها ومألوفة بالنسبة لها ،قد تساهم في إدراك الذات لذاتها وعالمها ،مثلما قد تساهم في تضليل الذات عن ذاتها وعالمها ،قد تشكل
إغناء لل ذات ولشروط وعيها وإدراكها ،مثلما قد تشكل تهديدا لها وسلبا لوعيها وتشويها إلدراكاتها.
أن عملية إدراك الذات وعملية إدراك اآلخر ليستا عمليتان منفصلتين بل هما عمليتان متداخلتان ومتزامنتان ،من الصعب تصور حدوث •
إحداهما بمعزل عن األخرى.
أن عملية إدراك الذات وإدر اك اآلخر ليست عملية بسيطة وتلقائية بل هي عملية معقدة وصعبة؛ تؤثر فيهما مجموعة من العوامل الذاتية •
والموضوعية المتداخلة ،وتظل محفوفة بالصعوبات والعوائق ،التي قد يكون مصدرها الذات أو اآلخر أو البيئة االجتماعية ، ،مما قد يؤثر
سلبا على هذه العملية في مختلف مستو ياتها ،وهو ما يمكن أن يفسر مختلف الصراعات والنزاعات االجتماعية والعالئقية الناتجة في
أحيان كثيرة عن أشكال من سوء الفهم واإلدراك المشوه والمغلوط للذات واآلخر.
كللاللتقديرلولاللشكرلجملموعةللخنب لةلع للللاللنفسلع ل
لللاملساعدلةلل لفلحتريرلالمللادلة ل
منللاعدا لدلالطالب:لحلامتلالرخا لم