Download as doc, pdf, or txt
Download as doc, pdf, or txt
You are on page 1of 51

‫وداع الرسول لمته‬

‫دروس‪ ،‬وصايا‪ ،‬وعبرٌ‪ ،‬وعظات‬

‫تأليف الفقير إلى ال تعالى‬


‫سعيد بن علي بن وهف القحطاني‬
‫بسم ال الرحمن الرحيم‬
‫المقدمة‬
‫إن الحمد ل‪ ،‬نحمده‪ ،‬ونستعينه‪ ،‬ونستغفره‪ ،‬ونعوذ بال من شرور أنفسنا‪ ،‬وسيئات أعمالنا‪ ،‬من يهده ال فل‬
‫مضلّ له‪ ،‬وممن يُضلل فل هادي له‪ ،‬وأشهمد أن ل إله إل ال وحده ل شريمك له‪ ،‬وأشهمد أن محمدا عبده‬
‫ورسوله‪ ،‬صلى ال عليه وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين‪ ،‬وسلم تسليما كثيرا‪ .‬أما بعد‪:‬‬
‫فهذه الر سالة مخت صرة في وداع ال نبي الكر يم والر سول العظ يم صلّى ال عل يه و سلّم لم ته‪ ،‬بي نت ف يه‬
‫باخت صار‪ :‬خل صة ن سب ال نبي صلّى ال عل يه و سلّم‪ ،‬وولد ته‪ ،‬ووظيف ته‪ ،‬واجتهاده وجهاده‪ ،‬وخ ير أعماله‪،‬‬
‫ووداعه لمته في عرفات‪ ،‬ومنى‪ ،‬والمدينة‪ ،‬ووداعه للحياء والموات‪ ،‬ووصاياه في تلك المواضع‪ ،‬ثم بداية‬
‫مرضمه‪ ،‬واشتداده‪ ،‬ووصماياه لمتمه ووداعمه لهمم عنمد احتضاره‪ ،‬واختياره الرفيمق العلى‪ ،‬وأنمه مات شهيدا‪،‬‬
‫ومصيبة المسلمين بموته‪ ،‬وميراثه‪ ،‬ثم حقوقه على أمته‪ ،‬وذكرت الدروس والفوائد والعبر والعظات المستنبطة‬
‫في آخر كل مبحث من هذه المباحث‪.‬‬
‫وال أ سأل أن يجعله عملً مقبولً نافع ًا لي ولخوا ني الم سلمين؛ فإ نه ولي ّ ذلك والقادر عل يه‪ ,‬وأن يعلم نا‬
‫جميع ًا ما ينفعنا‪ ,‬ويوفق جميع المسلمين إلى الهتداء بهدي سيد المرسلين‪ .‬وصلى ال وسلم وبارك على عبده‬
‫ورسوله وخيرته من خلقه نبينا وإمامنا وقدوتنا وحبيبنا محمد بن عبد ال وعلى آله و أصحابه وسلم تسليمًا‬
‫كثيرًا‪.‬‬
‫المؤلف‬
‫حرر في ليلة الخميس ‪21/3/1416‬هـ‬
‫المبحث الول‪ :‬خلصة نسبه ووظيفته صلّى ال عليه وسلّم‬
‫هو محمد بن عبد ال بن عبد المطلب بن هاشم بن عبد مناف بن قصي بن ك ِلَب بن مرة بن كعب بن‬
‫لؤي بن غالب بن فِهْر بن مالك بن النضر بن كنانة بن خزيمة بن مدركة بن إلياس بن مُ ضر بن نزار بن‬
‫معدَ بن عدنان(‪ ،)1‬فهو عليه الصلة والسلم من قريش‪ ،‬وقريش من العرب‪ ،‬والعرب من ذرية إسماعيل بن‬
‫إبراهيم عليه وعلى نبينا أفضل الصلة والسلم(‪.)2‬‬
‫ولد صلّى ال عل يه و سلّم عام الف يل بم كة في ش هر رب يع الول(‪ )3‬يوم الثن ين(‪ )4‬الموا فق ‪571‬م(‪ ،)5‬وتو في‬
‫صملّى ال عليمه وسملّم وله ممن العممر ثلث وسمتون سمنة‪ ،‬منهما‪ :‬أربعون قبمل النبوة‪ ،‬وثلث وعشرون نمبيّا‬
‫رسولً‪ ،‬نُبّئَ بإقرأ‪ ،‬وأرسل بالمدثر‪ ،‬وبلده مكة‪ ،‬وهاجر إلى المدينة‪ ،‬بعثه ال بالنذارة عن الشرك‪ ،‬ويدعو إلى‬
‫التوحيمد‪ ،‬أخمذ على هذا عشمر سمنين يدعمو إلى التوحيمد‪ ،‬وبعمد العشمر عُرج بمه إلى السمماء‪ ،‬وفرضمت عليمه‬
‫الصلوات الخمس‪ ،‬وصلى في مكة ثلث سنين‪ ،‬وبعدها أُمِر بالهجرة إلى المدينة‪ ،‬فلما استقر بالمدينة(‪ )6‬أُمِر‬
‫ببقية شرائع السلم مثل‪ :‬الزكاة‪ ،‬وال صيام‪ ،‬والحج‪ ،‬والجهاد‪ ،‬والذان‪ ،‬والمر بالمعروف والنهي عن المنكر‪،‬‬
‫وغير ذلك‪ ،‬أخذ على هذا عشر سنين وبعدها توفي صلّى ال عليه وسلّم‪ ،‬ودينه باقٍ وهذا دينه‪ ،‬ل خير إل دلّ‬
‫أمته عليه‪ ،‬ول شر إل حذّرها منه‪ ،‬وهو خاتم النبياء والمرسلين ل نبي بعده‪ ،‬وقد بعثه ال إلى الناس كافة‪،‬‬
‫وافترض ال طاعته على الجن والنس‪ ،‬فمن أطاعه دخل الجنة‪ ،‬ومن عصاه دخل النار(‪.)7‬‬
‫وخلصة القول‪ :‬أن الدروس والفوائد والعبر والعظات في هذا المبحث كثيرة منها‪:‬‬
‫‪-1‬إن ال نبي صلّى ال عل يه و سلّم خيار من خيار من خيار‪ ،‬ف هو أح سن الناس وخير هم ن سبا‪،‬‬
‫وأر جح العالم ين عقلً‪ ،‬وأف ضل الخلق منزلة في الدن يا والخرة‪ ،‬وأر فع الناس ذكرا‪ ،‬وأك ثر‬
‫النبياء أتباعا يوم القيامة‪.‬‬

‫البخاري مع الفتح‪ ،‬كتاب مناقب النصار‪ ،‬باب مبعث النبي صلّى ال عليه وسلّم ‪.7/162‬‬ ‫‪)(1‬‬

‫انظر نسب النبي صلّى ال عليه وسلّم إلى آدم‪ :‬البداية والنهاية لبن كثير ‪ ،2/195‬وسيرة ابن هشام ‪.1/1‬‬ ‫‪)(2‬‬

‫هذا هو الصحيح المشهور أنه ولد صلّى ال عليه وسلّم عام الفيل في شهر ربيع الول‪ ،‬وقد نقل بعضهم الجماع على ذلك‪،‬‬ ‫‪)(3‬‬

‫انظر‪ :‬تهذيب السيرة للمام النووي ص ‪.20‬‬


‫التحديد بيوم الثنين ثابت؛ لقوله صلّى ال عليه وسلّم حينما سئل عن صومه‪" :‬فيه ولدت وفيه أُنزِل عليّ" مسلم ‪ .2/820‬أما‬ ‫‪)(4‬‬

‫تحديد تاريخ اليوم ففيه عدة أقول‪ :‬فقيل في اليوم الثاني‪ ،‬وقيل لثماني‪ ،‬وقيل لعشر‪ ،‬وقيل‪ :‬لسبعة عشر‪ ،‬وقيل في الثاني عشر‪،‬‬
‫وقيل غير ذلك‪ ،‬وأشهر وأقرب القوال قولن‪ :‬الول‪ :‬أنه ولد لثماني مضين من ربيع الول‪ ،‬ورجحه ابن عبد البر عن أصحاب‬
‫التأريخ‪ :‬انظر‪ :‬البداية والنهاية ‪ 2/260‬وقال‪" :‬هو أثبت"‪ .‬القول الثاني‪ :‬أنه ولد في الثاني عشر من ربيع الول‪ ،‬قال ابن كثير في‬
‫البداية والنهاية‪" :‬وهذا هو المشهور عند الجمهور" ‪ ،2/260‬وجزم به ابن إسحاق‪ :‬انظر‪ :‬سيرة ابن هشام ‪.1/171‬‬
‫انظر‪ :‬الرحيق المختوم ص ‪.53‬‬ ‫‪)(5‬‬

‫وصل إلى المدينة صلّى ال عليه وسلّم يوم الثنين من شهر ربيع الول وحدده بعضهم باليوم الثاني عشر من ربيع الول‪،‬‬ ‫‪)(6‬‬

‫انظر‪ :‬فتح الباري ‪.7/224‬‬


‫انظر‪ :‬الصول الثلثة للشيخ محمد بن عبد الوهاب ص ‪.76 ،75‬‬ ‫‪)(7‬‬
‫‪-2‬إن إقامة الحتفالت بمولد النبي صلّى ال عليه وسلّم كل عام في اليوم الثاني عشر من ربيع‬
‫الول بدعمة منكرة؛ لن النمبي صملّى ال عليمه وسملّم لم يفعمل ذلك فمي حياتمه‪ ،‬ولم يفعله‬
‫الصحابة من بعده رضي ال عنهم‪ ،‬ول التابعون لهم بإحسان في القرون المفضلة‪ ،‬ومع ذلك‬
‫جزَم بمه‪ ،‬وإنمما فيمه خلف‬
‫فإن تحديمد ميلد النمبي باليوم الثانمي عشمر ممن ربيمع الول لم يُ ْ‬
‫وح تى ولو ث بت فالحتفال به بد عة ل ما تقدم؛ ولقوله صلّى ال عل يه و سلّم‪ ” :‬من أحدث في‬
‫ل ليس عليه أمرنا فهو‬
‫أمرنا هذا ماليس منه فهو رد”(‪ .)1‬وفي رواية لمسلم‪” :‬من عمل عم ً‬
‫رد”(‪.)2‬‬
‫‪-3‬إن وظيفمة النمبي صملّى ال عليمه وسملّم همي الدعوة إلى التوحيمد‪ ،‬وإنقاذ الناس ممن ظلمات‬
‫الشرك إلى نور التوحيمد‪ ،‬وممن ظلمات المعاصمي والسميئات إلى نور الطاعات والعمال‬
‫الصالحات‪ ،‬ومن الجهل إلى المعرفة والعلم‪ ،‬فل خير إل دلّ أمته عليه‪ ،‬ول شر إل حذّرها‬
‫منه صلّى ال عليه وسلّم‪.‬‬

‫البخاري برقم ‪ ،2697‬ومسلم ‪.1718‬‬ ‫‪)(1‬‬

‫انظر‪ :‬رسالة التحذير من البدع لسماحة شيخنا العلمة عبد العزيز بن عبد ال ابن باز‪.‬‬ ‫‪)(2‬‬
‫المبحث الثاني‪ :‬جهاده واجتهاده وأخلقه‬
‫سوَةٌ‬
‫كان صلّى ال عليه وسلّم أسوة وقدوة وإماما يُقتدى به؛ لقوله تعالى‪َ { :‬لقَ ْد كَا نَ َلكُ مْ فِي رَ سُولِ اللّ هِ أُ ْ‬
‫حَ سَ َنةٌ لّمَن كَا نَ َيرْجُو اللّ هَ وَالْ َيوْ مَ الخِ َر وَ َذكَرَ اللّ َه كَثِيرًا}(‪)1‬؛ ولهذا كان صلّى ال عل يه و سلّم ي صلي ح تى‬
‫تفطّرت قدماه وانتفخت وورمت فقيل له‪ :‬أتصنع هذا وقد غفر ال لك ما تقدم من ذنبك وما تأخر؟ قال‪” :‬أفل‬
‫أكون عبدا شكورا”(‪ .)2‬وكان ي صلي من الل يل إحدى عشرة رك عة‪ ،‬ورب ما صلى ثلث عشرة رك عة(‪ ،)3‬وكان‬
‫يصلي الرواتب اثنتي عشرة ركعة(‪ )4‬وربما صلها عشر ركعات(‪ ،)5‬وكان يصلي الضحى أربع ركعات ويزيد‬
‫ما شاء ال(‪ ،)6‬وكان يط يل صلة الل يل فرب ما صلى ما يقرب من خم سة أجزاء في الرك عة الواحدة(‪ ،)7‬فكان‬
‫ورده من الصلة كل يوم وليلة أكثر من أربعين ركعة منها الفرائض سبع عشر ركعة(‪.)8‬‬
‫وكان ي صوم غ ير رمضان ثل ثة أيام من كل ش هر(‪ )9‬ويتحرّى صيام الثن ين والخم يس(‪ ،)10‬وكان ي صوم‬
‫شعبان إل قليلً‪ ،‬بل كان ي صومه كله(‪ ،)11‬ورغّ ب في صيام ست من شوال(‪ ،)12‬وكان صلّى ال عل يه و سلّم‬
‫يصوم حتى يقال‪ :‬ل يفطر‪ ،‬ويفطر حتى يقال‪ :‬ل يصوم(‪ ،)13‬وما استكمل شهر غير رمضان إل ما كان منه‬
‫في شعبان‪ ،‬وكان يصوم يوم عاشوراء(‪ ،)14‬وروي عنه صوم تسع ذي الحجة(‪ ،)15‬وكان يواصل الصيام اليومين‬
‫والثلثة وينهى عن الوصال‪ ،‬وبيّن أنه صلّى ال عليه وسلّم ليس كأمته؛ فإنه يبيت عند ربه يطعمه ويسقيه(‪،)16‬‬

‫سورة الحزاب‪ ،‬الية ‪.21‬‬ ‫‪)(1‬‬

‫البخاري برقم ‪ ،1130‬ومسلم برقم ‪.2819‬‬ ‫‪)(2‬‬

‫البخاري برقم ‪ ،1147‬ومسلم برقم ‪.737‬‬ ‫‪)(3‬‬

‫مسلم برقم ‪.728‬‬ ‫‪)(4‬‬

‫مسلم برقم ‪ ،729‬والبخاري برقم ‪.1172‬‬ ‫‪)(5‬‬

‫مسلم برقم ‪.719‬‬ ‫‪)(6‬‬

‫مسلم برقم ‪.772‬‬ ‫‪)(7‬‬

‫كتاب الصلة لبن القيم ص ‪.140‬‬ ‫‪)(8‬‬

‫مسلم برقم ‪.1160‬‬ ‫‪)(9‬‬

‫الترمذي برقم ‪ ،745‬والنسائي ‪ 4/202‬وغيرهما‪.‬‬ ‫‪)(10‬‬

‫البخاري رقم ‪ 1969‬و ‪ ،1970‬ومسلم برقم ‪ 1156‬و ‪.1157‬‬ ‫‪)(11‬‬

‫مسلم برقم ‪.1164‬‬ ‫‪)(12‬‬

‫البخاري برقم ‪ ،1971‬ومسلم ‪.1156‬‬ ‫‪)(13‬‬

‫البخاري برقم ‪ ،2007 – 2000‬ومسلم برقم ‪.1125‬‬ ‫‪)(14‬‬

‫النسائي ‪ ،4/205‬وأبو داود برقم ‪ ،2437‬وأحمد ‪ ،6/288‬وانظر صحيح النسائي رقم ‪.2236‬‬ ‫‪)(15‬‬

‫البخاري برقم ‪ 1964 - 1961‬ومسلم ‪.1103 - 1102‬‬ ‫‪)(16‬‬


‫وهذا على الصحيح‪ :‬ما يجد من لذة العبادة والنس والراحة وقرة العين بمناجاة ال تعالى؛ ولهذا قال‪” :‬يا بلل‬
‫أرحنا بالصلة”(‪ ،)1‬وقال‪” :‬وجُعِلَتْ قرة عيني في الصلة”(‪.)2‬‬
‫‪-4‬وكان يك ثر ال صدقة‪ ،‬وكان أجود بالخ ير من الر يح المر سلة حين ما يلقاه جبر يل عل يه ال صلة‬
‫والسلم(‪)3‬؛ فكان يعطي عطاء من ل يخشى الفاقة؛ ولهذا أعطى رجلً غنما بين جبلين فرجع‬
‫الر جل إلى قو مه وقال‪ :‬يا قو مي أ سلموا فإن محمدا يع طي عطاءً ل يخ شى الفا قة(‪ ،)4‬فكان‬
‫صلّى ال عليه وسلّم أكرم الناس‪ ،‬وأشجع الناس(‪ ،)5‬وأرحم الناس وأعظمهم تواضعا‪ ،‬وعدلً‪،‬‬
‫وصبرا‪ ،‬ورفقا‪ ،‬وأناة‪ ،‬وعفوا‪ ،‬وحلما‪ ،‬وحياءً‪ ،‬وثباتا على الحق‪.‬‬
‫‪-5‬وجاهد صلّى ال عليه وسلّم في جميع ميادين الجهاد‪ :‬جهاد النفس وله أربع مراتب‪ :‬جهادها‬
‫على تعلم أمور الد ين‪ ،‬والع مل به‪ ،‬والدعوة إل يه على ب صيرة‪ ،‬وال صبر على مشاق الدعوة‪،‬‬
‫وجهاد الشيطان وله مرتبتان‪ :‬جهاده على دفمع مما يلقمي ممن الشبهات‪ ،‬ودفمع مما يلقمي ممن‬
‫الشهوات‪ ،‬وجهاد الكفار وله أر بع مرا تب‪ :‬بالقلب‪ ،‬والل سان‪ ،‬والمال‪ ،‬وال يد‪ .‬وجهاد أ صحاب‬
‫الظلم وله ثلث مرا تب‪ :‬بال يد‪ ،‬ثم بالل سان‪ ،‬ثم بالقلب‪ .‬فهذه ثلث عشرة مرت بة من الجهاد‪،‬‬
‫وأكمل الناس فيها محمد صلّى ال عليه وسلّم؛ لنه كمل مراتب الجهاد كله‪ ،‬فكانت ساعاته‬
‫موقو فة على الجهاد‪ :‬بقل به‪ ،‬ول سانه‪ ،‬ويده‪ ،‬وماله؛ ولهذا كان أرفمع العالميمن ذكرا وأعظم هم‬
‫عند ال قدرا(‪ .)6‬وقد دارت المعارك الحربية بينه وبين أعداء التوحيد‪ ،‬فكان عدد غزواته التي‬
‫قادها بنفسه سبع وعشرون غزوة‪ ،‬وقاتل في تسع منها‪ ،‬أما المعارك التي أرسل جيشها ولم‬
‫يقدها فيقال لها سرايا فقد بلغت ستة وخمسين سرية(‪.)7‬‬
‫‪-6‬وكان صلّى ال عليه وسلّم أحسن الناس معاملة‪ ،‬فإذا استسلف سلفًا قضى خيرا منه؛ ولهذا‬
‫جاء رجل إلى النبي صلّى ال عليه وسلّم يتقاضاه بعيرا فأغلظ له في القول‪ ،‬فهم به أصحابه‬
‫فقال ال نبي صلّى ال عل يه و سلّم‪” :‬دعوه فإن ل صاحب ال حق مقالً” فقالوا‪ :‬يا ر سول ال‪ :‬ل‬
‫ن جد إل سنّا هو خ ير من سنّه فقال صلّى ال عل يه و سلّم‪” :‬أعطوه” فقال الر جل‪ :‬أوفيت ني‬
‫أوفاك ال‪ ،‬فقال صلّى ال عل يه و سلّم‪” :‬إن خ ير عباد ال أح سنهم قضاءً”(‪ .)8‬واشترى من‬

‫أبو داود برقم ‪ ،8549‬وأحمد ‪.5/393‬‬ ‫‪)(1‬‬

‫النسائي ‪ ،7/61‬وأحمد ‪ ،3/128‬وانظر‪ :‬صحيح النسائي ‪.3/827‬‬ ‫‪)(2‬‬

‫البخاري برقم ‪ ،6‬ومسلم رقم ‪.2308‬‬ ‫‪)(3‬‬

‫مسلم ‪.4/1806‬‬ ‫‪)(4‬‬

‫البخاري مع الفتح ‪ ،10/455‬ومسلم ‪.4/1804‬‬ ‫‪)(5‬‬

‫زاد المعاد ‪.12 ،10 ،3/5‬‬ ‫‪)(6‬‬

‫انظر‪ :‬شرح النووي ‪ ،12/95‬وفتح الباري ‪ ،281 - 7/279‬و ‪.8/153‬‬ ‫‪)(7‬‬

‫البخاري رقم ‪ ،2305‬ومسلم ‪.1600‬‬ ‫‪)(8‬‬


‫جابر بن عبد ال رضي ال عنه بعيرا‪ ،‬فلما جاء جابر بالبعير قال له صلّى ال عليه وسلّم‪:‬‬
‫”أتراني ماكستك”؟ قال‪ :‬ل يا رسول ال‪ ،‬فقال‪” :‬خذ الجمل والثمن”(‪.)1‬‬
‫‪-7‬وكان صلّى ال عل يه و سلّم أحسـن الناس خلقا؛ لن خل قه القرآن‪ ،‬لقول عائ شة ر ضي ال‬
‫عنهمما‪” :‬كان خلقـه القرآن”(‪)2‬؛ ولهذا قال صلّى ال عل يه وسملّم‪” :‬إنمـا بعثـت لتمـم مكارم‬
‫الخلق”(‪.)3‬‬
‫‪-8‬وكان صلّى ال عل يه و سلّم أز هد الناس في الدن يا‪ ،‬ف قد ث بت ع نه صلّى ال عل يه و سلّم أ نه‬
‫اضطجع على الحصير فأث ّر في جنبه‪ ،‬فدخل عليه عمر بن الخطاب رضي ال عنه‪ ،‬ولما‬
‫استيقظ جعل يمسح جنبه فقال‪ :‬رسول ال لو اتخذت فراشا أوثر من هذا؟ فقال صلّى ال عليه‬
‫و سلّم‪” :‬مالي وللدن يا‪ ،‬ما مثلي وم ثل الدن يا إل كرا كب سار في يوم صائف فا ستظل ت حت‬
‫شجرة ساعة من نهار ثم راح وتركها”(‪ .)4‬وقال‪” :‬لو كان لي مثلُ أُحُدٍ ذهبا ما يَسُرّني أن‬
‫ل يمر عليّ ثلثٌ وعندي منه شيء‪ ،‬إل شيءٌ أرصُدُهُ لدين”(‪.)5‬‬
‫وعن أبي هريرة رضي ال عنه قال‪" :‬ما شبع آل محمد من طعام ثلثة أيام حتى قبض"(‪ .)6‬والمقصود أنهم‬
‫لم يشبعوا ثلثة أيام بلياليها متوالية‪ ،‬والظاهر أن سبب عدم شبعهم غالبا كان بسبب قلة الشيء عندهم على أنهم‬
‫قد يجدون ولكن يؤثرون على أنفسهم(‪)7‬؛ ولهذا قالت عائشة رضي ال عنها‪" :‬خرج النبي صلّى ال عليه وسلّم‬
‫من الدن يا ولم يش بع من خ بز الشع ير"(‪ .)8‬وقالت‪ " :‬ما أ كل آل مح مد صلّى ال عل يه و سلّم أُكلت ين في يوم إل‬
‫إحداهما تمر"(‪ .)9‬وقالت‪" :‬إنا لننظر إلى الهلل ثلثة أهلة في شهرين وما أُوقدت في أبيات رسول ال صلّى‬
‫ال عليه وسلّم نار‪ .‬فقال عروة‪ :‬ما كان يقيتكم؟ قالت‪ :‬السودان‪ :‬التمر والماء"(‪ .)10‬والمقصود بالهلل الثالث‪:‬‬
‫وهو يُرى عند انقضاء الشهرين‪ .‬وعن عائشة رضي ال عنهما قالت‪” :‬كان فراشُ رسول ال صلّى ال عليه‬

‫البخاري مع الفتح ‪ ،3/67‬ومسلم ‪.3/1221‬‬ ‫‪)(1‬‬

‫مسلم ‪.1/513‬‬ ‫‪)(2‬‬

‫البيهقي بلفظه ‪ ،10/192‬وأحمد ‪ ،2/381‬وانظر‪ :‬الصحيحة لللباني رقم ‪.45‬‬ ‫‪)(3‬‬

‫الترمزي وغيره‪ ،‬وانظر‪ :‬الحاديث الصحيحة برقم ‪ ،439‬وصحيح الترمذي ‪.2/280‬‬ ‫‪)(4‬‬

‫البخاري برقم ‪ ،2389‬ومسلم برقم ‪.991‬‬ ‫‪)(5‬‬

‫البخاري مع الفتح ‪ 9/517‬و ‪.549‬‬ ‫‪)(6‬‬

‫انظر فتح الباري ‪ 9/517‬و ‪ 549‬برقم ‪ ،5374‬ومن حديث عائشة رضي ال عنها برقم ‪.5416‬‬ ‫‪)(7‬‬

‫البخاري مع الفتح ‪.9/549‬‬ ‫‪)(8‬‬

‫البخاري مع الفتح ‪.11/283‬‬ ‫‪)(9‬‬

‫البخاري مع الفتح ‪.11/283‬‬ ‫‪)(10‬‬


‫ُهـ ليفـٌ”(‪ .)1‬وممع هذا كان يقول صملّى ال عل يه وسملّم‪” :‬اللهـم اجعـل رزق آل محمدٍ‬
‫وسـلّم مـن أدَم وحشو ُ‬
‫قوتا”(‪.)2‬‬
‫‪-9‬وكان صلّى ال عل يه و سلّم من أورع الناس؛ ولهذا قال‪” :‬إ ني لنقلب إلى أهلي فأ جد التمرة‬
‫ساقطة على فراشي أو في بيتي فأرفعها لكلها ثم أخشى أن تكون من الصدقة فألقيها”(‪.)3‬‬
‫وأخذ الحسن بن علي تمرة من ت مر الصدقة فجعلها في فيه فقال ر سول ال صلّى ال عليه‬
‫وسلّم‪َ ِ” :‬كخْ ِكَخْ ارمِ بها أما علمت أنّا ل نأكل الصدقة”؟(‪.)4‬‬
‫‪-10‬ومع هذه العمال المباركة العظيمة فقد كان صلّى ال عليه وسلّم يقول‪” :‬خذوا من العمال‬
‫مـا تطيقون فإن ال ل يملّ حتـى تملّوا‪ ،‬وأحـب الع مل إلى ال مـا داوم عل يه صاحبه وإن‬
‫قل” وكان آلُ مح مد صلّى ال عل يه و سلّم إذا عَمِلُوا عملً أثبتوه(‪” .)5‬وكان صلّى ال عل يه‬
‫و سلّم إذا صلى صلة داوم علي ها”(‪ .)6‬و قد تقالّ عبادة ال نبي صلّى ال عل يه و سلّم ن فر من‬
‫أصحابه صلّى ال عليه وسلّم وقالوا‪ :‬وأين نحن من النبي صلّى ال عليه وسلّم؟ وقد غفر ال‬
‫له ما تقدم من ذنبه وما تأخر‪ ،‬فقال بعضهم‪ :‬أما أنا فأنا أصلي الليل أبدًا‪ ،‬وقال بعضهم‪ :‬أنا‬
‫أصموم ول أفطمر‪ ،‬وقال بعضهمم‪ :‬أنما أعتزل النسماء فل أتزوج أبدا [وقال بعضهمم‪ :‬ل آكمل‬
‫اللحم] فبلغ ذلك النبي صلّى ال عليه وسلّم فجاء إليهم فقال‪” :‬أن تم الذين قلتم كذا وكذا؟ أ ما‬
‫وال إني لخشاكم ال أتقاكم له‪ ،‬لكني أصوم وأفطر‪ ،‬وأصلي وأرقد‪ ،‬وأتزوج النساء فمن‬
‫رغـب عـن سـنتي فليـس منـي”(‪ .)7‬والمراد بالسمنة الهدي والطريقمة ل التمي تقابمل الفرض‪،‬‬
‫والرغبة عن الشيء العراض عنه إلى غيره‪ .‬ومع هذه العمال الجليلة فقد كان يقول عليه‬
‫الصلة والسلم‪ ” :‬سددوا وقاربوا واعلموا أنه لن ينجو أحد منكم بعمله” قالوا‪ :‬ول أنت يا‬
‫ر سول ال؟ قال‪” :‬ول أ نا إل أن يتغمد ني ال برحمةٍ م نه وف ضل”‪ .‬و في روا ية‪ ” :‬سددوا‬
‫وقاربوا‪ ،‬واغدوا وروحوا‪ ،‬وشيءٌ من الدّلجة‪ ،‬والقَصْ َد القَصْ َد تبلغوا”(‪ .)8‬وكان يقول‪” :‬يا‬

‫البخاري برقم ‪.6456‬‬ ‫‪)(1‬‬

‫البخاري برقم ‪ ،6460‬ومسلم برقم ‪ 1055‬والقوت‪ :‬هو ما يقوت البدن من غير إسراف وهو معنى الرواية الخرى عند مسلم‬ ‫‪)(2‬‬

‫"كفافا" ويكف عن الحاجة‪ ،‬وقال أهل اللغة‪ :‬القوت‪ :‬هو ما يسد رمق‪ ،‬وفي الكفاف سلمة من آفاق الغنى والفقر جميعا وال أعلم‪.‬‬
‫الفتح ‪ ،11/293‬وشرح النووي ‪ ,7/152‬والبي ‪.3/537‬‬
‫مسلم ‪.2/751‬‬ ‫‪)(3‬‬

‫مسلم ‪.2/751‬‬ ‫‪)(4‬‬

‫البخاري مع الفتح ‪ ،11/294 ،4/213‬ومسم ‪ 1/541‬برقم ‪ ،782‬و ‪.2/811‬‬ ‫‪)(5‬‬

‫البخاري مع الفتح ‪ ،4/213‬وانظر‪ :‬صحيح البخاري حديث رقم ‪.6467 – 6461‬‬ ‫‪)(6‬‬

‫البخاري مع الفتح ‪ ،9/104‬ومسلم ‪ 2/1020‬وما بين المعكوفين من رواية مسلم‪.‬‬ ‫‪)(7‬‬

‫البخاري برقم ‪ ،6464 ،6463‬ومسلم ‪.4/2170‬‬ ‫‪)(8‬‬


‫مقلّب القلوب ثب ّت قلبي على دينك”(‪ .)1‬ويقول‪” :‬اللهم مصرّف القلوب صرّف قلوبنا على‬
‫طاعتك”(‪.)2‬‬
‫وخلصة القول‪ :‬أن الدروس والفوائد والعبر والعظات في هذا المبحث كثيرة منها‪:‬‬
‫‪.1‬إن ال نبي صلّى ال عل يه و سلّم قدوة كل م سلم صادق مع ال تعالى‬
‫ن َلكُ مْ فِي رَ سُولِ اللّ ِه أُ سْوَةٌ‬
‫في كل المور؛ لقوله تعالى‪َ { :‬لقَدْ كَا َ‬
‫حسَ َنةٌ ّلمَن كَانَ َي ْرجُو الّلهَ وَالْ َي ْومَ الخِ َر وَ َذكَرَ الّل َه كَثِيرًا}(‪.)3‬‬
‫َ‬
‫‪.2‬إن النمبي صملّى ال عليمه وسملّم أحسمن الناس خَلْقا‪ ،‬وخُلُقا‪ ،‬وألينهمم‬
‫كفّا‪ ،‬وأطيب هم ريحا‪ ،‬وأكمل هم عقلً‪ ،‬وأح سنهم عشرة‪ ،‬وأعلم هم بال‬
‫وأشد هم له خش ية(‪ ،)4‬وأش جع الناس‪ ،‬وأكرم الناس‪ ،‬وأح سنهم قضاء‪،‬‬
‫وأسممحهم معاملة‪ ،‬وأكثرهمم اجتهادا فمي طاعمة ربمه‪ ،‬وأصمبرهم‬
‫وأقواهمم تحمّلً‪ ،‬وأشدهمم حياء‪ ،‬ول ينتقمم لنفسمه‪ ،‬ول يغضمب لهما‪،‬‬
‫ولكنه إذا انتُهِكت حرمات ال‪ ،‬فإنها ينتقم ال تعالى‪ ،‬وإذا غضب ال‬
‫لم يقم لغضبه أحد‪ ،‬والقوي والضعيف‪ ،‬والقريب والبعيد‪ ،‬والشريف‬
‫وغيره عنده في ال حق سواء‪ ،‬و ما عاب طعاما قطا إن اشتهاه أكله‪،‬‬
‫وإن لم يشت هه تر كه‪ ،‬ويأ كل من الطعام المباح ما تي سر ول يتكلف‬
‫في ذلك‪ ،‬ويق بل الهد ية ويكا فئ علي ها‪ ،‬ويخ صف نعل يه وير قع ثو به‪,‬‬
‫ب شاته‪ ,‬ويخدِ مُ نفسه‪ ،‬وكان أشد الناس‬
‫ويخدم في مهنة أهله‪ ,‬ويحلِ ُ‬
‫تواضعا‪ ،‬ويج يب الدا عي‪ :‬من غ ني أو فق ير‪ ،‬أو دن يء أو شر يف‪،‬‬
‫وكان يحمب المسماكين ويشهمد جنائز هم ويعود مرضاهمم‪ ،‬ول يح قر‬
‫فقيمر لفقره‪ ,‬ول يهاب مَلكاً لملكمه‪ ,‬وكان يركمب الفرس‪ ,‬والبعيمر‪,‬‬
‫مه(‪.)5‬‬
‫مي خلفم‬
‫مه‪ ,‬ول يدع أحداً يمشم‬
‫والحمار‪ ,‬والبغلة‪ ,‬ويردف خلفم‬
‫وخاتمه فضة وفصه منه‪ ,‬يلبسه في خنصره اليمن وربما يلبسه في‬
‫اليسمر‪ ،‬وكان يعصمب على بطنمه الحجمر ممن الجوع‪ ،‬وقمد آتاه ال‬
‫مفاتيح خزائن الرض‪ ،‬ولكنه اختار الخرة‪ ،‬وكان يكثر الذكر‪ ،‬دائم‬

‫الترمزي ‪ 5/238‬وغيره‪ ،‬وانظر‪ :‬صحيح الترمزي ‪.3/171‬‬ ‫‪)(1‬‬

‫مسلم ‪.4/2045‬‬ ‫‪)(2‬‬

‫سورة الحزاب‪ ،‬الية‪.21 :‬‬ ‫‪)(3‬‬

‫ولهذا قال عبد ال بن الشّخّير‪ :‬أتيت رسول ال صلّى ال عليه وسلّم وهو يصلي ولجوفه أزيزٌ كأزيز المِرجل من البكاء‪،‬‬ ‫‪)(4‬‬

‫أبو داود برقم ‪ ،904‬وصححه اللباني في مختصر الشمائل برقم ‪ ,276‬ومعنى‪ :‬أزير المرجل‪ :‬أي غليان القدر‪.‬‬
‫أحمد ‪ ،3/398‬وابن ماجه برقم ‪ ,246‬والحاكم ‪ ،4/481‬وابن حبان موارد ‪ , 2099‬وانظر‪ :‬الحاديث الصحيحة برقم ‪.1557‬‬ ‫‪)(5‬‬
‫الفكر‪ ،‬ويقل اللغو‪ ،‬ويطيل الصلة‪ ،‬ويقصر الخطبة‪ ،‬ويحب الطيب‬
‫ول يرده‪ ،‬ويكره الروائح الكريهة‪ ،‬وكان أكثر الناس تبسما‪ ،‬وضحك‬
‫فمي أوقات حتمى بدت نواجذه(‪ )1‬ويمزح ول يقول إل حقّا‪ ،‬ول يجفمو‬
‫أحدا‪ ،‬ويقبل عذر المعتذر إليه‪ ،‬وكان يأكل بأصابعه الثلث ويلعقهن‪،‬‬
‫ويتنفمس فمي الشرب ثلثا خارج الناء‪ ،‬ويتكلم بجواممع الكلم‪ ،‬وإذا‬
‫صملٍ‪ ،‬يحفظمه ممن جلس إليمه‪ ،‬ويعيمد الكلم‬
‫نم فَ ْ‬
‫تكلم تكلّم بكلم بيّ ٍ‬
‫ثلثا إذا لم تفهم حتى تُفهم عنه‪ ،‬ول يتكلم من غير حاجة‪ ،‬وقد جمع‬
‫ال له مكارم الخلق ومحاسمن الفعال‪ ،‬فكانمت معاتبتمه تعريضا‪،‬‬
‫وكان يأ مر بالر فق ويح ثّ عل يه‪ ،‬وين هي عن الع نف‪ ،‬وي حث على‬
‫العفمو والصمفح‪ ،‬والحلم‪ ،‬والناة‪ ،‬وحسمن الخلق ومكارم الخلق‪،‬‬
‫وكان يحمب التيممن فمي طهوره وتنعّله‪ ،‬وترجّله‪ ،‬وفمي شأنمه كله‪،‬‬
‫وكانت يده اليسرى لخلئه وما كان من أذى‪ ،‬وإذا اضطجع اضطجع‬
‫على جنبمه اليممن‪ ،‬ووضمع كفمه اليمنمى تحتمه خده اليممن‪ ،‬وإذا‬
‫عرّس(‪ )2‬قُبيل الصبح نصب ذرا عه ووضع رأسه على كفه‪ ،‬وكان‬
‫مجلسمه‪ :‬مجلس علم‪ ،‬وحلم‪ ،‬وحياء‪ ،‬وأمانمة ‪ ,‬وصميانة‪ ,‬وصمبر‪,‬‬
‫وسمكينة‪ ,‬ول ترفمع فيمه الصموات‪ ،‬ول تنتهمك فيمه الحرمات‪،‬‬
‫يتفاضلون فممي مجلسممه بالتقوى‪ ،‬ويتواضعون‪ ،‬ويًوقّرون الكبار‪،‬‬
‫ويرحَمُون ال صغار‪ ،‬ويؤثرون المحتاج‪ ،‬ويخرجون دعاة إلى الخ ير‪،‬‬
‫وكان يجلس على الرض‪ ،‬ويأكمل على الرض‪ ،‬وكان يمشمي ممع‬
‫الرملة والمسمكين‪ ،‬والعبمد‪ ،‬حتمى يقضمي له حاجتمه‪ .‬وممر على‬
‫الصبيان يلعبون فسلّم عليهم‪ ،‬وكان ل يصافح النساء غير المحارم‪.‬‬
‫وكان يتألف أصحابه ويتفقدهم‪ ،‬ويكرم الكريم كل قوم‪ ،‬ويقبل بوجهه‬
‫وحديثمه على ممن يحادثمه‪ ،‬حتمى على أشرّ القوم يتألفهمم بذلك‪ ،‬ولم‬
‫يكن فاحشا ول متفحشأ ول صخّابا(‪ ،)3‬ول يجزي بالسيئة السيئة بل‬
‫يعفمو ويصمفح ويحلم‪ ,‬ولم يضرب خادما ول امرأة ول شيئا قمط‪ ,‬إل‬
‫أن يجاهمد فمي سمبيل ال تعالى‪ ,‬ومما خُيّرم بيمن شيئيمن إل اختار‬

‫النواجذ‪ :‬النياب‪.‬‬ ‫‪)(1‬‬

‫التعريس‪ :‬نزول مسافة آخر الليل نزلةً للنوم والستراحة‪ .‬انظر‪ :‬النهاية في غريب الحديث ‪.3/206‬‬ ‫‪)(2‬‬

‫الصّخّاب‪ :‬الصخب والسخب‪ :‬الضجة واضطراب الصوات للخصام‪ ،‬فهو صلّى ال عليه وسلّم لم يكن صخّابا في السواق‬ ‫‪)(3‬‬

‫ول في غيرها‪ .‬النهاية ‪.3/14‬‬


‫أيسرهما ما لم يكن إثما‪ ,‬فإن كان إثما كان أبعد الناس عنه‪.‬‬
‫وقد جمع ال له كمال الخلق ومحا سن الشيم وآتاه من العلم والفضل وما ف يه النجاة والفوز والسعادة في‬
‫الدنيا والخرة ما لم يؤت أحدا من العالمين‪ ,‬وهو أمي ل يقرأ ول يك تب‪ ,‬ول معلم له من البشر‪ ،‬واختاره ال‬
‫على جم يع الول ين والخر ين‪ ،‬وج عل دي نه لل جن والناس أجمع ين إلى يوم الد ين‪ ،‬ف صلوات ال و سلمه عل يه‬
‫صلةً وسلما دائمين إلى يوم الدين؛ فإن خلقه كان من القرآن‪.‬‬
‫فينبغمي القتداء بمه صملّى ال عليمه وسملّم والتأسمي فمي جميمع أعماله‪ ،‬وأقواله‪ ،‬وجده واجتهاده‪ ،‬وجهاده‪،‬‬
‫وزهده‪ ،‬وورعه‪ ،‬وصدقه وإخلصه‪ ،‬إل في ما كان خاصّا به‪ ،‬أو ما ل يُقدر على فعله؛ لقوله صلّى ال عليه‬
‫و سلّم‪” :‬خذوا من العمال ما تطيقون فإن ال ل ي مل ح تى تملوا(‪)2(”)1‬؛ ولقوله‪ ” :‬ما نهيت كم ع نه فاجتنبوه‪،‬‬
‫وما أمرتكم به فأتوا منه ما استطعتم”(‪.)3‬‬

‫المبحث الثالث‪ :‬خير أعماله وخواتمها‬


‫كان صلّى ال عليه وسلّم إذا عمل عملً أثبته وداوم عليه؛ ولهذا قال‪” :‬إن أحب العمال إلى ال تعالى ما‬
‫داوم عليه صاحبه وإن قل”(‪ .)4‬وعن أبي هريرة رضي ال عنه قال‪” :‬كان النبي صلّى ال عليه وسلّم يعتكف‬
‫في كل رمضان عشرة أيام فلما كان العام الذي قبض فيه اعتكف عشرين يوما‪ ،‬وكان يعرض عليه القرآن في‬
‫كل عام مرة‪ ،‬فلما كان العام الذي قُبض فيه عرض القرآن مرتين”(‪.)5‬‬
‫وعمن عائشمة رضمي ال عنهما قالت‪ :‬كان رسمول ال صملّى ال عليمه وسملّم يكثمر القول قبمل أن يموت‪:‬‬
‫”سـبحانك اللهـم وبحمدك‪ ،‬أسـتغفرك وأتوب إليـك”‪ .‬قالت‪ :‬قلت‪ :‬يما رسمول ال‪ ،‬مما هذه الكلمات التمي أراك‬
‫أحدثتها تقولها؟ قال‪” :‬جُعلت لي علمةٌ في أمتي إذا رأيتها قلتها {إِذَا جَاءَ نَ صْ ُر اللّ ِه وَا ْلفَتْ حُ}(‪ .)6‬وقد قال ابن‬
‫صرُ اللّهِ وَا ْلفَتْحُ} إنها‪ :‬أجل رسول ال صلّى ال عليه وسلّم‬
‫عباس رضي ال عنهما لعمر عن هذه‪{ :‬إِذَا جَا َء نَ ْ‬
‫أعلمه إياه‪ ,‬فقال‪ :‬ما أعلم منها إل ما تعلم”(‪ .)7‬وقيل‪ :‬نزلت {إِذَا جَا َء نَصْ ُر اللّهِ وَا ْلفَتْحُ} يوم النحر والنبي صلّى‬
‫ال عليمه وسملّم فمي منمى بحجمة الوداع(‪ ،)8‬وقيمل‪ :‬نزلت أيام التشريمق(‪ ،)9‬وعنمد الطمبراني أنهما لمما نزلت هذه‬

‫تقدم تخريجه‪.‬‬ ‫‪)(1‬‬

‫انظر‪ :‬تهذيب السيرة النبوية للمام النووي ص ‪ ،56‬ومختصر السيرة النبوية للحافظ عبد الغني المقدسي ص ‪ ،77‬وحقوق‬ ‫‪)(2‬‬

‫المصطفى للقاضي عياض ‪ ،215 – 1/77‬ومختصر الشمائل المحمدية للترمذي ص ‪.188-112‬‬


‫البخاري برقم ‪ ،7288‬ومسلم برقم ‪.2619‬‬ ‫‪)(3‬‬

‫البخاري مع الفتح ‪ ،9/43‬برقم ‪ ،4998‬و ‪ ،4/213‬ومسلم ‪ 2/811‬وتقدم تخريجه‪.‬‬ ‫‪)(4‬‬

‫البخاري برقم ‪ ،4433‬ومسلم ‪.2450‬‬ ‫‪)(5‬‬

‫مسلم ‪.1/351‬‬ ‫‪)(6‬‬

‫البخاري مع الفتح ‪.8/130‬‬ ‫‪)(7‬‬

‫انظر‪ :‬الفتح ‪ ،8/734‬وقيل‪ :‬عاش بعدها إحدى وثمانين يوما‪ .‬فتح ‪.8/734‬‬ ‫‪)(8‬‬

‫انظر‪ :‬المرجع السابق ‪.8/130‬‬ ‫‪)(9‬‬


‫السورة أخذ رسول ال صلّى ال عليه وسلّم أشدّ ما كان اجتهادا في أمر الخرة(‪)1‬؛ ولهذا قالت عائشة رضي‬
‫ال عنه ما‪ :‬كان ر سول ال صلّى ال عل يه و سلّم يك ثر أن يقول في ركو عه و سجوده‪ ” :‬سبحانك الل هم رب نا‬
‫حمْدِ‬
‫وبحمدك‪ ،‬اللهم اغفر لي” يتأول القرآن(‪ .)2‬ومعنى ذلك أنه يفعل ما أمر به فيه وهو قوله تعالى‪{ :‬فَ سَ ّبحْ ِب َ‬
‫ك وَاسْتَ ْغفِرْهُ إِ ّن ُه كَانَ َتوّابًا}(‪.)3‬‬
‫رَبّ َ‬
‫وخلصة القول‪ :‬أن الدروس والفوائد والعبر المستنبطة من هذا المبحث كثيرة‪ ،‬ومنها‪:‬‬
‫‪ 1‬م ال حث على المداو مة على الع مل ال صالح‪ ،‬وأن قليلً دائما خ ير من كث ير منق طع؛ لن بدوام الع مل‬
‫الصالح القليل تدوم الطاعة والذكر‪ ،‬والمراقبة‪ ،‬والنية‪ ،‬والخلص‪ ,‬والقبال على الخالق‪ ،‬والقليل الدائم يثمر؛‬
‫لنه يزيد على الكثير المنقطع أضعافا كثيرة(‪.)4‬‬
‫خشِيَ عليه أن يمل فيفضي ذلك إلى تركه(‪.)5‬‬
‫‪ 2‬م من أجهد نفسه في شيء من العبادات ل يطيق العمل به ُ‬
‫‪ 3‬م النسان المسلم كلما تقدم في العمر اجتهد في العمل على حسب القدرة والطاقة‪ ،‬ليلقى ال على خير‬
‫أحواله؛ ولن العمال بالخواتيم‪ ،‬وخير العمال الصالحة خواتيمها(‪.)6‬‬

‫المبحث الرابع‪ :‬وداعه لمته ووصاياه في حجة الوداع‬


‫‪ 1‬ـ أذانه في الناس بالحج‪:‬‬
‫‪ 1‬م بعد أن بلّغ صلّى ال عليه وسلّم البلغ المبين وأدى المانة‪ ،‬ونصح المة‪ ،‬وجاهد في ال حق جهاده‪،‬‬
‫أعلن في الناس وأذّن في هم وأعلم هم أ نه حاج في ال سنة العاشرة – ب عد أن م كث في المدي نة ت سع سنين كل ها‬
‫معمورة بالجهاد والدعوة والتعل يم – وب عد هذا النداء العظ يم الذي ق صد به صلّى ال عل يه و سلّم إبلغ الناس‬
‫فري ضة ال حج‪ ،‬ليتعلموا المنا سك م نه صلّى ال عل يه و سلّم؛ وليشهدوا أقواله‪ ،‬وأفعاله‪ ،‬ويو صيهم ليبلغ الشا هد‬
‫الغائب‪ ،‬وتشيع دعوة السلم‪ ،‬وتبلغ الرسالة القريب والبعيد(‪ .)7‬قال جابر رضي ال عنه‪ :‬إن رسول ال صلّى‬
‫ال عل يه و سلّم م كث ت سع سنين لم ي حج ثم أذّن في الناس في العاشرة أن ر سول ال صلّى ال عل يه و سلّم‬
‫حاجّ‪ ،‬فقدم المدينة بشر كثير كلهم يلتمس أن يأتم برسول ال صلّى ال عليه وسلّم‪ ،‬ويعمل مثل عمله‪ ...‬وساق‬
‫الحديث وفيه‪ :‬حتى إذا استوت به ناقته على البيداء(‪ )8‬نظرت إلى مد بصري بين يديه من راكب وما شٍ‪ ،‬وعن‬

‫انظر‪ :‬فتح الباري ‪.8/130‬‬ ‫‪)(1‬‬

‫البخاري برقم ‪ ،794‬ومسلم برقم ‪.484‬‬ ‫‪)(2‬‬

‫انظر‪ :‬شرح النووي ‪.4/447‬‬ ‫‪)(3‬‬

‫انظر‪ :‬فتح الباري ‪ ،1/103‬وشرح النووي ‪.6/318‬‬ ‫‪)(4‬‬

‫انظر‪ :‬فتح الباري ‪.4/215‬‬ ‫‪)(5‬‬

‫انظر‪ :‬فتح الباري ‪ ،4/285‬و ‪.9/46‬‬ ‫‪)(6‬‬

‫انظر‪ :‬شرح النووي على صحيح مسلم ‪ , 8/422‬وشرح البي ‪.4/244‬‬ ‫‪)(7‬‬

‫البيداء‪ :‬اسم للمفازة والصحراء التي ل شيء فيها‪ ،‬وهي هنا موضع بذي الحليفة‪ .‬فتح الملك المعبود ‪.2/9‬‬ ‫‪)(8‬‬
‫يمي نه مثل ذلك‪ ،‬وعن يساره مثل ذلك‪ ،‬ومن خلفه مثل ذلك(‪ ,)1‬ورسول ال صلّى ال عليه وسلّم ب ين أظهرنا‬
‫وعل يه ينزل القرآن و هو يعلم تأويله و ما ع مل به من ش يء عمل نا به‪ ...‬و ساق الحد يث وقال‪ :‬ح تى إذا أ تى‬
‫عرفة فوجد القبة قد ضُرِبت له بنمرة فنزل بها‪.‬‬

‫‪ 2‬ـ وداعه ووصيته لمته في عرفات‪:‬‬


‫قال جابر رضي ال عنه‪ :‬حتى إذا زاغت الشمس أمر بالقصواء فرحلت له فأتى بطن الوادي فخطب الناس‬
‫وقال‪” :‬إن دمائكم وأموالكم حرام عليكم كحرمة يومكم هذا‪ ،‬في شهركم هذا‪ ،‬في بلدكم هذا‪ ،‬أل كل شيء من‬
‫أمر الجاهلية تحت قدمي موضوع(‪ )2‬ودماء الجاهلية موضوعة‪ ،‬وإن أول د مٍ أضع من دمائنا دم ابن ربيعة‬
‫بن الحارث كان م سترضعا في ب ني سعد فقتل ته هذ يل‪ ،‬ور با الجاهل ية موضوع‪ ،‬وأول ربا أ ضع ربا نا ر با‬
‫عباس بـن عبـد المطلب فإنـه موضوع كله(‪ )3‬فاتقوا ال فـي النسـاء فإنكـم أخذتموهـن بأمان ال‪ ،‬واسـتحللتم‬
‫فروجهـن بكلمـة ال(‪ )4‬ولكـم عليهـن أن ل يوطئن فراشكـم(‪ )5‬أحدا تكرهونـه فإن فعلن ذلك فاضربوهـن ضربا‬
‫غير مبرّح(‪ )6‬ولهن عليكم رزقهن وكسوتهن بالمعروف‪ ،‬وقد تركت فيكم ما لن تضلوا بعده إن اعتصمتم به‬
‫كتاب ال(‪ ,)7‬وأنتم تسألون عني فما أنتم قائلون”؟ قالوا‪ :‬نشهد أنك قد بلغت‪ ،‬وأديت‪ ,‬ونصحت‪ .‬فقال بإصبعه‬

‫قيل كان عددهم تسعين ألفا‪ ،‬وقيل مائة وثلثين ألفا‪ .‬انظر‪ :‬المرجع السابق ‪ ،2/9‬و ‪.105‬‬ ‫‪)(1‬‬

‫والمعنى أنه أبطل كل شيء من أمور الجاهلية وصار كالشيء الموضوع تحت القدمين فل يعمل به في السلم‪ ،‬فجعله‬ ‫‪)(2‬‬

‫كالشيء الموضوع تحت القدم من حيث إهماله وعدم المبالة به‪ .‬انظر‪ :‬شرح النووي ‪ ،8/432‬وشرح البي ‪ ،4/255‬وفتح الملك‬
‫المعبود ‪.2/18‬‬
‫والمعنى الزائد على رأس المال باطل أما رأس المال فلصاحبه بنص القرآن‪ ،‬انظر‪ :‬شرح النووي ‪.8/433‬‬ ‫‪)(3‬‬

‫قيل‪ :‬الكلمة هي‪ :‬المر بالتسريح بالمعروف أو المساك بإحسان‪ ،‬وقيل‪ :‬هي ل إله إل ال‪ ،‬وقيل‪ :‬اليجاب والقبول‪ ،‬وقيل‪:‬‬ ‫‪)(4‬‬

‫هي قوله تعالى‪{ :‬فَانكِحُواْ مَا طَابَ َلكُم مّنَ النّسَاءِ}‪ ،‬سورة النساء‪ ،‬الية‪ .3 :‬قال النووي ‪ ،8/433‬وشرح البي ‪ ،4/256‬وفتح‬
‫الملك المعبود ‪.2/19‬‬
‫والمعنى ل يأذن لحد من الرجال أو النساء تكرهون أن يدخل منازلكم‪ ،‬وليس المراد من ذلك الزنا؛ لنه حرام سواء كرهه‬ ‫‪)(5‬‬

‫الزوج أو لم يكرهوه؛ ولن فيه الحد‪ .‬شرح النووي ‪ ،8/433‬والبي ‪ ,4/257‬وفتح الملك المعبود ‪.2/20‬‬
‫غير المبرّح‪ :‬ل شديد ول شاق‪ ،‬انظر‪ :‬فتح الملك المعبود ‪ ،2/19‬وشرح النووي ‪.8/434‬‬ ‫‪)(6‬‬

‫والمعنى قد تركت فيكم أمرا لن تخطئوا إن تمسكتم به في العتقاد والعمل وهو كتاب ال الذي ل يأتيه الباطل من بين يده‬ ‫‪)(7‬‬

‫ول من خلفه‪ ،‬وسكت عن السنة؛ لن القرآن هو الصل في الدين‪ ،‬أو لن القرآن أمر باتباع السنة كما قال سبحانه‪{ :‬يَا أَ ّيهَا‬
‫خذُوهُ وَمَا َنهَا ُكمْ عَنْهُ‬
‫اّلذِينَ آ َمنُواْ َأطِيعُواْ اللّ َه وَأَطِيعُواْ الرّسُولَ}‪ .‬سورة النساء‪ ،‬الية‪ .59 :‬وقال‪{ :‬وَمَا آتَاكُمُ الرّسُولُ فَ ُ‬
‫فَان َتهُوا}‪ .‬سورة الحشر‪ ,‬الية‪ .7 :‬انظر‪ :‬فتح الملك المعبود ‪ ،2/20‬وقد جاء عند الحاكم من حديث ابن عباس رضي ال عنهما‬
‫الوصية ب "‪ ...‬كتاب ال وسنة نبيه‪ "..‬وصححه اللباني في صحيحه الترغيب برقم ‪.36‬‬
‫السبّابة يرفعها إلى السماء وينكتها إلى الناس‪” :‬اللهم اشهد‪ ،‬اللهم اشهد” ثلث مرات(‪ .)1‬وقد كان في الموقف‬
‫جمّ غفير ل يُحصي عددها إل ال تعالى(‪.)2‬‬
‫وأُنزل على ال نبي صلّى ال عل يه و سلّم في يوم عر فة يوم الجم عة قوله تعالى‪{ :‬الْ َيوْ َم أَ ْكمَلْ تُ َلكُ مْ دِي َنكُ مْ‬
‫لمَ دِينًا}(‪ )3‬وهذه أكبر نعم ال تعالى على هذه المة حيث أكمل تعالى‬
‫ت َلكُ مُ الِ سْ َ‬
‫َوأَ ْت َممْ تُ عَلَ ْيكُ مْ ِن ْعمَتِي وَرَضِي ُ‬
‫ل هم دين هم فل يحتاجون إلى د ين غيره‪ ,‬ول إلى نبي غ ير نبيهم صلّى ال عل يه و سلّم؛ ولهذا جعله ال خا تم‬
‫النبياء‪ ,‬وبعثه إلى الجن والنس فل حلل إل ما أحلّه‪ ،‬ول حرام إل ما حرّمه‪ ،‬ول دين إل ما شر عه‪ ,‬وكل‬
‫ت كَ ِلمَ تُ رَبّ كَ صِدْقًا وَعَ ْدلً}(‪ )4‬أي صدقا في‬
‫ش يء أ خبر به ف هو حق و صدق‪ ,‬ل كذب ف يه ول خلف‪{ ,‬وَ َتمّ ْ‬
‫الخبار وعدلً في الوامر والنواهي‪ ,‬فلما أكمل ال لهم الدين تمت عليهم النعمة(‪.)5‬‬
‫وقد ذُ كر أن عمر بكى عندما نزلت هذه الية في يوم عرفة‪ ,‬فقيل له‪ :‬ما يبكيك؟ قال‪ :‬أبكاني أنا كنا في‬
‫زيادة من ديننا‪ ,‬فأما إذا أُكمل فإنه لم يكمل شيء إل نقص(‪ ,)6‬وكأنه رضي ال عنه توقع موت النبي صلّى ال‬
‫عليه وسلّم قريبا‪.‬‬

‫‪ 3‬ـ وداعه ووصيته لمنه عند الجمرات‪:‬‬


‫قال جابر رضي ال عنه‪ :‬رأيت النبي صلّى ال عليه وسلّم يرمي على راحلته يوم النحر ويقول‪” :‬لتأخذوا‬
‫مناسككم فإني ل أدري لعلّي ل أحُجّ بعد حجتي هذه”(‪.)7‬‬
‫و عن أم الح صين ر ضي ال عن ها قالت‪ :‬حج جت مع ر سول ال صلّى ال عل يه و سلّم فرأي ته ح ين ر مى‬
‫جمرة العق بة وان صرف و هو على راحل ته وم عه بلل وأ سامة‪ ...‬فقال ر سول ال صلّى ال عل يه و سلّم قولً‬
‫كثيرا ثم سمعته يقول‪” :‬إن أُمّر عليكم عبد مجدّع أسود يقودكم بكتاب ال تعالى فاسمعوا له وأطيعوا”(‪.)8‬‬

‫‪ 4‬ـ وصيته ووداعه لمته يوم النحر‪:‬‬


‫عن أ بي بكرة ر ضي ال ع نه أن ال نبي صلّى ال عل يه و سلّم ق عد على بعيره وأم سك إن سان بحطا مه – أو‬
‫بزمامه – وخطب الناس فقال‪” :‬أتدرون أيّ يوم هذا”؟ قالوا‪ :‬ال ورسوله أعلم [فسكت] حتى ظننا أنه سيسميه‬
‫بغير اسمه‪ ,‬فقال‪” :‬أليس بيوم النحر”؟ قلنا‪ :‬بلى يا رسول ال! قال‪” :‬فأي شهر هذا”؟ قلنا‪ :‬ال ورسوله أعلم‬

‫أخرجه مسلم برقم ‪.1218‬‬ ‫‪)(1‬‬

‫قيل‪ :‬مائة وثلثون ألفا‪ .‬انظر‪ :‬فتح الملك المعبود ‪.2/105‬‬ ‫‪)(2‬‬

‫سورة المائدة‪ ,‬الية‪ ,3 :‬والحديث أخرجه البخاري برقم ‪ ,45‬ومسلم برقم ‪.3017 ,3016‬‬ ‫‪)(3‬‬

‫سورة النعام‪ ,‬الية‪.115 :‬‬ ‫‪)(4‬‬

‫تفسير ابن كثير ‪.2/12‬‬ ‫‪)(5‬‬

‫ذكره ابن كثير في تفسيره ‪ 2/12‬وعزاه بإسناده إلى تفسير الطبري‪ .‬وهذا يشهد له قوله صلّى ال عليه وسلّم‪” :‬بدأ السلم‬ ‫‪)(6‬‬

‫غريبا وسيعود غريبًا كما بدأ‪.”...‬‬


‫مسلم برقم ‪.1297‬‬ ‫‪)(7‬‬

‫مسلم برقم ‪.1298‬‬ ‫‪)(8‬‬


‫[فسكت] حتى ظننا أنه سيسمه بغير اسمه‪ ,‬فقال‪” :‬أليس بذي الح جة”؟ قلنا بلى يا رسول ال‪ .‬قال‪” :‬فأي بلد‬
‫هذا”؟ قلنا ال ورسوله أعلم [فسكت] حتى ظننا أنه سيسميه بغير اسمه‪ .‬قال‪” :‬أليست البلدة الحرام”؟ قلنا‪ :‬بلى‬
‫يا ر سول ال ‪ ,‬قال‪” :‬فإن دماء كم‪ ,‬وأموال كم‪ ,‬وأعراض كم‪ ,‬وأبشار كم علي كم حرام كحر مة يوم كم هذا‪ ,‬في‬
‫شهركم هذا‪ ,‬في بلدكم هذا [وستلقون ربكم فيسألكم عن أعمالكم‪ ,‬فل ترجعوا بعدي كفارا [أو ضُلّلً يضرب‬
‫(‪)1‬‬
‫بعضكم رقاب بعض‪ ,‬أل ليبلغ الشاهد [منكم] الغائب [فَرُب ّ مُبلّغ أوعى من سامع] أل هل بلّ غت [ثم انكفأ‬
‫إلى كبشين أملح ين فذبحه ما‪ )2(”..‬قال ابن عباس رضي ال عنهما‪ :‬فوالذي نفسي بيده إنها لوصيته إلى أمته‬
‫فليبلغ الشاهد الغائب(‪.)3‬‬
‫وسكوته صلّى ال عليه وسلّم بعد كل سؤال من هذه السئلة الثلثة كان لستحضار فهومهم‪ ,‬وليقبلوا عليه‬
‫بكليتهم‪ ,‬وليستشعروا عظمة ما يخبرهم عنه(‪.)4‬‬
‫وعن ابن عمر رضي ال عنهما قال‪" :‬وقف النبي صلّى ال عليه وسلّم يوم النحر بين الجمرات‪ ...‬وقال‪:‬‬
‫”هذا يوم الحج الكبر” وطَفِق(‪ )5‬النبي يقول‪” :‬اللهم اشهد” وودع الناس فقالوا‪ :‬هذه حجة الوداع"(‪.)6‬‬
‫وقد فتح ال أسماع جميع الحجاج بمنى حتى سمعوا خطبة النبي صلّى ال عليه وسلّم يوم النحر‪ ,‬هذا من‬
‫معجزاته أن بارك في أسماعهم وقوّاها حتى سمعها القاضي الداني حتى كانوا يسمعون وهم في منازلهم (‪.)7‬‬
‫ف عن ع بد الرح من بن معاذ التي مي ر ضي ال ع نه قال‪" :‬خطب نا ر سول ال صلّى ال عل يه و سلّم ون حن بم نى‬
‫فَ ُفتِحت أسماعُنا حتى كنا نسمع ما يقول ونحن في منازلنا‪.)8("..‬‬

‫‪ 5‬ـ وصيته صلّى ال عليه وسلّم لمته في أوسط أيام التشريق‪:‬‬


‫وخطب صلّى ال عليه وسلّم الناس في اليوم الثاني عشر من ذي الحجة وهو ثاني أيام التشريق ويقال له‪:‬‬
‫يوم الرؤوس؛ لن أهل مكة يسمونه بذلك؛ لكلهم رؤوس الضاحي ف يه‪ ,‬وهو أوسط أيام التشريق(‪ ,)9‬فعن أبي‬
‫نجيح عن رجلين من أصحاب النبي صلّى ال عليه وسلّم‪ ,‬وهما من بني بكر‪ ,‬قال‪ :‬رأينا رسول ال صلّى ال‬
‫انكفأ‪ :‬أي انقلب‪ .‬انظر‪ :‬شرح النووي ‪.11/183‬‬ ‫‪)(1‬‬

‫البخاري ‪ 3/26‬برقم ‪ ,7447 ,7078 ,5550 ,4662 ,4406 ,3197 ,1741 ,105 ,67‬ومسلم برقم ‪ 1679‬واللفاظ من‬ ‫‪)(2‬‬

‫هذه المواضع‪.‬‬
‫البخاري برقم ‪.1739‬‬ ‫‪)(3‬‬

‫انظر‪ :‬فتح الباري ‪.1/159‬‬ ‫‪)(4‬‬

‫طفق‪ :‬جعل وشرع بقول‪.‬‬ ‫‪)(5‬‬

‫البخاري برقم ‪.1742‬‬ ‫‪)(6‬‬

‫انظر‪ :‬عون المعبود ‪ ,5/436‬وفتح الملك المعبود ‪.2/106‬‬ ‫‪)(7‬‬

‫أبو داود برقم ‪ 1957‬وفي آخره قصة تدل على أنه يوم النحر‪ ,‬والحديث صححه اللباني في صحيح سنن أبي داود برقم‬ ‫‪)(8‬‬

‫‪.1/369 ,1724‬‬
‫انظر‪ :‬عون المعبود شرح سنن أبي داود ‪ ,5/432‬وفتح الملك المعبود تكملة المنهل العذب المورود ‪ ,2/100‬وفتح الباري‬ ‫‪)(9‬‬

‫‪.3/574‬‬
‫عليه وسلّم يخطب بين أوسط أيام التشريق‪ ,‬ونحن عند راحلته‪ ,‬وهي خطبة رسول ال صلّى ال عليه وسلّم‬
‫ال تي خ طب(‪ )1‬بم نى(‪ ,)2‬و عن أ بي نضرة قال‪ :‬حدث ني من سمع خط بة ال نبي صلّى ال عل يه و سلّم و س ْطَ أيام‬
‫التشر يق فقال‪ ” :‬يا أي ها الناس إن ربكم وا حد‪ ,‬وإن أباكم وا حد‪ ,‬أل ل فضل لعر بي على أعج مي ول لعج مي‬
‫على عربي‪ ،‬ول لحمر على أسود‪ ,‬ول لسود على أحمر على أحمر إل بالتقوى‪ ,‬أبلغت”؟ قالوا‪ :‬بلّغ رسول‬
‫ال صلّى ال عل يه وسملّم‪ .‬ثمم قال‪” :‬أي يوم هذا”؟ قالوا‪ :‬يوم حرام‪ .‬ثمم قال‪” :‬أيّـ شهـر هذا”؟ قالوا‪ :‬شهمر‬
‫حرام‪ .‬ثم قال‪” :‬أي بلد هذا”؟ قالوا‪ :‬بلد حرام‪ .‬قال‪” :‬فإن ال قد حرّم بينكم دماءكم‪ ,‬وأموالكم‪ ,‬وأعراضكم‪,‬‬
‫كحرمة يومكم هذا‪ ,‬في شهركم هذا‪ ,‬في بلدكم هذا‪ ،‬أبلغت”؟ قالوا بلّغ رسول ال صلّى ال عليه وسلّم‪ .‬قال‪:‬‬
‫”ليبلغ الشاهد الغائب”(‪.)3‬‬
‫وهناك جمل من خطبه صلّى ال عليه وسلّم في حجة الوداع في الماكن المقدسة منها حديث ابن عباس‬
‫رضي ال عنهما أن رسول ال صلّى ال عليه وسلّم خطب الناس في حجة الوداع فقال‪” :‬إن الشيطان قد يئس‬
‫أن يُع بد بأرض كم ول كن ر ضي أن يُطاع في ما سوى ذلك م ما تحاقرون من أعمال كم فاحذروا‪ ,‬إ ني قد تر كت‬
‫فيكم ما إن اعتصمتم به فلن تضلوا أبدا‪ ,‬كتاب ال وسنة نبيه‪ ”...‬الحديث(‪ .)4‬وحديث أبي أمامة رضي ال‬
‫عنه قال‪ :‬سمعت رسول ال صلّى ال عليه وسلّم يقول وهو يخطب الناس على ناقته الجدعاء في حجة الوداع‬
‫يقول‪ ” :‬يا أي ها الناس أطيعوا رب كم‪ ,‬وصـلّوا خمسـكم‪ ,‬وأدّوا زكاة أموالكـم‪ ،‬وصـوموا شهركـم‪ ,‬وأطيعوا ذا‬
‫أمركم تدخلوا جنة ربكم”(‪.)5‬‬
‫وخلصة القول‪ :‬أن الدروس والفوائد والعبر المستنبطة من هذا المبحث كثيرة‪ ,‬ومنها‪:‬‬
‫‪ 1‬م إن كل من قدم المدينة إجابة لذان النبي صلّى ال عليه وسلّم بالحج فقد حج مع النبي صلّى ال عليه‬
‫وسلّم؛ لقول جابر رضي ال عنه‪" :‬فقدم المدينة بشر كثير كلهم يلتمس أن يأتمّ برسول ال صلّى ال عليه وسلّم‬
‫ويعمل مثل عمله"(‪.)6‬‬
‫‪ 2‬م استحباب نزول الحاج إلى عرفات بعد زوال الشمس إن تيسر ذلك‪.‬‬

‫ومعنى قوله‪" :‬وهي خطبته التي خطب بمنى" أي مثل الخطبة التي خطبها يوم النحر بمنى‪ ,‬فالخطبتان‪ :‬في يوم النحر‪ ,‬وفي‬ ‫‪)(1‬‬

‫ثاني أيام التشريق اليوم الثاني عشر متحدتان في المعنى‪ .‬انظر‪ :‬عون المعبود ‪ ،5/431‬وفتح الملك المعبود ‪.2/100‬‬
‫أبو داود برقم ‪ 1952‬ويشهد له حديث سرّاء بنت نبهان برقم ‪ 1953‬وصحح حديث أبي نجيح اللباني في صحيح سنن أبي‬ ‫‪)(2‬‬

‫داود ‪ 1/368‬برقم ‪.1720‬‬


‫أحمد بترتيب عبد الرحمن البناء ‪ 12/226‬وذكره الهيثمي في مجمع الزوائد وقال‪ :‬رواه أحمد ورجاله رجال الصحيح‬ ‫‪)(3‬‬

‫‪ .3/266‬وانظر‪ :‬حديث أبي حرة الرقاشي عن عمه قال‪ :‬كنت آخذ بزمام ناقة رسول ال صلّى ال عليه وسلّم في أوسط أيام‬
‫التشريق أذود عنه الناس‪ ...‬وذكر فيه جملً تراجع ويراجع سند الحديث في مسند أحمد ‪.5/72‬‬
‫ذكره المنذري في الترغيب وعزاه إلى الحاكم‪ ,‬وحسنه اللباني صحيح الترغيب ‪ 1/21‬برقم ‪ 36‬وله أصل في صحيح مسلم‪.‬‬ ‫‪)(4‬‬

‫انظر‪ :‬حديث رقم ‪ ,2812‬وانظر‪ :‬مسند أحمد ‪ 2/368‬والحاديث الصحيحة برقم ‪.472‬‬
‫الحاكم ‪ 1/473‬وصحيحه على شرط مسلم‪ ,‬ووافقه الذهبي‪.‬‬ ‫‪)(5‬‬

‫تقدم تخريجه من حديث جابر رضي ال عنه‪.‬‬ ‫‪)(6‬‬


‫‪ 3‬م ا ستحباب خط بة المام بالحجاج بعرفات‪ ,‬يبين في ها للناس ما يحتاجون إل يه‪ ،‬ويعت ني ببيان التوح يد‪,‬‬
‫وأصول الدين‪ ,‬ويحذر فيها من الشرك والبدع والمعاصي‪ ,‬ويوصي الناس بالعمل بالكتاب والسنة‪.‬‬
‫و قد ث بت أن ال نبي صلّى ال عل يه و سلّم خ طب في ح جة الوداع ثلث خ طب‪ :‬خط بة يوم عر فة‪ ,‬والخط بة‬
‫الثانية يوم النحر في منى‪ ,‬والخطبة الثالثة في منى يوم الثاني عشر من ذي الحجة‪ .‬ومذهب الشافعي أن المام‬
‫يخ طب يوم السمابع من ذي الحجمة كذلك(‪ ,)1‬ويعلم المام الناس فمي كل خط بة ما يحتاجون إل يه إلى الخط بة‬
‫لخرى‪.‬‬
‫‪ 4‬م تأكيد غلظ تحريم الدماء‪ ,‬والعراض‪ ,‬والموال‪ ,‬والبشار الجلدية‪.‬‬
‫‪ 5‬م استخدام ضرب المثال وإلحاق النظير بالنظير؛ لقوله صلّى ال عليه وسلّم‪” :‬كحرمة يومكم هذا في‬
‫شهركم هذا في بلدكم هذا”‪.‬‬
‫‪ 6‬م إبطال أفعال الجاهلية‪ ,‬وربا الجاهلية‪ ,‬وأنه ل قصاص في قتلى الجاهلية‪.‬‬
‫‪ 7‬م إن المام ومن يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر يجب أن يبدأ بنفسه وأهله؛ لنه أقرب لقبول قوله‪,‬‬
‫وطيب نفس من قرب عهده بالسلم‪.‬‬
‫‪ 8‬م الموضوع من الربا هو الزائد على رأس المال‪ ,‬أما رأس المال فلصاحبه‪.‬‬
‫‪ 9‬مم مراعاة حمق النسماء‪ ,‬ومعاشرتهمن بالمعروف‪ ,‬وقمد جاءت أحاديمث كثيرة بذلك جمعهما النووي أو‬
‫معظمها في رياض الصالحين‪.‬‬
‫‪ 10‬م وجوب نفقة الزوجة وكسوتها‪ ،‬وجواز تأديبها إذا أ تت بما يقتضي التأديب لكن بالشروط والضوابط‬
‫التي جاءت بالكتاب والسنة‪ ،‬وأن ل يحصل منكر من أجل ذلك التأديب‪.‬‬
‫‪ 11‬م الوصية بكتاب ال تعالى وسنة نبيه صلّى ال عليه وسلّم‪.‬‬
‫‪ 12‬م قوله‪” :‬لتأخذوا ع ني منا سككم فإ ني ل أدري لعلي ل أ حج ب عد حج تي هذه” ف في ذلك لم ال مر‪,‬‬
‫والمعنى خذوا مناسككم‪ ,‬وهكذا وقع في رواية غير مسلم‪ ,‬وتقديره‪ :‬هذه المور التي أتيت بها في حجتي من‬
‫القوال‪ ،‬والفعال‪ ،‬والهيئات هي أمور الحج وصفته وهي مناسككم فخذوها عني واقبلوها‪ ,‬واحفظوها واعملوا‬
‫بها‪ ،‬وعلموها الناس‪ ,‬وهذا الحديث أصل عظيم في مناسك الحج‪ ,‬فهو كقوله صلّى ال عليه وسلّم‪” :‬صلوا كما‬
‫رأيتموني أصلي”(‪.)2‬‬
‫‪ 13‬م وفي قوله صلّى ال عليه وسلّم‪” :‬لعلي ل أحج بعد حجتي هذه” إشارة إلى توديع هم‪ ,‬وإعلمهم‬
‫بقرب وفاته صلّى ال عليه وسلّم‪ ,‬وحثهم على الخذ عنه‪ ,‬وانتهاز الفرصة وملزمته‪ ,‬وبهذا سميت‬
‫حجة الوداع‪.‬‬

‫انظر‪ :‬فتح الملك المعبود في تكملة المنهل المورود ‪.2/20‬‬ ‫‪)(1‬‬

‫البخاري برقم ‪.7246‬‬ ‫‪)(2‬‬


‫‪ 14‬م الحث على تبليغ العلم ونشره‪ ,‬وأن الفهم ليس شرطا في الداء‪ ,‬وأنه قد يأتي في الخر من يكون‬
‫أفهمم مممن تقدم ولكمن بقلة‪ ,‬وأن الفضمل أن يكون الخطيمب على مكان مرتفمع؛ ليكون أبلغ فمي سمماع الناس‬
‫ورؤيتهم له‪.‬‬
‫‪ 15‬م استخدام السؤال ثم السكوت والتفسير يدل على التفخيم‪ ,‬والتقرير والتنبيه‪.‬‬
‫‪ 16‬مم الممر بطاعمة ولي الممر مادام يقود الناس بكتاب ال تعالى‪ ,‬وإذا ظهرت منمه بعمض المعاصمي‬
‫عظَ َو ُذكّر بال وخُوّف به لكن بالحكمة والسلوب الحسن‪.‬‬
‫والمنكرات‪ ,‬وُ ِ‬
‫‪ 17‬م الوصية بطاعة ال‪ ,‬والصلة‪ ,‬والزكاة‪ ,‬والصيام‪ ,‬وأنه ل فرق بين أصناف الناس إل بالتقوى‪.‬‬
‫‪ 18‬مم معجزة النمبي صملّى ال عليمه وسملّم الظاهرة الدالة على صمدقه‪ ,‬وذلك بسمماع الناس لخطبتمه يوم‬
‫النحر وهم في منازلهم(‪ )1‬فقد فتح ال لسماعهم كلهم لها‪.‬‬
‫‪ 19‬م الضحية سنه مؤكدة على الصحيح من أقوال أهل العلم‪ ,‬وهي في حق الحاج وغير الحاج فل يجزئ‬
‫عنها الهدي‪ ,‬وإنما هي سنة مستقلة؛ لنه صلّى ال عل يه وسلّم بعد أن خطب الناس بمنى انقلب فذ بح كبش ين‬
‫أملحين(‪ )2‬وهذا غير الهدايا التي نحرها بيده وأشرك عليّا في الهدي وأمره بنحر الباقي من البدن‪.‬‬

‫المبحث الخامس‪ :‬توديعه للحياء والموات‬


‫عن عائشة رضي ال عنها قالت‪ :‬كان رسول ال صلّى ال عليه وسلّم كلما كان ليلتها من رسول ال صلّى‬
‫ال عليه وسلّم يخرج من آخر الليل إلى البقيع فيقول‪” :‬السلم عليكم دار قول مؤمنين‪ ,‬وآتاكم ما توعدون‪,‬‬
‫غدا مؤجلون وإ نا إن شاء ال بكم لحقون‪ ,‬اللهم اغفر لهل بق يع الغر قد”(‪ .)3‬وفي رواية أنه قال صلّى ال‬
‫عل يه و سلّم‪” :‬فإن جبر يل أتا ني‪ ..‬فقال إن ر بك يأمرك أن تأ تي أ هل البق يع فت ستغفر ل هم” قالت عائ شة‪ :‬يا‬
‫رسمول ال‪ ,‬كيمف أقول لهمم؟ قال‪” :‬قولي‪ :‬السـلم عليكـم أهـل الديار مـن المؤمنيـن والمسـلمين ويرحـم ال‬
‫المستقدمين منا والمستأخرين وإنا إن شاء ال بكم لحقون”(‪.)4‬‬
‫وقد ذكر المام البي رحمه ال تعالى أن خروجه هذا كان في آخر عمره صلّى ال عليه وسلّم(‪ )5‬وهذا وال‬
‫أعلم يدل على توديعه للموات كما فعل مع شهداء أحد؛ ولهذا وال أعلم كان يخرج في الليل ويقف في البقيع‬

‫البخاري‪ ,‬ومسلم برقم ‪ 1679‬وتقدم تخريجه‪.‬‬ ‫‪)(1‬‬

‫انظر‪ :‬فتح الباري ‪ ,577 ,3/574‬وشرح النووي ‪ 434 – 8/422‬و ‪ 52-51/ 9‬و ‪ ,11/182‬وفتح الملك المعبود في تكملة‬ ‫‪)(2‬‬

‫المنهل المورود شرح سنن أبي داود ‪ 2/20‬و ‪.206-2/99 ,2/54‬‬


‫البقيع هو مدفن أهل المدينة‪ ,‬وسمي بقيع الغرقد‪ ,‬لغرقد كان فيه‪ ,‬وهو ما عظم من العوسج‪ .‬انظر‪ :‬شرح النووي ‪,7/46‬‬ ‫‪)(3‬‬

‫وشرح البي على مسلم ‪.3/390‬‬


‫أخرجه مسلم برقم ‪.974‬‬ ‫‪)(4‬‬

‫انظر‪ :‬شرح البي على صحيح مسلم ‪ ,3/388‬وفتح الباري ‪.7/349‬‬ ‫‪)(5‬‬
‫يدعو لهم كما قالت عائشة رضي ال عنها‪” :‬ثم انطلقت على إثره حتى جاء البقيع فقام فأطال القيام ثم رفع‬
‫يديه ثلث مرات ثم انحرف‪.)1(”...‬‬
‫وعن عقبة بن عامر رضي ال عنه أن النبي صلّى ال عليه وسلّم خرج يوما فصلى على قتلى أُحد صلة‬
‫الميت(‪ )2‬بعد ثماني سنين كالمودع للحياء والموات ثم طلع علي المنبر فقال‪” :‬إني بين أيديكم فرط لكم‪ ,‬وأنا‬
‫شهيد عليكم‪ ,‬وإن موعدكم الحوض‪ ,‬وإني وال لنظر إلى حوضي الن مقامي هذا‪ ,‬وإني قد أعطيت مفاتيح‬
‫خزائن الرض‪ ,‬أو مفاتيح الرض‪ ،‬وإني وال ما أخاف عليكم أن تشركوا بعدي(‪ ,)3‬ولكني أخاف عليكم الدنيا‬
‫أن تناف سوا في ها [وتقتتلوا فتهلكوا ك ما هلك من كان قبل كم] قال عق بة‪ :‬فكا نت آ خر نظرة نظرت ها إلى ر سول‬
‫ال صلّى ال عليه وسلّم [على المنبر]”(‪.)4‬‬
‫فتوديعه صلّى ال عليه وسلّم للحياء ظاهر؛ لن سياق الحاديث يشعر أن ذلك كان آخر حياته صلّى ال‬
‫عليه وسلّم‪ ,‬وأما توديعه للموات فباستغفاره لهل البقيع ودعائه لهل أحد‪ ,‬وانقطاعه بجسده عن زيارتهم(‪.)5‬‬
‫وخلصة القول‪ :‬أن الدروس والفوائد والعبر المستنبطة من هذا المبحث كثيرة‪ ,‬منها‪:‬‬
‫‪ 1‬م حرص النبي صلّى ال عليه وسلّم على نفع أمته‪ ,‬والنصح لهم في الحياة‪ ,‬وبعد الممات؛ ولهذا صلى‬
‫على شهداء أحد بعد ثمان سنوات‪ ،‬وزار أهل البقيع ودعا لهم‪ ,‬وأوصى الحياء ونصحهم‪ ,‬ووعظهم وأمرهم‬
‫ونهاهم فما ترك خيرا إل دلهم عليه‪ ,‬ول شرًا إل حذرهم منه‪.‬‬
‫‪ 2‬م التحذ ير من فت نة زهرة الدن يا ل من فت حت عل يه‪ ,‬فينب غي له أن يحذر سوء عاقبت ها‪ ,‬ول يطمئن إلى‬
‫زخارفها‪ ,‬ول ينافس غيره فيها‪ ,‬ويستخدم ما عنده منها في طاعة ال تعالى(‪.)6‬‬

‫المبحث السادس‪ :‬بداية مرضه صلّى ال عليه وسلّم وأمره لبي بكر أن يصلي بالناس‬
‫ر جع صلّى ال عل يه و سلّم من ح جة الوداع في ذي الح جة فأقام بالمدي نة بق ية الش هر‪ ,‬والمحرم‪ ,‬و صفرا‪,‬‬
‫وج هز ج يش أ سامة بن ز يد ر ضي ال ع نه‪ ,‬فبين ما الناس على ذلك ابتدئ ر سول ال صلّى ال عل يه و سلّم‬
‫بشكواه في ليال بقين من صفر‪ :‬قيل في الثاني والعشرين منه‪ ,‬وقيل‪ :‬في التاسع والعشرين ‪ ,‬وقيل‪ :‬بل في أول‬
‫شهر ربيع الول‪ ,‬وقد صلى على شهداء أحد فدعا لهم كما تقدم‪ ,‬وذهب إلى أهل البقيع وسلم عليهم ودعا لهم‬

‫مسلم برقم ‪.974‬‬ ‫‪)(1‬‬

‫الحاديث الصحيحة دلت أن شهداء المعركة ل يصلى عليهم‪ ,‬أما هذا الحديث فكأنه صلّى ال عليه وسلّم دعا لهم واستغفر لهم‬ ‫‪)(2‬‬

‫حين علم قرب أجله مودعا لهم بذلك‪ ,‬كما ودع أهل البقيع بالستغفار لهم‪ .‬انظر‪ :‬فتح الباري ‪ 3/210‬و ‪ 7/349‬ورجح ذلك‬
‫العلمة ابن باز في تعليقه على فتح الباري ‪.6/611‬‬
‫أي ل أخاف على مجموعكم؛ لن الشرك قد وقع من بعض أمته بعده صلّى ال عليه وسلّم‪ .‬فتح الباري ‪.3/211‬‬ ‫‪)(3‬‬

‫البخاري من اللفاظ في جميع المواضع‪ ,‬برقم ‪ ،6590 ,6426 ،4085 ,4042 ,3596 ,1344‬ومسلم برقم ‪ ,2296‬وما بين‬ ‫‪)(4‬‬

‫المعكوفين من صحيح مسلم‪.‬‬


‫الفتح ‪.7/349‬‬ ‫‪)(5‬‬

‫انظر‪ :‬فتح الباري ‪. 11/245‬‬ ‫‪)(6‬‬


‫مودعا لهم‪ ,‬ثم رجع مرة من البقيع فوجد عائشة وهي تشتكي من صداع برأسها وهي تقول‪ :‬وارأساه‪ .‬فقال‪:‬‬
‫”بل أنا وال يا عائشة وارأساه”‪ .‬قالت عائشة رضي ال عنها‪ :‬ثم قال‪” :‬وما ضرك لو مت قبلي فقمت عليك‬
‫وكفنتك‪ ,‬وصليت عليك‪ ,‬ودفنتك” قالت‪ :‬قلت‪ :‬وال لكأني بك لو قد فعلت ذلك لقد رجعت إلى بيتي فأعرست‬
‫بب عض ن سائك‪ .‬قالت‪” :‬فتب سم ر سول ال صلّى ال عل يه و سلّم”(‪ )1‬وتتام به وج عه ح تى ا ستعزبه(‪ )2‬و هو في‬
‫بيت ميمونة‪ ,‬فدعا نساءه فاستأذنهن أن يمرض في بيتي(‪.)3‬‬
‫وأول ما اشتدّ برسول ال صلّى ال عليه وسلّم وجعه في بيت ميمونة رضي ال عنها فاستأذن أزواجه أن‬
‫يمرض في بيت عائشة رضي ال عنها(‪ ,)4‬فعن عائشة رضي ال عنها قالت‪ :‬لما ثقل رسول ال صلّى ال عليه‬
‫و سلّم واش تد به وج عه ا ستأذن أزوا جه أن يمرض في بي تي فأذن ّ له فخرج و هو ب ين رجل ين ت خط رجله في‬
‫الرض ب ين عباس بن ع بد المطلب وب ين ر جل آ خر(‪ )5‬وكا نت عائ شة ر ضي ال عن ها تحدث أن ر سول ال‬
‫صلّى ال عليه وسلّم لما دخل بين واشتد به وجعه قال‪” :‬هَرِيقوا(‪ )6‬علي ّ من سبع قرب(‪ )7‬لم تُحْ َل ْل أوكيتهن‬
‫(‪)10‬‬
‫لعلي أع هد(‪ )8‬إلى الناس‪ ,‬فأجل سناه في مِخض َب(‪ )9‬لحف صة زوج ال نبي صلّى ال عل يه و سلّم ثم طفق نا‬
‫نصـب عليـه مـن تلك القرب‪ ,‬حتـى طفـق يشيـر إلينـا بيده أن قـد فعلتـن‪ ,‬ثـم خرج إلى الناس فصـلى بهـم‬
‫وخطبهم”(‪.)11‬‬

‫ابن هشام بسند ابن إسحاق‪ ,‬انظر‪ :‬سيرة ابن هشام ‪ ,4/320‬وانظر‪ :‬البداية والنهاية لبن كثير ‪ ,5/224‬وفتح الباري ‪129 /8‬‬ ‫‪)(1‬‬

‫‪ ,130 -‬وأخرجه أحمد ‪ 6/144‬و ‪ 228‬لبن ماجه‪ ,‬والبيهقي‪ ,‬وقال اللباني‪ :‬إن ابن إسحاق قد صرح بالتحديث في رواية ابن‬
‫هشام فثبت الحديث والحمد ل‪ .‬أحكام الجنائز ص ‪.50‬‬
‫استعزبه‪ :‬اشتد عليه وغلبه على نفسه‪.‬‬ ‫‪)(2‬‬

‫انظر‪ :‬سيرة ابن هشام ‪ 4/320‬والبداية والنهاية ل بن كثير ‪ ,231 - 5/223‬وقيل‪ :‬كان ذلك في التاسع والعشرين من شهر‬ ‫‪)(3‬‬

‫صفر يوم الربعاء‪ ,‬فبقي في مرضه ثلثة عشر يوماً وهذا قول الكثر‪.‬‬
‫انظر‪ :‬الفتح ‪.8/129‬‬
‫صحيح مسلم برقم ‪ ,418‬وانظر‪ :‬فتح الباري ‪.8/129‬‬ ‫‪)(4‬‬

‫هو علي بن أبي طالب رضي ال عنه كما قال ابن عباس في آخر حديث البخاري رقم ‪ 687‬ومسلم ‪.418‬‬ ‫‪)6(5‬‬

‫وفي رواية‪ :‬أهريقوا‪ :‬أي أريقوا وصبوا‪ .‬الفتح ‪.1/303‬‬ ‫‪)(6‬‬

‫هذا من باب التداوي؛ لن لعدد السبع دخولً في كثير من أمور الشريعة‪ ,‬وأصل الخلقة‪ ,‬وفي رواية لهذا الحديث عند‬ ‫‪)(7‬‬

‫الطبراني‪ ...” :‬من آبار شتى”‪ .‬الفتح ‪ 1/303‬و ‪.8/141‬‬


‫أعهد‪ :‬أي أوصي‪ .‬الفتح ‪.1/303‬‬ ‫‪)(8‬‬

‫المخضب‪ :‬هو إناء نحو المركن الذي يغسل فيه وتغسل فيه الثياب من أي جنس كان‪ .‬النووي ‪ 4/379‬والفتح ‪ 1/301‬و‬ ‫‪)(9‬‬

‫‪.303‬‬
‫طفقنا‪ :‬أي شرعنا‪ :‬يقال‪ :‬طفق يفعل كذا إذا شرع في فعل واستمر فيه‪ .‬الفتح ‪.3/303‬‬ ‫‪)(10‬‬

‫البخاري برقم ‪ 198‬وذكر هنا له ستة عشر موضعا‪ ,‬وقد جمع بين هذه المواضع اللباني في مختصر البخاري ‪,1/170‬‬ ‫‪)(11‬‬

‫ومسلم برقم ‪.418‬‬


‫وعن ها ر ضي ال عن ها قالت‪" :‬ث قل ر سول ال صلّى ال عل يه و سلّم فقال‪” :‬أ صلى الناس”؟ قل نا‪ :‬ل هم‬
‫ينتظرو نك يا ر سول ال! قال‪” :‬ضعوا لي ماء في المخ ضب” قالت‪ :‬ففعل نا‪ .‬فاغت سل فذ هب لينوءَ(‪ )1‬فأُغ مي‬
‫عليه‪ ,‬ثم أفاق فقال صلّى ال عليه وسلّم‪” :‬أصلى الناس”؟ قلنا‪ :‬ل هم ينتظرونك يا رسول ال! فقال‪” :‬ضعوا‬
‫لي ماء فـي المخضـب” قالت‪ :‬ففعلنما [فقعـد] فاغتسمل‪ .‬ثمم ذهمب لينوء فأُغممي عليمه‪ .‬ثمم أفاق فقال‪” :‬أصـلى‬
‫الناس”؟ فقلنا‪ :‬ل ‪ ,‬هم ينتظرونك يا رسول ال! فقال‪” :‬ضعوا لي ماء في المخضب” ففعلنا [فقعد] فاغتسل ثم‬
‫ذهب لينوء فأغمي عليه‪ ,‬ثم أفاق فقال‪” :‬أصلى الناس”؟ فقلنا‪ :‬ل هم ينتظرونك يا رسول ال! قالت‪ :‬والناس‬
‫عكوف في المسجد ينتظرون النبي صلّى ال عليه وسلّم لصلة العشاء الخرة‪ ,‬قالت‪ :‬فأرسل رسول ال صلّى‬
‫ال عليه وسلّم إلى أبي بكر؛ ليصلي بالناس‪ ,‬فأتاه الرسول(‪ )2‬فقال‪ :‬إن رسول ال صلّى ال عليه وسلّم يأمرك‬
‫أن تصلي بالناس‪ .‬فقال أبو بكر – وكان رجلً رقيقا – يا عمر! صلّ بالناس‪ .‬فقال له عمر‪ :‬أنت أحق ّ بذلك‪.‬‬
‫قالت‪ :‬فصلّى بهم أبو بكر تلك اليام‪ .‬ثم إن رسول ال صلّى ال عليه وسلّم وجد من نفسه خِف ّة فخرج بين‬
‫رجلين – أحدهما العباس(‪ –)3‬لصلة الظهر وأبو بكر يصلي بالناس‪ ,‬فلما رآه أبو بكر ذهب ليتأخر‪ ,‬فأومأ إليه‬
‫النبي صلّى ال عليه وسلّم بأن ل يتأخر ‪ ,‬وقال لهما‪” :‬أجلساني إلى جنبه” فأجلساه إلى جنب أبي بكر‪ ,‬فجعل‬
‫أبو بكر يصلي وهو قائم يأتم بصلة النبي صلّى ال عليه وسلّم والناس يصلون بصلة أبي بكر والنبي صلّى‬
‫ال عليه وسلّم قاعد”(‪ .)4‬وهذا صريح في أن هذه الصلة هي صلة الظهر(‪ .)5‬وقد كان صلّى ال عليه وسلّم‬
‫حريصا على أن يكون أبو بكر هو المام وردد المر بذلك مرارا‪ ,‬فمن عائشة رضي ال عنها قالت‪ :‬لما ثَقُل‬
‫ر سول ال صلّى ال عل يه و سلّم جاء بلل يؤذ نه بال صلة‪ ,‬فقال‪” :‬مروا أ با ب كر فلي صلّ بالناس” فقلت‪ :‬يا‬
‫رسول ال إن أبا بكر رجل أسيف(‪ )6‬وإنه متى يقم مقامك ل يسمع الناس فلو أمرت عمر؟ فقال‪” :‬مروا أبا بكر‬
‫فليصلّ بالناس” قالت‪ :‬فقلت لحفصة‪ :‬قولي له إن أبا بكر رجل أسيف وإنه متى يقم مقامك ل يسمع الناس فلو‬

‫لينوء‪ :‬أي لينهض بجهد‪ .‬الفتح ‪.2/174‬‬ ‫‪)(1‬‬

‫أي الذي أرسله إليه النبي صلّى ال عليه وسلّم ليصلي بالناس‪.‬‬ ‫‪)(2‬‬

‫والخر علي رضي ال عنه كما تقدم‪.‬‬ ‫‪)(3‬‬

‫البخاري برقم ‪ 687‬ومسلم برقم ‪ 418‬وقد اخترت بعض اللفاظ من البخاري وبعضها من مسلم‪.‬‬ ‫‪)(4‬‬

‫وزعم بعضهم أنها الصبح‪ ,‬واستدل برواية أرقم بن شرحبيل عن ابن عباس‪” :‬وأخذ رسول ال صلّى ال عليه وسلّم القراءة‬ ‫‪)(5‬‬

‫من حيث بلغ أبو بكر‪ ,‬وهذا لفظ ابن ماجه وإسناده حسن؛ لكن في الستدلل به نظر؛ لحتمال أن يكون صلّى ال عليه وسلّم‬
‫سمع لما قرب من أبي بكر الية التي انتهى إليها أبو بكر خاصة‪ ,‬وقد كان هو يسمع الية أحيانا في الصلة السرية كما في‬
‫حديث أبي قيادة‪ ,‬ثم لو سلم لم يكن فيه دليل على أنها الصبح بل يحتمل أن تكون المغرب فقد ثبت في الصحيحين من حديث أم‬
‫الفضل قالت‪" :‬سمعت رسول ال صلّى ال عليه وسلّم يقرأ في المغرب بالمرسلت عرفا‪ ,‬ثم ما صلى لنا بعدها حتى قبضه ال"‬
‫البخاري برقم ‪ 763‬و ‪ ,4429‬ومسلم برقم ‪ 462‬قال ابن حجر‪ :‬لكن وجدت في النسائي أن هذه الصلة التي ذكرتها أم الفضل‬
‫كانت في بيته وقد صرح الشافعي أنه صلّى ال عليه وسلّم لم يصلّ بالناس في مرض موته في المسجد إل مرة واحدة وهي هذه‬
‫التي صلى فيها قاعدا وكان أبو بكر فيها أولً إماما ثم صار مأموما يسمع الناس التكبير‪ .‬انظر‪ :‬الفتح ‪.2/175‬‬
‫أسيف‪ :‬شديد الحزن‪ :‬والمراد أنه رقيق القلب إذا قرأ غلبه البكاء فل يقدر على القراءة‪ .‬فتح ‪.203 ,165 ,2/152‬‬ ‫‪)(6‬‬
‫أمرت ع مر‪ ,‬فقالت له فقال ر سول ال صلّى ال عل يه و سلّم‪” :‬إنكنّـ لنتـن صـواحب يوسـف مروا أبـا بكـر‬
‫فلي صلّ بالناس” فقالت حف صة لعائ شة‪ [ :‬ما ك نت ل صيب م نك خيرا]‪ .‬قالت عائ شة‪ :‬فأمروا أ با ب كر ي صلي‬
‫بالناس فل ما د خل في ال صلة و جد ر سول ال صلّى ال عل يه و سلّم من نف سه خ فة‪ ,‬فقام يهادى ب ين رجل ين‬
‫ورجله تخطان في الرض‪ ،‬حتى دخل المسجد‪ ،‬فلما سمع أبو بكر حسه ذهب يتأخر‪ ,‬فأومأ إليه رسول ال‬
‫صلّى ال عليه وسلّم‪” :‬قم مكانك” فجاء رسول ال صلّى ال عليه وسلّم حتى جلس عن يسار أبي بكر‪ ,‬فكان‬
‫رسول ال صلّى ال عليه وسلّم يصلي بالناس جالسا وأبو بكر قائما يقتدي أبو بكر بصلة النبي صلّى ال عليه‬
‫وسلّم ويقتدي الناس بصلة أبي بكر”(‪.)1‬‬
‫والسبب الذي جعل عائشة رضي ال عنها تراجع النبي صلّى ال عليه وسلّم في إمامة أبي بكر بالصلة هو‬
‫ما بيّ َنتْه في رواية أخرى قالت رضي ال عنها‪” :‬لقد راجعت رسول ال صلّى ال عليه وسلّم في ذلك وما‬
‫ل قام مقا مه أبدا‪ ,‬ول ك نت أرى‬
‫حمل ني على كثرة مراجع ته إل أ نه لم ي قع في قل بي أن ي حب الناس بعده رج ً‬
‫أ نه لن يقوم أحد مقامه إل تشاءم الناس به‪ ,‬فأردت أن يعدل ذلك رسول ال صلّى ال عليه و سلّم عن أ بي‬
‫بكر”(‪)2‬؛ ولهذا قال صلّى ال عليه وسلّم لها ولحفصة‪” :‬إنكن لنتن صواحب يوسف”(‪.)3‬‬
‫قال ابن كثير رحمه ال تعالى‪" :‬وتقديمه صلّى ال عليه وسلّم لبي بكر معلوم بالضرورة من دين السلم‬
‫(‪)4‬‬
‫وتقديمه له دليل على أ نه أعلم الصحابة‪ ,‬وأقرؤهم لما ث بت في الصحيح‪” :‬يؤم القوم أقرؤ هم لكتاب ال‪”..‬‬
‫الحديث‪ .‬نعم قد اجتمعت في أبي بكر هذه الصفات رضي ال عنه‪.)5(...‬‬
‫وخلصة القول‪ :‬أن الدروس والفوائد والعبر في هذا المبحث كثيرة‪ ,‬ومنها‪:‬‬
‫‪ 1‬مم اسمتحباب زيارة قبور الشهداء بأحمد وقبور أهمل البقيمع والدعاء لهمم بشرط عدم شمد الرحال‪ ,‬وعدم‬
‫إحداث البدع‪.‬‬
‫‪ 2‬م جواز تغسل الرجل زوجته وتجهيزها والزوجة كذلك‪.‬‬
‫‪ 3‬م جواز ا ستئذان الر جل زوجا ته أن يُمرّض في ب يت إحدا هن كان النتقال ي شق عل يه‪ ,‬وإذا لم يأذن ّ‬
‫فحينئذ يقرع بينهن‪.‬‬

‫البخاري برقم ‪ 2/204 , 713‬ومسلم برقم ‪ ,418‬قول حفصة رضي ال عنها‪ :‬ما كنت لصيب منك خيرا‪ .‬البخاري برقم‬ ‫‪)(1‬‬

‫‪.679‬‬
‫البخاري برقم ‪ ,198‬و ‪ ,4445‬ومسلم برقم ‪ 418‬رواية ‪.93‬‬ ‫‪)(2‬‬

‫البخاري برقم ‪ ,713‬مسلم برقم ‪ 418‬وتقدم تخريجه‪.‬‬ ‫‪)(3‬‬

‫مسلم برقم ‪.673‬‬ ‫‪)(4‬‬

‫البداية والنهاية ‪ 5/234‬وروى البيهقي عن أنس رضي ال عنه أنه كان يقول‪” :‬آخر صلة صلها رسول ال صلّى ال عليه‬ ‫‪)(5‬‬

‫وسلّم مع القوم في ثوب واحد ملتحفاً به خلف أبي بكر” قال ابن كثير رحمه الله في البداية والنهاية ‪” :5/234‬وهذا إسناد جيد‬
‫على شرط الصحيح” ورجح العلمة ابن باز حفظه ال أن النبي صلّى ال عليه وسلّم لم يصلّ خلف أحد من أمته إل عبد‬
‫الرحمن بن عوف‪ .‬قلت‪ :‬أما الصلة التي صلها مع أبي بكر فإنه هو المام كما تقدم وال أعلم‪.‬‬
‫‪ 4‬م جواز المرض والغماء على ال نبياء بخلف الجنون فإ نه ل يجوز علي هم؛ ل نه ن قص‪ ,‬والحملة من‬
‫مرض النبياء؛ لتكثير أجرهم‪ ،‬ورفع درجاتهم‪ ,‬وتسلية الناس بهم؛ ولئل يفتتن الناس بهم فيعبدونهم؛ لما يظهر‬
‫على أيديهم من المعجزات واليات البينات‪ ,‬وهم مع ذلك ل يملكون لنفسهم ضرّا ول نفعاً إل ما شاء ال‪.‬‬
‫‪ 5‬م استحباب الغسل من الغماء؛ لنه ينشط ويزيل أو يخفف الحرارة‪.‬‬
‫‪ 6‬م إذا تأخر المام تأخراً يسيراً ينتظر‪ ,‬فإذا شق النتظار صلى أعلم الحاضرين‪.‬‬
‫‪ 7‬م ف ضل أ بي ب كر وترجي حه على جم يع ال صحابة ر ضي ال عن هم‪ ,‬وت نبيهه وت نبيه الناس أ نه أ حق‬
‫بالخل فة من غيره؛ لن ال صلة بالناس للخلي فة؛ ولن ال صحابة ر ضي ال عن هم قالوا‪” :‬رضي نا لدنيا نا من‬
‫رضيه رسول ال صلّى ال عليه وسلّم لديننا”‪.‬‬
‫‪ 8‬م إذا عرض للمام عارض أو شغل بأمر ل بد منه منعه من حضور الجماعة فإنه يستخلف من يصلي‬
‫بهم ويكون أفضلهم‪.‬‬
‫‪ 9‬م فضل عمر رضي ال منه؛ لن أبا بكر وثق به‪ ,‬ولهذا أمره أن يصلي ولم يعدل إلى غيره‪.‬‬
‫‪ 10‬م جواز الثناء والمدح في الوجه لمن أُمِ نَ عليه العجاب والفتنة؛ لقول عمر رضي ال عنه‪” :‬أنت‬
‫أحق بذلك”‪.‬‬
‫‪ 11‬م دفع الفضلء المور العظيمة عن أنفسهم إذا كان هناك من يقول بها على وجه مقبول‪.‬‬
‫‪ 12‬م يجوز للمستخلف في الصلة ونحوها أن خلف غيره من الثقات لقول أبي بكر‪” :‬صلّ يا عمر”‪.‬‬
‫‪ 13‬م الصلة من أهم ما يسأل عنه‪.‬‬
‫‪ 14‬م فضل عائشة رضي ال عنها على جميع أزواج النبي صلّى ال عليه وسلّم الموجودات ذلك الوقت‬
‫وهن تسع إحداهن عائشة رضي ال عنهن‪.‬‬
‫‪ 15‬م جواز مراجعة ولي ال مر على سبيل العرض والمشاورة والستشارة بما يظهر أنه م صلحة‪ ,‬لكن‬
‫بعبارة لطيفة تحمل الحكمة وحسن السلوب‪.‬‬
‫‪ 16‬م جواز وقوف المأموم بج نب المام لحا جة أو م صلحة‪ :‬كإ سماع المأموم ين الت كبير في ال جم الغف ير‬
‫الذ ين ل ي سمعون ال صوت‪ ,‬أو ض يق المكان‪ ,‬أو علة أخرى ك صلة المرأة بالن ساء‪ ,‬أو المنفرد مع المام‪ ،‬أو‬
‫إمام العراة‪.‬‬
‫‪ 17‬م جواز رفع الصوت بالتكبير فينقل المبلغ للناس صوت المام إذا لم يسمع الناس تكبير المام‪.‬‬
‫‪ 18‬م التنبيه على الحرص على حضور الصلة مع الجماعة إل عند العجز التام عن ذلك‪.‬‬
‫‪ 19‬م العلم والفضل أحق بالمامة من العالم والفاضل‪.‬‬
‫‪ 20‬م إنما جعل المام ليؤتم به فإذا صلى جالسا صلي الناس جلوسا‪ ,‬وإذا صلى قائما صلوا قياما‪.‬‬
‫‪ 21‬م البكاء في ال صلة من خش ية ال ل حرج ف يه ل كن ل يتكلف ذلك ول يطل به‪ ,‬فإذا غل به البكاء في‬
‫الصلة بدون اختياره فل حرج(‪.)1‬‬

‫المبحث السابع‪ :‬خطبته العظيمة ووصيته للناس‬


‫خ طب عل يه ال صلة وال سلم أ صحابه في يوم الخم يس ق بل أن يموت بخم سة أيام خط بة عظي مة بي ّن في ها‬
‫فضل الصدّيق من سائر الصحابة‪ ,‬مع ما قد كان نص عليه أن يؤم الصحابة أجمعين‪ ,‬ولعل خطبته هذه كانت‬
‫عوضا أراد يكتبه في الكتاب‪ ,‬وقد اغتسل عليه الصلة والسلم بين يدي هذه الخطبة العظيمة‪ ,‬فصبوا عليه من‬
‫سبع قرب لم تُحلل أوكيت هن‪ ,‬وهذا من باب ال ستشفاء بعدد ال سبع ك ما وردت به الحاد يث(‪ )2‬والمق صود أ نه‬
‫صلّى ال عليه وسلّم اغتسل ثم خرج وصلى بالناس ثم خطبهم‪ .‬قال جندب رضي ال عنه‪ :‬سمعت رسول ال‬
‫صلّى ال عليه وسلّم قبل أن يموت بخمس وهو يقول‪” :‬إني أبرأ إلى ال أن يكون لي منكم خليل(‪)3‬؛ فإن ال‬
‫تعالى قد اتخذ ني خليلً‪ ,‬ك ما ات خذ إبراه يم خليلً‪ ,‬ولو ك نت متخذا من أم تي خليلً لتخذت أ با ب كر خليلً‪ ,‬أل‬
‫وأل وإن من كان قبل كم كانوا يتخذون قبور أ نبيائهم و صالحيهم مسـاجد‪ ,‬أل فل تتخذوا القبور م ساجد إ ني‬
‫أنهاكم عن ذلك”(‪ .)4‬وعن أبي سعيد الخدري رضي ال عنه قال‪ :‬خطب النبي صلّى ال عليه وسلّم فقال‪” :‬إن‬
‫ال خيّر عبدا بين أن يؤتيه من زهرة الدنيا ما شاء وبين ما عنده فاختار ما عند ال”‪ ,‬فبكى أبو بكر رضي‬
‫ال عنه وقال‪ :‬فديناك بآبائنا وأُمهاتنا‪ ,‬فعجبنا له‪ ,‬وقال الناس‪ :‬انظروا إلى هذا الشيخ يخبر رسول ال صلّى ال‬
‫عليمه وسملّم عمن عبدٍ خيّرَه ال بيمن أن يؤتيمه ممن زهرة الدنيما وبيمن مما عنمد ال‪ ،‬وهمو يقول‪ :‬فديناك بآبائنما‬
‫وأمهاتنا‪ ,‬فكان رسول ال صلّى ال عليه وسلّم هو [العبد] المخيّر‪ ,‬وكان أبو بكر أعلمنا‪ .‬فقال رسول ال صلّى‬
‫ال عليه وسلّم‪[” :‬يا أبا بكر ل تبكي] إن من أمن ّ الناس علي ّ في صحبته وماله(‪ )5‬أبو بكر‪ ,‬ولو كنت متخذا‬
‫خليلً من أمتي لتخذت أبا بكر‪ ,‬ولكن أُخوّ ُة السلم‪ ,‬ومودته‪ ,‬ل يَ ْبقَينّ في المسجد باب إل سد إل باب أبي‬
‫بكر”(‪.)6‬‬
‫وخلصة القول‪ :‬أن الدروس والفوائد والعبر في هذا المبحث كثيرة‪ ,‬ومنها‪:‬‬

‫انظر‪ :‬شرح النووي ‪ , 386 – 4/379‬وشرح البي ‪ ,302 -2/301‬وفتح الباري ‪ 164 ,152 ,151 /2‬و ‪,173 ,166‬‬ ‫‪)(1‬‬

‫‪.206 ,203‬‬
‫انظر‪ :‬البداية والنهاية لبن كثير ‪.5/228‬‬ ‫‪)(2‬‬

‫الخُلّة‪ :‬الصداقة والمحبة التي تخللت القلب فصارت خِلله؛ أي في باطنه‪ ,‬وهي أعلى المحبة الخالصة‪ ,‬والخليل‪ :‬الصديق‬ ‫‪)(3‬‬

‫الخالص؛ وإنما قال ذلك صلّى ال عليه وسلّم؛ لن خلته كانت مقصوره على حب ال تعالى فليس فيها لغيره متسع ول شركة من‬
‫محاب الدنيا والخرة‪ .‬انظر‪ :‬النهاية في غريب الحديث ‪ ,2/72‬والمصباح المنبر ‪ ,1/180‬وشرح النووي ‪ ,5/16‬شرح البي‬
‫‪.2/426‬‬
‫مسلم برقم ‪.532‬‬ ‫‪)(4‬‬

‫معناه‪ :‬أكثرهم جودا لنا بنفسه وماله‪ ,‬انظر‪ :‬فتح الباري ‪ ,1/559‬وشرح النووي ‪.15/160‬‬ ‫‪)(5‬‬

‫البخاري برقم ‪ ,3904 ,3654 ,466‬ومسلم برقم ‪.2382‬‬ ‫‪)(6‬‬


‫‪ 1‬م أمر النبي صلّى ال عليه وسلّم بسد البواب إل باب أبي بكر من جملة الشارات التي تدل على أنه‬
‫هو الخليفة‪.‬‬
‫‪ 2‬م فضل أبي بكر رضي ال عنه وأنه أعلم الصحابة رضي ال عنهم‪ ,‬و من كان أرفع في الفهم استحق‬
‫أن يطلق عليه أعلم‪ ,‬وأنه أحب الصحابة إلى رسول ال صلّى ال عليه وسلّم‪.‬‬
‫‪ 3‬م الترغيب في اختيار ما في الخرة على ما في الدنيا‪ ,‬وأن الرغبة في البقاء في الدنيا وقتا من الزمن‬
‫إنما هي للرغبة في رفع الدرجات في الخرة وذلك بالزدياد من الحسنات لرفع الدرجات‪.‬‬
‫‪ 4‬م شكر المحسن والتنويه بفضله وإحسانه والثناء عليه؛ لن من لم يشكر الناس ل يشكر ال تعالى‪.‬‬
‫‪ 5‬م التحذير من اتخاذ المساجد على القبور وإدخال القبور في المساجد أو وضع الصور فيها‪ ,‬ولعن من‬
‫فعل ذلك‪ ,‬وأنه من شرار الخلق عند ال كائنا من كان(‪.)1‬‬
‫‪ 6‬م حب الصحابة لرسول ال صلّى ال عليه وسلّم أكثر من النفس والولد والوالد والناس أجمعين ولهذا‬
‫يفدونه بآبائهم وأمهاتهم‪.‬‬

‫المبحث الثامن‪ :‬اشتداد مرضه صلّى ال عليه وسلّم ووصيته في تلك الشدة‬
‫(‪)2‬‬
‫عن عائشة رضي ال عنها أن رسول ال صلّى ال عليه وسلّم كان إذا اشتكى يقرأ على نفسه بالمعوذات‬
‫وينفث فلما اشتد [الذي توفي فيه] كنت أقرأ [وفي رواية أنفث] عليه بهن وأمسح بيده نفسه رجاء بركتها‪ .‬قال‬
‫ابن شهاب‪” :‬ينفث على يديه ثم يمسح يهما وجهه”(‪ .)3‬وفي صحيح مسلم قالت‪” :‬كان رسول ال صلّى ال‬
‫عليه وسلّم إذا مرض أحد من أهله نفث عليه بالمعوذات فلما مرض مرضه الذي مات فيه جعلت أنفث عليه‬
‫وأمسحه بيد نفسه؛ لنها كانت أعظم بركة من يدي”(‪ .)4‬وعن عائشة رضي ال عنها قالت‪ :‬اجتمع نساء النبي‬
‫صلّى ال عليه وسلّم فلم يغادر منهن امرأة فجاءت فاطمة تمشي كأن مشيتها مشية رسول ال صلّى ال عليه‬
‫وسلّم‪ .‬فقال‪” :‬مرحباً بابنتي” فأجلسها عن يمينه أو عن شماله‪ ,‬ثم إنه أسرّ إليها حديثاً فبكت فاطمة‪ .‬ثم إنه‬
‫سارّها فضحكت أيضاً‪ ,‬فقل تُ لها ما يبك يك؟ فقالت‪ :‬ما كن تُ لف شي سرّ ر سول ال صلّى ال عل يه و سلّم‪.‬‬
‫فقلت‪ :‬ما رأيت كاليوم فرحاً أقرب من حُزْنٍ‪ ،‬فقلت حين بكت أخصّك رسول ال صلّى ال عليه وسلّم بحديثه‬
‫دون نا ثم تبك ين؟ و سألتها ع ما قال‪ :‬فقالت‪ :‬ما ك نت لف شي سرّ ر سول ال صلّى ال عل يه و سلّم‪ ,‬فل ما تو في‬
‫رسول ال صلّى ال عليه وسلّم قلت‪ :‬عزمتُ عليك بمالي من الحق لما حدثتيني ما قال لك رسول ال صلّى‬

‫انظر‪ :‬فتح الباري ‪ ,16 ,7/14 ,1/559‬والنووي ‪.15/16‬‬ ‫‪)(1‬‬

‫المراد بالمعوذات‪ :‬قل هو ال أحد‪ ,‬وقل أعوذ برب الفلق‪ ,‬وقل أعوذ برب الناس‪ .‬انظر‪ :‬الفتح ‪ 8/131‬و ‪.9/62‬‬ ‫‪)(2‬‬

‫البخاري برقم ‪ ,5751 ,5735 ,5016 ,4439‬ومسلم برقم ‪ 2192‬وكان يفعل ذلك صلّى ال عليه وسلّم أيضاً إذا أوى إلى‬ ‫‪)(3‬‬

‫فراشه "فيقرأ بقل هو ال أحد‪ ,‬وبالمعوذتين جميعاً ثم يمسح يهما وجهه وما بلغت من جسده يفعل ذلك ثلث مرات" البخاري برقم‬
‫‪.5748‬‬
‫مسلم برقم ‪.2192‬‬ ‫‪)(4‬‬
‫ال عل يه و سلّم؟ فقالت‪ :‬أ ما الن فن عم‪ :‬أ ما ح ين سارّني في المرة الولى فأ خبرني أن جبر يل كان يعار ضه‬
‫القرآن كل عام مرة وإنه عارضه به في العام مرتين ول أُراني(‪ )1‬إل قد حضر أجلي فاتقي ال واصبري فإنه‬
‫ن عم ال سلف أ نا لك‪ ,‬قالت‪ :‬فبك يت بكائي الذي رأ يت‪ ,‬فل ما رأى جز عي سارني الثان ية فقال‪ ” :‬يا فاط مة أ ما‬
‫(‪)2‬‬
‫ترضين أن تكوني سيدة نساء المؤمنين‪ ,‬أو سيدة نساء هذه المة”؟ قالت‪ :‬فضحكت ضحكي الذي رأيت"‬
‫وفي رواية‪” :‬فأخبرني أني أول من يتبعه من أهله فضحكت”(‪.)3‬‬
‫و سبب ضحك ها ر ضي ال عن ها أن ها سيدة ن ساء المؤمن ين‪ ,‬وأول من يل حق به من أهله‪ ,‬و سبب الكباء أ نه‬
‫أخبرهما بموتمه صملّى ال عليمه وسملّم‪ ,‬قال ابمن حجمر رحممه ال تعالى‪" :‬وروى النسمائي فمي سمبب الضحمك‬
‫المر ين"(‪ )4‬أي بشارت ها بأن ها سيد ة ن ساء هذه ال مة‪ ,‬وكون ها أول من يل حق به من أهله‪ .‬و قد اتفقوا على أن‬
‫فاطمة رضي ال عنها أول من مات من أهل بيت النبي صلّى ال عليه وسلّم بعده حتى من أزواجه(‪.)5‬‬
‫وعمن عائشمة رضمي ال عنهما قالت‪" :‬مما رأيمت أحدا أشدّ عليمه الوجمع(‪ )6‬ممن رسمول ال صملّى ال عليمه‬
‫وسلّم"(‪.)7‬‬
‫(‪)8‬‬
‫و عن ع بد ال بن م سعود ر ضي ال ع نه قال‪ :‬دخلت على ر سول ال صلّى ال عل يه و سلّم و هو يو عك‬
‫فم سسته بيدي فقلت‪ :‬يا ر سول ال إ نك تو عك وعكا شديدا‪ ,‬فقال ر سول ال صلّى ال عل يه و سلّم‪” :‬أ جل إ ني‬
‫أُو عك ك ما رَجُلن من كم” قال‪ :‬فقلت‪ :‬ذلك أن لك أجر ين‪ .‬فقال ر سول ال صلّى ال عل يه و سلّم‪” :‬أ جل ذلك‬
‫كذلك ما من م سلم ي صيبه أذى من مرض ف ما سواه [شو كة ف ما فوق ها] إل حط ال ب ها سيئاته ك ما ت حط‬
‫الشجرة ورقها”(‪.)9‬‬

‫أي ل أظن‪.‬‬ ‫‪)(1‬‬

‫البخاري برقم ‪ ,4434 ,4433‬ومسلم برقم ‪ ,2450‬واللفظ لمسلم‪.‬‬ ‫‪)(2‬‬

‫البخاري برقم ‪ ,4434 ,4433‬ومسلم ‪.2450‬‬ ‫‪)(3‬‬

‫انظر‪ :‬فتح الباري ‪.8/138‬‬ ‫‪)(4‬‬

‫انظر‪ :‬فتح الباري ‪.8/136‬‬ ‫‪)(5‬‬

‫المراد بالوجع‪ :‬المرض‪ ,‬والعرب تسمي كل مرض وجعا‪ .‬انظر‪ :‬الفتح ‪ ,10/111‬وشرح النووي ‪.16/363‬‬ ‫‪)(6‬‬

‫البخاري برقم ‪ ,5646‬ومسلم ‪.2570‬‬ ‫‪)(7‬‬

‫يوعك‪ :‬قيل الحمى‪ ,‬وقيل ألمها ‪ ,‬وقيل إرعادها الموعوك وتحريكها إياه‪ .‬الفتح ‪.10/111‬‬ ‫‪)(8‬‬

‫البخاري مع الفتح ‪ 10/111‬برقم ‪ ,5667 ,5661 ,5660 ,5648 ,5647‬ومسلم ‪ 4/1991‬برقم ‪ 2571‬واللفظ له إل ما بين‬ ‫‪)(9‬‬

‫المعكوفين‪.‬‬
‫(‪)2‬‬
‫وعن عائشة وعبد ال بن عباس رضي ال عنهم قال‪ :‬لما نُزِلَ(‪ )1‬برسول ال صلّى ال عليه وسلّم طفق‬
‫يطرح خميصمة(‪ )3‬له على وجهمه فإذا اغتمم(‪ )4‬كشفهما عمن وجهمه وهمو كذلك يقول‪” :‬لعنـة ال على اليهود‬
‫والنصارى اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد” يُحذرُ ما صنعوا(‪.)5‬‬
‫وعن عائشة رضي ال عنها أنهم تذاكروا عند رسول ال صلّى ال عليه وسلّم في مرضه فذكرت أمّ سلمة‬
‫وأم ّ حبيبة كنيسة رأينها بالحبشة فيها تصوير‪ ،‬فقال رسول ال صلّى ال عليه وسلّم‪” :‬إن أولئك إذا كان فيهم‬
‫الرجـل الصـالح فمات بنوا على قـبره مسـجداً وصـوّروا فيـه تلك الصـور‪ ،‬أولئك شرار الخلق عنـد ال يوم‬
‫القيامة”(‪.)6‬‬
‫وعن عائشة رضي ال عنها أيضاً قالت‪" :‬قال رسول ال صلّى ال عليه وسلّم في مرضه الذي لم يقم منه‪:‬‬
‫”لعن ال اليهود والنصارى اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد” قالت‪ :‬فلول ذلك لبرزوا قبره‪ ,‬غير أني أخشى أن‬
‫يُتخذ مسجدا"(‪.)7‬‬
‫و عن أ بي هريرة ر ضي ال ع نه عن ال نبي صلّى ال عل يه و سلّم أ نه قال‪” :‬ل تجعلوا بيوت كم قبورا‪ ,‬ول‬
‫تجعلوا قبري عيدا‪ ,‬وصلوا عليّ فإن صلتكم تبلغني حيث كنتم”(‪.)8‬‬
‫وعن أنس رضي ال عنه قال‪ :‬لما ثقل النبي صلّى ال عليه وسلّم جعل يتغشاه (‪ ,)9‬فقالت فاطمة رضي ال‬
‫فقال لها‪” :‬ليس على أبيك كرب بعد اليوم” فلما مات قالت‪ :‬يا أبتاه أجاب ربّا دعاه‪ ,‬يا‬ ‫(‪)10‬‬
‫عنها‪ :‬واكرب أباه‬
‫لبتاه من جنة الفردوس مأواه ‪ ,‬يا أبتاه إلى جبريل ننعاه(‪ .)11‬فلما دُ فن قالت فاطمة رضي ال عنها‪ :‬يا أنس!‬
‫أطابت نفوسكم أن تحثوا على رسول ال صلّى ال عليه وسلّم التراب”؟(‪.)12‬‬
‫وخلصة القول‪ :‬أن الدروس والفوائد والعبر في هذا المبحث كثيرة ومنها‪:‬‬

‫نُزِل‪ :‬أي لما حضرت المنية والوفاة‪ .‬انظر‪ :‬شرح السنوسي على صحيح مسلم بهامش البي ‪ ,2/425‬وفتح الباري ‪.1/532‬‬ ‫‪)(1‬‬

‫طفق‪ :‬أي شرح وجعل‪ ,‬انظر‪ :‬شرح النووي ‪ ,5/16‬وشرح البي ‪ ,2/425‬حاشية السنوسي‪ ,‬وفتح الباري ‪.1/532‬‬ ‫‪)(2‬‬

‫خميصة‪ :‬كساء له أعلم‪.‬‬ ‫‪)(3‬‬

‫اغتم‪ :‬تسخن بالخميصة وأخذ بنفسه من شدة الحرارة‪.‬‬ ‫‪)(4‬‬

‫البخاري مع الفتح ‪ 8/140‬برقم ‪ ,4444 ،4443‬ومسلم برقم ‪.531‬‬ ‫‪)(5‬‬

‫البخاري برقم ‪ 427‬و ‪ ,3878 ,1341 ,434‬ومسلم برقم ‪.528‬‬ ‫‪)(6‬‬

‫شيَ”‪ ,‬وعند‬
‫البخاري برقم ‪ ,5815 ,4443 ,4441 ,3453 ,1390 ،1330 ,435‬ومسلم برقم ‪ 529‬ولفظ مسلم ”غير أنه خُ ِ‬ ‫‪)(7‬‬

‫شيَ”‪.‬‬
‫شيَ أو خُ ِ‬
‫البخاري برقم ‪” 1390‬غير أنه خَ ِ‬
‫أبو داود ‪ ,2/218‬وأحمد ‪ ,2/367‬وانظر صحيح أبي داود ‪.1/383‬‬ ‫‪)(8‬‬

‫يتعشاه‪ :‬يغطيه ما اشتدّ به من مرض فيأخذ بنفسه ويغمه‪.‬‬ ‫‪)(9‬‬

‫لم ترفع صوتها رضي ال عنها بذلك‪ ,‬وإل لنهاها صلّى ال عليه وسلّم‪ .‬انظر‪ :‬الفتح ‪.8/149‬‬ ‫‪)(10‬‬

‫ننعاه‪َ :‬نعَى الميت إذا أذاع موته وأخبر به‪.‬‬ ‫‪)(11‬‬

‫البخاري برقم ‪.4462‬‬ ‫‪)(12‬‬


‫‪ 1‬م ا ستحباب الرق ية بالقرآن‪ ,‬وبالذكار‪ ,‬وإن ما جاءت الرق ية بالمعوذات؛ لن ها جام عة لل ستعاذة من كل‬
‫المكروهات جملة وتفصيلً‪ ,‬ففيها الستعاذة من شر ما خلق ال عز وجل‪ ,‬فيدخل في ذلك كل شيء‪ ,‬ومن شر‬
‫النفاثات في العقد‪ ,‬ومن شر السواحر‪ ,‬ومن شر الحاسدين‪ ,‬ومن شر الوسواس الخناس(‪.)1‬‬
‫‪ 2‬م عنا ية ال نبي صلّى ال عل يه و سلّم ببن ته فاط مة ومحب ته ل ها؛ ولهذا قال‪” :‬مرحبا بابن تي” و قد جاءت‬
‫الخبار أنها كانت إذا دخلت عليه قام إليها وقبّلها‪ ,‬وأجلسها في مجلسه‪ ,‬وإذا دخل عليها فعلت ذلك رضي ال‬
‫عنها‪ ,‬فلما مرض دخلت عليه وأكتب عليه تقبله(‪.)2‬‬
‫‪ 3‬م يؤخذ من قصة فاطمة رضي ال عنها أنه ينبغي العناية بالبنات‪ ,‬والعطف عليهن‪ ,‬والحسان إليهن‪,‬‬
‫ورحمتهمن‪ ,‬وتربيتهمن التربيمة السملمية‪ ,‬اقتداء بالنمبي صملّى ال عليمه وسملّم‪ ,‬وأن يختار لهما الزوج الصمالح‬
‫المناسب‪.‬‬
‫‪ 4‬م عناية الولد بالوالد كما فعلت فاطمة رضي ال عنها‪ ,‬فيجب على الولد أن يحسن إلى والديه‪ ,‬ويعتني‬
‫ببرهما‪ ,‬ول يعقهما‪ ,‬فيتعرض لعقوبة ال تعالى‪.‬‬
‫‪ 5‬م معجزة النبي صلّى ال عليه وسلّم التي تدل على صدقه وأنه رسول ال صلّى ال عليه وسلّم‪ ,‬ومن‬
‫ذلك أنه أخبر أن فاطمة أول من يلحقه من أهله‪ ,‬فكانت أول من مات من أهله بالتفاق‪.‬‬
‫‪ 6‬مم سمرور أهمل اليمان بالنتقال إلى الخرة‪ ,‬وإيثارهمم حمب الخرة على الدنيما لحبهمم للقاء ال تعالى‪,‬‬
‫ولكنهمم ل يتمنون الموت لضمر نزل بهمم؛ لرغبتهمم فمي الكثار ممن العمال الصمالحة؛ لن النسمان إذا مات‬
‫انقطع عمله إل من ثلث كما بين النبي عليه الصلة والسلم‪.‬‬
‫‪ 7‬م المريض إذا قرب أجله ينبغي له أن يوصي أهله بالصبر؛ لقوله صلّى ال عليه وسلّم لفاطمة‪” :‬فاتقي‬
‫ال واصبري”‪.‬‬
‫‪ 8‬م فضل فاطمة رضي ال عنها وأنها سيدة نساء المؤمنين‪.‬‬
‫‪ 9‬م المرض إذا احتسب المسلم ثوابه‪ ,‬فإنه يكفر الخطايا‪ ,‬ويرفع الدرجات‪ ,‬ويزاد به الحسنات‪ ,‬وذلك عام‬
‫في السقام‪ ,‬والمراض ومصائب الدنيا‪ ,‬وهمومها وإن قلت مشقتها‪ ,‬والنبياء عليهم الصلة والسلم هم أشد‬
‫الناس بلء‪ ,‬ثم الم ثل فالمثال؛ لن هم مخ صوصون بكمال ال صبر والحت ساب‪ ،‬ومعر فة أن ذلك نع مة من ال‬
‫تعالى لي تم ل هم الخ ير ويضا عف ل هم ال جر‪ ,‬ويظ هر صبرهم ورضا هم‪ ,‬ويُل حق بال نبياء المثال فالم ثل من‬
‫أتباعهم؛ لقربهم منهم وإن كانت درجتهم أقل‪ ,‬السر في ذلك وال أعلم أن البلء في مقابلة النعمة‪ ,‬فمن كانت‬
‫نعمة ال عليه أكثر كان بلؤه أشد؛ ولهذا ضوعف حد الحر على حد العبد‪ ,‬وقال ال تعالى‪{ :‬يَا نِ سَا َء النّبِيّ‬
‫ض ْعفَيْنِ}(‪ .)3‬والقوي يُحمّل ما حمل‪ ,‬والضيبف يرفق به‪ ,‬إل‬
‫ف َلهَا ا ْلعَذَابُ ِ‬
‫شةٍ مّبَيّ َنةٍ يُضَاعَ ْ‬
‫ح َ‬
‫مَن يَأْتِ مِنكُنّ ِبفَا ِ‬

‫انظر‪ :‬شرح النووي ‪ ,14/433‬والبي ‪.7/375‬‬ ‫‪)(1‬‬

‫انظر‪ :‬فتح الباري ‪.136 ,8/135‬‬ ‫‪)(2‬‬

‫سورة الحزاب‪ ،‬الية‪ ,30 :‬وانظر‪ :‬شرح النووي ‪ ,5/14 ,366 ,365 ,16/238‬والبي ‪.8/326‬‬ ‫‪)(3‬‬
‫أ نه كل ما قو يت المعر فة هان البلء‪ ,‬ومن هم من ين ظر إلى أ جر البلء فيهون عل يه البلء‪ ,‬وأعلى من ذلك من‬
‫يرى أن هذا تصرف المالك في ملكه فيسلم ويرضى ول يعترض(‪.)1‬‬
‫‪ 10‬م التحذير من بناء المساجد على القبور ومن إدخال القبور والصور في المساجد‪ ,‬ولعن من فعل ذلك‪,‬‬
‫وأنه من شرار الخلق عند ال تعالى يوم القيامة‪ ,‬وهذا من أعظم الوصايا التي أوصى بها رسول ال صلّى ال‬
‫عليه وسلّم قبل موته بخمسة أيام(‪.)2‬‬

‫المبحث التاسع‪ :‬وصايا النبي صلّى ال عليه وسلّم عند موته‬


‫عن ابن عباس رضي عنهما قال‪ :‬يوم الخميس وما يوم الخميس(‪ )3‬اشتد برسول ال صلّى ال عل يه وسلّم‬
‫وجعه فقال‪” :‬ائتوني أكتب لكم كتابا لن تضلوا بعده أبدا” فتنازعوا ول ينبغي عند نبي التنازع [فقال بعضهم‪:‬‬
‫إن رسمول ال صملّى ال عليمه وسملّم قمد غلبمه الوجمع وعندكمم القرآن حسمبنا كتاب ال‪[ ],‬فاختلف أهمل البيمت‬
‫واختصموا فمنهم من يقول‪ :‬قرّبوا يكتب لكم كتابا ل تضلوا بعده‪ ,‬ومنهم من يقوم غير ذلك‪ ,‬فلما أكثروا اللغو‬
‫والختلف قال ر سول ال صلّى ال عل يه و سلّم‪[" :‬قوموا] و في روا ية‪” :‬دعو ني فالذي أ نا ف يه خ ير(‪ )4‬م ما‬
‫تدعون ني إل يه] أو صيكم بثلث‪ :‬أخرجوا المشرك ين من جزيرة العرب‪ ,‬وأجيزوا الو فد بن حو ما ك نت أجيز هم‬
‫به”(‪ )5‬و سكت عن الثال ثة أو قال فأن سيتها"(‪ )6‬قال ا بن ح جر رح مه ال تعالى‪" :‬وأو صاهم بثلث" أي في تلك‬
‫الحالة‪ ,‬وهذا يدل على أن الذي أراد أن يكتبه صلّى ال عليه وسلّم لم يكن أمرا متحتماً؛ لنه لو كان مما أُ مر‬
‫بتبليغه لم يتركه لوقوع اختلفهم ولعاقب ال من حال بي نه وبين تبليغه‪ ,‬ولبلّغه لهم لفظا كما أوصاهم بإخراج‬
‫المشرك ين وغير ذلك‪ ،‬وقد عاش بعد هذه المقالة أياما وحفظوا عنه أشياء لفظا فيحت مل أن يكون مجموعها ما‬
‫أراد أن يكتبه وال أعلم(‪.)7‬‬

‫انظر‪ :‬فتح الباري ‪ ,8/136‬و ‪ ,10/112‬و ‪.3/208‬‬ ‫‪)(1‬‬

‫انظر‪ :‬فتح الباري ‪ ,8/136‬و ‪ ,10/112‬و ‪.3/208‬‬ ‫‪)(2‬‬

‫يوم الخميس وما يوم الخميس؛ معناه‪ :‬تفخيم أمره في الشدة والمكروه‪ ,‬والتعجب منه ‪ ,‬وفي رواية في أواخر كتاب الجهاد عند‬ ‫‪)(3‬‬

‫البخاري‪” :‬ثم بكى حتى خضب دمعه الحصى”‪ .‬وفي رواية لمسلم‪” :‬ثم جعلت تسيل دموعه حتى رأيتها على خديه‪ ”...‬انظر‪:‬‬
‫فتح الباري ‪ ،8/132‬وشرح النووي على صحيح مسلم‪.‬‬
‫المعنى‪ :‬دعوني من النزاع والختلف الذي شرعتم فيه فالذي أنا فيه من مراقبة ال تعالى والتأهب للقائه‪ ,‬والفكر في ذلك‬ ‫‪)(4‬‬

‫خير مما أنتم فيه‪ ,‬أو فالذي أعانيه من كرامة ال تعالى الذي أعدها لي بعد فراق الدنيا خير مما أنا فيه من الحياة‪ ..‬وقبل غير‬
‫ذلك‪ .‬انظر‪ :‬فتح الباري ‪ ,8/134‬وشرح النووي‪.‬‬
‫وأجيزوا الوفد‪ :‬أي أعطوهم‪ ,‬والجائزة العطية‪ ,‬وهذا أمر منه صلّى ال عليه وسلّم بإجازة الوفود وضيافتهم وإكرامهم تطييبا‬ ‫‪)(5‬‬

‫لنفوسهم وترغيبا لغيرهم من المؤلفة قلوبهم ونحوهم‪ ,‬وإعانة لهم على سفرهم‪ .‬انظر‪ :‬فتح الباري ‪ 7/135‬وشرح النووي‪.‬‬
‫البخاري برقم ‪ ,4432 ,4431‬ومسلم برقم ‪.1637‬‬ ‫‪)(6‬‬

‫فتح الباري ‪.8/134‬‬ ‫‪)(7‬‬


‫والوصية الثالثة في هذا الحديث يحتمل أن تكون الوصية بالقرآن‪ ,‬أو الوصية بتنفيذ جيش أسامة رضي ال‬
‫عنه‪ .‬أو الوصية بالصلة وما ملكت اليمان‪ ,‬أو الوصية وما ملكت اليمان‪ ،‬أو الوصية بأن ل يتخذ قبره صلّى‬
‫ال عليه وسلّم وثنا يُعبد من دون ال‪ ,‬وقد ثبتت هذه الوصايا عنه صلّى ال عليه وسلّم(‪.)1‬‬
‫وعن عبد ال بن أبي أوْفَى رضي ال عنه أنه سئل هل أوصى رسول ال صلّى ال عليه وسلّم؟‪ ...‬قال‪:‬‬
‫”أو صى بكتاب ال عز و جل”(‪ .)2‬والمراد بالو صية بكتاب ال‪ :‬حف ظه ح سّا ومع نى‪ ,‬فيكرم وي صان‪ ,‬ويت بع ما‬
‫فيه‪ :‬فيعمل بأوامره‪ ,‬ويجتنب نواهيه‪ ,‬ويداوم على تلوته وتعلمه وتعليمه ونحو ذلك(‪.)3‬‬
‫وأمر عليه الصلة والسلم وأوصى بإنفاذ جيش أسامة رضي ال عنه‪ ,‬وقد ذكر ابن حجر رحمه ال تعالى‬
‫أ نه كان تجه يز ج يش أ سامة يوم ال سبت ق بل موت ال نبي صلّى ال عل يه و سلّم بيوم ين‪ ,‬وكان ابتداء ذلك ق بل‬
‫مرض النمبي صملّى ال عليمه وسملّم‪ ,‬فندب الناس لغزو الروم فمي آخمر صمفر‪ ,‬ودعما أسمامة وقال‪” :‬سـر إلى‬
‫موضع مقتل أبيك فأوطئهم الخيل‪ ,‬فقد وليتك هذا الجيش‪ ”...‬فبدأ برسول ال صلّى ال عليه وسلّم وجعه في‬
‫اليوم الثالث فع قد ل سامة لواء بيده فأخذه أ سامة‪ ,‬وكان م من انتدب مع أ سامة كبار المهاجر ين والن صار‪ ,‬ثم‬
‫اشتد برسول ال صلّى ال عليه وسلّم وجعه فقال‪” :‬أنفذوا جيش أسامة” فجهزه أبو بكر بعد أن استخلف فسار‬
‫عشرين ليلة إلى الجهة التي أمر بها‪ ,‬وقتل قاتل أبيه ورجع الجيش سالما وقد غنموا‪.)4(”..‬‬
‫عن عبد الله بن عمر رضي ال عنه قال‪ :‬بعث النبي صلّى ال عليه وسلّم بعثا وأم ّر عليهم أسامة بن زيد‬
‫فطعن بعض الناس في إمارته فقال النبي صلّى ال عليه وسلّم‪” :‬إن تطعنوا في إمارته فقد كنتم تطعنون في‬
‫إمارة أبيه من قبل‪ ,‬وايم ال إن كان لخليقا للمارة(‪ )5‬وإن كان لمن أحب ّ الناس إلي ّ‪ ,‬وإن ّ هذا لمن أح بّ‬
‫الناس إلي ّ بعده”(‪ .)6‬وقد كان عُمْرُ أسامة رضي ال عنه حين توفي النبي صلّى ال عليه وسلّم ثمان عشر‬
‫سنة(‪.)7‬‬
‫وأوصي صلّى ال عليه وسلّم بالصلة وما مكلت اليمان‪ ,‬فعن أنس رضي ال عنه قال‪ :‬كانت عامة وصية‬
‫رسول ال صلّى ال عليه وسلّم حين حضره الموت‪” :‬الصلة الصلة وما ملكت أيمانكم” حتى جعل رسول‬
‫ال صلّى ال عليه وسلّم يغرغر صدره ول يكاد يفيض بها لسانه”(‪.)8‬‬

‫المرجع السابق ‪.8/135‬‬ ‫‪)(1‬‬

‫مسلم برقم ‪ ,1634‬البخاري برقم ‪.5022 ,4460 ,2740‬‬ ‫‪)(2‬‬

‫الفتح ‪.9/67‬‬ ‫‪)(3‬‬

‫انظر‪ :‬فتح الباري ‪ ,8/152‬وسيرة ابن هشام ‪.4/328‬‬ ‫‪)(4‬‬

‫خليقاً‪ :‬حقيقا بها‪ .‬النووي ‪.15/205‬‬ ‫‪)(5‬‬

‫البخاري ‪ ,7/86‬برقم ‪ ,7187 ,6627 ,4469 ,4468 ,4250 ,3730‬ومسلم برقم ‪.2426‬‬ ‫‪)(6‬‬

‫انظر‪ :‬شرح النووي على صحيح مسلم ‪.15/205‬‬ ‫‪)(7‬‬

‫أحمد بلفظه ‪ ,3/117‬وإسناده صحيح‪ ,‬ورواه ابن ماجه ‪ ,2/900‬وانظر صحيح ابن ماجه ‪.2/109‬‬ ‫‪)(8‬‬
‫و عن علي ر ضي ال ع نه قال‪ :‬كان آ خر كلم ال نبي صلّى ال عل يه و سلّم‪” :‬ال صلة ال صلة و ما مل كت‬
‫أيمانكم”(‪.)1‬‬
‫وخلصة القول‪ :‬أن الدروس والفوائد والعبر في هذا المبحث كثيرة ومنها‪:‬‬
‫‪ 1‬م وجوب إخراج المشركين من جزيرة العرب؛ لن النبي صلّى ال عليه وسلّم أوصى بذلك عند موته‪,‬‬
‫وقد أخرجهم عمر رضي ال عنه في بداية خلفته‪ ,‬أما أبو بكر فقد انشغل بحروب الردة‪.‬‬
‫‪ 2‬م إكرام الوفود وإعطاؤهم ضيافتهم كما كان النبي عليه الصلة والسلم يفعل؛ لن النبي صلّى ال عليه‬
‫وسلّم أوصى بذلك‪.‬‬
‫‪ 3‬م وجوب العنا ية بكتاب ال ح سّا ومع نى‪ :‬فيكرم‪ ,‬وي صان‪ ,‬ويت بع ما ف يه في فيع مل بأوامره ويجت نب‬
‫نواه يه‪ ,‬ويداوم على تلو ته‪ ,‬وتعل مه وتعلي مه ون حو ذلك؛ لن ال نبي صلّى ال عل يه و سلّم أو صى به في عدة‬
‫مناسبات‪ ,‬فدل ذلك على أهميته أهمية بالغة مع سنة النبي صلّى ال عليه وسلّم‪.‬‬
‫‪ 4‬م أهمية الصلة؛ لنها أعظم أركان السلم بعد الشهادتين؛ ولهذا أوصى بها النبي صلّى ال عليه وسلّم‬
‫عند موته أثناء الغرغرة‪.‬‬
‫‪ 5‬م القيام بحقوق الممال يك والخدم و من كان ت حت الول ية؛ لن ال نبي صلّى ال عل يه و سلّم أو صى بذلك‬
‫فقال‪” :‬الصلة الصلة وما ملكت أيمانكم”‪.‬‬
‫‪ 6‬مم فضمل أسمامة بن زيمد حيمث أمّره النمبي صملّى ال عليمه وسملّم على جيمش عظيمم فيمه الكثيمر ممن‬
‫المهاجرين والنصار‪ ,‬وأوصى بإنفاذ جيشه(‪.)2‬‬
‫‪ 7‬م فضل أبي بكر حيث أنفذ وصية رسول ال صلّى ال عليه وسلّم في جيش أسامة فبعثه؛ لقوله تعالى‪:‬‬
‫ب أَلِيمٌ}(‪.)3‬‬
‫ن َأمْرِ ِه أَن تُصِي َب ُهمْ فِتْ َن ٌة َأوْ يُصِي َب ُهمْ عَذَا ٌ‬
‫ن ُيخَا ِلفُونَ عَ ْ‬
‫{فَلْ َيحْذَ ِر الّذِي َ‬

‫المبحث العاشر‪ :‬اختياره صلّى ال عليه وسلّم الرفيق العلى‬


‫عن عائ شة ر ضي ال عن ها قالت‪ :‬ك نت أ سمع أ نه ل يموت نبي ح تى يخي ّر ب ين الدن يا والخرة‪ ,‬ف سمعت‬
‫ن أَنْعَمَ اللّ ُه عَلَ ْيهِم‬
‫النبي صلّى ال عليه وسلّم في مرضه الذي مات فيه وأخذته بُحّ ٌة(‪[ )4‬شديدة] يقول‪{ :‬مَ َع الّذِي َ‬
‫حسُنَ أُولَـئِكَ رَفِيقًا}(‪ )5‬قالت فظننته خير حينئذ(‪.)6‬‬
‫ن َو َ‬
‫شهَدَاء وَالصّا ِلحِي َ‬
‫مّنَ النّبِيّينَ وَالصّدّيقِينَ وَال ّ‬

‫أخرجه ابن ماجه ‪ ,2/901‬وأحمد برقم ‪ ,585‬وانظر‪ :‬صحيح ابن ماجه ‪.2/109‬‬ ‫‪)(1‬‬

‫انظر‪ :‬فتح الباري ‪ 135 - 8/134‬و ‪.9/67‬‬ ‫‪)(2‬‬

‫سورة النور‪ ،‬الية‪.63 :‬‬ ‫‪)(3‬‬

‫البُحةُ‪ :‬غِلظٌ في الصوت‪ .‬انظر‪ :‬شرح النووي ‪.15/219‬‬ ‫‪)(4‬‬

‫سورة النساء‪ ،‬الية‪.69 :‬‬ ‫‪)(5‬‬

‫البخاري برقم ‪ ,6509 ,6348 ،4586 ,4463 ,4437 ,4436‬ومسلم برقم ‪.2444‬‬ ‫‪)(6‬‬
‫وفي رواية عنها رضي ال عنها أنها قالت‪ :‬كان رسول ال صلّى ال عليه وسلّم وهو صحيح يقول‪” :‬إنه‬
‫(‪)1‬‬
‫لم يقبض نبي قط حتى يُرى مقعده من الجنة ثم يخي ّر” قالت‪ :‬فلما نزل برسول ال صلّى ال عليه وسلّم‬
‫ورأسه على فخذي غُشِيَ عليه ساعة ثم أفاق فأشخص بصرهُ إلى السقف ثم قال‪” :‬اللهم في الرفيق العلى”‬
‫فقلت‪ :‬إذاً ل يختارنا‪ ,‬وعرفت أنه حديثه الذي كان يحدثنا وهو صحيح‪ ,‬قالت‪ :‬فكان آخر كلمة تكلم بها رسول‬
‫ال صلّى ال عليه وسلّم‪” :‬اللهم مع الرفيق العلى”(‪ .)2‬وقالت رضي ال عنها‪ :‬سمعت النبي صلّى ال عليه‬
‫و سلّم و هو م سند إلي ّ ظهره يقول‪” :‬الل هم اغ فر لي وارحم ني‪ ,‬وألحق ني بالرف يق العلى”(‪ )3‬وكان صلّى ال‬
‫عل يه و سلّم مت صل بر به وراغباً في ما عنده‪ ,‬ومحبّا للقائه‪ ,‬ومحبّا ل ما يح به سبحانه‪ ,‬و من ذلك ال سواك؛ ل نه‬
‫مطهرة لل فم مرضاة للرب‪ ،‬ف عن عائ شة ر ضي ال عن ها قالت‪" :‬إن من ن عم ال علي ّ أن ر سول ال صلّى ال‬
‫عليه وسلّم توفي في بيتي‪ ,‬وفي يومي‪ ,‬وبين سحري(‪ ,)4‬ونحري(‪ ،)5‬وأن ال جمع بين ريقي وريقه عند موته‪,‬‬
‫(‪)6‬‬
‫دخل عليّ عبد الرحمن [بن أبي بكر] وبيده السواك وأنا مسندة رسول ال صلّى ال عليه وسلّم [إلى صدري]‬
‫فرأي ته ين ظر إل يه وعر فت أ نه ي حب ال سواك‪ ,‬فقلت‪ :‬آخذه لك؟ ”فأشار برأ سه أن ن عم” فتناول ته فاش تد عل يه‪,‬‬
‫وقل تُ أُليّ نه لك؟ ”فأشار برأ سه أن ن عم” فلين ته [و في روا ية‪ :‬فق صمته‪ ,‬ثم مضغ ته(‪[ )7‬و في روا ية فقضم ته‬
‫ثم دفعته إلى النبي صلّى ال عليه وسلّم فاستنّ به(‪ )9‬فما رأيت رسول ال صلّى ال عليه‬ ‫(‪)8‬‬
‫ونفضته وطيبته‬
‫في ها ماء‪ ,‬فج عل يد خل يده في الماء‬ ‫(‪)12‬‬
‫أو عل بة‬ ‫(‪)11‬‬
‫وب ين يد يه ركوة‬ ‫(‪)10‬‬
‫و سلّم ا ستن ا ستناناً قَ طْ أح سن م نه]‬
‫فيمسح بها وجهه ويقول‪” :‬ل إله إل ال إن للموت سكرات” ثم نصب يده فجعل يقول‪” :‬في الرفيق العلى”‬
‫صلّى ال عليه وسلّم‪.‬‬ ‫(‪)13‬‬
‫حتى قبض ومالت يده"‬

‫وفي البخاري ”فلما اشتكى وحضره القبض” رقم ‪.4437‬‬ ‫‪)(1‬‬

‫البخاري برقم ‪ 4463 ,4437‬ومسلم ‪.2444‬‬ ‫‪)(2‬‬

‫البخاري برقم ‪.5664 ,4440‬‬ ‫‪)(3‬‬

‫سحري‪ :‬هو الصدر‪ ,‬وهو في الصل‪ :‬الرئة وما تعلق بها‪ .‬الفتح ‪ ,8/139‬والنووي ‪.15/218‬‬ ‫‪)(4‬‬

‫ونحري‪ :‬النحر هو موضع النحر‪ .‬الفتح ‪.8/139‬‬ ‫‪)(5‬‬

‫في البخاري رقم ‪.4438‬‬ ‫‪)(6‬‬

‫في البخاري برقم ‪.980‬‬ ‫‪)(7‬‬

‫طيبته‪ :‬بالماء‪ ,‬ويتحمل أن يكون تطييبه تأكيداً للينه‪ ,‬الفتح ‪.8/139‬‬ ‫‪)(8‬‬

‫أي استاك به وأمره على أسنانه‪.‬‬ ‫‪)(9‬‬

‫في البخاري برقم ‪.4438‬‬ ‫‪)(10‬‬

‫الركوة‪ :‬إناء صغير من جلد يشرب فيه الماء‪ .‬انظر‪ :‬النهاية في غريب الحديث ‪.2/260‬‬ ‫‪)(11‬‬

‫شك بعض الرواة وهو عمر‪ ,‬انظر‪ :‬الفتح ‪.8/144‬‬ ‫‪)(12‬‬

‫البخاري ‪ ,2/377‬برقم ‪ ,890‬وأخرجه البخاري في تسعة مواضع‪ ,‬انظر‪ ,2/377 :‬ومسلم برقم ‪.2444‬‬ ‫‪)(13‬‬
‫وقالت عائشة رضي ال عنها‪ :‬مات النبي صلّى ال عليه وسلّم وإنه لبين حاقنتي(‪ )1‬وذاقنتي(‪ ,)2‬فل أكره شدة‬
‫الموت لحد أبداً بعد النبي صلّى ال عليه وسلّم(‪.)3‬‬
‫وخلصة القول‪ :‬أن الدروس والفوائد والعبر في هذا المبحث كثيرة‪ ,‬ومنها‪:‬‬
‫‪ 1‬م إن الرفيق العلى‪ :‬هم الجماعة المذكورون في قوله تعالى‪َ { :‬ومَن ُيطِ عِ اللّ هَ وَالرّ سُولَ َفُأوْلَـ ِئكَ مَ عَ‬
‫ن َوحَ سُنَ أُولَـئِكَ رَفِيقًا}(‪ )4‬فالصحيح الذي‬
‫شهَدَاء وَال صّا ِلحِي َ‬
‫الّذِي نَ أَ ْنعَ مَ اللّ هُ عَلَ ْيهِم مّ نَ النّبِيّي نَ وَال صّدّيقِينَ وَال ّ‬
‫عل يه جمهور أ هل العلم أن المراد بالرف يق العلى هم ال نبياء ال ساكنون أعلى علي ين‪ .‬ولف ظة رف يق تطلق على‬
‫حسُنَ أُولَـ ِئكَ رَفِيقًا}(‪.)5‬‬
‫الواحد والجمع؛ لقوله تعالى‪َ { :‬و َ‬
‫‪ 2‬م إن ال نبي صلّى ال عل يه و سلّم اختار الرف يق العلى ح ين خُيّ ر حبّا للقاء ال تعالى‪ ,‬ثم حبّا للرف يق‬
‫العلى‪ ،‬وهو الذي يقول صلّى ال عليه وسلّم‪” :‬من أحب لقاء ال أحب الله لقاءه”(‪.)6‬‬
‫‪ 3‬م فضل عائشة رضي ال عنها حيث نقلت العلم الكثير عنه صلّى ال عليه وسلّم‪ ,‬وقامت بخدمته حتى‬
‫مات بين سحرها ونحرها؛ ولهذا قالت‪” :‬إن من نعم ال علي ّ أن رسول ال صلّى ال عليه وسلّم توفي في‬
‫بيتي وفي يومي‪ ,‬وبين سحري ونحري”‪.‬‬
‫‪ 4‬م عنا ية ال نبي صلّى ال عل يه و سلّم بال سواك ح تى و هو في أ شد سكرات الموت‪ ,‬وهذا يدل على تأ كد‬
‫استحباب السواك؛ لنه مطهرة للفم مرضاة للرب‪.‬‬
‫‪ 5‬م قول ال نبي صلّى ال عل يه و سلّم في سكرات الموت‪” :‬ل إله ال إن للموت سكرات” و هو الذي قد‬
‫ح قق ل إله إل ال‪ ,‬يدل على تأكّدِ استحبابها والعناية بها والكثار من قولها وخاصة في مرض الموت؛ لن‬
‫”من كان آخر كلمه ل إله إل ال دخل الجنة”‪.‬‬
‫‪ 6‬م حرص النبي صلّى ال عليه وسلّم على مرافقة النبياء ودعاؤه بذلك يدل على أن المسلم ينبغي له أن‬
‫يسأل ال تعالى أن يجمعه بهؤلء بعد الموت في جنات النعيم‪ ,‬اللهم اجعلنا معهم برحمتك يا أرحم الراحمين‪.‬‬
‫‪ 7‬م شدة الموت وسكراته العظيمة للنبي صلّى ال عليه وسلّم وقد غفر ال له ما تقدم من ذنبه وما تأخر‪,‬‬
‫فما بالنا بغيره‪.‬‬

‫المبحث الحادي عشر‪ :‬موت النبي صلّى ال عليه وسلّم شهيدا‬

‫الحاقنة‪ :‬ما سفل من الذقن وقيل غير ذلك‪ ,‬الفتح ‪.8/139‬‬ ‫‪)(1‬‬

‫والذاقنة‪ :‬ما عل من الذقن وقيل غير ذلك‪ ,‬الفتح ‪ ,8/139‬والحاصل أن ما بين الحاقنة والذاقنة‪ :‬هو ما بين السحر والنحر‪,‬‬ ‫‪)(2‬‬

‫والمراد أنه مات ورأسه بين حنكها وصدرها‪ .‬الفتح ‪.8/139‬‬


‫البخاري برقم ‪ , 4446‬ومسلم برقم ‪.2443‬‬ ‫‪)(3‬‬

‫سورة النساء‪ ،‬الية‪.69 :‬‬ ‫‪)(4‬‬

‫انظر‪ :‬فتح الباري ‪ ,8/138‬وشرح النووي ‪.15/219‬‬ ‫‪)(5‬‬

‫البخاري برقم ‪ ,6507‬ومسلم برقم ‪.2683‬‬ ‫‪)(6‬‬


‫عن عائ شة ر ضي ال عن ها قالت‪" :‬كان ال نبي صلّى ال عل يه و سلّم يقول في مر ضه الذي مات ف يه‪ ” :‬يا‬
‫عائشة ما أزال أجد ألم الطعام(‪ )1‬الذي أكلت بخيبر(‪ ,)2‬فهذا أوان وجدت انقطاع أبْهَري(‪ )3‬من ذلك السم”(‪.)4‬‬
‫وقد عاش صلّى ال عليه وسلّم بعد أكله من الشاة المسمومة بخيبر ثلث سنين حتى كان وجعه الذي قُبض‬
‫فيه(‪ )5‬وقد ذُ ِكرَ أن المرأة التي أعطته الشاة المسمومة أسلمت حينما قالت‪ :‬من أخبرك؛ فأخبر صلّى ال عليه‬
‫ل ثم قتلها بعد ذلك‬
‫وسلّم أن الشاة المسمومة أخبرته‪ ,‬وأسلمت وعفى عنها رسول ال صلّى ال عليه وسلّم أو ً‬
‫قصاصا ببشر بن البراءة بعد أن مات رضي ال عنه(‪ )6‬وقد ثبت الحديث متصلً أن سبب موته صلّى ال عليه‬
‫و سلّم هو ال سم‪ ,‬ف عن أ بي سلمة قال‪ :‬كان ر سول ال صلّى ال عل يه و سلّم يق بل ول يأ كل ال صدقة فأهدت له‬
‫يهودية بخيبر شاة مصلية سمّتها‪ ,‬فأكل رسول ال صلّى ال عليه وسلّم منها وأكل القول فقال‪” :‬ارفعوا أيديكم‬
‫فإنها أخبرتني أنها مسمومة” فمات بشر بن البراء معرور النصاري‪ ,‬فأرسل إلى اليهودية‪” :‬ما حملك على‬
‫الذي صـنعت”؟ قالت‪ :‬إن كنمت نمبيّا لم يضرك الذي صمنعت‪ ,‬وإن كنمت ملكا أرحمت الناس منمك ”فأمـر بهـا‬
‫رسول ال صلّى ال عليه وسلّم فقتلت” ثم قال في وجعه الذي مات فيه‪” :‬ما زلت أجد من الكلة التي أكلت‬
‫بخيبر فهذا أوان انقطاع أبهري”(‪ .)7‬وقالت أم بشر للنبي صلّى ال عليه وسلّم في مرضه الذي مات فيه‪ :‬ما‬
‫يتهم بك يا رسول ال؟ فإني ل أتهم بابني إل الشاة المسمومة التي أكل معك بخيبر‪ .‬وقال النبي صلّى ال عليه‬
‫وسلّم‪” :‬وأنا ل أنهم بنفسي إل ذلك فهذا أوان انقطاع أبهري”(‪.)8‬‬
‫وقمد جزم ابمن كثيمر رحممه ال تعالى أن النمبي صملّى ال عليمه وسملّم مات شهيداً(‪ ,)9‬ونقمل‪” :‬وإن كان‬
‫المسلمون ليرون أن رسول ال صلّى ال عليه وسلّم مات شهيداً مع ما أكرمه ال به من النبوة”(‪ .)10‬وقال‬

‫ما أزال أجد ألم لطعام‪ :‬أي أحس اللم في جوفي بسبب الطعام‪ .‬الفتح ‪.8/131‬‬ ‫‪)(1‬‬

‫وذلك أنه عندما فتح خيبر أُهديت له صلّى ال عليه وسلّم شاة مشوية فيها سم‪ ,‬وكانت المرأة اليهودية سألت‪ :‬أي عضو من‬ ‫‪)(2‬‬

‫الشاة أحب إليه؟ فقيل لها الذراع فأكثرت فيها من السم‪ ,‬فلما تناول الذراع لك منها مضغة ولم يسغها‪ ,‬وأكل معه بشر بن البراء‬
‫فأساع لقمته‪ ,‬ومات منها‪ ,‬وقال لصحابه‪ :‬أمسكوا عنها فإنها مسمومة‪ ,‬وقال لها‪ :‬ما حملك على ذلك؟ فقالت‪ :‬أردت إن كنت نبيّا‬
‫فيطلعك ال‪ ,‬وإن كنت كاذبا فأريح الناس منك‪ ...‬انظر‪ :‬فتح الباري ‪ ,7/197‬والقصة في البخاري برقم ‪ ,3169‬و ‪,4249‬‬
‫‪ ,5777‬والبداية والنهاية لبن كثير ‪.4/208‬‬
‫البهر عرق مستبطن بالظهر متصل بالقلب إذا انقطع مات صاحبه‪ .‬الفتح ‪.8/131‬‬ ‫‪)(3‬‬

‫البخاري مع الفتح ‪ 8/131‬برقم ‪ 4428‬وقد وصله الحاكم والسماعيلي‪ .‬انظر‪ :‬الفتح ‪.8/131‬‬ ‫‪)(4‬‬

‫انظر‪ :‬الفتح ‪ 8/131‬فقد ساق آثارا موصولة عند الحاكم وابن سعد‪ .‬الفتح ‪.8/131‬‬ ‫‪)(5‬‬

‫انظر‪ :‬التفصيل في ففتح الباري ‪ ,7/497‬والبداية والنهاية لبن كثير ‪.212 -4/208‬‬ ‫‪)(6‬‬

‫أبو داود برقم ‪ ,4512‬وقال اللباني‪ :‬حسن صحيح‪ .‬انظر‪ :‬صحيح سنن أبي داود ‪.3/855‬‬ ‫‪)(7‬‬

‫أبو داود برقم ‪ 4513‬وصحح إسناده اللباني‪ .‬انظر‪ :‬صحيح سنن أبي داود ‪.3/855‬‬ ‫‪)(8‬‬

‫انظر‪ :‬البداية والنهاية ‪ 4/210‬و ‪ 211‬و ‪ 212 – 4/210‬و ‪.244 – 5/223‬‬ ‫‪)(9‬‬

‫انظر‪ :‬المرجع السابق ‪.4/211‬‬ ‫‪)(10‬‬


‫ا بن م سعود ر ضي ال ع نه‪" :‬لئن أحلف ت سعاً أن ر سول ال صلّى ال عل يه و سلّم ق تل قتلً أ حب إلي من أن‬
‫أحلف واحدة أنه لم يقتل‪ ,‬وذلك؛ لن ال اتخذه نبيّا واتخذه شهيداً”(‪.)1‬‬
‫وعن أنس رضي ال عنه أن أبا بكر رضي ال عنه كان يصلي بهم في وجع النبي صلّى ال عليه وسلّم‬
‫الذي توفي فيه حتى إذا كلن يوم الثنين وهم صفوف [في صلة الفجر] ففجأهم النبي صلّى ال عليه وسلّم وقد‬
‫ثم‬ ‫(‪)2‬‬
‫كشف سِترَ حجرةِ عائشة رضي ال عنها [وهم في صفوف الصلة] وهو قائم كأن وجهه ورقة مصحف‬
‫تبسم رسول ال صلّى ال عليه وسلّم يضحك [وهم المسلمون أن يفتتنوا في صلتهم فرحا] [برؤية رسول ال‬
‫صلّى ال عليه وسلّم] [فنكص(‪ )3‬أبو بكر رضي ال عنه على عقبيه ليصل الصف‪ ,‬وظن ّ أن رسول ال صلّى‬
‫ال عل يه و سلّم خارج إلى ال صلة] [فأشار إلي هم ر سول ال صلّى ال عل يه و سلّم [بيده] أن أتموا صلتكم [ ثم‬
‫دخل رسول ال صلّى ال عليه وسلّم] [الحجرة] وأرخى الستر فتوفي رسول ال صلّى ال عليه وسلّم من يومه‬
‫ذلك‪.‬‬
‫و في روا ية‪[ :‬وتو في من آ خر ذلك اليوم](‪ .)4‬و في روا ية‪[ :‬لم يخرج ال نبي صلّى ال عل يه و سلّم ثلثا](‪.)5‬‬
‫فأقيمت الصلة فذهب أبو بكر يتقدم‪ ,‬فقال نبي ال صلّى ال عليه وسلّم بالحجاب فرفعه فلما وضح وجه النبي‬
‫صلّى ال عل يه وسلّم ما نظرنا منظرا كان أع جب إلينا من و جه النبي صلّى ال عل يه وسلّم ح ين وضح ل نا‪,‬‬
‫فأو مأ ال نبي صلّى ال عل يه و سلّم بيده إلى أ بي ب كر أن يتقدم وأر خى ال نبي صلّى ال عل يه و سلّم الحجاب فلم‬
‫يُقدر عليه حتى مات(‪.)6‬‬
‫وخلصة القول‪ :‬أن الدروس والفوائد والعبر في هذا المبحث كثيرة‪ ,‬ومنها‪:‬‬
‫‪ 1‬م موت النبي صلّى ال عليه وسلّم وانتقاله إلى الرفيق العلى شهيداً؛ لن ال اتخذه نبيّا واتخذه شهيداً‬
‫صلّى ال عليه وسلّم‪.‬‬
‫‪ 2‬م عداوة اليهود للسلم وأهله ظاهرة من قديم الزمان فهم أعداء ال ورسله‪.‬‬
‫‪ 3‬م عدم انتقام ال نبي صلّى ال عل يه و سلّم لنف سه‪ ,‬بل يع فو وي صفح؛ ولهذا لم يعا قب من سم ّت الشاة‬
‫المصلية‪ ,‬ولكنها قُتِلتْ بعد ذلك قصاصاً ببشر بن البراء بعد أن مات بِصُنعها‪.‬‬

‫ذكره ابن كثير وعزاه بإسناده إلى البيهقي‪ .‬انظر‪ :‬البداية والنهاية ‪.5/227‬‬ ‫‪)(1‬‬

‫كأن وجهه ورقة مصحف‪ :‬عبارة وكناية عن الجمال البارع وحسن البشرة وصفاء الوجه واستنارته‪ .‬شرح البي على‬ ‫‪)(2‬‬

‫صحيح مسلم ‪.2/310‬‬


‫فنكص على عقبيه‪ :‬أي رجع القهقرى فتأخر‪ ,‬لظنه أن النبي صلّى ال عليه وسلّم خرج ليصلي بالناس‪ ,‬الفتح ‪.2/165‬‬ ‫‪)(3‬‬

‫وقد ذكر ابن إسحاق أنه صلّى ال عليه وسلّم مات حين اشتد الضحى‪ ,‬ويجمع بينهما بأن إطلق الخير بمعنى‪ :‬ابتداء الدخول‬ ‫‪)(4‬‬

‫في أول النصف الثاني من النهار وذلك عند الزوال واشتداد الضحي يقع قبل الزوال ويستمر حتى يتحقق زوال الشمس‪ ,‬وقد جزم‬
‫موسى بن عقبة عن ابن شهاب بأنه صلّى ال عليه وسلّم مات حين زاغت الشمس‪ .‬الفتح ‪.144- 8/143‬‬
‫ابتداء من صلته بهم قاعد الخميس كما تقدم‪ .‬انظر‪ :‬فتح الباري ‪ ,2/165‬والبداية ‪.5/235‬‬ ‫‪)(5‬‬

‫البخاري برقم ‪ ,4448 ,1205 ,754 ,681 ,608‬ومسلم برقم ‪ 419‬واللفاظ مقتبسة من جميع المواضع‪ ,‬وانظر‪ :‬مختصر‬ ‫‪)(6‬‬

‫صحيح المام البخاري لللباني ‪ 1/174‬برقم ‪.374‬‬


‫‪ 4‬م معجزة من معجزاته صلّى ال عليه وسلّم وهي أن لحم الشاة المصلية نطق وأخبر النبي صلّى ال‬
‫عليه وسلّم أنه مسموم‪.‬‬
‫‪ 5‬م ف ضل ال تعالى على عباده أ نه لم يق بض نبيهم إل ب عد أن أك مل به الد ين وترك أم ته على المح جة‬
‫البيضاء ليلها كنهارها ل يزيغ عنها إل هالك‪.‬‬
‫‪ 6‬م مح بة ال صحابة ر ضي ال عن هم ل نبيهم صلّى ال عل يه و سلّم ح تى أن هم فرحوا فرحا عظيما عند ما‬
‫كشف الستر في صباح يوم الثنين وهو ينظر إليهم وصلتهم فأدخل ال بذلك السرور في قلبه صلّى ال عليه‬
‫وسلّم؛ لنه ناصح لمته يحب لهم الخير؛ ولهذا ابتسم وهو في شدة المرض فرحا وسرورا بعملهم المبارك‪.‬‬

‫المبحث الثاني عشر‪ :‬من يعبد ال فإن ال حي ل يموت‬


‫ك ا ْلخُلْدَ أَفَإِن مّتّ َفهُ مُ ا ْلخَالِدُو نَ}(‪.)2‬‬
‫جعَلْنَا لِ َبشَ ٍر مّن قَبِْل َ‬
‫قال ال تعالى‪{ :‬إِنّ كَ مَيّ تٌ َوإِ ّنهُم مّيّتُو نَ}(‪َ { .)1‬ومَا َ‬
‫خلَ ا ْلجَ ّنةَ َفقَدْ فَازَ وَ ما‬
‫ن النّا ِر َوأُدْ ِ‬
‫ن ُأجُو َركُ مْ َيوْ مَ ا ْلقِيَا َمةِ فَمَن ُزحْزِ حَ عَ ِ‬
‫ت َوإِنّمَا ُتوَ ّفوْ َ‬
‫{ ُكلّ َنفْ سٍ ذَآ ِئ َقةُ ا ْل َموْ ِ‬
‫ك ذُو ا ْلجَللِ وَا ِلكْرَامِ}(‪.)4‬‬
‫جهُ رَبّ َ‬
‫ن عَلَ ْيهَا فَانٍ‪ ،‬وَيَبْقَى َو ْ‬
‫ع ا ْلغُرُورِ}(‪ُ { .)3‬كلّ مَ ْ‬
‫ا ْلحَيَاةُ الدّنْيَا ِإلّ مَتَا ُ‬
‫مات مح مد بن ع بد ال أف ضل ال نبياء والمر سلين صلّى ال عل يه و سلّم وكان آ خر كل مة تكلم ب ها ع ند‬
‫الغرغرة كما قالت عائشة رضي ال عنها‪ :‬أنه كان بين يديه ركوة أو علبة فيها ماء‪ ,‬فجعل يدخل يده صلّى ال‬
‫عل يه و سلّم في الماء فيم سح ب ها وج هه ويقول‪” :‬ل إله إل ال إن للموت سكرات” ثم ن صب يده فج عل يقول‪:‬‬
‫”في الرفيق العلى” حتى قبض ومالت يده(‪ .)5‬فكان آخر كلمة تكلم بها‪” :‬اللهم في الرفيق العلى”(‪.)6‬‬
‫وعن عائشة رضي ال عنها زوج النبي صلّى ال عليه وسلّم أن رسول ال صلّى ال عليه وسلّم مات وأبو‬
‫بكر بالسّنح(‪ )7‬فقام عمر يقول‪ :‬وال ما مات رسول ال صلّى ال عليه وسلّم‪ .‬قالت‪ :‬وقال‪ :‬وال ما كان يقع في‬
‫نفسمي إل ذاك‪ ,‬وليبعثن ّه ال فلقطمع أيدي رجال وأرجلهمم(‪ ,)8‬فجاء أبمو بكمر رضمي ال عنمه [على فرسمه ممن‬
‫مسكنه بالسّنْح حتى نزل فدخل المسجد فلم يكلم الناس حتى دخل على عائشة رضي ال عنها فتي مم(‪ )9‬رسول‬

‫سورة الزمر‪ ,‬الية‪.30 :‬‬ ‫‪)(1‬‬

‫سورة النبياء‪ ,‬الية‪.34 :‬‬ ‫‪)(2‬‬

‫سورة آل عمران‪ ,‬الية‪.185 :‬‬ ‫‪)(3‬‬

‫سورة الرحمن‪ ,‬اليتان‪.27 ,26 :‬‬ ‫‪)(4‬‬

‫البخاري برقم ‪ 890‬وما بعدها من المواضع‪ ,‬ومسلم ‪.2444‬‬ ‫‪)(5‬‬

‫البخاري برقم ‪ ,463 ,4437‬ومسلم ‪.2444‬‬ ‫‪)(6‬‬

‫السّنح‪ :‬العالية وهو مسكن زوجة أبي بكر رضي ال عنه وهو منازل بني الحارث من الخزرج بيته وبين المسجد النبوي‬ ‫‪)(7‬‬

‫ميل‪ .‬الفتح ‪ 8/145‬و ‪.29 ,7/19‬‬


‫أي يبعثه في الدنيا ليقطع أيدي القائلين بموته‪ .‬انظر‪ :‬الفتح ‪.7/29‬‬ ‫‪)(8‬‬

‫أي قصد‪ .‬الفتح ‪.3/115‬‬ ‫‪)(9‬‬


‫ال صلّى ال عليه وسلّم وهو مغشّى بثوب حِبرة(‪ )1‬فكشف عن وجهه ثم أكب عليه فقبله(‪[ )2‬ثم بكى] فقال‪ :‬بأبي‬
‫أنت وأمي [يا نبي ال] [طبت حيّا وميتًا والذي نفسي بيده] [ل يجمع ال عليك موتتين](‪[ )3‬أبداً] [أما الموتة التي‬
‫كُت بت عل يك قد ُمتّ ها] [ ثم] [خرج وع مر ر ضي ال ع نه يكلم الناس فقال‪[ :‬أي ها الحالف على ر سلك] [اجلس]‬
‫[فأبى فقال‪ :‬اجلس فأبى] [فتشهد أبو بكر] [فلما تكلم أبو بكر جلس عمر] [ومال إليه الناس وتركوا عمر] [فحمد‬
‫ال أبو بكر وأثنى عليه] وقال‪[ :‬أما بعد فمن كان منكم يعبد محمدا صلّى ال عليه وسلّم فإن محمدا قد مات‪,‬‬
‫حمّدٌ ِإلّ‬
‫ت َوإِنّهُم مّيّتُو نَ}(‪ )4‬وقال‪{ :‬وَمَا ُم َ‬
‫و من كان يع بد ال فإن ال حيّ ل يموت‪ ,‬وقال ال تعالى‪{ :‬إِنّ كَ مَيّ ٌ‬
‫عقِبَيْ هِ فَلَن يَضُ ّر اللّ هَ‬
‫عقَا ِبكُ مْ َومَن يَنقَلِ بْ عَ َلىَ َ‬
‫علَى أَ ْ‬
‫ت َأوْ قُ ِت َل انقَلَبْتُ مْ َ‬
‫سلُ أَفَإِن مّا َ‬
‫ت مِن قَبْلِ هِ الرّ ُ‬
‫رَ سُولٌ قَدْ خَلَ ْ‬
‫شَيْئًا وَ سَ َيجْزِي اللّ ُه الشّاكِرِي نَ}(‪[ )5‬فوا ل لكأن الناس لم يكونوا يعلموا أن ال أنزل هذه ال ية ح تى تل ها أ بو‬
‫بكر رضي ال عنه فتلقاها منه الناس كلهم فما أسمع بشراً من الناس إل يتلوها [وأخبر سعيد بن المسيب] [أن‬
‫عمر قال‪ :‬وال ما هو إل أن سمعت أبا بكر تلها فعقرت(‪ )6‬حتى ما تقلني رجلي وحتى أهويت إلى الرض‬
‫حيمن سممعته تلهما علممت أن النمبي صملّى ال عليمه وسملّم قمد مات] [قال‪ :‬ونشمج الناس(‪ )7‬يبكون‪ ,‬واجتمعمت‬
‫النصار إلى سعد بن عبادة في سقيفة بني ساعدة فقالوا‪ :‬من ّا أمير ومنكم أمير(‪ ,)8‬فذهب إليهم أبو بكر وعمر‬
‫بن الخطاب وأبو عبيدة بن الجراح‪ ,‬فذهب عمر يتكلم فأسكته أبو بكر ‪ ,‬وكان عمر يقول‪ :‬وال ما أردت بذلك‬
‫إل أ ني قد هيّأت كلما قد أعجب ني خش يت أن ل يبل غه أ بو ب كر‪ .‬ثم تكلم أ بو ب كر فتكلم أبلغ الناس فقال في‬
‫كل مه‪ :‬ن حن المراء وأن تم الوزراء‪ ,‬فقال حباب بن المنذر‪ :‬ل وال ل نف عل من ّا أم ير ومن كم أم ير‪ ,‬فقال أ بو‬
‫بكر‪ :‬ل ولكنا المراء وأنتم الوزراء‪ ,‬هم أوسط العرب دارا وأعربهم أحسابا(‪ )9‬فبايعوا عمر أو أبا عبيدة فقال‬

‫وفي رواية للبخاري‪ :‬وهو مسجّى ببرد حبرة‪ .‬البخاري برقم ‪ ,1241‬ومعنى مغشى ومسجى أي مغطى‪ ,‬وبرد حبرة‪ :‬نوع‬ ‫‪)(1‬‬

‫من برود اليمن مخططة غالية الثمن‪ .‬الفتح ‪.3/115‬‬


‫أي قبله بين عينيه كما ترجم له النسائي‪ .‬انظر‪ :‬الفتح ‪ ,3/115‬وانظر‪ :‬ما نقله ابن حجر من الروايات في أنه قبل جبهته‪.‬‬ ‫‪)(2‬‬

‫الفتح ‪.8/147‬‬
‫قوله‪ :‬ل يجمع ال عليك موتتين‪ :‬فيه أقوال‪ :‬قيل هو على حقيقته وأشار بذلك إلى الرد على من زعم أنه سيحيا فيقطع أيدي‬ ‫‪)(3‬‬

‫رجال‪..‬؛ لنه لو صح ذلك للزم أن يموت موتة أخرى‪ ..‬وهذا أوضح الجوبة وأسلمها‪ ,‬وقيل أراد ل يموت موته أخرى في القبر‬
‫كغيره إذ يحيا ليسئل ثم يموت‪ ,‬وهذا أحسن من الذي قبله؛ لن حياته صلّى ال عليه وسلّم ل يعقبها موت بل يستمر حيّا والنبياء‬
‫حياتهم برزخية ل تأكل أجسادهم الرض‪ ,‬ولعل هذا هو الحكمة في تعريف الموتتين‪ ...‬أي المعروفتين المشهورتين الواقعتين‬
‫لكل أحد غير النبياء‪ .‬انظر‪ :‬فتح الباري ‪ 3/114‬و ‪.7/29‬‬
‫سورة الزمر‪ ،‬الية‪.30 :‬‬ ‫‪)(4‬‬

‫سورة آل عمران‪ ,‬الية‪.144 :‬‬ ‫‪)(5‬‬

‫عقِرت‪ :‬دهشت وتحيرت‪ ,‬أما بضم العين فالمعنى هلكت‪ .‬الفتح ‪.8/146‬‬ ‫‪)(6‬‬

‫نشج الناس‪ :‬بكوا بغير انتحاب‪ ,‬والنشج ما يحصل للباكي من الغصة‪ .‬انظر‪ :‬الفتح ‪.7/30‬‬ ‫‪)(7‬‬

‫إنما قالت النصار رضي ال عنهم‪ :‬منا أمير ومنكم أمير على ما عرفوه من عادة العرب أنه ل يتأمر على القبيلة إل من‬ ‫‪)(8‬‬

‫يكون منها فلما سمعوا حديث الئمة من قريش رجعوا إلى ذلك وأذعنوا‪ .‬الفتح ‪.7/32‬‬
‫أي قريش‪ .‬انظر‪ :‬الفتح ‪.7/30‬‬ ‫‪)(9‬‬
‫عمر‪ :‬بل نبايعك أنت فأنت سيدنا وخيرنا وأحبنا إلى رسول ال صلّى ال عليه وسلّم‪ ,‬فأخذ عمر بيده فبايعه‬
‫وبايعه الناس‪ ,‬فقال قائل‪ :‬قتلتم سعد بن عبادة‪ ,‬فقال عمر‪ :‬قتله ال(‪.)1‬‬
‫قالت عائشة رضي ال عنها‪ :‬في شأن خطبة أبي بكر وعمر في يوم موت النبي صلّى ال عليه وسلّم‪ :‬فما‬
‫كان من خطبته ما من خط بة إل ن فع ال ب ها‪ ,‬فل قد خوّف ع مر الناس وإن في هم لنفاقا فرد هم ال بذلك‪ ,‬ثم ل قد‬
‫ت مِن‬
‫حمّدٌ ِإلّ رَ سُولٌ قَ ْد خَلَ ْ‬
‫ب صّر أ بو ب كر الناس الهُدى وعرّف هم الحق الذي علي هم وخرجوا به يتلون {وَمَا ُم َ‬
‫ضرّ اللّ َه شَيْئًا وَ سَ َيجْزِي اللّ هُ‬
‫عقِبَيْ هِ فَلَن يَ ُ‬
‫ب عَ َلىَ َ‬
‫عقَا ِبكُ مْ َومَن يَنقَلِ ْ‬
‫ت َأوْ قُ ِت َل انقَلَبْتُ مْ عَلَى أَ ْ‬
‫سلُ أَفَإِن مّا َ‬
‫قَبْلِ هِ الرّ ُ‬
‫الشّاكِرِينَ}(‪ .)2‬وخطب عمر ثم أبو بكر يوم الثلثاء خطبة عظيمة مفيدة نفع ال بها والحمد ل‪.‬‬
‫قال أنس بن مالك رضي ال عنه‪ :‬لما بويع أبو بكر في السقيفة وكان الغد جلس أبو بكر على المنبر‪ ,‬وقام‬
‫ع مر فتكلم ق بل أ بي ب كر‪ ,‬فح مد ال وأث نى عل يه ب ما هو أهله‪ ,‬ثم قال‪ :‬أي ها الناس إ ني ك نت قلت ل كم بال مس‬
‫ما كانت وما وجدتها في كتاب ال‪ ,‬ول كانت عهدا عهدها إليّ رسول ال صلّى ال عليه وسلّم‪ ,‬ولكني‬ ‫(‪)3‬‬
‫مقالة‬
‫كنت أرى أن رسول ال سيدبر أمرنا – يقول‪ :‬يكون آخرنا – وإن ال قد أبقى فيكم كتابه الذي هدى به رسول‬
‫ال‪ ,‬فإن اعت صمتم به هدا كم ال ل ما كان هداه ال له‪ ,‬وإن ال قد ج مع أمر كم على خير كم صاحب ر سول ال‬
‫صلّى ال عليه وسلّم‪ ,‬وثاني اثنين إذ هما في الغار فقوموا فبايعوه‪ ,‬فبايع الناس أبا بكر رضي ال عنه البيعة‬
‫العامة بعد بيعة السقيفة‪ .‬ثم تكلم أبو بكر‪ ,‬فحمد ال وأثنى عليه بما هو أهله ثم قال‪” :‬أما بعد‪ ,‬أيها الناس فإني‬
‫ول يت عليكمم ولسمت بخيركمم(‪ )4‬فإن أحسمنت فأعينونمي‪ ,‬وإن أسمأت فقوّمو ني‪ ،‬الصمدق أمانمة‪ ،‬والكذب خيانمة‪,‬‬
‫والضعيف منكم قوي عندي حتى أزيح علته(‪ )5‬إن شاء ال‪ ,‬والقوي فيكم ضعيف حتى آخذ منه الحق إن شاء‬
‫ال‪ ,‬ل يدع قوم الجهاد فمي سمبيل ال إل ضربهمم ال بالذل‪ ,‬ول يشيمع قوم قمط الفاحشمة إل عمهمم ال بالبلء‪,‬‬
‫أطيعو ني ما أط عت ال ور سوله‪ ,‬فإذا ع صيت ال ور سوله فل طا عة لي علي كم‪ ,‬قوموا إلى صلتكم يرحم كم‬
‫ال”(‪ )6‬ثم استمر المر لبي بكر والحمد ل‪.‬‬
‫و قد ُبعِ ثَ صلّى ال عل يه و سلّم فب قي بم كة يد عو إلى التوح يد ثلث عشرة سنة يُو حى إل يه‪ ,‬ثم ها جر إلى‬
‫المدينة وبقي بها عشر سنين‪ ,‬وتوفي وهو ابن ثلث وستين سنة صلى ال عليه وآله وسلم(‪.)7‬‬

‫البخاري برقم ‪ ,3/113 ,142 ,1141‬و ‪ 7/19 ,3668 ,3667‬و ‪ .8/145 ,4454 ,4453 ,4452‬وقد جمعت هذه اللفاظ‬ ‫‪)(1‬‬

‫من هذه المواضع لتكتمل القصة وأسأل ل أن يجعل ذلك صوابا‪.‬‬


‫البخاري برقم ‪ ,3671 ,3669‬والية من سورة آل عمران‪.144 ,‬‬ ‫‪)(2‬‬

‫هي خطبته التي خطب يوم الثنين حينما قال‪ :‬إن النبي صلّى ال عليه وسلّم لم يمت‪.‬‬ ‫‪)(3‬‬

‫وهذا من باب التواضع منه رضي ال عنه وإل فهم مجمعون على أنه أفضلهم وخيرهم رضي ال عنه‪ .‬البداية والنهاية‬ ‫‪)(4‬‬

‫‪.5/248‬‬
‫والمعنى‪ :‬الضعيف فيكم قوي حتى آخذ الحق له وأنصره وأعينه‪.‬‬ ‫‪)(5‬‬

‫البداية والنهاية ‪ 5/248‬وساق سند بن إسحاق قال‪ :‬حدثني الزهري‪ ,‬حدثني أنس بن مالك قال‪ :‬لما بويع أبو بكر‪ ...‬الحديث‪.‬‬ ‫‪)(6‬‬

‫قال ابن كثير‪ :‬وهذا إسناد صحيح ‪.5/248‬‬


‫انظر‪ :‬البخاري مع الفتح ‪ 8/15‬برقم ‪ ,4466‬وفتح الباري ‪ 8/151‬مختصر الشمائل للترمذي لللباني ص ‪.192‬‬ ‫‪)(7‬‬
‫ورجح المام ابن كثير رحمه ال تعالى أن آخر صلة صلها صلّى ال عليه وسلّم مع أصحابه رضي ال‬
‫عن هم هي صلة الظ هر يوم الخم يس‪ ,‬و قد انق طع عن هم عل يه ال صلة وال سلم يوم الجم عة‪ ,‬وال سبت‪ ,‬وال حد‪،‬‬
‫وهذه ثلثة أيام كوامل(‪.)1‬‬
‫وب عد مو ته صلّى ال عل يه و سلّم وخط بة أ بي ب كر ر ضي ال ع نه دارت مشاورات – ك ما تقدم – وبا يع‬
‫الصحابة رضي ال عنهم أبا بكر في سقيفة بني ساعدة‪ ,‬وانشغل الصحابة ببيعة الصديق بقية يوم الثنين ‪ ,‬ويوم‬
‫الثلثاء‪ ,‬ثم شرعوا في تجهيز رسول ال صلّى ال عليه وسلّم(‪ )2‬وغُسل من أعلى ثيابه‪ ,‬وكفن في ثلثة أثواب‬
‫بيض سحولية ليس فيها قميص ول عمامة‪ ,‬ثم صلى عليه الناس فرادى لم يؤمهم أحد‪ ,‬وهذا أمر مجمع عليه‪:‬‬
‫صلى عل يه الرجال‪ ,‬ثم ال صبيان‪ ,‬ثم الن ساء‪ ,‬والعب يد والماء‪ ,‬وتو في يوم الثن ين على المشهور(‪ ,)3‬ود فن ليلة‬
‫الربعاء‪ ,‬أُلحد لحدا صلّى ال عليه وسلّم ونصب عليه اللبن نصبا(‪ ,)4‬ورُفع قبره من الرض نحوا من شبر(‪,)5‬‬
‫وكان قبره صلّى ال عل يه و سلّم م سنما(‪ ,)6‬و قد تواترت الخبار أ نه د فن في حجرة عائ شة ر ضي ال عن ها‬
‫شرقي مسجده صلّى ال عليه وسلّم في الزاوية الغربية القبلية من الحجرة‪ ,‬ووسع المسجد النبوي الوليد بن عبد‬
‫الملك عام ‪86‬ه م وقد كان نائبه بالمدينة عمر بن عبد العزيز فأمره بالتوسعة فوسعه حتى من ناحية الشرق‬
‫فدخلت الحجرة النبوية فيه(‪.)7‬‬
‫وخلصة القول‪ :‬أن الدروس والفوائد والعبر في هذا المبحث كثيرة‪ ،‬ومنها‪:‬‬
‫‪ 1‬م إن ال نبياء والر سل أ حب الخلق إلى ال تعالى و قد ماتوا؛ ل نه ل يب قى على و جه الكون أ حد من‬
‫المخلوقات‪ ,‬وهذا يدل على أن الدن يا متاع زائل‪ ,‬ومتاع الغرور الذي ل يدوم‪ ,‬ل يب قى للن سان من تع به وماله‬
‫إل ما كان يبتغي به وجه ال تعالى‪ ,‬وما عدا ذلك يكون هباءً منثورا‪.‬‬
‫‪ 2‬مم حرص النمبي صملّى ال عليمه وسملّم أن يكون ممع الرفيمق العلى؛ ولهذا سمأل ال تعالى ذلك مرات‬
‫متعددة‪ ،‬وهذا يدل على عظم هذه المنازل لنبيائه وأهل طاعته‪.‬‬
‫‪ 3‬م ا ستحباب تغط ية الم يت ب عد تغم يض عين يه‪ ,‬و شد لحي يه؛ ولهذا سجّي وغ طي ال نبي صلّى ال عل يه‬
‫وسلّم بثوب حبرة‪.‬‬

‫انظر‪ :‬البداية والنهاية لبن كثير‪.5/235 ,‬‬ ‫‪)(1‬‬

‫انظر‪ :‬المرجع السابق ‪.5/245‬‬ ‫‪)(2‬‬

‫توفي صلّى ال عليه وسلّم سنة إحدى عشرة للهجرة في ربيع الول يوم الثنين‪ ,‬أما تاريخ اليوم فقد اختلف فيه‪ :‬فقيل لليلتين‬ ‫‪)(3‬‬

‫خلتا من ربيع الول‪ ,‬وقيل لليلة خلت منه‪ ,‬وقيل غير ذلك‪ ,‬وقيل مرض في التاسع والعشرين من شهر صفر‪ ,‬وتوفي يوم الثنين‬
‫في الثاني عشر من ربيع الول سنة إحدى عشرة من الهجرة ‪ ,‬فكان مرضه ثلثة عشر يوما‪ ,‬وهذا قول الكثر‪ .‬انظر‪ :‬البداية‬
‫والنهاية لبن كثير ‪ ,256 – 5/255‬وتهذيب السير للنووي ص ‪ ,25‬وفتح الباري ‪.130-8/129‬‬
‫مسلم برقم ‪.966‬‬ ‫‪)(4‬‬

‫ابن حبان في صحيحه ‪ ،14/602‬وقال الرنؤوط‪ :‬إسناده صحيح‪.‬‬ ‫‪)(5‬‬

‫كما قال سفيان التمار في البخاري مع الفتح ‪.30/255‬‬ ‫‪)(6‬‬

‫انظر‪ :‬البداية والنهاية ‪ ،273-5/271‬وفتح الباري ‪.130-8/129‬‬ ‫‪)(7‬‬


‫‪ 4‬م الدعاء للم يت ب عد مو ته؛ لن الملئ كة يؤمنون على ذلك؛ ولهذا قال أ بو ب كر ر ضي ال ع نه لل نبي‬
‫صلّى ال عليه وسلّم‪” :‬طبت حيّا وميتا”‪.‬‬
‫‪ 5‬م إذا أ صيب الم سلم بم صيبة فلي قل‪” :‬إ نا ل وإ نا إل يه راجعون‪ ,‬الل هم أجر ني في م صيبتي واخلف لي‬
‫خيرا منها”‪.‬‬
‫‪ 6‬م جواز البكاء بالدمع والحزن بالقلب‪.‬‬
‫‪ 7‬مم النهمي عمن النياحمة وشمق الجيوب وحلق الشعمر ونتفمه والدعاء بدعوى الجاهليمة وكمل ذلك معلوم‬
‫تحريمه بالدلة الصحيحة‪.‬‬
‫‪ 8‬م إن الر جل وإن كان عظيما قد يفو ته ب عض الش يء ويكون ال صواب مع غيره‪ ,‬و قد يخ طئ سهوا‬
‫ونسيانا‪.‬‬
‫‪ 9‬م فضل أبي أبو بكر وعلمه وفقهه؛ ولهذا قال‪” :‬من كان يعبد محمدا فإن محمدا قد مات‪ ,‬ومن كان يعبد‬
‫ال فإن ال حي ل يموت”‪.‬‬
‫‪ 10‬م أدب عمر رضي ال عنه وأرضاه وحسن خلقه؛ ولهذا سكت عندما قام أبو بكر يخطب ولم يعارضه‬
‫بل جلس يستمع مع الصحابة رضي ال عن الجميع‪.‬‬
‫‪ 11‬م حكمة عمر العظيمة في فض النزاع في سقيفة بني ساعدة‪ ,‬وذلك أنه بادر فأخذ بيد أبي بكر فبايعه‬
‫فانصب الناس وتتابعوا في مبايعة أبي بكر‪ ,‬وانفض النزاع والحمد ل تعالى‪.‬‬
‫‪ 12‬م بلغة أبي بكر فقد تكلم في السقيفة فأجاد وأفاد حتى قال عمر عنه‪” :‬فتكلم أبلغ الناس”‪.‬‬
‫‪ 13‬م قد نفع ال بخطبة عمر يوم موت البني صلّى ال عليه وسلّم قبل دخول أبي بكر فخاف المنافقون‪،‬‬
‫ثم نفع ال بخطبة أبي بكر فعرف الناس الحق‪.‬‬
‫‪ 14‬م ظهرت حكمة أبي بكر وحسن سياسته في خطبته يوم الثلثاء بعد الوفاة النبوية‪ ,‬وبين أن الصدق‬
‫أمانة والكذب خيانة‪ ,‬وأن الضعيف قوي عنده حتى يأخذ له الحق‪ ,‬والقوي ضعيف عنده حتى يأخذ منه الحق‪,‬‬
‫وطالب الناس بالطاعة له إذا أطاع ال ورسوله‪ ,‬فإذا عصى ال ورسوله فل طاعة لهم عليه‪.‬‬
‫‪ 15‬م حكمة عمر رضي ال عنه وشجاعته العقلية والقلبية حيث خطب الناس قبل أبي بكر ورجع عن‬
‫قوله بال مس واعتذر‪ ,‬و شد من أزر أبي ب كر‪ ،‬وب ين أن أ با ب كر صاحب ر سول ال وأ حب الناس إل يه‪ ,‬وثا ني‬
‫اثنين إذ هما في الغار‪.‬‬
‫‪ 16‬م استحباب بياض الكفن للميت‪ ,‬وأن يكون ثلثة أثواب ليس فيها قمص ول عمامة‪ ,‬وأن يلحد لحدا‪,‬‬
‫وأن ينصب عليه اللبن نصبا‪ ,‬وأن يكون مسنما بقدر شبر فقط‪.‬‬

‫المبحث الثالث عشر‪ :‬مصيبة المسلمين بموته صلّى ال عليه وسلّم‬


‫من المعلوم يقينا أن محبة النبي صلّى ال عليه وسلّم محبة كاملة من أعظم درجات اليمان الصادق؛ ولهذا‬
‫قال صلّى ال عليه وسلّم‪” :‬ل يؤمن أحدكم حتى أكون أحب إليه من ولده‪ ,‬ووالده‪ ,‬والناس أجمعين”(‪ .)1‬فإذا‬
‫ف قد الن سان أهله‪ ,‬أو والده‪ ,‬أو ولده‪ ,‬ل شك أن هذه م صيبة عظي مة من م صائب الدن يا‪ ,‬فك يف إذا فقد هم كلّ هم‬
‫جميعا في وقت واحد؟‬
‫ول شك أن مصيبة موت النبي صلّى ال عليه وسلّم أعظم المصائب على المسلمين؛ ولهذا جاءت الحاديث‬
‫الصحيحة بذلك‪ ,‬فعن عائشة رضي ال عنها قالت‪ :‬فتح رسول ال صلّى ال عليه وسلّم بابا بينه وبين الناس‪,‬‬
‫أو كشف سترا فإذا الناس يصلون وراء أبي بكر‪ ,‬فحمد ال على ما رآه من حسن حالهم‪ ,‬ورجاء أن يخلفه ال‬
‫فيهم بالذي رآهم‪ ,‬فقال‪” :‬يا أيها الناس أيما أحد من الناس أو من المؤمنين أُصيب بمصيبة فلْيتعزّ بمصيبته‬
‫بي عن المصيبة التي تصيبه بغيري؛ فإن أحدا من أُمتي لن يُصاب بمصيبة أشدّ عليه من مُصيبتي”(‪.)2‬‬
‫وعن أنس رضي ال عنه قال‪" :‬لما كان اليوم الذي دخل فيه رسول ال صلّى ال عليه وسلّم المدينة أضاء‬
‫منها كل شيء(‪ ,)3‬فلما كان اليوم الذي مات فيه أظلم منها كل شيء‪ ,‬وما نفضنا عن رسول ال صلّى ال عليه‬
‫وسلّم اليدي(‪ )4‬وإنا لفي دفنه(‪ )5‬حتى أنكرنا(‪ )6‬قلوبنا"(‪.)7‬‬
‫وعن أنس رضي ال عنه قال‪ :‬قال أبو بكر رضي ال عنه – بعد وفاة رسول ال صلّى ال عليه وسلّم –‬
‫لعمر‪ :‬انطلق بنا إلى أمّ أيمن نزورها كما كان رسول ال صلّى ال عليه وسلّم يزورها‪ ،‬فلما انتهيا إليها بكت‬
‫فقال ل ها‪ :‬ما يبك يك؟ ف ما ع ند ال خ ير لر سوله صلّى ال عل يه و سلّم‪ .‬قالت‪ :‬إ ني لعلم أن ما ع ند ال خ ير‬
‫لرسوله صلّى ال عليه وسلّم‪ ,‬ولكن أبكي أن الوحي قد انقطع من السماء‪ ,‬فهيجتهما على البكاء فجعل يبكيان‬
‫معها(‪.)8‬‬
‫وما أحسن ما قال القائل‪:‬‬
‫واعلم بأن المرء غير مخلّد‬ ‫ل مصيبة وتجلد‬
‫اصبر لك ّ‬

‫البخاري مع الفتح ‪ 1/58‬برقم ‪ ,5‬ومسلم ‪.1/67‬‬ ‫‪)(1‬‬

‫أخرجه ابن ماجه برقم ‪ ,1599‬وغيره وصححه اللباني في صحيح ابن ماجه ‪ ,1/267‬والحاديث الصحيحة برقم ‪,1106‬‬ ‫‪)(2‬‬

‫وانظر‪ :‬البداية والنهاية ‪.5/276‬‬


‫أضاء منها كل شيء‪ :‬أشرق من المدينة كل شيء‪ .‬انظر‪ :‬تحفة الحوذي ‪.10/87‬‬ ‫‪)(3‬‬

‫وما نفضنا‪ :‬من النفض‪ :‬وهو تحريك الشيء ليزول ما عليه من التراب والغبار ونحوهما‪ .‬انظر تحفة الحوذي ‪.10/88‬‬ ‫‪)(4‬‬

‫وإنا لفي دفنه‪ :‬أي مشغولون بدفنه بعد‪ .‬انظر‪ :‬تحفة الحوذي ‪.10/88‬‬ ‫‪)(5‬‬

‫حتى أنكرنا قلوبنا‪ :‬يريد أنهم لم يجدوا قلوبهم على ما كانت عليه من الصفاء واللفة لنقطاع مادة الوحي وفقدان ما كان‬ ‫‪)(6‬‬

‫يمدهم من الرسول صلّى ال عليه وسلّم من التأييد والتعليم‪ ,‬ولم يرد أنهم لم يجدوها على ما كانت عليه من التصديق؛ فإن‬
‫الصحابة رضي ال عنهم أكمل الناس إيمانا وتصديقا‪ .‬انظر‪ :‬تحفة الحوذي ‪.10/88‬‬
‫الترمذي وصححه ‪ ,5/589‬وأحمد ‪ ,3/68‬وابن ماجه برقم ‪ ,1631‬وقال ابن كثير في البداية والنهاية‪ :‬إسناده صحيح على‬ ‫‪)(7‬‬

‫شرط الصحيحين ‪ ,5/274‬وانظر‪ :‬صحيح ابن ماجه ‪.1/273‬‬


‫مسلم برقم ‪ ,2454‬وابن ماجه برقم ‪ ,1635‬واللفظ من المصدرين‪ .‬وانظر‪ :‬شرحه في النووي ‪.16/242‬‬ ‫‪)(8‬‬
‫فاذكر مصابك بالنبي محمد‬ ‫فإذا ذكرت مصيبة تسلو بها‬

‫وخلصة القول‪ :‬أن الدروس والفوائد والعبر المستفاد هذا المبعث كثيرة‪ ,‬ومنها‪:‬‬
‫‪ 1‬م موت النبي صلّى ال عليه وسلّم أعظم مصيبة أصيب بها المسلمون‪.‬‬
‫‪ 2‬م إنكار ال صحابة قلوب هم ب عد موت ال نبي صلّى ال عل يه و سلّم؛ لفراق هم نزول الو حي وانقطا عه من‬
‫السماء‪.‬‬
‫‪ 3‬م النبي صلّى ال عليه وسلّم أحب إلى المسلمين من النفس‪ ,‬والولد‪ ,‬والوالد‪ ,‬والناس أجمعين‪ ,‬وقد ظهر‬
‫ذلك عند موته بين القريب والبعيد من أصحاب النبي صلّى ال عليه وسلّم‪ ,‬بل وجميع المسلمين‪.‬‬
‫‪ 4‬م محبة الصحابة للقتداء والتأسي برسول ال صلّى ال عليه وسلّم في كل شيء من أمور الدين حتى‬
‫في زيارة النساء كبار السن‪ ,‬كما فعل أبو بكر وعمر رضي ال عنهما‪.‬‬

‫المبحث الرابع عشر‪ :‬ميراثه صلّى ال عليه وسلّم‬


‫عن عمرو بن الحارث رضي ال عنه قال‪" :‬ما ترك رسول ال صلّى ال عليه وسلّم عند موته‪ِ :‬درْهما‪ ,‬ول‬
‫دينارا‪ ,‬ول عبدا‪ ,‬ول أمَةً‪ ,‬ول شيئا‪ ,‬إل بغلته البيضاء [التي كان يركبها] وسلحه‪[ ,‬وأرضا بخيبر] جعلها [لبن‬
‫ال سبيل] صدقة"(‪ .)1‬و عن عائ شة ر ضي ال عن ها قالت‪ :‬ما ترك ر سول ال صلّى ال عل يه و سلّم دينارا‪ ،‬ول‬
‫درهما‪ ،‬ول شاة‪ ،‬ول بعيرا‪ ،‬ول أوصى بشيء(‪.)3(")2‬‬
‫وقال صلّى ال عل يه و سلّم‪” :‬ل نورث ما ترك نا ف هو صدقة”(‪ )4‬وذلك ل نه لم يب عث صلّى ال عل يه و سلّم‬
‫جابيا للموال وخازنا إنمما بعمث هاديا‪ ,‬ومبشراًً‪ ،‬ونذيرا‪ ,‬وداعيا إلى ال بإذنمه‪ ,‬وسمراجا منيرا‪ ,‬وهذا همو شأن‬
‫أنمبياء ال ورسمله عليهمم الصملة والسملم؛ ولهذا قال صملّى ال عليمه وسملّم‪” :‬إن العلماء ورثـة النـبياء‪ ,‬إن‬
‫النبياء لم يورثوا دينارا ول درهما إنما ورثوا العلم فمن أخذه أخذ بحظّ وافر”(‪.)5‬‬
‫وقد فهم الصحابة رضي ال عنهم ذلك‪ ,‬فعن سليمان بن مهران‪ :‬بينما ابن مسعود رضي ال عنه يوما معه‬
‫ن فر من أ صحابه إذ مرّ أعرا بي فقال‪ :‬على ما اجت مع هؤلء؟ قال ا بن م سعود ر ضي ال ع نه‪" :‬على ميراث‬
‫محمد صلّى ال عليه وسلّم يقسّمونه"(‪.)6‬‬

‫البخاري ‪ ,5/356‬برقم ‪ ,4461 ،3098 ,2912 ,2873 ,2739‬واللفظ من هذه المواضع‪.‬‬ ‫‪)(1‬‬

‫مسلم برقم ‪.1635‬‬ ‫‪)(2‬‬

‫أي لم يوص بثلث ماله ول غيره إذ لم له مال‪ ,‬أما أمور الدين فقد تقدم أنه أوصى بكتاب ال وسنه نبيه‪ ,‬وأهل بيته‪ ,‬وإخراج‬ ‫‪)(3‬‬

‫المشركين من جزيرة العرب‪ ,‬وبإجازة الوفد‪ ,‬والصلة وملك اليمين وغير ذلك‪ .‬انظر‪ :‬شرح النووي ‪.11/97‬‬
‫البخاري في عدة مواضع من حديث عائشة ومالك بن أوس‪ ,‬وأبي بكر رضي ال عنهم‪ ,‬برقم ‪,4036 ,3712 ,3093‬‬ ‫‪)(4‬‬

‫‪ ,6726 ,5358 ,4240‬و ‪ .7305 ,6727‬ومسلم برقم ‪ ,757‬و ‪ ,1759 ,1758‬و ‪ ,1761‬واللفظ لعائشة عند مسلم‪.‬‬
‫أبو داود ‪ ,3/317‬والترمذي ‪ ,5/49‬وابن ماجه ‪ ,1/80‬وصححه اللباني في صحيح سنن ابن ماجه ‪.1/43‬‬ ‫‪)(5‬‬

‫أخرجه الخطيب البغدادي بسنده في شرف أصحاب الحديث ص ‪.45‬‬ ‫‪)(6‬‬


‫فميراث ال نبي صلّى ال عل يه و سلّم هو الكتاب وال سنة والعلم والهتداء بهد يه صلّى ال عل يه و سلّم؛ ولهذا‬
‫تو في صلّى ال عل يه و سلّم ولم يترك درهما‪ ,‬ول دينارا‪ ,‬ول عبدا‪ ,‬ول أ مة‪ ,‬ول بعيرا‪ ,‬ول شاة‪ ,‬ول شيئا‪ ,‬إل‬
‫بغلته وأرضا جعلها صدقة لبن السبيل‪.‬‬
‫وعن عائشة رضي ال عنها قالت‪" :‬توفي النبي صلّى ال عليه وسلّم ودرعه مرهونة عند يهودي بثلثين‬
‫صاعا من شعير"(‪ .)1‬وهذا يبين أن النبي صلّى ال عليه وسلّم كان يتقلل من الدنيا‪ ,‬ويستغني عن الناس؛ ولهذا‬
‫لم ي سأل ال صحابة أموال هم أو يقترض من هم؛ لن ال صحابة ل يقبلون ره نه ورب ما ل يقبضوا م نه الث من‪ ,‬فعدل‬
‫إلى معاملة اليهودي؛ لئل يضيّق على أحد من أصحابه صلّى ال عليه وسلّم(‪ .)2‬وقد كان صلّى ال عليه وسلّم‬
‫يصيبه الجوع وهو حي؛ ولهذا يمر ويمضي الشهر والشهران وما أوقدت في أبيات رسول ال صلّى ال عليه‬
‫وسلّم نار‪ ,‬قال عروة لعائشة رضي ال عن الجميع‪ :‬ما كان يقيتكم؟ قالت‪" :‬السودان‪ :‬التمر والماء‪ .)3( "...‬ومع‬
‫هذا كان يقول صملّى ال عليمه وسملّم‪” :‬مالي وللدنيـا مـا مثلي ومثـل الدنيـا إل كراكـب سـار فـي يوم صـائف‬
‫فاستظل تحت شجرة ساعة من نهار ثم راح وتركها”(‪.)4‬‬
‫وخلصة القول‪ :‬أن الدروس والفوائد والعبر في هذا المبحث كثيرة‪ ,‬ومنها‪:‬‬
‫‪ 1‬مم النمبياء عليهمم الصملة والسملم لم يبعثوا لجممع الموال وإنمما بعثوا لهدايمة الناس وإخراجهمم ممن‬
‫الظلمات إلى النور؛ لهذا لم يورثوا دينارا ول درهما وإنما ورثوا العلم فمن أخذه أخذ بحظ وافر‪.‬‬
‫‪ 2‬م ز هد ال نبي صلّى ال عل يه و سلّم في الدن يا وحطام ها الفا ني؛ وإن ما هو كالر كب الذي ا ستظل ت حت‬
‫شجرة ثم راح وتركها‪.‬‬
‫‪ 3‬م استغناء النبي صلّى ال عليه وسلّم عن سؤال الناس فهو يقترض ويرهن حتى ل يكلف لي أصحابه؛‬
‫ولهذا مات ودرعه مرهونة في ثلثين صاعا من شعير‪.‬‬
‫‪ 4‬م شدة الحال وقلة ما في اليد عند النبي صلّى ال عليه وسلّم؛ ولهذا يمضي الشهر والشهران ولم توقد‬
‫في أبياته نار‪ ,‬وإنما كان يقيتهم السودان‪.‬‬
‫فصلوات ال وسلمه عليه ما تعاقب الليل والنهار‪ ,‬وأسأل ال العلي العظيم أن يجعلنا من أتباعه المخلصين‪,‬‬
‫وأن يحشرنا في زمرته يوم الدين‪.‬‬

‫المبحث الخامس عشر‪ :‬حقوقه صلّى ال عليه وسلّم على أمته‬

‫) البخاري برقم ‪ 2068‬وكرره بفوائده في عشرة مواضع ‪ ,‬ومسلم برقم ‪ , 1603‬وانظر‪ :‬جميعها في مختصر البخاري لللباني‬ ‫‪1‬‬

‫‪.2/21‬‬
‫) انظر‪ :‬شرح النووي ‪.11/43‬‬ ‫‪2‬‬

‫) انظر‪ :‬البخاري مع الفتح ‪.11/283‬‬ ‫‪3‬‬

‫أحمد ‪ 6/154‬وقال ابن كثير في البداية والنهاية ‪ ,5/284‬وإسناده جيد‪ ,‬وأخرجه الترمذي وغيره‪ ,‬وانظر‪ :‬الحاديث الصحيحة‬ ‫‪)(4‬‬

‫برقم ‪ ,439‬وصحيح الترمذي ‪.2/280‬‬


‫لل نبي الكر يم صلّى ال عل يه و سلّم حقوق على أم ته و هي كثيرة‪ ,‬من ها‪ :‬اليمان ال صادق به صلّى ال عل يه‬
‫ل وفعلً وتصديقه في كل ما جاء به صلّى ال عليه وسلّم‪ ,‬وجوب طاعته والحذر من معصيته صلّى‬
‫وسلّم قو ً‬
‫ال عليمه وسملّم‪ ،‬ووجوب التحاكمم إليمه والرضمى بحكممه‪ ,‬وإنزاله منزلتمه صملّى ال عليمه وسملّم بل غلو ول‬
‫تقصير‪ ,‬واتبا عه واتخاذه قدوة وأسوة في جميع المور‪ ,‬ومحب ته أكثر من الن فس‪ ,‬ال هل والمال والولد والناس‬
‫جميعا‪ ,‬واحترامه وتوقيره ونصر دينه والذب عن سنته صلّى ال عليه وسلّم‪ ,‬والصلة عليه؛ لقوله صلّى ال‬
‫عليه وسلّم‪” :‬إن من أفضل أيامكم يوم الجمعة فيه‪ :‬خلق آدم‪ ,‬وفيه النفخة‪ ,‬وفيه الصعقة‪ ,‬فأكثروا عليّ من‬
‫الصلة فيه فإن صلتكم معروضة عليّ” فقال رجل‪ :‬يا رسول ال! كيف تعرض صلتنا عليك وقد أرمت؟‬
‫يعني بليت‪ .‬قال‪” :‬إن ال حرّم على الرض أن تأكل أجساد النبياء”(‪.)1‬‬
‫وإليك هذه الحقوق بالتفصيل واليجاز كالتالي‪:‬‬
‫‪ 1‬م اليمان ال صادق به صلّى ال عل يه و سلّم وت صديقه في ما أ تى به قال تعالى‪{ :‬فَآمِنُوا بِاللّ ِه وَرَ سُو ِلهِ‬
‫ن بِاللّ هِ َوكَ ِلمَاتِ هِ‬
‫ن خَبِيرٌ}(‪{ ,)2‬فَآمِنُواْ بِاللّ هِ َورَ سُو ِلهِ النّبِيّ ا ُلمّيّ الّذِي ُي ْؤمِ ُ‬
‫وَالنّورِ الّذِي أَن َزلْنَا وَاللّ ُه ِبمَا َت ْعمَلُو َ‬
‫حمَتِ ِه وَ َيجْعَل ّلكُمْ‬
‫وَاتّبِعُوهُ َلعَّلكُمْ َتهْتَدُونَ}(‪{ ,)3‬يَا أَ ّيهَا الّذِينَ آمَنُوا اتّقُوا اللّهَ وَآمِنُوا ِبرَسُو ِلهِ ُيؤْ ِتكُ ْم كِفْلَيْنِ مِن ّر ْ‬
‫ِينـ‬
‫ّهـ وَرَسـُو ِلهِ فَإِنّاـ أَعْتَدْنَا ِل ْلكَافِر َ‬
‫ّمـ ُيؤْمِن بِالل ِ‬
‫غفُورٌ ّرحِيمـٌ}(‪{ ,)4‬وَمَن ل ْ‬
‫ّهـ َ‬
‫ُمـ وَالل ُ‬
‫ِهـ وَ َي ْغفِرْ َلك ْ‬
‫ُونـ ب ِ‬
‫نُورًا َت ْمش َ‬
‫سعِيرًا}(‪ ,)5‬وقال صلّى ال عليه وسلّم‪” :‬أمرت أن أقاتل الناس حتى يشهدوا أن ل إله إل ال ويؤمنوا بي وبما‬
‫َ‬
‫جئت به”(‪.)6‬‬
‫واليمان به صلّى ال عليه وسلّم هو تصديق نبوته‪ ,‬وأن ال أرسله للجن والنس‪ ,‬وتصديقه في جميع ما‬
‫جاء بمه وقاله‪ ,‬ومطابقمة تصمديق القلب بذلك شهادة اللسمان‪ ,‬بأنمه رسمول ال‪ ,‬فإذا اجتممع التصمديق بمه بالقلب‬
‫والنطق بالشهادة باللسان ثم تطبيق ذلك العمل بما جاء به تمّ اليمان به صلّى ال عليه وسلّم(‪.)7‬‬
‫‪ 2‬م وجوب طاعته صلّى ال عليه وسلّم والحذر من معصيته‪ ,‬فإذا وجب اليمان به وتصديقه فيما جاء به‬
‫وج بت طاع ته؛ لن ذلك م ما أ تى به‪ ,‬قال تعالى‪{ :‬يَا أَيّهَا الّذِي نَ آمَنُواْ َأطِيعُواْ اللّ َه وَرَ سُو َلهُ َولَ َتوَّلوْا عَنْ هُ‬
‫س َمعُونَ}(‪َ { ,)8‬ومَا آتَاكُ مُ الرّ سُولُ َفخُذُو هُ َومَا َنهَاكُ ْم عَنْ هُ فَان َتهُوا}(‪ُ { ,)9‬قلْ َأطِيعُوا اللّ هَ َوَأطِيعُوا الرّ سُولَ‬
‫َوأَنتُ مْ تَ ْ‬

‫أبو داود ‪ ,1/275‬وابن ماجه ‪ ,1/524‬والنسائي ‪ ,3/91‬وصححه اللباني في صحيح النسائي ‪.1/197‬‬ ‫‪)(1‬‬

‫سورة التغابن‪ ,‬الية‪.8 :‬‬ ‫‪)(2‬‬

‫سورة العراف‪ ,‬الية‪.158 :‬‬ ‫‪)(3‬‬

‫سورة الحديد‪ ,‬الية‪.28 :‬‬ ‫‪)(4‬‬

‫سورة الفتح‪ ,‬الية‪.13 :‬‬ ‫‪)(5‬‬

‫مسلم ‪.1/52‬‬ ‫‪)(6‬‬

‫انظر‪ :‬الشفاء بتعريف حقوق المصطفى صلّى ال عليه وسلّم للقاضي عياض ‪.2/539‬‬ ‫‪)(7‬‬

‫سورة النفال‪ ,‬الية‪.20 :‬‬ ‫‪)(8‬‬

‫سورة الحشر‪ ,‬الية‪.7 :‬‬ ‫‪)(9‬‬


‫ن َأمْرِ هِ أَن‬
‫حمّلْتُ مْ َوإِن ُتطِيعُو هُ َتهْتَدُوا}(‪{ ,)1‬فَلْ َيحْذَرِ الّذِي نَ ُيخَا ِلفُو نَ عَ ْ‬
‫ح ّملَ وَعَلَ ْيكُم مّا ُ‬
‫فَإِن َتوَلّوا َفإِ ّنمَا عَلَيْ هِ مَا ُ‬
‫ص اللّ هَ‬
‫عظِيمًا}(‪َ { ,)3‬ومَن َيعْ ِ‬
‫تُ صِي َب ُهمْ فِتْ َن ٌة َأوْ يُ صِي َب ُهمْ عَذَا بٌ أَلِي مٌ}(‪َ { ,)2‬ومَن ُيطِ ِع اللّ هَ َورَ سُو َلهُ َفقَدْ فَازَ َف ْوزًا َ‬
‫ت َتجْرِي مِن َتحْتِهَا الَ ْنهَارُ خَالِدِي نَ‬
‫ض ّل ضَللً مّبِينًا}(‪{ ,)4‬وَمَن ُيطِ ِع اللّ َه وَرَ سُو َلهُ يُ ْدخِلْ هُ جَنّا ٍ‬
‫وَرَ سُو َلهُ َفقَدْ َ‬
‫فِيهَا وَذَلِكَ ا ْل َفوْ ُز ا ْلعَظِيمُ‪َ ،‬ومَن َيعْصِ الّل َه وَ َرسُو َلهُ وَيَ َتعَدّ حُدُودَ ُه يُ ْدخِ ْلهُ نَارًا خَالِدًا فِيهَا وَ َل ُه عَذَابٌ ّمهِينٌ}(‪.)5‬‬
‫و عن أ بي هريرة ر ضي ال ع نه قال‪ :‬قال ر سول ال صلّى ال عل يه و سلّم‪ ” :‬من أطاع ني ف قد أطاع ال‬
‫ومن عصاني فقد عصى ال”(‪ ,)6‬وعنه رضي ال عنه قال‪ :‬قال رسول ال صلّى ال عليه وسلّم‪” :‬كل الناس‬
‫يد خل الج نة إل من أ بى‪ ,‬قالوا يا ر سول ال! و من يأ بى؟ قال‪ :‬من أطاع ني د خل الج نة و من ع صاني ف قد‬
‫أبى”(‪.)7‬‬
‫وعن ابن عمر رضي ال عنه قال‪ :‬قال رسول ال صلّى ال عليه وسلّم‪” :‬بعثت بين يدي الساعة بالسيف‬
‫ح تى يع بد ال وحده ل شر يك له‪ ,‬وجُ ِعلَ رز قي ت حت ظلّ رم حي‪ ,‬وجُ ِعلَ الذّلّ وال صّغارُ على من خالف‬
‫أمري‪ ,‬ومن تشبه بقول فهو منهم”(‪.)8‬‬
‫‪ 3‬م اتباعه صلّى ال عليه وسلّم واتخاذه قدوة في جميع المور والقتداء بهديه‪ ,‬قال تعالى‪ُ { :‬قلْ إِن كُن ُتمْ‬
‫ن َلكُمْ فِي َرسُولِ الّل ِه ُأسْوَةٌ‬
‫غفُورٌ ّرحِيمٌ}(‪َ { ,)9‬لقَدْ كَا َ‬
‫ُتحِبّونَ الّلهَ فَاتّ ِبعُونِي ُيحْبِ ْب ُكمُ الّلهُ وَ َي ْغفِرْ َل ُكمْ ذُنُو َب ُكمْ وَالّلهُ َ‬
‫فيجب‬ ‫(‪)11‬‬
‫حسَ َنةٌ ّلمَن كَانَ َي ْرجُو الّلهَ وَالْ َي ْومَ الخِ َر وَ َذكَرَ الّل َه كَثِيرًا}(‪ ,)10‬وقال تعالى‪{ :‬وَاتّ ِبعُوهُ َلعَّلكُمْ َتهْتَدُونَ}‬
‫َ‬
‫السير على هديه والتزام سنته والحذر من مخالفته‪ ,‬قال صلّى ال عليه وسلّم‪” :‬فمن رغب عن سنتي فليس‬
‫مني”(‪.)12‬‬
‫‪ 4‬م محب ته صلّى ال عل يه و سلّم أك ثر من ال هل والولد والوالد والناس أجمع ين‪ ,‬قال ال تعالى‪ُ { :‬قلْ إِن‬
‫شوْ نَ كَ سَادَهَا َومَ سَاكِنُ‬
‫خ َ‬
‫عشِيرَ ُتكُ مْ َوَأ ْموَالٌ اقْتَرَفْ ُتمُوهَا وَ ِتجَارَةٌ َت ْ‬
‫جكُ مْ وَ َ‬
‫خوَانُكُ مْ َوأَ ْزوَا ُ‬
‫كَا نَ آبَا ُؤكُ مْ َوأَبْنَآ ُؤكُ مْ َوِإ ْ‬
‫جهَادٍ فِي سَبِي ِلهِ فَ َترَبّ صُواْ حَتّى يَأْتِ يَ اللّ هُ بِ َأ ْمرِ ِه وَاللّ ُه لَ َيهْدِي ا ْل َقوْ مَ‬
‫ن اللّ ِه وَرَ سُو ِلهِ َو ِ‬
‫ضوْ َنهَا َأحَبّ إِلَ ْيكُم مّ َ‬
‫تَرْ َ‬

‫سورة النور‪ ,‬الية‪.54 :‬‬ ‫‪)(1‬‬

‫سورة النور‪ ,‬الية‪.63 :‬‬ ‫‪)(2‬‬

‫سورة الحزاب‪ ,‬الية‪.71 :‬‬ ‫‪)(3‬‬

‫سورة الحزاب‪ ,‬الية‪.36 :‬‬ ‫‪)(4‬‬

‫سورة النساء‪ ,‬اليتان‪.14 ,13 :‬‬ ‫‪)(5‬‬

‫البخاري مع الفتح ‪ 13/111‬برقم ‪.7137‬‬ ‫‪)(6‬‬

‫البخاري مع الفتح ‪ 13/249‬برقم ‪.7280‬‬ ‫‪)(7‬‬

‫أحمد في المسند ‪ ,1/92‬والبخاري مع الفتح معلقا ‪ ,6/98‬وحسنه العلمة ابن باز‪ ,‬وانظر‪ :‬صحيح الجامع ‪.3/8‬‬ ‫‪)(8‬‬

‫سورة آل عمران‪ ,‬الية‪.31 :‬‬ ‫‪)(9‬‬

‫سورة الحزاب‪ ,‬الية‪.21 :‬‬ ‫‪)(10‬‬

‫سورة العراف‪ ,‬الية‪.158 :‬‬ ‫‪)(11‬‬

‫البخاري مع الفتح ‪ 9/104‬برقم ‪.5063‬‬ ‫‪)(12‬‬


‫سقِينَ}(‪ ,)1‬وعن أنس رضي ال عنه قال‪ :‬قال رسول ال صلّى ال عليه وسلّم‪” :‬ل يؤمن أحدكم حتى أكون‬
‫ا ْلفَا ِ‬
‫أ حب إل يه من ولده ووالده والناس أجمع ين”(‪ .)2‬و قد ث بت في الحد يث أن من ثواب محب ته الجتماع م عه في‬
‫الجنة وذلك عندما سأله رجل عن الساعة فقال‪” :‬ما أعددت لها”؟ قال يا رسول ال ما أعددت لها كبير صيام‪,‬‬
‫ول صلة‪ ,‬ول صدقة‪ ,‬ولك ني أ حب ال ور سوله‪ .‬قال‪” :‬فأ نت مع من أحب بت”(‪ .)3‬قال أ نس ف ما فرح نا ب عد‬
‫ال سلم فرحا أشد من قول ال نبي صلّى ال عل يه و سلّم‪” :‬فإ نك مع من أحب بت”‪ ,‬فأ نا أ حب ال ور سوله‪ ,‬وأبا‬
‫بكر‪ ,‬وعمر‪ .‬فأرجو أن أكون معهم وإن لم أعمل بأعمالهم(‪.)4‬‬
‫ولما قال عمر بن الخطاب رضي ال عنه‪ :‬يا رسول ال لنت أحب إلي ّ من كل شيء إل من نفسي فقال‬
‫النبي صلّى ال عليه وسلّم‪” :‬ل والذي نفسي بيده حتى أكون أحب إليك من نفسك”‪ ,‬فقال له عمر فإنه الن‬
‫وال لنت أحب إليّ من نفسي فقال النبي صلّى ال عليه وسلّم‪” :‬الن يا عمر”(‪ ,)5‬وعن ابن مسعود رضي ال‬
‫ع نه قال‪ :‬جاء رجل إلى رسول ال صلّى ال عليه وسلّم فقال‪ :‬يا رسول ال كيف تقول في ر جل أحب قوما‬
‫ولم يلحق بهم؟ فقال رسول ال صلّى ال عليه وسلّم‪” :‬المرء مع من أحب”(‪.)6‬‬
‫و عن العباس بن ع بد المطلب ر ضي ال ع نه أ نه سمع ر سول ال صلّى ال عل يه و سلّم يقول‪” :‬ذاق ط عم‬
‫اليمان من رضي بال ربا‪ ,‬وبالسلم دينا‪ ,‬وبمحمد رسولً”(‪.)7‬‬
‫وقال صلّى ال عليه وسلّم‪” :‬ثلث من كن فيه وجد بهن حلوة اليمان‪ :‬من كان الُ ورسولهُ أحب إليه‬
‫مما سواهما‪ ,‬وأن يحب المرء ل يحبه إل ل‪ ,‬وأن يكره أن يعود في الكفر بعد أن أنقذه ال منه كما يكره أن‬
‫يقذف في النار”(‪.)8‬‬
‫ول شك أن من وفّ قه ال تعالى لذلك ذاق ط عم اليمان وو جد حلو ته‪ ,‬في ستلذ الطا عة ويتح مل المشا قة في‬
‫رضى ال عز وجل ورسوله صلّى ال عليه وسلّم‪ ,‬ول يسلك إل ما يوافق شريعة محمد صلّى ال عليه وسلّم؛‬
‫لنه رضي به رسولً‪ ,‬وأحبه‪ ،‬ومن أحبه من قلبه صدقا أطاعه صلّى ال عليه وسلّم؛ ولهذا قال القائل‪:‬‬
‫هذا لعمري في القياسِ بديعُ‬ ‫تعصي الله وأنت تُظْهر حُبّهُ‬

‫إن المُحبّ لمن يُحِبّ مُطيعُ‬


‫(‪)9‬‬
‫لو كان حُبّكَ صادقا لطعته‬

‫سورة التوبة‪ ,‬الية‪.24 :‬‬ ‫‪)(1‬‬

‫البخاري مع الفتح ‪ 1/58‬برقم ‪ ,15‬مسلم ‪.1/67‬‬ ‫‪)(2‬‬

‫البخاري مع الفتح ‪ 10/557‬و ‪ ,13/131‬ومسلم ‪.4/2032‬‬ ‫‪)(3‬‬

‫مسلم ‪.4/2032‬‬ ‫‪)(4‬‬

‫البخاري مع الفتح ‪.11/523‬‬ ‫‪)(5‬‬

‫البخاري مع الفتح ‪.10/557‬‬ ‫‪)(6‬‬

‫مسلم في صحيحه ‪.1/62‬‬ ‫‪)(7‬‬

‫البخاري مع الفتح ‪ ,1/72‬ومسلم ‪ 1/66‬وتقدم تخريجه ص ‪.66‬‬ ‫‪)(8‬‬

‫الشفاء بتعريف حقوق المصطفى صلّى ال عليه وسلّم ‪ 2/549‬و ‪.2/563‬‬ ‫‪)(9‬‬
‫وعلمات محب ته صلّى ال عل يه و سلّم تظ هر في القتداء به صلّى ال عل يه و سلّم‪ ,‬واتباع سنته‪ ,‬وامتثال‬
‫أوامره‪ ,‬واجتناب نواه يه‪ ,‬والتأدب بآدا به‪ ,‬في الشدة والرخاء‪ ,‬و في الع سر والي سر‪ ,‬ول شك أن من أ حب شيئا‬
‫آثره‪ ,‬وآثر موافقته‪ ,‬وإل لم يكن صادقا في حبه ويكون مدّعيا(‪.)1‬‬
‫ول شك أن من علمات محبته‪ :‬النصيحة له؛ لقوله صلّى ال عليه وسلّم‪” :‬الدين النصيحة” قلنا لمن؟ قال‪:‬‬
‫”ل‪ ,‬ولكتابه‪ ,‬ولرسوله‪ ,‬ولئمة المسلمين وعامتهم”(‪ ,)2‬والنصيحة لرسوله صلّى ال عليه وسلّم‪ :‬التصديق‬
‫بنبو ته‪ ,‬وطاع ته في ما أ مر به‪ ,‬واجتناب ما ن هى ع نه‪ ,‬ومُؤازر ته‪ ,‬ون صرته وحماي ته حيا وميتا‪ ,‬وإحياء سنته‬
‫والعمل بها وتعلمها‪ ,‬وتعليمها والذب عنها‪ ,‬ونشرها‪ ,‬والتخلق بأخلقه الكريمة‪ ,‬وآدابه الجميلة(‪.)3‬‬
‫‪ 5‬م احترامه وتوقيره ونصرته كما قال تعالى‪{ :‬لِ ُت ْؤمِنُوا بِاللّ هِ وَرَ سُو ِل ِه وَ ُتعَزّرُو هُ وَ ُتوَقّرُو هُ}(‪{ ,)4‬يَا أَ ّيهَا‬
‫جعَلُوا ُدعَاءَ الرّ سُولِ‬
‫سمِي ٌع عَلِي مٌ}(‪{ ,)5‬ل َت ْ‬
‫ن يَدَ يِ اللّ هِ َورَ سُو ِل ِه وَاتّقُوا اللّ َه إِنّ اللّ َه َ‬
‫ن آمَنُوا ل ُتقَ ّدمُوا بَ ْي َ‬
‫الّذِي َ‬
‫ضكُم َبعْضًا}(‪.)6‬‬
‫بَيْ َنكُمْ كَدُعَاءِ َبعْ ِ‬
‫وحر مة ال نبي صلّى ال عل يه و سلّم ب عد مو ته‪ ,‬وتوقيره لزم كحال حيا ته وذلك ع ند ذ كر حدي ثه‪ ,‬و سنته‪,‬‬
‫وسماع اسمه وسيرته‪ ,‬وتعلم سنته‪ ,‬والدعوة إليها‪ ,‬ونصرتها(‪.)7‬‬
‫ي يَا أَ ّيهَا الّذِينَ‬
‫ن عَلَى النّبِ ّ‬
‫‪ 6‬م الصلة عليه صلّى ال عليه وسلّم قال الله تعالى‪{ :‬إِنّ الّل َه َومَل ِئكَ َتهُ يُصَلّو َ‬
‫آمَنُوا صَلّوا عَلَيْ هِ وَ سَّلمُوا تَ سْلِيمًا}(‪ ,)8‬وقال صلّى ال عليه وسلّم‪ ..” :‬من صلى عليّ صلة صلى ال عليه‬
‫بها عشرا”(‪ ,)9‬وقال صلّى ال عليه وسلّم‪” :‬ل تجعلوا بيوتكم قبورا‪ ,‬ول تجعلوا قبري عيدا وصلوا عليّ فإن‬
‫صلتكم تبلغني حيث كنتم”(‪ ,)10‬وقال صلّى ال عليه وسلّم‪” :‬البخيل من ذكرت عنده فلم يصلّ عليّ”(‪ ,)11‬وقال‬
‫صلّى ال عل يه و سلّم‪ ” :‬ما جاس قوم مجل سا لم يذكروا ال ف يه‪ ,‬ولم ي صلّوا على نبيهم إل كان علي هم ترة‪,‬‬
‫فإن شاء عذبهـم وإن شاء غفـر لهـم”(‪ ,)12‬وقال صملّى ال عل يه وسملّم‪” :‬إن ل ملئكـة سـياحين فـي الرض‬

‫انظر‪ :‬الشفاء بتعريف حقوق المصطفى صلّى ال عليه وسلّم ‪.582– 2/571‬‬ ‫‪)(1‬‬

‫مسلم ‪.1/74‬‬ ‫‪)(2‬‬

‫الشفاء بتعريف حقوق المصطفي صلّى ال عليه وسلّم للقاضي حياض ‪.584- 2/582‬‬ ‫‪)(3‬‬

‫سورة الفتح‪ ,‬الية‪.9 :‬‬ ‫‪)(4‬‬

‫سورة الحجرات‪ ,‬الية‪.1 :‬‬ ‫‪)(5‬‬

‫سورة النور‪ ,‬الية‪.63 :‬‬ ‫‪)(6‬‬

‫الشفاء ‪ 2/595‬و ‪.612‬‬ ‫‪)(7‬‬

‫سورة الحزاب‪ ,‬الية‪.56 :‬‬ ‫‪)(8‬‬

‫أخرجه مسلم عن عبد ال بن عمرو رضي ال عنهما ‪.1/288‬‬ ‫‪)(9‬‬

‫أبو داود ‪ ,2/218‬وأحمد ‪ ,2/367‬وانظر‪ :‬صحيح أبي داود ‪.1/383‬‬ ‫‪)(10‬‬

‫الترمذي ‪ ,5/551‬وغيره‪ ,‬وانظر‪ :‬صحيح الترمذي ‪.3/177‬‬ ‫‪)(11‬‬

‫الترمذي‪ ,‬وانظر‪ :‬صحيح الترمذي ‪.3/140‬‬ ‫‪)(12‬‬


‫يبلغوني من أمتي السلم”(‪ ,)1‬وقال جبريل عليه السلم للنبي صلّى ال عليه وسلّم‪” :‬رغم أنف عبد – أو بَعُد‬
‫– ذُكِرتَ عنده فلم يصلّ عليك” فقال صلّى ال عليه وسلّم‪” :‬آمين”(‪ ,)2‬وعن أبي هريرة رضي ال عنه قال‬
‫رسول ال صلّى ال عليه وسلّم‪” :‬ما من أحد يسلّم عليّ إل ردّ ال عليّ روحي حتى أردّ عليه السلم”(‪.)3‬‬
‫* وللصلة على النبي صلّى ال عليه وسلّم مواطن كثيرة ذكر منها المام ابن القيم رحمه ل تعالى واحدا‬
‫وأربعين موطنا منها على سبيل المثال‪ :‬الصلة عليه صلّى ال عليه وسلّم عند دخول المسجد‪ ,‬وعند الخروج‬
‫م نه‪ ,‬وب عد إجا بة المؤذن‪ ,‬وع ند القا مة‪ ,‬وع ند الدعاء‪ ,‬و في التش هد في ال صلة‪ ،‬و في صلة الجنازة‪ ،‬و في‬
‫ال صباح والم ساء‪ ،‬و في يوم الجم عة‪ ,‬وع ند اجتماع القوم ق بل تفرق هم‪ ,‬و في الخ طب‪ :‬كخطب تي صلة الجم عة‪,‬‬
‫وعند كتا بة ا سمه‪ ,‬و في أثناء صلة العيد ين ب ين الت كبيرات‪ ,‬وآ خر دعاء القنوت‪ ,‬وعلى ال صفا والمروة‪ ,‬وع ند‬
‫الوقوف على قبره‪ ,‬وع ند ال هم والشدائد وطلب المغفرة‪ ,‬وع قب الذ نب إذا أراد أن يك فر ع نه‪ ,‬وغ ير ذلك من‬
‫المواطن التي ذكرها رحمه ال في كتابه(‪.)4‬‬
‫ولو لم يرد في ف ضل ال صلة على ال نبي صلّى ال عل يه و سلّم إل حد يث أ نس ر ضي ال ع نه لك فى ” من‬
‫صلى علي ّ صلة واحدة صلى ال عليه عشر صلوات(‪[ .)5‬كتب ال له بها عشرة حسنات](‪ )6‬وحط عنه بها‬
‫عشر سيئات‪ ,‬ورفعه بها عشر درجات”(‪.)7‬‬
‫‪ 7‬م وجوب التحا كم إل يه والر ضي بحك مه صلّى ال عل يه و سلّم‪ ،‬قال ال تعالى‪{ :‬فَإِن تَنَازَعْتُ مْ فِي شَيْءٍ‬
‫ّكـ لَ‬
‫ْسـنُ تَ ْأوِيلً}(‪{ ,)8‬فَلَ َورَب َ‬
‫ِكـ خَيْ ٌر َوأَح َ‬
‫ْمـ الخِرِ ذَل َ‬
‫ّهـ وَالْ َيو ِ‬
‫ُونـ بِالل ِ‬
‫ُمـ ُت ْؤمِن َ‬
‫ّهـ وَالرّسـُولِ إِن كُنت ْ‬
‫ّوهـ إِلَى الل ِ‬
‫فَرُد ُ‬
‫ويكون‬ ‫(‪)9‬‬
‫ت وَيُسَّلمُو ْا تَسْلِيمًا}‬
‫ح َرجًا ّممّا قَضَيْ َ‬
‫سهِمْ َ‬
‫شجَ َر بَيْ َنهُمْ ُثمّ لَ َيجِدُواْ فِي أَنفُ ِ‬
‫ح ّكمُو كَ فِيمَا َ‬
‫ُي ْؤمِنُو نَ حَ ّتىَ ُي َ‬
‫التحاكم إلى سنته وشريعته بعده صلّى ال عليه وسلّم‪.‬‬
‫‪ 8‬م إنزاله مكان ته صلّى ال عل يه و سلّم بل غلو ول تق صير ف هو ع بد ل ور سوله‪ ,‬و هو أف ضل ال نبياء‬
‫والمرسلين‪ ,‬وهو سيد الولين والخرين‪ ,‬وهو صاحب المقام المحمود والحوض المورود‪ ,‬ولكنه مع ذلك بشر‬
‫ن اللّ هِ وَل‬
‫ل يملك لنفسه ول لغيره ضرا ول نفعا إل ما شاء ال كما قال تعالى‪{ :‬قُل ّل أَقُولُ َلكُ مْ عِندِي خَزَآئِ ُ‬
‫ك لِ َنفْ سِي َنفْعًا َولَ‬
‫ك إِ نْ أَتّبِ ُع ِإلّ مَا يُوحَى إِلَيّ}(‪ ,)10‬وقال تعالى‪{ :‬قُل لّ َأمْلِ ُ‬
‫أَعْلَ مُ ا ْلغَيْ بَ وَل أَقُو ُل َلكُ ْم إِنّ ي مَلَ ٌ‬

‫النسائي ‪ ,3/43‬وصححه اللباني في صحيح النسائي ‪.1/274‬‬ ‫‪)(1‬‬

‫ابن خزينة ‪ ,3/192‬وأحمد ‪ ,2/254‬وصححه الرنؤوط في الفهام‪.‬‬ ‫‪)(2‬‬

‫أخرجه أبو داود ‪ 2/218‬برقم ‪ ,2041‬وحسنه اللباني في صحيح أبي داود ‪.1/283‬‬ ‫‪)(3‬‬

‫راجع كتاب جلء الفهام في الصلة واللم على خير النام صلّى ال عليه وسلّم للمام ابن القيم رحمه ل تعالى‪.‬‬ ‫‪)(4‬‬

‫السياق يقتضي "و"‪.‬‬ ‫‪)(5‬‬

‫هذه الزيادة من حديث طلحة في مسند أحمد ‪.4/29‬‬ ‫‪)(6‬‬

‫أحمد ‪ ,3/261‬وابن حبان الرقم ‪( 2390‬موارد)‪ ,‬والحاكم ‪ ،1/551‬وصححه الرنؤوط في تحقيقه لجلء الفهام ص ‪.65‬‬ ‫‪)(7‬‬

‫سورة النساء الية‪.59 :‬‬ ‫‪)(8‬‬

‫سورة النساء‪ ,‬الية‪.65 :‬‬ ‫‪)(9‬‬

‫سورة النعام‪ ,‬الية‪.50 :‬‬ ‫‪)(10‬‬


‫ن ا ْلخَيْرِ َومَا مَسّنِيَ السّو ُء إِنْ أَنَ ْا ِإلّ نَذِي ٌر وَ َبشِي ٌر ّل َقوْمٍ‬
‫ت مِ َ‬
‫ب لَسْتَكْثَرْ ُ‬
‫ضَرّا ِإ ّل مَا شَاءَ اللّ ُه وَ َلوْ كُنتُ أَعْلَ ُم الْغَيْ َ‬
‫ِهـ‬
‫َنـ َأجِدَ مِن دُون ِ‬
‫ّهـ َأحَدٌ وَل ْ‬
‫ِنـ الل ِ‬
‫ُمـ ضَرّا وَل َرشَدًا‪ُ ،‬قلْ إِنّيـ لَن ُيجِيرَنِي م َ‬
‫ِكـ َلك ْ‬
‫ُي ْؤمِنُونـَ}(‪ُ { ,)1‬قلْ إِنّيـ ل َأمْل ُ‬
‫ت َوإِنّهُم‬
‫ك مَيّ ٌ‬
‫مُلْ َتحَدًا}(‪ ,)2‬و قد مات صلّى ال عل يه و سلّم كغيره من ال نبياء ول كن دي نه با قٍ إلى يوم القيام {إِنّ َ‬
‫ك ا ْلخُلْدَ أَفَإِن مّتّ َفهُمُ ا ْلخَالِدُو نَ‪ُ ،‬كلّ َنفْسٍ ذَا ِئ َقةُ ا ْل َموْتِ}(‪ ,)4‬وبهذا يعلم أنه‬
‫جعَلْنَا لِ َبشَرٍ مّن قَبْلِ َ‬
‫مّيّتُو نَ}(‪َ { ,)3‬ومَا َ‬
‫سكِي َو َمحْيَايَ َو َممَاتِي لِلّهِ رَبّ ا ْلعَا َلمِي نَ ‪ 162‬لَ‬
‫صلَتِي وَنُ ُ‬
‫ل يستحق العبادة إل ال وحده ل شريك له { ُقلْ إِنّ َ‬
‫ت َوأَنَاْ َأ ّولُ ا ْل ُمسْ ِلمِينَ}(‪.)5‬‬
‫ك َلهُ وَبِذَِلكَ ُأمِرْ ُ‬
‫شَرِي َ‬
‫وصلى ال وسلم على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه‪.‬‬

‫الفهـرس‬

‫الصفحة‬ ‫الموضوع‬
‫المقدمة‬
‫المبحث الول‪ :‬خلصة نسبه وولدته ووظيفته صلّى ال عليه وسلّم‬
‫‪ ‬الدروس والعبر‬
‫المبحث الثاني‪ :‬اجتهاده وجهاده صلّى ال عليه وسلّم وأخلقه‬
‫‪.1‬كان صلّى ال عليه وسلّم أسوة لكل مسلم‬
‫‪.2‬صلته صلّى ال عليه وسلّم‬
‫‪.3‬صومه صلّى ال عليه وسلّم‬
‫‪.4‬صدقته صلّى ال عليه وسلّم‬
‫‪.5‬جهاده صلّى ال عليه وسلّم‬
‫‪.6‬معاملته صلّى ال عليه وسلّم‬
‫‪.7‬خلقه صلّى ال عليه وسلّم‬
‫‪.8‬زهده صلّى ال عليه وسلّم‬
‫‪.9‬ورعه صلّى ال عليه وسلّم‬
‫‪ .10‬توسطه صلّى ال عليه وسلّم‬

‫سورة العراف‪ ,‬الية‪.188 :‬‬ ‫‪)(1‬‬

‫سورة الجن‪ ,‬اليتان‪.22 ،21 :‬‬ ‫‪)(2‬‬

‫سورة الزمر‪ ,‬الية‪.30 :‬‬ ‫‪)(3‬‬

‫سورة النبياء‪ ,‬اليتان‪.35 ,34 :‬‬ ‫‪)(4‬‬

‫سورة النعام‪ ,‬اليتان‪.163 ,162 :‬‬ ‫‪)(5‬‬


‫‪ ‬الدروس والعبر‬
‫المبحث الثالث‪ :‬خير أعماله خواتمها‬
‫‪‬الدروس والعبر‬
‫المب حث الرا بع‪ :‬ودا عه لم ته صلّى ال عل يه و سلّم وو صاياه في‬
‫حجة الوداع‬
‫•أذانه في الناس بالحج‬
‫•وداعه ووصاياه لمته في عرفات‬
‫•وداعه ووصاياه لمته عند الجمرات‬
‫•وداعه ووصيته لمته يوم النحر‬
‫•وداعه ووصيته لمته في أوسط أيام التشريق‬
‫‪ ‬الدروس والعبر‬
‫المبحث الخامس‪ :‬توديعه للحياء والموات‬
‫‪ ‬الدروس العبر‬
‫المبحث السادس‪ :‬بداية مرضه وأمره لبي بكر أن يصلي بالناس‬
‫‪ ‬الدروس والعبر‬
‫المبحث السابع‪ :‬خطبته العظيمة ووصاياه للناس‬
‫‪ ‬الدروس والعبر‬
‫المبحث الثامن‪ :‬اشتداد مرضه ووداعه ووصيته في تلك الشدة‬
‫‪ ‬الدروس العبر‬
‫المبحث التاسع‪ :‬وصاياه صلّى ال عليه وسلّم عند وفاته‬
‫‪ ‬الدروس العبر‬
‫المبحث العاشر‪ :‬اختياره للرفيق العلى‬
‫‪ ‬الدروس العبر‬
‫المبحث الحادي عشر‪ :‬موته شهيدا صلّى ال عليه وسلّم‬
‫‪ ‬الدروس والعبر‬
‫المبحث الثاني عشر‪ :‬من كان يعبد ال فإن ال حي ل يموت‬
‫‪ ‬الدروس والعبر‬
‫المبحث الثالث عشر‪ :‬مصيبة المسلمين بموته صلّى ال عليه وسلّم‬
‫‪ ‬الدروس العبر‬
‫المبحث الربع‪ :‬ميراثه صلّى ال عليه وسلّم‬
‫‪ ‬الدروس العبر‬
‫المبحث الخامس‪ :‬حقوقه على أمته صلّى ال عليه وسلّم‬
‫•اليمان الصادق به صلّى ال عليه وسلّم‬
‫•وجوب طاعته صلّى ال عليه وسلّم والحذر من معصيته‬
‫•اتباعه واتخاذه قدوة صلّى ال عليه وسلّم‬
‫•محبته صلّى ال عليه وسلّم أكثر من الهل والولد والوالد‬
‫•احترامه وتوقيره ونصرته صلّى ال عليه وسلّم‬
‫•الصلة عليه صلّى ال عليه وسلّم‬
‫•وجوب التحاكم إليه والرضى بحكمه صلّى ال عليه وسلّم‬
‫•إنزاله مكانته بل غلو ول تقصير صلّى ال عليه وسلّم‬
‫الفهمرس‬

‫فقير إلى ال‪:‬‬

‫خـــــــيرالدين‬
‫‪nilkheireddine@yahoo.fr‬‬

You might also like