Professional Documents
Culture Documents
4 5899999580992307851
4 5899999580992307851
ال يمكن الحديث عن اإلرث المعماري وعن التصميم غير المألوف دون الحديث عن زها حديد التي رحلت في أوج إبداعها
ً
ومميزا من العمارة المعاصرة .فعبر العقدين الماضيين ،كلما ارتبط اسم زها حديد بأحد األنماط أواالتجاهات مخلفة نتا ًجا غنيًا
المعمارية وجدناها خرجت منه بتصميم جديد ال يمكن تأطيره ،إلى أن أصبح الوصف الوحيد الممكن ألعمالها هو التصميم
الحديدي « .»Hadidianفبتحويل اسمها إلى مدرسة معمارية بحد ذاتها ،أصبحت زها عالمة فارقة في التاريخ المعماري
وخلّدت وجودها من خالل إرثها المبني والمرسوم.
كلما ارتبط اسم زها حديد بأحد األنماط أواالتجاهات المعمارية وجدناها خرجت منه بتصميم جديد ال يمكن تأطيره
انتشارا ،وهو
ً تنتمي زها حديد إلى جيل ما بعد الحداثة الذي تشكل كردة فعل ألحد تيارين مختلفين للحداثة؛ األول ،وهو األكثر
نتيجة الثورة الصناعية وحقوق العمال والمجتمع االنتاجي ،والثاني الذي تأثر بالتجريدية الشكلية والفكرية والعالقة ما بين
الجسد والفن .تأثرت زها بالفئة الثانية من الحداثة وتحديدًا بلوحات الفنان الروسي ماليفيتش التجريدية المفككة ،واستخدمت
أعماله كقاعدة لمشروع تخرجها تحت إشراف المفكر والعمراني كولهاس في لندن حيث درست الهندسة المعمارية.
تزامن ذلك مع ظهور تفكيكيّة جاك دريدا كاتجاه فلسفي تحليلي يعنى بتفكيك النص األدبي لكشف المعاني الكامنة فيه .فكان
مبدأ التكسير والتفكيك المؤثر األساسي في تشكيل أعمال زها األولى ،والتي أعادت تعريف العناصر البنائية والمنظور لخلق
فراغات غير مألوفة معماريًا وبصريا.
ارتبطت زها بالتفكيكية بشكل رسمي بعد مشاركتها في المعرض الذي أقيم في متحف الفن الحديث في نيويورك عام 1988
مع العديد من المعماريين الذين ارتبطوا بنفس الحركة مثل فرانك جيري وبيتر أيزنمان .عرفت زها طوال الثمانينيات وأوائل
التسعينيات برسوماتها ذات المنظور المحور والزوايا الحادة والمستويات المائلة .لكنها لم تستطع تحويل أي ٍ من تصوراتها
وتصاميمها إلى مبان واقعية وذلك لبعدها عن المعايير الهندسية العملية وطرق البناء السائدة .استمر ذلك إلى عام 1994
عندما استطاعت أن تحقق أول ُمنشأ مبني وهو محطة إطفائية فيترا والذي توصلت فيه إلى طريقة هندسية لتربيط العناصر
المعمارية المائلة والزوايا الحادة وذلك بالتعاون مع المهندسين اإلنشائيين ومطوري مواد البناء.
استطاعت زها في السنوات القليلة التي تلت ذلك خلق عدد من المباني ذات التصميم المبسط مثل مركز الفنون في
سينسيناتي وذلك لتدخل أبواب الحياة العملية في العمارة .ومع بداية األلفية وتطور التكنولوجيا وبرمجيات الحاسوب ،عادت
ى بعيدًا عن التفكيكية المبسطة لتدخل عالم المنحنيات التيزها لتتحدى الواقع باستخدام األدوات الرقمية لتأخذ أعمالها منح ً
تمحي الخط الفاصل بين األرض والعمارة والسماء .ومنذ ذلك الوقت ،تحولت عالقة زها بالمادة والهندسة من عالقة منافسة
وتح ٍد إلى تطور ونمو ،بحيث يتم التعاون مع األخصائيين الستحداث مواد بناء خاصة وتقنيات إنشائية جديدة لتحقيق هذه
المباني ،والتي تفتح أبوابًا جديدة في تكنولوجيا البناء لتغير تدريجيًا مسار العمارة العالمي.
لكن أهمية زها حديد في التاريخ المعاصر تتعدى تصاميمها ومبانيها المثيرة للجدل في العديد من األحيان ،إنها في قدرتها على
محو الفواصل ما بين المتقابالت ودمج آفاق مختلفة .فمن األفقي والعامودي ،األرض والبناء ،المنحنى والمستقيم ،إلى إدخال
العمارة في األزياء وتصميم السيارات ،استطاعت زها أن تتعدى الحواجز الجندرية والعنصرية لتحقق ما لم يحققه إال القليل
من المعماريين في التاريخ.
تجسد مسيرة زها كامرأة في مهنة ذكورية ،وكعربية في زمن يعاني فيه العالم العربي من تفكك ودمار مادي ومعنوي ،إمكانية
تحويل المتناقضات والنزاعات والتحديات إلى قوى صانعة منتجة خالقة من خالل الفكر التفكيكي التحليلي ،إلعادة تعريف
المفاهيم الهدامة وتشكيل منظور جديد مبني على التغيير واالختالف.