130

You might also like

Download as pdf or txt
Download as pdf or txt
You are on page 1of 400

‫جميع احلقوق حمفوظة‬

‫‪1433‬هـ ــ ‪ 2012‬م‬
‫الطبعة الأوىل‬
4
‫املقدمة‬
‫احلم�د هلل ال�ذي جع�ل يف كل زمان فرتة من الرس�ل بقايا من أه�ل العلم يدعون‬
‫م�ن ض�ل إىل اهلدى‪ ،‬ويصربون منهم عىل األذى‪ ،‬حييون بكتاب اهلل املوتى‪ ،‬ويبرصون‬
‫بن�ور اهلل أهل العمى‪ ،‬فكم من قتيل إلبليس ق�د أحيوه‪ ،‬وكم من ضال تائه قد هدوه‪،‬‬
‫فام أحس�ن أثرهم عىل الن�اس‪ ،‬وأقبح أثر الناس عليهم‪ ،‬ينف�ون عن كتاب اهلل حتريف‬
‫الغالني‪ ،‬وانتحال املبطلني‪ ،‬وتأويل اجلاهلني‪ ،‬أش�هد أن ال إله إال اهلل وحده ال رشيك‬
‫له‪ ،‬واش�هد أن حممد ًا عبده ورس�وله‪ ،‬صىل اهلل عليه وعىل آله وصحبه وس�لم تس�لي ًام‬
‫كثري ًا‪.‬‬
‫أما بعد‪:‬‬
‫ف�إن م�ن معامل اخلري والربك�ة يف هذه األم�ة أن اهلل قيض من أهله�ا من حيمل هم‬
‫اإلسلام يف قلبه‪ ،‬ويس�عى يف بذل النفس والنفيس يف س�بيل إعالء كلمة اهلل‪ ،‬والذب‬
‫عن حياض بيضة اإلسالم‪ ،‬والتقرب إىل اهلل بصالح القول والعمل‪.‬‬
‫ولقد حرص عظامء اإلسلام‪ ،‬وأساطني الدهر عىل تسطري أروع املواقف‪ ،‬وأمجل‬
‫القص�ص يف ميادي�ن اخلري والفضل من علم‪ ،‬وعبادة‪ ،‬وزه�د‪ ،‬وورع‪ ،‬وأمر بمعروف‬
‫وهن�ي ع�ن منكر‪ ،‬وجه�اد‪ ،‬وغري ذلك فكان�وا معامل ه�دى ورجوم عدى س�اروا مع‬
‫األنبي�اء واملرس�لني – عليهم الصلاة والسلام – يف بيان واح�د‪ ،‬أال فرحم اهلل تلك‬
‫العظام‪ ،‬وأغدق عليها شآبيب الرمحة والغفران‪.‬‬
‫وأمة اإلسلام إن حرصت عىل اقتفاء سير أولئك األعالم الربرة فإن اهلل – جل‬
‫وعز – يورث هلا من العز‪ ،‬والتمكني‪ ،‬والرشف‪ ،‬والسنة ما يرفع هامة أهلها عىل سائر‬
‫األمم كام كان آباؤهم وأجدادهم الذين اس�تطالت رؤوس�هم إىل السماء فالس�متها‪،‬‬
‫واقرتتبت السماء من رؤوس�هم فتوجتها‪ .‬ونحن يف أمس احلاجة إىل الوقوف مع سري‬

‫‪5‬‬
‫أسلافنا العظام الس�يام يف هذه األزمان الذي أرشأبت فيه الفتن‪ ،‬وكثرت فيه املحن‪،‬‬
‫واندرس�ت في�ه معامل الس�ن‪ ،‬وأوتين�ا من الضعف واهل�وان ما أويت أسلافنا من اجلد‬
‫والق�وة‪ ،‬فق�د ملكوا الدنيا‪ ،‬ودانت هلم املاملك‪ ،‬وأرغموا أنف كل كافر يف س�نوات ال‬
‫تع�د ش�يئ ًا يف أعامر الدنيا‪ ،‬وإنما حصلوا ذلك بصدق االنتامء‪ ،‬وعل�و اهلمة قال تعاىل‪:‬‬
‫ﱫﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ‬
‫ﭷ ﭸﭹﭺﭻﭼﭽﭾ ﭿﮀ ﮁﮂﮃ‬
‫ﮄ ﮅﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ‪...‬ﱪ [النور‪.]55:‬‬
‫والبس لبوس التفاؤل – يا حمب – فاملس�تقبل كل املس�تقبل لإلسالم‪ ،‬وليخرجن‬
‫اهلل م�ن أصلاب رجالن�ا‪ ،‬وأرحام نس�ائنا من يلح�ق بالركب‪ ،‬ويعيد لألم�ة ماضيها‬
‫املرشق‪ ،‬وجمدها الغابر‪ ،‬قال رس�ول اهلل ﷺ‪« :‬ليبلغن هذا األمر ما بلغ الليل والنهار‪،‬‬
‫وال يترك اهلل بي�ت مدر وال وبر إال أدخله هذا الدين بعز عزيز‪ ،‬أو بذل ذليل‪ ،‬عز ًا يعز‬
‫اهلل به اإلسالم‪ ،‬وذالً يذل اهلل به الكفر» رواه ابن حبان بإسناد صحيح‪.‬‬
‫إن منهج أولئك األخيار الكرام هو احلياة التي من حرمها فهو من مجلة األموات‪،‬‬
‫والنور الساطع الذي يسرتشد به الغرباء يف بحار ظلامت الدنيا‪ ،‬وهو الشفاء الذي من‬
‫فقده فقد أصابته األسقام‪ ،‬وبه تكون اللذة التي من مل يظفر هبا فعيشه مهوم وآالم‪.‬‬
‫وإن م�ن ح�ق عظامء اإلسلام علينا نشر فضائلهم‪ ،‬وبث حماس�نهم‪ ،‬فق�د زينوا‬
‫األرض بمواقفهم اجلليلة‪ ،‬وبيضوا صفحات التأريخ بأخالقهم النبيلة‪.‬‬
‫بع�د الـمـمـات مج�ال الكتب والسير‬ ‫كان�وا مج�ال ذي األرض يف احلي�اة وه�م‬
‫وإن ال�ذي يقلب صفحات كت�ب التواريخ‪ ،‬والرتاجم لتقر عين�ه‪ ،‬ويبهج قلبه بام‬
‫يق�رأ من كري�م األخبار‪ ،‬ومجيل اآلثار يف حيوات أولئك األب�رار‪ ،‬عليهم رمحة من اهلل‬
‫العزيز الغفار‪.‬‬
‫ولـمـا كانت نفوس أهل اإليامن جمبولة عىل األنس بأخبار املاضني من أهل العلم‬

‫‪6‬‬
‫والفضل‪ ،‬واحلرص عىل التأيس هبم‪ ،‬فقد حرصت عىل بذل اجلهد – ومن اهلل نس�تمد‬
‫الع�ون والتوفيق – عىل مجع أخبار‪ ،‬ومواق�ف صناع التاريخ واملجد املتأخرين وفا ًة يف‬
‫العلم‪ ،‬العبادة‪ ،‬والزهد‪ ،‬واألمر‪ ،‬والنهي‪ ،‬وغري ذلك‪ ،‬وذلك ألمرين‪:‬‬
‫أوهلمـا‪ :‬أن السلف األوائل – رمحهم اهلل – قد مجعت بعض مواقفهم‪ ،‬وقصصهم‬
‫النرية يف أجزاء مفردة‪ ،‬بخالف املتأخرين‪.‬‬
‫وثانيهمـا‪ :‬أن بعض الناس لو ذكرت له ش�يئ ًا من سري األوائل جلعل بعد الزمان‪،‬‬
‫وتغري األحوال مانع ًا من االقتداء هبم‪ ،‬لكنه لن يعتذر بذلك إذا كان العامل‪ ،‬أو املفكر قد‬
‫تويف قبل س�نني يسرية‪ ،‬السيام وإن كثري ًا من هؤالء قد أدركناهم‪ ،‬فرأيناهم‪ ،‬وحرضنا‬
‫جمالسهم‪ ،‬أو نقلت لنا أخبارهم‪.‬‬
‫ومنهجي يف هذا اجلمع ما ييل‪:‬‬
‫‪ -1‬قسمت القصص واملواقف إىل فصول‪.‬‬
‫‪ -2‬قد اترصف يف بعض القصص ترصف ًا سري ًا لالختصار‪ ،‬أو نحوه مما ال خيل – بإذن‬
‫اهلل – بالقصة‪.‬‬
‫‪ -3‬رتب�ت قص�ص العلماء يف كل فصل حس�ب تاري�خ وفاهتا – وق�د يتخلف ذلك‬
‫أحيان ًا ‪.-‬‬
‫‪ -4‬اقتصر يف احلاش�ية على ترمجة صاح�ب القصة‪ ،‬وإن ذك�ر غريه م�ن أوعية العلم‬
‫والفضل يف القصة‪.‬‬
‫وق�د تلح�ظ – أهيا القارئ الكري�م – عدم ورود أخبار بع�ض املعروفني بالعلم‪،‬‬
‫والفضل‪ ،‬وما ذاك إال إنه مل يتيرس يل الوقوف عىل يشء من مواقفهم التي يصلح ذكرها‬
‫يف هذا الكتاب‪ ،‬ولعل هذا يستدرك يف طبعة أخرى – بإذن اهلل ‪.-‬‬
‫وأحب أن أشري – كذلك – إىل أن التفاوت يف عظامء بعض البالد دون أخرى ال‬
‫يعني التمييز بينهم‪ ،‬وإنام هو بحسب ما يتيرس لنا من مراجع يف البحث‪ ،‬فبعضهم متتأل‬

‫‪7‬‬
‫املكتبات بمراجع سريهم‪ ،‬وبعضهم شحيحة بذلك – واهلل املستعان ‪.-‬‬
‫واهلل أس�أل أن جيع�ل هذا العمل خالص ًا لوجهه الكري�م‪ ،‬وأن يرحم موتى عظامء‬
‫اإلسلام‪ ،‬وحيف�ظ أحياءه�م‪ ،‬وحيرشنا مجعي ًا يف مس�تقر رمحته مع النبيين والصديقني‬
‫والش�هداء والصاحلين وحس�ن أولئ�ك رفيق� ًا‪ ،‬وصلى اهلل على نبينا حمم�د وعىل آله‬
‫وصحبه وسلم‪.‬‬
‫وكتبه‬ ‫ ‬
‫عبد العزيز بن سعود العويد‬ ‫ ‬
‫‪alowid@hotmail.com‬‬ ‫ ‬

‫‪8‬‬
9
‫علمـهم‬

‫‪11‬‬
12
‫خ�رج َّ‬
‫الش�يخ س�ليامن بن عبد اهلل ‪ -‬رمح�ه اهلل ‪ )1(-‬مع بع�ض أصحابه إىل إحدى‬
‫بس�اتني الدِّ رع َّية‪ ،‬فامتحنوه يف متييز شجرة البطيخ من ش�جرة الدُّ َّباء‪ ،‬فلم يم ِّيز بينهام‪،‬‬
‫وح�دَّ ث ال ِّثقات عنه أنَّه كان يقول‪ :‬معرفتي برج�ال احلديث أكثر من معرفتي برجال‬
‫الدِّ رع َّية(‪.)2‬‬
‫*‬ ‫*‬ ‫*‬
‫أصي�ب َّ‬
‫الش�يخ ُح َّجة اهلل عبد العزي�ز بن ويل اهلل الدَّ هلوي ‪ -‬رمح�ه اهلل ‪ )3( -‬وهو‬
‫ٍ‬
‫مخس وعرشين س�ن ًة بعدَّ ة أم�راض بلغت أربع�ة عرش مرض ًا‪ ،‬فأصي�ب باجلذام‪،‬‬ ‫اب�ن‬
‫الرياح يف املع�دة واألمعاء‪ ،‬وفقدان‬
‫والبرص‪ ،‬والعمى‪ ،‬وقبض البواسير‪ ،‬واحتباس ِّ‬
‫الش�ه َّية إىل ال َّطعام‪ ،‬حتَّ�ى إنَّه يمكث أيام ًا ال يقدر على األكل‪ ،‬ومنها صعود األبخرة‬
‫َّ‬
‫بالصداع َّ‬
‫الش�ديد‪،‬‬ ‫إىل القلب‪ ،‬فيصاب باالختناق‪ ،‬ور َّبام صعدت إىل الدِّ ماغ‪ ،‬فيصاب ُّ‬
‫الرجلني يمين ًا وشماالً لش�دَّ ة آالمه‪ ،‬ومع ذلك‬
‫وكان ‪-‬أحيان ًا‪ -‬إذا مش�ى يتهادى بني َّ‬
‫فق�د كان عالـمـ� ًا‪ ،‬فاضالً‪ ،‬حمس�ن ًا‪ ،‬يرت َّقب النَّ�اس قدومه يف ال َّطري�ق‪ ،‬وكان ال ُّطلاَّ ب‬

‫الشيخ يف مدينة الدرعية سنة (‪1200‬هـ)‪ ،‬وقرأ عىل والده وبعض‬ ‫الشيخ سليامن بن عبد اهلل آل َّ‬
‫(‪ )1‬ولد َّ‬
‫علـمـاء الدرعية‪ ،‬وأرسله اإلمام سعود بن عبد العزيز قاضي ًا يف مكة املكرمة‪َّ ،‬‬
‫ثم توىل القضاء يف الدرعية‪،‬‬
‫وكان آية يف العلم‪ ،‬له معرفة تامة يف احلديث ورجاله‪ ،‬والفقه والتفسير والنحو‪ .‬ومن أش�هر كتبه «تيسير‬
‫العزيز احلميد رشح كتاب التوحيد»‪ ،‬قتل سنة (‪1233‬هـ) بعد استيالء إبراهيم باشا عىل الدرعية‪ ،‬وقتله‬
‫لبعض أهلها‪« .‬علـمـاء نجد»‪.‬‬

‫(‪« )2‬علـمـاء نجد خالل ثامنية قرون» (‪.)342/2‬‬

‫الشيخ عبد العزيز بن ويل اهلل بن عبد الرحيم العمري الدهلوي سنة (‪1159‬هـ)‪ ،‬حفظ القرآن‪،‬‬ ‫(‪ )3‬ولد َّ‬
‫وأخذ عن والده وعلـمـاء بلده‪ ،‬ومع إصابته باألمراض الكثرية إلاَّ أنَّه كان من أنجب أهل زمانه علـمـ ًا‪،‬‬
‫مصنفات يف متون متنوعة‪ .‬تويف يف دهيل سنة (‪1239‬هـ)‪.‬‬‫ٍ‬ ‫وفض ً‬
‫ال وأدب ًا‪ ،‬وقد ص َّنف‬

‫‪13‬‬
‫يرحلون إليه لـمـا رأوا فيه من سعة العلم‪ ،‬والبالغة‪ ،‬واألدب‪.‬‬
‫وقد صنَّف عدَّ ة مصن ٍ‬
‫َّفات‪ ،‬ومنها تفسري القرآن املسمى «فتح العزيز» صنَّفه إمال ًء‬
‫الش�ديد‪ ،‬ضاع معظمه يف ث�ورة اهلند‪ ،‬وما بقي‬ ‫يف ع�دَّ ة جم َّلدات‪ ،‬وهو يف حال املرض َّ‬
‫َّفات أخرى كثري ٌة ُّ‬
‫تدل عىل سعة علمه(‪.)1‬‬ ‫يش ٌء من َّأوله‪ ،‬ويش ٌء من آخره‪ ،‬ومصن ٌ‬
‫*‬ ‫*‬ ‫*‬
‫ش�و ٍ‬
‫ال‪ ،‬وحرض‬ ‫الر َّزاق بن س�لوم ‪ -‬رمحه اهلل ‪ )2( -‬إىل مكَّة يف َّ‬ ‫وصل َّ‬
‫الش�يخ عبد َّ‬
‫دروس عالَّمتها َّ‬
‫الشيخ عبد اهلل رساج يف التَّفسري واحلديث‪ ،‬فأورد عليه َّأول ما حرض‬
‫س�ؤاالً يف احلديث‪ ،‬فلم يستحرض َّ‬
‫الشيخ اجلواب‪ ،‬فأخذ الك َُّراس من املحفظة وطالع‬
‫َّوسط يف امللبوس‪،‬‬ ‫ِ‬
‫فيه‪ ،‬فأجابه‪ ،‬وكان قد سمع بوصوله‪َ ،‬و ُوصف له بقرص القامة‪ ،‬والت ُّ‬
‫فلـمـا ختم‬ ‫فلـمـا رأى سؤاله متين ًا َّ‬
‫تفرس فيه أنَّه هو‪ ،‬فقال‪ :‬أأنت فالن؟ فقال‪ :‬نعم‪َّ ،‬‬ ‫َّ‬
‫َّ‬
‫الش�يخ ال�دَّ رس قام إليه وح َّي�اه‪ ،‬وذهب به إىل بيته وأضافه ذل�ك اليوم‪ ،‬فجرت بينهام‬
‫وعز‬
‫الذكاء واالس�تحضار‪َّ ،‬‬‫الش�يخ عىل ِصدْ ق ما وصف به من ش�دَّ ة َّ‬ ‫مباحثات د َّلت َّ‬
‫ٌ‬
‫للسلام عليه‪،‬‬ ‫يف عينه وأعني أقرانه‪ ،‬ومن الغد جاء تالمذة َّ‬
‫الش�يخ إىل املذكور يف بيته َّ‬
‫ثم قال هلم‪ :‬إن‬
‫وسألوه واستفادوا منه‪ ،‬وعجزوا عن جماراته يف املباحثة‪ ،‬فسلموا عليه‪َّ ،‬‬
‫الشيخ ترك البارحة يف تقريره يف التَّفسري وجه ًا من علم اهلندسة ممِ َّا يف اآلية وهي قوله‬
‫َّ‬
‫تع�اىل‪ :‬ﱫ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﱪ [املرسلات‪ ،]30:‬فقال�وا‪ :‬وم�ا هو؟ قال‪:‬‬
‫الش�عب ال َّ‬
‫ظل ل�ه‪ ،‬فقالوا‪ :‬مل يذكر هذا أح�دٌ من املفسرِّ ين‪.‬‬ ‫الش�اخص ذا ال َّثالث ُّ‬ ‫َّ‬
‫إن َّ‬

‫(‪« )1‬اإلعالم بمن يف تاريخ اهلند من األعالم» للسيد عبد احلي الندوي احلسني (‪.)275/7‬‬

‫(‪ )2‬ول�د َّ‬


‫الش�يخ عب�د ال�رزاق ب�ن حممد بن علي بن س�لوم التميمي ‪ -‬رمح�ه اهلل ‪ -‬يف الزبير‪ ،‬وقرأ عىل‬
‫ثم رحل إىل بغداد‪ ،‬وقرأ عىل علـمـائها‪ .‬كانت له مش�اركة يف سائر الفنون‪ .‬تويف‬
‫مش�اخيها‪ ،‬ومنهم والده‪َّ ،‬‬
‫سنة (‪1254‬هـ)‪.‬‬

‫‪14‬‬
‫�يوطي يف «اإلتقان»‪ ،‬فذهب التَّالمذة إىل األس�تاذ َّ‬
‫الشيخ عبد‬ ‫ُّ‬ ‫الس‬
‫فقال‪ :‬بىل ذكر ذلك ُّ‬
‫اهلل‪ ،‬وأخربوه بام دار بينهم وبني املذكور‪ ،‬فتناول «اإلتقان» فتص َّفحه فلم جيد هذا فيه‪،‬‬
‫أي موض ٍع من «اإلتقان»؟ فذهب فقال له‪ :‬يف‬
‫فق�ال ألحدهم‪ :‬ارجع إليه وقل ل�ه‪ :‬يف ِّ‬
‫والستِّني(‪.)1‬‬
‫النَّوع اخلامس ِّ‬
‫*‬ ‫*‬ ‫*‬
‫السندي ‪ -‬رمحه اهلل ‪ )2(-‬مليئ ًة عامر ًة باجلدِّ واالجتهاد‬ ‫كانت حياة َّ‬
‫الشيخ حممد عابد ِّ‬
‫يف العلم والعمل‪ ،‬فمن ذلك قيامه برتتيب «مسند اإلمام َّ‬
‫الشافعي» واختصاره وهتذيبه‬
‫للراحة واالستقاء‪ ،‬فقد قال يف ختام كتابه هذا‪:‬‬
‫السفر‪ ،‬وأوقات نزوله َّ‬
‫يف طريق َّ‬
‫وكان الُّش�رُّ وع يف مجع�ه يف ش�هر ذي القعدة س�نة (‪1229‬هـ)‪ ،‬بع�د ما ركبت يف‬
‫احلج‪ ،‬وكان متامه والف�راغ منه بعد العرص‪ ،‬ي�وم اخلميس‪ ،‬ليلة عرشين‬
‫س�اعية لس�فر ِّ‬
‫األول س�نة (‪1230‬هـ)‪ ،‬وذلك عند رجوعي من أرض احلرمني يف مس�جد‬
‫من ربيع َّ‬
‫للراحة‬ ‫القنف�ذة وجامعه�ا‪ ،‬وما كان يمكنني كتابته إلاَّ يف َّ‬
‫الس�واقي واملن�ازل (النُّزول َّ‬
‫واستسقاء الـمـاء)‪.‬‬
‫الس�فر‪ ،‬ما‬
‫للراحة يف طريق َّ‬
‫العلم�ي أوقات نزول�ه َّ‬
‫ِّ‬ ‫ونح�و هذا اخلرب عن نش�اطه‬
‫نسخة ِّ‬
‫بخط يده من كتاب «لسان امليزان» للحافظ‬ ‫ٍ‬ ‫األول من‬
‫سجله هو يف هناية اجلزء َّ‬
‫َّ‬

‫(‪« )1‬في�ض املل�ك الوه�اب املتعايل بأنب�اء أوائل الق�رن الثالث عرش والتوايل» للش�يخ عبد الس�تار عبد‬
‫الوهاب البكري الصديقي اهلندي املكي احلنفي (‪.)927/2‬‬

‫الش�يخ حمم�د عاب�د الس�ندي ببل�دة س�يون من بلاد الس�ند ‪ -‬وهي يف باكس�تان اآلن ‪ -‬س�نة‬ ‫(‪ )2‬ول�د َّ‬
‫(‪1190‬ه�ـ)‪ ،‬تلقى العل�م عن جده ووالده وعمه إذ كان من أرسة معروف�ة بالعلم‪ .‬رحل يف طلب العلم‬
‫إىل اليمن واحلجاز ومرص‪ ،‬واستقر به املقام يف املدينة‪ .‬كان معروف ًا بالعلم والزهد والورع وحسن اخللق‪.‬‬
‫وكان له ولع شديد بالكتب ح َّتى مجع مكتبة نادرة قلـمـا توجد عند أحد‪ .‬تويف سنة (‪1257‬هـ)‪« .‬اإلمام‬
‫الشيخ حممد عابد السندي» بقلم سائد بكداش‪.‬‬ ‫الفقيه َّ‬

‫‪15‬‬
‫ابن حجر العسقالين حيث قال‪:‬‬
‫األول يف ‪ 28‬شعبان سنة (‪1251‬هـ)‪ ،‬ونحن نازلون بمستورة‪ ،‬شادون‬
‫تم اجلزء َّ‬
‫َّ‬
‫إىل رابغ لالعتامر يف رمضان ‪ -‬إن شاء اهلل تعاىل ‪ ،-‬ويتلوه اجلزء ال َّثاين‪.‬‬
‫العلم�ي يف نرشه للعلم‪ ،‬وتدريس�ه وإقرائه‪ ،‬أنَّ�ه كان يدرس باحلرم‬
‫ِّ‬ ‫ومن نش�اطه‬
‫الس ِّيد الكتَّاين يف‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬
‫عجيب‪ ،‬فمن ذلك ما حكاه َّ‬ ‫وصرب‬ ‫ومثابرة‬ ‫باس�تمرار‬ ‫َّبوي‬
‫املك ِِّّي والن ِّ‬
‫«فهرس الفهارس» حيث قال‪:‬‬
‫املنورة‪ ،‬مثابر ًا عىل إقراء كتب ُّ‬
‫الس�نَّة‪ ،‬حتَّى إنَّه كان خيتم‬ ‫ف�كان م�دَّ ة مقامه باملدينة َّ‬
‫الس ِّيد أبو جيدة بن عبد الكبري‬ ‫ٍ‬
‫أش�هر‪ ،‬بل حدَّ ث املسند اخلطيب َّ‬ ‫الس�تَّة يف ستَّة‬
‫الكتب ِّ‬
‫الش�يخ حس�ن احللواين املدين أنَّه س�مع عىل‬ ‫املعمر العلاَّ مة َّ‬
‫الف�ايس إنَّ�ه حدَّ ثه ش�يخه َّ‬
‫الصرب‬ ‫ٍ‬
‫أشهر‪ ،‬وهذا َّ‬ ‫الستَّة يف ٍ‬
‫شهر‪ ،‬وأخذها عنه دراي ًة يف ستَّة‬ ‫الشيخ حممد عابد الكتب ِّ‬ ‫َّ‬
‫عجيب عن ِّ‬
‫املتأخرين(‪.)1‬‬ ‫ٌ‬
‫*‬ ‫*‬ ‫*‬
‫الش�يخ حمم�د هبج�ة األث�ري ‪ -‬رمح�ه اهلل ‪ :-‬كان العلاَّ م�ة حممود ش�كري‬
‫يق�ول َّ‬
‫األلويس ‪ -‬رمحه اهلل ‪ )2(-‬بعيد ًا عن التَّأنُّق يف امللبس واملأكل‪ ،‬وقد سئل يف ذلك‪ ،‬فقال‪:‬‬
‫إنَّن�ي أقنع بام يف يدي يقع‪َّ .‬‬
‫وإن رائيه ليحس�به – لوال ما علي�ه من نور التَّقوى وجالل‬
‫افعي يف نفسه‪:‬‬ ‫العلم – من سائر النَّاس‪ ،‬ولكن حاله يقول نحو ما قاله اإلمام َّ‬
‫الش ُّ‬

‫(‪« )1‬اإلمام الفقيه َّ‬


‫الشيخ حممد عابد السندي» ص ‪ 312 ،213 ،211‬بقلم سائد بكداش‪.‬‬

‫(‪ )2‬ولد السيد حممود شكري بن عبد اهلل األلويس ‪ -‬رمحه اهلل ‪ -‬سنة (‪1217‬هـ) يف أرسة تعد من أشهر‬
‫األرس العلمية يف بغداد‪ ،‬فقرأ عىل والده‪ .‬عرف بسعة علمه‪ ،‬وفصاحته‪ ،‬وقد تقلبت به الدنيا ح َّتى صار من‬
‫كبار الوجهاء‪ .‬صنف العديد من املصنفات‪ ،‬ومنها تفسيره الش�هري «روح املعاين يف تفسري القرآن العظيم‬
‫والسبع املثاين»‪ ،‬تويف سنة (‪1270‬هـ)‪« .‬أعالم العراق» ملحمد هبجة األثري (ص ‪.)25‬‬

‫‪16‬‬
‫أكثرا‬
‫منهن َ‬
‫َّ‬ ‫بِ َف ْل ٍ‬
‫س لكان ال َفلس‬ ‫ثي�اب ل�و ُيب�اع مجيعه�ا‬
‫ٌ‬ ‫علي‬
‫َّ‬
‫وأكربا‬
‫َ‬ ‫ُفوس الورى كانت أع َّز‬
‫ن ُ‬ ‫نف�س لو تق�اس بمثلها‬
‫وفيه�ن ٌ‬
‫َّ‬
‫وكان يعترب الوقت ثمين ًا ال ُيض ِّيع منه ش�يئ ًا أبد ًا‪ ،‬ينهض إىل املدرس�ة مبكر ًا‪ ،‬فإذا‬
‫آيات م�ن القرآن احلكيم‪،‬‬‫تأخ�ر ال ُّطلاَّ ب ع�ن الوقت املعلوم طالع أو نس�خ أو حفظ ٍ‬ ‫َّ‬
‫وق�د متكَّن من اختالس مثل هذه الفرص أن حيفظ نحو ثلثيه‪ .‬وكذلك كان يفعل بعد‬
‫الف�راغ م�ن التَّدريس إىل أن حيني وقت ال ُّظهر فيقفل إىل الدَّ ار‪َّ ،‬‬
‫ثم يذهب إىل املدرس�ة‬
‫الزائرين‪،‬‬ ‫ال َّثاني�ة في�درس إىل ما بعد العرص‪َّ ،‬‬
‫ثم يعود إىل ال�دَّ ار‪ ،‬فإ َّما أن جيلس لبعض َّ‬
‫وإ َّما أن يعود إىل مثل عمله حتَّى العشاء فيصليِّ وينام ًّتوا‪.‬‬
‫فإذا كان ثلث ال َّليل األخري انتبه‪ ،‬فإ َّما أن َّ‬
‫يتهجد نافل ًة له‪ ،‬وإ َّما أن يكتب أو يطالع‬
‫وه ُل َّم َج ًّرا‪.‬‬ ‫إىل قبيل طلوع َّ‬
‫الشمس فيذهب إىل املدرسة َ‬
‫للزائرين صباح ِّ‬
‫كل مجعة وثالثاء‪ ،‬حيث ال درس يف هذين اليومني‪،‬‬ ‫وكان جيل�س َّ‬
‫وق َّلام يقبل فيام عدا ذلك زائر ًا‪ ،‬وكان ال ينقطع عن التَّدريس أبد ًا‪.‬‬
‫ِ‬
‫غزي�ر املطر كثير الوحل عن‬ ‫الريح‬ ‫ِ‬ ‫ٍ‬ ‫وأذك�ر أنَّن�ي انقطع�ت يف ي�و ٍم‬
‫مزعج ش�ديد ِّ‬
‫فلـمـا ش�خصت إىل الدَّ رس يف اليوم ال َّثاين صار‬
‫احلضور ظنًّا منِّي أنَّه ال حيرض أيض ًا‪َّ ،‬‬
‫ينشد بلهجة غضبان‪:‬‬
‫الـحـر والـبـرد‬
‫ُّ‬ ‫وال خـيـر فيمن عاقـه‬
‫وكان ش�ديد ال َّثب�ات‪َ ،‬ج ْلد ًا عىل البح�ث والتَّنقيب والنَّس�خ واملطالعة‪ ،‬ال تعرف‬
‫الغد ما اس�تطاع‪ ،‬وال يفرغ من ٍ‬
‫عمل‬ ‫عمل اليو ِم إىل ِ‬
‫يؤخ�ر َ‬ ‫مهت�ه امللل وال الكس�ل‪ ،‬ال ِّ‬‫َّ‬
‫حتَّى يرشع يف آخر‪ ،‬وإذا استحسن كتاب ًا عاود مطالعته ولو كان مـج َّل ٍ‬
‫دات‪ ،‬وما ظنُّك‬ ‫ُ‬
‫اإلفريق�ي وهو يف عرشين‬
‫ِّ‬ ‫غ�وي البن منظور‬
‫َّ‬ ‫بم�ن يتناول «لس�ان العرب» املعجم ال ُّل‬
‫ٍ‬ ‫جملد ًا فيدرس�ه من مبتداه إىل منتهاه ثالث مر ٍ‬
‫مغادر منه حرف ًا! َّ‬
‫ثم ما تقول فيمن‬ ‫ات غري‬ ‫َّ‬

‫‪17‬‬
‫ويصححه يف َّ‬
‫أقل من أس�بو ٍع عىل وفرة أشغاله وكرب‬ ‫ِّ‬ ‫ينس�خ «ديوان البوصريي» وأمثاله‬
‫ٍ‬
‫تسويد؟‬ ‫سنِّه وتناوب أمراضه‪ ،‬بل يؤ ِّلف يف شهر كتاب ًا يف سبعني كراس ًة بياض ًا من دون‬

‫وقوة اإلرادة بلغ ‪ -‬رمحه اهلل ‪َ -‬ش ْأو ًا تقرص دون بلوغهم األبطال‪،‬‬
‫بمثل هذا املضاء َّ‬

‫فيحق له وملن كان له مضاؤه أن ينشد‪:‬‬


‫الرجال‪ُّ ،‬‬
‫ونال من املجد ما ال يكاد ُيش ِّيده ألوف ِّ‬

‫مس�تفل وآخ�ر ِ‬
‫راق؟‬ ‫ٍ‬ ‫ك�م بين‬ ‫�ن حي�اول باألم�اين ُرتْبت�ي‬
‫ي�ا َم ْ‬
‫نوم� ًا وتبغ�ي بع�د ذاك َلـح ِ‬
‫اقي‬ ‫أأبي�ت س�هران الدُّ ج�ى وتبيت�ه‬
‫َ‬

‫الرتبة باألماين‪ ،‬وال يبلغ ذلك َّ‬


‫الشأو بالكسل والتَّواين‪.‬‬ ‫ال واهلل‪ ،‬ال تدرك ُّ‬

‫وكان يف آخ�ر أم�ره ال جيتبي تلميذ ًا ما مل يعجم ع�وده‪ ،‬ويثق من أدبه وذكائه؛ ألنَّه‬

‫رأى م�ن بعض األذن�اب ا َّلذين َّ‬


‫خرجهم وجعلهم بفضل�ه يف ُّ‬
‫الذؤابة ما مل يكن ليأمله‬

‫من رضوب اإلساءات وسوء املنقلب‪ ،‬والعياذ باهلل‪:‬‬


‫الس�يف يف موض�ع النَّدى‬
‫مضر كوض�ع َّ‬
‫ٌّ‬ ‫الس�يف بالعىل‬
‫ووض�ع النَّ�دى يف موضع َّ‬

‫ولـمـ�ا حاول�ت االتِّص�ال ب�ه واألخ�ذ عن�ه ك َّلفني نس�خ كتاب «نقض أس�اس‬
‫َّ‬

‫التقديس» لإلمام شيخ اإلسالم تقي الدين بن تيمية ‪ -‬رمحه اهلل ‪ ،-‬وكان وقد استكتب‬

‫منه نحو جم َّلدين كبريين وجدمها يف َّ‬


‫الش�ام وغريه�ا‪ ،‬وإنَّام أراد بذلك اختبار مقدوريت‬

‫وفهمي والتَّح ُّقق من اخلراج عنِّي‪ ،‬حتَّى إذا ما وثق منِّي أمرين بحضور الدَّ رس‪ ،‬وبذل‬

‫‪18‬‬
‫من العناية بتعليمي وتدريبي ما أنا عن شكره ووفائه عاجز(‪.)1‬‬

‫*‬ ‫*‬ ‫*‬


‫الشيخ خليل» يف مذهب‬‫الشيخ أمحد كبوة العدوي ‪ -‬رمحه اهلل ‪« )2(-‬خمترص َّ‬
‫درس َّ‬ ‫ّ‬
‫مر ٍة س�نتني‪ ،‬وك�ذا «رشح اخلريش» عليه يف‬ ‫مر ٍة‪ُّ ،‬‬
‫كل َّ‬ ‫مال�ك بع�د املغرب نحو عرشين َّ‬
‫الغداة‪ ،‬فكان هذا دأبه دائ ًام (‪.)3‬‬
‫*‬ ‫*‬ ‫*‬
‫الشيخ محد بن عيل بن عتيق ‪ -‬رمحه اهلل ‪ :)4(-‬قال ابن حفيده َّ‬
‫الشيخ‬ ‫جاء يف ترمجة َّ‬
‫إبراهيم بن سعد بن إسامعيل ابن َّ‬
‫الشيخ محد‪ :‬وقد حكي أنَّه منذ قدومه مل يطفأ رساجه‬
‫ليالً‪ ،‬فقد كان منك ًّبا عىل التَّحصيل وطلب العلم(‪.)5‬‬
‫*‬ ‫*‬ ‫*‬

‫(‪« )1‬أعالم العراق» ملحمد هبجة األثري (ص ‪.)118‬‬

‫(‪ )2‬ولد َّ‬


‫الشيخ أمحد كبوة العدوي الـمـالكي ‪ -‬رمحه اهلل ‪ -‬يف منفلوط بمديرية أسيوط يف مرص‪ .‬قرأ عىل‬
‫علـمـاء بلده‪ ،‬واش�تغل بتدريس فقه اإلمام مالك‪ ،‬وتوىل مشيخة رواق الصعايدة سنة (‪1266‬هـ)‪ .‬تويف‬
‫سنة (‪1284‬هـ)‪.‬‬

‫(‪« )3‬في�ض املل�ك الوه�اب املتعايل بأنب�اء أوائل الق�رن الثالث عرش والتوايل» للش�يخ عبد الس�تار عبد‬
‫الوهاب البكري الصديقي اهلندي املكي احلنفي (‪.)307/1‬‬

‫الش�يخ مح�د بن عيل بن عتيق يف الزلفي س�نة (‪1227‬ه�ـ)‪ ،‬رحل إىل الرياض فقرأ عىل َّ‬
‫الش�يخ‬ ‫(‪ )4‬ول�د َّ‬
‫العالمة عبد الرمحن بن حس�ن وابنه َّ‬
‫الش�يخ عبد اللطيف رمحهم اهلل‪ ،‬ح َّتى ص�ار من كبار العلـمـاء‪ .‬وقد‬
‫ويل القضاء يف اخلرج وبلدة احللوة واألفالج‪ .‬وقد جلس لنرش العلم فاستفاد منه الطالب‪ .‬تويف باألفالج‬
‫سنة (‪1301‬هـ)‪« .‬علـمـاء نجد»‪.‬‬

‫(‪« )5‬علـمـاء وقضاة احللوة» (ص ‪ )12‬خلالد بن زيد العقييل‪.‬‬

‫‪19‬‬
‫نقل الدُّ كتور اجتباء النَّدوي‪ ،‬عن ش�اهد عيان بقرص األمري صديق حس�ن خان ‪-‬‬
‫إن األمري صديق حس�ن خان‪ ،‬كان يؤ ِّل�ف جزء ًا واحد ًا َّ‬
‫كل يو ٍم‪،‬‬ ‫رمح�ه اهلل ‪ )1( -‬قوله‪َّ :‬‬
‫ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫وإن ذهب إىل ٍ‬
‫يتنحى ويشتغل بالتَّأليف يف‬ ‫وتأخر ال َّطعام فإنَّه َّ‬
‫حفلة َّ‬ ‫مناس�بة أو‬ ‫أحد يف‬
‫املكان نفسه‪.‬‬
‫خاصا ببعض مؤ َّلفاته‪،‬‬
‫وذكر صديق حسن خان يف كتابه «رياض املرتاض» فهرس ًا ًّ‬
‫دونه‪:‬‬
‫مني‪ ،‬ننقله هنا كام َّ‬
‫الز ِّ‬
‫ومقدار تأليفها َّ‬
‫ٍ‬
‫أشهر‪ ،‬وطبع ببهوبال‪.‬‬ ‫كتاب «أبجد العلوم» بال ُّلغة العرب َّية‪ ،‬مدَّ ة تأليفه أربعة‬
‫كتاب «إحتاف النبالء» بال ُّلغة الفارس َّية‪ ،‬مدَّ ة تأليفه ٌ‬
‫شهر واحدٌ ‪ ،‬وطبع بكانبور‪.‬‬
‫كتاب «التاج املكلل» بال ُّلغة العرب َّية‪ ،‬مدَّ ة تأليفه ٌ‬
‫شهر وعرشة أ َّيا ٍم‪ ،‬وطبع ببهوبال‪.‬‬
‫أسبوع واحدٌ ‪ ،‬وطبع بكانبور‪.‬‬
‫ٌ‬ ‫كتاب «رحلة الصديق» بال ُّلغة العرب َّية‪ ،‬مدَّ ة تأليفه‬
‫كتاب «الروضة الندية» بال ُّلغة العرب َّية‪ ،‬مدَّ ة تأليفه مخسة عرش يوم ًا‪ ،‬وطبع بمرص‪.‬‬

‫(‪ )1‬ولد َّ‬


‫الش�يخ صديق حس�ن خان ‪ -‬رمحه اهلل ‪ -‬يف بلدة (برييل) باهلند يوم األحد التاسع عرش من شهر‬
‫مجادى األول لعام (‪1248‬هـ)‪ ،‬عالمة أصويل حمدث مفرس‪ ،‬ينتهي نسبه إىل اإلمام احلسني بن عيل بن أيب‬
‫الش�يخ صديق يف بلدة قنوج يتي ًام حيث فقد والده وعمره س�ت س�نوات‪ ،‬وكان الفقر حميط ًا‬
‫طالب‪ ،‬نش�أ َّ‬
‫بأرسته‪ ،‬وقد تولت أمه رعايته‪ .‬تويف يف ليلة التاسع والعرشين من مجادى اآلخر سنة (‪1307‬هـ)‪.‬‬

‫‪20‬‬
‫كتاب «مسك اخلتام» بال ُّلغة الفارس َّية‪ ،‬مدَّ ة تأليفه شهران‪ ،‬وطبع بكانبور‪.‬‬
‫كت�اب «فتح البي�ان» (‪ )10‬أجزاء‪ ،‬بال ُّلغة العرب َّية‪ ،‬مدَّ ة تأليفه س�ن ٌة واحدةٌ‪ ،‬وطبع‬
‫بالقسطنطين َّية‪.‬‬
‫كتاب «البلغة» بال ُّلغة العرب َّية‪ ،‬مدَّ ة تأليفه (‪ )22‬يوم ًا‪ ،‬وطبع بالقسطنطين َّية‪.‬‬
‫كت�اب «حص�ول املأم�ول» بال ُّلغ�ة العرب َّي�ة‪ ،‬م�دَّ ة تأليف�ه (‪ )26‬يوم� ًا‪ ،‬وطب�ع‬
‫بالقسطنطين َّية‪.‬‬
‫كتاب «ذخر املحب» بال ُّلغة العرب َّية‪ ،‬مدَّ ة تأليفه (‪ )12‬يوم ًا‪ ،‬وطبع ببهوبال(‪.)1‬‬
‫*‬ ‫*‬ ‫*‬
‫متوس�ط ٌة‬
‫للش�يخ حممد بن أمحد الرغاي ‪ -‬رمحه اهلل ‪ -‬يف أوائل أمره خزان ٌة ِّ‬
‫(‪)2‬‬
‫كان َّ‬
‫ِّ‬
‫بخ�ط يده‪ ،‬وكان ل�ه اعتنا ٌء ت�ا ٌّم بمقابلة ما‬ ‫ٍ‬
‫وغري�ب‪ ،‬وج ُّلها‬ ‫ٍ‬
‫حس�ن‬ ‫مش�تمل ٌة عىل ِّ‬
‫كل‬
‫كتاب بخ ِّطه‬
‫يستنس�خه وإصالح ما عس�ى أن يوجد فيه من الغلط‪ ،‬فلذل�ك ال يوجد ٌ‬
‫إلاَّ يف غاية ِّ‬
‫الص َّحة‪.‬‬
‫توجه جلمع الكتب‪ ،‬فكان يك ِّلف َم ْن يكتب له بمرص‬
‫ثم لـمـا بسطت عليه الدُّ نيا َّ‬
‫َّ‬
‫َّ‬
‫والش�ام‪ ،‬بل وبالد اهلند‪ ،‬فيأتيه من ذلك العدد الكثري حتَّى صارت خزانته يرضب هبا‬
‫املثل‪.‬‬
‫وبعد وفاته ‪ -‬رمحه اهلل ‪ -‬بيع البعض من كتبه‪ ،‬فال جتد أحد ًا من ال َّطلبة إلاَّ وعنده‬
‫عد ٌد منها‪.‬‬
‫ٍ‬
‫واحد‪ ،‬كان اس�تحرضها حيث كان‬ ‫خاص عىل ٍ‬
‫نس�ق‬ ‫ٍ‬
‫بتجليد‬ ‫وكانت كتبه متميز ًة‬
‫ٍّ‬
‫الس�لطان َّية‪ ،‬خَّ‬
‫واتذ عدَّ ة من املجلدين معه يف منزله هناك مدَّ ًة‬ ‫بفاس يف بعض اخلدمات ُّ‬

‫(‪« )1‬النهضة اإلسالمية يف سري أعالمها املعارصين» للدكتور حممد رجب البيومي (‪.)122/4‬‬

‫(‪ )2‬حممد بن أمحد الرغاي‪ ،‬شاعر مليح النادرة من أهل الرباط يف املغرب‪ .‬تويف سنة (‪1315‬هـ)‪.‬‬

‫‪21‬‬
‫ت�م أمره�ا وفق ما أراد‪ ،‬فتم َّي�زت بذلك عن غريها بحي�ث َّأول ما يرى‬
‫مدي�د ًة إىل أن َّ‬
‫كتابه يقال‪ :‬هذا من كتب الفقيه الرغاي؛ ألنَّه يكتب عىل ٍّ‬
‫كل منها اسم الكتاب بخ ِّطه‬
‫املشهور(‪.)1‬‬
‫*‬ ‫*‬ ‫*‬

‫ق�ال َّ‬
‫الش�يخ مج�ال الدي�ن القاس�مي ‪ -‬رمح�ه اهلل ‪ )2(-‬عن نفس�ه ‪ :-‬وق�د اتَّفق يل‬
‫‪ -‬بحم�ده تع�اىل ‪ -‬قراءة «صحيح مس�لم» بتاممه رواي� ًة ودراي� ًة يف أربعني يوم ًا‪،‬‬
‫وقراءة «س�نن ابن ماجه» كذل�ك يف واحد وعرشين يوم ًا‪ ،‬وق�راءة «املوطأ» كذلك يف‬
‫تس�عة عرش يوم ًا‪ ،‬وقراءة «تقريب التهذيب» مع تصحيح س�هو القلم فيه وحتش�يته يف‬

‫(‪« )1‬االغتب�اط برتاج�م علـمـ�اء الرباط ومقدمة الفتح م�ن تاريخ الرباط» أليب عب�د اهلل حممد بن احلاج‬
‫مصطفى بو جندار الرباطي‪.‬‬

‫الشيخ حممد مجال الدين القاسمي بدمشق سنة (‪1283‬هـ)‪ ،‬نشأ يف بيت عرف بالعلم والتقوى‪،‬‬ ‫(‪ )2‬ولد َّ‬
‫فأب�وه وجدُّ ه من صلحاء الش�ام وعلـمـائها‪ .‬أخ�ذ العلم عن علـمـاء بلده‪ .‬ت�وىل اإلمامة يف أحد جوامع‬
‫دمش�ق‪ .‬ودرس فيه كتب الس�نة والوعظ‪ .‬ألف عدة مؤلفات أش�هرها كتابه يف التفسري «حماسن التأويل»‪،‬‬
‫وقد قىض يف تأليفه س�ت عرشة س�نة‪ .‬تويف سنة (‪1332‬هـ)‪« .‬الرس�ائل املتبادلة بني مجال الدين القاسمي‬
‫وحممود شكري األلويس» ملحمد بن نارص العجمي‪.‬‬

‫‪22‬‬
‫نحو عرشة أ َّيا ٍم‪ ،‬فدع عنك الكس�ل واحرص عىل ِ‬
‫عزيز وقتك بدرس العلم وإحس�ان‬
‫العمل(‪.)1‬‬
‫*‬ ‫*‬ ‫*‬
‫القصة يف كتابه «املحدث األكرب‬ ‫أورد العلاَّ مة َّ‬
‫الش�يخ حممد صالح الفرفور‪ ،‬ه�ذه َّ‬
‫كام عرفته»‪ ،‬فقال‪ :‬أوقع بعض املفرتين بني َّ‬
‫الشيخ بدر الدين ‪ -‬رمحه اهلل ‪ -‬وبني العامل‬
‫الر َّزاق البيطار ‪ -‬رمحه اهلل ‪ ،)2(-‬وكانا متعارصين (واملعارصة‬ ‫املؤرخ الكبري َّ‬
‫الشيخ عبد َّ‬ ‫ِّ‬
‫ص من‬ ‫الش�يخ بدر الدي�ن ‪ ،‬وكتب كتاب ًا في�ه َتنَ ُّق ٌ‬ ‫الش�يخ البيطار عىل َّ‬‫حرم�ان)‪ ،‬فتغيرَّ َّ‬
‫الشيخ بدر الدين‬ ‫أن َّ‬ ‫توهم َّ‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫َّ‬
‫الش�يخ بقصيدة نظمها‪ ،‬وأرسله مع سفيه من سفهاء ح ِّيه‪َّ ،‬‬
‫الشيخ مل يصدر عنه‬ ‫أن َّ‬ ‫واحلق َّ‬
‫ُّ‬ ‫الشيخ البيطار ما يشري إىل التَّن ُّقص منه‪،‬‬
‫حق َّ‬ ‫صدر عنه يف ِّ‬
‫يتصور منه ذلك؛ ألنَّه ما كان يرىض بالغيبة يف مـجلس�ه‪ ،‬فكيف‬
‫َّ‬ ‫يش ٌء م�ن ذل�ك‪ ،‬وال‬
‫بأن تصدر عنه؟!‬
‫الس�عاية والنَّميم�ة ممَّن يكيدون َّ‬
‫للش�يخني اجلليلني ممَّا ال ت�كاد ختلو عنه‬ ‫ولكنَّه�ا ِّ‬
‫جمالس النَّاس‪.‬‬
‫حق َّ‬
‫الش�يخ فقام‬ ‫أن بعض طلاَّ ب َّ‬
‫الش�يخ بدر الدين س�مع اإلس�اءة يف ِّ‬ ‫وال َّظاهر َّ‬
‫للس�فيه حامل املكتوب وعنَّفه ورضبه‪ ،‬فأعطاهم مكتوب َّ‬
‫الشيخ البيطار‪ ،‬فقرأه ذلك‬ ‫َّ‬
‫للش�يخ بدر الدين‪ ،‬فاش�تدَّ غضبه‪ ،‬وأراد أن ينتقم لش�يخه‪ ،‬فيذهب َّ‬
‫للش�يخ‬ ‫التَّلمي�ذ َّ‬
‫البيطار فيو ِّبخه عىل فعلته ذلك‪.‬‬

‫(‪« )1‬الرس�ائل املتبادلة بني مجال الدين القاس�مي وحممود ش�كري األلويس» (ص ‪ )19‬ملحمد بن نارص‬
‫العجمي‪.‬‬

‫الش�يخ عبد الرزاق بن حس�ن بن إبراهيم بن حس�ن بن حممد بن حسن البيطار الدمشقي يف حملة‬ ‫(‪ )2‬ولد َّ‬
‫امليدان من دمش�ق الش�ام س�نة (‪1253‬هـ)‪ ،‬ومنذ نعومة أظف�اره تع َّلم القراءة والكتاب�ة‪َّ ،‬‬
‫ثم حفظ القرآن‬
‫ثم حفظ املتون يف مبادئ العلوم‪ .‬تويف سنة (‪1335‬هـ)‪.‬‬ ‫وجوده‪َّ ،‬‬
‫الكريم َّ‬

‫‪23‬‬
‫الش�يخ حممد بدر الدين الغوغاء‪ ،‬فسأل عن س�ببها‪ ،‬فأخربوه بأمر مكتوب‬ ‫س�مع َّ‬
‫الش�يخ ج َّبت�ه‪ ،‬وأخذ مع بعض طلاَّ به وس�ار إىل‬
‫ال�ر َّزاق البيطار‪ ،‬فلبس َّ‬ ‫َّ‬
‫الش�يخ عب�د َّ‬
‫امليدان يؤ ُّم دار َّ‬
‫الشيخ عبد الرزاق البيطار‪.‬‬
‫الش�يخ البيطار بمجيء َّ‬
‫الش�يخ حممد بدر الدين هند الستقباله‪ ،‬وما‬ ‫فلـمـا س�مع َّ‬
‫وسعه إلاَّ أن خرج إىل ال َّطريق فعانقه‪ ،‬وكذا َّ‬
‫الشيخ البدر عانقه‪ ،‬وجلسا مع ًا كأخوين‪،‬‬
‫كل ما جرى‪ ،‬ووضع ال َّطعام فأكال سو ًّيا‪ ،‬وصفا قلبهام‪ ،‬وازدادت املح َّبة واملو َّدة‬ ‫ونسيا َّ‬
‫الشيخ البدر وو َّدع ٌّ‬
‫كل منهام اآلخر‪ ،‬وطلب الدُّ عاء منه‪.‬‬ ‫ثم قام َّ‬
‫بينهام‪َّ ،‬‬
‫الشيخ البدر عند َّ‬
‫الشيخ البيطار‪،‬‬ ‫ورجع شيخنا إىل دار احلديث‪ ،‬وقد علت منزلة َّ‬
‫الش�يخ البيطار قصيد ًة عصامء يمدح فيها َّ‬
‫الش�يخ حممد بدر الدين‪ ،‬ويشهد بسعة‬ ‫فنظم َّ‬
‫علم�ه‪ ،‬وم�كارم أخالق�ه‪ ،‬وهي إىل اآلن عند حفيده َّ‬
‫الش�يخ األس�تاذ الفاضل س�ليل‬
‫الس ِّيد فخر الدين احلسني ‪ -‬حفظه اهلل ‪.)1(-‬‬
‫األجماد َّ‬
‫*‬ ‫*‬ ‫*‬
‫الش�يخ عبد احلي احلس�ني ‪ -‬رمحه اهلل ‪ )2(-‬حريص ًا عىل مجع الكتب النَّفيس�ة‪،‬‬
‫كان َّ‬
‫يقبل هدايا الكتب‪ ،‬وقد باع داره التي كانت عىل جرس فرنكي حمل‪ ،‬واشرتى «حاشية‬
‫الطحطاوي عىل الدُّ ِّر املختار» بستني روبية (‪.)3‬‬
‫*‬ ‫*‬ ‫*‬

‫(‪« )1‬صفحات مرشقة من تاريخ أعالم األمة » لعبده عيل كوشك (ص ‪.)648‬‬

‫(‪ )2‬ول�د َّ‬


‫الش�يخ عب�د احلي ب�ن فخر الدين ب�ن عبد العيل احلس�ني ‪ -‬رمح�ه اهلل ‪ -‬يف لكنهؤ يف اهلند س�نة‬
‫(‪1286‬ه�ـ)‪ ،‬يف أرسة خير وصلاح‪ .‬قرأ مبادئ العلوم عىل مش�ايخ بل�ده‪ ،‬ودرس الط�ب‪ ،‬وقرأ كتاب‬
‫«القان�ون» البن س�ينا‪ .‬كان من مؤسسي مجعية «ندوة العلـمـاء» وتوىل ش�ئوهنا‪ ،‬ث�م انقطع للطب‪ ،‬ونفع‬
‫الن�اس‪ .‬كان معروف ًا بالعلم ال س�يام يف التأريخ والطب‪ ،‬تويف س�نة (‪1341‬ه�ـ)‪« .‬اإلعالم بمن يف تاريخ‬
‫اهلند من األعالم»‪.‬‬

‫(‪« )3‬العالمة السيد عبد احلي احلسني» (ص ‪ )100‬تأليف الدكتور السيد قدرة اهلل احلسيني‪.‬‬

‫‪24‬‬
‫الش�يخ يوس�ف الياسين عن َّ‬
‫الش�يخ عبد اهلل ب�ن أمحد العجيري ‪ -‬رمحه اهلل‬ ‫قال َّ‬
‫‪ : -‬كان آي� ًة يف ِّ‬
‫الرواي�ة‪ ،‬ومن أعجب ما رويناه أنَّ�ه رافق جاللة امللك عبد العزيز يف‬ ‫(‪)1‬‬

‫رحلته األوىل يوم فتح احلجاز‪ ،‬وكان جاللته يسير عىل اإلبل‪ ،‬وكان يتلو عىل جاللته‬
‫ليلة ونحن عىل ظهور املطايا من كالم اهلل وحديث رسول اهلل ‪ ‬وكالم العرب‬ ‫كل ٍ‬ ‫َّ‬
‫ست‬ ‫والساعتني‪ ،‬وداوم عىل ذلك ما يقارب من ٍّ‬
‫الساعة َّ‬ ‫األولني وبعض ِّ‬
‫املتأخرين بني َّ‬ ‫َّ‬
‫وعرشين ليل ًة‪ ،‬مل ي ِعدْ علينا يف ٍ‬
‫ليلة ما ذكره يف سابقتها‪ ،‬وكان يتَّخذ ملحارضته موضوع ًا‬ ‫ُ‬
‫اخلاصة يبدأها بقوله مثالً‪( :‬فصل يف مكارم األخالق) فيتلو ما ورد عن‬‫َّ‬ ‫من املواضيع‬
‫ثم م�ا ذكرته العرب يف‬
‫ث�م يروي ما ورد عن رس�ول اهلل ‪َّ ،‬‬
‫ذل�ك م�ن كتاب اهلل‪َّ ،‬‬
‫كل ذلك عن ظهر ٍ‬
‫قلب بغري أن‬ ‫ٍ‬
‫منثور ومنظو ٍم‪ُّ ،‬‬ ‫أش�عارها وما تناقلته يف جمالس�ها من‬
‫يتبع يف ذلك كتاب ًا معين ًا‪.‬‬
‫قوي َّ‬
‫الذاك�رة‪ ،‬فقد يس�أل يف املجلس عن أحس�ن ما قالته‬ ‫وكان ح�ارض البدهي�ة َّ‬
‫أي موضو ٍع م�ن املواضيع‪ ،‬فيجيب يف غري تلعث ٍم‪ ،‬فيقول‪ :‬أحس�ن ما قالته‬
‫الع�رب يف ِّ‬
‫فالن‪ ،‬وأحسن من هذا ما ورد يف حديث رسول‬ ‫العرب يف هذا كذا‪ ،‬وأحسن منه قول ٍ‬

‫حديث‪ ،‬وإن كان فيه آي ٌة أوردها‪.‬‬


‫ٌ‬ ‫اهلل ‪ ،‬إن كان يف املوضوع‬
‫الصوت واإللق�اء‪ ،‬فامه ًا لـمـا‬
‫وخالص�ة الق�ول أنَّه كان راوي� ًة‪ ،‬حافظ ًا‪ ،‬حس�ن َّ‬
‫حيف�ظ‪ ،‬عالـمـ� ًا ب�أرسار معاين احلكم‪ ،‬خبير ًا بدقائق فن�ون البالغ�ة وبدقائق النُّكت‬
‫الن َّْحو َّية ممَّا ال يفطن له إلاَّ عامل ٌ ٌ‬
‫خبري‪.‬‬
‫ذكر لنا َّ‬
‫أن أكثر حتصيله كان بسبب عكوفه عىل الدَّ رس واملطالعة بنفسه‪ ،‬وقد آتاه‬

‫الش�يخ عب�داهلل بن أمح�د العجريي يف حوطة ب�ن متيم حوايل س�نة (‪1285‬هـ)‪ ،‬فحف�ظ القرآن‬ ‫(‪ )1‬ول�د َّ‬
‫ثم رصفته مهت�ه ملطالعة الكتب‪ ،‬فحفظ اليشء الكثري من املراجع يف ش�تى العلوم ح َّتى صار من‬
‫الكري�م‪َّ ،‬‬
‫أوعية العلم‪ ،‬وحفاظ التاريخ‪ ،‬ورواة األدب‪ .‬تويف سنة (‪1352‬هـ)‪« .‬علـمـاء نجد» (‪.)23/4‬‬

‫‪25‬‬
‫والذاكرة ما ساعده عىل النُّبوغ يف فنِّه ا َّلذي مل َنر له ندًّ ا فيه بني‬
‫اهلل تعاىل من قويت احلافظة َّ‬

‫بالسند‪،‬‬ ‫الذين عرفناهم من احل َّفاظ ُّ‬


‫والرواة‪ ،‬كان حيفظ القرآن الكريم وكتب احلديث َّ‬
‫الس َّيام «مسند اإلمام أمحد»‪ ،‬وكان حيفظ من كتب األدب‪« :‬أدب الكاتب» و«األغاين»‬
‫ٍ‬
‫خمتلفة ال حيىص‬ ‫ٍ‬
‫ش�عر‬ ‫و«األم�ايل» و«البيان و التَّبيين» و «اآلداب الشرَّ ع َّية» ودواوين‬

‫عددها‪ ،‬حيفظ هذه الكتب بروايتها وسندها‪ ،‬وهناك كتب أخرى دين َّي ٌة وتارخي َّي ٌة وأدب َّي ٌة‬

‫يروي الكثري منها (‪.)1‬‬

‫*‬ ‫*‬ ‫*‬

‫قال َّ‬
‫الشيخ الشققي ‪ -‬رمحه اهلل ‪ )2(-‬عن نفسه يف بدء تالوته وحفظه للقرآن الكريم‪:‬‬

‫الش�يخ عبد اهلل العكش‪ ،‬وكنت يسء احلفظ‪ ،‬وكان َّ‬


‫الشيخ‬ ‫ال أقرأ القرآن عىل َّ‬
‫كنت طف ً‬

‫يرضبني رضب ًا مربح ًا إلمهايل وسوء حفظي‪ ،‬حتَّى إنيِّ يوم ًا بكيت فيه كثري ًا‪ ،‬والتجأت‬
‫ٍ‬
‫قريب‬ ‫رب‪ ،‬إىل مت�ى هذه البالدة وس�وء احلف�ظ؟ وإذا بيو ٍم‬
‫إىل اهلل تع�اىل‪ ،‬وقل�ت‪ :‬ي�ا ِّ‬
‫ٍ‬
‫واحد‪ ،‬واحلمد هلل(‪.)3‬‬ ‫الصفحة من القرآن الكريم من ٍ‬
‫دور‬ ‫رصت فيه أحفظ َّ‬

‫*‬ ‫*‬ ‫*‬

‫(‪« )1‬علـمـاء نجد خالل ثامنية قرون» (‪.)23/4‬‬

‫(‪ )2‬ولد َّ‬


‫الشيخ حممد بويش بن عبد اهلل الشققي ‪ -‬رمحه اهلل ‪ -‬يف محاة سنة (‪1282‬هـ)‪ ،‬وحفظ القرآن منذ‬
‫صغره‪ ،‬ودرس العلوم األخرى‪ ،‬وأخذها ال َّناس عنه‪ .‬تويف سنة (‪1352‬هـ)‪.‬‬

‫(‪« )3‬إمت�اع الفضالء برتاجم القراء يف ما بعد القرن الثامن اهلجري» إللياس بن أمحد حسين بن س�ليامن‬
‫الربماوي (‪.)1111 4‬‬

‫‪26‬‬
‫انتقل َّ‬
‫الشيخ حممد عبد اهلل بن زيدان البوصادي الشنقيطي ‪ -‬رمحه اهلل ‪ )1(-‬إىل مرص‬
‫حوايل س�نة (‪1349‬هـ)‪ ،‬فتل َّقاه علـمـاؤها بالبشر والتَّقدير‪ ،‬ونزل يف املح َّلة الكربى‬
‫يف القاهرة‪ ،‬وبارش تدريس ال ُّلغة العرب َّية والفقه الـمـالكي يف األزهر الشرَّ يف‪ ،‬وألقى‬
‫ٍ‬
‫بطائفة من العلـمـاء يف مرص‪،‬‬ ‫مر ٍة‬ ‫ٍ‬
‫فيه عدَّ ة حمارضات يف مواضيع شتَّى‪ ،‬واجتمع ذات َّ‬
‫الش�ناقطة وجودة ش�عرهم‬ ‫واحد منهم بنفس�ه س�ألوه عن حفظ َّ‬ ‫ٍ‬ ‫عرف َّ‬
‫كل‬ ‫وبع�د م�ا َّ‬
‫وتبحرهم يف ال ُّلغة؟ فأجاهبم بقوله‪ :‬فأ َّما حفظهم فأبسط ٍ‬
‫دليل عليه أنيِّ أستطيع إعادة‬ ‫ُّ‬
‫ٍ‬
‫تبديل أو‬ ‫ثم رسدها هلم م�ن غري‬ ‫ذك�ر أسمائكم أمجعني أكتعني وال تس�تطيعون ذلك‪َّ ،‬‬
‫ثم أنشأ هلم قصيد ًة مدحي َّي ًة من ست ٍَّة ومخسني بيت ًا متحدِّ ي ًا هلم بفهمها يقول‬ ‫ٍ‬
‫حتريف فيها‪َّ ،‬‬
‫يف مطلعها‪:‬‬

‫تاليله�ا بي�ض وس�ود حنادس‬ ‫بطيب�ة أطلال عف�ون دوارس‬

‫إىل أن يقول‪:‬‬

‫وررضض ررضاض احلصا متشاوس‬ ‫وخي�م فضفاض ال�رداء م�رز َُّأ‬

‫وختمها بقوله‪:‬‬
‫(‪)2‬‬
‫وشتان شتان األضا واملقامس‬ ‫وهيهات هيهات املدى من مداهم‬

‫*‬ ‫*‬ ‫*‬

‫(‪ )1‬ولد الشيخ حممد عبد اهلل زيدان البوصادي الشنقيطي ‪ -‬رمحه اهلل ‪ -‬يف بالد شنقيط‪ ،‬وقرأ عىل علامئها‪،‬‬
‫وبرع يف العلوم‪ ،‬ورحل إىل احلرمني زمن األرشاف‪ .‬تويف يف القاهرة سنة ( ‪ 1353‬هـ)‪.‬‬

‫(‪« )2‬أعالم الشناقطة يف احلجاز واملرشق» لبحيد بن الشيخ يربان‪.‬‬

‫‪27‬‬
‫َّ‬
‫و«الش�اطب َّية»‬ ‫حف�ظ َّ‬
‫الش�يخ حممد بدر الدين احلس�ني ‪ -‬رمح�ه اهلل ‪« )1(-‬األلف َّية»‬
‫ثم أش�غله‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬
‫للعراقي وغريها يف اثني عرش ألف بيت يف فنون خمتلفة‪َّ ،‬‬ ‫ِّ‬ ‫و«ألف َّي�ة احلديث»‬
‫وإتقان‪ ،‬ومل يكم�ل ال َّثامنة عرشة من‬‫ٍ‬ ‫الش�يخ أبو اخلري اخلطيب بق�راءة رشوحها بفه ٍم‬
‫َّ‬
‫عمره حتَّى نبغ نبوغ ًا باهر ًا اس�تلفت إليه أنظار مش�اخيه‪ ،‬فأجازوه إجاز ًة عا َّم ًة وأذنوا له‬
‫بالتَّدريس‪ ،‬ورشح «غرامي صحيح» يف مصطلح احلديث ومل يكمل العرشين من عمره‪.‬‬
‫ٍ‬
‫صحيحة‪ ،‬وحفظ من األحاديث‬ ‫ٍ‬
‫وعزيمة‬ ‫هبم ٍة شَّم�اَّ ء‬
‫ثم أقبل عىل املطالعة بنفس�ه َّ‬
‫َّ‬
‫ومسلم بأسانيدمها‪.‬‬
‫ٌ‬ ‫البخاري‬
‫ُّ‬ ‫بأسانيدها ما شاء اهلل أن حيفظ‪ ،‬وممَّا حفظه‪:‬‬
‫ثم بدأ بالتَّأليف‪ ،‬فألف نحو ًا من أربعني كتاب ًا وسنُّه دون العرشين‪.‬‬
‫َّ‬
‫األموي النَّحو والصرَّ ف والبالغة واملنطق والفقه‬
‫ِّ‬ ‫ثم صار يقرئ ال َّطلبة يف اجلامع‬
‫َّ‬
‫وغريها‪ ،‬وقرأ درس� ًا عا ًّما بني العشاءين فاجتمع عليه اخللق الكثري‪ ،‬وتع َّطلت دروس‬
‫شعر أصالً‪ ،‬ولـمـا‬ ‫ٍ‬ ‫غريه من ُّ‬
‫الشيوخ لشدَّ ة فصاحته وإخالصه‪ ،‬ومل يكن يومئذ بوجهه ٌ‬

‫الشيخ حممد بدر الدين بن يوسف احلسني بدمشق سنة (‪1267‬هـ)‪ ،‬ونشأ يف حجر والده َّ‬
‫الشيخ‬ ‫(‪ )1‬ولد َّ‬
‫يوسف املغريب وهو من كبار علـمـاء املغاربة ا َّلذين استوطنوا الشام‪ ،‬درس عىل علـمـاء بلده‪ ،‬ورحل إىل‬
‫مرص وقرأ عىل علـمـائها‪ ،‬وقد بلغ يف العلم مبلغ ًا عظي ًام وهو دون الثالثني ح َّتى صار من أشهر العلـمـاء‬
‫«الشيخ حممد صالح الفرفوري» لعمر النشوقايت‪.‬‬ ‫وأوسعهم اطالع ًا‪ .‬تويف سنة (‪1354‬هـ)‪َّ .‬‬

‫‪28‬‬
‫أح�س بام أمل َّ بنفوس القوم ترك الدَّ رس واعتزل يف غرفته من املدرس�ة‪ ،‬ومل خيرج منها‬
‫َّ‬
‫أك�ب عىل املطالعة‬
‫َّ‬ ‫س�بع عرشة س�ن ًة‪ ،‬حتَّى يق�ال‪ :‬إنَّه ما كان ُي�رى أبد ًا‪ ،‬ويف هذه املدَّ ة‬
‫واحلفظ‪ ،‬وأقبل بك ِّلـ َّيته عىل علم احلديث حتَّى صار فيه َّ‬
‫احلجة البالغة‪.‬‬
‫ويف ه�ذه الفترة رحل إىل مرص‪ ،‬وأخذ هبا عن علـمـائها ال س� َّيام َّ‬
‫الش�يخ إبراهيم‬
‫الرواية واإلجازة‪.‬‬
‫السقا‪ ،‬وهو عمدته يف ِّ‬
‫َّ‬
‫السادات يف سوق ال َّطويل‬
‫ولـمـا جتاوز ال َّثالثني من عمره قرأ درس ًا عا ًّما يف جامع َّ‬
‫َّ‬
‫ع�ن ظهر ٍ‬
‫قلب من «صحيح البخاري»‪ ،‬فبهرت النَّاس فصاحته وتك ُّلمه عىل احلديث‬
‫والرياضيات‬
‫�ب ِّ‬‫الش�ام‪ ،‬مثل احلكم�ة وال ِّط ِّ‬
‫الواح�د م�ن علو ٍم ش�تَّى مل تع�رف بديار َّ‬
‫فلـمـا كثر اخللق عليه وضاق هبم اجلامع انتقل إىل جامع س�نان باش�ا‪ ،‬فكان‬
‫وغريها‪َّ ،‬‬
‫يق�رئ ليل�ة اجلمع�ة واإلثنني من بع�د املغرب إىل العش�اء‪ ،‬وجيتمع علي�ه األلوف من‬
‫النَّاس‪.‬‬
‫األموي من بعد صالة اجلمعة إىل العرص‪،‬‬
‫ِّ‬ ‫كام عقد يوم اجلمعة درس� ًا يف املس�جد‬
‫من أعجب الدُّ روس يف عرصه‪.‬‬
‫البخاري أو غريه من‬ ‫ٍ‬
‫بحدي�ث من‬ ‫وكان يفتتح درس�ه جاثي ًا عىل األرض‪ ،‬حيدِّ ث‬
‫ِّ‬
‫الشيخ احلديث من ٍ‬
‫طرق‬ ‫الستَّة ا َّلتي هي من حمفوظاته يف علم احلديث‪ ،‬فريوي َّ‬
‫الكتب ِّ‬
‫ثم يمي�ل إىل متن‬ ‫ٍ‬
‫خمتلف�ة‪ ،‬ويذك�ر درجت�ه ويبحث عن روات�ه ويرتجم هلم م�ا أمكن‪َّ ،‬‬
‫احلدي�ث فيرشح�ه رشح ًا وافي ًا‪ ،‬ويبينِّ م�ا فيه من األحكام الشرَّ ع َّي�ة مع بيان اختالف‬
‫ويق�رر م�ا تع َّلق باحلديث م�ن العلوم العرب َّي�ة والشرَّ ع َّي�ة والكون َّية‪ ،‬وما‬
‫ِّ‬ ‫املجتهدي�ن‪،‬‬
‫يتع َّل�ق بعل�م الكيمياء وبخصائص احلي�وان والنَّبات‪ ،‬وما يتع َّلق باحلديث من ش�ئون‬
‫والرياض ِّيني وعلـمـاء الفلس�فة حيضرون دروس‬
‫الس�اعة‪ ،‬وكان كثير م�ن األط َّب�اء ِّ‬
‫َّ‬

‫‪29‬‬
‫ص فيها(‪.)1‬‬
‫متخص ٌ‬
‫ِّ‬ ‫َّفوق يف هذه العلوم كأنَّه‬ ‫َّ‬
‫الشيخ‪ ،‬فيشهدون له بالت ُّ‬
‫*‬ ‫*‬ ‫*‬
‫ٍ‬
‫وحفظ‪،‬‬ ‫ٍ‬
‫ذاكرة‬ ‫كان َّ‬
‫الش�يخ س�ليامن بن حممد بن عمر بن س�ليم ‪ -‬رمحه اهلل ‪ )2(-‬ذا‬
‫استدل ٍ‬
‫بآية‬ ‫َّ‬ ‫فليس يف أهل عرصه له مش�اب ٌه‪ ،‬إذا س�مع الشيَّ ء وعاه وحفظه‪ ،‬وإذا تك َّلم‬
‫ف�كل ذل�ك يف حافظته‪ ،‬وقي�ل‪ :‬كان حيفظ «اهل�دي النَّبوي» البن‬ ‫ٍ‬
‫مأث�ورة‪ُّ ،‬‬ ‫ٍ‬
‫حكم�ة‬ ‫أو‬
‫الق ِّيم(‪.)3‬‬
‫*‬ ‫*‬ ‫*‬
‫مش�ى العلاَّ مة التَّهانوي ‪ -‬رمحه اهلل ‪ )4(-‬يف حيات�ه‪ ،‬فكان من ا َّلذين حيافظون عىل‬
‫ٍ‬
‫ثاني�ة من ثوانيها حمافظ ًة دقيق ًة‪ ،‬ال يغادر منها دقيق ًة‬ ‫وكل‬ ‫ٍ‬
‫حلظ�ة من حلظات احلياة‪ِّ ،‬‬ ‫ِّ‬
‫كل‬
‫وال ثاني� ًة إلاَّ أحصاه�ا‪ ،‬واس�تغ َّلها لصالح اإلسلام واملس�لمني‪ ،‬وكان ‪ -‬رمحه اهلل ‪-‬‬
‫مثاالً يف ضبط األوقات وحس�ن توزيعها بني اهلل وبني العباد وبني ش�ئونه َّ‬
‫الش�خص َّية‬
‫خيل هبا وال يستثني منها إلاَّ اضطرار ًا‪.‬‬
‫والعائل َّية‪ ،‬ال ُّ‬
‫أهم املالزمني َّ‬
‫للشيخ‬ ‫يقول َّ‬
‫الش�يخ عزيز احلس�ن جمذوب ‪ -‬رمحه اهلل ‪( -‬وهو من ِّ‬
‫وكب�ار خلفائ�ه)‪َّ :‬‬
‫إن من أهم خصائص َّ‬
‫الش�يخ التَّهانوي ‪ -‬رمح�ه اهلل ‪ -‬ومم ِّيزاته أنَّه ما‬

‫«الشيخ حممد صالح الفرفوري حياته العلمية وهنضته وآثاره» (ص ‪ )43‬تأليف عمر بن َّ‬
‫الشيخ موفق‬ ‫(‪َّ )1‬‬
‫النشوقايت‪.‬‬

‫الشيخ سليامن بن حممد بن سليم سنة (‪1295‬هـ)‪ ،‬وأخذ العلم عن والده‪ ،‬وعن َّ‬
‫الشيخ حممد‬ ‫(‪ )2‬ولد َّ‬
‫ابن عبد اهلل بن سليم وغريمها‪ .‬وقد عرف ‪ -‬رمحه اهلل ‪ -‬بقوة احلفظ‪ .‬تويف سنة (‪1361‬هـ)‪« .‬علـمـاء نجد»‪.‬‬

‫(‪« )3‬علـمـاء نجد خالل ثامنية قرون» (‪.)398/2‬‬

‫(‪ )4‬ولد َّ‬


‫الش�يخ أرشف عيل التهانوي بن املنيشء عبد احلق ‪ -‬رمحه اهلل ‪ -‬س�نة (‪1280‬هـ) يف قصبة (هتانة‬
‫هبون) يف والية (أترابراديش) يف شامل اهلند‪ ،‬وأرسته أرسة علم وصالح‪ ،‬عرف بعلمه وقوة حفظه‪ ،‬ومتيزه‬
‫يف العديد من العلوم‪ .‬وقد صنف العديد من املصنفات‪ ،‬وتوىل املناصب الكثرية‪ .‬تويف يف سنة (‪1362‬هـ)‪.‬‬

‫‪30‬‬
‫ٍ‬
‫وحلظة من حياته مـحاس�ب ًة‬ ‫ٍ‬
‫دقيقة‬ ‫كان يض ِّيع ش�يئ ًا من أوقاته‪ ،‬وإنَّام كان حياس�ب َّ‬
‫كل‬
‫دقيق� ًة‪ ،‬ويعتربها أثم�ن وأغىل ما رزقه اهلل تعاىل من النِّعم يف ه�ذه احلياة الفانية‪ ،‬األمر‬
‫ٍ‬
‫قصري‪،‬‬ ‫ا َّلذي ساعده يف حتقيق امله ت الصعبة‪ ،‬وإنجاز األعامل الكبرية اهلامة يف ٍ‬
‫وقت‬ ‫َّ‬ ‫َّ‬ ‫ماَّ‬
‫ثم بفضل ضبط األوقات وحس�ن اس�تخدامها ‪-‬‬
‫وكان ‪ -‬بفض�ل اهلل تع�اىل وعون�ه‪َّ ،‬‬
‫اس�تطاع ‪ -‬رمح�ه اهلل ‪ -‬وحده‪ ،‬خيلف وراءه مآث�ر علم َّي ًة خالد ًة ومكتب ًة واس�ع ًة كبري ًة‬
‫أن اهلل ‪ -‬سبحانه وتعاىل ‪ -‬قد بارك‬ ‫ملجمعات علم َّي ٍة أن تقوم هبا‪ ،‬إلاَّ َّ‬
‫ثر َّي ًة‪ ،‬قد ال يسع َّ‬
‫يف أوقاته وأعامله حتَّى أصبح أكثر النَّاس تأليف ًا يف عرصه‪.‬‬
‫وها هو ش�يخه وأستاذه العلاَّ مة حممود حسن الديوبندي املعروف بشيخ اهلند قد‬
‫الشيخ التَّهانوي قدر ما يستطيع‪ ،‬وو َّفر‬
‫املرات ونزل عنده ضيف ًا‪ ،‬فأكرمه َّ‬
‫مر ًة من َّ‬
‫زاره َّ‬
‫ولـمـا حان وقت تأليفه وموعد تصنيفه‬
‫الراحة‪َّ ،‬‬ ‫له َّ‬
‫كل ما حيتاجه ش�يخه من وس�ائل َّ‬
‫حس�ب جدوله اخلاص املربمج يف حياته‪ ،‬ذهب إىل ش�يخه يستأذنه مراعي ًا يف ذلك َّ‬
‫كل‬
‫معاين االحرتام وغاية التَّوقري‪ ،‬وقال‪ :‬س ِّيدي وأستاذي! عندي بعض األعامل العلم َّية‬
‫ِ‬
‫ورحابة‬ ‫ٍ‬
‫رسور‬ ‫أقوم هبا يف مثل هذا الوقت فلو أذنت يل؟ فأذن له األستاذ الكريم ِّ‬
‫بكل‬
‫ص�در قائالً‪ :‬اغتنم ه�ذه الفرصة ا َّلتي وهبك اهلل إ َّياها‪ .‬فذهب التَّهانوي ‪ -‬رمحه اهلل ‪-‬‬
‫لينجز ما كان يريد إنجازه حتَّى ال حيرم من الربكات بسبب الغياب‪.‬‬
‫يص�ور لنا كيف َّي�ة ضبط أوقاته‬
‫ِّ‬ ‫وه�ا ه�و العلاَّ مة عبد احلي احلس�ني ‪ -‬رمحه اهلل ‪-‬‬
‫تصوي�ر ًا دقيق ًا ورائع� ًا‪ ،‬فيقول ‪ -‬رمحه اهلل ‪ :-‬وكانت أوقات�ه مضبوط ًة منظم ًة‪ ،‬ال ُّ‬
‫خيل‬
‫ٍ‬ ‫ٍ‬
‫الصبح‬‫هبا‪ ،‬وال يس�تثني فيه�ا إلاَّ يف حاالت اضطرار َّية‪ ،‬وكان إذا انصرف من صالة ُّ‬
‫طامع‬
‫ٌ‬ ‫اشتغل بذات نفسه عاكف ًا عىل الكتابة والتَّأليف‪ ،‬منفرد ًا عن النَّاس‪ ،‬ال يطمع فيه‬
‫إىل أن يتغ�دَّ ى ويقي�ل ويصليِّ ال ُّظهر‪ ،‬فإذا صلىَّ ال ُّظهر جلس للنَّاس يكتب ُّ‬
‫الردود عىل‬
‫الرس�ائل‪ ،‬ويق�رأ بعضها للنَّ�اس‪ ،‬ويتحدَّ ث إليهم‪ ،‬ويؤنِّس�هم بنكت�ه ولطائفه‪ ،‬وكان‬
‫َّ‬

‫‪31‬‬
‫حديث�ه نزه ًة لألذه�ان‪ ،‬وفاكه ًة للجلس�اء‪ ،‬بحيث ال يملون وال يضيق�ون‪ ،‬فإذا صلىَّ‬
‫العصر انف�رد عن النَّاس‪ ،‬واش�تغل بش�ئون بيته إىل أن يصليِّ العش�اء‪ ،‬فلا يطمع فيه‬
‫طامع(‪. )1‬‬
‫ٌ‬
‫*‬ ‫*‬ ‫*‬
‫ثم ط َّلقها ثالث ًا يف‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬
‫وتزوج من مسلمة باكستان َّية‪َّ ،‬‬
‫اعتنق أحد األوروب ِّيني اإلسالم‪َّ ،‬‬
‫الرجوع‪ ،‬فاستفتى العلـمـاء فأفتى بعض كبار فقهاء احلنف َّية‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬
‫جملس واحد‪ ،‬فندم وأراد ُّ‬
‫يب أن‬
‫الرجوع‪ ،‬فأش�ار بعض النَّاس عىل هذا املس�لم األورو ِّ‬ ‫بأن ال َّطالق بائ ٌن ال ُّ‬
‫يصح ُّ‬ ‫َّ‬
‫الس�ؤال إليه‬
‫وجه ُّ‬
‫فلـمـا َّ‬
‫الس� ِّيد س�ليامن النَّدوي ‪ -‬رمح�ه اهلل ‪َّ ، -‬‬
‫(‪)2‬‬
‫الس�ؤال إىل َّ‬
‫يوجه ُّ‬
‫ِّ‬
‫استش�ار أعضاء جلنة التَّعليامت اإلسلام َّية من العلـمـاء‪ ،‬فقال�وا‪ :‬أ َّما عىل مذهب أيب‬
‫عهد باإلسلام‪،‬‬‫حديث ٍ‬‫ُ‬ ‫الس� ِّيد النَّدوي‪ :‬هذا ٌ‬
‫رجل‬ ‫الرجوع‪ ،‬فقال َّ‬‫حنيف�ة فال نرى له ُّ‬
‫الرجل‬ ‫الرجوع‪ ،‬وق�ال‪َّ :‬‬
‫إن هذا َّ‬ ‫بصحة ُّ‬
‫َّ‬ ‫ث�م أفتى له‬
‫احلنفي‪َّ ،‬‬
‫ِّ‬ ‫فكي�ف تق ِّيدون�ه باملذهب‬
‫عهد باإلسلام‪ ،‬والتَّيسير عليه يؤ ِّلف قلبه‪ ،‬فس�كتت اجلامعة ورضوا بفتواه‪،‬‬ ‫حديث ٍ‬‫ُ‬
‫أمر مل يكن ليو َّف َق إليه ُ‬
‫غريك(‪.)3‬‬ ‫وقالوا‪ :‬هذا ٌ‬
‫*‬ ‫*‬ ‫*‬

‫(‪« )1‬أرشف علي التهان�وي – حكي�م األم�ة وش�يخ مش�ايخ العصر يف اهلن�د» ملحمد رمح�ة اهلل الندوي‬
‫(ص‪.)49‬‬

‫(‪ )2‬ولد َّ‬


‫الشيخ سليامن بن أيب احلسن بن حممد الندوي يف والية هبار يف اهلند سنة (‪1302‬هـ)‪ ،‬وينحدر من‬
‫أرسة حسينية النسب‪ .‬وقد نشأ نشأة علمية أدبية ودرس عىل علـمـاء بلده يف دار العلوم لندوة العلـمـاء‪،‬‬
‫ح َّتى صار علـمـ ًا من أعالم احلديث ُّ‬
‫والس�نة هناك‪ .‬وش�ارك يف املحافل العلمية واالجتامعية والسياسية‪،‬‬
‫تويف سنة (‪1373‬هـ)‪« .‬السيد سليامن الندوي» ملحمد أكرم الندوي‪.‬‬

‫(‪« )3‬السيد سليامن الندوي أمري علـمـاء اهلند يف عرصه» تأليف الدكتور حممد أكرم الندوي (ص ‪.)144‬‬

‫‪32‬‬
‫عندم�ا وصل َّ‬
‫الش�يخ حممد ب�ن عبد العزيز ب�ن مانع ‪ -‬رمح�ه اهلل ‪ )1(-‬إىل العراق‪،‬‬
‫وجد كتاب ًا كان يبحث عنه‪ ،‬وهو «رشح اآلجرومية» يف النَّحو‪ ،‬ومل يكن معه ما يشرتيه‬

‫جاف «يبيس» فقط‪ ،‬جاء به من نجد زاد ًا ِّ‬


‫للرحلة‪ ،‬فبادله بالكتاب‪.‬‬ ‫ٌّ‬ ‫متر‬
‫به‪ ،‬وكان معه ٌ‬
‫سمى كتاب «كشاف القناع عن‬
‫سمى مكنسة املذهب‪ ،‬كام ُي َّ‬ ‫وكان َّ‬
‫الشيخ ابن مانع ُي َّ‬
‫متن اإلقناع» مكنسة املذهب(‪.)2‬‬

‫*‬ ‫*‬ ‫*‬

‫الش�يخ حممد بن عبد العزيز بن مانع يف عنيزة س�نة (‪1300‬هـ)‪ ،‬فشرع يف طلب العلم يف بلده‪،‬‬ ‫(‪ )1‬ول�د َّ‬
‫ورح�ل إىل بغداد والش�ام لالس�تزادة من العلم‪ ،‬وق�د عرف بقوة احلفظ‪ ،‬وكان آي�ة يف العلوم العربية‪ ،‬مع‬
‫اطالع يف التفسير والفقه وغريمها من العلوم‪ .‬رحل إىل قطر بطلب من حكومتها فصار مستش�ار ًا لألمور‬
‫الدينية‪ ،‬ومرشف ًا عىل سري التعليم‪ .‬تويف سنة (‪1385‬هـ)‪« .‬علـمـاء نجد»‪.‬‬

‫(‪« )2‬جملة البحوث اإلسالمية» العدد (‪( )54‬ص ‪.)342‬‬

‫‪33‬‬
‫لـمـا فقد‬ ‫يذك�ر عن َّ‬
‫الش�يخ عب�د العزيز بن حممد أبو حبي�ب ‪ -‬رمحه اهلل ‪ -‬أنَّ�ه َّ‬
‫(‪)1‬‬

‫أن ال َّثانية تذه�ب‪ ،‬فاجتهد يف الق�راءة عىل نفس�ه‪ ،‬يأخذ الكتاب‬


‫إح�دى عينيه خ�اف َّ‬
‫«الصحيحني» مع أنهَّ ا قد ُقرئت علي�ه كامل ًة‪ ،‬وقرأها هو عىل‬
‫ويسرده‪ ،‬قرأ عىل نفس�ه َّ‬
‫نفسه يف هذه املدَّ ة بأسانيدها‪ ،‬واستفاد من قراءته فائد ًة كثريةً‪ ،‬حتَّى إنَّه ُيقسم‪ ،‬ويقول‪:‬‬
‫واهلل‪ ،‬إنيِّ لو ُأخيرَّ أن ترجع يل عيني وأنسى هذه املعلومات ا َّلتي استفدهتا‪ ،‬لقلت‪ :‬ال‪،‬‬
‫ب�ل تبقى املعلوم�ات وال ترجع عيني من فوائد اس�تفدهتا صار س�ببها َف ْقد عيني‪ ،‬إنيِّ‬
‫أكبـب�ت على هذه الدُّ روس والكت�ب وحصلت عىل فوائد ما كن�ت مهتماًّ بتحصيلها؛‬
‫واهتم برشح القس�طالين عىل «صحيح‬ ‫َّ‬ ‫ألنَّ�ه قرأ حتَّى الُّش�رُّ وح والتَّعلي�ق والترَّ اجم‪،‬‬
‫الرجال ‪ -‬رجال احلديث ‪ -‬حيث‬ ‫الس�اري» ألجل معرفة ِّ‬ ‫البخاري» املس�مى «إرشاد َّ‬
‫رجال مس�تق َّل ٍة‪ ،‬ما هن�اك إلاَّ ترامجهم من كتب‬
‫ٍ‬ ‫إنَّ�ه يف ذل�ك الوق�ت ليس عنده كت�ب‬
‫الشرُّ وح للحديث‪ ،‬فيجد كتاب القس�طالين ك َّلام ذكر واحد ًا ذكر اس�مه ونسبه وبلده‪،‬‬
‫الرجال‪ ،‬وأسماءهم‬
‫الرج�ال‪ ،‬ف�كان يس�تحرض تراج�م ِّ‬ ‫فاعتم�ده َّ‬
‫الش�يخ يف معرف�ة ِّ‬
‫وبلداهن�م‪ ،‬وصفاهتم‪ ،‬وتالميذهم‪ ،‬ومش�اخيهم‪ ،‬كأنَّه قرأها يف نف�س الكتب ا َّلتي هي‬

‫(‪ )1‬ول�د َّ‬


‫الش�يخ عبد العزيز بن حممد أب�و حبيب يف «حوطة بني متيم» س�نة (‪1305‬هـ)‪ ،‬وقد أخذ العلم‬
‫ثم رجع إىل احلوطة‪ ،‬وجلس لتدريس‬‫على علـمـاء احلوطة‪ ،‬ورحل إىل الرياض وأخ�ذ العلم عن أهلها‪َّ ،‬‬
‫العل�وم‪ ،‬وق�د كان واس�ع املعرفة يف التوحيد والفق�ه والنحو وغري ذلك‪ .‬تويف س�نة (‪1387‬هـ)‪« .‬إحتاف‬
‫الشيخ عبد العزيز أبو حبيب» ملحمد بن نارص الشثري‪.‬‬ ‫اللبيب يف سرية َّ‬

‫‪34‬‬
‫مؤ َّلفة للرجال خاص ًة‪ ،‬حتَّى كأنَّه غيبها مع أ ا غري مرت ٍ‬
‫َّبة يف الكتاب‪ ،‬فهو دائ ًام يبحث‬ ‫نهَّ‬ ‫َّ‬ ‫َّ‬ ‫ِّ‬
‫الزناد؟ وما اسم ابن جريج؟ وأين‬ ‫ويسأل بعض تالميذه‪ :‬ما اسم ٍ‬
‫فالن؟ وما اسم أيب ِّ‬
‫بلده؟ وما اس�م أيب بكر بن أيب ش�يبة؟ وأين بلده؟ وك�م أوالده وإخوانه؟ وعن جدِّ ه‬
‫أن له ش�غف ًا بذلك العلم ‪-‬‬ ‫ٍ‬
‫بمقبول؟ ممَّا ُّ‬
‫يدل عىل َّ‬ ‫وأبيه‪ ،‬و َم ِن املقبول منهم و َم ْن ليس‬
‫رجال احلديث ‪.-‬‬
‫خاص ًة يف‬
‫أكب عىل القراءة يف كت�ب رجال احلديث‪َّ ،‬‬
‫الرياض َّ‬
‫ث�م لـمـ�ا انتقل إىل ِّ‬
‫َّ‬
‫آخر أ َّيام حياته ‪ -‬رمحه اهلل ‪.-‬‬
‫َّووي عىل صحيح مس�ل ٍم» حين ضعف برص عينه‬
‫وكان يق�رأ يف كت�اب «رشح الن ِّ‬
‫الباقية‪ ،‬وكان يقول‪ :‬مل يبق إلاَّ جم َّلدٌ واحدٌ لعليِّ أمتكَّن من قراءته قبل أن َّ‬
‫يكف برصي(‪.)1‬‬
‫*‬ ‫*‬ ‫*‬
‫اشترى َّ‬
‫الش�يخ حممد نصيف ‪ -‬رمحه اهلل ‪ )2(-‬من هولندا كتاب «املعجم املفهرس‬
‫َّبوي » بمبلغ أربعة آالف ٍ‬
‫ريال‪.‬‬ ‫أللفاظ احلديث الن ِّ‬
‫ٍ‬
‫خمطوط‬ ‫دل فإنَّما ُّ‬
‫يدل على ح ِّبه وغرامه باملخطوطات والكت�ب‪ ،‬فام من‬ ‫وه�ذا إن َّ‬
‫يسمع به إلاَّ ويسارع إىل اقتنائه مهام ك َّلفه ذلك‪.‬‬
‫الش�يخ ‪ -‬رمحه اهلل ‪ -‬علم‬ ‫وذكر األس�تاذ حممد عيل مغريب يف «أعالم احلجاز» أن َّ‬
‫ٍ‬
‫نس�خة من أحد الكتب األندلس َّية القديمة يف مكتبتي‪ ،‬فلم يرت َّدد يف الكتابة إ َّيل‬ ‫بوجود‬

‫(‪« )1‬إحتاف اللبيب» (ص ‪.)96‬‬

‫الش�يخ حممد بن حسين بن عمر نصيف ‪ -‬رمحه اهلل ‪ -‬يف س�نة (‪1302‬هـ) يف بيت علم ورشف‪.‬‬ ‫(‪ )2‬ولد َّ‬
‫فج�دُّ ه كان م�ن كبار أعيان جدة أيام حكم األتراك عىل احلجاز‪ .‬واش�تغل بالعل�م منذ نعومة أظافره ح َّتى‬
‫ب�رز يف كثري من العلوم‪ .‬وكان جملس�ه عام�ر ًا بالعلـمـاء واألعيان‪ ،‬وكان يبذل هل�م الكتب واهلدايا القيمة‬
‫مع طيب املعرش‪ .‬تويف سنة (‪1391‬هـ)‪« .‬حممد نصيف حياته وآثاره» ملحمد بن أمحد وعبد اهلل العلوي‪.‬‬

‫‪35‬‬
‫بطلبها ومل أتر َّدد يف تقديمها له(‪.)1‬‬
‫*‬ ‫*‬ ‫*‬

‫السديس يف ترمجة َّ‬


‫الشيخ حممد األمني الشنقيطي ‪ -‬رمحه‬ ‫الرمحن ُّ‬ ‫يقول َّ‬
‫الشيخ عبد َّ‬
‫الضيف وال يشعر به‪،‬‬
‫اهلل ‪ :)2(-‬وأخربين ابنه عبد اهلل‪ ،‬أنَّه كان جيلس يف املجلس‪ ،‬فيأيت َّ‬
‫الضيف‪ ،‬وذلك النشغال فكره بتجميع شواهد ٍ‬
‫آية من كتاب‬ ‫حتَّى ين ِّبهه ابنه إىل قدوم َّ‬
‫اهلل‪ ،‬وذل�ك زمن تأليفه «أض�واء البيان»‪ ،‬وأخربين بنحو ذلك تلميذه َّ‬
‫الش�يخ أمحد بن‬
‫أمحد الشنقيطي‪.‬‬
‫وحدَّ ثن�ي ابن�ه عبد اهلل‪ ،‬ق�ال‪ :‬حدَّ ثني أيب أنَّه كان يقرأ يف البلاد زمان طلبه للعلم‬
‫يف «خمتصر خلي�ل» يف َّأول كت�اب النِّ�كاح‪ ،‬حتَّ�ى وص�ل إىل قول خلي�ل‪« :‬يف عرشة‬

‫(‪« )1‬حممد نصيف حياته وآثاره» (ص ‪ )149‬تأليف حممد أمحد وعبداهلل العلوي‪.‬‬

‫الش�يخ حممد األمني بن حممد املختار الش�نقيطي بش�نقيط عام (‪1305‬هـ)‪ ،‬حفظ القرآن يف بيت‬ ‫(‪ )2‬ولد َّ‬
‫أخواله وعمره عرش سنوات‪ .‬وتعلم مبادئ العلوم وحفظ متوهنا عىل مشايخ بلده‪ .‬خرج من بالده للحج‬
‫ودرس يف املسجد النبوي‪ ،‬وسافر عرش سنوات للتدريس يف الرياض‪ .‬كان آية‬‫ثم استقر يف املدينة املنورة‪َّ ،‬‬
‫َّ‬
‫من آيات اهلل يف العلم وس�عة االطالع‪ .‬خترج عىل يديه مجع من العلـمـاء‪ .‬تويف س�نة (‪1395‬هـ)‪ .‬مقدمة‬
‫«أضواء البيان» للشيخ عطية حممد سامل‪.‬‬

‫‪36‬‬
‫ندبه ولو ببيع س�لطان لفلس»‪ ،‬قال يل‪ :‬أقرأنيها ش�يخي بعد العرص‪ ،‬وكانت دراس�ته‬
‫جرد َّي� ًة‪ ،‬بحيث يقرأ َّ‬
‫كل ما قيل يف الباب‪ .‬قال‪ :‬فأخذت رشاح اخلليل وحواش�يه عىل‬
‫هذه املسألة‪ ،‬وجلست أراجعها حتَّى جاء ال َّليل‪َّ ،‬‬
‫ثم أوقدت النَّار أطالع يف ضوئها إىل‬
‫الصب�ح‪ ،‬ومل أن�م‪ ،‬ومل ِّ‬
‫أصل غري الفريضة‪ ،‬فوجدت أن للُّش�رُّ َّ اح يف قول خليل قولني‪،‬‬ ‫ُّ‬
‫والسنَّة ألتيت ل ُ‬
‫أل َّمة بالعجب‪.‬‬ ‫ولو كنت أبحث يف الكتاب ُّ‬
‫للشيخ يف تعليقه عىل قول َّ‬
‫الشيخ‬ ‫الش�يخ عطية س�امل ‪ -‬رمحه اهلل ‪ -‬يف ترمجته َّ‬
‫يقول َّ‬
‫‪ -‬رمحه اهلل ‪ -‬عن نفسه‪:‬‬

‫الصب�احِ‬
‫كأن وجوهه�ا ض�وء َّ‬
‫َّ‬ ‫ٍ‬
‫بأب�كار ع�ذارى‬ ‫ٌ‬
‫ش�غل‬ ‫ويل‬

‫لفه�م الف�دم خافض�ة اجلن�احِ‬ ‫َأبِ ُ‬


‫ي�ت مفكِّ�ر ًا فيه�ا فت َْضح�ى‬

‫نصه‪ :‬نعم‪ ،‬إنَّه كان يبيت يف طلب العلم مفكِّر ًا أو باحث ًا‪ ،‬حتَّى يذ ِّلل ِّ‬
‫الصعاب‪،‬‬ ‫ما ُّ‬
‫وق�د طاب�ق القول العم�ل‪ ،‬حدَّ ثني ‪ -‬رمحه اهلل ‪ -‬قال‪ :‬جئت َّ‬
‫للش�يخ يف ق�راءيت عليه‪،‬‬
‫تعودت‪ ،‬ومل ِ‬
‫يرو يل ظمئي‪،‬‬ ‫ِ‬
‫فرشح يل كام كان يرشح‪ ،‬ولكنَّه مل يشف ما يف نفيس عىل ما َّ‬
‫ٍ‬
‫حاجة إىل إزالة بعض ال َّلبس‪ ،‬وإيضاح بعض املشاكل‪،‬‬ ‫وقمت من عنده وأنا أجدين يف‬
‫وكان الوق�ت ظه�ر ًا‪ ،‬فأخذت الكتب واملراجع‪ ،‬فطالع�ت حتَّى العرص‪ ،‬فلم أفرغ من‬
‫حاجت�ي‪ ،‬فعاودت حتَّى املغرب‪ ،‬فلم ِ‬
‫أنته أيض� ًا‪ ،‬فأوقد يل خادمي أعواد ًا من احلطب‬
‫الش�اي األخرض ك َّلام‬
‫أق�رأ عىل ضوئها‪ ،‬كع�ادة ال ُّطلاَّ ب‪ ،‬وواصلت املطالعة‪ ،‬وأتناول َّ‬
‫الضوء‪ ،‬حتَّى انبثق الفجر وأنا يف جمليس‪ ،‬مل‬
‫مللت أو كس�لت‪ ،‬واخلادم بجواري يوقد َّ‬
‫ٍ‬
‫فرض أو تن�اول طعا ٍم‪ ،‬وإىل أن ارتفع النَّه�ار‪ ،‬وقد فرغت من دريس‪،‬‬ ‫أق�م إلاَّ لصلاة‬
‫وزال عني لبيس‪ ،‬ووجدت هذا َّ‬
‫املحل من الدَّ رس كغريه يف الوضوح والفهم‪ ،‬فرتكت‬

‫‪37‬‬
‫املطالعة ونمت‪ ،‬وأوصيت أن ال يوقظني لدرس ذلك اليوم‪ ،‬اكتفا ًء بام حصلت عليه‪،‬‬
‫واسرتاح ًة من عناء سهر البارحة‪ .‬فقد بات مفكِّر ًا فيها‪ ،‬فأضحت لفهم الفدم خافضة‬
‫اجلناح(‪.)1‬‬

‫*‬ ‫*‬ ‫*‬

‫الش�يخ عبد الكري�م بن نارص الثوين�ي ‪ -‬رمحه اهلل ‪:)2(-‬‬ ‫يق�ول األس�تاذ حممد ابن َّ‬
‫نزه�ة بر َّي ٍة‪ ،‬وكنت وقتها منتس�ب ًا يف كل َّية الشرَّ يعة‪ ،‬ومن‬
‫ٍ‬ ‫م�ر ًة أميش مع الوالد يف‬
‫كن�ت َّ‬
‫الرحب َّية يف الفرائض ويل‬
‫املقررات لدينا ما َّدة الفرائض‪ ،‬وس�ألته عنها‪ ،‬فقال‪ :‬حفظت َّ‬
‫َّ‬
‫فس�معها يل كامل ًة‪،‬‬
‫َّ‬ ‫عنها أربعون س�ن ًة مل أراجعها أو أذاكرها‪ ،‬فس�م ِّعها يل‪ ،‬يقول ابنه‪:‬‬
‫وكأنَّام حفظها باألمس‪.‬‬
‫احلنبيل (‪.)3‬‬
‫ِّ‬ ‫ومن نبوغه يف احلفظ كان حيفظ نظم املفردات يف الفقه‬

‫*‬ ‫*‬ ‫*‬

‫(‪« )1‬صالح األمة يف علو اهلمة» (‪ )580/1‬تأليف الدكتور سيد العفاين‪.‬‬

‫الشيخ عبد الكريم بن نارص بن راشد الثويني اخلياط – نسبة إىل حوطة اخلياط – يف حائل شامل‬ ‫(‪ )2‬ولد َّ‬
‫اململك�ة العربية الس�عودية س�نة (‪1320‬هـ)‪ ،‬تويف والده صغير ًا‪ ،‬فر َّبته أمه عىل الصلاح والتقى‪ ،‬فالزم‬
‫علـمـاء بلده ح َّتى نبغ يف الفقه‪ ،‬والتاريخ‪ ،‬والشعر‪ .‬وقد رفض القضاء تورع ًا‪ ،‬تويف سنة (‪1395‬هـ)‪.‬‬

‫(‪« )3‬منب�ع الك�رم والشمائل يف ذكر أخب�ار وآثار من عاش من أه�ل العلم يف حائل» حلس�ان بن إبراهيم‬
‫الرديعان (ص‪.)187‬‬

‫‪38‬‬
‫ظه�ر كت�اب «األعلام» َّأول ما ظه�ر يف العرشين َّي�ات‪ ،‬يف ثالثة أجزاء فحس�ب‪،‬‬
‫ورأى ال�زركيل ‪ -‬رمحه اهلل ‪ )1(-‬إقبال الباحثني عليه‪ ،‬ورجوعهم إليه مطمئنِّني‪ ،‬فعرف‬
‫أن م�ن واجب�ه أن يكمل م�ا فاته‪ ،‬وقد فات�ه الكثري‪ ،‬فعكف يف مدى مخسين عام ًا عىل‬
‫َّ‬
‫أن «األعالم» يش�مل تاريخ س�تَّة عرش قرن ًا؛ ألنَّه َّ‬
‫اهتم‬ ‫هذا اإلكامل‪ ،‬وللقارئ أن يعلم َّ‬
‫ف أو‬ ‫ش�اعر مؤ ِّل ٍ‬
‫ٍ‬ ‫يب أو‬ ‫ٍ‬ ‫باجلاهل ِّيين قبل مرشق اإلسلام‪ ،‬فلم يغادر تارخي� ًا‬
‫ألديب عر ٍّ‬
‫اهتم بمن‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫س�يايس قرأ عن�ه يف العامل ك ِّله دون أن يتحدَّ ث عنه يف‬
‫س�طور كاش�فة؛ ألنَّه َّ‬ ‫ٍّ‬
‫كل كتب‬ ‫مكان مسترشقني وغري مسترشقني‪ ،‬ومعنى ذلك أنَّه قرأ َّ‬ ‫ٍ‬ ‫كتبوا بالعرب َّية يف ِّ‬
‫كل‬
‫اخلاصة بالترَّ اجم يف املكتبة العرب َّية ليأخذ منها ما َّدته‪ ،‬وقد يقرأ عرشين صفح ًة‬ ‫َّ‬ ‫التَّاريخ‬
‫س�طور يراها تفي باملقام‪ ،‬أج�ل‪ ،‬لقد قرأ ال�زركيل كتب ال َّطبقات‬ ‫ٍ‬ ‫ليخت�ار منه�ا عرشة‬
‫�ة وعلم َّي ٍة وكتب األخبار كـ «األغاين»‪ ،‬و«معجم األدباء»‪،‬‬ ‫من تارخيي ٍة وأدبي ٍة وصوفي ٍ‬
‫َّ‬ ‫َّ‬ ‫َّ‬
‫و«وفي�ات األعي�ان»‪ ،‬و«يتيمة الدَّ هر»‪ ،‬و«سلافة العصر»‪ ،‬و«دوائر املع�ارف »‪ ،‬أ َّما‬

‫(‪ )1‬خير الدي�ن ب�ن حممود بن حمم�د بن عيل بن فارس ال�زركيل ‪ -‬رمحه اهلل ‪ ،-‬ولد يف ‪ 9‬ذي احلجة س�نة‬
‫(‪1310‬هـ ) املوافق ‪ 25‬يوليو (‪1893‬م) يف بريوت من أبوين دمش�قيني‪ ،‬ونش�أ وتعلم يف دمش�ق‪ ،‬عمل‬
‫أستاذ ًا للتاريخ واألدب العريب‪ .‬عني سفري ًا للمملكة العربية يف املغرب‪ .‬تويف الزركيل ‪ -‬رمحه اهلل ‪ -‬يف سنة‬
‫(‪1396‬هـ ) املوافق (‪1976‬م)‪.‬‬

‫‪39‬‬
‫ٍ‬
‫جريدة أو‬ ‫يرتص�د َّ‬
‫كل‬ ‫وأش�ق وأضخم؛ ألنَّ�ه أخذ َّ‬
‫َّ‬ ‫يف احلدي�ث فق�د كان العبء أكرب‬
‫الصحف‬ ‫الراحلني منذ ظهرت ُّ‬
‫اإلسلامي ليقف عىل أخبار َّ‬
‫ِّ‬ ‫جم َّل ٍة يف ش�تَّى ربوع العامل‬
‫الصحف وهلم‬
‫واملجلاَّت كام أخذ يراس�ل أق�ارب َم ْن رحل�وا دون أن تكتب عنه�م ُّ‬
‫مؤ َّل ٌ‬
‫فات باقي ٌة‪ ،‬فالبدَّ من احلديث عنهم‪.‬‬
‫وحني عينِّ سفري ًا للمملكة العربية يف املغرب هاله أن جيد يف الترُّ اث املغر ِّ‬
‫يب احلافل‬
‫بال‪ ،‬فعكف عىل البحث والتَّصنيف حتَّى أضاف عدَّ ة‬ ‫ما وحديث ًا ما مل خيطر له عىل ٍ‬
‫قدي ً‬
‫ٍ‬
‫مـج َّلدات‪َّ ،‬‬
‫ثم رتَّب املتحدث عنهم من هؤالء يف أماكنهم من املوسوعة وفق التَّسلسل‬
‫ٌّ‬
‫ش�اق ال يدركه غري َم ْن كابده‪ ،‬كام حرص عىل أن يذكر املراجع‬ ‫األبجدي‪ ،‬وهو ٌ‬
‫عمل‬ ‫ِّ‬
‫ا َّلتي اس�تقى منها اهلوامش ممَّا ينوء به اجلمي�ع دون الفرد‪ ،‬يقول خري الدِّ ين الزركيل يف‬
‫حديثه مع الدكتور بكري أمني املشار إليه من قبل‪:‬‬
‫خ�اص فلم أعثر عليه‪ ،‬وفجأ ًة‬
‫ٍّ‬ ‫مر ًة أن كنت يف إس�طنبول أفتِّش عن ٍ‬
‫كتاب‬ ‫ح�دَ ث َّ‬
‫الس َّيارة‬ ‫رأيت صديق ًا وسألته عن الكتاب‪ ،‬فقال‪ :‬إنَّه يف بلدة ت َّ‬
‫ُسمى (مغنيسا) فركبت َّ‬
‫إىل (مغنيس�ا) وقضي�ت إحدى عرشة س�اع ًة يف ال َّطري�ق إليها‪َّ ،‬‬
‫ولـمـ�ا زرت مكتبتها‬
‫ٍ‬
‫حديثة‪ ،‬وإنَّام هي جذاذات يف األدراج‬ ‫وجدهت�ا من أغنى املكتبات لكنَّها دون فهارس‬
‫ٍ‬ ‫ٍ‬
‫كامل‪،‬‬ ‫صي�ف‬ ‫وه�ي متلأ اثني عرش درج� ًا‪ ،‬فرحت أس�تعرض ال�دُّ رج َّ‬
‫األول خالل‬
‫الزيارة س�ن ًة بعد ٍ‬
‫س�نة‬ ‫الصيف ال َّثاين ألقرأ خمطوطاته‪ ،‬وهكذا ظللت ِّ‬
‫أكرر ِّ‬ ‫وعدت يف َّ‬
‫حتَّى ا َّطلعت عليها مجيع ًا(‪.)1‬‬
‫*‬ ‫*‬ ‫*‬

‫البيومي (‪.)143/3‬‬
‫(‪« )1‬النهضة اإلسالمية يف سري أعالمها املعارصين» للدكتور حممد رجب ُّ‬

‫‪40‬‬
‫الش�يخ حممد أبو زهرة ‪ -‬رمحه اهلل ‪ )1(-‬ذاكر ًة قو َّي ًة وحافظ ًة واعي ًة‬ ‫وهب اهلل تعاىل َّ‬
‫قراءة‪ ،‬وناقشه غيب ًا مع ذكر‬ ‫ٍ‬
‫ال ينس�ى ما ش�اهده أو قرأه‪ ،‬فإذا قرأ كتاب ًا اس�توعبه َّ‬
‫ألول‬
‫والس�طر للموضوع ا َّلذي يعرض له باملناقش�ة‪ ،‬وكان يندر أن خيطئ يف‬ ‫الصفحة َّ‬ ‫رقم َّ‬
‫السياسة والوقائع املرص َّية‬ ‫والس�طور‪ ،‬وإذا حتدَّ ث يف التَّاريخ وأحداث ِّ‬ ‫الصفحة ُّ‬ ‫أرقام َّ‬
‫وغزارة‪ ،‬يرسدها كام وقعت بتوارخيها وأشخاصها‬ ‫ٍ‬ ‫بكل د َّق ٍة‬
‫والعامل َّية جرت عىل لسانه ِّ‬
‫ال ينس�ى ش�يئ ًا من ذلك‪ ،‬فقد كان ‪ -‬رمحه اهلل ‪ -‬قطع ًة ح َّي ًة من التَّاريخ‪ ،‬وإذا حرض يف‬
‫ٍ‬
‫كتاب‪.‬‬ ‫ٍ‬
‫ورقة أو‬ ‫أي موضو ٍع حتدَّ ث من دون‬‫ِّ‬
‫يقول أحد طلاَّ به (يوس�ف البدري) يف مناقش�ته يف رسالة ٍ‬
‫معيد يف الك ِّلـ َّية بعنوان‬
‫الذاكرة‪ ،‬ال ختطئ رقم‬ ‫«اب�ن الق ِّيم»‪ :‬لقد هال احلارضين تلك املوس�وعة املتحدِّ ث�ة من َّ‬
‫الس�طر وتاري�خ ال َّطبع‪ ،‬تلك املوس�وعة هي‬
‫الصفح�ة أو اس�م الكت�اب أو حتَّى رقم َّ‬
‫َّ‬

‫الش�يخ حممد أمح�د مصطفى أبو زهرة الشش�تاوي ‪ -‬رمحه اهلل ‪ -‬يف مدين�ة املحلة الكربى بمرص‬ ‫(‪ )1‬ول�د َّ‬
‫الشيخ إىل أرسة كريمة طيبة‪ ،‬حفظ القرآن‬‫شمال مدينة طنطا سنة (‪1316‬هـ) املوافق (‪1898‬م)‪ ،‬ينتسب َّ‬
‫من�ذ نعوم�ة أظف�اره عند الك َّتاب‪ ،‬وكان�ت أمه تراجع له م�ا حيفظه‪ ،‬التحق باملعهد األمح�دي األزهري يف‬
‫اجلامع األمحدي سنة (‪1331‬هـ) املوافق (‪1913‬م)‪ ،‬خترج من مدرسة القضاء الرشعي سنة (‪1925‬م)‪،‬‬
‫والتحق يف مكتب حماماة للتدريب‪ ،‬تويف ‪ -‬رمحه اهلل ‪ -‬يف سنة (‪1397‬هـ) املوافق (‪1977‬م)‪.‬‬

‫‪41‬‬
‫أس�تاذنا حمم�د أبو زه�رة – رمحة اهلل عليه ‪ ،-‬حيث كان جالس� ًا ال ينظ�ر يف ٍ‬
‫كتاب وال‬
‫ٍ‬
‫ال عن كتاب‬‫نصه كذا نق ً‬‫مفكِّرة‪ ،‬وإنَّام يقول لل َّطالب‪ :‬قلت يف صفحة كذا سطر كذا ما ُّ‬
‫ربر ًا وجهة نظره كان‬
‫كذا صفحة كذا س�طر كذا‪.‬إلخ‪ ،‬وعندم�ا كان ال َّطالب يعرتض م ِّ‬
‫والسطر‪،‬‬ ‫الشيخ أبو زهرة إىل أكثر من مرج ٍع حمدِّ د ًا َّ‬
‫الصفحة والباب والفصل‪ ،‬بل َّ‬ ‫حييله َّ‬
‫وتاريخ ال َّطبع‪.‬‬
‫لقد دهش احلارضون من هذه َّ‬
‫الذاكرة‪ ،‬ومل يلفت نظرهم من املناقشني أحدٌ مثله‪.‬‬
‫قوي النَّربة‪ ،‬واضح العبارة‪ ،‬منطقي الفكرة‪.‬‬ ‫ُّ‬
‫كل ذلك وهو باسم الفم‪ ،‬جا ُّد اللهجة‪ُّ ،‬‬
‫الروماين‪ :‬أثناء مناقشة رسالة‬
‫وروى األستاذ حممد السيد بدر أستاذ فلسفة القانون ُّ‬
‫الدُّ كتوراه للمرحوم الدكتور حسين النوري‪ ،‬وا َّلذي حرض مناقش�تها َّ‬
‫الرئيس (حممد‬
‫الرس�الة‬ ‫الذاكرة‪ ،‬يناقش س�طور ًا يف ٍ‬
‫كثري من صفحات ِّ‬ ‫الش�يخ من َّ‬
‫نجيب)‪ ،‬ناقش�ها َّ‬
‫مر ًة واحد ًة يف حتديد‬
‫والس�طر طوال أكثر من ساعتني دون أن خيطئ َّ‬
‫بالصفحة َّ‬
‫حيدِّ دها َّ‬
‫ٍ‬
‫عبارة أراد أن ينقدها‪.‬‬ ‫ٍ‬
‫صفحة أو ٍ‬
‫سطر أو‬
‫مر ًة م�ع بعض ورثة‬
‫أن وال�ده اختلف َّ‬ ‫وروى ابن�ه الدكت�ور مصطفى أب�و زهرة‪َّ :‬‬
‫ٍ‬
‫صدي�ق ل�ه عندما أخذوا رأي�ه يف مكتبة والدهم؛ ألنَّه اقرتح عليه�م أن يرتكوا له تلك‬
‫خاص ًة الكتب ا َّلتي مل يكن قرأها من قبل‪،‬‬
‫املكتب�ة بع�ض الوقت كي يقرأ بعض كتبها‪َّ ،‬‬
‫يترصفون فيها كيفام أرادوا؛ ألنَّه ال هيمه أن حيتفظ بالكتاب بعد قراءته‪،‬‬
‫ثم يرتكها هلم َّ‬
‫َّ‬
‫ٍ‬
‫بش�كل ج�دِّ ٍّي‪ ،‬فانرصفوا ومل‬ ‫فتص�ور أبن�اء صديق�ه وزميله أن َّ‬
‫الش�يخ مل يأخذ األمر‬
‫الس�بب كان ال هيمه أن يعود‬ ‫مر ًة ثاني ًة‪ ،‬ممَّا َّ‬
‫حرك بعض األس�ى‪ .‬ولنفس َّ‬ ‫يع�ودوا إلي�ه َّ‬
‫إىل الكتاب‪.‬‬
‫هيتم باقتناء الكتب بعد قراءهتا‪ ،‬ولذا كانت مكتبته غري‬ ‫ونت�ج عن ذلك أنَّه كان ال ُّ‬
‫يتصور البعض‪.‬‬ ‫الضخم من الكتب كام‬ ‫ٍ‬
‫حافلة بالعدد َّ‬
‫َّ‬
‫ويذك�ر ابنه الدكتور مصطفى أنَّ�ه كان يذهب إىل املؤمتر أو النَّدوة وال حيمل ورق ًة‬

‫‪42‬‬
‫وال قلـمـ� ًا‪ ،‬وال بحث� ًا مع�دًّ ا‪ ،‬وال موضوع ًا مع َّين� ًا يتحدَّ ث في�ه‪ ،‬كان يكفيه أن يعرف‬
‫ثم يضيف ابن�ه‪ :‬من األمور ا َّلت�ي مت َّيز هبا والدي‬
‫موض�وع النَّ�دوة أو اس�م املحارضة‪َّ ،‬‬
‫ألحد من أصدقائ�ه‪ ،‬ولك َّن‬ ‫ٍ‬ ‫يس�جل أرقام هوات�ف‬ ‫‪ -‬رمح�ه اهلل ‪ -‬أنَّ�ه ط�وال حياته مل‬
‫ِّ‬
‫كل األرق�ام خمتزن� ٌة يف ذاكرته‪ ،‬فعندم�ا يريد أن يطلب أحد األق�ارب أو األصدقاء أو‬ ‫َّ‬
‫ِّصال أو ٍ‬
‫لقاء‬ ‫الزملاء كان يدير ق�رص اهلاتف طالب ًا إ َّي�اه‪ ،‬حتَّى ولو مىض عىل آخ�ر ات ٍ‬ ‫ُّ‬
‫هاتف يف حياته‪ ،‬ومل يطلب من أحد منَا‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬
‫باختصار‪ ،‬مل يكتب رقم‬ ‫سن ٌة أو سنتان أو أكثر‪.‬‬
‫خاص به(‪.)1‬‬ ‫ٍ‬
‫عنوان‬ ‫تسجيل رق ٍم‪ ،‬أو‬
‫ٍّ‬
‫* * *‬

‫الش�يخ أبو اليرس عابدين ‪ -‬رمح�ه اهلل ‪ )2(-‬أنموذج ًا‬


‫الش�يخ عيل الطنطاوي‪ :‬كان َّ‬
‫ق�ال َّ‬

‫(‪« )1‬حمم�د أبو زه�رة إمام الفقهاء املعارصي�ن واملدافع اجلريء عن حقائق الدي�ن» للدكتور حممد عثامن‬
‫بشري (ص ‪.)58‬‬

‫الش�يخ حمم�د أبو اليرس ب�ن حممد أيب اخلري عابدين يف دمش�ق س�نة (‪1307‬ه�ـ)‪ ،‬درس الطب‬‫(‪ )2‬ول�د َّ‬
‫واحلق�وق م�ع دراس�ته وختصص�ه يف عل�وم الرشيعة‪ .‬خت�رج عىل يدي�ه كبار علـمـ�اء دمش�ق ومفكرهيا‪،‬‬
‫وش�ارك يف الثورات ضد املس�تعمر الفرنيس‪ ،‬وعكف على التدريس والتأليف إىل آخر حياته‪ ،‬تويف س�نة‬
‫(‪1401‬هـ)‪« .‬علـمـاء الش�ام يف القرن العرشين وجهودهم يف إيقاظ األمة والتصدي للتيارات الوافدة»‬
‫بقلم حممد حامد النارص‪.‬‬

‫‪43‬‬
‫الس�لف‪،‬‬
‫الرواية والنَّقل عن َّ‬ ‫لعلـمـ�اء القرن الـمـ�ايض‪ ،‬والقرون ِّ‬
‫املتأخ�رة قبله‪ ،‬يف ِّ‬
‫ٍ‬
‫كبرية‪.‬‬ ‫فقدقرأ حاشية ابن عابدين وأقرأها أكثر من ثالثني مرةً‪ ،‬واحلاشية مخس جم َّل ٍ‬
‫دات‬ ‫َّ‬

‫كان أب�و اليسر فقيه� ًا حنف ًّي�ا متمكِّن� ًا‪ ،‬وفهرس� ًا ناطق� ًا (كمبيوت�ر) لكت�ب الفقه‬

‫احلنفي‪ ،‬تس�أله عن املس�ألة فيد ُّل�ك عىل موضعها من الكتاب ا َّلذي ه�ي فيه‪ ،‬كأنَّه هو‬
‫ِّ‬

‫ا َّل�ذي وضعه�ا بيده‪ ،‬ووجدت مص�داق ذلك َّ‬


‫لـمـا كنت مستش�ار ًا يف حمكمة النَّقض‬

‫ثم يف حمكمة القاهرة أ َّيام الوحدة‪ ،‬كنَّا يف اجللس�ات ا َّلتي تعقدها املحكمة‬
‫يف س�ور َّية‪َّ ،‬‬

‫يف دمش�ق تعرض لنا مس�أل ٌة فقه َّي ٌة‪ ،‬فأس�تأذن من َّ‬
‫الرئيس بأن أهتف َّ‬
‫بالشيخ أيب اليرس‬

‫الشام‪ ،-‬فإذا سألته عنها أجابني فور ًا‪ ،‬ود َّلني عىل املرجع‪ ،‬فكان َّ‬
‫الرئيس‬ ‫‪-‬وكان مفتي َّ‬

‫واملستشارون يدهشون من ذلك ويكربونه(‪.)1‬‬

‫*‬ ‫*‬ ‫*‬

‫يذك�ر يف ترمجة َّ‬


‫الش�يخ إبراهيم بن عبد اهلل اهلويش ‪ -‬رمح�ه اهلل ‪ )2(-‬أنَّه لـمـا أراد‬
‫ٍ‬
‫مكان ال خيرج منه إلاَّ للضرَّ ورة أو‬ ‫حفظ ألف َّية ابن مالك يف النَّحو أغلق عىل نفس�ه يف‬

‫(‪« )1‬علـمـ�اء الش�ام يف الق�رن العرشين وجهودهم يف إيق�اظ األمة والتصدي للتي�ارات الوافدة» (ص‬
‫‪ )245‬بقلم حممد حامد النارص‪.‬‬

‫الش�يخ إبراهيم بن عبد اهلل اهلويش يف مدينة ش�قراء س�نة (‪1319‬هـ)‪ ،‬وقرأ عىل مش�ايخ بلده‪،‬‬ ‫(‪ )2‬ولد َّ‬
‫وويل قض�اء (املوية)‪ ،‬وتوىل التدريس يف بعض املدارس‪ .‬وكان حمب ًا للمطالعة‪َ ،‬و ُقرىء عليه املطوالت من‬
‫الكتب‪ .‬تويف يف الرياض سنة (‪1405‬هـ)‪« .‬علـمـاء نجد»‪.‬‬

‫‪44‬‬
‫أتم حفظها(‪.)1‬‬
‫الصالة حتَّى َّ‬
‫َّ‬

‫*‬ ‫*‬ ‫*‬

‫حرض َّ‬
‫الشيخ حممد صالح الفرفوري ‪ -‬رمحه اهلل ‪ )2( -‬إىل الدَّ رس يف ليلة زفافه قبل‬

‫سيتأخر أو يتخ َّلف (‪.)3‬‬


‫َّ‬ ‫الفجر يف حني ظ َّن ال َّطلبة أو توهمَّ وا َّ‬
‫أن َّ‬
‫الشيخ‬

‫*‬ ‫*‬ ‫*‬

‫(‪« )1‬علـمـاء نجد خالل ثامنية قرون» (‪.)359/1‬‬

‫الش�يخ حممد بن صالح الفرفوري بدمش�ق س�نة (‪1318‬ه�ـ)‪ ،‬تلقى مبادئ العلوم يف املدرس�ة‬ ‫(‪ )2‬ول�د َّ‬
‫العثامني�ة الكاملية‪ .‬عم�ل يف النجارة يف أول حياته ليعيل أرسته بعد وفاة والده‪ .‬وقد عرف بالعلم والكرم‬
‫والشجاعة‪ ،‬وشارك يف الثورة الفرنسية ضد الفرنسيني‪ ،‬واملقاومة الشعبية ضد العدوان الثالثي عىل مرص‪.‬‬
‫الشيخ حممد صالح الفرفوري حياته العلمية وهنضته وآثاره» تأليف عمر‬ ‫تويف سنة (‪1407‬هـ)‪« .‬العالمة َّ‬
‫بن موفق النشوقايت‪.‬‬

‫(‪« )3‬العالم�ة َّ‬


‫الش�يخ حممد صالح الفرفوري حياته العلمية وهنضته وآث�اره» (ص ‪ )101‬تأليف عمر بن‬
‫موفق النشوقايت‪.‬‬

‫‪45‬‬
‫ٍ‬
‫بمرض يف‬ ‫كان َّ‬
‫الشيخ عبد اهلل علوان ‪ -‬رمحه اهلل ‪ )1( -‬يكثر من التَّأليف‪ ،‬وأصيب‬

‫ٍ‬
‫هيكل‪ ،‬ولكنَّه مل يضعف‪،‬‬ ‫مـج�رد‬
‫َّ‬ ‫الس�تِّني من عمره ففتك به وأحاله إىل‬
‫كب�ده وهو يف ِّ‬

‫إذ مضى يؤ ِّل�ف ويكتب وهو على رسير املرض‪ ،‬وكثري ًا ما كان خيلع ثوب املستش�فى‬

‫ثم يعود‬
‫وييمم جتاه قاعات اجلامعة إللق�اء املحارضات َّ‬
‫ويس�تبدل به مالبس�ه العاد َّية ِّ‬

‫للمستشفى‪.‬‬

‫رب عل ٍم‪ ،‬حيث يتوافد النَّاس ‪ -‬املرىض َّ‬


‫والزائرون ‪-‬‬ ‫وكانت حجرته يف املستشفى من َ‬

‫للفتوى واالستشارة واملؤانسة (‪.)2‬‬

‫*‬ ‫*‬ ‫*‬

‫الش�يخ عبد اهلل ناصح علوان يف حلب س�نة (‪1347‬ه�ـ)‪ ،‬تلقى ببلده العل�وم الرشعية وأكمل‬ ‫(‪ )1‬ول�د َّ‬
‫دراس�ته يف األزهر‪ ،‬وحصل عىل الدكتوراه من باكس�تان‪ .‬كان أس�تاذ ًا يف جامعة امللك عبد العزيز بجدة‪،‬‬
‫ألف ما يقرب من مخسني كتاب ًا‪ .‬تويف سنة (‪1407‬هـ)‪ « .‬تتمة األعالم للزركيل» ملحمد خري رمضان‪.‬‬

‫(‪« )2‬تتمة األعالم للزركيل» (‪ )28/2‬تأليف‪ :‬حممد خري رمضان يوسف‪.‬‬

‫‪46‬‬
‫الش�يخ املحدِّ ث أبو ال َّط ِّيب الفوجياين ‪ -‬رمحه اهلل ‪ )1(-‬ال يبايل بقيمة الكتاب‬
‫كان َّ‬
‫املهم وج�وده عنده‪ ،‬ويذكر أنَّه اشترى «التَّمهيد لـمـ�ا يف املو َّطأ من‬ ‫مهما كان�ت‪ ،‬بل ُّ‬
‫دة آنذاك) بعرشة آالف روب َّي ٍة باكستان َّي ٍة‪ ،‬أي‪:‬‬
‫املعاين واألسانيد» (عرشة أجزاء غري جم َّل ٍ‬

‫سعودي آنذاك بل أزيد (‪.)2‬‬


‫ٍّ‬ ‫حوايل ثالثة آالف ٍ‬
‫ريال‬
‫*‬ ‫*‬ ‫*‬
‫الش�يخ عب�د العزيز ب�ن أمحد املش�يقح َّ‬
‫الش�يخ عب�د اهلل بن حمم�د الدويش‬ ‫س�أل َّ‬
‫�ت ‪ -‬أي البخاري ومس�لم وأبو‬ ‫‪ -‬رمحه اهلل ‪ -‬يقولون إنَّك حتفظ األُ َّمهات ِّ‬
‫الس َّ‬ ‫(‪)3‬‬

‫داود والترِّ مذي والنَّس�ائي وابن ماجه ‪ -‬فأجاب َّ‬


‫الشيخ‪ :‬نعم أحفظها ولكن «صحيح‬
‫ٍ‬
‫تربيط‪.‬‬ ‫مسلم» حيتاج إىل‬
‫وكان بعض طلاَّ به يقرأ عليه من «صحيح البخاري» يف َّ‬
‫الس�فر‪ ،‬فقال له َّ‬
‫الش�يخ‪:‬‬
‫ِ‬
‫أئت باحلديث وأقرأ عليك اإلسناد‪ ،‬مع كثرة اختالف األسانيد للحديث الواحد‪.‬‬
‫الشيخ عبد اهلل مواقف ُّ‬
‫تدل دالل ًة‬ ‫الشيخ وليد بن أمحد احلسني أحد تالميذ َّ‬ ‫ويورد َّ‬
‫ٍ‬
‫وس�عة يف الفقه‪،‬‬ ‫ٍ‬
‫عالية عىل احلفظ‪،‬‬ ‫ٍ‬
‫ق�درة‬ ‫كبير ًة على ما متع اهلل به َّ‬
‫الش�يخ عبد اهلل من‬

‫(‪ )1‬ول�د َّ‬


‫الش�يخ املحدث أب�و الطيب حممد عط�اء اهلل حنيف الفوجي�اين يف قرية (فهو جيان) يف اهلند س�نة‬
‫ودرس يف بعض املدارس‬ ‫(‪1326‬ه�ـ)‪ ،‬وتلق�ى العلم عىل عدد من مش�ايخ قريت�ه‪ ،‬وبعض علـمـاء اهلن�د‪َّ ،‬‬
‫التابع�ة جلمعي�ة أهل احلديث‪ ،‬عرف بالزهد يف الدنيا‪ ،‬واإلقبال عىل اآلخرة‪ ،‬واالجتهاد يف الدعوة يف بالده‪.‬‬
‫تويف سنة (‪1408‬هـ)‪« .‬كوكبة من أئمة العلم واهلدى» للقريويت‪.‬‬

‫(‪« )2‬كوكبة من أئمة العلم واهلدى ومصابيح الدجى» (ص ‪ )51‬إعداد د‪ .‬عاصم بن عبد اهلل القريويت‪.‬‬

‫الشيخ عبد اهلل بن حممد الدويش يف الزلفي سنة (‪1373‬هـ)‪ ،‬وقدم مدينة بريدة سنة (‪1391‬هـ)‪،‬‬ ‫(‪ )3‬ولد َّ‬
‫وق�رأ عىل علـمـائها‪ ،‬وكان واس�ع األفق‪ ،‬جيد الفهم واحلف�ظ لـمـا يقرأ ويلقى علي�ه‪ ،‬عالـمـ ًا بالعقيدة‬
‫والتوحيد والتفسري والفقه والنحو‪ ،‬مع ما عرف عنه من كثرة العبادة‪ ،‬واإلعراض عن القيل والقال‪ .‬توىف‬
‫سنة (‪1409‬هـ)‪« .‬علـمـاء نجد»‪.‬‬

‫‪47‬‬
‫الش�يخ وليد‪ :‬أذكر م�ن املواقف النَّبيلة ا َّلتي ُّ‬
‫تدل عىل س�عة‬ ‫ٍ‬
‫وق�درة على الفهم‪ ،‬يقول َّ‬
‫الش�يخ سامل بن سعد ال َّطويل من الكويت‬
‫الش�يخ ‪ -‬رمحه اهلل ‪ -‬أنَّه عندما زارين َّ‬
‫حفظ َّ‬
‫الش�يخ الدويش‪ ،‬لطرح بعض‬ ‫ومع�ه بعض طَّل�اَّ ب علم احلديث‪ ،‬فطلب�وا منِّي زيارة َّ‬
‫ٍ‬
‫متابعات‬ ‫األس�ئلة يف عل�م احلديث‪ ،‬فطرحوا علي�ه بعض األحاديث ا َّلتي مل جي�دوا هلا‬
‫بالسند واملتن ِّ‬
‫لكل‬ ‫الص َّحة‪ ،‬فكان َّ‬
‫الشيخ يميل عليهم املتابعات َّ‬ ‫تقوهيا‪ ،‬وترتقي هبا إىل ِّ‬
‫ِّ‬
‫إن بعض املتابعات كانت من كتاب «مش�كل اآلثار» لل َّطحاوي ذكرها‬ ‫ٍ‬
‫حديث‪ ،‬حتَّى َّ‬
‫الشيخ بأسانيدها‪ ،‬فانبهر األخوة ا َّلذين معنا حتَّى كادوا أن يكذبوا َّ‬
‫الشيخ‪ ،‬ويستبعدوا‬ ‫َّ‬
‫ضبط ما نقله من حفظه‪ ،‬حتَّى إذا رجعوا إىل ما أحاهلم إليه يقنوا صدق َّ‬
‫الش�يخ وس�عة‬
‫حفظه‪.‬‬
‫الش�يخ‬ ‫الش�يخ ولي�د موقف ًا آخ�ر ًا يف هذا ِّ‬
‫الس�ياق فيق�ول‪ :‬عندما زارين َّ‬ ‫وي�روي َّ‬
‫الري�اض ‪ -‬ومعه أحد طلبة العل�م وطلب منِّي‬ ‫عب�د العزيز الس�دحان ‪ -‬من مش�ايخ ِّ‬
‫وتقصيهم‪،‬‬ ‫حديث أشكل عليه‪ ،‬فلم جيدوا له متابع ًا مع بحثهم‬ ‫ٍ‬ ‫الش�يخ‪ ،‬لوجود‬‫زيارة َّ‬
‫ِّ‬
‫ٍ‬
‫خاضعة إلدارة التَّعليم وغري‬ ‫ٍ‬
‫مدرسة غري‬ ‫فتوجهنا إىل َّ‬
‫الشيخ ‪ -‬رمحه اهلل ‪ -‬وكان ذلك يف‬ ‫َّ‬
‫مغاي�ر ملناهج املدارس النِّظام َّية‪ ،‬فهي تركِّز على العلوم الشرَّ ع َّية‪،‬‬ ‫حكومي ٍ‬
‫�ة‪ ،‬ونظامها‬
‫ٌ‬ ‫َّ‬
‫ٍ‬
‫معرتف‬ ‫وأكثر غزارة يف العلم والتَّحصيل من املدارس النِّظام َّية‪ ،‬وشهادة املدرسة غري‬
‫احلكومي‪ ،‬لتكون ضمن‬
‫ِّ‬ ‫ضمت إىل إدارة التَّعليم‬
‫ولـمـ�ا َّ‬
‫هب�ا لدى اجلهات احلكوم َّية‪َّ ،‬‬
‫ثم‬ ‫الش�يخ وبعض طلاَّ به‪ ،‬فدخلنا عىل َّ‬
‫الش�يخ ‪ -‬رمحه اهلل ‪َّ ،-‬‬ ‫املدارس النِّظام َّية تركها َّ‬
‫الشيخ الدويش عن احلديث‪ ،‬فأجابه َّ‬
‫الشيخ‬ ‫الشيخ عبد العزيز السدحان فضيلة َّ‬ ‫سأل َّ‬
‫إن ل�ه متابع ًا َّ‬
‫يتقوى به يف «مس�ند اإلم�ام أمحد»‪ ،‬حيث ق�ال اإلمام أمحد يف‬ ‫الدوي�ش‪َّ :‬‬
‫ثم ذكر طريق ًا آخر بسنده ومتنه أيض ًا يف «مسند‬
‫السند واملتن‪َّ ،‬‬
‫«مسنده»‪ :‬حدَّ ثنا‪ ..‬فذكر َّ‬
‫تعجب َّ‬
‫الش�يخ عبد العزيز‪ ،‬وكاد أن ال‬ ‫اإلمام أمحد»‪ ،‬وعندما خرجنا من عند َّ‬
‫الش�يخ َّ‬

‫‪48‬‬
‫ٍ‬
‫مطمئن‪ ،‬وجد‬ ‫الش�يخ من حفظه حتَّى إذا ما رجع إىل املس�ند وقلبه غري‬ ‫يصدق ما نقله َّ‬
‫الشيخ حرف ًا واحد ًا» (‪.)1‬‬‫الكالم ال خيتلف عماَّ قاله َّ‬
‫* * *‬
‫الش�يخ عبد اهلل بن حس�ن بن عيل آل بريكان‬ ‫العلمي بعنيزة عينِّ َّ‬
‫ُّ‬ ‫لـمـا فتح املعهد‬
‫مدرس ًا‪ ،‬فأفاد الطلاَّ ب‪ ،‬وارتاحوا يف دروسه وحسن تعليمه‪ ،‬وكان‬ ‫‪ -‬رمحه اهلل ‪ -‬فيه ِّ‬
‫(‪)2‬‬

‫املدرسين الوطن ِّيني وال القادمني‬‫املق�ررات علم العروض والقوايف‪ ،‬ومل يكن من ِّ‬ ‫م�ن َّ‬
‫َم ْن له إلـمـا ٌم به‪ ،‬فعرضوا عليه تدريسه‪ ،‬فقبل وهو مل يسبق له دراسته‪ ،‬فصار يراجعه‬
‫رشح وأفضل ٍ‬
‫بيان (‪.)3‬‬ ‫ثم يلقيه عىل ال ُّطلاَّ ب بأحسن ٍ‬ ‫َّ‬
‫* * *‬
‫الش�يخ عبد الق�ادر أندجياين ‪ -‬رمح�ه اهلل ‪ )4(-‬يف حفظ َّ‬
‫«الش�اطب َّية» بعد س� ِّن‬ ‫ب�دأ َّ‬
‫ويكرر البي�ت ألف مرة‪ ،‬حتَّى أكمل‬ ‫األربعين‪ ،‬فكان حيف�ظ َّ‬
‫كل يو ٍم بيت ًا واحد ًا فقط‪ِّ ،‬‬
‫ومائة وألف يو ٍم بعدد أبيات َّ‬
‫«الش�اطب َّية»‪ ،‬وكذلك الدُّ َّرة يف‬ ‫ٍ‬ ‫حفظها يف ٍ‬
‫ثالثة وس�بعني‬
‫املتممة للعرش(‪.)5‬‬‫القراءات ال َّثالث ِّ‬
‫* * *‬

‫(‪« )1‬من أعالمنا ‪ -‬تراجم لبعض أعالم املسلمني» (ص ‪ )97‬لعبد العزيز بن صالح العسكر‪.‬‬

‫الشيخ عبد اهلل بن حسن آل بريكان يف عنيزة سنة (‪1324‬هـ)‪ ،‬والزم َّ‬
‫الشيخ العالمة عبد الرمحن‬ ‫(‪ )2‬ولد َّ‬
‫السعدي‪ ،‬وقد عرف بجودة الفهم‪ ،‬وقوة االستحضار‪ .‬توىف سنة (‪1410‬هـ)‪« .‬علـمـاء نجد»‪.‬‬

‫(‪« )3‬علـمـاء نجد خالل ثامنية قرون» (‪.)68/4‬‬

‫ثم هاجر إىل أفغانستان‬ ‫(‪ )4‬ولد َّ‬


‫الش�يخ عبد القادر خال مرزا األندجياين ‪ -‬رمحه اهلل ‪ -‬س�نة (‪1330‬هـ)‪َّ ،‬‬
‫شاب‪ ،‬وحفظ القرآن والعلوم الرشعية‪ .‬رحل إىل مكة واملدينة‪ ،‬واستقر باملدينة‪ ،‬وأخذ عن علـمـائها‬‫وهو ٌّ‬
‫ح َّتى تصدر يف إقراء القرآن‪ ،‬فأخذ ال َّناس عنه‪ .‬تويف سنة (‪1416‬هـ)‪.‬‬

‫(‪« )5‬إمت�اع الفضالء برتاجم القراء يف ما بعد القرن الثامن اهلجري» إللياس بن أمحد حسين بن س�ليامن‬
‫الربماوي (‪.)438/1‬‬

‫‪49‬‬
‫محاد األنصاري (‪ )1‬كتاب «تاريخ دمشق» البن عساكر‪ ،‬وك َّلفه سبعة‬
‫الشيخ َّ‬‫اشرتى َّ‬
‫عدي حني جلبه من تركيا عام (‪1384‬هـ)‬ ‫آالف ٍ‬
‫ريال‪ ،‬وك َّلفه كتاب «الكامل» البن ٍّ‬
‫ريال‪ ،‬يف حني كان راتبه آنذاك ألف ٍ‬
‫ريال (‪.)2‬‬ ‫مبلغ ألف ٍ‬
‫*‬ ‫*‬ ‫*‬

‫تزوج الدُّ كتور العلاَّ مة حممود‬


‫لـمـا َّ‬
‫الش�يخ حممد بن نارص العجمي قال‪َّ :‬‬ ‫حدَّ ثني َّ‬
‫الطناح�ي ‪ -‬رمح�ه اهلل ‪ )3(-‬أخذ زوجته يف بداية زواجهام ليشتريا ثالج ًة ملنزهلام‪ ،‬فرأى‬
‫يف ال َّطريق مكتب ًة تبيع كتاب «تاج العروس»‪ ،‬فأقنع زوجته حتَّى اشرتيا بام عندمها من‬

‫الش�يخ مح�اد بن حممد بن حممد األنصاري يف مايل س�نة (‪1343‬هـ)‪ ،‬ودرس على علـمـاء بلده‬ ‫(‪ )1‬ول�د َّ‬
‫ح َّتى هاجر إىل املدينة بعد االس�تعامر الفرنيس س�نة (‪1367‬هـ)‪ ،‬درس عىل علـمـاء املدينة ح َّتى صار من‬
‫حمبا جلمع الكتب واالس�تفادة منها‪ ،‬فكان�ت مكتبته مفتوحة‬
‫كب�ار علـمـائها الس�يام علوم الس�نة‪ .‬وكان ًّ‬
‫لطالب العلم صباح ًا مس�اء‪ .‬تويف س�نة (‪1418‬هـ)‪« .‬كوكبة من أئمة العل�م واهلدى ومصابيح الدجى»‬
‫للقريويت‪.‬‬

‫(‪« )2‬كوكبة من أئمة العلم واهلدى ومصابيح الدجى» (ص ‪ )83‬إعداد د‪ .‬عاصم بن عبد اهلل القريويت‪.‬‬

‫ثم انتقل إىل القاهر‪ ،‬وحفظ‬


‫(‪ )3‬ولد الدكتور حممد الطناحي س�نة (‪1935‬م) يف حمافظة املنوفية يف مرص‪َّ ،‬‬
‫ودرس‬
‫القرآن يف صغره‪ .‬وتلقى تعليمه النظامي يف القاهرة ح َّتى حصل عىل الدكتوراه س�نة (‪1978‬م)‪َّ .‬‬
‫يف مرص والسعودية‪ .‬كانت له مشاركات يف العديد من املؤمترات والندوات العلمية‪ ،‬وبرز يف حتقيق كتب‬
‫الرتاث وخدمة كتب اللغة واألدب‪ .‬توىف سنة (‪1999‬م)‪« .‬حممود الطناحي ذكرى لن تغيب»‪.‬‬

‫‪50‬‬
‫الكتاب وتركا ال َّثالجة(‪.)1‬‬
‫َ‬ ‫ٍ‬
‫مال‬
‫*‬ ‫*‬ ‫*‬

‫األلباين ‪ -‬رمح�ه اهلل ‪ :)2(-‬يف يو ٍم اش�تكيت من أملٍ‬


‫ُّ‬ ‫ق�ال َّ‬
‫الش�يخ حممد ن�ارص الدين‬
‫يف عيني‪ ،‬فعرضت نفيس عىل ال َّطبيب‪ ،‬وس�ألني عن عميل‪ ،‬فقلت‪ :‬س�اعايت‪ ،‬وأطالع‬
‫ٍ‬
‫أش�هر مع العالج‪ ،‬ورجع�ت إىل الدُّ كَّان‪،‬‬ ‫الكت�ب كثري ًا‪ ،‬فطلب منِّي َّ‬
‫الراحة ملدَّ ة س�تَّة‬
‫يترسب إ َّيل‪ ،‬ويف‬
‫فكن�ت ال أعم�ل وال أذهب لطلب العلم ملدَّ ة أس�بوعني‪ ،‬وبدأ املل�ل َّ‬
‫ٍ‬
‫عديدة‪ ،‬إحداها يف «ذم‬ ‫أن يف املكتبة ال َّظاهر َّية جمموعة رسائل‬ ‫أثناء ذلك خطر يف بايل‪َّ :‬‬
‫الرسالة‪.‬‬ ‫املالهي» البن أيب الدُّ نيا‪ ،‬فك َّلفت اخل َّطاط باملكتبة ال َّظاهر َّية أن ينسخ يل هذه ِّ‬
‫نقص‪ ،‬وأوصيت‬
‫الرسالة املذكورة فيها ٌ‬ ‫بعد ذلك ذهبت إىل املكتبة‪ ،‬واتَّضح يل َّ‬
‫أن ِّ‬
‫أن املفقود ورق ٌة‪ ،‬فال س�بيل إليها إلاَّ‬
‫النَّاس�خ أن يمضي قدم� ًا يف عمله‪ ،‬وبعد تأكُّ�دي َّ‬

‫(‪ )1‬جمموعة مقاالت‪ .‬إعداد‪ :‬حممد حممود الطناحي‪.‬‬

‫الش�يخ حممد نارص الدين بن نوح نجايت األلباين يف ألبانيا ‪ -‬موطنه األصيل ‪ -‬س�نة (‪1332‬هـ)‪،‬‬ ‫(‪ )2‬ولد َّ‬
‫هاج�ر أبوه يف حدود س�نة (‪1341‬هـ) إىل دمش�ق لفس�اد الدين يف بل�ده‪ .‬وقد قرأ عىل بعض املش�ايخ يف‬
‫درس يف اجلامعة‬
‫والس َّنة‪َّ .‬‬
‫ثم توجه إىل علم احلديث وعكف عليه ح َّتى اقرتن اسمه بنرصة احلديث ُّ‬ ‫صغره‪َّ .‬‬
‫الس َّنة بتأليف مؤلفات كثرية يف‬
‫ثم رجع إىل دمشق واستقر يف عامن‪ ،‬وقد نرص ُّ‬
‫اإلسالمية يف املدينة املنورة‪َّ ،‬‬
‫علم احلديث وغريه‪ .‬تويف سنة (‪1420‬هـ)‪« .‬صفحات بيضاء من حياة اإلمام األلباين» لعطية بن صدقي‪.‬‬

‫‪51‬‬
‫وخصصت جانب ًا يف املكتبة‪،‬‬
‫َّ‬ ‫بالبحث والتَّفتيش عن هذه الورقة‪ ،‬وبدأت أبحث عنها‪،‬‬
‫كبري يف حتصيل العلم‪،‬‬ ‫بربح ٍ‬‫سمى بجانب (املجاميع)‪ ،‬ويف أثناء ذلك خرجت ٍ‬ ‫وهو ما ُي َّ‬
‫�د‪ ،‬والبحث ٍ‬
‫جار‬ ‫ث�م ازدادت مهت�ي يف البحث حتَّى انتهيت من أكثر من مخسمائة جم َّل ٍ‬
‫َّ‬ ‫َّ‬
‫كل جم َّل ٍد‬
‫وأمر عىل ِّ‬
‫ثم أخذت ُس� َّل ًام أصعد عليه لألرفف العلو َّية ُّ‬
‫الضائعة‪َّ ،‬‬‫عن الورقة َّ‬
‫وأس�جل َّ‬
‫كل ما أراه نفيس� ًا أثناء البحث‪ ،‬فاستفدت كثري ًا من هذا البحث‪،‬‬ ‫ِّ‬ ‫من الكتب‬
‫املهمة‪ ،‬ومداومة النَّظر‪.‬‬
‫املهمة بسبب هذه َّ‬ ‫وفتح اهلل تعاىل يل كثري ًا من املسائل َّ‬
‫سمى‪( :‬بالدست) أو (الدشت)‪،‬‬ ‫ٍ‬
‫ثم انتقلت يف البحث إىل مكان آخر وهو ما ُي َّ‬ ‫ومن َّ‬
‫أوراق مكدَّ ٍ‬
‫س�ة‪ ،‬ال يقرتب منها أحدٌ ‪ ،‬فطلبت من مو َّظف املكتبة (أبو‬ ‫ٍ‬ ‫وهي عبارة عن‬
‫مهدي) أن يريني مكان (الدشت)‪ ،‬فأشار إىل مكانه‪ ،‬فذهبت وبدأت يف البحث إىل أن‬
‫عيل وعثرت عىل النُّسخة املغرب َّية لـ«مسند ِّ‬
‫الشهاب» للقضاعي‪ ،‬وهبذا الفضل‬ ‫فتح اهلل َّ‬
‫اإلهلي استكملت النُّسخة األوىل املوجودة يف املكتبة ال َّظاهر َّية من «مسند ِّ‬
‫الشهاب»‪.‬‬ ‫ِّ‬
‫فذهبت هبا فرح ًا مرسور ًا إىل مدير املكتبة‪ ،‬ولكن املدير مل َ‬
‫يلق هلذه النُّسخة النَّفيسة‬
‫باالً لعدم علمه ومعرفته هبذا العلم النَّفيس‪.‬‬
‫والسنون‪ ،‬فقام َّ‬
‫الشيخ الفاضل محدي عبد املجيد السلفي بتحقيق‬ ‫ثم دارت األ َّيام ُّ‬
‫َّ‬
‫ه�ذا الكت�اب وطبعه من تلك النُّس�خة ا َّلتي عث�رت عليها‪ ،‬فطبع يف املكتب�ة ا َّلتي كان‬
‫يعمل فيها َّ‬
‫الشيخ شعيب األرناؤوط‪ ،‬وهي مؤسسة الرسالة‪.‬‬
‫س�جلتها هل�ذه املؤ َّلف�ات‪ ،‬فكتبتها من‬
‫ورجع�ت ‪ -‬فيما بع�د ‪ -‬إىل األسماء ا َّلتي َّ‬
‫بطاقات‪ ،‬ورتَّبت األرفف عىل أسماء املؤ ِّلفني‪ ،‬وكان من ذلك املنتخب من‬‫ٍ‬ ‫ٍ‬
‫جديد عىل‬
‫خمطوطات احلديث يف املكتبة ال َّظاهر َّية‪.‬‬
‫ث�م ج�اءت املرحلـة األخيـ�رة‪ ،‬وهـي ال َّثمـ�رة املباركـة من ذل�ك اجلهد َّ‬
‫األول‪،‬‬ ‫َّ‬

‫‪52‬‬
‫فب�دأت أقـ�رأ املخطـوطات وأس�تخرج منها الفوائـ�د احلديث َّية‪ ،‬وأرتِّبه�ا كذلك عىل‬
‫الضائعة (‪.)1‬‬
‫قصة الورقة َّ‬
‫خمترص عن َّ‬
‫ٌ‬ ‫احلـروف اهلجائ َّية‪ ،‬فهذا‬
‫*‬ ‫*‬ ‫*‬

‫الش�يخ مصطفى الزرقا ‪ -‬رمحه اهلل ‪ :)2(-‬وأذكر أنيِّ يف ليايل ِّ‬


‫الش�تاء القارس�ة‬ ‫قال َّ‬
‫كنت أصليِّ العش�اء يف وقتها‪ ،‬وأقعد بجانب املدف�أة مك ًّبا عىل أوراقي ومراجعي‪ ،‬فال‬
‫أنتبه وإلاَّ بالفجر يدامهني‪.)3(..‬‬
‫*‬ ‫*‬ ‫*‬

‫(‪« )1‬صفح�ات بيضاء م�ن حياة اإلمام حممد نارص الدين األلباين» (ص‪ )31‬تأليف‪ :‬أيب أسماء عطية بن‬
‫صدقي عيل سامل‪.‬‬

‫الش�يخ مصطفى أمحد حممد الزرقا يف حلب س�نة (‪1322‬هـ) يف بيت علم وفضل‪ ،‬فأبوه وجده‬ ‫(‪ )2‬ولد َّ‬
‫ثم التحق بجامعة دمشق‪.‬‬ ‫من علـمـاء الشام املشهورين‪ .‬تلقى مبادئ العلوم والدراسة النظامية يف حلب‪َّ ،‬‬
‫ختل عن التدريس أو التأليف‪.‬‬‫رش�ح نفس�ه للنيابة عن مدينة حلب يف جملس النواب عام (‪1954‬م) دون ٍّ‬
‫ش�ارك يف العدي�د م�ن املؤمت�رات واملجامع العلمي�ة‪ .‬تويف س�نة (‪1420‬ه�ـ)‪« .‬علـمـاء الش�ام يف القرن‬
‫العرشين» ملحمد النارص‪.‬‬

‫(‪« )3‬علـمـاء الشام يف القرن العرشين وجهودهم يف إيقاظ األمة والتصدي للتيارات الوافـدة» (ص‪)53‬‬
‫بقلم حممد حامد النارص‪.‬‬

‫‪53‬‬
‫أرص‬ ‫ق�ال منري الغضبان يف َّ‬
‫الش�يخ حممد خري العرقس�ويس ‪ -‬رمح�ه اهلل ‪ : -‬لقد َّ‬
‫(‪)1‬‬

‫وهو حتت العناية املركَّزة يف املستشفى‪ ،‬أن خيرج منه ليشارك يف مناقشة رسالة دكتوراه‬

‫ألح�د تالمذته‪ ،‬وع�اد بعدها إىل العناية املركَّزة‪ ،‬أ َّما العجيب�ة ال َّثانية‪ :‬فهو إرصاره عىل‬
‫ٍ‬
‫كامل�ة إلح�دى طالباته وه�و يف العناي�ة املركزة كذل�ك‪ ،‬ووضع عليها‬ ‫ٍ‬
‫رس�الة‬ ‫ق�راءة‬

‫مالحظاته وتصويباته خمالف ًا قرار األط َّباء يف ذلك‪.‬‬

‫هذا ما سمعته من أهله األدنني‪.‬‬

‫وأ َّم�ا م�ا س�معته من أح�د زمالئه ا َّلذي�ن كان�وا تالمذت�ه‪ ،‬أنَّه عندم�ا كان حيرض‬

‫الدُّ كت�وراه حتت إرشافه‪ ،‬حتتَّمت عليه االس�تقالة من عمله‪ ،‬وه�و عاجز ماد ًّيا‪ ،‬فجاءه‬

‫وأرص عىل ذلك ليتابع األس�تاذ‬


‫َّ‬ ‫الدُّ كت�ور العرقس�ويس‪ ،‬وعرض علي�ه نصف راتب�ه‪،‬‬

‫َـحول ال ُّظروف الـمـاد َّية دون ذلك (‪.)2‬‬


‫العلمي‪ ،‬وال ت ُ‬
‫َّ‬ ‫حتصيله‬

‫*‬ ‫*‬ ‫*‬

‫الشيخ حممد خري بن حسن العرقسويس يف دمشق سنة (‪1342‬هـ)‪ ،‬ونشأ يتي ًام إذ استشهد والده‬ ‫(‪ )1‬ولد َّ‬
‫وعمره سنتان برصاص القوات الفرنسية‪ .‬تتلمذ منذ صغره عىل علـمـاء دمشق‪ .‬درس يف مدارس دمشق‬
‫ثم عاد إىل دمش�ق وتوىل التدريس فيها‪ ،‬ويف‬
‫ثم انقطع لقيام احلرب العاملية الثانية‪ .‬أكمل دراس�ته يف مرص َّ‬
‫َّ‬
‫بعض البالد اإلسالمية‪ .‬تويف سنة (‪1420‬هـ)‪« .‬علـمـاء الشام يف القرن العرشين» ملحمد النارص‪.‬‬

‫(‪« )2‬علـمـاء الشام يف القرن العرشين وجهودهم يف إيقاظ األمة والتصدي للتيارات الوافدة» (ص‪)234‬‬
‫بقلم حممد حامد النارص‪.‬‬

‫‪54‬‬
‫يصور‬ ‫كان َّ‬
‫الشيخ محد اجلارس ‪ -‬رمحه اهلل ‪ )1(-‬يف جتواله للبحث عن املخطوطات ِّ‬
‫املصورة‬
‫َّ‬ ‫الصديق أو أحد التَّالميذ دون أن يكون قد طلبه منه‪ ،‬وهيديه‬
‫م�ا حيتاجه ذلك َّ‬
‫ٍ‬
‫بفائدة وجدها‪،‬‬ ‫الصديق أو التِّلميذ‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬
‫مقابل‪ ،‬أو كان ‪ -‬عىل ِّ‬
‫تقدير ‪ -‬يكتب إىل َّ‬ ‫أقل‬ ‫دون‬
‫ٍ‬
‫مالحظة يفيد منها‪.‬‬ ‫ٍ‬
‫نسخة عثر عليها‪ ،‬أو‬ ‫وهو يعلم أنهَّ ا هتمه‪ ،‬أو يبعث إليه ٍ‬
‫بخرب عن‬
‫العلمي ورغبته اجلامـحة يف خدمة العلم إىل أبعد من هذا‪ ،‬في َّطلع‬
‫ُّ‬ ‫ويذه�ب كرم�ه‬
‫الرجال» لإلمام أمحد بن‬
‫يف مكتب�ة أياصوفية بإس�تانبول عىل خمطوطة «العلل ومعرف�ة ِّ‬
‫األول من�ه قد ص�در يف أنقرة حم َّقق ًا ع�ن هذه النُّس�خة الوحيدة‪،‬‬
‫حنب�ل‪ ،‬وكان اجل�زء َّ‬
‫أن من‬ ‫أن صعوب�ة قراءهتا ق�د أوقع املح ِّققين يف ٍ‬
‫كثري من التَّحري�ف‪ ،‬ويعلم َّ‬ ‫والح�ظ َّ‬
‫ه�ذا الكتاب قطع ًة حمفوظ ًة يف دار الكتب ال َّظاهر َّية بدمش�ق‪ ،‬فيبعث إىل صديقه هناك‬
‫ليصورها ويرس�لها إليه‪ ،‬ويقوم اجلارس بدوره فيدفعها إىل‬
‫ِّ‬ ‫األس�تاذ أمحد راتب النفاخ‬
‫املح ِّققني ليستعينا هبا يف تقويم معوج اجلزء املطبوع‪.‬‬

‫الش�يخ محد بن حممد اجل�ارس يف قرية الربود يف إقليم الرس بنجد نح�و عام (‪1328‬هـ)‪ ،‬ودرس‬ ‫(‪ )1‬ول�د َّ‬
‫على علـمـ�اء الرياض ومكة‪ ،‬وعمل يف س�لك التدري�س والصحافة‪َّ .‬‬
‫والش�يخ له عناية واطالع واس�ع‬
‫بالرتاث واألدب‪ ،‬وقد صنف وحقق يف الرتاث كتب ًا كثري ًة ال س�يام يف ما خيص اجلزيرة العربية‪ .‬تويف س�نة‬
‫(‪1421‬هـ)‪ « .‬محد اجلارس» ألمحد العالونة‪.‬‬

‫‪55‬‬
‫وم�ن ب�اب ح ِّبه للعلم أيض ًا تفريغ بعض وقته أو كثريه ملراجعة بعض ما كتبه أهل‬
‫ٍ‬
‫بطل�ب منهم‪ ،‬كام فعل مع الزركيل ا َّلذي قرأ عليه كثري ًا من فصول كتابه «ش�به‬ ‫العل�م‬
‫ولـمـا‬
‫اجلزي�رة يف عه�د امللك عب�د العزيز»‪ ،‬وكان ذل�ك يف مكتب اجلارس ببيروت‪َّ ،‬‬
‫أن الزركيل تأ َّثر ذات يو ٍم من أحد ُّ‬
‫الز َّوار وقد شغل وقتهام بالكالم‪ ،‬رجاه‬ ‫رأى اجلارس َّ‬
‫اجل�ارس بأن يبقى يف منزل�ه‪ ،‬فكان اجلارس حيرض إىل منزله فيقرأ ال�زركيل عليه َّ‬
‫كل يو ٍم‬
‫ساع ًة َّ‬
‫ثم يميض لبيته (‪.)1‬‬
‫*‬ ‫*‬ ‫*‬

‫(‪)2‬‬
‫س�جل فضيلة َّ‬
‫الش�يخ حممد بن عثيمين ‪ -‬رمحه اهلل ‪-‬‬ ‫ق�ال حممد رابع س�ليامن‪َّ :‬‬
‫خالل شهر رمضان الـمـايض موقف ًا مؤ ِّثر ًا أمام أط َّبائه ا َّلذين كانوا يرشفون عىل حالته‬

‫(‪« )1‬محد اجلارس جغرايف اجلزيرة العربية ومؤرخها ونسابتها» ألمحد العالونة (ص‪.)30‬‬

‫(‪ )2‬ول�د َّ‬


‫الش�يخ حممد بن صالح العثيمني ‪ -‬رمحه اهلل ‪ -‬يف عنيزة س�نة (‪1347‬ه�ـ)‪ ،‬وقد أخذ العلم عىل‬
‫الشيخ عبد الرمحن السعدي‪ ،‬وقد عرف بالزهد والورع‪ ،‬مع الفقه يف الدين‪ ،‬والتضلع‬ ‫مشايخ بلده السيام َّ‬
‫يف العلم‪ .‬بذل َّ‬
‫الش�يخ وقته لطالب العلم‪ ،‬وخترج عىل يديه األلوف يف جمالس�ه العامرة يف مس�جده والتي‬
‫درس فيها الكثري من الفنون‪ .‬تويف سنة (‪1421‬هـ) بعد إصابته برسطان القولون‪« .‬صفحات مرشقة من‬ ‫َّ‬
‫حياة َّ‬
‫الشيخ اإلمام ابن عثيمني»‪.‬‬

‫‪56‬‬
‫الصح َّية تس�تدعي راحته يف‬ ‫الصح َّي�ة داخل املس�جد احلرام‪ ،‬فقد كانت حالة َّ‬
‫الش�يخ ِّ‬ ‫ِّ‬
‫تل�ك ال َّليل�ة وعدم إلقائه الدَّ رس بعد صالة الترَّ اوي�ح؛ َّ‬
‫ألن األط َّباء يرغبون يف إضافة‬
‫د ٍم َّ‬
‫للش�يخ وعمل بعض الفحوصات‪ ،‬لكن َّ‬
‫الش�يخ قال هلم‪ :‬اعملوا ما شئتم وسألقي‬
‫الدَّ رس‪ ،‬فكان يتحدَّ ث ويلقي املحارضة واألط َّبا ُء يضعون اإلبر يف جسده لزيادة الدَّ م‬
‫الصح َّية العا َّمة‪،‬‬
‫والضغط واحلالة ِّ‬
‫واس�تكامل الفحوصات والتَّأكُّد من درجة احل�رارة َّ‬
‫فهك�ذا وإىل ه�ذه الدَّ رجة كان حرصه عىل نرش العلم وتعليم النَّاس حتَّى آخر يو ٍم من‬
‫رمضان قبل مغادرته املسجد احلرام (‪.)1‬‬
‫*‬ ‫*‬ ‫*‬
‫كان َّ‬
‫الشيخ حممد األمني بن أيدا اجلكني ‪ -‬رمحه اهلل ‪ )2(-‬من أحفظ النَّاس للقرآن‪،‬‬
‫َّبوي ورئيس‬
‫الرمحن احلذيفي إمام املس�جد الن ِّ‬ ‫وقال عنه َّ‬
‫الش�يخ الدُّ كتور عيل ب�ن عبد َّ‬
‫ال َّلجن�ة العلم َّية ملراجعة مصحف املدينة النَّبو َّية‪َّ :‬‬
‫الش�يخ الفاضل حممد األمني بن أيدا‬
‫من علـمـاء القرآن؛ حفظ ًا ورس ًام وضبط ًا‪.‬‬
‫الش�يخ حممد األمين بن حمم�د املختار اجلكن�ي صاحب‬ ‫وق�د اس�تفاد كثير ًا من َّ‬
‫«أضواء البيان»‪ ،‬وكان يقول فيه بعدما اجتمعا يف احلرمني الشرَّ يفني‪ :‬مل ِ‬
‫يأت من بالدنا‬
‫والرسم من ابن أيدا‪.‬‬
‫أتقن للقرآن وال للقراءة َّ‬

‫(‪« )1‬صفحات مرشقة من حياة َّ‬


‫الشيخ اإلمام ابن عثيمني» (ص‪.)24‬‬

‫(‪ )2‬ولد َّ‬


‫الش�يخ حممد األمني بن أيدا اجلكني ‪ -‬رمحه اهلل ‪ -‬بمنطقة كيفة يف بالد ش�نقيط سنة (‪1348‬هـ)‪،‬‬
‫ونشأ يف كنف والده‪ ،‬لقب بقالون جلودة حفظه ودقة ضبطه‪ .‬تويف ليلة ‪ 17‬رمضان سنة (‪1422‬هـ) ودفن‬
‫يف بقيع الغرقد‪.‬‬

‫‪57‬‬
‫ومر‬
‫توج�ه إىل املرشق ًّبرا َّ‬
‫الرابع عرش اهلجري َّ‬
‫الس�بعينات من الق�رن َّ‬
‫ويف أواخر َّ‬
‫بصحراء أزواد ولبث فيها فرت ًة للتِّجارة وا ْل َت َقى فيها َّ‬
‫بالش�يخ بادي بن محادي الكنتي‪،‬‬

‫وتذاك�ر م�ع فقهاء مـح َّلته‪ ،‬وطلبوا منه أن يصليِّ هبم الترَّ اويح ليلة س�ب ٍع وعرشين من‬
‫ٍ‬
‫واحدة (‪.)1‬‬ ‫ٍ‬
‫بتسليمة‬ ‫رمضان‪ ،‬فختم هلم القرآن الكريم من الفاحتة إىل سورة النَّاس‬

‫*‬ ‫*‬ ‫*‬

‫الش�يخ عبد اهلل بن يوس�ف الواب�ل(‪ )2‬علاَّ مة‬


‫الش�يخ س�عيد بن مس�فر‪ :‬كان َّ‬
‫ق�ال َّ‬

‫اجلن�وب ‪ -‬رمحه اهلل ‪ -‬جيلس معظم الوقت يف املس�جد وبيته لطلبة العلم‪ ،‬وكان يدفع‬
‫ٍ‬
‫ش�هر‪ ،‬وهذه املكافأة ال ترصف ش�هر ًّيا‪ ،‬بل ترصف‬ ‫كل‬ ‫ٍ‬
‫طالب مخس�ة عرش رياالً َّ‬ ‫ِّ‬
‫لكل‬

‫الستَّة حرم املكافأة ك َّلها‪ ،‬ولذا كنَّا‬ ‫ٍ‬


‫أش�هر‪ ،‬وإذا غاب ال َّطالب يوم ًا يف األشهر ِّ‬ ‫َّ‬
‫كل س�تَّة‬
‫ٍ‬
‫بحال من األحوال حرص ًا عىل هذه املكافأة (‪.)3‬‬ ‫ال نغيب‬

‫*‬ ‫*‬ ‫*‬

‫(‪« )1‬أعالم الش�ناقطة يف احلجاز واملرشق جهودهم العلمية وقضاياهم العامة» لبحيد ابن َّ‬
‫الش�يخ يربان‬
‫القلقمي اإلدرييس‪.‬‬

‫الشيخ عبد اهلل بن يوسف الوابل يف مدينة البكريية سنة (‪1328‬هـ)‪ ،‬ورحل إىل بريدة والرياض‬ ‫(‪ )2‬ولد َّ‬
‫وأخ�ذ ع�ن علـمـائها‪ ،‬وقد توىل القض�اء يف احللوة بحوطة بني متي�م‪ ،‬وانتقل قاضي ًا إىل أهب�ا‪ ،‬وكان يقوم‬
‫بالتدري�س لي�ل هنار يف مس�جده ومدرس�ته‪ ،‬وع�رف بتصحيح عقائد الن�اس‪ ،‬وحماربة اجله�ل والبدع يف‬
‫اجلنوب‪ ،‬كام عرف بالعبادة والزهد‪ .‬تويف سنة (‪1422‬هـ)‪« .‬جملة األرسة» العدد (‪.)97‬‬

‫(‪ )3‬الربنام�ج اإلذاع�ي «يف موكب الدعوة» ‪ -‬إذاعة القرآن الكريم يف الس�عودية ‪ -‬إعداد وتقديم‪ :‬حممد‬
‫ابن عبد اهلل املشوح‪.‬‬

‫‪58‬‬
‫ُّونيس ‪ -‬رمحه اهلل ‪ُ )1(-‬مو َلع ًا بمدارسة العلم‬
‫الـمـالكي الت ُّ‬
‫ُّ‬ ‫كان حممد أبو األجفان‬
‫منذ صغره‪ ،‬وذكر أنَّه عند ال َّطعام تراه عاد ًة ممس�ك ًا بيده اليمنى ال ُّلقمة أو امللعقة وبيده‬
‫اليرسى ك َُّراس ًا أو جزء ًا أو لوح ًا يراجعه أو حيفظه‪ ،‬وما كان يعرف ال َّلعب مثل أنداده‪،‬‬
‫احلفظ واملدارس� ُة‪ ،‬ال يض ِّيع وقته فيام ال ينفع‪ ،‬بل كان كثري ًا ما يغفل‬
‫ُ‬ ‫اليومي‬
‫ُّ‬ ‫بل ُش� ْغ ُله‬
‫عن طعام العشاء النشغاله بدرس العلم‪.‬‬
‫يم�ر به يو ٌم إلاَّ وقد‬
‫حب العل�م واملعرفة إىل أن مات ‪ -‬رمحه اهلل ‪ -‬ال ُّ‬
‫وق�د الزم�ه ُّ‬
‫ق�رأ وراجع عديد املس�ائل واملراجع‪ ،‬وذكر صهره األخ حمم�د اخلرضاوي أنَّه يف أ َّيامه‬
‫زي�ارة بجلب بعض‬ ‫ٍ‬ ‫املصح�ة كان يطالبه عن�د ِّ‬
‫كل‬ ‫األخيرة وه�و حبيس الف�راش يف‬
‫َّ‬
‫النُّص�وص أو األخبار العلم َّية ملطالعتها حتَّى يزداد علـمـ ًا ويغتنم أوقاته يف اخلري ولو‬
‫كان مريض ًا(‪.)2‬‬
‫*‬ ‫*‬ ‫*‬

‫(‪ )1‬ول�د َّ‬


‫الش�يخ َمـحم�د – بفتح امليم – بن اهلادي بن ُمـحمد ‪ -‬بضم املي�م ‪ -‬أبو األجفان الـمـالكي ‪-‬‬
‫رمحه اهلل ‪ -‬بالقريوان يف تونس س�نة (‪1936‬م) يف أرسة علمية فاضلة‪ .‬أخذ عن علـمـاء بلده‪ ،‬واش�تغل‬
‫بالتعليم‪ ،‬ونفع الناس‪ .‬وقد كان معروف ًا بس�عة اطالعه‪ ،‬وغزارة إنتاجه العلمي‪ ،‬ومش�ارك ًا يف العديد من‬
‫املؤسسات العلمية‪ .‬تويف سنة (‪2006‬م)‪.‬‬

‫(‪َّ )2‬‬
‫«الشيخ حممد أبو األجفان وجهده يف الفقه الـمـالكي» ملختار اجلبايل (ص ‪.)58‬‬

‫‪59‬‬
‫الش�يخة أم السعد رمحها اهلل(‪ :)1‬كنت ش�يخ ًة لتدريس القراءات وربة ٍ‬
‫بيت‪،‬‬ ‫تقول َّ‬
‫َّ‬ ‫َّ‬
‫أكنس وأغس�ل املالبس بيدي قبل خروج الغساالت‪ ،‬وأن ِّظف البابور باإلبرة‪ ،‬وكنت‬

‫الرجال ليأكلوا‪ ،‬ما كان عندي خادم ٌة‪ ،‬كان زوجي يروح ُّ‬
‫للسوق‬ ‫أعمل الوالئم ويأتيني ِّ‬
‫حيرض يل بعض األغراض (س�بانخ‪ ،‬حلمة‪ ،‬دجاج‪ ،‬بط‪ ،‬محام‪ ،‬فاصوليا‪ ،‬سمك)‪ ،‬كنت‬
‫وأحط اخلضار بال َّثالجة‪ ،‬وكانت تقول‪ :‬دين‬
‫ُّ‬ ‫بيدي‪،‬‬ ‫أن ِّظف َّ‬
‫الس�مك واحلامم والدَّ جاج َّ‬
‫ٌ‬
‫معول عىل‬ ‫ودنيا‪ ،‬يعني أنهَّ ا شيخ لتدريس القراءات دين ًا‪ ،‬ودنيا يف تدابري املنزل وما هو‬
‫أحب اخلادمات‪ ،‬أخاف أحد ًا يأخذ‬
‫النِّساء فيه‪ ،‬وتقول أيض ًا‪ :‬مل يكن عندي خادم ٌة وال ُّ‬
‫أغراضنا وال نعلم به‪ ،‬وإضاف ًة إىل ما تقدَّ م َّ‬
‫فإن َّ‬
‫الش�يخة تعرف اخلياطة‪ ،‬فتقول‪ :‬احلمد‬
‫هلل أعرف أخيط وأعمل بلوفرات (وهي قمصان)‪.‬‬
‫وما أن تدخل حارة َّ‬
‫الش�مريل بأحد أعرف أحياء اإلس�كندرية (بحري)‪ ،‬وتس�أل‬
‫الش�يخة حتَّى يتس�ابق اجلميع ليد ُّلوك عىل ش� َّقتها‬
‫الس�عد أو تقول‪َّ :‬‬ ‫ع�ن َّ‬
‫الش�يخة أم َّ‬
‫الش�خص َّية ا َّلتي يتباركون هبا ويقولون‪ :‬إنهَّ ا‬ ‫بحفاوة ٍ‬
‫بالغة ألنَّك تس�أل عن َّ‬ ‫ٍ‬ ‫املتواضعة‬
‫ختصصت يف القراءات العرش‪ ،‬وظ َّلت‬
‫الس� ِّيدة الوحيدة ا َّلتي َّ‬
‫مس�مى‪ ،‬فهي َّ‬
‫َّ‬ ‫اس�م عىل‬
‫ٌ‬
‫طوال نصف ٍ‬
‫قرن متنح إجازاهتا يف القراءات العرش‪.‬‬
‫وأف�واج صغير ٌة تدخ�ل وخترج ممَّ�ن حيلم�ون بختم الق�رآن الكريم م�ن خمتلف‬
‫ٌ‬

‫(‪ )1‬ول�دت الش�يخة أم الس�عد حممد علي نجم ‪ -‬رمحه�ا اهلل ‪ -‬يف حي بحري بمدينة اإلس�كندرية س�نة‬
‫(‪1925‬م)‪ ،‬نش�أت يف أرسة فقيرة‪ ،‬ذه�ب برصه�ا يف عامه�ا األول‪ ،‬حفظت القرآن كام ً‬
‫ال وهي يف س�ن‬
‫اخلامس�ة عشرة‪ ،‬حصلت عىل اإلجازة يف القراءات العرش وه�ي يف الثالثة والعرشين من عمرها‪ .‬توفيت‬
‫‪ -‬رمحها اهلل ‪ -‬سنة (‪2006‬م)‪.‬‬

‫‪60‬‬
‫األعمار وم�ن اجلنسين‪ ،‬أزياؤهم ُّ‬
‫تدل على تباين طبقاهت�م االجتامع َّي�ة‪ ،‬تبدأ دروس‬
‫الرجال حتَّى‬ ‫النِّساء والبنات من ال َّثامنة صباح ًا ومتتدُّ إىل ال َّثانية ظهر ًا‪َّ ،‬‬
‫ثم تبدأ دروس ِّ‬
‫ٍ‬ ‫ٍ‬
‫خفيفة لتتمكَّن َّ‬
‫الشيخة‬ ‫وجبات‬ ‫ال َّثامنة مس�ا ًء ال يقطعها سوى أداء َّ‬
‫الصلوات وتناول‬
‫من االستمرار‪.‬‬
‫أن َّ‬
‫كل َم ْن‬ ‫الرضا‪ :‬بفضل ربيِّ َّ‬ ‫ٍ‬ ‫تقول َّ‬
‫الس�عد ‪ -‬رمحها اهلل ‪ -‬بوجه يعلوه ِّ‬
‫الش�يخة أم َّ‬
‫ٍ‬
‫ق�راءة‪ ،‬إ َّما أن يكون قد حص�ل عليها منِّي‬ ‫بأي‬
‫ن�ال إج�از ًة يف القرآن يف اإلس�كندرية ِّ‬
‫مبارش ًة (إجاز ًة ومناول ًة)‪ ،‬أو من أحد ا َّلذين أجزهتم‪.‬‬
‫الس� ِّيدة الوحي�دة يف حدود علمها ا َّلتي يس�افر إليها ال ُق َّراء‬
‫وتؤكِّ�د اعتزازها بأنهَّ ا َّ‬
‫ٍ‬
‫إجازة يف القراءات العرش‪.‬‬ ‫وح َفظة القرآن من أجل احلصول عىل‬
‫َ‬
‫أن مئات اإلجازات ا َّلتي منحتها يف القراءات العرش يبدأ سندها‬
‫أكثر ما يس�عدها َّ‬

‫الس�نني بح َّفاظ القرآن‬


‫ثم اس�م ش�يختها املرحومة نفيس�ة ليمتدَّ عرب مئات ِّ‬
‫باس�مها‪َّ ،‬‬
‫وعلـمـاء القراءات بمن فيهم ال ُق َّراء العرش (عاصم‪ ،‬نافع‪ ،‬أبو عمرو‪ ،‬محزة‪ ،‬ابن كثري‪،‬‬
‫الس�ند بس ِّيدنا حممد بن‬
‫الكس�ائي‪ ،‬ابن عامر‪ ،‬أبو جعفر‪ ،‬يعقوب‪ ،‬خلف) إىل أن ينتهي َّ‬
‫عبد اهلل ‪ -‬صىل اهلل عليه وسلم ‪.)1(-‬‬

‫*‬ ‫*‬ ‫*‬

‫(‪« )1‬فتح رب البيت يف ذكر مشايخ القرآن بدولة الكويت» للشيخ يارس إبراهيم املزروعي (ص‪.)180‬‬

‫‪61‬‬
‫اإلسالمي»‬
‫ِّ‬ ‫بدأ َّ‬
‫الشيخ مصطفى اخلن ‪ -‬رمحه اهلل ‪ )1(-‬التَّدريس يف معهد «التَّوجيه‬

‫(الس ُّبورة) لتدريس‬


‫ُّ‬ ‫يف جامع منجك وعمره عرشون سن ًة‪ ،‬وهو َّأول َم ْن أدخل ال َّلوح‬

‫الس�مع َّية والبرص َّية‬


‫م�ا َّدة احلس�اب‪ ،‬مس�توى اإلع�دادي‪ ،‬وكان يس�تخدم الوس�ائل َّ‬
‫الضلعني‬ ‫ثم ضغط عىل ٍّ‬
‫كل من َّ‬ ‫قش�ة‪ ،‬وجعل منها مر َّبع ًا‪َّ ،‬‬
‫مر ًة أنَّه أخذ َّ‬
‫املتاحة‪ ،‬ويذكر َّ‬
‫الشكل مع َّين ًا‪.‬‬
‫املتالصقني فأصبح َّ‬

‫الساعة (‪ )7‬إىل أذان‬


‫وتس�تمر الدِّ راسة من َّ‬
‫ُّ‬ ‫وكان ال ُّطلاَّ ب جيلس�ون عىل األرض‪،‬‬

‫ال ُّظهر(‪. )2‬‬


‫*‬ ‫*‬ ‫*‬

‫(‪ )1‬ول�د الس�يد مصطف�ى بن س�عيد بن حممود اخل�ن الش�افعي امليداين الدمش�قي ‪ -‬رمحه اهلل ‪ -‬يف س�نة‬
‫درس يف املدرس�ة الناش�ئة التابعة جلمعية التوجيه اإلسالمي‪ ،‬حصل عىل‬ ‫(‪1341‬هـ) املوافق (‪1922‬م)‪َّ ،‬‬
‫شهادة اإلجازة من األزهر‪ ،‬وعني مدرس ًا يف دار املعلمني واملعلـمـات بدمشق‪ ،‬وسافر إل اململكة العربية‬
‫السعودية إعارة للتدريس يف جامعة اإلمام حممد بن سعود‪ .‬تويف (‪1429‬هـ) املوافق (‪.)2008‬‬

‫(‪« )2‬مصطف�ى س�عيد اخل�ن الع�امل املريب وش�يخ علم أص�ول الفق�ه» للدكتور حمي�ي الدين ديب مس�تو‬
‫(ص‪.)30‬‬

‫‪62‬‬
‫اهلاشمي الشنقيطي الشهري بمحمد‬
‫ُّ‬ ‫يب‬ ‫كان َّ‬
‫الشيخ حممد سامل بن عبد الودود اليعقو ُّ‬
‫س�امل عدود ‪ -‬رمحه اهلل ‪ )1(-‬ذاهب ًا مع أحد العلـمـاء من أصحاب أبيه ليس�تقي ألهل‬
‫بلدته‪ ،‬وعادهتم هناك أنهَّ م يس�تقون عىل األُت ُن من اآلبار مع اخلدم‪ ،‬وكان وقتها عمره‬
‫الش ُّ‬
‫�ك منه ‪ ،-‬قال‪ :‬الأدري هل كان عمري مخس سنني‬ ‫س�ت سنني ‪َّ -‬‬
‫مخس س�نني أو َّ‬
‫الروايا ‪ -‬مجع رو َّي�ة وهي ا َّلتي متأل‬
‫س�ت س�نني‪ ،‬فذهب معهم ليستس�قوا وأخذوا َّ‬
‫أو َّ‬
‫بالـمـ�اء تلك األس�قية الكبيرة ا َّلتي توضع على ظهور احلمر واألت�ن ‪ -‬فركب عىل‬
‫س�مى بالربدعة موضوع ًة عليه�ا هذه الرو َّية‪ ،‬فركب‬
‫إح�دى األتن‪ ،‬وكانت عليها ما ُي َّ‬
‫الش�يخ فوقها ورأى خيوط ًا تنس�اب من حتتها‪ ،‬فأدخل فيها رجله‪ ،‬فظ َّن نفسه أنَّه فوق‬
‫َّ‬
‫فرس يف عظمه‪ ،‬وظ َّن نفس�ه أنَّه من ش�جعان‬ ‫فرس وال يبلغه ٌ‬ ‫ٍ‬
‫عتي�ق ال ُيـحابيه ٌ‬ ‫ٍ‬
‫ف�رس‬
‫الع�رب ومن عظماء اخل َّيالة ا َّلذين يس�وقون اجليوش‪ ،‬فانتظم ه�ذا املعنى يف قلبه ويف‬
‫الس ِّن‪ ،‬فقال خياطب أتانه ‪ -‬وهي أنثى احلامر ‪ -‬فقال هلا‪:‬‬
‫نفسه وهو صغري ِّ‬

‫الش�يخ حممد س�امل ولد حممد ولد عبد الودود الشنقيطي ‪ -‬رمحه اهلل ‪ -‬يف سنة (‪1929‬م) يف بيت‬‫(‪ )1‬ولد َّ‬
‫عل�م وفضل‪ ،‬وحفظ القرآن والكثري من متون العلم قبل التاس�عة من عم�ره‪ ،‬وبرع يف العديد من العلوم‬
‫والفنون ح َّتى صار من أشهر علـمـاء موريتانيا‪ ،‬وكان عضو ًا يف العديد من املنظامت اإلسالمية‪ ،‬واملجامع‬
‫الفقهية‪ .‬تويف سنة (‪2009‬م)‪ .‬موقع «ملتقى أهل احلديث»‪.‬‬

‫‪63‬‬
‫وزن��دك يف التَّقريب ليس بكايب‬ ‫رسات��ك رسج��ي وال��رش��اء رك��ايب‬
‫وعل�وى وجل�وى وعط�ا وس�كايب‬ ‫ف���داك ك���راع واحل���رون وداح��س‬

‫وهذا من أغرب األبيات‪ ،‬ال يمكن أن يقوهلا إلاَّ َم ْن وهبه اهلل هب ًة من عنده‪ ،‬وإلاَّ‬
‫الرائع يتقارص عنه كبار ُّ‬
‫الش�عراء وأفصح البلغاء‪.‬‬ ‫فمثل هذا النَّظم البديع وهذا املعنى َّ‬
‫الش�يخ َّ‬
‫أن من‬ ‫فمر ذك�ر التَّعريف‪ ،‬وذكر َّ‬
‫وس�بب ه�ذا أنَّه ق�رأ عليه وقته�ا يف األلف َّية‪َّ ،‬‬
‫األبيات ا َّلتي مجع فيها التَّعريف بـ «أل» قول املتن ِّبي‪:‬‬
‫والرم�ح والقرط�اس والقل�م‬
‫والس�يف ُّ‬
‫َّ‬ ‫اخلي�ل وال َّلي�ل والبي�داء تعرفن�ي‬
‫ٍ‬
‫كلـمـ�ات إلاَّ هذا البيت‪ ،‬وال‬ ‫ق�ال‪ :‬ال أعل�م بيت ًا مجع فيه التَّعريف بـ «أل» بس�بع‬
‫ست سنني‪ ،‬فذكر هذه‬ ‫أعلم بيت ًا ُذ ِكر فيه س�بعة أعال ٍم إلاَّ بيت ًا ذكرته وأنش�دته وأنا ابن ِّ‬
‫بس�بعة من اخليول املش�هورة عند العرب‪ ،‬فقال‪:‬‬ ‫ٍ‬ ‫القصة وأنَّه مدح هذه األتان وفداها‬ ‫َّ‬
‫راك�ب عليه هو بالنِّس�بة إ َّيل‬
‫ٌ‬ ‫«رسات�ك رسج�ي»‪ :‬أي ه�ذا الف�راش املهلهل ا َّل�ذي أنا‬
‫كالسرَّ ج عىل الفرس‪ .‬والرشاء‪ :‬أي هذه احلبال املتق ِّطعة من حتت هي ركايب‪.‬‬
‫ال�ركاب‪ :‬ه�و ا َّل�ذي يض�ع في�ه الف�ارس رجل�ه؛ أي أنَّ�ه أدخ�ل‬ ‫ِّ‬
‫رجل�ه يف تل�ك اخلي�وط فتخ َّيله�ا ركاب الف�ارس‪ .‬وزن�دك‪ :‬أي مش�يك‬
‫يف التَّقري�ب‪:‬أي تقري�ب اخلطا‪،‬ليس بكايب‪ :‬أي أنك ال تتع َّثرين بل متشين ميش اخليل‬
‫اجلياد‪ .‬فداك‪:‬أي‪ :‬أفديك‪.‬‬
‫«ف�داك كراع‪ ،‬واحل�رون‪ ،‬وداحس‪ ،‬وعلوى‪ ،‬وجلوى‪ ،‬والعطا‪ ،‬وس�كايب»‪ ،‬هذه‬
‫س�بعة أسماء من أعالم اخليول مشهورة عند العرب‪ ،‬ومنها داحس ا َّلتي قامت بسببها‬
‫حرب طويل ٌة بني العرب حرب داحس والغرباء(‪.)1‬‬
‫ٌ‬
‫*‬ ‫*‬ ‫*‬

‫(‪ )1‬موقع «ملتقى أهل احلديث»‪.‬‬

‫‪64‬‬
‫الش�يخ علي الفقيهي يف َّ‬
‫الش�يخ عبد اهلل ب�ن جربين ‪ -‬رمح�ه اهلل ‪ :)1(-‬زرت‬ ‫ق�ال َّ‬
‫يدرس يف املس�جد (أظنُّه مغرب اإلثنني)‬
‫مر ًة يف مس�جده‪ ،‬فرأيته بعد املغرب ِّ‬ ‫َّ‬
‫الش�يخ َّ‬
‫اهلمة‬ ‫كت�اب «ال�كايف» البن قدام�ة‪ ،‬واحلضور فق�ط طالبان‪ .‬أكربت يف َّ‬
‫الش�يخ ه�ذه َّ‬
‫والعزيمة يف التَّعليم والتَّدريس‪.‬‬
‫الش�يخ ما يفوق عرشة ٍ‬
‫كتب حس�ب اإلعالن‬ ‫ويف درس اخلميس حيث يقرأ عىل َّ‬
‫املوزع عن دروس َّ‬
‫الشيخ اليوم َّية‪.‬‬ ‫َّ‬
‫الصالة جلس َّ‬
‫الشيخ يذكر اهلل‬ ‫وص َّليت الفجر مع َّ‬
‫الشيخ يف رسحة املسجد‪ ،‬وبعد َّ‬
‫الذكر وهو يتل َّفت‬
‫الشيخ مكانه يف الدَّ رس‪ ،‬وتابع ِّ‬
‫ثم أخذ َّ‬
‫عز وجل حتَّى أس�فر جدًّ ا‪َّ ،‬‬
‫يمن ًة ويرسةً‪ ،‬يا ترى ماذا ينتظر‪.‬‬
‫تعجبت من ُّ‬
‫تأخر بداية الدَّ رس‪ ،‬دخل أحد األخوة املقيمني من باب املسجد‪ ،‬فإذا‬ ‫َّ‬
‫كتب واجللوس بجانبه‪ ،‬وأحرض األخ كتبه وبدأ‬‫الش�يخ يشير إليه بإحضار ما معه من ٍ‬
‫َّ‬

‫الشيخ عبد اهلل بن عبد الرمحن بن عبد اهلل بن جربين ‪ -‬رمحه اهلل ‪ -‬سنة (‪1352‬هـ) يف إحدى قرى‬ ‫(‪ )1‬ولد َّ‬
‫القويعية‪ ،‬ونش�أ يف بلدة الرين وابتدأ بالتعلم يف عام (‪ 1359‬هـ)‪ ،‬قرأ عىل والده وعىل َّ‬
‫الش�يخ عبد العزيز‬
‫ثم رحل إىل الري�اض وقرأ عىل علـمـائها ح َّتى صار م�ن كبار العلـمـاء‪.‬‬
‫الش�ثري املع�روف بأيب حبيب‪َّ ،‬‬
‫وقد عرف هبمته العالية‪ ،‬وسعة علمه‪ ،‬واجتهاده يف نرش العلم والدعوة إىل اهلل‪ .‬تويف سنة (‪ 1430‬هـ)‪.‬‬

‫‪65‬‬
‫الساعة والنِّصف‪.‬‬ ‫يف القراءة‪ ،‬وقام َّ‬
‫الشيخ بالشرَّ ح والتَّعليق قرابة َّ‬
‫الشيخ وهو ينتظر واحد ًا من‬ ‫أ َّثر ذلك املوقف يف نفيس أ َّيام ٍ‬
‫تأثري‪ ،‬فلقد كنت أرقب َّ‬
‫الش�يخ حيرضه َّأوالً وخيرج‬
‫طَّل�اَّ ب العلم العرشة ا َّلذين تغ َّيبوا عن الدَّ رس ا َّلذي كان َّ‬
‫منه أخري ًا‪.‬‬
‫الس�ويدي العام خارج ًا قبل صالة العرص‬ ‫لقد كنت أش�اهده بس� َّيارته يف ش�ارع ِّ‬
‫�ة‪ ،‬فيحرض قب�ل ال ُّطلاَّ ب وينصرف بعدهم‪ .‬مل‬ ‫بعزيمة ومه ٍ‬
‫ٍ‬ ‫متَّجه� ًا إىل أح�د دروس�ه‬
‫َّ‬
‫الش�يخ ‪ -‬رمح�ه اهلل ‪ -‬تعاىل يف مقدِّ مة‬ ‫ٍ‬
‫وجيه إلاَّ وأرى َّ‬ ‫ٍ‬
‫داعية أو‬ ‫أحضر جن�از ًة لعاملٍ أو‬
‫م�ر ًة مع أحد األخوة من أهل‬
‫للمعزين‪ .‬حرضت َّ‬
‫ِّ‬ ‫املص ِّلين وأمام املش� ِّيعني ومتصدِّ ر ًا‬
‫أرض تبنى جامع ًا ألهل القري�ة‪ ،‬فبادر بأخذ ٍ‬
‫ورقة من‬ ‫ٍ‬ ‫عسير َّ‬
‫للش�فاعة يف التَّنازل عن‬
‫العميل للحديث‬
‫ُّ‬ ‫لش�اب ال يعرفه ومل يس�مع به‪ ،‬ولكنَّه التَّطبيق‬
‫ٍّ‬ ‫مكتبه وكتب ش�فاعته‬
‫َّبوي‪« :‬اشفعوا تؤجروا»(‪.)1‬‬
‫الن ِّ‬
‫*‬ ‫*‬ ‫*‬
‫كان باب بن أمحد بيب بن عثامن بن عثامن ‪ -‬رمحه اهلل ‪ )2(-‬يناظر العلـمـاء‪ ،‬وعمره‬
‫عمته حرمة اهلل بن عبد اجلليل‬ ‫ثالث عرشة سن ًة‪ ،‬وكان النَّاس َّ‬
‫يتعجبون منه‪ ،‬وكان ابن َّ‬
‫يقول إذا زار أخواله‪ :‬أمسكوا عني بابتكم‪.‬‬
‫ٍ‬
‫رش�د ‪-‬‬ ‫وكان يق�ول‪ :‬ال تذاكرين بعلمك هذا الفرخ ‪ -‬والفرخ‪ :‬الولد ا َّلذي لغري‬

‫(‪« )1‬املوقع الرسمي للشيخ عبد اهلل بن جربين»‪.‬‬

‫(‪َّ )2‬‬
‫الشيخ العامل‪ ،‬الناسك باب بن أمحد بيب بن عثامن الشنقيطي ‪ -‬رمحه اهلل ‪ -‬من علـمـاء القرن الثالث‬
‫عرش‪ ،‬كان معروف ًا بسعة علمه‪ .‬تويف بسبب سقطة سقطها من مجل‪ ،‬وقد جتاوز الثامنني من عمره‪« .‬الوسيط‬
‫يف أدباء شنقيط» ألمحد الشنقيطي‪.‬‬

‫‪66‬‬
‫يتلق علمه عن ٍ‬
‫شيخ؛ ألنَّه كان أشهر من شيوخه (‪.)1‬‬ ‫أي‪ ،‬مل َّ‬

‫*‬ ‫*‬ ‫*‬

‫بالبخاري تدريس ًا‬


‫ِّ‬ ‫الشيخ حممد اجلوندلوي ‪ -‬رمحه اهلل ‪ -‬عىل ُّ‬
‫الشيوخ‪ ،‬واعتنى‬ ‫قرأ َّ‬

‫إذ َد َّرس�ه ك َّله أكثر من مخسين َّ‬


‫مرةً‪ ،‬وله أمايل يف رشحه لذلك‪ ،‬وله تع ُّقبات عىل بعض‬

‫للبخاري‪.‬‬
‫ِّ‬ ‫الشرُّ َّ اح‬

‫بق�وة احلافظ�ة‪ ،‬ولقد ذكر َّ‬


‫الش�يخ إحس�ان إهلي ظهري‬ ‫وكان ‪ -‬رمح�ه اهلل ‪ -‬يتمتَّ�ع َّ‬
‫‪-‬رمحه اهلل ‪ - -‬وهو صهر َّ‬
‫الشيخ ‪ -‬أنَّه كان ال يقرأ اجلرائد واملجالَّت حتَّى ال حيفظها!‬

‫ألنَّه كان إذا قرأ شيئ ًا حفظه(‪.)2‬‬

‫*‬ ‫*‬ ‫*‬

‫ولد الشيخ عبد الرشيد ابراهيم – رمحه اهلل سنة ‪ 3721‬هـ ‪6481 -‬م ببلدة "تارا" يف‬

‫سيربيا من أصول تتارية ‪ ،‬وطلب العلم عىل مشايخ يف بالده ‪ ،‬وكانت له رحلة طويلة‬

‫مطبوعة ‪ ،‬رحل فيها إىل العديد من البلدان ‪ ،‬مع كونه أحيانا ال جيد قيمة تذكرة الباخرة‬

‫‪ ،‬وله جهود دعوية يف اليابان التي رحل إليها ‪ .‬تويف سنة ‪ 4631‬هـ ‪ 4491 -‬م ‪.‬‬

‫« العامل اإلسالمي يف رحالت عبد الرشيد ابراهيم » صبحي فرزات وكامل خوجه ‪.‬‬

‫*‬ ‫*‬ ‫*‬

‫(‪« )1‬الوسيط يف أدباء شنقيط» ألمحد الشنقيطي (ص‪.)35‬‬

‫(‪« )2‬كوكبة من أئمة العلم واهلدى ومصابيح الدجى» إعداد د‪ .‬عاصم بن عبداهلل القريويت‪.‬‬

‫‪67‬‬
68
‫رحلتهم يف‬
‫طلب العلم‬

‫‪69‬‬
70
‫ٍ‬
‫مقب�ل ‪ -‬رمحه اهلل ‪ )1(-‬إىل دمش�ق لطلب العلم‪،‬‬ ‫عيل بن‬ ‫رحل َّ‬
‫الش�يخ س�ليامن بن ِّ‬
‫واتَّصل بالعلاَّ مة الفقيه َّ‬
‫الش�يخ حس�ن بن عمر الش�طي ‪ -‬رمحه اهلل ‪ ،-‬وكان حني ذاك‬
‫فلـمـا علم َّ‬
‫الشيخ حسن الشطي من‬ ‫للخاص والعا ِّم‪َّ ،‬‬
‫ِّ‬ ‫أشهر علـمـاء دمشق‪ ،‬ومرجع ًا‬
‫والصالح والتُّقى‪ ،‬أكرمه وعطف عليه‪،‬‬ ‫َّ‬
‫الش�يخ سليامن احلرص عىل العلم واجلد فيه‪َّ ،‬‬
‫خاص ًة يف اجلامع األُ ِّ‬
‫موي‪ ،‬وصارت ضيافت�ه عنده يف بيته مدَّ ة إقامته‬ ‫وجع�ل له خل�و ًة َّ‬
‫الش�يخ س�ليامن َّ‬
‫الشيخ حسن‪ ،‬واس�تفاد منه ال س َّيام يف الفقه‪ ،‬فقد‬ ‫لطلب العلم‪ ،‬فالزم َّ‬
‫َأ ْوىف فيه عىل الغاية‪.‬‬
‫فلـمـا نزل عن راحلته‬
‫ثم عاد إىل قريته‪ ،‬ووالده يظ ُّن أنَّه س�افر لكس�ب الـمـال‪َّ ،‬‬
‫َّ‬
‫ِّ‬
‫بفك احلمل عن‬ ‫أن هذه هدايا وكس�و ٌة ونفق ٌة‪ ،‬فلم يفاجأ إلاَّ‬
‫املثقلة بحملها‪ ،‬ظ َّن أبوه َّ‬
‫أن هذا ٌ‬
‫م�ال‪ ،‬وإذا به ه�ذه القراطيس‪ ،‬فقال‬ ‫بني‪ ،‬كنت أظ� ُّن َّ‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬
‫كت�ب علم َّي�ة‪ ،‬فقال‪ :‬ي�ا َّ‬
‫االبن‪ :‬يا أيب‪ ،‬يف هذه القراطيس خري الدُّ نيا واآلخرة(‪.)2‬‬
‫*‬ ‫*‬ ‫*‬
‫قال َّ‬
‫الش�يخ س�عد بن محد بن عتي�ق ‪ -‬رمحه اهلل ‪ )3(-‬عن رحلت�ه إىل اهلند يف طلب‬

‫(‪ )1‬ول�د َّ‬


‫الش�يخ س�ليامن بن عيل بن مقبل يف حدود س�نة (‪1220‬هـ) يف قرية املنسي التابعة ملدينة بريدة‪،‬‬
‫الرياض والش�ام وقرأ على علـمـائهام‪ ،‬وويل قض�اء بريدة‪ ،‬وكان‬ ‫ثم س�افر إىل ِّ‬
‫وق�رأ عىل علـمـاء بريدة‪َّ ،‬‬
‫فقيه ًا‪ ،‬ذا وقار‪ ،‬مسدد ًا يف أحكامه‪ .‬تويف سنة (‪1304‬هـ)‪« .‬علـمـاء نجد»‪.‬‬

‫(‪« )2‬علـمـاء نجد خالل ثامنية قرون» (‪.)374/2‬‬

‫الش�يخ س�عد بن محد بن عتيق يف بلدة احللوة من قرى حوطة «ابن متيم» س�نة (‪1268‬هـ)‪ ،‬وقرأ عىل والده‪،‬‬ ‫(‪ )3‬ولد َّ‬
‫ورحل إىل اهلند‪ ،‬وأقام فيها تسع سنني يقرأ عىل علـمـائها‪ ،‬وتوىل قضاء األفالج‪ ،‬وكان من كبار العلـمـاء مع ما عرف‬
‫عنه من الغرية عىل الدين‪ ،‬والصالبة يف العقيدة‪ ،‬والتواضع‪ ،‬وقلة الكالم‪ .‬تويف سنة (‪1349‬هـ)‪« .‬علـمـاء نجد»‪.‬‬

‫‪71‬‬
‫تسمى‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬
‫قارب (وهي سفين ٌة صغريةٌ)‬
‫متوجهني إىل بلد من بلدان فارس َّ‬
‫ِّ‬ ‫العلم‪ :‬ركبنا يف‬
‫السبت سابع عرش من مجادى األوىل‬ ‫(ش�ارك) وكان ركوبنا قبيل غروب َّ‬
‫الشمس يوم َّ‬
‫س�نة (‪1311‬ه�ـ) وصاحبن�ا يف تلك ال َّليل�ة التَّوفيق م�ن اهلل ‪ -‬تعاىل – واإلس�عاف‪،‬‬
‫فلذلك قدمنا البلد يف َّأول تلك ال َّليلة‪.‬‬
‫«عيل بن س�لـمـان» وخرجنا من تلك‬
‫فلـمـ�ا أصبحنا يوم األحد اجتمعنا باألخ ِّ‬
‫َّ‬
‫متوجهني إىل «لنية» نمشي عىل أقدامن�ا؛ َّ‬
‫ألن البحر يف تلك‬ ‫ِّ‬ ‫البلاد بع�د صالة ال ُّظه�ر‬
‫مضط�رب اضطراب ًا ش�ديد ًا‪ ،‬وبعد خروجنا م�ن البالد املذك�ورة قدمنا البالد‬
‫ٌ‬ ‫األ َّي�ام‬
‫ٍ‬
‫رجال صاحلني‪ ،‬منهم األخ س�لـمـان بن مخيس‪ ،‬وإبراهيم بن‬ ‫املسَّم�اَّ ة «باوردان» عند‬
‫ياقوت ووجدنا عندهم ش�يئ ًا من كتب التَّفسير وبعض كتب ش�يخ اإلسالم‪ ،‬وأقمنا‬
‫عندهم آخر يوم األحد‪ ،‬ويوم اإلثنني‪.‬‬

‫فلـمـ�ا كان يوم ال ُّثالثاء أمجعت عىل املسير وخت َّلف األخ ٌّ‬
‫علي عند أصحابه؛ ألنَّه‬ ‫َّ‬
‫كان مريض� ًا‪ ،‬وخرج�ت من تلك البلاد ومعي غال ٌم أرس�له معي أه�ل البالد هلداية‬

‫ال كثري ًا‪َّ ،‬‬


‫ثم أخذ‬ ‫الس�بيل وكان اس�مه «بالالً» وأصابنا يف ذلك املسير ٌ‬
‫مطر َّبل ثيابنا بل ً‬ ‫َّ‬
‫ثم رج�ع إىل وطنه وبقيت يف تلك ال َّطريق وح�دي ُمتو ِّك ً‬
‫ال عىل اهلل‪،‬‬ ‫معي ما ش�اء اهلل‪َّ ،‬‬
‫معتمد ًا عليه‪ ،‬فحصل ‪ -‬بحمد اهلل ‪ -‬من اإلعانة والتَّسديد يف ذلك ال َّطريق ما مل أظ ُّن‪.‬‬
‫الصلاة خرجت من املس�جد لبعض‬ ‫وقدم�ت «مغ�وة» يف وقت ال ُّظه�ر‪َّ ،‬‬
‫ثم بعد َّ‬
‫فتوجهت إليها يف احلال وص َّليت فيها‬
‫األغراض‪ ،‬فارتفعت يل البالد املسَّم�اَّ ة «ذوان»‪َّ ،‬‬
‫ٍ‬
‫مسألة‪ ،‬فكان يف جواهبم‬ ‫الصالة س�ألت رجاالً عندي عن‬
‫السلام من َّ‬
‫ثم بعد َّ‬
‫العرص‪َّ ،‬‬

‫‪72‬‬
‫ال ال َّليل‪ ،‬فمش�يت آخر‬
‫م�ا اقتىض التَّعجيل‪ ،‬فخرجت يف احلال قاصد ًا «لنجة» مس�تقب ً‬
‫ٍ‬
‫برجال‬ ‫وأول ليلت�ي‪ ،‬فبينما أنا اميش إذ رأيت نار ًا فعش�وت إىل ضوئها ف�إذا أنا‬
‫يوم�ي َّ‬
‫فبت‬
‫عىل ش�اطئ البحر ألقتهم س�فينتهم وعددهم (‪ )45‬بعد القرب إىل ذلك املكان‪ُّ ،‬‬
‫عندهم تلك ال َّليلة‪ ،‬وكانت ليل ًة مطريةً‪ ،‬وصان اهلل ‪ -‬تعاىل ‪ -‬الكتب ا َّلتي معي بسبب‬
‫بت عندهم يف مثل اخليمة وهو رشاع س�فينتهم أصلحوه حتَّى عصمنا اهلل‬
‫أولئك فإنيِّ ُّ‬

‫متوجه ًا إىل «لنج�ة» َّ‬


‫فلـمـا كان‬ ‫ِّ‬ ‫الصباح رست م�ن عندهم‬
‫فلـمـا كان َّ‬
‫ب�ه من املط�ر‪َّ ،‬‬
‫وق�ت العرص دخلت تلك البالد وهي «لنجة» املذكورة وذلك يف يوم األربعاء حادي‬
‫وعرشي�ن من مجادى األوىل‪ ،‬وصادفنا األخ إبراهيم بن س�يف‪ ،‬وأقمت عنده يف تلك‬
‫وأول الغد‪.‬‬
‫البالد آخر ذلك اليوم َّ‬
‫ثم وصل إىل «لنجة» املركب أعني مركب العجم قاصد ًا اهلند فركبت فيه وبقينا يف‬
‫َّ‬
‫ذلك املركب قبل وصوله اهلند تسعة أ َّيا ٍم؛ ألنَّه ‪ -‬أعني املركب ‪ -‬وقف قريب ًا من «بندر‬
‫عب�اس» يومين‪ ،‬وقد رأين�ا فيام أتينا عليه من آي�ات اهلل ‪ -‬تعاىل ‪ -‬الكب�ار وآثار قدرته‬
‫احلق‬ ‫ٍ‬
‫ن�داء أنَّه ‪ -‬تعاىل‪ -‬هو اإلله ُّ‬ ‫ٍ‬
‫داللة وينادي أعظم‬ ‫يدل أوضح‬ ‫وعجي�ب صنع�ه ممَّا ُّ‬

‫املتفرد بالعبادة ا َّلذي ال تصلح لغريه وال تنبغي لسواه‪ ،‬آمنَّا به وعليه توكَّلنا‪ ،‬وهو ربيِّ‬
‫ِّ‬
‫َّ‬
‫مس�تهل مجادى اآلخرة‬ ‫ال إل�ه إلاَّ ه�و‪ ،‬عليه توكَّلت وإليه متاب‪ ،‬وقدمنا «بندر بمبي»‬
‫املحررة أعني (‪1301‬هـ) (‪.)1‬‬
‫السنة َّ‬
‫السادس من شهور َّ‬ ‫وهو َّ‬
‫الشهر َّ‬
‫*‬ ‫*‬ ‫*‬

‫(‪« )1‬تذكرة أويل النهى والعرفان» (‪.)242/3‬‬

‫‪73‬‬
‫ذه�ب َّ‬
‫الش�يخ حممد بن عبد العزيز ب�ن مانع ‪ -‬رمح�ه اهلل ‪ )1(-‬يف َّأول طلب العلم‬
‫م�ن عنيزة إىل العراق مع ٍ‬
‫قافلة مش�ي ًا عىل األق�دام‪ ،‬وذلك ح ًّبا يف طلب العلم وحرص ًا‬
‫عليه(‪.)2‬‬
‫*‬ ‫*‬ ‫*‬
‫حف�ظ َّ‬
‫الش�يخ حمم�د املختار بن حمم�د األمني الش�نقيطي ‪ -‬رمح�ه اهلل ‪ )3(-‬القرآن‬
‫ثم أتقن رس�مه وضبطه وما‬ ‫أتـمه عىل يد والده‪َّ ،‬‬
‫ولـمـا ماتت َّ‬ ‫الكريم عىل يد والدته‪َّ ،‬‬
‫ث�م درس النَّحو والعرب َّية وفِ ْقه‬ ‫ٍ‬
‫يتَّص�ل بفنونه عىل أيدي ُث َّل�ة من أج َّلة علـمـاء القوم‪َّ .‬‬
‫مالك‪ .‬وبدأ رحل ًة طويل ًة يف سبيل طلب العلم وهو يف التَّاسعة عرشة من عمره‪ ،‬قطع‬

‫الش�يخ حممد بن عبد العزيز بن مانع يف عنيزة س�نة (‪1300‬هـ)‪ ،‬فشرع يف طلب العلم يف بلده‪،‬‬ ‫(‪ )1‬ول�د َّ‬
‫ورح�ل إىل بغداد والش�ام لالس�تزادة من العلم‪ ،‬وقد ع�رف بقوة احلفظ‪ ،‬وكان آي� ًة يف العلوم العربية‪ ،‬مع‬
‫اطالع يف التفسير والفقه وغريها من العلوم‪ .‬رحل إىل قطر بطلب من حكومتها فصار مستش�ار ًا لألمور‬
‫الدينية‪ ،‬ومرشف ًا عىل سري التعليم‪ .‬تويف سنة (‪1385‬هـ)‪« .‬علـمـاء نجد»‪.‬‬

‫(‪« )2‬جملة البحوث اإلسالمية» للعلم العدد (‪( )45‬ص ‪.)342‬‬

‫الشيخ حممد املختار بن حممد األمني الشنقيطي يف شنقيط سنة (‪1337‬هـ)‪ ،‬حفظ القرآن صغري ًا‪،‬‬
‫(‪ )3‬ولد َّ‬
‫ثم انقطع للتدريس يف املس�جد النبوي‪ .‬رشح س�نن‬
‫الرياض َّ‬
‫ودرس يف ِّ‬
‫ورحل إىل احلجاز يف طلب العلم‪َّ ،‬‬
‫النسائي‪ .‬تويف سنة (‪1405‬هـ)‪« .‬تتمة األعالم للزركيل» ملحمد خري رمضان‪.‬‬

‫‪74‬‬
‫خالهل�ا أكثر من مخس�ة آالف كيلو مرت عىل قدميه‪ .‬ال أنيس ل�ه يف رحالته إلاَّ ما حيمله‬
‫من كتبه وبعض الضرَّ ور َّيات ا َّلتي ال غنى له عنها(‪.)1‬‬
‫*‬ ‫*‬ ‫*‬

‫لـمـا كنت يف القاهرة أ َّيام دراستي‬ ‫قال َّ‬


‫الشيخ عبد الفتاح أبو غدة ‪ -‬رمحه اهلل ‪َّ : -‬‬
‫(‪)2‬‬

‫يف ك ِّل َّية الشرَّ يعة باجلامع األزهر‪ ،‬أوصاين ش�يخنا العلاَّ مة اإلمام حممد زاهد الكوثري‬
‫‪ -‬رمحه اهلل ‪ ،-‬خالل مالزمتي له باقتناء كتاب «فتح باب العناية برشح كتاب النقاية»‬
‫حضا أكيد ًا وكثري ًا‪ ،‬مع علمه‬
‫وحضني عىل احلصول عليه ًّ‬
‫َّ‬ ‫عيل القاري‪،‬‬ ‫للعالمة َّ‬
‫الشيخ ٍّ‬
‫مطب�وع يف اهلند‪ ،‬وقد مكثت يف‬
‫ٌ‬ ‫أنيِّ م�ن ه�واة الكتب النَّادرة النَّافع�ة‪ ،‬وكنت أظ ُّن أنَّه‬
‫ٍ‬
‫مكتبة أقدر وجوده‬ ‫كل‬‫ست سنوات حتَّى إهناء دراستي أسأل عنه‪ ،‬وأنشده يف ِّ‬ ‫القاهرة َّ‬
‫فيها‪ ،‬فلم أظفر منه ٍ‬
‫بخرب وال ٍ‬
‫أثر‪.‬‬

‫(‪« )1‬تتمة األعالم للزركيل» (‪ )222/2‬تأليف حممد خري رمضان يوسف‪.‬‬

‫الش�يخ عبد الفت�اح أبو غدة يف حلب عام (‪1336‬هـ)‪ ،‬نش�أ يف حجر وال�ده‪ ،‬درس يف مدارس‬ ‫(‪ )2‬ول�د َّ‬
‫ثم رجع إىل بالده ح َّتى صار من‬
‫ث�م رحل إىل مرص وتلقى التعليم يف األزهر‪ ،‬رحل يف طلب العلم َّ‬
‫حل�ب َّ‬
‫كبار علـمـائها‪ ،‬صنف املصنفات الكثرية‪ ،‬تويف سنة (‪1417‬هـ)‪« .‬من أعالم احلركة والدعوة اإلسالمية»‬
‫لعبد اهلل العقيل‪.‬‬

‫‪75‬‬
‫ٍ‬
‫مكتبة‬ ‫كل ٍ‬
‫بلد أزوره أو‬ ‫ولـمـا عدت إىل بلدي حلب‪ ،‬ما فتئت أبحث عنه أيض ًا يف ِّ‬ ‫َّ‬
‫ِ‬
‫ولـمـا كنت أظنُّ�ه مطبوع ًا يف اهلند‪ ،‬وكان هو من كتب فقه َّ‬
‫الس�ادة احلنف َّية‪،‬‬ ‫أرتاده�ا‪َّ ،‬‬
‫احلنفي عا َّم� ًة‪ ،‬لعليِّ أصل إليه هبذه‬
‫ِّ‬ ‫كنت أس�أل الكتب ِّيني ع�ن مطبوعات اهلند يف الفقه‬
‫ال َّطريقة‪ ،‬إذ قد جيهلون اسمه‪ ،‬وكان يف دمشق كتب ُّيون قدماء خرباء يف الكتب القديمة‬
‫والنَّفيس�ة‪ ،‬وعنده�م من قديمها ونفيس�ها الكثير‪ ،‬ولكنَّهم يغالون به ويتش�دَّ دون يف‬
‫الس ِّيد عزت القصيبايت ووالده‪َّ ،‬‬
‫والشيخ محدي السفر جالين‪ ،‬والسيد أمحد‬ ‫بيعه‪ ،‬منهم َّ‬
‫عبيد‪.‬‬
‫فسألت السيد عزت القصيبايت عن «فتح باب العناية» عىل أنَّه من مطبوعات اهلند‪،‬‬
‫فق�ال‪ :‬ه�و عندي‪ ،‬وأخرج يل كتاب «البناية برشح اهلداي�ة» لإلمام العيني‪ ،‬املطبوع يف‬
‫�دات ضخا ٍم ٍ‬
‫كبار ج�دًّ ا‪ ،‬وكان هذا‬ ‫س�ت جم َّل ٍ‬
‫اهلن�د من مائة عا ٍم س�نة (‪1293‬هـ)‪ ،‬يف ِّ‬
‫الكتاب أحد الكتب النَّادرة النَّفيس�ة ا َّلتي أبحث عنها‪ ،‬فاشتريته ٍ‬
‫بثمن غري مغاىل فيه‪،‬‬
‫إذ كان غري الكتاب املطلوب ا َّلذي َّ‬
‫سميته له‪.‬‬
‫ثم س�ألت َّ‬
‫الش�يخ محدي الس�فرجالين ‪ -‬رمحه اهلل ‪ -‬عن الكتاب‪ ،‬فعلمت منه أنَّه‬ ‫َّ‬
‫مطب�وع يف قزان من بالد روس�يا‪ ،‬وأنَّ�ه أندر من الكربيت األمحر كما يقال‪ ،‬وأنَّه طول‬‫ٌ‬
‫ٍ‬
‫واح�دة‪ ،‬كان قد باعه�ا للعلاَّ مة‬ ‫ٍ‬
‫نس�خة‬ ‫مر به منه س�وى‬
‫حيات�ه واش�تغاله بالكتب ما َّ‬
‫الكوث�ري بأغلى األثمان ا َّلتي ال تعق�ل‪ ،‬فعند ذلك تعَّي�نَّ عندي البلد ا َّل�ذي طبع فيه‬
‫ِّ‬
‫الكتاب‪ ،‬وضعف أميل باحلصول عليه!‬
‫مر ٍة ع�ام (‪1376‬ه�ـ)‪ ،‬ودخلت مكَّة‬
‫ح�ج بيته الكري�م َّأول َّ‬
‫ولـمـ�ا أت�اح اهلل يل َّ‬
‫َّ‬
‫املكرمة‪ :‬طفقت أس�أل عن�ه يف مكتباهتا لعليِّ أجده قادم ًا مع أح�د املهاجرين من تلك‬
‫البالد إىل بلد اهلل احلرام فلم أو َّفق لذلك‪.‬‬

‫‪76‬‬
‫ُتب�ي قدي ٍم ٍ‬
‫منزو يف بعض األس�واق املتواضعة يف‬ ‫ث�م س�اقتني عناية اهلل تعاىل إىل ك ٍّ‬
‫َّ‬
‫املكرمة‪ ،‬وهو َّ‬
‫الشيخ املصطفى بن حممد الشنقيطي ‪ -‬سلمه اهلل تعاىل ‪ ،-‬فاشرتيت‬ ‫مكَّة َّ‬
‫منه بعض الكتب‪ ،‬وس�ألته ‪ -‬عىل ٍ‬
‫يأس ‪ -‬عنه‪ ،‬فقال يل‪ :‬كان عندي من نحو أس�بوعٍ‪،‬‬
‫ٍ‬
‫لرجل من بخ�ارى من علـمـاء‬ ‫اشتريته م�ن تركة بعض العلـمـ�اء البخار ِّيني‪ ،‬وبعته‬
‫طش�قند ٍ‬
‫بثمن كري ٍم‪ ،‬فام كدت أصدِّ قه حتَّى جعل يصفه يل وصف ًا مثبت ًا ملعرفته به‪ ،‬وأنَّه‬
‫الكتاب ا َّلذي ألوب عليه‪ ،‬وأسعى منذ دهر إليه!‬
‫ويسميه يل‪:‬‬
‫ِّ‬ ‫فقلت‪ :‬من هذا العامل الطش�قندي ا َّلذي اشرتاه؟ فجعل يتذكَّره تذكُّر ًا‬
‫ُّ‬
‫مـحل عمله أو ملتقاه؟ قال‪ :‬ال‬ ‫َّ‬
‫«الشيخ عناية اهلل الطشقندي»‪ ،‬فقلت‪ :‬أين مسكنه أو‬
‫أدري عن ذلك شيئ ًا‪ ،‬فقلت‪ :‬كيف أسأل عنه؟ قال‪ :‬ال أدري‪ ،‬فازددت عند ذلك يأس ًا‬
‫من احلصول عليه أو لقاء مشرتيه!‬
‫بخاري أراه يف املسجد احلرام‬
‫ٍّ‬ ‫(الش�يخ عناية اهلل) َّ‬
‫كل‬ ‫فذهبت بعد هذا أس�أل عن َّ‬
‫أو يف أس�واق مكَّ�ة‪ ،‬ورصت أذهب إىل املدارس والرب ِ‬
‫ط ا َّلتي يق�ال يل فيها بخار ُّيون‪،‬‬ ‫ُّ ُ‬
‫البخاري‪ ،‬حتَّى ذهبت إىل األحياء الواقعة خارج مكَّة‪ ،‬إذ قيل‬
‫ِّ‬ ‫ألس�أل عن هذا َّ‬
‫الشيخ‬
‫يل‪ :‬فيه�ا بعض البخار ِّيني‪ ،‬ولكن هيهات ال ِّلقاء باملنش�ود عن�ه؟! وكم يف مكَّة َّ‬
‫املكرمة‬
‫من البخار ِّيني ا َّلذين َّ‬
‫يسمون‪ :‬عناية اهلل!‬
‫الساعايت‬
‫البخاري َّ‬
‫ِّ‬ ‫الس�ؤال املتتابع إىل َّ‬
‫الش�يخ عبد القادر الطشقندي‬ ‫ثم أوصلني ُّ‬
‫َّ‬
‫الش�يخ الطش�قندي‪،‬‬‫‪ -‬رمحه اهلل ‪ ،-‬يف جهة حي جرول من أطراف مكَّة‪ ،‬فس�ألته عن َّ‬
‫بمس�تقره‬
‫ِّ‬ ‫(الش�يخ ِميرْ عناي�ة الطش�قندي)‪ ،‬ولكن ال علم له‬
‫فعرف�ه وعينَّ يل اس�مه‪َّ :‬‬
‫الش�يخ ا َّلذي عنده «فتح باب العناية»!‬
‫وملتقاه‪ ،‬فعند ذلك غلبني اليأس من لقاء هذا َّ‬
‫فصرت يف أثن�اء طوايف حول الكعبة املع َّظمة زادها اهلل ترشيف ًا وتعظي ًام‪ :‬أطلب من اهلل‬

‫‪77‬‬
‫أكرر هذا‬
‫تعاىل أن يرش�دين إىل ذلك اإلنس�ان‪ ،‬وييرس يل اقتناء هذا الكت�اب‪ ،‬ورصت ِّ‬
‫ات تلو مر ٍ‬
‫ات‪ ،‬ومىض أس�بوع وأنا ‪ -‬يعلم اهلل ‪ -‬يف تش�تت ٍ‬
‫بال من‬ ‫الدُّ عاء وال َّطلب مر ٍ‬
‫َّ‬ ‫َّ‬
‫حال البحث عن الكتاب وصاحبه‪.‬‬
‫حتَّى كنت يوم ًا أميش يف س�وق باب زيادة من أبواب املس�جد احلرام قبل توس�عة‬
‫متجر‬
‫ٌ‬ ‫املكرمة‪ ،‬يقال له‪ :‬أبو عرب‪ ،‬كان له‬
‫قديم يف مكَّة َّ‬
‫دمش�قي ٌ‬
‫ٌّ‬ ‫تاجر‬
‫املس�جد‪ ،‬فرآين ٌ‬
‫الس�حنة واملظهر‪ ،‬يس�ائلني عن َّ‬
‫الش�ام‬ ‫ش�امي ِّ‬
‫َّ‬ ‫لـمـا رآين‬
‫هن�اك‪ ،‬فدع�اين إىل متج�ره َّ‬
‫ش�امي ‪ -‬عن َّ‬
‫الشيخ‬ ‫ٌّ‬ ‫دمش�قي‬
‫ٌّ‬ ‫تاجر‬
‫وأهلها‪ ،‬فس�ألته من ش�دَّ ة هويس بالكتاب ‪ -‬وهو ٌ‬
‫البخ�اري؟! فقال يل‪ :‬هذا ختن�ه زوج ابنته يف الدُّ كَّان ا َّلذي أمامي‪ ،‬وهو أعرف النَّاس‬
‫ِّ‬
‫به‪ ،‬فو اهلل ما كدت أصدق ذلك فرح ًا ورسور ًا‪.‬‬

‫فذهبت إىل ختنه وسألته عنه‪ ،‬فاستغرب قائالً‪ :‬ما ا َّلذي يدعوك ُّ‬
‫للسؤال عنه وإىل‬
‫لقائه؟ قلت‪ :‬صار يل أكثر من أس�بو ٍع وأنا دائب البحث عنه‪ ،‬فد َّلني عليه ‪ -‬جزاك اهلل‬
‫الس�قيفة‪ ،‬فذهبت‬ ‫حي املس�فلة‪ ،‬جوار قهوة َّ‬ ‫خير ًا ‪ ،-‬فأرش�دين إىل منزل�ه بالتَّعيني يف ِّ‬
‫مر ٍة لي ً‬
‫ال وهن�ار ًا‪ ،‬حتَّى لقيته‪ ،‬فتنازل يل عن الكت�اب بال َّثمن ا َّلذي أختار‬ ‫م�ر ًة بعد َّ‬
‫إلي�ه َّ‬
‫وأحب‪ ،‬فكانت عندي فرح ٌة من فرحات العمر‪.‬‬
‫ُّ‬
‫األول من هذا الكتاب حم ِّقق ًا‪ ،‬وأسأل اهلل تعاىل أن يم َّن‬
‫عيل بنرش اجلزء َّ‬
‫وقد َم َّن اهلل َّ‬
‫عيل بنرش باقي الكتاب بفضله وكرمه(‪.)1‬‬
‫َّ‬
‫*‬ ‫*‬ ‫*‬

‫(‪« )1‬صفحات من صرب العلـمـاء» (ص ‪ )281 – 278‬للشيخ عبد الفتاح أبو غدة‪.‬‬

‫‪78‬‬
‫السادس�ة عرشة من‬
‫َّ‬
‫(‪)1‬‬
‫لـمـ�ا بلغ َّ‬
‫الش�يخ حممد ب�ن صالح املنص�ور ‪ -‬رمحه اهلل ‪-‬‬ ‫َّ‬
‫الرياض‪ ،‬إذ طلب‬ ‫عمره كان ش�غوف ًا بالعلم‪ ،‬مش�تاق ًا إىل العلـمـاء‪ ،‬فس�عى َّ‬
‫للسفر إىل ِّ‬
‫الرياض‪ ،‬فطلب‬
‫يس�مون آنذاك (احلامل َّية) أن ينقله إىل ِّ‬
‫َّ‬ ‫السيارات ممَّن‬
‫من أحد س�ائقي َّ‬
‫وكف برصه ممَّا جعله‬
‫ِّ‬ ‫الس�ائق أجرة ال َّطريق‪ ،‬لك َّن الفتى مل يملك ش�يئ ًا لصغر سنِّه‬
‫منه َّ‬
‫وتلمس بيده إطار (كفر)‬
‫ثم جلس َّ‬ ‫السائق ولكن بال جدوى‪ ،‬ففكَّر قلي ً‬
‫ال َّ‬ ‫يلح عىل هذا َّ‬
‫ُّ‬
‫الس� َّيارة و َم ْن فيها صعد وجلس متع ِّلق ًا عىل‬
‫بتحرك َّ‬
‫الس� َّيارة (الوانيت) وعندما شعر ُّ‬
‫َّ‬
‫الس َّيارة ومل يعلم به أحدٌ ‪.‬‬ ‫ٍ‬
‫قريب من إطار َّ‬ ‫(س ْستة)‬
‫حديد ُ‬
‫ال فقد كان تراب ًّيا وعر ًا‬
‫الرياض‪ ،‬ومل يكن ال َّطريق سه ً‬ ‫اتجَّ هت َّ‬
‫الس َّيارة يف طريقها إىل ِّ‬
‫الربيع َّية) قريب ًا‬ ‫ٍ‬
‫يس�مى (نفود َّ‬
‫َّ‬ ‫مكان‬ ‫الرمال يف‬
‫الس� َّيارة إىل الوقوف يف أدغال ِّ‬
‫عرض َّ‬ ‫ممَّا َّ‬
‫الس� َّيارة فوجئوا بالفتى وقد‬ ‫الركَّاب وقائد َّ‬
‫الربيع َّية رشق بريدة‪ ،‬وعند نزول ُّ‬ ‫من قرية َّ‬
‫الركَّاب‬
‫أرهقه التَّعب وأضناه الن ََّصب وكاد يس�قط بسبب آالم الكتف واليدين‪ ،‬فتأثر ُّ‬
‫الري�اض وعند وصوهلم‬
‫هبذا املش�هد‪ ،‬ممَّا جع�ل أحدهم يدفع عن�ه تكاليف النَّقل إىل ِّ‬
‫الري�اض أوصل�وه إىل منزل َّ‬
‫الش�يخ حممد ب�ن إبراهيم مفتي ع�ام اململكة‪ .‬وجلس‬ ‫إىل ِّ‬
‫بالرباط وهو سكن طالب العلم‬
‫يسمى ِّ‬ ‫يطلب العلم يف حلقات َّ‬
‫الش�يخ‪ ،‬وس�كن فيام َّ‬
‫ٍ‬
‫جمموعة من‬ ‫ٍ‬
‫سنوات باإلضافة إىل‬ ‫آنذاك‪ ،‬وقد واصل طلب العلم عىل َّ‬
‫الشيخ ملدة سبع‬
‫العلـمـاء(‪.)2‬‬
‫*‬ ‫*‬ ‫*‬

‫(‪َّ )1‬‬
‫الش�يخ حمم�د بن صالح املنصور ك�ف برصه قبل بلوغه الثامنة‪ ،‬وحفظ القرآن قبل البلوغ‪ .‬س�افر إىل‬
‫الري�اض وأخذ عن علـمـائها‪ ،‬وقد توىل القضاء والتدريس‪ ،‬وخترج عىل يديه مجاعة من العلـمـاء‪ .‬عرف‬‫ِّ‬
‫بالعبادة والزهد واألمر باملعروف والنهي عن املنكر‪ .‬تويف سنة (‪1420‬هـ)‪« .‬جملة األرسة» العدد (‪.)84‬‬

‫(‪« )2‬جملة األرسة» العدد (‪( )84‬ص ‪.)19‬‬

‫‪79‬‬
80
‫دعوتهم‬

‫‪81‬‬
82
‫من الوس�ائل ا َّلتي اتَّـخذها س�ليامن حلمي ‪ -‬رمحه اهلل ‪ )1(-‬لتعليم أبنائه يف تركيا‬
‫ٍ‬
‫باستمرار‪.‬‬ ‫اجلمهوري تبديل املكان‬
‫ِّ‬ ‫أ َّيام احلكم‬
‫كان س�ليامن حلمي يعطي ال�دَّ رس لطلبته‪ ،‬فكان يدرس يوم� ًا يف غرفة املؤذن يف‬
‫جامع ش�هرزاد بايش‪ ،‬ويوم ًا آخر يف بيت أحد أتباعه يف أحد أحياء إسطنبول‪ ،‬كام كان‬
‫جيمعهم يف أقبية املباين التَّارخي َّية القديمة‪ ،‬وقد جلأ اإلمام إىل تعليم ال ُّطلاَّ ب يف األدوار‬
‫الس�فل َّية م�ن املباين ويقول هل�م‪ :‬املهم أن تنجح دعوتنا وال هنت�م باملناصب‪ ،‬ونقبل أن‬
‫ُّ‬
‫ٍ‬
‫خمتلف عن‬ ‫ٍ‬
‫مكان‬ ‫كل يو ٍم يف‬ ‫يدرس هلم َّ‬
‫يصبح مكاننا مكان األحذية يف املساجد‪ ،‬وكان ِّ‬
‫ٍ‬
‫مكان كالق َّطة ا َّلتي تنقل صغارها‪،‬‬ ‫ٍ‬
‫مكان إىل‬ ‫سابقه‪ ،‬ويقول هلم‪ :‬ع َّلمتكم ونقلتكم من‬
‫ومل يكن اإلمام يتقاىض شيئ ًا نظري عمله‪ ،‬وكان يعيش عىل الكفاف‪.‬‬
‫ويف عام (‪1936‬م) علمت الشرُّ طة باستئجاره مزرعة خالد باشا ليقوم بالتَّدريس‬
‫فاضطر لتغيري املكان حتَّى إنَّه أخذ طلاَّ به وصعد هبم إىل ق َّبة ٍ‬
‫جبل يسمى‬ ‫َّ‬ ‫فيها لطلاَّ به‪،‬‬
‫مر ًة أخرى هناك‪ ،‬فقبضت عليه‬
‫«قوش قايا» بجبال سرتانجه‪ ،‬ولكن الشرُّ طة حلقت به َّ‬
‫واقتادته إىل املركز الستجوابه‪.‬‬
‫مس�تمر ًة م�ن ِق َبل رجال الشرُّ طة‪ ،‬وقد حدث يف يو ٍم من‬
‫َّ‬ ‫كان اإلمام ُمرا َقب ًا مراقب ًة‬
‫أ َّي�ام رمضان أن أخذ اإلمام س�ليامن الشرُّ طي املك َّلف بمراقبت�ه إىل منزله‪ ،‬وقال له‪ :‬يا‬
‫م�ر ًة أخرى‪ ،‬وحينام‬ ‫صائ�م فلنفطر مع ًا‪َّ ،‬‬
‫ث�م تعود إىل عملك َّ‬ ‫ٌ‬ ‫ول�دي‪ ،‬إنَّن�ي أعلم أنَّك‬
‫ف يقوم بام تُـمليه عليه وظيفته‪ ،‬وقد أ َّثر‬
‫اعرتض�ت زوجته عىل ذل�ك قال هلا‪ :‬إنَّه مو َّظ ٌ‬

‫الش�يخ س�ليامن حلمي ‪ -‬رمحه اهلل ‪ -‬بقرية فرحاتلر التابعة لسليسترة عام (‪1888‬م) يف بلغاريا‬‫(‪ )1‬ولد َّ‬
‫ثم درس يف‬ ‫اليوم‪ ،‬دخل مدرس�ة س�اطريل بسليسترة مع إخوته‪ ،‬وكان والده عثامن أفندي مدرس� ًا فيها‪َّ ،‬‬
‫إسطنبول‪ ،‬عني قاضي ًا بقسطموين‪ .‬تويف يف عام (‪1959‬م)‪.‬‬

‫‪83‬‬
‫ه�ذا املوقف يف نف�س الشرُّ طي تأثري ًا قو ًّيا حتَّى إنَّه ا ْلتح�ق ب ُطلاَّ ب اإلمام وأصبح من‬
‫أخلص أتباعه(‪.)1‬‬
‫*‬ ‫*‬ ‫*‬

‫وضعت حاش�ي ًة عىل كتاب‬


‫ُ‬ ‫قال َّ‬
‫الش�يخ حممد تقي الدِّ ين اهلال ُّيل ‪ -‬رمحه اهلل ‪:)2(-‬‬
‫الوهاب‪ ،‬وطبعتها ونرشهتا‪ ،‬ولكنَّني‬ ‫«كش�ف ُّ‬
‫الشبهات» لشيخ اإلسالم حممد بن عبد َّ‬
‫يس�مى يف مصطلح احلديث بـ (تدليس ُّ‬
‫الش�يوخ)‪ ،‬وهو‬ ‫َّ‬ ‫اس�تعملت يف ذكر اس�مه ما‬
‫الش�يخ يكون له اسمان اش�تهر‬ ‫جائز‪ ،‬بل مستحس� ٌن إذا أريد به اإلصالح‪ ،‬وذلك َّ‬
‫أن َّ‬ ‫ٌ‬
‫ٍ‬
‫ملصلحة يف‬ ‫الراوي عنه باالس�م ا َّلذي مل يش�تهر به‬
‫بأحدمها ومل يش�تهر باآلخر فيذكره َّ‬
‫علو سنده وتر ُّفعه عن ِّ‬
‫الرواية عنه ليوهم النَّاس‬ ‫ذلك‪ ،‬أ َّما إذا فعل ذلك‪ ،‬ليوهم النَّاس َّ‬
‫للرواية عن مثله لصغر سنِّه أو عدم شهرته وغري ذلك من حظوظ النَّفس‬
‫يتنزل ِّ‬
‫أنَّه ال َّ‬
‫األ َّمارة فهو مذمو ٌم‪.‬‬

‫الربانيني» للدكتور سيد بن حسني العفاين (‪.)255/2‬‬


‫(‪« )1‬زهرة البساتني من مواقف العلـمـاء َّ‬
‫(‪ )2‬ول�د َّ‬
‫الش�يخ حمم�د تقي الدي�ن بن عبدالق�ادر اهلاليل يف املغ�رب س�نة (‪1311‬هـ)‪ ،‬ق�رأ القرآن عىل‬
‫ثم رجع إىل املغرب‪ .‬وس�افر إىل بلدان شتى لطلب‬‫ثم س�افر إىل اجلزائر س�بع س�نني لطلب العلم‪َّ ،‬‬‫والده‪َّ .‬‬
‫العل�م والدع�وة إىل اهلل‪ .‬صنف مصنفات كثرية يف عدة فنون‪ .‬تويف س�نة (‪1407‬هـ)‪« .‬من أعالم احلركة‬
‫اإلسالمية» لعبداهلل العقيل‪.‬‬

‫‪84‬‬
‫ثم‬‫الوهاب بن سليامن الدرعي‪ ،‬فنسبته إىل جدِّ ه‪َّ ،‬‬ ‫سميت َّ‬
‫الشيخ حممد بن عبد َّ‬ ‫وقد َّ‬
‫حق يف بلدته ولكن مل يشتهر بذلك‪ ،‬وزاد األمر غموض ًا َّ‬
‫أن‬ ‫نس�بته إىل الدرعية‪ ،‬وذلك ٌّ‬
‫تسمى (درعة)‪ ،‬والنِّسبة إليها درعي‪ ،‬فنجحت فيام قصدته من ترويج‬
‫يف املغرب كورة َّ‬
‫ٍ‬
‫قصير‪ ،‬ومل يتف َّطن أحدٌ لذلك حتَّى‬ ‫نس�خة فبيعت يف ٍ‬
‫وقت‬ ‫ٍ‬ ‫الكتاب‪ ،‬فقد طبعت ألف‬
‫مهته يف البحث وكثرة ما يف خزائنه من‬‫وعلو َّ‬
‫ِّ‬ ‫الشيخ أمحد بن الصديق مع سعة ا ِّطالعه‬
‫َّ‬
‫ٍ‬
‫حرية؛ ألنَّه بحث يف تاريخ املنس�وبني إىل (درع�ة) فلم جيد أحد ًا منهم‬ ‫الكت�ب بقي يف‬
‫يس�مى بذل�ك‪ ،‬وال أثر عنه هذا الكتاب‪ ،‬فبعث إ َّيل يس�ألني عن ه�ذا املؤلف َم ْن هو‪،‬‬
‫َّ‬
‫فأخربته باحلقيقة‪.‬‬
‫الشيخ‬ ‫ولـمـا ا َّطلع ال َع َلم األجل مفتي اململكة العرب َّية ُّ‬
‫السعود َّية وشيخ شيوخها َّ‬ ‫َّ‬
‫حممد بن إبراهيم ‪ -‬رمحة اهلل عليه ‪ -‬عىل هذا العمل استحس�نه َّ‬
‫كل االستحس�ان‪ .‬وإنَّام‬
‫حرضوا رشار العلـمـاء يف مجيع‬ ‫ألن ِّ‬
‫املتأخرين من رجال الدَّ ولة العثامن َّية َّ‬ ‫فعلت ذلك؛ َّ‬
‫الوهاب وك ََذبوا عليه‪ ،‬وأومهوا‬ ‫البالد اإلسالم َّية عىل تشويه سمعة َّ‬
‫الشيخ حممد بن عبد َّ‬
‫َّبي الكريم ويك ِّفر املس�لمني‪ ،‬إىل‬ ‫ٍ‬ ‫أتباعه�م أنَّ�ه جاء ٍ‬
‫بدين جديد‪ ،‬وأنَّه يتنقص جانب الن ِّ‬
‫غري ذلك من األكاذيب‪.‬‬
‫أن حممد بن عبد‬ ‫وقد تبينَّ ألكثر النَّاس بطالن تلك الدَّ عوى‪ ،‬وعلموا علم اليقني َّ‬
‫الوه�اب من كبار املصلحني ا َّلذين فتح اهلل بدعوهتم عيون ًا عمي ًا وآذان ًا صماًّ ‪ ،‬وأنَّه أحيا‬
‫َّ‬
‫وس�نَّة رس�وله يف جزيرة العرب بعدما كاد يندثر‪ .‬وإىل اآلن ال يزال‬
‫العمل بكتاب اهلل ُ‬
‫يرضه‪ :‬إن كانوا مسلمني َّ‬
‫فإن س َّبهم له‬ ‫بعض الغربان ينعقون بس ِّبه كالغراب وذلك ال ُّ‬
‫فإن اهلل يزيدهم عذاب ًا‪.‬‬
‫جيعل حسناهتم يف صحيفته‪ ،‬وإن كانوا مرشكني َّ‬

‫ولـمـ�ا طبع ه�ذا الكتاب غضب ُع َّباد القبور وأصح�اب ال َّطرائق‪ ،‬وخطب ٌ‬
‫كثري‬ ‫َّ‬
‫الضالل‬
‫أئمة املس�اجد خطبة اجلمعة ون َّبهوا املس�تمعني إىل ما يف ه�ذا الكتاب من َّ‬
‫من َّ‬

‫‪85‬‬
‫الضلال‪ ،‬ولك�ن مل يس�تمع هلم أح�دٌ ‪ ،‬أ َّما‬ ‫بزعمه�م؛ َّ‬
‫ألن توحي�د اهلل عنده�م أعظ�م َّ‬
‫العلـمـاء املح ِّققون‪ ،‬كاألس�تاذ حممد ال ّطنجي‪ ،‬واألستاذ املجاهد عبد َّ‬
‫السالم املرابط‪،‬‬
‫رحبوا بطبع هذا الكت�اب‪ ،‬وأثنوا عليه وعىل‬
‫واألس�تاذ العبق�ري عبد اهلل كنون فإنهَّ �م َّ‬
‫نبح الكالب‪.‬‬
‫حاب ُ‬
‫الس َ‬
‫مؤلفه ونارشه‪ ،‬وال يرض َّ‬
‫ِ‬
‫الكالب و َقدْ مشى عىل َم َه ِل‬ ‫ُسود‬ ‫تنبح ُ ه‬
‫السام يف األفق ُ‬
‫رض بدر َّ‬
‫ما َّ‬
‫حواش ٍ‬
‫قليلة لشيخ اإلسالم أمحد بن عبد احلليم‬ ‫ٍ‬ ‫ثم طبعت رسالة زيارة القبور مع‬ ‫َّ‬
‫وس�ميته أمحد بن عب�د احلليم احل�راين‪ ،‬ومل أذكر لفظ ابن‬
‫َّ‬ ‫السلام ابن تيمية‪،‬‬
‫اب�ن عبد َّ‬
‫اج الكتاب وانتشر ونفع اهلل به املس�لمني‪ ،‬ولمَّا بعثت‬
‫الذكر‪َ ،‬ف َ�ر َ‬ ‫تيمي�ة للع َّلة َّ‬
‫الس�ابقة ِّ‬
‫م�ن ِّ‬
‫كل من الكتابني نس�خ ًة إىل َّ‬
‫الش�يخ حممد ب�ن إبراهيم ‪ -‬رمح�ه اهلل ‪ -‬فرح بنرشمها‬
‫واستحسن ال َّطريقة ا َّلتي سلكتها لبعد نظره ووفور عقله وحكمته‪.‬‬
‫جرب�ت يف بالد املغرب يف َّ‬
‫الشمال واجلن�وب أن نرش كتب التَّوحي�د واتِّباع‬ ‫وق�د َّ‬
‫درس الدَّ اعي كتاب ًا من كتب‬
‫الس�نَّة يتو َّقف عىل نجاح الدَّ عوة إىل اهلل يف املس�اجد‪ ،‬فإذا َّ‬
‫ُّ‬
‫التَّوحيد وبينَّ للمستمعني ما فيه من كنوز العلم واحلكمة‪ ،‬يرغب املستمعون يف اقتناء‬
‫للحق وي�زدادون اطمئنان ًا ويق�وى إيامهنم‬
‫ِّ‬ ‫ذل�ك الكت�اب‪ ،‬وبقراءته تتَّس�ع معرفته�م‬
‫وتندفع عنهم ُّ‬
‫الش�بهات‪ .‬فمن ذلك‪ :‬أنَّني درست يف اجلامع الكبري كتاب «فتح املجيد‬
‫الوهاب وختمته يف ذلك املسجد‬
‫رشح كتاب التوحيد» لش�يخ اإلسلام حممد بن عبد َّ‬
‫مرتين‪ ،‬فانترش هذا الكتاب انتش�ار ًا عظي ًام حتَّى أنيِّ طلب�ت من جاللة امللك فيصل ‪-‬‬
‫َّ‬
‫ج�زاه اهلل عنا وعن املس�لمني أحس�ن اجلزاء ‪ -‬بواس�طة فضيلة َّ‬
‫الش�يخ عب�د امللك بن‬
‫ٍ‬
‫ثالثامئة‬ ‫ٍ‬
‫بنسخ من «فتح املجيد»‪ ،‬فأمر بإرسال‬ ‫إبراهيم ‪ -‬بارك اهلل يف حياته ‪ -‬أن يمدَّ ين‬
‫مـجان ًا ألمرين‪ :‬أنَّني ال‬ ‫ٍ‬
‫وثالث وأربعني نس�خ ًة بالربيد‬
‫أوزعها َّ‬
‫اجلوي‪ ،‬فب�دا يل أن ال ِّ‬
‫ِّ‬
‫آم�ن أن تقع بعض النُّس�خ يف أيدي أع�داء التَّوحيد فيحرقوها‪ ،‬وق�د رأيناهم يفعلون‬

‫‪86‬‬
‫ذل�ك يف املرشق واملغرب‪ ،‬فإذا فرضنا أن ش�خص ًا أو أش�خاص ًا بل�غ هبم الت ُّ‬
‫َّعصب إىل‬
‫حب‬ ‫قليل؛ َّ‬
‫ألن النَّ�اس مـجبولون عىل ِّ‬ ‫فإن ذلك منه�م ٌ‬
‫أن يشتروا الكت�اب وحيرقوه َّ‬
‫الـمـال والبخل به وال يبذلونه إلاَّ فيام هو ُّ‬
‫أحب منه إليهم‪ .‬األمر ال َّثاين‪ :‬ما قاله املؤ ِّلف‬
‫أن الكتاب ا َّلذي ال يدفع ثمنه ال يقرأ‪.‬‬ ‫الصيت (برنارد شو)‪َّ :‬‬ ‫اإلنكليزي ال َّطائر ِّ‬
‫فبيعت تلك النُّس�خ ك ُّلها إلاَّ قلي ً‬
‫ال منها منحته للمس�تح ِّقني ومل آخذ منهم لعلمي‬
‫ٍ‬
‫قصرية‪ ،‬وصار الكتاب يف حكم املفقود‪ ،‬وكنت أبيع‬ ‫بفقرهم وصدقهم‪ .‬بيعت يف مدَّ ٍة‬
‫النُّسخة بست َِّة دراهم فقط‪ ،‬ومل يكن يروج إلاَّ يف البلدان ا َّلتي تُلقى فيها دروس التَّوحيد‬
‫كمكناس وتطوان وأفود‪ ،‬أ َّما مكناس وأفود فإنَّني ألقي فيهام دروس ًا يف التَّوحيد‪ ،‬وأ َّما‬
‫الزمان يوجد فيها دا ٍع هو أخي‬
‫تطوان فقد تقدَّ م أنيِّ دعوت إىل التَّوحيد فيها‪ ،‬ويف هذا َّ‬
‫األستاذ حممد العري اهلاليل‪.‬‬
‫صار النَّاس يف هذه النَّواحي يبحثون عن هذا الكتاب ليشتروه بضعف ثمنه فلم‬
‫السماحة األستاذ َّ‬
‫الشيخ عبد العزيز بن‬ ‫ولـمـا ذكرت ذلك لصاحب َّ‬‫جيدوا منه ش�يئ ًا‪َّ ،‬‬
‫مجعت من بيع تلك‬
‫ُ‬ ‫عب�د اهلل ب�ن باز ‪ -‬أمتع اهلل املس�لمني بطول بقائه ‪ -‬وأخربته أنَّن�ي‬
‫النُّس�خ ألف ًا وثامنامئ ًة ومخسين رياالً سعود ًّيا قال يل‪ :‬وأنا أتربع بستِّامئة ٍ‬
‫ريال تضاف إىل‬ ‫َّ‬
‫جديد‪ ،‬والكت�اب اآلن حتت ال ّطبع‪ ،‬وذك�رت ذلك أيض ًا‬ ‫ٍ‬ ‫ذل�ك ونشترك يف طبعه م�ن‬
‫الش�يخ عمر بن حسن آل َّ‬
‫الشيخ ‪ -‬أمتع اهلل املسلمني بطول‬ ‫الس�لف َّ‬ ‫للعامل اجلليل بق َّية َّ‬
‫شك أنَّه يفي بوعده‪ .‬وهذا الكتاب‬‫كريم ال َّ‬ ‫ٍ‬
‫بقائه ‪ -‬فوعدين بتحصيل ألف نسخة‪ ،‬وهو ٌ‬
‫مع وجود الدَّ اعي النَّاجح يف دعوته يساعد عىل نرش الدَّ عوة مساعد ًة عظيم ًة ال ينقيض‬
‫منه�ا العج�ب‪ .‬أ َّما البلد ا َّل�ذي ليس فيه دا ٍع فإنَّه ال يروج في�ه أصالً‪ ،‬فقد بعثت مخس‬
‫سنة ثالث ٍ‬
‫نسخ فقط (‪.)1‬‬ ‫مشهورة يف املغرب فبيع منها يف ٍ‬
‫ٍ‬ ‫ٍ‬
‫مدينة‬ ‫ٍ‬
‫نسخ إىل‬
‫*‬ ‫*‬ ‫*‬

‫(‪« )1‬الدعوة إىل اهلل يف أقطار خمتلفة» (ص ‪ )56‬بقلم الدكتور حممد تقي الدين اهلاليل‪.‬‬

‫‪87‬‬
‫كان آص�ف القدوائ�ي ‪ -‬رمح�ه اهلل ‪ )1(-‬حبي�س البيت ورهني الف�راش قبل ٍ‬
‫ثالثة‬
‫وأربعني عام ًا من وفاته‪ ،‬أي منذ ش�بابه‪ ،‬حيث أصيب عموده الفقري عام (‪1946‬م)‬
‫الرغم من هذا َّ‬
‫ظل نش�يط ًا عرب‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬
‫بم�رض عضال أقع�ده عن احلركة والتَّن ُّقل كل ًّيا‪ .‬وعىل ُّ‬
‫وعمرها بالعبادة والتِّالوة‪ .‬فقد أ َّلف وترجم إىل‬
‫حيات�ه‪ ،‬فقضاها يف التَّأليف والترَّ مجة‪َّ ،‬‬
‫اإلنكليز َّية ما يبلغ ثالثني كتاب ًا‪ ،‬وهو ال يستطيع أن يقلب ِع ْطفه من شدَّ ة املرض(‪.)2‬‬
‫*‬ ‫*‬ ‫*‬
‫الس�ودان ومبشرِّ يه‪ ،‬وعىل رأس�هم القس�يس جيمس‬ ‫ٍ‬
‫بدع�وة من بعض قساوس�ة ُّ‬
‫بخي�ت وتيخ�ا رمضان وم�ن معهام من القساوس�ة‪ ،‬عقدت مناظرة اس�تغرقت س�تَّة‬
‫ٍ‬
‫متتالي�ة يف الفترة م�ن (‪1401/1/23‬ه�ـ) إىل‬ ‫ٍ‬
‫س�اعات‬ ‫أ َّي�ا ٍم‪ ،‬يف ِّ‬
‫كل ي�و ٍم ثلاث‬
‫ٍ‬
‫ثالثة‬ ‫(‪1401/1/29‬ه�ـ) املواف�ق (‪1980/12/1‬م) إىل (‪1980/12/7‬م) بين‬
‫اإلسلامي‪َّ :‬‬
‫الش�يخ الدكتور حممد مجيل غازي(‪ ،)3‬واألس�تاذ إبراهيم‬ ‫ِّ‬ ‫من أعالم الفكر‬
‫خلي�ل أمحد ا َّلذي كان من أخطر القساوس�ة املرص ِّيني وأس�لم‪ ،‬وال ِّلواء املهندس أمحد‬
‫ٍ‬
‫مخس�ة وعرشي�ن عام ًا‪،‬‬ ‫الوه�اب عيل ا َّلذي ش�غل بمقارن�ة األديان منذ أكثر من‬
‫عب�د َّ‬

‫(‪ )1‬ول�د آص�ف القدوائي بمدينة «باره نبكي» يف اهلند س�نة (‪1337‬هـ)‪ ،‬ت�درج يف التعليم ح َّتى حصل‬
‫السياسة من الكلية املسيحية بمدينة بلكهنؤ يف اهلند‪ ،‬أصيب بمرض بعموده‬ ‫عىل شهادة الدكتوراه يف علم ِّ‬
‫الفق�ري‪ ،‬فبق�ي رهني البيت أكثر من أربعني س�نة‪ .‬كان كاتب ًا ب�ارز ًا يكتب بالعربية واألوردية‪ .‬تويف س�نة‬
‫(‪1409‬هـ)‪« .‬تتمة األعالم للزركيل» ملحمد خري رمضان‪.‬‬

‫(‪« )2‬تتمة األعالم للزركيل» (‪ )7/1‬ملحمد خري رمضان يوسف‪.‬‬

‫الشيخ يف مرص سنة (‪1355‬هـ) يف أرسة خترج أكثرها‬ ‫الشيخ حممد مجيل أمحد غازي يف حمافظة كفر َّ‬
‫(‪ )3‬ولد َّ‬
‫م�ن األزه�ر‪ .‬حفظ القرآن وه�و يف احلادية عرشة من عمره‪ .‬ودرس يف األزه�ر وحصل عىل الدكتوراه يف‬
‫النقد األديب‪ .‬شارك يف الكثري من املؤمترات والندوات يف العامل اإلسالمي‪ ،‬وكان نائب ًا لرئيس مجاعة أنصار‬
‫الس َّنة‪ .‬تويف سنة (‪1409‬هـ)‪« .‬تتمة األعالم للزركيل» ملحمد خري رمضان‪.‬‬ ‫ُّ‬

‫‪88‬‬
‫الس�ودانيني وعىل رأسه املبشرِّ القس�يس جيمس بخيت‪ ،‬وآمن مجيع‬
‫وبني القساوس�ة ُّ‬
‫ٍ‬
‫مخسامئة(‪.)1‬‬ ‫القساوسة واملبشرِّ ون املناظرون‪ ،‬وأسلم بإسالمهم‬
‫*‬ ‫*‬ ‫*‬
‫الشيخ صالح البليهي‬‫الشيخ عبد اهلل بن عيل الغضية‪ :‬يف يو ٍم من األ َّيام أعطى َّ‬
‫قال َّ‬
‫ٍ‬
‫حمارضة لدهيم بعد صالة العش�اء اآلخرة‪،‬‬ ‫الشامس�ية وعد ًا إلقامة‬
‫‪ -‬رمحه اهلل ‪ )2(-‬أهل َّ‬
‫الرمحن الدورسي ‪ -‬رمحه اهلل ‪ -‬وأنَّه سوف يصلىَّ عليه بعد‬ ‫ثم علمنا بوفاة َّ‬
‫الشيخ عبد َّ‬ ‫َّ‬
‫الصبح مبارش ًة إلاَّ أحد‬ ‫صالة ال ُّظهر يف اجلامع الكبري يف ِّ‬
‫الرياض‪ ،‬فام علمت بعد صالة ُّ‬
‫إن الوالد يس ِّلم عليك ويقول‪ :‬تذهب ‪ -‬إن شاء اهلل ‪َّ -‬‬
‫للشامسية‪،‬‬ ‫الشيخ يقول يل‪َّ :‬‬
‫أبناء َّ‬
‫للصالة عىل‬
‫للرياض َّ‬
‫وتبدأ باملحارضة إىل أن يأيت ‪ -‬إن شاء اهلل ‪-‬؛ ألنَّه سوف يذهب ِّ‬
‫ثم يرجع‪ ،‬وطمأن اجلامعة َّ‬
‫أن وعدهم عىل البال‪،‬‬ ‫الرمحن الدورسي‪ ،‬ومن َّ‬ ‫َّ‬
‫الش�يخ عبد َّ‬
‫فلـمـا ص َّلوا عىل َّ‬
‫الش�يخ‬ ‫حار‪َّ ،‬‬
‫واجلو يف ذلك الوقت ٌّ‬
‫ُّ‬ ‫للرياض‬ ‫وفع ً‬
‫ال س�افر من بريدة ِّ‬
‫للراحة بعد ال ُّظهر‪،‬‬ ‫بالرياض دعي َّ‬
‫الش�يخ صالح البليهي ‪ -‬رمحه اهلل ‪َّ -‬‬ ‫باجلامع الكبري ِّ‬
‫الشامسية‪ ،‬وما نحب أن َّ‬
‫نتأخر؛‬ ‫ٍ‬
‫حمارضة يف جامع َّ‬ ‫فقال للدَّ اعي‪ :‬س َّلمك اهلل‪ ،‬لنا موعد‬
‫ألنَّنا نخشى من عوائق ال َّطريق‪.‬‬
‫ولـمـا أ َّذن العش�اء اآلخرة وكنت يف جامع َّ‬
‫الشامس�ية‪،‬‬ ‫الرياض‪َّ ،‬‬ ‫وفع ً‬
‫ال رجع من ِّ‬
‫الش�يخ (صالح) يف ال َّطريق وأنَّن�ا بانتظاره‪ ،‬وكنت‬ ‫وب�دأت أتك َّل�م وأعد احلضور َّ‬
‫بأن َّ‬

‫(‪« )1‬زهرة البساتني من مواقف العلامء الربانيني» لسيد عفاين (‪.)121/4‬‬

‫الش�يخ صالح بن إبراهيم بن حممد البليهي ‪ -‬رمحه اهلل ‪ -‬يف مدينة الشامس�ية س�نة (‪1331‬هـ)‪،‬‬‫(‪ )2‬ولد َّ‬
‫ولـمـا بلغ س�بع س�نني انتقلت أرسته إىل مدينة بريدة‪ ،‬فنش�أ هبا‪ ،‬وطلب العلم عىل علـمـائها‪ ،‬اعتذر عن‬
‫ت�ويل القضاء‪ ،‬وتفرغ للتدريس‪ ،‬واإلمامة واخلطابة‪ ،‬واملش�اركة يف األعامل اخلريي�ة‪ .‬له مؤلفات تدل عىل‬
‫غزارة علمه‪ ،‬وسعة اطالعه‪ .‬تويف سنة (‪1410‬هـ)‪.‬‬
‫«علـمـاء نجد خالل ثامنية قرون» لعبد اهلل البسام (‪.)430/2‬‬

‫‪89‬‬
‫ٍ‬
‫تارات‪.‬‬ ‫أنظر للحضور تار ًة وألبواب املسجد‬
‫الصالة‪ ،‬ومىض بعض الوقت‪ ،‬وبدأ بعض النَّاس ينظر إ َّيل‬ ‫فلـمـا جاء وقت إقامة َّ‬
‫َّ‬
‫ثم نظرت أنا‬ ‫الصالة‪َّ ،‬‬
‫مر ًة أخ�رى‪ ،‬كأنَّه يقول يل‪ :‬كفى الكالم لتق�ام َّ‬
‫م�ر ًة وإىل س�اعته َّ‬
‫َّ‬
‫الشيخ يش ٌء يف ال َّطريق‪ ،‬وكام ال‬ ‫أيض ًا َّ‬
‫للساعة‪ ،‬وبدأت أفكِّر وأقدِّ ر وأخشى أن يصيب َّ‬
‫خيفى دور َّ‬
‫الشيطان يف مثل هذه املواقف من الوسوسة ‪ -‬نعوذ باهلل منه ‪.-‬‬
‫وبعد ٍ‬
‫فرتة فإذا بفضيلة شيخنا ‪ -‬رمحه اهلل ‪ -‬يلج من أحد أبواب املسجد‪ ،‬فبرشت‬
‫ٍ‬
‫أربعامئة ومخسني‬ ‫الرياض ا َّلتي تبعد أكثر من‬
‫احلضور بوصوله‪ ،‬ومل يعلموا أنَّه وصل من ِّ‬
‫كيلو مرت ًا‪ ،‬إذ أنهَّ م يظنُّون أنَّه قاد ٌم من بريدة ا َّلتي تبعد حوايل مخسني كيلومرت ًا(‪.)1‬‬
‫*‬ ‫*‬ ‫*‬

‫ال�ر َّزاق عفيفي ‪ -‬رمحه‬ ‫يقول الدكتور صالح بن س�عود آل عيل‪ :‬كان َّ‬
‫الش�يخ عبد َّ‬
‫اهلل ‪ )2(-‬صابر ًا حمتس�ب ًا‪ ،‬فباإلضاف�ة إىل األمراض ا َّلتي عرضت له يف العقد األخري من‬

‫(‪« )1‬إحتاف النبالء بسري العلـمـاء» لراشد الزهراين (‪.)176 1‬‬

‫الرزاق عفيفي عطية النويب ‪ -‬رمحه اهلل ‪ -‬يف شنش�ور إحدى قرى حمافظة املنوفية سنة‬ ‫(‪ )2‬ولد َّ‬
‫الش�يخ عبد َّ‬
‫ثم يف القاهرة‪ ،‬وكانت له أنش�طة‬
‫(‪1323‬ه�ـ)‪ .‬حف�ظ القرآن الكري�م‪ ،‬ودرس العلوم الرشعية يف بل�ده‪َّ ،‬‬
‫ودرس يف مساجدها‪ ،‬ومعاهدها‪ ،‬وكان عضو ًا يف=‬ ‫السعودية‪َّ ،‬‬‫دعوية يف مرص‪ .‬رحل إىل اململكة العربية ُّ‬

‫‪90‬‬
‫الرمحن ا َّلذي كان يالزمه‬ ‫عمره‪ ،‬أصيب باثنني من أبنائه ومها يف ريعان َّ‬
‫الش�باب‪ :‬عبد َّ‬
‫يف شيخوخته كظ ِّله خيدمه ويساعده‪ ،‬فإذا به يفاجأ بوفاته بسبب انفجار أسطوانة ٍ‬
‫غاز‪،‬‬

‫ومن قبله أمحد أكرب أبنائه ا َّلذي جاء نعيه قتي ً‬


‫ال يف حرب الد َّبابات مع إرسائيل يف سيناء‬

‫سنة (‪1973‬م)‪.‬‬

‫وممَّا يلفت النَّظر يف َج َلد َّ‬


‫الشيخ ‪ -‬رمحه اهلل ‪ -‬وصربه أنَّه لـمـا جاءه خرب وفاة ابنه‬

‫اليومي‪ ،‬فقد‬
‫ِّ‬ ‫وحمارض يف املعهد العايل للقضاء‪ ،‬مل يتو َّق�ف عن برناجمه‬
‫ٌ‬ ‫مدير‬
‫أمح�د وه�و ٌ‬
‫جاء إىل طلاَّ به يف مرحلة الـمـاجس�تري‪ ،‬وكنت واحد ًا منهم‪ ،‬وألقى املحارضة كالعهد‬
‫به دون ٍ‬
‫أثر أو تلعث ٍم‪ ،‬وكانت بعد صالة العرص إىل املغرب‪ ،‬وكان ال ُّطلاَّ ب كعادهتم بعد‬

‫يوجهون األسئلة سؤاالً تلو اآلخر‪ ،‬وإذا به جييب عنها دون أن‬
‫أن ينتهي من املحارضة ِّ‬
‫يظهر عليه ما يلفت النَّظر‪ ،‬ومع انتهاء املحارضة خرج من القاعة ونحن وراءه‪ ،‬فإذا بنا‬

‫معزين بوفاة ابنه‪،‬‬


‫ب آخرين يق ِّبلونه ِّ‬ ‫ٍ‬
‫بطابور من األس�اتذة و ُطلاَّ ٍ‬ ‫نحن الطُّـلاَّ ب نفاجأ‬
‫وال تس�أل عن ذهولنا نحن! ليس من الوفاة‪ ،‬ولكن َّ‬
‫ألن َّ‬
‫الشيخ مل يرتك املحارضة‪ ،‬بل‬

‫للصدمة(‪.)1‬‬ ‫مل خيربنا‪ ،‬ومل يظهر عليه أي ٍ‬


‫أثر َّ‬
‫*‬ ‫*‬ ‫*‬

‫= هيئ�ة كب�ار العلـمـاء‪ ،‬ونائب� ًا لرئيس اللجنة الدائم�ة للبحوث العلمية واإلفت�اء‪ ،‬والعديد من األعامل‪.‬‬
‫ع�رف بزه�ده‪ ،‬وتواضع�ه‪ ،‬وعبادته‪ ،‬وس�عة علمه‪ .‬تويف س�نة (‪1415‬ه�ـ)‪« .‬علـمـاء نجد خلال ثامنية‬
‫قرون» لعبد اهلل البسام (‪.)175/3‬‬

‫(‪« )1‬إحتاف النبالء بسري العلـمـاء» لراشد الزهراين (‪.)292/2‬‬

‫‪91‬‬
‫الشيخ عبد الكريم بن صالح املقرن يف َّ‬
‫الشيخ صالح بن غصون ‪ -‬رمحه اهلل ‪:)1(-‬‬ ‫قال َّ‬

‫الش�يخ ‪ -‬رمحه اهلل ‪ -‬اعتذر يوم ًا عن التَّس�جيل‪ ،‬أو َّ‬


‫س�وف‪ ،‬أو تراخى عىل‬ ‫ال أذكر أن َّ‬

‫الرجال (دعوة وعمل) يف بذل اخلري ونفع املسلمني‪،‬‬ ‫مدى أربع عرش سن ًة‪ ،‬وإنَّام هي َّ‬
‫مهة ِّ‬
‫الصعب‪ ،‬فاشرتوا اآلخرة وعملوا هلا‪.‬‬ ‫امليض يف ال َّ‬
‫طريق َّ‬ ‫ِّ‬ ‫ٌ‬
‫رجال عاهدوا اهلل عىل‬
‫الشيخ ‪ -‬رمحه اهلل ‪ -‬يف برامج متعدِّ ٍ‬
‫دة سواء يف املناسبات أو غريها (نور‬ ‫شارك معي َّ‬

‫احلج ورمضان)‪ ،‬أحاديث عا َّمة‪ ،‬مقابالت وغريها‪.‬‬ ‫عىل الدَّ رب)‪( ،‬أهل ِّ‬
‫الذكر)‪( ،‬يف ِّ‬
‫ٍ‬
‫تسجيل يسأل‬ ‫الشيخ ‪ -‬رمحه اهلل ‪ -‬حم ًّبا إلذاعة القرآن الكريم‪ ،‬فكان قبل ِّ‬
‫كل‬ ‫كان َّ‬

‫عن اجلديد يف إذاعة القرآن الكريم‪ ،‬وعن براجمها ومواعيدها‪.‬‬

‫خيصص يل أس�بوعني كاملني ع�دا اجلمعة يف‬ ‫وكان فضيل�ة َّ‬


‫الش�يخ ‪ -‬رمح�ه اهلل ‪ِّ -‬‬

‫بع�ض األحيان؛ ألنَّه جيتمع بأوالده وأرسته‪ ،‬فكان يس�جل حلق�ات الدَّ ورة اإلذاع َّية‬

‫كلل أو ٍ‬
‫ملل(‪.)2‬‬ ‫كامل ًة (‪ 24‬حلق ًة) دون ٍ‬

‫*‬ ‫*‬ ‫*‬

‫الرس س�نة (‪1341‬هـ)‪ ،‬وفقد برصه سنة (‪1345‬هـ)‪.‬‬ ‫الش�يخ صالح بن عيل الغصون يف مدينة َّ‬ ‫(‪ )1‬ولد َّ‬
‫الرياض عىل علـمـائها ومن أبرزهم َّ‬
‫الش�يخ حممد بن إبراهيم‪ .‬ت�وىل القضاء يف عدة بلدان‬ ‫أخ�ذ العل�م يف ِّ‬
‫وص�ار عض�و ًا يف جمل�س القضاء األعلى‪ ،‬وعض�و ًا يف هيئة كب�ار العلـمـاء‪ .‬وق�د عرف بالعل�م والعبادة‬
‫الش�يخ العالم�ة صالح بن عيل بن‬‫والزه�د‪ .‬تويف س�نة (‪1419‬ه�ـ)‪« .‬الدر املكنون يف مواقف وذكريات َّ‬
‫غصون» للشيخ عبد الكريم بن صالح املقرن‪.‬‬

‫(‪« )2‬الدر املكنون» (ص ‪.)16‬‬

‫‪92‬‬
‫للشيخ أيب‬ ‫ٍ‬
‫بزيارة َّ‬ ‫قام الربوفيسور نجم الدين أربكان ‪ -‬الزعيم الترُّ كي املعروف ‪-‬‬
‫احلسن النَّدوي رمحهام اهلل(‪ )1‬يف أحد الفنادق يف إستانبول‪ ،‬فإذا َّ‬
‫بالشيخ يبدأ احلديث مع‬
‫مه َّية‬
‫مه َّية إستانبول وأ ِّ‬
‫الصادق الدَّ اعية‪ ،‬فيذكر بأ ِّ‬
‫الس�يايس الكبري حديث العامل َّ‬
‫الزعيم ِّ‬
‫َّ‬
‫األنصاري يف إحدى‬
‫ِّ‬ ‫الصحايب اجلليل أيب أي�وب‬
‫فتحه�ا‪ ،‬وم�ا كان يرمز إليه اشتراك َّ‬
‫ثم ربط َّ‬
‫الشيخ بني هذه املعاين‪،‬‬ ‫معارك فتحها‪ ،‬واستش�هاده عىل أس�وارها ودفنه فيها‪َّ ،‬‬
‫ٍ‬
‫ش�امل‬ ‫ٍ‬
‫عميق‬ ‫ٍ‬
‫حديث‬ ‫مه َّية اإلسلام ومعناه هل�ذه املدينة ولرتكيا‪ ،‬وكان ذلك ك ُّله يف‬
‫وأ ِّ‬
‫ٍ‬
‫مؤ ِّث ٍر‪ ،‬حديث ينفذ إىل األعامق‪ ،‬وخيرتق احلواجز‪ ،‬فتدمع له عيون َّ‬
‫السامعني‪ ،‬وتتَّضح‬
‫الزائر‪ ،‬وتبل�غ املوعظة واحلقيقة أعمق أعامقه‪ ،‬فيعاهد َّ‬
‫الش�يخ عىل‬ ‫الزعيم َّ‬
‫ل�ه جوارح َّ‬

‫الش�يخ أبو احلس�ن عيل بن عبد احلي احلس�ني الندوي يف راي برييل يف اهلند س�نة (‪1332‬هـ) يف‬‫(‪ )1‬ولد َّ‬
‫أرسة عربية األصل يرجع نسبها إىل احلسن بن عيل‪ .‬وكان والده من العلـمـاء املشهورين ذوي املصنفات‬
‫الكثيرة‪ .‬حف�ظ القرآن الكريم صغير ًا‪ ،‬وقرأ العلم عىل وال�ده وبمعاونة أمه ‪ -‬وهي ام�رأة صاحلة حتفظ‬
‫الق�رآن وتؤل�ف ‪ -‬تعل�م العربية وق�رأ كتب األدب‪ ،‬وطل�ب العلم ورح�ل من أجله‪ ،‬وأل�ف املصنفات‬
‫الكثيرة‪ .‬توىل أمانة ندوة العلـمـاء‪ .‬وقد ش�ارك يف كثري من املؤمترات اإلسلامية‪ .‬عرف بالعبادة والزهد‬
‫والتواضع واالهتامم بأمور املس�لمني‪ ،‬تويف يف بلده س�نة (‪1420‬هـ)‪« .‬حيدثونك عن أيب احلسن الندوي»‬
‫إعداد الدكتور حمسن العثامين الندوي‪.‬‬

‫‪93‬‬
‫ال يده‪ ،‬وشاكر ًا‬ ‫ٍ‬
‫دامعة ُمق ِّب ً‬ ‫ٍ‬
‫بعيون‬ ‫ثم ينهض ليودع َّ‬
‫الش�يخ‬ ‫محاية اإلسلام يف هذا البلد‪َّ ،‬‬
‫له(‪.)1‬‬
‫* * *‬
‫الش�يخ فرحان عبيد الش�مري يف ترمجة َّ‬
‫الشيخ عبد العزيز اهلده ‪ -‬رمحه اهلل ‪-‬‬
‫(‪)2‬‬
‫قال َّ‬
‫اإلسلامي ‪ -‬ف�رع اجله�راء ‪ :-‬كان يكتب يف‬
‫ِّ‬ ‫الس�ابق جلمع َّي�ة إحياء الترُّ اث‬
‫الرئي�س َّ‬
‫َّ‬
‫أن العرض ٍ‬
‫مغر‪ ،‬متأسي ًا بقوله تعاىل‪:‬‬ ‫الصحف ومل يأخذ عىل ذلك أجر ًا مع َّ‬ ‫إحدى ُّ‬
‫ﱫ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﱪ [الشورى‪.]23 :‬‬
‫الضيوف‬
‫ضي�ف جلمع َّية إحياء الُّت�رُّ اث كان العش�اء عنده عىل كث�رة ُّ‬
‫ٌ‬ ‫وك َّلما ج�اء‬
‫واملشايخ‪ ،‬وكان ينفق من ماله ألجل الدَّ عوة‪ .‬ور َّبام تع َّطلت بعض املشاريع فيدفع من‬
‫ربعني‪ ،‬وال يقول إنَّه منه‪.‬‬
‫ماله‪ ،‬ويقول‪ :‬هذا من أحد املت ِّ‬
‫ٌ‬
‫مس�تعجل‪ ،‬فرتكته وذهب‬ ‫درس يف مس�جدي‪ ،‬وبعد الدَّ رس قال يل‪ :‬أنا‬ ‫وكان له ٌ‬
‫الشيخ عند س َّيارته‬ ‫ٍ‬
‫س�اعة تقريب ًا‪ ،‬فخرجت فإذا َّ‬ ‫لس� َّيارته‪ ،‬وكنت يف املس�جد ملدَّ ة ثلث‬
‫ش�اب بمش�كلته‪ .‬فقلت بعد أن ذهب َّ‬
‫الشاب‪ :‬ألس�ت مستعجالً؟! قال‪ :‬رأيته‬ ‫ٌّ‬ ‫يك ِّلمه‬
‫يريد أن يتحدَّ ث عن مشكلته و(يفضفض عن نفسه شو َّيه)‪.‬‬
‫وكان كثير الدُّ عاب�ة مع إخوانه وتالميذه حتَّى أح ُّبوه وكسر احلاجز بينه وبينهم‪.‬‬
‫ٍ‬ ‫ٍ‬
‫ثم ينس�حب طالب‬ ‫بعمل أو نش�اط إلاَّ وافق عليه‪َّ ،‬‬ ‫�باب‬
‫الش ُ‬‫مهته أنَّه إذا طالب َّ‬
‫وم�ن َّ‬
‫النَّش�اط أو العم�ل‪ ،‬فما كان ليرتك�ه ب�ل يكمل املسيرة ول�و وحده‪ ،‬وم�ن ذلك جلنة‬

‫(‪« )1‬حيدثونك عن أيب احلسن الندوي» إعداد الدكتور حمسن العثامين الندوي (ص ‪.)332‬‬

‫ثم التحق‬‫الشيخ عبد العزيز بن صالح اهلده يف الكويت سنة (‪1376‬هـ)‪ .‬درس عىل مشايخ بلده‪َّ ،‬‬ ‫(‪ )2‬ولد َّ‬
‫باجلامعة اإلسالمية يف املدينة املنورة وخترج فيها سنة (‪1404‬هـ)‪ .‬توىل التدريس يف إحدى مدارس منطقة‬
‫اجلهراء‪ ،‬ورئاس�ة مجعية إحياء الرتاث اإلسلامي ‪ -‬ف�رع اجلهراء ‪ -‬وقد قىض حيات�ه بالتدريس والدعوة‬
‫واالهتامم بمصالح املس�لمني‪ .‬تويف سنة (‪1425‬هـ) بعد معاناة مع مرض أصابه‪ .‬وكانت جنازته مهيبة مل‬
‫تشهد مقربة اجلهراء مثلها‪« .‬جملة أمتي» العدد الثالث‪.‬‬

‫‪94‬‬
‫الرمضان َّية‪ ،‬وغري ذلك‪.‬‬
‫العلمي وإعداد الدُّ روس واألنشطة َّ‬
‫ِّ‬ ‫اجلاليات وجلنة اإلعجاز‬
‫وكان له يف رمضان املنرصم ثالثون درس ًا يف ثالثني مسجد ًا‪ ،‬ما صلىَّ صالة العرص‬
‫مرتني(‪.)1‬‬ ‫ٍ‬
‫يف مسجد َّ‬
‫* * *‬
‫كبري‬ ‫الش�يخ عبد احلنان القاس�مي ‪ -‬رمحه اهلل ‪ُ -‬م َو َّف ًقا من ر ِّبه‪َ ،‬‬
‫كثري اخلري‪َ ،‬‬ ‫كان َّ‬
‫(‪)2‬‬

‫آالف من طلاَّ ب علوم‬


‫العط�اء‪ ،‬فق�د َد َّر َس وأفاد أكثر من أربعني عا ًما‪ ،‬فاس�تفاد من�ه ٌ‬
‫ـح َص ْون من‬
‫�ظ نحو (‪ )45‬عا ًما‪ ،‬فاتَّعظ وصلح وت�اب من ال ُي ْ‬‫وو َع َ‬
‫ب َ‬ ‫وخ َط َ‬
‫الدِّ ي�ن‪َ ،‬‬
‫واخلاصة‪ ،‬واحلفالت‬
‫َّ‬ ‫اخلل�ق بمواعظه وخطاباته الدِّ ين َّية يف احلفالت َّ‬
‫الش�عب َّية العا َّم�ة‬
‫الدِّ ين َّية والعلم َّية‪ ،‬واملناس�بات ال َّثقاف َّية واالجتامع َّية‪ ،‬فقد وجدتُه كان خيرج يف األغلب‬
‫حلض�ور هذه املناس�بات واحلفالت فيام بعد صالة العرص‪ ،‬ليحرض املدرس� َة ا َّلتي كان‬
‫الراحة واالس�تجامم‪ ،‬فيس�تعدَّ‬ ‫ُيدَ ِّرس فيها يف اهلزيع األخري من ال َّليل‪ ،‬ليأخذ قلي ً‬
‫ال من َّ‬
‫َ‬
‫الفصول الدِّ راس َّية عىل امليعاد‪ ،‬فيقوم بتدريس الكتب‬ ‫ثم ُي ْفطِر وحيرض‬
‫الصبح‪َّ ،‬‬
‫لصالة ُّ‬
‫َّهجد منذ ش�بابه‪ ،‬وكانت عيناه تش َّفان‬ ‫ِ‬
‫تدريس�ها‪ .‬وكان ُم َواظ ًبا عىل صالة الت ُّ‬
‫ُ‬ ‫املنوط به‬
‫هنارا‪ .‬كان يعم�ر أوقاتَه َِّ‬
‫بالذكر والتِّلاوة‪ ،‬ومذاكرة‬ ‫الس�هر ليالً‪ ،‬واجلدِّ والتَّع�ب ً‬ ‫ع�ن َّ‬
‫قضاي�ا العلم م�ع ال ُّطلاَّ ب وزمالئه املدرسين ا َّلذين كانوا يستأنس�ون بحديثه‪ ،‬وخ َّفة‬
‫املزاح لدى احلاجة‪ .‬مل يكن الفقيد عالـمـ ًا ُم َت َع ِّم ًقا‪ ،‬ينقطع إىل الدِّ راسة‬
‫َ‬ ‫روحه‪ ،‬وممارسته‬
‫ـخ َّلد‪ ،‬ومزي ٌة ت َُس َّ‬
‫�جل؛‬ ‫ش�أن ُي ْذكَر‪ ،‬وأثر ُي َ‬
‫ٌ‬ ‫والكتابة والتَّأليف‪ ،‬فيكون له يف هذا املجال‬

‫(‪« )1‬جملة أمتي» العدد الثالث‪.‬‬

‫(‪ُ )2‬ولِ�دَ َّ‬


‫الش�يخ عب�د احلن�ان القاس�مي املظفر ب�وري ‪ -‬رمحه اهلل ‪ -‬س�نة (‪1934‬م) بقريته «باالس�اته»‬
‫بمديرية «س�يتامرهي» مديرية «مظفربور» س�اب ًقا بوالية «بيهار» يف اهلند‪ .‬ع�رف بدعوته‪ ،‬وكثرة ترحالته‬
‫ح َّتى ش�ملت العديد من البالد اإلسلامية من أجل نرش العلم‪ ،‬وتقلد العديد من املناصب العلمية‪ .‬تويف‬
‫سنة (‪2009‬م)‪« .‬ملتقى أهل احلديث»‪.‬‬

‫‪95‬‬
‫األقدار وقضا َء اهلل ‪-‬استثمر مواه َبه‬
‫َ‬ ‫ولكنَّه ‪ -‬وكان ذلك من قدر اهلل‪ ،‬واملرء ال يتجاوز‬
‫ناحية أخرى؛ فأ ْك َث َر من إنش�اء الكتاتيب يف مناطق وطنه‪،‬‬ ‫ٍ‬ ‫تربوي من‬ ‫تعليمي‬ ‫ٍ‬
‫جم�ال‬ ‫يف‬
‫ٍّ‬ ‫ٍّ‬
‫�ه َر عىل تطويرها‪ ،‬فصارت‬ ‫وس ِ‬ ‫وأس�س مدرس ًة يف قريته «باالس�اته» للتَّعليم الدِّ ِّ‬
‫يني‪َ ،‬‬ ‫َّ‬
‫ثم َو َّسع نطا َقها‬
‫خصوصا‪َّ ،‬‬
‫ً‬ ‫مدرس� ًة كبري ًة جدير ًة بالتَّس�جيل ِّ‬
‫والذكر يف والية «بيهار»‬
‫العصري تابع ًة هلا‪ ،‬وبن�ى هلام فصوالً مجيل� ًة‪ ،‬وأروق ًة‬
‫ِّ‬ ‫فأنش�أ مدرس� ًة عرص َّي ًة للتَّعليم‬
‫كبريا‪ ،‬ومكتب ًة زاخر ًة بالكتب‬
‫س�كن َّي ًة مرحي ًة‪ ،‬كام بنى يف حميط املدرسة الواسع مسجدً ا ً‬
‫الضي�وف املتوافدين من‬ ‫جديرا بإقامة ُّ‬
‫ً‬ ‫ا َّلت�ي حيتاج إليها ال ُّط ُ‬
‫الب‪ ،‬وش� َّيد مضي ًف�ا أني ًقا‬
‫خارج البالد‪.‬‬
‫الس� َّباق أه ُلها‬
‫وبما أنَّ�ه أمضى ُم ْع َظ َم عم�ره يف التَّدريس يف م�دارس «غجرات» َّ‬
‫املس�لمون إىل فعل اخلري وإىل املس�امهة يف حتقيق املشاريع اإلسالم َّية واألعامل الدِّ ين َّية؛‬
‫صلات و ٍّد بمواعظ�ه الدِّ ين َّية‪ ،‬وجوالته‬
‫ُ‬ ‫�او َن مع�ه منهم َم� ْن تو َّطدت بينه وبينهم‬
‫ف َت َع َ‬
‫فس�هل عليه أن يحُ َ ِّقق ً‬
‫كثريا ممَّا كان يصبو إليه من‬ ‫َّ‬ ‫الدَّ عو َّية‪ ،‬وزياراته التَّعارف َّية املتَّصلة؛‬
‫إنش�اء املباين ورشاء العقارات‪ ،‬وحتصيل القطع األرض َّية يف وطنه ويف غريه من القرى‬
‫واملدن‪.‬‬
‫وما مات حتَّى َأ َّمن ‪ -‬رمحه اهلل ‪ -‬موارد مدرس�ته الـمـال َّية‪ ،‬ووس�ائل اتِّصال سري‬
‫األعمال ا َّلت�ي كان قد بدأها يف حياته‪ .‬وقد ر َّبى أنجاله والس� َّيام نج َله األكرب األس�تاذ‬
‫لتحمل أعباء املدرس�ة ومجيع املش�اريع من بعده‪،‬‬ ‫ُّ‬ ‫خاص� ًة َأ َّه َلتْ�ه‬
‫الرمح�ن تربي ًة َّ‬‫حف�ظ َّ‬
‫ـح ِّبي الفقيد املسامهني يف التَّمويل‪،‬‬ ‫َّعارف بينه وبني م ِ‬ ‫وتم الت‬
‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫فانطلق لس�انُه باخلطاب‪َّ ،‬‬
‫لكل ما حيتاج إليه اليوم أحدٌ إلدارة ُم َؤ َّس َس ٍة تعليم َّي ٍة أو خري َّي ٍة‪ ،‬وعىل‬ ‫ال ِّ‬
‫ؤه ً‬ ‫وت َ‬
‫َـخ َّر َج ُم َّ‬
‫رأسه أهل َّي ُة توفري الدَّ عم الـمـا ِّيل ومجيع الوسائل الـمـا ِّد َّية(‪.)1‬‬
‫*‬ ‫*‬ ‫*‬

‫(‪ )1‬موقع «ملتقى أهل احلديث»‪.‬‬

‫‪96‬‬
97
98
‫�أمرهم‬
‫باملعروف‬

‫‪99‬‬
100
‫األزه�ري س�ليامن ب�ن رص�د احلنف�ي الزي�ايت املتوىف س�نة‬
‫ُّ‬ ‫املصري‬
‫ُّ‬ ‫ذك�ر الفقي�ه‬
‫(‪1347‬ه�ـ) يف كتابه «كنز اجلوهر يف تاريخ األزهر» أنَّه يف س�نة (‪1209‬هـ) جاء أهل‬
‫ٍ‬
‫قرية برشق َّية بلبيس إىل َّ‬
‫الش�يخ عبد اهلل بن حجازي بن إبراهيم الشرَّ قاوي ‪ -‬رمحه اهلل‪-‬‬
‫(‪ ،)1‬وذكروا له َّ‬
‫أن أتباع حممد بك األلفي ظلموهم‪ ،‬وطلبوا منهم ما ال قدرة هلم عليه‪.‬‬
‫فاغت�اظ َّ‬
‫الش�يخ من ذلك‪ ،‬وحضر إىل األزهر‪ ،‬ومجعوا املش�ايخ‪ ،‬وقفل�وا أبواب‬
‫اجلام�ع‪ ،‬وذلك بع�د أن خاطب مراد بك‪ ،‬وإبراهيم بك‪ ،‬ومه�ا صاحبا األمر والنَّهي‪،‬‬
‫حيركا ساكن ًا يف هذا األمر اهلا ِّم‪.‬‬
‫ولكنَّهام مل يبديا شيئ ًا‪ ،‬ومل ِّ‬
‫وكان من نتيجة ذلك أن أمر املش�ايخ النَّاس بغلق األسواق واحلوانيت احتجاج ًا‬
‫على ه�ذا ال ُّظلم‪َّ ،‬‬
‫ثم ركب�وا ثاين يو ٍم إىل بيت م�راد بك‪ ،‬وإبراهيم بك‪ ،‬فأرس�ل إليهم‬
‫س�كرتريه اخلاص أيوب ب�ك‪ ،‬فوقف بني أيدهيم وس�أهلم عن مراده�م‪ ،‬فقالوا‪ :‬نريد‬
‫الع�دل وإبطال احلوادث واملكوس�ات ا َّلتي ابتدعتموها‪ .‬فق�ال‪ :‬ال يمكن اإلجابة إىل‬
‫كل هذا‪ ،‬فإنَّا إن فعلنا ذلك لضاقت علينا املعايش‪ .‬فقالوا‪ :‬ليس هذا ٍ‬
‫بعذر عند احلال‪،‬‬ ‫ِّ‬
‫وم�ا الباع�ث عىل اإلكثار م�ن النَّفقات واملاملي�ك؟! واألمري يكون أمير ًا باإلعطاء ال‬
‫وانفض املجلس‪ ،‬وركب املش�ايخ إىل اجلامع‬
‫َّ‬ ‫باألخ�ذ‪ .‬فق�ال‪ :‬حتَّى أبلغ‪ ،‬وانصرف‪.‬‬
‫األزه�ر‪ ،‬واجتمع أهل األطراف‪ ،‬فبعث م�راد بك يقول‪ :‬أجيبكم إىل مجيع ما ذكرمتوه‬
‫ثم‬ ‫إلاَّ ش�يئني‪ :‬ديوان ب�والق‪ ،‬وطلبكم ِّ‬
‫املتأخ�ر يف اجلامك َّية (رواتب خ�دَّ ام الدولة)‪َّ ،‬‬
‫طل�ب أربع ًة من املش�ايخ ع َّينهم بأسمائهم‪ ،‬فذهبوا إليه باجلي�زة‪ ،‬فالطفهم‪ ،‬والتمس‬

‫(‪ )1‬ول�د َّ‬


‫الش�يخ عبد اهلل بن حجازي بن إبراهيم الرشقاوي الش�افعي األزه�ري‪ ،‬فقيه‪ ،‬أصويل‪ ،‬نحوي‪،‬‬
‫حمدث‪ ،‬مؤرخ‪ ،‬مشارك يف بعض العلوم‪ .‬ولد يف ّ‬
‫الطويلة من قرى مديرية الرشقية بمرص سنة (‪1150‬هـ)‪،‬‬
‫وتعلم يف جامع األزهر‪ ،‬وويل مشيخته سنة (‪1208‬هـ)‪ .‬تويف بالقاهرة سنة (‪1227‬هـ)‪.‬‬

‫‪101‬‬
‫الصلح‪.‬‬
‫السعي يف ُّ‬
‫منهم َّ‬
‫قاوي‪،‬‬
‫ُّ‬ ‫ويف اليوم ال َّثالث اجتمع األمراء‪ ،‬واملشايخ يف بيت إبراهيم بك‪ ،‬وفيهم الشرَّ‬
‫الصلح عىل رفع املظامل‪ ،‬وأن يسيروا يف النَّاس سير ًة حس�ن ًة‪ ،‬وكتب القايض‬
‫وانعق�د ُّ‬
‫كتاب ًا يف ذلك‪ ،‬و َّقع عليه الباشا واألمراء‪ ،‬وانجلت الفتنة(‪.)1‬‬
‫*‬ ‫*‬ ‫*‬
‫الوه�اب رمحهم اهلل‬
‫(‪)2‬‬
‫الش�يخ حممد ب�ن عبد َّ‬ ‫الش�يخة فاطمة بنت َّ‬‫ج�اء يف ترمج�ة َّ‬
‫ابة خش�ب َّي ٍة عند رضيح‬
‫ويق�ول الرواة‪ :‬إ ا يف ذهاهبا مع ابن أخيها إىل ع ن مرا عىل بو ٍ‬
‫َّ‬ ‫ماَّ َّ‬ ‫نهَّ‬ ‫ُّ‬
‫يق�رب لصاحب الضرَّ يح ش�يئ ًا‪ ،‬فطلب منهام س�ادن‬ ‫و ٍّيل هل�م ال يتج�اوزه أح�د حتَّى ِّ‬
‫نقرب ل�ه إلاَّ تراب ًا يف وجه�ه‪ ،‬فقالت هي‪ :‬ال‪ ،‬ما‬
‫الضرَّ ي�ح ذل�ك‪ ،‬فقال اب�ن أخيها‪ :‬ما ِّ‬
‫رشيف(‪.)3‬‬
‫ٌ‬ ‫نقرب له تراب ًا‪ٌّ ،‬‬
‫وكل منهام ‪ -‬هي وابن أخيها ‪ -‬له مقصدٌ‬ ‫ِّ‬
‫*‬ ‫*‬ ‫*‬
‫اإلنجليزي ‪ -‬وكان قسيس� ًا‬
‫ِّ‬ ‫إنجليزي ‪ -‬قبيل االس�تعامر‬
‫ٌّ‬ ‫من�دوب‬
‫ٌ‬ ‫ق�دم البحري�ن‬
‫صحة النَّرصان َّية وتوهني دين اإلسالم‪،‬‬ ‫ٍ‬
‫كتاب حيوي ش�بهات يف إثبات َّ‬
‫نرصان ًّيا‪ ،‬ومعه ٌ‬
‫فعرض�ه على حاك�م البحري�ن عب�د اهلل بن أمحد ب�ن خليف�ة‪ ،‬وطلب من�ه عرضه عىل‬
‫بصح�ة ما فيه إن عج�زوا‪ ،‬فعرضه عبد اهلل‬
‫َّ‬ ‫يقروا‬
‫علـمـ�اء البحري�ن ليجيب�وا عليه أو ُّ‬
‫الش�به ا َّلتي في�ه‪َّ ،‬‬
‫ثم بعثه إىل‬ ‫ال�ر َّد عليه‪ ،‬وال عىل دفع ُّ‬
‫اب�ن خليف�ة‪ ،‬فقالوا‪ :‬ال نس�تطيع َّ‬

‫(‪« )1‬صفحات مرشقة من تاريخ أعالم األمة» لعبده عيل كوشك (ص‪.)601‬‬

‫الش�يخ حممد بن عبد الوهاب من عالـمـات القرن الثالث عرش‪ ،‬وكانت‬ ‫(‪ )2‬كانت الش�يخة فاطمة بنت َّ‬
‫رمحهام اهلل تدرس العلوم الرشعية يف منزهلا‪ ،‬وقد خرجت إىل عماَّ ن بعد حصار إبراهيم باش�ا للدرعية س�نة‬
‫الرياض بعد استعادة اإلمام تركي للبالد‪« .‬علـمـاء نجد» (‪.)364/5‬‬ ‫ثم رجعت إىل ِّ‬
‫(‪1233‬هـ)‪َّ ،‬‬
‫(‪« )3‬علـمـاء نجد خالل ثامنية قرون» (‪.)365/5‬‬

‫‪102‬‬
‫الر ِّد‬
‫علـمـاء اإلحس�اء فكان جواهبم مثل جواب أه�ل البحرين‪ ،‬وانقطع اجلميع عن َّ‬
‫خواصه‪ :‬إنَّه يوجد يف البحرين‬
‫ِّ‬ ‫فاغتم حاكم البحرين غماًّ ش�ديد ًا‪ ،‬فقال له أحد‬
‫َّ‬ ‫عليه‪،‬‬
‫ش�اب من طلب�ة العلم بنجد فأرى أن تعرضه عليه عس�ى أن يكون ل�ه عنده جواب‪،‬‬
‫ٌّ‬
‫الش�يخ عبد العزيز ب�ن محد بن معمر‬ ‫فأعط�ى اب�ن خليفة الكت�اب لرفيقه ليدفعه إىل َّ‬
‫وقص عليه األمر‪ ،‬وتص َّفحه َّ‬
‫ثم أمعن النَّظر فيه وقال‪:‬‬ ‫‪ -‬رمح�ه اهلل ‪ ،)1(-‬فعرضه علي�ه َّ‬
‫الشهر حتَّى دفع‬ ‫ِ‬
‫يمض َّ‬ ‫ٍ‬
‫ش�هر ‪ -‬إن شاء اهلل تعاىل ‪ ،-‬فلم‬ ‫س�أعطيكم اجلواب عليه بعد‬
‫الصليب»‪،‬‬
‫الر ِّد عىل ُع َّب�اد َّ‬
‫الس�ديد واس�مه «منحة القري�ب املجيب يف َّ‬
‫إليهم اجلواب َّ‬
‫فلـمـا قرأه‬
‫الر َّد‪َّ ،‬‬
‫اإلنجليزي وناوله َّ‬
‫ُّ‬ ‫ثم عاد القس�يس‬
‫ففرح بالكتاب حاكم البحرين‪َّ ،‬‬
‫الر ُّد من‬
‫الرأي‪ ،‬وق�ال حلاكم البحرين‪ :‬ال خيرج ه�ذا َّ‬
‫قوة اجلواب وس�داد َّ‬
‫ده�ش من َّ‬
‫علـمـ�اء هذه البالد‪ ،‬والب�د أن يكون من نجد‪ ،‬فقال له احلاكم‪ :‬نعم هذا جواب أحد‬
‫طلبة العلم النَّجد ِّيني(‪.)2‬‬
‫*‬ ‫*‬ ‫*‬
‫الش�يخ عبد األحد‪ ،‬وله خرب ٌة واس�ع ٌة‬ ‫يق�ول أح�د علـمـاء اهلند امل َّطلعني ال ِّثقات َّ‬
‫بأح�وال اهلند وأخبارها‪ ،‬وا َّلذي زار عدد ًا كبري ًا من أفراد هذه اجلامعة النَّيرِّ ة َّ‬
‫الصادقة‪،‬‬
‫وكان عهده قريب ًا من عهد اإلمام َّ‬
‫الش�هيد أمحد بن عرفان ‪ -‬رمحه اهلل ‪ :)3(-‬لقد أس�لم‬

‫الش�يخ عبد العزيز بن محد آل معمر س�نة (‪1203‬هـ)‪ ،‬وقرأ عىل والده وسائر علـمـاء الدرعية‪،‬‬ ‫(‪ )1‬ولد َّ‬
‫وكان عالـمـ ًا يف التفسير والفقه واحلديث والنحو‪ ،‬س�افر إىل البحرين بعد نكبة الدرعية واس�تقر هبا إىل‬
‫وفاته سنة (‪1244‬هـ)‪« .‬علـمـاء نجد»‪.‬‬

‫(‪« )2‬علـمـاء نجد خالل ثامنية قرون» (‪.)338/3‬‬

‫السيد أمحد بن حممد عرفان يف صفر سنة (‪1201‬هـ) املوافق سبتمرب (‪1786‬م) يف قرية من قرى‬‫(‪ )3‬ولد ّ‬
‫الرابعة من‬
‫«راي بريلي» وتعرف اآلن باس�م «تكية»‪ .‬نش�أ أمحد عرفان ألبوين مس�لمني والتحق وه�و يف َّ‬
‫عمره ُ‬
‫بالك َّتاب‪ ،‬ونش�أ ولع ًا بالفروس�ية واأللعاب ِّ‬
‫الرياضية منذ صباه‪ ،‬استش�هد يف يوم (‪ 24‬ذي القعدة‬
‫‪1246‬هـ)‪.‬‬

‫‪103‬‬
‫الس� ِّيد أمح�د بن عرفان أكثر م�ن أربعني ألف ًا من اهلنادك وغيره من الك َّفار‪،‬‬
‫عىل يدي َّ‬
‫وبايعه ثالثة ماليني من املسلمني(‪.)1‬‬
‫*‬ ‫*‬ ‫*‬
‫ٍ‬ ‫َّ‬
‫احللبي ‪ -‬رمحه اهلل ‪ ، -‬عامل ٌ‬ ‫بس�عيد‬ ‫مش�قي املعروف‬ ‫الش�يخ سعيد بن حسن الدِّ‬
‫(‪)2‬‬
‫ِّ‬ ‫ُّ‬
‫ال وعقدً ا‪ ،‬وأمر ًا وهني ًا‪،‬‬
‫وقور‪ ،‬كانت له الكلمة يف دمش�ق ح ًّ‬
‫ٌ‬ ‫مهيب‬
‫ٌ‬ ‫ٌ‬
‫جليل‪ ،‬عابدٌ زاهدٌ ‪،‬‬
‫آثار حس�ن ٌة‪ ،‬ومواقف عظيم ٌة‪ ،‬منها‪ :‬ثباته أ َّيام دخول إبراهيم باش�ا بن حممد‬
‫تؤثر عنه ٌ‬
‫عيل باش�ا َّ‬
‫الش�ام‪ ،‬ومدافعته عن األهايل‪ ،‬وقد أكربه إبراهيم باش�ا‪ ،‬وأنف�ذ أوامره بعد‬
‫ٍ‬
‫حادثة جرت له معه‪.‬‬
‫العثامين‪،‬‬
‫ِّ‬ ‫الس�لطان‬ ‫ذل�ك َّ‬
‫أن إبراهي�م باش�ا‪ ،‬دعا علـمـاء دمش�ق من أج�ل خلع ُّ‬
‫وتعمد َّ‬
‫الش�يخ س�عيد أن حيرض‬ ‫واضطر الكثيرون للحضور‪َّ ،‬‬ ‫َّ‬ ‫وإق�رار البيع�ة له ه�و‪،‬‬
‫فلـمـا دخل قام اجلميع‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫متأخر ًا‬
‫ِّ‬
‫ألس�باب عجيبة‪ ،‬منها‪ :‬أنَّه كان ال يريد القيام للباش�ا‪َّ ،‬‬
‫وبجلوه‪ ،‬وقام له الباش�ا‪ ،‬وقد عرف مكانته بينهم‪ ،‬وأجلس�ه بجانب�ه‪ ،‬بينام دخل بعده‬
‫َّ‬
‫تلمي�ذه َّ‬
‫الش�يخ اب�ن عابدي�ن ‪ -‬صاحب احلاش�ية ‪ ،-‬فحمل نعل ش�يخه حت�ت إبطه‪،‬‬
‫ووقف بجانب الباب‪ ،‬فدعاه شيخه للجلوس بجانبه‪ ،‬وقد أفسح له املكان‪.‬‬
‫ثم التفت َّ‬
‫الش�يخ س�عيد إىل الباش�ا يقول ل�ه‪ :‬لـمـاذا دعومتونا ي�ا موالنا؟! فقال‬ ‫َّ‬
‫بعض احلارضين‪ :‬جئنا ملبايعة موالنا الباش�ا‪ ،‬فقال َّ‬
‫الش�يخ‪ :‬وم�اذا تنتظرون؟ هذا هو‬

‫الربانيني» للدكتور سيد بن حسني العفاين (‪.)188/2‬‬


‫(‪« )1‬زهرة البساتني من مواقف العلـمـاء ّ‬
‫(‪ )2‬ولد اإلمام الفقيه أبو عثامن س�عيد بن حس�ن بن امحد الدمش�قي الش�هري باحللبي ‪ -‬رمحه اهلل ‪ ،-‬شيخ‬
‫علـمـاء احلنفية‪ ،‬وعامل الشام يف عرصه يف مدينة حلب الشهباء سنة (‪1188‬هـ) املوافق (‪1774‬م)‪ ،‬ونشأ‬
‫ثم قدم دمشق واستوطن هبا سنة (‪1207‬هـ)‪ ،‬تصدر لإلقراء والتدريس‬ ‫هبا‪ ،‬وقرأ عىل ٍ‬
‫مجلة من علـمـائها‪َّ ،‬‬
‫مدة حياته يف حجرته املعروفة به شمايل اجلامع األموي‪ .‬تويف بدمش�ق يف رمضان سنة (‪1259‬هـ) املوافق‬
‫(‪1843‬م)‪ ،‬ودفن بالرتبة الذهبية من مقربة الدحداح‪.‬‬

‫‪104‬‬
‫املفتي حارض‪ ،‬وهذا نقيب األرشاف معه‪.‬‬
‫وع�رف احلض�ور أنَّه ال يواف�ق عىل البيع�ة‪ ،‬واعرتى الق�وم وجو ٌم‪ ،‬فقام َّ‬
‫الش�يخ‬
‫واستأذن منرصف ًا‪.‬‬
‫األموي‪ ،‬وكان‬
‫ِّ‬ ‫واغتاظ الباش�ا‪ ،‬ولكنَّه مىض بعد ذلك لزيارته يف حجرته باجلامع‬
‫بين طلاَّ ب�ه جيلس‪ ،‬وقد م�دَّ رجله عىل عادته بال�دَّ رس‪َّ ،‬‬
‫فلـمـا دخل علي�ه مل يغيرِّ من‬
‫جلسته‪ ،‬فازداد غيظ ًا عىل غيظه‪ ،‬واستمع إىل وعظه ال َّلطيف‪ ،‬وقد أمره ِّ‬
‫بالرفق والعدل‬
‫فلـمـا صار إىل موضع إقامته أرسل‬
‫ثم خرج من عنده وقد نوى املكر به‪َّ ،‬‬ ‫الرع َّية‪َّ ،‬‬
‫بني َّ‬
‫ٍ‬
‫يومئذ تع�دل مليون ٍ‬ ‫لرية ذهبي ٍ‬‫ٍة فيها ألف ٍ‬
‫ريال‬ ‫�ة ‪ -‬كانت‬ ‫َّ‬ ‫ل�ه م�ع مرافقه اخلاص بُِص�رُ َّ‬
‫الذهب‪ ،‬وقال كلم ًة‬
‫س�عودي اآلن ‪ -‬وأم�ره إن قبله�ا أن يأتيه به‪ ،‬ولكنَّه رفض قب�ول َّ‬ ‫ٍّ‬
‫اشتهرت يف دمشق‪ :‬قل للباشا إن ا َّلذي يمدُّ رجله ال يمدُّ يده‪.‬‬
‫قالوا‪ :‬وكان إبراهيم باشا نوى إن قبلها َل ُينَكل َّن به(‪.)1‬‬
‫*‬ ‫*‬ ‫*‬
‫عظيم يف‬ ‫وقع‬ ‫ٍ‬ ‫قام َّ‬
‫ٌ‬ ‫الش�يخ حممد بن امل�دين كنون(‪ - )2‬رمحه اهلل ‪ )3(-‬بدع�وة كان هلا ٌ‬
‫َّرسي عىل م�ا كان عليه من اختطاف‬ ‫أوس�اط ال�والة واملرتفني‪ ،‬وهي قوله ببطلان الت ِّ‬
‫الس�وادين وبيعهم عىل أنهَّ �م أر َّقاء‪ ،‬فتنكح‬
‫الصغار‪ ،‬وال س� َّيام ّ‬
‫بن�ات القبائ�ل وأبنائها ِّ‬
‫مرصح ًا َّ‬
‫بأن هذا النِّكاح فاس�دٌ ‪ ،‬وأن ما ينش�أ عنه من‬ ‫يس�مى مل�ك اليمني‪ِّ ،‬‬
‫َّ‬ ‫إناثه�م بام‬

‫(‪« )1‬صفحات مرشقة من تاريخ أعالم األمة» لعبده عيل كوشك (ص‪.)608‬‬

‫(‪ )2‬كنون‪ :‬الكاف يف كنون تنطق باجليم بالقاهرية‪.‬‬

‫(‪ )3‬ولد َّ‬


‫الش�يخ حممد بن املدين كنون ‪ -‬رمحه اهلل ‪ -‬يف فاس س�نة (‪1240‬هـ)‪ ،‬ونش�أ يف أرسة اش�تهر كثري‬
‫م�ن رجاهل�ا بالعلم‪ ،‬والفضل‪ .‬وع�رف بالفقه‪ ،‬ح َّتى كان يلقب بالفقيه‪ .‬له مواق�ف كثرية تدل عىل غريته‪،‬‬
‫وصدع�ه باحل�ق‪ ،‬وأوذي يف كثري منه�ا‪ ،‬وقد توىل القضاء يف مراكش‪ .‬تويف س�نة (‪1302‬ه�ـ)‪« .‬ذكريات‬
‫مشاهري رجال املغرب» لعبد اهلل كنون (‪.)687/1‬‬

‫‪105‬‬
‫واقع يف غري موقعه‪،‬‬ ‫رشعي ٌ‬ ‫الرقيق ك ُّله غري‬ ‫ٍ‬
‫باطل؛ ألنَّه ٌ‬ ‫ٍّ‬ ‫ذر َّية وما يبنى عليه من أحكام َّ‬
‫ِّ‬
‫السالمة واالسترباء لدينه‬ ‫ومنز ٌل عىل خالف ما ورد يف أحكام الشرَّ يعة‪َّ ،‬‬
‫وأن َم ْن شاء َّ‬ ‫َّ‬
‫ٍ‬
‫ونكاح‬ ‫ٍ‬
‫بصداق‬ ‫الرقيق من هذا القبيل ويس�تربئها ويعقد عليها‬ ‫وعرضه فعليه أن يعتق َّ‬
‫صحي�ح‪ ،‬وال جيوز أن تك�ون زائد ًة عىل األرب�ع ا َّلتي أح َّلها الَّش�رَّ ع وإلاَّ كان‬
‫ٍ‬ ‫رشع�ي‬
‫ٍّ‬
‫يقرر ذلك يف جمالس�ه العلم َّية وجيهر به وينكر‬
‫والزنا س�واء من ب�اب ال فرق‪ِّ ،‬‬
‫نكاحه�ا ِّ‬
‫أن ملك اليمني ال يكون إلاَّ من املسرتقني يف احلرب‬
‫عىل من يفعله أشدَّ اإلنكار‪ ،‬مبين ًا َّ‬
‫م�ع الك َّف�ار ال غري‪ ،‬وهؤالء من املس�لمني معتدى عليهم باالختط�اف‪ ،‬فامتالكهم ال‬
‫يصح وأحرى نكاح منه إناثهم بملك اليمني‪ ،‬وينشد يف ذلك من نظمه‪:‬‬
‫ُّ‬
‫ح��ر ك��م��ـ��ا ث��ب��ت ع��ن��د ال ُعـ َلمـا‬ ‫ال��س��وادي��ن أعلـمـا‬
‫ّ‬ ‫ج��ل أر َّق����اء‬

‫وق�د ض�اق بدعوته أبن�اء اإلم�راء والكبراء وذوو اجل�اه ا َّلذي�ن كان�ت ُد ُ‬
‫ورهم‬
‫تعج باإلماء املستولدات والبنني والبنات املتكونني من هذا النِّكاح‪ ،‬ورموه‬
‫وقصورهم ُّ‬
‫الشكاية من َّ‬
‫الشيخ‪ ،‬فاستدعي من طرف‬ ‫بالفظائع وطعنوا يف عرضه وس ُّبوه‪ ،‬وكثرت ِّ‬
‫ال�وايل وبلغه اس�تياء أويل األمر وعموم النَّ�اس من هذه احلملة ا َّلتي ُّ‬
‫متس�هم يف دينهم‬
‫يكف عن قوله هذا وليس�عه ما وس�ع غيره من العلـمـاء‪،‬‬ ‫وأعراضه�م‪َّ ،‬‬
‫وأن عليه أن َّ‬
‫الش�يخ مدرك هذا احلك�م وأد َّلته من الشرَّ ع‪َّ ،‬‬
‫وإن حك�م أويل األمر أن يغيرِّ وا‬ ‫فبَّي�نَّ له َّ‬
‫هذا املنكر ويمتثلوا يف أنفسهم ويأمروا غريهم باالمتثال لقوله تعاىل‪:‬‬
‫ﱫﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ‬
‫ﯳ ﱪ [النور‪ ]51:‬فجعل الوايل يناقش َّ‬
‫الش�يخ‪ ،‬فأغلظ له َّ‬
‫الش�يخ القول ور َّد عليه‬
‫السجن‪ ،‬فقال َّ‬
‫الشيخ‪ :‬نعم هذا شغلك‪.‬‬ ‫َّ‬
‫بأن العلم ليس شغله‪ ،‬فقال ألعوانه‪ :‬خذوه إىل ِّ‬
‫عمها االضطراب وخصوص ًا يف أوساط‬ ‫وما أن ش�اع خرب س�جنه يف املدينة حتَّى َّ‬
‫ٍ‬
‫عظيمة هي األوىل من نوعها يف‬ ‫ٍ‬
‫بمظاهرة‬ ‫العمال واحلرف ِّيني وال َّطلبة وغريهم‪ ،‬وقام�وا‬

‫‪106‬‬
‫املغ�رب‪ ،‬احتجاج� ًا عىل اضطه�اد قادة َّ‬
‫الرأي من أه�ل العلم وكبت احلر َّي�ة الفكر َّية‪،‬‬
‫الشيخ فور ًا(‪.)1‬‬
‫فصدر األمر بترسيح َّ‬
‫*‬ ‫*‬ ‫*‬
‫العثامين عبد العزيز مرص يف عهد إسامعيل باشا‪ ،‬كان إسامعيل‬
‫ُّ‬ ‫السلطان‬
‫عندما زار ُّ‬
‫َح ِف ًّي�ا ِّ‬
‫بالزي�ارة؛ ألنهَّ �ا كان�ت جزء ًا م�ن برناجمه للحص�ول عىل لقب (خدي�وي)‪ ،‬مع‬
‫الزيارة أن يس�تقبل اخلليفة‬ ‫ٍ‬
‫امتي�ازات يف نظام احلكم يف مصر‪ ،‬وكان من برنامج ِّ‬ ‫ع�دَّ ة‬
‫العلـمـاء يف السرَّ اي‪.‬‬
‫الس�ن َّية تقاليد‪ ،‬منها‪ :‬أن ينحني الدَّ اخل إىل األرض‪ ،‬وغري‬
‫ولـمـا كانت للمقابلة َّ‬
‫َّ‬
‫السخيفة املنافية لروح اإلسالم‪ ،‬فقد كان حت ًام عىل رجال السرَّ اي أن‬ ‫ذلك من التَّقاليد َّ‬
‫السلطان‪.‬‬ ‫يدربوا العلـمـاء عىل طريقة املقابلة عدَّ ة أ َّيا ٍم‪ ،‬كي ال خيطئوا يف حرضة ُّ‬
‫ِّ‬
‫الس�ادة العلـمـاء األجالَّء فنس�وا دينهم واشتروا به‬
‫وعندم�ا ح�ان املوعد دخل َّ‬
‫موجهني وجوههم إىل‬
‫خملوق مثلهم تلك االنحناءات‪ ،‬وخرجوا ِّ‬ ‫ٍ‬ ‫دنياهم‪ ،‬وانحنوا أمام‬
‫اخلليفة‪ ،‬كام أمرهم رجال التَّرشيفات‪ ،‬إلاَّ عالـمـ ًا واحد ًا هو َّ‬
‫الشيخ حسن العدوي ‪-‬‬
‫رمحه اهلل ‪ )2(-‬ذكر دينه ونسى دنياه‪ ،‬واستحرض يف قلبه َأ ْن ال َّ‬
‫عزة إلاَّ هلل‪ ،‬ودخل مرفوع‬
‫الرجال األحرار‪ ،‬وابتدره بالنَّصيحة ا َّلتي ينبغي أن يتل َّقى‬
‫ال�رأس كام ينبغي أن يدخ�ل ِّ‬
‫َّ‬
‫والرمحة بني رعاياه‪.‬‬
‫هبا احلاكم العامل‪ ،‬دعاه إىل تقوى اهلل‪ ،‬واخلوف من عذابه‪ ،‬والعدل َّ‬

‫(‪« )1‬ذكريات مشاهري رجال املغرب» لعبد اهلل كنون (‪.)714/1‬‬

‫الشيخ حسن العدوي احلمزاوي ‪ -‬رمحه اهلل ‪ -‬يف قرية عدة بمرص سنة (‪1221‬هـ)‪ ،‬تعلم ودرس‬ ‫(‪ )2‬ولد َّ‬
‫باجلامع األزهر‪ .‬وهو فقيه مالكي حمدث‪ ،‬من أشهر خطباء الثورة العرابية‪ ،‬وأقدرهم‪ ،‬كان عضو ًا يف جملس‬
‫القي�ادة األعلى ا َّلذي ش�كله املجاهد الثائ�ر أمحد عرايب‪ .‬ت�ويف بالقاهرة يف (‪ 27‬من رمض�ان ‪1303‬هـ)‪.‬‬
‫«صفحات مرشقة من تاريخ أعالم األمة» تصنيف عبده عيل كوشك (ص‪.)614‬‬

‫‪107‬‬
‫الرأس‪ ،‬و ُأس�قط يف ي�دي اخلديوي‪ ،‬ورجال‬
‫فلـمـ�ا انتهى َس� َّلم‪ ،‬وخرج مرفوع َّ‬
‫َّ‬
‫غاضب‪ ،‬فضاعت‬
‫ٌ‬ ‫السلطان البدَّ‬ ‫أن األمر ك َّله قد انقلب عليهم‪َّ ،‬‬
‫وأن ُّ‬ ‫السرَّ اي‪ ،‬وظنُّوا َّ‬
‫تل�ك اجله�ود ا َّلتي بذل�وا‪ ،‬واآلمال ا َّلتي نس�جوا‪ ،‬ولك َّن كلمة ِّ‬
‫احل�ق املؤمنة ال تذهب‬
‫ح�ارةً‪ ،‬كام نبع�ت من مكمنها قو َّي� ًة َّ‬
‫حارةً‪،‬‬ ‫�دى‪ ،‬فلا بد أن تص�دع القلوب القو َّية َّ‬
‫ُس ً‬
‫السلطان‪ :‬ليس عندكم إلاَّ هذا العامل‪ ،‬وخلع عليه دون سواه‪.‬‬
‫وهكذا كان‪ ،‬فقال ُّ‬
‫األزهري حس�ن الع�دوي أحد ا َّلذين ش�اركوا يف ال َّث�ورة العراب َّية‪،‬‬
‫ُّ‬ ‫وكان َّ‬
‫الش�يخ‬
‫فلـمـ�ا ح َّلت اهلزيم�ة‪ ،‬وقبض عىل عرايب والعراب ِّيني‪ ،‬كان الع�دوي واحد ًا من ا َّلذين‬
‫َّ‬
‫ُقدموا للمحاكمة للمحكمة ا َّلتي كانت مؤ َّلف ًة من الباشاوات‪ ،‬ومن رجال اخلديوي‪.‬‬
‫الش�يخ ا َّلذي قارب س� َّن ال َّثامنني أمام املحكمة‪ ،‬وس�أله رئيس�ها إسامعيل‬
‫ووقف َّ‬
‫جاف‪ :‬هل و َّقعت باسمك‪ ،‬أو ختمت بخامتك قرار ًا يقيض‬ ‫غليظ ٍ‬
‫ٍ‬ ‫ٍ‬
‫بصوت‬ ‫أيوب باشا‬
‫يستحق العزل؟‬
‫ُّ‬ ‫أن أفندينا املع َّظم ُس ُم َّو اخلديوي توفيق باشا‬
‫َّ‬
‫الش�باب ومحاسته‪ ،‬فنظر إىل إسامعيل‬ ‫بالش�يخ ال َّطاعن يف ِّ‬
‫الس� ِّن يستعيد مح َّية َّ‬ ‫وإذا َّ‬
‫ٍ‬
‫منضدة أمامه‪ ،‬وقال‪ :‬أيهُّ ا الباشا‪ ،‬إنَّني‬ ‫أيوب باشا نظر ًة ثابت ًة حا َّدةً‪ ،‬واتَّكأ بذراعيه عىل‬
‫مل َأر الورقة ا َّلتي تتحدَّ ث عنها‪ ،‬وهلذا فلن أجيب عىل سؤالك عماَّ إذا كنت قد و َّقعتها‪،‬‬
‫ولكنَّن�ي أقول لك ما ي�أيت‪ :‬إنَّه إذا أحرضت يل اآلن ورق ٌة حتت�وي عىل مثل هذا املعنى‬
‫ا َّلذي ذكرته فإنَّني لن َّ‬
‫أتأخر عن توقيعها باس�مي‪ ،‬وأختمها بخامتي يف حضورك اآلن‬
‫أيهُّ ا الباشا‪.‬‬
‫ونظ�ر َّ‬
‫الش�يخ إىل أعض�اء املحكمة قائالً‪ :‬إذا كنتم مس�لمني‪ ،‬فهل تس�تطيعون أن‬
‫وانضم إليهم ومل يعد جدير ًا‬
‫َّ‬ ‫تنكروا أن توفيق باشا قد خان بالده‪ ،‬وذهب إىل اإلنجليز‬
‫بأن يكون حاك ًام لنا؟‬
‫واصف�ر وجه الباش�ا رئي�س املحكمة ا َّل�ذي كان يظن أنَّه خيي�ف املحكومني‪ ،‬ومل‬
‫َّ‬

‫‪108‬‬
‫حراس املحكمة أن‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬
‫الرجل املس� ِّن اجلريء‪ ،‬وأومأ إىل َّ‬
‫ينط�ق بكلمة واحدة ير ُّد هبا عىل َّ‬
‫ثم نقلوه إىل قريته‪ ،‬واعتقلوه هبا(‪.)1‬‬
‫يأخذوه‪ ،‬وخيرجوا به من قاعة املحكمة‪َّ ،‬‬
‫*‬ ‫*‬ ‫*‬
‫يدرس‬ ‫الش�يخ حممد نصيف ‪ -‬رمحه اهلل ‪ :-‬كان العلاَّ مة َّ‬
‫الش�يخ عيل باصربين ِّ‬ ‫قال َّ‬
‫افعي بجدَّ ة‪ ،‬ففي إحدى ال َّليايل جاء البحث‬ ‫لطلاَّ به ما بني املغرب والعشاء يف جامع َّ‬
‫الش ِّ‬
‫ال فاحش ًا‪،‬‬
‫الشيخ باصربين منها ني ً‬
‫الوهاب وأتباعها‪ ،‬فنال َّ‬ ‫يف دعوة َّ‬
‫الشيخ حممد بن عبد َّ‬
‫وكان من ال َّطلبة َّ‬
‫الش�يخ صالح العبد اهلل البس�ام ‪ -‬رمحه اهلل ‪َّ ،)2(-‬‬
‫والش�يخ مبارك بن‬
‫فلـمـا فرغ الدَّ رس قاما إليه‪ ،‬وقاال له‪ :‬هل ا َّطلعت‬
‫مساعد آل مبارك ‪ -‬رمحه اهلل ‪َّ ، -‬‬
‫(‪)3‬‬

‫الوهاب حينام نلت منه ومن دعوته؟ فقال هلام‪:‬‬ ‫يا شيخ عىل كتب َّ‬
‫الشيخ حممد بن عبد َّ‬
‫ال‪ ،‬إنَّن�ي مل أ َّطل�ع عليه�ا‪ ،‬ولكنَّني قلت هذا نق ً‬
‫ال عن مش�اخيي‪ ،‬فقاال له‪ :‬أال ترغب يف‬
‫ٍ‬
‫بنسخ من كتبه‪ ،‬فدرسها نحو أسبوع‪ ،‬وهو ال يأيت‬ ‫اال ِّطالع عىل كتبه؟ فقال‪ :‬بىل‪ ،‬فأتياه‬
‫بمدح وال ٍ‬
‫قدح‪.‬‬ ‫ٍ‬ ‫للشيخ حممد ٍ‬
‫بذكر؛ ال‬ ‫َّ‬
‫وبع�د ذل�ك قال لل َّطلب�ة‪ :‬إنَّني يف إح�دى ال َّليايل َّ‬
‫الس�ابقة‪ :‬نلت من َّ‬
‫الش�يخ حممد‬
‫أن كالمي مل يك�ن عن ا ِّطال ٍع عىل كتب�ه‪ ،‬وإنَّام هو‬
‫واحل�ق َّ‬
‫ُّ‬ ‫الوهاب ودعوته‪،‬‬
‫اب�ن عب�د َّ‬
‫تقليدٌ وحس�ن ظ ٍّن يف مش�اخينا‪ ،‬وقد أطلعني بعض إخوانن�ا النَّجد ِّيني عىل بعض كتبه‬

‫(‪« )1‬صالح األمة يف علو اهلمة» لسيد العفاين (‪.)282/3‬‬

‫الش�يخ صالح بن عبد اهلل البس�ام يف عنيزة س�نة (‪1270‬هـ)‪ ،‬وجدَّ واجتهد وش�ارك يف العلوم‬ ‫(‪ )2‬ولد َّ‬
‫الرشعي�ة‪ ،‬وكان ‪ -‬رمح�ه اهلل ‪ -‬له ولع بالعلم وكتبه‪ ،‬ومجع مكتبة حافل�ة‪ ،‬وكانت له أعامل جتارية مل تصده‬
‫عن العلم‪ .‬توىف يف شبابه سنة (‪1307‬هـ)‪« .‬علـمـاء نجد»‪.‬‬

‫ثم رحل إىل‬ ‫الشيخ مبارك بن مساعد آل مبارك يف عنيزة سنة (‪1258‬هـ)‪ ،‬وقرأ عىل مشايخ بلده‪َّ ،‬‬ ‫(‪ )3‬ولد َّ‬
‫جدة للتجارة ا َّلتي مل تش�غله عن العلم‪ ،‬وكان حيفظ كثري ًا من ش�عر العرب‪ .‬تويف سنة (‪1316‬هـ) تقريب ًا‪.‬‬
‫«علـمـاء نجد»‪.‬‬

‫‪109‬‬
‫ثم صنَّف‬
‫والصواب‪ ،‬وأنا أستغفر اهلل ‪ -‬تعاىل ‪ -‬عماَّ قلت‪َّ ،‬‬
‫احلق َّ‬‫ورسائله‪ ،‬فرأيت فيها َّ‬
‫رسال ًة سماَّ ها‪« :‬هداية كمل العبيد إىل خالص التَّوحيد»(‪.)1‬‬
‫*‬ ‫*‬ ‫*‬
‫الش�يخ عىل بن س�امل بن جلعود آل جليدان ‪ -‬رمحه اهلل ‪ )2( -‬غيور ًا جسور ًا ال‬ ‫كان َّ‬
‫حج ودخل املس�جد احلرام رأى ِحل�ق ِّ‬
‫الذكر املقامة‬ ‫تأخ�ذه يف اهلل لوم�ة الئ ٍم‪َّ ،‬‬
‫ولـمـا َّ‬
‫ثم الضمري وحده (هو هو)‪ ،‬فلم يتاملك نفس�ه‬ ‫هن�اك‪ ،‬وإذا ه�م ير ِّددون لفظ اجلاللة‪َّ ،‬‬
‫إلاَّ أن أخ�ذ ينك�ر عليهم بيده ويرضهبم بعص�اه‪ ،‬فقبض عليه وذهب�وا به إىل الشرَّ يف‬
‫أمير مكَّ�ة يف ذل�ك الوقت‪ ،‬فقال‪ :‬ما محلك على ذلك؟ فقال‪ :‬فعلت ه�ذا العمل كي‬
‫بأن ه�ذا العمل بدع ٌة منكرةٌ‪ ،‬وأنَّه ال‬
‫أص�ل إليك‪ ،‬والقصد من وصويل إليك إخبارك َّ‬
‫ٍ‬
‫استعداد ملناظرهتم بحرضتك‪ .‬فخلىَّ‬ ‫أتم‬
‫يس�عك تركهم يتالعبون باسم اهلل‪ ،‬وإنيِّ عىل ِّ‬
‫الشرَّ يف سبيله وتركهم عىل عملهم(‪.)3‬‬
‫*‬ ‫*‬ ‫*‬
‫ٍ‬
‫يومئذ‪ ،‬عىل َّ‬
‫الشيخ حممد‬ ‫اإلنجليزي كرومر ج َّبار مرص وحاكمها‬ ‫مر ًة ال ُّلورد‬
‫ُّ‬ ‫دخل َّ‬
‫الش�يخ وقتها يتولىَّ مشيخة اجلامع‬
‫بن حممد بن حسين األلباين ‪ -‬رمحه اهلل ‪ ،)4(-‬وكان َّ‬

‫(‪« )1‬علـمـاء نجد خالل ثامنية قرون» (‪.)434/5‬‬

‫الش�يخ عىل بن س�امل آل جليدان يف عنيزة س�نة (‪1240‬هـ)‪ ،‬فطلب العلم وق�رأ عىل علـمـائها‪،‬‬ ‫(‪ )2‬ولد َّ‬
‫وكان كثري الصالة واحلج والعبادة‪ ،‬غيور ًا عىل الدين‪ ،‬ال تأخذه يف اهلل لومة الئم‪ .‬تويف س�نة (‪1310‬هـ)‪.‬‬
‫«علـمـاء نجد»‪.‬‬

‫(‪« )3‬علـمـاء نجد خالل ثامنية قرون» (‪.)191/5‬‬

‫الش�يخ ش�مس الدين حممد بن حممد بن حسين األلباين الش�افعي ‪ -‬رمحه اهلل ‪ -‬علاَّ مة فقيه مش�ارك‬ ‫(‪َّ )4‬‬
‫يف أن�واع م�ن العلوم‪ ،‬مكثر من التصنيف والتأليف‪ ،‬ولد بالقاهرة س�نة (‪1240‬ه�ـ)‪ ،‬وتلقى مجيع العلوم‬
‫ثم ويل مشيخته =‬ ‫ودرس فيه‪ ،‬وعينِّ أمين ًا لفتوى مشيخة األزهر‪َّ ،‬‬
‫املتداولة يف عرصه باجلامع األزهر‪َّ ،‬‬

‫‪110‬‬
‫السالم‪ ،‬ومدَّ يده فصافحه وهو قاعدٌ ‪ ،‬فاستعظم‬ ‫األزهر فلم يقم له َّ‬
‫الش�يخ‪ ،‬ور َّد عليه َّ‬
‫ألس�ت تقوم للخديوي؟! قال‪ :‬نعم‪ ،‬قال‪ :‬ولمِ َ لمَ ْ تقم يل؟! قال‪:‬‬
‫َ‬ ‫ذلك ال ُّلورد‪ ،‬وقال له‪:‬‬
‫إن اخلدي�وي ه�و و ُّيل األمر بن�ا‪ ،‬وال ُّلورد لي�س منَّا‪ ،‬واهلل يق�ول‪ :‬ﱫ ﯸ ﯹ ﯺ‬
‫َّ‬
‫ﯻ ﯼ ﯽ ﯾ ﱪ [النساء‪.)1(]59:‬‬
‫*‬ ‫*‬ ‫*‬
‫املكرم�ة وأصحاب الفتيا‬‫الرفي�ق قد نفى كبار علـمـ�اء مكَّة َّ‬
‫كان الشرَّ ي�ف عون َّ‬
‫الرمحن رساج ‪ -‬رمحه اهلل ‪ )2(-‬ا َّلذي سافر معه‬ ‫فيها‪ ،‬وكان أحد املنف ِّيني هو َّ‬
‫الشيخ عبد َّ‬
‫ابنه عبد اهلل رساج‪ ،‬فوصلوا إىل جدَّ ة ونزلوا يف بيت ش�يخ داليل األسماك فيها‪ ،‬وكان‬
‫الرمح�ن رساج مريض ًا‪ ،‬ومل يكن معه من الـمـال ما يصل�ح أحواله وأحوال ابنه‪،‬‬‫عب�د َّ‬
‫الرمحن رساج رسول املعتمد‬ ‫ويف املسكن البسيط ا َّلذي جلأ إليه يف جدَّ ة زار َّ‬
‫الشيخ عبد َّ‬
‫الرمح�ن رساج رغبة احلكوم�ة الربيطان َّية‬ ‫الربيط�اين يف ج�دَّ ة وعرض عىل َّ‬
‫الش�يخ عبد َّ‬
‫الشيخ‬ ‫ٍ‬
‫واحد‪ ،‬فإذا أصدر َّ‬ ‫بإصدار فتوى بجواز أن يكون للمسلمني خليفتان يف ٍ‬
‫وقت‬
‫بارجة حرب َّي ٍة إنجليز َّي ٍة إىل‬
‫ٍ‬ ‫الرمحن هذه الفتوى‪َّ ،‬‬
‫فإن احلكومة الربيطان َّية تنقل�ه يف‬ ‫عب�د َّ‬
‫اهلند ليتولىَّ منصب قايض القضاة هناك‪.‬‬
‫اب عبد اهلل رساج‬ ‫الرمحن رساج إىل ابنه‪ ،‬كأنَّه يستطلع رأيه‪ ،‬ورأى َّ‬
‫الش ُّ‬ ‫ونظر عبد َّ‬
‫ٍ‬
‫وجاه‪ ،‬فقال‬ ‫ٍ‬
‫منصب‬ ‫أن الفرج قد جاء إىل أبيه يف هذا العرض ا َّلذي يسرت ُّد به ما فقد من‬
‫َّ‬

‫= مرتني‪ ،‬وكان ي َّتجر باألقمشة‪ ،‬وأصيب بشلل قبل وفاته بسنتني‪ .‬تويف بالقاهرة سنة (‪1313‬هـ)‪.‬‬

‫(‪« )1‬مع ال َّناس» للشيخ عيل ّ‬


‫الطنطاوي (ص ‪.)173‬‬

‫الرمحن ب�ن عبد اهلل رساج بمكة املكرمة س�نة (‪1249‬هـ)‪ .‬حف�ظ القرآن وقرأ عىل‬ ‫(‪ )2‬ول�د َّ‬
‫الش�يخ عبد ّ‬
‫علـمـاء مكة‪ .‬وتوىل منصب مفتي األحقاف بعد وفاة َّ‬
‫الش�يخ مجال عبد اهلل‪ .‬نفاه الرشيف عون أمري مكة‬
‫ثم رحل إىل مرص‪.‬وتويف فيها س�نة (‪1314‬هـ)‪« .‬أعالم احلجاز» ملحمد‬ ‫ٍ‬
‫مجاعة من العلـمـاء‪َّ .‬‬ ‫إىل جدة مع‬
‫عيل مغريب‪.‬‬

‫‪111‬‬
‫ألبيه إنَّه ال يرى بأس ًا بإصدار هذه الفتوى‪.‬‬
‫الرمحن رساج نظ�ر إىل ابن�ه نظر ًة صاعق� ًة‪ ،‬وأهوى بي�ده عىل وجهه‬ ‫ولك�ن عب�د َّ‬
‫الربيطاين يقول‪ :‬ارجع لس ِّيدك‬
‫ِّ‬ ‫فلطمه عىل خدِّ ه لطم ًة أليم ًة‪ ،‬والتفت إىل رسول املعتمد‬
‫فأخربه أنيِّ ال أبيع ديني بدنياي‪.‬‬
‫اب كانت له درس ًا‬ ‫الرمحن رساج عىل وجه ابنه َّ‬
‫الش ِّ‬ ‫هذه ال َّلطمة ا َّلتي أهوى هبا عبد َّ‬
‫ظل هيتدي به ط�ول حياته‪ ،‬حتَّ�ى إنَّه حدَّ ث ابنه البكر حسين‬‫م�ن أعظ�م ال�دُّ روس‪َّ ،‬‬
‫السنني(‪.)1‬‬
‫رساج عنه بعد عرشات ِّ‬
‫*‬ ‫*‬ ‫*‬
‫الس�هر‪،‬‬
‫من لطائف كامل بن مصطفى ‪ -‬رمحه اهلل ‪ -‬مفتي طرابلس أنَّه ال حيب َّ‬
‫(‪)2‬‬

‫السهر أخري ًا‪َّ ،‬‬


‫والسهر عند‬ ‫وال خيرج من املنزل ليالً‪ ،‬ولكن الحظ النَّاس مداومته عىل َّ‬
‫رس! لقد ترك احلاكم عادته‬
‫رس‪ ،‬ويا له من ٍّ‬ ‫كي‪ ،‬وسئل َّ‬
‫الشيخ‪ ،‬فقال‪ :‬لذلك ٌّ‬ ‫احلاكم الترُّ ِّ‬
‫وح َّطم كأسه واستحيا من مضايقة َّ‬
‫الشيخ له(‪.)3‬‬
‫*‬ ‫*‬ ‫*‬
‫الشيخ حسن ال َّطويل ‪ -‬رمحه اهلل ‪ )4(-‬أستاذ ًا يف دار العلوم‪ ،‬فزار املدرسة يوم ًا‬
‫كان َّ‬
‫رياض باش�ا‪ ،‬وكان رئيس ال�وزراء ووزير الـمـال َّية‪ ،‬ومعه وزي�ر املعارف عيل مبارك‬

‫(‪« )1‬أعالم احلجاز» (‪ )367/3‬تأليف حممد عيل مغريب‪.‬‬

‫الش�يخ حممد كامل بن مصطفى س�نة (‪1244‬هـ) يف الزاوية يف ليبيا‪ ،‬ونش�أ هبا‪ ،‬ورحل إىل مرص‬‫(‪ )2‬ولد َّ‬
‫ال ينرش العلم‪ ،‬ح َّتى صار مفتي طرابلس‪ .‬تويف سنة (‪1315‬هـ)‪.‬‬ ‫لطلب العلم‪ ،‬ورجع عالـمـ ًا جلي ً‬

‫(‪« )3‬اجلواهر اإلكليلية أعيان علـمـاء ليبيا من الـمـالكية» لنارص الدين حممد الرشيف (ص‪.)317‬‬

‫الطويل الـمـالكي املرصي ‪ -‬رمحه اهلل ‪ ،-‬فاضل‪ ،‬ورع‪ ،‬وعامل‬‫الشيخ أبو حممد حسن بن أمحد بن عيل ّ‬‫(‪َّ )4‬‬
‫ثم باألزهر‪ ،‬واش�تغل بالتدريس‪،‬‬‫مفرس‪ ،‬ولد يف منية ش�هالة باملنوفية س�نة (‪1250‬هـ)‪ ،‬وتعلم يف طنطا‪َّ ،‬‬
‫توىل تصحيح ما يطبعه ديوان اجلهادية‪ ،‬كان مفتش ًا يف وزارة املعارف‪ .‬تويف بالقاهرة سنة (‪1317‬هـ)‪.‬‬

‫‪112‬‬
‫الشيخ حسن قال له‪ :‬يا باشا‪َ ،‬أ َما َ‬
‫آن لكم أن‬ ‫فلـمـا رآه َّ‬
‫باش�ا‪ ،‬فدخل غرفة األس�اتذة‪َّ ،‬‬
‫جتعلوين معكم وزير ًا؟ فدهش رياض باش�ا‪ ،‬وقال له‪ :‬ما هذا يا ش�يخ حسن؟قال‪ :‬ما‬
‫ٍ‬
‫وزارة تريد؟ قال‪ :‬الـمـال َّية‪ ،‬قال‪ :‬ولـمـاذا؟ قال‪ :‬ألستبيح‬ ‫فأي‬
‫تس�مع يا باشا؟ قال‪ُّ :‬‬
‫الزيارة وخرج‪ ،‬وقال ملبارك باش�ا‪ :‬البدَّ أن خترج هذا‬
‫الرئيس وقطع ِّ‬
‫أمواهل�ا‪ ،‬فغضب َّ‬
‫الرج�ل م�ن خدم�ة احلكومة ف�ور ًا‪ .‬قال عيل مبارك باش�ا‪ :‬وم�اذا أصنع م�ع علـمـاء‬
‫َّ‬
‫عاملي؟!‬
‫األرض‪ ،‬وهو عامل ٌ ٌّ‬
‫الش�يخ حس�ن ال َّطويل ‪ -‬رمحه اهلل ‪ -‬يوم ًا ليدخل عىل اخلديوي‪ ،‬فك َّلفوه أن‬
‫وجاء َّ‬
‫ين�زع عباءت�ه‪ ،‬ويدعه�ا يف البهو‪ ،‬فأبى‪ ،‬وق�ال‪ :‬أقف هبا يف صاليت وأقاب�ل هبا ربيِّ وال‬
‫أقابل هبا اخلديوي؟!(‪.)1‬‬
‫*‬ ‫*‬ ‫*‬
‫ال�ر َّزاق البيط�ار ‪ -‬رمحه اهلل ‪ ،)2(-‬أس�اليب يف اإلقن�اع عجيب ٌة‪،‬‬ ‫كان َّ‬
‫للش�يخ عب�د َّ‬
‫الرس�ول ‪ -‬عليه الصالة‬
‫مر ًة أنَّه جي�ب القيام عند ذكر والدة َّ‬ ‫فمنه�ا‪َّ :‬‬
‫أن بعضه�م زعم َّ‬
‫والسلام (وجوب ًا بدعي ًا) تعظي ًام له ‪ -‬صىل اهلل عليه وس�لم ‪ ،-‬وأ َّلف يف ذلك رس�ال ًة‪،‬‬
‫فألح عليه‪ ،‬وأخري ًا قال له األستاذ‬
‫ومحلها للفقيد ليكتب له عليها تقريظ ًا فاعتذر إليه‪َّ ،‬‬
‫الرس�ول ‪ -‬عليه الصالة‬
‫الرس�الة أنَّ�ه إذا قيل ولد َّ‬
‫املرح�وم‪ :‬أن�ت مقصودك من هذه ِّ‬
‫والسالم ‪ -‬جيب القيام؟ قال‪ :‬نعم‪.‬‬

‫(‪« )1‬مع ال َّناس» للشيخ عيل ّ‬


‫الطنطاوي (ص ‪.)177‬‬

‫الرزاق بن حسن البيطار بدمشق سنة (‪1253‬هـ)‪ ،‬نشأ يف أرسة علمية عريقة بالعلم‬ ‫(‪ )2‬ولد َّ‬
‫الشيخ عبد ّ‬
‫والعلـمـاء‪ .‬حفظ القرآن الكريم وجوده عىل ش�يخ قراء الش�ام أمحد احلل�واين‪ ،‬ودرس العلوم عىل والده‬
‫ومشايخ دمشق‪ .‬رحل يف طلب العلم إىل القاهرة وإستانبول والقدس وبريوت وغريها‪ .‬عرف باجلرأة يف‬
‫الرزاق البيطار»‬ ‫احلق‪ ،‬والصرب عىل األذى فيه‪ .‬تويف س�نة (‪1335‬هـ)‪« .‬أديب علـمـاء دمشق َّ‬
‫الشيخ عبد ّ‬
‫ملحمد بن نارص العجمي‪.‬‬

‫‪113‬‬
‫قال‪ :‬وا َّلذي ال يقوم عند ذكر والدته ‪ -‬صىل اهلل عليه وس�لم ‪-‬؟ قال‪ :‬يكون آث ًام؛‬
‫ألنَّه ترك واجب ًا‪.‬‬
‫الرسول ‪ -‬صىل اهلل عليه وسلم ‪ -‬جيب ذلك؟ قال‪ :‬نعم‪.‬‬ ‫قال‪ :‬أكلـمـا قيل‪ :‬ولد َّ‬
‫ٍ‬
‫فعندئذ قال له األس�تاذ‪ :‬ها أنا ذا قد ذكرت لك والدته ‪ -‬صىل اهلل عليه وس�لم ‪-‬‬
‫ثالث مر ٍ‬
‫ات فلم مل تقم؟ فقال له‪:‬؛ ألنَّه ال يوجد هنا اآلن مولد‪.‬‬ ‫َّ‬
‫فأجابه األستاذ‪ :‬أنت إذ ًا تقوم تعظي ًام لـمـا اشتمل عليه املولد ال ملن ُولِدَ ؟ فخجل‬
‫احلقيقي باتِّباعه يف‬
‫َّ‬ ‫َّبي ‪ -‬صىل اهلل عليه وسلم ‪-‬‬
‫إن تعظيم الن ِّ‬‫ثم قال األستاذ‪َّ :‬‬
‫ومل جيب‪َّ ،‬‬
‫خلق ِه(‪.)1‬‬‫أقواله وأفعاله‪ ،‬ونرش هدايته ا َّلتي جاء هبا عن ربه مشتمل ًة عىل سعادة ِ‬
‫ِّ‬
‫*‬ ‫*‬ ‫*‬
‫الش�مس احلاجي الش�نقيطي ‪ -‬رمحه اهلل ‪ )2(-‬قافل ٌة مأمون ٌة‬
‫للش�يخ أمحد بن َّ‬
‫كانت َّ‬
‫كثري من ُح َّجاج‬ ‫خلق ٌ‬ ‫املكرمة‪ ،‬ويلتحق به ٌ‬ ‫املنورة إىل مكَّة َّ‬
‫يسيرِّ ها يف املواسم من املدينة َّ‬
‫بيت اهلل احلرام‪ ،‬ومل يكن النَّاس س�اعتها يس�تطيعون التَّن ُّقل بني املدينتني املقدَّ ستني إلاَّ‬
‫ٍ‬
‫شديدة من اجليش لكثرة ُق َّطاع ال ُّطرق‪.‬‬ ‫ٍ‬
‫حراسة‬ ‫يف ِّ‬
‫ظل‬
‫ويروى عنه أنَّه كان إذا ا ْلت َقى بال ُّلصوص يف س�فره يظ ُّن النَّاس أنَّه س�يدارهيم عىل‬
‫الركوب‪ ،‬ولكنَّ�ه كان ينقلب عليه�م بالتَّوبيخ واإلهانة والتَّحقير ويقول هلم ما‬
‫ُس�نَّة ُّ‬

‫الرزاق البيط�ار حيات�ه وإجازات�ه» (ص ‪ )26‬ملحمد بن نارص‬ ‫(‪« )1‬أدي�ب علـمـاء دمش�ق َّ‬
‫الش�يخ عب�د ّ‬
‫العجمي‪.‬‬

‫الش�يخ أمحد بن الش�مس احلاجي ‪ -‬رمحه اهلل ‪ -‬يف بلدة «إ ّدا» واحلاج ببالد «ش�نقيط» ونش�أ هبا‪،‬‬ ‫(‪ )2‬ولد َّ‬
‫حيا عام (‪1922‬م)‪ .‬عاش يف موريتانيا واملغرب واحلجاز‪ ،‬تلقى علوم الفقه واألدب واللغة يف زاوية‬ ‫كان ًّ‬
‫الش�يخ ماء العينني‪ .‬عمل بالتدري�س‪ ،‬وتتلمذ عليه‬ ‫السمارة على عدد من علـمـاء عرصه‪ ،‬وعىل رأس�هم َّ‬ ‫ّ‬
‫معظ�م أف�راد قبيلته‪ .‬هاجر إىل املدينة املنورة‪ ،‬ونرش العلم هب�ا‪ ،‬فكانت له مكانة طيبة لدى العثامنيني وأهل‬
‫احلجاز‪ .‬تويف سنة (‪1342‬هـ)‪.‬‬

‫‪114‬‬
‫معناه‪ :‬بئس القوم أنتم ختيفون املس�لمني‪ ،‬وتقطع�ون ال َّطريق عىل املؤمنني‪ ،‬وتغصبون‬
‫كالصواعق املرس�لة‪ ،‬فال يكون منهم‬ ‫رب العاملني‪ ،‬فيقع كالمه عليهم َّ‬ ‫أم�وال ضيوف ِّ‬
‫إلاَّ االنكسار واخلضوع‪.‬‬
‫الش�ناقطة كان قائد‬ ‫ٍ‬
‫مجاعة من َّ‬ ‫للضيم‪ :‬نجاحه يف إطالق رساح‬ ‫ومن إبائه ورفضه َّ‬
‫املنورة الترُّ كي عمر فخري باش�ا قد حجزهم لتس�فريهم مع املدن ِّيني إىل َّ‬
‫الش�ام‬ ‫املدينة َّ‬
‫عام (س�فر برلك) املش�هور سنة(‪1917‬م)‪ ،‬وذلك إ َّبان اس�تفحال ال َّثورة العرب َّية عىل‬
‫ويتفرغ ملها ِّمه العسكر َّية‪ .‬وعن هذه احلادثة‬
‫َّ‬ ‫املنورة‬
‫األتراك كي حيكم قبضته عىل املدينة َّ‬
‫يقول األس�تاذ عيل حافظ‪ :‬س�فرهم حتَّى مل يبق إلاَّ َم ْن يع�دُّ عىل األصابع‪ ،‬وكان عدد‬
‫نس�مة‪ ،‬ومل يعد منهم س�وى مخس عرشة‬ ‫ٍ‬ ‫س�كَّان املدين�ة آخر زمن األتراك ثامنني ألف‬
‫ٍ‬
‫وبمساعدة منهم(‪.)1‬‬ ‫اهلاشمي‬ ‫ٍ‬
‫نسمة تقريب ًا يف العهد‬ ‫ألف‬
‫ِّ‬
‫*‬ ‫*‬ ‫*‬
‫قصة اتهِّ ام َّ‬
‫الش�يخ عاطف أفن�دي ‪ -‬رمحه اهلل ‪-‬‬
‫(‪)2‬‬
‫ق�ال َّ‬
‫الش�يخ طاهر املولوي عن َّ‬
‫الس�جن بعد صالة العش�اء‪ ،‬وأخذ يكتب‬ ‫بكفر لبس القبعة‪ :‬جلس عاطف أفندي يف ِّ‬
‫ٍ‬
‫طويلة مل‬ ‫ال بعد أ َّيا ٍم‬ ‫دفاعه عن نفسه وا َّلذي طلبه منه القايض‪ ،‬أغفى َّ‬
‫الشيخ عاطف قلي ً‬
‫يس�تمر‬
‫َّ‬ ‫يذق فيها طعم النَّوم‪ ،‬أغفى ويف يده ورقة دفاعه ا َّلذي مل يكمله‪ ،‬ن َْوم عاطف مل‬
‫طويالً‪ ،‬وفجأة فتح عاطف أفندي عينيه وارتس�مت عىل وجهه ابتسام ٌة عميق ٌة ورقيق ٌة‬
‫عجيب ٌة‪.‬‬

‫(‪« )1‬أعالم الش�ناقطة يف احلجاز واملرشق جهودهم العلمية وقضاياهم العامة» تأليف بحيد ابن َّ‬
‫الش�يخ‬
‫يربان القلقمي اإلدرييس ص‪..‬‬

‫(‪ )2‬حممد عاطف‪ ،‬ويطلقون عليه عاطف أفندي أو عاطف خوجة‪ ،‬وكالمها يعني عامل الدين‪ ،‬ولد َّ‬
‫الشيخ‬
‫عاط�ف ‪ -‬رمح�ه اهلل ‪ -‬عام (‪1876‬م) يف قرية طوبخانه التابعة الس�كيليب يف األناضول من أرسة عريقة‬
‫ثم انتقل إىل إس�طنبول‪ ،‬ويف عام (‪1905‬م) عني‬
‫بالعل�م‪ ،‬عريقة يف النس�ب‪ ،‬تلق�ى تعليمه األويل يف قريته َّ‬
‫عاما‪ .‬أعدم يف عام (‪1926‬م)‪.‬‬‫مدرس ًا ًّ‬

‫‪115‬‬
‫الش�يخ طاه�ر مولوي يس�أل‪ :‬ماذا ح�دث يا فضيلة َّ‬
‫الش�يخ؟ لـمـاذا اس�تيقظت‬ ‫َّ‬
‫رسيع ًا؟ قال َّ‬
‫الشيخ‪ :‬حصل املراد من النَّوم‪.‬‬
‫يعني؟‬
‫يعني رأيت رؤيا كنت أنتظرها‪.‬‬
‫ماذا رأيت؟‬
‫اعتدل َّ‬
‫الش�يخ عاطف أفندي‪ ،‬الك ورق�ة دفاعه بيده وقال‪ :‬رأيت يف رؤياي فخر‬
‫الكائنات س� ِّيدنا حممد ًا ‪ -‬صىل اهلل عليه وس�لم ‪ -‬يقول يل‪ :‬يا عاطف‪ ،‬أتش�غل نفسك‬
‫بالدِّ فاع عن نفسك وال تريد االلتحاق بنا؟!‬
‫قال طاهر مولوي َّ‬
‫للشيخ‪ :‬وماذا تفسرِّ هذا؟‬
‫قال عاطف أفندي‪ :‬سيعدمونني وسألتحق بحبيب اهلل ‪ -‬صىل اهلل عليه وسلم ‪.-‬‬
‫الرؤيا‪ ،‬إلاَّ َّ‬
‫أن املدَّ عي العمومي مل يطلب‬ ‫شك ُّ‬
‫قط يف صدق هذه ُّ‬ ‫طاهر املولوي‪ :‬ال َّ‬
‫ٍ‬
‫سنوات!‬ ‫السجن ثالث‬ ‫لك إلاَّ ِّ‬
‫سرتى أنهَّ م سيعدمونني‪ ،‬وال أفهم إلاَّ أن األمر يأيت من أكرب األبواب‪.‬‬
‫لدي ما أقوله‪.‬‬
‫ليس َّ‬
‫صحي�ح! ومل يعد للكالم جدوى! وها هي ذي الورقة ا َّلتي كتبت فيها دفاعي ومل‬
‫أمزقها‪.‬‬
‫أكملها بعد ِّ‬
‫ويف الي�وم التَّ�ايل حكمت املحكمة باإلعدام عىل عاطف أفن�دي عىل أن ينفذ هذا‬
‫احلكم فور ًا‪ ،‬فنفذ يف فجر اليوم التايل(‪.)1‬‬
‫*‬ ‫*‬ ‫*‬

‫الربانيني » للدكتور سيد بن حسني العفاين (‪.)288/2‬‬


‫(‪« )1‬زهرة البساتني من مواقف العلـمـاء َّ‬

‫‪116‬‬
‫الرسم َّية احتفاالً‬ ‫ٍ‬
‫جاء أحد املس�ترشقني يف زورة إىل القاهرة‪ ،‬فاحتفلت به الدَّ وائر َّ‬
‫ٍ‬
‫موسوعات‪،‬‬ ‫رنَّان ًا‪ ،‬وأسهبت اجلرائد يف تعداد مآثره‪ ،‬وما ح َّقق من ٍ‬
‫كتب‪ ،‬وما نرش من‬
‫وأقيم�ت يف إح�دى دور العل�م الكبيرة حفل� ًة الس�تقباله ش�هدها مجه�ور من ذوي‬
‫ال َّثقاف�ة‪ ،‬وفيهم من ال يزالون يس� ِّبحون بحمد املس�ترشقني‪ ،‬ويفرحون بام يرجفون به‬
‫مؤلفات حتمل أسماءهم دون ٍ‬
‫حياء‪ ،‬وما حان‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬
‫مفرتي�ات‪ ،‬ليذيعوها عىل النَّاس يف‬ ‫م�ن‬
‫الزائر ويفتتح الكالم عن‬
‫موع�د االحتفال حتَّى هنض وزير املعارف يكرم املس�ترشق َّ‬
‫لف َل َّفهم عىل‬
‫مزاي�اه ومباهيه‪ ،‬وكان من املتو َّقع أن يتواىل األس�اتذة اجلامع ُّيون و َم ْن َي ُّ‬
‫منصة اخلطابة ليصلوا بال َّثناء عىل منتهاه‪ ،‬ولكن اجلمهور فوجئ باألس�تاذ عبد العزيز‬
‫َّ‬
‫جاوي�ش ‪ -‬رمح�ه اهلل ‪ )1(-‬بقامته املمتدَّ ة وعاممته العالي�ة وعباءته الفضفاضة‪ ،‬وعصاه‬

‫املنصة مقح ًام نفسه بعد أن انتهى وزير املعارف من كلمته‪َّ ،‬‬
‫ثم يرسل عينيه‬ ‫املمتلئة يعتيل َّ‬

‫(‪ُ )1‬ول�د عب�د العزيز جاويش ‪ -‬رمحه اهلل ‪ -‬يف اإلس�كندرية (‪12‬من ش�وال ‪1293‬ه�ـ ‪ 31 -‬من أكتوبر‬
‫الق�رآن الكريم‪ ،‬وتع َّلم مبادئ القراءة والكتابة‪،‬‬
‫َ‬ ‫‪1876‬م)‪ ،‬ونش�أ يف أرسة كريمة تعمل بالتجارة‪ِ ،‬‬
‫وحفظ‬
‫رأس حترير جريدة (الل�واء)‪ .‬تويف يوم‬ ‫واجت�ه إىل مواصل�ة التعليم‪ ،‬فس�افر إىل القاهرة والتحق باألزه�ر‪َ ،‬‬
‫اجلمعة (‪ 13‬من شعبان ‪1347‬هـ ‪ -‬املوافق ‪ 25‬من يناير ‪1929‬م)‪.‬‬

‫‪117‬‬
‫الس�وداء ذات‬ ‫ٍ‬
‫بربي�ق يمتدُّ إىل ثناي�اه الالَّمعة‪ ،‬ويدور حول حليته َّ‬ ‫املتأللئتين تومضان‬
‫ثم يقول ما معناه‪َّ :‬‬
‫إن كلمة وزير املعارف‬ ‫املشهد الوقور‪ ،‬ويبتدئ احلديث بحمد اهلل‪َّ ،‬‬
‫إن املؤ َّلف�ات ا َّلتي حتدَّ ث‬
‫ت�دل عىل أنَّه مل يقرأ ش�يئ ًا هلذا املس�ترشق ا َّل�ذي تكرمونه‪ ،‬إذ َّ‬
‫ُّ‬
‫ٍ‬
‫طعنات‬ ‫عنه�ا الوزير وس�يتحدَّ ث عنها بال َّطبع من أعدُّ وا أنفس�هم للكالم ليس�ت إلاَّ‬
‫مس�موم ًة للفكرة اإلسالم َّية‪ ،‬وقد قرأهتا أثناء إقامتي بإنجلرتا‪ ،‬وناقشت صاحبها فلم‬
‫ٍ‬
‫الروايات‬
‫ثم يلتمس أوهى ِّ‬ ‫أج�ده خيطئ إلاَّ عن عمد‪ ،‬فهو يدري َّ‬
‫الصواب‪ ،‬ويتجنَّبه‪َّ ،‬‬
‫الرجل‬
‫لكرمنا َّ‬
‫ثقايف َّ‬
‫وعي ٌّ‬
‫ليبن�ي عليها ما يروق من التَّدليس واالفرتاء‪ ،‬ولو كان لدينا ٌ‬
‫مة بح ٍ‬
‫اث‪.‬‬ ‫ف علاَّ ٍ‬
‫كضيف فقط ال كمؤ ِّل ٍ‬
‫ٍ‬
‫َّ‬
‫فارتج احلفل ارجتاج� ًا‪ ،‬واضطرب الوزير اضطراب‬
‫َّ‬ ‫قال األس�تاذ جاويش ذلك‪،‬‬
‫املح�رج املأخوذ‪ ،‬وتس�اقط عرق اخل�زي عىل وجوه من أعدُّ وا أنفس�هم للكالم‪ ،‬وزاد‬
‫يب َّ‬
‫الش�هم‪ :‬عب�د احلميد‬ ‫واملس�لم العر ُّ‬
‫ُ‬ ‫املوق�ف خط�ور ًة حين وق�ف النَّائ�ب باس�ل‪،‬‬
‫الش� َّبان املسلمني فأعلن إهناء احلفل‪ ،‬وأش�ار للمستمعني فتس َّللوا‬
‫س�عيد رئيس مجع َّية ُّ‬
‫منرصفين‪ ،‬بينام جأر األس�تاذ جاويش يصيح‪ :‬ي�ا للمذ َّلة‪َ ،‬أو َصل االهنيار باملس�لمني‬
‫ِ‬
‫َّوحش والغلظة َّ‬
‫والش�هوة‬ ‫إىل ح�دٍّ جيعلهم يقيمون حفالت تكري ٍم ملن َيص ُم دينهم بالت ُّ‬
‫ثم يكون رئيس االحتفال وزير املعارف‪ ،‬ومتك ِّلموه أس�اتذة اجلامعة يف‬
‫واالس�تعباد‪َّ ،‬‬
‫عاصمة اإلسالم(‪.)1‬‬
‫*‬ ‫*‬ ‫*‬

‫البيومي (‪.)68/1‬‬
‫(‪« )1‬النهضة اإلسالمية يف سري أعالمها املعارصين» للدكتور حممد رجب ّ‬

‫‪118‬‬
‫اهلجري‪،‬‬
‫ِّ‬ ‫يؤرخ رس�ائله وعق�وده بالتَّاريخ‬ ‫ِّ‬
‫(‪)1‬‬
‫كان أمحد تيمور باش�ا ‪ -‬رمحه اهلل ‪-‬‬
‫ٍ‬
‫بس�بب‪ ،‬كام كان‬ ‫وفيه�ا ما يص�ل إىل الشرَّ كات األجنب َّية‪ ،‬و َم� ْن ال يتَّصلون إىل العرب َّية‬
‫حي�رص عىل اس�تعامل األلفاظ العرب َّي�ة يف كتاباته وحمادثاته‪ ،‬فيس�مي التليفون‪ :‬هاتف ًا‪،‬‬
‫ولـمـا ضاق صدره بالكلـمـات األوروب َّية‬ ‫واجلنيه‪ :‬دينار ًا‪ِّ ،‬‬
‫والس�كرتري‪ :‬كاتم الِّس�رِّ ِّ ‪َّ ،‬‬
‫الصحافة يف املخرتعات احلديثة‪ ،‬وضع هلا ألفاظ ًا عرب َّي ًة من عنده َّ‬
‫ثم‬ ‫ا َّلتي تس�تخدمها َّ‬
‫نرشها عىل النَّاس‪.‬‬
‫تعصب�ه للغة العرب َّية أن كتب إليه األس�تاذ كاظم الدجييل يس�أله عن‬
‫وق�د بلغ يف ُّ‬
‫للكلبي يف مثالب العرب يريد أن ينرشه عىل النَّاس‪ ،‬فكتب إليه تيمور يقول‪:‬‬ ‫ٍ‬
‫خمط�وط‬
‫ِّ‬
‫ٍ‬
‫كتاب مثله يفقد حتَّى يسرتيح النَّاس منه‪.‬‬ ‫كل‬‫إنَّه مفقو ٌد‪ ،‬وليت َّ‬
‫هذا وقد اعتزم نور الدين مصطفى بك أن يؤ ِّلف مجع َّي ًة توران َّي ًة ُّ‬
‫تضم غري املرص ِّيني‪،‬‬
‫الكردي‪،‬‬
‫ِّ‬ ‫من أرنؤود وجركس وترك وكرد‪ ،‬وك َّلم تيمور يف االنضامم إليها نظر ًا ألصله‬
‫مس�لم من جامعة املس�لمني‪ .‬ومواقفه‬ ‫ٍ‬
‫حازمة‪ :‬أنا‬ ‫فرفض رفض ًا تاما‪ ،‬وقال له يف ٍ‬
‫هلجة‬
‫ٌ‬ ‫ًّ‬

‫(‪ )1‬ول�د أمح�د ب�ن إسماعيل ب�ن حمم�د تنكور املش�هور بأمح�د تيمور باش�ا ‪ -‬رمح�ه اهلل ‪ -‬س�نة (‪1288‬‬
‫هـ‪1871/‬م)‪ ،‬أديب مرصي بارز‪ ،‬من أب كردي وأم تركية‪ .‬من أعضاء املجمع العلمي العريب بدمش�ق‬
‫وعضو ًا باملجلس األعىل لدار الكتب‪ .‬تويف سنة (‪ 1348‬هـ‪1935/‬م)‪.‬‬

‫‪119‬‬
‫الشهرية يف هذا الباب أكثر من أن تُـحصرَ ‪.‬‬ ‫َّ‬
‫الرس�م َّية يف الدَّ ول�ة فلم تتعدَّ العضو َّية يف جملس ُّ‬
‫الش�يوخ‪ ،‬وقد قبلها‬ ‫أ َّما مناصبه َّ‬
‫يتفرغ يف عزلته للبحث واالنتفاع‪ ،‬ولكنَّه مل يس�عه غري اخلضوع‬ ‫مرغ ً‬
‫ما‪ ،‬وكان بو ِّده أن َّ‬
‫إلرادة امللك فؤاد إذ اختاره بنفسه‪ ،‬كام أنعم عليه بالباشو َّية تقدير ًا جلهوده اجلليلة‪.‬‬
‫ٍ‬
‫ترحيب بام أس�ند إليه من‬ ‫رحب أكمل‬ ‫الش�يوخ لقد َّ‬‫ولئن ضاق عالَّمتنا بمجلس ُّ‬
‫امله�ا ِّم العلم َّي�ة‪ ،‬فقد عينِّ عضو ًا يف جلنة إصالح األزهر س�نة (‪1924‬م)‪ ،‬فقام بواجبه‬
‫مهتدي� ًا بأف�كار أس�تاذه اإلم�ام‪ ،‬كام اختري عض�و ًا يف جمل�س إدارة دار الكت�ب‪ ،‬فكان‬
‫األول فيام يعرض من شئون(‪.)1‬‬
‫الرأي َّ‬
‫صاحب َّ‬
‫*‬ ‫*‬ ‫*‬

‫(‪)2‬‬
‫الس�ابق َّ‬
‫الش�يخ حممد بخيت املطيع�ي ‪ -‬رمحه اهلل ‪-‬‬ ‫لط�م مفت�ي الدِّ يار املرصية َّ‬

‫البيومي (‪.)12/2‬‬
‫(‪« )1‬النهضة اإلسالمية يف سري أعالمها املعارصين» للدكتور حممد رجب ّ‬
‫الش�يخ حممد بخيت املطيعي يف أس�يوط سنة (‪1271‬هـ)‪ .‬حفظ القرآن يف صغره‪ ،‬وتلقى تعليمه‬ ‫(‪ )2‬ولد َّ‬
‫يف األزهر‪ .‬عكف عىل التدريس واإلفادة ح َّتى صار من كبار علـمـاء بلده ال س�يام يف علم األصول‪ ،‬عني‬
‫يف عام (‪1914‬م) مفتي ًا للديار املرصية‪ .‬تويف سنة (‪1354‬هـ)‪« .‬األزهر يف ألف عام» للدكتور حممد عبد‬
‫املنعم خفاجي‪.‬‬

‫‪120‬‬
‫االس�تعامر لطم ًة قاس�ي ًة‪ ،‬حني أصدر فتوى دين َّي ًة يف مقاطعة اإلنجليز‪َ ،‬فسرَ ْت مرسى‬
‫الشيخ بخيت أكرب‬ ‫النَّار يف اهلشيم‪ ،‬وبدَّ دت ما نسج من األحالم واألمن َّيات‪ ،‬ولقد كان َّ‬
‫ٍ‬
‫مفت لإلسالم يف عرصه‪ ،‬ورفض ثرو ًة مغري ًة قدِّ مت إليه حني أصدر فتوى إسالم َّي ًة يف‬
‫إن هذه‬ ‫ال كلمته اجلليلة‪ :‬العلم يف اإلسلام ال يباع‪ .‬ولعمري‪َّ ،‬‬ ‫و ْق ٍ‬
‫�ف من األوقاف قائ ً‬ ‫َ‬
‫إسلامي خالدٌ جي�ب أن يرت َّدد ويذاع‪،‬‬
‫ٌّ‬ ‫ٌ‬
‫قانون‬ ‫الصغيرة عىل إجيازها العجيب‪،‬‬
‫اجلمل�ة َّ‬
‫ليؤمن به املسلمون ويعملوا به(‪.)1‬‬
‫*‬ ‫*‬ ‫*‬

‫الفرنيس َّ‬
‫الشيخ عبد احلميد بن باديس اجلزائري ‪ -‬رمحه‬ ‫ُّ‬ ‫السامي‬
‫استدعى املندوب َّ‬
‫اهلل ‪ ،)2(-‬وقال له‪ :‬إ َّما أن تقلع عن تلقني تالميذك هذه األفكار‪ ،‬وإلاَّ أرس�لت جنود ًا‬

‫(‪ )1‬موقع «الشبكة اإلسالمية» إعداد‪ :‬ربيع حممود‪.‬‬

‫الش�يخ عب�د احلميد بن حممد ب�ن مصطفى بن مكي ب�ن باديس ‪ -‬رمحه اهلل‬ ‫(‪ )2‬ول�د اإلم�ام العامل اجلليل َّ‬
‫‪ -‬ي�وم (‪1307/4/11‬ه�ـ) املواف�ق (‪/4‬ديس�مرب ‪1889/‬م) وقبيلته ه�ي صنهاجة‪ ،‬أت�م حفظ القرآن‬
‫وه�و يف الثالث�ة عشرة من عمره‪ ،‬وتلقى عل�وم العربية والفقه واحلديث عىل يد َّ‬
‫الش�يخ مح�دان التونيس‪،‬‬
‫ثم اجته إىل الزيتونة عام (‪1326‬هـ) ورحل إىل احلجاز‪ ،‬أنش�أ مجعية علـمـاء املس�لمني س�نة (‪1347‬هـ)‬ ‫َّ‬
‫املوافق (‪1928‬م)‪ ،‬أس�هم يف تأس�يس جريدة «النجاح» عام (‪1337‬هـ) املوافق (‪1919‬م)‪ .‬تويف ‪ -‬رمحه‬
‫الربانيني» مجع وترتيب‬
‫اهلل ‪ -‬س�نة (‪1359‬هـ) املوافق (‪1940‬م)‪«.‬زهرة البس�اتني من مواقف العلـمـاء ّ‬
‫الدكتور سيد بن حسني العفاين (‪.)295/5‬‬

‫‪121‬‬
‫إلغالق املسجد ا َّلذي ينفث فيه هذه ُّ‬
‫السموم ضدَّ نا‪ ،‬وإمخاد أصواتك املنكرة‪.‬‬
‫فأجاب َّ‬
‫الش�يخ عبد احلميد‪ :‬أيهُّ ا املس�يو احلاكم‪ ،‬إنَّك ال تستطيع ذلك‪ ،‬واستشاط‬
‫ٍ‬
‫ع�رس ع َّلمت‬ ‫كنت يف‬
‫الش�يخ‪ :‬إذا ُ‬‫املس�يو غضب� ًا‪ ،‬وق�ال‪ :‬وكيف ال أس�تطيع؟ ق�ال َّ‬
‫جلست يف ٍ‬
‫قطار ع َّلمت املسافرين‪،‬‬ ‫ُ‬ ‫كنت يف مأت ٍم وعظت ا ُمل ِّ‬
‫عزين‪ ،‬وإذا‬ ‫املحتفلني‪ ،‬وإذا ُ‬
‫وخري‬
‫ٌ‬ ‫أهلبت مشاعر املواطنني‪،‬‬
‫أرشدت املسجونني‪ ،‬وإن قتلتموين ُ‬ ‫ُ‬ ‫السجن‬ ‫دخلت َّ‬
‫ُ‬ ‫وإذا‬
‫تتعرض لأل َّمة يف دينها ولغتها(‪. )1‬‬
‫َّ‬ ‫لك أيهُّ ا املسيو ألاَّ‬
‫الشيخ عبد احلميد بن باديس ‪ -‬رمحه اهلل ‪ -‬زاهد ًا‪ ،‬انتقل من بيت والده إىل‬
‫وكان َّ‬
‫ال ال يزي�د عن الكرسة وال َّلبن وفنجان‬ ‫ٍ‬
‫غرفة بجوار مس�جد قموش‪ ،‬وكان طعامه قلي ً‬
‫أو فنجانني من القهوة يوم ًّيا‪ ،‬وكان ‪ -‬رمحه اهلل ‪ -‬إذا دعي إىل طعا ٍم اشترط االقتصار‬
‫واحد من ال َّطعام‪ ،‬وكان يسأل عن الكسكيس فإن وجده مل يأكل معه غريه‪.‬‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬
‫صنف‬ ‫عىل‬
‫وكان ‪ -‬رمحه اهلل ‪ -‬حيرص عىل ارتداء الربنس املنس�وج قامش�ه يف اجلزائر‪ .‬ويذكر‬
‫أح�د تالميذه أنَّه بينام كان َّ‬
‫الش�يخ يلقي درس�ه نظ�ر إىل تالميذه ف�رأى أحدهم يلبس‬
‫برنس� ًا مصنوع ًا قامشه يف فرنسا‪ ،‬فقال له‪ :‬ما هذا الربنس؟ أ َّما أنا فأفضل ا َّلذي صنعته‬
‫أ ِّمي عىل ا َّلذي صنعته َّ‬
‫رضهتا‪.‬‬
‫اإلسلامي ا َّلذي‬
‫ِّ‬ ‫أ َّما عن ش�جاعته فال بدَّ من ذكر موقفه حني كان يف وفد املؤمتر‬
‫قابل رئيس الوزراء (دالدييه)‪ ،‬فتحدَّ ث املسئول الفرنيس إىل الوفد مهدِّ د ًا َّ‬
‫بقوة فرنسا‪،‬‬
‫فر َّد عليه ابن باديس‪ :‬ونحن لدينا مدافع‪ ،‬إنهَّ ا مدافع اهلل(‪.)2‬‬
‫*‬ ‫*‬ ‫*‬

‫(‪« )1‬صفحات مرشقة من تاريخ أعالم األمة» تصنيف عبده عيل كوشك (ص‪.)638‬‬

‫الربانيني» مج�ع وترتيب الدكتور س�يد بن حسين العفاين‬


‫(‪« )2‬زه�رة البس�اتني م�ن مواق�ف العلـمـ�اء ّ‬
‫(‪.)295/5‬‬

‫‪122‬‬
‫الرشيد إبراهيم ‪ -‬رمحه اهلل ‪ -‬أن يكون جند ًّيا يدعو إىل اهلل باحلكمة‬ ‫الشيخ عبد َّ‬ ‫آثر َّ‬
‫مثابرة‪ ،‬ويرتك لأل َّيام‬ ‫ٍ‬ ‫هدوء‪ ،‬ويرحل يف‬ ‫ٍ‬ ‫صمت‪ ،‬ويعظ يف‬ ‫ٍ‬ ‫واملوعظة احلس�نة‪ ،‬يؤ ِّلف يف‬
‫فعمر يف اإلسلام حتَّى‬ ‫تعج ٍل‪ ،‬وقد أحس�ن اهلل عاقبته َّ‬ ‫أن تُنض�ج ب�ذوره ال َّط ِّيب�ة دون ُّ‬
‫تعمه يف ال ُّظلـمـات‪ ،‬وما مات حتَّى‬ ‫ٍ‬
‫ش�اهد نوره يمتدُّ عىل يديه إىل مطارح نائية كانت ُّ‬
‫الياباين عىل االعرتاف باإلسالم واحد ًا‬ ‫َّ‬ ‫اس�تطاع يف سنة (‪1939‬م) أن جيرب الربلـمـان‬
‫الشيخ مسجدين ال مسجد ًا واحد ًا‪.‬‬ ‫الرسم َّية‪ ،‬وهبذا االعرتاف بنى َّ‬ ‫من أديان الدَّ ولة َّ‬
‫نصه يف أحد‬ ‫تم بص�دد ذلك‪ ،‬إذ جاء هبا ما ُّ‬ ‫وق�د نشرت جريدة البالغ خالصة ما َّ‬
‫أعداد مارس سنة (‪1939‬م)‪:‬‬
‫إن‬ ‫الرش�يد إبراهيم رئيس اجلمع َّية اإلسالم َّية بطوكيو يقول‪َّ :‬‬ ‫أرس�ل األستاذ عبد َّ‬
‫الياباين‬
‫ِّ‬ ‫وزير املعارف فيها عرض يف َّأول يو ٍم من مارس سنة (‪1939‬م) عىل الربلـمـان‬
‫يس�مى «زي�زال أراكي» يقضي باعتب�ار الدِّ ينني (البوذي واملس�يحي)‬ ‫ٍ‬
‫قانون‬ ‫مشروع‬
‫َّ‬ ‫َ‬
‫دوت‬ ‫ثم َّ‬
‫دينني رس�ميني يف اليابان‪ ،‬فاعرتض بعض األعضاء قائلني‪ :‬وأين اإلسلام؟ َّ‬
‫وشمال وطال�ت املباحثات يف ذلك ثالث�ة أ َّيا ٍم‪ ،‬وانتهت‬ ‫ٍ‬ ‫أص�وات املعارضة عن ٍ‬
‫يمني‬
‫اإلسلامي مع الدِّ ينني‬‫ِّ‬ ‫يضمنه االعرتاف بالدِّ ين‬ ‫ب�ر ِّد املرشوع إىل وزير املع�ارف حتَّى ِّ‬
‫فلـمـا ذاع هذا اخلرب‪،‬‬ ‫تم ذلك وصادق عليه الربلـمـ�ان‪َّ ،‬‬ ‫(الب�وذي واملس�يحي)‪ ،‬وقد َّ‬
‫ونرشت اجلرائد اليابان َّية ما دار من املناقشات فيه أخذ النَّاس يأتون إىل املسجد أفواج ًا‪،‬‬

‫‪123‬‬
‫ويطلبون من اجلمع َّية اإلسالم َّية يف طوكيو كتب ًا عن اإلسالم بال ُّلغة اليابان َّية(‪.)1‬‬
‫* * *‬
‫الش�يخ أمح�د إبراهيم ‪ -‬رمح�ه اهلل ‪ )2(-‬م�ن ال َّطاعنني يف اإلسلام من غري‬ ‫وق�ف َّ‬
‫املس�لمني موق�ف العزي�ز الكريم‪ ،‬فحينام انتهك�ت حرمة رس�ول اهلل ‪ -‬صىل اهلل عليه‬
‫وس�لم ‪ -‬يف مدرس�ة البن�ات ا َّلتي كان ي�درس فيها عىل ي�د ناظرهت�ا اإلنجليز َّية ا َّلتي‬
‫الرسول ‪ -‬صىل اهلل عليه وسلم‪-‬‬ ‫مسا بشخص َّ‬ ‫يتضمن ًّ‬
‫َّ‬ ‫وزعت كتاب ًا بال ُّلغة اإلنجليز َّية‬
‫َّ‬
‫وزعوه‪ ،‬أو عىل َم ْن‬ ‫غض�ب غضب� ًة مرضي ًة‪ ،‬وأقام القيامة عىل هذا الكتاب‪ ،‬وعلى َم ْن َّ‬
‫كبري(‪.)3‬‬
‫الشيخ ُب ْعدٌ ٌ‬ ‫أمروا بتوزيعه‪ ،‬وعزم عىل االستقالة‪ ،‬وكان للحادثة وإنكار َّ‬
‫* * *‬

‫الش�يخ حمم�د املراغ�ي ‪ -‬رمح�ه اهلل ‪ )4(-‬ينظ�ر قض َّي� ًة كبير ًة تتع َّل�ق بماليني‬
‫كان َّ‬

‫البيومي (‪.)43/1‬‬
‫(‪« )1‬النهضة اإلسالمية يف سري أعالمها املعارصين» للدكتور حممد رجب ّ‬
‫(‪ )2‬ولد َّ‬
‫الشيخ أمحد إبراهيم بك احلسيني ‪ -‬رمحه اهلل ‪ -‬يف القاهرة سنة (‪1874‬م)‪ ،‬ونشأ يف أرسة فاضلة‪،‬‬
‫فقد كان والده من علـمـاء األزهر‪ ،‬حفظ القرآن الكريم‪ ،‬ودرس العلوم الرشعية‪ ،‬واش�تغل بالعديد من‬
‫املناصب التعليمية يف مرص‪ ،‬وشارك يف العديد من اجلهات العلمية‪ .‬تويف سنة (‪1945‬م)‪.‬‬

‫(‪« )3‬أمحد إبراهيم بك فقيه العرص» للدكتور حممد عثامن شبري (ص ‪.)59‬‬

‫(‪ )4‬ولد َّ‬


‫الشيخ حممد مصطفى املراغي يف مديرية جرجا بمرص سنة (‪1881‬م)‪ .‬التحق باألزهر واتصل=‬

‫‪124‬‬
‫ولوح ل�ه أصحاهبا بآالف اجلنيه�ات إِ ْن ُح ِكم لصاحله�م‪ ،‬ورفض فألقوا‬
‫اجلنيه�ات‪َّ ،‬‬
‫نار فأصاب عنقه‪ ،‬ووصف املجرم وقبض عليه ونال العقاب‪.‬‬ ‫عليه ماء ٍ‬
‫لـمـا ط َّلق زوجته امللكة فريدة أراد‬ ‫وم�ن املحن ا َّلتي َّ‬
‫تعرض هلا َّ‬
‫أن امللك ف�اروق َّ‬
‫الزواج بع�ده‪ .‬ورفض اإلمام املراغي أن يص�در فتوى بذلك‪ .‬وذهب‬ ‫حي�رم عليه�ا َّ‬
‫أن ِّ‬
‫امللك إليه وكان يعالج يف مستش�فى املواس�اة‪ ،‬فقال كلمته املشهورة‪ :‬فأ َّما ال َّطالق فال‬
‫أرضاه‪ ،‬وأ َّما التَّحريم فال أملكه‪.‬‬
‫حيرم ما أحل‬ ‫الش�يخ‪َّ :‬‬
‫«إن املراغي ال يس�تطيع أن ِّ‬ ‫ولـمـا غلظ عليه فاروق صاح َّ‬
‫َّ‬
‫اهلل»(‪.)1‬‬
‫*‬ ‫*‬ ‫*‬

‫َد َر َس عبد القادر احلس�يني ‪ -‬رمح�ه اهلل ‪ )2(-‬يف اجلامعة األمريك َّية بالقاهرة‪ ،‬ونقم‬

‫َّ‬
‫=بالش�يخ حممد عبده‪ .‬نال ش�هادة العاملية س�نة (‪1904‬م)‪ .‬توىل القضاء يف املحكمة الرشعية‪ ،‬ومش�يخة‬
‫األزهر مرتني‪ .‬تويف سنة (‪1945‬م)‪ « .‬األزهر يف ألف عام» للدكتور حممد عبد املنعم خفاجي‪.‬‬

‫(‪« )1‬األزهر يف ألف عام» (‪ )375/2‬تأليف الدكتور حممد عبد املنعم خفاجي‪.‬‬

‫س يف اجلامعة‬
‫(‪ )2‬قائ�د م�ن ق�واد احلركات اجلهادية يف فلس�طني ما بين ع�ام (‪1931‬م ‪1935 -‬م)‪َ .‬د َر َ‬
‫األمريكية يف القاهرة‪ .‬أرس يف إحدى عملياته ضد القوات اإلنجليزية لكنه متكن من اهلرب إىل العراق‪=،‬‬

‫‪125‬‬
‫َّخرج للدُّ فعة األوىل ا َّلتي‬
‫الروح التَّنصري َّية االس�تعامر َّية فيها‪ ،‬وعند إقامة حفلة الت ُّ‬
‫عىل ُّ‬
‫السياسة‬
‫كبري من رجال ِّ‬
‫كان هو أحد أفرادها عام (‪1932‬م)‪ ،‬حرض هذا احلفل حشدٌ ٌ‬
‫والعلم‪ ،‬وذوي املكانة من املرص ِّيني واألجانب‪.‬‬

‫منصة‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫وعندم�ا ن�ودي عىل عبد القادر ليتس� َّلم ش�هادته‪ ،‬تقدَّ م‬
‫ووق�ار إىل َّ‬ ‫هب�دوء‬

‫مزقها إرب ًا عىل م�رأى من اجلميع‪،‬‬ ‫الرئاس�ة‪ ،‬وتس� َّلم ش�هادته من رئيس اجلامعة‪َّ ،‬‬
‫ث�م َّ‬ ‫ِّ‬
‫ٍ‬
‫ش�هادة من معهدكم‪ ،‬ا َّلذي هو معهدٌ‬ ‫ٍ‬
‫بحاجة إىل‬ ‫الرئيس قائالً‪ :‬لس�ت‬
‫ورصخ يف وجه َّ‬
‫تبشريي‪ ،‬وهتف لفلسطني وسط ذهول احلارضين ا َّلذين ما لبثوا أن قابلوه‬
‫ٌّ‬ ‫استعامري‬
‫ٌّ‬
‫ٍ‬
‫وبعاصفة من التَّصفيق احلا ِّد‪.‬‬ ‫ٍ‬
‫بحامس‪،‬‬
‫وقد س�حبت اجلامعة بعد ذلك ش�هادة احلس�يني‪ ،‬وق�ام هو بدوره بنشر ٍ‬
‫بيان يف‬

‫الصحف‪ ،‬يفضح فيه أساليب التَّنصري ا َّلتي تتبعها اجلامعة‪ ،‬وعداء رئيس اجلامعة‬
‫ُّ‬
‫(د‪ .‬شارلز واطسون) لإلسالم واملسلمني(‪.)1‬‬

‫*‬ ‫*‬ ‫*‬

‫ثم عاد إىل القدس سنة (‪1937‬م)‪ .‬استشهد يف إحدى العمليات ضد اليهود سنة (‪1948‬م)‪« .‬علـمـاء‬‫= َّ‬
‫الشام يف القرن العرشين» ملحمد النارص‪.‬‬

‫(‪« )1‬علـمـاء الشام يف القرن العرشين وجهودهم يف إيقاظ األمة والتصدي للتيارات الوافدة» بقلم حممد‬
‫حامد النارص (ص ‪.)374‬‬

‫‪126‬‬
‫مل يك�ن األس�تاذ حس�ن البن�ا ‪ -‬رمح�ه اهلل ‪ )1(-‬يتو َّق�ف ع�ن حتقيق فريض�ة األمر‬
‫يضم‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬
‫م�كان ُّ‬
‫جملس ُّ‬ ‫حيل به‪ ،‬وي�روى أنَّ�ه كان يف‬ ‫أي‬
‫باملع�روف والنَّه�ي ع�ن املنك�ر يف ِّ‬
‫األهلي ومدي�ر التَّعليم وطبي�ب البلدة وأه�م حكَّامه�ا‪ ،‬وكان اجلمع بمنزل‬
‫َّ‬ ‫الق�ايض‬
‫فلـمـا جاء دوري طلبت‬ ‫أكواب من َّ ٍ‬
‫ٍ‬ ‫عي‪ ،‬وجاء َّ‬
‫فضة‪ ،‬يقول‪َّ :‬‬ ‫الش�اي يف‬ ‫القايض الشرَّ ِّ‬
‫زجاج فقط‪ ،‬فنظر إ َّيل فضيلة القايض مبتس ًام‪ ،‬وقال‪ :‬أظنُّك ال تريد أن ترشب‬
‫ٍ‬ ‫كوب ًا من‬
‫وبخاص ٍة ونحن يف بيت القايض‪ ،‬فقال‪َّ :‬‬
‫إن املسألة‬ ‫َّ‬ ‫فض ٍة؟ قلت‪ :‬نعم‪،‬‬ ‫ألن الكوب من َّ‬ ‫َّ‬
‫كل ٍ‬
‫يشء حتَّى تتشدَّ د يف هذا املعنى‪ ،‬فقلت‪:‬‬ ‫طويل‪ ،‬ونحن مل نفعل َّ‬‫ٌ‬ ‫خالف َّي ٌة وفيها كال ٌم‬
‫ال يا موالنا‪ ،‬إنهَّ ا خالف َّي ٌة إلاَّ يف ال َّطعام والشرَّ اب‪ ،‬فاحلديث مت ٌ‬
‫َّفق عليه‪ ،‬والنَّهي شديدٌ ‪،‬‬
‫والفضة‪ ،‬وال تأكلوا‬
‫َّ‬ ‫َّبي ‪ -‬صىل اهلل عليه وسلم ‪ -‬يقول‪« :‬ال ترشبوا يف آنية َّ‬
‫الذهب‬ ‫والن ُّ‬
‫والفضة فإنَّام جيرجر يف بطنه نار‬
‫َّ‬ ‫يف صحافه�ا»‪ ،‬ويقول‪« :‬ا َّلذي يرشب يف آنية َّ‬
‫الذه�ب‬
‫أمرت بأن نرشب‬
‫َ‬ ‫َّص‪ ،‬وال مناص من االمتث�ال‪ ،‬وح َّبذا لو‬
‫جهنَّ�م»‪ ،‬وال قي�اس مع الن ِّ‬

‫الساعايت س�نة (‪1906‬م)‪ .‬ووالده َّ‬


‫الش�يخ أمحد البنا العامل املشهور‬ ‫(‪ )1‬ولد األس�تاذ حس�ن بن أمحد البنا َّ‬
‫ً‬
‫مدرس�ا يف‬ ‫الرباين يف ترتيب مس�ند اإلمام أمح�د»‪ .‬تلقى تعليمه يف مدارس مرص وخترج‬
‫صاح�ب «الفت�ح َّ‬
‫ثم انتقل إىل القاهرة‪ .‬أس�س مجاعة اإلخوان املسلمني وشارك يف الدعوة إىل‬
‫إحدى مدارس اإلسماعيلية‪َّ .‬‬
‫اهلل‪ .‬وكان له جهود يف نرصة قضايا املس�لمني‪ .‬اغتيل أمام مجعية الشبان املسلمني سنة (‪1949‬م)‪« .‬حسن‬
‫البنا» ألنور اجلندي‪.‬‬

‫‪127‬‬
‫ٍ‬
‫زجاج‪.‬‬ ‫ٍ‬
‫أكواب من‬ ‫مجيع ًا يف‬
‫َّص حمرت ٌم وعلين�ا االمتثال‪ ،‬فقلت له‬
‫ن�ص فالن ُّ‬
‫األهيل‪ :‬ما دام هناك ٌّ‬
‫ُّ‬ ‫ق�ال الق�ايض‬
‫َّص‬ ‫ٍ‬
‫ذه�ب والن ُّ‬ ‫مشير ًا إىل إصبع�ه‪ :‬وما دمت ق�د حكمت فاخلع ه�ذا اخلاتم فإنَّه من‬
‫عي‬
‫حيرمه‪ ،‬فابتس�م‪ ،‬فقال‪ :‬يا أس�تاذ‪ ،‬إنيِّ أحكم بقوانني نابليون وفضيلة القايض الشرَّ ِّ‬
‫ِّ‬
‫ومتس�ك بق�ايض الشرَّ يعة‪،‬‬ ‫ٍ‬ ‫والس�نَّة‪ٌّ ،‬‬
‫وكل منَّا مل�ز ٌم برشيعة‪ ،‬فدعني َّ‬ ‫حيك�م بالكت�اب ُّ‬
‫إن األم�ر إنَّام جاء للمس�لمني عا َّم ًة وأن�ت واحدٌ منهم‪ ،‬فهو يتَّج�ه إليك هبذا‬
‫فقل�ت‪َّ :‬‬
‫االعتبار‪ ،‬فخلع خامته!!(‪.)1‬‬
‫*‬ ‫*‬ ‫*‬
‫كان عب�د اهلل رساج ‪ -‬رمح�ه اهلل ‪َّ )2(-‬‬
‫حمل رعاية األمري عبد اهلل بن احلسين وثقته‪،‬‬
‫فأس�ند إليه رئاس�ة الوزراء األردن َّية عام (‪1348‬هـ)‪ ،‬وخالل رئاس�ته للوزارة جرى‬
‫َّرشيعي‪ ،‬وكان أهم إنجازات عبد اهلل رساج يف رئاس�ة‬
‫ِّ‬ ‫العمل عىل تأس�يس املجلس الت‬
‫الوزارة األردن َّية استصدار قانون منع بيع وتأجري األرايض لألجانب‪ ،‬فقد كان اليهود‬
‫يطمحون إىل رشاء أو اس�تئجار األرايض يف األردن الستيطان العائالت اليهود َّية هبا‪،‬‬
‫الرامية إىل االس�تيالء عىل األرايض العرب َّية رغب ًة يف أن يش�ملها وعد‬
‫امتداد ًا خلططهم َّ‬
‫بلفور املشئوم‪ .‬فكان هذا القانون طعن ًة نافذ ًة قضت عىل هذه املخ َّططات‪.‬‬
‫ويقول األستاذ حسني رساج‪:‬‬

‫(‪« )1‬حسن البنا الداعية اإلمام واملجدد الشهيد» (ص ‪ )46‬تأليف أنور اجلندي‪.‬‬

‫الرمحن رساج بمكة املكرمة س�نة (‪1296‬هـ)‪ ،‬وتلقى تعليمه فيها‪ .‬رحل‬ ‫(‪ )2‬ولد َّ‬
‫الش�يخ عبد اهلل بن عبد َّ‬
‫مر ًة أخرى‪َّ ،‬‬
‫ثم‬ ‫ثم اهلند َّ‬
‫ثم جاوت َّ‬
‫مع والده إىل مرص بعد أن نفي من مكة‪ .‬وبعد موت والده سافر إىل اهلند َّ‬
‫مر ًة أخرى وتقلد منصب اإلفتاء أيام حكم االحتاديني األتراك‪ .‬ش�ارك مع الرشيف احلسين‬ ‫رجع إىل مكة َّ‬
‫ثم رحل إىل األردن وصار رئيس ًا لوزرائها‪ .‬تويف سنة (‪1368‬هـ)‪« .‬أعالم احلجاز»‬ ‫يف ثورته ضد األتراك‪َّ .‬‬
‫ملحمد عيل مغريب‪.‬‬

‫‪128‬‬
‫املسمى‬
‫َّ‬ ‫اليهودي‬
‫ُّ‬ ‫أثناء رئاسة والدي َّ‬
‫الشيخ عبد اهلل رساج للوزارة األردن َّية حرض‬
‫كوهني مدير مرشوع روتنربج‪ ،‬وكنت أتولىَّ الترَّ مجة بينه وبني الوالد‪ ،‬وبينام كان كوهني‬
‫بعرض ٍ‬
‫مغر فيه ثرو ٌة طائل ٌة‪.‬‬ ‫ٍ‬ ‫هذا ينتظر اإلذن بالدُّ خول عىل والدي أخربين أنَّه جاء‬
‫ويقول األس�تاذ حسين رساج‪َّ :‬‬
‫حذرت كوهني هذا من غض�ب الوالد‪ ،‬فقال يل‪:‬‬
‫إنَّك ال تزال صغري ًا‪ .‬فقلت له‪ :‬إنَّك ال تزال قليل األدب‪.‬‬
‫أتم هذا اليهودي كالمه حتَّى‬
‫وأذن الوالد ملدير مرشوع روتنربج بمقابلته‪ ،‬وما إن َّ‬
‫كان الوال�د قد ضغط عىل اجل�رس‪ ،‬فحرض احلاجب‪ ،‬فأمره الوال�د أن يضع األصفاد‬
‫يف يد مدير مرشوع روتنربج‪ ،‬ويسير به خمفور ًا إىل أن يصل به إىل جرس اللنبي فيطرده‬
‫خارج األردن(‪.)1‬‬
‫*‬ ‫*‬ ‫*‬

‫للضيم‪،‬‬ ‫الش�يخ عب�د املجيد س�ليم ‪ -‬رمحه اهلل ‪ )2(-‬ل�ه صالب ٌة يف ِّ‬
‫احلق وإب�ا ٌء َّ‬ ‫كان َّ‬

‫(‪« )1‬أعالم احلجاز» (‪ )391/3‬تأليف حممد عيل مغريب‪.‬‬

‫الش�يخ عبد املجيد سليم س�نة (‪1882‬م)‪ .‬وخترج من األزهر عام (‪1908‬م)‪ .‬تتلمذ عىل َّ‬
‫الشيخ‬ ‫(‪ )2‬ولد َّ‬
‫حممد عبده‪ ،‬وش�غل وظائف التدريس والقضاء واإلفتاء ومش�يخة األزهر‪ .‬له عدة رس�ائل خمطوطة تويف‬
‫سنة (‪1954‬م)‪« .‬األزهر يف ألف عام» للدكتور حممد عبداملنعم خفاجي‪.‬‬

‫‪129‬‬
‫الش�يخ ‪ -‬وكان مفتي� ًا للدِّ يار املرص َّية ‪ -‬وصل إليه‬
‫املرشفة أن َّ‬
‫وممَّ�ا يذكر له من مواقفه ِّ‬
‫الراقصة يف قصور الكبار‪،‬‬ ‫سؤال من إحدى املجالَّت عن مدى رشع َّية إقامة احلفالت َّ‬ ‫ٌ‬
‫أن املجلة‬‫وقد محل رسالة املجلة إليه أحد أمناء الفتوى يف دار اإلفتاء‪َ ،‬و ُل ِف َت نظره إىل َّ‬
‫ال راقص ًا‬
‫وأن امللك ق�د أقام حف ً‬ ‫ا َّلت�ي طلبت الفتوى من املجلاَّت املعارضة للملك‪َّ ،‬‬
‫يف قرص عابدين‪ ،‬فالفتوى إذ ًا سياس� َّية‪ ،‬وليس مقصود ًا هبا بيان احلكم الدِّ ِّ‬
‫يني‪ ،‬وتريد‬
‫امللكي وصوالً‬
‫ِّ‬ ‫املج َّل�ة بذلك الوقيعة بينه وبني امللك‪ ،‬إىل جان�ب التَّعريض بالت ُّ‬
‫َّرصف‬
‫سيايس‪.‬‬ ‫ٍ‬
‫هدف‬ ‫إىل‬
‫ٍّ‬
‫فقال فضيلته‪ :‬وماذا يف ذلك؟ َّ‬
‫إن املفتي إذا سئل البدَّ أن جييب ما دام يعلم احلكم‪،‬‬
‫وأص�در املفت�ي فت�واه بحرمة هذه احلفلات‪ ،‬ونرشت املج َّل�ة الفتوى مؤ َّي�دة باألد َّلة‬
‫الشرَّ ع َّية‪.‬‬
‫وصمم امللك عىل االنتقام م�ن املفتي ا َّلذي‬
‫َّ‬ ‫وحدَّ ث�ت األزم�ة بني امللك واملفت�ي‪،‬‬
‫يايس‪.‬‬ ‫كانت فتواه سبب ًا يف إحراج موقفه ِّ‬
‫الس ِّ‬
‫امللكي الدَّ عوة إىل َّ‬
‫الش�يخ عبد املجيد س�ليم‬ ‫ُّ‬ ‫وجه الدِّ يوان‬
‫وعلى إث�ر هذه الفتوى َّ‬
‫حلض�ور صالة اجلمعة مع امللك يف مس�جد قرص عابدين‪ ،‬وه�و القرص ا َّلذي أقيم فيه‬
‫املخصص ل�ه‪ ،‬وحني حرض امللك‬
‫َّ‬ ‫الراقص‪ ،‬فذه�ب املفتي وجلس يف امل�كان‬
‫احلف�ل َّ‬
‫الصلاة وقف كب�ار املص ِّلني ملصافحة‬
‫األول‪ ،‬وبعد انتهاء َّ‬
‫�ف َّ‬‫بالص ِّ‬
‫جل�س يف مكان�ه َّ‬
‫اخيل للمسجد املؤ ِّدي‬
‫الصالة قبل أن يدخل إىل حديقة القرص من الباب الدَّ ِّ‬
‫امللك بعد َّ‬
‫إىل احلديقة‪ ،‬ووقف املفتي يف مكانه استعداد ًا هلذه املصافحة امللك َّية‪ ،‬وكان ُّ‬
‫كل َم ْن يأيت‬
‫عليه الدَّ ور للمصافحة يرفع يده قبل أن يدركه امللك استعداد ًا ملصافحته‪ ،‬لكن َّ‬
‫الشيخ‬
‫عبد املجيد س�ليم هدته فطرته اإليامن َّية إىل عدم رفع يده‪ ،‬وكانت ن َّية امللك أن يرتك يد‬
‫َّ‬
‫الشيخ ممدود ًة للمصافحة دون أن يصافحه‪ ،‬ويكون يف ذلك عقابه واالنتقام منه‪ ،‬لكن‬

‫‪130‬‬
‫إيامن َّ‬
‫الشيخ أنقذه(‪.)1‬‬
‫*‬ ‫*‬ ‫*‬
‫الوهاب ب�ن زاحم ‪ -‬رمح�ه اهلل ‪ )2(-‬قو ًّي�ا يف األمر‬ ‫كان َّ‬
‫الش�يخ عب�د اهلل ب�ن عب�د َّ‬
‫باملع�روف ال خي�اف يف اهلل لومة الئ ٍم‪ ،‬ولكلمته نفو ٌذ‪ ،‬ح�اول أن يزيل زخرفة األتراك‬
‫َّبوي ويضع عليها رخام ًا ويمحو النُّقوش�ات والكتابات امللهية للمص ِّلني‬
‫يف احل�رم الن ِّ‬
‫في�ه وذل�ك بات ٍ‬
‫ِّفاق م�ع علـمـاء املدينة‪ ،‬واستش�ار احلكوم�ة فوافق�ت‪ ،‬ولكنَّه فوجئ‬
‫وج�والت‪ ،‬وأبرقوا برق َّي�ات للحكومة‬
‫ٌ‬ ‫ص�والت‬
‫ٌ‬ ‫ٍ‬
‫بمعارض�ات‪ ،‬وص�ار للمعارضني‬
‫ضج ًة وتشويش ًا فمنعته احلكومة عماَّ كان بصدده لتهدئة احلال(‪.)3‬‬
‫أحدثت َّ‬
‫* * *‬

‫العثامين واحلجاب‬
‫ِّ‬ ‫الز ِّي‬
‫صدر قانون األزياء يف عام (‪1925‬م) حرم بموجبه لبس ِّ‬

‫(‪ )1‬موقع «الشبكة اإلسالمية» إعداد‪ :‬ربيع حممود‪.‬‬

‫الش�يخ عبد اهلل بن عبد الوهاب بن زاحم س�نة (‪1300‬هـ)‪ ،‬وأخذ العلم عن َّ‬
‫الشيخ إبراهيم ابن‬ ‫(‪ )2‬ولد َّ‬
‫الرياض وأخذ عن علـمـائها‪ ،‬والزم َّ‬
‫الش�يخ عبد اهلل العنقري يف س�دير‪ ،‬وقد عرف‬ ‫عيس�ى‪ ،‬ورح�ل إىل ِّ‬
‫بالعب�ادة والعل�م‪ ،‬وحس�ن اخللق والقوة يف األم�ر باملعروف والنه�ي عن املنكر‪ .‬تويف س�نة (‪1374‬هـ)‪.‬‬
‫«علـمـاء نجد»‪.‬‬

‫(‪« )3‬روضة الناظرين» (‪ )17/2‬لعثامن القايض‪.‬‬

‫‪131‬‬
‫يب ولبس القبعة‪.‬‬
‫والز َّي األورو َّ‬
‫السفور ِّ‬
‫للنِّساء‪ ،‬وفرض ُّ‬
‫الزمان النوريس ‪ -‬رمحه اهلل ‪ )1(-‬ال يزال حمتفظ ًا بمالبسه وعاممته‬
‫ولـمـا كان بديع َّ‬
‫َّ‬
‫خالف ًا لقانون األزياء‪ ،‬فقد اس�تدعاه الوايل (مدحت آلتي اوق) وايل «قس�طموين» إىل‬
‫مقر الوايل حيي�ط به رجال الشرُّ طة‪ ،‬وكان ثائر ًا‪،‬‬
‫الزمان إىل ِّ‬
‫س�مي‪ ،‬فجاء بديع َّ‬
‫ِّ‬ ‫الر‬
‫مقره َّ‬
‫ِّ‬
‫أن أحده�م ح�اول نزع عاممت�ه يف ال َّطريق‪ ،‬ودخ�ل إىل غرفة ال�وايل قائ ً‬
‫ال له‬ ‫وال َّظاه�ر َّ‬
‫حاجز ٍ‬
‫رقيق بيننا وبني املوت ا َّلذي ختشونه‪،‬‬ ‫ٍ‬ ‫بحدَّ ٍة‪ :‬اسمع يا مدحت‪ ،‬ليس هناك سوى‬
‫حتب من‬ ‫فإذا اقتحمنا هذا احلاجز مل يبق هناك يش ٌء يمكن اخلشية منه‪ ،‬لذلك خَّ‬
‫فاتذ ما ُّ‬
‫إجراءاتك القانون َّية‪.‬‬
‫ٍ‬
‫بالغ�ة وصلت أصابعه إىل‬ ‫ٍ‬
‫وبصعوبة‬ ‫اصف�ر وج�ه الوايل‪ ،‬وارتبك ومل جي�د جواب ًا‪،‬‬
‫َّ‬
‫اجل�رس املوضوع عىل مكتبه ليضغط عليه مس�تدعي ًا رجاله ليأخ�ذوا بديع َّ‬
‫الزمان إىل‬
‫بيته‪ ،‬دون أن جيرس وهو الوايل املشهور بفظاظته وقسوته بمطالبة األستاذ بتبديل قيافته‪.‬‬
‫ويف أنقرة يطلبه الوايل (نوزاد طان دوغان) حيث جتري بينهام مناقش� ٌة حول ز ِّيه‪،‬‬
‫شخص ٍ‬
‫منزو‪،‬‬ ‫ٌ‬ ‫إذ حياول الوايل تبديل ز ِّيه َقسرْ ًا‪ ،‬فريد عليه األستاذ بديع َّ‬
‫الزمان من أنَّه‬

‫وإن هذه العاممة ال ترفع إلاَّ مع هذا َّ‬


‫الرأس مشير ًا إىل‬ ‫وإن قان�ون األزي�اء ال يش�مله‪َّ ،‬‬
‫َّ‬
‫عنقه(‪.)2‬‬

‫(‪ )1‬ول�د س�عيد الن�وريس ‪ -‬رمح�ه اهلل ‪ -‬يف قرية ن�ورس إحدى قرى قض�اء خيزان التاب�ع لوالية بتليس‬
‫رشق األناض�ول س�نة (‪1293‬هـ) املواف�ق (‪1873‬م)‪ ،‬ذاع صيته منذ ش�بابه‪ ،‬يف س�نة (‪1912‬م) وقبيل‬
‫نشوب حرب البلقان عينِّ قائد ًا للقوات الفدائية ا َّلتي تشكلت من املتطوعني املسلمني القادمني من رشق‬
‫األناضول تويف يف اخلامس والعرشين من رمضان سنة (‪1379‬هـ) املوافق (‪1959‬م)‪.‬‬

‫الربانيني» مجع وترتيب الدكتور سيد بن حسني=‬


‫(‪« )2‬زهرة البساتني من مواقف العلـمـاء َّ‬

‫‪132‬‬
‫الزمان النّوريس أسير ًا بيد ُّ‬
‫الروس دخل ذات يو ٍم إىل معس�كر‬ ‫ولـمـ�ا وقع بديع َّ‬
‫َّ‬
‫الزمان‪ .‬فنظ�ر إليه القائد‬
‫رويس‪ ،‬فق�ام إلي�ه مجيع األرسى ما ع�دا بديع َّ‬
‫ٌّ‬ ‫األرسى قائ�دٌ‬

‫الزمان‪ :‬بل أعرف�ك‪ ،‬إنَّك ذلك ا َّل�ذي تدعى‪:‬‬


‫قائلاً‪ :‬لع َّل�ك ال تعرفن�ي! فقال بدي�ع َّ‬

‫نقوال‪ ،‬فقال القائد‪ :‬إذن‪ ،‬فأنت تس�تهني بعظمة روسيا‪ ،‬فقال‪ :‬ليس كذلك‪ ،‬ولك َّن اهلل‬

‫ا َّلذي أؤمن به قىض أن يكون املؤمنون أعىل من غريهم‪ ،‬وهذا يمنعني من القيام‪.‬‬

‫وكان نتيجة ذلك أن حكم عليه باإلعدام‪ ،‬وحينام جيء به للتَّنفيذ‪ ،‬فوجئ بالقائد‬
‫نفسه يتقدَّ م إليه قائالً‪ :‬إنيِّ ُأ ُّ‬
‫جل فيك هذا الدِّ ين ا َّلذي َّ‬
‫أعزك إىل هذا احلدِّ ‪ ،‬وعفا عنه‪.‬‬

‫مر ٍة يف إس�طنبول بمفتي الدِّ ي�ار املرص َّية العلاَّ مة حممد‬


‫الزمان ذات َّ‬
‫والتق�ى بدي�ع َّ‬

‫الزمان‬ ‫وجه َّ‬


‫الش�يخ بخي�ت إىل بديع َّ‬ ‫ثم َّ‬ ‫حديث ٌ‬
‫طويل‪َّ ،‬‬ ‫ٌ‬ ‫بخي�ت املطيع�ي‪ ،‬ودار بينهما‬

‫السؤال‪ :‬ما قولكم بالدَّ ولة العثامن َّية واألُ َّمة األوروب َّية؟ فأجابه بديع َّ‬
‫الزمان بال ُّلغة‬ ‫هذا ُّ‬
‫إن أوروبا اليوم حاملة اإلسلام‪ ،‬وس�تلده يوم ًا ما‪ ،‬والدَّ ول�ة العثامن َّية حاملة‬
‫العرب َّي�ة‪َّ :‬‬

‫اب ال‬ ‫الشيخ املطيعي معجب ًا‪َّ :‬‬


‫إن مثل هذا َّ‬
‫الش ِّ‬ ‫بالنَّهج األورويب وستلده يوم ًا ما‪ ،‬فقال َّ‬

‫إن جواب ًا وجيز ًا بليغ ًا صادق ًا مثل هذا اجلواب ال ينطق به إلاَّ من كان مثل بديع‬
‫يناظر‪َّ ،‬‬

‫الزمان(‪.)1‬‬
‫َّ‬

‫*‬ ‫*‬ ‫*‬

‫= العفاين (‪.)591/2‬‬

‫(‪« )1‬صفحات مرشقة من تاريخ أعالم األمة» تصنيف عبده عيل كوشك (ص‪.)676‬‬

‫‪133‬‬
‫الشيخ عبد الكريم صاعقة ‪ -‬رمحه اهلل ‪ )1(-‬ال يتو َّقف عن أمره باملعروف وهنيه‬
‫كان َّ‬
‫الصوفية ا َّلذين يذكرون ويرقص�ون ويقومون باألوراد‬
‫ع�ن املنكر‪ ،‬فأنكر عىل بع�ض ُّ‬
‫ِّ�ي وعاونه يف ذلك رفاق�ه عمر محدان وش�عيب املك ِِّّي ورافقهم‬‫البدع َّي�ة يف احل�رم املك ِّ‬
‫بأمر من الشرَّ يف حسني‪ .‬وكان يف جملس أحد أفراد العائلة احلاكمة‪ ،‬فأنكر عليه خِّاتاذه‬ ‫ٍ‬
‫الش�يخ‪ ،‬ونصح‬ ‫ٍ‬
‫حرب‪ ،‬فكاد أن يقتله‪ ،‬فأجاره أحد أحفاد آل َّ‬ ‫النِّس�اء جواري من غري‬
‫الس�لطات العثامن َّية َم ْن‬‫ال ذهب إىل الكويت‪ ،‬فأرس�لت إليه ُّ‬ ‫الش�يخ أن ال يبق�ى‪ ،‬وفع ً‬
‫َّ‬
‫الشيخ قصري القامة فقتله‪ ،‬وأنجى اهلل َّ‬
‫الشيخ(‪.)2‬‬ ‫ال يس ُّبه َّ‬
‫يقتله‪ ،‬فرأى القاتل رج ً‬
‫*‬ ‫*‬ ‫*‬

‫بع�ض العلـمـ�اء َّ‬


‫الش�يخ عب�د املحس�ن األس�طواين‬ ‫يف عه�د االنت�داب زار ُ‬

‫(‪ )1‬ولد َّ‬


‫الشيخ عبد الكريم بن عباس آل الوزير املعروف بصاعقة يف بغداد سنة (‪1285‬هـ) من أرسة من‬
‫كالشيخ نعامن األلويس َّ‬
‫والشيخ حممود‬ ‫أرشاف احلسينية نزحت من اليمن‪ .‬أخذ العلم عن علـمـاء بغداد َّ‬
‫شكري األلويس ورحل إىل احلجاز والشام واهلند لطلب العلم‪ .‬وكان من علـمـاء احلديث املشهورين يف‬
‫العراق‪ .‬تويف سنة (‪1379‬هـ)‪ .‬موقع «ملتقى أهل احلديث»‪.‬‬

‫(‪ )2‬موقع «ملتقى أهل احلديث»‪.‬‬

‫‪134‬‬
‫األم�وي للدُّ عاء‪ ،‬وكانت ال َّطائرات‬
‫ِّ‬ ‫َّوجه للجامع‬
‫‪ -‬رمح�ه اهلل ‪ )1(-‬يطلبون إليه الت ُّ‬
‫والعدو‬
‫ُّ‬ ‫الفرنس َّية ترضب املدينة‪ ،‬فانتهرهم وقال‪ :‬الدُّ عاء عىل األعداء صنيع املقعدين‪،‬‬
‫السالح‪.‬‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬
‫بحاجة إىل مقاومة‪ ،‬فإىل ِّ‬
‫وزاره يف بيت�ه رئي�س اجلمهورية عام (‪1936‬م) يف بداية عهد االس�تقالل‪ ،‬وكان‬
‫وحذرهم من خِّاتاذ‬
‫معه أقطاب الكتلة الوطن َّية‪ ،‬وطلبوا نصحه وإرش�اده‪ ،‬فنصح هلم‪َّ ،‬‬
‫الس ِّيئة ا َّلتي ُّ‬
‫ترض هبم‪ ،‬وتعني املستعمر عليهم‪.‬‬ ‫البطانة َّ‬
‫ثم تبعه اآلخرون‪ ،‬وكان‬ ‫فلـمـا أتم حديثه أخذ س�عد اجلابري يدَ َّ‬
‫الش�يخ فق َّبلها‪َّ ،‬‬ ‫َّ‬
‫ذل معصية اهلل‬ ‫ٍ‬
‫س�لطان فليخرج من ِّ‬ ‫ٍ‬
‫عشيرة‪ ،‬وهيب ًة بال‬ ‫عزا بال‬ ‫َّ‬
‫الش�يخ يقول‪ :‬من أراد ًّ‬
‫عز طاعته‪.‬‬
‫إىل ِّ‬
‫ٍ‬
‫حلظة فيها متح ِّفظ� ًا بذاكرته‬ ‫ظل إىل آخ�ر‬ ‫ٍ‬
‫س�نوات َّ‬ ‫الش�يخ مائة ٍ‬
‫س�نة وثامين‬ ‫عاش َّ‬
‫العجيبة‪ ،‬ومل يلزم البيت إلاَّ يف َّ‬
‫السنتني األخريتني من عمره‪.‬‬
‫الس�تِّني‪ ،‬وأنَّه كان‬
‫س�ئل عن س�بب طول عمره‪ ،‬فقال‪ :‬إنَّه طوى الفراش منذ بلغ ِّ‬
‫قلي�ل األكل‪ ،‬يتن�اول وجبتين خفيفتني َّ‬
‫كل ي�و ٍم‪ ،‬إحدامها يف َّ‬
‫الصب�اح‪ ،‬واألخرى يف‬
‫املساء‪ ،‬ال يأكل بينهام طعام ًا‪ ،‬وأنَّه ينام مبكر ًا بعد العشاء اآلخرة عىل الغالب‪ ،‬ويستيقظ‬
‫الفجر‪ ،‬وأنَّه يقول ألهله‪ :‬ال ختربوين عن أخبار البيت املزعجة(‪.)2‬‬
‫*‬ ‫*‬ ‫*‬

‫الش�يخ عب�د املحس�ن ب�ن عبد الق�ادر األس�طواين ‪ -‬رمح�ه اهلل ‪ ،-‬علاَّ مة فقي�ه‪ ،‬أحد جهاب�ذة العلم‬
‫(‪َّ )1‬‬
‫واألدب‪ ،‬ولد يف دمشق عام (‪1275‬هـ) املوافق (‪1859‬م) من أرسة أنجبت العلـمـاء ترجع أصوهلا إىل‬
‫ثم عىل علـمـاء دمش�ق‪ ،‬شغل أمانة الفتوى عند ستة‬ ‫جبل نابلس يف فلس�طني‪ ،‬طلب العلم أو ً‬
‫ال عىل أبيه‪َّ ،‬‬
‫ثم عينِّ رئيس ًا للمجلس‪.‬‬
‫من مفتيي الشام‪ ،‬اختاره امللك فيصل عضو ًا يف جملس الشورى سنة (‪1919‬م) َّ‬
‫تويف يف دمشق سنة (‪1383‬هـ) املوافق (‪1963‬م)‪ ،‬ودفن بمقربة الباب الصغري‪.‬‬

‫(‪« )2‬صفحات مرشقة من تاريخ أعالم األمة» لعبده عيل كوشك (ص‪.)692‬‬

‫‪135‬‬
‫الض َّباط بفرح سيد قطب‬
‫يف خرب مقتل سيد قطب ‪ -‬رمحه اهلل ‪ :)1(-‬وأعجب أحد ُّ‬
‫وتعج�ب؛ ألنَّه مل حيزن‬
‫َّ‬ ‫وس�عادته عند سماعه نبأ احلك�م عليه باإلعدام ‪َّ -‬‬
‫الش�هادة ‪-‬‬
‫ويكتئ�ب وحيب�ط‪ ،‬فس�أله قائالً‪ :‬أنت تعتقد أنَّك س�تكون ش�هيد ًا‪ ،‬فام معنى «ش�هيد»‬
‫الشهيد هو ا َّلذي يقدم شهاد ًة من روحه ودمه َّ‬
‫أن دين‬ ‫عندك؟ أجابه سيد قطب قائالً‪َّ :‬‬
‫اهلل أغىل عنده من حياته‪ ،‬ولذلك يبذل روحه وحياته فدا ًء لدين اهلل‪.‬‬
‫كل املساومات أن يقول َّ‬
‫إن هذه احلركة كانت عىل‬ ‫الرجل سيد قطب عىل ِّ‬ ‫واستعىل َّ‬
‫ٍ‬
‫بجه�ة ما ويفرج عنه بدالً من اإلعدام‪ ،‬فق�ال‪ :‬واهلل لو كان هذا الكالم صحيح ًا‬ ‫ٍ‬
‫صل�ة‬
‫ق�و ٌة عىل وجه األرض أن متنعني من قول�ه‪ ،‬ولكنَّه مل حيدث‬
‫لقلت�ه‪ ،‬ولـمـا اس�تطاعت َّ‬
‫وأنا ال أقول كذب ًا أبد ًا‪.‬‬
‫رضا وال نفع ًا‪َّ ،‬‬
‫وأن األعامر بيد اهلل‪،‬‬ ‫قال ألخته محيدة‪ :‬إنهَّ م ال يستطيعون ألنفسهم ًّ‬
‫وهم ال يستطيعون التَّحكُّم يف حيايت‪ ،‬وال يستطيعون إطالة األعامر وال تقصريها‪ُّ ،‬‬
‫كل‬

‫(‪ )1‬ولد س�يد قطب بن إبراهيم يف س�نة (‪1324‬هـ) املوافق (‪1906‬م) يف قرية موش�ا يف أس�يوط‪ ،‬وهو‬
‫مفك�ر إسلامي مصري‪ ،‬خترج يف كلي�ة دار العلوم بالقاهرة س�نة (‪1353‬ه�ـ) املواف�ق (‪1934‬م)‪ُ ،‬عينِّ‬
‫مدرس� ًا للعربية‪ ،‬فموظف ًا يف ديوان وزارة املعارف‪ ،‬انضم إىل اإلخوان املسلمني‪ ،‬فرتأس قسم نرش الدعوة‬
‫وسجن معهم‪ .‬تويف سنة (‪1387‬هـ) املوافق (‪1966‬م)‪« ..‬األعالم» خلري الدين الزركيل‪.‬‬

‫‪136‬‬
‫ذلك بيد اهلل‪ ،‬واهلل من ورائهم ٌ‬
‫حميط‪.‬‬
‫عندما طلب منه االعتذار مقابل إطالق رساحه قال‪ :‬لن أعتذر عن العمل مع اهلل‪،‬‬
‫بعز ٍة‪ ،‬وقال‪َّ :‬‬
‫إن‬ ‫وعندما طلب منه كتابة كلـمـات يسرتحم (عبد النَّارص) رفض ذلك َّ‬
‫الصالة َليرَ فض أن يكتب حرف ًا ُّ‬
‫يقر به حكم‬ ‫الس� َّبابة ا َّلذي يش�هد بالوحدان َّية يف َّ‬
‫أصبع َّ‬
‫ٍ‬
‫طاغية‪.‬‬
‫بحق فأنا أقبل حكم‬ ‫وق�ال ر ًّدا عىل ذلك ال َّطلب‪ :‬لـمـاذا أسترحم؟ ْ‬
‫إن س�جنت ٍّ‬
‫ٍ‬
‫بباطل فأنا أكرب من أن أسرتحم الباطل(‪.)1‬‬ ‫احلق‪ ،‬وإن سجنت‬
‫ِّ‬
‫*‬ ‫*‬ ‫*‬

‫دعا أحد أعضاء جملس ال َّثورة يف مرص إىل مساواة اجلنسني يف املرياث‪َّ ،‬‬
‫ولـمـا علم‬
‫َّ‬
‫الش�يخ حممد اخلرض حسين ‪ -‬رمحه اهلل ‪ )2(-‬بذلك اتَّصل هبم وأنذرهم إن مل يرتاجعوا‬

‫الربانيني» للدكتور سيد بن حسني العفاين (‪.)192/3‬‬


‫(‪« )1‬زهرة البساتني من مواقف العلـمـاء َّ‬
‫الش�يخ حمم�د اخلرض بن احلسين التونيس يف تونس س�نة (‪1293‬هـ)‪ .‬التحق بجامع�ة الزيتونة‬ ‫(‪ )2‬ول�د َّ‬
‫ثم‬
‫ودرس على علـمـ�اء بل�ده‪ .‬ع�رف بالغرية عىل الدين وفضح أس�اليب االس�تعامر‪ .‬س�افر إىل دمش�ق َّ‬
‫مرص فرار ًا من حكم اإلعدام‪ .‬اشترك يف عضوية هيئات ومجعيات إسلامية‪ ،‬توىل مش�يخة األزهر س�نة‬
‫(‪1371‬هـ)‪ .‬تويف سنة (‪1387‬هـ)‪« .‬من أعالم احلركة والدعوة اإلسالمية املعارصة» لعبد اهلل العقيل‪.‬‬

‫‪137‬‬
‫الشعب لزلزلة احلكومة العتدائها عىل حك ٍم من‬
‫عن ما قيل فإنَّه سيلبس كفنه ويستنفر َّ‬
‫أحكام اهلل‪ ،‬فكان له ما أراد(‪.)1‬‬
‫*‬ ‫*‬ ‫*‬

‫الش�يخ عثمان القايض يف ترمجة َّ‬


‫الش�يخ عبد اهلل القرع�اوي ‪ -‬رمحه اهلل ‪:)2(-‬‬ ‫قال َّ‬

‫الصالة س�اقهم إىل املس�جد معه عصاه‪ ،‬ومتى رأين�اه مقب ً‬


‫ال ونحن يف‬ ‫وإذا ح�ان وقت َّ‬

‫طفولتنا ينذر بعضنا بعض ًا‪ :‬جاءكم القرعاوي فنهرب ويرسل علينا عصاه‪ ،‬وهذا دأبه‬

‫وخت�رج عليه َّقراء مهرةٌ‪ ،‬وإذا قيل له‪ :‬اكفف عن‬ ‫ٍ‬
‫ورش�د‪،‬‬ ‫طول بقائه بعنيزة داعية ٍ‬
‫خري‬
‫َّ‬
‫قادر عىل اإلنكار باليد‪ ،‬ويف «الصحيح»‪َ « :‬م ْن‬
‫الضرَّ ب لتس�لم من أذ َّيتهم جييب بأنَّني ٌ‬

‫(‪« )1‬من أعالم احلركة والدعوة اإلسالمية املعارصة» (ص ‪ )633‬تأليف عبد اهلل العقيل‪.‬‬

‫الش�يخ عبد اهلل بن حممد القرعاوي يف عنيزة س�نة (‪1315‬هـ)‪ ،‬وأخ�ذ العلم عن علـمـاء بلده‪،‬‬ ‫(‪ )2‬ول�د َّ‬
‫ورح�ل إىل بري�دة والرياض واإلحس�اء واهلن�د وغريها‪ ،‬وأخذ ع�ن علـمـاء تلك البلاد‪ .‬توجه إىل بالد‬
‫اجلنوب للدعوة إىل اهلل تعاىل‪ ،‬وصار له فيها جهود طيبة‪ ،‬فأنشأ املدارس‪ ،‬ونرش العلم واخلري‪ ،‬وخترج عىل‬
‫يديه األلوف من طالب العلم‪ .‬تويف سنة (‪1389‬هـ)‪« .‬علـمـاء نجد»‪.‬‬

‫‪138‬‬
‫رأى منك�م منك�ر ًا فليغيرِّ ه بي�ده‪ ،»..‬وكان إذا طلع الفجر يقوم فيق�رع ُب ُيوت جريانه‪:‬‬

‫عال وقر ٍع للباب حتَّى يس�تيقظوا‪،‬‬ ‫ٍ‬


‫بصوت ٍ‬ ‫خري من النَّوم‬
‫الصالة ٌ‬
‫الصلاة‪َّ ،‬‬
‫قوم�وا إىل َّ‬

‫الراعي غنمه‪،‬‬
‫ويظهر إىل خارج البلد‪ ،‬فمن رآه س�اقه إىل املس�جد بالعصا كام يس�وق َّ‬
‫وحمبوب عند‬
‫ٌ‬ ‫ومت�ى مل يمتثل�وا رضهبم أو رف�ع هبم إىل احلاكم‪ ،‬ول�ه كلم ٌة مس�موع ٌة‪،‬‬

‫اخل�اص والعا ِّم‪ ،‬ولقد أوذي يف س�بيل ه�ذه الدَّ عوة فصرب وصاب�ر‪ ،‬ومل يثنه عن عزمه‬
‫ِّ‬

‫والس�فهاء‪ ،‬ووقوفهم أمام�ه حجر عثرة‬


‫يف االس�تمرار بالدَّ ع�وة ما ينال�ه من األرشار ُّ‬
‫ﱫﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ‬
‫يش�جعونه ويس� ُّلونه ﱫ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ‬
‫ِّ‬ ‫ﭜ ﱪ [التوب�ة‪ ]32:‬وله عىل ِّ‬
‫احلق أعوان‬

‫ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﱪ [فصلت‪.)1( ]43:‬‬

‫*‬ ‫*‬ ‫*‬

‫الش�يخ محد بن محني يف َّ‬


‫الش�يخ حممد ب�ن إبراهيم ‪ -‬رمح�ه اهلل ‪ :-‬أتاه يف أحد‬ ‫ق�ال َّ‬

‫خطاب ذكر له فيه بعض املنكرات‪ ،‬فأصبح من الغد مهموم ًا‪ ،‬وس�معته يقول‪:‬‬
‫ٌ‬ ‫األ َّي�ام‬

‫مل أنم طول ال َّليل من ِّ‬


‫الضيق(‪.)2‬‬

‫*‬ ‫*‬ ‫*‬

‫(‪« )1‬روضة الناظرين» (‪ )42/2‬لعثامن القايض‪.‬‬

‫(‪« )2‬سرية سامحة َّ‬


‫الشيخ حممد بن إبراهيم» للشيخ فهد احلمني (ص ‪.)26‬‬

‫‪139‬‬
‫ندوة إسلام َّي ٍة كربى بإحدى العواصم‬
‫الش�يخ أبو زهرة ‪ -‬رمحه اهلل ‪ )1(-‬إىل ٍ‬
‫ُد ِعي َّ‬
‫العرب َّي�ة ا َّلت�ي اش�تهرت بال َّثور َّي�ة‪ ،‬وكان ضيوف النَّدوة م�ن كبار العلـمـ�اء يف العامل‬
‫اإلسلامي‪ .‬أراد حاك�م هذه الدَّ ولة أن جيعله�م يؤ ِّيدون ما يذهب إلي�ه‪ ،‬ويوم افتتاح‬
‫ِّ‬
‫ليقرر‬
‫النَّ�دوة حرض رئيس الدَّ ولة ليلقي كلمة االفتتاح‪ ،‬ويقول إنَّه دعا إىل هذه النَّدوة ِّ‬
‫الرأي‪.‬‬
‫اإلسالمي‪ ،‬وأن يدافعوا عن هذا َّ‬
‫ُّ‬ ‫أن االشرتاكي َّة هي املذهب‬
‫العلـمـاء َّ‬
‫الرئيس عبس�ت الوج�وه‪ ،‬وتكدَّ رت النُّف�وس‪ ،‬ومل يتقدَّ م أح�دٌ ليع ِّلق‬
‫بع�د كلمة َّ‬
‫الش�يخ أبو زهرة طلب الكلم�ة‪ ،‬واتجَّ ه إىل املنرب وقال‬
‫الرئيس‪ ،‬ولكن َّ‬
‫على ما قاله هذا َّ‬
‫ٍ‬
‫بش�جاعة منقطعة النَّظري‪ :‬نحن علـمـاء اإلسلام وفقهاؤه‪ ،‬وقد جئن�ا إىل هذه النَّدوة‬
‫السياس� ُّيون‪ ،‬وم�ن واجب رجال‬
‫لنق�ول كلمة اإلسلام كما نراها نحن ال كما يراها ِّ‬
‫متخصص�ون فامهون‪ ،‬ال ختدعهم‬
‫ِّ‬ ‫السياس�ة أن يس�تمعوا للعلـمـاء‪ ،‬وأن يعرفوا أنهَّ م‬
‫ِّ‬
‫س�مى باالشتراك َّية‪ ،‬فرأوا اإلسلام أعلى قدر ًا‪،‬‬
‫الب�وارق املرضي�ة‪ ،‬وقد درس�وا ما ُي َّ‬
‫وأس�مى اجتاه ًا من أن ينحرص يف نطاقها‪ ،‬وس�يصدر املجتمع�ون رأهيم كام يعتقدون‪،‬‬

‫الش�يخ حمم�د بن أمحد أبو زهرة يف مدينة املحلة الكربى بمرص س�نة (‪1316‬ه�ـ)‪ .‬حفظ القرآن‬‫(‪ )1‬ول�د َّ‬
‫ثم التحق بمدرس�ة القضاء الرشع�ي حيث حصل عىل عاملي�ة القضاء الرشعي‪.‬‬ ‫الكري�م ومب�ادئ العلم‪َّ ،‬‬
‫توىل تدريس العلوم الرشعية يف عدد من اجلامعات‪ .‬طبع العديد من الكتب يف خمتلف الفنون‪ .‬تويف س�نة‬
‫(‪1397‬هـ)‪« .‬من أعالم احلركة والدعوة اإلسالمية» لعبد اهلل العقيل‪.‬‬

‫‪140‬‬
‫الشيخ إىل زمالئه‬ ‫ثم توجه َّ‬‫السياسة‪ ،‬فهم أولو األمر يف هذا املجال‪َّ ،‬‬
‫ال كام يريد رجال ِّ‬
‫قائلاً‪ :‬هل فيكم من خيالف؟ فرأى اإلمجاع منعقد ًا عىل تأييده فقال‪ :‬احلمد هلل َأ ْن و َّفق‬
‫علـمـاء املسلمني إىل ما يريض اهلل ورسوله‪.‬‬
‫تس�تمر النَّدوة يف انعقادها أسبوع ًا كام كان‬
‫َّ‬ ‫وبعد موقف َّ‬
‫الش�يخ حممد أبو زهرة‪ ،‬مل‬
‫املقرر هلا قبل‪ ،‬بل كان حفل االس�تقبال هو حفل اخلتام ‪ -‬كام يقول الدُّ كتور حممد‬
‫من َّ‬
‫رجب البيومي ‪.-‬‬
‫للش�يخ العلاَّ مة أبو زه�رة ‪ -‬رمحه اهلل ‪ ،-‬عندم�ا عرض فيلم‪:‬‬
‫وه�ذا موق�ف آخر َّ‬
‫«ظه�ور اإلسلام» املأخوذ عن كتاب «الوعد احلق» لطه حسين‪ ،‬دع�ا بعض ال ُكتَّاب‬
‫عامل ٍ‬
‫تأثري يف النُّفوس‪ ،‬وأقيمت ندو ٌة‬ ‫الشاش�ة باعتبارها َ‬
‫َّبوي عىل َّ‬
‫إىل متثيل العرص الن ِّ‬
‫أدب َّي� ٌة لتدعي�م هذا االتجِّ اه‪ ،‬ومل جيرؤ املن ِّظمون هلا عىل دعوة َّ‬
‫الش�يخ أبو زهرة خوف ًا من‬
‫معارضته‪ ،‬ولكنَّه سعى إىل النَّدوة مستمع ًا‪ ،‬وبعد أن تبارى املشاركون يف احلديث عن‬
‫واضطر‬
‫َّ‬ ‫وأن للفن دوره املؤ ِّث�ر يف ذلك طلب أبو زه�رة احلديث‪،‬‬
‫مه َّي�ة ه�ذه الدَّ ع�وة َّ‬
‫أ ِّ‬
‫إن ا َّلذين يتحدَّ ثون عن أثر ِّ‬
‫الس�ينام يف‬ ‫الش�يخ للكالم‪ ،‬فق�ال‪َّ :‬‬
‫منظ�م النَّ�دوة أن يدعو َّ‬
‫الدِّ عاي�ة لإلسلام بدلي�ل انكباب اجلمه�ور عىل مش�اهدة فيلم‪« :‬ظهور اإلسلام» مل‬
‫أن هذا الفيلم مل يزد املؤم�ن إيامن ًا فوق إيامنه‪ ،‬ومل يردع‬
‫يو َّفق�وا فيما يدَّ عون؛ ألنَّنا نعلم َّ‬
‫فاس�ق ًا عن غ ِّيه‪ ،‬ومل يدخل أحد ًا من ذوي األديان األخرى إىل حظرية اإلسلام‪ ،‬فهل‬
‫كل وجوه الدِّ عايات لإلسلام‪ ،‬ومل يبق إلاَّ متثيل أحداث العرص الن ِّ‬
‫َّبوي بأعال ٍم‬ ‫نفدت ُّ‬
‫م�ن صحابة رس�ول اهلل ‪ -‬صلى اهلل عليه وس�لم ‪-‬؟ وهل يعق�ل أن يقوم مم ِّث ٌ�ل اليوم‬
‫رواية أخرى يم ِّثل دور‬‫ٍ‬ ‫ثم جيده املشاهد يف‬ ‫بتمثيل دور «بالل» حني ِّ‬
‫عذب يف ذات اهلل‪َّ ،‬‬
‫الصحاب َّي�ات الـمـاكياج يف وجهها‪،‬‬ ‫ٍ‬
‫ماج�ن خليعٍ؟ وهل يعقل أن تض�ع مم ِّثل ٌة لبعض َّ‬
‫ث�م تزع�م أنهَّ ا مت ِّثل صحاب َّي ًة ش�هيد ًة ذهبت روحها فدا ًء لدينه�ا احلبيب؟ وماذا نصنع‬
‫َّ‬

‫‪141‬‬
‫الش�هيدة يف فيلم آخر تأيت بام ينكره اإلسلام يف بعض املش�اهد املخ َّلة‬
‫إذا وجدنا هذه َّ‬
‫باآلداب؟ أليست هذه إساء ًة واضح ًة َّ‬
‫للصحاب َّيات؟‬
‫واضح من َّ‬
‫ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫بح َّج ٍة قو َّي ٍة‬
‫الش�يخ (أبو زهرة) غيرَّ‬ ‫بس�يط‬ ‫س�هل‬ ‫وبأس�لوب‬ ‫وهكذا ُ‬
‫رأي املؤ ِّيدي�ن ملوض�وع النَّدوة‪ ،‬وكان لكلمة (أبو زهرة) يف عقول وقلوب املش�اركني‬
‫كبري‪ ،‬فخرجوا غري مؤ ِّيدين ورافضني للهدف ا َّلذي من أجله أقيمت النَّدوة(‪.)1‬‬
‫أثر ٌ‬‫ٌ‬
‫*‬ ‫*‬ ‫*‬
‫الش�يخ عب�د اهلل ب�ن عب�د ال َّلطيف آل َّ‬
‫الش�يخ ‪ -‬رمحه اهلل ‪ -‬جالس� ًا يف جامع‬ ‫كان َّ‬
‫فلـمـا‬ ‫ٍ‬
‫الرياح‪َّ ،‬‬ ‫الري�اض‪ ،‬فس�مع صوت غناء من جهة اجلن�وب‪ ،‬أتى بنغمتها هب�وب ِّ‬ ‫ِّ‬
‫ث�م قام ِم ْن فوره إىل ذل�ك املنكر‪ ،‬وخرج من‬
‫س�مع ذلك وع�ظ النَّاس موعظ ًة بليغ ًة‪َّ ،‬‬
‫يب‪ ،‬فأزال املنكر يف حلظته(‪.)2‬‬
‫الباب اجلنو ِّ‬
‫*‬ ‫*‬ ‫*‬
‫كل أفراد‬ ‫اإلجباري عىل ِّ‬
‫ِّ‬ ‫اس�تطاع َّ‬
‫الش�يخ هارون با ‪ -‬رمحه اهلل ‪ )3(-‬فرض التَّعليم‬
‫الس�ابعة‬ ‫ٍ‬
‫مول�ود من ُّ‬ ‫قبيلت�ه «وط�ايب بناك» يف صح�راء موريتاني�ا عىل ِّ‬
‫الذكور بلغ َّ‬ ‫كل‬
‫ٍ‬
‫واحد غدا‬ ‫ٍ‬
‫م�كان‬ ‫والرع�اة عىل االجتامع يف‬
‫م�ن عم�ره‪ ،‬وكذلك نجح يف إقن�اع البدو ُّ‬
‫السلام»‪ ،‬وبنى فيها مس�جد ًا جامع ًا وعينَّ هلا‬
‫(حارضة) بمعنى الكلمة‪ ،‬سماها «دار َّ‬
‫�جر بينه�م‪ ،‬ورسعان ما‬ ‫إمام� ًا راتب� ًا فقيه� ًا يؤ ُّم املص ِّلين يف َّ‬
‫الصلوات‪ ،‬ويقيض فيام َش َ‬

‫(‪ )1‬موقع «الشبكة اإلسالمية» إعداد‪ :‬ربيع حممود‪.‬‬

‫(‪« )2‬علـمـاء نجد مشاهد ومواقف» لعبد العزيز آل عبد اللطيف (ص ‪.)32‬‬

‫الش�يخ ه�ارون با ‪ -‬رمحه اهلل ‪ -‬يف س�نة (‪1900‬م) يف وس�ط أرسة فالنية حمافظة‪ ،‬رشع َّ‬
‫الش�يخ‬ ‫(‪ )3‬ول�د َّ‬
‫الشيخ حممد سريي‪ ،‬ترشح‬ ‫هارون با يف قراءة القرآن الكريم عندما بلغ عمره س�بع س�نوات عىل يد والده َّ‬
‫لني�ل اإلج�ازة يف حفظ الق�رآن الكريم وجتويده فحفظه بكل القراءات‪ ،‬فقد بصره يف آخر عمره‪ .‬تويف ‪-‬‬
‫رمحه اهلل ‪ -‬يف سنة (‪1978‬م)‪.‬‬

‫‪142‬‬
‫انتشرت يف املدينة حلقات العل�م‪ ،‬وكتاتيب حفظ القرآن الكريم‪ ،‬واملس�ألة األخرى‬
‫تقل ش�أن ًا عن س�ابقتيها هي استطاعته تنظيم شبه‬ ‫ا َّلتي س�دَّ د اهلل فيها خطاه‪ ،‬وا َّلتي ال ُّ‬
‫الزكوات من أصحاب األنعام بني األهايل‪ ،‬واجلباة كانوا من األمناء‬ ‫ٍ‬
‫جلن�ة تت�ولىَّ جباية َّ‬
‫يتجولون يف البادية جلمعها(‪.)1‬‬
‫الزكاة ومسائلها فكانوا َّ‬
‫العارفني لقضايا َّ‬
‫*‬ ‫*‬ ‫*‬
‫الرمح�ن الدورسي ‪ -‬رمح�ه اهلل ‪ )2(-‬إىل اململك�ة العرب َّية‬ ‫قب�ل أن ي�أيت َّ‬
‫الش�يخ عبد َّ‬
‫الس�عود َّية كانت الـمـاسون َّية تلعب بوسائل املناهج الترَّ بو َّية‪ ،‬فبدأت املناهج الترَّ بو َّية‬
‫ُّ‬
‫الش�يخ ونظر إىل املناهج نظر َة فه ٍم‬
‫فلـمـا جاء َّ‬
‫تتخ َّب�ط من النَّاحية العقائد َّية واألدب َّية‪َّ .‬‬
‫الش�يخ من بعض املوا ِّد املدسوس�ة عىل‬ ‫الصحيح�ة انبهر َّ‬‫وتدقي�ق عىل ض�وء العقيدة َّ‬ ‫ٍ‬
‫اإلسالم‪ ،‬ويف يوم اجلمعة قام َّ‬
‫الشيخ ‪ -‬رمحه اهلل ‪ -‬بعد صالة اجلمعة يف اجلامع الكبري‬
‫بالري�اض فتك َّلم عن خطورة املحافل الـمـاس�ون َّية ووس�ائل تالعبها وخطورهتا عىل‬
‫ِّ‬
‫اإلسلامي‪ .‬وكان من بني احلارضين يف هذا اجلامع امللك فيصل بن عبد العزيز‬
‫ِّ‬ ‫العامل‬
‫الشيخ وهو يتك َّلم والكلـمـات خترج من صميم‬
‫‪ -‬رمحه اهلل ‪ ،-‬فاستمع امللك إىل هذا َّ‬
‫قلبه ال خياف يف اهلل لومة الئ ٍم‪.‬‬
‫الش�يخ‪ ،‬وبعد االنتهاء قام امللك وس� َّلم عليه ومتنَّى له‬
‫فعجب امللك من جرأة هذا َّ‬
‫ولـمـ�ا وصل امللك فيصل ‪ -‬رمحه اهلل ‪ -‬إىل قرصه أمر وزير املعارف بتكوين‬ ‫التَّوفي�ق‪َّ ،‬‬
‫اإلسلامي‪ ،‬فغيرِّ ت املناهج الترَّ بو َّية‬ ‫ٍ‬
‫جلن�ة لبحث املناهج وتغيريها وجعلها عىل النَّمط‬
‫ِّ‬

‫(‪« )1‬الثقافة العربية اإلسالمية يف غرب أفريقيا» للدكتور عمر حممد صالح الفلاَّ ين (ص‪.)195‬‬

‫الرمحن بن حممد بن خلف الدورسي ‪ -‬رمحه اهلل ‪ -‬يف بريدة س�نة (‪1332‬هـ)‪ ،‬وبعد‬ ‫(‪ )2‬ولد َّ‬
‫الش�يخ عبد َّ‬
‫الرياض واس�تقر هبا‪ .‬عرف‬
‫ثم رحل إىل ِّ‬‫أش�هر قليلة رحل أبوه إىل الكويت‪ .‬تلقى العلم عىل علـمـائها‪َّ ،‬‬
‫بقوته العلمية‪ ،‬وأمره باملعروف‪ ،‬وهنيه عن املنكر‪ ،‬وكش�ف ملخططات أعداء اإلسالم‪ .‬تويف (‪1399‬هـ)‪.‬‬
‫«علـمـاء نجد خالل ثامنية قرون» لعبد اهلل البسام (‪.)163/3‬‬

‫‪143‬‬
‫ثم بفضل امللك فيصل بن عبد العزيز ‪ -‬رمحه اهلل ‪.)1(-‬‬
‫يف أنحاء اململكة ‪ -‬بفضل اهلل ‪َّ ،-‬‬
‫*‬ ‫*‬ ‫*‬

‫الس�ادات حرضه املرشد العام لإلخوان املسلمني‬ ‫ٍ‬


‫للرئيس أنور َّ‬
‫ش�عبي َّ‬
‫ٍّ‬ ‫حديث‬ ‫يف‬

‫وبث يف اإلذاعة والتِّلفاز‪ ،‬اتهَّ م مجاعته بالفتنة ال َّطائف َّية‪،‬‬


‫عمر التلمساين ‪ -‬رمحه اهلل ‪َّ ،)2(-‬‬
‫وس�اق إليها أنواع التُّهم‪ ،‬فقال له‪ :‬الشيَّ ء ال َّطبيعي بإزاء أي ظل ٍم يقع عيل من أي ٍ‬
‫جهة‬ ‫ِّ‬ ‫َّ‬ ‫ِّ‬
‫للش�اكني بعد اهلل‪ ،‬وها أن�ذا أتل َّقى‬
‫أن أش�كو صاحب�ه إليك‪ ،‬بصفت�ك املرجع األعىل َّ‬

‫ال ُّظلم منك‪ ،‬فال أملك أن أشكوك إلاَّ إىل اهلل‪.‬‬

‫الرعب بام سمع‪ .‬فلملم تهُ مه‪ ،‬وانقلب مستعطف ًا يسأل املظلوم‬
‫السادات ُّ‬
‫وأصاب َّ‬
‫ٍ‬
‫ومشهد من مئات احلارضين لذلك احلفل‪ ،‬وماليني‬ ‫إلغاء شكواه‪ُّ .‬‬
‫كل ذلك عىل مرأى‬

‫(‪« )1‬إحتاف النبالء بسري العلـمـاء» (‪ )156/1‬لراشد الزهراين‪.‬‬

‫(‪ )2‬ولد األس�تاذ عمر عبد الفتاح التلمس�اين يف القاهرة س�نة (‪1322‬هـ)‪ .‬كان جده س�لفي النزعة‪ ،‬فقد‬
‫الشيخ حممد بن عبد الوهاب‪ .‬بعد الدراسة انتظم يف كلية احلقوق ح َّتى خترج حمامي ًا‪.‬‬
‫طبع العديد من كتب َّ‬
‫عاما هلا‪ ،‬س�جن أكثر من سبعة عرش عام ًا‪ .‬تويف سنة‬ ‫ثم صار مرش�د ًا ًّ‬
‫انضم إىل مجاعة اإلخوان املس�لمني‪َّ ،‬‬
‫(‪1406‬هـ)‪« .‬تتمة األعالم للزركيل» ملحمد خري رمضان‪.‬‬

‫‪144‬‬
‫املشاهدين عن طريق التِّلفاز(‪.)1‬‬
‫*‬ ‫*‬ ‫*‬

‫الصمد ‪ -‬رمحه‬
‫الرمحن عبد َّ‬ ‫الساجر‪ :‬دخل جملس َّ‬
‫الشيخ عبد َّ‬ ‫قال َّ‬
‫الش�يخ إبراهيم َّ‬
‫َّبي ‪ -‬صىل‬ ‫بالسنَّة‪ ،‬فسأل َّ‬
‫الشيخ قائالً‪ :‬قول الن ِّ‬ ‫اهلل ‪ٌ )2( -‬‬
‫رجل يريد أن يشكِّك احلضور ُّ‬
‫يكوران يوم القيامة» ما ذنبهام؟!‬
‫الشمس والقمر َّ‬ ‫اهلل عليه وسلم ‪َّ :-‬‬
‫«إن َّ‬
‫الش�يخ عىل الفور‪ :‬النَّعجة نذبحها‪ ،‬ونسلخها‪ ،‬ونقطعها‪ ،‬وعىل النَّار نطبخها‪،‬‬‫ر َّد َّ‬
‫ب!! (‪.)3‬‬ ‫ثم نأكلها‪ ،‬ما ذنبها؟! فانقطع الرجل ومل ُي ِ‬
‫ـج ْ‬ ‫َّ‬ ‫َّ‬
‫* * *‬

‫(‪« )1‬تتمة األعالم للزركيل» (‪ )77/2‬تأليف حممد خري رمضان يوسف‪.‬‬

‫الرمحن بن يوس�ف ب�ن عبد الصمد س�نة (‪1346‬هـ) يف طولك�رم التابعة لنابلس‪.‬‬ ‫(‪ )2‬ول�د َّ‬
‫الش�يخ عبد َّ‬
‫الرياض ودرس عىل مش�اخيها‪ ،‬واس�تقر‬ ‫ثم س�ورية‪ .‬رحل إىل ِّ‬
‫ثم رحل إىل لبنان‪َّ ،‬‬
‫تلق�ى التعلي�م يف بل�ده‪َّ ،‬‬
‫ثم رحل إىل الكويت واس�تقر هبا‪ .‬ع�رف بالدعوة‪ ،‬واألمر باملع�روف والنهي عن املنكر‪،‬‬ ‫زمن� ًا يف املدين�ة‪َّ ،‬‬
‫وخترج عىل يديه خلق كثري من طلبة العلم ودعاهتا يف الكويت‪ .‬س�افر للدعوة إىل اهلل إىل أستراليا‪ ،‬وتويف‬
‫الرمحن عبد الصمد» للشيخ إبراهيم‬ ‫فيها بحادث سير س�نة (‪1408‬هـ)‪« .‬املقتصد من حياة َّ‬
‫الش�يخ عبد َّ‬
‫الساجر‪ ،‬و«تتمة األعالم للزركيل» (‪ )283/1‬ملحمد خري رمضان‪.‬‬ ‫َّ‬
‫الساجر‪.‬‬ ‫(‪ )3‬حدثني بذلك َّ‬
‫الشيخ إبراهيم َّ‬

‫‪145‬‬
‫الش�يخ أمحد بن عب�د العزيز آل مب�ارك ‪ -‬رمحه اهلل ‪ )1(-‬بمط�ار إحدى الدُّ ول‬ ‫م�ر َّ‬
‫فلـمـ�ا وصل إىل (أبو ظبي) رسعان ما أرس�ل كتاب ًا‬
‫اخلليج َّي�ة‪ ،‬فلم جيد فيه مس�جد ًا‪َّ ،‬‬
‫فتم ذلك(‪.)2‬‬
‫خياطب فيه و َّيل األمر يف ذلك البلد ويذكِّره ببناء املسجد‪َّ ،‬‬
‫*‬ ‫*‬ ‫*‬

‫الش�يخ صالح أبو إسماعيل ‪ -‬رمحه اهلل ‪ )3(-‬اس�تجواب ًا لرئي�س الوزراء عن‬
‫قدَّ م َّ‬

‫الشيخ أمحد بن عبد العزيز آل مبارك باإلحساء سنة (‪1330‬هـ) يف أرسة معروفة بالعلم‪ ،‬فدرس‬ ‫(‪ )1‬ولد َّ‬
‫عىل مشايخ بلده‪ .‬وتوىل القضاء يف القطيف‪ ،‬وترأس املحكمة يف الظهران‪ ،‬طلبه َّ‬
‫الشيخ زايد بن سلطان آل‬
‫هني�ان م�ن امللك فيصل بن عبد العزيز لِ َيليِ َ القضاء يف (أبو ظبي)‪ ،‬فتوجه إىل (أبو ظبي) واش�تغل بالقضاء‬
‫الرابع عرش‪.‬‬
‫والتدريس‪ ،‬ونفع اهلل به‪ .‬تويف سنة (‪1409‬هـ)‪ .‬جملة «تراث» اإلماراتية‪ ،‬العدد‪ّ :‬‬
‫الرابع عرش (ص ‪.)35‬‬
‫(‪ )2‬جملة «تراث» اإلماراتية‪ ،‬العدد‪َّ :‬‬
‫(‪ )3‬ول�د َّ‬
‫الش�يخ صلاح أب�و إسماعيل ‪ -‬رمح�ه اهلل ‪ -‬يف قري�ة «هبرم�س» مركز إمباب�ة حمافظ�ة اجليزة=‬

‫‪146‬‬
‫الس�ادات ب�ألاَّ سياس�ة يف الدِّ ي�ن وال دي�ن يف ِّ‬
‫السياس�ة‪ ،‬وقد حش�د يف هذا‬ ‫ترصي�ح َّ‬
‫وتفوقها على ِّ‬
‫كل نظا ٍم‬ ‫السياس�ة اإلسلام َّية ُّ‬
‫االس�تجواب الب ِّين�ات القاطعة عىل كامل ِّ‬
‫يف تأمين العدالة واألم�ن ألصناف البرش عىل اختالف معتقداهت�م‪ ،‬وبلغت صفحاته‬
‫العرشين‪.‬‬
‫الشعب ليدرجه يف أعامل‬ ‫الشيخ صالح أبو إسامعيل‪ :‬قدَّ مته إىل رئيس جملس َّ‬ ‫يقول َّ‬
‫اجلمهوري حيث‬ ‫جمرد تقديمه‪ ،‬فذهبت به إىل القرص‬ ‫ٍ‬
‫ِّ‬ ‫أقرب جلس�ة‪ ،‬غري أنَّه َج ُب َن عن َّ‬
‫قدَّ مته بنفيس إىل الدُّ كتور زكريا الربي وزير األوقاف آنذاك ليبلغه إىل رئيس اجلمهور َّية‪،‬‬
‫ثم كان ما‬ ‫السادات‪َّ :‬‬
‫إن قدوته (مصطفى كامل أتاتورك)‪َّ ،‬‬ ‫وضمنته كذلك التَّنديد بقول َّ‬
‫َّ‬
‫باحلق والباطل‪ ،‬وهناك‬
‫الوطني والغالب َّية املؤ ِّيدة للحكومة ِّ‬
‫ِّ‬ ‫كان من تصاد ٍم مع احلزب‬
‫الس�ياحة وال َّطيران املدين عن تقريره‬ ‫وجهته إىل (مجال النَّاظر) وزير ِّ‬ ‫اس�تجواب آخر َّ‬
‫ٌ‬
‫سمي اإلسالم‪ ،‬والشرَّ يعة هي‬ ‫ٍ‬
‫الر ُّ‬
‫اخلمر يف املدرسة الفندق َّية التَّابعة لوزارته يف بلد دينُ ُه َّ‬
‫الرئيس للتَّرشيع‪.‬‬ ‫املصدر َّ‬
‫اس�تجواب‬
‫ٌ‬ ‫اس�تجواب كذل�ك ض�د عرب�دة اإلعالم‪ ،‬وم�ن قبل كان يل‬
‫ٌ‬ ‫وكان يل‬
‫الصاوي وزي�ر اإلعالم عن ترصحيه يف أمري�كا َّ‬
‫بأن الشرَّ يعة‬ ‫ضدَّ األس�تاذ عب�د املنعم َّ‬
‫موج ٌه إىل الدُّ كتور عبد املنعم النَّمر‬
‫اس�تجواب َّ‬
‫ٌ‬ ‫اإلسلام َّية لن تطبق يف مرص‪ ،‬وكان يل‬
‫ثالثة وس�بعني ألف ف�دَّ ٍ‬
‫ان كانت البق َّية‬ ‫كوزير لألوقاف يف استرداد نحو ٍ‬
‫ٍ‬ ‫ع�ن تفريطه‬
‫الباقي�ة م�ن أرايض األوق�اف املغتصب�ة من األزه�ر واملس�اجد ع�ام (‪1961‬م) إ َّبان‬
‫وبات بر ِّدها لوزارة األوقاف‬
‫ٌّ‬ ‫االشرتاكي‪ ،‬وقد قىض فيها القضاء بحك ٍم ٍّ‬
‫هنائي‬ ‫ِّ‬ ‫َّحول‬
‫الت ُّ‬

‫=بمصر‪ ،‬ي�وم (‪1927/3/17‬م)‪ .‬نش�أ يف بيت معروف بحفاوت�ه بالعلم والعلـمـاء‪ .‬ت�ويف يوم اإلثنني‬
‫(‪1410/11/4‬هـ) املوافق (‪1990/5/28‬م) يف مطار «أبو ظبي»‪ ،‬وهو يس�تعد للعودة إىل مرص‪ ،‬بعد‬
‫جولة علمية يف دول اخلليج‪.‬‬

‫‪147‬‬
‫وفرط وزراء األوقاف املتعاقبون يف املطالبة بتنفيذ هذا احلكم‪.‬‬
‫سنة (‪1973‬م)‪َّ ،‬‬
‫ويذك�ر التَّاريخ باخلري َّ‬
‫للش�يخ صالح أنَّه يف يناي�ر (‪1979‬م) انتهز فرصة العمرة‬
‫عضو من أعضاء جملس َّ‬
‫الشعب‪ ،‬وبايعهم وبايعوه يف احلرمني‬ ‫ٍ‬ ‫لـمـا يقرب من ثالثامئة‬
‫يب‪ ،‬يقول‬
‫الشرَّ يفين عىل أن تك�ون أصواهتم لرشع اهلل وال يغلبهم عىل ذل�ك انتام ٌء حز ٌّ‬
‫بحل مـجلس‬ ‫الس�ادات إلاَّ أن أص�در قرار ًا ِّ‬
‫الرئيس أنور َّ‬
‫الش�يخ صالح‪ :‬فام كان من َّ‬ ‫َّ‬
‫ٍ‬
‫اس�تفتاء مل َّف ٍق‪ ،‬وأس�قط معظم هؤالء ا َّلذين تعاهدن�ا معهم يف احلرمني‬ ‫الش�عب بعد‬‫َّ‬
‫الشرَّ يفني(‪.)1‬‬
‫*‬ ‫*‬ ‫*‬
‫الش�يخ أمح�د ش�اكر ‪ -‬رمح�ه اهلل ‪ :-‬كان طه حسين طالب ًا باجلامع�ة املرص َّية‬
‫ق�ال َّ‬
‫القديمة‪ ،‬حني كانت مترشفة برئاسة امللك فؤاد قبل توليه امللك‪ .‬وتقرر إرساله يف ٍ‬
‫بعثة‬ ‫َّ‬ ‫ِّ‬
‫الس�لطان حسين رمحه اهلل أن يكرمه بعطفه‬ ‫إىل أوروبا‪ ،‬فأراد حرضة صاحب العظمة ُّ‬
‫ورعايته‪ ،‬فاستقبله يف قرصه استقباالً كري ًام‪ ،‬وحباه هد َّي ًة ق ِّيمة املغزى واملعنى‪.‬‬
‫مقتدر‪،‬‬
‫ٌ‬ ‫فصيح متك ِّل ٌم‬
‫ٌ‬ ‫خطيب‬
‫ٌ‬ ‫وكان من خطباء املساجد التَّابعني لوزارة األوقاف‪،‬‬
‫الس�لطان حسني ‪ -‬رمحه اهلل ‪-‬‬ ‫هو َّ‬
‫الش�يخ حممد املهدي خطيب مس�جد عزبان‪ .‬وكان ُّ‬
‫ٍ‬
‫جليل‪ ،‬حيرضه العلـمـاء والوزراء والكرباء‪.‬‬ ‫مواظب ًا عىل صالة اجلمعة‪ ،‬يف ٍ‬
‫حفل فخ ٍم‬
‫فصلىَّ اجلمعة يوم ًا ما‪ ،‬بمس�جد املدبويل القريب من قرص عابدين العامر‪ .‬وندبت‬
‫الس�لطان‪،‬‬
‫وزارة األوقاف ذاك اخلطيب لذلك اليوم‪ ،‬وأراد اخلطيب أن يمدح عظمة ُّ‬
‫وحق له أن يفعل‪ ،‬ولكن خانته فصاحته‪ ،‬وغلبه‬ ‫ينوه بام أكرم َّ‬
‫الشيخ (طه حسني)‪َّ ،‬‬ ‫وأن ِّ‬
‫فزل ز َّل� ًة مل تقم له قائم ٌة من بعده‪ ،‬إذ ق�ال أثناء خطبته‪« :‬جاءه‬
‫ح�ب التَّغ�ايل يف املدح‪َّ ،‬‬
‫ُّ‬
‫األعمى‪ ،‬فام عبس يف وجهه وما تولىَّ »‪.‬‬

‫الربانيني» للدكتور سيد بن حسني العفاين (‪.)73/4‬‬


‫(‪« )1‬زهرة البساتني من مواقف العلـمـاء َّ‬

‫‪148‬‬
‫الصالة والدي َّ‬
‫الش�يخ حممد ش�اكر ‪ -‬رمح�ه اهلل ‪ )1(-‬وكيل‬ ‫وكان من ش�هود هذه َّ‬
‫أن صالهتم باطل ٌة‪ ،‬وأمرهم أن‬
‫الصالة يعلن للنَّاس يف املسجد َّ‬
‫األزهر سابق ًا‪ .‬فقام بعد َّ‬
‫يعيدوا صالة ال ُّظهر‪ ،‬فأعادوها‪.‬‬
‫ثم ذهب الوالد ‪ -‬رمحه اهلل ‪ -‬فور ًا إىل قرص عابدين العامر‪ ،‬وقابل حممود شكري‬
‫َّ‬
‫محيم‪ ،‬وكان رئيس الدِّ يوان إذ ذاك‪ .‬وطلب منه أن‬
‫صديق ٌ‬
‫ٌ‬ ‫باش�ا ‪ -‬رمحه اهلل ‪ ،-‬وهو له‬
‫الصالة‬
‫السلطان‪ ،‬وأن يبلغه حكم الشرَّ ع يف هذا بوجوب إعادة َّ‬
‫يرفع األمر إىل عظمة ُّ‬
‫ا َّلتي بطلت بكفر اخلطيب‪.‬‬
‫السلطان لن‬ ‫ومل يرت َّدد شكري باشا يف قبول ما محل من األمانة‪ ،‬واعتقد َّ‬
‫أن عظمة ُّ‬
‫الصالة‪.‬‬
‫يرت َّدد يف قبول حكم الشرَّ ع بإعادة َّ‬
‫فكان تصميم الوالد ‪ -‬رمحه اهلل ‪ -‬وعزمه‪ ،‬عىل أنَّه إذا وصلت القض َّية إىل املحكمة‪،‬‬
‫وعرضت‪ ،‬أن يطلب ندب خرباء مس�ترشقني‪ ،‬ليحدِّ دوا بخربهتم يف لغة العرب داللة‬
‫ثم يكون الفصل القضائي طبق ًا‬
‫تعريض أم ال؟ َّ‬
‫ٌ‬ ‫كالم اخلطيب من الوجهة العرب َّية‪ :‬أهو‬
‫يقرره اخلرباء‪.‬‬
‫لـمـا ِّ‬
‫ٍ‬
‫أحداث‬ ‫ث�م دخلت احلكومة يف األمر‪ ،‬خش�ية ما يكون من وراء ه�ذه القض َّية من‬
‫َّ‬
‫ٍ‬
‫وأخطار‪ .‬وطوى بساطها قبل أن ينظرها القضاء‪.‬‬
‫ولك� َّن اهلل مل ي�دع هل�ذا املجرم جرم�ه يف الدُّ نيا‪ ،‬قبل أن جيزيه ج�زاءه يف األخرى‪.‬‬
‫أن كان متعالي ًا متنفخ ًا‪،‬‬
‫فأقس�م باهلل‪ :‬لق�د رأيته بعيني رأيس‪ ،‬بعد بضع س�نني‪ ،‬وبع�د ْ‬
‫ٍ‬
‫مس�جد‬ ‫بم ْن الذ هبم من العظامء والكرباء‪ ،‬رأيته مهين ًا ذليالً‪ ،‬خادم ًا عىل باب‬
‫مس�تعزا َ‬
‫ًّ‬

‫الش�يخ حممد ش�اكر بن أمحد بن عبد القادر ‪ -‬رمحه اهلل ‪ -‬بمدينة جرجا بمرص سنة (‪ 1358‬هـ)‪،‬‬ ‫(‪ )1‬ولد َّ‬
‫وعينِّ وكي ً‬
‫ال للجامع األزهر‪.‬‬ ‫وعينِّ أمين ًا للفتوى فيه‪ ،‬توىل مش�يخة األزه�ر‪ُ ،‬‬
‫درس يف األزه�ر وخترج منه ُ‬
‫توىل القضاء يف بعض مدن مرص‪ .‬عرف بالعلم والصدع باحلق‪« .‬األزهر يف ألف عام» للدكتور حممد عبد‬
‫املنعم خفاجي‪.‬‬

‫‪149‬‬
‫ٍ‬
‫وصغار‪ .‬حتَّى لقد خجلت‬ ‫من مس�اجد القاهرة‪ ،‬يتل َّقى نعال املص ِّلني حيفظه�ا‪ ،‬يف ذ َّل ٍة‬
‫أن يراين‪ ،‬وأنا أعرفه وهو يعرفني‪ ،‬ال ش�فقة عليه‪ ،‬فام كان موضع ًا َّ‬
‫للش�فقة‪ ،‬وال شامتة‬
‫ٍ‬
‫وموعظة(‪.)1‬‬ ‫الشامتة‪ ،‬ولكن لـمـا رأيت من ٍ‬
‫عربة‬ ‫فالرجل النَّبيل يسمو عىل َّ‬
‫فيه‪َّ ،‬‬
‫* * *‬

‫يف أثن�اء إدارة َّ‬


‫الش�يخ عب�د اهلل ب�ن حمم�د اخلليفي ‪ -‬رمح�ه اهلل ‪ )2(-‬ملدرس�ة حراء‬
‫املوجه يشعل سيجارته‪.‬‬
‫املوجهني املتعاقدين‪ ،‬وكان هذا ِّ‬
‫االبتدائ َّية حدث أن زاره أحد ِّ‬
‫الشيخ ‪ -‬رمحه اهلل ‪ -‬استقباله‪ ،‬أو التَّفاهم معه إلاَّ بعد أن يطفئ ما معه‪ ،‬وبالفعل‬ ‫فرفض َّ‬
‫مر ًة ثاني ًة واعتذر بشدَّ ٍة‪.‬‬
‫ثم دخل َّ‬
‫أطفأها‪َّ ،‬‬
‫بالسماحة‪ ،‬وخدمة املحت�اج‪ ،‬وبذل ما‬ ‫وق�د كان ‪ -‬رمح�ه اهلل ‪ -‬يويص َم� ْن حوله َّ‬
‫أن له أعامالً خري َّي ًة‪،‬‬
‫يس�تطاع يف صالح الدَّ عوة اإلسالم َّية وقضاء صالح املسلمني‪ .‬كام َّ‬
‫مع�روف لدى بعض النَّ�اس وبعضها مل يعلم عن�ه إلاَّ بعد وفات�ه‪ ،‬حيث كان‬
‫ٌ‬ ‫بعضه�ا‬

‫(‪« )1‬كلمة احلق» (ص ‪ )149‬بقلم أمحد حممد شاكر‪.‬‬

‫الشيخ عبد اهلل حممد اخلليفي ‪ -‬رمحه اهلل ‪ -‬يف مدينة البكريية يف القصيم سنة (‪1333‬هـ)‪ .‬حفظ‬ ‫(‪ )2‬ولد َّ‬
‫الق�رآن الكري�م عىل وال�ده‪ ،‬ودرس عىل علـمـاء القصيم وغريه�م ح َّتى غدا من العلـمـ�اء العاملني‪َّ .‬أم‬
‫املس�جد احلرام ما يقرب من أربعني س�نة‪ ،‬وقد عرف بحس�ن تالوته يف الصالة‪ .‬تويف س�نة (‪1414‬هـ)‪.‬‬
‫«علـمـاء نجد خالل ثامنية قرون» لعبد اهلل البسام (‪.)472/4‬‬

‫‪150‬‬
‫يسدِّ د عن بعض األرس قيمة اهلاتف والـمـاء‪ ،‬باإلضافة إىل بعض املساعدات الـمـال َّية‬
‫الش�هر َّية‪ .‬كام أنَّ�ه ‪ -‬رمحه اهلل ‪ -‬كان عزوف ًا عن املناس�بات االجتامع َّية ليس تكبرُّ ًا منه‪،‬‬
‫َّ‬
‫ٍ‬
‫إرساف‪ ،‬وما يكون فيها من قيل وقال(‪.)1‬‬ ‫ولكن تر ُّفع ًا عماَّ فيها من‬
‫*‬ ‫*‬ ‫*‬

‫ج�اءت فرق� ٌة راقص ٌة إىل مصر يف رمضان (‪1387‬هـ) املواف�ق (‪1967‬م) ورأى‬
‫مكان يف ميدان احلسني لتحيي اخلامس والعرشين من رمضان‪.‬‬ ‫ٌ‬ ‫املنحرفون أن يعدَّ هلا‬
‫الش�يخ حممود عبد‬ ‫ٍ‬
‫حف�ل ع�ا ٍّم أقامت�ه اجلمع َّي�ة الشرَّ ع َّية يف ذكرى ب�در تكلم َّ‬ ‫ويف‬
‫الصفاقة‪ ،‬فكان ممَّا قال�ه‪ :‬أخزى اهلل هؤالء‬
‫الوه�اب فاي�د ‪ -‬رمح�ه اهلل ‪ )2(-‬حول ه�ذه َّ‬ ‫َّ‬
‫ٍ‬
‫مكان؟ يف ميدان‬ ‫أي‬
‫الس�خف أن حييوا رمضان باملنكرات‪ ،‬ويف ِّ‬ ‫الس�فهاء‪ ،‬لقد بلغ هبم ُّ‬ ‫ُّ‬

‫(‪« )1‬إحتاف النبالء بسري العلـمـاء» (‪ )206/1‬لراشد الزهراين‪.‬‬

‫الش�يخ حمم�ود عب�د الوهاب فاي�د ‪ -‬رمحه اهلل ‪ -‬س�نة (‪1339‬ه�ـ) املواف�ق (‪1921‬م) يف قرية‬ ‫(‪ )2‬ول�د َّ‬
‫«دمينكة» حمافظة كفر الش�يخ‪ ،‬وأرسته معروفة بالعلم والدي�ن‪ ،‬فوالده معروف بالعلم والصالح‪ ،‬وجده‬
‫ثم أحلقه بمعهد دسوق الديني االبتدائي‬ ‫رشعيا‪ ،‬حفظه والده القرآن العظيم‪َّ ،‬‬
‫ًّ‬ ‫الشيخ مربوك كان عالـمـ ًا‬‫َّ‬
‫رئيس�ا للجمعية الرشعي�ة بمرص وقد ُعني أيض ًا‬
‫ً‬ ‫عاما للجمعية الرشعية‪ُ .‬عني‬ ‫التاب�ع لألزه�ر‪ ،‬عني وكي ً‬
‫ال ًّ‬
‫وعينِّ أس�تاذ ًا يف التفسير يف كلية الدعوة وأصول الدين‪ ،‬وكلية اللغة‬ ‫رائد ًا ًّ‬
‫دينيا ملدينة البعوث يف األزهر‪ُ ،‬‬
‫الس�نة بمجم�ع البحوث‪ .‬تويف ‪ -‬رمحه‬ ‫العربي�ة يف اجلامعة اإلسلامية يف املدينة املنورة النبوية‪ .‬عضو جلنة ُّ‬
‫اهلل ‪ -‬سنة (‪1418‬هـ) املوافق(‪1997‬م)‪.‬‬

‫‪151‬‬
‫ٍ‬
‫توجه‬ ‫احلسني بني مسجده وبني إدارة األزهر ومشيخة ال ُّطرق ُّ‬
‫الصوف َّية!يا هلا من إهانة َّ‬
‫إىل شهر القرآن‪.‬‬
‫الس ِّيد حسني َّ‬
‫الشافعي نائب‬ ‫وكان أحد املسئولني حارض ًا ذلك احلفل‪ ،‬فأبلغ النَّبأ َّ‬
‫رئيس اجلمهور َّية‪ ،‬فأصدر أمره بمنع الفرقة من تنفيذ ذلك املنكر(‪. )1‬‬
‫السلام اهلراس ‪ -‬و َّفقه اهلل ‪ :-‬ممَّا يس�طر له بمداد املجد ما َّ‬
‫قصه‬ ‫قال الدُّ كتور عبد َّ‬
‫عريضة مع ُث َّل ٍ‬
‫�ة من العلـمـاء‬ ‫ٍ‬ ‫الش�يخ املن�وين ‪ -‬رمحه اهلل ‪ )2(-‬و َّق�ع عىل‬ ‫ٍ‬
‫واحد أن َّ‬ ‫غير‬
‫َّبوي‬
‫تتضمن املطالبة بإصدار قوانني وتطبيق القائم منها حلامية القيم الدِّ ين َّية واجلناب الن ِّ‬
‫َّ‬
‫يترسب إىل املغ�رب من مظاهر‬
‫والربوب َّي�ة يف مواجهة ما ب�دأ َّ‬
‫الشرَّ ي�ف ومق�ام اإلهل َّي�ة ُّ‬
‫ٍ‬
‫مؤس�فة م�ن التَّعريض بالدِّ ين واهلج�وم عىل علـمـائ�ه ورجاالته‪ ،‬وكان�ت العريضة‬
‫الضغط على بعض املو ِّقعني ا َّلذين تراجع ج ُّلهم‬ ‫مرفوع� ًة إىل الوزير َّ‬
‫األول‪ ،‬وقد وقع َّ‬
‫أن العريضة ا َّلتي و َّقع عليها هي غري ا َّلتي يراها اآلن‪.‬‬
‫بحجة َّ‬
‫معتذر ًا َّ‬
‫إن العريضة ا َّلتي وقع عليها هي هذه ا َّلتي أقرأها اآلن‬
‫الشيخ املنوين فقد قال‪َّ :‬‬
‫أ َّما َّ‬
‫بعينها ونفس�ها‪ ،‬ونحن لس�نا عياالً نو ِّقع أمس ونرتاجع اليوم‪ ،‬وأ َبى أن ينقض موقفه‬
‫باألمس‪.‬‬
‫الرجل أ َّيما ٍ‬
‫إكبار‬ ‫ال�راوي ا َّلذي حضر املعمعة ‪ -‬رمح�ه اهلل ‪ :-‬لقد أكبرت َّ‬
‫ق�ال َّ‬
‫وأخزيت نفيس إذ ضعفت فرتاجعت‪.‬‬
‫الش�يخ املنوين أحد كبار علـمـاء اإلسلام ا َّلذين ث َّبتهم اهلل‬
‫ثم أصبح عندي َّ‬
‫ومن َّ‬

‫الربانيني» للدكتور سيد بن حسني العفاين (‪.)266/3‬‬


‫(‪« )1‬زهرة البساتني من مواقف العلـمـاء َّ‬
‫الشيخ حممد عبد اهلادي املنوين يف مكناس يف املغرب سنة (‪1333‬هـ) املوافق (‪1919‬م)‪ .‬نشأ يف‬ ‫(‪ )2‬ولد َّ‬
‫أرسة حمب�ة للعلم‪ ،‬فقد أخذ والده بي�ده منذ الصغر إىل طلب العلم‪ ،‬فتدرج ح َّتى صار من كبار العلـمـاء‪،‬‬
‫وتوىل العديد من املهام العلمية يف التعليم والبحث‪ .‬تويف سنة (‪2000‬م)‪.‬‬

‫‪152‬‬
‫باألئمة العظام ا َّلذين كانوا قدو ًة يف ال َّثبات‬
‫َّ‬ ‫بالق�ول ال َّثابت اجلالب لرضاه‪ ،‬وقد ذكَّرنا‬
‫احلق حتَّى أتاهم اليقني‪.‬‬
‫عىل ِّ‬
‫ٍ‬
‫وحياء ودون‬ ‫ٍ‬
‫وهدوء‬ ‫الش�يخ املنوين نفسه يف تواض ٍع‬
‫القصة من َّ‬
‫وقد س�معت هذه َّ‬
‫واحلق ا َّلذي يراد به باطل‪،‬‬ ‫ٍ‬
‫ِّ‬ ‫تبج ٍح أو رياء‪ ،‬وقال يل‪ :‬إنيِّ ِّ‬
‫أفرق بني العمل اجلا ِّد القاصد‬ ‫ُّ‬
‫فهذا ال أؤ ِّيده وال أو ِّقع عليه(‪.)1‬‬
‫*‬ ‫*‬ ‫*‬

‫اإلسلامي ا َّلذي‬
‫ِّ‬ ‫قال َّ‬
‫الش�يخ عط َّية حممد س�امل ‪ -‬رمحه اهلل ‪ :)2(-‬يف مؤمتر ماليزية‬
‫الربا‪،‬‬ ‫ٍ‬
‫بقرار يتع َّلق بموضوع ِّ‬ ‫انعقد عام ‪1384‬هـ لدراس�ة (قضايا إسلام َّية) فوجئت‬
‫ٌ‬
‫انفع�ال مل أعلم دوافعه‪ ،‬وتلقائ ًّيا طلبت اإلذن‬ ‫وق�د كاد أن يطرح للتَّصويت‪ ،‬فاعرتاين‬
‫إن القرار ٌ‬
‫خطأ؛ نظام ًا‬ ‫خمصص ٌة للتَّصويت فقط‪ .‬فأجبت‪َّ :‬‬‫إن اجللس�ة َّ‬‫بالكالم‪ ،‬فقيل يل َّ‬
‫وعلـمـ ًا‪ ،‬فال ينبغي االقرتاع عليه قبل اس�تيفاء مناقشته‪ .‬فسمح يل بدقيقتني‪ ،‬ويف مثل‬

‫(‪« )1‬العالمة حممد عبد اهلادي املنوين ترمجته لنفسه» مجع حممد بن عبد اهلل آل رشيد (ص ‪.)18‬‬

‫(‪ )2‬ولد َّ‬


‫الش�يخ عطية حممد س�امل سنة (‪1346‬هـ) يف املهدية رشق مرص‪ .‬س�افر إىل املدينة املنورة ودرس‬
‫يف حلقات املسجد النبوي والزم َّ‬
‫الشيخ حممد األمني الشنقيطي وغريه من علـمـاء املدينة‪ .‬توىل التدريس‬
‫يف اجلامعة اإلسلامية ويف املس�جد النبوي‪ .‬تويف س�نة (‪1420‬هـ)‪«.‬علـمـاء ومفكرون عرفتهم» ملحمد‬
‫املجذوب‪.‬‬

‫‪153‬‬
‫ومضة الربق استوفيتها فلم أجد معارض ًا‪ ،‬وما أن فرغت من عرض هذه النِّقاط حتَّى‬
‫تذوقت فيها َّ‬
‫لذة العلم وحلاوة حتصيله‪ ،‬ومدى‬ ‫تق�رر وق�ف القرار‪ ،‬فكانت مناس�بة َّ‬
‫َّ‬
‫توفيق اهلل ملن أراد وجه اهلل(‪.)1‬‬

‫*‬ ‫*‬ ‫*‬

‫حممد بن محيد ‪ -‬رمحه اهلل ‪ )2(-‬رئاس�ة جملس القضاء‬ ‫حينام توىل َّ‬
‫الش�يخ عبد اهلل بن َّ‬

‫م�رت به قض َّي�ة كانت قد حكم هب�ا يف القصيم قبل ثالثني عام� ًا‪َّ ،‬‬
‫فلـمـا كان‬ ‫األعلى‪َّ ،‬‬
‫ٍ‬
‫حتريف‪ ،‬فام‬
‫ٌ‬ ‫بعبارة فيها‬ ‫يم�ر‬ ‫الص َّك ا َّلذي ِّ‬
‫دونت فيه القض َّية إذا هو ُّ‬ ‫الق�ارئ يق�رأ عليه َّ‬
‫الش�يخ إلاَّ أن س� َّبح اهلل واسرتجع وقال‪ :‬سبحان اهلل لقد قلت هلم يف حينه أن‬
‫كان من َّ‬

‫الشيخ مستذكر ًا‬


‫يصلحوها بصيغة كذا فس�احمهم اهلل‪ ،‬أمل يصلحوها؟ فانظر كيف كان َّ‬

‫(‪« )1‬علـمـاء ومفكرون عرفتهم» (ص ‪ )203‬تأليف حممد املجذوب‪.‬‬

‫الشيخ عبد اهلل بن حممد بن محيد ‪ -‬رمحه اهلل ‪ -‬يف الرياض سنة (‪1329‬هـ)‪ ،‬وقد كف برصه يف‬ ‫(‪ )2‬ولد َّ‬
‫طفولته‪ .‬أخذ مبادئ العلوم عىل مشايخ بلده‪ ،‬وتوىل القضاء يف عدة نواح ح َّتى عني رئيس ًا ملجلس القضاء‬
‫األعىل‪ .‬عرف بقوة العلم‪ ،‬والذكاء احلاد‪ .‬تويف سنة (‪1402‬هـ)‪« .‬علـمـاء نجد»‪.‬‬

‫‪154‬‬
‫للقض َّية بر َّمتها وبعباراهتا وألفاظها(‪.)1‬‬
‫يف عام (‪1388‬هـ) وبينام كان فضيلة َّ‬
‫الش�يخ عبد اهلل بن محيد ‪ -‬رمحه اهلل ‪ -‬يلقي‬
‫السلام يف موس�م‬
‫ال�دُّ روس بعد املغرب يف املس�جد احلرام خلف مقام إبراهيم عليه ّ‬
‫ٍ‬
‫واحلجاج وغريهم يف‬
‫َّ‬ ‫الش�يخ من طلبة العلم‬ ‫احلج‪ ،‬ويف حش�د عظي ٍم ُّ‬
‫تغص هبم حلقة َّ‬ ‫ِّ‬
‫والسلام‪« :‬أفضل ما قلت‬
‫الصالة َّ‬
‫احلج�ة‪ ،‬كان موضوع الدَّ رس قوله عليه َّ‬
‫عشر ذي َّ‬
‫أن�ا والنَّب ُّيون من قبيل ال إله إلاَّ اهلل‪ ..‬احلديث» فبينَّ َّ‬
‫الش�يخ معن�ى كلمة التَّوحيد‪ ،‬وما‬
‫أثبتت�ه م�ن إخالص العب�ادة هلل وحده‪ ،‬وما نفته م�ن عبادة ما س�واه‪ ،‬وبيان رشوطها‪،‬‬
‫يس�مى (الس�يد‬
‫َّ‬ ‫مدر ٌس يف جامعة قم‬ ‫فبينام هو كذلك إذ تقدَّ م ٌ‬
‫رجل من علـمـاء إيران ِّ‬
‫حمم�د) فس�أل َّ‬
‫الش�يخ قائالً‪ :‬ما تقول يف طل�ب املدد من أهل البيت‪ ،‬وس�ؤاهلم تفريج‬

‫الكرب�ات‪ ،‬وإغاثة اللهفان نظر ًا ملكانتهم عند اهلل وما هلم من املنزلة َّ‬
‫الس�امية؟ فأجاب‬
‫ب�أن هذا هو الشرِّ ك بعين�ه‪ ،‬وهو ا َّلذي نفته كلمة اإلخلاص «ال إله إلاَّ اهلل»‬
‫فضيلت�ه‪َّ :‬‬

‫وا َّلذي بعث من أجل النَّهي عنه رسل اهلل‪ .‬فقال َّ‬
‫الس ِّيد حممد‪ :‬ال أسلم لك هذا‪ ،‬حيث‬
‫إن طل�ب امل�دد منهم لي�س هو عبادة وإنَّام هو ش�فاع ٌة منهم يل عن�د اهلل‪ ،‬فال يصل إىل‬
‫َّ‬
‫تس�ميه‪ ،‬فام دام َّ‬
‫أن‬ ‫ِّ‬ ‫وس�مه ما ش�ئت أن‬
‫ِّ‬ ‫حدِّ الشرِّ ك‪ .‬فر َّد فضيلته‪ :‬هذا هو عني العبادة‪.‬‬
‫العب�د يصرف إىل املخلوق ما ال يقدر عليه إلاَّ اهلل من تفريج الكربات‪ ،‬وطلب العون‬
‫من غريه فهذا هو الشرِّ ك‪ ،‬مع َّ‬
‫أن َّ‬
‫الش�فاعة ال جيوز طلبها من األموات وال من غريهم‪،‬‬
‫الش�فاعة من غريه ٌ‬
‫رشك كام قال تعاىل‪ :‬ﱫ ﮔ ﮕ ﮖ‬ ‫وإنَّام تطلب من اهلل‪ ،‬فطلب َّ‬

‫(‪« )1‬من أعالمنا ‪ -‬تراجم لبعض علـمـاء املسلمني» لعبد العزيز العسكر (ص ‪.)134‬‬

‫‪155‬‬
‫ﮗﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﱪ [الزم�ر‪]44 :‬‬
‫وما ذكرت عن أهل البيت وغريهم ‪ -‬رضوان اهلل عليهم ‪ -‬من أنهَّ م يملكون َّ‬
‫الشفاعة‬
‫الش�فاعة م�ن غير اهلل لي�س رشك ًا‪ ..‬ير ُّده قول�ه تع�اىل‪ :‬ﱫ ﮆ ﮇ ﮈ‬ ‫َّ‬
‫وأن طل�ب َّ‬
‫ﮉﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ‬
‫ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ‬
‫ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﱪ [الزم�ر‪ ،]3 :‬فاآلي�ة ُّ‬
‫ت�دل على َّ‬
‫أن مرشكي العرب‬
‫ليقربوه�م إىل اهلل زلفى؛ ألنهَّ م يعتقدون‬
‫ِّ‬ ‫م�ا كانوا يعب�دون معبوداهتم من دون اهلل إلاَّ‬

‫النَّف�ع أو الُّض�رُّ َّ فيه�م‪ .‬فقال املناظ�ر‪ :‬فهمت هذا ك َّل�ه‪ ،‬ولكن ما تصن�ع يف قوله صىل‬
‫الش�يخ‪ :‬عليك إثبات‬ ‫ٍ‬
‫حجر لنفعه»‪ .‬فر َّد عليه َّ‬ ‫اهلل علي�ه وس�لم‪« :‬لو اعتقد أحدك�م يف‬
‫ٍ‬
‫صحيح وال‬ ‫ٍ‬
‫حديث‬ ‫ه�ذا احلديث و َم ْن رواه‪ ،‬فإنَّك ال تس�تطيع أن جتد له أصالً‪ ،‬ال يف‬
‫ثم انتهت باعرتاف املناظر‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬
‫واس�تمرت املناظرة ثالث ليال متوالية‪َّ ،‬‬
‫َّ‬ ‫باطل‪،‬‬ ‫ضعيف وال‬
‫احلجاج يف املسجد احلرام َّ‬
‫بأن ما‬ ‫وتسليمه عىل مرأى ومسم ٍع من اآلالف العظيمة من َّ‬
‫احلق‪ ،‬وقد ملس احلضور انقطاع ُحجج�ه وعجزه عن تأييد رأيه‪ ،‬ومدَّ‬ ‫قال�ه َّ‬
‫الش�يخ هو ُّ‬
‫الش�يخ‪ ،‬وش�كره عد ٌد من احلضور القريبني منه‪ ،‬ورجا َّ‬
‫الش�يخ‬ ‫املناظر يدَ ه وق َّبل رأس َّ‬
‫الشيخ‪ :‬إنَّني أقبل هد َّيتك برشط أن أثيبك عليها هبد َّي ٍة(‪.)1‬‬
‫أن َي ْقبل منه هد َّي ًة‪ ،‬فقال َّ‬
‫*‬ ‫*‬ ‫*‬

‫(‪« )1‬جملة الدارة» ترمجة َّ‬


‫الشيخ عبد اهلل بن محيد للشيخ صالح بن عبد اهلل بن محيد (ص ‪.)67‬‬

‫‪156‬‬
‫ق�ال ه�اين بن عب�اس مقادمي ال َّثبيتي‪ :‬روى املستش�ار غس�ان ق�ايض‪ :‬ذهبت إىل‬
‫الش�يخ عب�اس مقادمي ‪ -‬رمحه اهلل ‪ )1( -‬قلت له‪ :‬نري�دك يف إذاعة القرآن والتَّليفزيون‬ ‫َّ‬
‫أس�جل ص�ويت وص�وريت‪ ،‬فأقنعته‪،‬‬ ‫ِّ‬ ‫للق�راءة وتس�جيل صوت�ك وصورتك‪ ،‬قال‪ :‬ال‬
‫الس�نني‪ ،‬وافق َّ‬
‫الش�يخ‬ ‫ٌ‬
‫وأجيال إىل مئات ِّ‬ ‫ٌ‬
‫أجيال‬ ‫ُس�جل صوتك لكي يس�مع صوتَك‬ ‫ن ِّ‬
‫قارئ يف إذاع�ة أرامكو‪ .‬ويف عام (‪1373‬هـ) ذهب‬ ‫ٍ‬ ‫عب�اس مقادمي‪ ،‬وكان أيض ًا َّأول‬
‫الشيخ حممد عىل زينل صاحب مدارس الفالح‬ ‫الشيخ املقادمي إىل اهلند لتدريس أبناء َّ‬ ‫َّ‬
‫الش�يخ‬ ‫س�عودي يف إذاعة اهلند‪ ،‬وعاد َّ‬
‫ٍّ‬ ‫ٍ‬
‫ق�ارئ‬ ‫الس�عود َّية‪ ،‬وكان ‪ -‬رمح�ه اهلل ‪َّ -‬أول‬
‫يف ُّ‬
‫املقادمي يدرس يف مدارس الفالح‪.‬‬
‫الشيخ عباس مقادمي القارئ املعروف يف اإلذاعة والتيلفزيون أحد‬ ‫ويعترب فضيلة َّ‬
‫أبرز ال ُق َّراء ا َّلذين شهدهتم اململكة خالل نصف القرن الـمـايض‪ ،‬ورغم أنَّه َف َقدَ برصه‬
‫وق�وة احلفظ منذ طفولت�ه‪ ،‬فقد يعرفه الكثيرون من خالل‬ ‫فق�ط لكنَّ�ه مت َّيز يف القراءة َّ‬
‫صوته املتم ِّيز بالقراءة احلجاز َّية املش�هورة ا َّلتي مت َّيز هبا أهايل املدينتني املقدَّ س�تني‪ ،‬وقد‬

‫الش�يخ عباس حمم�د مقادمي ذويبي الثبيتي ‪ -‬رمح�ه اهلل ‪ -‬بالطائف س�نة (‪ 1342‬هـ)‪ ،‬ويعترب‬ ‫(‪ )1‬ول�د َّ‬
‫الش�يخ عب�اس مقادمي القارئ املعروف يف اإلذاع�ة والتليفزيون أحد أبرز القراء ا َّلذين ش�هدهتم‬
‫فضيلة َّ‬
‫اململك�ة خلال نص�ف القرن الـمـ�ايض‪ .‬تويف ‪ -‬رمح�ه اهلل ‪ -‬يف حمل صديق�ه للنظارات بمك�ة يف تاريخ‬
‫(‪1411/7/27‬هـ)‪.‬‬

‫‪157‬‬
‫ٍ‬ ‫ٍ‬
‫وواضح كام‬
‫ٌ‬ ‫كبري‬ ‫ظه�ر املقادمي كقارئ متم ِّي ٍز يف وقت مل يكن لوس�ائل اإلعلام ٌ‬
‫تأثري ٌ‬
‫هو احلال يف هذا العرص‪ ،‬ولذلك ال يعرف الكثريون عن ش�خص َّية هذا القارئ البارع‬
‫ا َّل�ذي انقطعت أخباره ع�ن النَّاس منذ ثامنية عرش عام ًا بعد وفات�ه‪ ،‬الوقت ا َّلذي كان‬
‫الش�يخ عباس حممد عباس مقادمي هو ا َّلذي يفتتح مجيع املناس�بات املحل َّية والدَّ ول َّية‬ ‫َّ‬
‫الشجي واملؤ ِّثر(‪.)1‬‬ ‫ا َّلتي تقام بمكَّة َّ‬
‫املكرمة بصوته َّ‬
‫* * *‬

‫الرياض‬ ‫الشيخ عبد العزيز بن باز ‪ -‬رمحه اهلل ‪ -‬سافر ًّبرا من ِّ‬
‫(‪)2‬‬
‫ذكر أحد الدُّ عاة أن َّ‬
‫الش�يخ‪ :‬ما‬ ‫الس�اعة ال َّثانية عرشة منتصف ال َّليل قال َّ‬
‫فلـمـا جاءت َّ‬‫إىل مكَّة أو العكس‪َّ ،‬‬
‫كل من معه‪ ،‬حيث غلبهم النَّوم‪،‬‬ ‫الس�فر فوافق ُّ‬ ‫الصباح نكمل َّ‬
‫ثم يف َّ‬‫رأيكم لو نمنا هنا َّ‬
‫ٍ‬
‫ناحية فنام فيها‪،‬‬ ‫كل منهم ذهب إىل‬ ‫الس� َّيارة‪ٌّ ،‬‬
‫فلـمـا نزلوا من َّ‬
‫ويريدون أن يسترحيوا‪َّ ،‬‬

‫(‪ )1‬موقع «ملتقى أهل احلديث»‪.‬‬

‫الرياض سنة (‪1330‬هـ) يف أرسة معروفة بالعلم والفضل‪،‬‬ ‫(‪ )2‬ولد َّ‬
‫الشيخ اإلمام عبد العزيز بن باز يف ِّ‬
‫الش�يخ حممد بن عبد اللطيف آل الش�يخ‪َّ ،‬‬
‫والش�يخ س�عد بن‬ ‫الرياض‪ ،‬ومن أش�هرهم َّ‬ ‫وقرأ عىل علـمـاء ِّ‬
‫الش�يخ بالعل�م والزهد والورع‬‫الش�يخ وغريهم‪ ،‬وقد عرف َّ‬ ‫والش�يخ حممد بن إبراهيم آل َّ‬
‫مح�د بن عتيق‪َّ ،‬‬
‫واالهتامم بأمور املسلمني‪ ،‬وتوىل مناصب كثرية من أمهها‪ :‬رئاسة إدارة البحوث العلمية واإلفتاء والدعوة‬
‫واإلرش�اد‪ ،‬ورئاسة املجلس التأسييس لرابطة العامل اإلسلامي‪ ،‬ورئاسة املجمع اإلسالمي بمكة املكرمة‬
‫التاب�ع للرابطة‪ .‬وال زال عىل خصاله احلميدة ح َّتى تويف س�نة (‪1419‬ه�ـ)‪« .‬اإلنجاز يف ترمجة اإلمام عبد‬
‫العزيز بن باز»‪.‬‬

‫‪158‬‬
‫ثم نام‪.‬‬‫ثم رشع يصليِّ ما شاء اهلل له‪َّ ،‬‬
‫وتوضأ‪َّ ،‬‬
‫َّ‬ ‫لـمـا نزل طلب ما ًء‬
‫الشيخ فإنَّه َّ‬‫أ َّما َّ‬
‫الشيخ قد سبقهم للقيام‪ ،‬ووجدوه يصليِّ ‪،‬‬ ‫ولـمـا قاموا لصالة الفجر‪ ،‬وجدوا َّ‬‫َّ‬
‫وأول من قام(‪.)1‬‬ ‫فتعجبوا منه ومن جلده عىل العبادة‪ ،‬حيث كان هو آخر من نام َّ‬ ‫َّ‬
‫* * *‬

‫أن طلاَّ ب َّ‬


‫الش�يخ أجمد الزه�اوي ‪ -‬رمحه اهلل ‪-‬‬
‫(‪)2‬‬ ‫يروي األس�تاذ س�ليامن القابيل َّ‬
‫أن شيخهم ك َّلام رأى ُع ْلبة سجائر ترك َّية يلتقطها من األرض‪ ،‬فسأله أحدهم‪،‬‬ ‫الحظوا َّ‬
‫الش�يخ‪ :‬أمل تروا ما كتب عىل ال ُع ْلبة؟ أليس هذا لفظ اجلاللة؟ وأش�ار إىل اسم‬
‫فأجاب َّ‬
‫فلـمـا علم صاحب‬ ‫كل علبة س�جائر‪َّ ،‬‬ ‫املدون عىل ِّ‬
‫صاح�ب الرشك�ة (عبد اهلل لطفي) َّ‬
‫الشرَّ كة بذلك بدَّ ل اسمه من (عبد اهلل) إىل (عبود)(‪.)3‬‬
‫* * *‬

‫الرمحة‪.‬‬
‫الرمحن بن يوسف َّ‬
‫(‪« )1‬اإلنجاز يف ترمجة اإلمام عبد العزيز بن باز» (ص ‪ )236‬لعبد َّ‬
‫الش�يخ أجم�د الزهاوي ع�ام (‪1300‬هـ) ببغ�داد ونش�أ يف أرسة علمية ثري�ة‪ .‬درس عىل والده‬ ‫(‪ )2‬ول�د َّ‬
‫ثم رجع إليها بعد سنة ونصف‪ .‬واجتمع إليه‬ ‫ومشايخ بلده‪ .‬هاجر إىل املدينة بعد حكم عبد الكريم قاسم َّ‬
‫ّ‬
‫الطالب وعامة ال َّناس وكان له أثر يف الدعوة إىل اهلل‪ .‬تويف س�نة (‪1387‬هـ)‪« .‬من أعالم احلركة والدعوة‬
‫اإلسالمية املعارصة» لعبد اهلل العقيل‪.‬‬

‫(‪« )3‬من أعالم احلركة والدعوة اإلسالمية» لعبد اهلل العقيل‪.‬‬

‫‪159‬‬
‫الش�يخ إبراهي�م بن محد اجل�ارس ‪ -‬رمحه اهلل ‪ -‬املس�جد احل�رام أ َّيام احلكم‬ ‫دخ�ل َّ‬
‫الصوف َّية متارس بِدَ عه�ا وخرافاهتا‪ ،‬فلم متنع�ه غربته وال إقرار‬ ‫العثماين‪ ،‬فوج�د حل�ق ُّ‬ ‫ِّ‬
‫حكومة البالد هلذه األعامل من أن يسطو عليهم بعصاه رضب ًا حتَّى َّفرقهم‪ ،‬فرفع أمره‬
‫الصواب مع‬ ‫فلـمـا حضر وح َّقق معه عرف َّ‬
‫أن َّ‬ ‫املكرمة الشرَّ يف عون‪َّ ،‬‬ ‫إىل أمير مكَّ�ة َّ‬
‫الشيخ‪ ،‬فمنع هذه األعامل البدع َّية (‪.)1‬‬ ‫َّ‬
‫* * *‬
‫الش�يخ عاطف اس�كلفي(‪ )2‬صاحب كتاب «قرانك مقلد لغ�ى»‪ ،‬بالترُّ ك َّية يتناول‬ ‫َّ‬
‫أن احلكومة الكامل َّية إمعان ًا‬
‫حتريم التَّش� ُّبه بالك َّفار‪ ،‬وأفتى بتحريم ارتداء الق َّبع�ة‪ ،‬ذلك َّ‬
‫منه�ا يف التَّغري�ب وحماربة اإلسلام أصدرت ق�رار ًا بإلغاء لبس ال َّطرب�وش‪ ،‬وأمرت‬
‫ليبي‪.‬‬
‫الص ِّ‬ ‫بلبس القبعة‪ ،‬تش ُّبه ًا بالغرب َّ‬
‫الشيخ عاطف بعد االنقالب بسنتني لتأليفه‬ ‫ولـمـا قام أتاتورك باالنقالب حوكم َّ‬ ‫َّ‬
‫الشيخ أمام القايض رئيس حمكمة االستقالل خاطبه القايض‬ ‫ولـمـا َم َثل َّ‬
‫هذا الكتاب‪َّ ،‬‬
‫رجل يرت�دي عامم ًة يكون‬ ‫السفس�طة الفارغة‪ٌ ،‬‬ ‫الش�يوخ ُم ْغرقون يف َّ‬ ‫قائلاً‪ :‬إنَّك�م أيهُّ ا ُّ‬
‫مسلـمـ ًا‪ ،‬فإذا ارتدى قبع ًة صار فاسق ًا‪ ،‬وهذه قامش وهذه قامش!‬
‫الشيخ اجلليل‪ :‬انظر‪ ،‬أيهُّ ا القايض إىل هذا العلم املرفوع خلفك ‪ -‬أي علم‬ ‫فأجابه َّ‬
‫فإن قبلت وإلاَّ فهي سفسط ٌة منك‪ ،‬إذ هذا قامش‪،‬‬ ‫تركيا ‪ -‬استبدله بعلم إنجلرتا مثالً‪َّ ،‬‬
‫وذاك قامش‪.‬‬
‫الشيخ باإلعدام ‪ -‬رمحه اهلل ‪ -‬رمح ًة واسع ًة ‪.)3(-‬‬ ‫فبهت القايض‪ ،‬ومع ذلك حكم عىل َّ‬
‫* * *‬

‫(‪ « )1‬تذكرة أويل النهى والعرفان» (‪.)278/2‬‬

‫(‪ )2‬الش�يخ عاطف اس�كلفي ‪ :‬أحد مش�اهري علامء تركيا ‪ ،‬وعرف بالصدع باحلق ‪ ،‬أدرك سقوط اخلالفة‬
‫العثامنية ‪ ،‬وكان من املناهضني لتغريب املسلمني يف تركيا يف احلملة التي قادها مصطفى كامل أتارتوك ‪.‬‬

‫(‪« )3‬صالح األمة بعلو اهلمة» للدكتور سيد العفاين (‪.)778/5‬‬

‫‪160‬‬
‫ٍ‬
‫وإكبار َّ‬
‫للش�يخ الدُّ كتور حممد عبد اهلل‬ ‫ٍ‬
‫بإجالل‬ ‫م�ن املواقف ا َّلتي َّ‬
‫س�جلها التَّاريخ‬
‫الرافض‬
‫الش�جاع َّ‬ ‫املقرب�ون من�ه‪ ،‬ذل�ك املوقف ُّ‬
‫َّ‬ ‫دراز ‪ -‬رمح�ه اهلل ‪ )1(-‬وال يعرفه�ا إلاَّ‬
‫لل ُّظل�م واجلربوت وال ُّطغيان ا َّلذي رفض فيه التَّوقيع عىل ٍ‬
‫بيان أراده عبد النَّارص يدين‬
‫ُّ‬
‫ويستحل دمائهم‪.‬‬ ‫فيه (اإلخوان املسلمني) ويصفهم فيه بأنهَّ م خوارج‪،‬‬
‫الرجل غضبته هلل ولدين اهلل‪ ،‬وأنصار اهلل‪ ،‬وقال ملن محل إليه البيان‬
‫وه�ان غضب َّ‬
‫السفري فتحي دراز‪ :‬أتريد منِّي أن أو ِّقع عىل إدانة أهل اإلسالم؟! وطرد‬
‫كام ذكر نجله َّ‬
‫حامل البيان من منزله‪.‬‬
‫الش�جاع عقب حادثة املنش� َّية َّ‬
‫الش�هري‪ ،‬وكانت اإلذاعة املرص َّية‬ ‫كان هذا املوقف ُّ‬
‫الرجل بيان ًا‬
‫حريص� ًة عىل أن تع�رض رأي الدُّ كتور دراز يف األحداث الدَّ امي�ة‪ ،‬فكتب َّ‬
‫ٌ‬
‫وأمان»‪.‬‬ ‫صادق ًا أمين ًا عادالً ليلقيه بدار اإلذاعة بعنوان «اإلسال ُم سال ٌم‬
‫الشيخ أعدَّ بيان ًا لإلذاعة يف صباح األحد (‪1954/11/21‬م)‪،‬‬ ‫وقد ذكر نجله َّ‬
‫أن َّ‬
‫الشيخ عىل حذف ٍ‬
‫يشء منه‪.‬‬ ‫ولكنَّه مل يذع؛ ألنَّه أريد حذف ما حتته خط أمحر‪ ،‬ومل يوافق َّ‬

‫(‪ )1‬ولد الش�يخ حممد عبد اهلل دراز يف إحدى القرى التابعة ملحافظة كفر الش�يخ س�نة (‪1894‬م) يف أرسة‬
‫علمي�ة‪ .‬تلق�ى علوم�ه يف األزه�ر‪ ،‬وقد ع�رف بأعامله العلمي�ة والدعوية ‪ ،‬ت�ويف أثناء حض�وره مؤمتر ًا يف‬
‫الباكستان سنة ( ‪1958‬م) ‪.‬‬

‫‪161‬‬
‫خط أمحر ه�و اآليات القرآن َّي�ة ﱫ ﭒ ﭓ ﭔ‬
‫أن ا َّل�ذي حتته ٌّ‬
‫والغري�ب َّ‬
‫ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟﭠ ﭡ‬
‫ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮﭯ ﭰ ﭱ ﭲ‬
‫خط‬ ‫ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﱪ [النس�اء‪ ،]135:‬وقب�ل ه�ذه اآلية ٌّ‬
‫ٍ‬
‫تفريق أو انتصار ًا‬ ‫أمحر حتت هذه العبارة‪َّ :‬‬
‫إن قدس َّية الدِّ ين تأبى لنا أن نتَّخذ كلمته أدا َة‬
‫للرؤساء‪ ،‬كام تأبى أن تسري‬
‫ـحابا ًة ُّ‬ ‫ٍ‬
‫لفريق‪ ،‬إنهَّ ا تأبى أن تسير يف ركاب احلكم ُم َ‬ ‫ُمتح ِّيز ًا‬
‫يوزع قسطه عىل‬ ‫الس�فهاء‪ ،‬فاإلسلام ٌ‬
‫عدل ونصف ٌة‪ِّ ،‬‬ ‫يف ركب الفوىض محاي ًة من طيش ُّ‬
‫السواء‪.‬‬
‫اجلميع عىل َّ‬
‫�ع خ ّط ًا أمحر حتت قوله تع�اىل‪ :‬ﱫ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞﭟ ﭠ ﭡ‬
‫وو َض َ‬
‫َ‬
‫ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯﭰ‬
‫ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺﱪ [آل عم�ران‪ ،]159 :‬ووض�ع‬
‫خ ّط ًا أمحر حتت هذه العبارة‪« :‬إن اإلسالم مل ِّ‬
‫خيول للحاكم نفسه أن حيكم بعلمه فض ً‬
‫ال‬
‫عن أن يقيض بظنِّه»(‪.)1‬‬
‫*‬ ‫*‬ ‫*‬
‫كان الدُّ كتور أمحد غلوش ‪ -‬رمحه اهلل ‪ )2(-‬يف أوائل القرن شا ًّبا مو َّظف ًا باإلسكندر َّية‪،‬‬
‫ِّ‬
‫ولكل‬ ‫ٍ‬
‫مـجموعة من اجلاليات األوروب َّية‪،‬‬ ‫تضم أكبر‬ ‫ٍ‬
‫تعج باألجانب‪ ،‬إذ ُّ‬
‫وه�ي حينئذ ُّ‬
‫جالية حاناهتا املنترشة يف ربوع ال َّثغر‪ ،‬فصارت اخلمر ترشب علن ًا يف ال ُّطرقات‪ ،‬وأصبح‬ ‫ٍ‬

‫الربانيني» للدكتور سيد بن حسني العفاين (‪.)228/3‬‬


‫(‪« )1‬زهرة البساتني من مواقف العلـمـاء َّ‬
‫(‪ )2‬الدكتور أمحد غلوش ‪ -‬رمحه اهلل ‪ -‬أحد األطباء الدعاة املصلحني‪ ،‬كان يرتأس مجعية منع املسكرات‬
‫بمرص‪ ،‬وكانت له أنشطة دعوية يف بالده‪ ،‬ويف أوروبا‪.‬‬

‫‪162‬‬
‫شاربوها املعربدة ال جيدون من يمنعهم حني يتو َّقحون مـخمورين‪ ،‬ويتاميلون عابثني‪،‬‬
‫إذ َّ‬
‫إن قان�ون االمتي�ازات األجنب َّي�ة كان يف عه�د االحتالل حيمي هؤالء املفس�دين أن‬
‫يؤاخذوا بام يصنعون‪.‬‬
‫فتور م�ن املواطنني‬
‫م�رض‪ ،‬ويف إيامهن�م ٌ‬
‫ٌ‬ ‫وزاد األم�ر س�وء ًا أن ا َّلذي�ن يف قلوهب�م‬
‫اندفع�وا يق ِّل�دون ه�ؤالء الفج�رة فيما يأثم�ون إذ رأوا يف مـحاكاهتم الوقح�ة مدعا ًة‬
‫ودليل تقدُّ ٍم وحر َّي ٍة‪ ،‬فكثرت احلانات باإلس�كندرية كثر ًة مل تلبث أن‬
‫َ‬ ‫مدن َّي ًة وحضارةً‪،‬‬
‫املرصي وحوارضه‪ ،‬وكان ممَّا يؤس�ف املؤمنني أن‬
‫ِّ‬ ‫امتدَّ وباؤها إىل أكثر عواصم القطر‬
‫تق�ام احلانات يف بع�ض أحواهلا قريب ًا من دور العلم وأماكن العبادة دون أن يستش�عر‬
‫أصحاهبا َخ َج ً‬
‫ال من أنفسهم‪.‬‬
‫وقد كان املوقف يتط َّلب داعي ًة جريئ ًا للفضيلة يش ُّن احلرب عىل هذا الوباء الفاتك‪،‬‬
‫زمان تدجت آفاقه‪ ،‬وغاب‬ ‫ٍ‬ ‫وداعي� ًة ال يكتفي بالنُّصوص الدِّ ين َّية واألق�وال املأثورة يف‬
‫ب‬‫�ي فيعلن للمأل م�ا أثبته ال ِّط ُّ‬
‫العلمي والتَّرشيح ال ِّط ِّب ِّ‬
‫ِّ‬ ‫هادي�ه‪ ،‬ب�ل يعمد إىل التَّحلي�ل‬
‫يب عن مآيس‬ ‫املعارص من أوبئة املس�كرات‪ ،‬وينقل أقوال األعالم يف دنيا ال ِّط ِّ‬
‫ب األورو ِّ‬
‫ثم تثمر جهوده يف اجت�ذاب ٍ‬
‫نفر من ذوي اهلمم‬ ‫اخلم�ر‪ ،‬وأدوائها الفاتكة باألجس�ام‪َّ ،‬‬
‫البصرية ليؤ ِّلف معهم منذ ستِّني عام ًا «مجع َّية منع املسكرات واخلمور» باإلسكندرية‪،‬‬
‫ثم يوايل االجتامعات َّ‬
‫بالش�باب من‬ ‫الرئيس�ة‪َّ ،‬‬ ‫ويتَّخ�ذ هلا مكان ًا جهري ًا بأحد َّ‬
‫الش�وارع َّ‬
‫املو َّظفني وال ُّطلاَّ ب ليجعلهم ألسنته النَّاطقة بني أرسهم وذوهيم‪.‬‬
‫ٍ‬
‫الفح�ة يقودها‬ ‫ٍ‬
‫حرب‬ ‫واس�تيقظ أصح�اب احلانات فج�أ ًة ليجدوا أنفس�هم أمام‬
‫الدُّ كت�ور غل�وش‪ ،‬فلجئ�وا إىل احلرب الب�اردة‪ ،‬إذ أذاع�وا َّ‬
‫أن الدُّ كتور غل�وش يتاجر‬
‫ٍ‬
‫بضراوة كيال تقف دون رواج جتارته‪،‬‬ ‫رسا يف احلش�يش واألفيون‪ ،‬فهو حيارب اخلمر‬ ‫ًّ‬

‫‪163‬‬
‫كي إلاَّ أنَّه أعلن أنَّه غيرَّ اس�م‬ ‫وانتشرت األكذوب�ة يف النَّاس‪ ،‬فما كان من املجاهد َّ‬
‫الذ ِّ‬
‫مجاعته من مجع َّية منع اخلمور إىل مجع َّية منع املسكرات كيال تقف عند اخلمور وحدها‪،‬‬
‫تتضمنه املس�كرات‬ ‫َّ‬ ‫مس�كر أو مـخدِّ ٍر‪َّ ،‬‬
‫ث�م أخذ يف اجتامعات�ه حي ِّلل ما‬ ‫ٍ‬ ‫ب�ل تن�اول َّ‬
‫كل‬
‫بعا َّمة الشرُّ ور‪ ،‬وكان تغيري االس�م مفاجأ ًة مفحم ًة جعلت أصحاب َّ‬
‫الشائعات يردون‬
‫الصالت الوثيقة باحلاكمني يف القاهرة فقد س�عوا‬
‫خائبني‪ ،‬وإذا كان بعضهم من ذوي ِّ‬
‫إىل نقله من اإلسكندرية وأجيبوا إىل ما يطلبون‪.‬‬
‫فاتذ‬ ‫ٍ‬
‫ميدان أوس�ع وأشمل‪ .‬خَّ‬ ‫فاتجَّ ه الدُّ كتور غلوش إىل القاهرة ليسير بنش�اطه يف‬
‫وتشق له ال َّطريق‪،‬‬
‫ُّ‬ ‫الس ِّيدة زينب‪ ،‬ووجد أنباء جهاده تسبقه‬ ‫مقرا رئيس ًا جلمع َّيته يف ِّ‬
‫حي َّ‬ ‫ًّ‬
‫الصحف اليوم َّية واألس�بوع َّية باتت عىل‬ ‫فارت�اح إىل م�ا قدِّ ر له من هجرة ال َّثغ�ر؛ َّ‬
‫ألن ُّ‬
‫اخلاصة بأرضار املسكرات‪.‬‬ ‫ٍ‬
‫مقربة منه‪ ،‬فجعل يمدُّ ها بشتَّى األبحاث‬
‫َّ‬
‫وحني رأى خصومه يواجهونه بانتشار اخلمور يف مجهرة البالد األوروب َّية دون أن‬
‫حت�دث لذوهيا ما يشير إليه م�ن األدواء‪ ..‬عمل جاهد ًا عىل أن يتَّص�ل بجمع َّيات منع‬
‫اخلم�ر يف إنجلرتا وفرنس�ا وألـمـانيا وبلجيكا وس�ائر العواصم الغرب َّي�ة‪ ،‬ليأخذ عنها‬
‫م�ا تقول‪ ،‬كي يقن�ع بعض من ال يعجبهم غير املنطق األورويب ممَّن هانت نفوس�هم‪،‬‬
‫ففق�دوا ال ِّثقة يف عقوهل�م‪ ،‬وصاروا هبا ًء تبدِّ دهم أعاصري املس�تعمرين‪ ،‬وقد ل َّبت هذه‬
‫اجلامع�ات رغبت�ه‪ ،‬فأرس�لت إلي�ه إحصائي ٍ‬
‫ات كثير ًة بام انت�اب طوائ�ف املدمنني من‬ ‫َّ‬
‫إهناك اجلس�م‪ ،‬وجنون العقل‪ ،‬وانحطاط قوى النَّس�ل‪ ،‬مؤ ِّيد ًة ذلك بتقريرات املجامع‬
‫ال ِّطـ ِّبـ َّية‪ ،‬واهليئات العلم َّية(‪.)1‬‬
‫*‬ ‫*‬ ‫*‬

‫البيومي (‪.)302/1‬‬
‫(‪« )1‬النهضة اإلسالمية يف سري أعالمها املعارصين» للدكتور حممد رجب ُّ‬

‫‪164‬‬
‫الشيخ عبد اهلل بن فدا ‪ -‬رمحه اهلل ‪ )1(-‬بقدوم الدَّ ولة العثامن َّية إىل بريدة‪،‬‬ ‫لـمـا سمع َّ‬
‫َّ‬
‫نس�يب له فيها‪ ،‬وكان‬ ‫ٍ‬ ‫فارا بدينه‪ ،‬ونزل عند‬ ‫يس�مى (زنقب املريدس�ية) ًّ‬ ‫َّ‬ ‫خرج إىل خب‬
‫بنفق�ة ط ِّي ٍبة‪ ،‬فكان يشرب حليبها هناك‪،‬‬ ‫ٍ‬ ‫ق�د اس�تصحب معه َمنِيح ًة (عنز ًا) اشتراها‬
‫واغتم‬
‫َّ‬ ‫فلـمـا علم بذلك تأ َّثر‬ ‫فقدر أن انطلت ليل ًة من ال َّليايل إىل خرضة اجلريان تأكل‪َّ ،‬‬
‫املرسة‬
‫هل�ا‪ ،‬ودعا بأهل الربس�يم ليقوم�وا ما أكلته‪ ،‬فأب�وا عليه وأخربوه أنهَّ �م يف حال َّ‬
‫الرحب أن تأكل منيحة َّ‬
‫الش�يخ منهم حل ِّبهم لصاحبها‪ ،‬فحبس�ها س�بعة‬ ‫بذل�ك‪ ،‬وعىل َّ‬
‫أ َّيا ٍم واجتنب َد َّرها فيها(‪.)2‬‬
‫*‬ ‫*‬ ‫*‬

‫الشيخ شكري األلويس ‪ -‬رمحه اهلل ‪ )3(-‬قد وصل إىل ٍ‬


‫حالة من الفقر ال مزيد‬ ‫كان َّ‬

‫(‪ )1‬ولد َّ‬


‫الشيخ عبد اهلل بن حممد بن فدا ‪ -‬رمحه اهلل ‪ -‬يف بريدة سنة (‪1271‬هـ)‪ ،‬وأخذ العلم عن علـمـاء‬
‫بل�ده‪ ،‬وعرض عليه القضاء فرفضه‪ ،‬وكان معروف ًا بالزه�د والورع والصالح‪ ،‬وترك خمالطة الناس‪ .‬تويف‬
‫سنة (‪1337‬هـ)‪« .‬علـمـاء نجد»‪.‬‬

‫(‪« )2‬تذكرة أويل النهى والعرفان» (‪.)251/2‬‬

‫(‪ )3‬ولد َّ‬


‫الشيخ حممود شكري بن عبد اهلل اآللويس احلسيني البغدادي أبو املعايل ‪ -‬رمحه اهلل ‪ -‬يف رصافة‬
‫بغ�داد س�نة (‪1273‬هـ)‪ ،‬أخ�ذ العلم عن أبيه وعم�ه‪ ،‬تصدر للتدري�س بداره ويف بعض املس�اجد‪ ،‬وهو‬
‫عالمة‪ ،‬مؤرخ‪ ،‬أديب‪ ،‬لغوي‪ .‬تويف ‪ -‬رمحه اهلل ‪ -‬سنة (‪1342‬هـ)‪.‬‬

‫‪165‬‬
‫فلـمـا عرف ذلك املعتمد اإلنجليزي (بريس كوكس) أهدى إليه ثالثامئة لرية‬
‫عليه�ا‪َّ ،‬‬
‫ذهب َّي�ة إنجليز َّية‪ ،‬وك َّلف الكرميل بتقديمها إلي�ه‪ ،‬فرفضها رفض ًا قاطع ًا‪ ،‬وقال‪ٌ :‬‬
‫خري يل‬

‫أن أموت جوع ًا من أن آخذ ما ال أتعب يف كسبه‪ ،‬الس َّيام وهو ُّ‬
‫عدو بالدي‪.‬‬
‫فأل�ح علي�ه إحلاح ًا متواصالً‪ ،‬فقال له‪ :‬ال تكثر م�ن إحلاحك لئلاَّ أطردك من بيتي‬
‫َّ‬
‫طر َد َم ْن ال عودة له إليه‪.‬‬
‫فسعى له هو ومجاع ٌة من أصدقائه وتالميذه حتَّى صدر األمر بتو ِّليه قضاء بغداد‪،‬‬
‫إن هذا املقام يس�تلزم علـمـ ًا زاخر ًا‪ ،‬وذ َّم ًة ال غبار عليها‪،‬‬
‫فلـمـا جاءوه بالتَّولية قال‪َّ :‬‬
‫َّ‬
‫ووقوف� ًا تا ًّما عىل الفقه‪ ،‬وأنا ال أجدين مس�تكم ً‬
‫ال هذه الُّش�رُّ وط‪ ،‬وال أصلح للقضاء‪،‬‬
‫ورفض(‪.)1‬‬
‫*‬ ‫*‬ ‫*‬
‫كان َّ‬
‫الش�يخ محد بن فارس ‪ -‬رمحه اهلل ‪ )2(-‬هو املس�ئول ع�ن بيت الـمـال‪ ،‬وكان‬
‫يوزع من بيت الـمـال ‪ -‬عنده‪ ،‬وكان ‪ -‬رمحه اهلل ‪ -‬ال يأكل‬
‫التَّم�ر والعي�ش ‪ -‬يعني ما َّ‬
‫من بيت الـمـال‪ ،‬فقد كان حيمل متره يف جيبه‪ ،‬وكان يفطر عليه(‪.)3‬‬
‫*‬ ‫*‬ ‫*‬

‫(‪« )1‬صفحات مرشقة من تاريخ أعالم األمة» لعبده عيل كوشك (ص ‪.)643‬‬

‫الش�يخ مح�د بن فارس بن حممد ‪ -‬رمحه اهلل ‪ -‬س�نة (‪1263‬هـ)‪ ،‬وقرأ عىل قايض اخلرج َّ‬
‫الش�يخ‬ ‫(‪ )2‬ول�د َّ‬
‫الرياض وق�رأ عىل علـمـائها‪ .‬وكان مرجع ُّ‬
‫الطلاَّ ب يف علوم‬ ‫ثم رحل إىل ِّ‬
‫عبد اهلل بن حسين املخضوب‪َّ ،‬‬
‫العربية‪ ،‬وقد عينه اإلمام عبد اهلل الفيصل عىل بيت الـمـال‪ .‬تويف سنة (‪1345‬هـ)‪« .‬علـمـاء نجد»‪.‬‬

‫(‪ )3‬حمارضة َّ‬


‫«الشيخ حممد بن إبراهيم حياته وآثاره» للشيخ صالح آل الشيخ‪.‬‬

‫‪166‬‬
‫الشيخ أمحد حممد الفاريس ‪ -‬رمحه اهلل ‪ )1(-‬أن يأكل يف ديوان أحد الوجهاء‬ ‫رفض َّ‬
‫ـحتجا أن دخل األمري من الضرَّ ائب ا َّلتي يأخذها من الت َُّّجار وهم غري راضني‪ ،‬وقد‬
‫ًّ‬ ‫ُم‬
‫امتثل األمري ألمره‪ ،‬فخفض نسبة الضرَّ ائب إىل ٍ‬
‫نسبة ريض عنها الت َُّّجار(‪.)2‬‬
‫* * *‬
‫السلام الب�دري ‪ -‬رمحه‬ ‫الش�يخ ال َّطاه�ر اللهيوي يف َّ‬
‫الش�يخ حمم�د بن عبد َّ‬ ‫ق�ال َّ‬
‫اهلل ‪ :)3(-‬ه�و العلاَّ م�ة املحدِّ ث ا َّل�ذي يغلب عليه احلفظ‪ ،‬وكان ي�كاد حيفظ «صحيح‬
‫البخاري برشح القس�طالين»‪ ،‬وكان حيفظ متون النَّحو و الفقه ك َّلها‪ ،‬و حيفظ «خمترص‬
‫الصبح‪ ،‬وكان‬
‫خلي�ل»‪ ،‬و كان يداوم ق�راءة حزبه بعد حزب القرآن الكريم بعد صالة ُّ‬
‫الزهد يف الدُّ نيا واآلخرة‪ ،‬والورع يف َّ‬
‫ملذاهت�ا الفانية‪ ،‬ومن عبادته ‪ -‬رمحه‬ ‫يغل�ب علي�ه ُّ‬
‫اهلل ‪ -‬أنَّ�ه كان يق�وم م�ن ال َّليل م�ا ش�اء اهلل‪ ،‬وكان ال ينام بعد صلاة ُّ‬
‫الصبح؛ بل كان‬
‫الس� ِّيد أمحد ا َّل�ذي كان يف احلفظ يامثل‬
‫يق�رأ «خمتصر خليل» بعد قراءة حزبه مع ولده َّ‬
‫أب�اه‪ ،‬وكان يواظب عىل صوم اإلثنني واخلميس‪ ،‬و ُطولِب بالقضاء فرفض‪ ،‬وجاء إليه‬
‫يب الفصيح‪ ،‬واستدعاه إىل‬‫املراقب اإلس�باين املدعو (برابوا)‪ ،‬وكان يتك َّلم ال ِّلسان العر َّ‬
‫ات‪ ،‬وهو يساومه بخ َّطة القضاء وكان‬ ‫دار خليفة القائد الس�يد حممد الشقاق ثالث مر ٍ‬
‫َّ‬ ‫َّ ِّ‬
‫يق�ول له‪ :‬أنا ال أصلح هلا‪ ،‬وكان يق�ول له‪ :‬تع َّينت عليك يف رشيعتكم لغزارة علمك‪،‬‬

‫(‪ )1‬ولد َّ‬


‫الش�يخ أمحد بن حممد بن أمحد الفاريس يف مدينة خنج من مدن بر فارس س�نة (‪1255‬هـ)‪ .‬قدم‬
‫الكويت مع والده س�نة (‪1270‬هـ)‪ .‬درس عىل والده‪ .‬وس�افر إىل كوهج ومس�قط ومرص يف بضع سنني‬
‫لتلق�ي العل�م‪ .‬كانت له جمالس لتدري�س العلم‪ ،‬كانت تربطه بحاكم الكويت َّ‬
‫الش�يخ س�امل الصباح صلة‬
‫الرومي‪.‬‬
‫وثيقة‪ .‬تويف سنة (‪1352‬هـ)‪« .‬علـمـاء الكويت وأعالمها» لعدنان ّ‬
‫الرومي‪.‬‬
‫(‪« )2‬علـمـاء الكويت وأعالمها» (ص ‪ )245‬تأليف عدنان بن سامل ّ‬
‫السالم بو زيد البدري ‪ -‬رمحه اهلل ‪ ،-‬كان من الفقهاء البارزين يف شامل املغرب‪،‬‬ ‫(‪َّ )3‬‬
‫الشيخ حممد بن عبد ّ‬
‫ع�رف بق�وة حفظ�ه‪ ،‬وصالحه‪ ،‬واجتهاده يف الدعوة إىل اهلل تعاىل‪ .‬تويف ‪ -‬رمحه اهلل ‪ -‬آخر يوم من ش�عبان‬
‫عام (‪1367‬هـ) موافق (‪1947‬م)‪ .‬موقع «ملتقى أهل احلديث»‪.‬‬

‫‪167‬‬
‫ويف ال َّثالثة أمىل عليه بعض أصدقائه رشوط ًا لع َّله ال تقبل منه‪ ،‬وهي أنَّه قال‪ :‬إذا شئتم‬
‫أن أت�ولىَّ القضاء فبرشط‪ :‬أن حيمل ظهري التَّولي�ة مخس إمضاءات‪ :‬إمضاء املقيم العام‬
‫الس�لطان‪ ،‬وإمض�اء رئيس الوزارة‪ ،‬وإمض�اء نائب األمور‬ ‫اإلس�باين‪ ،‬وإمضاء خليفة ُّ‬
‫الوطن َّي�ة‪ ،‬وإمض�اء املراق�ب البلدي‪ ،‬فقال له‪ :‬لـمـ�اذا؟ فقال له‪ :‬ليتأتَّ�ى يل أن أحكم‬
‫ثم مطلق املواطن‪ ،‬فقال له‪:‬‬ ‫عىل ال َّظامل الكبري وهو القائد وخليفته وأش�ياخه ومقدموه َّ‬
‫ثم قيل له‪ :‬إنَّه استش�ار مع احلكام األس�بان ِّيني‬ ‫نستشير يف األمر‪ ،‬فلم يرد عليه جواب ًا‪َّ ،‬‬
‫فقالوا له‪ :‬هذا ال يصلح لنا‪ ،‬وتركوا(‪.)1‬‬
‫* * *‬
‫(‪)2‬‬
‫الش�يخ حممد بن إبراهيم رمحهم اهلل‬ ‫الش�يخ عبد اهلل بن عبد ال َّلطيف يوكِّل َّ‬ ‫كان َّ‬
‫مـحمد‬
‫َّ‬ ‫ليصِّل�يِّ عن�ه الف�روض يف بعض األوق�ات‪ ،‬ووكَّله آخر حيات�ه‪َ ،‬ف َقبِ َل َّ‬
‫الش�يخ‬
‫الش�يخ عبد اهلل بن عب�د ال َّلطيف وحانت‬ ‫ولـمـا توفيِّ َّ‬‫الوكال�ة‪ ،‬ف�كان يصليِّ بالنَّاس‪َّ ،‬‬
‫الش�يخ حممد بن إبراهي�م أن يصليِّ بالنَّاس‪ ،‬وقال‪:‬‬ ‫الصلاة ا َّلتي هي بعد وفاته‪ ،‬امتنع َّ‬ ‫َّ‬
‫كان�ت صلايت بالنَّاس وكال ًة وكَّلني هبا إمام املس�جد‪ ،‬وأ َّما اآلن فلس�ت مص ِّلي ًا َلك ُْم؛‬
‫ألن ه�ذه وظيف ٌة‬ ‫الش�يخ عبد اهلل بن عب�د ال َّلطيف؛ َّ‬ ‫ألن الوكال�ة ق�د انقطع�ت بموت َّ‬ ‫َّ‬
‫ثم إنَّه ُأ ِم َر بعد ذلك بإمامة املسجد(‪.)3‬‬ ‫رشع َّي ٌة‪ ،‬وكان عمره إذ ذاك ثامني ًا وعرشين سن ًة‪َّ ،‬‬
‫*‬ ‫*‬ ‫*‬

‫(‪ )1‬موقع «ملتقى أهل احلديث»‪.‬‬

‫الري�اض س�نة‬ ‫الش�يخ اإلم�ام العالم�ة حمم�د ب�ن إبراهي�م آل َّ‬


‫الش�يخ ‪ -‬رمح�ه اهلل ‪ -‬يف مدين�ة ِّ‬ ‫(‪ )2‬ول�د َّ‬
‫(‪1311‬ه�ـ)‪ ،‬وق�رأ العل�وم عىل والده وعمه عبد اهلل ب�ن عبد اللطيف‪ ،‬وبعد وفاة عمه َّ‬
‫الش�يخ عبد اهلل ‪-‬‬
‫وكان عامل نجد وزعيمها اإلصالحي ‪ -‬صارت الزعامة للش�يخ حممد بن إبراهيم‪ ،‬وكان مس�جده جامعة‬
‫ٍ‬
‫لعديد من املناصب‪ ،‬ومن‬ ‫ً‬
‫رئيس�ا‬ ‫ت�درس فيه�ا مجيع العلوم‪ ،‬وخترج فيها مئات ُّ‬
‫الطالب‪ ،‬وقد كان َّ‬
‫الش�يخ‬
‫أمهها املعاهد العلمية‪ ،‬واجلامعة اإلسلامية‪ ،‬ورابطة العامل اإلسلامي‪ ،‬وإدارة البحوث واإلفتاء‪ .‬وال زال‬
‫عىل هذه اخلصال الكريمة ح َّتى تويف ‪ -‬رمحه اهلل ‪ -‬يف سنة (‪1386‬هـ)‪« .‬علـمـاء نجد»‪.‬‬

‫(‪ )3‬حمارضة َّ‬


‫«الشيخ حممد بن إبراهيم حياته وآثاره» للشيخ صالح بن عبد العزيز آل الشيخ‪.‬‬

‫‪168‬‬
‫الش�يخ أمح�د اجلابر الصباح من‬ ‫الش�يخ عبد اهلل اخللف الدحيان طلب َّ‬ ‫بع�د وفاة َّ‬
‫الش�يخ يوسف عيس�ى القناعي رمحهم اهلل(‪ )1‬أن يتولىَّ منصب القضاء؛ ألنَّه تعينَّ عليه‬ ‫َّ‬
‫الش�يخ بالتِّجارة ا َّلتي جعلها ُح َّج ًة لعدم تو ِّليه القضاء وملعرفته بخطورة‬ ‫وتعذر َّ‬ ‫ذلك‪َّ ،‬‬
‫املنصب ولكن برشط أن يكون‬ ‫َ‬ ‫الش�يخ أمحد اجلابر َقبِ َل‬ ‫هذا املنصب‪ ،‬ونتيجة إلرصار َّ‬
‫ق�اض آخر‪ ،‬وعىل ألاَّ يأخذ علي�ه أجر ًا‪ ،‬وكان‬ ‫ٍ‬ ‫ت�ة إىل حني العثور عىل‬ ‫لفرتة مؤ َّق ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫ذل�ك‬
‫يس�مى «وكيل القضاء»‪ ،‬وكانت تصله القضايا للحكم فيها يف مـح ِّله أو منزله‪ ،‬وبعد‬ ‫َّ‬
‫ونصف يف أعق�اب حادثة اخلباز طلب م�ن حاكم الكويت أن يعِّي�نِّ قاضي ًا آخر‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬
‫س�نة‬
‫الش�يخ أمحد عط َّية األثري‬ ‫الش�يخ أمحد اجلابر َّ‬ ‫ثالثة أ َّيا ٍم‪ ،‬وأمام إرصاره اختار َّ‬‫ِ‬ ‫خلال‬
‫الشيخ يوسف‪.‬‬ ‫والشيخ عبد العزيز قاسم محاده لتوليِّ وظيفة القضاء‪ ،‬وكانا يستشريان َّ‬ ‫َّ‬
‫شهري وس َّيار ٌة لتن ُّقالته‪ ،‬واعتذر للشيخ‬
‫ٌّ‬ ‫راتب‬
‫خيصص له ٌ‬ ‫ولقد رفض َّ‬
‫الش�يخ أن َّ‬
‫والراتب عندي‪ ،‬واهلل‬ ‫فالس� َّيارة َّ‬
‫عيل هذا األم�ر‪َّ ،‬‬ ‫َّ‬ ‫الس�امل قائلاً‪ :‬طالـمـا تعينَّ‬ ‫عب�د اهلل َّ‬
‫يعينني عليه(‪.)2‬‬
‫* * *‬

‫الشيخ يوسف بن عيسى بن حممد القناعي يف الكويت سنة (‪1296‬هـ)‪ .‬حفظ القرآن يف صغره‪.‬‬ ‫(‪ )1‬ولد َّ‬
‫ثم رجع‬ ‫ودرس عىل علـمـاء الكويت‪ ،‬ومن أش�هرهم َّ‬
‫الش�يخ عبد اهلل الدحيان‪ .‬ورحل يف طلب العلم‪َّ ،‬‬
‫وتوىل التدريس ح َّتى صار عامل الكويت‪ ،‬وأس�ند إليه القضاء‪ .‬تويف س�نة (‪1393‬هـ)‪« .‬علـمـاء الكويت‬
‫الرومي‪.‬‬
‫وأعالمها» لعدنان ّ‬
‫الرومي‪.‬‬
‫(‪« )2‬علـمـاء الكويت وأعالمها» (ص ‪ )473‬تأليف عدنان بن سامل ّ‬

‫‪169‬‬
‫بالصالح والتَّقوى‪ ،‬والورع‬
‫الوهاب الفارس ‪ -‬رمح�ه اهلل ‪َّ )1(-‬‬ ‫ف َّ‬
‫الش�يخ عبد َّ‬ ‫ُع ِر َ‬

‫والتَّس�امح‪ ،‬وروي عن�ه أنَّ�ه كان يسير ذات يو ٍم مع صديقه َّ‬


‫الش�يخ حمم�د بن جراح‬

‫السائق كان سكران امتنعا‬ ‫ٍ‬


‫حفرة وجرحا‪ ،‬وحني علـمـا َّ‬
‫أن َّ‬ ‫فصدمتهام س َّيار ٌة فسقطا يف‬
‫ٍ‬
‫واحد‪ ،‬وهذا منتهى الورع والبعد‬ ‫ٍ‬
‫موقف‬ ‫عن مقاضاته خوف ًا من أن يقفا مع سكران يف‬

‫ربك ًا بدعائه ولثقتهم‬


‫الزواج عنده ت ُّ‬ ‫عن ُّ‬
‫الشبهات‪ ،‬وكان الناس يتسابقون لتوثيق عقود َّ‬

‫الرجال ذهب إىل املحكمة للتَّصديق عىل عقد النِّكاح ا َّلذي‬ ‫يف تد ُّين�ه‪ ،‬ويروى َّ‬
‫أن أحد ِّ‬
‫موضع توقي ِع َّ‬
‫الشيخ‬ ‫َ‬ ‫الوهاب‪ ،‬فأمسك املو َّظف العقد و َق َّبل‬ ‫قام بإحكامه َّ‬
‫الش�يخ عبد َّ‬
‫ربك ًا وإجالالً له(‪.)2‬‬
‫الوهاب ت ُّ‬
‫عبد َّ‬
‫*‬ ‫*‬ ‫*‬

‫الرمحن الفارس يف الكويت سنة (‪1318‬هـ)‪ .‬درس عىل َّ‬


‫الشيخ عبد‬ ‫(‪ )1‬ولد َّ‬
‫الشيخ عبد الوهاب بن عبد َّ‬
‫اهلل الدحيان وعبد املحسن البابطني‪ ،‬وعكف عىل البحث واملطالعة‪ .‬له بعض املصنفات الفقهية‪ .‬تويف سنة‬
‫الرومي‪.‬‬
‫(‪1403‬هـ)‪« .‬علـمـاء الكويت وأعالمها» لعدنان ّ‬
‫الرومي‪.‬‬
‫(‪« )2‬علـمـاء الكويت وأعالمها» (ص ‪ )616‬تأليف عدنان بن سامل ُّ‬

‫‪170‬‬
‫الش�يخ عمر بن عب�د العزيز َّ‬
‫الش�يخاين ‪ -‬رمحه اهلل‬ ‫علي بن حممد ونيس يف َّ‬
‫يق�ول ُّ‬
‫لـمـ�ا كتبت بحث ًا يف الفقه املقارن وهو «حتقيق املقال يف رمي اجلامر قبل َّ‬
‫الزوال»‬ ‫‪َّ : -‬‬
‫(‪)1‬‬

‫طلبت من ش�يخي أن يقرأه‪ ،‬ففعل تواضع ًا منه ‪ -‬رمحه اهلل ‪ ،-‬ك َّلام س�ألته قال‪ :‬البحث‬
‫مة من فضيلتك هلذا البحث قبل طباعته‪ ،‬فقال يل‪ :‬ال‪،‬‬ ‫طي�ب‪ ،‬فقل�ت له‪ :‬أطمع يف مقدِّ ٍ‬
‫ِّ ٌ‬
‫يدل عىل ورع َّ‬
‫الش�يخ‬ ‫لكن إذا كتبت يف علم األصول س�أفعل ‪ -‬إن ش�اء اهلل ‪ .-‬وهذا ُّ‬
‫بارع‪،‬‬ ‫ٍ‬ ‫ِ‬
‫حنفي ٌ‬ ‫ٌّ‬ ‫بفقيه‪ ،‬بل هو فقي ٌه‬ ‫َّخصص‪ ،‬وهذا ال يعني أنَّه ليس‬ ‫العلمي‪ ،‬فإنَّه ُي ْؤمن بالت ُّ‬
‫ِّ‬
‫ص بحيث يمهر فيه ويتقنه فال‬ ‫ختص ٍ‬‫يستمر طالب العلم يف ُّ‬
‫َّ‬ ‫متني‪ ،‬لكنَّه يريد أن‬
‫وأصو ٌّيل ٌ‬
‫تزل قدمه‪ ،‬وال ُّ‬
‫يضل فهمه‪ ،‬وال يطيش قلمه‪ ،‬ويطبق ذلك عىل نفس�ه‪ .‬الثاين‪ :‬أنَّه اتَّفق‬ ‫ُّ‬
‫املقررة كانت‬‫معن�ا عىل أن يدرس لن�ا يوم ًا آخر غري يوم تدريس األص�ول‪ ،‬والـمـا َّدة َّ‬
‫ٍ‬
‫ومش�ورة من‬ ‫ٍ‬
‫توجيه‬ ‫كتاب النكاح من «بداية املجتهد» البن رش�د‪ ،‬وكان هذا بِنا ًء عىل‬
‫الش�يخ حممد‬ ‫الدُّ كتور أس�امة عبد العظيم محزة‪ ،‬واتَّفق عىل هذا الدَّ رس األخ الفاضل َّ‬
‫ٍ‬
‫ذاهب إىل أنَّه‬ ‫فلـمـ�ا بدأنا يف الدَّ رس قرأن�ا تعريف النِّكاح‪ ،‬فم�ن‬
‫بيض�ون التَّميم�ي‪َّ ،‬‬
‫الش�يخ ‪ -‬رمحه اهلل ‪ -‬وإيه الفرق‬ ‫ٍ‬
‫ذاهب إىل أنَّه إباحة البضع‪ ،‬فقال َّ‬ ‫ملك البضع‪ ،‬ومن‬
‫الزوج ل�و كان يملك البضع هيأجره؟! فقلت‪ :‬ش�يخنا قد ذكر بعض أهل‬
‫يعن�ي‪ ،‬هو َّ‬
‫ٍ‬
‫بنكاح‬ ‫العل�م ال َّثمرة املرتتِّبة عىل هذا االختالف يف التَّعري�ف‪ ،‬فقالوا‪ :‬إذا ُوطئت املرأة‬
‫أجنبي عىل أنهَّ ا زوجته فه�ذا يوجب مهر املثل‪،‬‬
‫ٌّ‬ ‫متزوج ٌة‪ ،‬كأن يطأه�ا‬
‫فيه ش�به ٌة وه�ي ِّ‬

‫الشيخ األصويل عمر بن عبد العزيز حممد الشيخاين ‪ -‬رمحه اهلل ‪ -‬من مشاهري علـمـاء العراق‪ ،‬درس‬ ‫(‪َّ )1‬‬
‫على وال�ده ا َّل�ذي كان من كبار علـمـاء عصره‪ ،‬وأكمل دراس�ته يف كلية الرشيعة اإلسلامية من جامعة‬
‫درس بجامعة أم‬ ‫املكرم�ة حيث َّ‬
‫مكة َّ‬ ‫ثم رحل إىل َّ‬
‫مدرس�ا بجامعة بغداد‪َّ ،‬‬
‫ً‬ ‫ثم عاد بالده‬
‫األزه�ر الرشي�ف‪َّ ،‬‬
‫ريا بوزارة‬‫ثم عمل خب ً‬
‫ودرس كذلك باجلامعة اإلسلامية‪ .‬وفد إىل قطر للتدريس بكلية الرشيعة‪َّ ،‬‬ ‫القرى‪َّ ،‬‬
‫وعضوا بلجنة إحياء الرتاث اإلسالمي‪ ،‬ومل ينقطع عن التدريس ح َّتى وفاته‬
‫ً‬ ‫األوقاف والشئون اإلسالمية‬
‫يف ‪ 13‬من شعبان سنة (‪ 1431‬هـ)‪.‬‬

‫‪171‬‬
‫للزوج‪ ،‬وإن قلنا‪ :‬إنَّ�ه إباحة البضع فيكون‬ ‫ف�إن قلن�ا إنَّه ملك البضع يكون مه�ر املثل َّ‬
‫فلـمـا ج َّن علينا ال َّليل اتَّصل يب وقال‬ ‫ِ‬
‫الشيخ ومل يبد ش�يئ ًا‪َّ ،‬‬ ‫مهر املثل للمرأة‪ ،‬فس�كت َّ‬
‫ك�رر يل م�ا ذكرت يف الدَّ رس فإنيِّ مل أنتبه ل�ه‪ ،‬فاعتذرت منه وحاولت عدم الكالم‬ ‫يل‪ِّ :‬‬
‫فأعدت عليه‬ ‫عيل‪،‬‬ ‫ِ‬ ‫حيا ًء وخجالً‪ ،‬وأنا ‪ -‬واهلل ‪ -‬مل أقصد شيئ ًا‪ ،‬فقال‪ :‬هذا ٌّ‬
‫ُ‬ ‫حق‪ ،‬فأعدْ ُه َّ‬
‫ثم اعتذر عن الدَّ رس ومل يكمله‪ ،‬وأنا مل أفاحته يف سبب‬ ‫الكالم‪ ،‬فقال‪ :‬جزاك اهلل خري ًا‪َّ ،‬‬
‫َّخصص هو ا َّلذي منعه‪ ،‬وأ َّما أنا‬ ‫تو ُّقف الدَّ رس‪ ،‬لكن أظ ُّن َّ‬
‫أن ورع َّ‬
‫الش�يخ وإيامنه بالت ُّ‬
‫فعاتبت نفيس كثري ًا عىل ذلك‪ ،‬قلت‪ :‬سوء أديب تس َّبب يف تو ُّقف مثل هذا اخلري‪ ،‬أسأل‬
‫يتحرز منها جدًّ ا‪ ،‬فقد زرته‬ ‫اهلل العافي�ة واملغف�رة‪ .‬وأ َّما يف أمور الدُّ نيا‪ ،‬فقد كان َّ‬
‫الش�يخ َّ‬
‫املرصي ومل يرها‪،‬‬
‫ِّ‬ ‫الصيف‪ ،‬وأخذت معي كيلوين من عس�ل النَّحل‬
‫يف بيته بعد إجازة َّ‬
‫وتركتها بعد جلويس معه وخرجت‪ ،‬فام أن وصلت إىل البيت حتَّى اتَّصل يب وك َّلمني‬
‫يسري‪ ،‬وبيني وبني فضيلتكم من الو ِّد ما‬
‫مغضب جدًّ ا‪ :‬ما هذا؟ فقلت‪ :‬هذا يش ٌء ٌ‬
‫ٌ‬ ‫وهو‬
‫يس�مح بذل�ك‪ ،‬فقال يل‪ :‬أنا أس�تاذك يف اجلامعة أليس كذلك؟ قل�ت‪ :‬بىل‪ ،‬قال‪ :‬وهل‬
‫جيوز أن يهُ دي ال َّطالب ألستاذه؟ قلت‪ :‬ال‪ ،‬لك َّن ُّ‬
‫الشبهة أنت بري ٌء منها! قال‪ :‬ال‪ ،‬فإذا‬
‫خترجت من اجلامعة فأهدين ما شئت‪َ ،‬‬
‫تعال اآلن فخذ هذا العسل(‪.)1‬‬ ‫َّ‬
‫*‬ ‫*‬ ‫*‬
‫حج َّ‬
‫الش�يخ حممد بن مقبل‬ ‫الش�يخ عمر بن حس�ن آل َّ‬
‫الش�يخ ‪ -‬رمحه اهلل ‪َّ :-‬‬ ‫قال َّ‬
‫ولـمـا وصل مكَّة وقىض مناس�كه س� َّلم عىل َّ‬
‫الشيخ عبد اهلل بن حسن‪،‬‬ ‫‪ -‬رمحه اهلل ‪َّ ،-‬‬
‫للسلام عىل امللك‪،‬‬ ‫الش�يخ عبد اهلل بن حس�ن رئيس القضاة‪ :‬س�نذهب مع ًا َّ‬ ‫فق�ال له َّ‬
‫الضيافة‪ ،‬وإجراء مصاريف ل�ك حتَّى تغادر‬ ‫ونطل�ب من�ه إنزالك يف ٍ‬
‫بي�ت من ُب ُي�وت ِّ‬
‫حاجا وال أريد أن أرى أح�د ًا أو يراين أحدٌ ‪ ،‬وال‬
‫حممد‪ :‬إنَّام جئ�ت ًّ‬ ‫مكَّ�ة‪ :‬فقال َّ‬
‫الش�يخ َّ‬

‫(‪ )1‬موقع «ملتقى أهل احلديث»‪.‬‬

‫‪172‬‬
‫أرص عىل أن‬ ‫يشء من بيت الـمـال‪ ،‬فاس�تغرب َّ‬‫أرغب يف أخذ ٍ‬
‫الش�يخ عبد اهلل‪ ،‬ولكنَّه َّ‬
‫حممد‪ :‬إنَّه إن علم بمجيئك ومل تس� ِّلم عليه صار‬ ‫يزور امللك عبد العزيز‪ ،‬وقال َّ‬
‫للش�يخ َّ‬
‫إحلاح عليه وافق عىل مرافقة َّ‬
‫الشيخ عبد اهلل بن حسن للملك عبد‬ ‫ٍ‬ ‫يف نفسه يش ٌء‪ ،‬وبعد‬
‫رحب ب�ه‪ ،‬وقال له‪ :‬مل ختربنا بمجيئك حتَّى نأمر‬
‫ولـمـا رآه امللك عبد العزيز َّ‬
‫العزي�ز‪َّ ،‬‬
‫حاجا ومعي‬
‫الشيخ وقال للملك عبد العزيز‪ :‬إنَّام جئت ًّ‬ ‫بالضيافة واملنزل‪ .‬فاعتذر َّ‬
‫لك ِّ‬
‫الذهب والكس�وة‪ ،‬فقال‬ ‫م�ا يكفين�ي‪ .‬وبعد أن خرج من عند امللك بعث له بمبل ٍغ من َّ‬
‫للخ�ادم ا َّل�ذي أتى هبا‪ :‬إنهَّ ا ليس�ت يل وال آخذها‪َّ ،‬‬
‫فألح اخل�ادم عليه بأخذها فرفض‪،‬‬
‫ورجع هبا اخلادم إىل امللك‪ ،‬فاستغرب ُ‬
‫امللك عد َم أخذها‪.‬‬
‫َّ‬
‫يس�تدل عليهم خادم‬ ‫ث�م إنَّ�ه بعد ذهاب خادم املل�ك أمر رفقته بتغيري منزهلم لئلاَّ‬
‫بالذهب والكس�وة‪ .‬وقد صادف األمري فيصل ب�ن عبد العزيز‬ ‫املل�ك إن أع�اده امللك َّ‬
‫نائ�ب جالل�ة امللك عىل احلجاز آنذاك عند امللك عبد العزيز فس� َّلم عىل َّ‬
‫الش�يخ حممد‬
‫الش�يخ حممد قد س�قطت‪،‬‬ ‫بن مقبل بعدما عرفه‪ ،‬وكان يس�مع به‪ ،‬فرأى بعض أس�نان َّ‬
‫فقال‪ :‬يا شيخ‪ ،‬سنبعث لك طبيب األسنان لريكب لك بدالً من هذه األسنان ا َّلتي قد‬
‫الشيخ‪ :‬اهلل املستعان‪ ،‬إن ا َّلذي بقي منها سيكفي بق َّية العمر‪.‬‬
‫سقطت‪ ،‬فقال َّ‬
‫ع َّين�ه املل�ك عبد العزيز عىل قضاء عني�زة‪ ،‬وأخربه أنَّه عينَّ َّ‬
‫الش�يخ عبد العزيز بن‬
‫ٌ‬
‫ومبلغ من‬ ‫س�بيل على قضاء البكريي�ة‪ ،‬وبعث له خطاب ًا بذل�ك‪ ،‬ومع اخلطاب كس�و ٌة‬
‫الـمـ�ال‪ ،‬فقال للخ�ادم ا َّلذي أحرض املبلغ وجاء بالكتاب‪ :‬س� ِّلم يل عىل اإلمام‪ ،‬وقل‬
‫مقبول‪ ،‬واملنصب يف عنيزة غري ٍ‬
‫ممكن‪ ،‬وأ َّما هذه الكسوة واملبلغ‬ ‫ٌ‬ ‫له‪ :‬العزل من البكريية‬
‫واستمر يف‬
‫َّ‬ ‫فألح عليه أمري القصيم فرفض‬
‫فسيجد َم ْن هو أحوج منِّي إليها‪ ،‬وأعادها‪َّ ،‬‬
‫ترك القضاء إىل أن توفيِّ ‪ -‬رمحه اهلل ‪.)1(-‬‬
‫*‬ ‫*‬ ‫*‬

‫(‪« )1‬علـمـاء آل سليم وتالميذهم» للشيخ صالح العمري (‪.)504/2‬‬

‫‪173‬‬
174
‫اهتمامهم‬
‫بامل�سلمني‬

‫‪175‬‬
176
‫الرجل ا َّلذي ال‬ ‫الش�يخ حس�ن بن عبد اهلل آل َّ‬
‫الش�يخ ‪ -‬رمح�ه اهلل ‪ -‬بأنَّ�ه َّ‬
‫(‪)1‬‬
‫ف َّ‬‫ُع ِر َ‬
‫ٍ‬
‫خطاب ختم به حياته‪ ،‬كان قد كتبه ألحد املس�ئولني ملس�اعدة‬ ‫يقول‪« :‬ال»‪ ،‬بل َّ‬
‫إن آخر‬

‫الش�يخ ‪ -‬بعد اهلل ‪ -‬من أجل ش�فاعته‪ ،‬وهو ا َّلذي يعرف‬


‫أحد املواطنني ا َّلذي جلأ إىل َّ‬

‫قدره ومكانته عند املس�ئولني والنَّاس‪ ،‬ويش�اء اهلل أن يذهب اخلطاب لذلك املس�ئول‬

‫بعد وفاة َّ‬


‫الشيخ‪ ،‬ويشاء اهلل أن تفلح شفاعته وهو بني جنبات القرب ‪ -‬رمحه اهلل ‪. )2(-‬‬

‫*‬ ‫*‬ ‫*‬

‫أن امللك خال�د ًا ‪ -‬رمحه اهلل ‪َّ -‬‬


‫لـمـا ق�دم اجلنوب‪،‬‬ ‫الش�يخ س�عيد بن مس�فر َّ‬
‫ذكر َّ‬

‫واجتم�ع بالعلـمـ�اء والدُّ عاة اغتنم الفرصة َّ‬


‫الش�يخ عبد اهلل الواب�ل ‪ -‬رمحه اهلل ‪،)3(-‬‬
‫ٍ‬
‫ورفع للملك خالد خطاب ًا يطلب فيه منح اجلنس�ية ُّ‬
‫السعود َّية َّ‬
‫للشيخ عبيد اهلل األفغاين‬

‫املكرمة يف بيت والده رئيس‬


‫مكة َّ‬ ‫الشيخ سنة (‪1352‬هـ)‪ ،‬ونشأ يف َّ‬ ‫الش�يخ حس�ن بن عبداهلل آل َّ‬
‫(‪ )1‬ولد َّ‬
‫ثم وزير ًا للتعليم العايل‪ .‬تويف س�نة‬
‫قض�اة احلج�از‪ ،‬وترقى يف العلم والرتب ح َّت�ى صار وزير ًا للمعارف‪َّ ،‬‬
‫(‪1407‬هـ)‪« .‬علـمـاء نجد» (‪.)40/2‬‬

‫الشيخ ‪ -‬اإلنسان ا َّلذي مل يرحل» (ص ‪ )23‬حلمد بن عبد اهلل القايض‪.‬‬


‫«الشيخ حسن آل َّ‬
‫(‪َّ )2‬‬

‫الشيخ القايض العلاَّ مة عبداهلل بن يوسف بن عبداهلل بن عيل الوابل ‪ -‬رمحه اهلل ‪ -‬يف أحد القصور‬
‫(‪ )3‬ولد َّ‬
‫ثم‬
‫الزراعية ملدينة البكريية يس�مى بئر إبراهيم س�نة (‪1328‬هـ)‪ ،‬ونشأ يف حجـر والديه ح َّتى ترعرع ونام‪َّ ،‬‬
‫ب�دأ يطل�ب العلم يف املدرس�ة العادية األهلية يف مدين�ة البكريية‪ ،‬أتم حفظ الق�رآن الكريم عن ظهر قلب‬
‫وعم�ره عرش س�نوات‪ .‬قىض حياة حافل�ة بالعلم والفضل والزه�د والذكر الدائم هلل س�بحانه والعزوف‬
‫ع�ن الش�هرة واملظاهر‪ ،‬وعدم ح�ب الظهور مع جالل�ة علمه وعظي�م فضله‪ .‬تويف ي�وم اخلميس املوافق‬
‫الرابعة والتس�عني سنة‪ ،‬بعد‬‫الرياض عن عمر ناهز َّ‬ ‫(‪1422/2/23‬هـ) يف املستش�فى التخصيص بمدينة ِّ‬
‫الشيخ عبداهلل بن يوسف»‪.‬‬‫معاناة مريرة مع املرض والشيخوخة‪« .‬أضواء عىل حياة َّ‬

‫‪177‬‬
‫والصغار القرآن الكري�م ‪ ،-‬فقرأ امللك‬
‫‪ -‬وه�و من املش�ايخ املعروفني بتعليم الكب�ار ِّ‬

‫ثم دعا األمري ناي ًفا‪ ،‬وقال‪ :‬أعطوه‪ .‬ومل يزد عليها ش�يئ ًا‪ ،‬أو يكتب عىل‬
‫خالدٌ اخلطاب‪َّ ،‬‬
‫اخلطاب شيئ ًا‪ ،‬فام كان بعد شهرين إلاَّ وإمارة اجلنوب تطلب َّ‬
‫الشيخ عبيد اهلل األفغاين‪،‬‬

‫السعود َّية(‪.)1‬‬
‫ملنحه اجلنس َّية ُّ‬

‫*‬ ‫*‬ ‫*‬

‫(‪ )1‬الربنامج اإلذاعي «يف موكب الدعوة» ‪ -‬إذاعة القرآن الكريم يف الس�عودية ‪ -‬إعداد وتقديم‪ :‬حممد‬
‫ابن عبد اهلل املشوح‪.‬‬

‫‪178‬‬
179
180
‫عبادتهم‬

‫‪181‬‬
182
‫الوهاب ‪ -‬رمح�ه اهلل ‪-‬‬
‫(‪)1‬‬
‫حممد بن عب�د َّ‬ ‫الس�لف َّية اإلصالح َّية َّ‬
‫الش�يخ َّ‬ ‫كان إم�ام الدَّ ع�وة َّ‬
‫قل ما يفرت من قول‪ :‬س�بحان اهلل واحلم�د هلل وال إله إلاَّ اهلل واهلل‬
‫الذك�ر هلل تعاىل‪َّ ،‬‬
‫كثير ِّ‬
‫أكرب‪ ،‬وكان إذا جلس للنَّاس ينتظرونه يعلمون إقباله إليهم قبل أن يروه من كثرة هلجه‬
‫بالتَّسبيح والتَّحميد والتَّهليل والتَّكبري‪.‬‬
‫وكان كثري ًا ما يلهج بقوله تعاىل‪ :‬ﱫ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ‬
‫ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ‬
‫ﮁ ﱪ [األحقاف‪.]15:‬‬
‫ذر َّيته العلـمـاء والع َّباد‪ ،‬وذلك فضل اهلل يؤتيه‬
‫فأجاب س�بحانه دعاءه‪ ،‬فصار يف ِّ‬
‫من يشاء واهلل ذو الفضل العظيم(‪. )2‬‬
‫*‬ ‫*‬ ‫*‬
‫الشيخ عبد اهلل بن فايز أبا اخليل ‪ -‬رمحه اهلل ‪ )3(-‬جمتهد ًا يف العبادة‪ ،‬ووصفه ابن‬
‫كان َّ‬
‫«الس�حب الوابلة» بقوله‪ :‬كان جلد ًا يف العبادة‪ ،‬وله مدارس� ٌة يف القرآن‬
‫محيد صاحب ُّ‬
‫ٍ‬
‫أجزاء أو‬ ‫الس�نة‪ ،‬ويقرءون إىل نحو نصف ال َّليل عرشة‬ ‫ٍ‬
‫الكريم مع مجاعة يف مجيع ليايل َّ‬

‫(‪ )1‬ول�د اإلم�ام املجدد حممد بن عبد الوهاب يف العيينة س�نة (‪1115‬هـ)‪ ،‬ونش�أ فيها وطلب العلم عىل‬
‫ثم رجع‬‫ثم توجه إىل املدينة املنورة والبرصة واإلحس�اء‪َّ ،‬‬
‫والده‪ ،‬س�افر إىل مكة للحج والتزود من العلم‪َّ ،‬‬
‫ثم ارحتل إىل الدرعية عند اإلمام حممد بن س�عود‪ ،‬وتعاهدا عىل الدعوة‬ ‫ثم العيينة‪َّ ،‬‬
‫إىل نج�د يف حريملاء‪َّ ،‬‬
‫إىل التوحيد‪ ،‬واس�تمر عىل ذلك إىل أن تويف س�نة (‪ 1206‬هـ)‪ ،‬وقام باألمر من بعده أبناؤه‪ ،‬وأحفاده‪ ،‬وله‬
‫ذري�ة مبارك�ة إىل يومنا هذا ‪ -‬رحم اهلل أمواهت�م‪ ،‬وحفظ أحياءهم ‪« .-‬علـمـاء نج�د خالل ثامنية قرون»‬
‫(‪.)125/1‬‬

‫(‪« )2‬عنوان املجد يف تاريخ نجد» للشيخ عثامن بن برش (‪.)95 ،89/1‬‬

‫الشيخ عبداهلل بن فايز أبا اخليل سنة (‪ 1200‬هـ) تقريب ًا يف عنيزة‪ ،‬ورحل إىل مكة لطلب العلم‪،‬‬
‫(‪ )3‬ولد َّ‬
‫عينه أعيان عنيزة وأمريها قاضي ًا‬
‫السعودية األوىل َّ‬
‫وأخذ العلم عن بعض علـمـائها‪ ،‬وبعد س�قوط الدولة ُّ‬
‫لدهيم‪ .‬تويف سنة (‪1251‬هـ)‪« .‬علـمـاء نجد» (‪.)370/4‬‬

‫‪183‬‬
‫مر ًة أنهَّ م رشعوا يف س�ورة الفرقان بعد العش�اء وختموا‪ ،‬وكنت أحرض‬
‫أكثر‪ ،‬وأعرف َّ‬
‫وأنا ابن ٍ‬
‫عرش مع بعض أقاريب فيغلبني النَّوم‪ ،‬فإذا فرغوا محلت إىل بيتنا وأنا ال أشعر‪،‬‬
‫كل ٍ‬
‫ليلة(‪.)1‬‬ ‫والبيضاوي َّ‬ ‫البغوي‬ ‫وكان مع القراءة يراجع تفسري‬
‫ِّ‬ ‫ِّ‬
‫*‬ ‫*‬ ‫*‬
‫املرصي املدَّ اح ‪ -‬رمحه اهلل ‪ )2(-‬يقرأ عليه «ابن قاس�م عىل متن أيب‬
‫ِّ‬ ‫كان َّ‬
‫الش�يخ عيل‬
‫ش�جاع» غيب� ًا ويقرره‪ ،‬وكان دائ ًام مالزم ًا هلذا الكت�اب للمبتدئني‪ ،‬مع أنَّه كان بحر ًا يف‬
‫حر مكَّة‪ ،‬وكان ال يفطر إلاَّ العيدين وأ َّيام التَّرشيق‪،‬‬
‫العلوم‪ ،‬وكان دائ ًام يصوم مع شدَّ ة ِّ‬
‫وطال عمره قريب ًا من مائة وبضع سنني(‪.)3‬‬
‫*‬ ‫*‬ ‫*‬
‫كل ٍ‬
‫ليلة آخر‬ ‫الش�يخ عثامن بن عبد اهلل بن عثامن بن ٍ‬
‫برش ‪ -‬رمحه اهلل ‪ )4 (-‬يقرأ َّ‬ ‫كان َّ‬
‫ٍ‬
‫أجزاء من القرآن يف قيام ال َّليل‪ ،‬ويصليِّ إحدى عرشة ركعة حرض ًا وس�فر ًا‬ ‫ال َّليل أربع َة‬
‫حتَّ�ى تو َّفاه اهلل‪ ،‬وال خيرج بعد صالة الفجر من املس�جد حتَّ�ى يصليِّ صالة ُّ‬
‫الضحى‪،‬‬
‫ش�وال دوم ًا‪ ،‬وتس�ع ذي َّ‬
‫احلجة‬ ‫ٍ‬
‫ش�هر ثالثة أ َّيا ٍم دوام ًا وس�تَّة أ َّيا ٍم من َّ‬ ‫ويصوم من ِّ‬
‫كل‬

‫(‪« )1‬علـمـاء نجد خالل ثامنية قرون» (‪.)373/4‬‬

‫الشيخ عيل املداح النبهاوي املرصي الشافعي ‪ -‬رمحه اهلل ‪ -‬عالـمـ ًا جليل القدر‪ ،‬وممن جاور يف‬
‫(‪ )2‬كان َّ‬
‫مكة‪ .‬عرف بعبادته‪ ،‬وسعة علمه‪ .‬تويف سنة (‪1277‬هـ)‪.‬‬

‫الس�تار عبد‬
‫(‪« )3‬في�ض املل�ك الوه�اب املتعايل بأنب�اء أوائل الق�رن الثالث عرش والتوايل» للش�يخ عبد َّ‬
‫الوهاب البكري الصديقي اهلندي املكي احلنفي (‪.)823/1‬‬

‫ثم انتقل إىل‬ ‫(‪ )4‬ولد َّ‬


‫الشيخ عثامن بن برش سنة (‪1210‬هـ) يف بلدة جالجل إحدى بلدان مقاطعة سدير‪َّ ،‬‬
‫الدرعية حوايل سنة (‪1224‬هـ)‪ ،‬وتلقى العلم عىل علـمـائها‪ ،‬وعاش يف عهد الدولتني آلل سعود األوىل‬
‫ثم ا َّلتي جددها اإلمام تركي‪ .‬تويف سنة (‪1290‬هـ) يف بلدة جالجل‪« .‬علـمـاء نجد»‪.‬‬
‫َّ‬

‫‪184‬‬
‫حمرم مع يو ٍم قبله أو يو ٍم بعده(‪.)1‬‬ ‫حاجا‪ ،‬وعارش َّ‬ ‫دوم ًا ما مل يكن ًّ‬
‫* * *‬
‫الس� ِّن‪،‬‬
‫صغري ِّ‬
‫ُ‬ ‫الكريم وهو‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫القرآن‬ ‫(‪)2‬‬
‫الش�قفة ‪ -‬رمحه اهلل ‪-‬‬ ‫ُ‬
‫حس�ون َّ‬ ‫َح ِف َظ الش�يخ‬
‫القراء يف محاة بوقته‪ ،‬فقد كان يس�تيقظ قبل الفجر‬ ‫ث�م تل َّق�ى القراءات عىل يدي ش�يخ َّ‬ ‫َّ‬
‫الصالة يذهب إىل قرية (كازو)‬ ‫ثم بعد َّ‬‫يتوضأ ويصليِّ ما شاء اهلل له أن يصليِّ ‪َّ ،‬‬‫بساعتني َّ‬
‫ثم يعود إىل‬ ‫‪ -‬وه�و يلب�س يف رجله القبقاب ‪ -‬إىل ش�يخه يف القراءات‪ ،‬يقرأ ويس�مع َّ‬
‫ويستمر عىل ذلك دون طعا ٍم حتَّى‬ ‫ُّ‬ ‫بيته ليتابع القراءة واملطالعة يف كتب الفقه وغريها‪،‬‬
‫واس�تمر عىل هذا النَّهج حتَّى مهر‬
‫َّ‬ ‫يصليِّ العرص فيأكل وجب ًة واحدةً‪ ،‬ويكتفي بذلك‪،‬‬
‫وفاق(‪.)3‬‬
‫* * *‬
‫العجاجي ‪ -‬رمحه اهلل ‪َّ -‬‬
‫مر ًة يف املقربة فالتفت‬ ‫(‪)4‬‬
‫ِّ‬ ‫ٍ‬
‫نارص‬ ‫الرمحن بن‬‫الشيخ عبد َّ‬‫كان َّ‬
‫جترد من ثيابه‪ ،‬وكان قد لبس حتتها أكفانًا‪ ،‬فنزل يف ٍ‬
‫قرب‬ ‫فلـمـا مل ير أحد ًا َّ‬
‫يمن� ًة ويسرةً‪َّ ،‬‬
‫ومتدَّ د فيه وجعل يبكي وحياس�ب نفس�ه‪ :‬مالك تفعلني ك�ذا؟ مل تعصني اهلل وهو يراك‬
‫ات(‪.)5‬‬ ‫وتأكلني املتشابه؟! وقد تكرر ذلك منه عدَّ ة مر ٍ‬
‫َّ‬ ‫َّ‬
‫* * *‬

‫(‪« )1‬علـمـاء نجد خالل ثامنية قرون» (‪.)125/5‬‬

‫(‪ )2‬ولد َّ‬


‫الش�يخ حس�ون بن أمحد الش�قفة ‪ -‬رمحه اهلل ‪ -‬يف محاة س�نة (‪1847‬م) ‪ ،‬وحفظ القرآن‪ ،‬ودرس‬
‫العلوم عىل مشايخ بلده‪ .‬رحل إىل مرص‪ ،‬وشارك يف الثورة العرابية‪ ،‬وقتل سنة (‪1881‬م)‪.‬‬

‫(‪« )3‬إمتاع الفضالء برتاجم القراء يف ما بعد القرن الثامن اهلجري» إللياس بن أمحد حسين بن س�ليامن‬
‫الربماوي (‪.)472/2‬‬

‫الرمحن بن نارص العجاجي س�نة (‪1270‬هـ) يف بريدة‪ ،‬وقرأ عىل مش�اخيها‪ ،‬قتل يف‬ ‫(‪ )4‬ولد َّ‬
‫الش�يخ عبد َّ‬
‫معركة املليدي مع ستة من أشقائه سنة (‪1308‬هـ)‪« .‬علـمـاء نجد» (‪.)216/3‬‬

‫(‪« )5‬تذك�رة أويل النه�ى والعرف�ان بأيام اهلل الواحد الدي�ان وذكر حوادث الزمان» (‪ )291/1‬للش�يخ‬
‫إبراهيم بن عبيد آل عبد املحسن‪.‬‬

‫‪185‬‬
‫واحد وذلك‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬
‫ش�هر‬ ‫َ‬
‫القرآن يف‬ ‫(‪)1‬‬
‫محاد بن جار اهلل احلماَّ د ‪ -‬رمحه اهلل ‪-‬‬ ‫الش�يخ َّ‬‫َح ِف َظ َّ‬
‫كل ٍ‬ ‫ش�هر رمضان‪َ ،‬ص َار حيفظ َّ‬
‫ليلة جز ًءا‬ ‫ُ‬ ‫أنَّه كان إمام ًا بمس�جد اجلبارة‪َّ ،‬‬
‫ولـمـا دخل‬
‫ليلة م�ن رمضان ختمه فيها حفظ ًا‪،‬‬ ‫ألج�ل صلاة الترَّ اويح‪ ،‬ويصليِّ هبم فيه حتَّى آخر ٍ‬
‫شديد إىل حفظ القرآن وحم َّبته(‪.)2‬‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬
‫وميول‬ ‫ٍ‬
‫واجتهاد‬ ‫ٍ‬
‫حرص‬ ‫يدل عىل‬ ‫وهذا ُّ‬
‫* * *‬
‫للش�يخ عب�د العزيز بن محد بن عتيق ‪ -‬رمح�ه اهلل ‪ )3(-‬ور ٌد يقوم به من ال َّليل‪،‬‬ ‫كان َّ‬
‫والس�جود‪ ،‬فكان إذا أتى مضجعه للنَّوم بعد العشاء‬ ‫والركوع ُّ‬ ‫الصالة القراءة ُّ‬ ‫يطيل يف َّ‬
‫ثم ن�ام‪ ،‬فإذا بقي ثل�ث ال َّليل قام ورشع يف‬ ‫بالصلاة‪ ،‬فصلىَّ بعض ورده‪َّ ،‬‬ ‫اآلخ�رة ب�دأ َّ‬
‫س�فر‪ ،‬حتَّ�ى إنَّه بعدما‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬
‫حرض وال يف‬ ‫الصلاة حتَّ�ى يكم�ل ورده‪ ،‬ال يترك ورده ال يف‬ ‫َّ‬
‫وعرسوا يف‬ ‫احلج وغريه من األس�فار‪ ،‬إذا أدجلوا من ال َّليل َّ‬ ‫كرب س�نُّه كان يف س�فره إىل ِّ‬
‫وعجز األقوياء ورغبتهم يف النَّوم‪ ،‬فال يكاد رفقاؤه يتمكَّنون‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫كس�ل‬ ‫أثناء ال َّليل‪ ،‬وقت‬
‫الصالة‪ ،‬وأقبل عىل تالوة‬ ‫الش�يخ قائ ًام يف َّ‬ ‫من االضطجاع للنَّوم‪ ،‬إلاَّ وقد انتصب هذا َّ‬
‫ثم عندما‬ ‫الراحة واالطمئنان‪ ،‬حتَّى يكمل ورده املعتاد‪َّ ،‬‬ ‫َّهجد كأنَّه يف وقت َّ‬‫القرآن والت ُّ‬
‫يبقى ثلث ال َّليل‪ ،‬إذا هو قد قام إىل صالته(‪.)4‬‬
‫*‬ ‫*‬ ‫*‬

‫الس�عودية‪.‬‬ ‫(‪ )1‬ول�د َّ‬


‫الش�يخ مح�اد بن ج�ار اهلل احلامد ‪ -‬رمحه اهلل ‪ -‬يف مدينة حائل شمال اململكة العربية ُّ‬
‫رب�اه وال�ده عىل العلم والصالح‪ ،‬فقرأ على علـمـاء بلده‪ ،‬وكان ناظر ًا ألوقاف بعض الكتب‪ .‬تويف س�نة‬
‫(‪1326‬هـ)‪.‬‬

‫(‪« )2‬منب�ع الك�رم والشمائل يف ذكر أخبار وآثار من ع�اش من أهل العلم يف حائل» حلس�ان بن إبراهيم‬
‫الرديعان (ص‪.)187‬‬ ‫ّ‬
‫الشيخ عبد العزيز بن محد بن عتيق سنة (‪1277‬هـ)‪ ،‬والزم والده العالمة َّ‬
‫الشيخ محد بن عتيق‪،‬‬ ‫(‪ )3‬ولد َّ‬
‫ثم جلس لتدريس ُّ‬
‫الطالب‪،‬‬ ‫ثم سافر إىل اهلند يف طلب العلم‪َّ ،‬‬
‫الرياض ودرس عىل علـمـائها‪َّ ،‬‬
‫وسافر إىل ِّ‬
‫وتوىل القضاء إىل أن تويف سنة (‪1359‬هـ)‪« .‬علـمـاء نجد»‪.‬‬

‫(‪« )4‬علـمـاء نجد خالل ثامنية قرون» (‪.)331/3‬‬

‫‪186‬‬
‫الش�يخ إبراهيم بن عبيد آل عبد املحس�ن مجل ًة من األحوال التَّعبد َّية لشيخه‬
‫أورد َّ‬
‫العلاَّ مة عمر بن َّ‬
‫حممد بن س�لي ٍم ‪ -‬رمحه اهلل ‪ ،)1(-‬فكان ممَّا أورده‪ :‬فأ َّما تالوته للقرآن‪،‬‬
‫فإنَّ�ه كان يتل�وه قائ ًام وقاع�د ًا ومضطجع� ًا‪ ،‬وكان إذا خ�رج إىل ٍ‬
‫قرية‪ ،‬يرتِّ�ب رفقته يف‬
‫حظ من قيام ال َّليل‪ ،‬وحيب اخللوة بر َّبه يف حنادس‬
‫السري‪ ،‬وكان له ٌّ‬ ‫ِ‬
‫دراس�ة القرآن حال َّ‬
‫ٍ‬
‫بمصيبة فإنَّه‬ ‫ال ُّظ َلم‪ ،‬ويعامل اهلل بالعبادة وال َّطاعة‪ ،‬ويكثر َّ‬
‫الصالة بالنَّهار‪ ،‬وإذا أصيب‬
‫ٍ‬
‫بمصيبة‪،‬‬ ‫الصالة‪ ،‬وقد يرتك التَّدريس بني العش�اءين إذا أصيب‬ ‫يس�تعني عليها بكثرة َّ‬
‫باحلج والعمرة‪ ،‬ويكثر ال َّطواف‬
‫ِّ‬ ‫الصالة من املغرب إىل العشاء‪ ،‬وكان مولع ًا‬
‫ويفزع إىل َّ‬
‫حتَّ�ى َّ‬
‫يمل من يطوف معه‪ ،‬فقد يشرع يف ال َّطواف الواحد من صالة الغداة إىل ارتفاع‬
‫يفر‬
‫الشمس‪ ،‬ويداوم عىل االعتكاف يف العرش األواخر من رمضان‪ ،‬وإذا اعتكف فإنَّه ُّ‬ ‫َّ‬
‫من خمالطة النَّاس بحيث ال جيالسه أحدٌ وال يك ِّلم أحد ًا(‪.)2‬‬
‫*‬ ‫*‬ ‫*‬
‫السابق‬
‫الزغيبي ‪ -‬رمحه اهلل ‪ -‬اإلمام َّ‬
‫(‪)3‬‬
‫ِّ‬ ‫من عجائب أمر َّ‬
‫الش�يخ صالح بن عبد اهلل‬
‫توضأ وأراد لبس‬
‫مر ًة لصالة الفج�ر‪ ،‬وبعد أن َّ‬
‫َّبوي‪ :‬ما وقع له أنَّه اس�تيقظ َّ‬
‫للح َ�رم الن ِّ‬
‫َ‬
‫عقرب يف قدمه‪ ،‬ومل جيد من يس�عفه أو خيرب نائبه‪ ،‬فتج َّلد ونزل إىل احلرم‬
‫ٌ‬ ‫احلذاء لدغته‬
‫كعادته‪ ،‬وانتظر موعد اإلقامة ‪ -‬وهي بعد ثلث ساعة من األذان ‪ -‬ومل يقدمها حرص ًا‬

‫الش�يخ عمر بن حممد بن س�ليم س�نة (‪1299‬هـ) يف بريدة يف حجر والده العالمة َّ‬
‫الشيخ‬ ‫(‪ )1‬ولد َّ‬
‫حمم�د ب�ن عبد اهلل بن س�ليم‪ ،‬وتوىل قض�اء بريدة‪ ،‬وخترج على يديه أفواج كثيرة‪ .‬أصيب بمرض‬
‫السل‪ ،‬ومازالت زيادة املرض معه ح َّتى توفاه اهلل يف سنة (‪1362‬هـ)‪« .‬علـمـاء نجد»‪.‬‬
‫ُّ‬
‫(‪« )2‬تذكرة أويل النهى والعرفان» (‪.)156/4‬‬

‫الش�يخ صالح بن عب�د اهلل الزغيبي ‪ -‬رمحه اهلل ‪ -‬يف عنيزة من مدن القصيم س�نة (‪ 1370‬هـ)‪،‬‬ ‫(‪ )3‬ول�د َّ‬
‫وأم ال َّناس باملسجد النبوي‪.‬‬
‫ثم رجع املدينة‪َّ ،‬‬
‫ثم رجع إىل بلده عنيزة‪َّ ،‬‬
‫رحل إىل املدينة أيام حكم األرشاف‪َّ ،‬‬
‫عرف بعبادته‪ ،‬وزهده‪ ،‬وتواضعه‪ .‬تويف سنة (‪ 1372‬هـ)‪.‬‬

‫‪187‬‬
‫الصالة‬ ‫عىل إدراك النَّاس للجامعة‪ُّ ،‬‬
‫وكل ذلك ومل يعلم بحالته أحدٌ ‪ ،‬وبعد االنتهاء من َّ‬
‫أخرب بعض احلارضين فقرأ عليه بعضهم وسارعوا يف إسعافه‪.‬‬
‫الشيخ ‪ -‬رمحه اهلل ‪ -‬إذا أتى لصالة العرص ال خيرج حتَّى يصليِّ العشاء‪ ،‬وإذا‬
‫وكان َّ‬
‫أتى لصالة الفجر ال خيرج حتَّى تطلع َّ‬
‫الش�مس‪ ،‬ولـمـا ثقل يف آخر عمره صار ينيب‬
‫الصالة اجلهر َّية واجلمعة والترَّ اويح‪.‬‬ ‫عنه فضيلة َّ‬
‫الشيخ عبد العزيز بن صالح يف َّ‬
‫السبعينات اهلجر َّية‪ ،‬وكان من تواضعه إذا صلىَّ الفجر مىض‬
‫كان يصليِّ بالنَّاس يف َّ‬
‫الش�مس‪ ،‬وكان ال يربح مكانه حتَّى تطلع َّ‬
‫الشمس‪ ،‬فيميض إىل‬ ‫الس�وق بعد طلوع َّ‬
‫إىل ُّ‬
‫السوق‪ ،‬ويشرتي الربسيم لغنمه‪ ،‬فيضع الربسيم عىل رأسه تواضع ًا هلل عز وجل‪ ،‬وما‬ ‫ُّ‬
‫م�ن ٍ‬
‫أح�د يف املدينة إلاَّ وه�و حي ُّبه صغار ًا وكب�ار ًا ك ُّلهم‪ُ ،‬وضع له م�ن القبول ما اهلل به‬
‫عليم‪ ،‬وما عرف عنه أنَّه استس�قى للنَّاس إلاَّ نزل الغيث بعد استس�قائه ‪ -‬رمحه اهلل ‪-‬‬ ‫ٌ‬
‫فرض‪ ،‬كان يصليِّ فيلزم املس�جد حتَّى‬ ‫برمحته الواس�عة‪ ،‬كان آي ًة م�ن آيات اهلل‪ ،‬مل يفته ٌ‬
‫ومعروف عنه ذلك حتَّى ضرُ ِ َب به املثل‪.‬‬
‫ٌ‬ ‫يصليِّ العشاء ما خيرج إلاَّ لغدائه أو ٍ‬
‫أمر الز ٍم‪،‬‬
‫الصالة‪ ،‬ف�أراد أن خيتربه‬ ‫م�ر ٍة أراد أح�د الوجه�اء يف املدين�ة أن ِّ‬
‫يؤخره ع�ن َّ‬ ‫ذات َّ‬
‫عزومة بالفندق‪ ،‬والفندق يبعد عن املسجد مساف ًة‬‫ٍ‬ ‫الصالة فدعاه إىل‬
‫كيف حرصه عىل َّ‬
‫ٍ‬
‫بقليل‪ ،‬فصار يصيح‬ ‫بالسهلة‪ ،‬فأمر أعوانه أن ِّ‬
‫يؤخروا الغداء‪ ،‬وجاء قبل العرص‬ ‫ليست َّ‬
‫قريب حتَّى أنظر‬
‫ٌ‬ ‫عليه�م قال‪ :‬إذا صحت عليكم فتظاهروا أنَّكم هت ِّيئ�ون الغداء‪ ،‬وأنَّه‬
‫الصالة أو ال؟ ما كان من َّ‬
‫الشيخ صالح‬ ‫إىل حال َّ‬
‫الشيخ هل جيامل أو ال جيامل‪ ،‬تفوته َّ‬
‫‪ -‬رمحه اهلل ‪ -‬إلاَّ أن بقي عىل األذان الشيَّ ء القليل‪ ،‬وغلب عىل ظنِّه أنَّه لو جلس تفوته‬
‫فالصلاة حاجة من‬
‫الصلاة فاس�تأذن من األمير‪ ،‬وقال له‪ :‬أري�د أن أقيض حاجتي‪َّ .‬‬
‫َّ‬
‫احلوائ�ج‪ ،‬يريد أن يقيض فريضة اهلل عز وجل‪ ،‬من تورية الفقهاء والعلـمـاء‪ ،‬فالفندق‬
‫الرمل‪ ،‬ف‪ -‬رمح�ه اهلل ‪ -‬خلع نعليه‬
‫طع�وس من َّ‬
‫ٌ‬ ‫كان جه�ة اخلن�دق أدركناه كان فيها‬

‫‪188‬‬
‫الش�مس حتَّى حي�دث عندهم ٌ‬
‫أمان أنَّه س�يعود‪ ،‬فجع�ل النَّعلني عىل رأس‬ ‫ومش�ى يف َّ‬
‫اخلاصة يراقبونه‪ ،‬فوجدوا احلذاء عىل ال َّطرف فباغتهم َّ‬
‫وفر‬ ‫َّ‬ ‫ال َّطع�س‪ ،‬فخرج اثنني م�ن‬
‫الصالة إلاَّ وهو داخل املحراب إمام ًا بالنَّاس(‪.)1‬‬
‫إىل املسجد ‪ -‬رمحه اهلل ‪ ،-‬وما أقيمت َّ‬
‫*‬ ‫*‬ ‫*‬
‫اري ‪ -‬رمحه اهلل ‪ ،)2(-‬يقول بعض من سافر‬ ‫ٍ‬
‫الس� َّي ِّ‬
‫جاء يف ترمجة إبراهيم بن س�عود َّ‬
‫معه‪ :‬لقد قام يف ٍ‬
‫ليلة بأربعة عرش جزء ًا من القرآن‪ .‬وكان يكثر من قراءة القرآن‪ ،‬فكان‬
‫كل أسبوعٍ‪ ،‬ويف رمضان َّ‬
‫كل يو ٍم ختم ًة(‪.)3‬‬ ‫خيتم َّ‬
‫*‬ ‫*‬ ‫*‬
‫حممد بن صالح املقبل ‪ -‬رمحه اهلل ‪-‬‬
‫(‪)4‬‬
‫مر ًة َّ‬
‫الشيخ َّ‬ ‫قال الدُّ كتور عمر املقبل وفقه اهلل‪ :‬قدم َّ‬
‫الرياض إىل املذنب ومعه أوالده يف ال َّثامنينات اهلجر َّية‪ ،‬وكان ُّ‬
‫اخلط املسفلت ينتهي‬ ‫من ِّ‬
‫هلا‪:‬خ َريس�ان (جنوب حمافظة املذن�ب)‪ ،‬وكان اجلهد قد بلغ هبم غايته‪،‬‬ ‫عند ٍ‬
‫قرية يقال ُ‬
‫فلـمـ�ا كان يف آخر‬
‫إن م�ن كانوا مع�ه مل يصدِّ قوا الوص�ول إىل األرض ليناموا‪َّ ،‬‬ ‫حتَّ�ى َّ‬
‫ال َّليل احتاج أحد أبنائه لقضاء احلاجة‪ ،‬فرأى اجلدَّ ‪ -‬رمحه اهلل ‪ -‬قائ ًام يصليِّ ‪.‬‬

‫السالم» للشيخ عطية حممد سامل (ص ‪.)115‬‬


‫(‪« )1‬الرتاويح أكثر من مائة عام يف مسجد النبي عليه ّ‬
‫ثم‬
‫السياري سنة (‪1297‬هـ) يف بلدة رضمى‪ ،‬وتعلم القراءة والكتابة‪َّ ،‬‬ ‫(‪ )2‬ولد َّ‬
‫الشيخ إبراهيم بن سعود ّ‬
‫الرياض‪ ،‬وقرأ عىل علـمـائها‪ ،‬اس�تقر به املقام يف القويعية‪ ،‬وكان يذهب إىل (أبو جالل) لريش�د‬
‫رحل إىل ِّ‬
‫الربو‪ ،‬وعانى منه إىل أن تويف يف القويعية سنة (‪1380‬هـ) ‪« .‬علـمـاء نجد»‪.‬‬‫البادية هناك‪ .‬أصيب بمرض َّ‬
‫(‪« )3‬علـمـاء نجد خالل ثامنية قرون» (‪.)302/1‬‬

‫الش�يخ حممد بن صالح املقبل ‪ -‬رمحه اهلل ‪ -‬يف املذنب من مدن القصيم س�نة (‪1306‬هـ)‪ .‬نش�أ‬‫(‪ )4‬ولد َّ‬
‫يف أرسة صاحل�ة‪ ،‬وتلق�ى العلم عىل علـمـاء القصي�م والرياض‪ ،‬وتوىل القضاء يف أكث�ر من مدينة‪ .‬عرف‬
‫بعبادت�ه وزهده وورع�ه وحتريه احلق يف القضاء‪ ،‬وقد خترج عىل يد مجاعة م�ن طالب العلم ا َّلذين صاروا‬
‫بعد ذلك من مشاهري العلـمـاء‪ .‬تويف سنة (‪1402‬هـ)‪.‬‬

‫‪189‬‬
‫احلج والعم�رة‪ ،‬ومل يرتك العمرة يف رمض�ان إلاَّ بعد أن كربت‬
‫وكان الوال�د كثير ِّ‬
‫حظيت بمرافقته للعمرة يف رمضان واإلقامة بمكَّة‬
‫ُ‬ ‫السفر شا ًّقا عليه‪ ،‬وقد‬
‫سنُّه‪ ،‬وصار ّ‬
‫حتَّى هناية َّ‬
‫الشهر‪.‬‬
‫ومن األش�ياء ا َّلتي الحظها أبناؤه عنه‪ :‬أنَّه مل يكن يكتفي بالقيام يف احلرم بل كان‬
‫يقوم ال َّليل من َّأوله إىل آخره يف املنزل‪ ،‬وكان يطيل َّ‬
‫الصالة جدًّ ا‪.‬‬
‫الش�يخ‬ ‫اخلضريي َّ‬
‫أن جدَّ ه َّ‬ ‫ِّ‬ ‫حممد بن عبد العزيز بن أمحد‬ ‫حدَّ ثني فضيلة َّ‬
‫الش�يخ د‪َّ .‬‬
‫الصالح املقبل‪ ،‬فقمت‬ ‫حممد َّ‬ ‫بت ليل ًة عند أو مع َّ‬
‫الشيخ َّ‬ ‫أمحد ‪ -‬رمحه اهلل ‪ -‬حدَّ ثه قال‪ُّ :‬‬
‫قائم مل يركع بعد‪.‬‬ ‫ٍ‬
‫فقرأت مخسة أجزاء من القرآن‪ ،‬وهو ٌ‬
‫يوض�ح ح َّبه لقي�ام ال َّليل أنَّه كان ينص�ح ويويص من يراه بقي�ام ال َّليل‪ ،‬ومن‬
‫وممَّ�ا ِّ‬
‫املواق�ف ا َّلت�ي ُّ‬
‫تدل عىل هذا م�ا حدَّ ثني به فضيل�ة الدُّ كتور تركي بن فه�د الغميز عن‬
‫عم�ه عب�د اهلل بن صالح العثامن‪َّ :‬‬
‫أن اجلدَّ ‪ -‬رمحه اهلل ‪ -‬زار والده فهدً ا ‪ -‬رمحه اهلل ‪ -‬يف‬ ‫ِّ‬
‫الشامس� َّية قبل نحو (‪ )60‬سنة فس�أله عن قيام ال َّليل؟ فقال‪ :‬يا شيخ أنا ال أقوم ال َّليل‪،‬‬ ‫َّ‬
‫فقال له‪ :‬عليك َّ‬
‫بالشاهي فإنَّه يعينك عىل االنتباه‪.‬‬
‫ع�م الدُّ كت�ور تركي اآلن�ف ِّ‬
‫الذكر كان يس�تمع هلذا احلوار‬ ‫أن َّ‬‫ال َّطري�ف يف األم�ر َّ‬
‫فاقتنص هذه الفائدة‪ ،‬وصار يقوم ال َّليل منذ ذلك املوقف‪ ،‬وحتَّى كتابة هذه األس�طر‪،‬‬
‫موج ًها له‪.‬‬
‫أن اخلطاب مل يكن َّ‬ ‫وقد ناهز الـمـائة مع َّ‬
‫مر ًة‬
‫أن اجلدَّ ركب معه َّ‬ ‫حممد بن إبراهيم الوهيد ‪ -‬حفظه اهلل ‪َّ :-‬‬ ‫وحدَّ ثني َّ‬
‫الش�يخ َّ‬
‫اجلو تلك األ َّيام بارد ًا‪ ،‬ويف‬‫الس�بعينات اهلجر َّية‪ ،‬وكان ُّ‬
‫إىل بري�دة برفقة بعض أبنائه يف َّ‬
‫الس�ادة‪ ،‬ويف تلك ال َّليلة أنا مل أستطع النَّوم من شدَّ ة الربد‪،‬‬ ‫ٍ‬
‫بحي َّ‬
‫طريقنا نمنا يف مس�جد ِّ‬
‫توضأ من الـمـاء البارد‪ ،‬وهو قائم يصليِّ ‪.‬‬‫بالشيخ قد َّ‬‫ولـمـا قمت إذا َّ‬
‫َّ‬
‫عيل حيث يق�ول‪ :‬كنت أذهب مع‬ ‫الع�م ٌّ‬
‫ُّ‬ ‫بالصلاة‪ ،‬ما حدَّ ثني به‬
‫وممَّ�ا يبينِّ ش�غفه َّ‬
‫ٍ‬
‫صال�ح بصحب�ة الوال�د إىل بري�دة‪ ،‬وذلك قبل وص�ول األس�فلت‪ ،‬وكنَّا نحتاج‬ ‫األخ‬

‫‪190‬‬
‫الس�وق‪ ،‬ويتضاي�ق عندما نرتكه‬‫حيب دخول ُّ‬
‫الس�وق‪ ،‬وكان ال ُّ‬ ‫بع�ض األغراض من ُّ‬
‫ينتظرن�ا‪ ،‬ونح�ن نقيض بعض احلوائج اللاَّ زمة للمن�زل‪ ،‬ولـمـا رأيناه تضايق من هذه‬
‫الس�وق‪ ،‬ونذهب وهو يصليِّ ونعود‬
‫احلال‪ ،‬كنَّا نرتكه يف أحد املس�اجد حتَّى ننتهي من ُّ‬
‫وهو يصليِّ ‪ ،‬وإذا كان يف املسجد مل يكن حياسبنا عىل الوقت أو يشتكي من ُّ‬
‫التأخر عليه‪،‬‬
‫الصالة‪.‬‬
‫بل نأيت وننتظره حتَّى ينتهي من َّ‬
‫ويونس‬ ‫واحدة س�وريت ٍ‬
‫هود‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬
‫ركعة‬ ‫مر ًة أنَّه أ َّمنا يف صالة الكس�وف‪ ،‬فقرأ يف‬
‫َ‬ ‫وأذكر َّ‬
‫إن مل يكن أكثر من ذلك(‪.)1‬‬
‫*‬ ‫*‬ ‫*‬
‫اجلوندلوي ‪ -‬رمحه اهلل ‪ )2(-‬عالـمـ ًا ربان ًّيا‪ ،‬زاهد ًا‪ ،‬ورع ًا‪،‬‬
‫ِّ‬ ‫حممد‬ ‫كان َّ‬
‫الشيخ احلافظ َّ‬
‫الصيام والقيام‪ ،‬يش�هد له ُّ‬
‫كل من رآه أو جالس�ه أو ذاكره بعمق‬ ‫تق ًّيا‪ ،‬ذاكر ًا لر ِّبه‪ ،‬كثري ِّ‬
‫وقوة احلافظة‪.‬‬
‫الفكر‪ ،‬ووفور االطالع‪َّ ،‬‬
‫حمم�د عط�اء اهلل حنيف ‪ -‬رمح�ه اهلل ‪ -‬أنَّه مل تفته طيلة مخسين عام ًا‬ ‫وذك�ر َّ‬
‫الش�يخ َّ‬
‫الصلوات اخلمس مع اجلامعة(‪.)3‬‬
‫تكبرية اإلحرام يف َّ‬
‫*‬ ‫*‬ ‫*‬

‫(‪« )1‬صفحات مطوية من حياة َّ‬


‫الش�يخ حممد بن صالح املقبل» للدكتور عمر بن عبد اهلل بن حممد املقبل‬
‫(ص ‪.)67‬‬

‫الش�يخ حمم�د أعظ�م بن فض�ل الدي�ن اجلوندلوي يف قري�ة (جوند ال نواال) يف باكس�تان س�نة‬ ‫(‪ )2‬ول�د َّ‬
‫(‪1315‬ه�ـ)‪ ،‬وقد اش�تغل بحفظ القرآن ودراس�ة العلوم الرشعية عىل مش�ايخ بلده من�ذ نعومة أظافره‪،‬‬
‫الط�ب‪ ،‬ولـمـا بلغ الثالثني م�ن عمره ذاع صيت�ه يف نواحي اهلند وغريها‪ ،‬وش�غل‬ ‫وحص�ل عىل ش�هادة ِّ‬
‫عالـمـ�ا رباني ًا زاهد ًا‪ .‬تويف‬
‫ً‬ ‫منص�ب أمري مجعية أهل احلديث يف باكس�تان الغربي�ة‪ .‬وقد كان ‪ -‬رمحه اهلل ‪-‬‬
‫سنة (‪1405‬هـ)‪« .‬كوكبة من أئمة العلم واهلدى» للقريويت‪.‬‬

‫(‪« )3‬كوكبة من أئمة العلم واهلدى ومصابيح الدجى» (ص ‪ )33‬إعداد د‪ .‬عاصم بن عبد اهلل القريويت‪.‬‬

‫‪191‬‬
‫متبح�ر ًا يف علوم ش�تَّى‪ ،‬فقد كان‬
‫حممد س�عيد ‪ -‬رمح�ه اهلل ‪ِّ )1(-‬‬ ‫الش�يخ أمح�د َّ‬‫كان َّ‬
‫ٍ‬ ‫ٍ‬
‫دراية بالوقف‬ ‫حترير‪ ،‬كما كان عىل‬ ‫أدق‬ ‫عالـمـ� ًا بالتَّجويد والق�راءات ك ِّلها‪ِّ ،‬‬
‫حمرر ًا هلا َّ‬
‫واالبت�داء‪ ،‬عالـمـ ًا برس�م القرآن الكريم‪ ،‬وضبطه‪ ،‬وعدِّ آيات�ه‪ ،‬حافظ ًا ملتون التَّجويد‬
‫والقراءات وعلومها‪ ،‬كام كان ‪ -‬رمحه اهلل ‪ -‬عارف ًا بعلوم ال ُّلغة‪ ،‬حافظ ًا كثري ًا من متوهنا‪،‬‬
‫احلجة‪ ،‬عذب املنطق‪ ،‬عارف ًا بأصول اخلطابة‪ ،‬وكان يس�تحرض املتشابه يف القرآن‬ ‫قوي َّ‬
‫َّ‬
‫سائل يسأله عن ٍ‬
‫آية إلاَّ ويذكرها له‪ ،‬وحيدِّ د‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬
‫عجيبة تثري الدَّ هشة‪ ،‬فام من‬ ‫ٍ‬
‫بطريقة‬ ‫الكريم‬
‫الصفحة اليرسى؟ وهذا‬ ‫الصفحة اليمنى هي أم يف َّ‬ ‫سورهتا ورقمها ورقم سطرها ويف َّ‬
‫م�ن ش�دَّ ة مالزمته للقرآن الكري�م قراء ًة وإقرا ًء ومذاكر ًة ودرس� ًا‪ ،‬فق�د كان خيتم َّ‬
‫كل‬
‫مخس أ َّيا ٍم ختم ًة‪ ،‬ويصليِّ يف ال َّليل بجزأين من القرآن يوم ًّيا(‪.)2‬‬
‫*‬ ‫*‬ ‫*‬
‫حممد جنيد ‪ -‬رمحه اهلل ‪ )3(-‬مخس ًة وأربعني عام ًا من غري انقطاع ماشي ًا‬ ‫حج َّ‬
‫الشيخ َّ‬ ‫َّ‬
‫عىل األقدام من محص إىل الدِّ يار املقدَّ سة(‪.)4‬‬
‫*‬ ‫*‬ ‫*‬

‫(‪ )1‬ولد َّ‬


‫الش�يخ أمحد بن أمحد بن حممد س�عيد ‪ -‬رمحه اهلل ‪ -‬يف قرية (الشبول) التابعة ملحافظة الدقهلية يف‬
‫ثم برع يف حفظه‪ ،‬ودرس يف ليبيا‪ ،‬واملدينة املنورة‪ ،‬له‬‫مرص سنة (‪1355‬هـ)‪ .‬قرأ القرآن يف كتاتيب القرية‪َّ ،‬‬
‫بعض اآلثار املكتوبة واملسموعة واملرئية يف قراءة القرآن الكريم‪ .‬تويف يف سنة (‪1411‬هـ)‪.‬‬

‫(‪« )2‬إمت�اع الفضلاء برتاج�م القراء يف ما بعد الق�رن الثامن اهلج�ري» (‪ )14/1‬تأليف إلياس بن أمحد‬
‫حسني بن سليامن الربماوي‪.‬‬

‫الش�يخ حممد خالد بن حممد جنيد كعكة ‪ -‬رمحه اهلل ‪ -‬يف محص س�نة (‪1330‬هـ)‪ .‬حفظ القرآن‬ ‫(‪ )3‬ولد َّ‬
‫الس�بع إفراد ًا‪ .‬رحل إىل املدينة املنورة‪ ،‬واس�تقر هبا‪ ،‬وانتفع ال َّناس به‪.‬‬
‫الكريم يف صغره‪ ،‬وتلقى القراءات َّ‬
‫تويف باملدينة سنة (‪1411‬هـ)‪.‬‬

‫(‪« )4‬إمتاع الفضالء برتاجم القراء يف ما بعد القرن الثامن اهلجري» إللياس بن أمحد حسين بن س�ليامن‬
‫الربماوي (‪.)374 1‬‬

‫‪192‬‬
‫القوة يف‬
‫التوجي�ري ‪ -‬رمحه اهلل ‪ )1(-‬من أويل َّ‬
‫ِّ‬ ‫الش�يخ العلاَّ م�ة محود بن عبد اهلل‬
‫كان َّ‬
‫وصف ٍ‬
‫دقيق لعب�ادة والده‪ :‬نذر‬ ‫ٍ‬ ‫طاع�ة اهلل تع�اىل وعبادت�ه‪ ،‬وهاك مقالة أح�د أبنائه يف‬
‫ٍ‬
‫عبادة‪ ،‬فنهاره للعلم بحث ًا وكتاب ًة‪.‬‬ ‫الشيخ ‪ -‬رمحه اهلل ‪ -‬نفسه هلل‪ ،‬فال تراه إلاَّ يف‬
‫َّ‬
‫والصالة حرض ًا‬ ‫وأ َّما ليله فيقيض جزء ًا كبري ًا منه ‪ -‬وهو ثلثه األخري ‪ -‬يف الت ُّ‬
‫َّهجد َّ‬
‫كان أو سفر ًا‪ ،‬مل يدع ذلك حتَّى أثناء مرضه إىل أن عجز عن ذلك‪.‬‬
‫وأ َّما الوتر فلم يرتكه إىل آخر يو ٍم من حياته‪.‬‬
‫الصحابة‪ ،‬فام كان‬ ‫ٍ‬ ‫لقد حفظ َّ‬
‫الرسول صىل اهلل عليه وسلم لعدد من َّ‬ ‫الشيخ وص َّية َّ‬
‫ٍ‬
‫ش�هر‪ ،‬حتَّى وهو يعاين ش�دَّ ة امل�رض يف أخريات حياته‪،‬‬ ‫ي�دع صيام ثالثة أ َّيا ٍم من ِّ‬
‫كل‬
‫احلجة وستَّة أ َّيا ٍم من َّ‬
‫شوال وعاشوراء وغريها‪.‬‬ ‫وكذلك صيام عرش ذي َّ‬
‫ح�ج مرار ًا كثريةً‪،‬‬ ‫كما كان ‪ -‬رمح�ه اهلل ‪ -‬حريص ًا على املتابعة بني ِّ‬
‫احلج والعمرة‪َّ ،‬‬
‫سنة وحيرص عليها يف رمضان‪.‬‬ ‫كل ٍ‬ ‫وكان يعتمر َّ‬
‫كل ٍ‬
‫حالة قائ ًام وقاعد ًا ومضطجع ًا‪،‬‬ ‫الشيخ رطب ًا بالقرآن‪ ،‬يقرؤه عىل ِّ‬
‫لقد كان لسان َّ‬
‫كل س�بعٍ‪ ،‬إلاَّ يف‬
‫حتَّ�ى إنَّ�ه ليق�وم ببعض أعامله وه�و يقرأ الق�رآن‪ ،‬وكان خيتم القرآن َّ‬
‫ٍ‬
‫أج�زاء ونصف ًا‬ ‫كل يو ٍم أربعة‬ ‫ٍ‬
‫ثلاث‪ .‬وكان يق�رأ يف صالة ال َّلي�ل َّ‬ ‫رمض�ان فيخت�م َّ‬
‫كل‬
‫تقريب ًا(‪.)2‬‬
‫*‬ ‫*‬ ‫*‬

‫الش�يخ محود بن عبد اهلل التوجيري س�نة (‪1334‬هـ) يف املجمعة‪ ،‬والزم يف ش�بابه حلقة َّ‬
‫الش�يخ‬ ‫(‪ )1‬ولد َّ‬
‫الش�يخ بالتأليف يف املسائل ا َّلتي حيتاج ال َّناس إليها‪ ،‬والرد عىل ُّ‬
‫الشبه واملنكرات‬ ‫عبد اهلل العنقري‪ .‬وعرف َّ‬
‫الرياض يف س�نة (‪1413‬هـ)‪.‬‬ ‫ا َّلت�ي حصل�ت يف املجتمع‪ .‬ومازال عىل صفاته اجلي�دة ح َّتى تويف يف مدينة ِّ‬
‫«علـمـاء نجد»‪.‬‬

‫(‪« )2‬علـمـاء نجد مشاهد ومواقف» (ص ‪ )109‬لعبد العزيز آل عبد اللطيف‪.‬‬

‫‪193‬‬
‫كان َّ‬
‫الشيخ عبد اهلل بن جار اهلل بن إبراهيم آل جار اهلل ‪ -‬رمحه اهلل ‪ )1(-‬كثري العبادة‬
‫ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬
‫الصح َّية‪ ،‬حيث الزمه مرض‬ ‫بالرغم من خت ُّلف حالته ِّ‬
‫وذكر ودعاء‪ُّ ،‬‬ ‫وصالة‬ ‫من صيا ٍم‬
‫الس�كري منذ شبابه أثناء دراس�ته اجلامع َّية‪ ،‬ومع ذلك فهو يعمر أوقاته بالعبادة‪ ،‬ومن‬
‫ُّ‬
‫كل يو ٍم‪ ،‬وهو يذكر اهلل عز‬ ‫الش�مس َّ‬‫ذلك أنَّه جيلس من بعد صالة الفجر حتَّى ترشق َّ‬
‫ٍ‬
‫مكان‪.‬‬ ‫الس َّيارة أو يف املنزل ويف ِّ‬
‫كل‬ ‫وجل‪ِّ ،‬‬
‫والذكر معه أينام كان حتَّى وهو يف َّ‬
‫الش�يخ الهي ًا حتَّ�ى يف أثناء اخلروج‬
‫حممد اجل�ار اهلل‪« :‬ال تكاد جتد َّ‬
‫ويق�ول أخ�وه َّ‬
‫رب وغريه»‪.‬‬
‫للنُّزهة لل ِّ‬
‫ٍ‬
‫مكان‪ ،‬ال يفرت‬ ‫ألي‬ ‫الش�يخ دائ ًام يرافقني يف َّ‬
‫ويق�ول ابنه أمحد‪« :‬لقد كان َّ‬
‫الذه�اب ِّ‬
‫عن ذكر اهلل عز وجل‪ ،‬فهو يف ال َّطريق يس ِّبح وهي ِّلل ويذكر اهلل»‪.‬‬
‫للصالة ويطيل اجللوس يف املسجد‪ ،‬وكان ‪ -‬رمحه اهلل ‪ -‬يصوم مع‬
‫ولقد كان يبكر َّ‬
‫الصوم حتَّى إنَّه يتعب كثري ًا من َّ‬
‫الصوم‪ ،‬ومع ذلك فهو‬ ‫ٍ‬
‫أمراض‪ ،‬ويصرب عىل َّ‬ ‫ما به من‬
‫حمتس�ب‪ ،‬اعتاد ‪ -‬رمحه اهلل ‪ -‬س�نو ًّيا أن يذهب للعمرة يف ش�هر رمضان لقضاء‬
‫ٌ‬ ‫صابر‬
‫ٌ‬
‫العشر األواخر يف احل�رم املك ِِّّي‪ ،‬حتَّى تو َّف�اه اهلل وهو يف مكَّة‪ ،‬أ َّما قي�ام ال َّليل فهو من‬
‫حممد‪:‬‬ ‫ٍ‬
‫مرض‪ ،‬يقول ابنه َّ‬ ‫الشيخ ‪ -‬رمحه اهلل ‪ -‬مع ما كان به من‬ ‫األمور ا َّلتي اتَّصف هبا َّ‬
‫كل ٍ‬
‫ليلة مبكِّر ًا لكي يوتر يف ال ُّثلث األخري»(‪.)2‬‬ ‫«لقد اعتاد الوالد أن يقوم َّ‬
‫*‬ ‫*‬ ‫*‬

‫ثم‬ ‫(‪ )1‬ولد َّ‬


‫الشيخ عبد اهلل بن جار اهلل آل جار اهلل يف بلدة املذنب من بلدان القصيم يف سنة (‪1354‬هـ)‪َّ ،‬‬
‫الرزق‪ ،‬فأتيحت له الفرصة يف القراءة عىل مش�اخيها‪ ،‬وللشيخ‬
‫الرياض س�نة (‪1368‬هـ) لطلب ِّ‬ ‫س�افر إىل ِّ‬
‫املكرمة يف ش�هر رمضان س�نة (‪1414‬ه�ـ)‪« .‬علـمـاء‬
‫مكة َّ‬ ‫رس�ائل نافع�ة فيام حيت�اج إليه الناس‪ .‬تويف يف َّ‬
‫نجد»‪.‬‬

‫َّ‬
‫«الشيخ عبد اهلل اجلار اهلل حياته وجهوده العلمية والدعوية» (ص ‪ )25‬ملناحي بن حممد العجمي‪.‬‬ ‫(‪)2‬‬

‫‪194‬‬
‫الرمحن القاسم‬
‫حممد بن عبد َّ‬ ‫الش�يخ عبد امللك القاسم يف ترمجة والده َّ‬
‫الشيخ َّ‬ ‫قال َّ‬
‫‪ -‬رمح�ه اهلل ‪« :)1 (-‬ع�رف عن�ه ‪ -‬رمح�ه اهلل ‪ -‬حمافظته َّ‬
‫الش�ديدة عىل صلاة اجلامعة يف‬
‫املس�جد‪ ،‬وال أذكر أنَّه خت َّلف يوم ًا عنها‪ ،‬وكان يأيت إىل َّ‬
‫الصالة قبل األذان ومل أره يوم ًا‬
‫الضيوف‪ ،‬وإال فيسابق‬
‫خاصة إذا حبسه أحد ُّ‬ ‫وقد أ َّذن املؤ ِّذن وهو يف البيت إلاَّ ما َّ‬
‫قل‪َّ ،‬‬
‫والرواتب‬ ‫املؤ ِّذن كام نرى وكام ذكر لنا املؤ ِّذن ذلك بعد وفاته! وكان حمافظ ًا عىل ُّ‬
‫السنن َّ‬
‫الصالة‪ .‬وكثري ًا‬
‫متوض ًئا ول�و يف غري وقت َّ‬
‫ِّ‬ ‫حيب أن يكون‬
‫الضح�ى‪ ،‬وقد كان ُّ‬ ‫وصلاة ُّ‬
‫عز وجل أن جيعل له نصيب ًا‬ ‫ثم يعود لكتبه! َّ‬
‫ولعل اهلل َّ‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬
‫يتوضأ يف أوقات خمتلفة‪َّ ،‬‬
‫ما رأيته َّ‬
‫الصالة‪ ،‬وال‬ ‫َّبي صىل اهلل عليه وس�لم‪« :‬واعلموا َّ‬
‫أن خري أعاملكم َّ‬ ‫أوىف م�ن حديث الن ِّ‬
‫حيافظ عىل الوضوء إلاَّ مؤم ٌن»‪.‬‬
‫وقد ذكر ‪ -‬رمحه اهلل ‪ -‬أنهَّ م عندما كانوا يس�افرون جلمع فتاوى شيخ اإلسالم هو‬
‫واجلدُّ أنهَّ م يؤ ِّذنون يف ال َّطائرة!‬
‫ٍ‬
‫بكرس يف القدم‪ ،‬وج ِّبس�ت رج ُله‪ ،‬وذهب إىل املس�جد‬ ‫ٍ‬
‫س�نوات‬ ‫وق�د أصيب قبل‬
‫الرجل هيادى‬ ‫األول‪ ،‬فقال له أحد املش�ايخ ممَّن حرض لزيارته‪ :‬يا ش�يخ‪ ،‬كان َّ‬
‫يف اليوم َّ‬
‫ٍ‬
‫لضعف أ َّما أنت فيخش�ى عىل قدمك‪ .‬فقال مس�تنكر ًا‪« :‬أسمع النداء وال‬ ‫الص َّفني‬
‫بني َّ‬
‫أجيب»‪.‬‬

‫الرياض عام (‪1345‬هـ)‪ .‬وأخذ‬ ‫الرمحن بن قاسم يف بلدة البري وتقع شامل ِّ‬ ‫(‪ )1‬ولد َّ‬
‫الشيخ حممد بن عبد َّ‬
‫كالش�يخ حممد بن إبراهيم آل َّ‬
‫الش�يخ‬ ‫الرياض َّ‬ ‫الرمحن بن قاس�م وعلـمـاء ِّ‬‫العل�م ع�ن والده العالمة عبد َّ‬
‫الرياض‪.‬‬ ‫َّ‬
‫والش�يخ عبد العزيز بن ب�از وغريهم‪ .‬توىل التدريس يف املعهد العلمي َّث�م يف الكلية الرشيعة يف ِّ‬
‫عرف بالعبادة والزهد واجللد يف العلم‪ .‬له مؤلفات كثرية من أشهرها‪ :‬مجع فتاوى شيخ اإلسالم ابن تيمية‬
‫الشيخ حممد بن عبد‬‫الشيخ حممد بن إبراهيم‪ .‬تويف سنة (‪1421‬هـ)‪« .‬العامل العابد َّ‬ ‫مع والده‪ .‬ومجع فتاوى َّ‬
‫الرمحن بن القاسم» لولده عبد امللك القاسم‪.‬‬ ‫َّ‬

‫‪195‬‬
‫ٍ‬
‫بسنوات عن حقوقه الـمـال َّية يف «جمموع فتاوى‬ ‫وقد تنازل ‪ -‬رمحه اهلل ‪ -‬قبل وفاته‬
‫شيخ اإلسالم ابن تيمية»‪ ،‬وهي تقدَّ ر باملاليني‪ ،‬وذكر ذلك ‪ -‬رمحه اهلل ‪ -‬بقوله‪« :‬شكا‬
‫صور هذا املجموع ونوزع يف تصديره‪ ،‬فأخربه هو وغريه بأنيِّ قد وقفت‬ ‫إ َّيل بعض من َّ‬
‫ٍ‬
‫سبعة وثالثني جملد ًا‪ ،‬املطبوع يف‬ ‫خيصني من حقوق طبع هذا املجموع املحتوي عىل‬ ‫ما ُّ‬
‫ٍ‬
‫وأل�ف هجر َّية‪ ،‬أرجو َّبره وذخره وكثرة‬ ‫ٍ‬
‫وثالثامئة‬ ‫الرياض س�نة إحدى وثامنني‬ ‫مطابع ِّ‬
‫النَّفع بتعميم طبعه ونرشه‪ ،‬واهلل أس�أل أن جيعل عملنا خالص ًا لوجهه الكريم‪ ،‬وصىل‬
‫حمم ٍد وعىل آله وصحبه أمجعني»‪.‬‬
‫اهلل عىل نب ِّينا َّ‬
‫وع�رف ع�ن الوالد ‪ -‬رمحه اهلل ‪ -‬قيامه ل َّليل منذ حداثة س�نِّه‪ ،‬وكان قيامه يتجاوز‬
‫حممد بن إبراهيم هو ا َّلذي‬ ‫س�اعات‪ ،‬وقد س�أله أخي عبد املحسن‪ :‬هل َّ‬ ‫ٍ‬
‫الش�يخ َّ‬ ‫ثالث‬
‫د َّلك�م على ذلك؟ قال‪ :‬ال‪ ،‬قرأت كتاب ًا عن فضل قيام ال َّليل وكان عمري س�بعة عرش‬
‫عام ًا فام تركته‪ .‬وقد ذكرت والديت أنَّه قام ليلة زواجه مثل ال َّليايل األخرى‪.‬‬
‫وح�را! وكثري ًا ما كنَّا نس�معه يقرأ يف‬
‫ًّ‬ ‫وكان ي�داوم عىل ذلك س�فر ًا وحضر ًا برد ًا‬
‫الس َّيارة وهو يصل(‪.)1‬‬
‫َّ‬
‫*‬ ‫*‬ ‫*‬
‫الش�يخ ربي�ع عب�د ال َّلطي�ف م�ريس ‪ -‬رمح�ه اهلل ‪ )2(-‬كعادة أه�ل القرى يف‬
‫درس َّ‬

‫الرمحن القاس�م حياته وسيرته ومؤلفات�ه» (ص ‪،268 ،260‬‬ ‫(‪« )1‬الع�امل العاب�د َّ‬
‫الش�يخ حممد بن عبد َّ‬
‫‪ )272‬بقلم ولده عبد امللك القاسم‪.‬‬

‫الشيخ ربيع عبد اللطيف مريس أبو عيل يف بلدة اجلعفرية املنطقة الغربية بمرص سنة (‪1947‬م)‪.‬‬ ‫(‪ )2‬ولد َّ‬
‫أكم�ل حف�ظ القرآن قبل س�ن اخلامس�ة عشرة من عمره‪ ،‬عم�ل يف تدريس الق�رآن وقراءات�ه يف اجلوامع‬
‫واملس�اجد عىل حداثة ِس�نِّ ه بمرص‪ .‬قدم إىل الكويت سنة (‪1994‬م) ‪ ،‬عمل مؤذن ًا يف الكويت‪ ،‬كام عمل يف‬
‫جلنة مراجعة املصاحف التابعة لقطاع املساجد‪ .‬تويف يف مرص سنة (‪2007‬م)‪.‬‬

‫‪196‬‬
‫حممد عبد‬ ‫توجه َّ‬
‫للش�يخ سعد َّ‬ ‫ثم بعد أن أتقن حفظ القرآن الكريم َّ‬ ‫الكتاتيب يف مرص‪َّ ،‬‬
‫تضمنته َّ‬
‫الشاطب َّية‬ ‫السبع بام َّ‬ ‫ٍ‬
‫حفص والقراءات َّ‬ ‫الرمحن أيب اخلري حيث تل َّقى عليه رواية‬
‫َّ‬
‫الس�بع‪ ،‬كان آي ًة يف احلفظ واسترجاع اآليات‪ ،‬حتَّى إنَّ�ه إذا ذكر له كلم ًة‬
‫يف الق�راءات َّ‬
‫ألي موض ٍع من‬ ‫ٍ‬
‫س�هو ِّ‬ ‫يع�رف مواض�ع ذكرها م�ن املصحف الشرَّ ي�ف بال خط�أٍ وال‬
‫مر ًة يف األس�بوع‬
‫مواضعها ‪ -‬رمحه اهلل ‪ ،-‬كان كثري التِّالوة للقرآن الكريم‪ ،‬فكان خيتم َّ‬
‫ٍ‬
‫ساعة‪ ،‬وقال‪ :‬مل أستطع َّ‬ ‫ٍ‬
‫أقل‬ ‫وأحيان ًا يقرأه يف يو ٍم واحد‪ ،‬وذكر أنَّه َّ‬
‫مر ًة ختمه يف عرشين‬
‫من ذلك(‪.)1‬‬
‫*‬ ‫*‬ ‫*‬

‫َّبوي‪ ،‬وكان يصوم‬


‫احلجار ‪ -‬رمحه اهلل ‪ )2(-‬ال خيرج من احلرم الن ِّ‬
‫حممد َّ‬ ‫كان َّ‬
‫الشيخ َّ‬
‫الس�نة ال يفطر س�وى يف األعياد‪ ،‬جاء َّ‬
‫الش�يخ إىل البيت بعد صالة العشاء من‬ ‫َّ‬
‫كل أ َّيام َّ‬

‫(‪« )1‬فتح رب البيت يف ذكر مشايخ القرآن بدولة الكويت» للشيخ يارس إبراهيم املزروعي (ص ‪.)165‬‬

‫الش�يخ حممد بن حمم�ود احلجار احللبي ‪ -‬رمحه اهلل ‪ -‬عام (‪1340‬ه�ـ) أو قبلها بقليل يف مدينة‬ ‫(‪ )2‬ول�د َّ‬
‫حل�ب الش�هباء‪ ،‬ونش�أ يف بيئة العل�م والعلـمـ�اء‪ .‬هاجر إىل املدين�ة املنورة وج�اور فيها متفرغ� ًا للعبادة‬
‫الساعات َّ‬
‫الطويلة إلقراء القرآن الكريم‪.‬‬ ‫الطلبة‪ ،‬وكان جيلس َّ‬ ‫والتأليف وبعض الدروس العلمية خلواص َّ‬
‫عرف بعبادته‪ ،‬وتواضعه‪ .‬تويف يف املدينة سنة (‪1428‬هـ)‪.‬‬

‫‪197‬‬
‫يتسحر‬
‫َّ‬ ‫الس�حر ليوقظوه كي‬
‫ثم جاء أهله يف َّ‬
‫ليلة اجلمعة وتناول العش�اء‪ ،‬وبعدها نام‪َّ ،‬‬
‫وإذ به قد فارق احلياة(‪.)1‬‬
‫* * *‬

‫عيل الدق�ر ‪ -‬رمح�ه اهلل ‪ :)2(-‬إنَّن�ا نلقي عىل النَّاس دروس� ًا‬ ‫ق�ال بعضه�م َّ‬
‫للش�يخ ٍّ‬
‫متنوع� ًة‪ ،‬وال ن�رى يف النَّاس هذا التَّأثري ا َّلذي نلمس�ه يف درس�ك‪ ،‬وال نرى إقباالً من‬
‫ِّ‬
‫النَّ�اس مث�ل هذا اإلقبال غير ال َّط ِّ‬
‫بيعي‪ ،‬م�ع أنَّنا نتحدَّ ث بالتَّفسير واحلدي�ث والفقه‬
‫والوعظ وغري ذلك‪.‬‬
‫إن هذا الدَّ رس ا َّلذي تسمعه يا‬
‫بني لوال احلاجة مل أتك َّلم‪َّ ،‬‬ ‫أجاب َّ‬
‫الشيخ بقوله‪ :‬يا َّ‬
‫أجزاء من القرآن قبل الفجر بقصد أن ينفع اهلل املس�لمني بام‬ ‫ٍ‬ ‫بن�ي مدعو ٌم بقراءة عرشة‬
‫َّ‬
‫أحتدَّ ث به(‪.)3‬‬
‫* * *‬

‫(‪ )1‬موقع «ملتقى أهل احلديث»‪.‬‬

‫الشيخ عيل الدقر من كبار علـمـاء دمشق‪ ،‬ومن رواد اإلصالح الديني فيها‪ ،‬وكان له درس يف بعض‬ ‫(‪َّ )2‬‬
‫جوامعه�ا حيرضه َخ ْلق ال حيصون‪ .‬أس�س معهد اجلمعية الغراء وال�ذي حتول إىل ثانوية رشعية خترج فيها‬
‫العديد من ُّ‬
‫الطلاَّ ب‪« .‬علـمـاء الشام يف القرن العرشين» ملحمد النارص‪.‬‬

‫(‪« )3‬حيدثونك عن أيب احلسن الندوي» إعداد الدكتور حمسن العثامين الندوي (ص ‪.)123‬‬

‫‪198‬‬
‫َّهانوي ‪ -‬رمحه اهلل ‪ )1(-‬مع ضعفه ومرضه ملتز ًما‬
‫ِّ‬ ‫العثامين الت‬
‫ِّ‬ ‫كان َّ‬
‫الشيخ ظفر أمحد‬
‫ويتحمل لذل�ك عنا ًء كبري ًا‪،‬‬
‫َّ‬ ‫الصلوات يف املس�جد‪،‬‬
‫باألذكار والنَّوافل‪ ،‬ويش�هد مجيع َّ‬
‫وكان لس�انه يف أواخر عمره رطب ًا بذكر اهلل يف أكثر األوقات‪ ،‬ويف ش�هر رمضان س�نة‬
‫الصي�ام ألمراضه املت�واردة لكنَّه مل ي�رض بذلك‪،‬‬
‫(‪1394‬ه�ـ) ق�د منعه األطب�اء من ِّ‬
‫وقال‪ :‬إن عياض ًا ريض اهلل عنه مل يرتك ِّ‬
‫الصيام وهو يف التِّس�عني من عمره‪ ،‬وكان يلقى‬
‫الصوم ش�دَّ ًة وعنا ًء‪ ،‬حتَّى كان جيلس يف مركن م�ن الـمـاء‪ ،‬وال يرىض باالفتداء‪،‬‬
‫من َّ‬
‫فكيف أرىض بالفدية(‪)2‬؟!‬
‫*‬ ‫*‬ ‫*‬

‫قال األستاذ حممد زياد الكتلة ‪ :‬كان َّ‬


‫الشيخ عبد اهلل بن عبد العزيز بن عقيل ‪ -‬رمحه‬
‫بمجرد سماع األذان‪ ،‬فيستأذن طلاَّ به‪،‬‬
‫َّ‬ ‫اهلل(‪ - )3‬يقطع دروس�ه وجمالس�ه ومجيع ش�ئونه‬

‫(‪ )1‬ولد َّ‬


‫الشيخ ظفر بن أمحد العثامين التهانوي ‪ -‬رمحه اهلل ‪ -‬يف مصبة (هتاون هبون) يف والية (أترابراديش)‬
‫يف شمال اهلند س�نة (‪1310‬ه�ـ) ‪ .‬الزم علـمـ�اء (ديوبند) ‪ ،‬ورح�ل يف طلب العلم ح َّتى ص�ار من كبار‬
‫العلـمـاء‪ .‬عرف بعلمه‪ ،‬وورعه‪ ،‬وزهده‪ .‬تويف سنة ( ‪1943‬م)‪.‬‬

‫(‪« )2‬أرشف عيل التهانوي حكيم األمة وشيخ مشايخ العرص يف اهلند» ملحمد رمحة اهلل اهلندي (ص ‪.)292‬‬

‫(‪ )3‬ولد الشيخ عبد اهلل بن عبد العزيز بن عقيل آل عقيل احلنبيل يف عنيزة يف (‪ 1335 / 7/ 1‬هـ)‪.‬‬
‫نشأ يف موطنه عنيزة من مدن القصيم‪ ،‬وتلقى العلم عىل علـمـاء بلده‪ ،‬ومنهم الشيخ عبد الرمحن السعدي‪=،‬‬

‫‪199‬‬
‫للصالة‪ ،‬وال يقدِّ م عليها شيئ ًا‪َّ ،‬‬
‫ثم يـبكِّر للمسجد‪ ،‬ويدعو ويذكر ما شاء اهلل‪،‬‬ ‫ويستعدُّ َّ‬
‫ٍ‬
‫ساعة‪.‬‬ ‫إلاَّ صالة املغرب‪ ،‬وال س َّيام يوم اجلمعة‪ ،‬فإنَّه يقطع أعامله قبلها نحو نصف‬

‫سؤال‪ ،‬فام إِ ْن ألقيته‬


‫ٌ‬ ‫مر ًة من جملس�ه إىل مسجده القريب‪ ،‬وعندي‬ ‫ورافقت َّ‬
‫الش�يخ َّ‬
‫عيل َّ‬
‫الشيخ‪ ،‬وبدأ بأذكار اخلروج من‬ ‫اخلارجي‪ ،‬فلم ير َّد َّ‬
‫ِّ‬ ‫إلاَّ وقد وصلنا إىل باب البيت‬

‫ثم أدعية امليش إىل املس�جد‪ ،‬واس�تغرقت ال َّطريق‪ ،‬حتَّى إذا انتهى شيخنا منها‪،‬‬
‫املنزل‪َّ ،‬‬
‫قال‪ :‬هات سؤالك‪.‬‬

‫ب َّ‬
‫الش�يخ‪ ،‬وجاء بدعاء‬ ‫فلـمـ�ا رصت أعي�ده‪ ،‬إذا بن�ا ندخل املس�جد‪ ،‬فل�م ُي ِ‬
‫ـج ِ‬ ‫َّ‬
‫فلـمـا فرغ منه التفت إ َّيل‪ ،‬وقال‪َ :‬أ ِعدْ ُه‪ ،‬فسأل ُت ُه‪ ،‬فأجابني‪.‬‬
‫دخول املسجد‪َّ ،‬‬
‫ثم‬ ‫ٍ‬
‫عقيل يف املسجد احلرام‪ ،‬وس َّلموا عليه‪َّ ،‬‬ ‫وقد رأى مجاع ٌة من اإلخوة َّ‬
‫الشيخ اب َن‬

‫أرادوا اجلل�وس معه للحديث‪ ،‬فقال هلم‪ :‬يا إخوان‪ ،‬نحن جئنا إىل هنا للعبادة‪ ،‬وليس‬

‫للمحادثة‪.‬‬
‫يتأخ�ر عن ٍ‬
‫يشء منها‪ ،‬وقد‬ ‫الش�يخ ‪ -‬رمحه اهلل ‪ -‬دقيق ًا يف مواعيده‪ ،‬وال َّ‬
‫وق�د كان َّ‬

‫الش�يخ إىل مكَّة‪ ،‬ونيس‬ ‫م�ر ًة اثنني م�ن اإلخوة موع�د ًا للقراءة عليه‪َّ ،‬‬
‫ثم س�افر َّ‬ ‫أعط�ى َّ‬

‫=ثم الزم الشيخ حممد بن إبراهيم آل الشيخ ‪ -‬رمحهم اهلل ‪.-‬‬


‫ت�وىل القضاء يف العديد من املدن الس�عودية‪ ،‬وتقل�د العديد من املناصب العلمية‪ ،‬وش�ارك يف العديد من‬
‫اهليئات‪ ،‬وقد كان معروف ًا بكثرة أسفاره العلمية‪ ،‬والتي يلتقي فيها بالعديد من علـمـاء العامل اإلسالمي‪.‬‬
‫ًّ‬
‫مكتظا بطالب العلم من داخل اململكة‬ ‫فتح منزله للتدريس ما يقرب من ثالثة أرباع القرن‪ ،‬وكان جملس�ه‬
‫وخارجها‪.‬‬
‫تويف ‪ -‬رمحه اهلل ‪ -‬يف الثامن من شوال سنة (‪ 1432‬هـ)‪ ،‬ودفن يف الرياض‪.‬‬

‫‪200‬‬
‫الرياض بال َّطائرة قبل املوعد املحدَّ د‪َّ ،‬‬
‫ثم قال لألخوين‪:‬‬ ‫فلـمـا تذكَّره رجع إىل ِّ‬
‫املوعد‪َّ ،‬‬
‫فلـمـا كنت هناك‬
‫لـمـا أعطيتكام املوعد نس�يت أنَّه س�يكون يف وقت سفري إىل مكَّة‪َّ ،‬‬
‫َّ‬
‫ثم عاد َّ‬
‫الشيخ إىل‬ ‫لـم أجد رقم هاتفكام ألعتذر منكام‪ ،‬فأحببت احلضور وفا ًء بالوعد‪َّ ،‬‬
‫مكَّة بعد الدَّ رس(‪.)1‬‬

‫*‬ ‫*‬ ‫*‬

‫(‪«   )1‬فتح اجلليل يف ترمجة وثبت ش�يخ احلنابلة عبد اهلل بن عبد العزيز بن عقيل» (ص ‪ )203‬لألس�تاذ‬
‫حممد زياد الكتلة‪.‬‬

‫‪201‬‬
202
‫زهـدهـم‬

‫‪203‬‬
204
‫بريي ‪ -‬رمحه اهلل ‪ )1(-‬زاهد ًا يف الدُّ نيا عزوف ًا عنها‪،‬‬
‫الز ِّ‬
‫حممد ُّ‬
‫الش�يخ عيس�ى بن َّ‬‫كان َّ‬
‫ٍ‬
‫ونزاهة‪،‬‬ ‫وألزم�ه أعي�ان الزبري قبول القض�اء عىل كثرة ما هبا من الفقهاء‪ ،‬فب�ارشه بع َّف ٍة‬
‫إن القضاء يطلب لثالثة ٍ‬
‫أمور‬ ‫ثم رغب عنه فأحلُّوا عليه باالس�تمرار فيه فأبى‪ ،‬وق�ال‪َّ :‬‬ ‫َّ‬
‫ٍ‬
‫لواح�د منه�ا‪ :‬إ َّما لل َّثواب أو للج�اه أو للـمـال‪ ،‬فأ َّما ال َّثواب فعس�ى أن أخرج منه‬ ‫أو‬
‫حجة اإلسلام م�ن ق َّلة ما عندي‪ ،‬وأ َّما اجلاه‬
‫أحج َّ‬‫علي وال يل‪ ،‬وأ َّما الـمـال فإنيِّ مل َّ‬
‫ال َّ‬
‫لـمـا حكمت عىل أحد األعيان قال يل‪ :‬ق َّطع اهلل وجهك‪ ،‬فلـمـاذا ِّ‬
‫أعرض نفيس‬ ‫فإنيِّ َّ‬
‫وحج وجاور يف‬
‫َّ‬ ‫فلـمـا علم أنهَّ م لن يعف�وه‪ ،‬تك َّلف‬
‫للخط�ر‪ ،‬فمن َّْوه بتحقي�ق مطالبه‪َّ ،‬‬
‫مجع منهم‬
‫وخت�رج عليه ٌ‬
‫َّ‬ ‫ودرس باحلرم املك ِِّّي الشرَّ ي�ف‪ ،‬وانت ُِف َع بعلمه‪،‬‬
‫املكرم�ة‪َّ ،‬‬‫مكَّ�ة َّ‬
‫َّ‬
‫الشيخ عبد اهلل الفائز أبا اخليل‪.‬‬
‫فلـمـا علم أنهَّ م أيسوا منه‪ ،‬وع َّينوا بدله عاد إىل وطنه الزبري‪ ،‬وشغل نفسه باإلفتاء‬
‫َّ‬
‫واخلاصة‪ ،‬ونسخ الكتب النَّفيسة بخ ِّطه احلسن املضبوط(‪.)2‬‬
‫َّ‬ ‫والتَّدريس ونفع العا َّمة‬
‫*‬ ‫*‬ ‫*‬
‫البرصي ‪ -‬رمحه اهلل ‪ )3(-‬حيتاج يف بعض األوقات‬
‫ِّ‬ ‫عيل‬ ‫كان َّ‬
‫الش�يخ عبد اجل َّبار بن ٍّ‬
‫حتَّى ال يوجد يف بيته إلاَّ التَّمر‪ِّ ،‬‬
‫فيهون عىل أهل بيته‪ ،‬ويقول‪ :‬كان النَّبي صىل اهلل عليه‬

‫الش�يخ عيس�ى بن حممد الزبريي يف بلد الزبري وأخذ عن علـمـائها‪ ،‬ومن أش�هر مشاخيه َّ‬
‫الشيخ‬ ‫(‪ )1‬ولد َّ‬
‫إبراهيم بن جديد‪ ،‬وشغل نفسه باإلفتاء والتدريس إىل أن تويف سنة (‪1248‬هـ)‪« .‬علـمـاء نجد»‪.‬‬

‫(‪« )2‬علـمـاء نجد خالل ثامنية قرون» (‪.)345/5‬‬

‫عامي�ا فقري ًا‪ ،‬وعمل هو‬


‫الش�يخ عبداجلبار بن عيل البرصي يف حدود س�نة (‪1205‬هـ)‪ ،‬ونش�أ ًّ‬ ‫(‪ )3‬ول�د َّ‬
‫وأبوه يف بس�تان للش�يخ إبراهيم بن جديد‪ ،‬وطلب العلم عليه‪ ،‬وبعد وفاة شيخه رحل إىل الشام وقرأ عىل‬
‫ثم رجع إىل بلده الزبري‪ ،‬وقرأ عليه َّ‬
‫الطلبة‪ ،‬وكان عزوف ًا عن الدنيا‪ ،‬وال يقبل من احلكام‬ ‫مش�ايخ دمش�ق‪َّ ،‬‬
‫عطي ًة وال مرتب ًا‪ .‬تويف سنة (‪1285‬هـ)‪« .‬علـمـاء نجد»‪.‬‬

‫‪205‬‬
‫ن�ار‪ ،‬وما هلم طعا ٌم إلاَّ األس�ودان‪ :‬التَّمر‬
‫الش�هران ال يوقد يف بيته ٌ‬‫وس�لم يميض عليه َّ‬
‫ٍ‬
‫بشيء ال يدَّ خره‪ ،‬بل‬ ‫والـمـ�اء‪ ،‬ونح�ن نجزع إذا مىض لنا ي�و ٌم واحدٌ ‪ .‬وإذا فتح عليه‬
‫لـمـا عرفت عادته هذه‪،‬‬ ‫إن زوجت�ه َّ‬ ‫ينف�ق منه‪ ،‬ويتص�دَّ ق إىل أن ينفد‪ ،‬وهكذا‪ ..‬حتَّى َّ‬
‫صارت تلبس ثياهبا‪ ،‬وتقف عند باب املس�جد بعد صالة العش�اء إىل أن خيرج‪ ،‬فتسأله‬
‫السوق فتسأله فيعطيها‪،‬‬ ‫ثم تسبقه إىل طرف ُّ‬ ‫كأنهَّ ا من الفقراء فيعطيها وهو ال يعرفها‪َّ ،‬‬
‫وهك�ذا إىل أن يصل البيت‪ ،‬وجتمع ذلك إىل أن ينفد ما عنده‪ ،‬ويقول‪ :‬كلوا اليوم متر ًا‪،‬‬
‫برزق‪ ،‬فيقولون‪ :‬عندنا دراهم‬ ‫فيقولون‪ :‬ليس عندنا وال متر‪ ،‬فيقول‪ :‬نصرب وسيأيت اهلل ٍ‬
‫ٍ‬
‫الم�رأة أذنت لنا يف اقرتاضها‪ ،‬فيقول‪ :‬هاتوه�ا‪ ،‬فيأخذها وينفق منها‪ ،‬ويتصدَّ ق‬ ‫أمان�ة‬
‫فتقف له امرأته عند باب املسجد عىل العادة وهكذا(‪.)1‬‬
‫*‬ ‫*‬ ‫*‬
‫األفغاين ‪ -‬رمحه اهلل ‪ )2(-‬قد أقام يف دمش�ق‪،‬‬
‫ِّ‬ ‫حممد نور‬
‫الش�يخ عبد احلكيم بن َّ‬ ‫كان َّ‬
‫ٍ‬
‫وليمة‪ ،‬وال يأكل طعام‬ ‫وكان يكتف�ي بالضرَّ وري من الق�وت‪ ،‬وال يلبي دعوة ٍ‬
‫أحد إىل‬ ‫ِّ‬ ‫ِّ‬
‫ٍ‬
‫أح�د يش�تغل يوم ًا واحد ًا يف األس�بوع مع ال َّط َّيانني‪ ،‬ليأكل من كس�ب ي�ده‪ ،‬وكان إذا‬
‫اشتهر أمره‪ ،‬وظهر فضله ملن يشتغل لدهيم تركهم ليعمل يف قرية أخرى‪ ،‬يتناول اخلبز‬
‫اليابس ومرق املخ َّلل طوال األسبوع‪ ،‬ما عدا يومني‪ ،‬يأكل يف أحدمها حل ًام‪ ،‬ويف اآلخر‬
‫مح ًصا‪.‬‬
‫ُّ‬
‫ولـمـا قال له الوايل‪:‬‬ ‫ٍ‬
‫رصة مال‪ ،‬فأبى‪َّ ،‬‬
‫مرةً‪ ،‬ودفع إليه َّ‬
‫زاره الوايل يف أوائل رمضان َّ‬

‫(‪« )1‬علـمـاء نجد خالل ثامنية قرون» (‪.)14/3‬‬

‫الش�يخ عب�د احلكيم ب�ن حممد نور األفغ�اين‪ ،‬احلنفي‪ ،‬علاَّ مة‪ ،‬حمق�ق‪ ،‬فقيه‪ ،‬أص�ويل‪ ،‬زاهد‪ ،‬مقرئ‪،‬‬
‫(‪َّ )2‬‬
‫فلـمـا ش�ب غادر بالده طلب ًا‬
‫مفرس‪ .‬ولد يف قندهار يف أفغانس�تان س�نة (‪1251‬هـ) املوافق (‪1835‬م) ‪َّ ،‬‬
‫للعلم فقصد اهلند‪ ،‬واحلرمني‪ ،‬وبيت املقدس ح َّتى نزل دمش�ق‪ ،‬عرف عنه تقواه وزهده الش�ديدان‪ .‬تويف‬
‫الشيخ ‪ -‬رمحه اهلل ‪ -‬يف سنة (‪1326‬هـ) املوافق (‪1908‬م)‪.‬‬‫َّ‬

‫‪206‬‬
‫رف عليه أرغف ٌة يابس� ٌة‪،‬‬ ‫هذه مؤونة رمضان‪ ،‬ر َّد عليه بأنَّه قد خَّاتذ مؤونة‪َّ ،‬‬
‫ثم أش�ار إىل ٍّ‬
‫وقطرميز (وعاء حلفظ األطعمة) من مرق املخ َّلل‪.‬‬
‫الش�ام فلقيه جالس� ًا عند باب‬
‫وزاره املشير ج�واد باش�ا قائد الفيل�ق اخلامس يف َّ‬
‫الش�يخ عبد احلكيم بعد انرصاف املشري‬ ‫السلام‪ ،‬ووجد َّ‬ ‫غرفته‪ ،‬ومل يقم له بل ر َّد عليه َّ‬
‫ال له‪ :‬أخربه أنَّني‬ ‫رصة دنانير‪ ،‬فقام جيري حافي� ًا‪ ،‬ودفع الصرُّ َّ ة إىل أحد ا ُ‬
‫حل َّج�اب‪ ،‬قائ ً‬ ‫َّ‬
‫ٍ‬
‫حمتاج‪.‬‬ ‫غري‬
‫ٍ‬
‫رجل‬ ‫أحب زيارة‬ ‫القباين تلميذ َّ‬
‫الشيخ عبد احلكيم‪ُّ :‬‬ ‫ِّ‬ ‫مر ًة َّ‬
‫للشيخ أديب‬ ‫وقال الوايل َّ‬
‫الشيخ أديب‪:‬‬‫ولـمـا وصال‪ ،‬قال َّ‬ ‫ٍ‬
‫والصالح‪ ،‬فأخذه يف عربة إىل شيخه‪َّ ،‬‬ ‫من أهل العلم َّ‬
‫هش يف وجهه قليلاً‪ ،‬وقال‪ :‬أه ً‬
‫ال‬ ‫ي�ا س� ِّيدي هذا ال�وايل جاء يزورك‪ ،‬فلم يق�م له‪ ،‬بل َّ‬
‫وسهالً‪.‬‬
‫ثم أقبل عىل قراءته ومطالعته‪ ،‬بينام وضع‬
‫وسأله الوايل الدُّ عاء‪ ،‬فدعا بضع دقائق‪َّ ،‬‬
‫ٍ‬
‫ذهبية جانب الرحالية (طاولة يس�تعملها ال ُّطالب للقراءة)‪ ،‬وبعد‬ ‫ٍ‬
‫لريات‬ ‫الوايل عرش‬
‫الشيخ بال ِّلريات‪ ،‬فام كان منه إلاَّ أن أخذها وحلق هبام قائالً‪ :‬ما هذا يا شيخ‬
‫َّ‬ ‫ذهاهبام بصرُ‬
‫أديب! فقال الوايل‪ :‬استعن هبذا‪ ،‬فقال‪ :‬ما َّيف حاج ٌة (قاهلا بشدَّ ة)‪ ،‬فقال الوايل‪ِّ :‬‬
‫وزعها‬
‫فوزعها‪ ،‬ومل يأخذ لنفس�ه منها ش�يئ ًا‪ ،‬ب�ل أخرج من جيبه‬ ‫يا س� ِّيدي‪ ،‬فأمر أحد طلاَّ به َّ‬
‫وحدة نقد َّي ٍة زمن الدَّ ولة العثامن َّية) فاشرتى هبا مرق املخ َّلل‪.‬‬
‫ٍ‬ ‫نحاس ًة (أصغر‬
‫كامل�رة األوىل‪ ،‬فوض�ع له عىل‬‫َّ‬ ‫م�ر ًة ثاني� ًة‪ ،‬ودعا له‬ ‫ٍ‬
‫ش�هر زاره الوايل نفس�ه َّ‬ ‫وبع�د‬
‫الش�يخ يراقب حركات ال�وايل حذر ًا مما جرى يف‬ ‫لرية ذهب َّي ٍة‪ ،‬وكان َّ‬
‫الرحالي�ة عرشين ٍ‬
‫وزعها‪ ،‬يا س ِّيدي‬‫األول‪ ،‬فقال له عند ذلك‪ :‬أمل أقل لك ال حاجة يل هبا؟!‪ ،‬فقال‪ِّ :‬‬ ‫ال ِّلقاء َّ‬
‫وزعها بنفسك(‪.)1‬‬ ‫فغضب وصاح به‪ :‬شو أنا ياور (خاد ٌم بال ُّلغة الترُّ ك َّية) عندك؟! ِّ‬
‫*‬ ‫*‬ ‫*‬

‫(‪« )1‬صفحات مرشقة من تاريخ أعالم األمة» لعبده عيل كوشك (ص‪.)629‬‬

‫‪207‬‬
‫اجلزائري ‪ -‬رمح�ه اهلل ‪َّ )1(-‬‬
‫كل ما‬ ‫ُّ‬ ‫طاه�ر‬
‫ٌ‬ ‫حم�ب الدِّ ين اخلطيب‪ :‬أنفق َّ‬
‫الش�يخ‬ ‫ق�ال ُّ‬
‫فلـمـا ضاق‬ ‫ملكت يداه يف اقتناء نفائس الكتب‪ ،‬وال س َّيام املخطوطات َّ‬
‫الفذة النَّادرة‪َّ ،‬‬
‫الس�لطان عبد احلميد اختار القاهرة وطن ًا ثاني ًا‪ ،‬وصار يبيع فيها‬
‫به وطنه دمش�ق زمن ُّ‬
‫هذه النَّفائس‪ ،‬ويعيش بثمنها عيش الكفاف‪ ،‬ومن عجيب أمره أنَّه كان يرىض من دار‬
‫الربيطاين‬
‫ِّ‬ ‫الكت�ب املرصية بنصف ثمن القيمة ا َّلتي يمكن أن حيصل عليها من املتحف‬
‫اإلسلامي على انتقاله إىل‬
‫ِّ‬ ‫ثمن� ًا لكت�اب من كتبه‪ ،‬إيث�ار ًا لبقاء هذا الكتاب يف الوطن‬
‫أوربا‪.‬‬
‫الش�يخ ع�ن كتبه ك ِّلها‪ ،‬وبق�ي معه من ثمنه�ا ما يعيش به عيش الت ُّ‬
‫َّقش�ف‪،‬‬ ‫خرج َّ‬
‫وفيام كنت ذات يو ٍم عند َّ‬
‫الش�يخ عيل يوس�ف املؤ َّيد‪ ،‬ويف جملس�ه س�عادة األستاذ أمحد‬
‫وعزة النَّفس‪،‬‬ ‫ٍ‬
‫طاهر وما فطر عليه من اإلباء َّ‬ ‫تيمور باشا أخذا يتحدَّ ثان يف حالة َّ‬
‫الشيخ‬

‫الس�معوين‪ ،‬اجلزائري‬‫الش�يخ طاه�ر بن صالح أو حمم�د صالح ّ‬ ‫(‪ )1‬العالم�ة اجللي�ل‪ ،‬والدراك�ة النبيل َّ‬
‫األص�ل‪ ،‬الدمش�قي املولد والوفاة‪ ،‬إم�ام مفرس‪ ،‬حمدث فقيه أص�ويل‪ ،‬مؤرخ لغوي‪ ،‬أدي�ب أثري‪ ،‬علاَّ مة‬
‫ثم عاد‬ ‫الش�يخ يف دمش�ق س�نة (‪1268‬هـ) ‪ ،‬وانتقل إىل القاهرة س�نة (‪1325‬هـ) َّ‬ ‫املنقول واملعقول‪ .‬ولد َّ‬
‫إىل دمش�ق س�نة (‪1338‬هـ) ‪ ،‬كان عضو ًا يف املجمع العلمي العريب‪ ،‬مدير ًا لدار الكتب الظاهرية‪ ،‬س�اعد‬
‫يف إنش�اء دار الكتب الظاهرية‪ .‬تويف يف دمش�ق سنة (‪1338‬هـ) ودفن يف سفح جبل قاسيون‪« .‬صفحات‬
‫مرشقة من تاريخ أعالم األمة» لعبده عيل كوشك (ص‪.)636‬‬

‫‪208‬‬
‫وأنَّ�ه مع ضي�ق ذات يده مل يغيرِّ ما اعت�اده من التَّصدُّ ق عىل الفقراء‪ ،‬والبذل يف س�بيل‬
‫أن من الواجب عىل مرص‬ ‫اخلري‪ ،‬فقال تيمور باش�ا لصاحب املؤ َّيد‪ :‬أال ترى يا أس�تاذ َّ‬
‫أن تعرف هلذا العامل اجلليل قدره‪ ،‬فتس�تفيد من علمه وفضله يف مثل دار الكتب مثالً‪،‬‬
‫الشام مفتش ًا عا ًّما عىل‬
‫ال س َّيام وهو اليوم أعلم النَّاس بالكتب اإلسالم َّية‪ ،‬وقد كان يف َّ‬
‫دور كتبه�ا‪ ،‬وه�و العامل عىل تأس�يس دار الكتب ال َّظاهر َّية بدمش�ق واملكتبة اخلالد َّية‬
‫بالقدس‪.‬‬
‫بالسعي يف ذلك‪ ،‬وكانت لصاحب املؤ َّيد منزل ٌة معلوم ٌة‬ ‫الشيخ عيل يوسف َّ‬ ‫فوعد َّ‬
‫الشيخ عيل يوسف ليقابله‬ ‫يف املع َّية اخلديو َّية‪ ،‬وما من ٍ‬
‫وزير إلاَّ يو ُّد أن تكون له يدٌ عند َّ‬
‫طاهرا بأس�لوبه‬
‫ً‬ ‫بمثلها عند احلاجة‪ ،‬ورأى األس�تاذ تيمور باش�ا أن يكاش�ف َّ‬
‫الش�يخ‬
‫الش�يخ بأنَّه اعتاد املطالعة بال َّليل إىل الفجر وليس من َّ‬
‫السهل عليه‬ ‫ال َّلطيف‪ ،‬فاعتذر له َّ‬
‫الرسم َّية‬ ‫أن يغيرِّ عادته وهو يف س ِّن َّ‬
‫الشيخوخة‪ ،‬ولذلك ال يستطيع أن يتق َّيد باألوقات َّ‬
‫ا َّلتي يتق َّيد هبا املو َّظفون‪ ،‬واجتمع األستاذ تيمور باشا بصاحب املؤ َّيد َّ‬
‫مر ًة أخرى فذكر‬
‫الش�يخ عيل يوسف من اخلديوي إجراء ٍ‬
‫راتب‬ ‫ثم اتَّفقا عىل أن يطلب َّ‬ ‫له كلمة َّ‬
‫الش�يخ‪َّ ،‬‬
‫اخلاصة‪.‬‬
‫َّ‬ ‫اجلزائري من اخلزينة‬
‫ِّ‬ ‫ٍ‬
‫طاهر‬ ‫َّ‬
‫للشيخ‬
‫وفيام أنا قائم يف عميل يف حترير املؤ َّيد يوم اخلميس (‪ )24‬من مجادى األوىل املوافق‬
‫الشيخ عيل يوسف‪ ،‬وكان يعلم َّ‬
‫أن سعادة تيمور‬ ‫َّأول مايو س�نة (‪1913‬م) اس�تدعاين َّ‬
‫للشيخ‬ ‫يتفضل بزيارتنا دائماً ‪ ،‬فقال يل‪ :‬أبلغ الباش�ا أين تك َّلمت يف مس�ألة َّ‬
‫الراتب َّ‬ ‫باش�ا َّ‬
‫تم عىل ما ينبغي‪ ،‬فشكرت له مسعاه احلميد‪ ،‬واجتمعت َّ‬
‫بالشيخ‬ ‫ٍ‬ ‫وأن َّ‬ ‫ٍ‬
‫طاهر‪َّ ،‬‬
‫كل يشء َّ‬
‫ٍ‬
‫طاهر يف ذلك اليوم قبل أن أرى س�عادة تيمور باش�ا‪ ،‬فأخربته بام وقع‪ ،‬وكنت أظ ُّن َّ‬
‫أن‬
‫س�يرسه‪ ،‬فظهر يل أنيِّ أجهل تلك النَّفس الكبرية رغم معرفتي بصاحبها منذ‬
‫ُّ‬ ‫هذا اخلرب‬
‫طاهر من هذه احلادثة غضب ًا مل أعهده فيه من قبل‪ ،‬كيف‬
‫ٌ‬ ‫طفولتي‪ ،‬فقد غضب َّ‬
‫الش�يخ‬

‫‪209‬‬
‫يقدم صاحب املؤ َّيد عىل مثل هذا األمر قبل أن يأخذ رأيي؟‬
‫الشيخ عيل يوسف فقال له‪ :‬كأنيِّ كنت معك يوم ك َّلمت اخلديوي بشأين‪،‬‬
‫ثم قابل َّ‬
‫َّ‬
‫وس�معتني أثني عليه لتعضيده مرشوع زكي باش�ا يف إحياء اآلداب العرب َّية ا َّلتي نقلها‬
‫كل من خيدم العلم‪ ،‬ولكن من ا َّلذي‬
‫من املخطوطات من اآلس�تانة‪ ،‬نعم أنا أثني على ِّ‬
‫يضم�ن ل�ك ألاَّ أقف من اخلدي�وي عكس هذا املوق�ف إذا صدر منه م�ا يناقض هذا‬
‫العمل‪ ،‬احلس�ن يا أس�تاذ ألاَّ ِّ‬
‫تعرض نفس�ك لـمـا قد يس�و ُّد به وجهك بس�ببي‪ ،‬وأنا‬
‫للرات�ب وال إىل الوظائف‪ ،‬فأرجوك أن تعمل طريق ًة‬ ‫ٍ‬
‫بحم�د اهلل يف س�عة وال حاجة يب َّ‬
‫ثم قال يل بعد يومني‪ :‬لقد‬
‫تم من هذا األمر بش�أين‪ .‬فدهش صاحب املؤ َّيد‪َّ ،‬‬
‫لتنقض ما َّ‬
‫الراتب ا َّلذي س�عيت‬ ‫ٍ‬
‫طاهر إىل هذا احلدِّ ‪ ،‬إن َّ‬ ‫كان تيمور باش�ا حم ًّقا يف إعجابه َّ‬
‫بالش�يخ‬
‫ٍ‬
‫وس�يلة‪،‬‬ ‫كل ا َّلذين عرفهم إلاَّ من يس�عى للحصول عليه ِّ‬
‫بكل‬ ‫لتدبريه إليه ال أعلم من ِّ‬
‫لق�د كنت أظن ا َّلذين يزهدون يف مث�ل ذلك قد ذهبوا من الدُّ نيا‪ ،‬ولكن وجدت منهم‬
‫بق َّي ًة اآلن(‪.)1‬‬
‫*‬ ‫*‬ ‫*‬
‫حممد أمني سويد رمحهام اهلل(‪ :)2‬لقد أكرمني‬ ‫الش�يخ مصطفى اخلن عن َّ‬
‫الشيخ َّ‬ ‫قال َّ‬
‫الس� ِّن‪ ،‬ويف‬
‫اهلل س�بحانه برؤية هذا العامل اجلليل‪ ،‬واجللوس إليه‪ ،‬وكنت آنذاك حديث ِّ‬

‫البيومي (‪.)191/3‬‬
‫(‪« )1‬النهضة اإلسالمية يف سري أعالمها املعارصين» للدكتور حممد رجب ُّ‬
‫الش�يخ حممد أمني س�ويد ‪ -‬رمحه اهلل ‪ -‬عامل مش�ارك أصويل بارع‪ ،‬ومن كبار علـمـاء دمش�ق‪ ،‬طلب‬ ‫(‪َّ )2‬‬
‫مدرس ًا يف معهد احلقوق (كلية احلقوق)‪ ،‬ويف مواقع علمية عالية عديدة‪،‬‬
‫العلم يف األزهر الرشيف‪ ،‬وعمل ِّ‬
‫الشيخ‬‫واتصف بالزهد والتواضع‪ ،‬ونرش العلم والفضيلة‪ ،‬والبعد عن الش�هرة والرياس�ة‪ ،‬ومن تالميذه‪َّ :‬‬
‫والشيخ حممد اهلاشمي‪َّ ،‬‬
‫والشيخ‬ ‫والشيخ عبد الوهاب دبس وزيت‪َّ ،‬‬ ‫والشيخ عيل الدقر‪َّ ،‬‬ ‫أبو اخلري امليداين‪َّ ،‬‬
‫حسن حبنكة ‪ -‬تغمدهم اهلل مجيع ًا برمحته ‪ .-‬تويف َّ‬
‫الشيخ ‪ -‬رمحه اهلل ‪ -‬يف (‪1350‬هـ ‪1931 -‬م) ‪.‬‬

‫‪210‬‬
‫بدء طلبي للعلم‪ ،‬وقد كنت رشعت يف طلب العلم وسنِّي ال تتجاوز ال َّثانية عرشة‬
‫‪ -‬فيما اعتق�د ‪ -‬وق�د كان ‪ -‬رمح�ه اهلل ‪ -‬يرت َّدد على حم َّلة امليدان كثير ًا‪ ،‬ويأيت وقت‬
‫الصلاة إىل جام�ع منجك‪ ،‬وكان هذا اجلامع هو املكان ا َّلذي نلتقي فيه بش�يخنا العامل‬
‫َّ‬
‫امليداين‪ ،‬وندرس عليه فيه‪ ،‬وكنَّا قد بنينا غرف ًا صغرية‬
‫ِّ‬ ‫حممد حسن حبنَّكة‬ ‫الكبري َّ‬
‫الشيخ َّ‬
‫حت�ول فيام بعد إىل‬ ‫ٍ‬
‫وطني نأوي إليه�ا‪ ،‬هذه الغرف وه�ذا املكان هو ا َّلذي َّ‬ ‫ٍ‬
‫خش�ب‬ ‫م�ن‬
‫ٍ‬
‫ودرس فيه أفاضل‬ ‫اإلسلامي» ا َّل�ذي َّ‬
‫خترج من�ه َّ‬ ‫ِّ‬ ‫س�مى «معهد التَّوجيه‬
‫ات ُي َّ‬‫معه�د َب َ‬
‫القراء‬
‫القراء حسين خطاب ‪ -‬رمحه اهلل تعاىل ‪ ، -‬وش�يخ َّ‬
‫العلـمـاء‪ ،‬من أمثال‪ :‬ش�يخ َّ‬
‫البوطي‪ ،‬والدُّ كتور‬
‫ِّ‬ ‫حممد سعيد ملاَّ رمضان‬
‫حممد كريم راجح‪ ،‬والدُّ كتور َّ‬ ‫احلايل َّ‬
‫الشيخ َّ‬
‫حممد صادق حبنَّكة‬ ‫حممد خري ياسني‪َّ ،‬‬
‫والشيخ َّ‬ ‫مصطفى ديب البغا‪َّ ،‬‬
‫والش�يخ الفاضل َّ‬
‫الشيخ‪ ،‬ا َّلذين أصبحوا فيام بعد‬
‫الرمحن حبنَّكة ولد َّ‬ ‫الش�يخ‪َّ ،‬‬
‫والشيخ عبد َّ‬ ‫امليداين أخي َّ‬
‫ِّ‬
‫ملجأ طلاَّ ب العلم يف شتَّى العلوم‪.‬‬
‫حممد أمني س�ويد ‪ -‬رمح�ه اهلل ‪ -‬ر َّبام يدخل إىل اجلام�ع املذكور بني‬ ‫وكان َّ‬
‫الش�يخ َّ‬
‫صلايت املغرب والعش�اء فيجد طالب ًا من طلاَّ ب العلم املبتدئين قد جلس إىل العا َّمة‪،‬‬
‫فيجلس إليه كأنَّه أحد العا َّمة املستفيدين‪ ،‬ويظهر تأ ُّثره وإعجابه هبذا ال َّطالب املبتدئ‪،‬‬
‫إن الدَّ اخ�ل إىل اجلامع ال حيس�به إلاَّ أح�د العا َّمة ا َّلذين ج�اءوا ليقطفوا موعظ ًة‬
‫حتَّ�ى َّ‬
‫تنفعهم يف دينهم وأخراهم(‪.)1‬‬
‫*‬ ‫*‬ ‫*‬

‫(‪« )1‬مصطفى سعيد اخلن العامل املريب وشيخ علم أصول الفقه يف بالد الشام» للدكتور حميي الدين ديب‬
‫مستو (ص ‪.)24‬‬

‫‪211‬‬
‫ال إىل اهلل والدَّ ار‬ ‫حممد ب�ن ٍ‬
‫مقبل ‪ -‬رمحه اهلل ‪ )1(-‬عازف ًا عن الدُّ ني�ا مقب ً‬ ‫كان َّ‬
‫الش�يخ َّ‬
‫والش�هرة‪ ،‬دمث األخلاق متواضع ًا‪،‬‬
‫حي�ب املظهر ُّ‬
‫ُّ‬ ‫اآلخ�رة‪ ،‬قليل اخللط�ة بالنَّاس ال‬
‫وكان امللك عبد العزيز إذا زار القصيم ووصل البكري َّية يستدعيه األمري ملواجهة امللك‬
‫والسالم عليه فيأبى احلضور‪ ،‬فطلبه امللك فأبى احلضور فذهب إىل منزله وطرق الباب‪،‬‬
‫َّ‬
‫للسطح فنام‪ ،‬فقال امللك مقالته املشهورة‪:‬‬
‫نائم‪ ،‬وصعد َّ‬
‫فقال البنه‪ :‬افتح له وقل له إنَّه ٌ‬
‫هذا الفضيل ال َّثاين‪ .‬وأرس�ل إليه هدايا وحتف ًا فر َّدها‪ ،‬وقال َّ‬
‫للرسول‪ :‬جتدون هلا أحوج‬
‫ولـمـا وصل امللك إىل القصيم ثاني ًة قرع بابه فقال هلم‪ :‬افتحوا‬
‫منِّي‪ ،‬وذلك ورع ًا منه‪َّ .‬‬
‫نائم‪ ،‬فقالوا ذلك فقال‪ :‬س�أنتظره حتَّى يس�تيقظ‪،‬‬
‫ٌ‬ ‫ل�ه وقدموا له القهوة وقولوا له‪ :‬إنيِّ‬
‫واجب‪ ،‬فنزل‬
‫ٌ‬ ‫حق‬
‫مطاع وله ٌّ‬
‫ٌ‬ ‫فصع�د إلي�ه ابنه وقال‪ :‬يا أبتي َّ‬
‫إن امللك يف منزل�ك وأمره‬
‫واستمر ينتفض كام ينتفض‬
‫َّ‬ ‫الر ِّد‪،‬‬
‫فلـمـا صافحه امللك انعجم لس�انه عن َّ‬
‫وهو يرتعد‪َّ ،‬‬
‫ولـمـا س�كن روعه أخذ يف وع�ظ امللك‪ ،‬وختويفه من ال ُّظلم‪ ،‬وتذكريه سيرة‬
‫ال َّطير‪َّ ،‬‬
‫منصت‬
‫ٌ‬ ‫الرعية‪ ،‬وح َّثه عىل العدل وتنفيذ ما أوج�ب اهلل عليه‪ ،‬هذا وامللك‬ ‫اخللف�اء م�ع َّ‬
‫ٍ‬ ‫ٍ‬
‫كس�وة‬ ‫بصلة مع َّ‬
‫الش�ايقي عبار ًة عن‬ ‫فلـمـا خرج من عنده بعث له‬ ‫له س�اع ًة ويبكي‪َّ ،‬‬
‫ٍ‬
‫بمأكول فأبى أن يقبل منها شيئ ًا(‪.)2‬‬ ‫ٍ‬
‫وحتويل عىل الـمـال َّية‬ ‫ٍ‬
‫ونقود‬
‫*‬ ‫*‬ ‫*‬

‫الش�يخ‬‫الش�يخ حمم�د ب�ن مقب�ل يف إح�دى ق�رى بري�دة س�نة (‪1281‬ه�ـ)‪ ،‬وق�رأ على عمه َّ‬ ‫(‪ )1‬ول�د َّ‬
‫الش�يخ حممد بن عم�ر بن س�ليم‪ ،‬وكان ال يتناول ش�يئ ًا م�ن أحد ح َّتى‬
‫العالم�ة س�ليامن ب�ن مقب�ل‪ ،‬وخاله َّ‬
‫ث�م طلب لقض�اء بريدة فاس�تعفى لكرب س�نِّه‬ ‫ث�م عنيزة َّ‬
‫م�ن بي�ت الـمـ�ال‪ ،‬ت�وىل القض�اء يف البكريي�ة‪َّ ،‬‬
‫فأعف�ي‪ ،‬وق�د ع�رف بالزهد وال�ورع‪ ،‬والعزوف عن الدني�ا‪ .‬تويف س�نة (‪1368‬هـ)‪« .‬علـمـ�اء نجد»‪.‬‬

‫السنني» ملحمد بن عثامن القايض (‪.)293/2‬‬


‫(‪« )2‬روضة الناظرين عن مآثر علـمـاء نجد وحوادث ِّ‬

‫‪212‬‬
‫مؤس�س مدرس�ة‬
‫ِّ‬
‫(‪)1‬‬
‫�نقيطي ‪ -‬رمحه اهلل ‪-‬‬
‫ِّ‬ ‫حممد أمني ِّ‬
‫الش‬ ‫قال يوس�ف ابن َّ‬
‫الش�يخ َّ‬
‫النَّج�اة يف الزبري‪ :‬كان لوالدي بعض رواتب جممع ًة لدى صندوق املدرس�ة مل َّ‬
‫يترصف‬
‫الس ِّيد عبد املحسن الشجري ‪ -‬وكيل مدير املدرسة ‪ -‬ليفيض‬
‫مريض‪ .‬وجاءه َّ‬
‫فيها‪ ،‬وهو ٌ‬
‫الشيخ َّ‬
‫أن اإليثار متى يكون؟‬ ‫إليه بحال املدرسة وما هي عليه من العوز‪ ،‬فوقع يف روع َّ‬
‫ه�ذا ه�و مكانه‪ .‬فقال‪ :‬رواتبي ا َّلتي يل عندكم َّ‬
‫ترصفوا فيه�ا حلاجاتكم‪ ،‬وقال‪ :‬ناولني‬
‫ورق ًة أكتب لكم فيها بالتَّفويض‪ .‬وخرج من الدُّ نيا مل يرتك لنا ش�يئ ًا‪ ،‬ويعلم اهلل حالنا‪،‬‬
‫وتوفيِّ والدنا بعدها‪ ،‬هذا ما حدَّ ثتني به الوالدة(‪.)2‬‬
‫*‬ ‫*‬ ‫*‬
‫م�ر ًة أرض ًا يف‬
‫َّ‬
‫(‪)3‬‬
‫اشترى َّ‬
‫الش�يخ فيص�ل بن عب�د العزيز آل مب�ارك ‪ -‬رمح�ه اهلل ‪-‬‬
‫مهته العالية يف‬
‫ثم تراجع عن هذا وخاف أن تصدَّ ه عن َّ‬
‫اجلوف وزرعها واس�تصلحها َّ‬
‫نرش العلم وطلب اآلخرة فقام بإهدائها لصاحبها ابن عيشان دون مقابل(‪.)4‬‬
‫*‬ ‫*‬ ‫*‬

‫الش�يخ حممد أمني الش�نقيطي يف ش�نقيط (موريتانيا حالي ًا) عام (‪1289‬هـ)‪ .‬س�افر إىل مرص َّ‬
‫ثم‬ ‫(‪ )1‬ولد َّ‬
‫ثم رحل إىل الزبري‪ ،‬وتوىل اإلمامة واخلطابة فيها‪ ،‬وأنش�أ مدرس�ة النجاة‬
‫احلج�از‪ ،‬وأخ�ذ عن علـمـائه�ا‪َّ .‬‬
‫اخلريي�ة‪ ،‬كان يتنق�ل بني بل�دان اخلليج العريب للوعظ واإلرش�اد‪ .‬وش�ارك بجانب صفوف املس�لمني يف‬
‫الرزاق الصانع‬ ‫طرابل�س ضد َّ‬
‫الطليان‪ .‬تويف يف الزبري س�نة (‪1351‬هـ)‪« .‬إم�ارة الزبري بني هجرتني» لعبد َّ‬
‫وعبد العزيز العيل‪.‬‬

‫الرزاق عبد املحسن الصانع وعبد العزيز عمر العيل‪.)152/3( .‬‬


‫(‪« )2‬إمارة الزبري بني اهلجرتني» لعبد َّ‬
‫الش�يخ فيصل بن عبد العزيز آل مبارك س�نة (‪1313‬هـ) يف بلدة حريمالء‪ ،‬وقرأ عىل العلـمـاء‬ ‫(‪ )3‬ولد َّ‬
‫ثم اس�تقر ب�ه األمر قاضي ًا يف مدينة‬
‫الري�اض واإلحس�اء وقطر‪ ،‬توىل القضاء يف بعض نواحي اجلنوب‪َّ ،‬‬ ‫يف ِّ‬
‫سكاكا يف منطقة اجلوف ح َّتى تويف سنة (‪1373‬هـ)‪« .‬علـمـاء نجد»‪.‬‬

‫(‪« )4‬العالمة املحقق والسلفي املدقق ترمجة حلياة فضيلة َّ‬


‫الشيخ فيصل بن عبد العزيز آل مبارك» لفيصل‬
‫بن عبد العزيز البديوي (ص ‪.)19‬‬

‫‪213‬‬
‫القليبي ‪ -‬رمحه اهلل ‪ )1(-‬بسيط ًا يف مظهره غاية البساطة‪،‬‬
‫ِّ‬ ‫كان األستاذ حميي الدِّ ين‬
‫السوريني املك َّلف بمرافقته اقرتح عليه أن يرتدي ثياب ًا جديدة‬ ‫حتَّى إن أحد اإلخوة ُّ‬
‫القليبي غضب ًا شديد ًا وقال‬ ‫موعد معه‪ ،‬فغضب‬ ‫ٍ‬ ‫ملقابلة رئيس الوزراء ا َّلذي كان عىل‬
‫ِّ‬
‫والرجال بمخابرها ال بمظاهرها‪،‬‬ ‫لألخ‪ :‬إنَّنا ال نقابل النَّاس بثيابنا ولكن بنفوسنا‪َّ ،‬‬
‫فسكت األخ‪ ،‬ور َّدد قول الشاعر‪:‬‬
‫ت��ع��ب��ت يف م���راده���ا األج��س��ام‬ ‫وإذا ك��ان��ت ال��نُّ��ف��وس ك��ب��ار ًا‬
‫ٍ‬
‫وتوقري‪،‬‬ ‫ٍ‬
‫وإكبار‬ ‫ٍ‬
‫وتقدير‬ ‫وقد استقبل رئيس الوزراء األستاذ القليبي ِّ‬
‫بكل احرتا ٍم‬
‫للمهابة ا َّلتي يتم َّيز هبا واألخالق العالية ا َّلتي يتَّصف هبا‪ ،‬وكان َّ‬
‫الرئيس أذن ًا صاغي ًة‬
‫ُّونيس املضطهد ومعاناته من‬ ‫الزعيم املجاهد عن أحوال َّ‬
‫الشعب الت ِّ‬ ‫لـمـا يقوله هذا َّ‬
‫الفرنيس وصنائعه من العمالء املرتزقة(‪.)2‬‬
‫ِّ‬ ‫ظلم االستعامر‬
‫*‬ ‫*‬ ‫*‬

‫(‪ )1‬ول�د َّ‬


‫الش�يخ حمي�ي الدين القليبي يف تونس س�نة (‪1318‬ه�ـ)‪ .‬ودرس يف جامعة الزيتونة واش�تغل‬
‫ثم أطلق رساحه بعد س�نتني‪ .‬س�افر‬
‫بالصحافة‪ .‬اعتقله الفرنس�يون س�نة (‪1934‬م)‪ ،‬ونفي إىل الصحراء‪َّ ،‬‬
‫إىل مصر واس�تقر هبا يدعو إىل نصرة قضية تونس‪ .‬تويف س�نة (‪1374‬هـ)‪« .‬من أعلام احلركة والدعوة‬
‫اإلسالمية املعارصة» لعبد اهلل العقيل‪.‬‬

‫(‪« )2‬من أعالم احلركة والدعوة اإلسالمية املعارصة» (ص ‪ )119‬تأليف عبد اهلل العقيل‪.‬‬

‫‪214‬‬
‫جان�ب ٍ‬
‫كبري من‬ ‫ٍ‬ ‫الس�عدي ‪ -‬رمحه اهلل ‪ )1(-‬عىل‬ ‫الش�يخ العلاَّ م�ة عب�د َّ‬
‫الرمحن َّ‬ ‫كان َّ‬
‫كل أعامله‪ ،‬زاهد ًا متع ِّفف ًا عزيز النَّفس عىل ق َّلة ذات يده‪.‬‬
‫األدب والع َّفة والنَّزاهة يف ِّ‬
‫العلمي بعنيزة سنة (‪1373‬هـ)‪ ،‬وكان‬ ‫ِّ‬ ‫الس�عدي مرشف ًا عىل املعهد‬ ‫الش�يخ َّ‬‫و ُعينِّ َّ‬
‫الش�يخ ‪ -‬رمحه اهلل ‪ -‬أرس�ل إىل رئاس�ة‬ ‫ش�هري قدره ألف ٍ‬
‫ريال‪ ،‬لك َّن َّ‬ ‫ٍّ‬ ‫ٍ‬
‫برات�ب‬ ‫تعيين�ه‬
‫ٍ‬
‫اس�تعداد لإلرشاف‬ ‫حممد بن س�عود حالي ًا ‪ -‬أنَّه عىل‬ ‫املعاه�د العلم َّية ‪ -‬جامعة اإلمام َّ‬
‫مادي‪،‬‬
‫ٌّ‬ ‫على املعهد حس�ب ًة لوج�ه اهلل تعاىل‪ ،‬وأنَّ�ه ال يريد أن يك�ون له عىل ذلك ٌ‬
‫أج�ر‬
‫وقبلت الرئاسة شاكر ًة له هذا الصنيع ا َّلذي ال يصدر إلاَّ من عاملٍ ٍ‬
‫زاهد يبتغي وجه اهلل‪.‬‬ ‫َّ‬ ‫ِّ‬
‫�عدي‪ :‬وكان من سيرته ‪-‬‬‫ِّ‬ ‫للس‬
‫العدوي أثناء معارشته َّ‬
‫ِّ‬ ‫الرمحن‬
‫يقول الدُّ كتور عبد َّ‬
‫رمحه اهلل ‪ -‬أنَّه يف موسم احلصاد تأيت إليه ثمـار النَّخيل والبساتني ا َّلتي وقفها أصحاهبا‬
‫ويوزعها عىل‬ ‫الش�يخ جيم�ع َّ‬
‫كل هذه ال ِّثمـ�ار يف املس�جد ِّ‬ ‫على املس�جد اجلامع‪ ،‬فكان َّ‬
‫الفقراء واملساكني‪ ،‬وال يأخذ تـمر ًة واحد ًة يدخلها فاه أو ينقلها إىل بيته‪ .‬وسألت أحد‬

‫الس�عدي يف عنيزة س�نة (‪1307‬ه�ـ)‪ ،‬وتوفي�ت والدته وله من‬ ‫الرمحن بن نارص َّ‬ ‫(‪ )1‬ول�د َّ‬
‫الش�يخ عب�د َّ‬
‫العمر أربع سنني‪ ،‬وتويف والده وله من العمر سبع سنني فكفلته زوجة والده‪ .‬اشتغل بالعلم عىل علـمـاء‬
‫الطالب‪ ،‬وواعظ العامة‪ ،‬وكاتب‬ ‫بل�ده ح َّتى رس�خت قدمه يف العلم‪ ،‬ونفع اهلل به أهل بلده‪ ،‬فه�و مدرس ُّ‬
‫الوثائ�ق‪ ،‬وعاق�د األنكحة‪ ،‬وكان ال ينقطع عن زيارهتم يف ُب ُيوهتم‪ ،‬ومش�اركتهم يف جمتمعاهتم‪ .‬تويف س�نة‬
‫(‪1376‬هـ) بعد إصابته بمرض ضغط الدم وتصلب الرشايني‪« .‬علـمـاء نجد»‪.‬‬

‫‪215‬‬
‫الش�يخ عىل حاجات معيش�ته؟ فأخبرين َّ‬
‫أن له ابنني‬ ‫املقربني إليه‪ :‬من أين ينفق َّ‬
‫أبنائ�ه َّ‬
‫الرياض‪ ،‬ويرسالن إليه ما حيتاج من النَّفقة وال مورد له غري هذا‪،‬‬
‫يعمالن بالتِّجارة يف ِّ‬
‫إن خري ما يأكل املرء ما كان من كسب يده‪َّ ،‬‬
‫وإن ولد اإلنسان من‬ ‫فقلت‪ :‬سبحان اهلل‪َّ ،‬‬
‫كسبه(‪.)1‬‬
‫*‬ ‫*‬ ‫*‬

‫لـمـا زار امللك س�عود ‪ -‬رمحه اهلل ‪ -‬جازان وأعجب مما كان عليه َّ‬
‫الش�يخ حافظ‬ ‫َّ‬
‫حكم�ي ‪ -‬رمح�ه اهلل ‪ )2(-‬من احل�رص وغزارة اإلنتاج واإلخالص‪ ،‬أم�ر له بمبل ٍغ من‬
‫الـمـال بخ ِّطه فأخذ َّ‬
‫الش�يخ حافظ الورقة ووضعه�ا معه‪ ،‬ومل يلتفت إليها فعثر عليها‬
‫بعد وفاته وذلك عند شيخه‪ ،‬فوجد فيها أمر ًا برصف مبل ٍغ من الـمـال له(‪.)3‬‬
‫*‬ ‫*‬ ‫*‬

‫(‪« )1‬علـمـاء نجد مشاهد ومواقف» (ص ‪ )106‬لعبد العزيز آل عبد اللطيف‪.‬‬

‫الش�يخ حاف�ظ بن أمح�د احلكمي يف جازان س�نة (‪1342‬هـ)‪ .‬حفظ الق�رآن يف صغره‪ ،‬والزم‬ ‫(‪ )2‬ول�د َّ‬
‫الش�يخ عبداهلل القرع�اوي‪ .‬طلب من�ه ش�يخه تصنيف كت�اب يف العقيدة فنظ�م منظومة‬ ‫داعي�ة اجلن�وب َّ‬
‫«س�لم الوصول» ورشحها وهو ابن تس�عة عرش عام ًا‪ .‬توىل إدارة معهد س�امطة العلمي‪ .‬تويف ش�ا ًّبا س�نة‬
‫(‪1377‬هـ)‪ .‬مقدمة «معارج القبول برشح سلم الوصول»‪.‬‬

‫السيف‪( .‬ص‪.)28‬‬ ‫(‪َّ )3‬‬


‫«الشيخ حافظ بن أمحد احلكمي حياته وآثاره» إعداد‪ :‬سعود بن صالح بن حممد َّ‬

‫‪216‬‬
‫�نقيطي ‪ -‬رمحه‬
‫ِّ‬ ‫العلوي ِّ‬
‫الش‬ ‫ِّ‬ ‫حممد املصطفى بن اإلمام‬ ‫ممَّ�ا يروى عن قناعة َّ‬
‫الش�يخ َّ‬
‫اهلل‪ )1(-‬وع َّفته وصربه عىل ألواء املدينة املنورة أنَّه أمىض ثالثة أ َّيا ٍم بلياليها مل يذق فيها‬
‫الرابع جلس يف‬
‫غير الـمـ�اء‪ ،‬ومل يعلم بحاله غري خالقه س�بحانه‪ ،‬ويف صبيحة الي�وم َّ‬
‫الشناقطة خارج ًا إىل بيته فخطر‬
‫يكرر دروسه فرأى رفيق ًا له من َّ‬
‫رحبة املسجد الشرَّ يف ِّ‬
‫يتعرض له ليدعوه لل َّطعام‪ ،‬فر َّد عىل نفسه ذلك اخلاطر يف احلني ومل َّ‬
‫يتحرك من‬ ‫بباله أن َّ‬
‫حم ِّله وأنشأ ارجتالاً ‪:‬‬
‫ه���واك امل����ؤ ِّدي للخنا وامل��ذ َّل��ة‬ ‫روي�دك ي�ا نفسي فلس�ت مطاوع�ا‬
‫ٍ‬
‫ح��ي��اة دن � َّي��ة‬ ‫إيل م��ن‬ ‫مل��وت��ك ض��ي��ع� ًة وأن���ت عفيف ٌة‬
‫أح���ب َّ‬
‫ُّ‬
‫الضحى والتحق بحلقته‪ ،‬فلم متض ساع ٌة حتَّى ساق اهلل تعاىل له رزق ًا من‬ ‫ثم صىل ُّ‬
‫َّ‬
‫حيث ال حيتسب‪ ،‬ومل ير ضيق ًا بعد ذلك(‪.)2‬‬
‫*‬ ‫*‬ ‫*‬
‫أن رئاس�ة ش�ئون‬ ‫الـمعلمي وكيل مكتبة احلرم املك ِِّّي‪ :‬بلغني َّ‬
‫ُّ‬ ‫قال َّ‬
‫الش�يخ عبد اهلل‬
‫ٍ‬
‫حممد أمني‬ ‫احلرمني يف عهد رئيس�ها احلايل العلاَّ مة س�ليامن بن عبيد‪ ،‬طلبت َّ‬
‫الس� ِّيد َّ‬
‫(‪)3‬‬

‫املنص�وري املو َّظف بش�ئون احلرمني‪ ،‬فقال‬


‫ِّ‬ ‫املك�رم‬
‫َّ‬ ‫للمراجع�ة‪ ،‬فحضر ل�دى مكتب‬

‫الش�يخ حممد املصطفى بن اإلمام العلوي الش�نقيطي ‪ -‬رمحه اهلل ‪ -‬يف رمضان س�نة (‪1315‬هـ)‬ ‫(‪ )1‬ولد َّ‬
‫بمدينة جتكجة ببالد ش�نقيط‪ .‬تويف والده وهو ابن ثالث س�نني فر َّبته والدته‪ ،‬حفظ القرآن وتعمق بعلوم‬
‫الفقه والنحو والرصف‪ .‬اشتغل بالتجارة‪ .‬تويف يف (‪ )16‬ذي احلجة سنة (‪ 1388‬هـ)‪.‬‬

‫(‪« )2‬أعالم الش�ناقطة يف احلجاز واملرشق جهودهم العلمية وقضاياهم العامة» لبحيد بن َّ‬
‫الش�يخ يربان‬
‫القلقمي اإلدرييس‪.‬‬

‫املكرمة سنة (‪1328‬هـ)‪ .‬التحق بمدارس‬ ‫مكة َّ‬ ‫الشيخ حممد أمني الكتبي احلنفي ‪ -‬رمحه اهلل ‪ -‬يف َّ‬
‫(‪ )3‬ولد َّ‬
‫الفالح‪ ،‬وخترج منها متقن ًا لعلوم خمتلفة‪ ،‬ودرس عىل مجلة من العلـمـاء ح َّتى صار من كبار علـمـاء مكة‪،‬‬
‫ثم انقطع يف آخر حياته للعبادة‪ ،‬والتصنيف‪ .‬تويف سنة (‪1404‬هـ)‪.‬‬ ‫ودرس يف املسجد احلرام‪َّ ،‬‬
‫َّ‬

‫‪217‬‬
‫ألن فضيلته‬ ‫املنصوري لفضيلة الكتبي‪ :‬لكم فروقات رواتب بلغت ثامنية آالف ٍ‬
‫ريال‪َّ ،‬‬ ‫ُّ‬
‫مدرس ًا باحلرم الشرَّ يف‪ ،‬فقال له‪ :‬ال تكن شيطان ًا رابع ًا‪ ،‬فقد رأيت يف منامي ثالثة‬
‫كان ِّ‬
‫أس�تحق ش�يئ ًا‪ ،‬وماذا عملت ألستح َّقها‪،‬‬
‫ُّ‬ ‫الرابع فأنا ال‬
‫ش�ياطني ورصفتهم‪ ،‬وال تكن َّ‬
‫ٍ‬
‫أشهر(‪.)1‬‬ ‫وخرج‪ ،‬هذا كان قبل وفاته بعدَّ ة‬
‫*‬ ‫*‬ ‫*‬
‫اجلراح‬
‫حممد بن س�ليامن َّ‬ ‫الش�يخ وليد املني�س يف ترمجة عامل الكويت َّ‬
‫الش�يخ َّ‬ ‫ق�ال َّ‬
‫‪ -‬رمح�ه اهلل ‪ :)2(-‬رغ�م أنَّ�ه ميس�ور احلال ب�ل يعدُّ م�ن األغني�اء إلاَّ َّ‬
‫أن املتأ ِّمل لغالب‬
‫ٍ‬
‫وبغض‬ ‫الذكر‬ ‫حب خلمول ِّ‬ ‫الزهد والتَّق ُّلل مع ٍّ‬ ‫أن َّ‬
‫الشيخ يميل إىل ُّ‬ ‫أحواله ومعاشه جيد َّ‬
‫للش�هرة‪ ،‬وينسحب هذا التَّق ُّلل أيض ًا عىل امللبس واملأكل‪ .‬كان َّ‬
‫الشيخ زاهد ًا يف ملبسه‬ ‫ُّ‬
‫حيب التَّبذير والتَّباهي والبذخ‪.‬‬
‫ومأكله ومعظم حاجياته‪ ،‬وكان ال ُّ‬
‫حي�ب أكل التَّمر‬
‫ُّ‬ ‫أ َّم�ا أكل�ه فإنيِّ علم�ت أنَّه ي�أكل وجبتني غالب� ًا يف الي�وم‪ ،‬وكان‬
‫والرط�ب‪ .‬وكان لق َّلة أكله‬
‫ورشب الـمـ�اء مع�ه‪ ،‬وكثري ًا ما يتحدَّ ث ع�ن منافع التَّمر ُّ‬
‫نحيف� ًا‪ ،‬ور َّبما ال يزيد وزنه عن (‪ )45‬كيلو جرام ًا وهو أقرب إىل ال ُّطول منه إىل القرص‬
‫الس ِّن‪.‬‬
‫رغم تقدُّ مه يف ِّ‬
‫الس�لف يف التَّق ُّل�ل من األطعمة واألرشب�ة ِّ‬
‫والزينة‬ ‫وكثير ًا م�ا يتك َّلم عن أخالق َّ‬
‫الش�هرة وتص�دُّ ر املجالس‪ ،‬ورغم قدرته على التَّصنيف‬ ‫وح�ب مخ�ول ِّ‬
‫الذكر وبغض ُّ‬ ‫ِّ‬

‫(‪« )1‬اجلواه�ر احلس�ان يف تراج�م الفضلاء واألعي�ان م�ن أس�اتذة وخلان» لزكري�ا بن عب�د اهلل بيال‬
‫(‪.)473/2‬‬

‫الش�يخ حممد بن س�ليامن اجلراح يف الكويت س�نة (‪1322‬هـ) تقريب ًا بعد انتقال جدِّ ه من بلدة‬
‫(‪ )2‬ولد َّ‬
‫(حرم�ة) م�ن بلدان نجد بنحو أربعني س�نة‪ ،‬وقد درس يف الكويت عىل بعض علـمـائها‪ ،‬ومن أش�هرهم‬
‫الش�يخ بالزهد والورع والعزوف‬ ‫علاَّ مة الكويت يف زمانه َّ‬
‫الش�يخ عبداهلل بن خلف الدحيان‪ ،‬وقد عرف َّ‬
‫عن الدنيا‪ .‬تويف سنة (‪1417‬هـ)‪« .‬علـمـاء نجد»‪.‬‬

‫‪218‬‬
‫الس�لف ما تركوا ش�يئ ًا إلاَّ وبحثوا فيه‪ ،‬كأنَّه يشير إىل‬ ‫والتَّأليف إلاَّ أنَّه ِّ‬
‫يكرر قوله َّ‬
‫بأن َّ‬
‫عدم الدَّ اعي للتَّصنيف إلاَّ فيام اس�تجدَّ من مس�ائل‪ ،‬ويذكر ما قاله ابن الق ِّيم يف تفسري‬
‫ٍ‬
‫حاجة أو‬ ‫قول�ه تع�اىل‪ :‬ﱫ ﮋ ﮌ ﱪ فمن التَّكاثر اإلكثار م�ن التَّصنيف لغري‬
‫يتصور وقوعها ممَّا يستهلك اجلهد والوقت(‪.)1‬‬
‫َّ‬ ‫َّعرض ملسائل ال‬
‫الت ُّ‬
‫*‬ ‫*‬ ‫*‬

‫وجه ش�يخ األزهر‬ ‫ق�ال َّ‬


‫الش�يخ عبد احلميد كش�ك ‪ -‬رمح�ه اهلل ‪ )2(-‬يف مذكِّراته‪َّ :‬‬
‫دع�و ًة إىل رجال الدَّ عوة اإلسلام َّية للبح�ث يف طرق الدَّ عوة‪ ،‬ووض�ع منهج الدُّ عاة‪،‬‬
‫وجهت إليهم الدَّ ع�وة‪ ،‬وكان مكان ال ِّلق�اء يف إدارة األزهر‬
‫وكن�ت واحد ًا م�ن ا َّلذين ِّ‬
‫وانعق�د االجتامع بعد صلاة ال ُّظهر‪ ،‬وبع�د أن انتهى االجتامع ومهم�ت باالنرصاف‪،‬‬
‫الرئيس منك؟ قلت له‪:‬‬
‫أخذ ش�يخ األزهر بيدي إىل مكتبه وق�ال يل‪ :‬لـمـاذا أغضبت َّ‬
‫توضح األمر يل‪ ،‬فقال‪ :‬لـمـ�اذا مل تذهب إىل االجتامع ا َّلذي دعاك‬
‫ال أدري وأري�د أن ِّ‬

‫َّ‬
‫«الشيخ حممد بن سليامن اجلراح» لوليد بن عبد اهلل املنيس (ص ‪.)74‬‬ ‫(‪)1‬‬

‫(‪ُ )2‬ول�د عب�د احلميد كش�ك ‪ -‬رمح�ه اهلل ‪ -‬يف شبراخيت بمحافظة البحرية يف العارش م�ن مارس لعام‬
‫(‪1933‬م) ‪ ،‬وحف�ظ الق�رآن وه�و دون العارشة من عم�ره‪ ،‬ولد يف أرسة فقرية‪ُ ،‬عينِّ معي�د ًا بكلية أصول‬
‫الدي�ن س�نة (‪1957‬م) ‪ .‬ت�ويف وه�و س�اجد يف ي�وم اجلمع�ة املوافق (‪ 26‬رج�ب ‪1417‬هـ‪ 6/‬ديس�مرب‬
‫‪1996‬م) وهو يف الثالثة والستني من عمره‪.‬‬

‫‪219‬‬
‫ألن اهلل أراد ألاَّ أحرض‪ ،‬ورشحت له كيف‬
‫إليه يف اإلسماعيل َّية يف رمضان؟ فقلت له‪َّ :‬‬
‫نسيت أن أفتح اخلطاب حتَّى نسيت املوعد املرضوب‪.‬‬
‫غاضب منِّي؟ ق�ال‪ :‬لقد كنت‬
‫ٌ‬ ‫الش�يخ‪ :‬وم�ا ا َّلذي أعلم فضيلتك�م أنَّه‬
‫ثم س�ألت َّ‬
‫أجل�س ع�ن يمينه وقد س�أل وزير اإلعالم وق�ال له‪ :‬أمل حيرض؟ فقال ل�ه الوزير‪ :‬نعم‬
‫الرئيس رأس�ه غضب� ًا‪ ،‬فقلت له‪ :‬يا فضيلة َّ‬
‫الش�يخ ولـمـاذا مل حتاول أن‬ ‫فهز َّ‬
‫مل حيضر‪َّ ،‬‬
‫اعتذارا‬
‫ً‬ ‫تق�ول كلم� ًة تطفئ هبا غض�ب القلوب؟ فق�ال‪ :‬إنَّك تس�تطيع أن تق�دِّ م اآلن‬
‫عَّم�اَّ ح�دث‪ ،‬فقلت له‪ :‬وهل أخط�أت حتَّى اعتذر؟ فقال‪ :‬أال تعل�م أنَّنا نعيش يف ِّ‬
‫ظل‬
‫احلق املبين‪ :‬ﱫ ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ‬ ‫الرئي�س ورعايته؟ فقلت له بلس�ان اليقين ومنطق ِّ‬‫َّ‬
‫ﭕ ﭖﭗ ﭘ ﭙ ﭚﱪ‪ .‬وألقي�ت َّ‬
‫السلام وانرصف�ت‪ ،‬وأن�ا أر ِّدد آي�ة‬
‫باحلي الق ُّيوم ا َّلذي‬
‫ِّ‬ ‫الكريس ا َّلتي اش�تملت عىل اجلالل والكامل واجلامل ووص�ف اهلل‬
‫ِّ‬
‫بالعيل العظيم‪ ،‬فهذا هو ا َّلذي نعيش يف رعايته وعنايته‬
‫ِّ‬ ‫ال تأخذه سن ٌة وال نو ٌم‪ ،‬ووصفه‬
‫وخريه ورزقه(‪.)1‬‬
‫*‬ ‫*‬ ‫*‬
‫الصوما ُّيل ‪ -‬رمح�ه اهلل ‪ )2(-‬زاه�دً ا ور ًعا‬
‫حمم�د ب�ن عب�د اهلل بن أمح�د ُّ‬ ‫كان َّ‬
‫الش�يخ َّ‬
‫متع ِّف ًف�ا‪ ،‬مل يكن يعلم من الدُّ نيا ش�ي ًئا‪ ،‬وترك الدُّ نيا بع�د أن أقبلت عليه‪ ،‬ومن األمثلة‪:‬‬
‫واحدة‪ ،‬وعندما قيل له‪ :‬أال نطلب ل�ك غرف ًة أخرى؟! قال‪:‬‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬
‫غرف�ة‬ ‫أنَّه كان يس�كن يف‬
‫حمم�د طَّم�اَّ ع! وعندما كرست رجل�ه وعجز ع�ن َّ‬
‫الذهاب‬ ‫أتري�دون أن ُيق�ال َّ‬
‫الش�يخ َّ‬

‫الربانيني» للدكتور سيد بن حسني العفاين (‪.)219/3‬‬


‫(‪« )1‬زهرة البساتني من مواقف العلـمـاء َّ‬
‫الش�يخ حمم�د بن عبد اهلل الصومايل ‪ -‬رمحه اهلل ‪ ،-‬عامل جلي�ل‪ ،‬وحمدث ضليع‪ ،‬طلب العلم صغري ًا‪،‬‬
‫(‪َّ )2‬‬
‫درس يف املس�جد احلرام‪ ،‬وبدار احلديث اخلريية بمكة املكرمة‪ .‬تويف س�نة (‪1420‬هـ) ‪.‬موقع «ملتقى أهل‬
‫احلديث»‪.‬‬

‫‪220‬‬
‫حممد بن‬ ‫للتَّدريس يف احلرم؛ رفض أن يأخذ املكافأة ا َّلتي كان يأخذها‪ ،‬فقال له َّ‬
‫الشيخ َّ‬
‫الس�بيل ‪ -‬رئيس ش�ئون احلرمني ‪ -‬حفظه اهلل ‪ :- -‬إن هذا الـمـال يأخذه البرَ ُّ‬
‫عبد اهلل َّ‬
‫فدرسه يف بيتك(‪.)1‬‬
‫أحق به‪ ،‬فمن جاءك؛ ِّ‬
‫والفاجر‪ ،‬وأنت ُّ‬
‫*‬ ‫*‬ ‫*‬
‫�امرائي ‪ -‬رمح�ه اهلل ‪ )2(-‬عفي�ف النَّف�س أب ًّي�ا‪ ،‬فبع�د عودته من‬
‫ُّ‬ ‫الس‬
‫كان إبراهي�م َّ‬
‫صنعاء إىل عامن عام (‪1996‬م) أقام فيها بال ٍ‬
‫عمل‪ ،‬وبعد إحلاح من تالميذه يف اجلامعة‬
‫أن أحد مدريس قسم ال ُّلغة العرب َّية‬
‫ثم إنَّه سمع َّ‬
‫درس طلبة الدِّ راسات العليا‪َّ ،‬‬
‫األردن َّية‪َّ ،‬‬
‫الس�امرائي جاء ليقاس�منا لقمة العيش‪ ،‬فرتك التَّدريس ونظم قصيد ًة يف لقمة‬ ‫قال‪َّ :‬‬
‫إن َّ‬
‫العيش مطلعها‪:‬‬
‫ع���اف ب��ط��يء اخل��ط��و حُم ِ‬
‫تسب‬ ‫ال ل���ن ت��ن��ال ف��أن��ت ُم��غ�ترب‬
‫ُ‬
‫مرةً‪ :‬إنَّه يف ِّ‬
‫كل عا ٍم تفتتح جامع ٌة أهل َّي ٌة يف األردن‪،‬‬ ‫امرائي َّ‬
‫ِّ‬ ‫للس‬
‫وقال الدُّ كتور شوقي ضيف َّ‬
‫امرائي‪ :‬أنا ال أتقدَّ م‪ ،‬إن رغبوا فليأتوا إ َّيل‪.‬‬
‫ُّ‬ ‫الس‬
‫فلـمـاذا ال تتقدَّ م إليها للتَّدريس‪ ،‬فقال َّ‬
‫أ َّم�ا يف األردن فل�م يكن أس�عد ح�االً ممَّ�ا كان عليه يف الع�راق‪ ،‬فبع�د قدومه إىل‬
‫األردن من اليمن يف أواخر عام (‪1996‬م) ليقيم فيه إقامته ال َّثانية‪ ،‬كان عليه أن يطلب‬
‫ٍ‬
‫حمارضات يف كل َّية اآلداب باجلامعة األردن َّية‪ ،‬فطلب‬ ‫ٍ‬
‫ساعات‬ ‫ست‬
‫اإلقامة‪ ،‬وقد أعطى َّ‬

‫(‪ )1‬موقع «ملتقى أهل احلديث»‪.‬‬

‫الس�امرائي ‪ -‬رمحه اهلل ‪ ،-‬علم من أعالم العربية املعارصين‪ ،‬ولد يف مدينة‬‫الراش�د َّ‬
‫(‪ )2‬إبراهيم بن أمحد َّ‬
‫العمارة ع�ام (‪1923‬م) جنويب الع�راق بني بغداد والبصرة‪ .‬وكان أهله قد نزحوا إليها من س�امراء ا َّلتي‬
‫ينتس�ب إليه�ا‪ .‬توفيت أم�ه وهو صغري‪ ،‬وتويف أبوه بع�د ذلك‪ ،‬تعلم يف العمارة ودرس يف دار املعلمني يف‬
‫درس يف كلية املل�ك فيصل س�نة (‪1946‬م) و(‪1948‬م) ‪ ،‬انت�دب للتدريس يف كلية‬ ‫األعظمي�ة ببغ�داد‪َّ ،‬‬
‫وعمـ�ان‪ ،‬وبنغازي‪ ،‬واجلزائ�ر‪ ،‬والرباط‪،‬‬ ‫ثم تنق�ل بني بريوت‪َّ ،‬‬
‫اآلداب بتون�س وع�اد بعده�ا إىل بغداد‪َّ ،‬‬
‫بعمـان ودفن فيها‪.‬‬
‫والكويت‪ ،‬والسودان‪ .‬تويف يف (‪2001/4/25‬م) َّ‬

‫‪221‬‬
‫كتاب من اجلامعة يستظهر به للحصول عىل اإلقامة‪،‬‬ ‫ٍ‬ ‫من القائمني عليها احلصول عىل‬
‫بيشء مع املحارض‪،‬‬‫ٍ‬ ‫ولك َّن اجلامعة أبت عليه هذا اليشء‪ ،‬وقيل له‪َّ :‬‬
‫إن اجلامعة ال تلتزم‬
‫ين�ص فيه عىل أنَّه‬ ‫ٍ‬
‫بكتاب ُّ‬ ‫يزود‬
‫األردين‪ ،‬وطل�ب أن َّ‬
‫ِّ‬ ‫ث�م ذه�ب إىل جممع ال ُّلغ�ة العرب َّية‬
‫َّ‬
‫م�ؤازر يف املجمع فكان له هذا‪ ،‬وذه�ب بكتابه ه�ذا إىل وزارة الدَّ اخلية ليمنح‬
‫ٌ‬ ‫عض�و‬
‫ٌ‬
‫ح�ق اإلقامة‪ ،‬وكان أحد أعضاء قس�م التَّاريخ‬
‫ح�ق اإلقام�ة‪ ،‬فوافق الوزير عىل منحه َّ‬
‫َّ‬
‫باجلامع�ة األردن َّية‪ ،‬وأش�ار عىل املو َّظف املس�ئول أن يكتب إىل ش�عبة األجانب هبذا‪،‬‬
‫وحرر هذا املسئول الكتاب وكان فيه‪:‬‬‫َّ‬
‫عضو يف جممع ال ُّلغة‬‫ٍ‬ ‫يمنح فالن هو وزوجته وولده اإلقامة يف األردن؛ ألنَّه بمهنة‬
‫كل ٍ‬ ‫وت�م ُّ‬
‫يشء‪،‬‬ ‫�امرائي هب�ذا الكتاب فرح ًا إىل ش�عبة األجانب‪َّ ،‬‬ ‫ُّ‬ ‫الس‬
‫العرب َّي�ة‪ ،‬وذهب َّ‬
‫ث�م أخربه ضابط األمن يف مركز األمن بالشميس�اين أن يأيت بعد يومني ليتس� َّلم بطاقة‬ ‫َّ‬
‫أن املس�ئول الكبير يف األمن رأى يف كتاب وزارة‬ ‫الضابط َّ‬‫فلـمـا جاء أخربه َّ‬
‫اإلقام�ة‪َّ ،‬‬
‫خيص وزارة العمل‪ ،‬فأحبط‬ ‫عضو» فاعرتض وقال‪َّ :‬‬
‫إن أمر املهنة ُّ‬ ‫ٍ‬ ‫الدَّ اخلية عبارة «مهنة‬
‫هنديس أن‬ ‫ٍ‬
‫مكتب‬ ‫صديق صاحب‬ ‫ٍ‬ ‫مسعاه‪ ،‬فكان عليه أن يبدأ العمل ثاني ًة فالتمس من‬
‫ٍّ‬
‫�امرائي بورقته هذه‬ ‫الس‬ ‫ٍ‬
‫ُّ‬ ‫يزوده بورقة يقول فيها‪ :‬إنَّه يعمل يف مكتبه ففعل هذا‪ ،‬وذهب َّ‬ ‫ِّ‬
‫فح�ررت له بطاق ٌة صغري ٌة فيها‬
‫ِّ‬ ‫إىل وزارة العم�ل ودف�ع «املعلوم» وهو (‪ )122‬دينار ًا‪،‬‬
‫صورته َّ‬
‫الشمس� َّية‪ ،‬هي التَّرصيح بالعمل كام يفعل سائر من يعمل من العماَّ ل وغريهم‬
‫يف املرافق كا َّفة‪ ،‬فقال قصيدة «مع التَّرصيح بالعمل» ومطل ُعها‪:‬‬
‫ص�رحي��� ًا إىل َع��م��ل‬ ‫ن نِ���ل� َ‬
‫��ت ت� ِ‬ ‫أت��ظ��نُّ��ه��ا إرشاق������� ُة األم���ل‬
‫ومنها‪:‬‬
‫ت��ب��غ��ي��ه غ�ي�ر ُم�� َب��غَّ��ض َوكِ ِ‬
‫����ل‬ ‫ه��ب��ك استعنت ب��ه ف��ه��ل عمل‬
‫دف���ع ا َّل��ت��ي ت��رم��ي��ك يف احليل‬ ‫أو ح���زت ت�ص�رحي��� ًا ت����روم به‬

‫‪222‬‬
‫ال��رج��ل‬
‫ث��م��نً��ا جي���� ُّز م�����روءة َّ‬ ‫ورشي�����ت ودف���ع���ت م��ن��ك به‬
‫ب���ل وي���ل���ه ي��س��ع��ى إىل ب��دل‬ ‫ي��ا وي���ل م��ن ي��ش��ق��ى ب�لا وط��ن‬
‫ن��ف�سي ع�لى م��ا ك���ان م��ن زل��ل‬ ‫أس�ى َم َرن�ت‬
‫وصبرت ال أب�دي ً‬
‫وأب��ي��ت أن تطغى ع�لى عجل‬ ‫مح���ل���ت ن��ف�سي غ�ي�ر حملها‬
‫و َّ‬
‫��رح���ا خي��ب��ئ خ��ام��د العلل‬
‫ج� ً‬ ‫إن م���ر ف��ي��ك ال���ي���وم تضمده‬
‫م���ا أن����ت ت��ب�صره��ا بمقتبل‬ ‫ف��ل��ك ا َّل�����ذي ي����أيت بقاصمة‬
‫ول��ك ا َّل���ذي ينجيك م��ن اجل��دل‬ ‫وت����وخ ن��ف��س��ك يف ك��رام��ت��ه��ا‬
‫���ورا غنيت هب��ا ع��ن الفسل‬
‫س� ً‬ ‫م���ا دام ب�ي�ن ي���دي���ك ت��ق��رؤه‬
‫وألن�����ت يف ج����دٍّ ويف عمل‬ ‫ل���ك يف ك���ت���اب اهلل م � َّت��س��ع‬
‫م���ن ك� ِّ‬
‫���ل م��ن��ت��خ��ل وم��ب��ت��ه��ل‬ ‫ف��ل��ق��د وق����ت ع�ل�ى ف���رائ���ده‬
‫(‪)1‬‬
‫فـلـقـيـتـنـي يف تـيـه مـرتـحل‬ ‫قـد ســاءين أنيِّ فــقــدت أخــي‬
‫*‬ ‫*‬ ‫*‬
‫حممد محيد اهلل احليدر آبادي ‪ -‬رمحه اهلل ‪ )2(-‬معروف ًا ُّ‬
‫بالزهد والتَّواضع‪،‬‬ ‫كان َّ‬
‫الشيخ َّ‬
‫مر ًة َّ‬
‫الشيخ عبد الفتَّاح أبو غدَّ ة ‪ -‬رمحه‬ ‫وقد قىض أكثر حياته يف باريس يف فرنسا‪ ،‬زاره َّ‬
‫ٍ‬
‫من�زل متواض ٍع جدًّ ا‬ ‫العلمي يف‬ ‫اهلل ‪ -‬فوج�ده يؤث�ر العزل�ة‪ ،‬ويقي�م يف مكتبه للبح�ث‬
‫ِّ‬
‫عىل س�طح مبنًى قدي ٍم رقم (‪ )6‬يف ش�ارع لوكس�مور يف باريس‪ ،‬فصعدوا إليه فإذا به‬
‫الش�يخ‬ ‫أن س�مع َّ‬ ‫�ف يش�غل وقته يف العلم والعبادة‪ ،‬ولوحظ‪َّ :‬‬ ‫وتقش ٍ‬
‫زهد ُّ‬‫يعيش حياة ٍ‬

‫السامرائي عالمة العربية الكبري والباحث احلجة» ألمحد العالونة (ص‪.)43‬‬


‫(‪« )1‬إبراهيم َّ‬
‫(‪ )2‬ولد َّ‬
‫الشيخ حممد محيد اهلل احليدر آبادي ‪ -‬رمحه اهلل ‪ -‬يف حيدر آباد يف باكستان سنة (‪1908‬هـ)‪ ،‬ونشأ‬
‫حمبا للعلم‪ ،‬جامع ًا له مع ًا‪ ،‬وتلقى تعليمه اجلامعي يف بالده‪ ،‬ورحل إىل فرنس�ا‪ ،‬واس�تقر هبا‪ .‬له إس�هامات‬
‫ًّ‬
‫ً‬
‫كثرية يف جمال التأليف‪ ،‬وكان معروفا بزهده‪ ،‬وتواضعه‪ ،‬وبذله العلم‪ .‬تويف سنة (‪2002‬م)‪.‬‬

‫‪223‬‬
‫الش�يخ أب�ا غدَّ ة يعاين من ضعف برصه‪،‬‬ ‫ضعيف جدًّ ا‪ ،‬ومن ٍ‬
‫جهة أخرى َّ‬
‫فإن َّ‬ ‫ٌ‬ ‫محي�د اهلل‬
‫الش�يخ محيد اهلل باإلشارات‪ ،‬وما تك َّبد َّ‬
‫الشيخ أبو‬ ‫ٍ‬
‫بصعوبة ويس�تعني َّ‬ ‫فصارا يتخاطبان‬
‫الش�يخ محيد اهلل‬‫الس�ؤال عن مكان إقامة َّ‬ ‫غدَّ ة ‪ -‬رمحه اهلل ‪ -‬هذه املش� َّقات‪َّ ،‬‬
‫وألح عىل ُّ‬
‫سنوات تتع َّلق بمخطوطة كتاب‬‫ٍ‬ ‫خدمة أسداها إليه قبل أكثر من عرش‬ ‫ٍ‬ ‫إلاَّ ليشكره عىل‬
‫هبي ‪ -‬رمحه اهلل ‪ ،-‬حيث يقول عن نس�خة الكتاب املوجودة يف‬ ‫«املوقظ�ة» لإلم�ام َّ‬
‫الذ ِّ‬
‫الصديق املفضال العلاَّ مة الدُّ كتور‬
‫املكتبة الوطن َّية يف باريس ما ييل‪ :‬وكنت رجوت من َّ‬
‫فيصورها يل‪،‬‬
‫ِّ‬ ‫يتك�رم‬
‫َّ‬ ‫حمم�د محي�د اهلل املقي�م يف باريس ‪ -‬حفظ�ه اهلل تعاىل ورعاه ‪ -‬أن‬
‫َّ‬
‫ثم قابلها باألصل‬‫فتفضل بنس�خها يل بقلمه وخ ِّطه‪َّ ،‬‬ ‫فوجد أمر التَّصوير َّ‬
‫يتأخر قليالً‪َّ ،‬‬
‫متكرم ًا يف‬ ‫ٍ‬
‫وأثب�ت عليها ما عىل حوايش األصل من تعليقات‪ ،‬وبعث هبا إ َّيل مش�كور ًا ِّ‬
‫الش�كر وال َّثناء والتَّقدير عىل هذه املس�اعدة‬
‫(‪ )18‬ذي احلجة (‪1399‬هـ)‪ ،‬فله أجزل ُّ‬
‫العلم َّية الكريمة‪.‬‬
‫ظل خيدم نفسه‬ ‫الشيخ محيد اهلل مثاالً يف البساطة يف مجيع شئون احلياة‪َّ ،‬‬
‫كذلك كان َّ‬
‫حلظة من حياته‪ ،‬يغسل ثيابه‪ ،‬ويرتِّب أموره‪ ،‬ويكنس بيته‪ ،‬ويتك َّفل بتأمني‬‫ٍ‬ ‫بنفسه آلخر‬
‫اخلاصة‪.‬‬
‫َّ‬ ‫الشئون َّ‬
‫الذات َّية واألعامل‬ ‫حاجياته وغري ذلك من ُّ‬
‫مر ًة العامل‬
‫وأ َّم�ا زهده فيما يمتلكه من الـمـال فأمثل�ة ذلك كثري ٌة يف حيات�ه‪ ،‬زاره َّ‬
‫الش�يخ ش�اه بليغ الدِّ ين مع زمالئه ليطلب منه دع ًام‬
‫اإلسلامي الكبري َّ‬
‫ُّ‬ ‫اجلليل الدَّ اعية‬
‫وألح عىل ذلك‬ ‫ديني‪ ،‬فقدَّ م إليه َّ‬ ‫ٍ‬
‫الش�يخ حمفظته قائالً‪ :‬خذ منها ما ش�ئت‪َّ .‬‬ ‫ماد ًّيا ملعهد ٍّ‬
‫الشيخ‬ ‫إحلاح ًا ش�ديد ًا حتَّى أخذوا منها ما ش�اءوا‪ ،‬وحني أرادوا أن يستأذنوه‪ ،‬و َّدعهم َّ‬
‫ووجهه يته َّلل بالفرح‪.‬‬
‫الزائد‪ ،‬وأرادت‬ ‫وكان ال يقبل ترشيحه للجوائز الكربى‪ ،‬ويكره األضواء ِّ‬
‫والذكر َّ‬
‫حكومة باكس�تان أن تكرمه بمنح جائزة الدَّ ولة التَّقدير َّية بمناس�بة بدء القرن اخلامس‬

‫‪224‬‬
‫مبلغ مقداره ملي�ون روبي ًة نقد ًا‪ ،‬وقد ت َّ‬
‫ربع هبذا املبلغ‬ ‫اهلجري‪ ،‬وكان مع اجلائزة ٌ‬
‫ِّ‬ ‫عشر‬
‫ك ِّل�ه للجامع�ة اإلسلام َّية العامل َّية بإسلام أباد‪ .‬كذل�ك اعتذر عن قب�ول جائزة امللك‬
‫الشهرة ا َّلتي‬
‫رشحوه هلا خشية ُّ‬
‫فيصل العامل َّية خلدمة اإلسلام مع احرتامه ملش�اعر من َّ‬
‫ويكرم هلا‪.‬‬
‫َّ‬ ‫أحق النَّاس بأن يناهلا‬
‫جتلبها له هذه اجلائزة بعد‪ ،‬وكان َّ‬
‫مكافأة ماد َّي ٍة من‬
‫ٍ‬
‫بالذكر هنا أيض ًا‪ :‬أنَّه مل يقبل طيلة حياته َّ‬
‫أي مبل ٍغ أو‬ ‫ومن اجلدير ِّ‬
‫حق�وق كتب�ه من التَّأليف والتَّحقي�ق والترَّ مجة‪ ،‬وقد قام بتلك األعمال العلم َّية خملص ًا‬
‫يشء من ورائها من الـمـال ُّ‬
‫والشهرة(‪.)1‬‬ ‫وجهه هلل تعاىل دون ابتغاء ٍ‬

‫*‬ ‫*‬ ‫*‬


‫ٍ‬
‫براتب‬ ‫امبوري ‪ -‬رمحه اهلل ‪ )2(-‬يعلم يف بلدة (رامبور)‬
‫ُّ‬ ‫الر‬
‫الرحيم َّ‬ ‫كان َّ‬
‫الشيخ عبد َّ‬
‫ٍ‬
‫ش�هر من اإلمارة اإلسلام َّية‪ ،‬ال يزيد عىل عرش روبيات ‪ -‬مخسين‬ ‫ٍ‬
‫زهيد يتقاضاه َّ‬
‫كل‬
‫اإلنجليزي املسرت هانكس وظيف ًة عالي ًة يف ك ِّلـ َّية برييل‪،‬‬
‫ُّ‬ ‫فلس ًا ‪ -‬فقدَّ م إليه حاكم الوالية‬
‫الزيادة‬
‫راتبها مائتان ومخسون روبية‪ ،‬وذلك يساوي ثالثة دنانري يف هذا العهد‪ ،‬ووعد يف ِّ‬
‫الش�يخ عن قبوله‪ ،‬وق�ال‪ :‬إنيِّ أتقاىض عرش روبيات وإنهَّ ا‬ ‫بالرات�ب بعد ٍ‬
‫قليل‪ ،‬فاعتذر َّ‬ ‫َّ‬
‫اإلنجليزي‪ ،‬وق�ال‪ :‬ما رأيت كاليوم‪،‬‬
‫ُّ‬ ‫فتعجب‬
‫حتولت إىل ه�ذه الوظيفة‪َّ .‬‬ ‫س�تنقطع إذا َّ‬
‫ٍ‬
‫أضع�اف‪ ،‬وترتك األضعاف املضاعفة‬ ‫أن�ا أقدِّ م راتب ًا يزي�د عىل راتبك احلا ِّيل بأضعاف‬
‫وتقنع بالنَّزر اليسري؟!‬
‫فتع َّلل َّ‬
‫الش�يخ َّ‬
‫بأن يف بيته شجرة س�در‪ ،‬وهو مغر ٌم هبا‪ ،‬وأنَّه س ُيحرمها إذا قدم إىل‬

‫َّ‬
‫«الشيخ حممد محيد اهلل سفري اإلسالم يف الغرب» لسيد عبد الـمـاجد الغوري (ص ‪.)73‬‬ ‫(‪)1‬‬

‫امبوري ‪ :‬من كبار علامء ( رامب�ور ) يف اهلند ‪ ،‬وقد عرف بزهده وصالبته يف‬
‫ُّ‬ ‫الر‬
‫(‪ )2‬الش�يخ عب�د الرحيم َّ‬
‫احلق ‪ ،‬تويف سنة ( ‪ 4321‬هـ ) ‪.‬‬
‫« صفحات مرشقة من تاريخ حياة علامء األمة » لعبده عيل كشك ص ‪406‬‬

‫‪225‬‬
‫ب�أن هذا ال َّثمر‬
‫زعيم َّ‬
‫ٌ‬ ‫اإلنجلي�زي بعد إىل مقصود َّ‬
‫الش�يخ‪ ،‬فقال‪ :‬أنا‬ ‫ُّ‬ ‫بريلي‪ ،‬ومل ُي ْف ِ‬
‫�ض‬
‫بأن حوله طلب ًة وتالميذ يقرءون عليه يف‬
‫يصل إليك من رامبور إىل برييل‪ ،‬فتش َّبث ثالث ًة َّ‬
‫بلده‪ ،‬فلو انتقل إىل هذه الوظيفة انقطعت دروسهم‪.‬‬
‫ٍ‬
‫جرايات يف برييل‪،‬‬ ‫اإلنجليزي املناقش من إقناعه‪ ،‬فق�ال‪ :‬أنا أجري هلم‬ ‫ومل يي�أس‬
‫ُّ‬
‫رم َّيته‪ ،‬فقال‪:‬‬‫الشيخ آخر سهامه ا َّلذي أصمى ِ‬
‫ويواصلون دروسهم هناك‪ ،‬وهنا أطلق َّ‬
‫وماذا سيكون جوايب غدً ا إذا سألني ربيِّ ‪ :‬كيف أخذت األجرة عىل العلم؟!‬
‫وسقط يف يده(‪.)1‬‬‫اإلنجليزي‪ُ ،‬‬
‫ُّ‬ ‫وهنا هبت‬
‫*‬ ‫*‬ ‫*‬

‫نفس�ه وما َله يف خدمة العلم‬


‫َ‬
‫(‪)2‬‬
‫وقف َّ‬
‫الش�يخ بكر بن عبد اهلل أبو زيد‪ -‬رمحه اهلل ‪-‬‬

‫(‪« )1‬صفحات مرشقة من تاريخ أعالم األمة» لعبده عيل كوشك (ص ‪.)604‬‬

‫الشيخ بكر بن عبد اهلل أبو زيد من آل غيهب من قضاعة يف الدوادمي سنة ‪ 1365‬هـ‪.‬‬ ‫(‪ )2‬ولد َّ‬
‫انتق�ل إىل الري�اض‪ ،‬وتلقى فيها علومه الرشعي�ة‪ ،‬وبرز يف العلم‪ ،‬وتقلد فيه العدي�د من املناصب العلمية‬
‫والقضائي�ة‪ ،‬فت�وىل القض�اء يف املدين�ة املن�ورة‪ ،‬والتدريس يف املس�جد النب�وي‪ ،‬وعضوي�ة إدارة البحوث‬
‫والفت�وى وهيئ�ة كب�ار العلـمـ�اء يف اململك�ة العربية الس�عودية‪ ،‬وش�ارك يف العديد من املجام�ع الفقهية‬
‫والرشعية يف العامل اإلسالمي‪ ،‬وصدر له العديد من املؤلفات التي سارت هبا الركبان‪.‬‬
‫تويف ‪ -‬رمحه اهلل ‪ -‬يف يوم الثالثاء (‪1429/1/27‬هـ) املوافق (‪ ،)2008/2/6‬إثر مرض عانى منه ما=‬

‫‪226‬‬
‫وأهل�ه‪ ،‬وب�ذل مهجته‪ ،‬وقىض س�ني عمره منذ صغره يف القراءة وجمالس�ة األش�ياخ‪،‬‬

‫املطوالت يف ش�تَّى العل�وم والفنون‪ ،‬ومجع الكتب‪ ،‬واقتن�اء ال َّطبعات حتَّى إذا‬
‫وجرد َّ‬
‫َّ‬
‫َب َف َق َّمش‪ ،‬فرتك أث�ر ًا عظي ًام أضحى عين ًا بعد‬
‫�ث َف َفتَّش‪ ،‬و َكت َ‬
‫أف�اء اهلل علي�ه وفتح‪َ :‬ب َح َ‬
‫ٍ‬
‫عني‪ ،‬كتب اهلل له من القبول ما كتب‪ ،‬وذلك فضل اهلل يؤتيه من يشاء‪.‬‬
‫وم�ن مواقف�ه العلم َّي�ة ‪ -‬رمح�ه اهلل تع�اىل ‪َّ -‬‬
‫أن وزارة ُّ‬
‫الش�ئون اإلسلام َّية قامت‬

‫املختصني يف التَّفسري لتفسري القرآن العظيم‪ ،‬إلاَّ أنَّه بعد‬ ‫باستكتاب ٍ‬


‫عدد من العلـمـاء‬ ‫ِ‬
‫ِّ‬
‫اكتامل عملهم ظهرت فيه بعض اإلشكاالت ال َع َقد َّية واملنهج َّية‪ ،‬واختالف األسلوب‬

‫بني مفسرِّ ٍ وآخر‪ ،‬فطلب وزير ُّ‬


‫الش�ئون اإلسلام َّية آنذاك َّ‬
‫الش�يخ عب�د اهلل الترُّ كي من‬

‫فتفرغ له َّ‬
‫الشيخ ‪-‬‬ ‫َّ‬
‫الش�يخ ‪ -‬رمحه اهلل تعاىل ‪ -‬مراجعة التَّفسير‪ ،‬وتصحيح ما وقع فيه‪َّ ،‬‬
‫ٍ‬
‫أشهر‪ ،‬منها ثالث ٌة كامل ٌة يف مصيفه بال َّطائف‪ ،‬وصل فيها لي َله‬ ‫رمحه اهلل تعاىل ‪ -‬نحو ستَّة‬
‫بنهاره‪ ،‬أعاد فيها صياغة ٍ‬
‫كثري من مواضعه‪ ،‬وتوحيد أسلوبه‪ ،‬وتصحيح ما وقع فيه من‬
‫ٍ‬
‫أخطاء يف التَّفسير والعقيدة والتَّأويل‪ ،‬ووض�ع مقدِّ مته‪ ،‬فطبع ‪ -‬بحمد اهلل تعاىل ‪ -‬يف‬

‫جممع مصحف املدينة النَّبو َّية باسم‪« :‬التَّفسري امليسرَّ »‪.‬‬

‫الش�يخ م�ن عمله بعث له َّ‬


‫الش�يخ عبد اهلل الترُّ كي‪ ،‬م�ع أحد العاملني‬ ‫وبع�د فراغ َّ‬
‫بالوزارة ش�يك ًا بثالثامئة ألف ٍ‬
‫ريال من الوزارة مقابل عمله يف التَّفسري‪ ،‬فاعتذر َّ‬
‫الشيخ‬
‫ٍ‬
‫بطلب من َّ‬
‫الشيخ عبد اهلل‪ ،‬فاعتذر‪،‬‬ ‫مر ًة أخرى‬
‫ثم عاد له َّ‬
‫– رمحه اهلل تعاىل – عن قبوله‪َّ ،‬‬

‫= يقارب مخس سنوات‪ .‬املصدر‪ :‬ابنه الشيخ عبد اهلل بن بكر أبو زيد‪.‬‬

‫‪227‬‬
‫الش�يك عىل‬ ‫الش�يخ – رمحه اهلل تعاىل –‪ ،‬إلاَّ َّ‬
‫أن املو َّظف ترك ِّ‬ ‫وع�اد ل�ه ال َّثالثة‪ ،‬فاعتذر َّ‬

‫فلـمـا علم َّ‬


‫الشيخ بذلك يف ساعته‪ ‬اتَّصل به عىل‬ ‫كرس ِّيه يف جملس َّ‬
‫الشيخ عند مغادرته‪َّ ،‬‬
‫فلـمـا عاد دفعه‬ ‫ٍ‬
‫خطاب َّ‬
‫للش�يخ عب�د اهلل‪َّ ،‬‬ ‫هاتف�ه املحم�ول‪ ،‬وطلب منه العودة ألَ ْخ ِذ‬

‫فلـمـا انرصف قال له‪( :‬آخذ أجر ًا‬ ‫إليه‪ ،‬وطلب منه أن ينقل َّ‬
‫للشيخ اعتذاره عن قبوله‪َّ ،‬‬
‫عىل تفسري كتاب اهلل؟!)‪.‬‬
‫ٍ‬
‫زيارة ل�ه‪ ،‬وأثنى عىل عمل‬ ‫وق�د حدَّ ثني َّ‬
‫الش�يخ عب�د اهلل الترُّ كي هب�ذا املوقف يف‬

‫َّ‬
‫الشيخ – رمحه اهلل تعاىل – وجهده يف التَّفسري (‪.)1‬‬

‫*‬ ‫*‬ ‫*‬

‫(‪ )1‬املصدر‪ :‬ابنه السيد عبد اهلل بن بكر أبو زيد‪.‬‬

‫‪228‬‬
229
230
‫برهم‬
‫و�إح�سانهم‬

‫‪231‬‬
232
‫العنيس‪ ،‬وهو‬
‫ِّ‬ ‫حممد‬
‫احلجة القايض صالح ب�ن َّ‬ ‫َّ‬
‫أط�ل العيد األضحى على العلاَّ مة َّ‬
‫وامللح�ة‪ ،‬وله عائل� ٌة وأوال ٌد‪ ،‬وال‬
‫َّ‬ ‫أم�س احلاج�ة ملحتاج�ات العي�د الضرَّ ور َّية منها‬
‫يف ِّ‬
‫طعام وال كس�وة وال س�من وال كبا وال عس�ل وال نقود وال حطب وال وال‪ ،‬وكان له‬
‫حممد بن عبد اهلل با سلامة ‪ -‬رمحه اهلل ‪-‬‬
‫(‪)1‬‬
‫فلـمـ�ا بلغ َّ‬
‫خ�اد ٌم يدع�ى فالن الصعدي‪َّ ،‬‬
‫الزمن عليه ُّ‬
‫لتقش�فه وزهده عن‬ ‫ٍ‬
‫وضائقة‪ ،‬ومن قس�وة َّ‬ ‫ٍ‬
‫مس�غبة‬ ‫املذك�ور وما يعانيه من‬
‫الصغرية‬ ‫قم ٌة مثال َّي ٌة أرس�ل يف احلال احلاملني َّ‬
‫كل حمتاجات العيد من َّ‬ ‫أموال النَّاس وإنَّه َّ‬
‫والكبيرة‪ ،‬وأمرهم أن يس� ِّلموا ذل�ك إىل الصعدي املذكور‪ ،‬فأبل�غ القايض صالح بام‬
‫حممد بن عبد اهلل با سالمة فنفر عن قبول ذلك ورفضه‬ ‫جاء به احلماَّ لون‪َّ ،‬‬
‫وإن ذلك من َّ‬
‫رفض ًا قاطع ًا‪.‬‬
‫أن له غرماء أو نحو ذلك من املقاصد واألغراض‪،‬‬ ‫ٍ‬
‫رشوة‪ ،‬فر َّبام َّ‬ ‫وقال‪ :‬هذه مقدِّ مة‬
‫حممد بن عبد اهلل با سلامة إلاَّ أن‬
‫الرس�ول حيمل ذلك النَّبأ‪ ،‬فام أمكن من َّ‬
‫فلـمـا رجع َّ‬
‫َّ‬
‫عزم بنفس�ه إىل شيخه املذكور‪ ،‬وقال للمحرض الصعدي‪ :‬أخرب شيخنا أنيِّ قد وصلت‬
‫أي خصم أبد ًا‪،‬‬
‫خصم‪ ،‬وال أحرض عنده مع ِّ‬
‫ٌ‬ ‫بنفيس‪ ،‬وإنيِّ أقسم باهلل العظيم أن ليس يل‬
‫يش�ك فيام قدَّ مته‪ ،‬وإنهَّ ا لوجه اهلل لعلمي بضائقته ا َّلتي‬
‫ُّ‬ ‫وقل له‪ :‬ال يرت َّدد من قبوهلا وال‬
‫وألي أش�د‪،‬‬ ‫ٍ‬ ‫ربرات القبول‪ ،‬وما هدأ باله حتَّى قبل ذلك بعد ش�دَّ ٍة‬ ‫نزل�ت به‪ ،‬وذكر م ِّ‬
‫َّ‬
‫ولعل شيخه مل يقابله حيا ًء(‪.)2‬‬
‫*‬ ‫*‬ ‫*‬

‫الشيخ حممد بن عبد اهلل با سالمة ‪ -‬رمحه اهلل ‪ -‬يف (إب) يف اليمن‪ ،‬وكان معروف ًا بورعه‪ ،‬وبره‪،‬‬
‫(‪ )1‬ولد َّ‬
‫وقد نرش العلم يف (إب) ‪ ،‬وأخذ عنه الكثري‪ ،‬ح َّتى تويف يف سنة (‪1307‬هـ)‪.‬‬

‫(‪« )2‬حياة عامل وأمني» ملحمد بن عيل األكوع (ص ‪.)163‬‬

‫‪233‬‬
‫هيت�م اهتامم ًا كبري ًا بدع�وة القبائل‬
‫ُّ‬
‫(‪)1‬‬
‫�نويس ‪ -‬رمح�ه اهلل ‪-‬‬
‫ُّ‬ ‫الس‬
‫عيل َّ‬
‫حمم�د ب�ن ٍّ‬
‫كان َّ‬
‫مر ًة قافل ًة‬
‫الوثن َّية يف إفريق َّية‪ ،‬فمن وس�ائله يف نرش اإلسلام بقلب إفريق َّية‪ ،‬أنَّه اشترى َّ‬
‫الرقي�ق‪ ،‬ولك َّن ابن‬
‫م�ن العبيد‪ ،‬كان املس�تعمرون قد خطفوهم ليعرضوهم يف س�وق َّ‬
‫َّ‬
‫وب�ث فيهم ح َّب�ه وتقديره‪،‬‬ ‫�نويس أعتقه�م مجيع� ًا وأكرمه�م وع َّلمه�م اإلسلام‪،‬‬
‫ِّ‬ ‫الس‬
‫َّ‬
‫وبر‬
‫ث�م تركه�م ليع�ودوا إىل قبائلهم وذوهيم دع�ا ًة يتحدَّ ثون ع�ن طغيان املس�يح ِّيني ِّ‬
‫َّ‬
‫مهم ًة لنرش اإلسلام بين أهليهم وقبائلهم‪ ،‬وكان يشتري‬ ‫املس�لمني‪ ،‬فكان�وا دعائم َّ‬
‫العبي�د من القبائل ا َّلتي كانت تغري عىل القوافل ليعتقهم‪ ،‬وعمل عىل دعوة القبائل إىل‬
‫�نويس يرشف بنفس�ه‬
‫ِّ‬ ‫الس‬
‫االلتزام باإلسلام‪ ،‬وختليص العبيد من العبود َّية‪ ،‬وكان ابن َّ‬
‫الزنوج إىل اإلسلام‪ ،‬وبفضل‬
‫ثم يرس�لهم إىل قبائلهم‪ ،‬لدعوة ُّ‬
‫عىل تربيتهم وتعليمهم َّ‬
‫ثم هذا األسلوب‪ ،‬أصبحت قبائل (واداي يف تشاد يرسلون أبناءهم لتع ُّلم اإلسالم‬
‫اهلل َّ‬

‫السنويس ‪ -‬رمحه اهلل ‪ -‬يف اجلزائر سنة (‪1202‬هـ)‪ .‬وتويف والده بعد عامني‬ ‫الشيخ حممد بن عيل َّ‬ ‫(‪ )1‬ولد َّ‬
‫م�ن والدت�ه‪ .‬وكان منذ صغره يمي�ل إىل االنطواء والتفكري يف حال املس�لمني‪ .‬رح�ل إىل فاس وأخذ عن‬
‫ثم س�افر إىل برقة واجلبل فزار القبائل وأس�س‬‫ثم بالد املرشق ومكة واملدينة‪َّ .‬‬ ‫ثم إىل اجلزائر‪َّ ،‬‬
‫علـمـائها‪َّ .‬‬
‫الس�لطان عبد احلميد الثاين مراسلات للوقوف‬ ‫الزوايا‪ ،‬وجعل اهلل عيل يديه خري ًا كثري ًا‪ .‬جرت بينه وبني ُّ‬
‫السنوس�ية» د‪ .‬عيل‬
‫الس�لطان‪.‬تويف س�نة (‪1320‬هـ)‪«.‬الثامر الزكية للحركة ُّ‬ ‫ورس هبا ُّ‬
‫على حقيق�ة دعوته‪َّ ،‬‬
‫حممد الصاليب‪.‬‬

‫‪234‬‬
‫السنوس َّية(‪.)1‬‬
‫الزوايا َّ‬
‫يف اجلغبوب وغريها من َّ‬
‫*‬ ‫*‬ ‫*‬
‫الضيوف‪،‬‬ ‫ٍ‬
‫مفلح اجلذالني ‪ -‬رمحه اهلل ‪ )2(-‬بالكرم وكثرة ُّ‬ ‫اش�تهر َّ‬
‫الشيخ س�عود بن‬
‫للضيف ق�دره (‪ )100‬نخل�ة‪ ،‬وكان منفق� ًا عىل الفق�راء ُّ‬
‫والضعفاء‬ ‫وق�د أظه�ر وقف� ًا َّ‬
‫واأليتام(‪.)3‬‬
‫*‬ ‫*‬ ‫*‬
‫الشيخ إبراهيم بن ٍ‬
‫محد اجلارس ‪ -‬رمحه اهلل ‪ )4(-‬مشهور ًا بالكرم والعطف عىل‬ ‫كان َّ‬
‫الفقراء واملحتاجني‪ ،‬حتَّى قيل عنه‪ :‬إنَّه يتصدَّ ق بقوته أو ثوبه ا َّلذي حيتاج إليه(‪.)5‬‬
‫*‬ ‫*‬ ‫*‬
‫مؤسسي مدارس الفالح يف‬
‫الرءوف مججوم ‪ -‬رمحه اهلل ‪ -‬من ِّ‬
‫(‪)6‬‬
‫كان َّ‬
‫الش�يخ عبد َّ‬

‫السنوسية يف ليبيا» (ص ‪ )147‬تأليف د‪ .‬عيل حممد الصاليب‪.‬‬


‫(‪« )1‬الثامر الزكية للحركة َّ‬
‫الشيخ سعود بن مفلح اجلذالني يف األفالج سنة (‪1248‬هـ)‪ ،‬ارحتل إىل َّ‬
‫الشيخ الفاضل‬ ‫(‪ )2‬ولد َّ‬
‫ثم عىل ابنه َّ‬
‫الش�يخ عبد‬ ‫الرمحن بن حس�ن آل َّ‬
‫الش�يخ ‪ -‬رمحه اهلل ‪ ،-‬وطل�ب العلم عىل يديه‪َّ ،‬‬ ‫عب�د َّ‬
‫اللطيف‪ ،‬وقد كان عالـمـ ًا بالتفسير والفقه واحلديث والتاريخ‪ .‬تويف سنة (‪1335‬هـ)‪« .‬علـمـاء‬
‫نجد»‪.‬‬

‫(‪« )3‬علـمـاء نجد خالل ثامنية قرون» (‪.)258/2‬‬

‫(‪ )4‬ولد َّ‬


‫الش�يخ إبراهيم بن محد اجلارس يف بريدة س�نة (‪1241‬هـ)‪ ،‬وقرأ عىل علـمـاء بريدة وما حوهلا‪،‬‬
‫ث�م رحل إىل الش�ام ونابل�س‪ ،‬وقرأ عىل علـمـ�اء احلنابلة هناك‪ .‬وقد اش�تهر بالعلم وس�عة االطالع‪ ،‬كام‬
‫َّ‬
‫ثم بريدة‪ .‬تويف يف الكويت سنة (‪1338‬هـ)‪.‬‬ ‫عرف بالعطف عىل الفقراء واملساكني‪ .‬وقد ويل قضاء عنيزة َّ‬
‫«علـمـاء نجد»‪.‬‬

‫(‪« )5‬علـمـاء آل سليم وتالميذهم» (‪.)203/2‬‬

‫الرءوف مججوم يف جدة سنة (‪1299‬هـ) يف بيت علم وثراء‪ .‬أخذ العلم عن مشايخ =‬ ‫(‪ )6‬ولد َّ‬
‫الشيخ عبد َّ‬

‫‪235‬‬
‫ج�دَّ ة‪ ،‬وقد أنفق م�ن ماله اخلاص الشيَّ ء الكثير‪ ،‬وبينام كان التُّج�ار جيمعون الـمـال‬
‫املدرسين ومصاريف امل�دارس حتَّى أ َّملت به‬
‫لشراء العقار‪ ،‬كان ه�و جيمعه لرواتب ِّ‬
‫ضائق ٌة‪ ،‬وكان من خربه ما ذكر عن نفسه فقال‪:‬‬
‫وحل موعد دفع مرتَّبات الفالح‪ ،‬وكنت‬ ‫كنَّا يف أواخر ش�هر رمضان (‪1334‬هـ) َّ‬
‫املدرسين‪ ،‬وآويت إىل فرايش يف ال َّليل وأنا‬ ‫ٍ‬
‫الصندوق ملرتَّبات ِّ‬ ‫ق�د دفعت آخر جنيه يف ُّ‬
‫تضمه من‬ ‫ٍ‬
‫مغمو ٌم‪ ،‬فالعيد س�يأيت غدً ا أو بعد غد ومل يبق عندي ما أنفقه عىل أرسيت بام ُّ‬
‫السابعة ليالً‪ ،‬قبيل الفجر وأنا أتق َّلب عىل فرايش وقد‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬
‫الساعة َّ‬
‫أوالد وبنات كثريين ويف َّ‬
‫مناد يناديني من أس�فل البيت‪ ،‬ويدعوين إىل‬ ‫جفاين النَّوم من كثرة التَّفكري واهلم‪ ،‬وإذا ٍ‬
‫ِّ‬
‫الرس�وم‪ ،‬ومعه‬ ‫حممدً ا ال ّطويل ناظر عموم ُّ‬ ‫مقابلت�ه‪ ،‬فنزل�ت فوجدت املرحوم َّ‬
‫الش�يخ َّ‬
‫حممد نور تركي أمني‬ ‫الشيخ أمحد ناظر باشكاتب اجلمرك ‪ -‬رئيس الكتاب ‪َّ ،-‬‬
‫والشيخ َّ‬ ‫َّ‬
‫الرياالت‪ ،‬وقال يل ال َّطويل‪ :‬هذا مبلغ‬ ‫رص ًة من ِّ‬‫صندوق اجلامرك‪ ،‬وهم حيملون معهم َّ‬
‫عيل لتصرف منه مرتَّبات‬ ‫ٍ‬
‫س�تامئة ريال جميدي أرس�له لك امللك الشرَّ يف احلسين بن ٍّ‬
‫الرءوف مدي�ر ًا ألوقاف جدَّ ة‬ ‫الش�يخ عبد َّ‬‫واألئم�ة واملؤ ِّذنني ‪ -‬وكان َّ‬
‫َّ‬ ‫خ�دم املس�اجد‬
‫أن ه�ذا الفرج ا َّلذي أرس�له اهلل إ َّيل كان بربكة‬
‫ش�ك َّ‬
‫الرءوف‪ :‬وال َّ‬ ‫‪ -‬ق�ال َّ‬
‫الش�يخ عبد َّ‬
‫م�دارس الفالح وبحس�ن النِّ َّية ا َّل�ذي انطوت علي�ه النَّفس يف القيـام هبـ�ذا العمـل‪،‬‬
‫قـ�ال‪ :‬ويف اليوم التَّ�ايل رصفت مرتَّبات مو َّظفي املس�اجد وكانت تبل�غ ثالثامئة ٍ‬
‫ريال‬
‫جمي�دي واس�تدنت ال َّثالثامئة ري�ال الباقية لإلنفاق على أهلي وأوالدي ألعيدها بعد‬
‫العيد(‪.)1‬‬
‫*‬ ‫*‬ ‫*‬

‫= بل�ده‪ ،‬وعم�ل ل�دى بعض التجار ح َّت�ى مجع ثروة‪ .‬عرف بالرب واإلحس�ان وهو من مؤسسي مدارس‬
‫الفالح املشهورة يف جدة‪ .‬تويف سنة (‪1338‬هـ)‪« .‬أعالم احلجاز» ملحمد عيل مغريب‪.‬‬

‫(‪« )1‬أعالم احلجاز» (‪ )96/1‬تأليف حممد عيل مغريب‪.‬‬

‫‪236‬‬
‫ٍ‬
‫حائل‬ ‫الش�يخ ‪ -‬رمحه اهلل ‪ )1(-‬يف‬ ‫الش�يخ عبد اهلل بن عبد ال َّلطيف آل َّ‬
‫درس َّ‬ ‫لـمـ�ا َّ‬
‫َّ‬
‫ال كثريةً‪،‬‬ ‫ٍ‬
‫رش�يد أم�واالً طائل ًة وإب ً‬ ‫حممد بن‬
‫وأتم أ َّيام إقامته بذل له َّ‬
‫ونشر علمه هناك‪َّ ،‬‬
‫منزل جزور ًا ويطعم�ه رفقته ومن يأوي‬ ‫كل ٍ‬ ‫الرياض‪ ،‬فكان ينح�ر يف ِّ‬ ‫وس�ار منه�ا إىل ِّ‬
‫الرياض جزور ًا واحد ًا‪ ،‬وكان يدرس يف بيته‪ ،‬فإذا جلس�وا‬
‫إليه‪ ،‬حتَّى مل يصل منها إىل ِّ‬
‫الشاي والب ِّن والبخور ال تزال تدار عىل احلارضين من املتع ِّلمني‬ ‫َّ‬
‫فإن أواين القهوة من َّ‬
‫فإن النَّار ال تزال تضطرم‪ ،‬واألباريق حتمل ك َّلام فرغ‬
‫واملستمعني‪ ،‬وما دام يف التَّدريس َّ‬
‫منها يش ٌء إذا األخرى هت َّيأ‪ ،‬فلذلك كان جملس�ه عامر ًا ينتابه القريب والبعيد‪ُّ ،‬‬
‫وكل من‬
‫فلـمـا‬ ‫يقصده فإنَّه حيصل عىل الدُّ نيا والدِّ ين‪ ،‬وقد أمر طاهيه أن يذبح يف ِّ ٍ‬
‫كل ليلة شا ًة َّ‬
‫رأى أنهَّ ا ال تكفي جعل يذبح ذبيحتني‪ ،‬ودائماً حي ُّثه عىل ِّ‬
‫الزيادة يف املطعم(‪.)2‬‬
‫*‬ ‫*‬ ‫*‬
‫العجم�ي‪ :‬حيدِّ ثني ش�يخنا العلاَّ مة َّ‬
‫حممد بن س�ليامن‬ ‫ُّ‬ ‫ٍ‬
‫نارص‬ ‫حمم�د بن‬ ‫قال َّ‬
‫الش�يخ َّ‬
‫اجل�راح ‪ -‬أج�زل اهلل له األجر واملثوبة ‪ -‬عن ش�يخه عبد اهلل اخلل�ف الدحيان ‪ -‬رمحه‬
‫َّ‬
‫ٍ‬
‫كفيف‪ ،‬فسأله‪:‬‬ ‫ٍ‬
‫بشخص‬ ‫الشيخ عبد اهلل من صالة ال ُّظهر فالتقى‬
‫اهلل‪ )3(-‬فيقول‪ :‬خرج َّ‬

‫الشيخ سنة (‪1265‬هـ) يف اإلحساء‬ ‫الرمحن آل َّ‬ ‫(‪ )1‬ولد َّ‬


‫الشيخ العالمة عبد اهلل بن عبد اللطيف بن عبد ّ‬
‫حينام س�افر والده إىل هناك ملناقش�ة بعض علـمـاء اإلحساء حول بعض مسائل التوحيد‪ .‬وقد أخذ العلم‬
‫ع�ن ج�ده ووال�ده وعىل علـمـاء الرياض‪ .‬وبعد قيام الفتن يف نجد س�افر إىل األفلاج جنوب نجد فأقام‬
‫الرياض فاجتمع إليه الناس ال س�يام طلبة العلم وصارت ل�ه الزعامة الدينية يف نجد‪،‬‬ ‫هب�ا زمن� ًا َّ‬
‫ثم عاد إىل ّ‬
‫فاشتغل بالتدريس والتأليف واالهتامم بأمور املسلمني إىل أن تويف سنة (‪1339‬هـ)‪« .‬علـمـاء نجد»‪.‬‬

‫(‪« )2‬تذكرة أويل النهى والعرفان» (‪.)276/2‬‬

‫الش�يخ عبد اهلل بن خلف الدحيان يف الكويت س�نة (‪1292‬هـ)‪ ،‬وق�رأ عىل عامل الكويت حممد‬ ‫(‪ )3‬ول�د َّ‬
‫ب�ن عب�د اهلل الفارس‪ ،‬ورحل إىل الزبري وقرأ عىل علـمـائها‪ .‬وقد عرف بالتواضع‪ ،‬والنزاهة‪ ،‬والس�عي يف‬
‫حوائ�ج املس�لمني‪ .‬وتوىل القض�اء يف الكويت فكان مثا ً‬
‫ال للعف�ة والنزاهة والعدل‪ ،‬كام عمر َّ‬
‫الش�يخ وقته‬
‫بالعلم والتدريس والوعظ العام‪ .‬تويف سنة (‪1349‬هـ)‪« .‬علـمـاء نجد» (‪.)91/4‬‬

‫‪237‬‬
‫الصباح لع َّله يعطيه ش�يئ ًا من‬
‫م�ن أي�ن جئت؟ فقال‪ :‬من فلان‪ ،‬وكان ينتظر عنده من َّ‬
‫ثم الغداء‪ ،‬وبعد ذلك‬
‫الشيخ وأدخله يف منزله‪ ،‬وقدَّ م له القهوة والتَّمر َّ‬ ‫الـمـال‪ ،‬فأخذه َّ‬
‫متر فهل تستطيع محلها؟!‬ ‫أعطاه ماالً جزيالً‪ ،‬وقال له‪ :‬عندنا ُق َّلة ٍ‬
‫الش�يخ عبد اهلل اخللف كيس ًا فيه ٌ‬
‫مال‪ ،‬وذهبنا لزيارة‬ ‫وحيدِّ ثني أيض ًا فيقول‪ :‬أعطي َّ‬
‫فلـمـا ذهبت إليه وجدت عنده الكيس نفسه‪ ،‬أحرضه‬ ‫فقري‪َّ ،‬‬
‫مريض من أصحابنا وهو ٌ‬ ‫ٍ‬
‫له َّ‬
‫الشيخ عبد اهلل‪.‬‬
‫ومتر ونحوه‬
‫رز ٌ‬ ‫جرار فيها ٌّ‬
‫ٌ‬ ‫وذكر عن َّ‬
‫الشيخ أمحد اخلميس ابن أخته قال‪ :‬كان عندنا‬
‫م�ن األطعم�ة‪ ،‬فكنَّا إذا أصبحنا ن�رى فيها نقص ًا‪ ،‬فعلمنا َّ‬
‫أن َّ‬
‫الش�يخ ‪ -‬رمحه اهلل ‪ -‬كان‬
‫رسا‪.‬‬
‫ينفق منها ًّ‬
‫حممد فيقول‪ :‬كان مؤ ِّذنه‬
‫اجلراح شقيق ش�يخنا َّ‬ ‫وحيدِّ ثني األديب َّ‬
‫الش�اعر إبراهيم َّ‬
‫بلال يبي�ع الفواكه من ٍ‬
‫عنب وغريه عىل باب املس�جد‪ ،‬فإذا خرج َّ‬
‫الش�يخ عبد اهلل جاء‬ ‫ٌ‬
‫فالن‪ ،‬وهذا لبيت ٍ‬
‫فالن‪ ،‬وهي ُب ُيوت‬ ‫إلي�ه‪ ،‬ويزن للنَّاس أوقية‪ ،‬ويقول‪ :‬خذ هذا لبيت ٍ‬
‫َّ‬
‫ا َّلذين يذهبون للغوص يف البحر‪ ،‬وليس هلم من يقوم بأمرهم يقول‪ :‬حتَّى ال يبقى عند‬
‫ٍ‬
‫بالل يش ٌء ممَّا عنده من العنب(‪.)1‬‬
‫* * *‬
‫حممد آل‬ ‫الرمحن اجل�زاف‪ :‬كان يوم اجلمعة َّ‬
‫والش�يخ صالح ب�ن َّ‬ ‫الس� ِّيد عب�د َّ‬
‫ق�ال َّ‬
‫فقري يطلب ثوب ًا يلبس�ه‪،‬‬
‫رجل ٌ‬‫مبارك ‪ -‬رمحه اهلل ‪ )2(-‬هو خطيب جامع احلالة‪ ،‬فجاءه ٌ‬

‫(‪« )1‬عالمـة الكويت َّ‬


‫الشيخ عبد اهلل بن خلف الدحيان» (ص ‪ )34‬للشيخ حممد بن نارص العجمي‪.‬‬

‫(‪ )2‬ول�د َّ‬


‫الش�يخ صال�ح بن حممد آل مبارك ‪ -‬رمحه اهلل ‪ -‬يف اإلحس�اء س�نة (‪1280‬ه�ـ ‪1863 -‬م) يف‬
‫بي�ت عل�م وفض�ل‪ .‬رح�ل إىل البحرين‪ ،‬وهن�ل ال َّناس من علم�ه‪ ،‬وقد ع�رف بصالح�ه وتواضعه وحبه‬
‫للخري‪ ،‬وتربطه بحكام البحرين عالقة وثيقة قائمة عىل احلب والنصح‪ .‬تويف سنة (‪1362‬هـ ‪1943 -‬م)‬
‫(ص‪.)219‬‬

‫‪238‬‬
‫صال�ح إلاَّ ثوب ًا واحدً ا َّ‬
‫جه�زه لصالة اجلمعة‪ ،‬ولك�ن لـمـا رأى من‬ ‫ٍ‬ ‫ومل يك�ن َّ‬
‫للش�يخ‬
‫حاجة هذا الفقري وضعفه مل يستطع أن ير َّده‪ ،‬فأخذ ثوبه الوحيد فأعطاه إ َّياه‪.‬‬
‫فلـمـا علمت زوجته بذلك قالت له مغضب ًة‪ :‬هل أنت جمنون؟ كيف تعطي ثوبك‬ ‫َّ‬
‫الرجل‪ ،‬وجتلس بدون ٍ‬
‫ثياب‪ ،‬وعليك اآلن خطبة اجلمعة‪.‬‬ ‫الوحيد هلذا َّ‬
‫ٍ‬
‫وس�كينة‪ :‬سوف ألبس البشت وأتَّزر باإلزار فلن يالحظني‬ ‫ٍ‬
‫هدوء‬ ‫فقال هلا يف ِّ‬
‫كل‬
‫أحدٌ ‪.‬‬
‫فما أهنى كالم�ه حتَّى أتت عليهم يف البيت امرأ ٌة تق�ول‪ :‬إنيِّ نذرت أن أعطي هذا‬
‫صالح ومعه (‪ )20‬روب َّيـ ًة‪.‬‬
‫ٍ‬ ‫القامش َّ‬
‫للشيخ‬
‫غزير؟‬
‫واسع وكرمه ٌ‬
‫ٌ‬ ‫فقال لزوجته‪ :‬أمل أقل لك ألاَّ تستعجيل‪ ،‬ففضل اهلل‬
‫ففرحت زوجته بذلك وشكرت اهلل تعاىل(‪.)1‬‬
‫*‬ ‫*‬ ‫*‬

‫السعي‬ ‫ٍ‬
‫رضب من َّ‬ ‫البيانوين ‪ -‬رمحه اهلل ‪ )2(-‬كان ينزع إىل‬
‫ُّ‬ ‫َّ‬
‫الش�يخ عيس�ى بن حسن‬

‫الرابع عرش اهلجري» لبشار بن يوسف احلادي‪.‬‬


‫(‪« )1‬علـمـاء وأدباء البحرين يف القرن ّ‬
‫الشيخ عيسى بن حسن بن بكري بن أمحد البيانوين ‪ -‬رمحه اهلل ‪ -‬سنة (‪1290‬هـ) يف قرية تسمى‬‫(‪ )2‬ولد َّ‬
‫بيان�ون تابع�ة لقضاء إعزاز عىل بعد ثامنية أميال قي الشمال الغريب من مدين�ة حلب‪ ،‬من أبوين صاحلني=‬

‫‪239‬‬
‫املنورة جريان رس�ول اهلل ‪ -‬صىل اهلل عليه وس�لم ‪،-‬‬ ‫اخلريي‪ ،‬واالهتامم بفقراء املدينة َّ‬ ‫ِّ‬
‫ٍ‬ ‫الشيخ جيمع الـمـال من املسلمني َّ‬
‫كل عا ٍم‪ ،‬ويرسله مع مجاعة من أمناء ِّ‬
‫احلج‬ ‫فقد كان َّ‬
‫املنورة‪ ،‬وقد جعل ذلك ديدنه‪ ،‬حتَّى أنَّه قبيل انتقاله إىل جوار‬ ‫لي�وزع عىل فقراء املدينة َّ‬ ‫َّ‬
‫بالرفيق‬‫لت�وزع عىل الفقراء وحل�ق َّ‬ ‫َّ‬ ‫أمان�ات مـجب َّي ٍة هلذه الغاية‬
‫ٍ‬ ‫ر ِّب�ه أعطى ما مع�ه من‬
‫كل هذا يضاف إىل تدريس�ه األخالق يف املدرس�ة اخلرسو َّية‪ ،‬ودروسه العا َّمة‬ ‫األعىل‪ُّ ،‬‬
‫يف املساجد‪.‬‬
‫أتم‬ ‫ٍ‬ ‫حج َّ‬
‫حجات‪ ،‬وبعدما َّ‬ ‫البيانوين ‪ -‬رمحه اهلل ‪ -‬س�بع َّ‬
‫ُّ‬ ‫الش�يخ عيس�ى بن حس�ن‬ ‫َّ‬
‫«زح�ار» ف�أرسع رفاقه‬ ‫حجت�ه األخيرة ع�ام (‪1362‬ه�ـ) أصاب�ه ُ‬ ‫احل�ج يف َّ‬
‫ِّ‬ ‫مناس�ك‬
‫ٍ‬
‫باس�تدعاء ال َّطبيب ففحصه وأعطاه عالج ًا‪ ،‬وكان�وا حينئذ عىل أهبة الت ُّ‬
‫َّوجه إىل املدينة‬
‫أخرت سريهم‬ ‫س�يول جارف ٌة َّ‬‫ٌ‬ ‫الس� َّيارة مع رفاقه‪ ،‬فأصاهبم عىل ال َّطريق‬ ‫املنورة‪ ،‬فركب َّ‬ ‫َّ‬
‫ٍ‬
‫خدمة له‬ ‫ليلتين‪ ،‬احتمل فيها الفقيد مش� َّق ًة عظيم ًة عىل ُرغم ما بذل�ه رفاقه الكرام من‬
‫واعتناء به‪ ،‬جزاهم اهلل خري ًا‪.‬‬ ‫ٍ‬
‫ينحط جس�مه‪،‬‬ ‫ُّ‬ ‫املنورة‪ ،‬أخذوه إىل املستش�فى‪ ،‬ومل يزل‬ ‫ولـمـ�ا وصل�وا إىل املدينة َّ‬ ‫َّ‬
‫احلجة عام‬‫وتضع�ف ق�واه حتَّ�ى توفيِّ ليل�ة األحد بعد العش�اء لليلتين بقيتا م�ن ذي َّ‬
‫َّبوي الشرَّ يف‪ ،‬وس�اروا به يف‬ ‫(‪1362‬ه�ـ) فش� َّيعوا جثامنه‪ ،‬وصل�وا به يف املس�جد الن ِّ‬
‫حممد احلكيم أحد‬ ‫الشيخ َّ‬ ‫موكب عظي ٍم حتَّى وصلوا به البقيع املبارك‪ ،‬فوقف األستاذ َّ‬ ‫ٍ‬
‫وعرف النَّ�اس قدره‪ ،‬وواروه ترابه يف منتصف املس�افة بني‬ ‫احلج فأ َّبنه َّ‬
‫رفاق�ه يف س�فر ِّ‬
‫الش�هداء ريض اهلل‬ ‫َّبي ‪ -‬صىل اهلل عليه وس�لم ‪ -‬وقبور ُّ‬ ‫رضيح س� ِّيدنا إبراهيم ولد الن ِّ‬
‫عنهم(‪.)1‬‬
‫* * *‬

‫=كريمني‪ .‬طلب العلم يف العارشة من عمره فنزل حلب‪ ،‬والزم أخاه َّ‬
‫الشيخ محادة البيانوين ‪ -‬رمحه اهلل ‪،-‬‬
‫الش�يخ أمحد الش�هري باحلجار ح َّتى حفظ القرآن غيب ًا وأتقن التجويد‪ ،‬كام تعلم‬
‫والزم قارئ حلب احلافظ َّ‬
‫التوحيد والفقه والنحو والرصف‪ .‬تويف ‪ -‬رمحه اهلل ‪ -‬يف املدينة املنورة سنة (‪1362‬هـ) ودفن يف البقيع‪.‬‬

‫(‪« )1‬أمحد عز الدين البيانوين الداعية املريب» للدكتور عبد املجيد البيانوين (ص ‪.)23‬‬

‫‪240‬‬
‫الزعماء املحبوبين يف‬
‫حمم�د صال�ح مجج�وم ‪ -‬رمح�ه اهلل ‪ )1(-‬م�ن ُّ‬ ‫كان َّ‬
‫الش�يخ َّ‬
‫ٍ‬
‫راغب في�ه‪ ،‬وذلك بتقديم‬ ‫تطوع من تلقاء نفس�ه بتيسير العمل ِّ‬
‫ل�كل‬ ‫احلج�از‪ ،‬فلق�د َّ‬
‫والش� َّبان ا َّلذي�ن تتط َّلب وظائفهم كفال ًة‬
‫للرجال ُّ‬ ‫كفالته َّ‬
‫الش�خص َّية للدَّ وائر احلكومية ِّ‬
‫مال َّي ًة لدى الدَّ وائر احلكوم َّية كأمناء اخلزانة واملس�تودعات وغريهم ممَّن يشترط تو ُّفر‬
‫الكفال�ة الـمـال َّي�ة يف قبوهلم للوظائف‪ ،‬بل تعدَّ ت هذه الكفالة املس�جونني إلطالقهم‬
‫الس�جون‪ ،‬وكذلك املس�افرين س�واء عرفهم أو مل يعرفهم‪ ،‬وكان يوقع الكفاالت‬
‫من ُّ‬
‫كل من‬‫الش�ارع دون أن ينظر إليها أو يعرف أصحاهبا وأس�باهبا‪ ،‬فكان ُّ‬ ‫وهو يسير يف َّ‬
‫امتعاض‪ ،‬فلقد كان رج ً‬
‫ال كبري القلب يس�ع النَّاس‬ ‫ٍ‬ ‫يلج�أ إليه جيد طلبت�ه دون تر ُّد ٍد أو‬
‫مجيع� ًا بمح َّبته وعونه ولقد جنَّت عليه هذه ال َّطيبة فيام بعد إذ َّ‬
‫أخل هبا بعض املكفولني‬
‫حممد صالح مججوم بدفعه‪ ،‬ومل‬ ‫يف مبل ٍغ ضخ ٍم يف ذلك الوقت‪ ،‬وألزم املرحوم َّ‬
‫الش�يخ َّ‬
‫ولـمـا مل يكن قادر ًا عىل الدَّ فع‪ ،‬فقد‬ ‫يك�ن ق�ادر ًا عىل ذلك فخيرِّ بني الدَّ فع أو ِّ‬
‫الس�جن َّ‬
‫ٍ‬ ‫ٍ‬
‫السجن‬‫خاصة بإدارة رشطة جدَّ ة‪ ،‬ومل يلبث هذا ِّ‬ ‫تم يف غرفة َّ‬ ‫بالسجن ا َّلذي َّ‬
‫قبل راضي ًا ِّ‬
‫حممد‬
‫الش�يخ َّ‬ ‫كبري‪ ،‬فقد تقاطر النَّاس صباح مس�اء لزيارة َّ‬ ‫ش�عبي ٍ‬
‫ٍّ‬ ‫مـجم ٍع‬
‫َّ‬ ‫حتول إىل‬
‫أن َّ‬
‫صال�ح يف غرفت�ه تلك معبرِّ ين عن تعاطفهم معه‪ ،‬وحقدهم عىل َم ْن تس� َّبب له يف هذا‬
‫األذى‪ ،‬وم�ا ه�ي إلاَّ أ َّيا ٌم قالئل َأ ِذ َن اهلل فيها بالفرج إذ أمر جاللة املغفور له امللك عبد‬
‫حممد صالح مكانه ذاك عائد ًا إىل منزله بني‬
‫الش�يخ َّ‬ ‫العزيز بإعفائه من الغرامة‪ ،‬وغادر َّ‬
‫حممد صالح مكانه يف‬
‫الش�يخ َّ‬ ‫تكريم ِّ‬
‫كل النَّاس ومـح َّبتهم وابتهاجهم‪ ،‬وهكذا عرف َّ‬

‫الشيخ حممد صالح عبد العزيز مججوم ‪ -‬رمحه اهلل ‪ -‬يف جدة سنة (‪1303‬هـ)‪ .‬توىل إدارة مدارس‬ ‫(‪ )1‬ولد َّ‬
‫الش�يخ عبد الرءوف فكان وكي ً‬
‫ال هلا‪ .‬كان معرو ًفا بالعطف عىل الفقراء واملس�اكني‬ ‫الفالح بعد وفاة أخيه َّ‬
‫ومس�اعدة املحتاجين‪ .‬ت�ويف يف اهلند بعد أن ذهب إليها لالستش�فاء س�نة (‪1363‬ه�ـ)‪« .‬أعالم احلجاز»‬
‫ملحمد عيل املغريب‪.‬‬

‫‪241‬‬
‫القلوب‪ ،‬ومل يكن هذا املكان باملجهول أو املنكور(‪.)1‬‬
‫* * *‬
‫الربزنج�ي ‪ -‬رمح�ه اهلل ‪ )2(-‬التَّواضع بني النَّاس‬ ‫ِّ‬ ‫زكي بن أمحد‬
‫الش�يخ ِّ‬ ‫ع�رف عن َّ‬
‫وح�ب عمل اخلير رغم املناصب ا َّلتي وص�ل هبا‪ ،‬ولك َّن هذه هي صف�ات العلـمـاء‬ ‫ِّ‬
‫ٍ‬
‫أي مكان يفيش‬ ‫األف�ذاذ ف�كان ‪ -‬رمح�ه اهلل ‪ -‬طيلة َم ْش�يه من بيت�ه إىل املحكم�ة أو إىل ِّ‬
‫تدل عىل تواضعه‪ ،‬فقد‬ ‫ُ�روى ُّ‬ ‫قص ٌة أخرى ت ْ‬‫السلام على النَّاس كبري ًا وصغري ًا‪ ،‬وهناك َّ‬ ‫َّ‬
‫ِ‬
‫الس�ابق يف زمن احلواري واألح�واش اجلميلة وال ُب ُيوت‬ ‫كان�ت عادات أهل املدينة يف َّ‬
‫البس�يطة‪ ،‬أن تقوم بعض النِّس�اء األرامل اللاَّ يت ال عائل هل َّن بعجن اخلبز يف منازهل َّن‪،‬‬
‫ووض�ع ذلك اخلبز على (طبل َّية) وهي عبار ٌة عن نوع من اخلش�ب يوضع عليه اخلبز‪،‬‬
‫الـمـ�ارة‪ ،‬ويق�وم بإيصاهلا إىل‬ ‫َّ‬ ‫وتض�ع امل�رأة ال َّطبل َّية أم�ام املنزل‪ ،‬حتَّ�ى يأخذها أحد‬
‫م�ر بأحد هذه املنازل‪،‬‬ ‫الس� ِّيد زكي بمكانته العالية إذا َّ‬ ‫ثم إعادهتا‪ ،‬فكان َّ‬ ‫املخب�ز‪ ،‬وم�ن َّ‬
‫ورأى اخلب�ز تو َّقف عنده‪ ،‬ومحل ال َّطبل َّية عىل رأس�ه فوق العاممة ويذهب هبا إىل اخل َّباز‬
‫تس�مى (احلنَّانة) وهي‬ ‫َّ‬ ‫وإعادهتا إىل مكاهنا بعد خبزها‪ ،‬وكانت توجد هد َّية من املخبز‬
‫الس� ِّيد زكي يأخذ هذه اهلد َّية‬ ‫قطع ٌة صغري ٌة من اخلبز تعطى حلامل هذه ال َّطبل َّية‪ ،‬فكان َّ‬
‫بكل تواضع‬ ‫وا َّلت�ي هي من ح ِّقه‪ ،‬ويأكلها وهو عائدٌ إىل املن�زل ا َّلذي أخذ منه ال َّطبل َّية ِّ‬
‫ٍ‬
‫مراءاة‪ ،‬بل إنَّه يفعل ذلك ح ًّبا وتواضع ًا هلل تعاىل(‪.)3‬‬ ‫دون تكبرُّ ٍ أو‬
‫*‬ ‫*‬ ‫*‬

‫(‪« )1‬أعالم احلجاز» (‪ )270/1‬تأليف حممد عيل مغريب‪.‬‬

‫الش�يخ زكي بن أمحد الربزنجي الش�افعي عام (‪1294‬هـ) باملدينة املنورة يف بيت علم وفضل‪.‬‬ ‫(‪ )2‬ولد َّ‬
‫فأخ�ذ العل�م عن والده ومش�ايخ املدينة يف املس�جد النبوي‪ .‬تص�دى للتدريس يف املس�جد النبوي وتوىل‬
‫اإلمام�ة واخلطاب�ة في�ه وهو يف الس�ابعة عشرة من عمره‪ .‬أس�ند إليه القض�اء يف الدولة العثامنية ورئاس�ة‬
‫املحكم�ة واس�تمر يف عمله ح َّتى بعد حكم امللك عبد العزيز‪ .‬تويف س�نة (‪1365‬ه�ـ)‪« .‬أعالم من أرض‬
‫النبوة» ألنس كتبي‪.‬‬

‫(‪« )3‬أعالم من أرض النبوة» (ص ‪ )117‬بقلم أنس يعقوب كتبي‪.‬‬

‫‪242‬‬
‫تك�ررت زيارتنا مع بع�ض اإلخوة إىل فضيلة‬ ‫ق�ال مصطف�ى اخلن ‪ -‬رمحه اهلل ‪َّ :-‬‬
‫الغالييني ‪ -‬رمح�ه اهلل ‪ )1(-‬يف «قطنا»‪ ،‬ولكنِّي ال أنس�ى زيار ًة‬
‫ِّ‬ ‫�اين إبراهي�م‬
‫الر َّب ِّ‬ ‫َّ‬
‫الش�يخ َّ‬
‫الشيخ يف «قطنا» بعد صالة ال ُّظهر‬‫استمرت يوم ًا كامالً‪ ،‬حيث وصلنا إىل منزل َّ‬ ‫َّ‬ ‫بعينها‬
‫أن ال َّطعام‬
‫فوضع�ت الـمـائ�دة‪ ،‬وأكلن�ا مع مجيع احلارضين‪ ،‬وم�ن املعروف واملعت�اد َّ‬
‫الشيخ من صالة ال ُّظهر يف املسجد‪ ،‬ومن كراماته املتح ِّققة‪،‬‬ ‫كل يو ٍم بعد عودة َّ‬ ‫يوضع يف ِّ‬
‫ف‪ ،‬فيكفي املوجودين مع أهل البيت ويزيد‪.‬‬ ‫أن ال َّطعام املوجود يقدَّ م من غري تك ُّل ٍ‬ ‫َّ‬
‫الشيخ ا َّلتي ال يرتكها أن يصطحب معه أرغف ًة من اخلبز يفتُّها للكالب‬ ‫ومن عادة َّ‬
‫املتأصل‬
‫ِّ‬ ‫وهو يف طريقه إىل املسجد ألداء صالة الفجر‪ ،‬واجلميع من حم ِّبيه يعرفون كرمه‬
‫يف نفس�ه‪ ،‬فهو ال ُيس�أل ش�يئ ًا إلاَّ أعطاه‪ ،‬ولو ُطلب�ت منه عباءته أو ج َّبت�ه خلرج عنها‪،‬‬
‫اقتدا ًء برسول اهلل صىل اهلل عليه وسلم(‪.)2‬‬
‫* * *‬

‫(‪َّ )1‬‬
‫الش�يخ إبراهيم حممد خري الغالييني ‪ -‬رمحه اهلل ‪ -‬عامل‪ ،‬عابد‪ ،‬ناس�ك ومشهور‪ ،‬له عند ال َّناس مكانة‬
‫مرموق�ة‪ ،‬ويف نفوس�هم حمبة ومهابة‪ .‬ش�يخ قض�اء وادي العجم‪ ،‬وخطيب وإمام مدين�ة قطنا‪ ،‬وهو املفتي‬
‫الرأي املس�موع‪ ،‬والذكر ّ‬
‫الطيب‪ ،‬والكرامات الكثرية‪ .‬تويف ‪ -‬رمحه‬ ‫الورع‪ ،‬والوجيه املحبوب‪ ،‬وصاحب َّ‬
‫اهلل ‪ -‬سنة (‪1377‬هـ ‪1958 -‬م)‪.‬‬

‫(‪« )2‬مصطفى سعيد اخلن العامل املريب وشيخ علم أصول الفقه يف بالد الشام» للدكتور حميي الدين ديب‬
‫مستو (ص‪.)26‬‬

‫‪243‬‬
‫الرمح�ن األفريقي ‪ -‬رمحه‬ ‫الش�يخ عبد املحس�ن الع َّباد يف ترمجة َّ‬
‫الش�يخ عب�د َّ‬ ‫ق�ال َّ‬
‫ولـمـا كان يوم عيد األضحى‬
‫حج عام (‪1367‬هـ)‪َّ ،‬‬ ‫اهلل‪ :)1(-‬واف�ق أنَّن�ي خت َّلفت عن ِّ‬
‫أن كثري ًا م�ن ال ُّطالب ذهبوا‬
‫الش�يخ‪ ،‬وواف�ق َّ‬‫رأي�ت أن أتن�اول طع�ام الغداء يف منزل َّ‬
‫للح�ج‪ ،‬فدخل�ت عليه وال َّطعام بني يدي�ه‪ ،‬ومعه أوالده‪ ،‬وعندما ألقيت َّ‬
‫السلام رفع‬ ‫ِّ‬
‫ٍ‬
‫تفكري‪ :‬احلمد هلل ا َّلذي مل يرين اليوم ا َّلذي آكل فيه وحدي‬ ‫رأسه وقال من غري تأ ُّم ٍل أو‬
‫ومع أوالدي فقط‪.‬‬
‫ال لدار احلديث بعد أن آل أمر‬ ‫وج�اء يف نظام أعامل دار احلديث ا َّلت�ي وضعها دلي ً‬
‫نظارة مكتبتها وإدارة مدرستها إليه‪ :‬ويف الفقرة (خ) وقع يف خارطة البناء ش َّق ٌة للنَّاظر‪،‬‬
‫الشيخ‬ ‫ٌ‬
‫متنازل عن س�كناها لتسكنها أرسة َّ‬ ‫أعلن من يومي هذا‪ ،‬وأنا النَّاظر حال ًيا أنَّني‬
‫هلوي املؤسس‪ ،‬وأطلب ممَّن تولىَّ النِّظارة بعدي من أبنائي وأحبايب أن يدعوا‬
‫ِّ‬ ‫أمحد الدَّ‬
‫سكناها للمذكورين مادام رشط النِّظارة ال ينطبق عليهم(‪.)2‬‬
‫*‬ ‫*‬ ‫*‬
‫الش�يخ صلاح الدِّ ي�ن الدَّ ق�اق ‪ -‬رمح�ه اهلل ‪ )3(-‬وف ًّي�ا ألصدقائ�ه يتف َّقده�م‬
‫كان َّ‬
‫ويزورهم‪ ،‬ويسأل عنهم دوم ًا‪ ،‬ويشاركهم يف أفراحهم وأتراحهم‪.‬‬

‫ثم اس�تقر‬ ‫(‪ )1‬ولد َّ‬


‫الش�يخ عبد الرمحن األفريقي يف بالد مايل عام (‪1326‬هـ) س�افر إىل مكة ألداء احلج َّ‬
‫ثم تصدى للتدريس‪ ،‬ودرس يف مدرس�ة دار احلديث‬ ‫باملدين�ة ع�ام (‪1345‬هـ)‪ ،‬ودرس على علـمـائها‪َّ ،‬‬
‫باملدينة سنة (‪1350‬هـ) تويف سنة (‪1377‬هـ)‪ .‬موقع «ملتقى أهل احلديث»‪.‬‬

‫(‪« )2‬علـمـاء ومفكرون عرفتهم» (ص ‪ )168‬تأليف حممد املجذوب‪.‬‬

‫الشيخ صالح الدين بن حممد رضا الدقاق ‪ -‬رمحه اهلل ‪ -‬الشهري بالزعيم‪ ،‬عامل‪ ،‬مرشد‪ ،‬جماهد‪ ،‬صابر‪،‬‬‫(‪َّ )3‬‬
‫اشتهر جده بالزعيم؛ ألنَّه مع كونه تاجر ًا أسندت إليه بعض الوظائف الفخرية فلقب بالزعيم‪ ،‬ولد َّ‬
‫الشيخ‬
‫صلاح ‪ -‬رمح�ه اهلل ‪ -‬يف بريوت س�نة (‪1300‬هـ) املوافق (‪1882‬م)‪ ،‬قىض طفولت�ه بني طرابلس ومحاة‪،‬‬
‫ثم جاء إىل دمش�ق‪ ،‬تطوع يف اجليش الرتكي خالل احلرب العاملية األوىل‪ ،‬وش�ارك يف الدفاع عن سوريا يف‬‫َّ‬
‫دينيا يف دمشق‪ .‬تويف سنة (‪1390‬هـ) املوافق (‪1971‬م) ‪.‬‬ ‫ً‬
‫معركة ميسلون‪ ،‬عمل مدرسا ًّ‬

‫‪244‬‬
‫الش�يخ وفي ًا ألصحابه وتالميذه وحس�ب‪ ،‬بل كان ودود ًا للنَّاس ك ِّلهم‪،‬‬
‫ومل يكن َّ‬
‫بكل أش�كاله‪،‬‬ ‫والضعفاء يس�وق هلم العون ِّ‬ ‫كل ٍ‬
‫فرد بام يلزم‪ ،‬فهو مع املس�اكني ُّ‬ ‫يعامل َّ‬
‫ال فقري ًا جير عرب ًة ثقيل ًة يف س�وق مدحت باش�ا‪ ،‬ولقد عجز عنها‪ ،‬فام كان‬
‫مر ًة رج ً‬
‫رأى َّ‬
‫كميه‪ ،‬ودفع العربة معه عىل أعني النَّاس ك ِّلهم‪ ،‬وكان يسعى مرار ًا‬ ‫منه إلاَّ أن َّ‬
‫شمر عن َّ‬
‫حي (سوق صاروجا)‪ ،‬حيمل له ال َّطعام ويقيض حاجته(‪.)1‬‬ ‫ٍ‬ ‫رجل ٍ‬
‫ٍ‬
‫فقري مقعد يف ِّ‬ ‫إىل‬
‫*‬ ‫*‬ ‫*‬

‫الرمح�ن بن حس�ن حبنَّك�ة ‪ -‬رمح�ه اهلل ‪ :-‬كان والدي َّ‬


‫الش�يخ‬ ‫ق�ال َّ‬
‫الش�يخ عب�د َّ‬
‫الصلح بني النَّاس‪ ،‬لتوحيد‬
‫كثري االهتامم بعق�د ُّ‬
‫َ‬
‫(‪)2‬‬
‫امليداين ‪ -‬رمحه اهلل ‪-‬‬
‫ُّ‬ ‫حس�ن حبنَّك�ة‬
‫صفوفهم‪ ،‬وإزالة َّ‬
‫الش�حناء ممَّا بينهم‪ ،‬وإجياد التَّآلف والتَّحابب والتَّعاون بني أفرادهم‬

‫(‪« )1‬صفحات مرشقة من تاريخ أعالم األمة» لعبده عيل كوشك (ص‪.)708‬‬

‫الش�يخ حس�ن بن مرزوق حبنكة امليداين يف س�نة (‪1326‬هـ) يف حي امليدان يف دمش�ق‪ ،‬حفظ‬ ‫(‪ )2‬ولد َّ‬
‫الق�رآن منذ صغ�ره ودرس العلوم الرشعية‪ .‬عرف بالعبادة والزهد وح�ب العلم ونرشه والدعوة إىل اهلل‪.‬‬
‫كانت له جهود دعوية مشهورة‪ .‬أنشأ معهد التوجيه اإلسالمي وأرشف عليه‪ ،‬فعظم صيت املعهد‪ ،‬وخترج‬
‫منه طالب كثريون‪ .‬له مواقف مشهودة يف الصالبة باحلق‪ ،‬واألمر باملعروف والنهي عن املنكر‪ .‬تويف سنة‬
‫(‪1398‬هـ)‪« .‬الوالد الداعية َّ‬
‫الشيخ حسن حبنكة امليداين» بقلم عبد الرمحن حبنكة امليداين‪.‬‬

‫‪245‬‬
‫وأرسهم وعشائرهم وقبائلهم‪َّ ،‬‬
‫ألن اإلسالم يأمر بذلك‪.‬‬
‫الصلح‪ ،‬ويكون هو املقدَّ م يف‬
‫للصلح‪ ،‬ويدعو إىل عقد جمامع ُّ‬
‫فكان يس�عى بنفس�ه ُّ‬
‫ٍ‬
‫صلح أجاب‪.‬‬ ‫هذه املجامع‪ ،‬وإذا ُدعي إىل جممع‬
‫ف�ض املنازع�ات‪ ،‬وإطف�اء نريان الفتن�ة بني النَّ�اس‪ ،‬ور َّبام تصنَّع‬ ‫وكان حكي ً‬
‫ما يف ِّ‬
‫الغض�ب‪ ،‬وتظاه�ر برغبته يف االنس�حاب من املجلس‪ ،‬ورفع يده م�ن األمر‪ ،‬إذا رأى‬
‫ذلك وس�يل ًة مجُ ْدي ًة ونافع ًة يف هتدئة الفتنة‪َّ ،‬‬
‫ثم جتده أقدر اجلمع عىل أن يس�كت غضبه‬
‫للصلح‪.‬‬ ‫بحز ٍم‪ ،‬متى رأى َّ‬
‫أن القوم هدءوا واستجابوا لرغبته‪ ،‬والنوا ُّ‬
‫ٍ‬
‫صلح‬ ‫وق�د حدَّ ثن�ي عد ٌد م�ن إخواننا‪ ،‬منهم َّ‬
‫الش�يخ حسين خطاب‪ ،‬ع�ن جممع‬
‫حضره بين أرستني ُكبرْ يين‪ ،‬ومل أحرضه أن�ا معه؛ ألنَّه ج�رى يف دمش�ق‪ ،‬وأنا أعمل‬
‫فض نزا ٍع‬
‫والصل�ح من أجل ِّ‬ ‫أس�تاذ ًا بجامع�ة أ ِّم القرى يف اململكة العرب َّية ُّ‬
‫الس�عود َّية‪ُّ ،‬‬
‫قديم مضت‬ ‫بين األرستين‪ ،‬على دم ٍ‬
‫قتيل م�ن إحدامها قاتله م�ن األخرى‪ ،‬وه�و د ٌم ٌ‬
‫ٍ‬
‫صلح ما ٍّيل يدفع‬ ‫عليه س�نون‪ ،‬وكان القاتل غائب ًا عن البلد‪ ،‬وقد اتَّفقت األرستان عىل‬
‫ألولياء القتيل‪.‬‬
‫الصلح ثارت رغبة ال َّثأر يف نفس بعض أولياء القتيل‪ ،‬وأقبل غاضب ًا‬
‫وضمن جممع ُّ‬
‫وتأزم املوقف‪ ،‬وكان‬ ‫شاهر ًا مسدَّ سه‪ ،‬يريد قتل القاتل أو أحد أقاربه يف جملس ُّ‬
‫الصلح‪َّ ،‬‬
‫املدعوون إىل خوان ال َّطعام‪.‬‬
‫ُّ‬ ‫ذلك حينام جلس‬
‫فل�م جي�د الوالد اإلمام عليه رمحة اهلل وس�يل ًة أنجع من أن ينفج�ر متغاضب ًا غضب ًا‬
‫هز ب�ه قلوهبم‪ ،‬وألقى بذلك عليهم هيب ًة س�كَّنت‬
‫ش�ديد ًا‪ ،‬ويصيح يف النَّ�اس صياح ًا َّ‬
‫ثورة طالبي ال َّث�أر‪ ،‬فجعل أهلهم وأقارهبم وأصدقاءهم هيدِّ ئوهنم‪ِّ ،‬‬
‫وخيوفون من نقمة‬
‫تم عليه‬
‫ترصفهم املخالف لـمـا كان قد َّ‬ ‫النَّاس عليهم بسبب غضب َّ‬
‫الشيخ حسن من ُّ‬
‫االتَّفاق‪.‬‬

‫‪246‬‬
‫ٍ‬
‫يومئذ‪ :‬هل جئتم بلحانا إلهانتنا؟ ورضب خوان ال َّطعام بيده‪،‬‬ ‫وقال الوالد اإلمام‬
‫للصلح وعقده بعد االتفاق‬
‫وقال للجمع‪ :‬قوموا يا ناس‪ ،‬نحن ما جئنا لنأكل‪ ،‬تدعوننا ُّ‬
‫ثم تنقضون‪ ،‬هذه إهان ٌة لنا‪.‬‬
‫عليه‪َّ ،‬‬
‫ٍ‬
‫عندئذ أخ�ذت أرسة طالب ال َّثأر ترتضىَّ‬ ‫وهنض فنهض القوم مجيع ًا اس�تجاب ًة له‪،‬‬
‫الوالد اإلمام‪ ،‬وتق ِّبل يديه ورأسه؛ ألنَّه لو خرج لكان ذلك عار ًا عليهم‪ ،‬وسب ًة الصق ًة‪،‬‬
‫الشيخ حسني خطاب ا َّلذي أخذ‬
‫وثار عقالؤهم عىل ثائرهم‪ ،‬وسكَّنوه‪ ،‬وعىل رأسهم َّ‬
‫للش�يخ معت�ذر ًا فق َّبل يده‪ ،‬وجلس بني يدي�ه راضي ًا باملصاحلة‪ ،‬وصار‬
‫ثم قدَّ موه َّ‬
‫بيده‪َّ ،‬‬
‫الوالد اإلمام يعظه وينصحه‪.‬‬
‫الصلح‪ ،‬وانتهت املش�كلة‪ ،‬وصار النَّ�اس يتحدَّ ثون يف املجالس هبذا املوقف‬
‫وتم ُّ‬
‫َّ‬
‫القوي احلازم ا َّلذي وقفه َّ‬
‫الشيخ حسن رمحه اهلل وأجزل مثوبته‪ ،‬وعفا عنه(‪.)1‬‬ ‫ِّ‬
‫*‬ ‫*‬ ‫*‬
‫ٍ‬
‫جنازة صىل عليها باملس�جد‬ ‫الش�يخ أمح�د التكينة ‪ -‬رمح�ه اهلل ‪ )2(-‬يتت َّب�ع َّ‬
‫كل‬ ‫كان َّ‬
‫َّبوي‪ ،‬ويسري معها إىل بقيع الغرقد‪ ،‬ويدعو هلا‪.‬‬
‫الن ِّ‬
‫الرغم م�ن أنَّه مل يكن يملك ش�يئ ًا‪ ،‬إلاَّ أنَّه كان كريم‬
‫الس�جايا‪ ،‬وعىل ُّ‬
‫وكان كري�م َّ‬
‫الي�د بالبذل‪ ،‬ومما ذكر أنَّه قصده أحد جماوري املدينة من املغرب‪ ،‬فتقدَّ م إليه‪ ،‬وأنش�ده‬
‫هذين البيتني‪:‬‬

‫(‪« )1‬الوالد الداعية َّ‬


‫الشيخ حسن حبنكة امليداين» (ص ‪ )181‬بقلم عبد الرمحن حبنكة امليداين‪.‬‬

‫(‪ )2‬ولد أمحد ال ُّتكينة يف املس�لمية بالس�ودان سنة (‪1328‬هـ)‪ .‬هاجر إىل املدينة املنورة سنة (‪1349‬هـ)‪.‬‬
‫متضلعا‬
‫ً‬ ‫سكن يف غرفة يف رباط عثامن وكان مالزم ًا له ال خيرج منه وال تفوته صالة يف املسجد النبوي‪ .‬كان‬
‫بعلوم شتى ال سيام علم الفرائض‪ .‬تويف سنة (‪1398‬هـ)‪« .‬تتمة األعالم للزركيل» ملحمد خري رمضان‪.‬‬

‫‪247‬‬
‫بعط�ر اجل�ود ه�ل باق�ي لديك�م؟‬ ‫ك���ل ق��ل� ٍ‬
‫�ب‬ ‫َّ‬ ‫أف����دين ي���ا م��ع��ط��ر‬
‫وقيمته ال���دُّ ع���اء م �نِّ��ي إليكم‬ ‫مه������ا أو درمه�ي�ن‬
‫وزدين در ً‬
‫ٍ‬
‫وعاممة له‪،‬‬ ‫ٍ‬
‫ث�وب‬ ‫فض� ًة س�عود َّي ًة‪ ،‬كان حيتفظ هبا لشراء‬ ‫ٍ‬
‫ري�االت َّ‬ ‫فمنح�ه عشرة‬
‫وعندما قدَّ مها للقاصد قال له‪( :‬هذه قيمة الدِّ رمهني) فأخذها وهو يدعو له‪.‬‬
‫ٌ‬
‫رج�ل فقد عاممته‪ ،‬وطل�ب منه عامم ًة‪ ،‬فخلع عاممت�ه وأعطاها له‬ ‫وج�اء إليه يو ًما‬
‫ثم س�كت وقت ًا‪ ،‬وبع�د أن قدَّ م العامم�ة التفت إىل طالبه‬
‫الصفراء‪َّ ،‬‬
‫وبق�ي على طاقيته َّ‬
‫قائالً‪:‬‬
‫إنيِّ أدخ��ره��ا يف احلساب وقايتي‬ ‫ال تعجب�ون إذا منح�ت عاممت�ي‬
‫بث�واب ربيِّ عن�د ق�رب هنايت�ي‬ ‫وبجنَّ�ة الف�ردوس أج�زى غريه�ا‬
‫(‪)1‬‬
‫أن تنهجو هنجي فتلكمو وصايتي‬ ‫وأرى من الـفضل العـميم تـجار ًة ‬
‫*‬ ‫*‬ ‫*‬
‫املحمد املطلق ‪ -‬رمحه اهلل ‪ :)2(-‬كان‬
‫َّ‬ ‫عيل‬ ‫قال األس�تاذ صالح العمري عن َّ‬
‫الش�يخ ٍّ‬
‫منزله منذ أن كانت أحواله الـمـاد َّية متوس�طة مرت�اد ًا لطلبة العلم والغرباء َّ‬
‫والضعفة‬
‫ٍ‬
‫واملس�اكني‪ ،‬ال يس�تأثر بيشء م�ن ط ِّيب ال َّطعام دوهن�م‪َّ ،‬‬
‫ولـمـا وس�ع اهلل عليه ورزقه‬
‫ص�ار يف بيته أمكن� ًة للغرباء‪ ،‬وكنت أجد عنده ك َّلام زرت منزل�ه العرشات من الفقراء‬
‫يقرهب�م ويتواضع هل�م ويعطيهم‪ ،‬ويبق�ى بعضهم عنده‬
‫واملس�اكني واملعوزي�ن‪ ،‬وكان ِّ‬

‫(‪« )1‬تتمة األعالم للزركيل» (‪ )29/1‬تأليف حممد خري رمضان يوسف‪.‬‬

‫(‪ )2‬ول�د َّ‬


‫الش�يخ علي املحم�د املطل�ق يف بريدة س�نة (‪1332‬ه�ـ) وقرأ على علـمـائها وس�افر إىل مكة‬
‫والري�اض وقرأ عىل العلـمـ�اء‪ .‬وقد عرف باحلرص عىل الوقت‪ ،‬والعطف عىل الفقراء واملس�اكني‪ .‬تويف‬
‫سنة (‪1403‬هـ)‪« .‬علـمـاء نجد»‪.‬‬

‫‪248‬‬
‫خيصص‬
‫والس�نتني‪ ،‬وقد ِّ‬ ‫األ َّي�ام ال َّطويل�ة بل األش�هر‪ ،‬ور َّبام بقي عنده بعضهم َّ‬
‫الس�نة َّ‬
‫واستمر عىل ذلك حتَّى توفيِّ ‪ -‬رمحه اهلل ‪.-‬‬
‫َّ‬ ‫لبعضهم املرتَّبات َّ‬
‫الشهر َّية‪،‬‬
‫ات يف اليوم وال َّليلة يف حضوره وغيابه‪ ،‬وإذا س�افر من‬‫ول�ه مائد ٌة تق�دَّ م ثالث مر ٍ‬
‫َّ‬
‫والشام ومكَّة ومرص يصحب معه بعض هؤالء الفقراء‪ ،‬ومل أرى يف‬ ‫بلد إىل ٍ‬
‫بلد كاملدينة َّ‬ ‫ٍ‬

‫خواصه‪:‬‬
‫ِّ‬ ‫مر ًة أحد‬
‫زمننا مثله يف التَّواضع للفقراء واملس�اكني والعطف عليهم‪ ،‬قال له َّ‬
‫إنَّك تدعو بعض الكرباء فلـمـاذا ال تضع طعام ًا وسفر ًة َّ‬
‫خاصة هلؤالء الفقراء؟ فقال‪:‬‬
‫إن هذه عاد ٌة ال يمكن أن نغيرِّ ها‪ ،‬وعىل ا َّلذي ال يرغب األكل معهم عدم إجابة دعوتنا‪.‬‬
‫َّ‬
‫الس�كَّر‪ :‬يا وال�دي أال نضع لك طعام ًا ًّ‬
‫خاصا‬ ‫وق�ال له أحد أبنائه عندما زاد عليه ُّ‬
‫بني ال يمكن أن أنفرد‬ ‫خال من النَّش�و َّيات ا َّلتي ال تتالءم مع مرض ُّ‬
‫الس�كر؟ فقال ‪:‬يا َّ‬
‫أن يف طعام�ي ميز ًة عن ا َّلذي‬
‫خاص عن هؤالء‪ ،‬فتنكسر خواطرهم‪ ،‬ويظنُّوا َّ‬
‫ٍّ‬ ‫بطع�ا ٍم‬
‫يأكلون‪.‬‬
‫وكان جواد ًا كري ًام يعطي من الـمـال ما ال يتصوره إلاَّ من جيالسه فال يميض ساعة‬
‫هنار هو فيها جالس إلاَّ ويأتيه من يسأله فيعطيه عىل قدر حاله‪ ،‬وكان يعطي‬ ‫ليل أو ٍ‬
‫من ٍ‬
‫بعض املستح ِّقني عرشات األلوف من ِّ‬
‫الرياالت‪.‬‬
‫الش�يخ عيل‬ ‫مر ًة ٌ‬
‫رجل معه ش�يك‪ ،‬فقال يل‪ :‬هذه وديع ٌة أعطانيها َّ‬ ‫ولق�د دخل عيل َّ‬
‫الش�يك‪ ،‬فإذا به حوال ٌة‬‫املطل�ق‪ ،‬ال أدري م�ا فيها‪ ،‬ومل أطلع عليها أحد ًا غريك‪ ،‬فقرأت ِّ‬
‫الرجل كاد أن يغمى عليه من الفرح؛‬ ‫ٍ‬
‫بامئة ألف ريال عىل أحد البنوك‪ ،‬ولـمـا أخربت َّ‬
‫يتصور ما يف هذه الورقة‪ ،‬وقال‪ :‬إنِّني ذكرت له أنَّني قد اشرتيت بيت ًا‬
‫َّ‬ ‫ألنَّه مل يصدِّ ق ومل‬
‫فأعطاين هذه الورقة‪ ،‬ومل أعلم ما فيها حتَّى أخربتني(‪.)1‬‬
‫*‬ ‫*‬ ‫*‬

‫(‪« )1‬علـمـاء نجد خالل ثامنية قرون» (‪.)278/5‬‬

‫‪249‬‬
‫اخلريصي ‪ -‬رمحه اهلل ‪ )1(-‬يف بداي�ات عمله بالقضاء‬
‫ِّ‬ ‫كان َّ‬
‫الش�يخ صال�ح بن أمحد‬
‫حني يستلم راتبه‪ ،‬يشرتي بمعظمه أطعم ًة ِّ‬
‫يوزعها عىل املحتاجني من جريانه(‪.)2‬‬
‫*‬ ‫*‬ ‫*‬

‫زار ال ِّلواء حممود شيت خطاب ‪ -‬رمحه اهلل ‪ )3(-‬القاهرة بصحبة رئيس اجلمهور َّية‬
‫يتوسط‬
‫السالم عارف‪ ،‬وهناك يف القاهرة طلب من املشري عارف أن َّ‬‫العراق َّية املشري عبد َّ‬
‫ٍ‬
‫نارص بحضور‬ ‫عارف مع‬
‫ٌ‬ ‫لدى صديقه عبد النَّارص لإلفراج عن س� ِّيد قطب‪ ،‬وحتدَّ ث‬
‫نارص عىل اإلفراج عن س� ِّيد‪ ،‬وعنده�ا طلب خ َّطاب من عبد النَّارص‬
‫خ َّطاب‪ ،‬ووافق ٌ‬

‫الش�يخ صال�ح ب�ن أمحد اخلرييص يف بريدة س�نة (‪1328‬ه�ـ)‪ ،‬ومات وال�ده يف طفولته فكفله‬ ‫(‪ )1‬ول�د َّ‬
‫الطالب‪ .‬وقد‬‫إخوان�ه‪ ،‬وق�رأ عىل علـمـاء بل�ده‪ ،‬وقد ويل القضاء يف بلده ويف الدمل فكان جيل�س لتدريس ّ‬
‫كان ‪ -‬رمحه اهلل ‪ -‬زاهد ًا ورع ًا كثري البكاء من خشية اهلل‪ ،‬وكان يقيض حوائج الناس‪ ،‬ويعطف عىل الفقراء‬
‫واملساكني‪ .‬تويف سنة (‪1415‬هـ)‪« .‬علـمـاء نجد»‪.‬‬

‫الرابع عرش واخلامس عرش» (ص ‪ )61‬إلبراهيم احلازمي‪.‬‬


‫(‪« )2‬من أعالم القرن ّ‬
‫(‪ )3‬الكاتب‪ ،‬الباحث‪ ،‬املؤرخ العس�كري‪ ،‬األديب‪ ،‬القاض‪ ،‬اللواء الركن حممود ش�يت خطاب ‪ -‬رمحه‬
‫اهلل ‪ -‬جماهد حيمل س�يفه يف كتبه‪ .‬ولد يف مدينة املوصل س�نة (‪1919‬م) من أبوين عربيني‪ ،‬ونش�أ يف بيت‬
‫علم وفضل ودين‪ ،‬تلقى دراسته األوىل يف تالوة القرآن وحفظه عىل يد والده ولسان جدته لوالده‪ ،‬تلقى‬
‫أربع ًا وعرشين دورة تدريبة يف العراق‪ ،‬وشاميل أفريقيا‪ ،‬وإنجلرتا‪ .‬تويف سنة (‪1998‬م)‪.‬‬

‫‪250‬‬
‫الرئيس‪ ،‬فسمح بذلك‪ ،‬وجاءت س َّيارة‬
‫أن يسمح له بزيارة س ِّيد يف سجنه ليبشرِّ ه بقرار َّ‬
‫م�ن القرص محلت خ َّطاب إىل س�جن س� ِّيد‪ ،‬وفرح س� ِّيد بلقاء خ َّطاب‪ ،‬و َّ‬
‫محله سلامه‬
‫إىل املشير عارف‪ ،‬فقال ل�ه خ َّطاب‪ :‬أبشرِّ ك باإلفراج عنك قريب ًا جدًّ ا‪ ،‬تس�اءل س� ِّيد‪:‬‬
‫السلام عارف ا َّلذي يك ُّن له ح ًّبا‬ ‫فقص عليه خ َّطاب َّ‬
‫قصة وس�اطة املشري عبد َّ‬ ‫كيف؟ َّ‬
‫ومو َّدةًوتقدير ًا وإعجاب ًا بجهاده‪ ،‬وفكره‪َّ ،‬‬
‫وقوة إيامنه وصموده يف وجه األعاصري‪.‬‬
‫الرئيس وانته�ى األمر؟‬ ‫فس�أل س� ِّيد ‪ -‬وق�د علت وجه�ه كآب ٌة ‪ :-‬يعن�ي ك َّلمت�م َّ‬
‫ٍ‬
‫حزن‪ :‬ساحمكم اهلل‪ ،‬لو أنَّكم‬ ‫ٍ‬
‫برسور‪ :‬نعم ‪ -‬واحلمد هلل ‪ ،-‬قال س� ِّيد يف‬ ‫أجاب خ َّطاب‬
‫ٍ‬
‫ش�اورمتوين‪ ،‬قال خ َّطاب يف دهش�ة‪ :‬وهل كان سيكون لك ٌ‬
‫رأي آخر؟ قال س ِّيد‪ :‬نعم‪،‬‬
‫لو ش�اورمتوين لرفضت الوساطة‪ ،‬ولـمـا خرجت هبذه الصورة‪ ،‬قال خ َّطاب يف ٍ‬
‫حزن‬ ‫ُّ‬
‫الرسول القائد صىل اهلل عليه وسلم قال مع ِّلق ًا‬
‫وسهو ٍم‪ :‬ولكنَّها كريم ٌة‪ ،‬إخراج كري ٍم‪َّ ،‬‬
‫الس�جن حتَّى يسأل امللك النِّس�وة اللاَّ يت ق َّطعن أيدهي َّن‪:‬‬
‫عىل إباء يوس�ف اخلروج من ِّ‬
‫السجن»‪.‬‬ ‫«رحم اهلل أخي يوسف‪ ،‬لو خيرِّ ت مكانه الخرتت اخلروج عىل املكث يف ِّ‬
‫الس�يف ال َع َزل‪ ،‬وش�كر اهلل لكم مس�عاكم النَّبيل‪،‬‬ ‫ٍ‬
‫قال س� ِّيد‪ :‬عىل أي حال س�بق َّ‬
‫السالم عارف‬
‫ون َّيتكم احلسنة يف اإلفراج عن أخيكم‪ ،‬وأطيب حت َّيايت لكم ولألخ عبد َّ‬
‫الصالح‪.‬‬
‫الرجل َّ‬
‫َّ‬
‫وتابع ال ِّلواء خطاب حديثه فقال‪:‬‬
‫السلام عارف‪،‬‬
‫يف الع�ام نفس�ه (‪1964‬م) زرت باكس�تان بصحب�ة املشير عبد َّ‬
‫امل�ودودي‪ ،‬فأبدى امتعاضه وأس�فه‬
‫ِّ‬ ‫وهن�اك حدَّ ثت�ه ع�ن اعتقال األس�تاذ أيب األعلى‬
‫اإلسلامي وقال‪ :‬س�وف أك ِّلم أ ُّي�وب خان ‪ -‬رئيس‬
‫ِّ‬ ‫لتصرف احل�كام مع قادة الفكر‬
‫ُّ‬
‫اجلمهورية ‪ -‬بشأنه‪.‬‬

‫‪251‬‬
‫قال خ َّطاب‪ :‬وتذكَّرت عتاب س� ِّيد قطب ألنَّنا مل نش�اوره قبل الت ُّ‬
‫َّوس�ط لدى عبد‬
‫النَّارص لإلفراج عنه فقلت‪ :‬ال تك ِّلمه ‪ -‬أ ُّيوب خان ‪ -‬قبل أن أزور األستاذ يف سجنه‪،‬‬
‫وأرى رأيه يف ذلك‪.‬‬
‫امل�ودودي‪،‬‬
‫ِّ‬ ‫وعندم�ا التقين�ا م�ع اجلنرال أ ُّي�وب خان اس�تأذنته يف زيارة األس�تاذ‬
‫وإنس�ان مفك ٌِّر ٌ‬
‫عاقل‪ ،‬ولكنَّه يكرهني‬ ‫ٌ‬ ‫كبري‪،‬‬
‫املودودي عامل ٌ ٌ‬
‫ُّ‬ ‫فأذن بذلك وقال‪ :‬األس�تاذ‬
‫الرئي�س ‪ ،-‬وك َّلام أصدرت قانون ًا‪ ،‬أو‬
‫الرئيس ‪ -‬يا س�يادة َّ‬
‫لـمـ�اذا؟ ال أدري‪ ،‬فأنا هنا َّ‬
‫ثم‬
‫املودودي إىل تفنيده والتَّنديد به‪َّ ،‬‬
‫ُّ‬ ‫خَّاتذت قرار ًا‪ ،‬أو رس�مت مرس�وم ًا بادر األس�تاذ‬
‫التف�ت إ َّيل وق�ال‪ :‬زره ‪ -‬يا حضرة األخ خ َّطاب ‪ -‬وافهم منه م�اذا يريد حتَّى نتفاهم‬
‫ونتعاون‪.‬‬
‫قلت أل ُّيوب خان‪ :‬يريد اإلسالم حاك ًام لباكستان‪ ،‬فباكستان ما انفصلت عن اهلند‬
‫الباكستاين إسالم ًّيا‪.‬‬
‫ُّ‬ ‫إلاَّ من أجل اإلسالم‪ ،‬وأن حيكم اإلسالم‪ ،‬ويكون الدُّ ستور‬
‫عيل‪.‬‬
‫وحيرض عىل االنقالب َّ‬
‫يتعجل األمور‪ِّ ،‬‬
‫قال أ ُّيوب خان‪ :‬ونحن معه‪ ،‬ولكنَّه َّ‬
‫امل�ودودي يف س�جنه‪ ،‬ففرح بلقائ�ي‪ ،‬واختلطت مش�اعر الفرح‬
‫َّ‬ ‫وزرت األس�تاذ‬
‫السجن‪،‬‬
‫واحلزن بلقائه‪ ،‬فرحت بلقاء هذا العامل املجاهد العظيم‪ ،‬وحزنت أن يكون يف ِّ‬
‫السلطة‪ ،‬خي ِّطط لباكستان املسلمة وين ِّظر‪.‬‬
‫قمة ُّ‬
‫وليس يف َّ‬
‫وبعد تبادل التَّحيات‪ ،‬وس�ؤاله عن أحوالنا‪ ،‬وسؤايل عن أحواله وأحوال مجاعته‪،‬‬
‫السلام عارف حي ُّبك‪ ،‬وحيرتمك‪،‬‬
‫وأحوال املس�لمني يف باكس�تان قلت له‪ :‬املشري عبد َّ‬
‫ويقرأ كتبك‪ ،‬ويتأ َّثر هبا جدًّ ا‪ ،‬وهو يعدُّ نفسه من تالميذك‪ ،‬ويريد أن خيدمك‪ ،‬ويسعى‬
‫املودودي‪ :‬هل ك َّلم أ ُّيوب خان بش�أين؟ أجبت‪ :‬ليس بعد‪،‬‬
‫ُّ‬ ‫لإلف�راج عنك‪ ،‬فقاطعن�ي‬
‫ٍ‬
‫بحرارة يكاد شواظها يلفحني‪ :‬احلمد هلل‪ ،‬قلت‪ :‬عىل ماذا حتمد‬ ‫فتن َّفس َّ‬
‫الصعداء وقال‬

‫‪252‬‬
‫الس�جن‪،‬‬
‫توس�ط لدى أ ُّيوب خان لرفضت الوس�اطة‪ ،‬وما خرجت من ِّ‬
‫اهلل؟ قال‪ :‬لو َّ‬
‫فاحلمد هلل أنَّكم مل تك ِّلموا ذلك ال َّطاغية بشأين‪.‬‬
‫قلت‪ :‬ولكن األستاذ س ِّيد قطب قبل وساطة األخ املشري‪ ،‬قال‪ :‬أظنُّكم أحرجتموه‬
‫حيي‪ ،‬أ َّما أنا فام كنت ألقبلها‪ ،‬حتَّى‬ ‫فقبل هذه الوس�اطة الكريمة‪ ،‬األستاذ س� ِّيد ٌ‬
‫رجل ٌّ‬
‫لو أحرجتم‪.‬‬
‫السالم(‪.)1‬‬ ‫حمم ً‬
‫ال بدعواته‪ ،‬وحت َّياته لألخ عبد َّ‬ ‫ثم و َّدعته َّ‬
‫َّ‬
‫*‬ ‫*‬ ‫*‬
‫الشيخ‬ ‫حممد رشيد قباين مفتي لبنان يف حفل توزيع اجلوائز ا َّلتي ت َّ‬
‫ربع هبا َّ‬ ‫قال َّ‬
‫الشيخ َّ‬
‫ربع ًا يف تدريسه بكل َّية‬ ‫رمزي دمشقية ‪ -‬رمحه اهلل ‪ )2(-‬لل َّطلبة ِّ‬
‫املتفوقني يف الكل َّية‪ :‬كان مت ِّ‬
‫لس�نوات عدَّ ٍة‪ ،‬مل يكن يقبل أن يتقاىض قرش� ًا واحد ًا‪ ،‬وحيتسب ذلك عند اهلل‬ ‫ٍ‬ ‫الشرَّ يعة‬
‫املخصص مهام كان قليالً‪ ،‬وإن‬
‫َّ‬ ‫سبحانه وتعاىل‪ ،‬وكنت قد أرصرت عليه أن يأخذ هذا‬
‫فليوزعه عىل بعض الفقراء وبع�ض املحتاجني‪ ،‬فقال يل‪« :‬أريد أن‬
‫ِّ‬ ‫مل يرد َأ ْخذه لنفس�ه‬
‫املتفوقني من طلبة الكل َّية» (‪.)3‬‬
‫أوزعه عىل ِّ‬
‫ِّ‬
‫*‬ ‫*‬ ‫*‬

‫(‪« )1‬زهرة البساتني من مواقف العلـمـاء الربانيني» للدكتور سيد بن حسني العفاين (‪.)10/4‬‬

‫الشيخ رمزي سعد الدين دمشقية عام (‪1958‬م) يف بريوت‪ .‬وتلقى العلوم الرشعية عىل يد مجع‬ ‫(‪ )2‬ولد َّ‬
‫ودرس يف جامعة بريوت اإلسلامية‪ .‬أس�س دار البش�ائر اإلسالمية عام (‪1983‬م)‬‫من علـمـاء بريوت‪ّ .‬‬
‫الش�يخ رمزي دمشقية»‬‫ونرش فيها مئات املطبوعات‪ .‬تويف هو قائم يصيل عام (‪2002‬م)‪« .‬رحيانة بريوت َّ‬
‫إعداد‪ :‬أرسة دار البشائر اإلسالمية‪.‬‬

‫(‪« )3‬رحيانة بريوت َّ‬


‫الش�يخ رمزي دمش�قية يف نفوس إخوانه وعارفيه» (ص ‪ )8‬إعداد أرسة دار البش�ائر‬
‫اإلسالمية‪.‬‬

‫‪253‬‬
‫حممد يف أس�تاذه الش�يخ أمحد ياسين ‪ -‬رمحه اهلل ‪ :)1 (-‬كنت‬
‫قال الدكتور عبد اهلل َّ‬
‫الزمالء وقد كان جملس�ه ممتلئ ًا ُّ‬
‫بالضيوف كالعادة يطرقون‬ ‫أزوره يف بيته يوم ًا مع بعض ُّ‬
‫اخلاصة والعا َّم�ة أو للفصل بينهم فيام‬
‫َّ‬ ‫ٍ‬
‫باس�تمرار لزيارته أو استش�ارته يف أمورهم‬ ‫بابه‬
‫متأخ ٍ‬
‫رة من ال َّليل‪ ،‬وقد بدا عىل‬ ‫واس�تمرت اجللسة إىل س�اعة ِّ‬ ‫اختلفوا فيه من مس�ائل‪،‬‬
‫َّ‬
‫َّ‬
‫الشيخ التَّعب واإلرهاق‪ ،‬فهو يستقبل النَّاس من بعد صالة الفجر إىل ما بعد منتصف‬
‫ال َّليل أحيانا‪ ،‬وإذا بالباب يطرق بش�دَّ ة ويدخل بعض األشخاص يستنجدون َّ‬
‫بالشيخ‬
‫ٍ‬
‫عاجلة‪ ،‬وليس هلم إلاَّ َّ‬
‫الشيخ‬ ‫حاجة إىل عمل َّي ٍة جراح َّي ٍة‬
‫ٍ‬ ‫أن قريب ًا هلم يف‬
‫أن يساعدهم إذ َّ‬
‫املختص املوجود يف مدينة خان يونس‪ .‬ويس�تأذن َّ‬
‫الش�يخ من‬ ‫ِّ‬ ‫ليتوس�ط ل�دى ال َّطبيب‬
‫َّ‬
‫احلض�ور ويذهب معه�م ليطمئنهم ويواس�يهم‪ .‬وكان بإمكانه أن يرس�ل معهم ورقة‬

‫(‪ )1‬ولد َّ‬


‫الش�يخ الش�هيد أمحد ياسني يف غزة بفلسطني س�نة (‪1938‬م)‪ .‬تويف والده وعمره ثالثة أعوام‪.‬‬
‫ترع�رع يف خمي�م يف قطاع غزة بعد نكبة (‪1948‬م)‪ .‬أت�م تعليمه النظامي ودرس يف بعض مدارس غزة مع‬
‫أنَّه مل حيصل عىل الشهادة اجلامعية‪ .‬سقط يف حادث ريايض يف شبابه فأصيب بشلل يف أكثر جسمه‪ .‬وقىض‬
‫حياته يف اجلهاد والدعوة إىل اهلل وهو عىل كريس متحرك ال يس�تطيع أن حيرك إلاَّ رقبته‪ .‬وس�جن وعـذب‬
‫يف سجـون املحتل اليهودي مرار ًا ح َّتى دبروا له عملية اغتيال يف قصف صاروخي سنة ‪2004‬م‪َّ .‬‬
‫«الشيخ‬
‫أمحد ياسني شهيد ًا أيقظ أمة» لعامر شامخ‪.‬‬

‫‪254‬‬
‫ٍ‬
‫توصية لل َّط ِ‬
‫بيب أو أن يدعو هلم ويرتكهم يذهبون وحدهم‪ ،‬وهو املريض املتعب ا َّلذي‬
‫الس َّيارة أو النُّزول منها(‪.)1‬‬
‫للركوب يف َّ‬
‫حيمله أصحابه ُّ‬
‫*‬ ‫*‬ ‫*‬
‫القصة زوجته‪ :‬اتَّصل‬
‫الغفاري‪ :‬يقول أحد القضاة وتؤكد هذه َّ‬
‫ُّ‬ ‫قال َّ‬
‫الشيخ عبد اهلل‬
‫عوي ‪ -‬رمحه اهلل ‪ )2(-‬زوجة أحد العاملني باململكة العرب َّية‬
‫الس ِّ‬
‫عيل َّ‬
‫حممد بن ٍّ‬ ‫عىل َّ‬
‫الشيخ َّ‬
‫الشيخ‬ ‫ٌ‬
‫مس�جون يف مدينة كذا‪ .‬فاتَّصل َّ‬ ‫الس�عود َّية وهي من مرص‪ ،‬وقالت‪َّ :‬‬
‫إن زوجها‬ ‫ُّ‬
‫إن عليه مبلغ ًا من الـمـال‬
‫السجن فقال‪َّ :‬‬
‫ثم زار أحد املسئولني يف ِّ‬
‫السجن‪َّ ،‬‬
‫وذهب إىل ِّ‬
‫ثم جاء به إىل‬ ‫يقدر بخمسين ألف ٍ‬
‫ريال‪ ،‬فكفله َّ‬
‫الش�يخ ثم‪ ،..‬وسعى يف تس�ديد دينه‪َّ ،‬‬
‫ثم جلس وإ َّي�اه عىل الغداء‪ ،‬تقول زوجة َّ‬
‫الش�يخ‪ :‬بعد أن تن�اول وجبة الغداء‬ ‫منزل�ه‪َّ ،‬‬
‫الرجل يف مرص وقال‪ :‬هذا والدكم يريد أن يك ِّلمكم‪ ،‬فس�معنا رصاخ‬
‫اتَّصل عىل أهل َّ‬
‫الزوج�ة واألوالد‪ ،‬وزوجت�ه فرح� ٌة بزوجه�ا‪ ،‬وكان ابن له قد أصابه ٌ‬
‫ش�لل يف رجله‪،‬‬ ‫َّ‬
‫ٍ‬
‫بيشء‪ ،‬ودعوا َّ‬
‫للشيخ(‪.)3‬‬ ‫ففرح باخلرب وقام يركض إىل اهلاتف فرح ًا وكأنَّه مل يصب‬
‫*‬ ‫*‬ ‫*‬

‫«الشيخ أمحد ياسني شهيد ًا أيقظ أمة» (ص ‪ )29‬إعداد عامر شامخ‪.‬‬


‫َّ‬ ‫(‪)1‬‬

‫الش�يخ حمم�د ب�ن عيل الس�عوي يف بريدة س�نة (‪1373/7/1‬هـ) م�ن عائلة عرف�ت بالتدين‬ ‫(‪ )2‬ول�د َّ‬
‫وأخرج�ت ع�دد ًا من طلاب العل�م‪ ،‬والتح�ق باملدرس�ة االبتدائي�ة‪ ،‬ولـمـا خت�رج منها التح�ق باملعهد‬
‫ثم التح�ق بكلية الرشيعة بالري�اض وخترج منها يف‬ ‫العلم�ي بربي�دة وخترج من�ه يف (‪1392/11/5‬هـ)‪َّ ،‬‬
‫(‪1396/7/7‬ه�ـ)‪ ،‬ويف (‪1396/9/7‬ه�ـ) معيد ًا يف كلية الرشيعة‪ .‬وتوىل اإلم�ام واخلطابة يف عدد من‬
‫مساجد بريدة تويف سنة (‪1425/4/2‬هـ) رشيط «وترجل الفارس»‪.‬‬

‫(‪ )3‬رشيط «وترجل الفارس» ملجموعة من املشايخ‪.‬‬

‫‪255‬‬
‫أحس املحس�ن عبد اهلل عيل املطوع ‪ -‬رمحه اهلل ‪ )1(-‬بآالم الفقراء واملحتاجني‬
‫لقد َّ‬
‫اإلسلامي‪ ،‬فكان يلتق�ي يوم ًّيا يف مكتبه بالكويت أع�داد ًا كبري ًة منهم‬
‫ِّ‬ ‫يف أنح�اء العامل‬
‫بش�خصه املعط�اء أوالً‪ ،‬وبصفته رئيس� ًا لرشكة عيل عبد َّ‬
‫الوه�اب وأوالده ورشكائهم‬
‫خصص‬ ‫السائل والفقري قام بدراسة أوراقه ا َّلتي حيملها‪َّ ،‬‬
‫ثم َّ‬ ‫َّ‬
‫اطمأن إىل صدق َّ‬ ‫ثاني ًا‪ .‬فإذا‬
‫اخلريي‪،‬‬
‫ِّ‬ ‫الش�خصية‪ ،‬أو احتياجات مرشوعه‬ ‫له مبلغ ًا من الـمـال يتناس�ب مع حاجته َّ‬
‫ٍ‬
‫حانية‪.‬‬ ‫أبو ٍة‬
‫وإىل جانب ذلك يوجه له النَّصائح يف َّ‬
‫هبذه البس�اطة كان يتعامل ‪ -‬رمحه اهلل ‪ -‬مع ذوي احلاجات‪ ،‬ويس�عد برؤية املحتاج؛‬
‫ألنَّ�ه يرف�ع عن كاهله عبئ ًا سيس�أله اهلل عنه يوم القيامة‪ ،‬وكثري ًا م�ا كان ير ِّدد ي‪ -‬رمحه اهلل‬
‫حق فيها‪ ،‬أمرنا اهلل س�بحانه‬
‫‪ -‬مقول�ة‪ :‬هذه ليس�ت أموالنا فقط‪ ،‬ب�ل للفقراء واملحتاجني ٌّ‬
‫الصدقة ا َّلتي نخرجها وهو ٌّ‬
‫حق علينا‪ ،‬وذلك‬ ‫وتعاىل أن نعطيه هلم‪ ،‬والربكة واخلري تأيت من َّ‬
‫مصداق ًا لقول اهلل تعاىل‪ :‬ﱫ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﱪ [الذاريات‪.]19 :‬‬

‫(‪ )1‬ولد املحس�ن عبد اهلل عيل العبد الوهاب املطوع ‪ -‬رمحه اهلل ‪ -‬يف الكويت س�نة (‪1926‬م) ‪ .‬نش�أ يف‬
‫أرسة كريم�ة صاحل�ة حمب�ة للخري‪ .‬التحق ببع�ض كتاتيب الكويت‪ ،‬ومدارس�ها النظامي�ة‪ .‬عمل يف احلقل‬
‫الدع�وي ح َّت�ى صار من كبار دعاة العامل اإلسلامي‪ ،‬وترأس العديد من اهليئ�ات‪ ،‬ومنها مجعية اإلصالح‬
‫االجتامعي يف الكويت‪ .‬كان له نش�اط جتاري واس�ع‪ ،‬وظف كثري ًا من أمواله يف أعامل خريية عظيمة‪ .‬تويف‬
‫سنة (‪2006‬م) ‪.‬‬

‫‪256‬‬
‫وهناك الكثري من َّ‬
‫الش�هادات احل َّية عىل إحس�انه ‪ -‬رمحه اهلل ‪ -‬نكتفي بأنموذجني‬
‫منها فيام ييل‪:‬‬
‫أن أحد الفقراء أحرض طلب ًا للمساعدة قبل‬
‫يروي مدير مكتبه األستاذ أمحد راجح َّ‬
‫العم مل‬
‫أن َّ‬‫الرجل َّ‬
‫الس�فر مبارشة‪ ،‬وقد أفهمت َّ‬
‫العم إىل مكتبه بعد وصوله من َّ‬
‫حضور ِّ‬
‫الرجل‬
‫فتفهم َّ‬ ‫حيرض املكتب بعد‪ ،‬وهذا َّأول يوم ٍ‬
‫عمل له وطلبت منه احلضور يف الغد‪َّ ،‬‬
‫منرصف أس�فل مبنى الشرَّ كة‪ ،‬فسأله‬
‫ٌ‬ ‫العم وهو‬
‫ذلك املوقف‪ ،‬ويش�اء اهلل تعاىل أن يراه ُّ‬
‫وقرر‬
‫العم معه إىل مكتبه َّ‬
‫الرجل‪ ،‬فأحرضه ُّ‬
‫‪ -‬رمحه اهلل ‪ -‬كعادته عن حاجته‪ ،‬ورشح له َّ‬
‫له مبلغ املساعدة‪.‬‬
‫الشيخ الدَّ اعية أمحد الق َّطان عن ِّ‬
‫العم أيب بدر‪ -‬رمحه اهلل ‪،-‬‬ ‫وهذه شهاد ٌة أخرى من َّ‬
‫حديث عن بعض املآيس والنَّكبات والكوارث‬ ‫ٌ‬ ‫ٍ‬
‫جملس دار فيه‬ ‫فيقول فيها‪ :‬كنت معه يف‬
‫ا َّلت�ي ح َّلت ببعض املس�لمني‪ ،‬فتأ َّث�ر وأصدر قرار ًا مبارش ًا بوق�ف جمموعة عامرات يف‬
‫س�بيل اهلل خلدمة هؤالء‪ ،‬وعندما ذهبت أصليِّ ال ُّظهر يف املس�جد قال يل‪ :‬اجلس معي‬
‫يا ش�يخ أمحد حتَّى تش�هد أنَّني أوقفت هذه العامرات‪ ،‬وهي أكرب ٍ‬
‫ثروة عندي يف البلد‬
‫تق�دَّ ر باملاليني لألرمل�ة واليتيم والفقير يف أرض الكويت وغريها م�ن أرايض األ َّمة‬
‫السعود َّية‬ ‫العرب َّية‪ ،‬ورأيته أيض ًا عن ٍ‬
‫قرب حييط به الفقراء واملساكني يف اململكة العرب َّية ُّ‬
‫الكريس يف باحة املسجد يف (أهبا) القريب من بيته‬ ‫ٍ‬
‫صالة‪ ،‬فيجلس عىل‬ ‫الشقيقة يف ِّ‬
‫كل‬ ‫َّ‬
‫ِّ‬
‫فتج�د هذا يقدِّ م عريض ًة‪ ،‬وهذا يقدِّ م مرشوع ًا لأليت�ام‪ ،‬وذلك يقدِّ م مرشوع ًا لتحفيظ‬
‫القرآن يف اليمن أو مرص أو سوريا أو لبنان‪ ،‬يتلقاهم بالترِّ حاب واالبتسام‪ ،‬رأيته أرحي ًّيا‬
‫يف خروج�ه معن�ا هناك يف غاب�ات أهبا‪ ،‬يبذل للنَّاس م�ن الـمـال ما يس�دُّ العوز‪ ،‬أينام‬
‫يتحرك النَّاس خلفه ‪ -‬رمحه اهلل ‪.-‬‬
‫يتحرك َّ‬
‫َّ‬
‫*‬ ‫*‬ ‫*‬

‫‪257‬‬
‫الش�ايع‪ :‬أصيب املم ِّثل يونس ش�لبي ‪ -‬رمحه اهلل ‪-‬‬
‫حمم�د بن عبد اهلل َّ‬ ‫قال َّ‬
‫الش�يخ َّ‬
‫للسعود َّية للعالج‪ ،‬وكان من أوائل من استقبله‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬
‫بمرض عضال مل يمهله طويالً‪ ،‬وجاء ُّ‬
‫رحب ب�ه ودعاه وأكرمه‪،‬‬ ‫الوهيبي ‪ -‬رمح�ه اهلل ‪ )1(-‬ا َّلذي َّ‬
‫ِّ‬ ‫الش�يخ عبد العزي�ز‬ ‫فضيل�ة َّ‬
‫ويعزي�ه‪ ،‬وحي ُّثه على التَّوبة واإلنابة‪ ،‬وع�دم اليأس والقن�وط من رمحة‬
‫وص�ار يصِّب�رِّ ه ِّ‬
‫الش�يخ عىل زيارة مكَّة واملدينة واالس�تطعام من زم�زم مكَّة وعجوة املدينة‬‫اهلل‪ ،‬وح َّثه َّ‬
‫أحب يونس‬
‫الش�يخ‪ ،‬لقد َّ‬ ‫َّضرع والدُّ ع�اء إىل اهلل‪ .‬وس�بحان اهلل تأ َّثر املم ِّثل بكالم َّ‬‫والت ُّ‬
‫ٍ‬
‫عديدة‪َّ ،‬‬
‫والشيخ مل يفرت عن تصبريه‬ ‫كل يو ٍم مر ٍ‬
‫ات‬ ‫الشيخ ح ًّبا عمي ًقا فصار يتَّصل به يف ِّ‬
‫َّ‬
‫َّ‬
‫وتثبيته ودعوته حتَّى توفيِّ ‪.‬‬
‫الشيخ له مواقف كبري ٌة وعظيم ٌة ومشهود ٌة يف رمحة النَّاس والوقوف عىل حاجتهم‬ ‫َّ‬
‫ليلة َّ‬
‫فرن اهلاتف عليه‪ ،‬فقال‬ ‫والشيخ يف بيتي ذات ٍ‬ ‫وشئوهنم‪ ،‬وأذكر لذلك أمثل ًة‪ :‬كنت أنا َّ‬
‫رجل بعض املخالفات بأسلوب ٍ‬
‫رقيق‬ ‫ٍ‬ ‫الشباب أنكروا عىل‬ ‫املتَّصل‪ :‬يا شيخ! ثالث ٌة من َّ‬

‫الش�يخ عب�د العزي�ز الوهيبي ‪ -‬رمحه اهلل ‪ -‬من مواليد «القرين» بمحافظة ش�قراء‪ ،‬وخترج من قس�م‬ ‫(‪َّ )1‬‬
‫أصول الفقه بكلية الرشيعة بالرياض‪ ،‬وعمل يف حقل التدريس‪ ،‬والتحق بالعمل يف هيئة األمر باملعروف‬
‫ثم انتدب للعمل‬ ‫«حمتس�با» وكان له دوره الب�ارز يف األمر باملعروف والنهي عن املنكر‪َّ ،‬‬
‫ً‬ ‫والنهي عن املنكر‬
‫ومستش�ارا دعو ًّيا بوزارة‬
‫ً‬ ‫يف وزارة الش�ئون اإلسلامية يف مركز الدعوة بالرياض‪ ،‬وانتدب للعمل داعية‬
‫الش�ئون اإلسلامية‪ .‬تويف وهو وزوجته وبعض بناته يف حادث س�يارة خارج مدينة الرياض بعد حمارضة‬
‫خارجها سنة (‪1430‬هـ)‪.‬‬

‫‪258‬‬
‫الرجل مل يرتض النُّصح‪ ،‬فرف�ع دعوى عليهم‪ ،‬واآلن هم يف التَّوقيف‪.‬‬ ‫لِّي�نِّ ٍ ‪ ،‬لكن هذا َّ‬
‫الشيخ وقال‪ :‬إن شاء اهلل ما يصبحوا إلاَّ يف بيوهتم وبني أ َّمهاهتم‪ .‬قلت‬
‫واهلل تغري وجه َّ‬
‫يا شيخ‪ :‬ال تستعجل حتَّى تعرف ماذا حصل من أولئك َّ‬
‫الشباب‪ ،‬فغضب وقال‪ :‬حتَّى‬
‫حممد!! املهم ترك َّ‬
‫الش�يخ رغباته ومش�تهياته وصار جيري‬ ‫حممد حتَّى أن�ت يا َّ‬
‫أن�ت ي�ا َّ‬
‫ٍ‬
‫حلظات يتَّصل أولئك َّ‬
‫الش�باب‬ ‫اتصاالته وعالقاته حتَّى خ َّلصهم من التَّوقيف‪ ،‬وبعد‬
‫بالشيخ يبكون ويدعون‪.‬‬ ‫َّ‬
‫ويف ٍ‬
‫ليلة من ال َّليايل دعاين َّ‬
‫الشيخ لبيته‪ ،‬ويا سبحان اهلل وجدت عنده الفقراء‪ ،‬وقد‬
‫أقام هلم مناس�ب ًة كبريةً‪ ،‬فقلت له‪ :‬يا ش�يخ ما هذا؟ قال‪ :‬هذا واحدٌ من اإلخوة س�نز ُّفه‬
‫ال َّليلة لزوجته(‪.)1‬‬
‫*‬ ‫*‬ ‫*‬
‫تأخر عن تسديده‪،‬‬ ‫العيل ‪ -‬رمحه اهلل ‪ -‬يطلب إنسان ًا دين ًا قد َّ‬ ‫عيل بن ٍ‬
‫مقبل ُّ‬ ‫كان َّ‬
‫الشيخ ُّ‬
‫وكان للمدي�ن اب�ن خارج بريدة‪ ،‬فأرس�ل ابنه له بمبلغٍ‪ ،‬ومن التَّقادير َّ‬
‫أن َّ‬
‫الش�يخ عل ًّيا‬
‫عيل أن يذهب‬ ‫قابل املدين يف اليوم ا َّلذي وصل إليه املبلغ من ابنه‪ ،‬فطلب منه َّ‬
‫الش�يخ ٌّ‬
‫الرجل أنَّه قد علم باملبلغ‪ ،‬وأنَّه يريد أن يطالبه بدفع ما وصله من‬
‫مع�ه إىل منزل�ه‪ ،‬فظ َّن َّ‬
‫عيل مل يشعر بذلك‪ ،‬فقدَّ م له‬ ‫الرجل خائف ًا َّ‬
‫والش�يخ ٌّ‬ ‫ابنه‪ ،‬ولـمـا دخل معه للمنزل َّ‬
‫ظل َّ‬
‫ثم ناوله َّ‬
‫الشيخ بعض النُّقود‪ ،‬وقال له‪ :‬إنَّام‬ ‫عيل طعام ًا ط ِّيب ًا‪ ،‬فأكل منه َّ‬
‫الرجل‪َّ ،‬‬ ‫َّ‬
‫الش�يخ ٌّ‬
‫الرجل من شدَّ ة الفرح‪،‬‬
‫دعوتك ألخربك أنَّني قد شطبت دينك ووضعته عنك‪ ،‬فبكى َّ‬
‫للش�يخ‪ ،‬وقال‪ :‬لقد كنت خائف ًا أنَّك قد علمت بام وصلني من ابني‪ ،‬وأنَّك تريد‬
‫ودعا َّ‬
‫ثم دعا له وانرصف(‪.)2‬‬
‫عيل‪َّ ،‬‬
‫منِّي أن أوفيك دينك َّ‬
‫*‬ ‫*‬ ‫*‬

‫(‪ )1‬موقع «ملتقى أهل احلديث»‪.‬‬

‫(‪« )2‬علـمـاء نجد» (‪.)304/5‬‬

‫‪259‬‬
‫قال الدُّ كتور خالد الش�طي يف الش�يخ أمحد البزيع الياسين ‪ -‬رمحه اهلل(‪ :- )1‬رحم‬
‫اهلل العم (أبوجمبل)‪ ،‬كان حيارب الربا بشدَّ ٍة‪ ،‬وال يرىض بالغيبة يف جملسه أبد ًا‪.‬‬
‫للش�عر إلاَّ أنَّه يدمن النَّظر يف القرآن الكريم‪ ،‬ويكثر من تالوته‪ ،‬وكان‬
‫ورغم ح ِّبه ِّ‬
‫األول‪ ،‬وجيلس بعد الفجر مع‬‫الصالة‪ ،‬ويف الفجر قب�ل األذان َّ‬ ‫حيرض إىل املس�جد قبل َّ‬
‫ٍ‬
‫مجاعة من اإلخوة يفسرِّ هلم شيئ ًا من القرآن‪ ،‬وكثري ًا ما كانت تفيض عيناه بالدَّ مع وهو‬
‫يفسرِّ بعض اآليات‪.‬‬
‫وكان ‪ -‬رمحه اهلل ‪ -‬يتف َّقد مجاعة املسجد‪ ،‬ويزور َم ْن تغ َّيب منهم‪.‬‬
‫م�ر ًة أح�د اإلخ�وة الفلس�طين ِّيني املقيمين يف الكوي�ت‪ ،‬وش�كر الع�م‬
‫وق�د زاره َّ‬

‫(‪ )1‬ولد الش�يخ أمحد البزيع الياسين القناعي يف الكويت س�نة (‪ 1346‬هـ) املوافق (‪1928‬م) يف فريج‬
‫(حي) القناعات يف الكويت‪ .‬التحق يف بعض كتاتيبها‪ ،‬ودرس القراءة والكتابة وعلوم الرشيعة‪ ،‬والتحق‬
‫باملدرسة املباركية‪.‬‬
‫مؤسس بيت التمويل الكويتي‪،‬‬
‫اإلسلامي يف الكويت‪ ،‬وهو ِّ‬
‫ِّ‬ ‫يعد أمحد البزيع الياسين من ُر َّواد االقتصاد‬
‫وتوىل رئاس�ته‪ ،‬وأس�هم يف إنش�اء العديد من املؤسس�ات والرشكات واملصارف اإلسالمية‪ ،‬وتوىل رئاسة‬
‫وعضوية العديد من الرشكات واهليئات الرشعية‪.‬‬
‫ت�ويف ‪ -‬رمح�ه اهلل ‪ -‬يف جنيف‪ ،‬يف س�ويرسا أثناء رحل�ة علاج يف (‪2011 / 9 / 10‬م)‪ ،‬ونقل جثامنه إىل‬
‫الكويت‪ ،‬ودفن هبا‪.‬‬

‫‪260‬‬
‫(أبوجمبل) عىل جهوده يف بذل اخلري ألهل فلسطني‪ ،‬فبكى العم (أبوجمبل) أمحد البزيع‪،‬‬
‫وقال‪ :‬ليتني أستطيع اآلن َّ‬
‫الذهاب إىل فلسطني‪ ،‬واجلهاد مع أهلها‪.‬‬
‫الزبري‬
‫الع�وام‪ ،‬وبعد اخلطبة قال يل الع�م (أبوجمبل)‪ُّ :‬‬
‫َّ‬ ‫الزبري بن‬
‫مر ًة عن ُّ‬
‫وخطب�ت َّ‬
‫أسس بنك ًا إسالم ًّيا‪ ،‬فقد كان النَّاس َيدَ ُعون أمواهلم عنده حلفظها‪،‬‬
‫العوام َّأول َم ْن َّ‬
‫ابن َّ‬
‫ٍ‬
‫كغرض وليس للحفظ‪ ،‬وكان يتاجر هبذه‬ ‫وكان يشرتط عليهم أن يأخذ األموال منهم‬
‫الزبري أربع س�نني ينادي‬
‫الصحابة ثرا ًء‪ ،‬ومكث عبد اهلل بن ُّ‬
‫األموال‪ ،‬فأصبح من أكثر َّ‬
‫يوزع املرياث إلاَّ بعد أن قىض للنَّاس‬
‫الزبري فليأتنا‪ ،‬ومل ِّ‬ ‫يف النَّ�اس‪َ :‬م� ْن كان له ٌ‬
‫مال عىل ُّ‬
‫أمواهلم(‪.)1‬‬

‫*‬ ‫*‬ ‫*‬

‫(‪ )1‬املصدر‪ :‬الدكتور خالد يوسف الشطي‪.‬‬

‫‪261‬‬
262
‫ق�ضا�ؤهم‬

‫‪263‬‬
264
‫غضب َّ‬
‫الشيخ عبد اهلل البابطني ‪ -‬رمحه اهلل ‪ )1(-‬عىل أهل عنيزة‪ ،‬حينام كان عندهم‬
‫قاضي ًا‪ ،‬إلخراجهم أمريهم جلوي بن تركي من البلد‪ ،‬وخرج عنهم‪ ،‬فصادف خروج‬
‫َّ‬
‫الش�يخ البابطني من عنيزة بحاش�يته يف آخر ش�عبان عام (‪1269‬ه�ـ)‪ ،‬فأقام يف بريدة‬
‫ٍ‬
‫فيصل وأهل عنيزة يف عصياهنم عليه وطردهم ألمريه عندهم‪،‬‬ ‫يتم بني اإلمام‬
‫لينظر ماذا ُّ‬
‫غيم يف األف�ق‪ ،‬فأمر القايض (قايض البلد) َّ‬
‫الش�يخ‬ ‫فدخل ش�هر رمض�ان وكان هناك ٌ‬
‫بالصيام كام هو الواجب يف املشهور من املذهب‪ ،‬فصام النَّاس وصام‬
‫سليامن بن مقبل ِّ‬
‫الش�يخ عبد اهلل البابطني ومن معه‪ ،‬فقال له بعض طلاَّ به‪ :‬كيف تصوم وأنت يف‬
‫معهم َّ‬
‫تقريراتك وفتاويك تفتي بكراهية صيام مثل هذا اليوم؟ فقال‪ :‬ما دام قايض البلد يرى‬
‫رش‪ .‬اهـ‪ .‬مع َّ‬
‫أن هذا القايض كان أحد تالميذه(‪.)2‬‬ ‫هذا فنحن نتَّبعه‪ ،‬واخلالف ٌّ‬
‫*‬ ‫*‬ ‫*‬
‫كان حنف�ي ناصف ‪ -‬رمح�ه اهلل ‪ )3(-‬صادق ًا يف حمكمة طنطا‪ ،‬وأصدر حكماً صادق ًا‬
‫ٍ‬
‫بريء مل يقرتف‪ ،‬إرضا ًء‬ ‫خملص ًا مل يرتح له البعض ممَّن كانوا يتو َّقعون ثبوت االهتام عىل‬
‫احلق ال يع�دم النَّصري فقد عصف القايض‬
‫الرؤس�اء من ذوي الغرض‪ ،‬ولك َّن َّ‬
‫لبع�ض ُّ‬
‫الش�فاعات املغرضة‪ ،‬وهتف باحلكم جهري ًا ساطع ًا ال حيتمل‬ ‫الفاضل ِّ‬
‫بكل ما جاء من َّ‬

‫الش�يخ عبد اهلل بن عبد الرمحن أبا بطني يف روضة س�دير س�نة (‪1194‬هـ)‪ .‬وقرأ عىل أهل بلده‬‫(‪ )1‬ولد َّ‬
‫ثم رجع إىل شقراء وكان عالـمـ ًا‬ ‫ورحل إىل شقراء وقرأ عىل َّ‬
‫الشيخ عبد العزيز احلصني‪ .‬توىل قضاء عنيزة َّ‬
‫يف التوحيد والتفسري والفقه وغريها‪ .‬تويف سنة (‪1282‬هـ)‪« .‬علـمـاء نجد»‪.‬‬

‫(‪« )2‬علـمـاء نجد خالل ثامنية قرون» (‪.)376/2‬‬

‫(‪ )3‬ول�د الق�ايض حنف�ي ناص�ف ‪ -‬رمحه اهلل ‪ -‬يف إح�دى قرى مديري�ة القليوبية يف (‪ )16‬من س�بتمرب‬
‫(‪1855‬م) يف أرسة ذات جم�د س�الف وفق�ر ح�ارض إذ تويف وال�ده وهو جنني يف بطن أم�ه‪ ،‬اجته إىل حفظ‬
‫الق�رآن وهو صغري‪ ،‬كان قاض ًي�ا يف حمكمة طنطا وانتقل إىل القاهرة قاض ًيا باملحكمة األزبكية‪ .‬تويف حنفي‬
‫‪ -‬رمحه اهلل ‪ -‬يف سنة (‪1919‬م) ‪.‬‬

‫‪265‬‬
‫ال َّلب�س‪ ،‬وض�اق ذوو األم�ر به‪ ،‬وهم ال يس�تطيعون عزل�ه بحكم اس�تقالل القضاء‪،‬‬
‫أن هذا النَّق�ل كان ظلـمـ ًا‬
‫ش�ك َّ‬
‫الصعيد يف حمكمة قنا‪ ،‬وال َّ‬
‫فأرهق�وه بنقل�ه إىل أقىص َّ‬
‫ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬
‫كبرية يرعاه�ا بالقاهرة‪ ،‬ولكنَّه‬ ‫أرسة‬ ‫ق�اض ذي‬ ‫جائ�ر ًا ال م ِّ‬
‫برر له‪ ،‬وكان فوق احتامل‬
‫يفوت فرصة َّ‬
‫الشماتة عىل من نقلوه‪ ،‬فنظم قصيد ًة مش�تهر ًة ذاعت وصلصلت‬ ‫أراد أن ِّ‬
‫ربم‪ ،‬ب�ل جعل النَّقل‬
‫يف اآلذان حتَّ�ى َّقرح�ت األسماع؛ ألنَّه يف قصيدت�ه مل يلجأ إىل ال َّت ُّ‬
‫ال كان ينتظره‪ ،‬وغيظ ًا لألعداء‪ ،‬هكذا َّقرر َّ‬
‫الشاعر املتهكِّم حني قال‪:‬‬ ‫مكافأة ط ِّيب ًة‪ ،‬وأم ً‬

‫فلصنعك ال� ُّ‬


‫�ش��ك��ر املثنى‬ ‫ح��س��ا ومعنى‬
‫ًّ‬ ‫ر َّق��ي��ت��ن��ي‬

‫ي��ن بمرص م��ن قدمي أدن��ى‬ ‫وج��ع��ل��ت رأس احل��اس��د‬

‫فيها غ���دوت أع��� ُّز شأنا‬ ‫ٍ‬


‫ب��ق��ع��ة‬ ‫أس��ك��ن��ت��ن��ي يف‬

‫قدماك قلت‪ :‬حللت حصنا‬ ‫ب���ل���دٌ إذا ح��� َّل���ت ب��ه‬

‫ي��ا م��رح��ب�� ًا ب��ق��ن��ا وإس��ن��ا‬ ‫ق��ال��وا شخصت إىل قنا‬

‫داء وال��ق��ل��ب اط��م��أن��ا‬ ‫ه��ا ق��د أم��ن��ت ال�ب�رد وال�بر‬

‫ف��ك��أنهَّ ��ا ِّأم�����ي وأح��ن��ى‬ ‫راحتي‬ ‫تكفل‬ ‫َّ‬


‫فالشمس‬

‫تسكن م��ع األذن���اب مدنا‬ ‫ع��ش يف ال��ق��رى رأس��� ًا وال‬

‫(‪)1‬‬
‫مـسـتمرئـ ًا يف العيش جبنا‬ ‫واربـأ بــنــفـسـك أن تــرى ‬

‫*‬ ‫*‬ ‫*‬

‫(‪« )1‬النهضة اإلسالمية يف سري أعالمها املعارصين» للدكتور حممد رجب البيومي (‪.)106/3‬‬

‫‪266‬‬
‫الويص عىل عرش العراق األمري عبد‬
‫ِّ‬ ‫ٍ‬
‫أرض جم�اور ٌة ألرض‬ ‫ليهودي قطعة‬
‫ٍّ‬ ‫كان�ت‬
‫الويص وصدر احلكم يف مصلحة‬
‫ِّ‬ ‫اليهودي عىل‬
‫ُّ‬ ‫الويص منه‪ ،‬فاشتكى‬
‫ُّ‬ ‫اإلله‪ ،‬فاغتصبها‬
‫ه�اوي ‪ -‬رمحه اهلل ‪-‬‬
‫ِّ‬ ‫الز‬ ‫اليهودي الدَّ عوى وعرضت عىل َّ‬
‫الش�يخ أجمد َّ‬ ‫ُّ‬ ‫ال�ويص‪ ،‬فم َّي�ز‬
‫ِّ‬
‫وتوس�ط بعض معارف َّ‬
‫الش�يخ جلعله يصادق‬ ‫َّ‬ ‫باعتباره رئيس جملس التَّمييز يوم ذاك‪،‬‬
‫الويص‪ ،‬ولكن هيمني‬
‫ِّ‬ ‫هيمن�ي رضاء‬
‫للويص فر َّدهم قائالً‪ :‬ال ُّ‬
‫ِّ‬ ‫على ق�رار احلكم إرضا ًء‬
‫اليهودي‪ ،‬فنقض قرار‬
‫ِّ‬ ‫الويص‪ ،‬ودرس القض َّية جيد ًا ووجد َّ‬
‫احلق يف جانب‬ ‫ِّ‬ ‫رب‬
‫رضاء ِّ‬
‫لليهودي(‪.)1‬‬
‫ِّ‬ ‫احلكم وأعاد األرض‬
‫*‬ ‫*‬ ‫*‬
‫كان َّ‬
‫الش�يخ القايض عب�د اهلل العجيان ‪ -‬رمحه اهلل ‪ )2(-‬يتَّص�ف يف جمالس القضاء‬
‫حممد‬
‫قصص ن�ادر ٌة ذكرها األس�تاذ الدُّ كتور َّ‬
‫ٌ‬ ‫َّ‬
‫بال�ذكاء والدَّ هاء‪ ،‬وحصلت يف جمالس�ه‬
‫الرمحن املفدى وكان ق�د زامله يف دار التَّوحيد بال َّطائ�ف وعىل صلة به حتَّى‬
‫اب�ن عب�د َّ‬

‫(‪« )1‬من أعالم احلركة والدعوة اإلسالمية املعارصة» تأليف عبد اهلل العقيل (ص‪.)325‬‬

‫(‪ )2‬ول�د َّ‬


‫الش�يخ عب�د اهلل العجي�ان املحم�د العجي�ان ‪ -‬رمح�ه اهلل ‪ -‬يف بري�دة س�نة (‪1330‬ه�ـ)‬
‫‪ ،‬فق�د بصره وه�و صغير‪ ،‬وحف�ظ الق�رآن الكري�م‪ ،‬ودرس العل�وم الرشعي�ة على مش�ايخ بل�ده‪،‬‬
‫وأم يف مس�اجد مك�ة‪ ،‬والطائ�ف‪ ،‬وت�وىل القض�اء يف أكث�ر م�ن مدين�ة‪ .‬ت�ويف س�نة (‪1396‬ه�ـ) ‪.‬‬

‫‪267‬‬
‫أن امرأ ًة أتت إليه عندما كان رئيس� ًا ملحكمة‬
‫الش�يخ العجيان ‪ -‬رمحه اهلل ‪ ،-‬ذكر َّ‬
‫وفاة َّ‬
‫طريف‪ ،‬وا َّدعت عىل زوجها بأنَّه قد أوجعها رضب ًا ومن شدَّ ة رضبه هلا قطع خصل ًة من‬
‫ش�عرها‪ ،‬ومدَّ ت إىل القايض هذه اخلصلة‪ ،‬فأمس�كها بيده‪ ،‬ووضع طرف هذه اخلصلة‬
‫ثم صمت بره ًة‪ ،‬وقال‬
‫يتحسس�ها بخدِّ ه َّ‬
‫َّ‬ ‫األصيل عىل خدِّ ه‪ ،‬وأخذ‬
‫ِّ‬ ‫املقطوع من َّ‬
‫الش�عر‬
‫واثق من جتنِّيها عىل زوجها‪ :‬أنت كاذب ٌة‪.‬‬ ‫ٍ‬
‫بصوت ٍ‬ ‫هلا‬
‫ِ‬
‫وعندم�ا ح َّقق معها اتَّضح كذهب�ا وافرتائها عىل زوجها‪َ ،‬ف ُس�ئ َـل القايض عن ِّ‬
‫رس‬
‫الش�عر ا َّلتي وضعها عىل خدِّ ه‪ ،‬فقال‪ :‬إنَّني وجدت‬ ‫اكتش�افه لكذهبا من خالل خصلة َّ‬
‫قصت ش�عرها‬ ‫أن املرأة قد َّ‬ ‫ٍ‬
‫بش�عر متس�اوي ًة‪ ،‬وهذا يعن�ي َّ‬ ‫هناي�ة ه�ذه اخلصل�ة املتَّصلة‬
‫ٍ‬
‫متساوية‪.‬‬ ‫بمقص‪ ،‬ولو كانت كام تدَّ عي لوجدت هناية اخلصلة غري‬ ‫ٍّ‬
‫أن شخص ًا ا َّدعى برسقة‬ ‫قص ٌة نادر ٌة أخرى عن هذا القايض تتم َّثل يف َّ‬
‫كام ذكر أيض ًا َّ‬
‫شخصا آخر برسقتها‪ ،‬وأحرض قفل اخلزانة أمام القايض‪،‬‬ ‫ما يف خزانته من ٍ‬
‫نقود‪ ،‬واتهَّ م‬
‫ً‬
‫وهو مكسور وا َّدعى أن هذا هو ا َّلذي كرسه‪ ،‬فأخذ القايض القفل ووضعه عىل لسانه‬
‫كاذب‪ .‬وح َّقق يف املوضوع واتَّضح‬
‫ٌ‬ ‫ث�م صم�ت بره ًة‪ ،‬فقال للمدَّ عي بصوت الواث�ق‪:‬‬
‫َّ‬
‫رس اكتشافه لكذب املدَّ عي قال‪ :‬إنِّني‬ ‫كذب املدَّ عي‪ ،‬وحينام س�ئل َّ‬
‫الشيخ العجيان عن ِّ‬
‫وجدت القفل يف هناية كرسه صدأ‪ ،‬وجدته بلساين وأحسست بطعمه والسرَّ قة متَّت يف‬
‫غضون أيا ٍم ٍ‬
‫قليلة األمر ا َّلذي يستحيل معه رسعة تصدية مكرس القفل‪ ،‬وهذا يعني َّ‬
‫أن‬ ‫َّ‬
‫الصدأ‬ ‫ٍ‬
‫طويلة وكرسه مل يكن حديث ًا بدليل َّ‬ ‫القفل أحرض وهو قد اس�تعمل منذ ٍ‬
‫أن َّ‬ ‫فرتة‬
‫قد تراكم عىل هذا القفل(‪.)1‬‬
‫*‬ ‫*‬ ‫*‬

‫الرمحن بن سامل اخللف (ص‪.)7242‬‬


‫(‪« )1‬موسوعة أعالم املكفوفني» لعبد َّ‬

‫‪268‬‬
‫للش�يخ حس�ن َّ‬
‫املش�اط ‪ -‬رمح�ه اهلل ‪-‬‬
‫(‪)1‬‬
‫الوهاب أبو س�ليامن‪ :‬كان َّ‬
‫يق�ول الدُّ كت�ور عب�د َّ‬
‫َّ‬
‫ولع�ل أبرزها حكم�ه يف القض َّية رق�م (‪ )328‬عام‬ ‫واجته�ادات‬
‫ٌ‬ ‫يف القض�اء مواق�ف‬
‫(‪1368‬هـ) باملحكمة الشرَّ ع َّية الكربى بمكَّة‪ ،‬وخالصة هذه القض َّية‪:‬‬
‫ٌ‬
‫حامل منه باعرتاف�ه‪ ،‬وكان يؤ ِّدي هلا نفق�ة احلمل حتَّى‬ ‫ط َّل�ق ٌ‬
‫رجل زوجته وه�ي‬
‫أمتَّت س�ن ًة م�ن محلها ومل تلد فارت�اب َّ‬
‫الزوج يف انغش�اش احلمل وقطع عنه�ا النَّفقة‪،‬‬
‫للزواج منها‪ ،‬وبعد‬ ‫أن جنينها يف بطنها فر َّدت َّ‬
‫كل م�ن تقدَّ م َّ‬ ‫وكان�ت امل�رأة متأكِّدة من َّ‬
‫الزوجة ولد ًا‪ ،‬فأنكره َّ‬
‫الزوج‪ ،‬وأقام الدَّ عوى ضدَّ‬ ‫ٍ‬
‫أش�هر وضعت َّ‬ ‫مخس س�نني وتسعة‬
‫املشاط‪،‬‬ ‫الس�ابقة‪ ،‬وكان القايض ا َّلذي ينظر يف هذه القض َّية هو َّ‬
‫الش�يخ حس�ن َّ‬ ‫زوجته َّ‬
‫الزوج مل يقتنع باحلكم فاعرتض‬
‫الزوج‪ ،‬ولكن َّ‬‫فأصدر حكمه بإثبات نس�ب الولد إىل َّ‬
‫عليه ورفع شكواه إىل جاللة امللك عبد العزيز ‪ -‬رمحه اهلل ‪ ،-‬فأمر جاللته بتأليف ٍ‬
‫جلنة‬
‫حممد بن مان ٍع للنَّظر يف هذه القض َّية‪ ،‬وكان غالب أعضاء‬ ‫من العلـمـاء برئاسة َّ‬
‫الشيخ َّ‬

‫الش�يخ حس�ن املش�اط بمكة املكرمة س�نة (‪1317‬هـ)‪ .‬ق�رأ القرآن الكريم عىل َّ‬
‫الش�يخ حممد‬ ‫(‪ )1‬ول�د َّ‬
‫ثم أصبح من مدرسيها‪ .‬وأخذ عن علـمـاء مكة‪ .‬توىل القضاء‬ ‫السناري والتحق باملدرسة الصولتية بمكة َّ‬
‫يف مكة‪ .‬تويف سنة (‪1399‬هـ)‪« .‬أعالم احلجاز» ملحمد عيل مغريب‪.‬‬

‫‪269‬‬
‫ومرصا عليه‪ ،‬ورفع األمر‬
‫ًّ‬ ‫بصحة حكمه‬
‫َّ‬ ‫مقتنع‬
‫ٌ‬ ‫ه�ذه ال َّلجن�ة خيالفونه َّ‬
‫الرأي‪ ،‬وكان هو‬
‫حممد بن إبراهيم آل َّ‬
‫الش�يخ‬ ‫إىل جالل�ة املل�ك عبد العزي�ز‪ ،‬فأحال القض َّية إىل َّ‬
‫الش�يخ َّ‬
‫الرأي الفصل فيها‪.‬‬
‫الزمان لدراستها وإبداء َّ‬
‫السعود َّية يف ذلك َّ‬
‫مفتي الدِّ يار ُّ‬
‫حممد بن إبراهيم رأي القايض َّ‬
‫الشيخ حسن‬ ‫السعود َّية َّ‬
‫الشيخ َّ‬ ‫وقد أ َّيد مفتي الدِّ يار ُّ‬
‫الوهاب أبو س�ليامن‬ ‫َّ‬
‫املش�اط يف ثب�وت نس�ب الولد إىل أبي�ه‪ ،‬وقد أثب�ت الدُّ كتور عبد َّ‬
‫حيث َّيات احلكم ا َّلتي وردت من مفتي الدِّ يار ُّ‬
‫السعود َّية ونوجزها هنا فيام ييل‪:‬‬
‫إمجاع عىل‬
‫ٌ‬ ‫إن مس�ألة مدَّ ة احلمل ه�ي موضوع اختالف بني العلـمـ�اء ومل حيصل‬ ‫َّ‬
‫حتدي�د م�دَّ ٍة مع َّي ٍنة ألدنى احلم�ل وأقصاه‪ ،‬وقد ثبت َّ‬
‫أن مدَّ ة احلمل لدى بعض النِّس�اء‬
‫اس�تمرت ثالث س�نني‬
‫َّ‬ ‫س�نتان وبعضها أربع س�نوات‪ ،‬كما ثبت وجود حاالت محل‬
‫ومخس س�نني وس�بع س�نني‪ ،‬وقد احتج كثري من العلـمـاء يف تلك القضايا باحلاالت‬
‫بأجل ٍ‬
‫معني‪،‬‬ ‫ٍ‬ ‫ا َّلتي ثبتت لدى العلـمـاء يف زماهنا‪ ،‬وعىل هذا فال جيوز حتديد مدَّ ة احلمل‬
‫ألن املرأة ا َّلت�ي تتجاوز مدَّ ة احلمل ال ّطبيعي وهو تس�ع‬
‫واألص�ح ه�و عدم التَّحدي�د؛ َّ‬
‫ُّ‬
‫ثلاث جيوز أن يركد اجلنني يف بطنه�ا إىل أكثر من ذلك‪.‬‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬
‫ش�هور إىل عامين مث ً‬
‫ال أو إىل‬
‫السعود َّية يف ختام حكمه‪:‬‬
‫ويقول سامحة مفتي الدِّ يار ُّ‬
‫ومل نجد يف كتاب اهلل وال يف سنَّة رسول اهلل صىل اهلل عليه وسلم لتحديد أكثر مدَّ ة‬
‫حجة‪ ،‬بل الكتاب والسنَّة يشهدان بنقض ذلك‪ ،‬فإنهَّ ام قد أطلقا ومل‬
‫احلمل بأربع سنني َّ‬
‫حيدِّ دا أكثر مدَّ ة احلمل‪ ،‬فمن حدد أكثر مدَّ ته فقد قصد إىل تقييد ما أطلقه اهلل ورس�وله‬
‫حج ٍة رشع َّي ٍة تصلح لتقييد ذلك املطلق(‪.)1‬‬
‫صىل اهلل عليه وسلم بغري َّ‬
‫*‬ ‫*‬ ‫*‬

‫(‪« )1‬أعالم احلجاز» (‪ )322/3‬تأليف حممد عيل مغريب‪.‬‬

‫‪270‬‬
‫الرمحن اهلويمل ‪ -‬رمح�ه اهلل ‪ )1(-‬قاضي ًا يف حمكمة س�اجر‬ ‫حينما كان َّ‬
‫الش�يخ عب�د َّ‬
‫ولـمـا مل‬
‫حدثت مش�اجر ٌة بني رجلني من أهل ساجر عىل الـمـاء‪ ،‬فعرض األمر عليه َّ‬
‫يكن لدى املعتدي ماالً يدفعه كعوض للمعتدى عليه‪ ،‬فقد قام َّ‬
‫الشيخ بسجن املعتدي‬
‫عقوب� ًة له على اعتدائه‪ ،‬وبطبيع�ة األمر فقد كان يقدَّ م هلذا َّ‬
‫الس�جني الفط�ور والغداء‬
‫الربيع احتاج َّ‬
‫الش�يخ‬ ‫والعش�اء‪ ،‬ويف أحد أ َّي�ام اجلمع وكان النَّاس خارج القرية وقت َّ‬
‫يوصله‬
‫الس�جني أن ِّ‬
‫يوصله طلب من َّ‬
‫ولـمـا مل جيد م�ن ِّ‬
‫إىل م�ن يوصل�ه إىل املس�جد‪َّ ،‬‬
‫الس�جني‪ ،‬فأوصله إىل املس�جد‬
‫إىل املس�جد بشرط أن يعاهده عىل عدم اهلرب فوافق ّ‬
‫الربيع‪ ،‬وعاد النَّاس‬
‫واستمر احلال عىل ذلك حتَّى مىض وقت َّ‬
‫َّ‬ ‫وعاد به ودخل س�جنه‪،‬‬
‫الس�جن‪،‬‬
‫الس�جني اس�توىف مدَّ ة العقوبة أخرجه من ِّ‬ ‫الش�يخ َّ‬
‫أن َّ‬ ‫إىل القرية‪ ،‬ولـمـا ظ َّن َّ‬
‫الس�جن‪ ،‬وأقس�م َّ‬
‫للشيخ أنَّه مل حيصل‬ ‫وفضل البقاء يف ِّ‬
‫الس�جني رفض اخلروج َّ‬
‫ولكن َّ‬
‫له يف حياته أن متتَّع بثالث وجبات إلاَّ يف هذا ِّ‬
‫الس�جن‪ ،‬ولذلك هو يرجو االس�تمرار‬
‫أن العقوب�ة مل تكن يف حقيقة األمر إلاَّ مكافأة‪ ،‬فطلب من‬
‫الش�يخ َّ‬
‫فيه‪ ،‬عند ذلك أدرك َّ‬
‫السجني أن يذهب إىل املعتدى عليه ويطلب منه أن يساحمه ففعل(‪.)2‬‬
‫َّ‬
‫*‬ ‫*‬ ‫*‬
‫ٍ‬
‫صال�ح آل صالح رمحهام‬ ‫الش�يخ عط َّية س�امل يف ترمجة َّ‬
‫الش�يخ عب�د العزيز بن‬ ‫قال َّ‬
‫اهلل(‪ :)3‬نظرت قض َّية ٍ‬
‫قتل فا َّدعى املدعى عليه أنَّه مل يكن حارض ًا يف منطقة وقوع اجلريمة‬

‫الرمحن اهلويمل ‪ -‬رمحه اهلل ‪ -‬يف مدينة القويعية غرب الرياض س�نة (‪1331‬هـ) ‪.‬‬ ‫(‪ )1‬ولد َّ‬
‫الش�يخ عبد ّ‬
‫فقد برصه يف س�ن التاسعة من عمره‪ ،‬وحفظ القرآن الكريم صغري ًا‪ ،‬ودرس العلوم الرشعية عىل علـمـاء‬
‫بل�ده‪ ،‬وعلـمـ�اء الرياض‪ .‬ت�وىل إمامة مجع قرص املربع يف عه�د امللك عبد العزيز ‪ -‬رمح�ه اهلل ‪ ،-‬كام توىل‬
‫القضاء يف العديد من املدن‪ .‬تويف سنة (‪1413‬هـ) ‪.‬‬

‫(‪« )2‬موسوعة أعالم املكفوفني» لعبد الرمحن بن سامل اخللف (ص‪.)372‬‬

‫فلـمـا رغب يف العلم=‬ ‫(‪ )3‬ولد َّ‬


‫الشيخ عبد العزيز بن صالح آل صالح يف املجمعة سنة (‪1329‬هـ)‪َّ ،‬‬

‫‪271‬‬
‫وكان يف مكان يبعد عنها قرابة مسيرة يومني ولديه ش�هو ٌد عىل ذلك من أهايل املنطقة‬
‫ا َّلتي كان فيها‪.‬‬
‫صحة ش�هادة‬ ‫ولط�ول م�ا بني نظر القض َّية وتاريخ اجلناية ارتاب َّ‬
‫الش�يخ يف مدى َّ‬
‫الش�هود وإمكان صدقه�م‪ ،‬فمنع إدخاهلم املجلس‪ ،‬وكان املتَّه�م يلبس غرت ًة عىل غري‬ ‫ُّ‬
‫املعه�ود م�ن مجاعته ومعه�ا ِع َق ٌ‬
‫�ال‪ ،‬وكان املدَّ عي الع�ام وهو س�ليامن امللحم حارض ًا‬
‫يسمى (كوت) فأمر سليامن بنزع كوته وأن يلبسه املتَّهم‪ ،‬وأمر‬
‫ويلبس (جاكت) أو ما َّ‬
‫املتَّهم أن يعطي غرتته وعقاله لسليامن امللحم‪ ،‬فلبس املتَّهم كوت وغرتة سليامن ولبس‬
‫ثم أمر ‪ -‬رمحه اهلل ‪ -‬بإدخاهلام‬
‫سليامن غرتة وعقال املتَّهم مع مبادلة املكان يف جلوسهام َّ‬
‫الشيخ ‪ -‬وهو ا َّلذي يدير اجللسة بحضور‬
‫األول سأله َّ‬ ‫ولـمـا حرض َّ‬
‫الشاهد َّ‬ ‫منفردين‪َّ ،‬‬
‫األول ‪ -‬س�أله عن معرفته َّ‬
‫للش�اهد ومنذ كم‪ ،‬فأجابه‪ ،‬فس�أله‬ ‫مجع القضاة عىل النِّظام َّ‬
‫ٍ‬
‫مالحظة‪،‬‬ ‫تعيين�ه م�ن احلارضين‪ ،‬فأش�ار إىل س�ليامن امللحم‪ ،‬ومل يظه�ر له َّ‬
‫الش�يخ أي‬
‫واستمر يف سامع ما عنده وذلك بحضور بعض أقارب املتَّهم‪.‬‬
‫َّ‬
‫الش�اهد ال َّثاين‪ ،‬فسأله كام سأل َّ‬
‫األول‪ ،‬فأش�ار إىل املتَّهم فعالً‪ ،‬فسأله‬ ‫ثم اس�تدعى َّ‬
‫َّ‬
‫عماَّ لديه‪ ،‬فأخذ يرسد الكالم رسد من كُتب له فحفظ حرف ًّيا من ذكر األ َّيام والتَّواريخ‪،‬‬
‫فسأله عن زواجه وآخر مولود له وعن تاريخ ذلك فلم يكن يتذكر‪ ،‬وكان بعد احلادث‪،‬‬
‫خيصك ومل تكن‬
‫وأمر ال ُّ‬
‫وهتتم هلا يف حياتك فلم تذكرها ٌّ‬
‫ُّ‬ ‫ختصك‬
‫فواجهه بقوله‪ :‬أمور ُّ‬
‫يف يو ٍم من األ َّيام تتو َّقع س�ؤالك عنها تتذكَّره باس�م اليوم وتارخيه من َّ‬
‫الش�هر‪ ،‬فرشق‬
‫وغص وطلب الـمـاء‪.‬‬
‫َّ‬ ‫الرجل‬
‫َّ‬

‫ثم أسند إليه إمامة‬ ‫= قرأ عىل َّ‬


‫الشيخ عبد اهلل العنقري‪ ،‬وتوىل قضاء املدينة املنورة‪ ،‬وصار املرجع الديني هلا‪َّ ،‬‬
‫املس�جد النب�وي‪ ،‬وكان ‪ -‬رمحه اهلل ‪ -‬م�ن العلـمـاء املعروفني‪ ،‬وممن كان يب�ذل جاهه وماله للمحتاجني‪.‬‬
‫تويف سنة (‪1415‬هـ)‪«.‬علـمـاء نجد»‪.‬‬

‫‪272‬‬
‫سوري منه رئيس حمكمة دمشق‪ ،‬وكنت‬ ‫ٌّ‬ ‫قضائي‬
‫ٌّ‬ ‫وكان قد حرض تلك اجللسة وفدٌ‬
‫ٍ‬
‫صغرية وقدَّ مه إ َّيل ألقدِّ مه إىل‬ ‫الشيخ وهو عن يساري‪ ،‬فكتب سؤاالً يف ٍ‬
‫ورقة‬ ‫عىل يسار َّ‬
‫فلـمـا قرأته أمسكت بالورقة وقلت له‪ :‬انتظر إىل النِّهاية‪.‬‬ ‫َّ‬
‫الشيخ ليواجه املتَّهم‪َّ ،‬‬
‫السؤال ا َّلذي كان يريد رئيس‬ ‫وجه َّ‬
‫الشيخ إليه عني ُّ‬ ‫وبعد ٍ‬
‫قليل ويف مناقشة َّ‬
‫الشاهد َّ‬
‫الوفد تقديمه‪ ،‬فأعدت الورقة عليه‪.‬‬
‫عي‬ ‫وبعد انتهاء اجللس�ة كان تعليق الوفد بقوهلم‪ :‬ما كنَّا أبد ًا نظ ُّن َّ‬
‫أن القضاء الشرَّ َّ‬
‫هبذه املكانة د َّق ًة واستقصا ًء ونقاش ًا(‪.)1‬‬
‫*‬ ‫*‬ ‫*‬

‫نطاوي ‪ -‬رمحه اهلل ‪ )2(-‬أثناء اش�تغاله بالقضاء يف بالد َّ‬


‫الش�ام‬ ‫ِّ‬ ‫للش�يخ عيل ال َّط‬
‫وقع َّ‬
‫درس وعرب ٌة نسوق منها احلوادث التَّالية‪:‬‬
‫حوادث متعدِّ دة فيها ٌ‬
‫بن�ت مل تبلغ العرشي�ن‪ ،‬تدَّ عي عىل زوجه�ا‪ ،‬وهي امرأ ٌة‬
‫م�ر ًة ٌ‬
‫أ ‪ -‬يق�ول‪ :‬جاءتن�ي َّ‬

‫الرابع عرش واخلامس عرش» إلبراهيم احلازمي (ص‪.)132‬‬


‫(‪« )1‬من أعالم القرن ّ‬
‫الطنطاوي بدمش�ق ع�ام (‪1327‬هـ)‪ ،‬وتلق�ى تعليمه يف مدارس دمش�ق‪.‬‬ ‫الش�يخ حمم�د عيل ّ‬
‫(‪ )2‬ول�د َّ‬
‫واش�تغل بالتدريس يف س�ورية والعراق والس�عودية واس�تقر فيها‪ .‬وعمل يف جمال القضاء‪ .‬له عناية كبرية‬
‫باألدب وفنونه‪ .‬توىف سنة (‪1420‬هـ) «علـمـاء ومفكرون عرفتهم» ملحمد املجذوب‪.‬‬

‫‪273‬‬
‫لق وال ُخ ٍ‬
‫لق‪ ،‬وكان معها زوجها‪ ،‬وهو‬ ‫عيب يف َخ ٍ‬
‫صحيحة اجلسم والعقل‪ ،‬ليس فيها ٌ‬
‫فلـمـا سألتها عن دعواها تر َّددت واستحيت‪،‬‬ ‫القوة‪ ،‬مستكمل َّ‬
‫الشباب‪َّ ،‬‬ ‫ش�اب بادي َّ‬
‫ٌّ‬
‫فقررت جعل املحاكمة رس َّي ًة‪ ،‬ومل أبق يف القاعة إلاَّ ال َّطرفني ُّ‬
‫والشهود واملحامني‪.‬‬ ‫َّ‬
‫ٍ‬
‫بعبارة نظيف�ة األلفاظ‬ ‫ٍ‬
‫اس�تحياء‬ ‫خاف�ت عىل‬‫ٍ‬ ‫ٍ‬
‫بصوت‬ ‫وأع�دت س�ؤاهلا‪ ،‬فأجابت‬
‫ثوب‪.‬‬ ‫ٍ‬
‫أشهر‪ ،‬وزوجها مل يرفع هلا ذيل ٍ‬ ‫متزوج ٌة من أربعة‬ ‫َّ‬
‫مهذبة احلوايش‪ ،‬قالت‪ :‬إنهَّ ا ِّ‬
‫الرجل ال يصلح‬ ‫وقرر َّ‬
‫أن هذا َّ‬ ‫رقجي‪َّ ،‬‬
‫ِّ‬ ‫عي عارف ال َّط‬
‫ورفع األمر إىل ال َّطبيب الشرَّ ِّ‬
‫ٍ‬
‫لضع�ف فيه‪ ،‬بل ألنَّ�ه يف مطلع بلوغه كان يف احلق�ل‪ ،‬وكان يقارب ما جيد‬ ‫للنِّس�اء‪ ،‬ال‬
‫أمامه من احليوانات‪ ،‬فاعتادت نفسه عىل هذا املنكر العظيم‪ ،‬فصارت احليوانات تثريه‬
‫وخترب‪.‬‬
‫دون املرأة‪ ،‬وانظر إىل أثر املعصية كيف تد ِّمر ِّ‬
‫الرجل مع زوجه بالتَّفريق بينهام‪.‬‬ ‫وانتهت قض َّية َّ‬
‫رشه‪ ،‬وانتهى أمره‬ ‫ٍ‬
‫ب‪ -‬ويق�ول‪ :‬قض َّي�ة خالف بني زوجني طال أمده واس�تفحل ُّ‬
‫ٍ‬
‫بحقوق‬ ‫كل منهما دعواه عىل صاحبه‪ ،‬متَّه ًام إ َّياه بس�وء العرشة‪ ،‬ومطالب ًا‬ ‫إ َّيل‪ ،‬وع�رض ٌّ‬
‫ٍ‬
‫دقيقة‬ ‫ٍ‬
‫دراس�ة‬ ‫عليه‪ .‬وأحلت املرأة بطلب ال َّطالق وبضم األوالد إليها دون ٍ‬
‫نفقة‪ .‬وبعد‬ ‫ِّ‬ ‫َّ‬
‫فق�ررت إجراء جتربة‬ ‫للقض َّي�ة تبَّي�نَّ يل ألاَّ س�بيل للتَّوفي�ق بينهام عىل حالتهما َّ‬
‫الراهنة‪َّ ،‬‬
‫ٍ‬ ‫مل�ر ٍة‬
‫الزوج‬
‫واح�دة‪ ،‬وعرضت الفك�رة عليهام فلم يتر َّددا يف قبوهلا‪ ،‬وأوق�ع َّ‬ ‫ال َّطلاق َّ‬
‫والرمح�ة واألوالد‪ ،‬وختم�ت ذلك بقوله‬ ‫ال َّطلق�ة‪ ،‬وهن�ا جعلت أذكِّرمها ِّ‬
‫بح�ق املو َّدة َّ‬
‫تعاىل‪ :‬ﱫ ﯺ ﯻ ﯼ ﯽ ﱪ‪ ،‬وكان لكالمي أثره العاجل فإذا َّ‬
‫بالزوج يقول‪:‬‬
‫حق يل عليها‪ ،‬ومس�تعدٌّ‬ ‫متنازل عن ِّ‬
‫كل ٍّ‬ ‫ٌ‬ ‫والرمح�ة واألوالد فإنيِّ‬
‫إذا كان األم�ر للمو َّدة َّ‬
‫لإلنفاق عىل أبنائي ما داموا يف كفالتها‪ .‬وأجابت املرأة عىل ذلك بأنهَّ ا هي أيض ًا متنازل ٌة‬
‫له عن َّ‬
‫مؤخر صداقها‪.‬‬
‫أن املرأة ك َّلام اس�تاءت من زوجها‬
‫الزوجني َّ‬
‫وكان من أس�باب اخلالف بني هذين َّ‬

‫‪274‬‬
‫حاولت َّ‬
‫الذهاب إىل بيت أهلها فيمنعها أن تصحب من متاعها سوى ما تلبسه‪ .‬ولكن‬
‫الرج�ل لزوجه‪ :‬هذا مفتاح البيت‬
‫م�ا إن صارا إىل ه�ذه النَّتيجة حتَّى تغيرَّ احلال وقال َّ‬
‫فخذي منه ما حت ِّبني ودعي ما تكرهني‪.‬‬
‫ولقد كان هلذا املوقف أثره البالغ يف نفيس‪ ،‬وأكثر ما راعني منه تلك الدُّ موع ا َّلتي‬
‫ذرفها ٌّ‬
‫كل منهام‪.‬‬
‫الرجعة‪ ،‬ولكنِّي َّ‬
‫أخرهتا عرش ًة أخرى‬ ‫وبعد عرشة أ َّيا ٍم فقط أرسلا إ َّيل برغبتهام يف َّ‬
‫للتَّح ُّقق من صدق العزيمة‪.‬‬
‫وهكذا كان ال َّطالق هو العالج احلاس�م خلالفاهتام املزمنة‪ ،‬وما لبثا أن عادا بعدها‬
‫الزوج َّية الكريمة‪..‬‬
‫إىل احلياة َّ‬
‫ٍ‬
‫امرأة توفيِّ زوجها وخ َّلف‬ ‫ج ‪ -‬ويقول أيض ًا‪ :‬رفعت إ َّيل من قبل الشرُّ طة ش�كوى‬
‫ٍ‬
‫أعامل‬ ‫أن له ديون� ًا عند بعض النَّ�اس مقابل‬ ‫ٍ‬
‫أطف�ال‪ ،‬وقد وجدت يف أوراق�ه َّ‬ ‫هل�ا ع�دَّ ة‬
‫حق للمت�وفىَّ ‪ ،‬وأظهروا‬
‫ل�ه‪ .‬وأحضرت الشرُّ طة ه�ؤالء فأنكروا أن يك�ون يف ذ َّمتهم ٌّ‬
‫استعدادهم لليمني‪ ،‬وحرضت األرملة مع أطفاهلا إىل املحكمة‪ ،‬وتبينَّ يل ألاَّ ب ِّينة لدهيا‬
‫سوى تلك القيود‪.‬‬
‫ويف اجللس�ة األوىل حرضت املدَّ عية وأحد الغرماء واستوقفت الكاتب عن تالوة‬
‫الرجل‪ ،‬وأجريت معه هذا احلوار‪:‬‬
‫ثم استدنيت َّ‬
‫الدَّ عوى‪َّ ،‬‬
‫‪ -‬هل تعرف خصمك يف هذه القض َّية؟‬
‫‪ -‬نعم‪ .‬إنَّه هذه املرأة احلارضة‪.‬‬
‫‪ -‬كلاَّ ‪َّ .‬‬
‫إن خصمك هو زوجها فهل تعلم أين هو؟‬
‫‪ -‬لقد توفيِّ ‪.‬‬
‫ٍ‬
‫ماض‬ ‫‪ -‬ح ًّق�ا لقد توفيِّ وترك هذه األرملة وهؤالء األيتام‪ .‬وال َّ‬
‫ش�ك لديك أنَّك‬

‫‪275‬‬
‫معروض معه عىل اهلل‪ ،‬ا َّلذي سيس�ألك عن دعواه‪ ،‬وهو أعلم‬ ‫ٌ‬ ‫إىل ما مىض إليه‪ ،‬وأنَّك‬
‫بما أنتام عليه‪ ،‬وال حيتاج إىل ب ِّي ٍنة وال ختفى عن�ه خافي ٌة‪ .‬فام تؤمن أنَّه خي ِّلصك من عذابه‬
‫ذلك اليوم فأجب به اآلن‪ ،‬واليوم أوس�ع لك من ذلك املوقف ا َّلذي ال درهم فيه وال‬
‫دينار‪ .‬فامذا تقول يف دعوى هذه املرأة؟‬
‫ثم قال‪ :‬أمهلني يف اإلجابة إىل الغد‪.‬‬
‫الرجل مل ًّيا َّ‬
‫وأطرق َّ‬
‫وسألته‪ :‬ومل اإلمهال؟‬
‫قال‪ :‬ألراجع حسايب مع املتوفىَّ ‪.‬‬
‫احلق فأخرته أسبوع ًا‪.‬‬
‫وملست يف هيئته وهلجته أنَّه يريد َّ‬
‫وهكذا فعلت مع بقية الغرماء‪ .‬وكانت النَّتيجة واحد ٌة مع اجلميع‪.‬‬
‫ٍ‬
‫باعرتاف يفوق املبلغ املدَّ عى به عليه‪ .‬ومنهم من‬ ‫فف�ي اليوم املحدَّ د أدىل ٌّ‬
‫كل منهم‬
‫الراتب آخر َّ‬
‫الشهر‪ .‬ولن‬ ‫أحرض الـمـال فس�دَّ د ما عليه‪ ،‬واس�تمهل بعضهم إىل موعد َّ‬
‫أنس�ى وقع هذا املوقف يف نفس تلك األرملة‪ .‬لق�د غلبتها دموع الفرح ورفعت يدهيا‬
‫احلار هلل ا َّلذي و َّفق إىل ِّ‬
‫كل هذا اخلري‪.‬‬ ‫ُّ‬
‫بالشكر ِّ‬
‫احلق يف‬ ‫ٍ‬
‫غبط�ة ال توصف‪ :‬هل بقي مثل ه�ذا التَّجاوب العايل مع ِّ‬ ‫وإنيِّ ألس�أل يف‬
‫غري نفوس املؤمنني‪ ،‬ا َّلذين إذا ُذ ِك َـر اهلل وجلت قلوهبم؟‬
‫كل ٍ‬
‫يشء( ‪.)1‬‬ ‫يرجون رمحته وخيافون عذابه‪ ،‬فيؤثرون مرضاته عىل ِّ‬
‫*‬ ‫*‬ ‫*‬

‫(‪« )1‬حوادث مثرية من حياة ّ‬


‫الطنطاوي» (ص ‪ )18‬إعداد عبد احلميد السحيباين‪.‬‬

‫‪276‬‬
‫حرض إىل جملس َّ‬
‫الشيخ عبد العزيز بن باز ‪ -‬رمحه اهلل ‪ -‬أ َّيام قضائه يف الدَّ مل أمريان‬
‫لبعض البلدان‪ ،‬بينهام خصوم ٌة‪ ،‬فرضب أحدمها اآلخر بحرضة َّ‬
‫الش�يخ‪ ،‬فأخرب من يف‬
‫الضارب عىل األرض‪ ،‬فرضبه‬ ‫الش�يخ بذلك‪ ،‬فأمر َّ‬
‫الشيخ بأن يستلقي األمري َّ‬ ‫املجلس َّ‬
‫الشيخ بالعصا عقوب ًة له(‪.)1‬‬
‫َّ‬

‫*‬ ‫*‬ ‫*‬

‫(‪ )1‬بترصف يسري من لقاء مسجل مع َّ‬


‫الشيخ عبد الرمحن بن جالل بعنوان «اإلمام ابن باز حياته يف الدمل»‪.‬‬

‫‪277‬‬
278
‫ورعهم‬

‫‪279‬‬
280
‫والزهد‪ ،‬ومن ورعه‬ ‫ٍ‬
‫راش�د ‪ -‬رمحه اهلل ‪ )1 (-‬بالورع ُّ‬ ‫حممد آل‬ ‫ف َّ‬‫ُع ِر َ‬
‫عيل بن َّ‬
‫الش�يخ ُّ‬
‫لـمـا كان قاضي ًا يف عنيزة‪ ،‬أهدت له امرأ ٌة من أمراء عنيزة تين ًا‪َّ ،‬‬
‫ثم جاءت من الغد‬ ‫أنَّه َّ‬
‫إن‬ ‫لا عنده‪ ،‬فام كان منه إلاَّ أن طلب ما ًء فيه ٌ‬
‫ملح‪ ،‬وتق َّيأ ما يف بطنه‪ ،‬وقال‪َّ :‬‬ ‫ختاص�م رج ً‬

‫الصدِّ يق أسو ًة حسن ًة(‪.)2‬‬ ‫يل يف أيب ٍ‬


‫بكر ِّ‬
‫*‬ ‫*‬ ‫*‬
‫صالح املبيض ‪ -‬رمحه اهلل ‪ )3 (-‬بالنَّزاهة يف القضاء واحلكم‪ ،‬والتض ُّلع‬
‫ٌ‬ ‫اشتهر َّ‬
‫الشيخ‬
‫بأح�كام الشرَّ يعة‪ ،‬وال َّتحليِّ بالتَّقوى‪ ،‬ومن مجلة ما يذك�ر عن تقواه َّ‬
‫أن امرأ ًة من أغنياء‬

‫ذر َّية ‪ -‬أحبت أن توقف ثروهتا عىل ابنه عبد‬


‫البرصة حينام س�معت بتقواه ‪ -‬وليس هلا ِّ‬
‫املل�ك فقال هلا‪ :‬عب�د امللك‪ ،‬حيفظه امللك‪ ،‬وأنت إذا أردت أن توقفي ثروتك فأوقفيها‬

‫عىل وجوه اخلري الكثرية (‪.)4‬‬

‫*‬ ‫*‬ ‫*‬

‫الش�يخ عيل بن حممد آل راش�د يف عنيزة سنة (‪1223‬هـ)‪ ،‬وكان جده عيل بن محد ‪ -‬رمحه اهلل ‪-‬‬ ‫(‪ )1‬ولد َّ‬
‫ثم رحل إىل الزبري وقرأ‬ ‫م�ن العلـمـ�اء يف مدينة الزلفي‪ .‬وقد قرأ َّ‬
‫الش�يخ عيل بن حممد عىل علـمـاء بل�ده‪َّ ،‬‬
‫ثم عاد إىل عنيزة‪ ،‬والزم َّ‬
‫الش�يخ العالمة عبد اهلل أبا باطني ق�ايض عنيزة يف ذلك الوقت‪.‬‬ ‫على علـمـائه�ا‪َّ ،‬‬
‫الشيخ يف قضاء البلد ح َّتى تويف سنة (‪1303‬هـ)‪« .‬علـمـاء نجد»‪.‬‬ ‫وقد خلفه َّ‬

‫(‪« )2‬روضة الناظرين» (‪.)111/2‬‬

‫الشيخ صالح بن محد املبيض يف سدير من بالد نجد يف حدود سنة (‪1235‬هـ) تقريب ًا‪ ،‬وقدم إىل‬ ‫(‪ )3‬ولد َّ‬
‫الزبير مع أبيه‪ ،‬وتلقى العلم عن علـمـائها ت�وىل القضاء يف الزبري باإلضافة إىل تدريس الفقه والفرائض‪.‬‬
‫تويف سنة (‪1315‬هـ)‪« .‬علـمـاء الكويت وأعالمها» لعدنان الرومي‪.‬‬

‫(‪« )4‬علـمـاء الكويت وأعالمها» لعدنان بن سامل الرومي (ص‪.)324‬‬

‫‪281‬‬
‫العمري ‪ -‬رمح�ه اهلل ‪ )1(-‬أنَّه أتاه أمري اخلرباء‬ ‫ِّ‬ ‫حمم�د بن عمر‬‫الش�يخ َّ‬ ‫جاء يف ترمجة َّ‬
‫خيصص للقايض مس�اعد ًة له عىل‬ ‫واحلب ا َّل�ذي َّ‬
‫ِّ‬ ‫حمم�د بن س�لطان بالعادة م�ن التَّمر‬ ‫َّ‬
‫الش�يخ ق�د َّ‬
‫تقال‬ ‫الش�يخ‪ ،‬فظ َّن َّ‬
‫أن َّ‬ ‫علم�ه‪ ،‬ف�ر َّده‪ ،‬إلاَّ أن األمير فهم خلاف ما قصد َّ‬
‫الشيخ‪ :‬إنَّني مل أر َّدها ألنَّني متقالهُّ ا‪ ،‬وإنَّام لعدم‬‫املخصص‪ ،‬فضاعفها وأتى هبا‪ ،‬فقال له َّ‬ ‫َّ‬
‫مقابل‪َّ ،‬‬
‫ولعل ذ َّمتي تربأ‪،‬‬ ‫ٍ‬ ‫حاجت�ي إليه�ا‪ ،‬ولكن إذا كان يعجبكم أن أقيض لكم ب�دون‬
‫وإال فأعفوين‪.‬‬
‫ولـمـا عاد إىل املنزل وجد أهله قد‬ ‫ومرة نفد ملح ال َّطعام من منزله‪ ،‬فعلم بذلك‪َّ ،‬‬ ‫َّ‬
‫ٍ‬
‫طبخوا عش�اءهم‪ ،‬فق�ال هلم‪ :‬من أين امللح؟ قالوا‪ :‬من بيت فلان‪ ،‬فأمر بأن ال يأكلوا‬
‫منه شيئ ًا‪ ،‬وأن يتصدَّ قوا به(‪.)2‬‬
‫*‬ ‫*‬ ‫*‬

‫السنويس ‪ -‬رمحه اهلل ‪ )3(-‬عفيف ًا‪ ،‬حيرتز من الـمـال العا ِّم‪،‬‬


‫ُّ‬ ‫املهدي‬
‫ُّ‬ ‫حممد‬ ‫كان َّ‬
‫الشيخ َّ‬

‫الش�يخ حممد بن عمر العمري يف بريدة يف حدود س�نة (‪1235‬ه�ـ)‪ ،‬وأخذ عن علـمـاء بلده‪.‬‬ ‫(‪ )1‬ول�د َّ‬
‫وق�د عين قاضي ًا يف اخلرباء يف أوائ�ل القرن َّ‬
‫الرابع عرش‪ .‬وع�رف ‪ -‬رمحه اهلل ‪ -‬بالتق�وى والعفة والورع‪،‬‬
‫فكان ال يأخذ املخصص للقايض ويرتكه تعفف ًا وورع ًا‪ .‬توىف يف حدود سنة (‪1318‬هـ)‪« .‬علـمـاء نجد»‪.‬‬

‫(‪« )2‬علـمـاء نجد خالل ثامنية قرون» (‪.)350/6‬‬

‫(‪ )3‬ولد َّ‬


‫الشيخ حممد املهدي بن حممد بن عيل السنويس يف اجلبل األخرض يف ليبيا سنة (‪1260‬هـ)‪=،‬‬

‫‪282‬‬
‫العثامين الفريق رش�يد باش�ا‪َّ ،‬‬
‫وحل‬ ‫ُّ‬ ‫فعىل س�بيل املثال‪ :‬وصل إىل اجلغبوب حاكم برقة‬
‫الضيف باإلكرام واالحرتام‬ ‫املهدي‪ ،‬فعومل هذا َّ‬ ‫ِّ‬ ‫مكرم ًا عىل اإلمام‬
‫بطبيعة احلال ضيف ًا َّ‬
‫أن‬ ‫امله�دي ال َّطعام إلاَّ َّ‬
‫مرتين اثنتني‪ ،‬وم�ر ُّد ذلك إىل َّ‬ ‫ِّ‬ ‫حمم ٍد‬
‫والتَّقدي�ر‪ ،‬ومل يتن�اول م�ع َّ‬
‫والزكاة‬
‫والصدقات َّ‬ ‫موارد اجلغب�وب ا َّلتي ينفق منها كانت من األوقاف اإلسلام َّية‪َّ ،‬‬
‫ثم‬
‫رب واإلحس�ان‪َّ ،‬‬‫ربعون هبا لتنفق عىل أوجه ال ِّ‬
‫خصصها املت ِّ‬‫الشرَّ ع َّي�ة‪ ،‬واهلبات ا َّلت�ي َّ‬
‫ما احتسب للمش�اريع اإلصالح َّية واإلنشاء والتَّعمري‪ ،‬ولإلنفاق عىل املشاريع‪ ،‬وعىل‬
‫الضيافة‬ ‫السبيل‪ ،‬واملعرسين‪ ،‬وبطبيعة احلال َّ‬
‫إن دار ِّ‬ ‫طلاَّ ب العلم‪ُّ ،‬‬
‫والضيوف وعابري َّ‬
‫‪ -‬وه�ي أحد هذه املش�اريع ‪ -‬ه�ي ا َّلتي تقوم بإك�رام ضيف اجلغب�وب الكبري‪ ،‬وكان‬
‫الس�نويس يتحاش�ى أن يصل إلي�ه يش ٌء من ذلك‪ ،‬وهك�ذا ال يمكنه ‪ -‬عىل ما‬
‫ُّ‬ ‫امله�دي‬
‫ُّ‬
‫يظهر ‪ -‬أن يتناول من األطمعة ا َّلتي تعدُّ لرشيد باشا‪ ،‬إزاء هذه احلالة أقام مأدبتني من‬
‫اخلاص لضيف اجلغبوب املحرتم‪ ،‬وتناول معه ال َّطعام(‪.)1‬‬
‫ِّ‬ ‫ماله‬
‫*‬ ‫*‬ ‫*‬
‫حممد بن إبراهيم عن أبيه َّ‬
‫الشيخ إبراهيم رمحهام اهلل(‪ :)2‬عندما وضعت‬ ‫قال َّ‬
‫الشيخ َّ‬

‫= ولـمـا بلغ السادس�ة من عمره أدخله والده املدرس�ة القرآنية فأتم حفظ القرآن يف الس�ابعة من عمره‪،‬‬
‫وزوج�ه أبوه وهو ابن مخس�ة عرش عاما‪ .‬توىل زعامة احلركة السنوس�ية بعد وف�اة والده واتصف بصفات‬
‫القادة الربانيني من العلم والثقة باهلل والقدوة احلسنة والصدق والشجاعة‪ .‬تويف سنة (‪1320‬هـ)‪« .‬الثامر‬
‫الزكية للحركة السنوسية يف ليبيا» تأليف د‪ .‬عيل الصاليب‪.‬‬

‫(‪« )1‬الثامر الزكية للحركة السنوسية يف ليبيا» تأليف د‪ .‬عيل حممد الصاليب (ص ‪.)265‬‬

‫الرياض س�نة (‪1280‬ه�ـ) يف بيت علم‬ ‫الش�يخ إبراهي�م بن عبد اللطيف آل َّ‬
‫الش�يخ يف مدينة ّ‬ ‫(‪ )2‬ول�د َّ‬
‫وفضل‪ .‬وتوىل قضاء الرياض سنة (‪1319‬هـ)‪ .‬وكانت له حلقات عامرة يف التدريس بأنواع العلوم‪ .‬وقد‬
‫عرف بالعلم وكرم اخللق‪ ،‬والقوة يف األمر باملعروف والنهي عن املنكر‪ .‬تويف سنة (‪1329‬هـ)‪« .‬علـمـاء‬
‫نجد»‪.‬‬

‫‪283‬‬
‫فلـمـا بدأ باألكل‬
‫له أ ِّمي العش�اء يف أحد األ َّيام وكان بعد العرص ‪ -‬يف ذلك الوقت ‪َّ -‬‬
‫الش�يوخ ‪ -‬يعني امللك عب�د العزيز وكان‬ ‫ٌ‬
‫رس�ول من ُّ‬ ‫إذا بالب�اب يط�رق‪ ،‬فخ�رج فإذا‬
‫ال عن‬‫حمم�د نق ً‬
‫الش�يخ َّ‬ ‫يس�مى بذل�ك يف ذلك الوقت ‪ -‬خيبره بتكليفه بالقضاء‪ ،‬قال َّ‬ ‫َّ‬
‫والدته‪ :‬فدخل البيت مهموم ًا وترك العشاء وغسل يديه ومل يتناول إلاَّ اليسري وحلظت‬
‫السبب فأخربها بأنَّه ويل القضاء(‪.)1‬‬
‫فلـمـا أصبح سألته عن َّ‬‫عليه يف ال َّليل عدم نومه‪َّ ،‬‬
‫* * *‬
‫العيل ‪ -‬رمحه اهلل ‪ )2(-‬قال ابنه عبد اهلل‪ :‬ذهبت‬
‫مقبل ِّ‬ ‫عيل بن ٍ‬ ‫الش�يخ ِّ‬‫جاء يف ترمجة َّ‬
‫الصبح أخرج يل‬ ‫فلـمـا خرجنا م�ن بريدة بعد صلاة ُّ‬ ‫م�ر ًة نريد البدائ�ع‪َّ ،‬‬‫م�ع والدي َّ‬
‫ثم أخرج لنفسه مثلها فأكلها‪.‬‬ ‫ٍ‬
‫مترات من جيبه‪ ،‬وقال‪ :‬كلها‪ ،‬فأكلتها‪َّ ،‬‬
‫س�يمر ببعض من يتعامل معه�م بالدَّ ين أو القرض‪ ،‬وال يريد‬ ‫ُّ‬ ‫وكان ‪ -‬رمحه اهلل ‪-‬‬
‫أن يطعم عندهم‪ ،‬ويتحاش�ى الكذب بأن يقول‪ :‬قد طعمنا‪ ،‬وهو مل يطعم‪ ،‬فطعم هذه‬
‫التَّم�رات‪ ،‬وأطع�م ابن�ه مثلها بعد ًا ع�ن الكذب عندم�ا يعتذر من أكل طع�ام النَّاس‪،‬‬
‫وقص�ده بذل�ك ‪ -‬رمحه اهلل ‪ -‬الورع والتع ُّفف والبعد عن ش�بهة ِّ‬
‫ج�ر املنفعة يف الدَّ ين‬
‫والق�رض لعمالئ�ه‪ .‬قال ابنه عب�د اهلل‪ :‬فمررنا بأح�د املزارعني وطلب م�ن الوالد أن‬
‫بقرية أخرى‪ ،‬فطلب منه صاحبها مثل‬ ‫ٍ‬ ‫ثم مررنا‬‫يطع�م عنده فرفض‪ ،‬وقال‪ :‬ق�د أكلنا‪َّ ،‬‬
‫األول‪ ،‬فقال‪ :‬قد أكلنا(‪.)3‬‬
‫َّ‬
‫* * *‬

‫(‪« )1‬سيرة سماحة َّ‬


‫الش�يخ حممد بن إبراهيم‪ .‬رواي�ة‪ :‬محد بن محني» (ص ‪ )47‬إع�داد نارص بن محد بن‬
‫محني‪.‬‬

‫(‪ )2‬ولد َّ‬


‫الشيخ عيل بن مقبل العيل يف مدينة بريدة سنة (‪1241‬هـ)‪ ،‬وتلقى العلم عىل علـمـائها‪ ،‬وكان‬
‫يش�تغل بالتجارة والرشاء بالس�لم على ّ‬
‫الطريقة املرشوعة دون أن يش�غله ذلك عن العل�م والعبادة‪ ،‬وقد‬
‫عرف بالعفة والورع والعطف عىل الفقراء واملساكني‪ .‬تويف سنة (‪1334‬هـ)‪« .‬علـمـاء نجد»‪.‬‬

‫(‪« )3‬علـمـاء نجد» (‪.)304/5‬‬

‫‪284‬‬
285
286
‫توا�ضعهم‬

‫‪287‬‬
288
‫الرمحن بن حييى املعلمي ‪ -‬رمحه اهلل ‪ )1(-‬يف غاية التَّواضع‪ ،‬ويكره‬ ‫كان َّ‬
‫الشيخ عبد َّ‬
‫الش�يخ العلاَّ مة املحدِّ ث أمحد ش�اكر ‪ -‬رمح�ه اهلل ‪ -‬يريد زيارة‬ ‫ال ُّظه�ور‪ ،‬فقد جاء َّ‬
‫مر ًة َّ‬
‫الشيخ املعلمي يف مكتبة احلرم املك ِِّّي ا َّلتي كان َّ‬
‫الشيخ املعلمي ‪ -‬رمحه اهلل ‪ -‬أمين ًا هلا ‪-‬‬ ‫َّ‬
‫ولـمـا طال انتظاره ومل يقابل‬ ‫للشيخ شاكر َّ‬
‫الشاي‪َّ ،‬‬ ‫ومل يكن هلا لقا ٌء قبل هذا ‪ ،-‬فقدَّ م َّ‬
‫الشيخ شاكر املو َّظف هناك‪ ،‬وبينَّ له سبب جميئه هو زيارة َّ‬
‫الشيخ‬ ‫الشيخ املعلمي‪ ،‬سأل َّ‬
‫َّ‬
‫املعلمي‪ ،‬فأجاب املو َّظف‪ :‬س�بحان اهلل! ا َّلذي جاء َّ‬
‫بالش�اي لك هو َّ‬
‫الش�يخ املعلمي‪،‬‬
‫فتأ َّثر أمحد شاكر حتَّى إنَّه بكى من شدَّ ة التَّأ ُّثر(‪.)2‬‬
‫*‬ ‫*‬ ‫*‬
‫الرءوف سامل ‪ -‬رمحه اهلل ‪ )3( -‬متواضع ًا يف ملبسه ومأكله ومنطقه‪،‬‬ ‫كان َّ‬
‫الشيخ عبد َّ‬
‫صغري وال ٍ‬
‫كبري‪َ ،‬م ْن رأى َّ‬
‫الشيخ وهو ال يعرفه ظ َّن أنَّه من عا َّمة النَّاس‬ ‫ٍ‬ ‫ال يتكبرَّ ال عىل‬
‫الرءوف س�امل أعىل مرج ٍع لعل�م القراءات يف‬ ‫ومل خيط�ر ببال�ه َّ‬
‫أن ه�ذا هو َّ‬
‫الش�يخ عبد َّ‬
‫اإلسلامي‪ ،‬وم�ن العاملقة يف علم الق�راءات وما‬
‫ِّ‬ ‫الكوي�ت‪ ،‬ب�ل ممَّن يع�دُّ ون يف العامل‬

‫الرمحن بن حييى بن عيل املعلمي ‪ -‬رمحه اهلل ‪ -‬يف مـخالف من ناحية عتمة‬
‫الش�يخ املحدث عبد َّ‬‫(‪ )1‬ولد َّ‬
‫ثم رحل إىل عسير‬‫يف اليم�ن س�نة (‪ 1313‬ه�ـ)‪ ،‬ونش�أ يف أرسة حمبة للعل�م‪ ،‬فدرس على علـمـاء بلده‪َّ ،‬‬
‫ثم اس�تقر يف مكة‪ .‬توىل أمانة مكتبة احلرم املكي‪ ،‬وصنف العديد من املصنفات‪ .‬تويف س�نة‬
‫وعدن واهلند‪َّ ،‬‬
‫(‪1386‬هـ)‪« .‬األعالم» للزركيل (‪.)342/3‬‬

‫(‪ )2‬موقع« ملتقى أهل احلديث»‪.‬‬

‫الرءوف حممد إبراهيم س�امل ‪ -‬رمحه اهلل ‪ -‬يف (‪1344‬هـ) املوافق (‪1925‬م) يف قرية‬
‫الش�يخ عبد َّ‬ ‫(‪ )3‬ولد َّ‬
‫رسابيوم يف حمافظة اإلسماعيلية بمرص‪ .‬نش�أ يتي ًام‪ ،‬حصل عىل إجازة حفص سنة (‪1946‬م)‪ ،‬وحصل عىل‬
‫التخصص يف القراءات س�نة (‪1953‬م)‪ ،‬عمل يف معهد‬ ‫ُّ‬ ‫الش�هادة العاملية س�نة (‪1949‬م)‪ ،‬وحصل على‬
‫مدرس� ًا يف دار القرآن الكري�م وكلية الرشيعة‪،‬‬
‫الق�راءات مدرس� ًا يف القاهرة‪ ،‬س�افر إىل الكويت وعم�ل ِّ‬
‫وعمل يف اإلرشاف عىل طباعة املصاحف يف الكويت‪ .‬تويف ‪ -‬رمحه اهلل ‪ -‬سنة (‪1997‬م)‪.‬‬

‫‪289‬‬
‫اإلسالمي‪.‬‬
‫ِّ‬ ‫يلحق هبا خصوص ًا علم عدِّ اآلي عىل مستوى العامل‬
‫يتكرر دائ ًام ويش�اهده‬
‫موقف َّ‬ ‫ٌ‬ ‫وهناك مواقف تذكِّرنا بصربه وعظيم تواضعه وهو‬
‫الشيخ ‪ -‬رمحه اهلل ‪ -‬كان جيلس مرت ِّبع ًا من بداية الدَّ رس‬ ‫ٍ‬
‫درس‪ ،‬وذلك أن َّ‬ ‫طلاَّ به يف ِّ‬
‫كل‬
‫الس ِّن ومع ذلك مل يكن يمدُّ رجليه يف الدَّ رس‪،‬‬‫إىل هنايته‪ ،‬وكانت ركبته تؤمله بسبب كرب ِّ‬
‫قل َم ْن حيرص عليه‬‫ف‪ ،‬وهذا َّ‬ ‫ظل عىل حاله حتَّى ينتهي الدَّ رس دون تضج ٍر أو تأ ُّف ٍ‬
‫بل َّ‬
‫ُّ‬
‫يف وقتنا من ال َّطلبة وكذا مع ِّلميهم(‪.)1‬‬
‫*‬ ‫*‬ ‫*‬

‫�عراوي ‪ -‬رمحه اهلل‪-‬‬


‫َّ‬ ‫الش�يخ َّ‬
‫الش‬ ‫حيك�ى َّ‬
‫أن إحدى اجلامعات املرص َّية اس�تضافت َّ‬
‫(‪ )2‬لتكريم�ه يف أحد احلفلات ال ُّطلاَّ ب َّية الكربى ا َّلتي كان حيرضها اآلالف من املح ِّبني‬

‫(‪« )1‬فتح رب البيت يف ذكر مشايخ القرآن بدولة الكويت» للشيخ يارس إبراهيم املزروعي (ص ‪.)104‬‬

‫الش�يخ حممد متويل الش�عراوي ‪ -‬رمحه اهلل ‪ -‬يف ‪ 5‬أبريل س�نة (‪1911‬م) بقرية دقادوس‪،‬‬ ‫(‪ )2‬ولد فضيلة َّ‬
‫مرك�ز ميت غمر‪ ،‬بمحافظة الدقهلية‪ ،‬وحفظ الق�رآن الكريم يف احلادية عرشة من عمره‪ ،‬التحق باألزهر‪،‬‬
‫وحصل عىل العاملية‪ ،‬ودرس يف العديد من املعاهد واجلامعات داخل وخارج مرص‪ ،‬وقد اشتهر بخواطره‬
‫الش�يخ الشعراوي العديد من املناصب‪ ،‬وحصل عىل العديد من‬ ‫يف التفسير ا َّلتي بلغت اآلفاق‪ ،‬وقد تق َّلد َّ‬
‫اجلوائز‪ .‬تويف سنة (‪ 1428‬هـ) املوافق سنة (‪.)1998‬موقع «ملتقى أهل احلديث»‪.‬‬

‫‪290‬‬
‫تكريم م�ن نو ٍع آخر من اجلامهري املح َّبة‬‫ٌ‬ ‫للش�يخ‪ ،‬وبع�د إهناء حفل التَّكريم‪ ،‬كان هناك‬ ‫َّ‬
‫للشيخ محل سيارته بأيدهيم ِم ْن عىل األرض‪،‬‬ ‫للشيخ‪ ،‬فقد َّقررت اجلامهري اهلائلة املح َّبة َّ‬‫َّ‬
‫الشيخ تأ ُّثر ًا‬
‫الشيخ‪ ،‬تأ َّثر َّ‬
‫اجلامعي حممول ًة عىل أيدهيم وبداخلها َّ‬
‫ِّ‬ ‫واخلروج هبا من احلرم‬
‫الك ‪ ،‬أو يتأ َّثر تواضع�ه هبذه ِ‬‫ِ‬
‫الف ْعلة‪،‬‬ ‫وقرر أن يؤ ِّدب نفس�ه حتَّ�ى ال يدخلها برْ‬ ‫ش�ديد ًا‪َّ ،‬‬
‫الـمـ ْلحقة باملسجد‪َّ ،‬قرر أن‬ ‫وقرر أن ين ِّظف دورات املياه ُ‬‫فذهب إىل مس�جد احلسني‪َّ ،‬‬
‫ين ِّظفها بنفسه وبيده‪ ،‬دخل عليه ابنه وقال‪ :‬ماذا تفعل يا أيب؟ قال له‪َّ :‬قررت أن أؤ ِّدب‬
‫وأعرفها َقدْ رها(‪!)1‬‬
‫نفيس ِّ‬
‫*‬ ‫*‬ ‫*‬

‫السلام حبوس ‪ -‬رمحه اهلل ‪ -‬طريق ٌة يف َّ‬


‫السالم اشتهر هبا يف‬ ‫كانت َّ‬
‫للش�يخ عبد َّ‬
‫(‪)2‬‬

‫رأس�ه‪ ،‬وال‬ ‫كل َم ْن جاءه يس� ِّلم عليه يق ِّبل َّ‬


‫الش ُ‬
‫�يخ َ‬ ‫أن َّ‬
‫الس�نوات العرش األخرية وهي َّ‬
‫َّ‬

‫(‪ )1‬رواية األستاذ خالد اجلندي‪.‬‬

‫السلام حممد حمم�د إبراهيم حبوس املصري األزهري الش�افعي ‪ -‬رمحه اهلل ‪ -‬يف‬ ‫الش�يخ عبد َّ‬ ‫(‪ )2‬ول�د َّ‬
‫األويل عىل‬
‫قري�ة اجلعفري�ة بمحافظ�ة الرشقية بمرص س�نة (‪1356‬هـ) املواف�ق (‪1936‬م)‪ .‬تلقى تعليم�ه َّ‬
‫الك َّت�اب‪ ،‬وكان�ت أول إجازة له يف القرآن الكريم وهو ابن ثالث عرشة س�نة‪ ،‬عمل إمام ًا وخطيب ًا بمرص‪،‬‬
‫وعمل مدرس ًا بمعهد املدينة العلمي باملدينة املنورة‪ ،‬وعمل إمام ًا وخطيب ًا وحمفظ ًا يف دور القرآن الكريم يف‬
‫الكويت‪ .‬تويف ‪ -‬رمحه اهلل ‪ -‬سنة (‪1429‬هـ) املوافق (‪2008‬م)‪.‬‬

‫‪291‬‬
‫الشيخ يامنع أشدَّ املامنعة‪،‬‬ ‫الشيخ ولو حاول‪ ،‬وجيد َّ‬
‫أن َّ‬ ‫ٍ‬
‫إنسان أن يق ِّبل رأس َّ‬ ‫أي‬
‫يستطيع ُّ‬
‫وكثري‬
‫ٌ‬ ‫بقو ٍة ويق ِّبله‪،‬‬ ‫للشيخ من إعطائه رأسه للتَّقبيل يمسك َّ‬
‫الشيخ رأسه َّ‬ ‫و َم ْن ال يلني َّ‬
‫أن ال َّطالب هو ا َّلذي يق ِّبل‬
‫ألن األصل َّ‬ ‫للش�يخ من تقبيل رأس�ه؛ َّ‬ ‫من ال َّطلبة كان يامنع َّ‬
‫بقو ٍة‪.‬‬ ‫وقوته قد تؤ ِّثر عىل َم ْن يامنع يف َل ِّ‬
‫ـي رقبته َّ‬ ‫الشيخ‪ ،‬لكن من شدَّ ة َّ‬
‫الشيخ َّ‬ ‫رأس َّ‬
‫َّبي ‪ -‬صىل اهلل عليه وسلم‪-‬‬ ‫للرأس يقول َّ‬
‫الشيخ‪ :‬إنَّه رأى الن َّ‬ ‫وقصة تقبيل َّ‬
‫الش�يخ َّ‬ ‫َّ‬
‫َّبي صىل اهلل عليه وس�لم‪ ،‬وعندما انتهى‬
‫السلام رأس الن ِّ‬ ‫يف املن�ام‪ ،‬وق َّب�ل َّ‬
‫الش�يخ عبد َّ‬
‫َّبي صىل‬ ‫ٍ‬
‫َّبي صىل اهلل عليه وس�لم وجد بعض ش�عرات من رأس الن ِّ‬
‫من تقبيل رأس الن ِّ‬
‫يسهل حفظ القرآن ِّ‬
‫لكل‬ ‫اهلل عليه وس�لم يف فمه‪ ،‬فعندما اس�تيقظ من نومه دعا اهلل أن ِّ‬
‫َم ْن ق َّبل رأس�ه‪ ،‬خَّ‬
‫واتذ عىل نفس�ه أن يق ِّبل رأس ِّ‬
‫كل َم ْن يظ ُّن فيه خري ًا‪ ،‬وعليه سار عىل‬
‫منهجه‪ ،‬وقد يس�تغرب من فعله الكثري ولكن ما أن يعرف َّ‬
‫الش�يخ وحتصل معه املو َّدة‬

‫إلاَّ أنَّه ُّ‬


‫حيب َّ‬
‫الشيخ ويداوم عىل صلته له(‪.)1‬‬

‫*‬ ‫*‬ ‫*‬

‫(‪« )1‬فتح رب البيت يف ذكر مشايخ القرآن بدولة الكويت» للشيخ يارس إبراهيم املزروعي (ص ‪.)149‬‬

‫‪292‬‬
293
294
‫جهادهم‬

‫‪295‬‬
296
‫الروس َّية‬ ‫أراد َّ‬
‫الش�يخ الغازي حممد األنصكويل ‪ -‬رمحه اهلل ‪ -‬قطع سلطة الدَّ ولة ُّ‬
‫(‪)1‬‬

‫ٍ‬
‫مقاتل‪،‬‬ ‫فكون جيش� ًا قوام�ه (‪)8000‬‬
‫عن بالد داغس�تان‪ ،‬وتوس�يع دائرة اإلسلام‪َّ ،‬‬
‫الروس يف مرتفعات بلدة (تارغو)‪ ،‬وحصل مقاوم ٌة عظيم ٌة‪ ،‬تلف من عسكره‬
‫وهاجم ُّ‬
‫فانضم إليه مجاع ٌة كثري ٌة من أهلها (‪ ،)2‬ومن البالد‬
‫َّ‬ ‫كثري‪َّ ،‬فر بعضهم إىل ِّ‬
‫الشيش�ان‪،‬‬ ‫خلق ٌ‬‫ٌ‬
‫الروس زمن ًا‪ ،‬حتَّى حورص هو وجمموعته يف قرية (كيمرة)‪ ،‬فاستشهد‪،‬‬
‫املجاورة‪ ،‬وقاتل ُّ‬
‫وبقي رفيقه (شامل) بني القتىل ح ًّيا‪.‬‬
‫ولـمـا قتلوه محلوا جسده‪ ،‬وطرحوه فوق جبل (تارغو)‪ ،‬وج َّففوه‪ ،‬وحفظوه مدَّ ًة‬
‫َّ‬
‫ثم دفنوه‪.‬‬
‫مديدةً‪َّ ،‬‬
‫ويف زم�ن اإلمام (ش�امل أفندي)‪ ،‬أرس�ل َم ْن ينب�ش قربه‪ ،‬ومحل�وه إىل (كيمرة)‪،‬‬
‫ودفنوه فيها‪.‬‬
‫*‬ ‫*‬ ‫*‬
‫ت�ولىَّ املجاه�د ش�امل ب�ن دن�كاو الداغس�تاين ‪ -‬رمح�ه اهلل ‪ )3(-‬أم�ر اجله�اد يف‬
‫الروس املحت ِّلني بعد وفاة رفيق دربه َّ‬
‫الش�يخ الغازي حممد بن إسامعيل‬ ‫داغس�تان ضدَّ ُّ‬

‫(‪َّ )1‬‬
‫الش�يخ حمم�د بن إسماعيل األنصكويل أحد مش�اهري الفضل واجله�اد يف داغس�تان يف القرن الثالث‬
‫الروس‪ ،‬ح َّتى قتل يف إحدى املعارك س�نة‬
‫عشر‪ ،‬ولد يف قرية أنصكول يف داغس�تان‪ ،‬ع�رف بجهاده ضد ُّ‬
‫(‪1248‬هـ)‪.‬‬

‫(‪« )2‬نزهة األذهان يف تراجم علـمـاء داغستان» لنذير الدركيل‪.‬‬

‫الشيخ املجاهد شامل بن دنكاو حممد الكمراوي سنة (‪1212‬هـ) يف قرية (كيمرة) يف داغستان‪.‬‬ ‫(‪ )3‬ولد َّ‬
‫زكاه مجاعة من علـمـاء املسلمني يف‬ ‫الزم علـمـاء بلده‪ ،‬ولظروف بالده اشتغل باجلهاد يف سبيل اهلل‪ ،‬وقد َّ‬
‫زمانه‪ ،‬وظل عىل هذه احلال ح َّتى ضعف أمر دولته‪ ،‬فاستقر آخر حياته يف روسيا‪ ،‬وتويف باملدينة املنورة يف‬
‫رحلة حج سنة (‪1287‬هـ) املوافق (‪1871‬م)‪.‬‬

‫‪297‬‬
‫مقاتل‪ ،‬وكان له مدافع اس�تخدم‬ ‫ٍ‬ ‫األنصك�ويل‪ ،‬ف�كان له جندٌ ُمن َّظ ٌم بل�غ (‪)60.000‬‬
‫به أحد املتخرجني الدَّ اغس�تان ِّيني يف مدارس مرص‪ ،‬وله بي�ت ٍ‬
‫مال ُمن َّظ ٍم غاية التَّنظيم‪،‬‬ ‫ِّ‬
‫ومعامل كثري ٌة للبارود‪ ،‬ومعامل لألسلحة الباردة‪.‬‬
‫وأق�ام دول� ًة مدن َّي ًة ُمن َّظم ًة قس�مها إىل نواحي‪ ،‬وعينَّ هلا َّنواب� ًا‪ ،‬وقضاةً‪ ،‬وعلـمـاء‬
‫مع ِّلمني‪.‬‬
‫ومن دالئل نجابته أنَّه أ َّلف من األمم اجلبل َّية خمتلفة األلسنة‪ ،‬وال َّطبائع جند ًا منظ ًام‪،‬‬
‫الروس� َّية مدَّ ة مخس�ة وعرشين عام ًا‪ ،‬بحي�ث اندهش له العامل الغر ُّ‬
‫يب‪،‬‬ ‫وقاوم به الدَّ ولة ُّ‬
‫السياسة(‪.)1‬‬
‫وذكروا اسمه يف صفحات اجلرائد‪ ،‬وندوات ِّ‬
‫*‬ ‫*‬ ‫*‬
‫الرمحن ‪ -‬رمح�ه اهلل ‪ )2(-‬صاحب كتاب «إظهار احلق» يف‬ ‫َّ‬
‫الش�يخ رمحة اهلل بن عبد َّ‬
‫املس�ائل ا َّلتي وقعت فيها املناظرة بينه وبني القسيس َّ‬
‫الشهري فاندر سنة (‪1270‬هـ) يف‬
‫بلدة (آكره) املش�هورة من بالد اهلند‪ ،‬وذلك َّ‬
‫أن اجلمع َّية املس�يح َّية استقدمته من لندره‬
‫(لندن) لنرش الدِّ يانة املس�يح َّية يف األقطار اهلند َّية‪ ،‬فقام من طرفها مأمور ًا بالدَّ عوة هلا‪،‬‬
‫وأعل�ن بطل�ب املناظ�رة من علـمـاء اإلسلام يف أحق َّية اإلسلام وصدق�ه‪ ،‬فأخذت‬
‫ٍ‬
‫مـحفل‬ ‫األس�تاذ الغيرة الدِّ ين َّية‪ ،‬واحلم َّية اإلسلام َّية‪ ،‬فق�ام بمناظرة هذا القس�يس يف‬
‫بأل�وف م�ن اجلامع�ات الوطن ِّيين‪ ،‬والعلـمـ�اء‪ ،‬واحلكامء وغريه�م من ذوي‬ ‫ٍ‬ ‫غ�اص‬
‫الس�عادة‪ ،‬فاتَّصل‬
‫وفر م�ن اهلند‪ ،‬ووصل إىل دار َّ‬
‫احليث َّيات‪،‬فغل�ب القس�يس‪ ،‬واهنزم‪َّ ،‬‬

‫(‪« )1‬نزهة األذهان يف تراجم علـمـاء داغستان» لنذير الدركيل‪.‬‬

‫الرمحن ‪ -‬رمحه اهلل ‪ -‬س�نة (‪1233‬هـ) يف بلدة آك�ره يف اهلند‪ ،‬ودرس‬ ‫(‪ )2‬ول�د َّ‬
‫الش�يخ رمحة اهلل ب�ن عبد َّ‬
‫ودرس فيها‪ ،‬هو ا َّلذي أشار عىل َّ‬
‫السيدة احلسنة‬ ‫العلوم العقلية والنقلية عىل علـمـاء اهلند‪ .‬رحل إىل مكة‪َّ ،‬‬
‫صولة النساء ببناء املدرسة الصولية يف مكة سنة (‪1293‬هـ)‪ .‬تويف سنة (‪1338‬هـ)‪.‬‬

‫‪298‬‬
‫بالسلطان عبد العزيز خان‪ ،‬فاستفرس من أمري مكَّة الشرَّ يف عبد اهلل بن عون عن‬
‫خربه ُّ‬
‫احلجاج الواردين من اهلند‪،‬‬‫األس�تاذ‪ ،‬وحقيقة املناظرة‪ ،‬وأمره بالبحث والتَّنقي�ب من َّ‬
‫الس� ِّيد أمحد دحالن خربه‪ ،‬فأجابه بأنَّه قد‬ ‫ٍ‬
‫فس�أل األمري املذكور شيخ العلـمـاء حينئذ َّ‬
‫السلطان حضوره إليه‪َّ ،‬‬
‫فحل األستاذ ضيف ًا كري ًام عليه‪،‬‬ ‫وصل األستاذ إىل مكَّة‪ ،‬فطلب ُّ‬
‫قص عليه صورة ما جرى بينه وبني القسيس (فاندر) أمره بتأليف هذا الكتاب‬
‫ولـمـا َّ‬
‫َّ‬
‫يرصح األس�تاذ بذلك يف خطبته‪،‬‬
‫الس�عادة‪ ،‬ومل ِّ‬
‫احلق»‪ ،‬فشرع يف تأليفه بدار َّ‬
‫«إظه�ار ِّ‬
‫الس�بب يف تأليفه ش�يخ العلـمـ�اء‪ ،‬حيث كان الواس�طة يف التَّنويه باس�مه‪،‬‬
‫ب�ل جعل َّ‬
‫فعل�م ذل�ك من تواضع األس�تاذ‪ ،‬واعرتافه بالفضل لصاحب�ه‪ ،‬وال يعرف الفضل من‬
‫وح َسدُ‬
‫رجل غريب الوطن‪َ ،‬‬ ‫النَّاس إلاَّ ذووه‪َّ ،‬‬
‫ولـمـا رحل إىل مكَّة خطر له يف باله أنَّه ٌ‬
‫معروف وال ُينْكر‪ ،‬فاستحس�ن املقابلة م�ع رئيس العلـمـاء يف‬
‫ٌ‬ ‫ِ‬
‫العلـمـ�اء مع بعضهم‬
‫الس ِّيد أمحد بن زيني دحالن‪ ،‬والدُّ خول يف سلك‬
‫املكرمة َّ‬ ‫زمانه‪ ،‬ومفتي َّ‬
‫الشافع َّية بمكَّة َّ‬
‫البخاري ومسلم‪ ،‬فأجازه يف رواية‬
‫ِّ‬ ‫تالمذته‪ ،‬فقابله واجتمع به‪ ،‬وقرأ جزء ًا من صحيح‬
‫احلدي�ث عنه‪ ،‬وكتب له س�ند احلديث وغريه‪ ،‬وكان َّ‬
‫الش�يخ ‪ -‬رمح�ه اهلل ‪ -‬يرت َّدد عليه‬
‫ثم يف اليوم ال َّثاين كذلك‪ ،‬فقال‬
‫لـمـا ذهب إليه وجده حزين ًا‪َّ ،‬‬ ‫دائ ً‬
‫ما‪ ،‬ففي بع�ض األ َّيام َّ‬
‫الش�يخ‪ :‬يا موالنا‪ ،‬أراكم م�ن يومني متغيرِّ اخلاطر‪ ،‬حزين ًا مغموم� ًا‪ ،‬فأخرج ورق ًة من‬
‫َّ‬
‫الس�لطان عبد‬
‫حت�ت وس�ادته وأعطاه له وقال‪ :‬اق�رأ هذه الورقة‪ ،‬ف�إذا هي من طرف ُّ‬
‫أن قسيس ًا من النَّصارى جاء إىل اآلستانة يريد املناظرة مع علـمـاء‬
‫العزيز خان‪ ،‬وفيها َّ‬
‫املس�لمني‪ ،‬ويقول‪ :‬اطلب�وا يل عالـمـ ًا من علـمـاء احلرم ألناظ�ره معه‪ ،‬فبِنا ًء عىل هذا‬
‫ثم قال‪ :‬ما‬ ‫يل�زم حضور عاملٍ ٍ‬
‫ماهر يف ف ِّن املناظرة يف اآلس�تانة ملناظرة ذلك القس�يس‪َّ ،‬‬
‫أرى أح�د ًا م�ن العلـمـاء املوجودين اآلن بمكَّة جامع ًا للعل�وم ماهر ًا هلذا الف ِّن‪ ،‬فقال‬

‫‪299‬‬
‫حارض خلدمة اإلسالم‪،‬‬
‫ٌ‬ ‫املرتجم‪ :‬ال هتتم يا موالنا يف هذا األمر‪َّ ،‬‬
‫فإن العبد احلقري خاد ٌم‬
‫حصة من عمري يف ر ِّد ُش َبه املبطلني‪ ،‬ومناظرة‬
‫ومستعدٌّ هلذا األمر اجلليل‪ ،‬وقد رصفت َّ‬
‫امللحدين‪ .‬وأخربه بام جرى من املناظرة بينه وبني قس�يس اهلند (فاندر) س�نة (‪1270‬‬
‫فوجهه إىل اآلستانة سنة‬
‫حممد‪َّ ،‬‬
‫الس ِّيد عند الشرَّ يف عبد اهلل ابن الشرَّ يف َّ‬
‫ثم ذكره َّ‬
‫هـ)‪َّ ،‬‬
‫الس�لطان‬ ‫فلـمـا وصل املرتجم إىل اآلس�تانة َّ‬
‫حل ضيف ًا كري ًام يف رساي ُّ‬ ‫(‪1279‬ه�ـ)‪َّ ،‬‬
‫الش�يخ‪ ،‬وكان ذلك القسيس هو ا َّلذي‬
‫فلـمـا س�مع القس�يس خرب جميء َّ‬
‫عبد العزيز‪َّ ،‬‬
‫الش�يخ يف اآلستانة سن ًة‬
‫الش�يخ يف اهلند واس�مه (فاندر) َّفر من اآلس�تانة‪ ،‬وأقام َّ‬
‫ناظر َّ‬
‫ونصف� ًا‪ ،‬ويف أثن�اء قيامه أ َّلف «إظهار ِّ‬
‫احل�ق»‪ ،‬وقد ابتدأ يف تأليف�ه يف اليوم؟؟؟(‪ )1‬من‬
‫ثم رجع إىل‬
‫احلجة س�نة (‪1280‬هـ)‪َّ ،‬‬
‫رجب س�نة (‪1280‬هـ)‪ ،‬وفرغ منه يف آخر ذي َّ‬
‫مكَّة وأقام فيها‪.‬‬
‫*‬ ‫*‬ ‫*‬

‫الس�وري يف (‪1918 /10 /10‬م)‬


‫والس�احل ُّ‬
‫الفرنيس الالَّذق َّية َّ‬
‫ُّ‬ ‫لـمـا َّ‬
‫احتل األس�طول‬ ‫َّ‬

‫(‪« )1‬اجلواهر احلسان يف تراجم الفضالء واألعيان» (‪ )178/1‬لزكريا بن عبد اهلل بيال‪.‬‬

‫‪300‬‬
‫القس�ام ‪ -‬رمحه اهلل ‪َّ )1(-‬أول َم ْن رفع راية مقاومة الفرنس� ِّيني يف‬
‫عز الدِّ ين َّ‬ ‫كان َّ‬
‫الش�يخ ُّ‬
‫السلاح يف وجهه�ا‪ .‬وكان من نتاج دعوت�ه أن اندلعت‬
‫وأول َم ْن محل ِّ‬
‫تل�ك املنطق�ة‪َّ ،‬‬
‫القسام ‪ -‬رمحه اهلل ‪ -‬بيته لرشاء‬
‫عز الدِّ ين َّ‬ ‫نريان ال َّثورة يف منطقة صهيون‪ ،‬وباع َّ‬
‫الشيخ ُّ‬
‫السالح ليكون قدو ًة للنَّاس‪.‬‬
‫ِّ‬
‫بالكف ع�ن مقاومتهم يف‬
‫ِّ‬ ‫وحاول الفرنس� ُّيون اس�تاملته بأن أرس�لوا إليه رس�والً‬
‫مقابل تعيينه قاضي ًا رشع ًّيا يف املنطقة‪ ،‬ورفض البطل دعوهتم‪ ،‬وقال لرسوهلم‪ :‬عد من‬
‫حيث أتيت‪ ،‬وقل هلؤالء الغاصبني إنَّني لن أقعد عن القتال أو ألقى اهلل شهيد ًا‪.‬‬
‫العريف‬
‫ُّ‬ ‫فلـمـا عجز الفرنس� ُّيون عن اس�تاملته وثنيه عن اجلهاد حكم عليه الدِّ يوان‬‫َّ‬
‫يسمى بدولة العلو ِّيني باملوت غياب ًّيا‪.‬‬
‫فيام كان َّ‬
‫القس�ام إىل توجيه اقتصاد البلد إىل‬ ‫ِّ‬
‫املحتل دعا َّ‬ ‫وم�ن باب التَّحري�ض عىل مقاومة‬
‫الس�بيل سياسة «املجلس اإلسلامي األعىل» يف تزيني‬ ‫رشاء األس�لحة‪ ،‬وأنكر يف هذا َّ‬
‫ٍ‬
‫أسلحة‪،‬‬ ‫والزينة يف املساجد إىل‬
‫تتحول اجلواهر ِّ‬
‫املساجد وبناء الفنادق‪ ،‬وقال‪ :‬جيب أن َّ‬
‫الزينة لن تنفعكم عىل اجلدران(‪.)2‬‬ ‫فإذا خرستم أرضكم َّ‬
‫فإن ِّ‬
‫*‬ ‫*‬ ‫*‬

‫الش�يخ حممد عز الدين بن عبد القادر بن مصطفى القس�ام الشهري بـ «عز الدين القسام» يف بلدة‬‫(‪ )1‬ولد َّ‬
‫جبل�ة وهي ثغر من ثغور املس�لمني من أعامل حل�ب قرب الالذقية عام (‪1300‬ه�ـ) املوافق (‪1883‬م)‪.‬‬
‫الرابعة عرشة من عمره س�نة (‪1314‬هـ) املوافق (‪1896‬م)‪،‬‬ ‫ورحل يف طلب العلم يف األزهر عندما بلغ َّ‬
‫ونال ش�هادة األزهر العالية بعد أن أمىض حوايل ثامين س�نوات يف جوار األزهر‪ .‬ودرس احلديث‪ ،‬وتفسري‬
‫ثم صار خطيب ًا يف جامع املنصوري يف وسط بلدة جبلة‪ ،‬وجذب‬ ‫القرآن العظيم يف جامع إبراهيم بن أدهم‪َّ ،‬‬
‫ال َّناس إليه‪ .‬وشارك يف اجلهاد ضد املستعمر الفرنيس يف سورية‪ ،‬وضد اإلنجليز واليهود يف فلسطني ح َّتى‬
‫استشهد سنة (‪1935‬م)‪« .‬واقدساه» للدكتور سيد حسني العفاين‪.‬‬

‫(‪« )2‬واقدساه» للدكتور سيد حسني العفاين (ص ‪.)41‬‬

‫‪301‬‬
‫حين قامت احلرب العامل َّية ال َّثانية‪ ،‬كان مركز إنجلرتا يف بدايتها ضعيف ًا حرج ًا‪ ،‬إذ‬
‫نحو يؤذن باهنزام احللفاء‪ ،‬واضطرت إنجلرتا أن تذيع‬ ‫توال�ت انتصارات (هتلر) عىل ٍ‬
‫السري‬
‫يف النَّاس أنهَّ ا حتارب من أجل اإلنسان َّية املندحرة أمام ديكتاتورية النازية‪ ،‬وطلب ِّ‬
‫(مايلز المبس�ون) من األس�تاذ الكبري حممد مصطفى املراغي ‪ -‬رمحه اهلل ‪ )1(-‬أن يذيع‬
‫اإلسلامي بيان ًا يعلن فيه َّ‬
‫أن إنجلرتا حتارب يف س�بيل الدِّ يموقراط َّية لرتعى‬ ‫ِّ‬ ‫عىل العامل‬
‫السفري عىل طلبه‪،‬‬ ‫واألخوة واملواس�اة‪ ،‬وتعاظم َّ‬
‫الش�يخ األكرب أن جيرؤ َّ‬ ‫َّ‬ ‫حقوق العدالة‬
‫فل�م يش�أ أن يغفل ال َّطل�ب ْ‬
‫كأن مل يكن‪ ،‬ولكنَّ�ه انتهز فرصة االحتفال بموس� ٍم ٍّ‬
‫ديني‪،‬‬
‫اإلسالمي من أهوال هذه‬
‫ُّ‬ ‫وألقى أمام امللك خطب ًة رنَّان ًة ِّ‬
‫توضح ما قاسته مرص والعامل‬
‫احلرب املد ِّمرة‪ ،‬حني سقطت القنابل عىل اإلسكندر َّية وبعض املدن املرص َّية‪ ،‬فأحدثت‬
‫بأن مرص تكابد حرب ًا ال‬
‫ثم هتف رصحي ًا َّ‬ ‫الـمـادي‪َّ ،‬‬
‫َّ‬ ‫َّفيس م�ا فاق الضرَّ ر‬
‫م�ن الضرَّ ر الن ِّ‬
‫ٍ‬
‫بسبب‪.‬‬ ‫ناقة فيها وال مجل‪َّ ،‬‬
‫وأن املتحاربني يف املعسكرين ال َي ُمتَّان إليها‬

‫الشيخ حممد بن مصطفى بن حممد بن عبد املنعم املراغي ‪ -‬رمحه اهلل ‪ -‬نسبة إىل مراغة‪ ،‬مركز جرجا‪،‬‬ ‫(‪َّ )1‬‬
‫حمافظة سوهاج بصعيد مرص‪ .‬ولد سنة (‪1298‬هـ) املوافق (‪1881‬م)‪ .‬توىل مشيخة األزهر‪ ،‬شغل رئيس‬
‫ثم عضو حمكمة‬
‫ث�م رئيس حمكمة مرص االبتدائي�ة الرشعية‪َّ ،‬‬ ‫التفتي�ش الرشع�ي بوزارة احلقانية (العدل)‪َّ ،‬‬
‫ثم رئيس ًا هلا‪ .‬تويف سنة (‪1945‬م)‪.‬‬‫ثم عضو املحكمة العليا الرشعية‪َّ ،‬‬‫مرص االبتدائية الرشعية‪َّ ،‬‬

‫‪302‬‬
‫السير (مايلز‬
‫وانتشرت خطب�ة اإلم�ام على األثري يف ش�تَّى أنح�اء العامل‪ ،‬فف�زع ِّ‬
‫المبسون) فزع ًا شديد ًا‪ ،‬وهاتف رئيس الوزراء حسني رسي يف منتصف ال َّليل يطلب‬
‫ليحتج‬
‫َّ‬ ‫منه إقالة املراغي‪ ،‬وفزع رئيس الوزراء لـمـا شاهد‪ ،‬واتَّصل تلفون ًّيا قبل الفجر‬
‫بكل ما يقول قبل أن خيطب به‪.‬‬ ‫عىل املراغي‪ ،‬وينذره بأنَّه البدَّ أن حييطه علـمـ ًا ِّ‬
‫للرئيس حسين رسي‪ :‬أتريد أن أعرض عليك‬ ‫تعجب ًا‪َّ ،‬‬
‫ثم قال َّ‬ ‫واس�تمع َّ‬
‫الش�يخ ُم ِّ‬
‫ٍ‬
‫واح�دة من فوق منرب‬ ‫ٍ‬
‫بخطبة‬ ‫كالم�ي؟ م�ن أنت؟ أنا أس�تطيع أن أقيلك م�ن منصبك‬
‫الس�فري‬
‫األزه�ر‪ ،‬أو منرب احلسين‪ ،‬قل هذا مل�ن هدَّ دك يا حسين‪ ،‬وانتقل احلديث إىل َّ‬
‫السكوت(‪.)1‬‬
‫الربيطاين‪ ،‬فخاف العاقبة وآثر ُّ‬
‫ِّ‬
‫*‬ ‫*‬ ‫*‬

‫لـمـ�ا جاءت احلرب العامل َّية األوىل‪ ،‬ونظر َّ‬


‫الش�يخ س�عيد النَّ�وريس ‪ -‬رمحه اهلل ‪-‬‬ ‫َّ‬
‫هت�ور االتحِّ ادين حني انضموا إىل‬
‫ف�إذا إخوان�ه األبطال خيوضون املعارك‪ ،‬وقد فكَّر يف ُّ‬
‫ألـمـانيا ومل يقفوا عىل احلياد‪ ،‬ولكنَّه ترك احلس�اب إىل موعده‪ ،‬وس�ارع إىل االلتحاق‬
‫العس�كري يف ك ِّل َّيات�ه احلرب َّية فقد‬
‫ِّ‬ ‫بوي عن التَّدريب‬
‫العثامين‪ ،‬وم�ع ُب ْعده الترَّ ِّ‬
‫ِّ‬ ‫باجلي�ش‬

‫البيومي (‪.)416/1‬‬
‫(‪« )1‬النهضة اإلسالمية يف سري أعالمها املعارصين» للدكتور حممد رجب ُّ‬

‫‪303‬‬
‫الض َّب�اط‪ ،‬ويف ثكنات‬
‫مصاف ُّ‬
‫ِّ‬ ‫أظه�ر من البس�الة واحلم َّي�ة ما دفع رؤس�اءه لرتقيته إىل‬
‫والفر كان املجال أمامه فس�يح ًا للتَّذكري بمواقف األبطال من‬ ‫ِّ‬ ‫الكر‬
‫اجليش وس�احات ِّ‬
‫وسعد وعمرو‪ ،‬وقتيبة بن مسلم وحممد‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬
‫وخالد وأيب عبيدة‬ ‫عيل‬
‫قادة اإلسالم منذ عهود ٍّ‬
‫بن القاس�م وعقبة بن نافع‪ ،‬ممَّن فتحوا البالد‪ ،‬ودكُّوا العروش لرتتفع راية اإلسلام‪،‬‬
‫حمدود من رجال فرقته حتَّى متكَّن من اخرتاق‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬
‫بعدد‬ ‫الروس� َّية‬ ‫وقد كان يقابل اجلموع ُّ‬
‫اس�تمرت ثالث ًا وثالثني س�اع ًة‬ ‫العدو‪ ،‬ودارت معرك ٌة رهيب ٌة‬ ‫ٍ‬
‫خطوط من خطوط‬ ‫ثالثة‬
‫َّ‬ ‫ِّ‬
‫الروس م�ن اعتقال النوريس وم�ن بقي معه يف‬
‫حتَّ�ى نف�دت ذخرية األبط�ال‪ ،‬ومتكَّن ُّ‬
‫الروس من‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬
‫املعمع�ة وهم أربع�ة جنود‪ ،‬وقد كرست رجل�ه برصاصة صائبة‪ ،‬ومتكَّ�ن ُّ‬
‫االستعالء عىل اخلندق و َأسرْ ِ املقاتلني‪.‬‬
‫ٍ‬
‫معتق�ل يواجه القائد‬ ‫ٍ‬
‫ألسير‬ ‫الرائ�ع أن ننقل هذا املوقف البطو َّيل‬
‫وق�د يك�ون من َّ‬
‫ويس‪ ،‬وهو خال القيصر األعىل وصاحب األم�ر النَّافذ يف اجليش‬
‫ال�ر ِّ‬
‫الع�ام للجيش ُّ‬
‫يمر باألرسى متش�امـخ ًا فينهضون له رافعني‬ ‫ويس مجيعه‪ ،‬فقد جعل القائد املتكبرِّ ُّ‬ ‫الر ِّ‬
‫ُّ‬
‫واح�د مل ُي ِع ْر ُه اهتامم ًا‪ ،‬وقد كبر عىل القائد أن‬
‫ٍ‬ ‫ٍ‬
‫أسير‬ ‫أيدهيم بالتَّح َّية العس�كر َّية س�وى‬
‫أسري دون أن ينهض ألداء التَّح َّية يف خشوعٍ‪ ،‬فاتجَّ ه إليه ليقول يف تعاظ ٍم‪ :‬أظنُّك‬
‫جيلس ٌ‬
‫فامحر‬
‫ال تعرفن�ي‪ ،‬فريد س�عيدٌ ‪ :‬لقد عرفتك‪ ،‬أنت نيكوال خال القيصر والقائد العام‪َّ ،‬‬
‫وجه نيكوال وصاح‪ :‬وإذ فلـمـاذا تس�تهني بمقدمي؟ فقال النوريس‪ :‬مل أستهن ٍ‬
‫بأحد‪،‬‬
‫ثم قال‪ :‬وبامذا تأمرك عقيدتك؟‬ ‫إنَّام فعلت ما تأمرين به عقيديت‪ ،‬فس�كت القائد قلي ً‬
‫لا َّ‬
‫مسلم أمحل اإليامن يف قلبي فأنا أفضل ممَّن يفقد اإليامن‪.‬‬
‫ٌ‬ ‫فقال النوريس‪ :‬أنا‬
‫ويكفه�ر املوقف‪ ،‬ويأيت‬
‫ُّ‬ ‫ص�اح القائد‪ :‬هذه إهان ٌة أخرى إىل املحكمة العس�كر َّية‪،‬‬
‫الرغبة‬
‫األرسى األتراك يرجون النوريس أن يعتذر ويذعن‪ ،‬فيقول‪ :‬لـمـاذا؟ أنا شديد َّ‬

‫‪304‬‬
‫ِ‬
‫الشهادة‪ ،‬وت ُْصدر املحكم ُة َ‬
‫أمرها بإعدام‬ ‫يف َّ‬
‫الذهاب إىل اآلخرة‪ ،‬فلـمـاذا حترمونني من َّ‬
‫البطل‪ ،‬وتأيت ساعة التَّنفيذ‪ ،‬ويطلب النوريس إمهاله حتَّى يصليِّ ركعتني ليستقبل حياة‬
‫اخلل�ود‪ ،‬في�درك البطل مل يقصد إهانته‪ ،‬وإنَّام كان خملص� ًا يف اتِّباع دينه حني خت َّلف عن‬
‫الوقوف لتح َّيته‪ ،‬فتدركه شفق ٌة مل يعهدها‪ ،‬ويتَّجه إليه قائالً‪ :‬عفوت عنك‪ ،‬لقد تأ َّثرت‬
‫بصالتك(‪.)1‬‬
‫*‬ ‫*‬ ‫*‬
‫الش�يخ رضا اهلل البداوين ‪ -‬رمحه اهلل ‪ -‬باالشتراك يف ال َّثورة عىل اإلنجليز يف‬
‫اتهُّ م َّ‬
‫إنجليزي كان من تالمي�ذه‪ ،‬فأوعز إليه احلاكم‬
‫ٍّ‬ ‫ع�ام (‪1857‬م)‪ ،‬وحوك�م أمام حاك� ٍم‬
‫عىل لس�ان بع�ض األصدقاء أن جيحد االتهِّ �ام‪ ،‬فيطلقه‪ ،‬ولك َّن َّ‬
‫الش�يخ أبى‪ ،‬وقال‪ :‬قد‬
‫اشرتكت يف اخلروج عىل اإلنجليز‪ ،‬فكيف أجحد؟‬
‫واضطر احلاكم وحكم عليه باإلعدام‪ ،‬ولـمـا ُقدِّ م َّ‬
‫للشنق‪ ،‬بكى احلاكم وقال له‪:‬‬ ‫َّ‬
‫إن القض َّية مكذوب ٌة َّ‬
‫علي‪ ،‬وإنيِّ بري ٌء الجتهدت‬ ‫م�رةً‪َّ :‬‬
‫الس�اعة‪ ،‬لو قلت َّ‬
‫حتَّ�ى يف هذه َّ‬
‫يف ختليص�ك‪ ،‬فغض�ب األس�تاذ‪ ،‬وق�ال‪ :‬أتريد أن أحب�ط عميل بالك�ذب عىل نفيس؟‬
‫َّ‬
‫وضل عميل‪ ،‬بل قد اشتركت يف ال َّثورة‪ ،‬فافعلوا ما بدا لكم‪ ،‬وش�نق‬ ‫لقد خرست إذ ًا‪،‬‬
‫الرجل(‪.)2‬‬
‫َّ‬
‫*‬ ‫*‬ ‫*‬

‫البيومي (‪.)175/3‬‬
‫(‪« )1‬النهضة اإلسالمية يف سري أعالمها املعارصين» للدكتور حممد رجب ُّ‬
‫(‪« )2‬ماذا خرس العامل بانحطاط املسلمني» أليب األعىل املودودي (ص ‪.)266‬‬

‫‪305‬‬
306
‫كرامتهم‬

‫‪307‬‬
308
‫الشيخ حممد بن محد اهلديبي ‪ -‬رمحه اهلل ‪ :)1(-‬كنت سألت اهلل أن يرزقني أربع‬ ‫قال َّ‬
‫ِخال ٍَل‪ :‬أن يرزقني اإلقامة باملدينة أوالً عرشين سن ًة‪ ،‬واإلقامة بمكَّة عرشين سن ًة‪ ،‬وأن‬
‫جيع�ل م�ويت باملدينة‪ ،‬وأن ال أقط�ع الدُّ روس إلاَّ ملرض امل�وت‪ ،‬وأن يرزقني ولد ًا يقرأ‬
‫ثم يموت حتَّى احتس�به عن�د اهلل‪ .‬وقد اس�تجاب اهلل له فيه َّن‬
‫الق�رآن ويطل�ب العلم َّ‬
‫مجيع ًا‪ ،‬فجاء ولده عبد اهلل قرأ القرآن حفظ ًا‪ ،‬وقرأ يف العلوم فتو َّفاه اهلل‪ ،‬وجاور باملدينة‬
‫تـمت س�نة (‪1257‬هـ)‬
‫فلـمـا َّ‬
‫حت�ول إىل مكَّة فجاور هبا عرشي�ن‪َّ ،‬‬
‫ثم َّ‬‫عرشي�ن س�ن ًة‪َّ ،‬‬
‫َّوجه للمدينة واإلقامة هبا إىل املامت‪ ،‬فب َّلغه اهلل ذلك‪ ،‬وما قطع الدَّ رس إلاَّ‬
‫ع�زم عىل الت ُّ‬
‫ملرض موته‪.‬‬
‫*‬ ‫*‬ ‫*‬

‫قال َّ‬
‫الش�يخ س�ليامن بن يوس�ف اليعقوب‪ :‬أنَّ�ه يف وقت حممد بن رش�يد أجدبت‬
‫األرض زمن ًا‪ ،‬وكان له جيش معس�كر يف ياطب‪ ،‬وأخذ األمري معه َّ‬
‫الش�يخ عبد اهلل بن‬
‫مرعي خطيب ًا له هناك‪ ،‬فصلىَّ َّ‬
‫الشيخ يعقوب بن حممد بن سعد ‪ -‬رمحه اهلل ‪ )2(-‬بالنَّاس‬
‫صالة االستسقاء‪ ،‬ويف أثناء اخلطبة نزل الغيث‪ ،‬وهطل املطر‪ ،‬واشتدَّ أ َّيام ًا حتَّى َّ‬
‫ترضر‬

‫(‪ )1‬ول�د َّ‬


‫الش�يخ حمم�د بن محد اهلديبي التميم�ي ‪ -‬رمحه اهلل ‪ -‬يف الزبري س�نة (‪1180‬هـ)‪ ،‬قرأ العلم عىل‬
‫ثم اس�تقر باملدينة ح َّتى وفاته‪ .‬عرف بزهده‪،‬‬
‫ثم رحل إىل مكة‪ ،‬ومكث فيها عرشين س�نة‪َّ ،‬‬ ‫علـمـاء بلده‪َّ ،‬‬
‫وانقطاعه للدروس‪ ،‬ومالزمته للمساجد‪ .‬تويف سنة (‪1261‬هـ)‪.‬‬

‫(‪ )2‬ول�د َّ‬


‫الش�يخ يعقوب بن حممد بن س�عد بن حمم�د ‪ -‬رمحه اهلل ‪ -‬يف مدينة حائل شمال اململكة العربية‬
‫الس�عودية يف سنة (‪1267‬هـ)‪ ،‬نشأ يف أرسة معروفة بالعلم‪ ،‬وقرأ عىل والده ومشايخ بلده‪ ،‬وكان معروف ًا‬
‫ُّ‬
‫بغريته عىل الدين‪ ،‬وأمره باملعروف وهنيه عن املنكر‪ .‬تويف سنة (‪1322‬هـ)‪.‬‬

‫‪309‬‬
‫النَّاس‪ ،‬فسألوه أن يصليِّ هبم ويدعو اهلل أن خي ِّفف عنهم(‪.)1‬‬
‫*‬ ‫*‬ ‫*‬
‫ٍ‬
‫ش�يخ يسني ويغني‪ ،‬فوقف‬ ‫مر َّ‬
‫الش�يخ عبد الكريم الدَّ رويش ‪ -‬رمحه اهلل ‪ )2(-‬عىل‬ ‫َّ‬
‫كبير وتغنِّي! وقام علي�ه بالعصا‪ ،‬فطف�ق يرضبه رضب ًا‬
‫ٌ‬ ‫ٌ‬
‫ش�يخ‬ ‫علي�ه وق�ال‪ :‬عياذ ًا باهلل‪،‬‬
‫رفيق له إىل املس�جد ليص ِّليا‪ ،‬فج�اء ابن املعزر إىل أبيه‬ ‫عنيف� ًا‪َّ ،‬‬
‫ثم ذهب بعد ذلك ومعه ٌ‬
‫ٌ‬
‫جمنون يريد تش�جيع ابنه‬ ‫الس�انية وأبوه قد أعظم األمر وجيعل خيبط كأنَّه‬ ‫بعدما وقفت َّ‬
‫طالق يا ابن املرأة إن مل تقتله‪ ،‬فقام‬ ‫على االنتقام من الدَّ رويش‪ ،‬وبدَ ر ابنَه بقولِ ِ‬
‫�ه‪ :‬أ ُّمك ٌ‬ ‫َ َ‬
‫قي من فوره وأعمل البندق َّية وكان شا ًّبا قو ًّيا‪ ،‬فأنذر الدَّ رويش وهو يصليِّ فلم يتأ َّثر‬ ‫َّ‬
‫الش ُّ‬
‫ال لصاحب�ه إىل جنب�ه‪ :‬ﱫ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﱪ‬
‫ثم التف�ت قائ ً‬
‫وأت�م صالت�ه‪َّ ،‬‬
‫َّ‬
‫للصالة‪ ،‬هذا واالبن كاألس�د حياور أب�اه يف قتله‪،‬‬
‫وص�ف َّ‬
‫َّ‬ ‫[الطلاق‪ ]2:‬اهلل أكبر‪،‬‬
‫فلـمـا س� َّلم الدَّ رويش إذا به قد أعمل الفتيلة وأقبل نحومها‪ ،‬فقال له صاحبه‪ :‬يا عبد‬
‫َّ‬
‫الرجل أقبل مرسع ًا يريد قتلك‪ ،‬فالتفت إليه وهو يقول‪:‬‬ ‫الكري�م‪ ،‬أطلق رجليك‪َّ ،‬‬
‫فإن َّ‬
‫وص�ف‬
‫َّ‬ ‫ﱫ ﮓ ﮔﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﱪ [البق�رة‪ ]137:‬اهلل أكبر‪،‬‬
‫الرش�ا عن البك�رة عدِّ له يا حممد‬
‫للصلاة‪ ،‬ف�إذا باألب يدع�و ابنه قائالً‪ :‬يا حممد‪ ،‬زال ِّ‬
‫َّ‬
‫املهمة لئلاَّ ينقطع ظهر البعري‪َّ ،‬‬
‫ولـمـا أن رقى يريد‬ ‫وامض لشغلك‪ ،‬فرجع االبن هلذه َّ‬

‫(‪« )1‬منب�ع الك�رم والشمائل يف ذكر أخب�ار وآثار من عاش من أه�ل العلم يف حائل» حلس�ان بن إبراهيم‬
‫الرديعان (ص‪.)187‬‬ ‫ّ‬
‫(‪ )2‬هو َّ‬
‫الشيخ عبد الكريم اخلرساين ‪ -‬رمحه اهلل ‪ -‬الشهري بالدرويش‪ ،‬يقال‪ :‬إنَّه من قريش‪ ،‬ومن خمزوم‪،‬‬
‫فر هارب ًا بدينه إىل نجد‪ ،‬والزم العلـمـ�اء‪ ،‬وكان يتنقل يف نجد ينصح الناس‪،‬‬
‫وأن أهل�ه ملوك خراس�ان‪َّ ،‬‬
‫ويأمر باملعروف وينهى عن املنكر‪ ،‬وقد عرف بالصدع باحلق‪ .‬تويف سنة (‪1340‬هـ)‪« .‬علـمـاء نجد»‪.‬‬

‫‪310‬‬
‫الرش�ا وصعد ف�وق قرون البئر وأب�وه ينتظره انطبقت البئ�ر عليهم من أقىص‬
‫تركيب ِّ‬
‫جهاهتا فكانت قرب ًا هلام ولإلبل‪ ،‬فام وقف هلام عىل ٍ‬
‫خرب(‪.)1‬‬
‫الش�يخ حمم�د النَّارص الوهيبي‪ :‬رسنا لزيارة َّ‬
‫الش�يخ عب�د اهلل بن دخيل‬ ‫وق�ال عنه َّ‬
‫واإلخوان يف املذنب ومل يكن معنا زا ٌد‪ ،‬فأدركنا اجلوع والعطش‪ ،‬فاستقبل َّ‬
‫الشيخ عبد‬
‫«اللهم يا ذا اجلود والكرم ارزقنا‬
‫َّ‬ ‫ثم قال‪:‬‬‫الكريم القبلة وقال ملن معه‪ :‬إنيِّ دا ٍع فأ ِّمنوا‪َّ ،‬‬
‫منخفض عنَّا‪ ،‬فإذا برع َّي ٍة من‬
‫ٍ‬ ‫ٍ‬
‫م�كان‬ ‫ال فانحدرنا إىل‬ ‫ثم رسنا قلي ً‬ ‫لبن� ًا بلا من ٍَّة وال ٍ‬
‫ثمن» َّ‬
‫للشيخ ورفقته‪ :‬هل تريدون ال َّلبن وإلاَّ سنك ُّبه‬
‫اإلبل ومعها امرأ ٌة ترعاها‪ ،‬فقالت املرأة َّ‬
‫كبري مآلن بال َّلبن ال َّط ِّيب‪ ،‬فرشبوا حتَّى‬
‫يف األرض؟ قالوا‪ :‬نريده‪ ،‬فأخذوه وهو س�قا ٌء ٌ‬
‫اكتفوا‪.‬‬
‫الرمحن بن س�ليم‪ :‬كان َّ‬
‫الش�يخ عبد الكريم يسري‬ ‫وقال َّ‬
‫الش�يخ عبد العزيز بن عبد َّ‬
‫تـمر لل َّطريق‪ ،‬فلقي�ه بعض ال ُّلصوص فس�لبوا ثيابه‬
‫كيس في�ه ٌ‬
‫يف الرب َّي�ة وح�ده ومعه ٌ‬
‫الش�يخ عبد الكريم‬ ‫ثم َّ‬
‫إن أحده�م جاء إىل َّ‬ ‫وأخ�ذوا تـم�ره وجلس�وا يأكلون التَّم�ر‪َّ ،‬‬
‫الش�يخ عبد‬ ‫ٍ‬
‫بعنف‪ :‬ما هي األخبار؟ فقال َّ‬ ‫فوجده مس�تقبل القبلة يقرأ القرآن‪ ،‬فقال له‬
‫الكري�م‪ :‬ﱫ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﱪ [االنفط�ار‪]14-13:‬‬
‫الرجل‬
‫َـر ُّدوا عىل َّ‬
‫يب إىل رفقته‪ ،‬وقال‪ :‬أرى أن ت ُ‬
‫يب‪ .‬فذهب األعرا ُّ‬
‫اخرت لنفس�ك يا أعرا ُّ‬
‫مالبسه‪َ ،‬ف َـر ُّدوها عليه(‪.)2‬‬
‫*‬ ‫*‬ ‫*‬

‫(‪« )1‬تذكرة أويل النهى والعرفان» (‪.)132/2‬‬

‫(‪« )2‬علـمـاء آل سليم وتالميذهم» (‪.)320/2‬‬

‫‪311‬‬
‫ق�ال بع�ض أحفاد َّ‬
‫الش�يخ إسماعيل بن محد بن عتي�ق ‪ -‬رمح�ه اهلل ‪ :)1(-‬وقد كان‬
‫ل�ه م�ن الكرامات م�ا حدَّ ثني به جدَّ يت س�ارة بنت حممد بن هذاب‪ ،‬فتق�ول‪ :‬أناخ عىل‬
‫ضي�وف‪ ،‬ومل يكن بالبيت يش ٌء‪ ،‬فأمرين جدُّ ك بإيقاد النَّ�ار ووضع ال ُقدُ ور عليها‪،‬‬
‫ٌ‬ ‫بابن�ا‬
‫ٍ‬
‫بقليل‬ ‫طارق‪ ،‬وكان حيمل خرجني من القمح‪ ،‬وبعده‬ ‫ٌ‬ ‫ٍ‬
‫وجيزة طرق‬ ‫ففعلت‪ ،‬وبعد ٍ‬
‫فرتة‬
‫طرق آخر الباب‪ ،‬فإذا معه و ِر ُك ٍ‬
‫ناقة‪ ،‬قالت‪ :‬فاشتغلنا بإعداد ال َّطعام ُّ‬
‫للضيوف‪ ،‬فام هو‬ ‫َ‬ ‫ُ‬
‫الضيوف ال َّطعام(‪.)2‬‬ ‫ٍ‬ ‫تم ُّ‬ ‫إلاَّ‬
‫كل يشء وتناول ُّ‬ ‫قصري حتَّى َّ‬
‫ٌ‬ ‫وقت‬
‫ٌ‬
‫* * *‬
‫لـمـا‬
‫الش�يخ س�ليامن بن س�حامن ‪ -‬رمحه اهلل ‪ -‬أنَّ�ه َّ‬
‫(‪)3‬‬
‫م�ن عجائ�ب ما روي عن َّ‬
‫ٍ‬
‫مسك ط ِّيب ًة ال يعهدون مثلها(‪.)4‬‬ ‫شموا من جسده رائح َة‬
‫وحه ُّ‬
‫خرجت ُر ُ‬
‫* * *‬
‫للش�يخ عبد العزيز بن أمحد بن حس�ن ‪ -‬رمحه اهلل ‪ٌ )5(-‬‬
‫عمل سوى العبادة‪،‬‬ ‫مل يكن َّ‬
‫ويأتي�ه رزق�ه كفاف ًا ‪ -‬ب�إذن اهلل ‪ ،-‬ويف ذات َّ‬
‫مرة قرب عيد الفطر‪ ،‬وليس عنده كس�و ٌة‬

‫(‪ )1‬ولد َّ‬


‫الش�يخ إسماعيل بن محد بن عتيق يف األفالج سنة (‪1286‬هـ)‪ ،‬وتلقى مبادئ العلوم عىل والده‬
‫الش�يخ س�عد َّ‬
‫والشيخ إسماعيل‪ .‬انتقل س�نة (‪1316‬هـ) إىل وادي الدوارس‪ ،‬وأقام فيها مدارس‬ ‫وأخويه َّ‬
‫التعليم‪ .‬واستفاد منه الكثري من أهل البادية واحلارضة‪ .‬تويف سنة (‪1347‬هـ)‪« .‬علـمـاء نجد»‪.‬‬

‫(‪« )2‬علـمـاء نجد خالل ثامنية قرون» (‪.)566/1‬‬

‫الرياض‪،‬‬ ‫الشيخ سليامن بن مصلح بن سحامن يف بلدة آل متام القده يف عسري‪ .‬رحل مع والده إىل ِّ‬‫(‪ )3‬ولد َّ‬
‫الرد عىل املخالفني شعر ًا ونثر ًا‪ .‬تويف‬ ‫فقرأ َّ‬
‫الشيخ سليامن عىل علـمـائها‪ .‬وقد عرف بالعلم وقوة احلجة يف َّ‬
‫سنة (‪1349‬هـ)‪« .‬علـمـاء نجد»‪.‬‬

‫(‪« )4‬تذكرة أويل النهى والعرفان» (‪.)255/3‬‬

‫(‪ )5‬كان َّ‬


‫الشيخ عبد العزيز بن أمحد بن حسن من علـمـاء القرن الثالث عرش‪ ،‬وكان إمام وخطيب جامع‬
‫القصيعة من قرى بريدة فرتة طويلة‪ .‬وقد عرف بالعلم والصالح والزهد والورع‪« .‬علـمـاء نجد»‪.‬‬

‫‪312‬‬
‫وألـحت عليه امرأته تقول ل�ه‪ :‬ليس عندنا عيدٌ (أي‪:‬‬‫َّ‬ ‫ألوالده وال طع�ا ٌم لي�وم العيد‪،‬‬
‫سبب‪،‬‬‫الرزق حيتاج إىل ٍ‬ ‫ٍ‬
‫طعا ٌم للعيد وال كسوةٌ) فقال‪ :‬يأيت اهلل برزق‪ ،‬فقالت‪ :‬يا شيخ‪ِّ ،‬‬
‫الرج�ل‪ ،‬فاقتنعت تظ ُّن أنَّه ق�د أوىص أحد ًا‬
‫فق�ال هلا‪ :‬قد تس� َّببنا‪ ،‬وه�ي تعرف صدق َّ‬
‫بذلك‪ ،‬وهو يقصد السبب مع اهلل بدعائه‪ ،‬وذهب لصالة القيام آخر ٍ‬
‫ليلة من رمضان‪،‬‬ ‫َّ‬
‫الرب�دي يف بريدة‪ ،‬وحممد بن بس�ام يف عنيزة)‪،‬‬
‫وكان أغن�ى رجلين يف القصيم (حممد ّ‬
‫الربدي يف جامع بريدة وحممد بن البس�ام يف جامع عنيزة‬ ‫فلـمـ�ا قاما يص ِّلي�ان القيام‪ّ :‬‬
‫َّ‬
‫كل منهام هاتف ًا يقول له‪ :‬أخوك َّ‬
‫الش�يخ‬ ‫ٍ‬
‫واحد منهام ما يش�به النُّعاس‪ ،‬فس�مع ٌّ‬ ‫أخذ ُّ‬
‫كل‬
‫عبد العزيز بن حسن ليس عنده كسو ٌة له وال ألوالده وال طعا ٌم يوم العيد‪ ،‬فتك َّلم ٌّ‬
‫كل‬
‫فلـمـا س� َّلام قال هلما َم ْن بجوارمها‪:‬‬
‫صحيح!! َّ‬
‫ٌ‬ ‫الصالة يقول‪:‬‬
‫الرجلني‪ ،‬وه�و يف َّ‬
‫م�ن َّ‬
‫الس�اعة‪ ،‬وذه�ب ٌّ‬
‫كل منهام‬ ‫ي�ا ع�م‪ ،‬إنَّك تك َّلمت وأن�ت يف َّ‬
‫الصالة‪ ،‬فكتام األمر تلك َّ‬
‫كل منهام‬ ‫ٍ‬
‫ونقود‪ ،‬وبعث ٌّ‬ ‫ٍ‬
‫كس�وة وطعا ٍم‬ ‫إىل منزله مرسع ًا‪ ،‬وأحرض ما يلزم َّ‬
‫للش�يخ من‬
‫ٍ‬
‫واحد عند بابه‪ ،‬حيث َّ‬
‫إن‬ ‫للشيخ‪ ،‬فوصال مجيع ًا يف ٍ‬
‫وقت‬ ‫خادم ًا عىل دا َّب ٍة إليصال ذلك َّ‬
‫املسافة بني بريدة والقصيعة وبني عنيزة والقصيعة واحد ٌة أو متقارب ٌة‪ ،‬وأخرب ٌّ‬
‫كل منهام‬
‫صاحبه بام حصل مع س ِّيده(‪.)1‬‬
‫*‬ ‫*‬ ‫*‬
‫الشيخ سليامن بن مقبل ‪ -‬رمحه اهلل ‪ -‬مع أعامله القضائ َّية قائ ًام بفالحة بستاهنم‬
‫كان َّ‬
‫إبل أو ٍ‬
‫بقر أو غن ٍم‬ ‫لصوص ليرسقوا ما جيدونه من ٍ‬ ‫يف (املنيس)‪ ،‬فدخل القري َة ذات ٍ‬
‫ليلة‬
‫ٌ‬
‫الش�يخ ا َّلتي يس�قي عليها نخله وزرعه ‪ -‬يعني نواضحه‬ ‫أو ٍ‬
‫متر أو غري ذلك‪ ،‬فرأوا إبل َّ‬

‫(‪« )1‬علـمـاء نجد خالل ثامنية قرون» (‪.)302/3‬‬

‫‪313‬‬
‫فلـمـا قرب�وا منها مل يروه�ا‪ ،‬وهكذا حتَّى‬
‫‪ -‬رأوه�ا يف مراحه�ا قبل أن يصل�وا إليها‪َّ ،‬‬
‫هزيع من ال َّليل‪َّ ،‬‬
‫فلـمـا يئس�وا من رسقتها دخلوا مس�جد القري�ة‪ ،‬وناموا حتَّى‬ ‫ٌ‬ ‫مضى‬
‫الصبح‪ ،‬وص َّلوا مع النَّاس ودخلوا البستان ا َّلذي فيه اإلبل ا َّلتي حاولوا‬
‫جاءت صالة ُّ‬
‫بقصتهم‪ ،‬فقال‪:‬‬ ‫رسقتها‪ ،‬فعلموا أنهَّ ا إبل َّ‬
‫الشيخ سليامن وبستانه‪ ،‬فجاءوا إليه وأخربوه َّ‬
‫إنيِّ قد قرأت وردي عىل نفيس وأهيل ومايل‪ ،‬فتابوا عىل يديه(‪.)1‬‬
‫*‬ ‫*‬ ‫*‬
‫الش�يخ‬ ‫ٍ‬
‫وليمة مع َّ‬ ‫حممد ب�ن إبراهيم‪ :‬دعان�ا بعض أهل رضم�ى عىل‬ ‫ق�ال َّ‬
‫الش�يخ َّ‬
‫فلـمـا انتهينا من الغداء ‪ -‬وكان‬
‫س�عد بن محد بن عتيق ‪ -‬رمحه اهلل ‪ -‬وبعض األخوة‪َّ ،‬‬
‫الس� َّيارات ومعنا‬ ‫بع�د العرص ‪ -‬اس�تأذن َّ‬
‫الش�يخ س�عدٌ وهنضنا مع�ه‪ ،‬وكان ه�ذا قبل َّ‬
‫الرواحل ومل نعقلها‬
‫فلـمـ�ا ظهرنا فوق عقبة (القدي�ة) أردنا أن ننام فق َّيدن�ا َّ‬
‫رواح�ل‪َّ ،‬‬
‫فلـمـ�ا أصبحنا ذهب ا َّلذين معن�ا للبحث عن‬‫الرعي وال تبتع�د عنا‪َّ ،‬‬ ‫حتَّ�ى تس�تطيع َّ‬
‫الشيخ‬‫فتفرقوا للبحث عنها‪ ،‬وكان َّ‬ ‫ٍ‬ ‫الرواحل فوجدوها ك َّلها إلاَّ راحلة َّ‬
‫الش�يخ سعد‪َّ ،‬‬ ‫َّ‬
‫س�عدٌ يف هذه األثناء يدعو اهلل تعاىل أن يأتيه براحلت�ه‪ ،‬فأتى ا َّلذين ذهبوا للبحث عنها‬
‫سعد‬‫الشيخ ٍ‬‫بعيد وهو يسوق راحلة َّ‬ ‫رجل إلينا من ٍ‬
‫حممد‪ :‬فأتى ٌ‬ ‫ومل جيدوها‪ ،‬قال َّ‬
‫الشيخ َّ‬
‫ثم اختفى وال ندري َم ْن هو‪ ،‬وكان ا َّلذين ذهبوا للبحث عنها‬ ‫معه حتَّى وصلت إلينا‪َّ ،‬‬
‫أن اآلخر هو ا َّلذي يس�وقها حتَّى أتوا وس�أل بعضهم بعض ًا‬ ‫واح�د منهم حيس�ب َّ‬ ‫ٍ‬ ‫كل‬ ‫ُّ‬
‫ٍ‬
‫واحد ذلك‪ ،‬وهي من كرامات َّ‬
‫الشيخ سعد ‪ -‬رمحه اهلل ‪.)2( -‬‬ ‫فأنكر ُّ‬
‫كل‬
‫*‬ ‫*‬ ‫*‬

‫(‪« )1‬علـمـاء نجد خالل ثامنية قرون» (‪.)378/2‬‬

‫(‪« )2‬سرية سامحة َّ‬


‫الشيخ حممد بن إبراهيم» (ص ‪.)46‬‬

‫‪314‬‬
‫الش�يخ عبد اهلل بن حمم�د بن فدا ‪ -‬رمحه اهلل ‪ -‬قال عنه َّ‬
‫الش�يخ عيل‬ ‫ج�اء يف ترمجة َّ‬
‫وصليِّ عليه يف اجلامع الكبري بربيدة‪،‬‬
‫الش�يخ عبد اهلل بن فدا ُ‬ ‫لـمـا توفيِّ َّ‬
‫املحمد املطلق‪َّ :‬‬
‫فلـمـا عرف‬ ‫ٍ‬
‫لضيوف عنده‪ ،‬ومل يعلم بوفاة َّ‬ ‫صادف أحدَ األهايل حيمل معه حل ًام‬
‫الشيخ‪َّ ،‬‬
‫الشيخ عبد اهلل بن فدا هو املتوفىَّ ‪ ،‬حلق بجنازته إىل املقربة وال َّلحمة معه‪ ،‬وصلىَّ عليه‬ ‫َّ‬
‫أن َّ‬
‫تأخرت بال َّلحمة‬
‫الرجل إىل منزله فقال المرأت�ه‪ :‬إنَّني قد َّ‬
‫ولـمـ�ا دفن عاد َّ‬
‫يف املقبرة‪َّ ،‬‬
‫فأكثري عليها احلطب‪ ،‬فام كان من املرأة إلاَّ أن فعلت ذلك‪ ،‬وأوقدت عليها نار ًا قو َّي ًة‪،‬‬
‫الضيوف للعش�اء‪ ،‬وظنَّت املرأة أن قد نضجت ال َّلحم�ة من كثرة ما طبختها‪،‬‬ ‫وحضر ُّ‬
‫الرجل وأخذ ال َّلحمة‬ ‫ِ‬
‫متسها النَّار‪ ،‬وعجب َّ‬
‫فلـمـا أفرغتها من قدْ رها وجدهتا وكأنهَّ ا مل َّ‬
‫َّ‬
‫للش�يخ‬ ‫للضيوف معتذر ًا منهم لئلاَّ يظنُّوه قد قرص بواجبهم‪َّ ،‬‬
‫ثم إنَّه ذهب َّ‬ ‫على هيئتها ُّ‬
‫ولـمـا أخرب َّ‬
‫الش�يخ‬ ‫القصة‪َّ ،‬‬
‫عب�د اهلل بن حممد بن س�ليم ق�ايض بريدة بزمنه ورشح له َّ‬
‫حرم عىل َّ‬
‫الش�يخ‬ ‫باحلقيقة قال له َّ‬
‫الش�يخ‪ :‬بشرَّ ك اهلل باخلري‪ ،‬إنَّني أرجو اهلل تعاىل أنَّه قد َّ‬
‫وأن ذلك قد ش�مل حلمتك هذه ا َّلتي أوقد‬
‫وحرمه�ا عىل َم ْن خرج مع اجلنازة‪َّ ،‬‬
‫النَّ�ار‪َّ ،‬‬
‫ال فلم تتأ َّثر بذلك(‪.)1‬‬
‫عليها طوي ً‬

‫*‬ ‫*‬ ‫*‬

‫(‪« )1‬علـمـاء آل سليم وتالميذهم» للشيخ صالح العمري (‪.)278/2‬‬

‫‪315‬‬
316
‫عنايتهم‬
‫بالأبنـاء‬

‫‪317‬‬
318
‫السندي ‪ -‬رمحه اهلل ‪ )1(-‬يف خامس شهر‬ ‫كانت والدة َّ‬
‫الشيخ أمحد عيل األنصاري ِّ‬
‫الرابع من‬
‫الش�يخ حممد مراد يف اجل�زء َّ‬ ‫رجب‪ ،‬س�نة (‪1168‬ه�ـ)‪ ،‬كام هو ِّ‬
‫بخط والده َّ‬
‫كتابه‪« :‬دفينة املطالب»‪.‬‬
‫الس�ابق ِّ‬
‫الذك�ر‪« :‬دفينة املطالب»‪ ،‬فقد‬ ‫ويف س�نة والدته هذه وهب له والده كتابه َّ‬
‫جاء عىل غالف اجلزء ال َّثالث منه ما ييل‪:‬‬
‫اللهم اجعله فقيه ًا عالـمـ ًا‬
‫َّ‬ ‫املسمى بأمحد عيل‪،‬‬
‫َّ‬ ‫الصغري غالم رسول‪،‬‬
‫وه ْبتُه البني َّ‬
‫عامالً‪ ،‬وز ْد يف عمره وأبيه وإخوته‪ .‬آمني سنة (‪1168‬هـ)(‪.)2‬‬
‫*‬ ‫*‬ ‫*‬
‫رغ�ب َّ‬
‫الش�يخ عبد الق�ادر خوقري ‪ -‬رمح�ه اهلل ‪ )3(-‬يف أن يكون أبن�اؤه‪ ،‬وابن بنته‬
‫املرتج�م متمذهبين باملذاهب األربع�ة‪ ،‬وكان يع ِّلمهم إ َّياها‪َّ ،‬‬
‫فخص�ص املرتجم وابنه‬
‫وخص ابنه حممد عارف‪ ،‬وابنه‬
‫َّ‬ ‫يدرسهام‪،‬‬
‫احلنفي‪ ،‬وصار ِّ‬
‫ِّ‬ ‫صديق عبد القادر للمذهب‬
‫افعي‪،‬‬ ‫الوهاب وابن أخيه عبد اهلل يف املذهب َّ‬
‫الش ِّ‬ ‫احلنفي‪ ،‬وعبد َّ‬
‫ِّ‬ ‫الرمحن يف املذهب‬
‫عبد َّ‬

‫السندي يف سنة (‪1168‬هـ)‪ ،‬وهاجر مع والده إىل احلجاز واستقر‬ ‫(‪ )1‬ولد َّ‬
‫الشيخ أمحد عيل بن حممد مراد ِّ‬
‫هبا‪ .‬أخذ العلم عن والده ومشايخ احلجاز‪ .‬وكان له ٌّ‬
‫حظ من العلم‪ .‬تويف سنة (‪1202‬هـ)‪« .‬اإلمام الفقيه‬
‫السندي» لسائد بكداش‪.‬‬ ‫حممد عابد ِّ‬
‫السندي» بقلم سائد بكداش (ص ‪.)98‬‬
‫(‪« )2‬اإلمام الفقيه حممد عابد ِّ‬
‫الشيخ عبد القادر بن حممد خوقري ‪ -‬رمحه اهلل ‪ -‬يف مكة‪ ،‬وطلب العلوم عىل علـمـائها‪ ،‬ودرس‬ ‫(‪ )3‬ولد َّ‬
‫يف املسجد احلرام‪ ،‬وكان حنفي املذهب‪ .‬تويف يف إسطنبول سنة (‪1303‬هـ)‪ .‬وخوقري‪ :‬كلمة هندية بمعنى‪:‬‬
‫مالك لطبيعته‪ .‬ويقال‪ :‬إن أرسة خوقري يرجع نسبها إىل أيب بكر الصديق ريض اهلل عنه‪ ،‬وهاجرت إىل اهلند‬
‫ثم رجعت‪ ،‬واس�تقرت بمكة‪« .‬اجلواهر احلس�ان يف تراجم الفضالء واألعيان من أس�اتذة‬ ‫أيام احلجاج‪َّ ،‬‬
‫وخالن» (‪ )608/3‬لزكريا بن عبد اهلل بيال‪.‬‬

‫‪319‬‬
‫الـمـالكي‪ ،‬ومات وبقي‬
‫َّ‬ ‫ب�أن ولده الصغري ‪ -‬وهو ه�ذا ال ِّثقة ‪ -‬إذا كرب يتع َّلم‬
‫وأوىص َّ‬
‫احلنفي(‪.)1‬‬
‫ِّ‬ ‫عىل املذهب‬
‫*‬ ‫*‬ ‫*‬

‫أرسة مس�يح َّي ٍة أسلمت مجيعها عن‬


‫ٍ‬ ‫كان عيس�ى عبده إبراهيم ‪ -‬رمحه اهلل ‪ )2(-‬من‬
‫اقتن�اعٍ‪ .‬ويذكر عن والده أنَّه سَّم�اَّ ه بـ «عيس�ى» ليكون ذلك ش�هاد ًة تنبض باحلياة َّ‬
‫بأن‬
‫علوا كبري ًا(‪.)3‬‬ ‫ِ ِ‬
‫«عيسى» «عبده» وما هو بولده‪ ،‬تعاىل اهلل عن ذلك ًّ‬
‫*‬ ‫*‬ ‫*‬

‫(‪« )1‬اجلواهر احلسان يف تراجم الفضالء واألعيان» (‪ )597/2‬لزكريا بن عبد اهلل بيال‪.‬‬

‫(‪ )2‬ول�د الدكت�ور عيس�ى عبده إبراهيم س�نة (‪1318‬هـ)‪ .‬درس يف مدرس�ة التج�ارة العليا ومىض إىل‬
‫إنكلرتا ليدرس يف جامعة مانشسرت‪ .‬يعترب رائد البنوك اإلسالمية‪ ،‬شارك يف إنشاء بنك ديب اإلسالمي عام‬
‫(‪1975‬م)‪ .‬وأسهم يف إنشاء كلية االقتصاد اإلسالمي بجامعة حممد بن سعود اإلسالمية باململكة العربية‬
‫السعودية‪ .‬تويف سنة (‪1400‬هـ)‪« .‬من أعالم احلركة اإلسالمية» لعبد اهلل العقيل‪.‬‬
‫ُّ‬
‫(‪« )3‬املستدرك عىل تتمة األعالم للزركيل» (‪ )219/3‬تأليف حممد خري رمضان يوسف‪.‬‬

‫‪320‬‬
‫الوهاب البكري الصديقي ‪ -‬رمحه اهلل ‪ )1(-‬يف بيت والده‬
‫الستَّار بن عبد َّ‬
‫نش�أ عبد َّ‬
‫ثم حفظه عن‬
‫املكرمة‪ ،‬وحني بلغ أربع س�نني قرأ الق�رآن‪َّ ،‬‬ ‫يف مـح َّل�ة َّ‬
‫الش�امية يف مكَّة َّ‬
‫ٍ‬
‫قل�ب حني بل�غ عمره ثامين س�نني‪ ،‬وصلىَّ بالق�رآن يف الترَّ اويح يف رمضان س�نة‬ ‫ظه�ر‬
‫(‪1297‬هـ) وعمره عرش سنني(‪.)2‬‬
‫*‬ ‫*‬ ‫*‬

‫للش�يخ عب�د اهلل النوري ‪ -‬رمحه اهلل ‪ )3(-‬حادث ٌة يف ريعان ش�بابه أ َّثرت فيه‬
‫وقعت َّ‬

‫الس�تار عبد الوهاب البكري الصديقي ‪ -‬رمحه اهلل ‪ -‬يف مكة س�نة (‪1286‬هـ)‪ .‬قرأ‬ ‫(‪ )1‬ولد َّ‬
‫الش�يخ عبد َّ‬
‫القرآن والعلوم الرشعية عىل والده‪ ،‬وعلـمـاء مكة‪ ،‬وكانت أرسته من أش�هر األرس العلمية يف اهلند‪ ،‬ويف‬
‫مكة‪ .‬وقد رحل يف طلب العلم ح َّتى غدا من كبار العلـمـاء‪ ،‬وكانت له الدروس املش�هورة يف مكة‪ .‬تويف‬
‫سنة (‪1355‬هـ)‪.‬‬

‫الس�تار عبد‬
‫(‪« )2‬في�ض املل�ك الوه�اب املتع�ايل بأنباء أوائل الق�رن الثالث عرش والتوايل» للش�يخ عبد َّ‬
‫الوهاب البكري الصديقي اهلندي املكي احلنفي (‪.)15/1‬‬

‫الش�يخ حممد النوري يف الزبري سنة (‪1323‬هـ) يف أرسة علم وصالح كانت‬ ‫الش�يخ عبد هلل ابن َّ‬
‫(‪ )3‬ولد َّ‬
‫تس�كن املوص�ل‪ .‬تلقى العل�م يف أول حياته يف املدارس النظامي�ة يف العراق‪ .‬وبعد أن اس�تقر يف الكويت‬
‫الش�يخ عب�د اهلل الدحي�ان‪ ،‬فأخ�ذ عنه وع�ن بعض علـمـ�اء الكويت‪ .‬اش�تغل يف س�لك التدريس‬ ‫الزم َّ‬
‫والوعظ واإلرش�اد‪ ،‬وكانت له برامج يف اإلذاعة والتليفزيون‪ .‬تويف س�نة (‪1401‬هـ)‪« .‬علـمـاء الكويت‬
‫الرومي‪.‬‬‫وأعالمها» لعدنان ُّ‬

‫‪321‬‬
‫تأثير ًا قو ًّيا‪ ،‬دفعته إىل طلب العلم الشرَّ ِّ‬
‫عي‪ ،‬وأخذه من أفواه العلـمـاء‪ ،‬وهذه احلادثة‬
‫السنة ال َّثانية‬ ‫يروهيا َّ‬
‫الش�يخ فيقول‪« :‬ويف رجب س�نة (‪1345‬هـ)‪ ،‬وكنت قد جاوزت َّ‬
‫والعرشين من عمري‪ ،‬قال يل الوالد ‪ -‬رمحه اهلل ‪ :-‬ستذهب بعد أربعة أ َّيا ٍم إىل اهلند مع‬
‫يقرره‪ ،‬وال أر ُّد‬ ‫(رجل أعرفه من خيار النَّ�اس)‪ .‬وكنت ال أجادل الوالد يف ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬
‫قرار ِّ‬ ‫فلان‬
‫تعود سامعها منِّي‪ ،‬فنظر إ َّيل‬‫فسكت ومل أر َّد عليه بالكلمة ا َّلتي َّ‬
‫ُّ‬ ‫عليه بغري كلمة ( َأ ْبشرِ ْ )‪،‬‬
‫نظر ًة عميق ًة‪ ،‬وقال‪ :‬ما لك؟ فقلت له‪ :‬أمرك ومل أقل ( َأ ْبشرِ ْ )‪.‬‬
‫ج�رى ه�ذا احلدي�ث بعد صلاة املغرب‪ ،‬فق�ال يل‪ :‬اذه�ب ِّ‬
‫فصل إمام� ًا باجلامعة‬
‫السفر‪.‬‬
‫الصالة عدت‪ ،‬فقال يل‪ :‬ما لك؟ كأنَّك ال تريد َّ‬
‫العشاء‪ ،‬فأنا اليوم تعبان‪ .‬وبعد َّ‬
‫قلت‪ :‬نعم يا أيب‪ ،‬سألني اليوم ٌ‬
‫سائل عن الوضوء فلم أعرف جوابه‪ ،‬وأنا إما ٌم وأيب من‬
‫الصيام؟ إنيِّ‬
‫الصالة أو عن ِّ‬ ‫ٌ‬
‫س�ائل آخر عن َّ‬ ‫علـمـاء املس�لمني‪ ،‬فكيف إذا س�ألني غد ًا‬
‫أريد أن أتع َّلم ألعرف كيف أجيب عىل أسئلة َّ‬
‫السائلني‪.‬‬
‫وعلى إثر هذه املحاورة مع والده كانت االنطالقة األوىل لطلب العلم‪ ،‬كام كانت‬
‫منها نقطة البداية‪ ،‬فقد أحرض له والده كتب ًا ثالثة‪:‬‬
‫‪ -1‬دليل ال َّطالب يف فقه اإلمام أمحد‪.‬‬
‫‪ -2‬رشح قطر الندى يف النَّحو‪.‬‬
‫الصاحلني‪.‬‬
‫‪ -3‬كتاب رياض َّ‬
‫وقال له‪ :‬هذا كتاب «دليل ال َّطالب» تواصل به درسك عىل َّ‬
‫الشيخ عبد اهلل اخللف‪،‬‬
‫وه�ذا «رشح القط�ر» تواصل به درس�ك ضحى ِّ‬
‫كل يو ٍم عىل َّ‬
‫الش�يخ مجعة بن جودر‪.‬‬
‫الصاحلني» يف احلديث نقرأ فيه أنا وأنت بعد املغرب َّ‬
‫كل يو ٍم(‪.)1‬‬ ‫وهذا كتاب «رياض َّ‬
‫*‬ ‫*‬ ‫*‬

‫الرومي‪.‬‬
‫(‪« )1‬علـمـاء الكويت وأعالمها» (ص ‪ )578‬تأليف عدنان بن سامل ُّ‬

‫‪322‬‬
‫الشيخ عبد اهلل بن الصديق الغامري ‪ -‬رمحه اهلل ‪ :)1(-‬كان إذا جاء‬ ‫ممَّا يذكر يف ترمجة َّ‬
‫ثم‬ ‫ٍ‬
‫أي جهة من جهات املغرب يدعوه‪ ،‬ويميل عليه الفتوى‪ ،‬ويكتبها َّ‬ ‫والده استفتا ٌء من ِّ‬
‫الس ِّيد عبد اهلل بأن يمضيها باسمه‪.‬‬
‫يمضيها‪ ،‬وتار ًة يأمر َّ‬
‫صـب�اح يف املكتبة أو يف البيت ا َّلذي جيل�س فيه‪ ،‬فإن َّ‬
‫تأخر‬ ‫ٍ‬ ‫وكان ي�زور وال�ده َّ‬
‫كل‬
‫تأخره‪ ،‬ويق�ول ‪ -‬رمحه اهلل ‪ :-‬وكنت أناقش�ه كثري ًا‬
‫يوم� ًا بعث إليه وس�أله عن س�بب ُّ‬
‫وألح يف مناقش�ته‪ ،‬فيتَّس�ع صدره وال يضيق يب‪ ،‬وباجلملة اس�تفدت كثير ًا من إفاداته‬
‫ُّ‬
‫وإرشاداته وتوجيهاته ريض اهلل عنه‪ ،‬وجزاه عنِّي أفضل ما جزى والد ًا عن والده‪.‬‬
‫ين�وه بفضله وعلم�ه بني أصدقائه‪ ،‬ويصفه بحس�ن الفه�م‪ ،‬وجودة‬
‫وكان وال�ده ِّ‬
‫للس�فر إىل مرص فيجيبه‪ :‬س�تذهب إىل‬
‫الس� ِّيد عبد اهلل يطلب منه اإلذن َّ‬
‫املعرفة‪ ،‬وكان َّ‬
‫مرص ‪ -‬إن ش�اء اهلل ‪ ،-‬ولكنِّي أح ُّبك أن تذهب عالـمـ ًا حيتاج إليك علـمـاء األزهر‪،‬‬
‫الس� ِّيد عبد اهلل‪ :‬وكنت أظ ُّن أنَّه يقول ذلك عىل س�بيل التَّصبري والتَّشجيع‪ ،‬وظهر‬
‫قال َّ‬

‫(‪ )1‬ول�د َّ‬


‫الش�يخ عب�د اهلل ب�ن حمم�د الصدي�ق الغامري احلس�ني ‪ -‬رمح�ه اهلل ‪ -‬يف طنجة يف املغرب س�نة‬
‫(‪1328‬ه�ـ)‪ .‬درس على والده‪ ،‬ورحل إىل فاس والقاه�رة والزم العلـمـاء‪ ،‬ومكث يف القاهرة ما يقرب‬
‫من أربعني س�نة‪ ،‬وع�اد إىل طنجة‪ ،‬فكانت له فيها جمالس علمية خترج منه�ا العديد من ُّ‬
‫الطلاَّ ب‪ ،‬وص َّنف‬
‫فيها املصنفات الكثرية‪ .‬تويف سنة (‪1413‬هـ)‪.‬‬

‫‪323‬‬
‫فيام بعد أنَّه كان يقول احلقيقة‪ ،‬فقد احتاج إ َّيل علـمـاء األزهر‪.‬‬
‫تم االمتحان‪،‬‬ ‫ولـمـا رحل إىل األزهر‪ ،‬ودرس فيه‪ ،‬تقدم لنَـ ْيل َّ‬
‫الشهادة العامل َّية قال‪َّ :‬‬ ‫َّ‬
‫وظننت أنَّه قال‬
‫ُ‬ ‫وأردت القي�ام باالنرصاف‪ ،‬ق�ال يل رئيس ال َّلجنة‪ :‬مربوك يا علاَّ م�ة‪.‬‬
‫السلام غنيم وأخربه بنجاحي‬ ‫يل ه�ذه العبارة هت ُّك ًام‪ ،‬ولكنَّه قابل صديقه َّ‬
‫الش�يخ عبد َّ‬
‫بتفو ٍق‪ ،‬ونرش خرب نجاحي بجريدة األهرام‪ ،‬وصادف أنيِّ كنت يف زيارة َّ‬
‫الشيخ حممود‬ ‫ُّ‬
‫ال لك ِّلـ َّي�ة الشرَّ يعة‪ ،‬ودخل‬
‫ش�لتوت يف بيت�ه ومعه مجاع ٌة من العلـمـ�اء؛ ألنَّه كان وكي ً‬
‫الش�يخ ش�لتوت‪ :‬عالم هتنِّئه؟ فقال‪:‬؛ ألنَّه نال َّ‬
‫الش�هادة‬ ‫الزائرين فهنَّأين‪ ،‬فقال له َّ‬
‫أحد َّ‬
‫الش�هادة األزهر َّية بأخذ َّ‬
‫الشيخ‬ ‫الش�يخ ش�لتوت‪ :‬نحن هننِّئ َّ‬
‫العامل َّية األزهر َّية‪ ،‬فقال‪َّ :‬‬
‫عبد اهلل هلا ا َّلذي جاء من بالده عالـمـ ًا(‪.)1‬‬
‫*‬ ‫*‬ ‫*‬
‫الس� ِّيد نذير حسين‬ ‫كان َّ‬
‫الش�يخ عب�د اهلل ب�ن حممد الغزن�وي ‪ -‬رمحه اهلل ‪ -‬تلميذ َّ‬
‫الدَّ هلوي عاكف ًا عىل العبادة واإلفادة‪ ،‬وانتهى إليه الورع‪ ،‬وحسن َّ‬
‫السمت‪ ،‬والتَّواضع‪،‬‬
‫بخاصة النَّفس‪ ،‬واتَّفق النَّاس عىل ال َّثناء عليه واملدح بشامئله وصار املشار‬
‫َّ‬ ‫واالش�تغال‬
‫إليه يف هذا الباب‪.‬‬
‫الصالح‪،‬‬ ‫وكان له ‪ -‬رمحه اهلل ‪ -‬اثنا عرش ابن ًا ك ُّلهم دعا ٌة إىل اهلل عىل منهج َّ‬
‫السلف َّ‬
‫الرحي�م الغزن�وي‪ ،‬والعلاَّ مة عب�د الواح�د الغزنوي‬
‫وكان م�ن بينه�م العلاَّ م�ة عب�د َّ‬
‫يشتغالن بالتِّجارة ليستعينا هبا عىل ال َّطاعة والعبادة والدَّ عوة‪ ،‬وكانا جيوبان األقطار يف‬
‫اجتامع أثناء‬
‫ٌ‬ ‫هذا َّ‬
‫الش�أن حتَّى وصال إىل بعض البلدان العرب َّية‪ ،‬وقدَّ ر اهلل أن حصل هلام‬
‫الرمحن بن الفيصل آل س�عود (‪1346-1268‬هـ)‬
‫س�فرمها إىل الكويت باألمري عبد َّ‬

‫(‪« )1‬عبد اهلل بن الصديق الغامري احلافظ الناقد» للدكتور فارق محادة (ص ‪.)13‬‬

‫‪324‬‬
‫الرمحن الفيصل آل سعود (‪1373-1297‬هـ)‪ ،‬وتأ َّثر‬
‫وابنه املغامر عبد العزيز بن عبد َّ‬
‫األمريان هبام جدًّ ا‪ ،‬ودرسا عليهام بعض العلوم‪ ،‬وقامت بينهم عالق ٌة و ِّد َّي ٌة خالص ٌة عىل‬
‫أساس وحدة العقيدة واملنهج‪.‬‬
‫الرياض عاصمة‬
‫الرمحن آل س�عود عىل ِّ‬
‫ولـمـا اس�توىل األمري عبد العزيز بن عبد َّ‬
‫َّ‬
‫الرياض‪ ،‬فج�اءا وبقيا مخس س�نوات يف نجد‪،‬‬
‫وج�ه إليهما الدَّ عوة لإلقام�ة يف ِّ‬
‫نج�د‪َّ ،‬‬
‫ٍ‬
‫سعود وغريهم من أهل نجد(‪.)1‬‬ ‫واستفاد منهام يف هذه املدَّ ة بعض األشخاص من آل‬

‫*‬ ‫*‬ ‫*‬

‫الربانيني» للدكتور سيد بن حسني العفاين (‪.)198/2‬‬


‫(‪« )1‬زهرة البساتني من مواقف العلـمـاء َّ‬

‫‪325‬‬
326
‫مزاحهم‬

‫‪327‬‬
328
‫ٍ‬
‫ملحوظ‪،‬‬ ‫ٍ‬
‫وذكاء‬ ‫حافظة قو َّي ٍة‪،‬‬
‫ٍ‬ ‫كان َّ‬
‫الشيخ حسني املرصفي ‪ -‬رمحه اهلل ‪ )1(-‬صاحب‬
‫ٍ‬
‫أش�هر‪،‬‬ ‫ودرس يف األزهر ملدَّ ة عرشين عام ًا تقريب ًا‪ ،‬وتع َّلم ال ُّلغة الفرنس� َّية خالل ثالثة‬
‫َّ‬
‫وسبب ذلك يرجع إىل أنَّه كان جالس ًا مع عيل باشا مبارك ومعهام ٌ‬
‫ثالث قيل إنَّه قنصل‬
‫الرجلني بال ُّلغة الفرنس� َّية‪ ،‬واملرصفي ال يعرف ما يدور بني‬
‫فرنس�ا‪ ،‬ودار احلديث بني َّ‬
‫الرجلين‪ ،‬فت�ألمَّ ‪ ،‬وقال‪ :‬يقول رس�ول اهلل صىل اهلل عليه وس�لم‪« :‬ال يتن�اج اثنان دون‬
‫َّ‬
‫ف�إن ذلك حيزنه»‪ ،‬وهن�ض من فوره ليتع َّلم ه�ذه ال ُّلغة يف غض�ون هذه الفرتة‬
‫ال َّثال�ث َّ‬
‫القصيرة‪ ،‬وأج�اد كتابة وق�راءة ال ُّلغة الفرنس� َّية بطريقة برايل‪َّ ،‬‬
‫والش�يخ املرصفي من‬
‫أسبق املؤ ِّلفني يف دراسة األدب وكتابة تارخيه يف مرص‪.‬‬
‫وقد تأ َّلق نجمه يف سماء األزهر ودار العلوم ش�خص ًا متواضع ًا يعتمد عىل نفس�ه‬
‫مح�ار يمتطي�ه يف ذهاب�ه للتَّدريس بدار‬
‫ٌ‬ ‫بع�د اهلل يف قض�اء حاجات�ه وأعامل�ه‪ ،‬وكان له‬
‫العل�وم‪ ،‬وقد اش�تهر هذا احلمار باالنقي�اد والتَّذ ُّلل َّ‬
‫للش�يخ‪ ،‬فكان حيضره من املنزل‬
‫ثم يرج�ع إىل البيت ليعود بع�د ذلك إىل دار‬
‫بمف�رده ويضع�ه عند ب�اب «دار العلوم» َّ‬
‫عضه‪ ،‬وقال األستاذ حممد‬ ‫العلوم يف وقت خروج َّ‬
‫الشيخ‪ ،‬وإذا اعرتضه أحدٌ رفسه‪ ،‬أو َّ‬
‫«الشيخ حسني بن أمحد املرصفي» ا َّلذي نال جائزة مـجمع‬
‫عبد اجلواد صاحب كتاب َّ‬
‫ال ُّلغة العرب َّية يف البحث األد ِّ‬
‫يب‪ ..‬قال عن هذا احلامر‪ :‬إنَّه فخر احلمري(‪.)2‬‬
‫*‬ ‫*‬ ‫*‬

‫الش�يخ حسين بن أمحد املرصفي ‪ -‬رمحه اهلل ‪ -‬يف قرية (مرصفي) بالقرب من مدينة (بنها) سنة‬ ‫(‪ )1‬ولد َّ‬
‫(‪1815‬م)‪َ ،‬ف َقدَ برصه وهو ابن ثالث س�نني‪ ،‬فحفظ القرآن صغري ًا‪ ،‬ودرس العلوم الرشعية‪ ،‬ح َّتى صار‬
‫من كبار العلـمـاء‪ ،‬وتقلد العديد من املناصب‪ ،‬كام صنف الكثري من املصنفات‪ .‬تويف سنة (‪1890‬م)‪.‬‬

‫الرمحن سامل اخللف (ص‪.)312‬‬


‫(‪« )2‬موسوعة أعالم املكفوفني» لعبد َّ‬

‫‪329‬‬
‫الش�يخ إبراهي�م املييل‪ :‬م�ن ال َّطرائ�ف ا َّلت�ي وقعت مع َّ‬
‫الش�يخ عب�د القادر‬ ‫ق�ال َّ‬
‫األرن�ؤوط ‪ -‬رمح�ه اهلل ‪ )1(-‬أن قل�ت ل�ه‪ :‬ش�يخنا‪ ،‬بلغني أنهَّ �م منعوا كت�اب «رياض‬
‫الشيخ مازح ًا‪َّ :‬‬
‫لعل أحد ًا‬ ‫الس�بب يف هذا؟ فقال َّ‬
‫الصاحلني» للنَّووي من األس�واق‪ ،‬فام َّ‬
‫َّ‬
‫السلاح‬ ‫م�ن ه�ؤالء ا َّلذي�ن ال يفهمون َّ‬
‫لـمـا ق�رأ للنَّووي ظ� َّن الكتاب يتحدَّ ث عن ِّ‬
‫النَّووي‪.‬‬
‫لـمـا زار‬ ‫ومن األخبار ال َّطريفة ما أخربنا به أخونا َّ‬
‫الشيخ حممد زياد التكلة‪ ،‬قال‪َّ :‬‬
‫الرياض بتاريخ (‪1424 4 8‬هـ)‪ ،‬وكان يف املجلس بعض الكبار‪ ،‬مثل َّ‬
‫الشيخ‬ ‫شيخنا ِّ‬
‫الرمح�ن الباين‪َّ ،‬‬
‫والش�يخ حممد لطفي الصب�اغ‪ ،‬وعدد من طلبة العل�م املعروفني‪،‬‬ ‫عب�د َّ‬
‫الرضيعة (شيامء) وعمرها شهران تقريب ًا‬
‫حرض املجلس األخ معز الفرا‪ ،‬مصطحب ًا ابنته َّ‬
‫عوذها ويدعو هلا‪،‬‬
‫عىل ما أذكر‪ ،‬فقام شيخنا عبد القادر من جملسه إليها‪ ،‬ومحلها‪ ،‬وبدأ ُي ِّ‬
‫فقلت لش�يخنا‪ :‬أال تُـحنِّكها أيض ًا؟ فضحك ش�يخنا كثري ًا‪ ،‬وقال‪ :‬ال‪ ،‬حاجتنا سيدنا!‬

‫(‪ )1‬ولد َّ‬


‫الشيخ قدري عبد القادر بن صوقل األرنؤوط ‪ -‬رمحه اهلل ‪ -‬يف كوسوفا سنة (‪1928‬م)‪ .‬هاجر‬
‫ساعاتيا‬
‫ًّ‬ ‫إىل دمش�ق بصحبة والده وعمره ثالث س�نوات‪ .‬درس التعليم االبتدائي‪ ،‬وللحاجة عمل َّ‬
‫الشيخ‬
‫عند َّ‬
‫الشيخ سعيد األمحر األزهري وأخذ عنه علم الفقه‪ .‬عكف عىل دراسة علم احلديث والفقه والتفسري‬
‫وحقق يف هذه العلوم الكثري من الكتب‪ .‬وتويف سنة (‪2004‬م)‪ .‬موقع «ملتقى أهل احلديث»‪.‬‬

‫‪330‬‬
‫أن ش�يخنا يف إحدى زياراته الدَّ عو َّية لبالده كوسوفو‪ُ ،‬أتيِ َ له‬ ‫يكفينا ا َّلذي عندنا! ذلك َّ‬
‫ثم دارت األ َّي�ام وال َّليايل وأصبحت‬ ‫ٍ‬
‫وعوذها‪ ،‬ودعا هل�ا بالربكة‪َّ ،‬‬
‫بمول�ودة‪ ،‬فحنَّكه�ا‪َّ ،‬‬
‫زوجته(‪!)1‬‬
‫*‬ ‫*‬ ‫*‬
‫أن زوج�ات بعض احل َّفاظ‬
‫الس�عد ‪ -‬رمحها اهلل‪َّ -‬‬ ‫م�ن أطرف ما روته َّ‬
‫الش�يخة أم َّ‬
‫والرجال يتك َّلمون‬‫خاص ًة ِّ‬ ‫أبدين غريهت َّن منها وخوفه َّن من أن ختطف منهن أزواجه َّن‪َّ ،‬‬
‫ٍ‬
‫واعتزاز‪ ،‬وهو ما دفع بأزواجه َّن إىل اصطحاهب َّن للدُّ روس للتَّأكُّد‬ ‫ٍ‬
‫بفخر‬ ‫عن ش�يختهم‬
‫الس ِّن‪.‬‬
‫من أن هذا اخلوف ال مربر له‪ ،‬فهي رضير ٌة وكبري ٌة يف ِّ‬
‫عيل باعتباري (امرأةً) وبعضهم‬
‫الرجال تر َّدد يف البداية يف القراءة َّ‬
‫وتقول‪ :‬وبعض ِّ‬
‫السلف َّية باإلسكندر َّية أفتى هلم‬ ‫امتنع‪ ،‬لك َّن َّ‬
‫الش�يخ حممد إسامعيل أش�هر دعاة الدَّ عوة َّ‬
‫عيل(‪.)2‬‬
‫بجواز ذلك عندما علم بسنِّي‪ ،‬بل أرسل إ َّيل بأهل بيته للقراءة َّ‬
‫*‬ ‫*‬ ‫*‬
‫(‪)3‬‬
‫الشيخ حممد األبيريي ابن َّ‬
‫الشيخ سيد بن املختار الشنقيطي ‪ -‬رمحه اهلل ‪-‬‬ ‫تزوج َّ‬
‫َّ‬
‫ٍ‬
‫بام�رأة من غري أن يس�تأذن والدته‪ ،‬فذهبت إليه تصحبه�ا عجائز‪ ،‬فرضبنه‪ ،‬فكتب إىل‬
‫أبيه يشكوه َّن‪:‬‬

‫(‪ )1‬موقع «ملتقى أهل احلديث»‪.‬‬

‫(‪« )2‬فتح رب البيت يف ذكر مشايخ القرآن بدولة الكويت» للشيخ يارس إبراهيم املزروعي (ص ‪.)187‬‬

‫الشيخ سيدي بن املختار بن اهليب األبيريي الشنقيطي ‪ -‬رمحه اهلل ‪ ،-‬من‬ ‫(‪ )3‬العالمة األديب حممد ابن َّ‬
‫علـمـ�اء القرن الثالث عرش اهلجري‪ ،‬نش�أ يف كن�ف أبيه ا َّلذي كان من أهل العل�م‪ ،‬والغنى‪ ،‬واجلاه‪ ،‬وقد‬
‫جلب إليه أبوه املؤدبني ح َّتى برع يف العلم واألدب‪«.‬الوسيط يف أدباء شنقيط» ألمحد الشنقيطي‪.‬‬

‫‪331‬‬
‫ِ‬
‫عاج�ز‬ ‫ي�روم اهتضام�ي بينك�م ُّ‬
‫كل‬ ‫ٍ‬
‫أم�ر رَّ‬
‫بالشيع�ة جائ� ٌز‬ ‫�ن فع�ل‬ ‫ِ‬
‫أم ْ‬
‫ِ‬
‫العجائ�ز‬ ‫علي الي�وم جن�دُ‬
‫َّ‬ ‫فص�ال‬ ‫وكان بك�م جن�دُ ال ُبغ�اة هيابن�ي‬
‫ِ‬
‫ماع�ز‬ ‫ِ‬
‫فع�ل‬ ‫ٍ‬
‫وفاحش�ة م�ن نح�و‬ ‫ٍ‬
‫ببدع�ة‬ ‫فصرت كأنيِّ ق�د أتي�ت‬
‫ُ‬
‫ولكـنَّـها لـيست بذات َأ َم ِ‬
‫اعز(‪.)1‬‬ ‫أن أريض ذات ُمـعز رمجـنـنـي‬
‫فـلو َّ‬
‫*‬ ‫*‬ ‫*‬

‫أن والدته ا َّلت�ي مل تكن تكتب وال تقرأ طلبت منه أن يرس�ل هلا‬
‫يذك�ر ال َّطنط�اوي َّ‬
‫مـح�ب الدِّ ين اخلطيب يف مرص على أن يضع هلا ديباج� ًة حلو ًة من‬
‫ِّ‬ ‫رس�ال ًة إىل أخيه�ا‬
‫كتاب «اإلنش�اء العرصي» ا َّلذي كان يش�تمل عىل مجيع أش�كال َّ‬
‫الرس�ائل بام يف ذلك‬
‫االس�تعطاف‪ ،‬واالعت�ذار‪ ،‬والتَّهنئ�ة‪ ،‬والتَّعزي�ة وغريها ‪ -‬ومل يكن يعجبها إنش�اؤه ‪-‬‬
‫السلام عليكم ورمحة اهلل‪ ،‬نحن ٍ‬
‫بخري‪،‬‬ ‫ففكرت يوم ًا‪ ،‬فكتبت إليه‪َّ :‬‬
‫ُ‬ ‫يق�ول ال َّطنطاوي‪:‬‬
‫الصفح�ة ك�ذا من كتاب اإلنش�اء العرصي‪ ،‬أق�ول هذا توفير ًا لوقتك‪،‬‬
‫والرس�الة يف َّ‬
‫وعيل‪ ،‬يق�ول ال َّطنطاوي‪ :‬ور َّد َّ‬
‫علي ‪ -‬يعني خاله مـح�ب الدِّ ين ‪-‬‬ ‫َّ‬ ‫وتس�هي ً‬
‫ال علي�ك‪،‬‬

‫(‪« )1‬الوسيط يف أدباء شنقيط» ألمحد الشنقيطي (ص‪.)542‬‬

‫‪332‬‬
‫ٍ‬
‫بكتاب ال يزال عندي‪ ،‬يثني فيه عىل فعيل؛ ألنيِّ كام قال‪ :‬حفظت له‬ ‫مسرور ًا بام فعلت‬

‫وقته(‪.)1‬‬

‫*‬ ‫*‬ ‫*‬

‫ذه�ب َّ‬
‫الش�يخ عبد اهلل ب�ن خلف الدحي�ان ‪ -‬رمحه اهلل ‪ -‬لزيارة أح�د أصحابه يف‬

‫�م» فلم‬
‫«س ْ‬
‫فلـمـ�ا طرق الباب قال له صاح�ب املنزل عىل عادة أهل نجد‪َ :‬‬
‫املرق�اب‪َّ ،‬‬
‫وكرر صاح�ب املنزل الق�ول‪ ،‬فلم يدخل‬
‫م�ر ًة أخرى‪َّ ،‬‬ ‫يدخ�ل َّ‬
‫الش�يخ‪ ،‬فط�رق الباب َّ‬
‫�م»‬
‫«س ْ‬
‫الش�يخ‪ :‬قلت يل َ‬ ‫الش�يخ‪ ،‬وكذا يف ال َّثالثة‪َّ ،‬‬
‫فلـمـا خرج صاحب املنزل‪ ،‬قال له َّ‬ ‫َّ‬

‫فقلت‪« :‬بسم اهلل» ومل تقل يل‪« :‬ادخل»(‪.)2‬‬

‫*‬ ‫*‬ ‫*‬

‫احلج صلىَّ وراء‬ ‫الشيخ أمحد ال َّطويل أنَّه َّ‬


‫لـمـا قدم من مرص إىل مكَّة يف موسم ِّ‬ ‫ذكر َّ‬

‫فلـمـا قىض َّ‬


‫الشيخ صالته‪ ،‬تقدَّ م إليه‬ ‫الشيخ حممد بن إبراهيم آل َّ‬
‫الشيخ ‪ -‬رمحه اهلل ‪َّ ،-‬‬ ‫َّ‬

‫الشيخ أمحد ال َّطويل‪ .‬وقال‪ :‬يا شيخ‪ ،‬عندك مخسة أخطاء يف التَّجويد‪ ،‬فقال َّ‬
‫الشيخ حممد‬ ‫َّ‬

‫الصالة (‪.)3‬‬ ‫ابن إبراهيم‪ :‬لو قرأنا بقراءتكم يا أهل مرص لطلعت َّ‬
‫الشمس ومل تنقض َّ‬
‫*‬ ‫*‬ ‫*‬

‫السحيباين (ص ‪.)49‬‬ ‫(‪« )1‬حوادث مثرية من حياة َّ‬


‫الطنطاوي» إعداد عبد احلميد ّ‬
‫(‪« )2‬عالمة الكويت َّ‬
‫الشيخ عبد اهلل بن خلف الدحيان» (ص ‪.)36‬‬

‫الشيخ أمحد َّ‬


‫الطويل‪.‬‬ ‫(‪ )3‬حدثني بذلك األخ صالح بن رواف الفهد سامع ًا من َّ‬

‫‪333‬‬
‫البغوي بعد‬
‫ِّ‬ ‫الشيخ عبد العزيز بن باز ‪ -‬رمحه اهلل ‪ -‬عليه يف تفسري‬ ‫قرأ أحد طلاَّ ب َّ‬
‫الشيخ عبد العزيز بن نارص بن باز ‪ -‬فأكثر هذا القارئ‬ ‫األسايس ‪ -‬وهو َّ‬
‫ِّ‬ ‫غياب القارئ‬
‫مصحح ًا‬
‫ِّ‬ ‫الرواة‪ ،‬و َأ ْمىل عليه َّ‬
‫الشيخ‬ ‫اإلسنادي والتَّصحيف يف أسامء ُّ‬
‫ِّ‬ ‫اجلديد من القلب‬
‫فلـمـا انتهى املكان‬ ‫ٍ‬
‫مرات بعض األس�انيد‪ ،‬فيخطئ القارئ يف تركيبها وقراءهتا‪َّ ،‬‬ ‫عدَّ ة َّ‬
‫املق�رر قراءتـه س�أله سماحته ‪ -‬رمحه اهلل ‪ -‬عن اس�مه‪ ،‬فقال القـارئ‪ :‬اس�مي صقر‪،‬‬ ‫َّ‬
‫الصقر ما حيتاج إىل ه�ذا التَّعليم ك ِّله‪َّ ،‬‬
‫الصقر‬ ‫الش�يخ مداعب ًا مبتس ً‬
‫ما‪ :‬يا ول�دي‪َّ ،‬‬ ‫فقـال َّ‬
‫ٍ‬ ‫مر ٍة‬
‫ووهلة(‪.)1‬‬ ‫يتع َّلم من َّأول َّ‬
‫* * *‬

‫قال إحسان بن حممد العتيبي‪ :‬صلىَّ َّ‬


‫الشيخ ابن عثيمني ‪ -‬رمحه اهلل ‪ -‬يف احلرم املك ِِّّي‪،‬‬

‫(‪« )1‬اإلنجاز يف ترمجة اإلمام عبد العزيز بن باز» (ص‪.)336‬‬

‫‪334‬‬
‫الذهاب إليه إىل سي ٍ‬
‫ارة‪ .‬أوقف‬ ‫ٍ‬
‫مكان حيتاج َّ‬ ‫وأراد بعد خروجه من احلرم َّ‬
‫الذهاب إىل‬
‫َّ‬
‫َّعرف عىل‬ ‫الشيخ ابن عثيمني س َّيارة تاكيس‪ ،‬وصعد معه‪ ،‬ويف ال َّطريق‪ ،‬أراد َّ‬
‫السائق الت ُّ‬ ‫َّ‬
‫الراكب!‬
‫َّ‬
‫السائق‪ :‬من َّ‬
‫الشيخ؟‬ ‫َّ‬
‫َّ‬
‫الشيخ‪ :‬حممد بن عثيمني!‬
‫الش�يخ يكذب علي�ه‪ ،‬إذ مل خيطر بباله أن‬ ‫الش�يخ ابن عثيمني ‪ -‬وظ َّن َّ‬
‫أن َّ‬ ‫الس�ائق‪َّ :‬‬
‫َّ‬
‫يركب معه مثل َّ‬
‫الشيخ ‪-‬‬
‫الشيخ‪ :‬نعم‪َّ ،‬‬
‫الشيخ!‬ ‫َّ‬

‫متعجب ًا من هذه اجلرأة يف ُّ‬


‫تقمص شخص َّية َّ‬
‫الشيخ!‬ ‫ِّ‬ ‫هيز رأسه‬
‫السائق‪ُّ :‬‬
‫َّ‬
‫َّ‬
‫الشيخ ابن عثيمني‪ :‬من األخ؟‬
‫السائق‪َّ :‬‬
‫الشيخ عبد العزيز بن باز!!‬ ‫َّ‬
‫فضحك َّ‬
‫الشيخ‪.‬‬
‫الشيخ‪ :‬أنت َّ‬
‫الشيخ عبد العزيز بن باز؟!‬ ‫َّ‬
‫السائق‪ :‬يعني أنت َّ‬
‫الشيخ ابن عثيمني؟‬ ‫َّ‬
‫رضير‪ ،‬وال يسوق س َّيارةً!!‬
‫ٌ‬ ‫الشيخ‪ :‬لك َّن َّ‬
‫الشيخ عبد العزيز‬ ‫َّ‬
‫ٍ‬
‫إحراج(‪.)1‬‬ ‫للسائق أنَّه هو َّ‬
‫الشيخ ‪ -‬رمحه اهلل ‪ ،-‬ووقع يف‬ ‫ثم تأكَّد َّ‬
‫َّ‬

‫*‬ ‫*‬ ‫*‬

‫(‪« )1‬صفحات مرشقة من حياة اإلمام حممد بن صالح العثيمني» (ص ‪.)79‬‬

‫‪335‬‬
336
‫خواتيمهم‬

‫‪337‬‬
338
‫أمرمحي�دان ب�ن تركي ‪ -‬رمح�ه اهلل ‪ )1(-‬الناس من حوله باخل�روج يف مرضه الذي‬

‫وتشهد وخرجت روحه‪.‬‬


‫َّ‬ ‫تويف فيه‪ ،‬وحني خرجوا استقبل القبلة ومتدَّ د‬

‫وجهزناه ودفنَّاه يف‬


‫الغسالني َّ‬ ‫قال ولده َّ‬
‫الش�يخ حممد ‪ -‬رواي احلكاية ‪ :-‬فدعوت َّ‬
‫البقيع سنة (‪1203‬هـ) (‪.)2‬‬

‫*‬ ‫*‬ ‫*‬

‫حج‬
‫لـمـا َّ‬ ‫(‪)3‬‬
‫ذك�ر بعضهم عن َّ‬
‫الش�يخ حممد بن س�يف العتيقي ‪ -‬رمحه اهلل ‪ -‬أنَّ�ه َّ‬
‫َّبي ‪ -‬صىل اهلل‬ ‫خرجت القافلة خارج املدينة وعزم عىل َّ‬
‫الذهاب معهم إىل بلده رأى الن َّ‬
‫مـحمد‪ ،‬كيف خترج من عندنا وأنت من جرياننا؟‬
‫َّ‬ ‫عليه وسلم ‪ -‬يف النَّوم‪ ،‬وقال له‪ :‬يا‬

‫ثم تو َّفاه اهلل‬


‫الس�فر ورجع إىل املدين�ة‪ ،‬وأقام فيها أ َّيام قالئ�ل‪َّ ،‬‬
‫فلـمـ�ا أصبح نأى عن َّ‬
‫َّ‬
‫تعاىل فيها‪.‬‬

‫*‬ ‫*‬ ‫*‬

‫(‪ )1‬ولد َّ‬


‫الش�يخ محيدان بن تركي احلميدان اخلالدي ‪ -‬رمحه اهلل ‪ -‬س�نة (‪1130‬هـ)‪ ،‬وقرأ عىل عامل عنيزة‬
‫َّ‬
‫الشيخ أمحد بن عضيب ومجاعة من العلـمـاء‪ .‬استوطن املدينة املنورة يف آخر حياته‪ ،‬نرش علمه هناك‪ .‬تويف‬
‫سنة (‪ 1203‬هـ)‪.‬‬

‫الس�تار عبد‬
‫(‪« )2‬في�ض املل�ك الوه�اب املتعايل بأنب�اء أوائل الق�رن الثالث عرش والتوايل» للش�يخ عبد َّ‬
‫الوهاب البكري الصديقي اهلندي املكي احلنفي (‪.)442/1‬‬

‫الشيخ حممد بن سيف بن محد العتيقي ‪ -‬رمحه اهلل ‪ -‬يف سنة (‪1175‬هـ) يف حرمة من قرى نجد‬ ‫(‪ )3‬ولد َّ‬
‫بإقليم سدير‪ ،‬درس عىل والده سيف‪ ،‬ارحتل حممد مع أبيه وأخيه صالح يف طلب العلم إىل اإلحساء حيث‬
‫درس عىل علـمـاء املذهب‪ .‬توىل إفتاء احلنابلة بمكة املكرمة‪ .‬كام ذكر البسام أنَّه توىل التدريس واإلفتاء يف‬
‫بلد الزبري‪ .‬تويف بعد سنة (‪1224‬هـ)‪.‬‬

‫‪339‬‬
‫افعي املك ُِّّي ‪ -‬رمحه اهلل ‪ -‬دائ ًام ِّ‬
‫يكرر‪ :‬نعم اإلقامة‬ ‫مياطي َّ‬
‫الش ُّ‬ ‫كان َّ‬
‫الشيخ أمحد الدِّ‬
‫(‪)1‬‬
‫ُّ‬
‫بمكَّة والوفاة بطيبة‪.‬‬
‫ومن أعظم مش�اخيه‪َّ :‬‬
‫الش�يخ عبد الغن�ي املدرس بجدة‪ ،‬وقد ج�اور باألزهر مدَّ ًة‬
‫َّب�ي صىل اهلل عليه وس�لم‪ ،‬وقرأ‬
‫وتوج�ه إىل املدينة املن�ورة لزيارة الن ِّ‬
‫َّ‬ ‫درس في�ه‪،‬‬
‫حتَّ�ى َّ‬
‫بالروضة املعطرة‪ ،‬وبع�د أن ختمها توفيِّ‬
‫حاش�ية «الربدة» لش�يخ اإلسلام الباجوري َّ‬
‫س�نة (‪1270‬ه�ـ)‪ ،‬ودفن بالبقيع بجانب ق َّب�ة آل البيت‪ ،‬فحزن ملوت�ه أهل احلرمني ‪-‬‬
‫رمحه اهلل ‪.)2(-‬‬
‫*‬ ‫*‬ ‫*‬
‫توفيِّ َّ‬
‫الشيخ عوض بن حممد احلجي ‪ -‬رمحه اهلل ‪ )3(-‬أثناء ما كان يصليِّ بالنَّاس‬
‫يف ليل�ة [‪ ]27‬م�ن ش�هر رمض�ان بعد أن تال قول�ه تع�اىل‪ :‬ﱫ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ‬
‫ﯵ ﯶ ﱪ[العلق‪.)4(]19:‬‬
‫*‬ ‫*‬ ‫*‬

‫الش�يخ أمحد الدمياطي الش�افعي املكي ‪ -‬رمحه اهلل ‪ -‬يف مكة‪ ،‬وقرأ عىل علـمـائهم‪ ،‬وصارت له‬ ‫(‪ )1‬ولد َّ‬
‫شهرة واسعة لسعة علمه ح َّتى صار مفتي ًا ملكة‪ ،‬ومدرس ًا يف املسجد احلرام‪ .‬تويف سنة (‪1270‬هـ)‪.‬‬

‫الس�تار عبد‬
‫(‪« )2‬في�ض املل�ك الوه�اب املتع�ايل بأنباء أوائل الق�رن الثالث عرش والتوايل» للش�يخ عبد َّ‬
‫الوهاب البكري الصديقي اهلندي املكي احلنفي(‪.)161/1‬‬

‫السعودية‬
‫الشيخ عوض بن حممد بن عوض احلجي ‪ -‬رمحه اهلل ‪ -‬يف حائل شامل اململكة العربية ُّ‬ ‫(‪ )3‬ولد َّ‬
‫يف مطل�ع القرن الثالث عرش‪ .‬كان يعد من أش�هر القراء يف حائل‪ ،‬وب�رز يف علم الفرائض‪ .‬عرف بعبادته‪،‬‬
‫وجلده يف ّ‬
‫الطاعة‪ .‬تويف بعد سنة (‪1304‬هـ)‪.‬‬

‫(‪« )4‬منب�ع الك�رم والشمائل يف ذكر أخبار وآثار من ع�اش من أهل العلم يف حائل» حلس�ان بن إبراهيم‬
‫الرديعان (ص‪.)187‬‬ ‫ّ‬

‫‪340‬‬
‫الزواك احلس�يني ‪ -‬رمحه اهلل ‪ )1(-‬وهو يتلو س�ورة‬
‫حممد بن عبد اهلل َّ‬ ‫مات َّ‬
‫الش�يخ َّ‬

‫اإلخالص عن سبعني عام ًا(‪.)2‬‬

‫*‬ ‫*‬ ‫*‬

‫ت�وفيِّ َّ‬
‫الش�يخ حممد خوجه أك�رم ‪ -‬رمحه اهلل ‪ )3(-‬يوم (‪ 28‬رمض�ان) بعد أن صلىَّ‬

‫الترَّ اوي�ح إمام ًا يف مس�جده‪ ،‬وكانت تل�ك ال َّليلة موع�د ًا خلتم الق�رآن الكريم‪ ،‬وأتبع‬

‫الترَّ اوي�ح بالوتر‪ ،‬ويف ال َّثالثة منها وقف َي ْقن ُُت بالدُّ عاء والتَّبتُّل والتَّذ ُّلل إىل اهلل‪ ،‬وخلفه‬

‫مجوع من املص ِّلني يؤ ِّمنون عىل دعائه‪ ،‬وكان من مجلة املص ِّلني أبناؤه وبناته وزوجته يف‬
‫ٌ‬

‫مصلىَّ النساء‪ ،‬وبينام هو يدعو هبط ساجد ًا‪ ،‬ولقي وجه ر ِّبه(‪.)4‬‬

‫*‬ ‫*‬ ‫*‬

‫الزواك احلسيني ‪ -‬رمحه اهلل ‪ -‬يف (احلديدة) يف اليمن سنة (‪1241‬هـ)‪.‬‬ ‫(‪ )1‬ولد َّ‬
‫الشيخ حممد بن عبد اهلل َّ‬
‫ق�رأ الفقه الش�افعي وغريه من الفن�ون عىل علـمـاء بل�ده‪ ،‬وأفتى‪ ،‬ودرس يف حياهت�م‪ .‬صنف العديد من‬
‫املصنفات‪ .‬تويف سنة (‪1311‬هـ)‪.‬‬

‫الربعة» ملحمد أيب بكر بن عبد اهلل باذيب (ص‪.)162‬‬


‫(‪« )2‬املجالس املجتمعة يف مآثر األخوة َّ‬
‫ثم عمل مدرس ًا‬
‫الشيخ حممد خوجه أكرم بمكة املكرمة سنة (‪1343‬هـ)‪ ،‬تلقى تعليمه يف مكة‪َّ .‬‬ ‫(‪ )3‬ولد َّ‬
‫ثم مدير ًا ملدرسة عكاظ املتوسطة‪ .‬عني إمام ًا يف بعض مساجد َّ‬
‫الطائف‪ ،‬وكان عضو ًا‬ ‫ثم مكة‪َّ ،‬‬ ‫يف َّ‬
‫الطائف َّ‬
‫يف بعض جلان التحكيم ملسابقات القرآن الكريم الدولية‪ .‬تويف سنة (‪1405‬هـ)‪.‬‬

‫(‪« )4‬املستدرك عىل تتمة األعالم للزركيل» تأليف حممد خري رمضان‪.‬‬

‫‪341‬‬
‫الش�يخ عم�ر العدَّ ايس ‪ -‬رمح�ه اهلل ‪ )1(-‬له ثالث�ة أ َّيا ٍم يف األس�بوع يرأس فيه‬
‫كان َّ‬

‫وبالرغم من أنَّه‬ ‫مـجل�س مش�ايخ العلم بجام�ع الشرَّ بات بنهج أيب القاس�م َّ‬
‫الش�ايب‪ُّ .‬‬
‫ث�م يميش عىل‬ ‫الزه�راء‪ ،‬إلاَّ أنَّ�ه كان يركب القطار َف ْج َ�ر ِّ‬
‫كل يو ٍم‪َّ ،‬‬ ‫انتق�ل إىل ضاحي�ة َّ‬
‫السنة‪ ،‬ومل ينقطع عن هذ‬ ‫الزيتونة‪ ،‬وذلك يف ِّ‬
‫كل فصول َّ‬ ‫قدميه ليصليِّ ُّ‬
‫الصبح يف جامع َّ‬
‫لـمـا شعر بأمل ركبتيه وأصبح ُيعيقه عن امليش‪ .‬وبعد صالة‬ ‫ٍ‬
‫بقليل َّ‬ ‫األمر إلاَّ قبيل وفاته‬
‫ٍ‬
‫أحزاب من القرآن‪.‬‬ ‫الزيتونة يقرأ مع ُث َّل ٍة من املص ِّلني بثامنية‬
‫الصبح يف جامع َّ‬
‫ُّ‬
‫ت�وفيِّ بجامع َّ‬
‫الزهراء يف اخلامس عرش من ش�هر رمضان وهو يؤ ِّدي ركعتي ُس�نَّة‬

‫َّشهد األخري(‪.)2‬‬
‫صالة الفجر يف الت ُّ‬
‫*‬ ‫*‬ ‫*‬

‫الش�يخ عم�ر الع�دايس يف تونس س�نة (‪1321‬ه�ـ)‪ .‬درس يف جامع الزيتون�ة ح َّتى حتصل عىل‬ ‫(‪ )1‬ول�د َّ‬
‫درس فيه‪ .‬انتقل إىل التدريس يف اجلامعة اإلسالمية بالبيضاء من ليبيا‪ .‬توىل رئاسة هيئة‬
‫ثم َّ‬
‫شهادة التطويع‪َّ ،‬‬
‫علـمـاء جامع الزيتونة‪ .‬تويف سنة (‪1410‬هـ)‪« .‬تتمة األعالم للزركيل» ملحمد خري رمضان‪.‬‬

‫(‪« )2‬تتمة األعالم للزركيل» (‪ )80/2‬تأليف حممد خري رمضان يوسف‪.‬‬

‫‪342‬‬
‫أن العمل لإلسالم ال ينجح‬ ‫عيل بن حممد بن مجاح ‪ -‬رمحه اهلل ‪ )1(-‬يرى َّ‬
‫الشيخ ُّ‬ ‫كان َّ‬
‫واس�تمر هذا دأبه حتَّى آخر حياته‪،‬‬
‫َّ‬ ‫طريقة إدار َّي ٍة يسير عليها‪،‬‬
‫ٍ‬ ‫بش�كل ج ِّي ٍد إلاَّ بوضع‬
‫ٍ‬
‫ٍ‬
‫رئي�س هلم وأمني صندوق ووقت ًا‬ ‫تضمنه االتِّفاق مع هؤالء األفاضل وضع‬
‫وكان ممَّ�ا َّ‬
‫أس�بوع ًّيا لالجتامع وتدارس األمور واملس�تجدَّ ات‪ ،‬واتَّفقوا على ألاَّ يدعوا النَّاس إىل‬

‫رش إلاَّ وقد بدءوا برتكه‪َّ ،‬‬ ‫ٍ‬


‫حتركوا يف‬
‫ثم َّ‬ ‫خير إلاَّ وقد فعل�وه هم‪ ،‬وال ينهون النَّاس عن ٍّ‬
‫حميطهم ونشطوا‪ ،‬وكام هو املتو َّقع دائ ًام فقد حصلت هلم عوائق‪ ،‬فاستعاض َّ‬
‫الشيخ بن‬
‫ٍ‬
‫مدرسة لتعليم أبناء العشرية األقربني‪ ،‬وكانت‬ ‫عوي بإنش�اء‬
‫مجاح عن هذا النَّش�اط الدَّ ِّ‬
‫السلفية وذلك يف عام (‪1370‬هـ)‪ ،‬وفتح املدرسة يف قرية القرى يف‬ ‫هذه نواة املدرسة َّ‬
‫ٍ‬
‫شديدة‬ ‫ٍ‬
‫معاناة‬ ‫ٍ‬
‫سعيد وأخيه صالح بعد‬ ‫منزل األخوين الوجيهني الكريمني‪ :‬عبداهلل بن‬
‫للحص�ول عىل املكان إلاَّ أنَّه مل يلتحق باملدرس�ة طلاَّ ٌب س�وى أبن�اء األعضاء‪ ،‬وبذل‬
‫الش�باب بالدِّ راس�ة جهد ًا كبري ًا‪ ،‬ومن ذلك أنَّه كان يف قرية (املكارمة)‬
‫يف س�بيل إقناع َّ‬
‫ام�رأ ٌة م�ن أهل القرآن تدعى‪ :‬زهرة بنت حمم�د األعمى ‪ -‬غفر اهلل هلا ‪ ،-‬وكان عندها‬
‫م�ا يق�ارب [‪ ]25‬طالب ًا تع ِّلمهم القرآن الكريم‪ ،‬فطلبهم َّ‬
‫الش�يخ ابن مجاح منها عىل أن‬
‫دعايات مضا َّد ٍة‬
‫ٍ‬ ‫ٍ‬
‫ببنات تقوم بتعليمه َّن‪ ،‬فوافقت إلاَّ أن ال َّطلبة تلكَّئوا بس�بب‬ ‫يعوضها‬
‫ِّ‬
‫للشيخ ودعوته‪ ،‬ولكنَّه َّقرر هلم درس ًا‪ ،‬ويف هنايته كان خيرج هبم إىل ال ِّ‬
‫رب ويامرس معهم‬ ‫َّ‬

‫الش�يخ حممد بن عيل بن مج�اح الغامدي ‪ -‬رمحه اهلل ‪ -‬يف «بلج�ريش» يف جنوب اململكة العربية‬ ‫(‪ )1‬ول�د َّ‬
‫ال ومن أش�هر ش�عراء اجلنوب‪ .‬قىض َّ‬
‫الش�يخ حممد‬ ‫الس�عودية س�نة (‪ 1336‬هـ)‪ ،‬وكان أبوه صاحل ًا فاض ً‬ ‫ُّ‬
‫ب�ن مج�اح حيات�ه يف نرش العل�م‪ ،‬والدع�وة إىل اهلل‪ ،‬وكان من رواد احلرك�ة العلمية يف اجلنوب‪ .‬تويف س�نة‬
‫(‪1430‬هـ)‪.‬‬

‫‪343‬‬
‫ٍ‬ ‫ِ‬
‫ببنات أكثر منهم‬ ‫الش�عب َّية حتَّى َألفوه‪ ،‬فأخذهم َّ‬
‫وعوض املعلمة زهرة‬ ‫بعض األلعاب َّ‬

‫عدد ًا‪ ،‬فسرُ َّ ت بذلك ‪ -‬رمحها اهلل وأعىل درجتها يف عل ِّيني ‪.-‬‬
‫الش�يخ ابن مجاح يعمل يف هذه املدرسة مدير ًا ومع ِّل ًام وخادم ًا‪ ،‬واختار نخب ًة‬
‫وكان َّ‬

‫م�ن املتع ِّلمين األفاضل املحتس�بني لك�ي يعملوا مع�ه يف املدرس�ة‪ ،‬ومل توقف حركة‬
‫تم‬ ‫ٍ‬
‫أش�هر فقط‪ ،‬حتَّى َّ‬ ‫الدَّ عوة إىل اهلل تعاىل يف املس�اجد واألس�واق واملناس�بات س�وى‬
‫كبري بالدَّ عوة يف ُب ُيوهتم وعشيرهتم‪ ،‬وكان َّ‬
‫الشيخ‬ ‫إعداد ال َّطلبة األذكياء‪ ،‬وقاموا ٍ‬
‫بدور ٍ‬
‫ٍ‬
‫وتوجيهات‪ ،‬ويقوم بتوزيعهم عىل مساجد‬ ‫يعدُّ هم علم ًّيا وعمل ًّيا ويميل عليهم نصائح‬
‫والرغبة‪ ،‬واستؤنف‬
‫القرى وجوامعها‪ ،‬وقوبلت الدَّ عوة عىل ألسنتهم بالقبول واملح َّبة َّ‬
‫عمل الدَّ عوة من األساتذة الكبار ا َّلذين كانوا يف مع َّية الطُّـلاَّ ب ِّ‬
‫الصغار مساندين هلم‬
‫ومؤ ِّيدين‪.‬‬
‫الس�نَّة‬
‫مر ًة أخرى على غرار ما فعله أنصار ُّ‬
‫ع�وي َّ‬
‫ُّ‬ ‫َّحرك الدَّ‬
‫ومن املدرس�ة ب�دأ الت ُّ‬
‫املرص ِّيين ا َّلذين التقى هبم يف احلبش�ة‪ ،‬مراعي ًا فارق األوضاع واألعراف‪ ،‬ومس�تفيد ًا‬

‫م�ن اندهاش النَّاس بجودة أداء ال ُّطلاَّ ب ِّ‬


‫الصغار‪ ،‬فوس�ع نط�اق دعوته حتَّى وصلوا‬
‫بيشة وضواحيها وبالد خثعم وشمران وعليان وبلقرن وبني عمرو وبني شهر وحتَّى‬
‫الس�لف َّية واحتشاد‬
‫َّحرك انتش�ار صيت املدرس�ة َّ‬
‫عسير وأحد رفيدة‪ ،‬وقد أثمر هذا الت ُّ‬
‫ٍ‬
‫عديدة للدِّ راس�ة فيها‪ ،‬واقتىض ذلك البحث يف قض َّية بناء‬ ‫الطَُّّل�اَّ ب من قبائل ومناطق‬
‫ٍ‬
‫واسعة‪ ،‬فكان ذلك يف قرية الشعبة‬ ‫ٍ‬
‫مدرسة‬ ‫ٍ‬
‫بيت لل ُّطالَّب املهاجرين لطلب العلم وبناء‬
‫(قرية أرسة الغمد ش�يوخ ش�مل غامد) وس�اعد أعيان وجتار غامد يف جدَّ ة وغريها يف‬

‫‪344‬‬
‫السلف َّية وا َّلتي هي املدرسة األوىل يف بالد غامد وزهران‪ ،‬ويف أثناء زيارة‬
‫بناء املدرس�ة َّ‬
‫ٍ‬
‫بزيارة‬ ‫الس�لف َّية‬
‫خص املدرس�ة َّ‬
‫امللك س�عود ‪ -‬رمحه اهلل ‪ -‬للمنطقة س�نة (‪1374‬هـ) َّ‬
‫ولـمـا ا َّطلع عىل ما تقوم به من ٍ‬
‫دور وما تضطلع به من مها ٍّم‬ ‫كبري له‪َّ ،‬‬ ‫وأقيم فيها ٌ‬
‫حفل ٌ‬
‫تعليم َّي ٍة وتربو َّي ٍة ودعو َّي ٍة أمر بدعمها س�نو ًّيا بمبلغ يس� َّلم َّ‬
‫للشيخ من وزارة الـمـالية‪،‬‬
‫واملعنوي من امللك أن يقوم َّ‬
‫الش�يخ اب�ن مجاح بافتتاح‬ ‫ُّ‬ ‫الـمـادي‬
‫ُّ‬ ‫فش�جع ذل�ك الدَّ عم‬

‫عدَّ ة فرو ٍع للمدرس�ة َّ‬


‫الس�لف َّية‪ :‬فرعان لتعليم البنات يف بلجريش‪ ،‬وهي َّأول مدارس‬
‫نظامي ٍ‬
‫�ة للبن�ات يف املنطق�ة‪ ،‬وف�رع يف قري�ة (األبن�ا) جن�وب بلجريش‪ ،‬وف�رع يف بني‬ ‫َّ‬
‫لـمـا قرصت النَّفقة وضعفت‬
‫ث�م َّ‬
‫ثم انتقل إىل قرية النصباء‪َّ ،‬‬
‫حس�ن م�ن بالد زهران‪َّ ،‬‬
‫املس�اعدات‪ ،‬وافتتح التَّعليم النِّظامي تو َّقفت هذه الفروع‪ ،‬وبقيت املدرسة األصل يف‬
‫مس�تمر ًة بوصفها مدرس� ًة أهل َّي ًة خري َّي ًة َيدْ عمها أهل اإلحسان وعىل رأسهم‬
‫َّ‬ ‫بلجريش‬
‫َّ‬
‫الشيخ عبد العزيز بن باز ‪ -‬رمحه اهلل ‪ ،-‬وصارت املدرسة فيام بعد حتتوي عىل املراحل‬

‫واملتوس�ط وال َّثانوي‪ ،‬وبقيت كذلك حتَّى َّ‬


‫حتولت عام (‪1411‬هـ)‬ ‫ِّ‬ ‫االبتدائي‬
‫ِّ‬ ‫ال َّثالث؛‬
‫حق النِّظارة الشرَّ ع َّية واإلرشاف‪.‬‬ ‫ملؤسسها َّ‬
‫الشيخ ابن مجاح َّ‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬
‫إىل مدرسة حكوم َّية‪ ،‬وبقي ِّ‬
‫الشيخ ‪ -‬رمحه اهلل ‪ -‬إضاف ًة إىل التَّعليم والدَّ عوة إىل اهلل تعاىل‪ :‬تعليم‬
‫ومـماَّ اشتغل به َّ‬

‫ثم زادت‬
‫الق�رآن وحتفيظ�ه‪ ،‬ومن أوائل ذلك فتحه احللقات لذلك ع�ام (‪1370‬هـ)‪َّ ،‬‬
‫ثم لـمـا ُأ ِّسس�ت مجع َّي�ة لتحفيظ القرآن يف بلجريش كان مش�ارك ًا‬
‫ع�ام (‪1380‬هـ)‪َّ ،‬‬
‫ومش�جع ًا ومؤ ِّي�د ًا‪ ،‬ويف س�نة (‪1409‬هـ) انتخب رئيس� ًا هل�ا فصيرَّ اس�مها (اجلمع َّية‬
‫ِّ‬
‫الس�لف َّية لتحفيظ القرآن يف حمافظة بلجريش وتوابعها)‪ ،‬ونش�طت وأصبح هلا‬
‫اخلري َّي�ة َّ‬

‫‪345‬‬
‫حل َّفاظ وبقي مشتغ ً‬
‫ال يف شأن تعليم وحتفيظ‬ ‫وخترج فيها عد ٌد غري ٍ‬
‫قليل من ا ُ‬ ‫عدَّ ة فروعٍ‪َّ ،‬‬
‫ٍ‬
‫بساعات‪.‬‬ ‫القرآن حتَّى قبيل وفاته‬
‫وبينام كان بعض ُطلاَّ به جمتمعني حوله‪ ،‬وهو ال يش�كو شيئ ًا‪ ،‬وإذا به ير ِّدد‪« :‬ال إله‬

‫إلاَّ اهلل»‪َّ ،‬‬


‫ثم سقط ميت ًا ‪ -‬رمحه اهلل ‪.)1(-‬‬
‫*‬ ‫*‬ ‫*‬
‫توج�ه َّ‬
‫الش�يخ املعط�ي بن عب�د اهلل بن العريب ‪ -‬رمح�ه اهلل ‪ -‬للدار البيضاء برس�م‬
‫النياب�ة عن�ه يف القضاء‪ ،‬فمكث هناك مدة قائام بوظيفة األح�كام القضائية وغريها من‬
‫الرحيل بقصد فريضة‬
‫الرياس�ات الدينية‪ ،‬ولـمـا أذنت الش�بيبة منه بالتويل أزمع عىل ّ‬
‫ّ‬
‫احل�ج وزار احلرمين الرشيفني‪ ،‬وعن�د ُق ُفوله فاجأه األجل املحتوم‪ ،‬فت�وفيِّ بجدَّ ة يف صفر‬
‫وألف‪ ،‬وحيكى أنَّه كان آخر كالمه قوله تعاىل‪ :‬ﱫ ﯧ ﯨ ﯩ‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬
‫وثالثامئة‬ ‫اخلير عام ٍ‬
‫أحد‬
‫ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ ﱪ [النس�اء‪،]100:‬‬

‫وبمجرد ُن ْطقه باهلاء من اسم اجلاللة فارقته ُّ‬


‫الروح وختمت أنفاسه‪ ،‬عليه ‪ -‬رمحه اهلل ‪.)2(-‬‬ ‫َّ‬

‫*‬ ‫*‬ ‫*‬

‫(‪ )1‬موقع «ملتقى أهل احلديث»‪.‬‬

‫الرباطي‪.‬‬
‫الرباط» أليب عبد اهلل حممد بن احلاج مصطفى بو جندار ِّ‬
‫(‪« )2‬االغتباط برتاجم علامء ِّ‬

‫‪346‬‬
347
348
‫ق�ص�ص‬
‫ومواقف �أخرى‬

‫‪349‬‬
350
‫الرمحن بن حس�ن ‪-‬‬ ‫الش�يخ حممد بن إبراهيم ‪ -‬رمحه اهلل ‪ :-‬كان َّ‬
‫الش�يخ عبد َّ‬ ‫قال َّ‬
‫لـمـا كانت ترضعه‪.‬‬
‫رمحه اهلل ‪ -‬يقول عن نفسه إنَّه يذكر ثدي أ ِّمه َّ‬
‫(‪)1‬‬

‫ولـمـا كرب وثقل بقيت معه حدَّ ة البرص‪ ،‬فكانوا‬


‫وكان ‪ -‬رمح�ه اهلل ‪ -‬حا َّد البصر‪َّ ،‬‬
‫كبري ‪ -‬لريى اهلالل‪.‬‬
‫الرمحن إىل سطح املسجد ‪ -‬وهو ٌ‬ ‫حتروا اهلالل محلوا َّ‬
‫الشيخ عبد َّ‬ ‫إذا َّ‬
‫وأسند التَّدريس البنه عبد اللطيف ‪ -‬رمحه اهلل ‪ ،-‬فكان ابنه ال يرشح مطلق ًا وأبوه‬
‫ثم يأيت وه�و ال يعلم به حتَّى‬
‫موج�و ٌد‪ ،‬ف�كان أب�وه خيرج من احللقة حتَّى يشرح ابنه‪َّ ،‬‬
‫يستمع رشحه(‪.)2‬‬
‫*‬ ‫*‬ ‫*‬
‫الش�يخ بكر بن عب�د اهلل بيلال يف ترمجة َّ‬
‫الش�يخ حممد نواوي بنت�ن ‪ -‬رمحه اهلل ‪:)3(-‬‬ ‫ق�ال َّ‬
‫َّ‬
‫ليحك ظهره‬ ‫وذكر يل أحد أقربائه َّ‬
‫الش�يخ س�لـمـان متيم أنَّ�ه إذا أراد التَّأليف يدع�وه‬
‫وهو يكتب‪.‬‬
‫*‬ ‫*‬ ‫*‬

‫الش�يخ يف الدرعية س�نة (‪1193‬هـ)‪ .‬فقرأ عىل علـمـاء بلده‬ ‫الرمحن بن حس�ن آل َّ‬ ‫(‪ )1‬ولد َّ‬
‫الش�يخ عبد َّ‬
‫الطالب‬‫ومنهم جده اإلمام حممد بن عبد الوهاب‪ ،‬فقرأ عليه قبل البلوغ‪ .‬وقد نبغ يف العلوم وصار يدرس ُّ‬
‫الشيخ بعد حصار إبراهيم‬ ‫التوحيد والتفسير واحلديث والفقه وغريها‪ .‬نقل إىل مرص مع املرحتلني من آل َّ‬
‫الرياض يف حكم اإلمام تركي بن عبد اهلل‪ .‬تويف س�نة‬ ‫باش�ا للدرعي�ة‪ .‬فاس�تقر يف مرص زمن ًا‪َّ ،‬‬
‫ثم رج�ع إىل ِّ‬
‫(‪1285‬هـ)‪« .‬علـمـاء نجد»‪.‬‬

‫(‪« )2‬علـمـاء نجد خالل ثامنية قرون» (‪.)281/1‬‬

‫(‪ )3‬ول�د َّ‬


‫الش�يخ حممد ن�واوي بن عمر بن علي بنتن يف بنتن س�نة (‪1230‬هـ)‪ ،‬وتلق�ى العلوم عىل عدة‬
‫مشايخ‪ ،‬وصنف العديد من املصنفات‪ .‬وقد عرف بسعة علمه‪ ،‬وتواضعه‪ .‬تويف سنة (‪1314‬هـ)‪.‬‬

‫‪351‬‬
‫الش�يخ إبراهيم بن حممد بن ضويان ‪ -‬رمحه‬ ‫الش�يخ عبد اهلل البس�ام يف ترمجة َّ‬
‫قال َّ‬
‫الرشيد‬
‫الشيخ حممد بن عبد العزيز آل َّ‬ ‫اهلل ‪ :)1(-‬من لطف اهلل تعاىل وتدبريه َّ‬
‫أن تلميذه َّ‬
‫كان ي�درس تالميذ املرتجم عن موت الفجأة‪ ،‬وي�ورد عليهم فيها من ٍ‬
‫آثار‪ ،‬فماَ راعهم‬
‫الشيخ ابن ضويان بدون ٍ‬
‫سابق‪ ،‬فكان هذا الدَّ رس ملح ِّبيه متهيد ًا لقلوهبم‪،‬‬ ‫إلاَّ خرب وفاة َّ‬
‫وعزا ًء لنفوسهم(‪.)2‬‬
‫*‬ ‫*‬ ‫*‬

‫كان َّ‬
‫الش�يخ حمم�د خير أب�و اخلير ب�ن حمم�د املي�داين ‪ -‬رمح�ه اهلل ‪ )3(-‬ال حي�ب‬
‫العز‬
‫بجل�ه النَّاس‪ ،‬ومع تواضع�ه كان يرى َّ‬
‫الس�معة‪ ،‬وال يأخ�ذه العجب بنفس�ه مهام َّ‬
‫ُّ‬

‫الرس س�نة (‪1275‬هـ)‪ ،‬وقرأ عىل علـمـاء‬ ‫الش�يخ إبراهيم بن حممد بن ضويان ‪ -‬رمحه اهلل ‪ -‬يف َّ‬‫(‪ )1‬ولد َّ‬
‫بلده‪ .‬وقد أدرك يف العلوم ال سيام الفقه ح َّتى صار من كبار العلـمـاء‪ ،‬كام أن له اطالع ًا واسع ًا يف التاريخ‬
‫واألنساب وتراجم العلـمـاء‪ .‬تويف سنة (‪1353‬هـ)‪« .‬علـمـاء نجد»‪.‬‬

‫(‪« )2‬علـمـاء نجد خالل ثامنية قرون» (‪.)409/1‬‬

‫(‪َّ )3‬‬
‫الش�يخ حممد خري أبو اخلري بن حممد امليداين احلنفي ‪ -‬رمحه اهلل ‪ ،-‬رئيس رابطة العلـمـاء يف دمش�ق‪،‬‬
‫ولد يف حي امليدان بدمشق سنة (‪1293‬هـ) املوافق (‪1875‬م)‪ ،‬ونشأ فقري ًا‪ ،‬فدرس يف أحد كتاتيب احلي‬
‫الرش�دية بمكتب عنرب‪ ،‬أتقن اللغة الرتكية‪ ،‬والفارس�ية‪ ،‬والكردية‪ ،‬والفرنسية‬ ‫القرآن‪ ،‬والتحق باملدرس�ة َّ‬
‫الس�ابع عرش من رمضان س�نة (‪1380‬هـ)‬ ‫وأ َّمل إلـمـام ًا باللغة اإلنجليزية‪ .‬تويف بداره يف حي ُ‬
‫العقيبة ليلة َّ‬
‫وصليِّ عليه يف اجلامع األموي‪.‬‬
‫املوافق (‪1961‬م) ُ‬

‫‪352‬‬
‫للعل�م والعلـمـ�اء‪ ،‬وأ �م فوق النَّ�اس ك ِّلهم‪ ،‬حدَّ ث�وا عنه يف هذا أنَّه ذه�ب مع ٍ‬
‫وفد‬ ‫نهَّ‬
‫حل َّجاب قاعة االس�تقبال يف القرص‬
‫من العلـمـاء لزيارة رئيس اجلمهور َّية‪ ،‬فأدخلهم ا ُ‬
‫املخصص له عادةً‪،‬‬
‫َّ‬ ‫الرئي�س‬ ‫اجلمه�وري‪ ،‬فصادف أن قعد َّ‬
‫الش�يخ أب�و اخلري يف مكان َّ‬ ‫ِّ‬

‫الش�يخ أن يقولوا له شيئ ًا‪َّ ،‬‬


‫ثم كان أن‬ ‫يترصفون‪ ،‬ومنعتهم هيبة َّ‬
‫حل َّجاب كيف َّ‬
‫واحتار ا ُ‬
‫للرئيس فوضعوه بجانبه يف صدر املجلس‪ ،‬وبعدما خرج الوفد‪ ،‬قال‬
‫أحرضوا كرس� ًّيا َّ‬
‫حل َّجاب‬ ‫كريس رئيس اجلمهور َّية؟ َّ‬
‫وأن ا ُ‬ ‫ِّ‬ ‫بعضهم َّ‬
‫للشيخ‪ :‬أتدري أنَّك كنت جتلس عىل‬

‫احت�اروا ماذا يفعلون؟ فقال‪ :‬لو طلبوا منِّي أن أغيرِّ مقعدي خلرجت مبارش ًة ومل أعد؛‬
‫ٍ‬
‫منزلة(‪.)1‬‬ ‫ألنَّني أم ِّثل منزل ًة أعىل منه‪ ،‬ومنزلة العلم فوق ِّ‬
‫كل‬

‫*‬ ‫*‬ ‫*‬


‫السفر َّ‬
‫أن أحد أبنائه رفع سطح‬ ‫وجد َّ‬
‫الش�يخ مس�اعد العازمي بعد رجوعه من َّ‬
‫(‪)2‬‬

‫منزله بحيث أصبح أعىل من سطح جاره‪ ،‬فام كان منه إلاَّ أن أمر هبدم َّ‬
‫السطح حتَّى ال‬

‫ينطبق عليه حديث التَّطاول يف البنيان(‪.)3‬‬

‫*‬ ‫*‬ ‫*‬

‫(‪« )1‬صفحات مرشقة من تاريخ أعالم األمة» لعبده عيل كوشك (ص ‪.)686‬‬

‫(‪ )2‬ول�د َّ‬


‫الش�يخ مس�اعد بن عبداهلل الربيك�ي العازمي يف بادية الكويت س�نة (‪1262‬هـ)‪ .‬تلقى مبادئ‬
‫ثم رحل إىل اإلحس�اء‪ .‬عرف‬‫العل�وم على بعض أهل الكوي�ت‪ .‬رحل إىل مرص‪ ،‬وتلقى العلم يف األزهر‪َّ ،‬‬
‫الرومي‪.‬‬
‫بالفضل واألدب والصدع باحلق‪ .‬تويف سنة (‪1382‬هـ)‪« .‬علـمـاء الكويت وأعالمها» لعدنان ُّ‬
‫الرومي‪.‬‬
‫(‪« )3‬علـمـاء الكويت وأعالمها» (ص ‪ )396‬تأليف عدنان بن سامل ُّ‬

‫‪353‬‬
‫قصة هتريب احلاج‬
‫ي�روي د‪ .‬صلاح الدين املنج�د يف جريدة «الشرَّ ق األوس�ط» َّ‬
‫أمني احلسيني ‪ -‬رمحه اهلل ‪ )1(-‬من سجنه الفرنيس سنة (‪1946‬م) إىل القاهرة‪ ،‬فيقول‪:‬‬
‫ٍ‬
‫وإحلاح‬ ‫كان الدُّ كتور حممد معروف الدواليبي قد كشف لنا النِّقاب حيث قال بعد تر ُّد ٍد‬
‫إن اهلل ‪ -‬س�بحانه وتعاىل ‪ -‬إذا أراد أمر ًا يسرَّ ه مهام أحاط به من مصاعب أو ُخ ِّيل‬ ‫منَّا‪َّ :‬‬
‫لإلنسان أن ال سبيل إليه‪ .‬فعىل أثر احلرب العامل َّية ال َّثانية كانت الدُّ ول العظمى ال َّثالث‪:‬‬
‫مهوا‬
‫احلاج أمني احلسيني بعد أن ُّ‬
‫َّ‬ ‫الواليات املتحدة األمريك َّية وإنجلرتا وفرنسا تالحق‬
‫واضطروه لاللتحاق‬
‫ُّ‬ ‫ثم يف العراق فأفلت منهم‪،‬‬
‫ثم يف لبنان َّ‬
‫بالقبض عليه يف فلسطني َّ‬
‫هبتلر‪ ،‬وتابع كفاحه ضد اليهود الغاصبني‪ ،‬فقبض عليه الفرنس� ُّيون يف أس�بوع إعالن‬
‫ٍ‬
‫يومئذ يف باريس‬ ‫ٍ‬
‫إنسان أن هيتدي إليه‪ ،‬وكنت‬ ‫أي‬ ‫ٍ‬
‫اهلدنة وسجنوه يف مكان يصعب عىل ِّ‬
‫لتحضير الدُّ كت�وراه‪ ،‬وكنت رئيس جلنة الطَُّّل�اَّ ب العرب يف فرنس�ا‪ ،‬فبذلنا جهود ًا ال‬
‫تصورها حتَّى اهتدينا إىل مكان سجنه ا َّلذي يبعد ثالثني كيلو مرت ًا عن باريس‪.‬‬
‫يمكن ُّ‬

‫الش�يخ حممد أمني بن حممد طاهر احلس�يني بالقدس س�نة (‪1311‬هـ)‪ ،‬حف�ظ القرآن الكريم‪،‬‬ ‫(‪ )1‬ول�د َّ‬
‫ودرس العلم عىل والده‪ ،‬وسافر إىل مرص وأقام فيها سنني‪ .‬عرف بجهاده لالستعامر الغريب‪ ،‬وقىض حياته‬
‫يسافر من بلد إىل بلد لنرصة قضية القدس‪ ،‬عرف بنرصته لقضايا املسلمني‪ .‬طارده املستعمرون ح َّتى تويف‬
‫يف بريوت سنة (‪1394‬هـ)‪« .‬من أعالم احلركة والدعوة اإلسالمية» لعبد اهلل العقيل‪.‬‬

‫‪354‬‬
‫طائرات مدن َّي ٌة لنقل ُّ‬
‫الركَّاب إىل الشرَّ ق‪ ،‬وكان‬ ‫ٌ‬ ‫ومل يكن يف باريس سنة (‪1946‬م)‬
‫ألمور عسكر َّي ٍة تسافران إىل القاهرة وشامل أفريقيا‪،‬‬
‫ٍ‬ ‫مـخصصتان‬
‫َّ‬ ‫هناك يوم ًّيا طائرتان‬
‫ٍ‬
‫واحد فقط أن يس�افر عىل ٍّ‬
‫كل منهما برشط أخذ اإلذن من‬ ‫مدين‬ ‫ٍ‬
‫لراكب ٍّ‬ ‫وكان يس�مح‬
‫األمريكي بباريس‪ ،‬وبعد الدِّ راسة وقع اختيارنا عىل ال َّطائرة األمريك َّية ليهرب‬
‫ِّ‬ ‫السفري‬
‫َّ‬
‫ٍ‬ ‫ـخصص ًا‬ ‫ٍ‬
‫لضابط‬ ‫عىل متنها‪ ،‬فاستطعنا ‪ -‬بحول اهلل تعاىل ‪ -‬حجز مكان يف ال َّطائرة كان ُم َّ‬
‫ثم محلناه إىل‬
‫احلاج أمني باسم مستعار‪َّ ،‬‬
‫ُّ‬ ‫ليحل مـح َّله‬
‫أمريكي أمكن محله عىل التَّخ ُّلف َّ‬
‫ٍّ‬
‫األمريكي‬ ‫السفري‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫املطار وصعد ال َّطائرة ِّ‬
‫ِّ‬ ‫وطبيعي ودون علم َّ‬
‫ٍّ‬ ‫عادي‬
‫ٍّ‬ ‫وبشكل‬ ‫هدوء‬ ‫بكل‬
‫األمريكي عن مكانه‪ ،‬وعندما رأينا ال َّطائرة تقلع‪،‬‬
‫ِّ‬ ‫الضابط‬
‫وإذن�ه‪ ،‬وذلك بفضل تنازل َّ‬
‫تن َّفس�نا ُّ‬
‫الصع�داء‪ ،‬وبتنا ننتظ�ر اخلرب امليم�ون بوصوله إىل املكان املأم�ون‪ .‬وأصبحت‬
‫ترضع ًا وخيف ًة‪ .‬واس�تقبله يف القاهرة من اتَّصلنا هبم الس�تقباله‪ ،‬ونزل‬
‫صائ ًام هلل تعاىل ُّ‬
‫ٍ‬
‫يف م�كان ُأع�دَّ له بادئ األمر ًّ‬
‫رسا‪ ،‬وبقي فيه بضع عرشة يوم ًا ال يعلم العامل عنه ش�يئ ًا‪.‬‬
‫كالصاعقة عىل احلكومة الفرنس� َّية حني افتضح أم�ر هروبه بعد‬
‫وق�د ن�زل خرب ف�راره َّ‬
‫الفوري وإجراء التَّحقيقات‪.‬‬
‫ِّ‬ ‫أسبوعني‪ ،‬فبادرت إىل اعتقايل‬
‫ِ‬
‫مزرعة‬ ‫وقام رئيس اس�تخبارات احللفاء بدمش�ق اجلنرال كاليتون بنفسه بتفتيش‬
‫رئيس الوزراء مجيل مردم بحث ًا عن اهلارب املطلوب من اجليوش ال َّثالثة‪.‬‬
‫احلاج أمني فجأ ًة يف قرص امللك فاروق ا َّلذي مل يس�عه إلاَّ الترَّ حيب‬
‫ُّ‬ ‫وبعده�ا ظه�ر‬
‫به(‪.)1‬‬
‫*‬ ‫*‬ ‫*‬

‫(‪« )1‬من أعالم احلركة والدعوة اإلسالمية املعارصة» (ص ‪ )135‬تأليف عبد اهلل العقيل‪.‬‬

‫‪355‬‬
‫الشيخ حممد بن محد العسايف ‪ -‬رمحه اهلل ‪ )1(-‬مكتب ًة ضخم ًة كثرية املخطوطات‬
‫مجع َّ‬
‫والنَّ�وادر أهداه�ا يف آخ�ر أ َّيامه إىل مكتبة َّ‬
‫الش�يخ عبد القادر اجليلاين يف بغداد‪ .‬ومن‬
‫نوادر املخطوطات يف مكتبته‪ :‬كتاب بقلم اإلمام أمحد بن حنبل أصابه ٌ‬
‫بلل حينام ألقت‬
‫التَّرت تراث املسلمني يف هنر دجلة(‪.)2‬‬
‫*‬ ‫*‬ ‫*‬
‫كان َّ‬
‫الش�يخ حممد بن صال�ح املطوع ‪ -‬رمحه اهلل ‪ )3(-‬يلهج بذكر مش�اخيه‪ ،‬ويدعو‬
‫الشيخ عمر بن سليم‪ ،‬حتَّى َّ‬
‫إن من حوله يف املسجد ليسمع دعاءه لشيخه‬ ‫هلم‪ ،‬وخيص َّ‬
‫ال كبري ًا‪،‬‬
‫عيل فض ً‬ ‫إن َّ‬
‫للشيخ عمر َّ‬ ‫الش�يخ عمر يف ِّ‬
‫كل يو ٍم صباح ًا ومس�ا ًء‪ ،‬وكان يقول‪َّ :‬‬ ‫َّ‬
‫قص ٌة نس�وقها خمترصةً‪ ،‬وهي َّ‬
‫أن والده‬ ‫فبس�ببه وصلت إىل ما وصلت إليه‪ .‬وله يف هذا َّ‬
‫صال�ح املطوع كان م�ن َّجتار اإلبل‪ ،‬ومل يكن ل�ه معرف ٌة بالعلم وأهل�ه وال يقدر ذلك‪،‬‬
‫الش�يخ حممد‪ ،‬وبقي َّ‬
‫الش�يخ حممد عند والدته‪ ،‬فل�م يلتفت إليه‬ ‫وكان ق�د ط َّل�ق والدة َّ‬
‫الش�ام ومرص‪ ،‬وذات‬ ‫ٍ‬
‫بيشء‪ ،‬ووالده من َّجتار اإلبل ا َّلذين يس�افرون باإلبل إىل َّ‬ ‫وال�ده‬
‫يو ٍم بعد أن كرب َّ‬
‫الش�يخ حممد اس�تدعاه أبوه‪ ،‬وأمره بأن يس�افر معه َّ‬
‫للش�ام ومرص مع‬

‫(‪ )1‬ولد َّ‬


‫الش�يخ حممد بن محد العس�ايف يف بغداد س�نة (‪1311‬هـ)‪ ،‬فقرأ عىل علـمـاء بغداد‪ ،‬وانتقل إىل‬
‫الزبري وقرأ عىل بعض علـمـائها‪ .‬وتوىل ‪ -‬رمحه اهلل ‪ -‬التدريس يف بعض املدارس‪ .‬تويف سنة (‪1397‬هـ)‪.‬‬
‫«علـمـاء نجد»‪.‬‬

‫(‪« )2‬علـمـاء نجد خالل ثامنية قرون» (‪.)515/5‬‬

‫الش�يخ حممد بن صالح املطوع يف بريدة س�نة (‪1312‬هـ)‪ .‬وقرأ عىل علـمـاء بلده السيام َّ‬
‫الشيخ‬ ‫(‪ )3‬ولد َّ‬
‫عمر بن حممد بن س�ليم‪ .‬ولـمـا تقدم يف العلم جلس للتدريس يف مس�جده‪ ،‬واس�تمر التدريس أكثر من‬
‫أربعني س�نة‪ ،‬وكان عالـمـ ًا‪ ،‬عابد ًا‪ ،‬ورع ًا‪ ،‬متعفف ًا‪ ،‬آمر ًا باملعروف‪ ،‬ناهي ًا عن املنكر‪ ،‬ال تأخذه يف اهلل لومة‬
‫الئم‪ .‬تويف سنة (‪1399‬هـ)‪« .‬علـمـاء نجد»‪.‬‬

‫‪356‬‬
‫فلـمـا‬ ‫اإلب�ل‪ ،‬فام اس�تطاع الولد االمتن�اع وذهب مع وال�ده مرغ ًام عىل ذلك َّ‬
‫الس�فر‪َّ ،‬‬
‫انقط�ع عن ال�دَّ رس‪ ،‬ومل يكن ذلك من عادته‪ ،‬اس�تغرب َّ‬
‫الش�يخ عم�ر عدم حضوره‬
‫للشام‪ ،‬فقام َّ‬
‫الش�يخ عمر عىل الفور إىل‬ ‫للدَّ رس‪ ،‬فس�أل عنه‪ ،‬فقيل‪ :‬اس�تصحبه والده َّ‬
‫األمري عبد اهلل بن جلوي أمري القصيم آنذاك‪ ،‬فأخربه باألمر وطلب منه إعادته‪ ،‬وقال‬
‫ولـمـ�ا اتجَّ ه إىل العلم‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫إن وال�ده قد ترك�ه َّ‬
‫األمير‪َّ :‬‬
‫كل هذه املدَّ ة بدون نفق�ة أو رعاية‪َّ ،‬‬
‫أراد أن يستفيد منه يف جتارته‪ ،‬ويضيع مستقبله يف العلم‪ ،‬فام كان من األمري عبد اهلل بن‬
‫جلوي إلاَّ أن ل َّبى طلب الش�يخ‪ ،‬وبعث إليه فارس� ًا حلق به بعدما جتاوز ال َّطرفية‪ ،‬أي‪:‬‬
‫واس�تمر عىل ذلك‪ ،‬فكان يف ذلك‬
‫َّ‬ ‫مس�افة مخسين ِمي ً‬
‫ال تقريب ًا‪ ،‬فأعاده إىل شيخه وأ ِّمه‪،‬‬
‫القصة دعا لش�يخه‪،‬‬ ‫الضي�اع‪ ،‬ولذلك كان ‪ -‬رمحه اهلل ‪ -‬ك َّلام ذكر هذه َّ‬ ‫ختلي�ص له من َّ‬
‫ٌ‬
‫وكان يقول‪ :‬أنقذين اهلل َّ‬
‫بالشيخ عمر من اجلهل‪ ،‬فرمحهام اهلل تعاىل وعفا عنهام(‪.)1‬‬
‫*‬ ‫*‬ ‫*‬
‫الرمحن بن عبد العزيز آل س�ليم‬ ‫الش�يخ عبد اهلل البس�ام يف ترمجة َّ‬
‫الش�يخ عبد َّ‬ ‫قال َّ‬
‫الس�عدي دائرين عليه يف مكتبة جامع‬ ‫الرمحن َّ‬
‫الش�يخ عبد َّ‬‫‪ -‬رمحه اهلل ‪ :)2(-‬كان طلبة َّ‬
‫ٍ‬
‫فرج�ة باملكتبة إىل‬ ‫عصفور من‬ ‫عني�زة يف ال�دَّ رس‪ ،‬وكنت من مجل�ة احلارضين‪ ،‬فط�ار‬
‫ٌ‬
‫الفرج�ة األخ�رى املقابل�ة‪ ،‬وكان يف منق�اره متر ٌة فس�قطت من�ه أثناء ال َّطيران‪ ،‬فصار‬
‫الس�عدي فأخذها‪ ،‬وصار يق ِّلبها‪ ،‬فقال له املرتجم‪َّ :‬‬
‫إن‬ ‫الش�يخ ابن َّ‬ ‫س�قوطها يف ِح ْجر َّ‬
‫ِ‬
‫هذا العصفور مل يعرف آ َم َن من َْك عىل رزقه‪ ،‬فاستودعك إ َّياه‪ .‬فكانت لطيف ًة‪َّ ،‬‬
‫ثم أتبعها‬

‫(‪« )1‬علـمـاء نجد خالل ثامنية قرون» (‪.)17/6‬‬

‫الرمحن ابن‬
‫الشيخ عبد َّ‬‫الرمحن بن عبد العزيز آل س�ليم سنة (‪1311‬هـ)‪ ،‬وقرأ عىل َّ‬ ‫(‪ )2‬ولد َّ‬
‫الش�يخ عبد َّ‬
‫سعدي وغريه من علـمـاء بلده‪ ،‬وله اطالع يف التاريخ واألدب واألنساب‪ .‬عرض عليه إمارة عنيزة لكنه‬
‫رفضها‪ .‬تويف سنة (‪1402‬هـ)‪« .‬علـمـاء نجد»‪.‬‬

‫‪357‬‬
‫بقص ٍة تشاهبها‪ ،‬فقال‪:‬‬
‫َّ‬
‫الرازي كان يدرس الطَُّّل�اَّ ب يف جامع مرو‪ ،‬وكان يف‬ ‫ذك�ر ابن خ ِّل�كان َّ‬
‫أن اإلمام َّ‬
‫فلـمـ�ا دنا منها وكاد‬ ‫ٍ‬ ‫يو ٍم ش�ديد البرد‪ ،‬وإذا‬
‫صق�ر يف أروقة اجلامع‪َّ ،‬‬
‫ٌ‬ ‫بحاممة يطاردها‬
‫الصقر اجل�ارح‪ ،‬وكان من مجلة‬
‫الرازي‪ ،‬وس�لمت من َّ‬ ‫خيطفه�ا دخلت يف ج َّبة َّ‬
‫الش�يخ َّ‬
‫الرازي احلارضين َّ‬
‫الشاعر ابن عنني‪ ،‬فارجتل يف احلال هذه األبيات‪:‬‬ ‫طلبة اإلمام َّ‬
‫ِ‬
‫خاط�ف‬ ‫وامل�وت يلم�ع م�ن جناح�ي‬
‫ُ‬ ‫ج���اءت سليامن ال��زَّم��ان محام ٌة‬
‫ِ‬
‫واج���ف‬ ‫ف���رددت���ه ع��ن��ه��ا ب��ق��ل� ٍ‬
‫�ب‬ ‫جل�أت إلي�ك وق�د تدان�ى َحتْفه�ا‬
‫ِ‬ ‫ح���ر ٌم وأ َّن����ك م��ل��ج� ٌ‬ ‫أن حمِ َ ��اك��م‬
‫للخائف؟‬ ‫�أ‬ ‫م��ن ع � َّل��م ال���ورق� َ‬
‫��اء َّ‬

‫الس�عدي واحلارضون هذه البدهية‪ ،‬ورسعة هذا‬


‫الرمحن َّ‬ ‫فاستحس�ن َّ‬
‫الش�يخ عبد َّ‬
‫اخلاطر(‪.)1‬‬
‫*‬ ‫*‬ ‫*‬
‫ذكر األستاذ ظافر القاسمي ‪ -‬رمحه اهلل ‪ )2(-‬يف «حماسن التَّأويل»‪:‬‬
‫أن كنزنا ا َّلذي‬
‫ذلك أنَّني منذ أن أخذت يف اإلدراك والوعي‪ ،‬كنت أس�مع يف بيتنا َّ‬
‫كنز‪ ،‬هو هذا التَّفسري ا َّلذي أفنى الوالد عمره يف تأليفه‪ .‬ووقعت حادث ٌة أكَّدت‬
‫ال يعدله ٌ‬
‫يل ذلك‪.‬‬

‫(‪« )1‬علـمـاء نجد خالل ثامنية قرون» (‪.)67/3‬‬

‫الش�يخ مجال الدين القاس�مي بدمش�ق س�نة (‪1331‬هـ)‪ .‬تويف أبوه وله‬‫الش�يخ حممد ظافر ابن َّ‬
‫(‪ )2‬ولد َّ‬
‫من العمر س�نة وثالثة أش�هر‪ ،‬أخذ العلم عن عمه َّ‬
‫الشيخ قاس�م وبعض تالميذ أبيه‪ ،‬فتح «مكتب الرتاث‬
‫العريب» للطباعة والنرش وطبع فيه مجل ًة من الكتب‪ .‬توىل تدريس العلوم العربية يف بعض جامعات لبنان‪.‬‬
‫تويف سنة (‪1404‬هـ)‪« .‬من بيوت العلم بدمشق آل القاسمي» ملحمد بن نارص العجمي‪.‬‬

‫‪358‬‬
‫ذات ٍ‬
‫ليلة يف بيتنا ا َّلذي كان يقع يف زق�اق املكتبي‪ ،‬ظاهر باب اجلابية من‬ ‫فق�د بتن�ا َ‬
‫مدينة دمشق القديمة‪ ،‬وإذا َمدَ افع الفرنس ِّيني تقصف املدينة القديمة وحترقها بقنابلها‪،‬‬

‫كان ذلك عام (‪1925‬م)‪ ،‬ومل يغمض لنا جف ٌن طول ال َّليل‪.‬‬


‫ٍ‬
‫احلي ضجيج ًا غري معتاد‪ ،‬فخرجنا َّ‬
‫نتلمس اخلرب‪ ،‬فرأينا‬ ‫وقبيل الفجر‪ ،‬أحسسنا يف ِّ‬
‫النَّاس يزحفون من ُب ُيوهتم كيوم القيامة‪ ،‬فسألنا‪:‬‬

‫حي العامرة! قلنا‪ :‬ومل؟‬


‫إىل أين؟ قالوا‪ :‬إىل ِّ‬
‫احلي‬
‫مقيم فيه�ا‪ ،‬وال جترؤ فرنس�ا عىل رضب ه�ذا ِّ‬ ‫قال�وا‪َّ :‬‬
‫ألن قنص�ل اإلنكلي�ز ٌ‬
‫بقنابلها‪.‬‬

‫وكان النَّاس حيملون يف أيدهيم ما غال من متاعهم‪.‬‬


‫أخوي رمحهما اهلل (ضياء الدين ومس�لـمـ ًا) حيمل ُّ‬
‫كل‬ ‫َّ‬ ‫فعدن�ا إىل البي�ت‪ ،‬ورأيت‬
‫ٍ‬
‫واحد منهام مخس ًا من جم َّلدات التَّفسري االثني عرش‪ ،‬ويرت َّفقان يب‪ ،‬فال أمحل إلاَّ جملدين‪،‬‬

‫حي العامرة‪ ،‬حيث كانت تقيم شقيق ٌة لنا فيه‪.‬‬


‫وننطلق مجيع ًا إىل ِّ‬
‫يستحق اإلنقاذ إلاَّ هذا التَّفسري‪.‬‬
‫ُّ‬ ‫إنَّه كنزنا الوحيد‪ ،‬وليس يف البيت ما‬

‫الصور يف احلرص عىل‬


‫الصورة حتَّى اليوم كأروع ما تكون ُّ‬
‫وبقي�ت يف ذهني هذه ُّ‬
‫ُمـخ َّلفات اآلباء لألبناء(‪.)1‬‬

‫*‬ ‫*‬ ‫*‬

‫(‪« )1‬من بيوت العلم بدمشق آل القاسمي ونبوغهم يف العلم والتحصيل» تأليف حممد بن نارص العجمي‬
‫(ص‪.)151‬‬

‫‪359‬‬
‫ق�ال العلاَّ م�ة حممود ش�اكر ‪ -‬رمح�ه اهلل ‪« :)1(-‬يف يوم ٍ‬
‫مجعة‪ ،‬يف أوائ�ل ثورة يوليو‬

‫كان جيلس عىل مائدة الغداء‪ :‬حممد رش�ا مهنا‪َّ ،‬‬


‫والش�يخ أمحد حسن الباقوري‪ ،‬وحممد‬

‫فؤاد جالل‪ ،‬وكان جيلس عىل الـمـائدة نفسها األسطى أنور احلالق‪ .‬ويف صباح اليوم‬

‫إن حممد فؤاد جالل ‪ -‬وكان وزير ًا للش�ئون‬


‫الش�يخ الباقوري وقال يل‪َّ :‬‬
‫التَّايل اتَّصل يب َّ‬

‫عات�ب عليك لوجود األس�طى أنور بينن�ا‪ .‬يقول أبو فه�ر‪ :‬ويف اجلمعة‬
‫ٌ‬ ‫االجتامع َّي�ة ‪-‬‬

‫وزير هناك يف جمل�س الوزراء‪،‬‬


‫التَّالي�ة قل�ت ملحمد فؤاد جالل‪ :‬اس�مع يا فؤاد‪ ،‬أن�ت ٌ‬
‫ٍ‬
‫واحد من عا َّمة النَّاس‪ ،‬مثلك مثل األسطى أنور وغريه» (‪.)2‬‬ ‫ولكنَّك هنا يف بيت‬

‫*‬ ‫*‬ ‫*‬

‫الشيخ حممود حممد شاكر سنة (‪1909‬م)‪ .‬وقرأ عىل والده العالمة حممد شاكر وعلـمـاء بلده‪.‬‬‫(‪ )1‬ولد َّ‬
‫تعلق باللغة واألدب والرتاث منذ صغره‪ ،‬فقرأ «لس�ان العرب» و«األغاين» وهو يف الثانوية‪ .‬التحق بكلية‬
‫اللغ�ة والتراث‪ .‬عرف بالغرية الش�ديدة عىل اللغة العربي�ة‪ ،‬والرد عىل خصومها‪ .‬تويف س�نة (‪1997‬م)‪.‬‬
‫«مقاالت َّ‬
‫الطناحي»‪.‬‬

‫(‪« )2‬مقاالت العالمة الدكتور حممود حممد َّ‬


‫الطناجي» (ص ‪.)535‬‬

‫‪360‬‬
‫الش�يخ محود بن عب�د اهلل العقالء ‪-‬‬ ‫الرمح�ن بن عبد العزيز اجلفن‪ :‬كان َّ‬ ‫ق�ال عبد َّ‬
‫الش�يخ حممد بن إبراهيم ‪ -‬رمحه اهلل‬ ‫رمحه اهلل ‪ -‬مع َف ْقده لبرصه َّ‬
‫لـمـا كان يف رباط َّ‬ ‫(‪)1‬‬

‫‪ -‬كان خيرج يف ال َّليل شديد الربودة‪ ،‬فكان ‪ -‬رمحه اهلل ‪ -‬حيدِّ ثنا فيقول‪ :‬كنت أخرج يف‬
‫الرباط ألحرض احلطب‪ ،‬وأبحث عماَّ يش�علها‪ ،‬فأمجعه وأحرضه إىل‬ ‫الش�اتية من ِّ‬ ‫ال َّليلة َّ‬
‫والقدْ ر عليه‪ ،‬وأخرج آليت بالـمـاء بنفيس‪.‬‬‫البيت‪ ،‬وأضع احلطب ِ‬
‫وكان ‪ -‬رمح�ه اهلل ‪ -‬يق�ود س�يارته بنفس�ه أحيان� ًا يف بعض طرق مزرعت�ه‪ ،‬بل إذا‬
‫الس� َّيارة بعض األعطال يقوم هو بنفس�ه بإصالحها‪ .‬يقول ابنه املثنى ‪ -‬حفظه‬ ‫أصاب َّ‬
‫ولـمـ�ا كنَّا يف‬
‫الش�يخ ‪ -‬رمح�ه اهلل ‪ -‬إىل بع�ض حاجت�ه ليلاً‪َّ ،‬‬ ‫اهلل ‪ :-‬أخ�ذت وال�دي َّ‬
‫نار‪ ،‬فوقفت‪ ،‬ونزل‬ ‫الس َّيارة ‪ -‬أسفلها ‪ -‬رشار َة ٍ‬ ‫الـمـارة َّ‬
‫أن يف َّ‬ ‫َّ‬ ‫ال َّطريق أشار إلينا بعض‬
‫ثم أخذ‬ ‫الس َّيارة َّ‬
‫الشيخ أسفل َّ‬ ‫(سلك) ٍّ‬
‫متدل‪ ،‬فاقرتب َّ‬ ‫ٌ‬ ‫الشيخ معي‪ ،‬يقول‪ :‬فقلت‪ :‬هذا‬ ‫َّ‬

‫الش�يخ محود بن عبد اهلل العقالء يف بريدة س�نة (‪1346‬هـ)‪ ،‬فقد برصه وعمره ست سنوات إلاَّ‬ ‫(‪ )1‬ولد َّ‬
‫ثم س�افر إىل‬ ‫ال‪ .‬درس عىل مش�ايخ بلده َّ‬‫الرائي أنَّه يرى قلي ً‬
‫أنَّه كان يقوم بمزاولة بعض األعامل ح َّتى يظن َّ‬
‫والش�يخ حممد‬‫الش�يخ حممد بن إبراهيم آل الش�يخ‪َّ ،‬‬ ‫الرياض‪ ،‬وقرأ عىل علـمـائها ومن أش�هرهم سماحة َّ‬ ‫ِّ‬
‫الشيخ حممد بن إبراهيم‪ ،‬وأذكى من قابلت من‬ ‫األمني الشنقيطي والذي قال‪ :‬أذكى من قابلت من املشايخ َّ‬
‫الطلاَّ ب‪ .‬وقد عرف بالعلم والعبادة‬ ‫الش�يخ محود إىل بل�ده وجلس لتدريس ُّ‬ ‫التالميذ محود العقالء‪ .‬رجع َّ‬
‫الرمحن‬ ‫والزهد والصدع باحلق‪ .‬تويف س�نة (‪1422‬هـ)‪« .‬إيناس النبالء بسيرة َّ‬
‫الشيخ محود العقالء» لعبد َّ‬
‫بن عبد العزيز اجلفن‪.‬‬

‫‪361‬‬
‫الش�يخ‪ :‬وفع ً‬
‫ال بعد‬ ‫منقطع‪ ،‬يقول ابن َّ‬
‫ٌ‬ ‫ثم ق�ال‪ :‬هذا مؤشرِّ السرُّ ع�ة‬
‫بالس�لك وتت َّبع�ه‪َّ ،‬‬
‫ِّ‬
‫الش�يخ ‪ -‬رمح�ه اهلل ‪ -‬يف حم ِّله‪ ،‬فكيف عرف َّ‬
‫الش�يخ‬ ‫أن كالم َّ‬ ‫الكش�ف عليه�ا وجدن�ا َّ‬
‫ذلك؟!‬
‫ٍ‬
‫ولـمـا طرقت الباب وفتح يل قال‪ :‬احلقني‪،‬‬ ‫وجئته يوم ًا من األ َّيام يف يو ٍم ش�ات‪َّ ،‬‬
‫ٍ‬
‫مبرص حتَّى أوقفني عند (س�خانة) دورة املياه‪ ،‬وكان ‪ -‬رمحه اهلل ‪-‬‬ ‫فتبعت�ه كأنيِّ خل�ف‬
‫أن للس�خانة ميزان ًا للحرارة‪ ،‬فقلت‬
‫يري�د أن يزيد حرارة الـمـاء‪ ،‬ومل أكن أعلم حينها َّ‬
‫ل�ه‪ :‬إيش تعمل يا ش�يخ؟ قال‪ :‬أريد أن أزيد من حرارة التَّس�خني‪ ،‬فقلت له‪ :‬وهل هلا‬
‫السخانة عند املفتاح‪ ،‬وقال‪ :‬هذه اجلهة‬ ‫ٌ‬
‫ميزان؟ قال‪ :‬نعم‪ ،‬انظر هنا‪ .‬وأش�ار إىل أس�فل َّ‬
‫ثم أكمل ما يريده حتَّى انتهى(‪.)1‬‬
‫تزيد‪ ،‬وهذه اجلهة تنقص‪َّ ،‬‬
‫*‬ ‫*‬ ‫*‬

‫الصهاينة عىل إفساد‬


‫الرنتييس ‪ -‬رمحه اهلل ‪ :)2(-‬لقد عمل َّ‬
‫قال الدكتور عبد العزيز َّ‬

‫الرمحن بن عبد العزيز اجلفن‪.‬‬


‫(‪« )1‬إيناس النبالء» (ص ‪ )19‬لعبد َّ‬
‫الرنتييس يف قرية «يبنا» بني عسقالن ويافا سنة (‪1947‬م)‪ .‬درس يف املدارس‬‫(‪ )2‬ولد الدكتور عبد العزيز َّ‬
‫الطب يف اإلس�كندرية وخترج عام (‪1971‬م)‪ ،‬وع�اد إىل قطاع غزة وعمل يف‬ ‫ث�م التحق بكلية ِّ‬
‫النظامي�ة‪َّ ،‬‬
‫مستش�فى نارص‪ .‬عمل حمارض ًا يف اجلامعة اإلسلامية يف مدينة غزة‪ .‬انتس�ب إىل مجاعة اإلخوان املسلمني‬
‫السجون اليهودية مرار ًا‪ .‬استشهد يف هجوم صاروخي سنة=‬ ‫وكان من أكرب قواد حركة محاس‪ .‬اعتقل يف ُّ‬

‫‪362‬‬
‫الص َّحة حيرص على تعيني مدراء‬
‫غ�زة‪ ،‬وكان ضابط رك�ن ِّ‬
‫مهن�ة التَّمري�ض يف قط�اع َّ‬
‫أقسام التَّمريض ممَّن اشتهروا بأخالقهم اهلابطة إلاَّ َم ْن رحم اهلل‪ ،‬ولقد فكَّرنا يف إنشاء‬
‫ك ِّلـ َّي�ة التَّمريض يف اجلامعة اإلسلام َّية‪ ،‬وكن�ت والدُّ كتور «حممود الزه�ار» من وراء‬
‫ه�ذه الفكرة‪ ،‬ولك َّن األمر مل يرق لليهود ا َّلذي�ن ال يريدون أن ينهض التَّمريض هنض ًة‬
‫استمرت مخس ًة وأربعني يوم ًا‪ ،‬بدأت باستدعائنا‬
‫َّ‬ ‫أخالق َّيـ ًة قيم َّيـ ًة‪ ،‬فبدأت املعركة ا َّلتي‬
‫هيوين‪ٌّ ،‬‬
‫كل يف مدينته ‪ -‬فبينام كنت أقيم يف «خان‬ ‫ِّ‬ ‫الص‬
‫العسكري ُّ‬
‫ِّ‬ ‫من قبل مكتب احلاكم‬
‫الز َّهار يقيم يف مدينة «غزة» ‪ -‬ليطلبوا منَّا عدم فتح هذه الك ِّلـ َّية‪،‬‬
‫يونس» كان الدُّ كتور َّ‬
‫قو ًة عس�كر َّي ًة‬
‫هيوين َّ‬
‫ُّ‬ ‫الص‬
‫الع�دو ُّ‬
‫ُّ‬ ‫وعندم�ا قوبل ه�ذا ال َّطلب َّ‬
‫بالرفض القاطع‪ ،‬أرس�ل‬
‫«الز َّهار» يف «غزة»‪،‬‬
‫اخلاصة يف «خان يونس» وكذلك عيادة الدُّ كتور َّ‬
‫َّ‬ ‫لتح�ارص عياديت‬
‫ويستمر احلصار طوال ساعات العمل‪ .‬أثناء احلصار كانوا يرهبون املرىض ويطالبوهنم‬
‫َّ‬
‫الش�خص َّية كالنِّس�اء ‪ -‬مث ً‬
‫ال ‪-‬‬ ‫ال بطاقته َّ‬
‫الش�خص َّية ومن مل يكن حام ً‬
‫بإظهار البطاقات َّ‬
‫أطفال فمعظم احلضور كانوا من‬ ‫ٍ‬ ‫ير ُّدونه ويمنعونه من دخول العيادة‪ .‬وبام أنَّني طبيب‬
‫أن عدد ًا كبير ًا منه َّن كان يأيت من‬
‫النِّس�اء بأطفاهل� َّن‪ ،‬فكانوا ير ُّدوهن َّن وأطفاهل� َّن رغم َّ‬
‫بعيدة نسب ًّيا عن خان يونس‪ .‬وعند هناية‬ ‫ٍ‬ ‫مدن أخرى كمدينة «رفح» مثالً‪ ،‬أو من قرى‬ ‫ٍ‬

‫القوة العسكر َّية املحمولة‬‫الدَّ وام يف العيادة كنت أركب سياريت عائد ًا إىل املنزل‪ ،‬فتقوم َّ‬
‫ناقلة للجنود بمتابعتي حتَّى أصل إىل البيت‪ ،‬ورغم أنَّني كنت أشعر‬ ‫ارة عسكري ٍة ٍ‬ ‫بس�ي ٍ‬
‫َّ‬ ‫َّ‬
‫ٍ‬
‫بضيق ال يعلمه إلاَّ اهلل إلاَّ أنَّني والدُّ كتور َّ‬
‫«الز َّهار» مل نستسلم‪.‬‬
‫الش�هر م�ن ه�ذه املضايق�ات اليوم َّي�ة اس�تدعيت من ِق َب�ل احلاكم‬ ‫وبع�د ح�وايل َّ‬
‫إن هذه املضايق�ات لن تتو َّقف إىل أن تغلق ك ِّلـ َّية التَّمريض‪،‬‬ ‫العس�كري ا َّلذي قال يل‪َّ :‬‬
‫ِّ‬
‫فقل�ت ل�ه‪ :‬إنَّن�ي ال أريده�ا أن تتو َّقف‪ ،‬فيكفين�ي َّ‬
‫أن النَّاس وهم يرون م�ا تفعلون يب‬

‫الرنتييس» لعامر شامخ‪.‬‬


‫= (‪2004‬م)‪« .‬مذكرات الشهيد الدكتور عبد العزيز َّ‬

‫‪363‬‬
‫اللهم انرص الدُّ كت�ور عليه‪ .‬وبعد قويل ه�ذا تو َّقفوا ملدَّ ة ثالثة‬
‫َّ‬ ‫يرفع�ون أك َّفه�م قائلني‪:‬‬
‫بأن كابوس ًا قد أزيح عن صدري‪ ،‬ولكنَّهم عادوا ثاني ًة إىل ما كانوا‬
‫أ َّيا ٍم شعرت خالهلا َّ‬
‫مها وكرب ًا إلاَّ أننا صربنا حتَّى فش�لوا‬ ‫ٍ‬
‫يقومون به من مضايقات‪ ،‬فكانت عودهتم أش�د ًّ‬
‫يف محلتهم وانتهت دون أن حي ِّققوا هدفهم‪ ،‬ومازالت ك ِّلـ َّية التَّمريض قائم ًة حتَّى يومنا‬
‫هذا‪ ،‬واحلمد يف ذلك هلل وحده‪.‬‬
‫أن ضابط ًا هيود ًّي�ا كان يعم�ل يف رشطة «خ�ان يونس» قد‬
‫وم�ن عجائ�ب الق�در َّ‬
‫هيوين‪ ،‬ولكنَّه مل يكتب هلا ِّ‬
‫الش�فاء‪ ،‬فنصحه‬ ‫ِّ‬ ‫الص‬
‫مرض�ت ابنتُ� ُه‪ ،‬وعاجلها داخل الكيان ُّ‬
‫اخلاصة قائلني‬
‫َّ‬ ‫ض َّباط الشرُّ طة الفلس�طينيون ا َّلذين يعملون معه أن يذهب هبا لعياديت‬
‫وصلت إىل مدخل عياديت يف ذلك‬
‫ُ‬ ‫له‪ :‬ليس هلذا األمر إلاَّ الدُّ كتور «الرنتييس»‪ ،‬وعندما‬
‫فقلت يف‬ ‫اليوم رأيت ضابط ًا صهيون ًّيا رشط ًّيا يقف عىل قارعة َّ‬
‫الرصيف املقابل للعيادة‪ُ ،‬‬
‫تنضم إىل عمل َّية احلصار ا َّلتي يقوم هبا اجلنود‪،‬‬
‫َّ‬ ‫الصهيون َّية أن‬
‫نفسي‪ :‬ر َّبام تريد الشرُّ طة ُّ‬
‫خاص� ًة أنَّ�ه كان يق�ف وح�ده أي‪ :‬مل تكن معه طفلت�ه‪ ،‬ولكن بعد ٍ‬
‫قليل دخ�ل العيادة‬ ‫َّ‬
‫فلسطيني من‬
‫ٌّ‬ ‫الش�خص َّية يف الدَّ اخل َّية وهو‬ ‫ٌ‬
‫مس�ئول يف دائرة إصدار البطاقات َّ‬ ‫مو َّظ ٌ‬
‫ف‬
‫أن يف اخلارج ضابط رشطة ُصهيون ًّيا ابنته مريض ٌة‪،‬‬ ‫ٍ‬
‫كبرية يف خان يونس‪ ،‬وأخربين َّ‬ ‫ٍ‬
‫عائلة‬
‫ولقد عاجلها لدى أط َّباء صهاينة ولكن عبث ًا‪ ،‬فقلت له‪ :‬أمل َتر كيف حيارص اجلنود العيادة‬
‫وحيرمون أطفال املسلمني من العالج‪ ،‬فكيف أعالج أطفاهلم يف الوقت ا َّلذي حيرمون‬
‫�ت‪ ،‬فخرج ولكن مل‬ ‫عيل إلاَّ أنَّني َأ َب ْي ُ‬
‫وأل�ح َّ‬
‫َّ‬ ‫في�ه أطفالنا من العالج؟ ورفضت بش�دَّ ٍة‪،‬‬
‫فلسطيني يعمل يف الشرُّ طة وهو‬‫ٌّ‬ ‫ٌ‬
‫ضابط‬ ‫الساعة جاءين‬ ‫يكن راضي ًا‪ ،‬وبعد حوايل نصف َّ‬
‫الصالة يف املس�جد ا َّلذي أصليِّ فيه‪ ،‬وطلب منِّي أن‬
‫ومواظب عىل َّ‬
‫ٌ‬ ‫ٌ‬
‫رجل دمث اخللق‪،‬‬
‫فأبيت‪ ،‬فأقسم ألاَّ خيرج من العيادة حتَّى أعاجلها‪،‬‬
‫ُ‬ ‫عيل‬ ‫أعالج ال ِّطفلة‪ ،‬فرفضت‪َّ ،‬‬
‫فألح َّ‬

‫‪364‬‬
‫فل�م أس�تطع املقاومة‪ ،‬وقلت له‪ :‬اذهب فأحرضها وال حتضر والدها معها‪ ،‬وقدَّ ر اهلل‬
‫مخسة وأربعني‬‫ٍ‬ ‫الشفاء يف أقل من أرب ٍع وعرشين ساع ًة‪ ،‬واحلمد هلل‪ ،‬وبعد‬
‫أن يكتب هلا ِّ‬
‫يوم� ًا تو َّق�ف اجلند عن احلصار فج�أةً‪ ،‬وانترصت اإلرادة‪ ،‬وانكش�فت َّ‬
‫الغمة‪ ،‬وبقيت‬
‫ك ِّلـ َّية التَّمريض‪ ،‬واحلمد يف ذلك هلل وحده(‪.)1‬‬
‫*‬ ‫*‬ ‫*‬

‫الصحف ِّيني َّ‬


‫الش�يخ سعيد الزيانى ‪ -‬رمحه اهلل ‪ )2( -‬قبل أن يم َّن اهلل عليه‬ ‫س�أل أحد ُّ‬
‫باهلداية‪ :‬هل أنت سعيدٌ بحياتك؟فقال‪ :‬أنا أسعي ىف البحث عن الدَّ ِّال‪َّ .‬‬
‫ثم بعد هدايته‬
‫السؤال؟ فقال‪ :‬وجدت الدَّ َّال(‪!)3‬‬
‫سئل نفس ُّ‬
‫*‬ ‫*‬ ‫*‬

‫الرنتييس» (ص ‪ )34‬لعامر شامخ‪.‬‬


‫(‪« )1‬مذكرات الشهيد الدكتور عبد العزيز َّ‬
‫الرباط باملغرب سنة (‪1952‬م)‪ ،‬وقد اشتغل بالفن والغناء‬ ‫الشيخ سعيد الزياين يف مدينة ِّ‬ ‫(‪ )2‬ولد َّ‬
‫ثم َم َّن اهلل عليه باهلداية ح َّتى صار من أشهر الدعاة إىل اهلل‪ .‬عرف بخلقه‪ ،‬وأدبه اجلم‪،‬‬
‫يف أول أمره‪َّ ،‬‬
‫وقد استقر يف آخر حياته إمام ًا وخطيب ًا وداعي ًا يف دولة قطر‪ .‬تويف ‪ -‬رمحه اهلل ‪ -‬يف حادث سيارة يف‬
‫الشيخ سعيد الزياين»‪.‬‬ ‫اإلمارات سنة (‪2009‬م)‪« .‬موقع َّ‬

‫(‪ )3‬موقع «ملتقى أهل احلديث»‪.‬‬

‫‪365‬‬
‫الرمحن البكري من‬ ‫الش�يخ حممد بن إبراهيم ‪ -‬رمحه اهلل ‪ :-‬كان َّ‬
‫الش�يخ عب�د َّ‬ ‫قال َّ‬
‫ثم بدا له أن يفتح مدرس� ًة يف عامن يعلم فيها‬ ‫ُطلاَّ ب العلم عىل َّ‬
‫الش�يخ عبد اهلل وغريه‪َّ ،‬‬
‫التَّوحيد من كسبه اخلاص‪ ،‬فإذا فرغ ما يف يده‪ ،‬أخذ بضاع ًة من ٍ‬
‫أحد‪ ،‬وسافر إىل اهلند‪،‬‬
‫وربام أخذ نصف ٍ‬
‫سنة يف اهلند‪.‬‬ ‫َّ‬
‫مدر ٌس إذا فرغ من‬ ‫ٍ‬ ‫وقال َّ‬
‫الش�يخ البكري‪ :‬كنت بجوار مس�جد يف اهلند‪ ،‬وكان فيه ِّ‬
‫مر يب وقال‪ :‬أنا‬
‫الوهاب‪ ،‬وإذا خرج من املس�جد َّ‬ ‫تدريس�ه لعنوا َّ‬
‫الش�يخ حممد بن عبد َّ‬
‫أجيد العرب َّية‪ ،‬لكن أحب أن أسمعها من أهلها‪ ،‬ويرشب من عندي ما ًء بارد ًا‪ ،‬فأ َّ‬
‫مهني‬
‫اح َت ْل ُت بأن دعوت�ه وأخذت كتاب التَّوحيد َّ‬
‫للش�يخ حممد‬ ‫م�ا يفعل يف درس�ه‪ ،‬ق�ال‪َ :‬ف ْ‬
‫فلـمـا‬
‫رف يف منزيل قب�ل مـجيئه‪َّ ،‬‬
‫الوهاب‪ ،‬ونزع�ت ديباجته‪ ،‬ووضعته عىل ٍّ‬
‫ب�ن عبد َّ‬
‫وهيز رأسه‪،‬‬
‫فلـمـا رجعت إذا هو يقرأ ُّ‬ ‫ٍ‬
‫حرض قلت‪ :‬أتأذن يل أن آيت ببطيخة‪ ،‬فذهبت‪َّ ،‬‬
‫البخاري‪،‬‬
‫ِّ‬ ‫فقال‪ :‬ملن هذا الكتاب؟ هذه الترَّ اجم ‪ -‬أي العناوين ‪ -‬تشبه تراجم‬
‫ثم قلت‪ :‬أال نذهب َّ‬
‫للش�يخ‬ ‫البخاري!! فقلت‪ :‬ال أدري‪َّ ،‬‬
‫ِّ‬ ‫هذا ‪ -‬واهلل ‪ -‬نفس‬
‫ٍ‬
‫مكتبة ‪ -‬فدخلنا عليه‪ ،‬فقلت للغزوي‪ :‬كان عندي‬ ‫الغزوي لنس�أله ‪ -‬وكان صاحب‬
‫ٌ‬
‫أوراق‪ ،‬س�ألني َّ‬
‫الش�يخ ملن ه�ي؟ فلم أع�رف‪ ،‬ففهم الغ�زوي املراد‪ ،‬فن�ادى َم ْن يأيت‬
‫الوهاب‪،‬‬ ‫بكتاب‪« :‬جمموعة التَّوحيد» فأيت هبا‪ ،‬فقابل بينهام‪ ،‬فقال‪ :‬هذا ملحمد بن عبد َّ‬
‫ٍ ٍ‬
‫ثم هدأ‬‫فق�ال الع�امل اهلندي مغضب� ًا وبصوت عال‪ :‬الكافر‪ ،‬فس�كتنا وس�كت قليلاً‪َّ ،‬‬
‫كل يو ٍم‬ ‫ث�م إنَّه صار َّ‬
‫ثم قال‪ :‬إن كان ه�ذا الكتاب له فقد ظلمناه‪َّ ،‬‬
‫غضب�ه واسترجع‪َّ ،‬‬
‫وتف�رق تالميذه يف اهلند‪ ،‬وإذا فرغ�وا من القراءة دعوا‬
‫َّ‬ ‫يدع�و ل�ه ويدعو معه تالميذه‪،‬‬
‫الوهاب(‪.)1‬‬ ‫مجيع ًا َّ‬
‫للشيخ حممد بن عبد َّ‬
‫*‬ ‫*‬ ‫*‬

‫(‪« )1‬علـمـاء نجد مشاهد ومواقف» لعبد العزيز العبد اللطيف (ص‪.)80‬‬

‫‪366‬‬
‫الش�يخ عبد اهلل البس�ام يف ترمجة َّ‬
‫الشيخ إبراهيم بن محد اجلارس ‪ -‬رمحه اهلل ‪:-‬‬ ‫قال َّ‬
‫السعدي بعنيزة أنَّه كان يدرس لل َّطلبة يف‬
‫الرمحن َّ‬ ‫حدَّ ثني أحد تالميذه وهو َّ‬
‫الشيخ عبد َّ‬
‫«املنهاج» لش�يخ اإلسالم ابن تيمية يف بريدة‪ ،‬فقرأ القارئ أمام الدَّ رس كالم املعارض‬
‫والضالل‪ ،‬فما انتبه ال َّطلبة إلاَّ عىل‬
‫الرفض َّ‬
‫اب�ن املطهر‪ ،‬وأخذ القارئ يسرد أقواله يف َّ‬
‫فلـمـا س�كن قال‪ :‬أيهُّ ا اإلخوان‪،‬‬ ‫بكاء َّ‬
‫الش�يخ ونش�يجه وترحمُّ ه عىل ش�يخ اإلسلام‪َّ ،‬‬
‫ل�و مل يقيض اهلل هل�ذا ال َّطاغية وأمثاله مثل هذا اإلمام الكبري‪ ،‬فمن ا َّلذي يس�تطيع َّ‬
‫الر َّد‬
‫مر ٍة (‪.)1‬‬
‫والشبهات‪ ،‬وهذا التَّأ ُّثر وقع منه غري َّ‬
‫واإلجابة عىل هذه احلُجج ُّ‬
‫*‬ ‫*‬ ‫*‬
‫الش�يخ محد بن محني يف َّ‬
‫الش�يخ حممد بن إبراهيم ‪ -‬رمح�ه اهلل ‪ :-‬وقد صحبته‬ ‫ق�ال َّ‬
‫ثامنية عرش عام ًا ما س�معته يوم ًا قال عن نفس�ه َّ‬
‫(الشيخ) أو (املفتي) حتَّى لو كان ينقل‬

‫اخلبر ع�ن غريه‪ ،‬بل كان إذا ذكر اس�مه ذكره جمرد ًا إلاَّ َّ‬
‫مر ًة واح�د ًة فقط وذلك عندما‬
‫الصاحلني‪ ،‬ف�أراد منِّي أن أتَّصل له عىل الفندق ليحجز‬
‫اس�تضاف أحد وجهاء اخلليج َّ‬
‫فلـمـا ك َّلم موظف الفندق ‪ -‬وكان مرص ًّيا ‪ -‬قال له‪ :‬معك حممد بن إبراهيم‪،‬‬
‫ل�ه في�ه‪َّ ،‬‬
‫الشيخ‪ ،‬فلم يعرفه‪ ،‬فر َّدد عليه مرار ًا فلم يعرفه‪،‬‬
‫فلم يعرفه‪ ،‬فقال‪ :‬حممد بن إبراهيم آل َّ‬
‫فلـمـا انتهت املكاملة‪ ،‬قال‪ :‬هداه اهلل‪ ،‬ألزمني أن أقول هذه الكلمة‪.‬‬
‫فقال‪ :‬املفتي‪َّ ،‬‬
‫وكان إذا أثنى عليه أحدٌ أو مدحه يقاطعه بقوله‪ :‬اهلل يتوب علينا‪ ،‬اهلل يعفو عنا(‪.)2‬‬
‫*‬ ‫*‬ ‫*‬

‫(‪« )1‬تذكرة أويل النهى والعرفان» (‪.)66/2‬‬

‫(‪« )2‬سرية سامحة َّ‬


‫الشيخ حممد بن إبراهيم» (ص ‪.)23‬‬

‫‪367‬‬
‫الش�يخ حممد‬ ‫الرمحن املعلمي موقف ًا نبي ً‬
‫ال من مواقف َّ‬ ‫ذكر َّ‬
‫الش�يخ عبد اهلل بن عبد َّ‬
‫أن طلبة ك ِّلـ َّية الشرَّ يعة بمكَّة‬
‫م�ر ًة َّ‬
‫نصي�ف ‪ -‬رمح�ه اهلل ‪ -‬مع طلبة العلم‪ ،‬فيقول‪ :‬أذكر َّ‬
‫عراقي اجلنس� َّية‬
‫ُّ‬ ‫املكرمة ك ِّلفوا بأبحاث يقدِّ موهنا‪ .‬وكان الدُّ كتور (عيل أبو حسين) ‪-‬‬
‫َّ‬
‫‪ ،-‬ه�و املك َّلف هلم هب�ذه البحوث ومن مراجعهم «االرتس�امات اللطاف» لش�كيب‬
‫أن الكت�اب ال يوجد إلاَّ يف‬
‫فلـمـا س�ئلت عن�ه وأجبتهم بالنَّف�ي‪ ،‬أخربهتم َّ‬
‫أرسلان‪َّ ،‬‬
‫الشيخ حممد نصيف‪ ،‬وعىل الفور نزل منهم ثالث ٌة يطلبون من َّ‬
‫الشيخ متكينهم من‬ ‫مكتبة َّ‬
‫الش�يخ إلاَّ أن أجاهبم إىل طلبهم‪،‬‬
‫اال ِّطالع عليه واالس�تفادة منه يف منزله‪ ،‬فام كان من َّ‬
‫الرجل‬
‫ولكنَّه س�أهلم‪ :‬هل يوجد هذا الكتاب يف مكتبة احلرم؟ فقالوا‪ :‬ال يوجد‪ .‬فقام َّ‬
‫الع�امل إىل أحد رفوف مكتبته وتناوله‪ ،‬وقال هلم‪ :‬راجعوا مكتبة احلرم الشرَّ يف غد ًا أو‬
‫بعده جتدونه فيها‪ .‬وعىل الفور أرسله للمكتبة وكتب عىل النُّسخة إهدا ًء هلا(‪.)1‬‬

‫*‬ ‫*‬ ‫*‬

‫(‪« )1‬حممد نصيف حياته وآثاره» تأليف حممد أمحد وعبد اهلل العلوي (ص‪.)156‬‬

‫‪368‬‬
369
370
‫امل�صادر‬

‫‪371‬‬
372
‫‪« -­1‬إحتاف اللبيب يف سرية الشيخ عبدالعزيز أبو حبيب» ملحمد بن نارص الشثري‪.‬‬
‫‪« ­-2‬أدي�ب علماء دمش�ق عبدال�رزاق البيط�ار حيات�ه وإنجازاته » ملحم�د بن نارص‬
‫العجمي‪.‬‬
‫‪ « -­ 3‬األزهر يف ألف عام» للدكتور حممد عبداملنعم خفاجي‪.‬‬
‫‪« -­ 4‬أعالم احلجاز» ملحمد عيل مغريب‪.‬‬
‫‪« -­ 5‬أعالم من أرض النبوة» ألنس كتبي‪.‬‬
‫‪« ­-6‬إمارة الزبري بني هجرتني» لعبدالرزاق الصانع وعبدالعزيز العيل‪.‬‬
‫‪« ­-7‬اإلمام الفقيه الشيخ حممد عابد السندي» لسائد بكداش‪.‬‬
‫‪« -­ 8‬اإلنجاز يف ترمجة اإلمام عبدالعزيز بن باز» لعبدالرمحن بن يوسف الرمحة‪.‬‬
‫‪« ­-9‬إين�اس النبالء بسيرة الش�يخ محود العقلاء» لعبدالرمحن ب�ن عبدالعزيز اجلفن‬
‫(خمطوط)‪.‬‬
‫‪« -­ 10‬تذك�رة أويل النه�ى والعرفان بأي�ام اهلل الواحد الديان وذكر ح�وادث الزمان»‬
‫للشيخ ابراهيم بن عبيد آل عبد املحسن‪.‬‬
‫‪ « -­ 11‬تتمة األعالم للزركيل» ملحمد خري رمضان‪.‬‬
‫‪« -­ 12‬الثامر الزكية للحركة السنوسية يف ليبيا» للدكتور عيل حممد الصاليب‪.‬‬
‫‪« ­-13‬حسن البنا الداعية اإلمام واملجدد الشهيد» ألنور اجلندي‪.‬‬
‫‪« ­-14‬محد اجلارس جغرايف اجلزيرة العربية ومؤرخها ونسابتها» ألمحد العالونة‪.‬‬
‫‪« ­-15‬حوادث مثرية من حياة الطنطاوي» لعبداحلميد السحيباين‪.‬‬
‫‪« ­-16‬الدر املكنون يف مواقف وذكريات الش�يخ العالمة صالح بن عيل بن غصون»‬
‫للشيخ عبدالكريم بن صالح املقرن‪.‬‬
‫‪« ­-17‬الدعوة إىل اهلل يف أقطار خمتلفة» للدكتور حممد تقي الدين اهلاليل‪.‬‬

‫‪373‬‬
‫‪« ­-18‬الرس�ائل املتبادلة بني مجال الدين القاس�مي وحممود شكري األلويس» ملحمد‬
‫بن نارص العجمي‪.‬‬
‫‪« ­-19‬روض�ة الناظري�ن ع�ن مآث�ر علامء نج�د وحوادث الس�نني» ملحمد ب�ن عثامن‬
‫القايض‪.‬‬
‫‪« ­-20‬رحيانة بريوت الش�يخ رمزي دمش�قية يف نفوس إخوانه وعارفيه» إعداد‪ :‬أرسة‬
‫دار البشائر اإلسالمية‪.‬‬
‫‪« ­-20‬السيد سليامن الندوي أمري علامء اهلند يف عرصه» للدكتور حممد أكرم الندوي‪.‬‬
‫‪« -­ 22‬سيرة سماحة الش�يخ حممد بن إبراهيم رواية محد بن محني» لنارص ابن محد بن‬
‫محني‪.‬‬
‫‪« -­ 34‬أمحد ياسني شهيد أيقظ أمة» لعامر شامخ‪.‬‬
‫‪« ­-24‬الش�يخ حاف�ظ ب�ن أمح�د احلكمي حيات�ه وآثاره» لس�عود بن صال�ح بن حممد‬
‫السيف‪.‬‬
‫‪« ­-25‬الشيخ حسن آل الشيخ اإلنسان الذي مل يرحل» حلمد بن عبداهلل القايض‪.‬‬
‫‪« ­-26‬الش�يخ عب�داهلل اجلاراهلل حياته وجه�وده العلمية والدعوي�ة» ملناحي بن حممد‬
‫العجمي ‪.‬‬
‫‪« ­-27‬الشيخ حممد بن سليامن اجلراح» لوليد بن عبداهلل املنيس‪.‬‬
‫‪« ­-28‬الش�يخ حممد صالح الفرفوري حياته العلمية وهنضته وآثاره» لعمر بن الشيخ‬
‫موفق النشوقايت‪.‬‬
‫‪« -­ 29‬صفحات بيضاء من حياة اإلمام األلباين» لعطية بن صدقي‪.‬‬
‫‪« -­ 30‬صفحات من صرب العلامء عىل طلب العلم» لعبدالفتاح أبو غدة‪.‬‬
‫‪« -­ 31‬صفحات مرشقة من حياة اإلمام ابن عثيمني» إلحسان بن عايش العتيبي‪.‬‬

‫‪374‬‬
‫‪« ­-32‬صالح األمة يف علو اهلمة» للدكتور سيد العفاين‪.‬‬
‫‪« ­-33‬العامل العابد الشيخ حممد بن عبدالرمحن القاسم حياته وسريته ومؤلفاته»‬
‫لعبدامللك القاسم‪.‬‬
‫‪« ­-34‬العالمة السيد عبداحلي احلسني» للدكتور السيد قدرة اهلل احلسيني‪.‬‬
‫‪« ­-35‬عالم�ة الكوي�ت الش�يخ عب�داهلل ب�ن خلف الدحي�ان» ملحم�د بن نارص‬
‫العجمي‪.‬‬
‫‪« -­ 36‬العالمة املحقق والسلفي املدقق ترمجة حلياة فضيلة الشيخ فيصل بن عبد‬
‫العزيز آل مبارك» لفيصل بن عبد العزيز البديوي‪.‬‬
‫‪« -­ 37‬علامء آل سليم وتالميذهم» للشيخ صالح العمري‪.‬‬
‫‪« ­-38‬علماء الش�ام يف الق�رن العرشي�ن وجهوده�م يف إيقاظ األم�ة والتصدي‬
‫للتيارات الوافدة» بقلم حممد حامد النارص‪.‬‬
‫‪« -­ 39‬علامء الكويت وأعالمها» لعدنان بن سامل الرومي‪.‬‬
‫‪« -­ 40‬علامء نجد خالل ثامنية قرون»‪ .‬للشيخ عبداهلل البسام‪.‬‬
‫‪« ­-41‬علامء نجد مشاهد ومواقف» للشيخ عبدالعزيز العبداللطيف‪.‬‬
‫‪« ­-42‬علامء وقضاة احللوة» خلالد بن زيد العقييل‪.‬‬
‫‪« ­-43‬علامء ومفكرون عرفتهم» ملحمد املجذوب‪.‬‬
‫‪« -­ 44‬عنوان املجد يف تاريخ نجد» للشيخ عثامن بن برش‪.‬‬
‫‪« ­-45‬كلمة احلق» ألمحد حممد شاكر‪.‬‬
‫‪« -46‬كوكبة من أئمة العلم واهلدى ومصابيح الدجى» للشيخ عاصم القريويت‪.‬‬
‫‪« ­-47‬جمموعة التوحيد»‪.‬‬
‫‪« ­-48‬حممد نصيف حياته وآثاره» ملحمد بن أمحد وعبداهلل العلوي‪.‬‬

‫‪375‬‬
‫‪« ­-49‬حمم�ود الطناح�ي ذكرى لن تغي�ب» جمموعة مقاالت إع�داد ‪ :‬حممد حممود‬
‫الطناحي‪.‬‬
‫‪« ­-50‬مذكرات الشهيد الدكتور عبدالعزيز الرنتييس» لعامر شامخ‪.‬‬
‫‪« -­ 51‬املستدرك عىل تتمة األعالم» ملحمد خري رمضان يوسف‪.‬‬
‫‪« ­-52‬املقتصد من حياة الشيخ عبدالرمحن عبدالصمد» إلبراهيم الساجر‪.‬‬
‫‪ -­ 53‬مقدمة حتقيق «أضواء البيان للشيخ حممد األمني الشنقيطي» للشيخ عطية حممد‬
‫سامل ‪.‬‬
‫‪ ­-54‬مقدمة حتقيق«معارج القبول برشح سلم الوصول للشيخ حافظ حكمي»‪.‬‬
‫‪« -­ 55‬من أعالم احلركة والدعوة اإلسالمية املعارصة» لعبداهلل العقيل‪.‬‬
‫‪«­ -56‬من أعالم القرن الرابع عرش واخلامس عرش» إلبراهيم احلازمي‪.‬‬
‫‪« -­ 57‬من أعالمنا­ تراجم لبعض أعالم املسلمني» لعبد العزيز بن صالح العسكر‪.‬‬
‫‪« ­-58‬من بيوت العلم بدمش�ق آل القاس�مي ونبوغهم يف العلم والتحصيل» ملحمد‬
‫ابن نارص العجمي‪.‬‬
‫‪« -­ 59‬واقدساه» للدكتور سيد حسني العفاين‪.‬‬
‫‪«­ -60‬الوالد الداعية الشيخ حسن حبنكة امليداين» لعبدالرمحن حبنكة امليداين‪.‬‬
‫‪« -61‬حيدثونك عن أيب احلسن الندوي» للدكتور حمسن العثامين الندوي‪.‬‬
‫‪ « -62‬اإلعالم بمن يف تاريخ اهلند من األعالم » للسيد عبد احلي الندوي احلسني‪.‬‬
‫‪ «-63‬في�ض امللك الوهاب املتعايل بأنباء أوائل القرن الثالث عرش والتوايل » للش�يخ‬
‫عبد الستار عبد الوهاب البكري الصديقي اهلندي املكي احلنفي ‪.‬‬
‫‪ « -64‬أعالم العراق» ملحمد هبجة األثري ‪.‬‬
‫‪ « -65‬النهضة اإلسالمية يف سري أعالمها املعارصين » للدكتور حممد رجب الب ّيومي‪.‬‬

‫‪376‬‬
‫‪ « -66‬االغتباط برتاجم علامء الرباط ومقدمة الفتح من تاريخ الرباط » أليب عبد اهلل‬
‫حممد بن احلاج مصطفى بو جندار الرباطي ‪.‬‬
‫‪ « -67‬صفحات مرشقة من تاريخ أعالم األمة » لعبده عيل كوشك‪.‬‬
‫‪ « -68‬إمت�اع الفضلاء برتاجم الق�راء يف ما بعد القرن الثام�ن اهلجري » إللياس بن‬
‫أمحد حسني بن سليامن الربماوي ‪.‬‬
‫‪ « -69‬أعلام الش�ناقطة يف احلج�از واملرشق جهوده�م العلمية وقضاياه�م العامة»‬
‫لبحيد بن الشيخ يربان القلقمي اإلدرييس ‪.‬‬
‫‪« -70‬أرشف علي التهان�وي – حكيم األمة وش�يخ مش�ايخ العصر يف اهلند » ملحمد‬
‫رمحة اهلل الندوي‬
‫‪ « - 71‬الع�امل اإلسلامي يف رحلات عبد الرش�يد ابراهيم » صبح�ي فرزات وكامل‬
‫خوجه ‪.‬‬
‫‪« -72‬الس�يد س�ليامن الندوي أمير علامء اهلند يف عرصه» تألي�ف الدكتور حممد أكرم‬
‫الندوي ‪.‬‬
‫‪ « - 73‬منبع الكرم والشمائل يف ذكر أخبار وآثار من عاش من أهل العلم يف حائل »‬
‫حلسان بن إبراهيم الرديعان ‪.‬‬
‫‪ « -74‬حمم�د أب�و زهرة إمام الفقه�اء املعارصين واملدافع اجلريء ع�ن حقائق الدين»‬
‫للدكتور حممد عثامن بشري‬
‫‪ -75‬جمموعة مقاالت ‪ .‬إعداد ‪ :‬حممد حممود الطناحي‪.‬‬
‫‪ « -76‬الشيخ حممد أبو األجفان وجهده يف الفقه املالكي» ملختار اجلبايل‪.‬‬
‫‪ « -77‬فت�ح رب البيت يف ذكر مش�ايخ القرآن بدولة الكويت» للش�يخ يارس إبراهيم‬
‫املزروعي ‪.‬‬
‫‪« -78‬مصطف�ى س�عيد اخل�ن العامل املريب وش�يخ علم أص�ول الفق�ه » للدكتور حميي‬

‫‪377‬‬
‫الدين ديب مستو ‪.‬‬
‫‪ « -79‬الوسيط يف أدباء شنقيط » ألمحد الشنقيطي ‪.‬‬
‫‪ « -80‬زهرة البساتني من مواقف العلامء الربانيني » للدكتور سيد بن حسني العفاين‬
‫‪ « -81‬إحتاف النبالء بسري العلامء » لراشد الزهراين ‪.‬‬
‫‪« -82‬ذكريات مشاهري رجال املغرب » لعبد اهلل كنون‪.‬‬
‫‪ « -83‬مع الناس » للشيخ عيل الطنطاوي‪.‬‬
‫‪ «-84‬اجلواهر اإلكليلية أعيان علامء ليبيا من املالكية » لنارص الدين حممد الرشيف‪.‬‬
‫‪ « -85‬أمحد إبراهيم بك فقيه العرص » للدكتور حممد عثامن شبري‪.‬‬
‫‪«-86‬األزهر يف ألف عام» تأليف الدكتور حممد عبد املنعم خفاجي ‪.‬‬
‫‪« -87‬حسن البنا الداعية اإلمام واملجدد الشهيد» تأليف أنور اجلندي ‪.‬‬
‫‪ « - 88‬الثقافة العربية اإلسالمية يف غرب أفريقيا » للدكتور عمر حممد صالح الفالّين‬
‫‪ « -89‬العالمة حممد عبد اهلادي املنوين ترمجته لنفسه » مجع حممد بن عبد اهلل آل رشيد‬
‫‪ « -90‬الرتاويح أكثر من مائة عام يف مسجد النبي عليه السالم » ـ للشيخ عطية حممد‬
‫سامل‪.‬‬
‫‪ « -91‬صفحات مطوية من حياة الشيخ حممد بن صالح املقبل » للدكتور عمر بن عبد‬
‫اهلل بن حممد املقبل‪.‬‬
‫‪ « -92‬فتح رب البيت يف ذكر مشايخ القرآن بدولة الكويت » ليارس إبراهيم املزروعي‬
‫‪ « -93‬إبراهيم السامرائي عالمة العربية الكبري والباحث احلجة » ألمحد العالونة‪.‬‬
‫‪ « -94‬الشيخ حممد محيد اهلل سفري اإلسالم يف الغرب» لسيد عبد املاجد الغوري ‪.‬‬
‫‪ « -95‬حياة عامل وأمني » ملحمد بن عيل األكوع‪.‬‬
‫‪« -96‬عالمـة الكويت الشيخ عبد اهلل بن خلف الدحيان» ملحمد بن نارص العجمي ‪.‬‬

‫‪378‬‬
‫‪ « -97‬علامء وأدباء البحرين يف القرن الرابع عرش هجري » لبشار بن يوسف احلادي‪.‬‬
‫‪ « -98‬أمحد عز الدين البيانوين الداعية املريب » للدكتور عبد املجيد البيانوين‪.‬‬
‫‪ « -99‬موسوعة أعالم املكفوفني » لعبد الرمحن بن سامل اخللف ‪.‬‬
‫‪ -100‬بترصف يسري من لقاء مسجل مع الشيخ عبد الرمحن بن جالل بعنوان «اإلمام‬
‫ابن باز حياته يف الدمل» ‪.‬‬
‫‪ « -101‬نزهة األذهان يف تراجم علامء داغستان » لنذير الدركيل ‪.‬‬
‫‪ « -102‬اجلواهر احلسان يف تراجم الفضالء واألعيان » لزكريا بن عبد اهلل بيال‪.‬‬
‫‪ « -103‬ماذا خرس العامل بانحطاط املسلمني » أليب األعىل املودودي‬
‫‪ « -104‬منبع الكرم والشامئل يف ذكر أخبار وآثار من عاش من أهل العلم يف حائل»‬
‫حلسان بن إبراهيم الرديعان ‪.‬‬
‫‪ « -105‬عبد اهلل بن الصديق الغامري احلافظ الناقد » للدكتور فارق محادة‪.‬‬
‫‪ « -106‬املجالس املجتمعة يف مآثر األخوة الربعة » ملحمد أيب بكر بن عبد اهلل با ذيب‪.‬‬
‫‪« -107‬من بيوت العلم بدمشق آل القاسمي ونبوغهم يف العلم والتحصيل» ملحمد‬
‫ابن نارص العجمي‪.‬‬
‫‪« -­ 108‬جملة األرسة» مؤسسة الوقف اإلسالمي‪.‬‬
‫‪« -­ 109‬جملة أمتي» رشكة غراس‪.‬‬
‫‪« ­-110‬جمل�ة البح�وث اإلسلامية» إدارة البح�وث اإلسلامية باململك�ة العربي�ة‬
‫السعودية‪.‬‬
‫‪ « ­-111‬جملة تراث » نادي تراث اإلمارات‪.‬‬
‫‪« ­-112‬جملة الدارة» دارة امللك عبدالعزيز‪.‬‬
‫‪ -­ 113‬رشيط «وترجل الفارس» ملجموعة من املشايخ‪.‬‬

‫‪379‬‬
‫‪ -­114‬لقاء مس�جل مع الش�يخ عبدالرمحن بن جالل بعنوان «اإلمام ابن باز حياته يف‬
‫الدمل»‪.‬‬
‫‪ -­115‬رشيط «حمارضة الشيخ حممد بن إبراهيم» للشيخ صالح آل الشيخ‪.‬‬
‫‪ ­-116‬الربنامج اإلذاعي «يف موكب الدعوة» إعداد وتقديم ‪ :‬حممد املشوح‪.‬‬
‫‪ ­-117‬موقع «الشبكة اإلسالمية»‪.‬‬
‫‪ -­ 118‬موقع «ملتقى أهل احلديث»‪.‬‬
‫‪ ( -119‬املوقع الرسمي للشيخ عبد اهلل بن جربين )‪.‬‬

‫*‬ ‫*‬ ‫*‬

‫‪380‬‬
381
382
‫الفهر�س‬

‫‪383‬‬
384
‫رقم الصفحة‬ ‫املوضوع‬
‫‪5‬‬ ‫املقدمة ‪............................................................‬‬
‫‪11‬‬ ‫علمهم‪.................................................................‬‬
‫‪13‬‬ ‫الشيخ سليامن بن عبد اهلل آل َّ‬
‫الشيخ‪......................................‬‬ ‫َّ‬
‫‪13‬‬ ‫الرحيم العمري الدهلوي‪...........‬‬ ‫َّ‬
‫الشيخ عبد العزيز بن ويل اهلل بن عبد َّ‬
‫‪14‬‬ ‫الرزاق بن حممد بن عيل بن سلوم التميمي‪....................‬‬ ‫َّ‬
‫الشيخ عبد َّ‬
‫‪15‬‬ ‫السندي‪...............................................‬‬ ‫َّ‬
‫الشيخ حممد عابد ِّ‬
‫‪16‬‬ ‫السيد حممود شكري بن عبد اهلل اآللويس‪................................‬‬
‫‪19‬‬ ‫َّ‬
‫الشيخ أمحد كبوة العدوي الـمـالكي‪.....................................‬‬
‫‪19‬‬ ‫َّ‬
‫الشيخ محد بن عيل بن عتيق يف الزلفي‪....................................‬‬
‫‪20‬‬ ‫َّ‬
‫الشيخ صديق حسن خان‪...............................................‬‬
‫‪21‬‬ ‫الرغاي‪...........................................‬‬
‫األستاذ حممد بن أمحد ّ‬
‫‪22‬‬ ‫َّ‬
‫الشيخ حممد مجال الدين القاسمي‪.......................................‬‬
‫‪23‬‬ ‫َّ‬
‫الشيخ عبد الرزاق بن حسن البيطار‪.....................................‬‬
‫‪24‬‬ ‫َّ‬
‫الشيخ عبد احلي بن فخر الدين بن عبد العيل احلسني‪.....................‬‬
‫‪25‬‬ ‫َّ‬
‫الشيخ عبداهلل بن أمحد العجريي‪.........................................‬‬
‫‪26‬‬ ‫َّ‬
‫الشيخ حممد بويش بن عبد اهلل الشققي‪...................................‬‬
‫‪27‬‬ ‫َّ‬
‫الشيخ حممد عبد اهلل بن زيدان البوصادي‪................................‬‬
‫‪28‬‬ ‫َّ‬
‫الشيخ حممد بدر الدين بن يوسف احلسني‪...............................‬‬
‫‪30‬‬ ‫َّ‬
‫الشيخ سليامن بن حممد بن سليم‪.........................................‬‬
‫‪30‬‬ ‫َّ‬
‫الشيخ أرشف عيل التهانوي بن املنشئ عبد احلق‪.........................‬‬

‫‪385‬‬
‫‪32‬‬ ‫َّ‬
‫الشيخ سليامن بن أيب احلسن بن حممد الندوي‪............................‬‬
‫‪33‬‬ ‫َّ‬
‫الشيخ حممد بن عبد العزيز بن مانع‪......................................‬‬
‫‪34‬‬ ‫َّ‬
‫الشيخ عبد العزيز بن حممد أبو حبيب‪....................................‬‬
‫‪35‬‬ ‫َّ‬
‫الشيخ حممد بن حسني بن عمر نصيف‪...................................‬‬
‫‪36‬‬ ‫َّ‬
‫الشيخ حممد األمني بن حممد املختار الشنقيطي‪...........................‬‬
‫‪38‬‬ ‫َّ‬
‫الشيخ عبد الكريم بن نارص بن راشد الثويني (اخلياط)‪...................‬‬
‫‪39‬‬ ‫األستاذ خري الدين بن حممود بن حممد بن عيل بن فارس الزركيل‪..........‬‬
‫‪41‬‬ ‫َّ‬
‫الشيخ حممد أمحد مصطفى أبو زهرة الششتاوي‪..........................‬‬
‫‪43‬‬ ‫َّ‬
‫الشيخ حممد أبو اليرس بن حممد أيب اخلري عابدين‪..........................‬‬
‫‪44‬‬ ‫َّ‬
‫الشيخ إبراهيم بن عبد اهلل اهلويش‪.......................................‬‬
‫‪45‬‬ ‫َّ‬
‫الشيخ حممد بن صالح الفرفوري‪........................................‬‬
‫‪46‬‬ ‫َّ‬
‫الشيخ عبد اهلل ناصح علوان‪.............................................‬‬
‫‪47‬‬ ‫الشيخ املحدِّ ث أبو ال َّط ِّيب حممد عطاء اهلل حنيف الفوجياين‪...............‬‬
‫َّ‬
‫‪47‬‬ ‫َّ‬
‫الشيخ عبد اهلل بن حممد الدويش‪.........................................‬‬
‫‪49‬‬ ‫َّ‬
‫الشيخ عبد اهلل بن حسن آل بريكان‪......................................‬‬
‫‪49‬‬ ‫َّ‬
‫الشيخ حممد قادر خال مرزا األندجياين‪...................................‬‬
‫‪50‬‬ ‫َّ‬
‫الشيخ محاد بن حممد بن حممد األنصاري‪.................................‬‬
‫‪50‬‬ ‫الدكتور حممود ال َّطناحي‪.................................................‬‬
‫‪51‬‬ ‫َّ‬
‫الشيخ حممد نارص الدين بن نوح نجايت األلباين‪..........................‬‬
‫‪53‬‬ ‫َّ‬
‫الشيخ مصطفى أمحد حممد الزرقا‪........................................‬‬
‫‪54‬‬ ‫َّ‬
‫الشيخ حممد خري بن حسن العرقسويس‪..................................‬‬

‫‪386‬‬
‫‪55‬‬ ‫َّ‬
‫الشيخ محد بن حممد اجلارس‪..............................................‬‬
‫‪56‬‬ ‫َّ‬
‫الشيخ حممد بن صالح العثيمني‪..........................................‬‬
‫‪57‬‬ ‫َّ‬
‫الشيخ حممد األمني بن أيدا اجلكني‪......................................‬‬
‫‪58‬‬ ‫َّ‬
‫الشيخ عبد اهلل بن يوسف الوابل‪.........................................‬‬
‫‪59‬‬ ‫َّ‬
‫الشيخ حممد بن اهلادي بن حممد أبو األجفان الـمـالكي‪..................‬‬
‫‪60‬‬ ‫السعد حممد عيل نجم‪.........................................‬‬
‫الشيخة أم َّ‬
‫‪62‬‬ ‫السيد مصطفى بن سعيد بن حممود اخلن الشافعي امليداين الدمشقي‪.......‬‬
‫‪63‬‬ ‫َّ‬
‫الشيخ حممد سامل ولد حممد ولد عبد الودود الشنقيطي‪....................‬‬
‫‪65‬‬ ‫الرمحن بن عبد اهلل بن جربين‪......................‬‬ ‫َّ‬
‫الشيخ عبد اهلل بن عبد َّ‬
‫‪66‬‬ ‫َّ‬
‫الشيخ باب بن أمحد بيب بن عثامن الشنقيطي‪.............................‬‬
‫‪67‬‬ ‫َّ‬
‫الشيخ حممد اجلوندلوي‪.................................................‬‬
‫‪67‬‬ ‫الشيخ عبد الرشيد إبراهيم‪..............................................‬‬
‫‪69‬‬ ‫رحلتهم يف طلب العلم‪................................................‬‬
‫‪71‬‬ ‫َّ‬
‫الشيخ سليامن بن عيل بن مقبل‪..........................................‬‬
‫‪71‬‬ ‫َّ‬
‫الشيخ سعد بن محد بن عتيق‪.............................................‬‬
‫‪74‬‬ ‫َّ‬
‫الشيخ حممد بن عبد العزيز بن مانع‪......................................‬‬
‫‪74‬‬ ‫َّ‬
‫الشيخ حممد املختار بن حممد األمني الشنقيطي‪...........................‬‬
‫‪75‬‬ ‫َّ‬
‫الشيخ عبد الفتاح أبو غدة‪...............................................‬‬
‫‪79‬‬ ‫َّ‬
‫الشيخ حممد بن صالح املنصور‪..........................................‬‬
‫‪81‬‬ ‫دعوهتم‪................................................................‬‬
‫‪83‬‬ ‫َّ‬
‫الشيخ سليامن حلمي‪....................................................‬‬

‫‪387‬‬
‫‪84‬‬ ‫الشيخ حممد تقي الدين اهلاليل‪...........................................‬‬
‫‪88‬‬ ‫َّ‬
‫الشيخ آصف القدوائي‪.................................................‬‬
‫‪88‬‬ ‫َّ‬
‫الشيخ حممد مجيل‪.......................................................‬‬
‫‪89‬‬ ‫َّ‬
‫الشيخ صالح بن إبراهيم بن حممد البليهي‪...............................‬‬
‫‪90‬‬ ‫الرزاق عفيفي عطية النويب‪...................................‬‬ ‫َّ‬
‫الشيخ عبد َّ‬
‫‪92‬‬ ‫َّ‬
‫الشيخ صالح بن غصون‪................................................‬‬
‫‪93‬‬ ‫َّ‬
‫الشيخ أبو احلسن بن عبد احلي احلسني الندوي‪..........................‬‬
‫‪94‬‬ ‫َّ‬
‫الشيخ عبد العزيز اهلده‪.................................................‬‬
‫‪95‬‬ ‫َّ‬
‫الشيخ عبد احلنان القاسمي املظفر بوري‪.................................‬‬
‫‪99‬‬ ‫أمرهم باملعروف‪.......................................................‬‬
‫‪101‬‬ ‫َّ‬
‫الشيخ عبد اهلل بن حجازي بن إبراهيم الرشقاوي الشافعي األزهري‪.....‬‬
‫‪102‬‬ ‫الشيخة فاطمة بنت َّ‬
‫الشيخ حممد بن عبد الوهاب‪.........................‬‬ ‫َّ‬
‫الشيخ عبد العزيز بن محد آل معمر‪102 .......................................‬‬
‫َّ‬
‫‪103‬‬ ‫السيد أمحد بن حممد عرفان‪..............................................‬‬
‫‪104‬‬ ‫الفقيه أبو عثامن سعيد بن حسن بن أمحد الدمشقي‪.......................‬‬
‫الشيخ حممد بن املدين كنون‪105 ..............................................‬‬
‫َّ‬
‫الشيخ حسن العدوي احلمزاوي‪107 .........................................‬‬
‫َّ‬
‫‪109‬‬ ‫َّ‬
‫الشيخ صالح بن عبد اهلل البسام‪.........................................‬‬
‫‪109‬‬ ‫َّ‬
‫الشيخ مبارك بن مساعد آل مبارك‪.......................................‬‬
‫الشيخ عىل بن سامل آل جليدان‪110 ...........................................‬‬
‫َّ‬
‫‪110‬‬ ‫َّ‬
‫الشيخ شمس الدين حممد بن حممد بن حسني األلباين الشافعي‪...........‬‬

‫‪388‬‬
‫‪111‬‬ ‫الرمحن بن عبد اهلل رساج‪.....................................‬‬ ‫َّ‬
‫الشيخ عبد َّ‬
‫‪112‬‬ ‫َّ‬
‫الشيخ حممد كامل بن مصطفى‪..........................................‬‬
‫‪112‬‬ ‫الشيخ أبو حممد حسن بن أمحد بن عيل ال َّطويل الـمـالكي املرصي‪........‬‬
‫َّ‬
‫‪113‬‬ ‫الرزاق بن حسن البيطار‪.....................................‬‬ ‫َّ‬
‫الشيخ عبد َّ‬
‫‪114‬‬ ‫َّ‬
‫الشيخ أمحد بن الشمس احلاجي‪.........................................‬‬
‫‪115‬‬ ‫حممد عاطف أفندي‪.....................................................‬‬
‫‪117‬‬ ‫األستاذ عبد العزيز جاويش‪.............................................‬‬
‫األستاذ أمحد تيمور باشا‪119 .................................................‬‬
‫الشيخ حممد بخيت املطيعي‪120 ..............................................‬‬
‫َّ‬
‫‪121‬‬ ‫َّ‬
‫الشيخ عبد احلميد بن حممد بن مصطفى بن مكي بن باديس‪..............‬‬
‫‪123‬‬ ‫َّ‬
‫الشيخ عبد الرشيد إبراهيم‪..............................................‬‬
‫الشيخ أمحد إبراهيم بك احلسيني‪124 .........................................‬‬
‫َّ‬
‫الشيخ حممد مصطفى املراغي‪124 ............................................‬‬
‫َّ‬
‫‪125‬‬ ‫عبد القادر احلسيني‪.....................................................‬‬
‫‪127‬‬ ‫األستاذ حسن بن أمحد البنا‪..............................................‬‬
‫‪128‬‬ ‫الرمحن رساج‪.....................................‬‬ ‫َّ‬
‫الشيخ عبد اهلل بن عبد َّ‬
‫‪129‬‬ ‫َّ‬
‫الشيخ عبد املجيد سليم‪.................................................‬‬
‫‪131‬‬ ‫َّ‬
‫الشيخ عبد اهلل بن عبد الوهاب بن زاحم‪.................................‬‬
‫‪131‬‬ ‫سعيد النوريس‪..........................................................‬‬
‫‪134‬‬ ‫َّ‬
‫الشيخ عبد الكريم بن عباس آل الوزير‪..................................‬‬
‫‪134‬‬ ‫َّ‬
‫الشيخ عبد املحسن بن عبد القادر األسطواين‪............................‬‬

‫‪389‬‬
‫‪136‬‬ ‫سيد قطب بن إبراهيم‪...................................................‬‬
‫‪137‬‬ ‫َّ‬
‫الشيخ حممد اخلرض بن احلسني التونيس‪..................................‬‬
‫‪138‬‬ ‫َّ‬
‫الشيخ عبد اهلل بن حممد القرعاوي‪.......................................‬‬
‫‪139‬‬ ‫َّ‬
‫الشيخ حممد بن إبراهيم‪.................................................‬‬
‫‪140‬‬ ‫َّ‬
‫الشيخ حممد بن أمحد أبو زهرة‪...........................................‬‬
‫‪142‬‬ ‫الشيخ عبد اهلل بن عبد اللطيف آل َّ‬
‫الشيخ‪................................‬‬ ‫َّ‬
‫الشيخ هارون با‪142 .........................................................‬‬
‫َّ‬
‫‪143‬‬ ‫الرمحن بن حممد بن خلف الدورسي‪.........................‬‬ ‫َّ‬
‫الشيخ عبد َّ‬
‫األستاذ عمر عبد الفتاح التلمساين‪144 .......................................‬‬
‫‪145‬‬ ‫الرمحن بن يوسف بن عبد الصمد‪............................‬‬ ‫َّ‬
‫الشيخ عبد َّ‬
‫‪146‬‬ ‫َّ‬
‫الشيخ أمحد بن عبد العزيز آل مبارك‪.....................................‬‬
‫‪146‬‬ ‫َّ‬
‫الشيخ صالح أبو إسامعيل‪..............................................‬‬
‫الشيخ حممد شاكر بن أمحد‪148 ...............................................‬‬
‫َّ‬
‫الشيخ عبد اهلل حممد اخلليفي‪150 .............................................‬‬
‫َّ‬
‫‪151‬‬ ‫َّ‬
‫الشيخ حممود عبد الوهاب فايد‪..........................................‬‬
‫‪153‬‬ ‫َّ‬
‫الشيخ عطية حممد سامل‪..................................................‬‬
‫‪154‬‬ ‫َّ‬
‫الشيخ عبد اهلل بن محيد‪..................................................‬‬
‫‪157‬‬ ‫َّ‬
‫الشيخ عباس حممد مقادمي ذويبي الثبيتي‪................................‬‬
‫‪158‬‬ ‫َّ‬
‫الشيخ عبد العزيز بن باز‪................................................‬‬
‫‪159‬‬ ‫َّ‬
‫الشيخ أجمد الزهاوي‪....................................................‬‬
‫‪160‬‬ ‫َّ‬
‫الشيخ إبراهيم بن محد اجلارس‪...........................................‬‬

‫‪390‬‬
‫‪160‬‬ ‫َّ‬
‫الشيخ عاطف اسكلفي‪.................................................‬‬
‫‪161‬‬ ‫الدكتور حممد عبد اهلل دراز‪..............................................‬‬
‫‪162‬‬ ‫الدكتور أمحد غلوش‪....................................................‬‬
‫‪165‬‬ ‫َّ‬
‫الشيخ عبد اهلل بن حممد بن فدا‪..........................................‬‬
‫الشيخ حممود شكري بن عبد اهلل األلويس‪165 ................................‬‬
‫َّ‬
‫‪166‬‬ ‫َّ‬
‫الشيخ محد بن فارس بن حممد‪...........................................‬‬
‫‪167‬‬ ‫َّ‬
‫الشيخ أمحد بن حممد بن أمحد الفاريس‪...................................‬‬
‫‪167‬‬ ‫َّ‬
‫الشيخ حممد بن عبد عبد السالم البدري‪.................................‬‬
‫‪168‬‬ ‫َّ‬
‫الشيخ حممد بن إبراهيم آل الشيخ‪.......................................‬‬
‫‪169‬‬ ‫َّ‬
‫الشيخ يوسف بن عيسى القناعي‪........................................‬‬
‫‪170‬‬ ‫َّ‬
‫الشيخ عبد الوهاب بن عبد الرمحن الفارس‪..............................‬‬
‫‪171‬‬ ‫َّ‬
‫الشيخ عمر بن عبد العزيز حممد الشيخاين‪...............................‬‬
‫‪172‬‬ ‫َّ‬
‫الشيخ حممد بن مقبل‪...................................................‬‬
‫‪175‬‬ ‫اهتاممهم باملسلمني‪....................................................‬‬
‫‪177‬‬ ‫الشيخ حسن بن عبداهلل آل َّ‬
‫الشيخ‪.......................................‬‬ ‫َّ‬
‫‪177‬‬ ‫َّ‬
‫الشيخ عبد اهلل الوابل‪...................................................‬‬
‫‪181‬‬ ‫عبادهتم‪................................................................‬‬
‫‪183‬‬ ‫َّ‬
‫الشيخ حممد بن عبد الوهاب‪............................................‬‬
‫‪183‬‬ ‫َّ‬
‫الشيخ عبد اهلل بن فايز أبا اخليل‪..........................................‬‬
‫‪184‬‬ ‫َّ‬
‫الشيخ عيل املرصي املداح‪...............................................‬‬
‫‪184‬‬ ‫َّ‬
‫الشيخ عثامن بن برش‪....................................................‬‬

‫‪391‬‬
‫‪185‬‬ ‫َّ‬
‫الشيخ حسون بن أمحد الشقفة‪...........................................‬‬
‫‪185‬‬ ‫الرمحن بن نارص العجاجي‪...................................‬‬ ‫َّ‬
‫الشيخ عبد َّ‬
‫‪186‬‬ ‫َّ‬
‫الشيخ محاد بن جار اهلل احلامد‪............................................‬‬
‫‪186‬‬ ‫َّ‬
‫الشيخ عبد العزيز بن محد بن عتيق‪.......................................‬‬
‫‪187‬‬ ‫َّ‬
‫الشيخ عمر بن حممد بن سليم‪...........................................‬‬
‫‪187‬‬ ‫َّ‬
‫الشيخ صالح بن عبد اهلل الزغيبي‪........................................‬‬
‫‪189‬‬ ‫السياري‪.......................................‬‬ ‫َّ‬
‫الشيخ إبراهيم بن سعود ّ‬
‫‪189‬‬ ‫َّ‬
‫الشيخ حممد بن صالح املقبل‪............................................‬‬
‫‪191‬‬ ‫َّ‬
‫الشيخ حممد أعظم بن فضل الدين اجلوندلوي‪...........................‬‬
‫‪192‬‬ ‫َّ‬
‫الشيخ أمحد بن أمحد بن حممد سعيد‪......................................‬‬
‫‪192‬‬ ‫َّ‬
‫الشيخ حممد خالد بن حممد جنيد كعكة‪..................................‬‬
‫‪193‬‬ ‫َّ‬
‫الشيخ محود بن عبد اهلل التوجيري‪........................................‬‬
‫‪194‬‬ ‫َّ‬
‫الشيخ عبد اهلل بن جار اهلل آل جار اهلل‪....................................‬‬
‫‪195‬‬ ‫الرمحن بن قاسم‪....................................‬‬ ‫َّ‬
‫الشيخ حممد بن عبد َّ‬
‫‪196‬‬ ‫َّ‬
‫الشيخ ربيع عبد اللطيف مريس‪.........................................‬‬
‫‪197‬‬ ‫َّ‬
‫الشيخ حممد بن حممود احلجار احللبي‪....................................‬‬
‫‪198‬‬ ‫َّ‬
‫الشيخ عيل الدقر‪........................................................‬‬
‫‪199‬‬ ‫َّ‬
‫الشيخ ظفر بن أمحد العثامين التهانوي‪....................................‬‬
‫‪199‬‬ ‫َّ‬
‫الشيخ عبد اهلل بن عبد العزيز بن عقيل احلنبيل‪...........................‬‬
‫‪203‬‬ ‫زهدهم‪................................................................‬‬
‫‪205‬‬ ‫َّ‬
‫الشيخ عيسى بن حممد الزبريي‪..........................................‬‬

‫‪392‬‬
‫‪205‬‬ ‫َّ‬
‫الشيخ عبد اجلبار بن عىل البرصي‪.......................................‬‬
‫‪206‬‬ ‫َّ‬
‫الشيخ عبد احلكيم بن حممد نور األفغاين‪.................................‬‬
‫‪208‬‬ ‫السمعوين اجلزائري‪...............‬‬ ‫َّ‬
‫الشيخ طاهر بن صالح أو حممد صالح َّ‬
‫‪210‬‬ ‫َّ‬
‫الشيخ حممد أمني سويد‪.................................................‬‬
‫‪212‬‬ ‫َّ‬
‫الشيخ حممد بن مقبل‪....................................................‬‬
‫‪213‬‬ ‫َّ‬
‫الشيخ حممد أمني الشنقيطي‪.............................................‬‬
‫‪213‬‬ ‫َّ‬
‫الشيخ فيصل بن عبد العزيز آل مبارك‪...................................‬‬
‫‪214‬‬ ‫َّ‬
‫الشيخ حميي الدين القليبي‪...............................................‬‬
‫‪215‬‬ ‫السعدي‪....................................‬‬
‫الرمحن بن نارص َّ‬ ‫َّ‬
‫الشيخ عبد َّ‬
‫‪216‬‬ ‫َّ‬
‫الشيخ حافظ بن أمحد احلكمي‪...........................................‬‬
‫‪217‬‬ ‫َّ‬
‫الشيخ حممد املصطفى بن اإلمام العلوي الشنقيطي‪.......................‬‬
‫‪217‬‬ ‫َّ‬
‫الشيخ حممد أمني الكتبي احلنفي‪.........................................‬‬
‫الشيخ حممد بن سليامن اجلراح‪218 ...........................................‬‬
‫َّ‬
‫‪219‬‬ ‫َّ‬
‫الشيخ عبد احلميد كشك‪................................................‬‬
‫الشيخ حممد بن عبد اهلل الصومايل‪220 ........................................‬‬
‫َّ‬
‫‪221‬‬ ‫السامرائي‪..............................‬‬
‫الراشد َّ‬
‫الدكتور إبراهيم بن أمحد َّ‬
‫‪223‬‬ ‫َّ‬
‫الشيخ حممد محيد اهلل احليدر آبادي‪.......................................‬‬
‫‪225‬‬ ‫الرامبوري‪...........................................‬‬
‫الرحيم َّ‬ ‫َّ‬
‫الشيخ عبد َّ‬
‫‪226‬‬ ‫َّ‬
‫الشيخ بكر بن عبد اهلل أبو زيد‪...........................................‬‬
‫‪231‬‬ ‫برهم وإحساهنم‪.......................................................‬‬
‫‪233‬‬ ‫َّ‬
‫الشيخ حممد بن عبد اهلل با سالمة‪........................................‬‬

‫‪393‬‬
‫‪234‬‬ ‫السنويس‪...........................................‬‬ ‫َّ‬
‫الشيخ حممد بن عيل َّ‬
‫‪235‬‬ ‫َّ‬
‫الشيخ سعود بن مفلح اجلذالني‪.........................................‬‬
‫‪235‬‬ ‫َّ‬
‫الشيخ إبراهيم بن محد اجلارس‪...........................................‬‬
‫‪235‬‬ ‫الرءوف مججوم‪.............................................‬‬ ‫َّ‬
‫الشيخ عبد َّ‬
‫‪237‬‬ ‫الرمحن آل َّ‬
‫الشيخ‪.................‬‬ ‫َّ‬
‫الشيخ عبد اهلل بن عبد اللطيف بن عبد َّ‬
‫‪237‬‬ ‫َّ‬
‫الشيخ عبد اهلل بن خلف الدحيان‪........................................‬‬
‫‪238‬‬ ‫َّ‬
‫الشيخ صالح بن حممد آل مبارك‪.........................................‬‬
‫‪239‬‬ ‫َّ‬
‫الشيخ عيسى بن حسن بن بكري بن أمحد البيانوين‪.......................‬‬
‫‪241‬‬ ‫َّ‬
‫الشيخ حممد صالح عبد العزيز مججوم‪...................................‬‬
‫‪242‬‬ ‫َّ‬
‫الشيخ زكي بن أمحد الربزنجي الشافعي‪.................................‬‬
‫‪243‬‬ ‫َّ‬
‫الشيخ إبراهيم حممد خري الغالييني‪......................................‬‬
‫‪244‬‬ ‫الرمحن األفريقي‪.............................................‬‬ ‫َّ‬
‫الشيخ عبد َّ‬
‫‪244‬‬ ‫َّ‬
‫الشيخ صالح الدين بن حممد رضا الدقاق‪...............................‬‬
‫‪245‬‬ ‫َّ‬
‫الشيخ حسن بن مرزوق حبنكة امليداين‪..................................‬‬
‫‪247‬‬ ‫َّ‬
‫الشيخ أمحد التُّكينة‪......................................................‬‬
‫الشيخ عيل املحمد املطلق‪248 ................................................‬‬
‫َّ‬
‫‪250‬‬ ‫َّ‬
‫الشيخ صالح بن أمحد اخلرييص‪..........................................‬‬
‫‪250‬‬ ‫الكاتب حممود شيت خطاب‪............................................‬‬
‫‪253‬‬ ‫َّ‬
‫الشيخ رمزي سعد الدين‪................................................‬‬
‫‪254‬‬ ‫َّ‬
‫الشيخ الشهيد أمحد ياسني‪...............................................‬‬
‫‪255‬‬ ‫السعوي‪............................................‬‬ ‫َّ‬
‫الشيخ حممد بن عيل َّ‬

‫‪394‬‬
‫‪256‬‬ ‫املحسن عبد اهلل عيل العبد الوهاب املطوع‪...............................‬‬
‫الشيخ عبد العزيز الوهيبي‪258 ...............................................‬‬
‫َّ‬
‫الشيخ عيل بن مقبل العيل‪259 ................................................‬‬
‫َّ‬
‫‪260‬‬ ‫َّ‬
‫الشيخ أمحد البزيع القناعي‪..............................................‬‬
‫‪263‬‬ ‫قضاؤهم‪...............................................................‬‬
‫‪265‬‬ ‫َّ‬
‫الشيخ عبد اهلل بن عبد الرمحن أبا بطني‪...................................‬‬
‫‪265‬‬ ‫القايض حنفي ناصف‪...................................................‬‬
‫‪267‬‬ ‫الزهاوي‪....................................................‬‬ ‫َّ‬
‫الشيخ أجمد ّ‬
‫الشيخ عبد اهلل العجيان املحمد العجيان‪267 ..................................‬‬
‫َّ‬
‫الشيخ حسن املشاط‪269 .....................................................‬‬
‫َّ‬
‫الرمحن اهلويمل‪271 ..............................................‬‬ ‫َّ‬
‫الشيخ عبد َّ‬
‫الشيخ عبد العزيز بن صالح آل صالح‪271 ...................................‬‬ ‫َّ‬
‫الشيخ حممد عيل ال َّطنطاوي‪273 ..............................................‬‬
‫َّ‬
‫الشيخ عبد العزيز بن باز‪277 .................................................‬‬
‫َّ‬
‫ورعهم‪279 .................................................................‬‬
‫‪281‬‬ ‫َّ‬
‫الشيخ عيل بن حممد آل راشد‪............................................‬‬
‫‪281‬‬ ‫َّ‬
‫الشيخ صالح بن محد‪....................................................‬‬
‫‪282‬‬ ‫َّ‬
‫الشيخ حممد بن عمر العمري‪............................................‬‬
‫السنويس‪282 ............................‬‬ ‫َّ‬
‫الشيخ حممد املهدي بن حممد بن عيل َّ‬
‫الشيخ‪283 ................................‬‬
‫الشيخ إبراهيم بن عبد اللطيف آل َّ‬‫َّ‬
‫الشيخ عيل بن مقبل العيل‪284 ................................................‬‬
‫َّ‬

‫‪395‬‬
‫‪287‬‬ ‫تواضعهم‪..............................................................‬‬
‫‪289‬‬ ‫الرمحن بن حييى بن عيل املعلمي‪..............................‬‬ ‫َّ‬
‫الشيخ عبد َّ‬
‫‪289‬‬ ‫الرءوف حممد إبراهيم سامل‪...................................‬‬ ‫َّ‬
‫الشيخ عبد َّ‬
‫الشيخ حممد متويل الشعراوي‪290 ............................................‬‬
‫َّ‬
‫‪291‬‬ ‫السالم حممد حممد إبراهيم حبوس‪...........................‬‬ ‫َّ‬
‫الشيخ عبد َّ‬
‫‪295‬‬ ‫جهادهم‪...............................................................‬‬
‫‪297‬‬ ‫َّ‬
‫الشيخ حممد بن إسامعيل األنصكويل‪.....................................‬‬
‫‪297‬‬ ‫َّ‬
‫الشيخ املجاهد شامل بن دنكاو حممد الكمراوي‪.........................‬‬
‫‪298‬‬ ‫الرمحن‪..........................................‬‬ ‫َّ‬
‫الشيخ رمحة اهلل بن عبد َّ‬
‫‪300‬‬ ‫َّ‬
‫الشيخ عز الدين بن عبد القادر بن مصطفى القسام‪......................‬‬
‫‪302‬‬ ‫َّ‬
‫الشيخ حممد بن مصطفى بن حممد بن عبد املنعم املراغي‪..................‬‬
‫‪303‬‬ ‫سعيد النوريس‪..........................................................‬‬
‫‪305‬‬ ‫َّ‬
‫الشيخ رضا اهلل البداوين‪.................................................‬‬
‫‪307‬‬ ‫كراماهتم‪...............................................................‬‬
‫‪309‬‬ ‫َّ‬
‫الشيخ حممد بن محد اهلديبي التميمي‪.....................................‬‬
‫‪309‬‬ ‫َّ‬
‫الشيخ يعقوب بن حممد بن سعد بن حممد‪................................‬‬
‫‪310‬‬ ‫َّ‬
‫الشيخ عبد الكريم اخلرساين الشهري بالدرويش‪..........................‬‬
‫‪312‬‬ ‫َّ‬
‫الشيخ إسامعيل بن محد بن عتيق‪.........................................‬‬
‫‪312‬‬ ‫َّ‬
‫الشيخ سليامن بن مصلح بن سحامن‪....................................‬‬
‫‪312‬‬ ‫َّ‬
‫الشيخ عبد العزيز بن أمحد بن حسن‪.....................................‬‬
‫‪313‬‬ ‫َّ‬
‫الشيخ سليامن بن مقبل‪..................................................‬‬

‫‪396‬‬
‫‪314‬‬ ‫َّ‬
‫الشيخ سعد بن محد بن عتيق‪............................................‬‬
‫‪315‬‬ ‫َّ‬
‫الشيخ عبد اهلل بن حممد بن فدا‪...........................................‬‬
‫‪317‬‬ ‫عنايتهم باألبناء‪........................................................‬‬
‫‪319‬‬ ‫َّ‬
‫الشيخ أمحد عيل األنصاري السندي‪.....................................‬‬
‫‪319‬‬ ‫الشيخ عبد القادر بن حممد خوقري‪.......................................‬‬
‫‪320‬‬ ‫الدكتور عيسى عبده إبراهيم‪............................................‬‬
‫‪321‬‬ ‫الستار عبد الوهاب البكري الصديقي‪........................‬‬ ‫َّ‬
‫الشيخ عبد َّ‬
‫‪321‬‬ ‫الشيخ عبد اهلل ابن َّ‬
‫الشيخ حممد النوري‪..................................‬‬ ‫َّ‬
‫‪323‬‬ ‫َّ‬
‫الشيخ عبد اهلل بن حممد الصديق الغامري احلسني‪........................‬‬
‫‪324‬‬ ‫َّ‬
‫الشيخ عبد اهلل بن حممد الغزنوي‪........................................‬‬
‫‪327‬‬ ‫مزاحهم‪................................................................‬‬
‫‪329‬‬ ‫َّ‬
‫الشيخ حسني بن أمحد املرصفي‪..........................................‬‬
‫‪330‬‬ ‫َّ‬
‫الشيخ قدري عبد القادر بن صوقل األرنؤوط‪............................‬‬
‫‪331‬‬ ‫السعد حممد عيل نجم‪........................................‬‬
‫الشيخة أم َّ‬
‫‪331‬‬ ‫العلاَّ مة حممد بن َّ‬
‫الشيخ سيدي بن املختار األبيريي الشنقيطي‪.............‬‬
‫‪332‬‬ ‫الشيخ حممد عيل ال َّطنطاوي‪..............................................‬‬
‫َّ‬
‫‪333‬‬ ‫َّ‬
‫الشيخ عبد اهلل بن خلف الدحيان‪........................................‬‬
‫‪333‬‬ ‫الشيخ أمحد ال َّطويل‪.....................................................‬‬
‫َّ‬
‫‪334‬‬ ‫َّ‬
‫الشيخ عبد العزيز بن باز‪................................................‬‬
‫‪334‬‬ ‫َّ‬
‫الشيخ حممد بن صالح العثيمني‪..........................................‬‬

‫‪397‬‬
‫‪337‬‬ ‫خواتيمهم‪..............................................................‬‬
‫‪339‬‬ ‫َّ‬
‫الشيخ محيدان بن تركي احلميدان اخلالدي‪...............................‬‬
‫‪339‬‬ ‫َّ‬
‫الشيخ حممد بن سيف بن محد العتيقي‪...................................‬‬
‫‪340‬‬ ‫َّ‬
‫الشيخ أمحد الدمياطي الشافعي املكي‪....................................‬‬
‫‪340‬‬ ‫َّ‬
‫الشيخ عوض بن حممد بن عوض احلجي‪................................‬‬
‫‪341‬‬ ‫الزواك احلسيني‪.................................‬‬ ‫َّ‬
‫الشيخ حممد بن عبد اهلل َّ‬
‫‪341‬‬ ‫َّ‬
‫الشيخ حممد خوجه أكرم‪................................................‬‬
‫‪342‬‬ ‫َّ‬
‫الشيخ عمر العدَّ ايس‪....................................................‬‬
‫‪343‬‬ ‫َّ‬
‫الشيخ حممد بن عيل بن مجاح الغامدي‪...................................‬‬
‫‪346‬‬ ‫َّ‬
‫الشيخ املعطي بن عبد اهلل بن العريب‪......................................‬‬
‫‪349‬‬ ‫قصص ومواقف أخرى‪................................................‬‬
‫‪351‬‬ ‫الرمحن بن حسن آل َّ‬
‫الشيخ‪...................................‬‬ ‫َّ‬
‫الشيخ عبد َّ‬
‫‪351‬‬ ‫َّ‬
‫الشيخ حممد نواوي بن عمر بن عيل بنتن‪.................................‬‬
‫‪352‬‬ ‫َّ‬
‫الشيخ إبراهيم بن حممد بن ضويان‪......................................‬‬
‫‪352‬‬ ‫َّ‬
‫الشيخ حممد خري أبو اخلري بن حممد امليداين احلنفي‪.......................‬‬
‫‪353‬‬ ‫َّ‬
‫الشيخ مساعد بن عبد اهلل الربيكي العازمي‪.............................‬‬
‫‪354‬‬ ‫َّ‬
‫الشيخ حممد أمني بن حممد طاهر احلسيني‪................................‬‬
‫‪356‬‬ ‫َّ‬
‫الشيخ حممد بن محد العسايف‪.............................................‬‬
‫‪356‬‬ ‫َّ‬
‫الشيخ حممد بن صالح املطوع‪...........................................‬‬
‫‪357‬‬ ‫الرمحن بن عبد العزيز آل سليم‪...............................‬‬ ‫َّ‬
‫الشيخ عبد َّ‬
‫‪358‬‬ ‫الشيخ حممد ظافر بن َّ‬
‫الشيخ مجال الدين القاسمي‪........................‬‬ ‫َّ‬

‫‪398‬‬
‫‪360‬‬ ‫َّ‬
‫الشيخ حممود حممد شاكر‪................................................‬‬
‫‪361‬‬ ‫َّ‬
‫الشيخ محود بن عبد اهلل العقالء‪.........................................‬‬
‫‪362‬‬ ‫الرنتييس‪............................................‬‬
‫الدكتور عبد العزيز َّ‬
‫‪365‬‬ ‫َّ‬
‫الشيخ سعيد الزياين‪.....................................................‬‬
‫‪366‬‬ ‫الرمحن البكري‪..............................................‬‬ ‫َّ‬
‫الشيخ عبد َّ‬
‫‪367‬‬ ‫َّ‬
‫الشيخ إبراهيم بن محد اجلارس‪...........................................‬‬
‫‪367‬‬ ‫َّ‬
‫الشيخ حممد بن إبراهيم آل شيخ‪.........................................‬‬
‫‪367‬‬ ‫َّ‬
‫الشيخ حممد نصيف‪.....................................................‬‬
‫‪371‬‬ ‫املصادر‪.................................................................‬‬
‫‪383‬‬ ‫الفهرس‪................................................................‬‬

‫*‬ ‫*‬ ‫*‬

‫‪399‬‬
400

You might also like