Professional Documents
Culture Documents
130
130
130
1433هـ ــ 2012م
الطبعة الأوىل
4
املقدمة
احلم�د هلل ال�ذي جع�ل يف كل زمان فرتة من الرس�ل بقايا من أه�ل العلم يدعون
م�ن ض�ل إىل اهلدى ،ويصربون منهم عىل األذى ،حييون بكتاب اهلل املوتى ،ويبرصون
بن�ور اهلل أهل العمى ،فكم من قتيل إلبليس ق�د أحيوه ،وكم من ضال تائه قد هدوه،
فام أحس�ن أثرهم عىل الن�اس ،وأقبح أثر الناس عليهم ،ينف�ون عن كتاب اهلل حتريف
الغالني ،وانتحال املبطلني ،وتأويل اجلاهلني ،أش�هد أن ال إله إال اهلل وحده ال رشيك
له ،واش�هد أن حممد ًا عبده ورس�وله ،صىل اهلل عليه وعىل آله وصحبه وس�لم تس�لي ًام
كثري ًا.
أما بعد:
ف�إن م�ن معامل اخلري والربك�ة يف هذه األم�ة أن اهلل قيض من أهله�ا من حيمل هم
اإلسلام يف قلبه ،ويس�عى يف بذل النفس والنفيس يف س�بيل إعالء كلمة اهلل ،والذب
عن حياض بيضة اإلسالم ،والتقرب إىل اهلل بصالح القول والعمل.
ولقد حرص عظامء اإلسلام ،وأساطني الدهر عىل تسطري أروع املواقف ،وأمجل
القص�ص يف ميادي�ن اخلري والفضل من علم ،وعبادة ،وزه�د ،وورع ،وأمر بمعروف
وهن�ي ع�ن منكر ،وجه�اد ،وغري ذلك فكان�وا معامل ه�دى ورجوم عدى س�اروا مع
األنبي�اء واملرس�لني – عليهم الصلاة والسلام – يف بيان واح�د ،أال فرحم اهلل تلك
العظام ،وأغدق عليها شآبيب الرمحة والغفران.
وأمة اإلسلام إن حرصت عىل اقتفاء سير أولئك األعالم الربرة فإن اهلل – جل
وعز – يورث هلا من العز ،والتمكني ،والرشف ،والسنة ما يرفع هامة أهلها عىل سائر
األمم كام كان آباؤهم وأجدادهم الذين اس�تطالت رؤوس�هم إىل السماء فالس�متها،
واقرتتبت السماء من رؤوس�هم فتوجتها .ونحن يف أمس احلاجة إىل الوقوف مع سري
5
أسلافنا العظام الس�يام يف هذه األزمان الذي أرشأبت فيه الفتن ،وكثرت فيه املحن،
واندرس�ت في�ه معامل الس�ن ،وأوتين�ا من الضعف واهل�وان ما أويت أسلافنا من اجلد
والق�وة ،فق�د ملكوا الدنيا ،ودانت هلم املاملك ،وأرغموا أنف كل كافر يف س�نوات ال
تع�د ش�يئ ًا يف أعامر الدنيا ،وإنما حصلوا ذلك بصدق االنتامء ،وعل�و اهلمة قال تعاىل:
ﱫﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ
ﭷ ﭸﭹﭺﭻﭼﭽﭾ ﭿﮀ ﮁﮂﮃ
ﮄ ﮅﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ...ﱪ [النور.]55:
والبس لبوس التفاؤل – يا حمب – فاملس�تقبل كل املس�تقبل لإلسالم ،وليخرجن
اهلل م�ن أصلاب رجالن�ا ،وأرحام نس�ائنا من يلح�ق بالركب ،ويعيد لألم�ة ماضيها
املرشق ،وجمدها الغابر ،قال رس�ول اهلل ﷺ« :ليبلغن هذا األمر ما بلغ الليل والنهار،
وال يترك اهلل بي�ت مدر وال وبر إال أدخله هذا الدين بعز عزيز ،أو بذل ذليل ،عز ًا يعز
اهلل به اإلسالم ،وذالً يذل اهلل به الكفر» رواه ابن حبان بإسناد صحيح.
إن منهج أولئك األخيار الكرام هو احلياة التي من حرمها فهو من مجلة األموات،
والنور الساطع الذي يسرتشد به الغرباء يف بحار ظلامت الدنيا ،وهو الشفاء الذي من
فقده فقد أصابته األسقام ،وبه تكون اللذة التي من مل يظفر هبا فعيشه مهوم وآالم.
وإن م�ن ح�ق عظامء اإلسلام علينا نشر فضائلهم ،وبث حماس�نهم ،فق�د زينوا
األرض بمواقفهم اجلليلة ،وبيضوا صفحات التأريخ بأخالقهم النبيلة.
بع�د الـمـمـات مج�ال الكتب والسير كان�وا مج�ال ذي األرض يف احلي�اة وه�م
وإن ال�ذي يقلب صفحات كت�ب التواريخ ،والرتاجم لتقر عين�ه ،ويبهج قلبه بام
يق�رأ من كري�م األخبار ،ومجيل اآلثار يف حيوات أولئك األب�رار ،عليهم رمحة من اهلل
العزيز الغفار.
ولـمـا كانت نفوس أهل اإليامن جمبولة عىل األنس بأخبار املاضني من أهل العلم
6
والفضل ،واحلرص عىل التأيس هبم ،فقد حرصت عىل بذل اجلهد – ومن اهلل نس�تمد
الع�ون والتوفيق – عىل مجع أخبار ،ومواق�ف صناع التاريخ واملجد املتأخرين وفا ًة يف
العلم ،العبادة ،والزهد ،واألمر ،والنهي ،وغري ذلك ،وذلك ألمرين:
أوهلمـا :أن السلف األوائل – رمحهم اهلل – قد مجعت بعض مواقفهم ،وقصصهم
النرية يف أجزاء مفردة ،بخالف املتأخرين.
وثانيهمـا :أن بعض الناس لو ذكرت له ش�يئ ًا من سري األوائل جلعل بعد الزمان،
وتغري األحوال مانع ًا من االقتداء هبم ،لكنه لن يعتذر بذلك إذا كان العامل ،أو املفكر قد
تويف قبل س�نني يسرية ،السيام وإن كثري ًا من هؤالء قد أدركناهم ،فرأيناهم ،وحرضنا
جمالسهم ،أو نقلت لنا أخبارهم.
ومنهجي يف هذا اجلمع ما ييل:
-1قسمت القصص واملواقف إىل فصول.
-2قد اترصف يف بعض القصص ترصف ًا سري ًا لالختصار ،أو نحوه مما ال خيل – بإذن
اهلل – بالقصة.
-3رتب�ت قص�ص العلماء يف كل فصل حس�ب تاري�خ وفاهتا – وق�د يتخلف ذلك
أحيان ًا .-
-4اقتصر يف احلاش�ية على ترمجة صاح�ب القصة ،وإن ذك�ر غريه م�ن أوعية العلم
والفضل يف القصة.
وق�د تلح�ظ – أهيا القارئ الكري�م – عدم ورود أخبار بع�ض املعروفني بالعلم،
والفضل ،وما ذاك إال إنه مل يتيرس يل الوقوف عىل يشء من مواقفهم التي يصلح ذكرها
يف هذا الكتاب ،ولعل هذا يستدرك يف طبعة أخرى – بإذن اهلل .-
وأحب أن أشري – كذلك – إىل أن التفاوت يف عظامء بعض البالد دون أخرى ال
يعني التمييز بينهم ،وإنام هو بحسب ما يتيرس لنا من مراجع يف البحث ،فبعضهم متتأل
7
املكتبات بمراجع سريهم ،وبعضهم شحيحة بذلك – واهلل املستعان .-
واهلل أس�أل أن جيع�ل هذا العمل خالص ًا لوجهه الكري�م ،وأن يرحم موتى عظامء
اإلسلام ،وحيف�ظ أحياءه�م ،وحيرشنا مجعي ًا يف مس�تقر رمحته مع النبيين والصديقني
والش�هداء والصاحلين وحس�ن أولئ�ك رفيق� ًا ،وصلى اهلل على نبينا حمم�د وعىل آله
وصحبه وسلم.
وكتبه
عبد العزيز بن سعود العويد
alowid@hotmail.com
8
9
علمـهم
11
12
خ�رج َّ
الش�يخ س�ليامن بن عبد اهلل -رمح�ه اهلل )1(-مع بع�ض أصحابه إىل إحدى
بس�اتني الدِّ رع َّية ،فامتحنوه يف متييز شجرة البطيخ من ش�جرة الدُّ َّباء ،فلم يم ِّيز بينهام،
وح�دَّ ث ال ِّثقات عنه أنَّه كان يقول :معرفتي برج�ال احلديث أكثر من معرفتي برجال
الدِّ رع َّية(.)2
* * *
أصي�ب َّ
الش�يخ ُح َّجة اهلل عبد العزي�ز بن ويل اهلل الدَّ هلوي -رمح�ه اهلل )3( -وهو
ٍ
مخس وعرشين س�ن ًة بعدَّ ة أم�راض بلغت أربع�ة عرش مرض ًا ،فأصي�ب باجلذام، اب�ن
الرياح يف املع�دة واألمعاء ،وفقدان
والبرص ،والعمى ،وقبض البواسير ،واحتباس ِّ
الش�ه َّية إىل ال َّطعام ،حتَّ�ى إنَّه يمكث أيام ًا ال يقدر على األكل ،ومنها صعود األبخرة
َّ
بالصداع َّ
الش�ديد، إىل القلب ،فيصاب باالختناق ،ور َّبام صعدت إىل الدِّ ماغ ،فيصاب ُّ
الرجلني يمين ًا وشماالً لش�دَّ ة آالمه ،ومع ذلك
وكان -أحيان ًا -إذا مش�ى يتهادى بني َّ
فق�د كان عالـمـ� ًا ،فاضالً ،حمس�ن ًا ،يرت َّقب النَّ�اس قدومه يف ال َّطري�ق ،وكان ال ُّطلاَّ ب
الشيخ يف مدينة الدرعية سنة (1200هـ) ،وقرأ عىل والده وبعض الشيخ سليامن بن عبد اهلل آل َّ
( )1ولد َّ
علـمـاء الدرعية ،وأرسله اإلمام سعود بن عبد العزيز قاضي ًا يف مكة املكرمةَّ ،
ثم توىل القضاء يف الدرعية،
وكان آية يف العلم ،له معرفة تامة يف احلديث ورجاله ،والفقه والتفسير والنحو .ومن أش�هر كتبه «تيسير
العزيز احلميد رشح كتاب التوحيد» ،قتل سنة (1233هـ) بعد استيالء إبراهيم باشا عىل الدرعية ،وقتله
لبعض أهلها« .علـمـاء نجد».
الشيخ عبد العزيز بن ويل اهلل بن عبد الرحيم العمري الدهلوي سنة (1159هـ) ،حفظ القرآن، ( )3ولد َّ
وأخذ عن والده وعلـمـاء بلده ،ومع إصابته باألمراض الكثرية إلاَّ أنَّه كان من أنجب أهل زمانه علـمـ ًا،
مصنفات يف متون متنوعة .تويف يف دهيل سنة (1239هـ).ٍ وفض ً
ال وأدب ًا ،وقد ص َّنف
13
يرحلون إليه لـمـا رأوا فيه من سعة العلم ،والبالغة ،واألدب.
وقد صنَّف عدَّ ة مصن ٍ
َّفات ،ومنها تفسري القرآن املسمى «فتح العزيز» صنَّفه إمال ًء
الش�ديد ،ضاع معظمه يف ث�ورة اهلند ،وما بقي يف ع�دَّ ة جم َّلدات ،وهو يف حال املرض َّ
َّفات أخرى كثري ٌة ُّ
تدل عىل سعة علمه(.)1 يش ٌء من َّأوله ،ويش ٌء من آخره ،ومصن ٌ
* * *
ش�و ٍ
ال ،وحرض الر َّزاق بن س�لوم -رمحه اهلل )2( -إىل مكَّة يف َّ وصل َّ
الش�يخ عبد َّ
دروس عالَّمتها َّ
الشيخ عبد اهلل رساج يف التَّفسري واحلديث ،فأورد عليه َّأول ما حرض
س�ؤاالً يف احلديث ،فلم يستحرض َّ
الشيخ اجلواب ،فأخذ الك َُّراس من املحفظة وطالع
َّوسط يف امللبوس، ِ
فيه ،فأجابه ،وكان قد سمع بوصولهَ ،و ُوصف له بقرص القامة ،والت ُّ
فلـمـا ختم فلـمـا رأى سؤاله متين ًا َّ
تفرس فيه أنَّه هو ،فقال :أأنت فالن؟ فقال :نعمَّ ، َّ
َّ
الش�يخ ال�دَّ رس قام إليه وح َّي�اه ،وذهب به إىل بيته وأضافه ذل�ك اليوم ،فجرت بينهام
وعز
الذكاء واالس�تحضارَّ ،الش�يخ عىل ِصدْ ق ما وصف به من ش�دَّ ة َّ مباحثات د َّلت َّ
ٌ
للسلام عليه، يف عينه وأعني أقرانه ،ومن الغد جاء تالمذة َّ
الش�يخ إىل املذكور يف بيته َّ
ثم قال هلم :إن
وسألوه واستفادوا منه ،وعجزوا عن جماراته يف املباحثة ،فسلموا عليهَّ ،
الشيخ ترك البارحة يف تقريره يف التَّفسري وجه ًا من علم اهلندسة ممِ َّا يف اآلية وهي قوله
َّ
تع�اىل :ﱫ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﱪ [املرسلات ،]30:فقال�وا :وم�ا هو؟ قال:
الش�عب ال َّ
ظل ل�ه ،فقالوا :مل يذكر هذا أح�دٌ من املفسرِّ ين. الش�اخص ذا ال َّثالث ُّ َّ
إن َّ
(« )1اإلعالم بمن يف تاريخ اهلند من األعالم» للسيد عبد احلي الندوي احلسني (.)275/7
14
�يوطي يف «اإلتقان» ،فذهب التَّالمذة إىل األس�تاذ َّ
الشيخ عبد ُّ الس
فقال :بىل ذكر ذلك ُّ
اهلل ،وأخربوه بام دار بينهم وبني املذكور ،فتناول «اإلتقان» فتص َّفحه فلم جيد هذا فيه،
أي موض ٍع من «اإلتقان»؟ فذهب فقال له :يف
فق�ال ألحدهم :ارجع إليه وقل ل�ه :يف ِّ
والستِّني(.)1
النَّوع اخلامس ِّ
* * *
السندي -رمحه اهلل )2(-مليئ ًة عامر ًة باجلدِّ واالجتهاد كانت حياة َّ
الشيخ حممد عابد ِّ
يف العلم والعمل ،فمن ذلك قيامه برتتيب «مسند اإلمام َّ
الشافعي» واختصاره وهتذيبه
للراحة واالستقاء ،فقد قال يف ختام كتابه هذا:
السفر ،وأوقات نزوله َّ
يف طريق َّ
وكان الُّش�رُّ وع يف مجع�ه يف ش�هر ذي القعدة س�نة (1229هـ) ،بع�د ما ركبت يف
احلج ،وكان متامه والف�راغ منه بعد العرص ،ي�وم اخلميس ،ليلة عرشين
س�اعية لس�فر ِّ
األول س�نة (1230هـ) ،وذلك عند رجوعي من أرض احلرمني يف مس�جد
من ربيع َّ
للراحة القنف�ذة وجامعه�ا ،وما كان يمكنني كتابته إلاَّ يف َّ
الس�واقي واملن�ازل (النُّزول َّ
واستسقاء الـمـاء).
الس�فر ،ما
للراحة يف طريق َّ
العلم�ي أوقات نزول�ه َّ
ِّ ونح�و هذا اخلرب عن نش�اطه
نسخة ِّ
بخط يده من كتاب «لسان امليزان» للحافظ ٍ األول من
سجله هو يف هناية اجلزء َّ
َّ
(« )1في�ض املل�ك الوه�اب املتعايل بأنب�اء أوائل الق�رن الثالث عرش والتوايل» للش�يخ عبد الس�تار عبد
الوهاب البكري الصديقي اهلندي املكي احلنفي (.)927/2
الش�يخ حمم�د عاب�د الس�ندي ببل�دة س�يون من بلاد الس�ند -وهي يف باكس�تان اآلن -س�نة ( )2ول�د َّ
(1190ه�ـ) ،تلقى العل�م عن جده ووالده وعمه إذ كان من أرسة معروف�ة بالعلم .رحل يف طلب العلم
إىل اليمن واحلجاز ومرص ،واستقر به املقام يف املدينة .كان معروف ًا بالعلم والزهد والورع وحسن اخللق.
وكان له ولع شديد بالكتب ح َّتى مجع مكتبة نادرة قلـمـا توجد عند أحد .تويف سنة (1257هـ)« .اإلمام
الشيخ حممد عابد السندي» بقلم سائد بكداش. الفقيه َّ
15
ابن حجر العسقالين حيث قال:
األول يف 28شعبان سنة (1251هـ) ،ونحن نازلون بمستورة ،شادون
تم اجلزء َّ
َّ
إىل رابغ لالعتامر يف رمضان -إن شاء اهلل تعاىل ،-ويتلوه اجلزء ال َّثاين.
العلم�ي يف نرشه للعلم ،وتدريس�ه وإقرائه ،أنَّ�ه كان يدرس باحلرم
ِّ ومن نش�اطه
الس ِّيد الكتَّاين يف ٍ ٍ ٍ ٍ
عجيب ،فمن ذلك ما حكاه َّ وصرب ومثابرة باس�تمرار َّبوي
املك ِِّّي والن ِّ
«فهرس الفهارس» حيث قال:
املنورة ،مثابر ًا عىل إقراء كتب ُّ
الس�نَّة ،حتَّى إنَّه كان خيتم ف�كان م�دَّ ة مقامه باملدينة َّ
الس ِّيد أبو جيدة بن عبد الكبري ٍ
أش�هر ،بل حدَّ ث املسند اخلطيب َّ الس�تَّة يف ستَّة
الكتب ِّ
الش�يخ حس�ن احللواين املدين أنَّه س�مع عىل املعمر العلاَّ مة َّ
الف�ايس إنَّ�ه حدَّ ثه ش�يخه َّ
الصرب ٍ
أشهر ،وهذا َّ الستَّة يف ٍ
شهر ،وأخذها عنه دراي ًة يف ستَّة الشيخ حممد عابد الكتب ِّ َّ
عجيب عن ِّ
املتأخرين(.)1 ٌ
* * *
الش�يخ حمم�د هبج�ة األث�ري -رمح�ه اهلل :-كان العلاَّ م�ة حممود ش�كري
يق�ول َّ
األلويس -رمحه اهلل )2(-بعيد ًا عن التَّأنُّق يف امللبس واملأكل ،وقد سئل يف ذلك ،فقال:
إنَّن�ي أقنع بام يف يدي يقعَّ .
وإن رائيه ليحس�به – لوال ما علي�ه من نور التَّقوى وجالل
افعي يف نفسه: العلم – من سائر النَّاس ،ولكن حاله يقول نحو ما قاله اإلمام َّ
الش ُّ
( )2ولد السيد حممود شكري بن عبد اهلل األلويس -رمحه اهلل -سنة (1217هـ) يف أرسة تعد من أشهر
األرس العلمية يف بغداد ،فقرأ عىل والده .عرف بسعة علمه ،وفصاحته ،وقد تقلبت به الدنيا ح َّتى صار من
كبار الوجهاء .صنف العديد من املصنفات ،ومنها تفسيره الش�هري «روح املعاين يف تفسري القرآن العظيم
والسبع املثاين» ،تويف سنة (1270هـ)« .أعالم العراق» ملحمد هبجة األثري (ص .)25
16
أكثرا
منهن َ
َّ بِ َف ْل ٍ
س لكان ال َفلس ثي�اب ل�و ُيب�اع مجيعه�ا
ٌ علي
َّ
وأكربا
َ ُفوس الورى كانت أع َّز
ن ُ نف�س لو تق�اس بمثلها
وفيه�ن ٌ
َّ
وكان يعترب الوقت ثمين ًا ال ُيض ِّيع منه ش�يئ ًا أبد ًا ،ينهض إىل املدرس�ة مبكر ًا ،فإذا
آيات م�ن القرآن احلكيم،تأخ�ر ال ُّطلاَّ ب ع�ن الوقت املعلوم طالع أو نس�خ أو حفظ ٍ َّ
وق�د متكَّن من اختالس مثل هذه الفرص أن حيفظ نحو ثلثيه .وكذلك كان يفعل بعد
الف�راغ م�ن التَّدريس إىل أن حيني وقت ال ُّظهر فيقفل إىل الدَّ ارَّ ،
ثم يذهب إىل املدرس�ة
الزائرين، ال َّثاني�ة في�درس إىل ما بعد العرصَّ ،
ثم يعود إىل ال�دَّ ار ،فإ َّما أن جيلس لبعض َّ
وإ َّما أن يعود إىل مثل عمله حتَّى العشاء فيصليِّ وينام ًّتوا.
فإذا كان ثلث ال َّليل األخري انتبه ،فإ َّما أن َّ
يتهجد نافل ًة له ،وإ َّما أن يكتب أو يطالع
وه ُل َّم َج ًّرا. إىل قبيل طلوع َّ
الشمس فيذهب إىل املدرسة َ
للزائرين صباح ِّ
كل مجعة وثالثاء ،حيث ال درس يف هذين اليومني، وكان جيل�س َّ
وق َّلام يقبل فيام عدا ذلك زائر ًا ،وكان ال ينقطع عن التَّدريس أبد ًا.
ِ
غزي�ر املطر كثير الوحل عن الريح ِ ٍ وأذك�ر أنَّن�ي انقطع�ت يف ي�و ٍم
مزعج ش�ديد ِّ
فلـمـا ش�خصت إىل الدَّ رس يف اليوم ال َّثاين صار
احلضور ظنًّا منِّي أنَّه ال حيرض أيض ًاَّ ،
ينشد بلهجة غضبان:
الـحـر والـبـرد
ُّ وال خـيـر فيمن عاقـه
وكان ش�ديد ال َّثب�اتَ ،ج ْلد ًا عىل البح�ث والتَّنقيب والنَّس�خ واملطالعة ،ال تعرف
الغد ما اس�تطاع ،وال يفرغ من ٍ
عمل عمل اليو ِم إىل ِ
يؤخ�ر َ مهت�ه امللل وال الكس�ل ،ال َِّّ
حتَّى يرشع يف آخر ،وإذا استحسن كتاب ًا عاود مطالعته ولو كان مـج َّل ٍ
دات ،وما ظنُّك ُ
اإلفريق�ي وهو يف عرشين
ِّ غ�وي البن منظور
َّ بم�ن يتناول «لس�ان العرب» املعجم ال ُّل
ٍ جملد ًا فيدرس�ه من مبتداه إىل منتهاه ثالث مر ٍ
مغادر منه حرف ًا! َّ
ثم ما تقول فيمن ات غري َّ
17
ويصححه يف َّ
أقل من أس�بو ٍع عىل وفرة أشغاله وكرب ِّ ينس�خ «ديوان البوصريي» وأمثاله
ٍ
تسويد؟ سنِّه وتناوب أمراضه ،بل يؤ ِّلف يف شهر كتاب ًا يف سبعني كراس ًة بياض ًا من دون
وقوة اإلرادة بلغ -رمحه اهلل َ -ش ْأو ًا تقرص دون بلوغهم األبطال،
بمثل هذا املضاء َّ
مس�تفل وآخ�ر ِ
راق؟ ٍ ك�م بين �ن حي�اول باألم�اين ُرتْبت�ي
ي�ا َم ْ
نوم� ًا وتبغ�ي بع�د ذاك َلـح ِ
اقي أأبي�ت س�هران الدُّ ج�ى وتبيت�ه
َ
وكان يف آخ�ر أم�ره ال جيتبي تلميذ ًا ما مل يعجم ع�وده ،ويثق من أدبه وذكائه؛ ألنَّه
ولـمـ�ا حاول�ت االتِّص�ال ب�ه واألخ�ذ عن�ه ك َّلفني نس�خ كتاب «نقض أس�اس
َّ
التقديس» لإلمام شيخ اإلسالم تقي الدين بن تيمية -رمحه اهلل ،-وكان وقد استكتب
وفهمي والتَّح ُّقق من اخلراج عنِّي ،حتَّى إذا ما وثق منِّي أمرين بحضور الدَّ رس ،وبذل
18
من العناية بتعليمي وتدريبي ما أنا عن شكره ووفائه عاجز(.)1
(« )3في�ض املل�ك الوه�اب املتعايل بأنب�اء أوائل الق�رن الثالث عرش والتوايل» للش�يخ عبد الس�تار عبد
الوهاب البكري الصديقي اهلندي املكي احلنفي (.)307/1
الش�يخ مح�د بن عيل بن عتيق يف الزلفي س�نة (1227ه�ـ) ،رحل إىل الرياض فقرأ عىل َّ
الش�يخ ( )4ول�د َّ
العالمة عبد الرمحن بن حس�ن وابنه َّ
الش�يخ عبد اللطيف رمحهم اهلل ،ح َّتى ص�ار من كبار العلـمـاء .وقد
ويل القضاء يف اخلرج وبلدة احللوة واألفالج .وقد جلس لنرش العلم فاستفاد منه الطالب .تويف باألفالج
سنة (1301هـ)« .علـمـاء نجد».
19
نقل الدُّ كتور اجتباء النَّدوي ،عن ش�اهد عيان بقرص األمري صديق حس�ن خان -
إن األمري صديق حس�ن خان ،كان يؤ ِّل�ف جزء ًا واحد ًا َّ
كل يو ٍم، رمح�ه اهلل )1( -قولهَّ :
ٍ ٍ وإن ذهب إىل ٍ
يتنحى ويشتغل بالتَّأليف يف وتأخر ال َّطعام فإنَّه َّ
حفلة َّ مناس�بة أو أحد يف
املكان نفسه.
خاصا ببعض مؤ َّلفاته،
وذكر صديق حسن خان يف كتابه «رياض املرتاض» فهرس ًا ًّ
دونه:
مني ،ننقله هنا كام َّ
الز ِّ
ومقدار تأليفها َّ
ٍ
أشهر ،وطبع ببهوبال. كتاب «أبجد العلوم» بال ُّلغة العرب َّية ،مدَّ ة تأليفه أربعة
كتاب «إحتاف النبالء» بال ُّلغة الفارس َّية ،مدَّ ة تأليفه ٌ
شهر واحدٌ ،وطبع بكانبور.
كتاب «التاج املكلل» بال ُّلغة العرب َّية ،مدَّ ة تأليفه ٌ
شهر وعرشة أ َّيا ٍم ،وطبع ببهوبال.
أسبوع واحدٌ ،وطبع بكانبور.
ٌ كتاب «رحلة الصديق» بال ُّلغة العرب َّية ،مدَّ ة تأليفه
كتاب «الروضة الندية» بال ُّلغة العرب َّية ،مدَّ ة تأليفه مخسة عرش يوم ًا ،وطبع بمرص.
20
كتاب «مسك اخلتام» بال ُّلغة الفارس َّية ،مدَّ ة تأليفه شهران ،وطبع بكانبور.
كت�اب «فتح البي�ان» ( )10أجزاء ،بال ُّلغة العرب َّية ،مدَّ ة تأليفه س�ن ٌة واحدةٌ ،وطبع
بالقسطنطين َّية.
كتاب «البلغة» بال ُّلغة العرب َّية ،مدَّ ة تأليفه ( )22يوم ًا ،وطبع بالقسطنطين َّية.
كت�اب «حص�ول املأم�ول» بال ُّلغ�ة العرب َّي�ة ،م�دَّ ة تأليف�ه ( )26يوم� ًا ،وطب�ع
بالقسطنطين َّية.
كتاب «ذخر املحب» بال ُّلغة العرب َّية ،مدَّ ة تأليفه ( )12يوم ًا ،وطبع ببهوبال(.)1
* * *
متوس�ط ٌة
للش�يخ حممد بن أمحد الرغاي -رمحه اهلل -يف أوائل أمره خزان ٌة ِّ
()2
كان َّ
ِّ
بخ�ط يده ،وكان ل�ه اعتنا ٌء ت�ا ٌّم بمقابلة ما ٍ
وغري�ب ،وج ُّلها ٍ
حس�ن مش�تمل ٌة عىل ِّ
كل
كتاب بخ ِّطه
يستنس�خه وإصالح ما عس�ى أن يوجد فيه من الغلط ،فلذل�ك ال يوجد ٌ
إلاَّ يف غاية ِّ
الص َّحة.
توجه جلمع الكتب ،فكان يك ِّلف َم ْن يكتب له بمرص
ثم لـمـا بسطت عليه الدُّ نيا َّ
َّ
َّ
والش�ام ،بل وبالد اهلند ،فيأتيه من ذلك العدد الكثري حتَّى صارت خزانته يرضب هبا
املثل.
وبعد وفاته -رمحه اهلل -بيع البعض من كتبه ،فال جتد أحد ًا من ال َّطلبة إلاَّ وعنده
عد ٌد منها.
ٍ
واحد ،كان اس�تحرضها حيث كان خاص عىل ٍ
نس�ق ٍ
بتجليد وكانت كتبه متميز ًة
ٍّ
الس�لطان َّية ،خَّ
واتذ عدَّ ة من املجلدين معه يف منزله هناك مدَّ ًة بفاس يف بعض اخلدمات ُّ
(« )1النهضة اإلسالمية يف سري أعالمها املعارصين» للدكتور حممد رجب البيومي (.)122/4
( )2حممد بن أمحد الرغاي ،شاعر مليح النادرة من أهل الرباط يف املغرب .تويف سنة (1315هـ).
21
ت�م أمره�ا وفق ما أراد ،فتم َّي�زت بذلك عن غريها بحي�ث َّأول ما يرى
مدي�د ًة إىل أن َّ
كتابه يقال :هذا من كتب الفقيه الرغاي؛ ألنَّه يكتب عىل ٍّ
كل منها اسم الكتاب بخ ِّطه
املشهور(.)1
* * *
ق�ال َّ
الش�يخ مج�ال الدي�ن القاس�مي -رمح�ه اهلل )2(-عن نفس�ه :-وق�د اتَّفق يل
-بحم�ده تع�اىل -قراءة «صحيح مس�لم» بتاممه رواي� ًة ودراي� ًة يف أربعني يوم ًا،
وقراءة «س�نن ابن ماجه» كذل�ك يف واحد وعرشين يوم ًا ،وق�راءة «املوطأ» كذلك يف
تس�عة عرش يوم ًا ،وقراءة «تقريب التهذيب» مع تصحيح س�هو القلم فيه وحتش�يته يف
(« )1االغتب�اط برتاج�م علـمـ�اء الرباط ومقدمة الفتح م�ن تاريخ الرباط» أليب عب�د اهلل حممد بن احلاج
مصطفى بو جندار الرباطي.
الشيخ حممد مجال الدين القاسمي بدمشق سنة (1283هـ) ،نشأ يف بيت عرف بالعلم والتقوى، ( )2ولد َّ
فأب�وه وجدُّ ه من صلحاء الش�ام وعلـمـائها .أخ�ذ العلم عن علـمـاء بلده .ت�وىل اإلمامة يف أحد جوامع
دمش�ق .ودرس فيه كتب الس�نة والوعظ .ألف عدة مؤلفات أش�هرها كتابه يف التفسري «حماسن التأويل»،
وقد قىض يف تأليفه س�ت عرشة س�نة .تويف سنة (1332هـ)« .الرس�ائل املتبادلة بني مجال الدين القاسمي
وحممود شكري األلويس» ملحمد بن نارص العجمي.
22
نحو عرشة أ َّيا ٍم ،فدع عنك الكس�ل واحرص عىل ِ
عزيز وقتك بدرس العلم وإحس�ان
العمل(.)1
* * *
القصة يف كتابه «املحدث األكرب أورد العلاَّ مة َّ
الش�يخ حممد صالح الفرفور ،ه�ذه َّ
كام عرفته» ،فقال :أوقع بعض املفرتين بني َّ
الشيخ بدر الدين -رمحه اهلل -وبني العامل
الر َّزاق البيطار -رمحه اهلل ،)2(-وكانا متعارصين (واملعارصة املؤرخ الكبري َّ
الشيخ عبد َّ ِّ
ص من الش�يخ بدر الدي�ن ،وكتب كتاب ًا في�ه َتنَ ُّق ٌ الش�يخ البيطار عىل َّحرم�ان) ،فتغيرَّ َّ
الشيخ بدر الدين أن َّ توهم َّ ٍ ٍ َّ
الش�يخ بقصيدة نظمها ،وأرسله مع سفيه من سفهاء ح ِّيهَّ ،
الشيخ مل يصدر عنه أن َّ واحلق َّ
ُّ الشيخ البيطار ما يشري إىل التَّن ُّقص منه،
حق َّ صدر عنه يف ِّ
يتصور منه ذلك؛ ألنَّه ما كان يرىض بالغيبة يف مـجلس�ه ،فكيف
َّ يش ٌء م�ن ذل�ك ،وال
بأن تصدر عنه؟!
الس�عاية والنَّميم�ة ممَّن يكيدون َّ
للش�يخني اجلليلني ممَّا ال ت�كاد ختلو عنه ولكنَّه�ا ِّ
جمالس النَّاس.
حق َّ
الش�يخ فقام أن بعض طلاَّ ب َّ
الش�يخ بدر الدين س�مع اإلس�اءة يف ِّ وال َّظاهر َّ
للس�فيه حامل املكتوب وعنَّفه ورضبه ،فأعطاهم مكتوب َّ
الشيخ البيطار ،فقرأه ذلك َّ
للش�يخ بدر الدين ،فاش�تدَّ غضبه ،وأراد أن ينتقم لش�يخه ،فيذهب َّ
للش�يخ التَّلمي�ذ َّ
البيطار فيو ِّبخه عىل فعلته ذلك.
(« )1الرس�ائل املتبادلة بني مجال الدين القاس�مي وحممود ش�كري األلويس» (ص )19ملحمد بن نارص
العجمي.
الش�يخ عبد الرزاق بن حس�ن بن إبراهيم بن حس�ن بن حممد بن حسن البيطار الدمشقي يف حملة ( )2ولد َّ
امليدان من دمش�ق الش�ام س�نة (1253هـ) ،ومنذ نعومة أظف�اره تع َّلم القراءة والكتاب�ةَّ ،
ثم حفظ القرآن
ثم حفظ املتون يف مبادئ العلوم .تويف سنة (1335هـ). وجودهَّ ،
الكريم َّ
23
الش�يخ حممد بدر الدين الغوغاء ،فسأل عن س�ببها ،فأخربوه بأمر مكتوب س�مع َّ
الش�يخ ج َّبت�ه ،وأخذ مع بعض طلاَّ به وس�ار إىل
ال�ر َّزاق البيطار ،فلبس َّ َّ
الش�يخ عب�د َّ
امليدان يؤ ُّم دار َّ
الشيخ عبد الرزاق البيطار.
الش�يخ البيطار بمجيء َّ
الش�يخ حممد بدر الدين هند الستقباله ،وما فلـمـا س�مع َّ
وسعه إلاَّ أن خرج إىل ال َّطريق فعانقه ،وكذا َّ
الشيخ البدر عانقه ،وجلسا مع ًا كأخوين،
كل ما جرى ،ووضع ال َّطعام فأكال سو ًّيا ،وصفا قلبهام ،وازدادت املح َّبة واملو َّدة ونسيا َّ
الشيخ البدر وو َّدع ٌّ
كل منهام اآلخر ،وطلب الدُّ عاء منه. ثم قام َّ
بينهامَّ ،
الشيخ البدر عند َّ
الشيخ البيطار، ورجع شيخنا إىل دار احلديث ،وقد علت منزلة َّ
الش�يخ البيطار قصيد ًة عصامء يمدح فيها َّ
الش�يخ حممد بدر الدين ،ويشهد بسعة فنظم َّ
علم�ه ،وم�كارم أخالق�ه ،وهي إىل اآلن عند حفيده َّ
الش�يخ األس�تاذ الفاضل س�ليل
الس ِّيد فخر الدين احلسني -حفظه اهلل .)1(-
األجماد َّ
* * *
الش�يخ عبد احلي احلس�ني -رمحه اهلل )2(-حريص ًا عىل مجع الكتب النَّفيس�ة،
كان َّ
يقبل هدايا الكتب ،وقد باع داره التي كانت عىل جرس فرنكي حمل ،واشرتى «حاشية
الطحطاوي عىل الدُّ ِّر املختار» بستني روبية (.)3
* * *
(« )1صفحات مرشقة من تاريخ أعالم األمة » لعبده عيل كوشك (ص .)648
(« )3العالمة السيد عبد احلي احلسني» (ص )100تأليف الدكتور السيد قدرة اهلل احلسيني.
24
الش�يخ يوس�ف الياسين عن َّ
الش�يخ عبد اهلل ب�ن أمحد العجيري -رمحه اهلل قال َّ
: -كان آي� ًة يف ِّ
الرواي�ة ،ومن أعجب ما رويناه أنَّ�ه رافق جاللة امللك عبد العزيز يف ()1
رحلته األوىل يوم فتح احلجاز ،وكان جاللته يسير عىل اإلبل ،وكان يتلو عىل جاللته
ليلة ونحن عىل ظهور املطايا من كالم اهلل وحديث رسول اهلل وكالم العرب كل ٍ َّ
ست والساعتني ،وداوم عىل ذلك ما يقارب من ٍّ
الساعة َّ األولني وبعض ِّ
املتأخرين بني َّ َّ
وعرشين ليل ًة ،مل ي ِعدْ علينا يف ٍ
ليلة ما ذكره يف سابقتها ،وكان يتَّخذ ملحارضته موضوع ًا ُ
اخلاصة يبدأها بقوله مثالً( :فصل يف مكارم األخالق) فيتلو ما ورد عنَّ من املواضيع
ثم م�ا ذكرته العرب يف
ث�م يروي ما ورد عن رس�ول اهلل َّ ،
ذل�ك م�ن كتاب اهللَّ ،
كل ذلك عن ظهر ٍ
قلب بغري أن ٍ
منثور ومنظو ٍمُّ ، أش�عارها وما تناقلته يف جمالس�ها من
يتبع يف ذلك كتاب ًا معين ًا.
قوي َّ
الذاك�رة ،فقد يس�أل يف املجلس عن أحس�ن ما قالته وكان ح�ارض البدهي�ة َّ
أي موضو ٍع م�ن املواضيع ،فيجيب يف غري تلعث ٍم ،فيقول :أحس�ن ما قالته
الع�رب يف ِّ
فالن ،وأحسن من هذا ما ورد يف حديث رسول العرب يف هذا كذا ،وأحسن منه قول ٍ
الش�يخ عب�داهلل بن أمح�د العجريي يف حوطة ب�ن متيم حوايل س�نة (1285هـ) ،فحف�ظ القرآن ( )1ول�د َّ
ثم رصفته مهت�ه ملطالعة الكتب ،فحفظ اليشء الكثري من املراجع يف ش�تى العلوم ح َّتى صار من
الكري�مَّ ،
أوعية العلم ،وحفاظ التاريخ ،ورواة األدب .تويف سنة (1352هـ)« .علـمـاء نجد» (.)23/4
25
والذاكرة ما ساعده عىل النُّبوغ يف فنِّه ا َّلذي مل َنر له ندًّ ا فيه بني
اهلل تعاىل من قويت احلافظة َّ
عددها ،حيفظ هذه الكتب بروايتها وسندها ،وهناك كتب أخرى دين َّي ٌة وتارخي َّي ٌة وأدب َّي ٌة
قال َّ
الشيخ الشققي -رمحه اهلل )2(-عن نفسه يف بدء تالوته وحفظه للقرآن الكريم:
يرضبني رضب ًا مربح ًا إلمهايل وسوء حفظي ،حتَّى إنيِّ يوم ًا بكيت فيه كثري ًا ،والتجأت
ٍ
قريب رب ،إىل مت�ى هذه البالدة وس�وء احلف�ظ؟ وإذا بيو ٍم
إىل اهلل تع�اىل ،وقل�ت :ي�ا ِّ
ٍ
واحد ،واحلمد هلل(.)3 الصفحة من القرآن الكريم من ٍ
دور رصت فيه أحفظ َّ
(« )3إمت�اع الفضالء برتاجم القراء يف ما بعد القرن الثامن اهلجري» إللياس بن أمحد حسين بن س�ليامن
الربماوي (.)1111 4
26
انتقل َّ
الشيخ حممد عبد اهلل بن زيدان البوصادي الشنقيطي -رمحه اهلل )1(-إىل مرص
حوايل س�نة (1349هـ) ،فتل َّقاه علـمـاؤها بالبشر والتَّقدير ،ونزل يف املح َّلة الكربى
يف القاهرة ،وبارش تدريس ال ُّلغة العرب َّية والفقه الـمـالكي يف األزهر الشرَّ يف ،وألقى
ٍ
بطائفة من العلـمـاء يف مرص، مر ٍة ٍ
فيه عدَّ ة حمارضات يف مواضيع شتَّى ،واجتمع ذات َّ
الش�ناقطة وجودة ش�عرهم واحد منهم بنفس�ه س�ألوه عن حفظ َّ ٍ عرف َّ
كل وبع�د م�ا َّ
وتبحرهم يف ال ُّلغة؟ فأجاهبم بقوله :فأ َّما حفظهم فأبسط ٍ
دليل عليه أنيِّ أستطيع إعادة ُّ
ٍ
تبديل أو ثم رسدها هلم م�ن غري ذك�ر أسمائكم أمجعني أكتعني وال تس�تطيعون ذلكَّ ،
ثم أنشأ هلم قصيد ًة مدحي َّي ًة من ست ٍَّة ومخسني بيت ًا متحدِّ ي ًا هلم بفهمها يقول ٍ
حتريف فيهاَّ ،
يف مطلعها:
إىل أن يقول:
وختمها بقوله:
()2
وشتان شتان األضا واملقامس وهيهات هيهات املدى من مداهم
( )1ولد الشيخ حممد عبد اهلل زيدان البوصادي الشنقيطي -رمحه اهلل -يف بالد شنقيط ،وقرأ عىل علامئها،
وبرع يف العلوم ،ورحل إىل احلرمني زمن األرشاف .تويف يف القاهرة سنة ( 1353هـ).
27
َّ
و«الش�اطب َّية» حف�ظ َّ
الش�يخ حممد بدر الدين احلس�ني -رمح�ه اهلل « )1(-األلف َّية»
ثم أش�غله ٍ ٍ ٍ
للعراقي وغريها يف اثني عرش ألف بيت يف فنون خمتلفةَّ ، ِّ و«ألف َّي�ة احلديث»
وإتقان ،ومل يكم�ل ال َّثامنة عرشة منٍ الش�يخ أبو اخلري اخلطيب بق�راءة رشوحها بفه ٍم
َّ
عمره حتَّى نبغ نبوغ ًا باهر ًا اس�تلفت إليه أنظار مش�اخيه ،فأجازوه إجاز ًة عا َّم ًة وأذنوا له
بالتَّدريس ،ورشح «غرامي صحيح» يف مصطلح احلديث ومل يكمل العرشين من عمره.
ٍ
صحيحة ،وحفظ من األحاديث ٍ
وعزيمة هبم ٍة شَّم�اَّ ء
ثم أقبل عىل املطالعة بنفس�ه َّ
َّ
ومسلم بأسانيدمها.
ٌ البخاري
ُّ بأسانيدها ما شاء اهلل أن حيفظ ،وممَّا حفظه:
ثم بدأ بالتَّأليف ،فألف نحو ًا من أربعني كتاب ًا وسنُّه دون العرشين.
َّ
األموي النَّحو والصرَّ ف والبالغة واملنطق والفقه
ِّ ثم صار يقرئ ال َّطلبة يف اجلامع
َّ
وغريها ،وقرأ درس� ًا عا ًّما بني العشاءين فاجتمع عليه اخللق الكثري ،وتع َّطلت دروس
شعر أصالً ،ولـمـا ٍ غريه من ُّ
الشيوخ لشدَّ ة فصاحته وإخالصه ،ومل يكن يومئذ بوجهه ٌ
الشيخ حممد بدر الدين بن يوسف احلسني بدمشق سنة (1267هـ) ،ونشأ يف حجر والده َّ
الشيخ ( )1ولد َّ
يوسف املغريب وهو من كبار علـمـاء املغاربة ا َّلذين استوطنوا الشام ،درس عىل علـمـاء بلده ،ورحل إىل
مرص وقرأ عىل علـمـائها ،وقد بلغ يف العلم مبلغ ًا عظي ًام وهو دون الثالثني ح َّتى صار من أشهر العلـمـاء
«الشيخ حممد صالح الفرفوري» لعمر النشوقايت. وأوسعهم اطالع ًا .تويف سنة (1354هـ)َّ .
28
أح�س بام أمل َّ بنفوس القوم ترك الدَّ رس واعتزل يف غرفته من املدرس�ة ،ومل خيرج منها
َّ
أك�ب عىل املطالعة
َّ س�بع عرشة س�ن ًة ،حتَّى يق�ال :إنَّه ما كان ُي�رى أبد ًا ،ويف هذه املدَّ ة
واحلفظ ،وأقبل بك ِّلـ َّيته عىل علم احلديث حتَّى صار فيه َّ
احلجة البالغة.
ويف ه�ذه الفترة رحل إىل مرص ،وأخذ هبا عن علـمـائها ال س� َّيام َّ
الش�يخ إبراهيم
الرواية واإلجازة.
السقا ،وهو عمدته يف ِّ
َّ
السادات يف سوق ال َّطويل
ولـمـا جتاوز ال َّثالثني من عمره قرأ درس ًا عا ًّما يف جامع َّ
َّ
ع�ن ظهر ٍ
قلب من «صحيح البخاري» ،فبهرت النَّاس فصاحته وتك ُّلمه عىل احلديث
والرياضيات
�ب ِّالش�ام ،مثل احلكم�ة وال ِّط ِّ
الواح�د م�ن علو ٍم ش�تَّى مل تع�رف بديار َّ
فلـمـا كثر اخللق عليه وضاق هبم اجلامع انتقل إىل جامع س�نان باش�ا ،فكان
وغريهاَّ ،
يق�رئ ليل�ة اجلمع�ة واإلثنني من بع�د املغرب إىل العش�اء ،وجيتمع علي�ه األلوف من
النَّاس.
األموي من بعد صالة اجلمعة إىل العرص،
ِّ كام عقد يوم اجلمعة درس� ًا يف املس�جد
من أعجب الدُّ روس يف عرصه.
البخاري أو غريه من ٍ
بحدي�ث من وكان يفتتح درس�ه جاثي ًا عىل األرض ،حيدِّ ث
ِّ
الشيخ احلديث من ٍ
طرق الستَّة ا َّلتي هي من حمفوظاته يف علم احلديث ،فريوي َّ
الكتب ِّ
ثم يمي�ل إىل متن ٍ
خمتلف�ة ،ويذك�ر درجت�ه ويبحث عن روات�ه ويرتجم هلم م�ا أمكنَّ ،
احلدي�ث فيرشح�ه رشح ًا وافي ًا ،ويبينِّ م�ا فيه من األحكام الشرَّ ع َّي�ة مع بيان اختالف
ويق�رر م�ا تع َّلق باحلديث م�ن العلوم العرب َّي�ة والشرَّ ع َّي�ة والكون َّية ،وما
ِّ املجتهدي�ن،
يتع َّل�ق بعل�م الكيمياء وبخصائص احلي�وان والنَّبات ،وما يتع َّلق باحلديث من ش�ئون
والرياض ِّيني وعلـمـاء الفلس�فة حيضرون دروس
الس�اعة ،وكان كثير م�ن األط َّب�اء ِّ
َّ
29
ص فيها(.)1
متخص ٌ
ِّ َّفوق يف هذه العلوم كأنَّه َّ
الشيخ ،فيشهدون له بالت ُّ
* * *
ٍ
وحفظ، ٍ
ذاكرة كان َّ
الش�يخ س�ليامن بن حممد بن عمر بن س�ليم -رمحه اهلل )2(-ذا
استدل ٍ
بآية َّ فليس يف أهل عرصه له مش�اب ٌه ،إذا س�مع الشيَّ ء وعاه وحفظه ،وإذا تك َّلم
ف�كل ذل�ك يف حافظته ،وقي�ل :كان حيفظ «اهل�دي النَّبوي» البن ٍ
مأث�ورةُّ ، ٍ
حكم�ة أو
الق ِّيم(.)3
* * *
مش�ى العلاَّ مة التَّهانوي -رمحه اهلل )4(-يف حيات�ه ،فكان من ا َّلذين حيافظون عىل
ٍ
ثاني�ة من ثوانيها حمافظ ًة دقيق ًة ،ال يغادر منها دقيق ًة وكل ٍ
حلظ�ة من حلظات احلياةِّ ، ِّ
كل
وال ثاني� ًة إلاَّ أحصاه�ا ،واس�تغ َّلها لصالح اإلسلام واملس�لمني ،وكان -رمحه اهلل -
مثاالً يف ضبط األوقات وحس�ن توزيعها بني اهلل وبني العباد وبني ش�ئونه َّ
الش�خص َّية
خيل هبا وال يستثني منها إلاَّ اضطرار ًا.
والعائل َّية ،ال ُّ
أهم املالزمني َّ
للشيخ يقول َّ
الش�يخ عزيز احلس�ن جمذوب -رمحه اهلل ( -وهو من ِّ
وكب�ار خلفائ�ه)َّ :
إن من أهم خصائص َّ
الش�يخ التَّهانوي -رمح�ه اهلل -ومم ِّيزاته أنَّه ما
«الشيخ حممد صالح الفرفوري حياته العلمية وهنضته وآثاره» (ص )43تأليف عمر بن َّ
الشيخ موفق (َّ )1
النشوقايت.
الشيخ سليامن بن حممد بن سليم سنة (1295هـ) ،وأخذ العلم عن والده ،وعن َّ
الشيخ حممد ( )2ولد َّ
ابن عبد اهلل بن سليم وغريمها .وقد عرف -رمحه اهلل -بقوة احلفظ .تويف سنة (1361هـ)« .علـمـاء نجد».
30
ٍ
وحلظة من حياته مـحاس�ب ًة ٍ
دقيقة كان يض ِّيع ش�يئ ًا من أوقاته ،وإنَّام كان حياس�ب َّ
كل
دقيق� ًة ،ويعتربها أثم�ن وأغىل ما رزقه اهلل تعاىل من النِّعم يف ه�ذه احلياة الفانية ،األمر
ٍ
قصري، ا َّلذي ساعده يف حتقيق امله ت الصعبة ،وإنجاز األعامل الكبرية اهلامة يف ٍ
وقت َّ َّ ماَّ
ثم بفضل ضبط األوقات وحس�ن اس�تخدامها -
وكان -بفض�ل اهلل تع�اىل وعون�هَّ ،
اس�تطاع -رمح�ه اهلل -وحده ،خيلف وراءه مآث�ر علم َّي ًة خالد ًة ومكتب ًة واس�ع ًة كبري ًة
أن اهلل -سبحانه وتعاىل -قد بارك ملجمعات علم َّي ٍة أن تقوم هبا ،إلاَّ َّ
ثر َّي ًة ،قد ال يسع َّ
يف أوقاته وأعامله حتَّى أصبح أكثر النَّاس تأليف ًا يف عرصه.
وها هو ش�يخه وأستاذه العلاَّ مة حممود حسن الديوبندي املعروف بشيخ اهلند قد
الشيخ التَّهانوي قدر ما يستطيع ،وو َّفر
املرات ونزل عنده ضيف ًا ،فأكرمه َّ
مر ًة من َّ
زاره َّ
ولـمـا حان وقت تأليفه وموعد تصنيفه
الراحةَّ ، له َّ
كل ما حيتاجه ش�يخه من وس�ائل َّ
حس�ب جدوله اخلاص املربمج يف حياته ،ذهب إىل ش�يخه يستأذنه مراعي ًا يف ذلك َّ
كل
معاين االحرتام وغاية التَّوقري ،وقال :س ِّيدي وأستاذي! عندي بعض األعامل العلم َّية
ِ
ورحابة ٍ
رسور أقوم هبا يف مثل هذا الوقت فلو أذنت يل؟ فأذن له األستاذ الكريم ِّ
بكل
ص�در قائالً :اغتنم ه�ذه الفرصة ا َّلتي وهبك اهلل إ َّياها .فذهب التَّهانوي -رمحه اهلل -
لينجز ما كان يريد إنجازه حتَّى ال حيرم من الربكات بسبب الغياب.
يص�ور لنا كيف َّي�ة ضبط أوقاته
ِّ وه�ا ه�و العلاَّ مة عبد احلي احلس�ني -رمحه اهلل -
تصوي�ر ًا دقيق ًا ورائع� ًا ،فيقول -رمحه اهلل :-وكانت أوقات�ه مضبوط ًة منظم ًة ،ال ُّ
خيل
ٍ ٍ
الصبحهبا ،وال يس�تثني فيه�ا إلاَّ يف حاالت اضطرار َّية ،وكان إذا انصرف من صالة ُّ
طامع
ٌ اشتغل بذات نفسه عاكف ًا عىل الكتابة والتَّأليف ،منفرد ًا عن النَّاس ،ال يطمع فيه
إىل أن يتغ�دَّ ى ويقي�ل ويصليِّ ال ُّظهر ،فإذا صلىَّ ال ُّظهر جلس للنَّاس يكتب ُّ
الردود عىل
الرس�ائل ،ويق�رأ بعضها للنَّ�اس ،ويتحدَّ ث إليهم ،ويؤنِّس�هم بنكت�ه ولطائفه ،وكان
َّ
31
حديث�ه نزه ًة لألذه�ان ،وفاكه ًة للجلس�اء ،بحيث ال يملون وال يضيق�ون ،فإذا صلىَّ
العصر انف�رد عن النَّاس ،واش�تغل بش�ئون بيته إىل أن يصليِّ العش�اء ،فلا يطمع فيه
طامع(. )1
ٌ
* * *
ثم ط َّلقها ثالث ًا يف ٍ ٍ
وتزوج من مسلمة باكستان َّيةَّ ،
اعتنق أحد األوروب ِّيني اإلسالمَّ ،
الرجوع ،فاستفتى العلـمـاء فأفتى بعض كبار فقهاء احلنف َّية ٍ ٍ
جملس واحد ،فندم وأراد ُّ
يب أن
الرجوع ،فأش�ار بعض النَّاس عىل هذا املس�لم األورو ِّ بأن ال َّطالق بائ ٌن ال ُّ
يصح ُّ َّ
الس�ؤال إليه
وجه ُّ
فلـمـا َّ
الس� ِّيد س�ليامن النَّدوي -رمح�ه اهلل َّ ، -
()2
الس�ؤال إىل َّ
يوجه ُّ
ِّ
استش�ار أعضاء جلنة التَّعليامت اإلسلام َّية من العلـمـاء ،فقال�وا :أ َّما عىل مذهب أيب
عهد باإلسلام،حديث ٍُ الس� ِّيد النَّدوي :هذا ٌ
رجل الرجوع ،فقال َّحنيف�ة فال نرى له ُّ
الرجل الرجوع ،وق�الَّ :
إن هذا َّ بصحة ُّ
َّ ث�م أفتى له
احلنفيَّ ،
ِّ فكي�ف تق ِّيدون�ه باملذهب
عهد باإلسلام ،والتَّيسير عليه يؤ ِّلف قلبه ،فس�كتت اجلامعة ورضوا بفتواه، حديث ٍُ
أمر مل يكن ليو َّف َق إليه ُ
غريك(.)3 وقالوا :هذا ٌ
* * *
(« )1أرشف علي التهان�وي – حكي�م األم�ة وش�يخ مش�ايخ العصر يف اهلن�د» ملحمد رمح�ة اهلل الندوي
(ص.)49
(« )3السيد سليامن الندوي أمري علـمـاء اهلند يف عرصه» تأليف الدكتور حممد أكرم الندوي (ص .)144
32
عندم�ا وصل َّ
الش�يخ حممد ب�ن عبد العزيز ب�ن مانع -رمح�ه اهلل )1(-إىل العراق،
وجد كتاب ًا كان يبحث عنه ،وهو «رشح اآلجرومية» يف النَّحو ،ومل يكن معه ما يشرتيه
الش�يخ حممد بن عبد العزيز بن مانع يف عنيزة س�نة (1300هـ) ،فشرع يف طلب العلم يف بلده، ( )1ول�د َّ
ورح�ل إىل بغداد والش�ام لالس�تزادة من العلم ،وق�د عرف بقوة احلفظ ،وكان آي�ة يف العلوم العربية ،مع
اطالع يف التفسير والفقه وغريمها من العلوم .رحل إىل قطر بطلب من حكومتها فصار مستش�ار ًا لألمور
الدينية ،ومرشف ًا عىل سري التعليم .تويف سنة (1385هـ)« .علـمـاء نجد».
33
لـمـا فقد يذك�ر عن َّ
الش�يخ عب�د العزيز بن حممد أبو حبي�ب -رمحه اهلل -أنَّ�ه َّ
()1
34
مؤ َّلفة للرجال خاص ًة ،حتَّى كأنَّه غيبها مع أ ا غري مرت ٍ
َّبة يف الكتاب ،فهو دائ ًام يبحث نهَّ َّ َّ ِّ
الزناد؟ وما اسم ابن جريج؟ وأين ويسأل بعض تالميذه :ما اسم ٍ
فالن؟ وما اسم أيب ِّ
بلده؟ وما اس�م أيب بكر بن أيب ش�يبة؟ وأين بلده؟ وك�م أوالده وإخوانه؟ وعن جدِّ ه
أن له ش�غف ًا بذلك العلم - ٍ
بمقبول؟ ممَّا ُّ
يدل عىل َّ وأبيه ،و َم ِن املقبول منهم و َم ْن ليس
رجال احلديث .-
خاص ًة يف
أكب عىل القراءة يف كت�ب رجال احلديثَّ ،
الرياض َّ
ث�م لـمـ�ا انتقل إىل ِّ
َّ
آخر أ َّيام حياته -رمحه اهلل .-
َّووي عىل صحيح مس�ل ٍم» حين ضعف برص عينه
وكان يق�رأ يف كت�اب «رشح الن ِّ
الباقية ،وكان يقول :مل يبق إلاَّ جم َّلدٌ واحدٌ لعليِّ أمتكَّن من قراءته قبل أن َّ
يكف برصي(.)1
* * *
اشترى َّ
الش�يخ حممد نصيف -رمحه اهلل )2(-من هولندا كتاب «املعجم املفهرس
َّبوي » بمبلغ أربعة آالف ٍ
ريال. أللفاظ احلديث الن ِّ
ٍ
خمطوط دل فإنَّما ُّ
يدل على ح ِّبه وغرامه باملخطوطات والكت�ب ،فام من وه�ذا إن َّ
يسمع به إلاَّ ويسارع إىل اقتنائه مهام ك َّلفه ذلك.
الش�يخ -رمحه اهلل -علم وذكر األس�تاذ حممد عيل مغريب يف «أعالم احلجاز» أن َّ
ٍ
نس�خة من أحد الكتب األندلس َّية القديمة يف مكتبتي ،فلم يرت َّدد يف الكتابة إ َّيل بوجود
الش�يخ حممد بن حسين بن عمر نصيف -رمحه اهلل -يف س�نة (1302هـ) يف بيت علم ورشف. ( )2ولد َّ
فج�دُّ ه كان م�ن كبار أعيان جدة أيام حكم األتراك عىل احلجاز .واش�تغل بالعل�م منذ نعومة أظافره ح َّتى
ب�رز يف كثري من العلوم .وكان جملس�ه عام�ر ًا بالعلـمـاء واألعيان ،وكان يبذل هل�م الكتب واهلدايا القيمة
مع طيب املعرش .تويف سنة (1391هـ)« .حممد نصيف حياته وآثاره» ملحمد بن أمحد وعبد اهلل العلوي.
35
بطلبها ومل أتر َّدد يف تقديمها له(.)1
* * *
(« )1حممد نصيف حياته وآثاره» (ص )149تأليف حممد أمحد وعبداهلل العلوي.
الش�يخ حممد األمني بن حممد املختار الش�نقيطي بش�نقيط عام (1305هـ) ،حفظ القرآن يف بيت ( )2ولد َّ
أخواله وعمره عرش سنوات .وتعلم مبادئ العلوم وحفظ متوهنا عىل مشايخ بلده .خرج من بالده للحج
ودرس يف املسجد النبوي ،وسافر عرش سنوات للتدريس يف الرياض .كان آيةثم استقر يف املدينة املنورةَّ ،
َّ
من آيات اهلل يف العلم وس�عة االطالع .خترج عىل يديه مجع من العلـمـاء .تويف س�نة (1395هـ) .مقدمة
«أضواء البيان» للشيخ عطية حممد سامل.
36
ندبه ولو ببيع س�لطان لفلس» ،قال يل :أقرأنيها ش�يخي بعد العرص ،وكانت دراس�ته
جرد َّي� ًة ،بحيث يقرأ َّ
كل ما قيل يف الباب .قال :فأخذت رشاح اخلليل وحواش�يه عىل
هذه املسألة ،وجلست أراجعها حتَّى جاء ال َّليلَّ ،
ثم أوقدت النَّار أطالع يف ضوئها إىل
الصب�ح ،ومل أن�م ،ومل ِّ
أصل غري الفريضة ،فوجدت أن للُّش�رُّ َّ اح يف قول خليل قولني، ُّ
والسنَّة ألتيت ل ُ
أل َّمة بالعجب. ولو كنت أبحث يف الكتاب ُّ
للشيخ يف تعليقه عىل قول َّ
الشيخ الش�يخ عطية س�امل -رمحه اهلل -يف ترمجته َّ
يقول َّ
-رمحه اهلل -عن نفسه:
الصب�احِ
كأن وجوهه�ا ض�وء َّ
َّ ٍ
بأب�كار ع�ذارى ٌ
ش�غل ويل
نصه :نعم ،إنَّه كان يبيت يف طلب العلم مفكِّر ًا أو باحث ًا ،حتَّى يذ ِّلل ِّ
الصعاب، ما ُّ
وق�د طاب�ق القول العم�ل ،حدَّ ثني -رمحه اهلل -قال :جئت َّ
للش�يخ يف ق�راءيت عليه،
تعودت ،ومل ِ
يرو يل ظمئي، ِ
فرشح يل كام كان يرشح ،ولكنَّه مل يشف ما يف نفيس عىل ما َّ
ٍ
حاجة إىل إزالة بعض ال َّلبس ،وإيضاح بعض املشاكل، وقمت من عنده وأنا أجدين يف
وكان الوق�ت ظه�ر ًا ،فأخذت الكتب واملراجع ،فطالع�ت حتَّى العرص ،فلم أفرغ من
حاجت�ي ،فعاودت حتَّى املغرب ،فلم ِ
أنته أيض� ًا ،فأوقد يل خادمي أعواد ًا من احلطب
الش�اي األخرض ك َّلام
أق�رأ عىل ضوئها ،كع�ادة ال ُّطلاَّ ب ،وواصلت املطالعة ،وأتناول َّ
الضوء ،حتَّى انبثق الفجر وأنا يف جمليس ،مل
مللت أو كس�لت ،واخلادم بجواري يوقد َّ
ٍ
فرض أو تن�اول طعا ٍم ،وإىل أن ارتفع النَّه�ار ،وقد فرغت من دريس، أق�م إلاَّ لصلاة
وزال عني لبيس ،ووجدت هذا َّ
املحل من الدَّ رس كغريه يف الوضوح والفهم ،فرتكت
37
املطالعة ونمت ،وأوصيت أن ال يوقظني لدرس ذلك اليوم ،اكتفا ًء بام حصلت عليه،
واسرتاح ًة من عناء سهر البارحة .فقد بات مفكِّر ًا فيها ،فأضحت لفهم الفدم خافضة
اجلناح(.)1
الش�يخ عبد الكري�م بن نارص الثوين�ي -رمحه اهلل :)2(- يق�ول األس�تاذ حممد ابن َّ
نزه�ة بر َّي ٍة ،وكنت وقتها منتس�ب ًا يف كل َّية الشرَّ يعة ،ومن
ٍ م�ر ًة أميش مع الوالد يف
كن�ت َّ
الرحب َّية يف الفرائض ويل
املقررات لدينا ما َّدة الفرائض ،وس�ألته عنها ،فقال :حفظت َّ
َّ
فس�معها يل كامل ًة،
َّ عنها أربعون س�ن ًة مل أراجعها أو أذاكرها ،فس�م ِّعها يل ،يقول ابنه:
وكأنَّام حفظها باألمس.
احلنبيل (.)3
ِّ ومن نبوغه يف احلفظ كان حيفظ نظم املفردات يف الفقه
الشيخ عبد الكريم بن نارص بن راشد الثويني اخلياط – نسبة إىل حوطة اخلياط – يف حائل شامل ( )2ولد َّ
اململك�ة العربية الس�عودية س�نة (1320هـ) ،تويف والده صغير ًا ،فر َّبته أمه عىل الصلاح والتقى ،فالزم
علـمـاء بلده ح َّتى نبغ يف الفقه ،والتاريخ ،والشعر .وقد رفض القضاء تورع ًا ،تويف سنة (1395هـ).
(« )3منب�ع الك�رم والشمائل يف ذكر أخب�ار وآثار من عاش من أه�ل العلم يف حائل» حلس�ان بن إبراهيم
الرديعان (ص.)187
38
ظه�ر كت�اب «األعلام» َّأول ما ظه�ر يف العرشين َّي�ات ،يف ثالثة أجزاء فحس�ب،
ورأى ال�زركيل -رمحه اهلل )1(-إقبال الباحثني عليه ،ورجوعهم إليه مطمئنِّني ،فعرف
أن م�ن واجب�ه أن يكمل م�ا فاته ،وقد فات�ه الكثري ،فعكف يف مدى مخسين عام ًا عىل
َّ
أن «األعالم» يش�مل تاريخ س�تَّة عرش قرن ًا؛ ألنَّه َّ
اهتم هذا اإلكامل ،وللقارئ أن يعلم َّ
ف أو ش�اعر مؤ ِّل ٍ
ٍ يب أو ٍ باجلاهل ِّيين قبل مرشق اإلسلام ،فلم يغادر تارخي� ًا
ألديب عر ٍّ
اهتم بمن ٍ ٍ س�يايس قرأ عن�ه يف العامل ك ِّله دون أن يتحدَّ ث عنه يف
س�طور كاش�فة؛ ألنَّه َّ ٍّ
كل كتب مكان مسترشقني وغري مسترشقني ،ومعنى ذلك أنَّه قرأ َّ ٍ كتبوا بالعرب َّية يف ِّ
كل
اخلاصة بالترَّ اجم يف املكتبة العرب َّية ليأخذ منها ما َّدته ،وقد يقرأ عرشين صفح ًة َّ التَّاريخ
س�طور يراها تفي باملقام ،أج�ل ،لقد قرأ ال�زركيل كتب ال َّطبقات ٍ ليخت�ار منه�ا عرشة
�ة وعلم َّي ٍة وكتب األخبار كـ «األغاين» ،و«معجم األدباء»، من تارخيي ٍة وأدبي ٍة وصوفي ٍ
َّ َّ َّ
و«وفي�ات األعي�ان» ،و«يتيمة الدَّ هر» ،و«سلافة العصر» ،و«دوائر املع�ارف » ،أ َّما
( )1خير الدي�ن ب�ن حممود بن حمم�د بن عيل بن فارس ال�زركيل -رمحه اهلل ،-ولد يف 9ذي احلجة س�نة
(1310هـ ) املوافق 25يوليو (1893م) يف بريوت من أبوين دمش�قيني ،ونش�أ وتعلم يف دمش�ق ،عمل
أستاذ ًا للتاريخ واألدب العريب .عني سفري ًا للمملكة العربية يف املغرب .تويف الزركيل -رمحه اهلل -يف سنة
(1396هـ ) املوافق (1976م).
39
ٍ
جريدة أو يرتص�د َّ
كل وأش�ق وأضخم؛ ألنَّ�ه أخذ َّ
َّ يف احلدي�ث فق�د كان العبء أكرب
الصحف الراحلني منذ ظهرت ُّ
اإلسلامي ليقف عىل أخبار َّ
ِّ جم َّل ٍة يف ش�تَّى ربوع العامل
الصحف وهلم
واملجلاَّت كام أخذ يراس�ل أق�ارب َم ْن رحل�وا دون أن تكتب عنه�م ُّ
مؤ َّل ٌ
فات باقي ٌة ،فالبدَّ من احلديث عنهم.
وحني عينِّ سفري ًا للمملكة العربية يف املغرب هاله أن جيد يف الترُّ اث املغر ِّ
يب احلافل
بال ،فعكف عىل البحث والتَّصنيف حتَّى أضاف عدَّ ة ما وحديث ًا ما مل خيطر له عىل ٍ
قدي ً
ٍ
مـج َّلداتَّ ،
ثم رتَّب املتحدث عنهم من هؤالء يف أماكنهم من املوسوعة وفق التَّسلسل
ٌّ
ش�اق ال يدركه غري َم ْن كابده ،كام حرص عىل أن يذكر املراجع األبجدي ،وهو ٌ
عمل ِّ
ا َّلتي اس�تقى منها اهلوامش ممَّا ينوء به اجلمي�ع دون الفرد ،يقول خري الدِّ ين الزركيل يف
حديثه مع الدكتور بكري أمني املشار إليه من قبل:
خ�اص فلم أعثر عليه ،وفجأ ًة
ٍّ مر ًة أن كنت يف إس�طنبول أفتِّش عن ٍ
كتاب ح�دَ ث َّ
الس َّيارة رأيت صديق ًا وسألته عن الكتاب ،فقال :إنَّه يف بلدة ت َّ
ُسمى (مغنيسا) فركبت َّ
إىل (مغنيس�ا) وقضي�ت إحدى عرشة س�اع ًة يف ال َّطري�ق إليهاَّ ،
ولـمـ�ا زرت مكتبتها
ٍ
حديثة ،وإنَّام هي جذاذات يف األدراج وجدهت�ا من أغنى املكتبات لكنَّها دون فهارس
ٍ ٍ
كامل، صي�ف وه�ي متلأ اثني عرش درج� ًا ،فرحت أس�تعرض ال�دُّ رج َّ
األول خالل
الزيارة س�ن ًة بعد ٍ
س�نة الصيف ال َّثاين ألقرأ خمطوطاته ،وهكذا ظللت ِّ
أكرر ِّ وعدت يف َّ
حتَّى ا َّطلعت عليها مجيع ًا(.)1
* * *
البيومي (.)143/3
(« )1النهضة اإلسالمية يف سري أعالمها املعارصين» للدكتور حممد رجب ُّ
40
الش�يخ حممد أبو زهرة -رمحه اهلل )1(-ذاكر ًة قو َّي ًة وحافظ ًة واعي ًة وهب اهلل تعاىل َّ
قراءة ،وناقشه غيب ًا مع ذكر ٍ
ال ينس�ى ما ش�اهده أو قرأه ،فإذا قرأ كتاب ًا اس�توعبه َّ
ألول
والس�طر للموضوع ا َّلذي يعرض له باملناقش�ة ،وكان يندر أن خيطئ يف الصفحة َّ رقم َّ
السياسة والوقائع املرص َّية والس�طور ،وإذا حتدَّ ث يف التَّاريخ وأحداث ِّ الصفحة ُّ أرقام َّ
وغزارة ،يرسدها كام وقعت بتوارخيها وأشخاصها ٍ بكل د َّق ٍة
والعامل َّية جرت عىل لسانه ِّ
ال ينس�ى ش�يئ ًا من ذلك ،فقد كان -رمحه اهلل -قطع ًة ح َّي ًة من التَّاريخ ،وإذا حرض يف
ٍ
كتاب. ٍ
ورقة أو أي موضو ٍع حتدَّ ث من دونِّ
يقول أحد طلاَّ به (يوس�ف البدري) يف مناقش�ته يف رسالة ٍ
معيد يف الك ِّلـ َّية بعنوان
الذاكرة ،ال ختطئ رقم «اب�ن الق ِّيم» :لقد هال احلارضين تلك املوس�وعة املتحدِّ ث�ة من َّ
الس�طر وتاري�خ ال َّطبع ،تلك املوس�وعة هي
الصفح�ة أو اس�م الكت�اب أو حتَّى رقم َّ
َّ
الش�يخ حممد أمح�د مصطفى أبو زهرة الشش�تاوي -رمحه اهلل -يف مدين�ة املحلة الكربى بمرص ( )1ول�د َّ
الشيخ إىل أرسة كريمة طيبة ،حفظ القرآنشمال مدينة طنطا سنة (1316هـ) املوافق (1898م) ،ينتسب َّ
من�ذ نعوم�ة أظف�اره عند الك َّتاب ،وكان�ت أمه تراجع له م�ا حيفظه ،التحق باملعهد األمح�دي األزهري يف
اجلامع األمحدي سنة (1331هـ) املوافق (1913م) ،خترج من مدرسة القضاء الرشعي سنة (1925م)،
والتحق يف مكتب حماماة للتدريب ،تويف -رمحه اهلل -يف سنة (1397هـ) املوافق (1977م).
41
أس�تاذنا حمم�د أبو زه�رة – رمحة اهلل عليه ،-حيث كان جالس� ًا ال ينظ�ر يف ٍ
كتاب وال
ٍ
ال عن كتابنصه كذا نق ًمفكِّرة ،وإنَّام يقول لل َّطالب :قلت يف صفحة كذا سطر كذا ما ُّ
ربر ًا وجهة نظره كان
كذا صفحة كذا س�طر كذا.إلخ ،وعندم�ا كان ال َّطالب يعرتض م ِّ
والسطر، الشيخ أبو زهرة إىل أكثر من مرج ٍع حمدِّ د ًا َّ
الصفحة والباب والفصل ،بل َّ حييله َّ
وتاريخ ال َّطبع.
لقد دهش احلارضون من هذه َّ
الذاكرة ،ومل يلفت نظرهم من املناقشني أحدٌ مثله.
قوي النَّربة ،واضح العبارة ،منطقي الفكرة. ُّ
كل ذلك وهو باسم الفم ،جا ُّد اللهجةُّ ،
الروماين :أثناء مناقشة رسالة
وروى األستاذ حممد السيد بدر أستاذ فلسفة القانون ُّ
الدُّ كتوراه للمرحوم الدكتور حسين النوري ،وا َّلذي حرض مناقش�تها َّ
الرئيس (حممد
الرس�الة الذاكرة ،يناقش س�طور ًا يف ٍ
كثري من صفحات ِّ الش�يخ من َّ
نجيب) ،ناقش�ها َّ
مر ًة واحد ًة يف حتديد
والس�طر طوال أكثر من ساعتني دون أن خيطئ َّ
بالصفحة َّ
حيدِّ دها َّ
ٍ
عبارة أراد أن ينقدها. ٍ
صفحة أو ٍ
سطر أو
مر ًة م�ع بعض ورثة
أن وال�ده اختلف َّ وروى ابن�ه الدكت�ور مصطفى أب�و زهرةَّ :
ٍ
صدي�ق ل�ه عندما أخذوا رأي�ه يف مكتبة والدهم؛ ألنَّه اقرتح عليه�م أن يرتكوا له تلك
خاص ًة الكتب ا َّلتي مل يكن قرأها من قبل،
املكتب�ة بع�ض الوقت كي يقرأ بعض كتبهاَّ ،
يترصفون فيها كيفام أرادوا؛ ألنَّه ال هيمه أن حيتفظ بالكتاب بعد قراءته،
ثم يرتكها هلم َّ
َّ
ٍ
بش�كل ج�دِّ ٍّي ،فانرصفوا ومل فتص�ور أبن�اء صديق�ه وزميله أن َّ
الش�يخ مل يأخذ األمر
الس�بب كان ال هيمه أن يعود مر ًة ثاني ًة ،ممَّا َّ
حرك بعض األس�ى .ولنفس َّ يع�ودوا إلي�ه َّ
إىل الكتاب.
هيتم باقتناء الكتب بعد قراءهتا ،ولذا كانت مكتبته غري ونت�ج عن ذلك أنَّه كان ال ُّ
يتصور البعض. الضخم من الكتب كام ٍ
حافلة بالعدد َّ
َّ
ويذك�ر ابنه الدكتور مصطفى أنَّ�ه كان يذهب إىل املؤمتر أو النَّدوة وال حيمل ورق ًة
42
وال قلـمـ� ًا ،وال بحث� ًا مع�دًّ ا ،وال موضوع ًا مع َّين� ًا يتحدَّ ث في�ه ،كان يكفيه أن يعرف
ثم يضيف ابن�ه :من األمور ا َّلت�ي مت َّيز هبا والدي
موض�وع النَّ�دوة أو اس�م املحارضةَّ ،
ألحد من أصدقائ�ه ،ولك َّن ٍ يس�جل أرقام هوات�ف -رمح�ه اهلل -أنَّ�ه ط�وال حياته مل
ِّ
كل األرق�ام خمتزن� ٌة يف ذاكرته ،فعندم�ا يريد أن يطلب أحد األق�ارب أو األصدقاء أو َّ
ِّصال أو ٍ
لقاء الزملاء كان يدير ق�رص اهلاتف طالب ًا إ َّي�اه ،حتَّى ولو مىض عىل آخ�ر ات ٍ ُّ
هاتف يف حياته ،ومل يطلب من أحد منَا ٍ ٍ
باختصار ،مل يكتب رقم سن ٌة أو سنتان أو أكثر.
خاص به(.)1 ٍ
عنوان تسجيل رق ٍم ،أو
ٍّ
* * *
(« )1حمم�د أبو زه�رة إمام الفقهاء املعارصي�ن واملدافع اجلريء عن حقائق الدي�ن» للدكتور حممد عثامن
بشري (ص .)58
الش�يخ حمم�د أبو اليرس ب�ن حممد أيب اخلري عابدين يف دمش�ق س�نة (1307ه�ـ) ،درس الطب( )2ول�د َّ
واحلق�وق م�ع دراس�ته وختصص�ه يف عل�وم الرشيعة .خت�رج عىل يدي�ه كبار علـمـ�اء دمش�ق ومفكرهيا،
وش�ارك يف الثورات ضد املس�تعمر الفرنيس ،وعكف على التدريس والتأليف إىل آخر حياته ،تويف س�نة
(1401هـ)« .علـمـاء الش�ام يف القرن العرشين وجهودهم يف إيقاظ األمة والتصدي للتيارات الوافدة»
بقلم حممد حامد النارص.
43
الس�لف،
الرواية والنَّقل عن َّ لعلـمـ�اء القرن الـمـ�ايض ،والقرون ِّ
املتأخ�رة قبله ،يف ِّ
ٍ
كبرية. فقدقرأ حاشية ابن عابدين وأقرأها أكثر من ثالثني مرةً ،واحلاشية مخس جم َّل ٍ
دات َّ
كان أب�و اليسر فقيه� ًا حنف ًّي�ا متمكِّن� ًا ،وفهرس� ًا ناطق� ًا (كمبيوت�ر) لكت�ب الفقه
احلنفي ،تس�أله عن املس�ألة فيد ُّل�ك عىل موضعها من الكتاب ا َّلذي ه�ي فيه ،كأنَّه هو
ِّ
ثم يف حمكمة القاهرة أ َّيام الوحدة ،كنَّا يف اجللس�ات ا َّلتي تعقدها املحكمة
يف س�ور َّيةَّ ،
يف دمش�ق تعرض لنا مس�أل ٌة فقه َّي ٌة ،فأس�تأذن من َّ
الرئيس بأن أهتف َّ
بالشيخ أيب اليرس
الشام ،-فإذا سألته عنها أجابني فور ًا ،ود َّلني عىل املرجع ،فكان َّ
الرئيس -وكان مفتي َّ
(« )1علـمـ�اء الش�ام يف الق�رن العرشين وجهودهم يف إيق�اظ األمة والتصدي للتي�ارات الوافدة» (ص
)245بقلم حممد حامد النارص.
الش�يخ إبراهيم بن عبد اهلل اهلويش يف مدينة ش�قراء س�نة (1319هـ) ،وقرأ عىل مش�ايخ بلده، ( )2ولد َّ
وويل قض�اء (املوية) ،وتوىل التدريس يف بعض املدارس .وكان حمب ًا للمطالعةَ ،و ُقرىء عليه املطوالت من
الكتب .تويف يف الرياض سنة (1405هـ)« .علـمـاء نجد».
44
أتم حفظها(.)1
الصالة حتَّى َّ
َّ
حرض َّ
الشيخ حممد صالح الفرفوري -رمحه اهلل )2( -إىل الدَّ رس يف ليلة زفافه قبل
الش�يخ حممد بن صالح الفرفوري بدمش�ق س�نة (1318ه�ـ) ،تلقى مبادئ العلوم يف املدرس�ة ( )2ول�د َّ
العثامني�ة الكاملية .عم�ل يف النجارة يف أول حياته ليعيل أرسته بعد وفاة والده .وقد عرف بالعلم والكرم
والشجاعة ،وشارك يف الثورة الفرنسية ضد الفرنسيني ،واملقاومة الشعبية ضد العدوان الثالثي عىل مرص.
الشيخ حممد صالح الفرفوري حياته العلمية وهنضته وآثاره» تأليف عمر تويف سنة (1407هـ)« .العالمة َّ
بن موفق النشوقايت.
45
ٍ
بمرض يف كان َّ
الشيخ عبد اهلل علوان -رمحه اهلل )1( -يكثر من التَّأليف ،وأصيب
ٍ
هيكل ،ولكنَّه مل يضعف، مـج�رد
َّ الس�تِّني من عمره ففتك به وأحاله إىل
كب�ده وهو يف ِّ
إذ مضى يؤ ِّل�ف ويكتب وهو على رسير املرض ،وكثري ًا ما كان خيلع ثوب املستش�فى
ثم يعود
وييمم جتاه قاعات اجلامعة إللق�اء املحارضات َّ
ويس�تبدل به مالبس�ه العاد َّية ِّ
للمستشفى.
الش�يخ عبد اهلل ناصح علوان يف حلب س�نة (1347ه�ـ) ،تلقى ببلده العل�وم الرشعية وأكمل ( )1ول�د َّ
دراس�ته يف األزهر ،وحصل عىل الدكتوراه من باكس�تان .كان أس�تاذ ًا يف جامعة امللك عبد العزيز بجدة،
ألف ما يقرب من مخسني كتاب ًا .تويف سنة (1407هـ) « .تتمة األعالم للزركيل» ملحمد خري رمضان.
46
الش�يخ املحدِّ ث أبو ال َّط ِّيب الفوجياين -رمحه اهلل )1(-ال يبايل بقيمة الكتاب
كان َّ
املهم وج�وده عنده ،ويذكر أنَّه اشترى «التَّمهيد لـمـ�ا يف املو َّطأ من مهما كان�ت ،بل ُّ
دة آنذاك) بعرشة آالف روب َّي ٍة باكستان َّي ٍة ،أي:
املعاين واألسانيد» (عرشة أجزاء غري جم َّل ٍ
(« )2كوكبة من أئمة العلم واهلدى ومصابيح الدجى» (ص )51إعداد د .عاصم بن عبد اهلل القريويت.
الشيخ عبد اهلل بن حممد الدويش يف الزلفي سنة (1373هـ) ،وقدم مدينة بريدة سنة (1391هـ)، ( )3ولد َّ
وق�رأ عىل علـمـائها ،وكان واس�ع األفق ،جيد الفهم واحلف�ظ لـمـا يقرأ ويلقى علي�ه ،عالـمـ ًا بالعقيدة
والتوحيد والتفسري والفقه والنحو ،مع ما عرف عنه من كثرة العبادة ،واإلعراض عن القيل والقال .توىف
سنة (1409هـ)« .علـمـاء نجد».
47
الش�يخ وليد :أذكر م�ن املواقف النَّبيلة ا َّلتي ُّ
تدل عىل س�عة ٍ
وق�درة على الفهم ،يقول َّ
الش�يخ سامل بن سعد ال َّطويل من الكويت
الش�يخ -رمحه اهلل -أنَّه عندما زارين َّ
حفظ َّ
الش�يخ الدويش ،لطرح بعض ومع�ه بعض طَّل�اَّ ب علم احلديث ،فطلب�وا منِّي زيارة َّ
ٍ
متابعات األس�ئلة يف عل�م احلديث ،فطرحوا علي�ه بعض األحاديث ا َّلتي مل جي�دوا هلا
بالسند واملتن ِّ
لكل الص َّحة ،فكان َّ
الشيخ يميل عليهم املتابعات َّ تقوهيا ،وترتقي هبا إىل ِّ
ِّ
إن بعض املتابعات كانت من كتاب «مش�كل اآلثار» لل َّطحاوي ذكرها ٍ
حديث ،حتَّى َّ
الشيخ بأسانيدها ،فانبهر األخوة ا َّلذين معنا حتَّى كادوا أن يكذبوا َّ
الشيخ ،ويستبعدوا َّ
ضبط ما نقله من حفظه ،حتَّى إذا رجعوا إىل ما أحاهلم إليه يقنوا صدق َّ
الش�يخ وس�عة
حفظه.
الش�يخ الش�يخ ولي�د موقف ًا آخ�ر ًا يف هذا ِّ
الس�ياق فيق�ول :عندما زارين َّ وي�روي َّ
الري�اض -ومعه أحد طلبة العل�م وطلب منِّي عب�د العزيز الس�دحان -من مش�ايخ ِّ
وتقصيهم، حديث أشكل عليه ،فلم جيدوا له متابع ًا مع بحثهم ٍ الش�يخ ،لوجودزيارة َّ
ِّ
ٍ
خاضعة إلدارة التَّعليم وغري ٍ
مدرسة غري فتوجهنا إىل َّ
الشيخ -رمحه اهلل -وكان ذلك يف َّ
مغاي�ر ملناهج املدارس النِّظام َّية ،فهي تركِّز على العلوم الشرَّ ع َّية، حكومي ٍ
�ة ،ونظامها
ٌ َّ
ٍ
معرتف وأكثر غزارة يف العلم والتَّحصيل من املدارس النِّظام َّية ،وشهادة املدرسة غري
احلكومي ،لتكون ضمن
ِّ ضمت إىل إدارة التَّعليم
ولـمـ�ا َّ
هب�ا لدى اجلهات احلكوم َّيةَّ ،
ثم الش�يخ وبعض طلاَّ به ،فدخلنا عىل َّ
الش�يخ -رمحه اهلل َّ ،- املدارس النِّظام َّية تركها َّ
الشيخ الدويش عن احلديث ،فأجابه َّ
الشيخ الشيخ عبد العزيز السدحان فضيلة َّ سأل َّ
إن ل�ه متابع ًا َّ
يتقوى به يف «مس�ند اإلم�ام أمحد» ،حيث ق�ال اإلمام أمحد يف الدوي�شَّ :
ثم ذكر طريق ًا آخر بسنده ومتنه أيض ًا يف «مسند
السند واملتنَّ ،
«مسنده» :حدَّ ثنا ..فذكر َّ
تعجب َّ
الش�يخ عبد العزيز ،وكاد أن ال اإلمام أمحد» ،وعندما خرجنا من عند َّ
الش�يخ َّ
48
ٍ
مطمئن ،وجد الش�يخ من حفظه حتَّى إذا ما رجع إىل املس�ند وقلبه غري يصدق ما نقله َّ
الشيخ حرف ًا واحد ًا» (.)1الكالم ال خيتلف عماَّ قاله َّ
* * *
الش�يخ عبد اهلل بن حس�ن بن عيل آل بريكان العلمي بعنيزة عينِّ َّ
ُّ لـمـا فتح املعهد
مدرس ًا ،فأفاد الطلاَّ ب ،وارتاحوا يف دروسه وحسن تعليمه ،وكان -رمحه اهلل -فيه ِّ
()2
املدرسين الوطن ِّيني وال القادمنياملق�ررات علم العروض والقوايف ،ومل يكن من ِّ م�ن َّ
َم ْن له إلـمـا ٌم به ،فعرضوا عليه تدريسه ،فقبل وهو مل يسبق له دراسته ،فصار يراجعه
رشح وأفضل ٍ
بيان (.)3 ثم يلقيه عىل ال ُّطلاَّ ب بأحسن ٍ َّ
* * *
الش�يخ عبد الق�ادر أندجياين -رمح�ه اهلل )4(-يف حفظ َّ
«الش�اطب َّية» بعد س� ِّن ب�دأ َّ
ويكرر البي�ت ألف مرة ،حتَّى أكمل األربعين ،فكان حيف�ظ َّ
كل يو ٍم بيت ًا واحد ًا فقطِّ ،
ومائة وألف يو ٍم بعدد أبيات َّ
«الش�اطب َّية» ،وكذلك الدُّ َّرة يف ٍ حفظها يف ٍ
ثالثة وس�بعني
املتممة للعرش(.)5القراءات ال َّثالث ِّ
* * *
(« )1من أعالمنا -تراجم لبعض أعالم املسلمني» (ص )97لعبد العزيز بن صالح العسكر.
الشيخ عبد اهلل بن حسن آل بريكان يف عنيزة سنة (1324هـ) ،والزم َّ
الشيخ العالمة عبد الرمحن ( )2ولد َّ
السعدي ،وقد عرف بجودة الفهم ،وقوة االستحضار .توىف سنة (1410هـ)« .علـمـاء نجد».
(« )5إمت�اع الفضالء برتاجم القراء يف ما بعد القرن الثامن اهلجري» إللياس بن أمحد حسين بن س�ليامن
الربماوي (.)438/1
49
محاد األنصاري ( )1كتاب «تاريخ دمشق» البن عساكر ،وك َّلفه سبعة
الشيخ َّاشرتى َّ
عدي حني جلبه من تركيا عام (1384هـ) آالف ٍ
ريال ،وك َّلفه كتاب «الكامل» البن ٍّ
ريال ،يف حني كان راتبه آنذاك ألف ٍ
ريال (.)2 مبلغ ألف ٍ
* * *
الش�يخ مح�اد بن حممد بن حممد األنصاري يف مايل س�نة (1343هـ) ،ودرس على علـمـاء بلده ( )1ول�د َّ
ح َّتى هاجر إىل املدينة بعد االس�تعامر الفرنيس س�نة (1367هـ) ،درس عىل علـمـاء املدينة ح َّتى صار من
حمبا جلمع الكتب واالس�تفادة منها ،فكان�ت مكتبته مفتوحة
كب�ار علـمـائها الس�يام علوم الس�نة .وكان ًّ
لطالب العلم صباح ًا مس�اء .تويف س�نة (1418هـ)« .كوكبة من أئمة العل�م واهلدى ومصابيح الدجى»
للقريويت.
(« )2كوكبة من أئمة العلم واهلدى ومصابيح الدجى» (ص )83إعداد د .عاصم بن عبد اهلل القريويت.
50
الكتاب وتركا ال َّثالجة(.)1
َ ٍ
مال
* * *
الش�يخ حممد نارص الدين بن نوح نجايت األلباين يف ألبانيا -موطنه األصيل -س�نة (1332هـ)، ( )2ولد َّ
هاج�ر أبوه يف حدود س�نة (1341هـ) إىل دمش�ق لفس�اد الدين يف بل�ده .وقد قرأ عىل بعض املش�ايخ يف
درس يف اجلامعة
والس َّنةَّ .
ثم توجه إىل علم احلديث وعكف عليه ح َّتى اقرتن اسمه بنرصة احلديث ُّ صغرهَّ .
الس َّنة بتأليف مؤلفات كثرية يف
ثم رجع إىل دمشق واستقر يف عامن ،وقد نرص ُّ
اإلسالمية يف املدينة املنورةَّ ،
علم احلديث وغريه .تويف سنة (1420هـ)« .صفحات بيضاء من حياة اإلمام األلباين» لعطية بن صدقي.
51
وخصصت جانب ًا يف املكتبة،
َّ بالبحث والتَّفتيش عن هذه الورقة ،وبدأت أبحث عنها،
كبري يف حتصيل العلم، بربح ٍسمى بجانب (املجاميع) ،ويف أثناء ذلك خرجت ٍ وهو ما ُي َّ
�د ،والبحث ٍ
جار ث�م ازدادت مهت�ي يف البحث حتَّى انتهيت من أكثر من مخسمائة جم َّل ٍ
َّ َّ
كل جم َّل ٍد
وأمر عىل ِّ
ثم أخذت ُس� َّل ًام أصعد عليه لألرفف العلو َّية ُّ
الضائعةَّ ،عن الورقة َّ
وأس�جل َّ
كل ما أراه نفيس� ًا أثناء البحث ،فاستفدت كثري ًا من هذا البحث، ِّ من الكتب
املهمة ،ومداومة النَّظر.
املهمة بسبب هذه َّ وفتح اهلل تعاىل يل كثري ًا من املسائل َّ
سمى( :بالدست) أو (الدشت)، ٍ
ثم انتقلت يف البحث إىل مكان آخر وهو ما ُي َّ ومن َّ
أوراق مكدَّ ٍ
س�ة ،ال يقرتب منها أحدٌ ،فطلبت من مو َّظف املكتبة (أبو ٍ وهي عبارة عن
مهدي) أن يريني مكان (الدشت) ،فأشار إىل مكانه ،فذهبت وبدأت يف البحث إىل أن
عيل وعثرت عىل النُّسخة املغرب َّية لـ«مسند ِّ
الشهاب» للقضاعي ،وهبذا الفضل فتح اهلل َّ
اإلهلي استكملت النُّسخة األوىل املوجودة يف املكتبة ال َّظاهر َّية من «مسند ِّ
الشهاب». ِّ
فذهبت هبا فرح ًا مرسور ًا إىل مدير املكتبة ،ولكن املدير مل َ
يلق هلذه النُّسخة النَّفيسة
باالً لعدم علمه ومعرفته هبذا العلم النَّفيس.
والسنون ،فقام َّ
الشيخ الفاضل محدي عبد املجيد السلفي بتحقيق ثم دارت األ َّيام ُّ
َّ
ه�ذا الكت�اب وطبعه من تلك النُّس�خة ا َّلتي عث�رت عليها ،فطبع يف املكتب�ة ا َّلتي كان
يعمل فيها َّ
الشيخ شعيب األرناؤوط ،وهي مؤسسة الرسالة.
س�جلتها هل�ذه املؤ َّلف�ات ،فكتبتها من
ورجع�ت -فيما بع�د -إىل األسماء ا َّلتي َّ
بطاقات ،ورتَّبت األرفف عىل أسماء املؤ ِّلفني ،وكان من ذلك املنتخب منٍ ٍ
جديد عىل
خمطوطات احلديث يف املكتبة ال َّظاهر َّية.
ث�م ج�اءت املرحلـة األخيـ�رة ،وهـي ال َّثمـ�رة املباركـة من ذل�ك اجلهد َّ
األول، َّ
52
فب�دأت أقـ�رأ املخطـوطات وأس�تخرج منها الفوائـ�د احلديث َّية ،وأرتِّبه�ا كذلك عىل
الضائعة (.)1
قصة الورقة َّ
خمترص عن َّ
ٌ احلـروف اهلجائ َّية ،فهذا
* * *
(« )1صفح�ات بيضاء م�ن حياة اإلمام حممد نارص الدين األلباين» (ص )31تأليف :أيب أسماء عطية بن
صدقي عيل سامل.
الش�يخ مصطفى أمحد حممد الزرقا يف حلب س�نة (1322هـ) يف بيت علم وفضل ،فأبوه وجده ( )2ولد َّ
ثم التحق بجامعة دمشق. من علـمـاء الشام املشهورين .تلقى مبادئ العلوم والدراسة النظامية يف حلبَّ ،
ختل عن التدريس أو التأليف.رش�ح نفس�ه للنيابة عن مدينة حلب يف جملس النواب عام (1954م) دون ٍّ
ش�ارك يف العدي�د م�ن املؤمت�رات واملجامع العلمي�ة .تويف س�نة (1420ه�ـ)« .علـمـاء الش�ام يف القرن
العرشين» ملحمد النارص.
(« )3علـمـاء الشام يف القرن العرشين وجهودهم يف إيقاظ األمة والتصدي للتيارات الوافـدة» (ص)53
بقلم حممد حامد النارص.
53
أرص ق�ال منري الغضبان يف َّ
الش�يخ حممد خري العرقس�ويس -رمح�ه اهلل : -لقد َّ
()1
وهو حتت العناية املركَّزة يف املستشفى ،أن خيرج منه ليشارك يف مناقشة رسالة دكتوراه
ألح�د تالمذته ،وع�اد بعدها إىل العناية املركَّزة ،أ َّما العجيب�ة ال َّثانية :فهو إرصاره عىل
ٍ
كامل�ة إلح�دى طالباته وه�و يف العناي�ة املركزة كذل�ك ،ووضع عليها ٍ
رس�الة ق�راءة
وأ َّم�ا م�ا س�معته من أح�د زمالئه ا َّلذي�ن كان�وا تالمذت�ه ،أنَّه عندم�ا كان حيرض
الدُّ كت�وراه حتت إرشافه ،حتتَّمت عليه االس�تقالة من عمله ،وه�و عاجز ماد ًّيا ،فجاءه
الشيخ حممد خري بن حسن العرقسويس يف دمشق سنة (1342هـ) ،ونشأ يتي ًام إذ استشهد والده ( )1ولد َّ
وعمره سنتان برصاص القوات الفرنسية .تتلمذ منذ صغره عىل علـمـاء دمشق .درس يف مدارس دمشق
ثم عاد إىل دمش�ق وتوىل التدريس فيها ،ويف
ثم انقطع لقيام احلرب العاملية الثانية .أكمل دراس�ته يف مرص َّ
َّ
بعض البالد اإلسالمية .تويف سنة (1420هـ)« .علـمـاء الشام يف القرن العرشين» ملحمد النارص.
(« )2علـمـاء الشام يف القرن العرشين وجهودهم يف إيقاظ األمة والتصدي للتيارات الوافدة» (ص)234
بقلم حممد حامد النارص.
54
يصور كان َّ
الشيخ محد اجلارس -رمحه اهلل )1(-يف جتواله للبحث عن املخطوطات ِّ
املصورة
َّ الصديق أو أحد التَّالميذ دون أن يكون قد طلبه منه ،وهيديه
م�ا حيتاجه ذلك َّ
ٍ
بفائدة وجدها، الصديق أو التِّلميذ ٍ ٍ
مقابل ،أو كان -عىل ِّ
تقدير -يكتب إىل َّ أقل دون
ٍ
مالحظة يفيد منها. ٍ
نسخة عثر عليها ،أو وهو يعلم أنهَّ ا هتمه ،أو يبعث إليه ٍ
بخرب عن
العلمي ورغبته اجلامـحة يف خدمة العلم إىل أبعد من هذا ،في َّطلع
ُّ ويذه�ب كرم�ه
الرجال» لإلمام أمحد بن
يف مكتب�ة أياصوفية بإس�تانبول عىل خمطوطة «العلل ومعرف�ة ِّ
األول من�ه قد ص�در يف أنقرة حم َّقق ًا ع�ن هذه النُّس�خة الوحيدة،
حنب�ل ،وكان اجل�زء َّ
أن من أن صعوب�ة قراءهتا ق�د أوقع املح ِّققين يف ٍ
كثري من التَّحري�ف ،ويعلم َّ والح�ظ َّ
ه�ذا الكتاب قطع ًة حمفوظ ًة يف دار الكتب ال َّظاهر َّية بدمش�ق ،فيبعث إىل صديقه هناك
ليصورها ويرس�لها إليه ،ويقوم اجلارس بدوره فيدفعها إىل
ِّ األس�تاذ أمحد راتب النفاخ
املح ِّققني ليستعينا هبا يف تقويم معوج اجلزء املطبوع.
الش�يخ محد بن حممد اجل�ارس يف قرية الربود يف إقليم الرس بنجد نح�و عام (1328هـ) ،ودرس ( )1ول�د َّ
على علـمـ�اء الرياض ومكة ،وعمل يف س�لك التدري�س والصحافةَّ .
والش�يخ له عناية واطالع واس�ع
بالرتاث واألدب ،وقد صنف وحقق يف الرتاث كتب ًا كثري ًة ال س�يام يف ما خيص اجلزيرة العربية .تويف س�نة
(1421هـ) « .محد اجلارس» ألمحد العالونة.
55
وم�ن ب�اب ح ِّبه للعلم أيض ًا تفريغ بعض وقته أو كثريه ملراجعة بعض ما كتبه أهل
ٍ
بطل�ب منهم ،كام فعل مع الزركيل ا َّلذي قرأ عليه كثري ًا من فصول كتابه «ش�به العل�م
ولـمـا
اجلزي�رة يف عه�د امللك عب�د العزيز» ،وكان ذل�ك يف مكتب اجلارس ببيروتَّ ،
أن الزركيل تأ َّثر ذات يو ٍم من أحد ُّ
الز َّوار وقد شغل وقتهام بالكالم ،رجاه رأى اجلارس َّ
اجل�ارس بأن يبقى يف منزل�ه ،فكان اجلارس حيرض إىل منزله فيقرأ ال�زركيل عليه َّ
كل يو ٍم
ساع ًة َّ
ثم يميض لبيته (.)1
* * *
()2
س�جل فضيلة َّ
الش�يخ حممد بن عثيمين -رمحه اهلل - ق�ال حممد رابع س�ليامنَّ :
خالل شهر رمضان الـمـايض موقف ًا مؤ ِّثر ًا أمام أط َّبائه ا َّلذين كانوا يرشفون عىل حالته
(« )1محد اجلارس جغرايف اجلزيرة العربية ومؤرخها ونسابتها» ألمحد العالونة (ص.)30
56
الصح َّية تس�تدعي راحته يف الصح َّي�ة داخل املس�جد احلرام ،فقد كانت حالة َّ
الش�يخ ِّ ِّ
تل�ك ال َّليل�ة وعدم إلقائه الدَّ رس بعد صالة الترَّ اوي�ح؛ َّ
ألن األط َّباء يرغبون يف إضافة
د ٍم َّ
للش�يخ وعمل بعض الفحوصات ،لكن َّ
الش�يخ قال هلم :اعملوا ما شئتم وسألقي
الدَّ رس ،فكان يتحدَّ ث ويلقي املحارضة واألط َّبا ُء يضعون اإلبر يف جسده لزيادة الدَّ م
الصح َّية العا َّمة،
والضغط واحلالة ِّ
واس�تكامل الفحوصات والتَّأكُّد من درجة احل�رارة َّ
فهك�ذا وإىل ه�ذه الدَّ رجة كان حرصه عىل نرش العلم وتعليم النَّاس حتَّى آخر يو ٍم من
رمضان قبل مغادرته املسجد احلرام (.)1
* * *
كان َّ
الشيخ حممد األمني بن أيدا اجلكني -رمحه اهلل )2(-من أحفظ النَّاس للقرآن،
َّبوي ورئيس
الرمحن احلذيفي إمام املس�جد الن ِّ وقال عنه َّ
الش�يخ الدُّ كتور عيل ب�ن عبد َّ
ال َّلجن�ة العلم َّية ملراجعة مصحف املدينة النَّبو َّيةَّ :
الش�يخ الفاضل حممد األمني بن أيدا
من علـمـاء القرآن؛ حفظ ًا ورس ًام وضبط ًا.
الش�يخ حممد األمين بن حمم�د املختار اجلكن�ي صاحب وق�د اس�تفاد كثير ًا من َّ
«أضواء البيان» ،وكان يقول فيه بعدما اجتمعا يف احلرمني الشرَّ يفني :مل ِ
يأت من بالدنا
والرسم من ابن أيدا.
أتقن للقرآن وال للقراءة َّ
57
ومر
توج�ه إىل املرشق ًّبرا َّ
الرابع عرش اهلجري َّ
الس�بعينات من الق�رن َّ
ويف أواخر َّ
بصحراء أزواد ولبث فيها فرت ًة للتِّجارة وا ْل َت َقى فيها َّ
بالش�يخ بادي بن محادي الكنتي،
وتذاك�ر م�ع فقهاء مـح َّلته ،وطلبوا منه أن يصليِّ هبم الترَّ اويح ليلة س�ب ٍع وعرشين من
ٍ
واحدة (.)1 ٍ
بتسليمة رمضان ،فختم هلم القرآن الكريم من الفاحتة إىل سورة النَّاس
اجلن�وب -رمحه اهلل -جيلس معظم الوقت يف املس�جد وبيته لطلبة العلم ،وكان يدفع
ٍ
ش�هر ،وهذه املكافأة ال ترصف ش�هر ًّيا ،بل ترصف كل ٍ
طالب مخس�ة عرش رياالً َّ ِّ
لكل
(« )1أعالم الش�ناقطة يف احلجاز واملرشق جهودهم العلمية وقضاياهم العامة» لبحيد ابن َّ
الش�يخ يربان
القلقمي اإلدرييس.
الشيخ عبد اهلل بن يوسف الوابل يف مدينة البكريية سنة (1328هـ) ،ورحل إىل بريدة والرياض ( )2ولد َّ
وأخ�ذ ع�ن علـمـائها ،وقد توىل القض�اء يف احللوة بحوطة بني متي�م ،وانتقل قاضي ًا إىل أهب�ا ،وكان يقوم
بالتدري�س لي�ل هنار يف مس�جده ومدرس�ته ،وع�رف بتصحيح عقائد الن�اس ،وحماربة اجله�ل والبدع يف
اجلنوب ،كام عرف بالعبادة والزهد .تويف سنة (1422هـ)« .جملة األرسة» العدد (.)97
( )3الربنام�ج اإلذاع�ي «يف موكب الدعوة» -إذاعة القرآن الكريم يف الس�عودية -إعداد وتقديم :حممد
ابن عبد اهلل املشوح.
58
ُّونيس -رمحه اهلل ُ )1(-مو َلع ًا بمدارسة العلم
الـمـالكي الت ُّ
ُّ كان حممد أبو األجفان
منذ صغره ،وذكر أنَّه عند ال َّطعام تراه عاد ًة ممس�ك ًا بيده اليمنى ال ُّلقمة أو امللعقة وبيده
اليرسى ك َُّراس ًا أو جزء ًا أو لوح ًا يراجعه أو حيفظه ،وما كان يعرف ال َّلعب مثل أنداده،
احلفظ واملدارس� ُة ،ال يض ِّيع وقته فيام ال ينفع ،بل كان كثري ًا ما يغفل
ُ اليومي
ُّ بل ُش� ْغ ُله
عن طعام العشاء النشغاله بدرس العلم.
يم�ر به يو ٌم إلاَّ وقد
حب العل�م واملعرفة إىل أن مات -رمحه اهلل -ال ُّ
وق�د الزم�ه ُّ
ق�رأ وراجع عديد املس�ائل واملراجع ،وذكر صهره األخ حمم�د اخلرضاوي أنَّه يف أ َّيامه
زي�ارة بجلب بعض ٍ املصح�ة كان يطالبه عن�د ِّ
كل األخيرة وه�و حبيس الف�راش يف
َّ
النُّص�وص أو األخبار العلم َّية ملطالعتها حتَّى يزداد علـمـ ًا ويغتنم أوقاته يف اخلري ولو
كان مريض ًا(.)2
* * *
(َّ )2
«الشيخ حممد أبو األجفان وجهده يف الفقه الـمـالكي» ملختار اجلبايل (ص .)58
59
الش�يخة أم السعد رمحها اهلل( :)1كنت ش�يخ ًة لتدريس القراءات وربة ٍ
بيت، تقول َّ
َّ َّ
أكنس وأغس�ل املالبس بيدي قبل خروج الغساالت ،وأن ِّظف البابور باإلبرة ،وكنت
الرجال ليأكلوا ،ما كان عندي خادم ٌة ،كان زوجي يروح ُّ
للسوق أعمل الوالئم ويأتيني ِّ
حيرض يل بعض األغراض (س�بانخ ،حلمة ،دجاج ،بط ،محام ،فاصوليا ،سمك) ،كنت
وأحط اخلضار بال َّثالجة ،وكانت تقول :دين
ُّ بيدي، أن ِّظف َّ
الس�مك واحلامم والدَّ جاج َّ
ٌ
معول عىل ودنيا ،يعني أنهَّ ا شيخ لتدريس القراءات دين ًا ،ودنيا يف تدابري املنزل وما هو
أحب اخلادمات ،أخاف أحد ًا يأخذ
النِّساء فيه ،وتقول أيض ًا :مل يكن عندي خادم ٌة وال ُّ
أغراضنا وال نعلم به ،وإضاف ًة إىل ما تقدَّ م َّ
فإن َّ
الش�يخة تعرف اخلياطة ،فتقول :احلمد
هلل أعرف أخيط وأعمل بلوفرات (وهي قمصان).
وما أن تدخل حارة َّ
الش�مريل بأحد أعرف أحياء اإلس�كندرية (بحري) ،وتس�أل
الش�يخة حتَّى يتس�ابق اجلميع ليد ُّلوك عىل ش� َّقتها
الس�عد أو تقولَّ : ع�ن َّ
الش�يخة أم َّ
الش�خص َّية ا َّلتي يتباركون هبا ويقولون :إنهَّ ا بحفاوة ٍ
بالغة ألنَّك تس�أل عن َّ ٍ املتواضعة
ختصصت يف القراءات العرش ،وظ َّلت
الس� ِّيدة الوحيدة ا َّلتي َّ
مس�مى ،فهي َّ
َّ اس�م عىل
ٌ
طوال نصف ٍ
قرن متنح إجازاهتا يف القراءات العرش.
وأف�واج صغير ٌة تدخ�ل وخترج ممَّ�ن حيلم�ون بختم الق�رآن الكريم م�ن خمتلف
ٌ
( )1ول�دت الش�يخة أم الس�عد حممد علي نجم -رمحه�ا اهلل -يف حي بحري بمدينة اإلس�كندرية س�نة
(1925م) ،نش�أت يف أرسة فقيرة ،ذه�ب برصه�ا يف عامه�ا األول ،حفظت القرآن كام ً
ال وهي يف س�ن
اخلامس�ة عشرة ،حصلت عىل اإلجازة يف القراءات العرش وه�ي يف الثالثة والعرشين من عمرها .توفيت
-رمحها اهلل -سنة (2006م).
60
األعمار وم�ن اجلنسين ،أزياؤهم ُّ
تدل على تباين طبقاهت�م االجتامع َّي�ة ،تبدأ دروس
الرجال حتَّى النِّساء والبنات من ال َّثامنة صباح ًا ومتتدُّ إىل ال َّثانية ظهر ًاَّ ،
ثم تبدأ دروس ِّ
ٍ ٍ
خفيفة لتتمكَّن َّ
الشيخة وجبات ال َّثامنة مس�ا ًء ال يقطعها سوى أداء َّ
الصلوات وتناول
من االستمرار.
أن َّ
كل َم ْن الرضا :بفضل ربيِّ َّ ٍ تقول َّ
الس�عد -رمحها اهلل -بوجه يعلوه ِّ
الش�يخة أم َّ
ٍ
ق�راءة ،إ َّما أن يكون قد حص�ل عليها منِّي بأي
ن�ال إج�از ًة يف القرآن يف اإلس�كندرية ِّ
مبارش ًة (إجاز ًة ومناول ًة) ،أو من أحد ا َّلذين أجزهتم.
الس� ِّيدة الوحي�دة يف حدود علمها ا َّلتي يس�افر إليها ال ُق َّراء
وتؤكِّ�د اعتزازها بأنهَّ ا َّ
ٍ
إجازة يف القراءات العرش. وح َفظة القرآن من أجل احلصول عىل
َ
أن مئات اإلجازات ا َّلتي منحتها يف القراءات العرش يبدأ سندها
أكثر ما يس�عدها َّ
(« )1فتح رب البيت يف ذكر مشايخ القرآن بدولة الكويت» للشيخ يارس إبراهيم املزروعي (ص.)180
61
اإلسالمي»
ِّ بدأ َّ
الشيخ مصطفى اخلن -رمحه اهلل )1(-التَّدريس يف معهد «التَّوجيه
( )1ول�د الس�يد مصطف�ى بن س�عيد بن حممود اخل�ن الش�افعي امليداين الدمش�قي -رمحه اهلل -يف س�نة
درس يف املدرس�ة الناش�ئة التابعة جلمعية التوجيه اإلسالمي ،حصل عىل (1341هـ) املوافق (1922م)َّ ،
شهادة اإلجازة من األزهر ،وعني مدرس ًا يف دار املعلمني واملعلـمـات بدمشق ،وسافر إل اململكة العربية
السعودية إعارة للتدريس يف جامعة اإلمام حممد بن سعود .تويف (1429هـ) املوافق (.)2008
(« )2مصطف�ى س�عيد اخل�ن الع�امل املريب وش�يخ علم أص�ول الفق�ه» للدكتور حمي�ي الدين ديب مس�تو
(ص.)30
62
اهلاشمي الشنقيطي الشهري بمحمد
ُّ يب كان َّ
الشيخ حممد سامل بن عبد الودود اليعقو ُّ
س�امل عدود -رمحه اهلل )1(-ذاهب ًا مع أحد العلـمـاء من أصحاب أبيه ليس�تقي ألهل
بلدته ،وعادهتم هناك أنهَّ م يس�تقون عىل األُت ُن من اآلبار مع اخلدم ،وكان وقتها عمره
الش ُّ
�ك منه ،-قال :الأدري هل كان عمري مخس سنني س�ت سنني َّ -
مخس س�نني أو َّ
الروايا -مجع رو َّي�ة وهي ا َّلتي متأل
س�ت س�نني ،فذهب معهم ليستس�قوا وأخذوا َّ
أو َّ
بالـمـ�اء تلك األس�قية الكبيرة ا َّلتي توضع على ظهور احلمر واألت�ن -فركب عىل
س�مى بالربدعة موضوع ًة عليه�ا هذه الرو َّية ،فركب
إح�دى األتن ،وكانت عليها ما ُي َّ
الش�يخ فوقها ورأى خيوط ًا تنس�اب من حتتها ،فأدخل فيها رجله ،فظ َّن نفسه أنَّه فوق
َّ
فرس يف عظمه ،وظ َّن نفس�ه أنَّه من ش�جعان فرس وال يبلغه ٌ ٍ
عتي�ق ال ُيـحابيه ٌ ٍ
ف�رس
الع�رب ومن عظماء اخل َّيالة ا َّلذين يس�وقون اجليوش ،فانتظم ه�ذا املعنى يف قلبه ويف
الس ِّن ،فقال خياطب أتانه -وهي أنثى احلامر -فقال هلا:
نفسه وهو صغري ِّ
الش�يخ حممد س�امل ولد حممد ولد عبد الودود الشنقيطي -رمحه اهلل -يف سنة (1929م) يف بيت( )1ولد َّ
عل�م وفضل ،وحفظ القرآن والكثري من متون العلم قبل التاس�عة من عم�ره ،وبرع يف العديد من العلوم
والفنون ح َّتى صار من أشهر علـمـاء موريتانيا ،وكان عضو ًا يف العديد من املنظامت اإلسالمية ،واملجامع
الفقهية .تويف سنة (2009م) .موقع «ملتقى أهل احلديث».
63
وزن��دك يف التَّقريب ليس بكايب رسات��ك رسج��ي وال��رش��اء رك��ايب
وعل�وى وجل�وى وعط�ا وس�كايب ف���داك ك���راع واحل���رون وداح��س
وهذا من أغرب األبيات ،ال يمكن أن يقوهلا إلاَّ َم ْن وهبه اهلل هب ًة من عنده ،وإلاَّ
الرائع يتقارص عنه كبار ُّ
الش�عراء وأفصح البلغاء. فمثل هذا النَّظم البديع وهذا املعنى َّ
الش�يخ َّ
أن من فمر ذك�ر التَّعريف ،وذكر َّ
وس�بب ه�ذا أنَّه ق�رأ عليه وقته�ا يف األلف َّيةَّ ،
األبيات ا َّلتي مجع فيها التَّعريف بـ «أل» قول املتن ِّبي:
والرم�ح والقرط�اس والقل�م
والس�يف ُّ
َّ اخلي�ل وال َّلي�ل والبي�داء تعرفن�ي
ٍ
كلـمـ�ات إلاَّ هذا البيت ،وال ق�ال :ال أعل�م بيت ًا مجع فيه التَّعريف بـ «أل» بس�بع
ست سنني ،فذكر هذه أعلم بيت ًا ُذ ِكر فيه س�بعة أعال ٍم إلاَّ بيت ًا ذكرته وأنش�دته وأنا ابن ِّ
بس�بعة من اخليول املش�هورة عند العرب ،فقال: ٍ القصة وأنَّه مدح هذه األتان وفداها َّ
راك�ب عليه هو بالنِّس�بة إ َّيل
ٌ «رسات�ك رسج�ي» :أي ه�ذا الف�راش املهلهل ا َّل�ذي أنا
كالسرَّ ج عىل الفرس .والرشاء :أي هذه احلبال املتق ِّطعة من حتت هي ركايب.
ال�ركاب :ه�و ا َّل�ذي يض�ع في�ه الف�ارس رجل�ه؛ أي أنَّ�ه أدخ�ل ِّ
رجل�ه يف تل�ك اخلي�وط فتخ َّيله�ا ركاب الف�ارس .وزن�دك :أي مش�يك
يف التَّقري�ب:أي تقري�ب اخلطا،ليس بكايب :أي أنك ال تتع َّثرين بل متشين ميش اخليل
اجلياد .فداك:أي :أفديك.
«ف�داك كراع ،واحل�رون ،وداحس ،وعلوى ،وجلوى ،والعطا ،وس�كايب» ،هذه
س�بعة أسماء من أعالم اخليول مشهورة عند العرب ،ومنها داحس ا َّلتي قامت بسببها
حرب طويل ٌة بني العرب حرب داحس والغرباء(.)1
ٌ
* * *
64
الش�يخ علي الفقيهي يف َّ
الش�يخ عبد اهلل ب�ن جربين -رمح�ه اهلل :)1(-زرت ق�ال َّ
يدرس يف املس�جد (أظنُّه مغرب اإلثنني)
مر ًة يف مس�جده ،فرأيته بعد املغرب ِّ َّ
الش�يخ َّ
اهلمة كت�اب «ال�كايف» البن قدام�ة ،واحلضور فق�ط طالبان .أكربت يف َّ
الش�يخ ه�ذه َّ
والعزيمة يف التَّعليم والتَّدريس.
الش�يخ ما يفوق عرشة ٍ
كتب حس�ب اإلعالن ويف درس اخلميس حيث يقرأ عىل َّ
املوزع عن دروس َّ
الشيخ اليوم َّية. َّ
الصالة جلس َّ
الشيخ يذكر اهلل وص َّليت الفجر مع َّ
الشيخ يف رسحة املسجد ،وبعد َّ
الذكر وهو يتل َّفت
الشيخ مكانه يف الدَّ رس ،وتابع ِّ
ثم أخذ َّ
عز وجل حتَّى أس�فر جدًّ اَّ ،
يمن ًة ويرسةً ،يا ترى ماذا ينتظر.
تعجبت من ُّ
تأخر بداية الدَّ رس ،دخل أحد األخوة املقيمني من باب املسجد ،فإذا َّ
كتب واجللوس بجانبه ،وأحرض األخ كتبه وبدأالش�يخ يشير إليه بإحضار ما معه من ٍ
َّ
الشيخ عبد اهلل بن عبد الرمحن بن عبد اهلل بن جربين -رمحه اهلل -سنة (1352هـ) يف إحدى قرى ( )1ولد َّ
القويعية ،ونش�أ يف بلدة الرين وابتدأ بالتعلم يف عام ( 1359هـ) ،قرأ عىل والده وعىل َّ
الش�يخ عبد العزيز
ثم رحل إىل الري�اض وقرأ عىل علـمـائها ح َّتى صار م�ن كبار العلـمـاء.
الش�ثري املع�روف بأيب حبيبَّ ،
وقد عرف هبمته العالية ،وسعة علمه ،واجتهاده يف نرش العلم والدعوة إىل اهلل .تويف سنة ( 1430هـ).
65
الساعة والنِّصف. يف القراءة ،وقام َّ
الشيخ بالشرَّ ح والتَّعليق قرابة َّ
الشيخ وهو ينتظر واحد ًا من أ َّثر ذلك املوقف يف نفيس أ َّيام ٍ
تأثري ،فلقد كنت أرقب َّ
الش�يخ حيرضه َّأوالً وخيرج
طَّل�اَّ ب العلم العرشة ا َّلذين تغ َّيبوا عن الدَّ رس ا َّلذي كان َّ
منه أخري ًا.
الس�ويدي العام خارج ًا قبل صالة العرص لقد كنت أش�اهده بس� َّيارته يف ش�ارع ِّ
�ة ،فيحرض قب�ل ال ُّطلاَّ ب وينصرف بعدهم .مل بعزيمة ومه ٍ
ٍ متَّجه� ًا إىل أح�د دروس�ه
َّ
الش�يخ -رمح�ه اهلل -تعاىل يف مقدِّ مة ٍ
وجيه إلاَّ وأرى َّ ٍ
داعية أو أحضر جن�از ًة لعاملٍ أو
م�ر ًة مع أحد األخوة من أهل
للمعزين .حرضت َّ
ِّ املص ِّلين وأمام املش� ِّيعني ومتصدِّ ر ًا
أرض تبنى جامع ًا ألهل القري�ة ،فبادر بأخذ ٍ
ورقة من ٍ عسير َّ
للش�فاعة يف التَّنازل عن
العميل للحديث
ُّ لش�اب ال يعرفه ومل يس�مع به ،ولكنَّه التَّطبيق
ٍّ مكتبه وكتب ش�فاعته
َّبوي« :اشفعوا تؤجروا»(.)1
الن ِّ
* * *
كان باب بن أمحد بيب بن عثامن بن عثامن -رمحه اهلل )2(-يناظر العلـمـاء ،وعمره
عمته حرمة اهلل بن عبد اجلليل ثالث عرشة سن ًة ،وكان النَّاس َّ
يتعجبون منه ،وكان ابن َّ
يقول إذا زار أخواله :أمسكوا عني بابتكم.
ٍ
رش�د - وكان يق�ول :ال تذاكرين بعلمك هذا الفرخ -والفرخ :الولد ا َّلذي لغري
(َّ )2
الشيخ العامل ،الناسك باب بن أمحد بيب بن عثامن الشنقيطي -رمحه اهلل -من علـمـاء القرن الثالث
عرش ،كان معروف ًا بسعة علمه .تويف بسبب سقطة سقطها من مجل ،وقد جتاوز الثامنني من عمره« .الوسيط
يف أدباء شنقيط» ألمحد الشنقيطي.
66
يتلق علمه عن ٍ
شيخ؛ ألنَّه كان أشهر من شيوخه (.)1 أي ،مل َّ
للبخاري.
ِّ الشرُّ َّ اح
ولد الشيخ عبد الرشيد ابراهيم – رمحه اهلل سنة 3721هـ 6481 -م ببلدة "تارا" يف
سيربيا من أصول تتارية ،وطلب العلم عىل مشايخ يف بالده ،وكانت له رحلة طويلة
مطبوعة ،رحل فيها إىل العديد من البلدان ،مع كونه أحيانا ال جيد قيمة تذكرة الباخرة
،وله جهود دعوية يف اليابان التي رحل إليها .تويف سنة 4631هـ 4491 -م .
« العامل اإلسالمي يف رحالت عبد الرشيد ابراهيم » صبحي فرزات وكامل خوجه .
(« )2كوكبة من أئمة العلم واهلدى ومصابيح الدجى» إعداد د .عاصم بن عبداهلل القريويت.
67
68
رحلتهم يف
طلب العلم
69
70
ٍ
مقب�ل -رمحه اهلل )1(-إىل دمش�ق لطلب العلم، عيل بن رحل َّ
الش�يخ س�ليامن بن ِّ
واتَّصل بالعلاَّ مة الفقيه َّ
الش�يخ حس�ن بن عمر الش�طي -رمحه اهلل ،-وكان حني ذاك
فلـمـا علم َّ
الشيخ حسن الشطي من للخاص والعا ِّمَّ ،
ِّ أشهر علـمـاء دمشق ،ومرجع ًا
والصالح والتُّقى ،أكرمه وعطف عليه، َّ
الش�يخ سليامن احلرص عىل العلم واجلد فيهَّ ،
خاص ًة يف اجلامع األُ ِّ
موي ،وصارت ضيافت�ه عنده يف بيته مدَّ ة إقامته وجع�ل له خل�و ًة َّ
الش�يخ س�ليامن َّ
الشيخ حسن ،واس�تفاد منه ال س َّيام يف الفقه ،فقد لطلب العلم ،فالزم َّ
َأ ْوىف فيه عىل الغاية.
فلـمـا نزل عن راحلته
ثم عاد إىل قريته ،ووالده يظ ُّن أنَّه س�افر لكس�ب الـمـالَّ ،
َّ
ِّ
بفك احلمل عن أن هذه هدايا وكس�و ٌة ونفق ٌة ،فلم يفاجأ إلاَّ
املثقلة بحملها ،ظ َّن أبوه َّ
أن هذا ٌ
م�ال ،وإذا به ه�ذه القراطيس ،فقال بني ،كنت أظ� ُّن َّ ٍ ٍ
كت�ب علم َّي�ة ،فقال :ي�ا َّ
االبن :يا أيب ،يف هذه القراطيس خري الدُّ نيا واآلخرة(.)2
* * *
قال َّ
الش�يخ س�عد بن محد بن عتي�ق -رمحه اهلل )3(-عن رحلت�ه إىل اهلند يف طلب
الش�يخ س�عد بن محد بن عتيق يف بلدة احللوة من قرى حوطة «ابن متيم» س�نة (1268هـ) ،وقرأ عىل والده، ( )3ولد َّ
ورحل إىل اهلند ،وأقام فيها تسع سنني يقرأ عىل علـمـائها ،وتوىل قضاء األفالج ،وكان من كبار العلـمـاء مع ما عرف
عنه من الغرية عىل الدين ،والصالبة يف العقيدة ،والتواضع ،وقلة الكالم .تويف سنة (1349هـ)« .علـمـاء نجد».
71
تسمى ٍ ٍ
قارب (وهي سفين ٌة صغريةٌ)
متوجهني إىل بلد من بلدان فارس َّ
ِّ العلم :ركبنا يف
السبت سابع عرش من مجادى األوىل (ش�ارك) وكان ركوبنا قبيل غروب َّ
الشمس يوم َّ
س�نة (1311ه�ـ) وصاحبن�ا يف تلك ال َّليل�ة التَّوفيق م�ن اهلل -تعاىل – واإلس�عاف،
فلذلك قدمنا البلد يف َّأول تلك ال َّليلة.
«عيل بن س�لـمـان» وخرجنا من تلك
فلـمـ�ا أصبحنا يوم األحد اجتمعنا باألخ ِّ
َّ
متوجهني إىل «لنية» نمشي عىل أقدامن�ا؛ َّ
ألن البحر يف تلك ِّ البلاد بع�د صالة ال ُّظه�ر
مضط�رب اضطراب ًا ش�ديد ًا ،وبعد خروجنا م�ن البالد املذك�ورة قدمنا البالد
ٌ األ َّي�ام
ٍ
رجال صاحلني ،منهم األخ س�لـمـان بن مخيس ،وإبراهيم بن املسَّم�اَّ ة «باوردان» عند
ياقوت ووجدنا عندهم ش�يئ ًا من كتب التَّفسير وبعض كتب ش�يخ اإلسالم ،وأقمنا
عندهم آخر يوم األحد ،ويوم اإلثنني.
فلـمـ�ا كان يوم ال ُّثالثاء أمجعت عىل املسير وخت َّلف األخ ٌّ
علي عند أصحابه؛ ألنَّه َّ
كان مريض� ًا ،وخرج�ت من تلك البلاد ومعي غال ٌم أرس�له معي أه�ل البالد هلداية
72
ال ال َّليل ،فمش�يت آخر
م�ا اقتىض التَّعجيل ،فخرجت يف احلال قاصد ًا «لنجة» مس�تقب ً
ٍ
برجال وأول ليلت�ي ،فبينما أنا اميش إذ رأيت نار ًا فعش�وت إىل ضوئها ف�إذا أنا
يوم�ي َّ
فبت
عىل ش�اطئ البحر ألقتهم س�فينتهم وعددهم ( )45بعد القرب إىل ذلك املكانُّ ،
عندهم تلك ال َّليلة ،وكانت ليل ًة مطريةً ،وصان اهلل -تعاىل -الكتب ا َّلتي معي بسبب
بت عندهم يف مثل اخليمة وهو رشاع س�فينتهم أصلحوه حتَّى عصمنا اهلل
أولئك فإنيِّ ُّ
املتفرد بالعبادة ا َّلذي ال تصلح لغريه وال تنبغي لسواه ،آمنَّا به وعليه توكَّلنا ،وهو ربيِّ
ِّ
َّ
مس�تهل مجادى اآلخرة ال إل�ه إلاَّ ه�و ،عليه توكَّلت وإليه متاب ،وقدمنا «بندر بمبي»
املحررة أعني (1301هـ) (.)1
السنة َّ
السادس من شهور َّ وهو َّ
الشهر َّ
* * *
73
ذه�ب َّ
الش�يخ حممد بن عبد العزيز ب�ن مانع -رمح�ه اهلل )1(-يف َّأول طلب العلم
م�ن عنيزة إىل العراق مع ٍ
قافلة مش�ي ًا عىل األق�دام ،وذلك ح ًّبا يف طلب العلم وحرص ًا
عليه(.)2
* * *
حف�ظ َّ
الش�يخ حمم�د املختار بن حمم�د األمني الش�نقيطي -رمح�ه اهلل )3(-القرآن
ثم أتقن رس�مه وضبطه وما أتـمه عىل يد والدهَّ ،
ولـمـا ماتت َّ الكريم عىل يد والدتهَّ ،
ث�م درس النَّحو والعرب َّية وفِ ْقه ٍ
يتَّص�ل بفنونه عىل أيدي ُث َّل�ة من أج َّلة علـمـاء القومَّ .
مالك .وبدأ رحل ًة طويل ًة يف سبيل طلب العلم وهو يف التَّاسعة عرشة من عمره ،قطع
الش�يخ حممد بن عبد العزيز بن مانع يف عنيزة س�نة (1300هـ) ،فشرع يف طلب العلم يف بلده، ( )1ول�د َّ
ورح�ل إىل بغداد والش�ام لالس�تزادة من العلم ،وقد ع�رف بقوة احلفظ ،وكان آي� ًة يف العلوم العربية ،مع
اطالع يف التفسير والفقه وغريها من العلوم .رحل إىل قطر بطلب من حكومتها فصار مستش�ار ًا لألمور
الدينية ،ومرشف ًا عىل سري التعليم .تويف سنة (1385هـ)« .علـمـاء نجد».
الشيخ حممد املختار بن حممد األمني الشنقيطي يف شنقيط سنة (1337هـ) ،حفظ القرآن صغري ًا،
( )3ولد َّ
ثم انقطع للتدريس يف املس�جد النبوي .رشح س�نن
الرياض َّ
ودرس يف ِّ
ورحل إىل احلجاز يف طلب العلمَّ ،
النسائي .تويف سنة (1405هـ)« .تتمة األعالم للزركيل» ملحمد خري رمضان.
74
خالهل�ا أكثر من مخس�ة آالف كيلو مرت عىل قدميه .ال أنيس ل�ه يف رحالته إلاَّ ما حيمله
من كتبه وبعض الضرَّ ور َّيات ا َّلتي ال غنى له عنها(.)1
* * *
يف ك ِّل َّية الشرَّ يعة باجلامع األزهر ،أوصاين ش�يخنا العلاَّ مة اإلمام حممد زاهد الكوثري
-رمحه اهلل ،-خالل مالزمتي له باقتناء كتاب «فتح باب العناية برشح كتاب النقاية»
حضا أكيد ًا وكثري ًا ،مع علمه
وحضني عىل احلصول عليه ًّ
َّ عيل القاري، للعالمة َّ
الشيخ ٍّ
مطب�وع يف اهلند ،وقد مكثت يف
ٌ أنيِّ م�ن ه�واة الكتب النَّادرة النَّافع�ة ،وكنت أظ ُّن أنَّه
ٍ
مكتبة أقدر وجوده كلست سنوات حتَّى إهناء دراستي أسأل عنه ،وأنشده يف ِّ القاهرة َّ
فيها ،فلم أظفر منه ٍ
بخرب وال ٍ
أثر.
الش�يخ عبد الفت�اح أبو غدة يف حلب عام (1336هـ) ،نش�أ يف حجر وال�ده ،درس يف مدارس ( )2ول�د َّ
ثم رجع إىل بالده ح َّتى صار من
ث�م رحل إىل مرص وتلقى التعليم يف األزهر ،رحل يف طلب العلم َّ
حل�ب َّ
كبار علـمـائها ،صنف املصنفات الكثرية ،تويف سنة (1417هـ)« .من أعالم احلركة والدعوة اإلسالمية»
لعبد اهلل العقيل.
75
ٍ
مكتبة كل ٍ
بلد أزوره أو ولـمـا عدت إىل بلدي حلب ،ما فتئت أبحث عنه أيض ًا يف ِّ َّ
ِ
ولـمـا كنت أظنُّ�ه مطبوع ًا يف اهلند ،وكان هو من كتب فقه َّ
الس�ادة احلنف َّية، أرتاده�اَّ ،
احلنفي عا َّم� ًة ،لعليِّ أصل إليه هبذه
ِّ كنت أس�أل الكتب ِّيني ع�ن مطبوعات اهلند يف الفقه
ال َّطريقة ،إذ قد جيهلون اسمه ،وكان يف دمشق كتب ُّيون قدماء خرباء يف الكتب القديمة
والنَّفيس�ة ،وعنده�م من قديمها ونفيس�ها الكثير ،ولكنَّهم يغالون به ويتش�دَّ دون يف
الس ِّيد عزت القصيبايت ووالدهَّ ،
والشيخ محدي السفر جالين ،والسيد أمحد بيعه ،منهم َّ
عبيد.
فسألت السيد عزت القصيبايت عن «فتح باب العناية» عىل أنَّه من مطبوعات اهلند،
فق�ال :ه�و عندي ،وأخرج يل كتاب «البناية برشح اهلداي�ة» لإلمام العيني ،املطبوع يف
�دات ضخا ٍم ٍ
كبار ج�دًّ ا ،وكان هذا س�ت جم َّل ٍ
اهلن�د من مائة عا ٍم س�نة (1293هـ) ،يف ِّ
الكتاب أحد الكتب النَّادرة النَّفيس�ة ا َّلتي أبحث عنها ،فاشتريته ٍ
بثمن غري مغاىل فيه،
إذ كان غري الكتاب املطلوب ا َّلذي َّ
سميته له.
ثم س�ألت َّ
الش�يخ محدي الس�فرجالين -رمحه اهلل -عن الكتاب ،فعلمت منه أنَّه َّ
مطب�وع يف قزان من بالد روس�يا ،وأنَّ�ه أندر من الكربيت األمحر كما يقال ،وأنَّه طولٌ
ٍ
واح�دة ،كان قد باعه�ا للعلاَّ مة ٍ
نس�خة مر به منه س�وى
حيات�ه واش�تغاله بالكتب ما َّ
الكوث�ري بأغلى األثمان ا َّلتي ال تعق�ل ،فعند ذلك تعَّي�نَّ عندي البلد ا َّل�ذي طبع فيه
ِّ
الكتاب ،وضعف أميل باحلصول عليه!
مر ٍة ع�ام (1376ه�ـ) ،ودخلت مكَّة
ح�ج بيته الكري�م َّأول َّ
ولـمـ�ا أت�اح اهلل يل َّ
َّ
املكرمة :طفقت أس�أل عن�ه يف مكتباهتا لعليِّ أجده قادم ًا مع أح�د املهاجرين من تلك
البالد إىل بلد اهلل احلرام فلم أو َّفق لذلك.
76
ُتب�ي قدي ٍم ٍ
منزو يف بعض األس�واق املتواضعة يف ث�م س�اقتني عناية اهلل تعاىل إىل ك ٍّ
َّ
املكرمة ،وهو َّ
الشيخ املصطفى بن حممد الشنقيطي -سلمه اهلل تعاىل ،-فاشرتيت مكَّة َّ
منه بعض الكتب ،وس�ألته -عىل ٍ
يأس -عنه ،فقال يل :كان عندي من نحو أس�بوعٍ،
ٍ
لرجل من بخ�ارى من علـمـاء اشتريته م�ن تركة بعض العلـمـ�اء البخار ِّيني ،وبعته
طش�قند ٍ
بثمن كري ٍم ،فام كدت أصدِّ قه حتَّى جعل يصفه يل وصف ًا مثبت ًا ملعرفته به ،وأنَّه
الكتاب ا َّلذي ألوب عليه ،وأسعى منذ دهر إليه!
ويسميه يل:
ِّ فقلت :من هذا العامل الطش�قندي ا َّلذي اشرتاه؟ فجعل يتذكَّره تذكُّر ًا
ُّ
مـحل عمله أو ملتقاه؟ قال :ال َّ
«الشيخ عناية اهلل الطشقندي» ،فقلت :أين مسكنه أو
أدري عن ذلك شيئ ًا ،فقلت :كيف أسأل عنه؟ قال :ال أدري ،فازددت عند ذلك يأس ًا
من احلصول عليه أو لقاء مشرتيه!
بخاري أراه يف املسجد احلرام
ٍّ (الش�يخ عناية اهلل) َّ
كل فذهبت بعد هذا أس�أل عن َّ
أو يف أس�واق مكَّ�ة ،ورصت أذهب إىل املدارس والرب ِ
ط ا َّلتي يق�ال يل فيها بخار ُّيون، ُّ ُ
البخاري ،حتَّى ذهبت إىل األحياء الواقعة خارج مكَّة ،إذ قيل
ِّ ألس�أل عن هذا َّ
الشيخ
يل :فيه�ا بعض البخار ِّيني ،ولكن هيهات ال ِّلقاء باملنش�ود عن�ه؟! وكم يف مكَّة َّ
املكرمة
من البخار ِّيني ا َّلذين َّ
يسمون :عناية اهلل!
الساعايت
البخاري َّ
ِّ الس�ؤال املتتابع إىل َّ
الش�يخ عبد القادر الطشقندي ثم أوصلني ُّ
َّ
الش�يخ الطش�قندي، -رمحه اهلل ،-يف جهة حي جرول من أطراف مكَّة ،فس�ألته عن َّ
بمس�تقره
ِّ (الش�يخ ِميرْ عناي�ة الطش�قندي) ،ولكن ال علم له
فعرف�ه وعينَّ يل اس�مهَّ :
الش�يخ ا َّلذي عنده «فتح باب العناية»!
وملتقاه ،فعند ذلك غلبني اليأس من لقاء هذا َّ
فصرت يف أثن�اء طوايف حول الكعبة املع َّظمة زادها اهلل ترشيف ًا وتعظي ًام :أطلب من اهلل
77
أكرر هذا
تعاىل أن يرش�دين إىل ذلك اإلنس�ان ،وييرس يل اقتناء هذا الكت�اب ،ورصت ِّ
ات تلو مر ٍ
ات ،ومىض أس�بوع وأنا -يعلم اهلل -يف تش�تت ٍ
بال من الدُّ عاء وال َّطلب مر ٍ
َّ َّ
حال البحث عن الكتاب وصاحبه.
حتَّى كنت يوم ًا أميش يف س�وق باب زيادة من أبواب املس�جد احلرام قبل توس�عة
متجر
ٌ املكرمة ،يقال له :أبو عرب ،كان له
قديم يف مكَّة َّ
دمش�قي ٌ
ٌّ تاجر
املس�جد ،فرآين ٌ
الس�حنة واملظهر ،يس�ائلني عن َّ
الش�ام ش�امي ِّ
َّ لـمـا رآين
هن�اك ،فدع�اين إىل متج�ره َّ
ش�امي -عن َّ
الشيخ ٌّ دمش�قي
ٌّ تاجر
وأهلها ،فس�ألته من ش�دَّ ة هويس بالكتاب -وهو ٌ
البخ�اري؟! فقال يل :هذا ختن�ه زوج ابنته يف الدُّ كَّان ا َّلذي أمامي ،وهو أعرف النَّاس
ِّ
به ،فو اهلل ما كدت أصدق ذلك فرح ًا ورسور ًا.
فذهبت إىل ختنه وسألته عنه ،فاستغرب قائالً :ما ا َّلذي يدعوك ُّ
للسؤال عنه وإىل
لقائه؟ قلت :صار يل أكثر من أس�بو ٍع وأنا دائب البحث عنه ،فد َّلني عليه -جزاك اهلل
الس�قيفة ،فذهبت حي املس�فلة ،جوار قهوة َّ خير ًا ،-فأرش�دين إىل منزل�ه بالتَّعيني يف ِّ
مر ٍة لي ً
ال وهن�ار ًا ،حتَّى لقيته ،فتنازل يل عن الكت�اب بال َّثمن ا َّلذي أختار م�ر ًة بعد َّ
إلي�ه َّ
وأحب ،فكانت عندي فرح ٌة من فرحات العمر.
ُّ
األول من هذا الكتاب حم ِّقق ًا ،وأسأل اهلل تعاىل أن يم َّن
عيل بنرش اجلزء َّ
وقد َم َّن اهلل َّ
عيل بنرش باقي الكتاب بفضله وكرمه(.)1
َّ
* * *
(« )1صفحات من صرب العلـمـاء» (ص )281 – 278للشيخ عبد الفتاح أبو غدة.
78
السادس�ة عرشة من
َّ
()1
لـمـ�ا بلغ َّ
الش�يخ حممد ب�ن صالح املنص�ور -رمحه اهلل - َّ
الرياض ،إذ طلب عمره كان ش�غوف ًا بالعلم ،مش�تاق ًا إىل العلـمـاء ،فس�عى َّ
للسفر إىل ِّ
الرياض ،فطلب
يس�مون آنذاك (احلامل َّية) أن ينقله إىل ِّ
َّ السيارات ممَّن
من أحد س�ائقي َّ
وكف برصه ممَّا جعله
ِّ الس�ائق أجرة ال َّطريق ،لك َّن الفتى مل يملك ش�يئ ًا لصغر سنِّه
منه َّ
وتلمس بيده إطار (كفر)
ثم جلس َّ السائق ولكن بال جدوى ،ففكَّر قلي ً
ال َّ يلح عىل هذا َّ
ُّ
الس� َّيارة و َم ْن فيها صعد وجلس متع ِّلق ًا عىل
بتحرك َّ
الس� َّيارة (الوانيت) وعندما شعر ُّ
َّ
الس َّيارة ومل يعلم به أحدٌ . ٍ
قريب من إطار َّ (س ْستة)
حديد ُ
ال فقد كان تراب ًّيا وعر ًا
الرياض ،ومل يكن ال َّطريق سه ً اتجَّ هت َّ
الس َّيارة يف طريقها إىل ِّ
الربيع َّية) قريب ًا ٍ
يس�مى (نفود َّ
َّ مكان الرمال يف
الس� َّيارة إىل الوقوف يف أدغال ِّ
عرض َّ ممَّا َّ
الس� َّيارة فوجئوا بالفتى وقد الركَّاب وقائد َّ
الربيع َّية رشق بريدة ،وعند نزول ُّ من قرية َّ
الركَّاب
أرهقه التَّعب وأضناه الن ََّصب وكاد يس�قط بسبب آالم الكتف واليدين ،فتأثر ُّ
الري�اض وعند وصوهلم
هبذا املش�هد ،ممَّا جع�ل أحدهم يدفع عن�ه تكاليف النَّقل إىل ِّ
الري�اض أوصل�وه إىل منزل َّ
الش�يخ حممد ب�ن إبراهيم مفتي ع�ام اململكة .وجلس إىل ِّ
بالرباط وهو سكن طالب العلم
يسمى ِّ يطلب العلم يف حلقات َّ
الش�يخ ،وس�كن فيام َّ
ٍ
جمموعة من ٍ
سنوات باإلضافة إىل آنذاك ،وقد واصل طلب العلم عىل َّ
الشيخ ملدة سبع
العلـمـاء(.)2
* * *
(َّ )1
الش�يخ حمم�د بن صالح املنصور ك�ف برصه قبل بلوغه الثامنة ،وحفظ القرآن قبل البلوغ .س�افر إىل
الري�اض وأخذ عن علـمـائها ،وقد توىل القضاء والتدريس ،وخترج عىل يديه مجاعة من العلـمـاء .عرفِّ
بالعبادة والزهد واألمر باملعروف والنهي عن املنكر .تويف سنة (1420هـ)« .جملة األرسة» العدد (.)84
79
80
دعوتهم
81
82
من الوس�ائل ا َّلتي اتَّـخذها س�ليامن حلمي -رمحه اهلل )1(-لتعليم أبنائه يف تركيا
ٍ
باستمرار. اجلمهوري تبديل املكان
ِّ أ َّيام احلكم
كان س�ليامن حلمي يعطي ال�دَّ رس لطلبته ،فكان يدرس يوم� ًا يف غرفة املؤذن يف
جامع ش�هرزاد بايش ،ويوم ًا آخر يف بيت أحد أتباعه يف أحد أحياء إسطنبول ،كام كان
جيمعهم يف أقبية املباين التَّارخي َّية القديمة ،وقد جلأ اإلمام إىل تعليم ال ُّطلاَّ ب يف األدوار
الس�فل َّية م�ن املباين ويقول هل�م :املهم أن تنجح دعوتنا وال هنت�م باملناصب ،ونقبل أن
ُّ
ٍ
خمتلف عن ٍ
مكان كل يو ٍم يف يدرس هلم َّ
يصبح مكاننا مكان األحذية يف املساجد ،وكان ِّ
ٍ
مكان كالق َّطة ا َّلتي تنقل صغارها، ٍ
مكان إىل سابقه ،ويقول هلم :ع َّلمتكم ونقلتكم من
ومل يكن اإلمام يتقاىض شيئ ًا نظري عمله ،وكان يعيش عىل الكفاف.
ويف عام (1936م) علمت الشرُّ طة باستئجاره مزرعة خالد باشا ليقوم بالتَّدريس
فاضطر لتغيري املكان حتَّى إنَّه أخذ طلاَّ به وصعد هبم إىل ق َّبة ٍ
جبل يسمى َّ فيها لطلاَّ به،
مر ًة أخرى هناك ،فقبضت عليه
«قوش قايا» بجبال سرتانجه ،ولكن الشرُّ طة حلقت به َّ
واقتادته إىل املركز الستجوابه.
مس�تمر ًة م�ن ِق َبل رجال الشرُّ طة ،وقد حدث يف يو ٍم من
َّ كان اإلمام ُمرا َقب ًا مراقب ًة
أ َّي�ام رمضان أن أخذ اإلمام س�ليامن الشرُّ طي املك َّلف بمراقبت�ه إىل منزله ،وقال له :يا
م�ر ًة أخرى ،وحينام صائ�م فلنفطر مع ًاَّ ،
ث�م تعود إىل عملك َّ ٌ ول�دي ،إنَّن�ي أعلم أنَّك
ف يقوم بام تُـمليه عليه وظيفته ،وقد أ َّثر
اعرتض�ت زوجته عىل ذل�ك قال هلا :إنَّه مو َّظ ٌ
الش�يخ س�ليامن حلمي -رمحه اهلل -بقرية فرحاتلر التابعة لسليسترة عام (1888م) يف بلغاريا( )1ولد َّ
ثم درس يف اليوم ،دخل مدرس�ة س�اطريل بسليسترة مع إخوته ،وكان والده عثامن أفندي مدرس� ًا فيهاَّ ،
إسطنبول ،عني قاضي ًا بقسطموين .تويف يف عام (1959م).
83
ه�ذا املوقف يف نف�س الشرُّ طي تأثري ًا قو ًّيا حتَّى إنَّه ا ْلتح�ق ب ُطلاَّ ب اإلمام وأصبح من
أخلص أتباعه(.)1
* * *
84
ثمالوهاب بن سليامن الدرعي ،فنسبته إىل جدِّ هَّ ، سميت َّ
الشيخ حممد بن عبد َّ وقد َّ
حق يف بلدته ولكن مل يشتهر بذلك ،وزاد األمر غموض ًا َّ
أن نس�بته إىل الدرعية ،وذلك ٌّ
تسمى (درعة) ،والنِّسبة إليها درعي ،فنجحت فيام قصدته من ترويج
يف املغرب كورة َّ
ٍ
قصير ،ومل يتف َّطن أحدٌ لذلك حتَّى نس�خة فبيعت يف ٍ
وقت ٍ الكتاب ،فقد طبعت ألف
مهته يف البحث وكثرة ما يف خزائنه منوعلو َّ
ِّ الشيخ أمحد بن الصديق مع سعة ا ِّطالعه
َّ
ٍ
حرية؛ ألنَّه بحث يف تاريخ املنس�وبني إىل (درع�ة) فلم جيد أحد ًا منهم الكت�ب بقي يف
يس�مى بذل�ك ،وال أثر عنه هذا الكتاب ،فبعث إ َّيل يس�ألني عن ه�ذا املؤلف َم ْن هو،
َّ
فأخربته باحلقيقة.
الشيخ ولـمـا ا َّطلع ال َع َلم األجل مفتي اململكة العرب َّية ُّ
السعود َّية وشيخ شيوخها َّ َّ
حممد بن إبراهيم -رمحة اهلل عليه -عىل هذا العمل استحس�نه َّ
كل االستحس�ان .وإنَّام
حرضوا رشار العلـمـاء يف مجيع ألن ِّ
املتأخرين من رجال الدَّ ولة العثامن َّية َّ فعلت ذلك؛ َّ
الوهاب وك ََذبوا عليه ،وأومهوا البالد اإلسالم َّية عىل تشويه سمعة َّ
الشيخ حممد بن عبد َّ
َّبي الكريم ويك ِّفر املس�لمني ،إىل ٍ أتباعه�م أنَّ�ه جاء ٍ
بدين جديد ،وأنَّه يتنقص جانب الن ِّ
غري ذلك من األكاذيب.
أن حممد بن عبد وقد تبينَّ ألكثر النَّاس بطالن تلك الدَّ عوى ،وعلموا علم اليقني َّ
الوه�اب من كبار املصلحني ا َّلذين فتح اهلل بدعوهتم عيون ًا عمي ًا وآذان ًا صماًّ ،وأنَّه أحيا
َّ
وس�نَّة رس�وله يف جزيرة العرب بعدما كاد يندثر .وإىل اآلن ال يزال
العمل بكتاب اهلل ُ
يرضه :إن كانوا مسلمني َّ
فإن س َّبهم له بعض الغربان ينعقون بس ِّبه كالغراب وذلك ال ُّ
فإن اهلل يزيدهم عذاب ًا.
جيعل حسناهتم يف صحيفته ،وإن كانوا مرشكني َّ
ولـمـ�ا طبع ه�ذا الكتاب غضب ُع َّباد القبور وأصح�اب ال َّطرائق ،وخطب ٌ
كثري َّ
الضالل
أئمة املس�اجد خطبة اجلمعة ون َّبهوا املس�تمعني إىل ما يف ه�ذا الكتاب من َّ
من َّ
85
الضلال ،ولك�ن مل يس�تمع هلم أح�دٌ ،أ َّما بزعمه�م؛ َّ
ألن توحي�د اهلل عنده�م أعظ�م َّ
العلـمـاء املح ِّققون ،كاألس�تاذ حممد ال ّطنجي ،واألستاذ املجاهد عبد َّ
السالم املرابط،
رحبوا بطبع هذا الكت�اب ،وأثنوا عليه وعىل
واألس�تاذ العبق�ري عبد اهلل كنون فإنهَّ �م َّ
نبح الكالب.
حاب ُ
الس َ
مؤلفه ونارشه ،وال يرض َّ
ِ
الكالب و َقدْ مشى عىل َم َه ِل ُسود تنبح ُ ه
السام يف األفق ُ
رض بدر َّ
ما َّ
حواش ٍ
قليلة لشيخ اإلسالم أمحد بن عبد احلليم ٍ ثم طبعت رسالة زيارة القبور مع َّ
وس�ميته أمحد بن عب�د احلليم احل�راين ،ومل أذكر لفظ ابن
َّ السلام ابن تيمية،
اب�ن عبد َّ
اج الكتاب وانتشر ونفع اهلل به املس�لمني ،ولمَّا بعثت
الذكرَ ،ف َ�ر َ تيمي�ة للع َّلة َّ
الس�ابقة ِّ
م�ن ِّ
كل من الكتابني نس�خ ًة إىل َّ
الش�يخ حممد ب�ن إبراهيم -رمح�ه اهلل -فرح بنرشمها
واستحسن ال َّطريقة ا َّلتي سلكتها لبعد نظره ووفور عقله وحكمته.
جرب�ت يف بالد املغرب يف َّ
الشمال واجلن�وب أن نرش كتب التَّوحي�د واتِّباع وق�د َّ
درس الدَّ اعي كتاب ًا من كتب
الس�نَّة يتو َّقف عىل نجاح الدَّ عوة إىل اهلل يف املس�اجد ،فإذا َّ
ُّ
التَّوحيد وبينَّ للمستمعني ما فيه من كنوز العلم واحلكمة ،يرغب املستمعون يف اقتناء
للحق وي�زدادون اطمئنان ًا ويق�وى إيامهنم
ِّ ذل�ك الكت�اب ،وبقراءته تتَّس�ع معرفته�م
وتندفع عنهم ُّ
الش�بهات .فمن ذلك :أنَّني درست يف اجلامع الكبري كتاب «فتح املجيد
الوهاب وختمته يف ذلك املسجد
رشح كتاب التوحيد» لش�يخ اإلسلام حممد بن عبد َّ
مرتين ،فانترش هذا الكتاب انتش�ار ًا عظي ًام حتَّى أنيِّ طلب�ت من جاللة امللك فيصل -
َّ
ج�زاه اهلل عنا وعن املس�لمني أحس�ن اجلزاء -بواس�طة فضيلة َّ
الش�يخ عب�د امللك بن
ٍ
ثالثامئة ٍ
بنسخ من «فتح املجيد» ،فأمر بإرسال إبراهيم -بارك اهلل يف حياته -أن يمدَّ ين
مـجان ًا ألمرين :أنَّني ال ٍ
وثالث وأربعني نس�خ ًة بالربيد
أوزعها َّ
اجلوي ،فب�دا يل أن ال ِّ
ِّ
آم�ن أن تقع بعض النُّس�خ يف أيدي أع�داء التَّوحيد فيحرقوها ،وق�د رأيناهم يفعلون
86
ذل�ك يف املرشق واملغرب ،فإذا فرضنا أن ش�خص ًا أو أش�خاص ًا بل�غ هبم الت ُّ
َّعصب إىل
حب قليل؛ َّ
ألن النَّ�اس مـجبولون عىل ِّ فإن ذلك منه�م ٌ
أن يشتروا الكت�اب وحيرقوه َّ
الـمـال والبخل به وال يبذلونه إلاَّ فيام هو ُّ
أحب منه إليهم .األمر ال َّثاين :ما قاله املؤ ِّلف
أن الكتاب ا َّلذي ال يدفع ثمنه ال يقرأ. الصيت (برنارد شو)َّ : اإلنكليزي ال َّطائر ِّ
فبيعت تلك النُّس�خ ك ُّلها إلاَّ قلي ً
ال منها منحته للمس�تح ِّقني ومل آخذ منهم لعلمي
ٍ
قصرية ،وصار الكتاب يف حكم املفقود ،وكنت أبيع بفقرهم وصدقهم .بيعت يف مدَّ ٍة
النُّسخة بست َِّة دراهم فقط ،ومل يكن يروج إلاَّ يف البلدان ا َّلتي تُلقى فيها دروس التَّوحيد
كمكناس وتطوان وأفود ،أ َّما مكناس وأفود فإنَّني ألقي فيهام دروس ًا يف التَّوحيد ،وأ َّما
الزمان يوجد فيها دا ٍع هو أخي
تطوان فقد تقدَّ م أنيِّ دعوت إىل التَّوحيد فيها ،ويف هذا َّ
األستاذ حممد العري اهلاليل.
صار النَّاس يف هذه النَّواحي يبحثون عن هذا الكتاب ليشتروه بضعف ثمنه فلم
السماحة األستاذ َّ
الشيخ عبد العزيز بن ولـمـا ذكرت ذلك لصاحب َّجيدوا منه ش�يئ ًاَّ ،
مجعت من بيع تلك
ُ عب�د اهلل ب�ن باز -أمتع اهلل املس�لمني بطول بقائه -وأخربته أنَّن�ي
النُّس�خ ألف ًا وثامنامئ ًة ومخسين رياالً سعود ًّيا قال يل :وأنا أتربع بستِّامئة ٍ
ريال تضاف إىل َّ
جديد ،والكت�اب اآلن حتت ال ّطبع ،وذك�رت ذلك أيض ًا ٍ ذل�ك ونشترك يف طبعه م�ن
الش�يخ عمر بن حسن آل َّ
الشيخ -أمتع اهلل املسلمني بطول الس�لف َّ للعامل اجلليل بق َّية َّ
شك أنَّه يفي بوعده .وهذا الكتابكريم ال َّ ٍ
بقائه -فوعدين بتحصيل ألف نسخة ،وهو ٌ
مع وجود الدَّ اعي النَّاجح يف دعوته يساعد عىل نرش الدَّ عوة مساعد ًة عظيم ًة ال ينقيض
منه�ا العج�ب .أ َّما البلد ا َّل�ذي ليس فيه دا ٍع فإنَّه ال يروج في�ه أصالً ،فقد بعثت مخس
سنة ثالث ٍ
نسخ فقط (.)1 مشهورة يف املغرب فبيع منها يف ٍ
ٍ ٍ
مدينة ٍ
نسخ إىل
* * *
(« )1الدعوة إىل اهلل يف أقطار خمتلفة» (ص )56بقلم الدكتور حممد تقي الدين اهلاليل.
87
كان آص�ف القدوائ�ي -رمح�ه اهلل )1(-حبي�س البيت ورهني الف�راش قبل ٍ
ثالثة
وأربعني عام ًا من وفاته ،أي منذ ش�بابه ،حيث أصيب عموده الفقري عام (1946م)
الرغم من هذا َّ
ظل نش�يط ًا عرب ٍ ٍ
بم�رض عضال أقع�ده عن احلركة والتَّن ُّقل كل ًّيا .وعىل ُّ
وعمرها بالعبادة والتِّالوة .فقد أ َّلف وترجم إىل
حيات�ه ،فقضاها يف التَّأليف والترَّ مجةَّ ،
اإلنكليز َّية ما يبلغ ثالثني كتاب ًا ،وهو ال يستطيع أن يقلب ِع ْطفه من شدَّ ة املرض(.)2
* * *
الس�ودان ومبشرِّ يه ،وعىل رأس�هم القس�يس جيمس ٍ
بدع�وة من بعض قساوس�ة ُّ
بخي�ت وتيخ�ا رمضان وم�ن معهام من القساوس�ة ،عقدت مناظرة اس�تغرقت س�تَّة
ٍ
متتالي�ة يف الفترة م�ن (1401/1/23ه�ـ) إىل ٍ
س�اعات أ َّي�ا ٍم ،يف ِّ
كل ي�و ٍم ثلاث
ٍ
ثالثة (1401/1/29ه�ـ) املواف�ق (1980/12/1م) إىل (1980/12/7م) بين
اإلسلاميَّ :
الش�يخ الدكتور حممد مجيل غازي( ،)3واألس�تاذ إبراهيم ِّ من أعالم الفكر
خلي�ل أمحد ا َّلذي كان من أخطر القساوس�ة املرص ِّيني وأس�لم ،وال ِّلواء املهندس أمحد
ٍ
مخس�ة وعرشي�ن عام ًا، الوه�اب عيل ا َّلذي ش�غل بمقارن�ة األديان منذ أكثر من
عب�د َّ
( )1ول�د آص�ف القدوائي بمدينة «باره نبكي» يف اهلند س�نة (1337هـ) ،ت�درج يف التعليم ح َّتى حصل
السياسة من الكلية املسيحية بمدينة بلكهنؤ يف اهلند ،أصيب بمرض بعموده عىل شهادة الدكتوراه يف علم ِّ
الفق�ري ،فبق�ي رهني البيت أكثر من أربعني س�نة .كان كاتب ًا ب�ارز ًا يكتب بالعربية واألوردية .تويف س�نة
(1409هـ)« .تتمة األعالم للزركيل» ملحمد خري رمضان.
الشيخ يف مرص سنة (1355هـ) يف أرسة خترج أكثرها الشيخ حممد مجيل أمحد غازي يف حمافظة كفر َّ
( )3ولد َّ
م�ن األزه�ر .حفظ القرآن وه�و يف احلادية عرشة من عمره .ودرس يف األزه�ر وحصل عىل الدكتوراه يف
النقد األديب .شارك يف الكثري من املؤمترات والندوات يف العامل اإلسالمي ،وكان نائب ًا لرئيس مجاعة أنصار
الس َّنة .تويف سنة (1409هـ)« .تتمة األعالم للزركيل» ملحمد خري رمضان. ُّ
88
الس�ودانيني وعىل رأسه املبشرِّ القس�يس جيمس بخيت ،وآمن مجيع
وبني القساوس�ة ُّ
ٍ
مخسامئة(.)1 القساوسة واملبشرِّ ون املناظرون ،وأسلم بإسالمهم
* * *
الشيخ صالح البليهيالشيخ عبد اهلل بن عيل الغضية :يف يو ٍم من األ َّيام أعطى َّ
قال َّ
ٍ
حمارضة لدهيم بعد صالة العش�اء اآلخرة، الشامس�ية وعد ًا إلقامة
-رمحه اهلل )2(-أهل َّ
الرمحن الدورسي -رمحه اهلل -وأنَّه سوف يصلىَّ عليه بعد ثم علمنا بوفاة َّ
الشيخ عبد َّ َّ
الصبح مبارش ًة إلاَّ أحد صالة ال ُّظهر يف اجلامع الكبري يف ِّ
الرياض ،فام علمت بعد صالة ُّ
إن الوالد يس ِّلم عليك ويقول :تذهب -إن شاء اهلل َّ -
للشامسية، الشيخ يقول يلَّ :
أبناء َّ
للصالة عىل
للرياض َّ
وتبدأ باملحارضة إىل أن يأيت -إن شاء اهلل -؛ ألنَّه سوف يذهب ِّ
ثم يرجع ،وطمأن اجلامعة َّ
أن وعدهم عىل البال، الرمحن الدورسي ،ومن َّ َّ
الش�يخ عبد َّ
فلـمـا ص َّلوا عىل َّ
الش�يخ حارَّ ،
واجلو يف ذلك الوقت ٌّ
ُّ للرياض وفع ً
ال س�افر من بريدة ِّ
للراحة بعد ال ُّظهر، بالرياض دعي َّ
الش�يخ صالح البليهي -رمحه اهلل َّ - باجلامع الكبري ِّ
الشامسية ،وما نحب أن َّ
نتأخر؛ ٍ
حمارضة يف جامع َّ فقال للدَّ اعي :س َّلمك اهلل ،لنا موعد
ألنَّنا نخشى من عوائق ال َّطريق.
ولـمـا أ َّذن العش�اء اآلخرة وكنت يف جامع َّ
الشامس�ية، الرياضَّ ، وفع ً
ال رجع من ِّ
الش�يخ (صالح) يف ال َّطريق وأنَّن�ا بانتظاره ،وكنت وب�دأت أتك َّل�م وأعد احلضور َّ
بأن َّ
الش�يخ صالح بن إبراهيم بن حممد البليهي -رمحه اهلل -يف مدينة الشامس�ية س�نة (1331هـ)،( )2ولد َّ
ولـمـا بلغ س�بع س�نني انتقلت أرسته إىل مدينة بريدة ،فنش�أ هبا ،وطلب العلم عىل علـمـائها ،اعتذر عن
ت�ويل القضاء ،وتفرغ للتدريس ،واإلمامة واخلطابة ،واملش�اركة يف األعامل اخلريي�ة .له مؤلفات تدل عىل
غزارة علمه ،وسعة اطالعه .تويف سنة (1410هـ).
«علـمـاء نجد خالل ثامنية قرون» لعبد اهلل البسام (.)430/2
89
ٍ
تارات. أنظر للحضور تار ًة وألبواب املسجد
الصالة ،ومىض بعض الوقت ،وبدأ بعض النَّاس ينظر إ َّيل فلـمـا جاء وقت إقامة َّ
َّ
ثم نظرت أنا الصالةَّ ،
مر ًة أخ�رى ،كأنَّه يقول يل :كفى الكالم لتق�ام َّ
م�ر ًة وإىل س�اعته َّ
َّ
الشيخ يش ٌء يف ال َّطريق ،وكام ال أيض ًا َّ
للساعة ،وبدأت أفكِّر وأقدِّ ر وأخشى أن يصيب َّ
خيفى دور َّ
الشيطان يف مثل هذه املواقف من الوسوسة -نعوذ باهلل منه .-
وبعد ٍ
فرتة فإذا بفضيلة شيخنا -رمحه اهلل -يلج من أحد أبواب املسجد ،فبرشت
ٍ
أربعامئة ومخسني الرياض ا َّلتي تبعد أكثر من
احلضور بوصوله ،ومل يعلموا أنَّه وصل من ِّ
كيلو مرت ًا ،إذ أنهَّ م يظنُّون أنَّه قاد ٌم من بريدة ا َّلتي تبعد حوايل مخسني كيلومرت ًا(.)1
* * *
ال�ر َّزاق عفيفي -رمحه يقول الدكتور صالح بن س�عود آل عيل :كان َّ
الش�يخ عبد َّ
اهلل )2(-صابر ًا حمتس�ب ًا ،فباإلضاف�ة إىل األمراض ا َّلتي عرضت له يف العقد األخري من
الرزاق عفيفي عطية النويب -رمحه اهلل -يف شنش�ور إحدى قرى حمافظة املنوفية سنة ( )2ولد َّ
الش�يخ عبد َّ
ثم يف القاهرة ،وكانت له أنش�طة
(1323ه�ـ) .حف�ظ القرآن الكري�م ،ودرس العلوم الرشعية يف بل�دهَّ ،
ودرس يف مساجدها ،ومعاهدها ،وكان عضو ًا يف= السعوديةَّ ،دعوية يف مرص .رحل إىل اململكة العربية ُّ
90
الرمحن ا َّلذي كان يالزمه عمره ،أصيب باثنني من أبنائه ومها يف ريعان َّ
الش�باب :عبد َّ
يف شيخوخته كظ ِّله خيدمه ويساعده ،فإذا به يفاجأ بوفاته بسبب انفجار أسطوانة ٍ
غاز،
سنة (1973م).
اليومي ،فقد
ِّ وحمارض يف املعهد العايل للقضاء ،مل يتو َّق�ف عن برناجمه
ٌ مدير
أمح�د وه�و ٌ
جاء إىل طلاَّ به يف مرحلة الـمـاجس�تري ،وكنت واحد ًا منهم ،وألقى املحارضة كالعهد
به دون ٍ
أثر أو تلعث ٍم ،وكانت بعد صالة العرص إىل املغرب ،وكان ال ُّطلاَّ ب كعادهتم بعد
يوجهون األسئلة سؤاالً تلو اآلخر ،وإذا به جييب عنها دون أن
أن ينتهي من املحارضة ِّ
يظهر عليه ما يلفت النَّظر ،ومع انتهاء املحارضة خرج من القاعة ونحن وراءه ،فإذا بنا
= هيئ�ة كب�ار العلـمـاء ،ونائب� ًا لرئيس اللجنة الدائم�ة للبحوث العلمية واإلفت�اء ،والعديد من األعامل.
ع�رف بزه�ده ،وتواضع�ه ،وعبادته ،وس�عة علمه .تويف س�نة (1415ه�ـ)« .علـمـاء نجد خلال ثامنية
قرون» لعبد اهلل البسام (.)175/3
91
الشيخ عبد الكريم بن صالح املقرن يف َّ
الشيخ صالح بن غصون -رمحه اهلل :)1(- قال َّ
الرجال (دعوة وعمل) يف بذل اخلري ونفع املسلمني، مدى أربع عرش سن ًة ،وإنَّام هي َّ
مهة ِّ
الصعب ،فاشرتوا اآلخرة وعملوا هلا. امليض يف ال َّ
طريق َّ ِّ ٌ
رجال عاهدوا اهلل عىل
الشيخ -رمحه اهلل -يف برامج متعدِّ ٍ
دة سواء يف املناسبات أو غريها (نور شارك معي َّ
احلج ورمضان) ،أحاديث عا َّمة ،مقابالت وغريها. عىل الدَّ رب)( ،أهل ِّ
الذكر)( ،يف ِّ
ٍ
تسجيل يسأل الشيخ -رمحه اهلل -حم ًّبا إلذاعة القرآن الكريم ،فكان قبل ِّ
كل كان َّ
بع�ض األحيان؛ ألنَّه جيتمع بأوالده وأرسته ،فكان يس�جل حلق�ات الدَّ ورة اإلذاع َّية
كلل أو ٍ
ملل(.)2 كامل ًة ( 24حلق ًة) دون ٍ
الرس س�نة (1341هـ) ،وفقد برصه سنة (1345هـ). الش�يخ صالح بن عيل الغصون يف مدينة َّ ( )1ولد َّ
الرياض عىل علـمـائها ومن أبرزهم َّ
الش�يخ حممد بن إبراهيم .ت�وىل القضاء يف عدة بلدان أخ�ذ العل�م يف ِّ
وص�ار عض�و ًا يف جمل�س القضاء األعلى ،وعض�و ًا يف هيئة كب�ار العلـمـاء .وق�د عرف بالعل�م والعبادة
الش�يخ العالم�ة صالح بن عيل بنوالزه�د .تويف س�نة (1419ه�ـ)« .الدر املكنون يف مواقف وذكريات َّ
غصون» للشيخ عبد الكريم بن صالح املقرن.
92
للشيخ أيب ٍ
بزيارة َّ قام الربوفيسور نجم الدين أربكان -الزعيم الترُّ كي املعروف -
احلسن النَّدوي رمحهام اهلل( )1يف أحد الفنادق يف إستانبول ،فإذا َّ
بالشيخ يبدأ احلديث مع
مه َّية
مه َّية إستانبول وأ ِّ
الصادق الدَّ اعية ،فيذكر بأ ِّ
الس�يايس الكبري حديث العامل َّ
الزعيم ِّ
َّ
األنصاري يف إحدى
ِّ الصحايب اجلليل أيب أي�وب
فتحه�ا ،وم�ا كان يرمز إليه اشتراك َّ
ثم ربط َّ
الشيخ بني هذه املعاين، معارك فتحها ،واستش�هاده عىل أس�وارها ودفنه فيهاَّ ،
ٍ
ش�امل ٍ
عميق ٍ
حديث مه َّية اإلسلام ومعناه هل�ذه املدينة ولرتكيا ،وكان ذلك ك ُّله يف
وأ ِّ
ٍ
مؤ ِّث ٍر ،حديث ينفذ إىل األعامق ،وخيرتق احلواجز ،فتدمع له عيون َّ
السامعني ،وتتَّضح
الزائر ،وتبل�غ املوعظة واحلقيقة أعمق أعامقه ،فيعاهد َّ
الش�يخ عىل الزعيم َّ
ل�ه جوارح َّ
الش�يخ أبو احلس�ن عيل بن عبد احلي احلس�ني الندوي يف راي برييل يف اهلند س�نة (1332هـ) يف( )1ولد َّ
أرسة عربية األصل يرجع نسبها إىل احلسن بن عيل .وكان والده من العلـمـاء املشهورين ذوي املصنفات
الكثيرة .حف�ظ القرآن الكريم صغير ًا ،وقرأ العلم عىل وال�ده وبمعاونة أمه -وهي ام�رأة صاحلة حتفظ
الق�رآن وتؤل�ف -تعل�م العربية وق�رأ كتب األدب ،وطل�ب العلم ورح�ل من أجله ،وأل�ف املصنفات
الكثيرة .توىل أمانة ندوة العلـمـاء .وقد ش�ارك يف كثري من املؤمترات اإلسلامية .عرف بالعبادة والزهد
والتواضع واالهتامم بأمور املس�لمني ،تويف يف بلده س�نة (1420هـ)« .حيدثونك عن أيب احلسن الندوي»
إعداد الدكتور حمسن العثامين الندوي.
93
ال يده ،وشاكر ًا ٍ
دامعة ُمق ِّب ً ٍ
بعيون ثم ينهض ليودع َّ
الش�يخ محاية اإلسلام يف هذا البلدَّ ،
له(.)1
* * *
الش�يخ فرحان عبيد الش�مري يف ترمجة َّ
الشيخ عبد العزيز اهلده -رمحه اهلل -
()2
قال َّ
اإلسلامي -ف�رع اجله�راء :-كان يكتب يف
ِّ الس�ابق جلمع َّي�ة إحياء الترُّ اث
الرئي�س َّ
َّ
أن العرض ٍ
مغر ،متأسي ًا بقوله تعاىل: الصحف ومل يأخذ عىل ذلك أجر ًا مع َّ إحدى ُّ
ﱫ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﱪ [الشورى.]23 :
الضيوف
ضي�ف جلمع َّية إحياء الُّت�رُّ اث كان العش�اء عنده عىل كث�رة ُّ
ٌ وك َّلما ج�اء
واملشايخ ،وكان ينفق من ماله ألجل الدَّ عوة .ور َّبام تع َّطلت بعض املشاريع فيدفع من
ربعني ،وال يقول إنَّه منه.
ماله ،ويقول :هذا من أحد املت ِّ
ٌ
مس�تعجل ،فرتكته وذهب درس يف مس�جدي ،وبعد الدَّ رس قال يل :أنا وكان له ٌ
الشيخ عند س َّيارته ٍ
س�اعة تقريب ًا ،فخرجت فإذا َّ لس� َّيارته ،وكنت يف املس�جد ملدَّ ة ثلث
ش�اب بمش�كلته .فقلت بعد أن ذهب َّ
الشاب :ألس�ت مستعجالً؟! قال :رأيته ٌّ يك ِّلمه
يريد أن يتحدَّ ث عن مشكلته و(يفضفض عن نفسه شو َّيه).
وكان كثير الدُّ عاب�ة مع إخوانه وتالميذه حتَّى أح ُّبوه وكسر احلاجز بينه وبينهم.
ٍ ٍ
ثم ينس�حب طالب بعمل أو نش�اط إلاَّ وافق عليهَّ ، �باب
الش ُمهته أنَّه إذا طالب َّ
وم�ن َّ
النَّش�اط أو العم�ل ،فما كان ليرتك�ه ب�ل يكمل املسيرة ول�و وحده ،وم�ن ذلك جلنة
(« )1حيدثونك عن أيب احلسن الندوي» إعداد الدكتور حمسن العثامين الندوي (ص .)332
ثم التحقالشيخ عبد العزيز بن صالح اهلده يف الكويت سنة (1376هـ) .درس عىل مشايخ بلدهَّ ، ( )2ولد َّ
باجلامعة اإلسالمية يف املدينة املنورة وخترج فيها سنة (1404هـ) .توىل التدريس يف إحدى مدارس منطقة
اجلهراء ،ورئاس�ة مجعية إحياء الرتاث اإلسلامي -ف�رع اجلهراء -وقد قىض حيات�ه بالتدريس والدعوة
واالهتامم بمصالح املس�لمني .تويف سنة (1425هـ) بعد معاناة مع مرض أصابه .وكانت جنازته مهيبة مل
تشهد مقربة اجلهراء مثلها« .جملة أمتي» العدد الثالث.
94
الرمضان َّية ،وغري ذلك.
العلمي وإعداد الدُّ روس واألنشطة َّ
ِّ اجلاليات وجلنة اإلعجاز
وكان له يف رمضان املنرصم ثالثون درس ًا يف ثالثني مسجد ًا ،ما صلىَّ صالة العرص
مرتني(.)1 ٍ
يف مسجد َّ
* * *
كبري الش�يخ عبد احلنان القاس�مي -رمحه اهلل ُ -م َو َّف ًقا من ر ِّبهَ ،
كثري اخلريَ ، كان َّ
()2
95
األقدار وقضا َء اهلل -استثمر مواه َبه
َ ولكنَّه -وكان ذلك من قدر اهلل ،واملرء ال يتجاوز
ناحية أخرى؛ فأ ْك َث َر من إنش�اء الكتاتيب يف مناطق وطنه، ٍ تربوي من تعليمي ٍ
جم�ال يف
ٍّ ٍّ
�ه َر عىل تطويرها ،فصارت وس ِ وأس�س مدرس ًة يف قريته «باالس�اته» للتَّعليم الدِّ ِّ
ينيَ ، َّ
ثم َو َّسع نطا َقها
خصوصاَّ ،
ً مدرس� ًة كبري ًة جدير ًة بالتَّس�جيل ِّ
والذكر يف والية «بيهار»
العصري تابع ًة هلا ،وبن�ى هلام فصوالً مجيل� ًة ،وأروق ًة
ِّ فأنش�أ مدرس� ًة عرص َّي ًة للتَّعليم
كبريا ،ومكتب ًة زاخر ًة بالكتب
س�كن َّي ًة مرحي ًة ،كام بنى يف حميط املدرسة الواسع مسجدً ا ً
الضي�وف املتوافدين من جديرا بإقامة ُّ
ً ا َّلت�ي حيتاج إليها ال ُّط ُ
الب ،وش� َّيد مضي ًف�ا أني ًقا
خارج البالد.
الس� َّباق أه ُلها
وبما أنَّ�ه أمضى ُم ْع َظ َم عم�ره يف التَّدريس يف م�دارس «غجرات» َّ
املس�لمون إىل فعل اخلري وإىل املس�امهة يف حتقيق املشاريع اإلسالم َّية واألعامل الدِّ ين َّية؛
صلات و ٍّد بمواعظ�ه الدِّ ين َّية ،وجوالته
ُ �او َن مع�ه منهم َم� ْن تو َّطدت بينه وبينهم
ف َت َع َ
فس�هل عليه أن يحُ َ ِّقق ً
كثريا ممَّا كان يصبو إليه من َّ الدَّ عو َّية ،وزياراته التَّعارف َّية املتَّصلة؛
إنش�اء املباين ورشاء العقارات ،وحتصيل القطع األرض َّية يف وطنه ويف غريه من القرى
واملدن.
وما مات حتَّى َأ َّمن -رمحه اهلل -موارد مدرس�ته الـمـال َّية ،ووس�ائل اتِّصال سري
األعمال ا َّلت�ي كان قد بدأها يف حياته .وقد ر َّبى أنجاله والس� َّيام نج َله األكرب األس�تاذ
لتحمل أعباء املدرس�ة ومجيع املش�اريع من بعده، ُّ خاص� ًة َأ َّه َلتْ�ه
الرمح�ن تربي ًة َّحف�ظ َّ
ـح ِّبي الفقيد املسامهني يف التَّمويل، َّعارف بينه وبني م ِ وتم الت
ُ ُ فانطلق لس�انُه باخلطابَّ ،
لكل ما حيتاج إليه اليوم أحدٌ إلدارة ُم َؤ َّس َس ٍة تعليم َّي ٍة أو خري َّي ٍة ،وعىل ال ِّ
ؤه ً وت َ
َـخ َّر َج ُم َّ
رأسه أهل َّي ُة توفري الدَّ عم الـمـا ِّيل ومجيع الوسائل الـمـا ِّد َّية(.)1
* * *
96
97
98
�أمرهم
باملعروف
99
100
األزه�ري س�ليامن ب�ن رص�د احلنف�ي الزي�ايت املتوىف س�نة
ُّ املصري
ُّ ذك�ر الفقي�ه
(1347ه�ـ) يف كتابه «كنز اجلوهر يف تاريخ األزهر» أنَّه يف س�نة (1209هـ) جاء أهل
ٍ
قرية برشق َّية بلبيس إىل َّ
الش�يخ عبد اهلل بن حجازي بن إبراهيم الشرَّ قاوي -رمحه اهلل-
( ،)1وذكروا له َّ
أن أتباع حممد بك األلفي ظلموهم ،وطلبوا منهم ما ال قدرة هلم عليه.
فاغت�اظ َّ
الش�يخ من ذلك ،وحضر إىل األزهر ،ومجعوا املش�ايخ ،وقفل�وا أبواب
اجلام�ع ،وذلك بع�د أن خاطب مراد بك ،وإبراهيم بك ،ومه�ا صاحبا األمر والنَّهي،
حيركا ساكن ًا يف هذا األمر اهلا ِّم.
ولكنَّهام مل يبديا شيئ ًا ،ومل ِّ
وكان من نتيجة ذلك أن أمر املش�ايخ النَّاس بغلق األسواق واحلوانيت احتجاج ًا
على ه�ذا ال ُّظلمَّ ،
ثم ركب�وا ثاين يو ٍم إىل بيت م�راد بك ،وإبراهيم بك ،فأرس�ل إليهم
س�كرتريه اخلاص أيوب ب�ك ،فوقف بني أيدهيم وس�أهلم عن مراده�م ،فقالوا :نريد
الع�دل وإبطال احلوادث واملكوس�ات ا َّلتي ابتدعتموها .فق�ال :ال يمكن اإلجابة إىل
كل هذا ،فإنَّا إن فعلنا ذلك لضاقت علينا املعايش .فقالوا :ليس هذا ٍ
بعذر عند احلال، ِّ
وم�ا الباع�ث عىل اإلكثار م�ن النَّفقات واملاملي�ك؟! واألمري يكون أمير ًا باإلعطاء ال
وانفض املجلس ،وركب املش�ايخ إىل اجلامع
َّ باألخ�ذ .فق�ال :حتَّى أبلغ ،وانصرف.
األزه�ر ،واجتمع أهل األطراف ،فبعث م�راد بك يقول :أجيبكم إىل مجيع ما ذكرمتوه
ثم إلاَّ ش�يئني :ديوان ب�والق ،وطلبكم ِّ
املتأخ�ر يف اجلامك َّية (رواتب خ�دَّ ام الدولة)َّ ،
طل�ب أربع ًة من املش�ايخ ع َّينهم بأسمائهم ،فذهبوا إليه باجلي�زة ،فالطفهم ،والتمس
101
الصلح.
السعي يف ُّ
منهم َّ
قاوي،
ُّ ويف اليوم ال َّثالث اجتمع األمراء ،واملشايخ يف بيت إبراهيم بك ،وفيهم الشرَّ
الصلح عىل رفع املظامل ،وأن يسيروا يف النَّاس سير ًة حس�ن ًة ،وكتب القايض
وانعق�د ُّ
كتاب ًا يف ذلك ،و َّقع عليه الباشا واألمراء ،وانجلت الفتنة(.)1
* * *
الوه�اب رمحهم اهلل
()2
الش�يخ حممد ب�ن عبد َّ الش�يخة فاطمة بنت َّج�اء يف ترمج�ة َّ
ابة خش�ب َّي ٍة عند رضيح
ويق�ول الرواة :إ ا يف ذهاهبا مع ابن أخيها إىل ع ن مرا عىل بو ٍ
َّ ماَّ َّ نهَّ ُّ
يق�رب لصاحب الضرَّ يح ش�يئ ًا ،فطلب منهام س�ادن و ٍّيل هل�م ال يتج�اوزه أح�د حتَّى ِّ
نقرب ل�ه إلاَّ تراب ًا يف وجه�ه ،فقالت هي :ال ،ما
الضرَّ ي�ح ذل�ك ،فقال اب�ن أخيها :ما ِّ
رشيف(.)3
ٌ نقرب له تراب ًاٌّ ،
وكل منهام -هي وابن أخيها -له مقصدٌ ِّ
* * *
اإلنجليزي -وكان قسيس� ًا
ِّ إنجليزي -قبيل االس�تعامر
ٌّ من�دوب
ٌ ق�دم البحري�ن
صحة النَّرصان َّية وتوهني دين اإلسالم، ٍ
كتاب حيوي ش�بهات يف إثبات َّ
نرصان ًّيا ،ومعه ٌ
فعرض�ه على حاك�م البحري�ن عب�د اهلل بن أمحد ب�ن خليف�ة ،وطلب من�ه عرضه عىل
بصح�ة ما فيه إن عج�زوا ،فعرضه عبد اهلل
َّ يقروا
علـمـ�اء البحري�ن ليجيب�وا عليه أو ُّ
الش�به ا َّلتي في�هَّ ،
ثم بعثه إىل ال�ر َّد عليه ،وال عىل دفع ُّ
اب�ن خليف�ة ،فقالوا :ال نس�تطيع َّ
(« )1صفحات مرشقة من تاريخ أعالم األمة» لعبده عيل كوشك (ص.)601
الش�يخ حممد بن عبد الوهاب من عالـمـات القرن الثالث عرش ،وكانت ( )2كانت الش�يخة فاطمة بنت َّ
رمحهام اهلل تدرس العلوم الرشعية يف منزهلا ،وقد خرجت إىل عماَّ ن بعد حصار إبراهيم باش�ا للدرعية س�نة
الرياض بعد استعادة اإلمام تركي للبالد« .علـمـاء نجد» (.)364/5 ثم رجعت إىل ِّ
(1233هـ)َّ ،
(« )3علـمـاء نجد خالل ثامنية قرون» (.)365/5
102
الر ِّد
علـمـاء اإلحس�اء فكان جواهبم مثل جواب أه�ل البحرين ،وانقطع اجلميع عن َّ
خواصه :إنَّه يوجد يف البحرين
ِّ فاغتم حاكم البحرين غماًّ ش�ديد ًا ،فقال له أحد
َّ عليه،
ش�اب من طلب�ة العلم بنجد فأرى أن تعرضه عليه عس�ى أن يكون ل�ه عنده جواب،
ٌّ
الش�يخ عبد العزيز ب�ن محد بن معمر فأعط�ى اب�ن خليفة الكت�اب لرفيقه ليدفعه إىل َّ
وقص عليه األمر ،وتص َّفحه َّ
ثم أمعن النَّظر فيه وقال: -رمح�ه اهلل ،)1(-فعرضه علي�ه َّ
الشهر حتَّى دفع ِ
يمض َّ ٍ
ش�هر -إن شاء اهلل تعاىل ،-فلم س�أعطيكم اجلواب عليه بعد
الصليب»،
الر ِّد عىل ُع َّب�اد َّ
الس�ديد واس�مه «منحة القري�ب املجيب يف َّ
إليهم اجلواب َّ
فلـمـا قرأه
الر َّدَّ ،
اإلنجليزي وناوله َّ
ُّ ثم عاد القس�يس
ففرح بالكتاب حاكم البحرينَّ ،
الر ُّد من
الرأي ،وق�ال حلاكم البحرين :ال خيرج ه�ذا َّ
قوة اجلواب وس�داد َّ
ده�ش من َّ
علـمـ�اء هذه البالد ،والب�د أن يكون من نجد ،فقال له احلاكم :نعم هذا جواب أحد
طلبة العلم النَّجد ِّيني(.)2
* * *
الش�يخ عبد األحد ،وله خرب ٌة واس�ع ٌة يق�ول أح�د علـمـاء اهلند امل َّطلعني ال ِّثقات َّ
بأح�وال اهلند وأخبارها ،وا َّلذي زار عدد ًا كبري ًا من أفراد هذه اجلامعة النَّيرِّ ة َّ
الصادقة،
وكان عهده قريب ًا من عهد اإلمام َّ
الش�هيد أمحد بن عرفان -رمحه اهلل :)3(-لقد أس�لم
الش�يخ عبد العزيز بن محد آل معمر س�نة (1203هـ) ،وقرأ عىل والده وسائر علـمـاء الدرعية، ( )1ولد َّ
وكان عالـمـ ًا يف التفسير والفقه واحلديث والنحو ،س�افر إىل البحرين بعد نكبة الدرعية واس�تقر هبا إىل
وفاته سنة (1244هـ)« .علـمـاء نجد».
السيد أمحد بن حممد عرفان يف صفر سنة (1201هـ) املوافق سبتمرب (1786م) يف قرية من قرى( )3ولد ّ
الرابعة من
«راي بريلي» وتعرف اآلن باس�م «تكية» .نش�أ أمحد عرفان ألبوين مس�لمني والتحق وه�و يف َّ
عمره ُ
بالك َّتاب ،ونش�أ ولع ًا بالفروس�ية واأللعاب ِّ
الرياضية منذ صباه ،استش�هد يف يوم ( 24ذي القعدة
1246هـ).
103
الس� ِّيد أمح�د بن عرفان أكثر م�ن أربعني ألف ًا من اهلنادك وغيره من الك َّفار،
عىل يدي َّ
وبايعه ثالثة ماليني من املسلمني(.)1
* * *
ٍ َّ
احللبي -رمحه اهلل ، -عامل ٌ بس�عيد مش�قي املعروف الش�يخ سعيد بن حسن الدِّ
()2
ِّ ُّ
ال وعقدً ا ،وأمر ًا وهني ًا،
وقور ،كانت له الكلمة يف دمش�ق ح ًّ
ٌ مهيب
ٌ ٌ
جليل ،عابدٌ زاهدٌ ،
آثار حس�ن ٌة ،ومواقف عظيم ٌة ،منها :ثباته أ َّيام دخول إبراهيم باش�ا بن حممد
تؤثر عنه ٌ
عيل باش�ا َّ
الش�ام ،ومدافعته عن األهايل ،وقد أكربه إبراهيم باش�ا ،وأنف�ذ أوامره بعد
ٍ
حادثة جرت له معه.
العثامين،
ِّ الس�لطان ذل�ك َّ
أن إبراهي�م باش�ا ،دعا علـمـاء دمش�ق من أج�ل خلع ُّ
وتعمد َّ
الش�يخ س�عيد أن حيرض واضطر الكثيرون للحضورَّ ، َّ وإق�رار البيع�ة له ه�و،
فلـمـا دخل قام اجلميع ٍ ٍ متأخر ًا
ِّ
ألس�باب عجيبة ،منها :أنَّه كان ال يريد القيام للباش�اَّ ،
وبجلوه ،وقام له الباش�ا ،وقد عرف مكانته بينهم ،وأجلس�ه بجانب�ه ،بينام دخل بعده
َّ
تلمي�ذه َّ
الش�يخ اب�ن عابدي�ن -صاحب احلاش�ية ،-فحمل نعل ش�يخه حت�ت إبطه،
ووقف بجانب الباب ،فدعاه شيخه للجلوس بجانبه ،وقد أفسح له املكان.
ثم التفت َّ
الش�يخ س�عيد إىل الباش�ا يقول ل�ه :لـمـاذا دعومتونا ي�ا موالنا؟! فقال َّ
بعض احلارضين :جئنا ملبايعة موالنا الباش�ا ،فقال َّ
الش�يخ :وم�اذا تنتظرون؟ هذا هو
104
املفتي حارض ،وهذا نقيب األرشاف معه.
وع�رف احلض�ور أنَّه ال يواف�ق عىل البيع�ة ،واعرتى الق�وم وجو ٌم ،فقام َّ
الش�يخ
واستأذن منرصف ًا.
األموي ،وكان
ِّ واغتاظ الباش�ا ،ولكنَّه مىض بعد ذلك لزيارته يف حجرته باجلامع
بين طلاَّ ب�ه جيلس ،وقد م�دَّ رجله عىل عادته بال�دَّ رسَّ ،
فلـمـا دخل علي�ه مل يغيرِّ من
جلسته ،فازداد غيظ ًا عىل غيظه ،واستمع إىل وعظه ال َّلطيف ،وقد أمره ِّ
بالرفق والعدل
فلـمـا صار إىل موضع إقامته أرسل
ثم خرج من عنده وقد نوى املكر بهَّ ، الرع َّيةَّ ،
بني َّ
ٍ
يومئذ تع�دل مليون ٍ لرية ذهبي ٍٍة فيها ألف ٍ
ريال �ة -كانت َّ ل�ه م�ع مرافقه اخلاص بُِص�رُ َّ
الذهب ،وقال كلم ًة
س�عودي اآلن -وأم�ره إن قبله�ا أن يأتيه به ،ولكنَّه رفض قب�ول َّ ٍّ
اشتهرت يف دمشق :قل للباشا إن ا َّلذي يمدُّ رجله ال يمدُّ يده.
قالوا :وكان إبراهيم باشا نوى إن قبلها َل ُينَكل َّن به(.)1
* * *
عظيم يف وقع ٍ قام َّ
ٌ الش�يخ حممد بن امل�دين كنون( - )2رمحه اهلل )3(-بدع�وة كان هلا ٌ
َّرسي عىل م�ا كان عليه من اختطاف أوس�اط ال�والة واملرتفني ،وهي قوله ببطلان الت ِّ
الس�وادين وبيعهم عىل أنهَّ �م أر َّقاء ،فتنكح
الصغار ،وال س� َّيام ّ
بن�ات القبائ�ل وأبنائها ِّ
مرصح ًا َّ
بأن هذا النِّكاح فاس�دٌ ،وأن ما ينش�أ عنه من يس�مى مل�ك اليمنيِّ ،
َّ إناثه�م بام
(« )1صفحات مرشقة من تاريخ أعالم األمة» لعبده عيل كوشك (ص.)608
105
واقع يف غري موقعه، رشعي ٌ الرقيق ك ُّله غري ٍ
باطل؛ ألنَّه ٌ ٍّ ذر َّية وما يبنى عليه من أحكام َّ
ِّ
السالمة واالسترباء لدينه ومنز ٌل عىل خالف ما ورد يف أحكام الشرَّ يعةَّ ،
وأن َم ْن شاء َّ َّ
ٍ
ونكاح ٍ
بصداق الرقيق من هذا القبيل ويس�تربئها ويعقد عليها وعرضه فعليه أن يعتق َّ
صحي�ح ،وال جيوز أن تك�ون زائد ًة عىل األرب�ع ا َّلتي أح َّلها الَّش�رَّ ع وإلاَّ كان
ٍ رشع�ي
ٍّ
يقرر ذلك يف جمالس�ه العلم َّية وجيهر به وينكر
والزنا س�واء من ب�اب ال فرقِّ ،
نكاحه�ا ِّ
أن ملك اليمني ال يكون إلاَّ من املسرتقني يف احلرب
عىل من يفعله أشدَّ اإلنكار ،مبين ًا َّ
م�ع الك َّف�ار ال غري ،وهؤالء من املس�لمني معتدى عليهم باالختط�اف ،فامتالكهم ال
يصح وأحرى نكاح منه إناثهم بملك اليمني ،وينشد يف ذلك من نظمه:
ُّ
ح��ر ك��م��ـ��ا ث��ب��ت ع��ن��د ال ُعـ َلمـا ال��س��وادي��ن أعلـمـا
ّ ج��ل أر َّق����اء
وق�د ض�اق بدعوته أبن�اء اإلم�راء والكبراء وذوو اجل�اه ا َّلذي�ن كان�ت ُد ُ
ورهم
تعج باإلماء املستولدات والبنني والبنات املتكونني من هذا النِّكاح ،ورموه
وقصورهم ُّ
الشكاية من َّ
الشيخ ،فاستدعي من طرف بالفظائع وطعنوا يف عرضه وس ُّبوه ،وكثرت ِّ
ال�وايل وبلغه اس�تياء أويل األمر وعموم النَّ�اس من هذه احلملة ا َّلتي ُّ
متس�هم يف دينهم
يكف عن قوله هذا وليس�عه ما وس�ع غيره من العلـمـاء، وأعراضه�مَّ ،
وأن عليه أن َّ
الش�يخ مدرك هذا احلك�م وأد َّلته من الشرَّ عَّ ،
وإن حك�م أويل األمر أن يغيرِّ وا فبَّي�نَّ له َّ
هذا املنكر ويمتثلوا يف أنفسهم ويأمروا غريهم باالمتثال لقوله تعاىل:
ﱫﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ
ﯳ ﱪ [النور ]51:فجعل الوايل يناقش َّ
الش�يخ ،فأغلظ له َّ
الش�يخ القول ور َّد عليه
السجن ،فقال َّ
الشيخ :نعم هذا شغلك. َّ
بأن العلم ليس شغله ،فقال ألعوانه :خذوه إىل ِّ
عمها االضطراب وخصوص ًا يف أوساط وما أن ش�اع خرب س�جنه يف املدينة حتَّى َّ
ٍ
عظيمة هي األوىل من نوعها يف ٍ
بمظاهرة العمال واحلرف ِّيني وال َّطلبة وغريهم ،وقام�وا
106
املغ�رب ،احتجاج� ًا عىل اضطه�اد قادة َّ
الرأي من أه�ل العلم وكبت احلر َّي�ة الفكر َّية،
الشيخ فور ًا(.)1
فصدر األمر بترسيح َّ
* * *
العثامين عبد العزيز مرص يف عهد إسامعيل باشا ،كان إسامعيل
ُّ السلطان
عندما زار ُّ
َح ِف ًّي�ا ِّ
بالزي�ارة؛ ألنهَّ �ا كان�ت جزء ًا م�ن برناجمه للحص�ول عىل لقب (خدي�وي) ،مع
الزيارة أن يس�تقبل اخلليفة ٍ
امتي�ازات يف نظام احلكم يف مصر ،وكان من برنامج ِّ ع�دَّ ة
العلـمـاء يف السرَّ اي.
الس�ن َّية تقاليد ،منها :أن ينحني الدَّ اخل إىل األرض ،وغري
ولـمـا كانت للمقابلة َّ
َّ
السخيفة املنافية لروح اإلسالم ،فقد كان حت ًام عىل رجال السرَّ اي أن ذلك من التَّقاليد َّ
السلطان. يدربوا العلـمـاء عىل طريقة املقابلة عدَّ ة أ َّيا ٍم ،كي ال خيطئوا يف حرضة ُّ
ِّ
الس�ادة العلـمـاء األجالَّء فنس�وا دينهم واشتروا به
وعندم�ا ح�ان املوعد دخل َّ
موجهني وجوههم إىل
خملوق مثلهم تلك االنحناءات ،وخرجوا ِّ ٍ دنياهم ،وانحنوا أمام
اخلليفة ،كام أمرهم رجال التَّرشيفات ،إلاَّ عالـمـ ًا واحد ًا هو َّ
الشيخ حسن العدوي -
رمحه اهلل )2(-ذكر دينه ونسى دنياه ،واستحرض يف قلبه َأ ْن ال َّ
عزة إلاَّ هلل ،ودخل مرفوع
الرجال األحرار ،وابتدره بالنَّصيحة ا َّلتي ينبغي أن يتل َّقى
ال�رأس كام ينبغي أن يدخ�ل ِّ
َّ
والرمحة بني رعاياه.
هبا احلاكم العامل ،دعاه إىل تقوى اهلل ،واخلوف من عذابه ،والعدل َّ
الشيخ حسن العدوي احلمزاوي -رمحه اهلل -يف قرية عدة بمرص سنة (1221هـ) ،تعلم ودرس ( )2ولد َّ
باجلامع األزهر .وهو فقيه مالكي حمدث ،من أشهر خطباء الثورة العرابية ،وأقدرهم ،كان عضو ًا يف جملس
القي�ادة األعلى ا َّلذي ش�كله املجاهد الثائ�ر أمحد عرايب .ت�ويف بالقاهرة يف ( 27من رمض�ان 1303هـ).
«صفحات مرشقة من تاريخ أعالم األمة» تصنيف عبده عيل كوشك (ص.)614
107
الرأس ،و ُأس�قط يف ي�دي اخلديوي ،ورجال
فلـمـ�ا انتهى َس� َّلم ،وخرج مرفوع َّ
َّ
غاضب ،فضاعت
ٌ السلطان البدَّ أن األمر ك َّله قد انقلب عليهمَّ ،
وأن ُّ السرَّ اي ،وظنُّوا َّ
تل�ك اجله�ود ا َّلتي بذل�وا ،واآلمال ا َّلتي نس�جوا ،ولك َّن كلمة ِّ
احل�ق املؤمنة ال تذهب
ح�ارةً ،كام نبع�ت من مكمنها قو َّي� ًة َّ
حارةً، �دى ،فلا بد أن تص�دع القلوب القو َّية َّ
ُس ً
السلطان :ليس عندكم إلاَّ هذا العامل ،وخلع عليه دون سواه.
وهكذا كان ،فقال ُّ
األزهري حس�ن الع�دوي أحد ا َّلذين ش�اركوا يف ال َّث�ورة العراب َّية،
ُّ وكان َّ
الش�يخ
فلـمـ�ا ح َّلت اهلزيم�ة ،وقبض عىل عرايب والعراب ِّيني ،كان الع�دوي واحد ًا من ا َّلذين
َّ
ُقدموا للمحاكمة للمحكمة ا َّلتي كانت مؤ َّلف ًة من الباشاوات ،ومن رجال اخلديوي.
الش�يخ ا َّلذي قارب س� َّن ال َّثامنني أمام املحكمة ،وس�أله رئيس�ها إسامعيل
ووقف َّ
جاف :هل و َّقعت باسمك ،أو ختمت بخامتك قرار ًا يقيض غليظ ٍ
ٍ ٍ
بصوت أيوب باشا
يستحق العزل؟
ُّ أن أفندينا املع َّظم ُس ُم َّو اخلديوي توفيق باشا
َّ
الش�باب ومحاسته ،فنظر إىل إسامعيل بالش�يخ ال َّطاعن يف ِّ
الس� ِّن يستعيد مح َّية َّ وإذا َّ
ٍ
منضدة أمامه ،وقال :أيهُّ ا الباشا ،إنَّني أيوب باشا نظر ًة ثابت ًة حا َّدةً ،واتَّكأ بذراعيه عىل
مل َأر الورقة ا َّلتي تتحدَّ ث عنها ،وهلذا فلن أجيب عىل سؤالك عماَّ إذا كنت قد و َّقعتها،
ولكنَّن�ي أقول لك ما ي�أيت :إنَّه إذا أحرضت يل اآلن ورق ٌة حتت�وي عىل مثل هذا املعنى
ا َّلذي ذكرته فإنَّني لن َّ
أتأخر عن توقيعها باس�مي ،وأختمها بخامتي يف حضورك اآلن
أيهُّ ا الباشا.
ونظ�ر َّ
الش�يخ إىل أعض�اء املحكمة قائالً :إذا كنتم مس�لمني ،فهل تس�تطيعون أن
وانضم إليهم ومل يعد جدير ًا
َّ تنكروا أن توفيق باشا قد خان بالده ،وذهب إىل اإلنجليز
بأن يكون حاك ًام لنا؟
واصف�ر وجه الباش�ا رئي�س املحكمة ا َّل�ذي كان يظن أنَّه خيي�ف املحكومني ،ومل
َّ
108
حراس املحكمة أن ٍ ٍ
الرجل املس� ِّن اجلريء ،وأومأ إىل َّ
ينط�ق بكلمة واحدة ير ُّد هبا عىل َّ
ثم نقلوه إىل قريته ،واعتقلوه هبا(.)1
يأخذوه ،وخيرجوا به من قاعة املحكمةَّ ،
* * *
يدرس الش�يخ حممد نصيف -رمحه اهلل :-كان العلاَّ مة َّ
الش�يخ عيل باصربين ِّ قال َّ
افعي بجدَّ ة ،ففي إحدى ال َّليايل جاء البحث لطلاَّ به ما بني املغرب والعشاء يف جامع َّ
الش ِّ
ال فاحش ًا،
الشيخ باصربين منها ني ً
الوهاب وأتباعها ،فنال َّ يف دعوة َّ
الشيخ حممد بن عبد َّ
وكان من ال َّطلبة َّ
الش�يخ صالح العبد اهلل البس�ام -رمحه اهلل َّ ،)2(-
والش�يخ مبارك بن
فلـمـا فرغ الدَّ رس قاما إليه ،وقاال له :هل ا َّطلعت
مساعد آل مبارك -رمحه اهلل َّ ، -
()3
الوهاب حينام نلت منه ومن دعوته؟ فقال هلام: يا شيخ عىل كتب َّ
الشيخ حممد بن عبد َّ
ال ،إنَّن�ي مل أ َّطل�ع عليه�ا ،ولكنَّني قلت هذا نق ً
ال عن مش�اخيي ،فقاال له :أال ترغب يف
ٍ
بنسخ من كتبه ،فدرسها نحو أسبوع ،وهو ال يأيت اال ِّطالع عىل كتبه؟ فقال :بىل ،فأتياه
بمدح وال ٍ
قدح. ٍ للشيخ حممد ٍ
بذكر؛ ال َّ
وبع�د ذل�ك قال لل َّطلب�ة :إنَّني يف إح�دى ال َّليايل َّ
الس�ابقة :نلت من َّ
الش�يخ حممد
أن كالمي مل يك�ن عن ا ِّطال ٍع عىل كتب�ه ،وإنَّام هو
واحل�ق َّ
ُّ الوهاب ودعوته،
اب�ن عب�د َّ
تقليدٌ وحس�ن ظ ٍّن يف مش�اخينا ،وقد أطلعني بعض إخوانن�ا النَّجد ِّيني عىل بعض كتبه
الش�يخ صالح بن عبد اهلل البس�ام يف عنيزة س�نة (1270هـ) ،وجدَّ واجتهد وش�ارك يف العلوم ( )2ولد َّ
الرشعي�ة ،وكان -رمح�ه اهلل -له ولع بالعلم وكتبه ،ومجع مكتبة حافل�ة ،وكانت له أعامل جتارية مل تصده
عن العلم .توىف يف شبابه سنة (1307هـ)« .علـمـاء نجد».
ثم رحل إىل الشيخ مبارك بن مساعد آل مبارك يف عنيزة سنة (1258هـ) ،وقرأ عىل مشايخ بلدهَّ ، ( )3ولد َّ
جدة للتجارة ا َّلتي مل تش�غله عن العلم ،وكان حيفظ كثري ًا من ش�عر العرب .تويف سنة (1316هـ) تقريب ًا.
«علـمـاء نجد».
109
ثم صنَّف
والصواب ،وأنا أستغفر اهلل -تعاىل -عماَّ قلتَّ ،
احلق َّورسائله ،فرأيت فيها َّ
رسال ًة سماَّ ها« :هداية كمل العبيد إىل خالص التَّوحيد»(.)1
* * *
الش�يخ عىل بن س�امل بن جلعود آل جليدان -رمحه اهلل )2( -غيور ًا جسور ًا ال كان َّ
حج ودخل املس�جد احلرام رأى ِحل�ق ِّ
الذكر املقامة تأخ�ذه يف اهلل لوم�ة الئ ٍمَّ ،
ولـمـا َّ
ثم الضمري وحده (هو هو) ،فلم يتاملك نفس�ه هن�اك ،وإذا ه�م ير ِّددون لفظ اجلاللةَّ ،
إلاَّ أن أخ�ذ ينك�ر عليهم بيده ويرضهبم بعص�اه ،فقبض عليه وذهب�وا به إىل الشرَّ يف
أمير مكَّ�ة يف ذل�ك الوقت ،فقال :ما محلك على ذلك؟ فقال :فعلت ه�ذا العمل كي
بأن ه�ذا العمل بدع ٌة منكرةٌ ،وأنَّه ال
أص�ل إليك ،والقصد من وصويل إليك إخبارك َّ
ٍ
استعداد ملناظرهتم بحرضتك .فخلىَّ أتم
يس�عك تركهم يتالعبون باسم اهلل ،وإنيِّ عىل ِّ
الشرَّ يف سبيله وتركهم عىل عملهم(.)3
* * *
ٍ
يومئذ ،عىل َّ
الشيخ حممد اإلنجليزي كرومر ج َّبار مرص وحاكمها مر ًة ال ُّلورد
ُّ دخل َّ
الش�يخ وقتها يتولىَّ مشيخة اجلامع
بن حممد بن حسين األلباين -رمحه اهلل ،)4(-وكان َّ
الش�يخ عىل بن س�امل آل جليدان يف عنيزة س�نة (1240هـ) ،فطلب العلم وق�رأ عىل علـمـائها، ( )2ولد َّ
وكان كثري الصالة واحلج والعبادة ،غيور ًا عىل الدين ،ال تأخذه يف اهلل لومة الئم .تويف س�نة (1310هـ).
«علـمـاء نجد».
الش�يخ ش�مس الدين حممد بن حممد بن حسين األلباين الش�افعي -رمحه اهلل -علاَّ مة فقيه مش�ارك (َّ )4
يف أن�واع م�ن العلوم ،مكثر من التصنيف والتأليف ،ولد بالقاهرة س�نة (1240ه�ـ) ،وتلقى مجيع العلوم
ثم ويل مشيخته = ودرس فيه ،وعينِّ أمين ًا لفتوى مشيخة األزهرَّ ،
املتداولة يف عرصه باجلامع األزهرَّ ،
110
السالم ،ومدَّ يده فصافحه وهو قاعدٌ ،فاستعظم األزهر فلم يقم له َّ
الش�يخ ،ور َّد عليه َّ
ألس�ت تقوم للخديوي؟! قال :نعم ،قال :ولمِ َ لمَ ْ تقم يل؟! قال:
َ ذلك ال ُّلورد ،وقال له:
إن اخلدي�وي ه�و و ُّيل األمر بن�ا ،وال ُّلورد لي�س منَّا ،واهلل يق�ول :ﱫ ﯸ ﯹ ﯺ
َّ
ﯻ ﯼ ﯽ ﯾ ﱪ [النساء.)1(]59:
* * *
املكرم�ة وأصحاب الفتياالرفي�ق قد نفى كبار علـمـ�اء مكَّة َّ
كان الشرَّ ي�ف عون َّ
الرمحن رساج -رمحه اهلل )2(-ا َّلذي سافر معه فيها ،وكان أحد املنف ِّيني هو َّ
الشيخ عبد َّ
ابنه عبد اهلل رساج ،فوصلوا إىل جدَّ ة ونزلوا يف بيت ش�يخ داليل األسماك فيها ،وكان
الرمح�ن رساج مريض ًا ،ومل يكن معه من الـمـال ما يصل�ح أحواله وأحوال ابنه،عب�د َّ
الرمحن رساج رسول املعتمد ويف املسكن البسيط ا َّلذي جلأ إليه يف جدَّ ة زار َّ
الشيخ عبد َّ
الرمح�ن رساج رغبة احلكوم�ة الربيطان َّية الربيط�اين يف ج�دَّ ة وعرض عىل َّ
الش�يخ عبد َّ
الشيخ ٍ
واحد ،فإذا أصدر َّ بإصدار فتوى بجواز أن يكون للمسلمني خليفتان يف ٍ
وقت
بارجة حرب َّي ٍة إنجليز َّي ٍة إىل
ٍ الرمحن هذه الفتوىَّ ،
فإن احلكومة الربيطان َّية تنقل�ه يف عب�د َّ
اهلند ليتولىَّ منصب قايض القضاة هناك.
اب عبد اهلل رساج الرمحن رساج إىل ابنه ،كأنَّه يستطلع رأيه ،ورأى َّ
الش ُّ ونظر عبد َّ
ٍ
وجاه ،فقال ٍ
منصب أن الفرج قد جاء إىل أبيه يف هذا العرض ا َّلذي يسرت ُّد به ما فقد من
َّ
= مرتني ،وكان ي َّتجر باألقمشة ،وأصيب بشلل قبل وفاته بسنتني .تويف بالقاهرة سنة (1313هـ).
الرمحن ب�ن عبد اهلل رساج بمكة املكرمة س�نة (1249هـ) .حف�ظ القرآن وقرأ عىل ( )2ول�د َّ
الش�يخ عبد ّ
علـمـاء مكة .وتوىل منصب مفتي األحقاف بعد وفاة َّ
الش�يخ مجال عبد اهلل .نفاه الرشيف عون أمري مكة
ثم رحل إىل مرص.وتويف فيها س�نة (1314هـ)« .أعالم احلجاز» ملحمد ٍ
مجاعة من العلـمـاءَّ . إىل جدة مع
عيل مغريب.
111
ألبيه إنَّه ال يرى بأس ًا بإصدار هذه الفتوى.
الرمحن رساج نظ�ر إىل ابن�ه نظر ًة صاعق� ًة ،وأهوى بي�ده عىل وجهه ولك�ن عب�د َّ
الربيطاين يقول :ارجع لس ِّيدك
ِّ فلطمه عىل خدِّ ه لطم ًة أليم ًة ،والتفت إىل رسول املعتمد
فأخربه أنيِّ ال أبيع ديني بدنياي.
اب كانت له درس ًا الرمحن رساج عىل وجه ابنه َّ
الش ِّ هذه ال َّلطمة ا َّلتي أهوى هبا عبد َّ
ظل هيتدي به ط�ول حياته ،حتَّ�ى إنَّه حدَّ ث ابنه البكر حسينم�ن أعظ�م ال�دُّ روسَّ ،
السنني(.)1
رساج عنه بعد عرشات ِّ
* * *
الس�هر،
من لطائف كامل بن مصطفى -رمحه اهلل -مفتي طرابلس أنَّه ال حيب َّ
()2
الش�يخ حممد كامل بن مصطفى س�نة (1244هـ) يف الزاوية يف ليبيا ،ونش�أ هبا ،ورحل إىل مرص( )2ولد َّ
ال ينرش العلم ،ح َّتى صار مفتي طرابلس .تويف سنة (1315هـ). لطلب العلم ،ورجع عالـمـ ًا جلي ً
(« )3اجلواهر اإلكليلية أعيان علـمـاء ليبيا من الـمـالكية» لنارص الدين حممد الرشيف (ص.)317
الطويل الـمـالكي املرصي -رمحه اهلل ،-فاضل ،ورع ،وعاملالشيخ أبو حممد حسن بن أمحد بن عيل ّ(َّ )4
ثم باألزهر ،واش�تغل بالتدريس،مفرس ،ولد يف منية ش�هالة باملنوفية س�نة (1250هـ) ،وتعلم يف طنطاَّ ،
توىل تصحيح ما يطبعه ديوان اجلهادية ،كان مفتش ًا يف وزارة املعارف .تويف بالقاهرة سنة (1317هـ).
112
الشيخ حسن قال له :يا باشاَ ،أ َما َ
آن لكم أن فلـمـا رآه َّ
باش�ا ،فدخل غرفة األس�اتذةَّ ،
جتعلوين معكم وزير ًا؟ فدهش رياض باش�ا ،وقال له :ما هذا يا ش�يخ حسن؟قال :ما
ٍ
وزارة تريد؟ قال :الـمـال َّية ،قال :ولـمـاذا؟ قال :ألستبيح فأي
تس�مع يا باشا؟ قالُّ :
الزيارة وخرج ،وقال ملبارك باش�ا :البدَّ أن خترج هذا
الرئيس وقطع ِّ
أمواهل�ا ،فغضب َّ
الرج�ل م�ن خدم�ة احلكومة ف�ور ًا .قال عيل مبارك باش�ا :وم�اذا أصنع م�ع علـمـاء
َّ
عاملي؟!
األرض ،وهو عامل ٌ ٌّ
الش�يخ حس�ن ال َّطويل -رمحه اهلل -يوم ًا ليدخل عىل اخلديوي ،فك َّلفوه أن
وجاء َّ
ين�زع عباءت�ه ،ويدعه�ا يف البهو ،فأبى ،وق�ال :أقف هبا يف صاليت وأقاب�ل هبا ربيِّ وال
أقابل هبا اخلديوي؟!(.)1
* * *
ال�ر َّزاق البيط�ار -رمحه اهلل ،)2(-أس�اليب يف اإلقن�اع عجيب ٌة، كان َّ
للش�يخ عب�د َّ
الرس�ول -عليه الصالة
مر ًة أنَّه جي�ب القيام عند ذكر والدة َّ فمنه�اَّ :
أن بعضه�م زعم َّ
والسلام (وجوب ًا بدعي ًا) تعظي ًام له -صىل اهلل عليه وس�لم ،-وأ َّلف يف ذلك رس�ال ًة،
فألح عليه ،وأخري ًا قال له األستاذ
ومحلها للفقيد ليكتب له عليها تقريظ ًا فاعتذر إليهَّ ،
الرس�ول -عليه الصالة
الرس�الة أنَّ�ه إذا قيل ولد َّ
املرح�وم :أن�ت مقصودك من هذه ِّ
والسالم -جيب القيام؟ قال :نعم.
الرزاق بن حسن البيطار بدمشق سنة (1253هـ) ،نشأ يف أرسة علمية عريقة بالعلم ( )2ولد َّ
الشيخ عبد ّ
والعلـمـاء .حفظ القرآن الكريم وجوده عىل ش�يخ قراء الش�ام أمحد احلل�واين ،ودرس العلوم عىل والده
ومشايخ دمشق .رحل يف طلب العلم إىل القاهرة وإستانبول والقدس وبريوت وغريها .عرف باجلرأة يف
الرزاق البيطار» احلق ،والصرب عىل األذى فيه .تويف س�نة (1335هـ)« .أديب علـمـاء دمشق َّ
الشيخ عبد ّ
ملحمد بن نارص العجمي.
113
قال :وا َّلذي ال يقوم عند ذكر والدته -صىل اهلل عليه وس�لم -؟ قال :يكون آث ًام؛
ألنَّه ترك واجب ًا.
الرسول -صىل اهلل عليه وسلم -جيب ذلك؟ قال :نعم. قال :أكلـمـا قيل :ولد َّ
ٍ
فعندئذ قال له األس�تاذ :ها أنا ذا قد ذكرت لك والدته -صىل اهلل عليه وس�لم -
ثالث مر ٍ
ات فلم مل تقم؟ فقال له:؛ ألنَّه ال يوجد هنا اآلن مولد. َّ
فأجابه األستاذ :أنت إذ ًا تقوم تعظي ًام لـمـا اشتمل عليه املولد ال ملن ُولِدَ ؟ فخجل
احلقيقي باتِّباعه يف
َّ َّبي -صىل اهلل عليه وسلم -
إن تعظيم الن ِّثم قال األستاذَّ :
ومل جيبَّ ،
خلق ِه(.)1أقواله وأفعاله ،ونرش هدايته ا َّلتي جاء هبا عن ربه مشتمل ًة عىل سعادة ِ
ِّ
* * *
الش�مس احلاجي الش�نقيطي -رمحه اهلل )2(-قافل ٌة مأمون ٌة
للش�يخ أمحد بن َّ
كانت َّ
كثري من ُح َّجاج خلق ٌ املكرمة ،ويلتحق به ٌ املنورة إىل مكَّة َّ
يسيرِّ ها يف املواسم من املدينة َّ
بيت اهلل احلرام ،ومل يكن النَّاس س�اعتها يس�تطيعون التَّن ُّقل بني املدينتني املقدَّ ستني إلاَّ
ٍ
شديدة من اجليش لكثرة ُق َّطاع ال ُّطرق. ٍ
حراسة يف ِّ
ظل
ويروى عنه أنَّه كان إذا ا ْلت َقى بال ُّلصوص يف س�فره يظ ُّن النَّاس أنَّه س�يدارهيم عىل
الركوب ،ولكنَّ�ه كان ينقلب عليه�م بالتَّوبيخ واإلهانة والتَّحقير ويقول هلم ما
ُس�نَّة ُّ
الرزاق البيط�ار حيات�ه وإجازات�ه» (ص )26ملحمد بن نارص (« )1أدي�ب علـمـاء دمش�ق َّ
الش�يخ عب�د ّ
العجمي.
الش�يخ أمحد بن الش�مس احلاجي -رمحه اهلل -يف بلدة «إ ّدا» واحلاج ببالد «ش�نقيط» ونش�أ هبا، ( )2ولد َّ
حيا عام (1922م) .عاش يف موريتانيا واملغرب واحلجاز ،تلقى علوم الفقه واألدب واللغة يف زاوية كان ًّ
الش�يخ ماء العينني .عمل بالتدري�س ،وتتلمذ عليه السمارة على عدد من علـمـاء عرصه ،وعىل رأس�هم َّ ّ
معظ�م أف�راد قبيلته .هاجر إىل املدينة املنورة ،ونرش العلم هب�ا ،فكانت له مكانة طيبة لدى العثامنيني وأهل
احلجاز .تويف سنة (1342هـ).
114
معناه :بئس القوم أنتم ختيفون املس�لمني ،وتقطع�ون ال َّطريق عىل املؤمنني ،وتغصبون
كالصواعق املرس�لة ،فال يكون منهم رب العاملني ،فيقع كالمه عليهم َّ أم�وال ضيوف ِّ
إلاَّ االنكسار واخلضوع.
الش�ناقطة كان قائد ٍ
مجاعة من َّ للضيم :نجاحه يف إطالق رساح ومن إبائه ورفضه َّ
املنورة الترُّ كي عمر فخري باش�ا قد حجزهم لتس�فريهم مع املدن ِّيني إىل َّ
الش�ام املدينة َّ
عام (س�فر برلك) املش�هور سنة(1917م) ،وذلك إ َّبان اس�تفحال ال َّثورة العرب َّية عىل
ويتفرغ ملها ِّمه العسكر َّية .وعن هذه احلادثة
َّ املنورة
األتراك كي حيكم قبضته عىل املدينة َّ
يقول األس�تاذ عيل حافظ :س�فرهم حتَّى مل يبق إلاَّ َم ْن يع�دُّ عىل األصابع ،وكان عدد
نس�مة ،ومل يعد منهم س�وى مخس عرشة ٍ س�كَّان املدين�ة آخر زمن األتراك ثامنني ألف
ٍ
وبمساعدة منهم(.)1 اهلاشمي ٍ
نسمة تقريب ًا يف العهد ألف
ِّ
* * *
قصة اتهِّ ام َّ
الش�يخ عاطف أفن�دي -رمحه اهلل -
()2
ق�ال َّ
الش�يخ طاهر املولوي عن َّ
الس�جن بعد صالة العش�اء ،وأخذ يكتب بكفر لبس القبعة :جلس عاطف أفندي يف ِّ
ٍ
طويلة مل ال بعد أ َّيا ٍم دفاعه عن نفسه وا َّلذي طلبه منه القايض ،أغفى َّ
الشيخ عاطف قلي ً
يس�تمر
َّ يذق فيها طعم النَّوم ،أغفى ويف يده ورقة دفاعه ا َّلذي مل يكمله ،ن َْوم عاطف مل
طويالً ،وفجأة فتح عاطف أفندي عينيه وارتس�مت عىل وجهه ابتسام ٌة عميق ٌة ورقيق ٌة
عجيب ٌة.
(« )1أعالم الش�ناقطة يف احلجاز واملرشق جهودهم العلمية وقضاياهم العامة» تأليف بحيد ابن َّ
الش�يخ
يربان القلقمي اإلدرييس ص..
( )2حممد عاطف ،ويطلقون عليه عاطف أفندي أو عاطف خوجة ،وكالمها يعني عامل الدين ،ولد َّ
الشيخ
عاط�ف -رمح�ه اهلل -عام (1876م) يف قرية طوبخانه التابعة الس�كيليب يف األناضول من أرسة عريقة
ثم انتقل إىل إس�طنبول ،ويف عام (1905م) عني
بالعل�م ،عريقة يف النس�ب ،تلق�ى تعليمه األويل يف قريته َّ
عاما .أعدم يف عام (1926م).مدرس ًا ًّ
115
الش�يخ طاه�ر مولوي يس�أل :ماذا ح�دث يا فضيلة َّ
الش�يخ؟ لـمـاذا اس�تيقظت َّ
رسيع ًا؟ قال َّ
الشيخ :حصل املراد من النَّوم.
يعني؟
يعني رأيت رؤيا كنت أنتظرها.
ماذا رأيت؟
اعتدل َّ
الش�يخ عاطف أفندي ،الك ورق�ة دفاعه بيده وقال :رأيت يف رؤياي فخر
الكائنات س� ِّيدنا حممد ًا -صىل اهلل عليه وس�لم -يقول يل :يا عاطف ،أتش�غل نفسك
بالدِّ فاع عن نفسك وال تريد االلتحاق بنا؟!
قال طاهر مولوي َّ
للشيخ :وماذا تفسرِّ هذا؟
قال عاطف أفندي :سيعدمونني وسألتحق بحبيب اهلل -صىل اهلل عليه وسلم .-
الرؤيا ،إلاَّ َّ
أن املدَّ عي العمومي مل يطلب شك ُّ
قط يف صدق هذه ُّ طاهر املولوي :ال َّ
ٍ
سنوات! السجن ثالث لك إلاَّ ِّ
سرتى أنهَّ م سيعدمونني ،وال أفهم إلاَّ أن األمر يأيت من أكرب األبواب.
لدي ما أقوله.
ليس َّ
صحي�ح! ومل يعد للكالم جدوى! وها هي ذي الورقة ا َّلتي كتبت فيها دفاعي ومل
أمزقها.
أكملها بعد ِّ
ويف الي�وم التَّ�ايل حكمت املحكمة باإلعدام عىل عاطف أفن�دي عىل أن ينفذ هذا
احلكم فور ًا ،فنفذ يف فجر اليوم التايل(.)1
* * *
116
الرسم َّية احتفاالً ٍ
جاء أحد املس�ترشقني يف زورة إىل القاهرة ،فاحتفلت به الدَّ وائر َّ
ٍ
موسوعات، رنَّان ًا ،وأسهبت اجلرائد يف تعداد مآثره ،وما ح َّقق من ٍ
كتب ،وما نرش من
وأقيم�ت يف إح�دى دور العل�م الكبيرة حفل� ًة الس�تقباله ش�هدها مجه�ور من ذوي
ال َّثقاف�ة ،وفيهم من ال يزالون يس� ِّبحون بحمد املس�ترشقني ،ويفرحون بام يرجفون به
مؤلفات حتمل أسماءهم دون ٍ
حياء ،وما حان ٍ ٍ
مفرتي�ات ،ليذيعوها عىل النَّاس يف م�ن
الزائر ويفتتح الكالم عن
موع�د االحتفال حتَّى هنض وزير املعارف يكرم املس�ترشق َّ
لف َل َّفهم عىل
مزاي�اه ومباهيه ،وكان من املتو َّقع أن يتواىل األس�اتذة اجلامع ُّيون و َم ْن َي ُّ
منصة اخلطابة ليصلوا بال َّثناء عىل منتهاه ،ولكن اجلمهور فوجئ باألس�تاذ عبد العزيز
َّ
جاوي�ش -رمح�ه اهلل )1(-بقامته املمتدَّ ة وعاممته العالي�ة وعباءته الفضفاضة ،وعصاه
املنصة مقح ًام نفسه بعد أن انتهى وزير املعارف من كلمتهَّ ،
ثم يرسل عينيه املمتلئة يعتيل َّ
(ُ )1ول�د عب�د العزيز جاويش -رمحه اهلل -يف اإلس�كندرية (12من ش�وال 1293ه�ـ 31 -من أكتوبر
الق�رآن الكريم ،وتع َّلم مبادئ القراءة والكتابة،
َ 1876م) ،ونش�أ يف أرسة كريمة تعمل بالتجارةِ ،
وحفظ
رأس حترير جريدة (الل�واء) .تويف يوم واجت�ه إىل مواصل�ة التعليم ،فس�افر إىل القاهرة والتحق باألزه�رَ ،
اجلمعة ( 13من شعبان 1347هـ -املوافق 25من يناير 1929م).
117
الس�وداء ذات ٍ
بربي�ق يمتدُّ إىل ثناي�اه الالَّمعة ،ويدور حول حليته َّ املتأللئتين تومضان
ثم يقول ما معناهَّ :
إن كلمة وزير املعارف املشهد الوقور ،ويبتدئ احلديث بحمد اهللَّ ،
إن املؤ َّلف�ات ا َّلتي حتدَّ ث
ت�دل عىل أنَّه مل يقرأ ش�يئ ًا هلذا املس�ترشق ا َّل�ذي تكرمونه ،إذ َّ
ُّ
ٍ
طعنات عنه�ا الوزير وس�يتحدَّ ث عنها بال َّطبع من أعدُّ وا أنفس�هم للكالم ليس�ت إلاَّ
مس�موم ًة للفكرة اإلسالم َّية ،وقد قرأهتا أثناء إقامتي بإنجلرتا ،وناقشت صاحبها فلم
ٍ
الروايات
ثم يلتمس أوهى ِّ أج�ده خيطئ إلاَّ عن عمد ،فهو يدري َّ
الصواب ،ويتجنَّبهَّ ،
الرجل
لكرمنا َّ
ثقايف َّ
وعي ٌّ
ليبن�ي عليها ما يروق من التَّدليس واالفرتاء ،ولو كان لدينا ٌ
مة بح ٍ
اث. ف علاَّ ٍ
كضيف فقط ال كمؤ ِّل ٍ
ٍ
َّ
فارتج احلفل ارجتاج� ًا ،واضطرب الوزير اضطراب
َّ قال األس�تاذ جاويش ذلك،
املح�رج املأخوذ ،وتس�اقط عرق اخل�زي عىل وجوه من أعدُّ وا أنفس�هم للكالم ،وزاد
يب َّ
الش�هم :عب�د احلميد واملس�لم العر ُّ
ُ املوق�ف خط�ور ًة حين وق�ف النَّائ�ب باس�ل،
الش� َّبان املسلمني فأعلن إهناء احلفل ،وأش�ار للمستمعني فتس َّللوا
س�عيد رئيس مجع َّية ُّ
منرصفين ،بينام جأر األس�تاذ جاويش يصيح :ي�ا للمذ َّلةَ ،أو َصل االهنيار باملس�لمني
ِ
َّوحش والغلظة َّ
والش�هوة إىل ح�دٍّ جيعلهم يقيمون حفالت تكري ٍم ملن َيص ُم دينهم بالت ُّ
ثم يكون رئيس االحتفال وزير املعارف ،ومتك ِّلموه أس�اتذة اجلامعة يف
واالس�تعبادَّ ،
عاصمة اإلسالم(.)1
* * *
البيومي (.)68/1
(« )1النهضة اإلسالمية يف سري أعالمها املعارصين» للدكتور حممد رجب ّ
118
اهلجري،
ِّ يؤرخ رس�ائله وعق�وده بالتَّاريخ ِّ
()1
كان أمحد تيمور باش�ا -رمحه اهلل -
ٍ
بس�بب ،كام كان وفيه�ا ما يص�ل إىل الشرَّ كات األجنب َّية ،و َم� ْن ال يتَّصلون إىل العرب َّية
حي�رص عىل اس�تعامل األلفاظ العرب َّي�ة يف كتاباته وحمادثاته ،فيس�مي التليفون :هاتف ًا،
ولـمـا ضاق صدره بالكلـمـات األوروب َّية واجلنيه :دينار ًاِّ ،
والس�كرتري :كاتم الِّس�رِّ ِّ َّ ،
الصحافة يف املخرتعات احلديثة ،وضع هلا ألفاظ ًا عرب َّي ًة من عنده َّ
ثم ا َّلتي تس�تخدمها َّ
نرشها عىل النَّاس.
تعصب�ه للغة العرب َّية أن كتب إليه األس�تاذ كاظم الدجييل يس�أله عن
وق�د بلغ يف ُّ
للكلبي يف مثالب العرب يريد أن ينرشه عىل النَّاس ،فكتب إليه تيمور يقول: ٍ
خمط�وط
ِّ
ٍ
كتاب مثله يفقد حتَّى يسرتيح النَّاس منه. كلإنَّه مفقو ٌد ،وليت َّ
هذا وقد اعتزم نور الدين مصطفى بك أن يؤ ِّلف مجع َّي ًة توران َّي ًة ُّ
تضم غري املرص ِّيني،
الكردي،
ِّ من أرنؤود وجركس وترك وكرد ،وك َّلم تيمور يف االنضامم إليها نظر ًا ألصله
مس�لم من جامعة املس�لمني .ومواقفه ٍ
حازمة :أنا فرفض رفض ًا تاما ،وقال له يف ٍ
هلجة
ٌ ًّ
( )1ول�د أمح�د ب�ن إسماعيل ب�ن حمم�د تنكور املش�هور بأمح�د تيمور باش�ا -رمح�ه اهلل -س�نة (1288
هـ1871/م) ،أديب مرصي بارز ،من أب كردي وأم تركية .من أعضاء املجمع العلمي العريب بدمش�ق
وعضو ًا باملجلس األعىل لدار الكتب .تويف سنة ( 1348هـ1935/م).
119
الشهرية يف هذا الباب أكثر من أن تُـحصرَ . َّ
الرس�م َّية يف الدَّ ول�ة فلم تتعدَّ العضو َّية يف جملس ُّ
الش�يوخ ،وقد قبلها أ َّما مناصبه َّ
يتفرغ يف عزلته للبحث واالنتفاع ،ولكنَّه مل يس�عه غري اخلضوع مرغ ً
ما ،وكان بو ِّده أن َّ
إلرادة امللك فؤاد إذ اختاره بنفسه ،كام أنعم عليه بالباشو َّية تقدير ًا جلهوده اجلليلة.
ٍ
ترحيب بام أس�ند إليه من رحب أكمل الش�يوخ لقد َّولئن ضاق عالَّمتنا بمجلس ُّ
امله�ا ِّم العلم َّي�ة ،فقد عينِّ عضو ًا يف جلنة إصالح األزهر س�نة (1924م) ،فقام بواجبه
مهتدي� ًا بأف�كار أس�تاذه اإلم�ام ،كام اختري عض�و ًا يف جمل�س إدارة دار الكت�ب ،فكان
األول فيام يعرض من شئون(.)1
الرأي َّ
صاحب َّ
* * *
()2
الس�ابق َّ
الش�يخ حممد بخيت املطيع�ي -رمحه اهلل - لط�م مفت�ي الدِّ يار املرصية َّ
البيومي (.)12/2
(« )1النهضة اإلسالمية يف سري أعالمها املعارصين» للدكتور حممد رجب ّ
الش�يخ حممد بخيت املطيعي يف أس�يوط سنة (1271هـ) .حفظ القرآن يف صغره ،وتلقى تعليمه ( )2ولد َّ
يف األزهر .عكف عىل التدريس واإلفادة ح َّتى صار من كبار علـمـاء بلده ال س�يام يف علم األصول ،عني
يف عام (1914م) مفتي ًا للديار املرصية .تويف سنة (1354هـ)« .األزهر يف ألف عام» للدكتور حممد عبد
املنعم خفاجي.
120
االس�تعامر لطم ًة قاس�ي ًة ،حني أصدر فتوى دين َّي ًة يف مقاطعة اإلنجليزَ ،فسرَ ْت مرسى
الشيخ بخيت أكرب النَّار يف اهلشيم ،وبدَّ دت ما نسج من األحالم واألمن َّيات ،ولقد كان َّ
ٍ
مفت لإلسالم يف عرصه ،ورفض ثرو ًة مغري ًة قدِّ مت إليه حني أصدر فتوى إسالم َّي ًة يف
إن هذه ال كلمته اجلليلة :العلم يف اإلسلام ال يباع .ولعمريَّ ، و ْق ٍ
�ف من األوقاف قائ ً َ
إسلامي خالدٌ جي�ب أن يرت َّدد ويذاع،
ٌّ ٌ
قانون الصغيرة عىل إجيازها العجيب،
اجلمل�ة َّ
ليؤمن به املسلمون ويعملوا به(.)1
* * *
الفرنيس َّ
الشيخ عبد احلميد بن باديس اجلزائري -رمحه ُّ السامي
استدعى املندوب َّ
اهلل ،)2(-وقال له :إ َّما أن تقلع عن تلقني تالميذك هذه األفكار ،وإلاَّ أرس�لت جنود ًا
الش�يخ عب�د احلميد بن حممد ب�ن مصطفى بن مكي ب�ن باديس -رمحه اهلل ( )2ول�د اإلم�ام العامل اجلليل َّ
-ي�وم (1307/4/11ه�ـ) املواف�ق (/4ديس�مرب 1889/م) وقبيلته ه�ي صنهاجة ،أت�م حفظ القرآن
وه�و يف الثالث�ة عشرة من عمره ،وتلقى عل�وم العربية والفقه واحلديث عىل يد َّ
الش�يخ مح�دان التونيس،
ثم اجته إىل الزيتونة عام (1326هـ) ورحل إىل احلجاز ،أنش�أ مجعية علـمـاء املس�لمني س�نة (1347هـ) َّ
املوافق (1928م) ،أس�هم يف تأس�يس جريدة «النجاح» عام (1337هـ) املوافق (1919م) .تويف -رمحه
الربانيني» مجع وترتيب
اهلل -س�نة (1359هـ) املوافق (1940م)«.زهرة البس�اتني من مواقف العلـمـاء ّ
الدكتور سيد بن حسني العفاين (.)295/5
121
إلغالق املسجد ا َّلذي ينفث فيه هذه ُّ
السموم ضدَّ نا ،وإمخاد أصواتك املنكرة.
فأجاب َّ
الش�يخ عبد احلميد :أيهُّ ا املس�يو احلاكم ،إنَّك ال تستطيع ذلك ،واستشاط
ٍ
ع�رس ع َّلمت كنت يف
الش�يخ :إذا ُاملس�يو غضب� ًا ،وق�ال :وكيف ال أس�تطيع؟ ق�ال َّ
جلست يف ٍ
قطار ع َّلمت املسافرين، ُ كنت يف مأت ٍم وعظت ا ُمل ِّ
عزين ،وإذا املحتفلني ،وإذا ُ
وخري
ٌ أهلبت مشاعر املواطنني،
أرشدت املسجونني ،وإن قتلتموين ُ ُ السجن دخلت َّ
ُ وإذا
تتعرض لأل َّمة يف دينها ولغتها(. )1
َّ لك أيهُّ ا املسيو ألاَّ
الشيخ عبد احلميد بن باديس -رمحه اهلل -زاهد ًا ،انتقل من بيت والده إىل
وكان َّ
ال ال يزي�د عن الكرسة وال َّلبن وفنجان ٍ
غرفة بجوار مس�جد قموش ،وكان طعامه قلي ً
أو فنجانني من القهوة يوم ًّيا ،وكان -رمحه اهلل -إذا دعي إىل طعا ٍم اشترط االقتصار
واحد من ال َّطعام ،وكان يسأل عن الكسكيس فإن وجده مل يأكل معه غريه. ٍ ٍ
صنف عىل
وكان -رمحه اهلل -حيرص عىل ارتداء الربنس املنس�وج قامش�ه يف اجلزائر .ويذكر
أح�د تالميذه أنَّه بينام كان َّ
الش�يخ يلقي درس�ه نظ�ر إىل تالميذه ف�رأى أحدهم يلبس
برنس� ًا مصنوع ًا قامشه يف فرنسا ،فقال له :ما هذا الربنس؟ أ َّما أنا فأفضل ا َّلذي صنعته
أ ِّمي عىل ا َّلذي صنعته َّ
رضهتا.
اإلسلامي ا َّلذي
ِّ أ َّما عن ش�جاعته فال بدَّ من ذكر موقفه حني كان يف وفد املؤمتر
قابل رئيس الوزراء (دالدييه) ،فتحدَّ ث املسئول الفرنيس إىل الوفد مهدِّ د ًا َّ
بقوة فرنسا،
فر َّد عليه ابن باديس :ونحن لدينا مدافع ،إنهَّ ا مدافع اهلل(.)2
* * *
(« )1صفحات مرشقة من تاريخ أعالم األمة» تصنيف عبده عيل كوشك (ص.)638
122
الرشيد إبراهيم -رمحه اهلل -أن يكون جند ًّيا يدعو إىل اهلل باحلكمة الشيخ عبد َّ آثر َّ
مثابرة ،ويرتك لأل َّيام ٍ هدوء ،ويرحل يف ٍ صمت ،ويعظ يف ٍ واملوعظة احلس�نة ،يؤ ِّلف يف
فعمر يف اإلسلام حتَّى تعج ٍل ،وقد أحس�ن اهلل عاقبته َّ أن تُنض�ج ب�ذوره ال َّط ِّيب�ة دون ُّ
تعمه يف ال ُّظلـمـات ،وما مات حتَّى ٍ
ش�اهد نوره يمتدُّ عىل يديه إىل مطارح نائية كانت ُّ
الياباين عىل االعرتاف باإلسالم واحد ًا َّ اس�تطاع يف سنة (1939م) أن جيرب الربلـمـان
الشيخ مسجدين ال مسجد ًا واحد ًا. الرسم َّية ،وهبذا االعرتاف بنى َّ من أديان الدَّ ولة َّ
نصه يف أحد تم بص�دد ذلك ،إذ جاء هبا ما ُّ وق�د نشرت جريدة البالغ خالصة ما َّ
أعداد مارس سنة (1939م):
إن الرش�يد إبراهيم رئيس اجلمع َّية اإلسالم َّية بطوكيو يقولَّ : أرس�ل األستاذ عبد َّ
الياباين
ِّ وزير املعارف فيها عرض يف َّأول يو ٍم من مارس سنة (1939م) عىل الربلـمـان
يس�مى «زي�زال أراكي» يقضي باعتب�ار الدِّ ينني (البوذي واملس�يحي) ٍ
قانون مشروع
َّ َ
دوت ثم َّ
دينني رس�ميني يف اليابان ،فاعرتض بعض األعضاء قائلني :وأين اإلسلام؟ َّ
وشمال وطال�ت املباحثات يف ذلك ثالث�ة أ َّيا ٍم ،وانتهت ٍ أص�وات املعارضة عن ٍ
يمني
اإلسلامي مع الدِّ يننيِّ يضمنه االعرتاف بالدِّ ين ب�ر ِّد املرشوع إىل وزير املع�ارف حتَّى ِّ
فلـمـا ذاع هذا اخلرب، تم ذلك وصادق عليه الربلـمـ�انَّ ، (الب�وذي واملس�يحي) ،وقد َّ
ونرشت اجلرائد اليابان َّية ما دار من املناقشات فيه أخذ النَّاس يأتون إىل املسجد أفواج ًا،
123
ويطلبون من اجلمع َّية اإلسالم َّية يف طوكيو كتب ًا عن اإلسالم بال ُّلغة اليابان َّية(.)1
* * *
الش�يخ أمح�د إبراهيم -رمح�ه اهلل )2(-م�ن ال َّطاعنني يف اإلسلام من غري وق�ف َّ
املس�لمني موق�ف العزي�ز الكريم ،فحينام انتهك�ت حرمة رس�ول اهلل -صىل اهلل عليه
وس�لم -يف مدرس�ة البن�ات ا َّلتي كان ي�درس فيها عىل ي�د ناظرهت�ا اإلنجليز َّية ا َّلتي
الرسول -صىل اهلل عليه وسلم- مسا بشخص َّ يتضمن ًّ
َّ وزعت كتاب ًا بال ُّلغة اإلنجليز َّية
َّ
وزعوه ،أو عىل َم ْن غض�ب غضب� ًة مرضي ًة ،وأقام القيامة عىل هذا الكتاب ،وعلى َم ْن َّ
كبري(.)3
الشيخ ُب ْعدٌ ٌ أمروا بتوزيعه ،وعزم عىل االستقالة ،وكان للحادثة وإنكار َّ
* * *
الش�يخ حمم�د املراغ�ي -رمح�ه اهلل )4(-ينظ�ر قض َّي� ًة كبير ًة تتع َّل�ق بماليني
كان َّ
البيومي (.)43/1
(« )1النهضة اإلسالمية يف سري أعالمها املعارصين» للدكتور حممد رجب ّ
( )2ولد َّ
الشيخ أمحد إبراهيم بك احلسيني -رمحه اهلل -يف القاهرة سنة (1874م) ،ونشأ يف أرسة فاضلة،
فقد كان والده من علـمـاء األزهر ،حفظ القرآن الكريم ،ودرس العلوم الرشعية ،واش�تغل بالعديد من
املناصب التعليمية يف مرص ،وشارك يف العديد من اجلهات العلمية .تويف سنة (1945م).
(« )3أمحد إبراهيم بك فقيه العرص» للدكتور حممد عثامن شبري (ص .)59
124
ولوح ل�ه أصحاهبا بآالف اجلنيه�ات إِ ْن ُح ِكم لصاحله�م ،ورفض فألقوا
اجلنيه�اتَّ ،
نار فأصاب عنقه ،ووصف املجرم وقبض عليه ونال العقاب. عليه ماء ٍ
لـمـا ط َّلق زوجته امللكة فريدة أراد وم�ن املحن ا َّلتي َّ
تعرض هلا َّ
أن امللك ف�اروق َّ
الزواج بع�ده .ورفض اإلمام املراغي أن يص�در فتوى بذلك .وذهب حي�رم عليه�ا َّ
أن ِّ
امللك إليه وكان يعالج يف مستش�فى املواس�اة ،فقال كلمته املشهورة :فأ َّما ال َّطالق فال
أرضاه ،وأ َّما التَّحريم فال أملكه.
حيرم ما أحل الش�يخَّ :
«إن املراغي ال يس�تطيع أن ِّ ولـمـا غلظ عليه فاروق صاح َّ
َّ
اهلل»(.)1
* * *
َد َر َس عبد القادر احلس�يني -رمح�ه اهلل )2(-يف اجلامعة األمريك َّية بالقاهرة ،ونقم
َّ
=بالش�يخ حممد عبده .نال ش�هادة العاملية س�نة (1904م) .توىل القضاء يف املحكمة الرشعية ،ومش�يخة
األزهر مرتني .تويف سنة (1945م) « .األزهر يف ألف عام» للدكتور حممد عبد املنعم خفاجي.
(« )1األزهر يف ألف عام» ( )375/2تأليف الدكتور حممد عبد املنعم خفاجي.
س يف اجلامعة
( )2قائ�د م�ن ق�واد احلركات اجلهادية يف فلس�طني ما بين ع�ام (1931م 1935 -م)َ .د َر َ
األمريكية يف القاهرة .أرس يف إحدى عملياته ضد القوات اإلنجليزية لكنه متكن من اهلرب إىل العراق=،
125
َّخرج للدُّ فعة األوىل ا َّلتي
الروح التَّنصري َّية االس�تعامر َّية فيها ،وعند إقامة حفلة الت ُّ
عىل ُّ
السياسة
كبري من رجال ِّ
كان هو أحد أفرادها عام (1932م) ،حرض هذا احلفل حشدٌ ٌ
والعلم ،وذوي املكانة من املرص ِّيني واألجانب.
منصة ٍ ٍ وعندم�ا ن�ودي عىل عبد القادر ليتس� َّلم ش�هادته ،تقدَّ م
ووق�ار إىل َّ هب�دوء
مزقها إرب ًا عىل م�رأى من اجلميع، الرئاس�ة ،وتس� َّلم ش�هادته من رئيس اجلامعةَّ ،
ث�م َّ ِّ
ٍ
ش�هادة من معهدكم ،ا َّلذي هو معهدٌ ٍ
بحاجة إىل الرئيس قائالً :لس�ت
ورصخ يف وجه َّ
تبشريي ،وهتف لفلسطني وسط ذهول احلارضين ا َّلذين ما لبثوا أن قابلوه
ٌّ استعامري
ٌّ
ٍ
وبعاصفة من التَّصفيق احلا ِّد. ٍ
بحامس،
وقد س�حبت اجلامعة بعد ذلك ش�هادة احلس�يني ،وق�ام هو بدوره بنشر ٍ
بيان يف
الصحف ،يفضح فيه أساليب التَّنصري ا َّلتي تتبعها اجلامعة ،وعداء رئيس اجلامعة
ُّ
(د .شارلز واطسون) لإلسالم واملسلمني(.)1
ثم عاد إىل القدس سنة (1937م) .استشهد يف إحدى العمليات ضد اليهود سنة (1948م)« .علـمـاء= َّ
الشام يف القرن العرشين» ملحمد النارص.
(« )1علـمـاء الشام يف القرن العرشين وجهودهم يف إيقاظ األمة والتصدي للتيارات الوافدة» بقلم حممد
حامد النارص (ص .)374
126
مل يك�ن األس�تاذ حس�ن البن�ا -رمح�ه اهلل )1(-يتو َّق�ف ع�ن حتقيق فريض�ة األمر
يضم ٍ ٍ
م�كان ُّ
جملس ُّ حيل به ،وي�روى أنَّ�ه كان يف أي
باملع�روف والنَّه�ي ع�ن املنك�ر يف ِّ
األهلي ومدي�ر التَّعليم وطبي�ب البلدة وأه�م حكَّامه�ا ،وكان اجلمع بمنزل
َّ الق�ايض
فلـمـا جاء دوري طلبت أكواب من َّ ٍ
ٍ عي ،وجاء َّ
فضة ،يقولَّ : الش�اي يف القايض الشرَّ ِّ
زجاج فقط ،فنظر إ َّيل فضيلة القايض مبتس ًام ،وقال :أظنُّك ال تريد أن ترشب
ٍ كوب ًا من
وبخاص ٍة ونحن يف بيت القايض ،فقالَّ :
إن املسألة َّ فض ٍة؟ قلت :نعم، ألن الكوب من َّ َّ
كل ٍ
يشء حتَّى تتشدَّ د يف هذا املعنى ،فقلت: طويل ،ونحن مل نفعل ٌَّ خالف َّي ٌة وفيها كال ٌم
ال يا موالنا ،إنهَّ ا خالف َّي ٌة إلاَّ يف ال َّطعام والشرَّ اب ،فاحلديث مت ٌ
َّفق عليه ،والنَّهي شديدٌ ،
والفضة ،وال تأكلوا
َّ َّبي -صىل اهلل عليه وسلم -يقول« :ال ترشبوا يف آنية َّ
الذهب والن ُّ
والفضة فإنَّام جيرجر يف بطنه نار
َّ يف صحافه�ا» ،ويقول« :ا َّلذي يرشب يف آنية َّ
الذه�ب
أمرت بأن نرشب
َ َّص ،وال مناص من االمتث�ال ،وح َّبذا لو
جهنَّ�م» ،وال قي�اس مع الن ِّ
127
ٍ
زجاج. ٍ
أكواب من مجيع ًا يف
َّص حمرت ٌم وعلين�ا االمتثال ،فقلت له
ن�ص فالن ُّ
األهيل :ما دام هناك ٌّ
ُّ ق�ال الق�ايض
َّص ٍ
ذه�ب والن ُّ مشير ًا إىل إصبع�ه :وما دمت ق�د حكمت فاخلع ه�ذا اخلاتم فإنَّه من
عي
حيرمه ،فابتس�م ،فقال :يا أس�تاذ ،إنيِّ أحكم بقوانني نابليون وفضيلة القايض الشرَّ ِّ
ِّ
ومتس�ك بق�ايض الشرَّ يعة، ٍ والس�نَّةٌّ ،
وكل منَّا مل�ز ٌم برشيعة ،فدعني َّ حيك�م بالكت�اب ُّ
إن األم�ر إنَّام جاء للمس�لمني عا َّم ًة وأن�ت واحدٌ منهم ،فهو يتَّج�ه إليك هبذا
فقل�تَّ :
االعتبار ،فخلع خامته!!(.)1
* * *
كان عب�د اهلل رساج -رمح�ه اهلل َّ )2(-
حمل رعاية األمري عبد اهلل بن احلسين وثقته،
فأس�ند إليه رئاس�ة الوزراء األردن َّية عام (1348هـ) ،وخالل رئاس�ته للوزارة جرى
َّرشيعي ،وكان أهم إنجازات عبد اهلل رساج يف رئاس�ة
ِّ العمل عىل تأس�يس املجلس الت
الوزارة األردن َّية استصدار قانون منع بيع وتأجري األرايض لألجانب ،فقد كان اليهود
يطمحون إىل رشاء أو اس�تئجار األرايض يف األردن الستيطان العائالت اليهود َّية هبا،
الرامية إىل االس�تيالء عىل األرايض العرب َّية رغب ًة يف أن يش�ملها وعد
امتداد ًا خلططهم َّ
بلفور املشئوم .فكان هذا القانون طعن ًة نافذ ًة قضت عىل هذه املخ َّططات.
ويقول األستاذ حسني رساج:
(« )1حسن البنا الداعية اإلمام واملجدد الشهيد» (ص )46تأليف أنور اجلندي.
الرمحن رساج بمكة املكرمة س�نة (1296هـ) ،وتلقى تعليمه فيها .رحل ( )2ولد َّ
الش�يخ عبد اهلل بن عبد َّ
مر ًة أخرىَّ ،
ثم ثم اهلند َّ
ثم جاوت َّ
مع والده إىل مرص بعد أن نفي من مكة .وبعد موت والده سافر إىل اهلند َّ
مر ًة أخرى وتقلد منصب اإلفتاء أيام حكم االحتاديني األتراك .ش�ارك مع الرشيف احلسين رجع إىل مكة َّ
ثم رحل إىل األردن وصار رئيس ًا لوزرائها .تويف سنة (1368هـ)« .أعالم احلجاز» يف ثورته ضد األتراكَّ .
ملحمد عيل مغريب.
128
املسمى
َّ اليهودي
ُّ أثناء رئاسة والدي َّ
الشيخ عبد اهلل رساج للوزارة األردن َّية حرض
كوهني مدير مرشوع روتنربج ،وكنت أتولىَّ الترَّ مجة بينه وبني الوالد ،وبينام كان كوهني
بعرض ٍ
مغر فيه ثرو ٌة طائل ٌة. ٍ هذا ينتظر اإلذن بالدُّ خول عىل والدي أخربين أنَّه جاء
ويقول األس�تاذ حسين رساجَّ :
حذرت كوهني هذا من غض�ب الوالد ،فقال يل:
إنَّك ال تزال صغري ًا .فقلت له :إنَّك ال تزال قليل األدب.
أتم هذا اليهودي كالمه حتَّى
وأذن الوالد ملدير مرشوع روتنربج بمقابلته ،وما إن َّ
كان الوال�د قد ضغط عىل اجل�رس ،فحرض احلاجب ،فأمره الوال�د أن يضع األصفاد
يف يد مدير مرشوع روتنربج ،ويسير به خمفور ًا إىل أن يصل به إىل جرس اللنبي فيطرده
خارج األردن(.)1
* * *
للضيم، الش�يخ عب�د املجيد س�ليم -رمحه اهلل )2(-ل�ه صالب ٌة يف ِّ
احلق وإب�ا ٌء َّ كان َّ
الش�يخ عبد املجيد سليم س�نة (1882م) .وخترج من األزهر عام (1908م) .تتلمذ عىل َّ
الشيخ ( )2ولد َّ
حممد عبده ،وش�غل وظائف التدريس والقضاء واإلفتاء ومش�يخة األزهر .له عدة رس�ائل خمطوطة تويف
سنة (1954م)« .األزهر يف ألف عام» للدكتور حممد عبداملنعم خفاجي.
129
الش�يخ -وكان مفتي� ًا للدِّ يار املرص َّية -وصل إليه
املرشفة أن َّ
وممَّ�ا يذكر له من مواقفه ِّ
الراقصة يف قصور الكبار، سؤال من إحدى املجالَّت عن مدى رشع َّية إقامة احلفالت َّ ٌ
أن املجلةوقد محل رسالة املجلة إليه أحد أمناء الفتوى يف دار اإلفتاءَ ،و ُل ِف َت نظره إىل َّ
ال راقص ًا
وأن امللك ق�د أقام حف ً ا َّلت�ي طلبت الفتوى من املجلاَّت املعارضة للملكَّ ،
يف قرص عابدين ،فالفتوى إذ ًا سياس� َّية ،وليس مقصود ًا هبا بيان احلكم الدِّ ِّ
يني ،وتريد
امللكي وصوالً
ِّ املج َّل�ة بذلك الوقيعة بينه وبني امللك ،إىل جان�ب التَّعريض بالت ُّ
َّرصف
سيايس. ٍ
هدف إىل
ٍّ
فقال فضيلته :وماذا يف ذلك؟ َّ
إن املفتي إذا سئل البدَّ أن جييب ما دام يعلم احلكم،
وأص�در املفت�ي فت�واه بحرمة هذه احلفلات ،ونرشت املج َّل�ة الفتوى مؤ َّي�دة باألد َّلة
الشرَّ ع َّية.
وصمم امللك عىل االنتقام م�ن املفتي ا َّلذي
َّ وحدَّ ث�ت األزم�ة بني امللك واملفت�ي،
يايس. كانت فتواه سبب ًا يف إحراج موقفه ِّ
الس ِّ
امللكي الدَّ عوة إىل َّ
الش�يخ عبد املجيد س�ليم ُّ وجه الدِّ يوان
وعلى إث�ر هذه الفتوى َّ
حلض�ور صالة اجلمعة مع امللك يف مس�جد قرص عابدين ،وه�و القرص ا َّلذي أقيم فيه
املخصص ل�ه ،وحني حرض امللك
َّ الراقص ،فذه�ب املفتي وجلس يف امل�كان
احلف�ل َّ
الصلاة وقف كب�ار املص ِّلني ملصافحة
األول ،وبعد انتهاء َّ
�ف َّبالص ِّ
جل�س يف مكان�ه َّ
اخيل للمسجد املؤ ِّدي
الصالة قبل أن يدخل إىل حديقة القرص من الباب الدَّ ِّ
امللك بعد َّ
إىل احلديقة ،ووقف املفتي يف مكانه استعداد ًا هلذه املصافحة امللك َّية ،وكان ُّ
كل َم ْن يأيت
عليه الدَّ ور للمصافحة يرفع يده قبل أن يدركه امللك استعداد ًا ملصافحته ،لكن َّ
الشيخ
عبد املجيد س�ليم هدته فطرته اإليامن َّية إىل عدم رفع يده ،وكانت ن َّية امللك أن يرتك يد
َّ
الشيخ ممدود ًة للمصافحة دون أن يصافحه ،ويكون يف ذلك عقابه واالنتقام منه ،لكن
130
إيامن َّ
الشيخ أنقذه(.)1
* * *
الوهاب ب�ن زاحم -رمح�ه اهلل )2(-قو ًّي�ا يف األمر كان َّ
الش�يخ عب�د اهلل ب�ن عب�د َّ
باملع�روف ال خي�اف يف اهلل لومة الئ ٍم ،ولكلمته نفو ٌذ ،ح�اول أن يزيل زخرفة األتراك
َّبوي ويضع عليها رخام ًا ويمحو النُّقوش�ات والكتابات امللهية للمص ِّلني
يف احل�رم الن ِّ
في�ه وذل�ك بات ٍ
ِّفاق م�ع علـمـاء املدينة ،واستش�ار احلكوم�ة فوافق�ت ،ولكنَّه فوجئ
وج�والت ،وأبرقوا برق َّي�ات للحكومة
ٌ ص�والت
ٌ ٍ
بمعارض�ات ،وص�ار للمعارضني
ضج ًة وتشويش ًا فمنعته احلكومة عماَّ كان بصدده لتهدئة احلال(.)3
أحدثت َّ
* * *
العثامين واحلجاب
ِّ الز ِّي
صدر قانون األزياء يف عام (1925م) حرم بموجبه لبس ِّ
الش�يخ عبد اهلل بن عبد الوهاب بن زاحم س�نة (1300هـ) ،وأخذ العلم عن َّ
الشيخ إبراهيم ابن ( )2ولد َّ
الرياض وأخذ عن علـمـائها ،والزم َّ
الش�يخ عبد اهلل العنقري يف س�دير ،وقد عرف عيس�ى ،ورح�ل إىل ِّ
بالعب�ادة والعل�م ،وحس�ن اخللق والقوة يف األم�ر باملعروف والنه�ي عن املنكر .تويف س�نة (1374هـ).
«علـمـاء نجد».
131
يب ولبس القبعة.
والز َّي األورو َّ
السفور ِّ
للنِّساء ،وفرض ُّ
الزمان النوريس -رمحه اهلل )1(-ال يزال حمتفظ ًا بمالبسه وعاممته
ولـمـا كان بديع َّ
َّ
خالف ًا لقانون األزياء ،فقد اس�تدعاه الوايل (مدحت آلتي اوق) وايل «قس�طموين» إىل
مقر الوايل حيي�ط به رجال الشرُّ طة ،وكان ثائر ًا،
الزمان إىل ِّ
س�مي ،فجاء بديع َّ
ِّ الر
مقره َّ
ِّ
أن أحده�م ح�اول نزع عاممت�ه يف ال َّطريق ،ودخ�ل إىل غرفة ال�وايل قائ ً
ال له وال َّظاه�ر َّ
حاجز ٍ
رقيق بيننا وبني املوت ا َّلذي ختشونه، ٍ بحدَّ ٍة :اسمع يا مدحت ،ليس هناك سوى
حتب من فإذا اقتحمنا هذا احلاجز مل يبق هناك يش ٌء يمكن اخلشية منه ،لذلك خَّ
فاتذ ما ُّ
إجراءاتك القانون َّية.
ٍ
بالغ�ة وصلت أصابعه إىل ٍ
وبصعوبة اصف�ر وج�ه الوايل ،وارتبك ومل جي�د جواب ًا،
َّ
اجل�رس املوضوع عىل مكتبه ليضغط عليه مس�تدعي ًا رجاله ليأخ�ذوا بديع َّ
الزمان إىل
بيته ،دون أن جيرس وهو الوايل املشهور بفظاظته وقسوته بمطالبة األستاذ بتبديل قيافته.
ويف أنقرة يطلبه الوايل (نوزاد طان دوغان) حيث جتري بينهام مناقش� ٌة حول ز ِّيه،
شخص ٍ
منزو، ٌ إذ حياول الوايل تبديل ز ِّيه َقسرْ ًا ،فريد عليه األستاذ بديع َّ
الزمان من أنَّه
( )1ول�د س�عيد الن�وريس -رمح�ه اهلل -يف قرية ن�ورس إحدى قرى قض�اء خيزان التاب�ع لوالية بتليس
رشق األناض�ول س�نة (1293هـ) املواف�ق (1873م) ،ذاع صيته منذ ش�بابه ،يف س�نة (1912م) وقبيل
نشوب حرب البلقان عينِّ قائد ًا للقوات الفدائية ا َّلتي تشكلت من املتطوعني املسلمني القادمني من رشق
األناضول تويف يف اخلامس والعرشين من رمضان سنة (1379هـ) املوافق (1959م).
132
الزمان النّوريس أسير ًا بيد ُّ
الروس دخل ذات يو ٍم إىل معس�كر ولـمـ�ا وقع بديع َّ
َّ
الزمان .فنظ�ر إليه القائد
رويس ،فق�ام إلي�ه مجيع األرسى ما ع�دا بديع َّ
ٌّ األرسى قائ�دٌ
نقوال ،فقال القائد :إذن ،فأنت تس�تهني بعظمة روسيا ،فقال :ليس كذلك ،ولك َّن اهلل
ا َّلذي أؤمن به قىض أن يكون املؤمنون أعىل من غريهم ،وهذا يمنعني من القيام.
وكان نتيجة ذلك أن حكم عليه باإلعدام ،وحينام جيء به للتَّنفيذ ،فوجئ بالقائد
نفسه يتقدَّ م إليه قائالً :إنيِّ ُأ ُّ
جل فيك هذا الدِّ ين ا َّلذي َّ
أعزك إىل هذا احلدِّ ،وعفا عنه.
السؤال :ما قولكم بالدَّ ولة العثامن َّية واألُ َّمة األوروب َّية؟ فأجابه بديع َّ
الزمان بال ُّلغة هذا ُّ
إن أوروبا اليوم حاملة اإلسلام ،وس�تلده يوم ًا ما ،والدَّ ول�ة العثامن َّية حاملة
العرب َّي�ةَّ :
إن جواب ًا وجيز ًا بليغ ًا صادق ًا مثل هذا اجلواب ال ينطق به إلاَّ من كان مثل بديع
يناظرَّ ،
الزمان(.)1
َّ
= العفاين (.)591/2
(« )1صفحات مرشقة من تاريخ أعالم األمة» تصنيف عبده عيل كوشك (ص.)676
133
الشيخ عبد الكريم صاعقة -رمحه اهلل )1(-ال يتو َّقف عن أمره باملعروف وهنيه
كان َّ
الصوفية ا َّلذين يذكرون ويرقص�ون ويقومون باألوراد
ع�ن املنكر ،فأنكر عىل بع�ض ُّ
ِّ�ي وعاونه يف ذلك رفاق�ه عمر محدان وش�عيب املك ِِّّي ورافقهمالبدع َّي�ة يف احل�رم املك ِّ
بأمر من الشرَّ يف حسني .وكان يف جملس أحد أفراد العائلة احلاكمة ،فأنكر عليه خِّاتاذه ٍ
الش�يخ ،ونصح ٍ
حرب ،فكاد أن يقتله ،فأجاره أحد أحفاد آل َّ النِّس�اء جواري من غري
الس�لطات العثامن َّية َم ْنال ذهب إىل الكويت ،فأرس�لت إليه ُّ الش�يخ أن ال يبق�ى ،وفع ً
َّ
الشيخ قصري القامة فقتله ،وأنجى اهلل َّ
الشيخ(.)2 ال يس ُّبه َّ
يقتله ،فرأى القاتل رج ً
* * *
134
األم�وي للدُّ عاء ،وكانت ال َّطائرات
ِّ َّوجه للجامع
-رمح�ه اهلل )1(-يطلبون إليه الت ُّ
والعدو
ُّ الفرنس َّية ترضب املدينة ،فانتهرهم وقال :الدُّ عاء عىل األعداء صنيع املقعدين،
السالح. ٍ ٍ
بحاجة إىل مقاومة ،فإىل ِّ
وزاره يف بيت�ه رئي�س اجلمهورية عام (1936م) يف بداية عهد االس�تقالل ،وكان
وحذرهم من خِّاتاذ
معه أقطاب الكتلة الوطن َّية ،وطلبوا نصحه وإرش�اده ،فنصح هلمَّ ،
الس ِّيئة ا َّلتي ُّ
ترض هبم ،وتعني املستعمر عليهم. البطانة َّ
ثم تبعه اآلخرون ،وكان فلـمـا أتم حديثه أخذ س�عد اجلابري يدَ َّ
الش�يخ فق َّبلهاَّ ، َّ
ذل معصية اهلل ٍ
س�لطان فليخرج من ِّ ٍ
عشيرة ،وهيب ًة بال عزا بال َّ
الش�يخ يقول :من أراد ًّ
عز طاعته.
إىل ِّ
ٍ
حلظة فيها متح ِّفظ� ًا بذاكرته ظل إىل آخ�ر ٍ
س�نوات َّ الش�يخ مائة ٍ
س�نة وثامين عاش َّ
العجيبة ،ومل يلزم البيت إلاَّ يف َّ
السنتني األخريتني من عمره.
الس�تِّني ،وأنَّه كان
س�ئل عن س�بب طول عمره ،فقال :إنَّه طوى الفراش منذ بلغ ِّ
قلي�ل األكل ،يتن�اول وجبتين خفيفتني َّ
كل ي�و ٍم ،إحدامها يف َّ
الصب�اح ،واألخرى يف
املساء ،ال يأكل بينهام طعام ًا ،وأنَّه ينام مبكر ًا بعد العشاء اآلخرة عىل الغالب ،ويستيقظ
الفجر ،وأنَّه يقول ألهله :ال ختربوين عن أخبار البيت املزعجة(.)2
* * *
الش�يخ عب�د املحس�ن ب�ن عبد الق�ادر األس�طواين -رمح�ه اهلل ،-علاَّ مة فقي�ه ،أحد جهاب�ذة العلم
(َّ )1
واألدب ،ولد يف دمشق عام (1275هـ) املوافق (1859م) من أرسة أنجبت العلـمـاء ترجع أصوهلا إىل
ثم عىل علـمـاء دمش�ق ،شغل أمانة الفتوى عند ستة جبل نابلس يف فلس�طني ،طلب العلم أو ً
ال عىل أبيهَّ ،
ثم عينِّ رئيس ًا للمجلس.
من مفتيي الشام ،اختاره امللك فيصل عضو ًا يف جملس الشورى سنة (1919م) َّ
تويف يف دمشق سنة (1383هـ) املوافق (1963م) ،ودفن بمقربة الباب الصغري.
(« )2صفحات مرشقة من تاريخ أعالم األمة» لعبده عيل كوشك (ص.)692
135
الض َّباط بفرح سيد قطب
يف خرب مقتل سيد قطب -رمحه اهلل :)1(-وأعجب أحد ُّ
وتعج�ب؛ ألنَّه مل حيزن
َّ وس�عادته عند سماعه نبأ احلك�م عليه باإلعدام َّ -
الش�هادة -
ويكتئ�ب وحيب�ط ،فس�أله قائالً :أنت تعتقد أنَّك س�تكون ش�هيد ًا ،فام معنى «ش�هيد»
الشهيد هو ا َّلذي يقدم شهاد ًة من روحه ودمه َّ
أن دين عندك؟ أجابه سيد قطب قائالًَّ :
اهلل أغىل عنده من حياته ،ولذلك يبذل روحه وحياته فدا ًء لدين اهلل.
كل املساومات أن يقول َّ
إن هذه احلركة كانت عىل الرجل سيد قطب عىل ِّ واستعىل َّ
ٍ
بجه�ة ما ويفرج عنه بدالً من اإلعدام ،فق�ال :واهلل لو كان هذا الكالم صحيح ًا ٍ
صل�ة
ق�و ٌة عىل وجه األرض أن متنعني من قول�ه ،ولكنَّه مل حيدث
لقلت�ه ،ولـمـا اس�تطاعت َّ
وأنا ال أقول كذب ًا أبد ًا.
رضا وال نفع ًاَّ ،
وأن األعامر بيد اهلل، قال ألخته محيدة :إنهَّ م ال يستطيعون ألنفسهم ًّ
وهم ال يستطيعون التَّحكُّم يف حيايت ،وال يستطيعون إطالة األعامر وال تقصريهاُّ ،
كل
( )1ولد س�يد قطب بن إبراهيم يف س�نة (1324هـ) املوافق (1906م) يف قرية موش�ا يف أس�يوط ،وهو
مفك�ر إسلامي مصري ،خترج يف كلي�ة دار العلوم بالقاهرة س�نة (1353ه�ـ) املواف�ق (1934م)ُ ،عينِّ
مدرس� ًا للعربية ،فموظف ًا يف ديوان وزارة املعارف ،انضم إىل اإلخوان املسلمني ،فرتأس قسم نرش الدعوة
وسجن معهم .تويف سنة (1387هـ) املوافق (1966م)« ..األعالم» خلري الدين الزركيل.
136
ذلك بيد اهلل ،واهلل من ورائهم ٌ
حميط.
عندما طلب منه االعتذار مقابل إطالق رساحه قال :لن أعتذر عن العمل مع اهلل،
بعز ٍة ،وقالَّ :
إن وعندما طلب منه كتابة كلـمـات يسرتحم (عبد النَّارص) رفض ذلك َّ
الصالة َليرَ فض أن يكتب حرف ًا ُّ
يقر به حكم الس� َّبابة ا َّلذي يش�هد بالوحدان َّية يف َّ
أصبع َّ
ٍ
طاغية.
بحق فأنا أقبل حكم وق�ال ر ًّدا عىل ذلك ال َّطلب :لـمـاذا أسترحم؟ ْ
إن س�جنت ٍّ
ٍ
بباطل فأنا أكرب من أن أسرتحم الباطل(.)1 احلق ،وإن سجنت
ِّ
* * *
دعا أحد أعضاء جملس ال َّثورة يف مرص إىل مساواة اجلنسني يف املرياثَّ ،
ولـمـا علم
َّ
الش�يخ حممد اخلرض حسين -رمحه اهلل )2(-بذلك اتَّصل هبم وأنذرهم إن مل يرتاجعوا
137
الشعب لزلزلة احلكومة العتدائها عىل حك ٍم من
عن ما قيل فإنَّه سيلبس كفنه ويستنفر َّ
أحكام اهلل ،فكان له ما أراد(.)1
* * *
طفولتنا ينذر بعضنا بعض ًا :جاءكم القرعاوي فنهرب ويرسل علينا عصاه ،وهذا دأبه
وخت�رج عليه َّقراء مهرةٌ ،وإذا قيل له :اكفف عن ٍ
ورش�د، طول بقائه بعنيزة داعية ٍ
خري
َّ
قادر عىل اإلنكار باليد ،ويف «الصحيح»َ « :م ْن
الضرَّ ب لتس�لم من أذ َّيتهم جييب بأنَّني ٌ
(« )1من أعالم احلركة والدعوة اإلسالمية املعارصة» (ص )633تأليف عبد اهلل العقيل.
الش�يخ عبد اهلل بن حممد القرعاوي يف عنيزة س�نة (1315هـ) ،وأخ�ذ العلم عن علـمـاء بلده، ( )2ول�د َّ
ورح�ل إىل بري�دة والرياض واإلحس�اء واهلن�د وغريها ،وأخذ ع�ن علـمـاء تلك البلاد .توجه إىل بالد
اجلنوب للدعوة إىل اهلل تعاىل ،وصار له فيها جهود طيبة ،فأنشأ املدارس ،ونرش العلم واخلري ،وخترج عىل
يديه األلوف من طالب العلم .تويف سنة (1389هـ)« .علـمـاء نجد».
138
رأى منك�م منك�ر ًا فليغيرِّ ه بي�ده ،»..وكان إذا طلع الفجر يقوم فيق�رع ُب ُيوت جريانه:
الراعي غنمه،
ويظهر إىل خارج البلد ،فمن رآه س�اقه إىل املس�جد بالعصا كام يس�وق َّ
وحمبوب عند
ٌ ومت�ى مل يمتثل�وا رضهبم أو رف�ع هبم إىل احلاكم ،ول�ه كلم ٌة مس�موع ٌة،
اخل�اص والعا ِّم ،ولقد أوذي يف س�بيل ه�ذه الدَّ عوة فصرب وصاب�ر ،ومل يثنه عن عزمه
ِّ
ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﱪ [فصلت.)1( ]43:
خطاب ذكر له فيه بعض املنكرات ،فأصبح من الغد مهموم ًا ،وس�معته يقول:
ٌ األ َّي�ام
139
ندوة إسلام َّي ٍة كربى بإحدى العواصم
الش�يخ أبو زهرة -رمحه اهلل )1(-إىل ٍ
ُد ِعي َّ
العرب َّي�ة ا َّلت�ي اش�تهرت بال َّثور َّي�ة ،وكان ضيوف النَّدوة م�ن كبار العلـمـ�اء يف العامل
اإلسلامي .أراد حاك�م هذه الدَّ ولة أن جيعله�م يؤ ِّيدون ما يذهب إلي�ه ،ويوم افتتاح
ِّ
ليقرر
النَّ�دوة حرض رئيس الدَّ ولة ليلقي كلمة االفتتاح ،ويقول إنَّه دعا إىل هذه النَّدوة ِّ
الرأي.
اإلسالمي ،وأن يدافعوا عن هذا َّ
ُّ أن االشرتاكي َّة هي املذهب
العلـمـاء َّ
الرئيس عبس�ت الوج�وه ،وتكدَّ رت النُّف�وس ،ومل يتقدَّ م أح�دٌ ليع ِّلق
بع�د كلمة َّ
الش�يخ أبو زهرة طلب الكلم�ة ،واتجَّ ه إىل املنرب وقال
الرئيس ،ولكن َّ
على ما قاله هذا َّ
ٍ
بش�جاعة منقطعة النَّظري :نحن علـمـاء اإلسلام وفقهاؤه ،وقد جئن�ا إىل هذه النَّدوة
السياس� ُّيون ،وم�ن واجب رجال
لنق�ول كلمة اإلسلام كما نراها نحن ال كما يراها ِّ
متخصص�ون فامهون ،ال ختدعهم
ِّ السياس�ة أن يس�تمعوا للعلـمـاء ،وأن يعرفوا أنهَّ م
ِّ
س�مى باالشتراك َّية ،فرأوا اإلسلام أعلى قدر ًا،
الب�وارق املرضي�ة ،وقد درس�وا ما ُي َّ
وأس�مى اجتاه ًا من أن ينحرص يف نطاقها ،وس�يصدر املجتمع�ون رأهيم كام يعتقدون،
الش�يخ حمم�د بن أمحد أبو زهرة يف مدينة املحلة الكربى بمرص س�نة (1316ه�ـ) .حفظ القرآن( )1ول�د َّ
ثم التحق بمدرس�ة القضاء الرشع�ي حيث حصل عىل عاملي�ة القضاء الرشعي. الكري�م ومب�ادئ العلمَّ ،
توىل تدريس العلوم الرشعية يف عدد من اجلامعات .طبع العديد من الكتب يف خمتلف الفنون .تويف س�نة
(1397هـ)« .من أعالم احلركة والدعوة اإلسالمية» لعبد اهلل العقيل.
140
الشيخ إىل زمالئه ثم توجه َّالسياسة ،فهم أولو األمر يف هذا املجالَّ ،
ال كام يريد رجال ِّ
قائلاً :هل فيكم من خيالف؟ فرأى اإلمجاع منعقد ًا عىل تأييده فقال :احلمد هلل َأ ْن و َّفق
علـمـاء املسلمني إىل ما يريض اهلل ورسوله.
تس�تمر النَّدوة يف انعقادها أسبوع ًا كام كان
َّ وبعد موقف َّ
الش�يخ حممد أبو زهرة ،مل
املقرر هلا قبل ،بل كان حفل االس�تقبال هو حفل اخلتام -كام يقول الدُّ كتور حممد
من َّ
رجب البيومي .-
للش�يخ العلاَّ مة أبو زه�رة -رمحه اهلل ،-عندم�ا عرض فيلم:
وه�ذا موق�ف آخر َّ
«ظه�ور اإلسلام» املأخوذ عن كتاب «الوعد احلق» لطه حسين ،دع�ا بعض ال ُكتَّاب
عامل ٍ
تأثري يف النُّفوس ،وأقيمت ندو ٌة الشاش�ة باعتبارها َ
َّبوي عىل َّ
إىل متثيل العرص الن ِّ
أدب َّي� ٌة لتدعي�م هذا االتجِّ اه ،ومل جيرؤ املن ِّظمون هلا عىل دعوة َّ
الش�يخ أبو زهرة خوف ًا من
معارضته ،ولكنَّه سعى إىل النَّدوة مستمع ًا ،وبعد أن تبارى املشاركون يف احلديث عن
واضطر
َّ وأن للفن دوره املؤ ِّث�ر يف ذلك طلب أبو زه�رة احلديث،
مه َّي�ة ه�ذه الدَّ ع�وة َّ
أ ِّ
إن ا َّلذين يتحدَّ ثون عن أثر ِّ
الس�ينام يف الش�يخ للكالم ،فق�الَّ :
منظ�م النَّ�دوة أن يدعو َّ
الدِّ عاي�ة لإلسلام بدلي�ل انكباب اجلمه�ور عىل مش�اهدة فيلم« :ظهور اإلسلام» مل
أن هذا الفيلم مل يزد املؤم�ن إيامن ًا فوق إيامنه ،ومل يردع
يو َّفق�وا فيما يدَّ عون؛ ألنَّنا نعلم َّ
فاس�ق ًا عن غ ِّيه ،ومل يدخل أحد ًا من ذوي األديان األخرى إىل حظرية اإلسلام ،فهل
كل وجوه الدِّ عايات لإلسلام ،ومل يبق إلاَّ متثيل أحداث العرص الن ِّ
َّبوي بأعال ٍم نفدت ُّ
م�ن صحابة رس�ول اهلل -صلى اهلل عليه وس�لم -؟ وهل يعق�ل أن يقوم مم ِّث ٌ�ل اليوم
رواية أخرى يم ِّثل دورٍ ثم جيده املشاهد يف بتمثيل دور «بالل» حني ِّ
عذب يف ذات اهللَّ ،
الصحاب َّي�ات الـمـاكياج يف وجهها، ٍ
ماج�ن خليعٍ؟ وهل يعقل أن تض�ع مم ِّثل ٌة لبعض َّ
ث�م تزع�م أنهَّ ا مت ِّثل صحاب َّي ًة ش�هيد ًة ذهبت روحها فدا ًء لدينه�ا احلبيب؟ وماذا نصنع
َّ
141
الش�هيدة يف فيلم آخر تأيت بام ينكره اإلسلام يف بعض املش�اهد املخ َّلة
إذا وجدنا هذه َّ
باآلداب؟ أليست هذه إساء ًة واضح ًة َّ
للصحاب َّيات؟
واضح من َّ
ٍ ٍ ٍ ٍ بح َّج ٍة قو َّي ٍة
الش�يخ (أبو زهرة) غيرَّ بس�يط س�هل وبأس�لوب وهكذا ُ
رأي املؤ ِّيدي�ن ملوض�وع النَّدوة ،وكان لكلمة (أبو زهرة) يف عقول وقلوب املش�اركني
كبري ،فخرجوا غري مؤ ِّيدين ورافضني للهدف ا َّلذي من أجله أقيمت النَّدوة(.)1
أثر ٌٌ
* * *
الش�يخ عب�د اهلل ب�ن عب�د ال َّلطيف آل َّ
الش�يخ -رمحه اهلل -جالس� ًا يف جامع كان َّ
فلـمـا ٍ
الرياحَّ ، الري�اض ،فس�مع صوت غناء من جهة اجلن�وب ،أتى بنغمتها هب�وب ِّ ِّ
ث�م قام ِم ْن فوره إىل ذل�ك املنكر ،وخرج من
س�مع ذلك وع�ظ النَّاس موعظ ًة بليغ ًةَّ ،
يب ،فأزال املنكر يف حلظته(.)2
الباب اجلنو ِّ
* * *
كل أفراد اإلجباري عىل ِّ
ِّ اس�تطاع َّ
الش�يخ هارون با -رمحه اهلل )3(-فرض التَّعليم
الس�ابعة ٍ
مول�ود من ُّ قبيلت�ه «وط�ايب بناك» يف صح�راء موريتاني�ا عىل ِّ
الذكور بلغ َّ كل
ٍ
واحد غدا ٍ
م�كان والرع�اة عىل االجتامع يف
م�ن عم�ره ،وكذلك نجح يف إقن�اع البدو ُّ
السلام» ،وبنى فيها مس�جد ًا جامع ًا وعينَّ هلا
(حارضة) بمعنى الكلمة ،سماها «دار َّ
�جر بينه�م ،ورسعان ما إمام� ًا راتب� ًا فقيه� ًا يؤ ُّم املص ِّلين يف َّ
الصلوات ،ويقيض فيام َش َ
(« )2علـمـاء نجد مشاهد ومواقف» لعبد العزيز آل عبد اللطيف (ص .)32
الش�يخ ه�ارون با -رمحه اهلل -يف س�نة (1900م) يف وس�ط أرسة فالنية حمافظة ،رشع َّ
الش�يخ ( )3ول�د َّ
الشيخ حممد سريي ،ترشح هارون با يف قراءة القرآن الكريم عندما بلغ عمره س�بع س�نوات عىل يد والده َّ
لني�ل اإلج�ازة يف حفظ الق�رآن الكريم وجتويده فحفظه بكل القراءات ،فقد بصره يف آخر عمره .تويف -
رمحه اهلل -يف سنة (1978م).
142
انتشرت يف املدينة حلقات العل�م ،وكتاتيب حفظ القرآن الكريم ،واملس�ألة األخرى
تقل ش�أن ًا عن س�ابقتيها هي استطاعته تنظيم شبه ا َّلتي س�دَّ د اهلل فيها خطاه ،وا َّلتي ال ُّ
الزكوات من أصحاب األنعام بني األهايل ،واجلباة كانوا من األمناء ٍ
جلن�ة تت�ولىَّ جباية َّ
يتجولون يف البادية جلمعها(.)1
الزكاة ومسائلها فكانوا َّ
العارفني لقضايا َّ
* * *
الرمح�ن الدورسي -رمح�ه اهلل )2(-إىل اململك�ة العرب َّية قب�ل أن ي�أيت َّ
الش�يخ عبد َّ
الس�عود َّية كانت الـمـاسون َّية تلعب بوسائل املناهج الترَّ بو َّية ،فبدأت املناهج الترَّ بو َّية
ُّ
الش�يخ ونظر إىل املناهج نظر َة فه ٍم
فلـمـا جاء َّ
تتخ َّب�ط من النَّاحية العقائد َّية واألدب َّيةَّ .
الش�يخ من بعض املوا ِّد املدسوس�ة عىل الصحيح�ة انبهر َّوتدقي�ق عىل ض�وء العقيدة َّ ٍ
اإلسالم ،ويف يوم اجلمعة قام َّ
الشيخ -رمحه اهلل -بعد صالة اجلمعة يف اجلامع الكبري
بالري�اض فتك َّلم عن خطورة املحافل الـمـاس�ون َّية ووس�ائل تالعبها وخطورهتا عىل
ِّ
اإلسلامي .وكان من بني احلارضين يف هذا اجلامع امللك فيصل بن عبد العزيز
ِّ العامل
الشيخ وهو يتك َّلم والكلـمـات خترج من صميم
-رمحه اهلل ،-فاستمع امللك إىل هذا َّ
قلبه ال خياف يف اهلل لومة الئ ٍم.
الش�يخ ،وبعد االنتهاء قام امللك وس� َّلم عليه ومتنَّى له
فعجب امللك من جرأة هذا َّ
ولـمـ�ا وصل امللك فيصل -رمحه اهلل -إىل قرصه أمر وزير املعارف بتكوين التَّوفي�قَّ ،
اإلسلامي ،فغيرِّ ت املناهج الترَّ بو َّية ٍ
جلن�ة لبحث املناهج وتغيريها وجعلها عىل النَّمط
ِّ
(« )1الثقافة العربية اإلسالمية يف غرب أفريقيا» للدكتور عمر حممد صالح الفلاَّ ين (ص.)195
الرمحن بن حممد بن خلف الدورسي -رمحه اهلل -يف بريدة س�نة (1332هـ) ،وبعد ( )2ولد َّ
الش�يخ عبد َّ
الرياض واس�تقر هبا .عرف
ثم رحل إىل ِّأش�هر قليلة رحل أبوه إىل الكويت .تلقى العلم عىل علـمـائهاَّ ،
بقوته العلمية ،وأمره باملعروف ،وهنيه عن املنكر ،وكش�ف ملخططات أعداء اإلسالم .تويف (1399هـ).
«علـمـاء نجد خالل ثامنية قرون» لعبد اهلل البسام (.)163/3
143
ثم بفضل امللك فيصل بن عبد العزيز -رمحه اهلل .)1(-
يف أنحاء اململكة -بفضل اهلل َّ ،-
* * *
الرعب بام سمع .فلملم تهُ مه ،وانقلب مستعطف ًا يسأل املظلوم
السادات ُّ
وأصاب َّ
ٍ
ومشهد من مئات احلارضين لذلك احلفل ،وماليني إلغاء شكواهُّ .
كل ذلك عىل مرأى
( )2ولد األس�تاذ عمر عبد الفتاح التلمس�اين يف القاهرة س�نة (1322هـ) .كان جده س�لفي النزعة ،فقد
الشيخ حممد بن عبد الوهاب .بعد الدراسة انتظم يف كلية احلقوق ح َّتى خترج حمامي ًا.
طبع العديد من كتب َّ
عاما هلا ،س�جن أكثر من سبعة عرش عام ًا .تويف سنة ثم صار مرش�د ًا ًّ
انضم إىل مجاعة اإلخوان املس�لمنيَّ ،
(1406هـ)« .تتمة األعالم للزركيل» ملحمد خري رمضان.
144
املشاهدين عن طريق التِّلفاز(.)1
* * *
الصمد -رمحه
الرمحن عبد َّ الساجر :دخل جملس َّ
الشيخ عبد َّ قال َّ
الش�يخ إبراهيم َّ
َّبي -صىل بالسنَّة ،فسأل َّ
الشيخ قائالً :قول الن ِّ اهلل ٌ )2( -
رجل يريد أن يشكِّك احلضور ُّ
يكوران يوم القيامة» ما ذنبهام؟!
الشمس والقمر َّ اهلل عليه وسلم َّ :-
«إن َّ
الش�يخ عىل الفور :النَّعجة نذبحها ،ونسلخها ،ونقطعها ،وعىل النَّار نطبخها،ر َّد َّ
ب!! (.)3 ثم نأكلها ،ما ذنبها؟! فانقطع الرجل ومل ُي ِ
ـج ْ َّ َّ
* * *
الرمحن بن يوس�ف ب�ن عبد الصمد س�نة (1346هـ) يف طولك�رم التابعة لنابلس. ( )2ول�د َّ
الش�يخ عبد َّ
الرياض ودرس عىل مش�اخيها ،واس�تقر ثم س�ورية .رحل إىل ِّ
ثم رحل إىل لبنانَّ ،
تلق�ى التعلي�م يف بل�دهَّ ،
ثم رحل إىل الكويت واس�تقر هبا .ع�رف بالدعوة ،واألمر باملع�روف والنهي عن املنكر، زمن� ًا يف املدين�ةَّ ،
وخترج عىل يديه خلق كثري من طلبة العلم ودعاهتا يف الكويت .س�افر للدعوة إىل اهلل إىل أستراليا ،وتويف
الرمحن عبد الصمد» للشيخ إبراهيم فيها بحادث سير س�نة (1408هـ)« .املقتصد من حياة َّ
الش�يخ عبد َّ
الساجر ،و«تتمة األعالم للزركيل» ( )283/1ملحمد خري رمضان. َّ
الساجر. ( )3حدثني بذلك َّ
الشيخ إبراهيم َّ
145
الش�يخ أمحد بن عب�د العزيز آل مب�ارك -رمحه اهلل )1(-بمط�ار إحدى الدُّ ول م�ر َّ
فلـمـ�ا وصل إىل (أبو ظبي) رسعان ما أرس�ل كتاب ًا
اخلليج َّي�ة ،فلم جيد فيه مس�جد ًاَّ ،
فتم ذلك(.)2
خياطب فيه و َّيل األمر يف ذلك البلد ويذكِّره ببناء املسجدَّ ،
* * *
الش�يخ صالح أبو إسماعيل -رمحه اهلل )3(-اس�تجواب ًا لرئي�س الوزراء عن
قدَّ م َّ
الشيخ أمحد بن عبد العزيز آل مبارك باإلحساء سنة (1330هـ) يف أرسة معروفة بالعلم ،فدرس ( )1ولد َّ
عىل مشايخ بلده .وتوىل القضاء يف القطيف ،وترأس املحكمة يف الظهران ،طلبه َّ
الشيخ زايد بن سلطان آل
هني�ان م�ن امللك فيصل بن عبد العزيز لِ َيليِ َ القضاء يف (أبو ظبي) ،فتوجه إىل (أبو ظبي) واش�تغل بالقضاء
الرابع عرش.
والتدريس ،ونفع اهلل به .تويف سنة (1409هـ) .جملة «تراث» اإلماراتية ،العددّ :
الرابع عرش (ص .)35
( )2جملة «تراث» اإلماراتية ،العددَّ :
( )3ول�د َّ
الش�يخ صلاح أب�و إسماعيل -رمح�ه اهلل -يف قري�ة «هبرم�س» مركز إمباب�ة حمافظ�ة اجليزة=
146
الس�ادات ب�ألاَّ سياس�ة يف الدِّ ي�ن وال دي�ن يف ِّ
السياس�ة ،وقد حش�د يف هذا ترصي�ح َّ
وتفوقها على ِّ
كل نظا ٍم السياس�ة اإلسلام َّية ُّ
االس�تجواب الب ِّين�ات القاطعة عىل كامل ِّ
يف تأمين العدالة واألم�ن ألصناف البرش عىل اختالف معتقداهت�م ،وبلغت صفحاته
العرشين.
الشعب ليدرجه يف أعامل الشيخ صالح أبو إسامعيل :قدَّ مته إىل رئيس جملس َّ يقول َّ
اجلمهوري حيث جمرد تقديمه ،فذهبت به إىل القرص ٍ
ِّ أقرب جلس�ة ،غري أنَّه َج ُب َن عن َّ
قدَّ مته بنفيس إىل الدُّ كتور زكريا الربي وزير األوقاف آنذاك ليبلغه إىل رئيس اجلمهور َّية،
ثم كان ما الساداتَّ :
إن قدوته (مصطفى كامل أتاتورك)َّ ، وضمنته كذلك التَّنديد بقول َّ
َّ
باحلق والباطل ،وهناك
الوطني والغالب َّية املؤ ِّيدة للحكومة ِّ
ِّ كان من تصاد ٍم مع احلزب
الس�ياحة وال َّطيران املدين عن تقريره وجهته إىل (مجال النَّاظر) وزير ِّ اس�تجواب آخر َّ
ٌ
سمي اإلسالم ،والشرَّ يعة هي ٍ
الر ُّ
اخلمر يف املدرسة الفندق َّية التَّابعة لوزارته يف بلد دينُ ُه َّ
الرئيس للتَّرشيع. املصدر َّ
اس�تجواب
ٌ اس�تجواب كذل�ك ض�د عرب�دة اإلعالم ،وم�ن قبل كان يل
ٌ وكان يل
الصاوي وزي�ر اإلعالم عن ترصحيه يف أمري�كا َّ
بأن الشرَّ يعة ضدَّ األس�تاذ عب�د املنعم َّ
موج ٌه إىل الدُّ كتور عبد املنعم النَّمر
اس�تجواب َّ
ٌ اإلسلام َّية لن تطبق يف مرص ،وكان يل
ثالثة وس�بعني ألف ف�دَّ ٍ
ان كانت البق َّية كوزير لألوقاف يف استرداد نحو ٍ
ٍ ع�ن تفريطه
الباقي�ة م�ن أرايض األوق�اف املغتصب�ة من األزه�ر واملس�اجد ع�ام (1961م) إ َّبان
وبات بر ِّدها لوزارة األوقاف
ٌّ االشرتاكي ،وقد قىض فيها القضاء بحك ٍم ٍّ
هنائي ِّ َّحول
الت ُّ
=بمصر ،ي�وم (1927/3/17م) .نش�أ يف بيت معروف بحفاوت�ه بالعلم والعلـمـاء .ت�ويف يوم اإلثنني
(1410/11/4هـ) املوافق (1990/5/28م) يف مطار «أبو ظبي» ،وهو يس�تعد للعودة إىل مرص ،بعد
جولة علمية يف دول اخلليج.
147
وفرط وزراء األوقاف املتعاقبون يف املطالبة بتنفيذ هذا احلكم.
سنة (1973م)َّ ،
ويذك�ر التَّاريخ باخلري َّ
للش�يخ صالح أنَّه يف يناي�ر (1979م) انتهز فرصة العمرة
عضو من أعضاء جملس َّ
الشعب ،وبايعهم وبايعوه يف احلرمني ٍ لـمـا يقرب من ثالثامئة
يب ،يقول
الشرَّ يفين عىل أن تك�ون أصواهتم لرشع اهلل وال يغلبهم عىل ذل�ك انتام ٌء حز ٌّ
بحل مـجلس الس�ادات إلاَّ أن أص�در قرار ًا ِّ
الرئيس أنور َّ
الش�يخ صالح :فام كان من َّ َّ
ٍ
اس�تفتاء مل َّف ٍق ،وأس�قط معظم هؤالء ا َّلذين تعاهدن�ا معهم يف احلرمني الش�عب بعدَّ
الشرَّ يفني(.)1
* * *
الش�يخ أمح�د ش�اكر -رمح�ه اهلل :-كان طه حسين طالب ًا باجلامع�ة املرص َّية
ق�ال َّ
القديمة ،حني كانت مترشفة برئاسة امللك فؤاد قبل توليه امللك .وتقرر إرساله يف ٍ
بعثة َّ ِّ
الس�لطان حسين رمحه اهلل أن يكرمه بعطفه إىل أوروبا ،فأراد حرضة صاحب العظمة ُّ
ورعايته ،فاستقبله يف قرصه استقباالً كري ًام ،وحباه هد َّي ًة ق ِّيمة املغزى واملعنى.
مقتدر،
ٌ فصيح متك ِّل ٌم
ٌ خطيب
ٌ وكان من خطباء املساجد التَّابعني لوزارة األوقاف،
الس�لطان حسني -رمحه اهلل - هو َّ
الش�يخ حممد املهدي خطيب مس�جد عزبان .وكان ُّ
ٍ
جليل ،حيرضه العلـمـاء والوزراء والكرباء. مواظب ًا عىل صالة اجلمعة ،يف ٍ
حفل فخ ٍم
فصلىَّ اجلمعة يوم ًا ما ،بمس�جد املدبويل القريب من قرص عابدين العامر .وندبت
الس�لطان،
وزارة األوقاف ذاك اخلطيب لذلك اليوم ،وأراد اخلطيب أن يمدح عظمة ُّ
وحق له أن يفعل ،ولكن خانته فصاحته ،وغلبه ينوه بام أكرم َّ
الشيخ (طه حسني)َّ ، وأن ِّ
فزل ز َّل� ًة مل تقم له قائم ٌة من بعده ،إذ ق�ال أثناء خطبته« :جاءه
ح�ب التَّغ�ايل يف املدحَّ ،
ُّ
األعمى ،فام عبس يف وجهه وما تولىَّ ».
148
الصالة والدي َّ
الش�يخ حممد ش�اكر -رمح�ه اهلل )1(-وكيل وكان من ش�هود هذه َّ
أن صالهتم باطل ٌة ،وأمرهم أن
الصالة يعلن للنَّاس يف املسجد َّ
األزهر سابق ًا .فقام بعد َّ
يعيدوا صالة ال ُّظهر ،فأعادوها.
ثم ذهب الوالد -رمحه اهلل -فور ًا إىل قرص عابدين العامر ،وقابل حممود شكري
َّ
محيم ،وكان رئيس الدِّ يوان إذ ذاك .وطلب منه أن
صديق ٌ
ٌ باش�ا -رمحه اهلل ،-وهو له
الصالة
السلطان ،وأن يبلغه حكم الشرَّ ع يف هذا بوجوب إعادة َّ
يرفع األمر إىل عظمة ُّ
ا َّلتي بطلت بكفر اخلطيب.
السلطان لن ومل يرت َّدد شكري باشا يف قبول ما محل من األمانة ،واعتقد َّ
أن عظمة ُّ
الصالة.
يرت َّدد يف قبول حكم الشرَّ ع بإعادة َّ
فكان تصميم الوالد -رمحه اهلل -وعزمه ،عىل أنَّه إذا وصلت القض َّية إىل املحكمة،
وعرضت ،أن يطلب ندب خرباء مس�ترشقني ،ليحدِّ دوا بخربهتم يف لغة العرب داللة
ثم يكون الفصل القضائي طبق ًا
تعريض أم ال؟ َّ
ٌ كالم اخلطيب من الوجهة العرب َّية :أهو
يقرره اخلرباء.
لـمـا ِّ
ٍ
أحداث ث�م دخلت احلكومة يف األمر ،خش�ية ما يكون من وراء ه�ذه القض َّية من
َّ
ٍ
وأخطار .وطوى بساطها قبل أن ينظرها القضاء.
ولك� َّن اهلل مل ي�دع هل�ذا املجرم جرم�ه يف الدُّ نيا ،قبل أن جيزيه ج�زاءه يف األخرى.
أن كان متعالي ًا متنفخ ًا،
فأقس�م باهلل :لق�د رأيته بعيني رأيس ،بعد بضع س�نني ،وبع�د ْ
ٍ
مس�جد بم ْن الذ هبم من العظامء والكرباء ،رأيته مهين ًا ذليالً ،خادم ًا عىل باب
مس�تعزا َ
ًّ
الش�يخ حممد ش�اكر بن أمحد بن عبد القادر -رمحه اهلل -بمدينة جرجا بمرص سنة ( 1358هـ)، ( )1ولد َّ
وعينِّ وكي ً
ال للجامع األزهر. وعينِّ أمين ًا للفتوى فيه ،توىل مش�يخة األزه�رُ ،
درس يف األزه�ر وخترج منه ُ
توىل القضاء يف بعض مدن مرص .عرف بالعلم والصدع باحلق« .األزهر يف ألف عام» للدكتور حممد عبد
املنعم خفاجي.
149
ٍ
وصغار .حتَّى لقد خجلت من مس�اجد القاهرة ،يتل َّقى نعال املص ِّلني حيفظه�ا ،يف ذ َّل ٍة
أن يراين ،وأنا أعرفه وهو يعرفني ،ال ش�فقة عليه ،فام كان موضع ًا َّ
للش�فقة ،وال شامتة
ٍ
وموعظة(.)1 الشامتة ،ولكن لـمـا رأيت من ٍ
عربة فالرجل النَّبيل يسمو عىل َّ
فيهَّ ،
* * *
الشيخ عبد اهلل حممد اخلليفي -رمحه اهلل -يف مدينة البكريية يف القصيم سنة (1333هـ) .حفظ ( )2ولد َّ
الق�رآن الكري�م عىل وال�ده ،ودرس عىل علـمـاء القصيم وغريه�م ح َّتى غدا من العلـمـ�اء العاملنيَّ .أم
املس�جد احلرام ما يقرب من أربعني س�نة ،وقد عرف بحس�ن تالوته يف الصالة .تويف س�نة (1414هـ).
«علـمـاء نجد خالل ثامنية قرون» لعبد اهلل البسام (.)472/4
150
يسدِّ د عن بعض األرس قيمة اهلاتف والـمـاء ،باإلضافة إىل بعض املساعدات الـمـال َّية
الش�هر َّية .كام أنَّ�ه -رمحه اهلل -كان عزوف ًا عن املناس�بات االجتامع َّية ليس تكبرُّ ًا منه،
َّ
ٍ
إرساف ،وما يكون فيها من قيل وقال(.)1 ولكن تر ُّفع ًا عماَّ فيها من
* * *
ج�اءت فرق� ٌة راقص ٌة إىل مصر يف رمضان (1387هـ) املواف�ق (1967م) ورأى
مكان يف ميدان احلسني لتحيي اخلامس والعرشين من رمضان. ٌ املنحرفون أن يعدَّ هلا
الش�يخ حممود عبد ٍ
حف�ل ع�ا ٍّم أقامت�ه اجلمع َّي�ة الشرَّ ع َّية يف ذكرى ب�در تكلم َّ ويف
الصفاقة ،فكان ممَّا قال�ه :أخزى اهلل هؤالء
الوه�اب فاي�د -رمح�ه اهلل )2(-حول ه�ذه َّ َّ
ٍ
مكان؟ يف ميدان أي
الس�خف أن حييوا رمضان باملنكرات ،ويف ِّ الس�فهاء ،لقد بلغ هبم ُّ ُّ
الش�يخ حمم�ود عب�د الوهاب فاي�د -رمحه اهلل -س�نة (1339ه�ـ) املواف�ق (1921م) يف قرية ( )2ول�د َّ
«دمينكة» حمافظة كفر الش�يخ ،وأرسته معروفة بالعلم والدي�ن ،فوالده معروف بالعلم والصالح ،وجده
ثم أحلقه بمعهد دسوق الديني االبتدائي رشعيا ،حفظه والده القرآن العظيمَّ ،
ًّ الشيخ مربوك كان عالـمـ ًاَّ
رئيس�ا للجمعية الرشعي�ة بمرص وقد ُعني أيض ًا
ً عاما للجمعية الرشعيةُ .عني التاب�ع لألزه�ر ،عني وكي ً
ال ًّ
وعينِّ أس�تاذ ًا يف التفسير يف كلية الدعوة وأصول الدين ،وكلية اللغة رائد ًا ًّ
دينيا ملدينة البعوث يف األزهرُ ،
الس�نة بمجم�ع البحوث .تويف -رمحه العربي�ة يف اجلامعة اإلسلامية يف املدينة املنورة النبوية .عضو جلنة ُّ
اهلل -سنة (1418هـ) املوافق(1997م).
151
ٍ
توجه احلسني بني مسجده وبني إدارة األزهر ومشيخة ال ُّطرق ُّ
الصوف َّية!يا هلا من إهانة َّ
إىل شهر القرآن.
الس ِّيد حسني َّ
الشافعي نائب وكان أحد املسئولني حارض ًا ذلك احلفل ،فأبلغ النَّبأ َّ
رئيس اجلمهور َّية ،فأصدر أمره بمنع الفرقة من تنفيذ ذلك املنكر(. )1
السلام اهلراس -و َّفقه اهلل :-ممَّا يس�طر له بمداد املجد ما َّ
قصه قال الدُّ كتور عبد َّ
عريضة مع ُث َّل ٍ
�ة من العلـمـاء ٍ الش�يخ املن�وين -رمحه اهلل )2(-و َّق�ع عىل ٍ
واحد أن َّ غير
َّبوي
تتضمن املطالبة بإصدار قوانني وتطبيق القائم منها حلامية القيم الدِّ ين َّية واجلناب الن ِّ
َّ
يترسب إىل املغ�رب من مظاهر
والربوب َّي�ة يف مواجهة ما ب�دأ َّ
الشرَّ ي�ف ومق�ام اإلهل َّي�ة ُّ
ٍ
مؤس�فة م�ن التَّعريض بالدِّ ين واهلج�وم عىل علـمـائ�ه ورجاالته ،وكان�ت العريضة
الضغط على بعض املو ِّقعني ا َّلذين تراجع ج ُّلهم مرفوع� ًة إىل الوزير َّ
األول ،وقد وقع َّ
أن العريضة ا َّلتي و َّقع عليها هي غري ا َّلتي يراها اآلن.
بحجة َّ
معتذر ًا َّ
إن العريضة ا َّلتي وقع عليها هي هذه ا َّلتي أقرأها اآلن
الشيخ املنوين فقد قالَّ :
أ َّما َّ
بعينها ونفس�ها ،ونحن لس�نا عياالً نو ِّقع أمس ونرتاجع اليوم ،وأ َبى أن ينقض موقفه
باألمس.
الرجل أ َّيما ٍ
إكبار ال�راوي ا َّلذي حضر املعمعة -رمح�ه اهلل :-لقد أكبرت َّ
ق�ال َّ
وأخزيت نفيس إذ ضعفت فرتاجعت.
الش�يخ املنوين أحد كبار علـمـاء اإلسلام ا َّلذين ث َّبتهم اهلل
ثم أصبح عندي َّ
ومن َّ
152
باألئمة العظام ا َّلذين كانوا قدو ًة يف ال َّثبات
َّ بالق�ول ال َّثابت اجلالب لرضاه ،وقد ذكَّرنا
احلق حتَّى أتاهم اليقني.
عىل ِّ
ٍ
وحياء ودون ٍ
وهدوء الش�يخ املنوين نفسه يف تواض ٍع
القصة من َّ
وقد س�معت هذه َّ
واحلق ا َّلذي يراد به باطل، ٍ
ِّ تبج ٍح أو رياء ،وقال يل :إنيِّ ِّ
أفرق بني العمل اجلا ِّد القاصد ُّ
فهذا ال أؤ ِّيده وال أو ِّقع عليه(.)1
* * *
اإلسلامي ا َّلذي
ِّ قال َّ
الش�يخ عط َّية حممد س�امل -رمحه اهلل :)2(-يف مؤمتر ماليزية
الربا، ٍ
بقرار يتع َّلق بموضوع ِّ انعقد عام 1384هـ لدراس�ة (قضايا إسلام َّية) فوجئت
ٌ
انفع�ال مل أعلم دوافعه ،وتلقائ ًّيا طلبت اإلذن وق�د كاد أن يطرح للتَّصويت ،فاعرتاين
إن القرار ٌ
خطأ؛ نظام ًا خمصص ٌة للتَّصويت فقط .فأجبتَّ :إن اجللس�ة َّبالكالم ،فقيل يل َّ
وعلـمـ ًا ،فال ينبغي االقرتاع عليه قبل اس�تيفاء مناقشته .فسمح يل بدقيقتني ،ويف مثل
(« )1العالمة حممد عبد اهلادي املنوين ترمجته لنفسه» مجع حممد بن عبد اهلل آل رشيد (ص .)18
153
ومضة الربق استوفيتها فلم أجد معارض ًا ،وما أن فرغت من عرض هذه النِّقاط حتَّى
تذوقت فيها َّ
لذة العلم وحلاوة حتصيله ،ومدى تق�رر وق�ف القرار ،فكانت مناس�بة َّ
َّ
توفيق اهلل ملن أراد وجه اهلل(.)1
حممد بن محيد -رمحه اهلل )2(-رئاس�ة جملس القضاء حينام توىل َّ
الش�يخ عبد اهلل بن َّ
م�رت به قض َّي�ة كانت قد حكم هب�ا يف القصيم قبل ثالثني عام� ًاَّ ،
فلـمـا كان األعلىَّ ،
ٍ
حتريف ،فام
ٌ بعبارة فيها يم�ر الص َّك ا َّلذي ِّ
دونت فيه القض َّية إذا هو ُّ الق�ارئ يق�رأ عليه َّ
الش�يخ إلاَّ أن س� َّبح اهلل واسرتجع وقال :سبحان اهلل لقد قلت هلم يف حينه أن
كان من َّ
الشيخ عبد اهلل بن حممد بن محيد -رمحه اهلل -يف الرياض سنة (1329هـ) ،وقد كف برصه يف ( )2ولد َّ
طفولته .أخذ مبادئ العلوم عىل مشايخ بلده ،وتوىل القضاء يف عدة نواح ح َّتى عني رئيس ًا ملجلس القضاء
األعىل .عرف بقوة العلم ،والذكاء احلاد .تويف سنة (1402هـ)« .علـمـاء نجد».
154
للقض َّية بر َّمتها وبعباراهتا وألفاظها(.)1
يف عام (1388هـ) وبينام كان فضيلة َّ
الش�يخ عبد اهلل بن محيد -رمحه اهلل -يلقي
السلام يف موس�م
ال�دُّ روس بعد املغرب يف املس�جد احلرام خلف مقام إبراهيم عليه ّ
ٍ
واحلجاج وغريهم يف
َّ الش�يخ من طلبة العلم احلج ،ويف حش�د عظي ٍم ُّ
تغص هبم حلقة َّ ِّ
والسلام« :أفضل ما قلت
الصالة َّ
احلج�ة ،كان موضوع الدَّ رس قوله عليه َّ
عشر ذي َّ
أن�ا والنَّب ُّيون من قبيل ال إله إلاَّ اهلل ..احلديث» فبينَّ َّ
الش�يخ معن�ى كلمة التَّوحيد ،وما
أثبتت�ه م�ن إخالص العب�ادة هلل وحده ،وما نفته م�ن عبادة ما س�واه ،وبيان رشوطها،
يس�مى (الس�يد
َّ مدر ٌس يف جامعة قم فبينام هو كذلك إذ تقدَّ م ٌ
رجل من علـمـاء إيران ِّ
حمم�د) فس�أل َّ
الش�يخ قائالً :ما تقول يف طل�ب املدد من أهل البيت ،وس�ؤاهلم تفريج
الكرب�ات ،وإغاثة اللهفان نظر ًا ملكانتهم عند اهلل وما هلم من املنزلة َّ
الس�امية؟ فأجاب
ب�أن هذا هو الشرِّ ك بعين�ه ،وهو ا َّلذي نفته كلمة اإلخلاص «ال إله إلاَّ اهلل»
فضيلت�هَّ :
وا َّلذي بعث من أجل النَّهي عنه رسل اهلل .فقال َّ
الس ِّيد حممد :ال أسلم لك هذا ،حيث
إن طل�ب امل�دد منهم لي�س هو عبادة وإنَّام هو ش�فاع ٌة منهم يل عن�د اهلل ،فال يصل إىل
َّ
تس�ميه ،فام دام َّ
أن ِّ وس�مه ما ش�ئت أن
ِّ حدِّ الشرِّ ك .فر َّد فضيلته :هذا هو عني العبادة.
العب�د يصرف إىل املخلوق ما ال يقدر عليه إلاَّ اهلل من تفريج الكربات ،وطلب العون
من غريه فهذا هو الشرِّ ك ،مع َّ
أن َّ
الش�فاعة ال جيوز طلبها من األموات وال من غريهم،
الش�فاعة من غريه ٌ
رشك كام قال تعاىل :ﱫ ﮔ ﮕ ﮖ وإنَّام تطلب من اهلل ،فطلب َّ
(« )1من أعالمنا -تراجم لبعض علـمـاء املسلمني» لعبد العزيز العسكر (ص .)134
155
ﮗﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﱪ [الزم�ر]44 :
وما ذكرت عن أهل البيت وغريهم -رضوان اهلل عليهم -من أنهَّ م يملكون َّ
الشفاعة
الش�فاعة م�ن غير اهلل لي�س رشك ًا ..ير ُّده قول�ه تع�اىل :ﱫ ﮆ ﮇ ﮈ َّ
وأن طل�ب َّ
ﮉﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ
ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ
ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﱪ [الزم�ر ،]3 :فاآلي�ة ُّ
ت�دل على َّ
أن مرشكي العرب
ليقربوه�م إىل اهلل زلفى؛ ألنهَّ م يعتقدون
ِّ م�ا كانوا يعب�دون معبوداهتم من دون اهلل إلاَّ
النَّف�ع أو الُّض�رُّ َّ فيه�م .فقال املناظ�ر :فهمت هذا ك َّل�ه ،ولكن ما تصن�ع يف قوله صىل
الش�يخ :عليك إثبات ٍ
حجر لنفعه» .فر َّد عليه َّ اهلل علي�ه وس�لم« :لو اعتقد أحدك�م يف
ٍ
صحيح وال ٍ
حديث ه�ذا احلديث و َم ْن رواه ،فإنَّك ال تس�تطيع أن جتد له أصالً ،ال يف
ثم انتهت باعرتاف املناظر ٍ ٍ ٍ ٍ
واس�تمرت املناظرة ثالث ليال متواليةَّ ،
َّ باطل، ضعيف وال
احلجاج يف املسجد احلرام َّ
بأن ما وتسليمه عىل مرأى ومسم ٍع من اآلالف العظيمة من َّ
احلق ،وقد ملس احلضور انقطاع ُحجج�ه وعجزه عن تأييد رأيه ،ومدَّ قال�ه َّ
الش�يخ هو ُّ
الش�يخ ،وش�كره عد ٌد من احلضور القريبني منه ،ورجا َّ
الش�يخ املناظر يدَ ه وق َّبل رأس َّ
الشيخ :إنَّني أقبل هد َّيتك برشط أن أثيبك عليها هبد َّي ٍة(.)1
أن َي ْقبل منه هد َّي ًة ،فقال َّ
* * *
156
ق�ال ه�اين بن عب�اس مقادمي ال َّثبيتي :روى املستش�ار غس�ان ق�ايض :ذهبت إىل
الش�يخ عب�اس مقادمي -رمحه اهلل )1( -قلت له :نري�دك يف إذاعة القرآن والتَّليفزيون َّ
أس�جل ص�ويت وص�وريت ،فأقنعته، ِّ للق�راءة وتس�جيل صوت�ك وصورتك ،قال :ال
الس�نني ،وافق َّ
الش�يخ ٌ
وأجيال إىل مئات ِّ ٌ
أجيال ُس�جل صوتك لكي يس�مع صوتَك ن ِّ
قارئ يف إذاع�ة أرامكو .ويف عام (1373هـ) ذهب ٍ عب�اس مقادمي ،وكان أيض ًا َّأول
الشيخ حممد عىل زينل صاحب مدارس الفالح الشيخ املقادمي إىل اهلند لتدريس أبناء َّ َّ
الش�يخ س�عودي يف إذاعة اهلند ،وعاد َّ
ٍّ ٍ
ق�ارئ الس�عود َّية ،وكان -رمح�ه اهلل َّ -أول
يف ُّ
املقادمي يدرس يف مدارس الفالح.
الشيخ عباس مقادمي القارئ املعروف يف اإلذاعة والتيلفزيون أحد ويعترب فضيلة َّ
أبرز ال ُق َّراء ا َّلذين شهدهتم اململكة خالل نصف القرن الـمـايض ،ورغم أنَّه َف َقدَ برصه
وق�وة احلفظ منذ طفولت�ه ،فقد يعرفه الكثيرون من خالل فق�ط لكنَّ�ه مت َّيز يف القراءة َّ
صوته املتم ِّيز بالقراءة احلجاز َّية املش�هورة ا َّلتي مت َّيز هبا أهايل املدينتني املقدَّ س�تني ،وقد
الش�يخ عباس حمم�د مقادمي ذويبي الثبيتي -رمح�ه اهلل -بالطائف س�نة ( 1342هـ) ،ويعترب ( )1ول�د َّ
الش�يخ عب�اس مقادمي القارئ املعروف يف اإلذاع�ة والتليفزيون أحد أبرز القراء ا َّلذين ش�هدهتم
فضيلة َّ
اململك�ة خلال نص�ف القرن الـمـ�ايض .تويف -رمح�ه اهلل -يف حمل صديق�ه للنظارات بمك�ة يف تاريخ
(1411/7/27هـ).
157
ٍ ٍ
وواضح كام
ٌ كبري ظه�ر املقادمي كقارئ متم ِّي ٍز يف وقت مل يكن لوس�ائل اإلعلام ٌ
تأثري ٌ
هو احلال يف هذا العرص ،ولذلك ال يعرف الكثريون عن ش�خص َّية هذا القارئ البارع
ا َّل�ذي انقطعت أخباره ع�ن النَّاس منذ ثامنية عرش عام ًا بعد وفات�ه ،الوقت ا َّلذي كان
الش�يخ عباس حممد عباس مقادمي هو ا َّلذي يفتتح مجيع املناس�بات املحل َّية والدَّ ول َّية َّ
الشجي واملؤ ِّثر(.)1 ا َّلتي تقام بمكَّة َّ
املكرمة بصوته َّ
* * *
الرياض الشيخ عبد العزيز بن باز -رمحه اهلل -سافر ًّبرا من ِّ
()2
ذكر أحد الدُّ عاة أن َّ
الش�يخ :ما الس�اعة ال َّثانية عرشة منتصف ال َّليل قال َّ
فلـمـا جاءت َّإىل مكَّة أو العكسَّ ،
كل من معه ،حيث غلبهم النَّوم، الس�فر فوافق ُّ الصباح نكمل َّ
ثم يف َّرأيكم لو نمنا هنا َّ
ٍ
ناحية فنام فيها، كل منهم ذهب إىل الس� َّيارةٌّ ،
فلـمـا نزلوا من َّ
ويريدون أن يسترحيواَّ ،
الرياض سنة (1330هـ) يف أرسة معروفة بالعلم والفضل، ( )2ولد َّ
الشيخ اإلمام عبد العزيز بن باز يف ِّ
الش�يخ حممد بن عبد اللطيف آل الش�يخَّ ،
والش�يخ س�عد بن الرياض ،ومن أش�هرهم َّ وقرأ عىل علـمـاء ِّ
الش�يخ بالعل�م والزهد والورعالش�يخ وغريهم ،وقد عرف َّ والش�يخ حممد بن إبراهيم آل َّ
مح�د بن عتيقَّ ،
واالهتامم بأمور املسلمني ،وتوىل مناصب كثرية من أمهها :رئاسة إدارة البحوث العلمية واإلفتاء والدعوة
واإلرش�اد ،ورئاسة املجلس التأسييس لرابطة العامل اإلسلامي ،ورئاسة املجمع اإلسالمي بمكة املكرمة
التاب�ع للرابطة .وال زال عىل خصاله احلميدة ح َّتى تويف س�نة (1419ه�ـ)« .اإلنجاز يف ترمجة اإلمام عبد
العزيز بن باز».
158
ثم نام.ثم رشع يصليِّ ما شاء اهلل لهَّ ،
وتوضأَّ ،
َّ لـمـا نزل طلب ما ًء
الشيخ فإنَّه َّأ َّما َّ
الشيخ قد سبقهم للقيام ،ووجدوه يصليِّ ، ولـمـا قاموا لصالة الفجر ،وجدوا ََّّ
وأول من قام(.)1 فتعجبوا منه ومن جلده عىل العبادة ،حيث كان هو آخر من نام َّ َّ
* * *
الرمحة.
الرمحن بن يوسف َّ
(« )1اإلنجاز يف ترمجة اإلمام عبد العزيز بن باز» (ص )236لعبد َّ
الش�يخ أجم�د الزهاوي ع�ام (1300هـ) ببغ�داد ونش�أ يف أرسة علمية ثري�ة .درس عىل والده ( )2ول�د َّ
ثم رجع إليها بعد سنة ونصف .واجتمع إليه ومشايخ بلده .هاجر إىل املدينة بعد حكم عبد الكريم قاسم َّ
ّ
الطالب وعامة ال َّناس وكان له أثر يف الدعوة إىل اهلل .تويف س�نة (1387هـ)« .من أعالم احلركة والدعوة
اإلسالمية املعارصة» لعبد اهلل العقيل.
159
الش�يخ إبراهي�م بن محد اجل�ارس -رمحه اهلل -املس�جد احل�رام أ َّيام احلكم دخ�ل َّ
الصوف َّية متارس بِدَ عه�ا وخرافاهتا ،فلم متنع�ه غربته وال إقرار العثماين ،فوج�د حل�ق ُّ ِّ
حكومة البالد هلذه األعامل من أن يسطو عليهم بعصاه رضب ًا حتَّى َّفرقهم ،فرفع أمره
الصواب مع فلـمـا حضر وح َّقق معه عرف َّ
أن َّ املكرمة الشرَّ يف عونَّ ، إىل أمير مكَّ�ة َّ
الشيخ ،فمنع هذه األعامل البدع َّية (.)1 َّ
* * *
الش�يخ عاطف اس�كلفي( )2صاحب كتاب «قرانك مقلد لغ�ى» ،بالترُّ ك َّية يتناول َّ
أن احلكومة الكامل َّية إمعان ًا
حتريم التَّش� ُّبه بالك َّفار ،وأفتى بتحريم ارتداء الق َّبع�ة ،ذلك َّ
منه�ا يف التَّغري�ب وحماربة اإلسلام أصدرت ق�رار ًا بإلغاء لبس ال َّطرب�وش ،وأمرت
ليبي.
الص ِّ بلبس القبعة ،تش ُّبه ًا بالغرب َّ
الشيخ عاطف بعد االنقالب بسنتني لتأليفه ولـمـا قام أتاتورك باالنقالب حوكم َّ َّ
الشيخ أمام القايض رئيس حمكمة االستقالل خاطبه القايض ولـمـا َم َثل َّ
هذا الكتابَّ ،
رجل يرت�دي عامم ًة يكون السفس�طة الفارغةٌ ، الش�يوخ ُم ْغرقون يف َّ قائلاً :إنَّك�م أيهُّ ا ُّ
مسلـمـ ًا ،فإذا ارتدى قبع ًة صار فاسق ًا ،وهذه قامش وهذه قامش!
الشيخ اجلليل :انظر ،أيهُّ ا القايض إىل هذا العلم املرفوع خلفك -أي علم فأجابه َّ
فإن قبلت وإلاَّ فهي سفسط ٌة منك ،إذ هذا قامش، تركيا -استبدله بعلم إنجلرتا مثالًَّ ،
وذاك قامش.
الشيخ باإلعدام -رمحه اهلل -رمح ًة واسع ًة .)3(- فبهت القايض ،ومع ذلك حكم عىل َّ
* * *
( )2الش�يخ عاطف اس�كلفي :أحد مش�اهري علامء تركيا ،وعرف بالصدع باحلق ،أدرك سقوط اخلالفة
العثامنية ،وكان من املناهضني لتغريب املسلمني يف تركيا يف احلملة التي قادها مصطفى كامل أتارتوك .
160
ٍ
وإكبار َّ
للش�يخ الدُّ كتور حممد عبد اهلل ٍ
بإجالل م�ن املواقف ا َّلتي َّ
س�جلها التَّاريخ
الرافض
الش�جاع َّ املقرب�ون من�ه ،ذل�ك املوقف ُّ
َّ دراز -رمح�ه اهلل )1(-وال يعرفه�ا إلاَّ
لل ُّظل�م واجلربوت وال ُّطغيان ا َّلذي رفض فيه التَّوقيع عىل ٍ
بيان أراده عبد النَّارص يدين
ُّ
ويستحل دمائهم. فيه (اإلخوان املسلمني) ويصفهم فيه بأنهَّ م خوارج،
الرجل غضبته هلل ولدين اهلل ،وأنصار اهلل ،وقال ملن محل إليه البيان
وه�ان غضب َّ
السفري فتحي دراز :أتريد منِّي أن أو ِّقع عىل إدانة أهل اإلسالم؟! وطرد
كام ذكر نجله َّ
حامل البيان من منزله.
الش�جاع عقب حادثة املنش� َّية َّ
الش�هري ،وكانت اإلذاعة املرص َّية كان هذا املوقف ُّ
الرجل بيان ًا
حريص� ًة عىل أن تع�رض رأي الدُّ كتور دراز يف األحداث الدَّ امي�ة ،فكتب َّ
ٌ
وأمان». صادق ًا أمين ًا عادالً ليلقيه بدار اإلذاعة بعنوان «اإلسال ُم سال ٌم
الشيخ أعدَّ بيان ًا لإلذاعة يف صباح األحد (1954/11/21م)، وقد ذكر نجله َّ
أن َّ
الشيخ عىل حذف ٍ
يشء منه. ولكنَّه مل يذع؛ ألنَّه أريد حذف ما حتته خط أمحر ،ومل يوافق َّ
( )1ولد الش�يخ حممد عبد اهلل دراز يف إحدى القرى التابعة ملحافظة كفر الش�يخ س�نة (1894م) يف أرسة
علمي�ة .تلق�ى علوم�ه يف األزه�ر ،وقد ع�رف بأعامله العلمي�ة والدعوية ،ت�ويف أثناء حض�وره مؤمتر ًا يف
الباكستان سنة ( 1958م) .
161
خط أمحر ه�و اآليات القرآن َّي�ة ﱫ ﭒ ﭓ ﭔ
أن ا َّل�ذي حتته ٌّ
والغري�ب َّ
ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟﭠ ﭡ
ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮﭯ ﭰ ﭱ ﭲ
خط ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﱪ [النس�اء ،]135:وقب�ل ه�ذه اآلية ٌّ
ٍ
تفريق أو انتصار ًا أمحر حتت هذه العبارةَّ :
إن قدس َّية الدِّ ين تأبى لنا أن نتَّخذ كلمته أدا َة
للرؤساء ،كام تأبى أن تسري
ـحابا ًة ُّ ٍ
لفريق ،إنهَّ ا تأبى أن تسير يف ركاب احلكم ُم َ ُمتح ِّيز ًا
يوزع قسطه عىل الس�فهاء ،فاإلسلام ٌ
عدل ونصف ٌةِّ ، يف ركب الفوىض محاي ًة من طيش ُّ
السواء.
اجلميع عىل َّ
�ع خ ّط ًا أمحر حتت قوله تع�اىل :ﱫ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞﭟ ﭠ ﭡ
وو َض َ
َ
ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯﭰ
ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺﱪ [آل عم�ران ،]159 :ووض�ع
خ ّط ًا أمحر حتت هذه العبارة« :إن اإلسالم مل ِّ
خيول للحاكم نفسه أن حيكم بعلمه فض ً
ال
عن أن يقيض بظنِّه»(.)1
* * *
كان الدُّ كتور أمحد غلوش -رمحه اهلل )2(-يف أوائل القرن شا ًّبا مو َّظف ًا باإلسكندر َّية،
ِّ
ولكل ٍ
مـجموعة من اجلاليات األوروب َّية، تضم أكبر ٍ
تعج باألجانب ،إذ ُّ
وه�ي حينئذ ُّ
جالية حاناهتا املنترشة يف ربوع ال َّثغر ،فصارت اخلمر ترشب علن ًا يف ال ُّطرقات ،وأصبح ٍ
162
شاربوها املعربدة ال جيدون من يمنعهم حني يتو َّقحون مـخمورين ،ويتاميلون عابثني،
إذ َّ
إن قان�ون االمتي�ازات األجنب َّي�ة كان يف عه�د االحتالل حيمي هؤالء املفس�دين أن
يؤاخذوا بام يصنعون.
فتور م�ن املواطنني
م�رض ،ويف إيامهن�م ٌ
ٌ وزاد األم�ر س�وء ًا أن ا َّلذي�ن يف قلوهب�م
اندفع�وا يق ِّل�دون ه�ؤالء الفج�رة فيما يأثم�ون إذ رأوا يف مـحاكاهتم الوقح�ة مدعا ًة
ودليل تقدُّ ٍم وحر َّي ٍة ،فكثرت احلانات باإلس�كندرية كثر ًة مل تلبث أن
َ مدن َّي ًة وحضارةً،
املرصي وحوارضه ،وكان ممَّا يؤس�ف املؤمنني أن
ِّ امتدَّ وباؤها إىل أكثر عواصم القطر
تق�ام احلانات يف بع�ض أحواهلا قريب ًا من دور العلم وأماكن العبادة دون أن يستش�عر
أصحاهبا َخ َج ً
ال من أنفسهم.
وقد كان املوقف يتط َّلب داعي ًة جريئ ًا للفضيلة يش ُّن احلرب عىل هذا الوباء الفاتك،
زمان تدجت آفاقه ،وغاب ٍ وداعي� ًة ال يكتفي بالنُّصوص الدِّ ين َّية واألق�وال املأثورة يف
ب�ي فيعلن للمأل م�ا أثبته ال ِّط ُّ
العلمي والتَّرشيح ال ِّط ِّب ِّ
ِّ هادي�ه ،ب�ل يعمد إىل التَّحلي�ل
يب عن مآيس املعارص من أوبئة املس�كرات ،وينقل أقوال األعالم يف دنيا ال ِّط ِّ
ب األورو ِّ
ثم تثمر جهوده يف اجت�ذاب ٍ
نفر من ذوي اهلمم اخلم�ر ،وأدوائها الفاتكة باألجس�امَّ ،
البصرية ليؤ ِّلف معهم منذ ستِّني عام ًا «مجع َّية منع املسكرات واخلمور» باإلسكندرية،
ثم يوايل االجتامعات َّ
بالش�باب من الرئيس�ةَّ ، ويتَّخ�ذ هلا مكان ًا جهري ًا بأحد َّ
الش�وارع َّ
املو َّظفني وال ُّطلاَّ ب ليجعلهم ألسنته النَّاطقة بني أرسهم وذوهيم.
ٍ
الفح�ة يقودها ٍ
حرب واس�تيقظ أصح�اب احلانات فج�أ ًة ليجدوا أنفس�هم أمام
الدُّ كت�ور غل�وش ،فلجئ�وا إىل احلرب الب�اردة ،إذ أذاع�وا َّ
أن الدُّ كتور غل�وش يتاجر
ٍ
بضراوة كيال تقف دون رواج جتارته، رسا يف احلش�يش واألفيون ،فهو حيارب اخلمر ًّ
163
كي إلاَّ أنَّه أعلن أنَّه غيرَّ اس�م وانتشرت األكذوب�ة يف النَّاس ،فما كان من املجاهد َّ
الذ ِّ
مجاعته من مجع َّية منع اخلمور إىل مجع َّية منع املسكرات كيال تقف عند اخلمور وحدها،
تتضمنه املس�كرات َّ مس�كر أو مـخدِّ ٍرَّ ،
ث�م أخذ يف اجتامعات�ه حي ِّلل ما ٍ ب�ل تن�اول َّ
كل
بعا َّمة الشرُّ ور ،وكان تغيري االس�م مفاجأ ًة مفحم ًة جعلت أصحاب َّ
الشائعات يردون
الصالت الوثيقة باحلاكمني يف القاهرة فقد س�عوا
خائبني ،وإذا كان بعضهم من ذوي ِّ
إىل نقله من اإلسكندرية وأجيبوا إىل ما يطلبون.
فاتذ ٍ
ميدان أوس�ع وأشمل .خَّ فاتجَّ ه الدُّ كتور غلوش إىل القاهرة ليسير بنش�اطه يف
وتشق له ال َّطريق،
ُّ الس ِّيدة زينب ،ووجد أنباء جهاده تسبقه مقرا رئيس ًا جلمع َّيته يف ِّ
حي َّ ًّ
الصحف اليوم َّية واألس�بوع َّية باتت عىل فارت�اح إىل م�ا قدِّ ر له من هجرة ال َّثغ�ر؛ َّ
ألن ُّ
اخلاصة بأرضار املسكرات. ٍ
مقربة منه ،فجعل يمدُّ ها بشتَّى األبحاث
َّ
وحني رأى خصومه يواجهونه بانتشار اخلمور يف مجهرة البالد األوروب َّية دون أن
حت�دث لذوهيا ما يشير إليه م�ن األدواء ..عمل جاهد ًا عىل أن يتَّص�ل بجمع َّيات منع
اخلم�ر يف إنجلرتا وفرنس�ا وألـمـانيا وبلجيكا وس�ائر العواصم الغرب َّي�ة ،ليأخذ عنها
م�ا تقول ،كي يقن�ع بعض من ال يعجبهم غير املنطق األورويب ممَّن هانت نفوس�هم،
ففق�دوا ال ِّثقة يف عقوهل�م ،وصاروا هبا ًء تبدِّ دهم أعاصري املس�تعمرين ،وقد ل َّبت هذه
اجلامع�ات رغبت�ه ،فأرس�لت إلي�ه إحصائي ٍ
ات كثير ًة بام انت�اب طوائ�ف املدمنني من َّ
إهناك اجلس�م ،وجنون العقل ،وانحطاط قوى النَّس�ل ،مؤ ِّيد ًة ذلك بتقريرات املجامع
ال ِّطـ ِّبـ َّية ،واهليئات العلم َّية(.)1
* * *
البيومي (.)302/1
(« )1النهضة اإلسالمية يف سري أعالمها املعارصين» للدكتور حممد رجب ُّ
164
الشيخ عبد اهلل بن فدا -رمحه اهلل )1(-بقدوم الدَّ ولة العثامن َّية إىل بريدة، لـمـا سمع َّ
َّ
نس�يب له فيها ،وكان ٍ فارا بدينه ،ونزل عند يس�مى (زنقب املريدس�ية) ًّ َّ خرج إىل خب
بنفق�ة ط ِّي ٍبة ،فكان يشرب حليبها هناك، ٍ ق�د اس�تصحب معه َمنِيح ًة (عنز ًا) اشتراها
واغتم
َّ فلـمـا علم بذلك تأ َّثر فقدر أن انطلت ليل ًة من ال َّليايل إىل خرضة اجلريان تأكلَّ ،
املرسة
هل�ا ،ودعا بأهل الربس�يم ليقوم�وا ما أكلته ،فأب�وا عليه وأخربوه أنهَّ �م يف حال َّ
الرحب أن تأكل منيحة َّ
الش�يخ منهم حل ِّبهم لصاحبها ،فحبس�ها س�بعة بذل�ك ،وعىل َّ
أ َّيا ٍم واجتنب َد َّرها فيها(.)2
* * *
165
فلـمـا عرف ذلك املعتمد اإلنجليزي (بريس كوكس) أهدى إليه ثالثامئة لرية
عليه�اَّ ،
ذهب َّي�ة إنجليز َّية ،وك َّلف الكرميل بتقديمها إلي�ه ،فرفضها رفض ًا قاطع ًا ،وقالٌ :
خري يل
أن أموت جوع ًا من أن آخذ ما ال أتعب يف كسبه ،الس َّيام وهو ُّ
عدو بالدي.
فأل�ح علي�ه إحلاح ًا متواصالً ،فقال له :ال تكثر م�ن إحلاحك لئلاَّ أطردك من بيتي
َّ
طر َد َم ْن ال عودة له إليه.
فسعى له هو ومجاع ٌة من أصدقائه وتالميذه حتَّى صدر األمر بتو ِّليه قضاء بغداد،
إن هذا املقام يس�تلزم علـمـ ًا زاخر ًا ،وذ َّم ًة ال غبار عليها،
فلـمـا جاءوه بالتَّولية قالَّ :
َّ
ووقوف� ًا تا ًّما عىل الفقه ،وأنا ال أجدين مس�تكم ً
ال هذه الُّش�رُّ وط ،وال أصلح للقضاء،
ورفض(.)1
* * *
كان َّ
الش�يخ محد بن فارس -رمحه اهلل )2(-هو املس�ئول ع�ن بيت الـمـال ،وكان
يوزع من بيت الـمـال -عنده ،وكان -رمحه اهلل -ال يأكل
التَّم�ر والعي�ش -يعني ما َّ
من بيت الـمـال ،فقد كان حيمل متره يف جيبه ،وكان يفطر عليه(.)3
* * *
(« )1صفحات مرشقة من تاريخ أعالم األمة» لعبده عيل كوشك (ص .)643
الش�يخ مح�د بن فارس بن حممد -رمحه اهلل -س�نة (1263هـ) ،وقرأ عىل قايض اخلرج َّ
الش�يخ ( )2ول�د َّ
الرياض وق�رأ عىل علـمـائها .وكان مرجع ُّ
الطلاَّ ب يف علوم ثم رحل إىل ِّ
عبد اهلل بن حسين املخضوبَّ ،
العربية ،وقد عينه اإلمام عبد اهلل الفيصل عىل بيت الـمـال .تويف سنة (1345هـ)« .علـمـاء نجد».
166
الشيخ أمحد حممد الفاريس -رمحه اهلل )1(-أن يأكل يف ديوان أحد الوجهاء رفض َّ
ـحتجا أن دخل األمري من الضرَّ ائب ا َّلتي يأخذها من الت َُّّجار وهم غري راضني ،وقد
ًّ ُم
امتثل األمري ألمره ،فخفض نسبة الضرَّ ائب إىل ٍ
نسبة ريض عنها الت َُّّجار(.)2
* * *
السلام الب�دري -رمحه الش�يخ ال َّطاه�ر اللهيوي يف َّ
الش�يخ حمم�د بن عبد َّ ق�ال َّ
اهلل :)3(-ه�و العلاَّ م�ة املحدِّ ث ا َّل�ذي يغلب عليه احلفظ ،وكان ي�كاد حيفظ «صحيح
البخاري برشح القس�طالين» ،وكان حيفظ متون النَّحو و الفقه ك َّلها ،و حيفظ «خمترص
الصبح ،وكان
خلي�ل» ،و كان يداوم ق�راءة حزبه بعد حزب القرآن الكريم بعد صالة ُّ
الزهد يف الدُّ نيا واآلخرة ،والورع يف َّ
ملذاهت�ا الفانية ،ومن عبادته -رمحه يغل�ب علي�ه ُّ
اهلل -أنَّ�ه كان يق�وم م�ن ال َّليل م�ا ش�اء اهلل ،وكان ال ينام بعد صلاة ُّ
الصبح؛ بل كان
الس� ِّيد أمحد ا َّل�ذي كان يف احلفظ يامثل
يق�رأ «خمتصر خليل» بعد قراءة حزبه مع ولده َّ
أب�اه ،وكان يواظب عىل صوم اإلثنني واخلميس ،و ُطولِب بالقضاء فرفض ،وجاء إليه
يب الفصيح ،واستدعاه إىلاملراقب اإلس�باين املدعو (برابوا) ،وكان يتك َّلم ال ِّلسان العر َّ
ات ،وهو يساومه بخ َّطة القضاء وكان دار خليفة القائد الس�يد حممد الشقاق ثالث مر ٍ
َّ َّ ِّ
يق�ول له :أنا ال أصلح هلا ،وكان يق�ول له :تع َّينت عليك يف رشيعتكم لغزارة علمك،
167
ويف ال َّثالثة أمىل عليه بعض أصدقائه رشوط ًا لع َّله ال تقبل منه ،وهي أنَّه قال :إذا شئتم
أن أت�ولىَّ القضاء فبرشط :أن حيمل ظهري التَّولي�ة مخس إمضاءات :إمضاء املقيم العام
الس�لطان ،وإمض�اء رئيس الوزارة ،وإمض�اء نائب األمور اإلس�باين ،وإمضاء خليفة ُّ
الوطن َّي�ة ،وإمض�اء املراق�ب البلدي ،فقال له :لـمـ�اذا؟ فقال له :ليتأتَّ�ى يل أن أحكم
ثم مطلق املواطن ،فقال له: عىل ال َّظامل الكبري وهو القائد وخليفته وأش�ياخه ومقدموه َّ
ثم قيل له :إنَّه استش�ار مع احلكام األس�بان ِّيني نستشير يف األمر ،فلم يرد عليه جواب ًاَّ ،
فقالوا له :هذا ال يصلح لنا ،وتركوا(.)1
* * *
()2
الش�يخ حممد بن إبراهيم رمحهم اهلل الش�يخ عبد اهلل بن عبد ال َّلطيف يوكِّل َّ كان َّ
مـحمد
َّ ليصِّل�يِّ عن�ه الف�روض يف بعض األوق�ات ،ووكَّله آخر حيات�هَ ،ف َقبِ َل َّ
الش�يخ
الش�يخ عبد اهلل بن عب�د ال َّلطيف وحانت ولـمـا توفيِّ َّالوكال�ة ،ف�كان يصليِّ بالنَّاسَّ ،
الش�يخ حممد بن إبراهي�م أن يصليِّ بالنَّاس ،وقال: الصلاة ا َّلتي هي بعد وفاته ،امتنع َّ َّ
كان�ت صلايت بالنَّاس وكال ًة وكَّلني هبا إمام املس�جد ،وأ َّما اآلن فلس�ت مص ِّلي ًا َلك ُْم؛
ألن ه�ذه وظيف ٌة الش�يخ عبد اهلل بن عب�د ال َّلطيف؛ َّ ألن الوكال�ة ق�د انقطع�ت بموت َّ َّ
ثم إنَّه ُأ ِم َر بعد ذلك بإمامة املسجد(.)3 رشع َّي ٌة ،وكان عمره إذ ذاك ثامني ًا وعرشين سن ًةَّ ،
* * *
168
الش�يخ أمح�د اجلابر الصباح من الش�يخ عبد اهلل اخللف الدحيان طلب َّ بع�د وفاة َّ
الش�يخ يوسف عيس�ى القناعي رمحهم اهلل( )1أن يتولىَّ منصب القضاء؛ ألنَّه تعينَّ عليه َّ
الش�يخ بالتِّجارة ا َّلتي جعلها ُح َّج ًة لعدم تو ِّليه القضاء وملعرفته بخطورة وتعذر َّ ذلكَّ ،
املنصب ولكن برشط أن يكون َ الش�يخ أمحد اجلابر َقبِ َل هذا املنصب ،ونتيجة إلرصار َّ
ق�اض آخر ،وعىل ألاَّ يأخذ علي�ه أجر ًا ،وكان ٍ ت�ة إىل حني العثور عىل لفرتة مؤ َّق ٍ ٍ ذل�ك
يس�مى «وكيل القضاء» ،وكانت تصله القضايا للحكم فيها يف مـح ِّله أو منزله ،وبعد َّ
ونصف يف أعق�اب حادثة اخلباز طلب م�ن حاكم الكويت أن يعِّي�نِّ قاضي ًا آخر ٍ ٍ
س�نة
الش�يخ أمحد عط َّية األثري الش�يخ أمحد اجلابر َّ ثالثة أ َّيا ٍم ،وأمام إرصاره اختار َِّ خلال
الشيخ يوسف. والشيخ عبد العزيز قاسم محاده لتوليِّ وظيفة القضاء ،وكانا يستشريان َّ َّ
شهري وس َّيار ٌة لتن ُّقالته ،واعتذر للشيخ
ٌّ راتب
خيصص له ٌ ولقد رفض َّ
الش�يخ أن َّ
والراتب عندي ،واهلل فالس� َّيارة َّ
عيل هذا األم�رَّ ، َّ الس�امل قائلاً :طالـمـا تعينَّ عب�د اهلل َّ
يعينني عليه(.)2
* * *
الشيخ يوسف بن عيسى بن حممد القناعي يف الكويت سنة (1296هـ) .حفظ القرآن يف صغره. ( )1ولد َّ
ثم رجع ودرس عىل علـمـاء الكويت ،ومن أش�هرهم َّ
الش�يخ عبد اهلل الدحيان .ورحل يف طلب العلمَّ ،
وتوىل التدريس ح َّتى صار عامل الكويت ،وأس�ند إليه القضاء .تويف س�نة (1393هـ)« .علـمـاء الكويت
الرومي.
وأعالمها» لعدنان ّ
الرومي.
(« )2علـمـاء الكويت وأعالمها» (ص )473تأليف عدنان بن سامل ّ
169
بالصالح والتَّقوى ،والورع
الوهاب الفارس -رمح�ه اهلل َّ )1(- ف َّ
الش�يخ عبد َّ ُع ِر َ
الرجال ذهب إىل املحكمة للتَّصديق عىل عقد النِّكاح ا َّلذي يف تد ُّين�ه ،ويروى َّ
أن أحد ِّ
موضع توقي ِع َّ
الشيخ َ الوهاب ،فأمسك املو َّظف العقد و َق َّبل قام بإحكامه َّ
الش�يخ عبد َّ
ربك ًا وإجالالً له(.)2
الوهاب ت ُّ
عبد َّ
* * *
170
الش�يخ عمر بن عب�د العزيز َّ
الش�يخاين -رمحه اهلل علي بن حممد ونيس يف َّ
يق�ول ُّ
لـمـ�ا كتبت بحث ًا يف الفقه املقارن وهو «حتقيق املقال يف رمي اجلامر قبل َّ
الزوال» َّ : -
()1
طلبت من ش�يخي أن يقرأه ،ففعل تواضع ًا منه -رمحه اهلل ،-ك َّلام س�ألته قال :البحث
مة من فضيلتك هلذا البحث قبل طباعته ،فقال يل :ال، طي�ب ،فقل�ت له :أطمع يف مقدِّ ٍ
ِّ ٌ
يدل عىل ورع َّ
الش�يخ لكن إذا كتبت يف علم األصول س�أفعل -إن ش�اء اهلل .-وهذا ُّ
بارع، ٍ ِ
حنفي ٌ ٌّ بفقيه ،بل هو فقي ٌه َّخصص ،وهذا ال يعني أنَّه ليس العلمي ،فإنَّه ُي ْؤمن بالت ُّ
ِّ
ص بحيث يمهر فيه ويتقنه فال ختص ٍيستمر طالب العلم يف ُّ
َّ متني ،لكنَّه يريد أن
وأصو ٌّيل ٌ
تزل قدمه ،وال ُّ
يضل فهمه ،وال يطيش قلمه ،ويطبق ذلك عىل نفس�ه .الثاين :أنَّه اتَّفق ُّ
املقررة كانتمعن�ا عىل أن يدرس لن�ا يوم ًا آخر غري يوم تدريس األص�ول ،والـمـا َّدة َّ
ٍ
ومش�ورة من ٍ
توجيه كتاب النكاح من «بداية املجتهد» البن رش�د ،وكان هذا بِنا ًء عىل
الش�يخ حممد الدُّ كتور أس�امة عبد العظيم محزة ،واتَّفق عىل هذا الدَّ رس األخ الفاضل َّ
ٍ
ذاهب إىل أنَّه فلـمـ�ا بدأنا يف الدَّ رس قرأن�ا تعريف النِّكاح ،فم�ن
بيض�ون التَّميم�يَّ ،
الش�يخ -رمحه اهلل -وإيه الفرق ٍ
ذاهب إىل أنَّه إباحة البضع ،فقال َّ ملك البضع ،ومن
الزوج ل�و كان يملك البضع هيأجره؟! فقلت :ش�يخنا قد ذكر بعض أهل
يعن�ي ،هو َّ
ٍ
بنكاح العل�م ال َّثمرة املرتتِّبة عىل هذا االختالف يف التَّعري�ف ،فقالوا :إذا ُوطئت املرأة
أجنبي عىل أنهَّ ا زوجته فه�ذا يوجب مهر املثل،
ٌّ متزوج ٌة ،كأن يطأه�ا
فيه ش�به ٌة وه�ي ِّ
الشيخ األصويل عمر بن عبد العزيز حممد الشيخاين -رمحه اهلل -من مشاهري علـمـاء العراق ،درس (َّ )1
على وال�ده ا َّل�ذي كان من كبار علـمـاء عصره ،وأكمل دراس�ته يف كلية الرشيعة اإلسلامية من جامعة
درس بجامعة أم املكرم�ة حيث َّ
مكة َّ ثم رحل إىل َّ
مدرس�ا بجامعة بغدادَّ ،
ً ثم عاد بالده
األزه�ر الرشي�فَّ ،
ريا بوزارةثم عمل خب ً
ودرس كذلك باجلامعة اإلسلامية .وفد إىل قطر للتدريس بكلية الرشيعةَّ ، القرىَّ ،
وعضوا بلجنة إحياء الرتاث اإلسالمي ،ومل ينقطع عن التدريس ح َّتى وفاته
ً األوقاف والشئون اإلسالمية
يف 13من شعبان سنة ( 1431هـ).
171
للزوج ،وإن قلنا :إنَّ�ه إباحة البضع فيكون ف�إن قلن�ا إنَّه ملك البضع يكون مه�ر املثل َّ
فلـمـا ج َّن علينا ال َّليل اتَّصل يب وقال ِ
الشيخ ومل يبد ش�يئ ًاَّ ، مهر املثل للمرأة ،فس�كت َّ
ك�رر يل م�ا ذكرت يف الدَّ رس فإنيِّ مل أنتبه ل�ه ،فاعتذرت منه وحاولت عدم الكالم يلِّ :
فأعدت عليه عيل، ِ حيا ًء وخجالً ،وأنا -واهلل -مل أقصد شيئ ًا ،فقال :هذا ٌّ
ُ حق ،فأعدْ ُه َّ
ثم اعتذر عن الدَّ رس ومل يكمله ،وأنا مل أفاحته يف سبب الكالم ،فقال :جزاك اهلل خري ًاَّ ،
َّخصص هو ا َّلذي منعه ،وأ َّما أنا تو ُّقف الدَّ رس ،لكن أظ ُّن َّ
أن ورع َّ
الش�يخ وإيامنه بالت ُّ
فعاتبت نفيس كثري ًا عىل ذلك ،قلت :سوء أديب تس َّبب يف تو ُّقف مثل هذا اخلري ،أسأل
يتحرز منها جدًّ ا ،فقد زرته اهلل العافي�ة واملغف�رة .وأ َّما يف أمور الدُّ نيا ،فقد كان َّ
الش�يخ َّ
املرصي ومل يرها،
ِّ الصيف ،وأخذت معي كيلوين من عس�ل النَّحل
يف بيته بعد إجازة َّ
وتركتها بعد جلويس معه وخرجت ،فام أن وصلت إىل البيت حتَّى اتَّصل يب وك َّلمني
يسري ،وبيني وبني فضيلتكم من الو ِّد ما
مغضب جدًّ ا :ما هذا؟ فقلت :هذا يش ٌء ٌ
ٌ وهو
يس�مح بذل�ك ،فقال يل :أنا أس�تاذك يف اجلامعة أليس كذلك؟ قل�ت :بىل ،قال :وهل
جيوز أن يهُ دي ال َّطالب ألستاذه؟ قلت :ال ،لك َّن ُّ
الشبهة أنت بري ٌء منها! قال :ال ،فإذا
خترجت من اجلامعة فأهدين ما شئتَ ،
تعال اآلن فخذ هذا العسل(.)1 َّ
* * *
حج َّ
الش�يخ حممد بن مقبل الش�يخ عمر بن حس�ن آل َّ
الش�يخ -رمحه اهلل َّ :- قال َّ
ولـمـا وصل مكَّة وقىض مناس�كه س� َّلم عىل َّ
الشيخ عبد اهلل بن حسن، -رمحه اهلل َّ ،-
للسلام عىل امللك، الش�يخ عبد اهلل بن حس�ن رئيس القضاة :س�نذهب مع ًا َّ فق�ال له َّ
الضيافة ،وإجراء مصاريف ل�ك حتَّى تغادر ونطل�ب من�ه إنزالك يف ٍ
بي�ت من ُب ُي�وت ِّ
حاجا وال أريد أن أرى أح�د ًا أو يراين أحدٌ ،وال
حممد :إنَّام جئ�ت ًّ مكَّ�ة :فقال َّ
الش�يخ َّ
172
أرص عىل أن يشء من بيت الـمـال ،فاس�تغرب َّأرغب يف أخذ ٍ
الش�يخ عبد اهلل ،ولكنَّه َّ
حممد :إنَّه إن علم بمجيئك ومل تس� ِّلم عليه صار يزور امللك عبد العزيز ،وقال َّ
للش�يخ َّ
إحلاح عليه وافق عىل مرافقة َّ
الشيخ عبد اهلل بن حسن للملك عبد ٍ يف نفسه يش ٌء ،وبعد
رحب ب�ه ،وقال له :مل ختربنا بمجيئك حتَّى نأمر
ولـمـا رآه امللك عبد العزيز َّ
العزي�زَّ ،
حاجا ومعي
الشيخ وقال للملك عبد العزيز :إنَّام جئت ًّ بالضيافة واملنزل .فاعتذر َّ
لك ِّ
الذهب والكس�وة ،فقال م�ا يكفين�ي .وبعد أن خرج من عند امللك بعث له بمبل ٍغ من َّ
للخ�ادم ا َّل�ذي أتى هبا :إنهَّ ا ليس�ت يل وال آخذهاَّ ،
فألح اخل�ادم عليه بأخذها فرفض،
ورجع هبا اخلادم إىل امللك ،فاستغرب ُ
امللك عد َم أخذها.
َّ
يس�تدل عليهم خادم ث�م إنَّ�ه بعد ذهاب خادم املل�ك أمر رفقته بتغيري منزهلم لئلاَّ
بالذهب والكس�وة .وقد صادف األمري فيصل ب�ن عبد العزيز املل�ك إن أع�اده امللك َّ
نائ�ب جالل�ة امللك عىل احلجاز آنذاك عند امللك عبد العزيز فس� َّلم عىل َّ
الش�يخ حممد
الش�يخ حممد قد س�قطت، بن مقبل بعدما عرفه ،وكان يس�مع به ،فرأى بعض أس�نان َّ
فقال :يا شيخ ،سنبعث لك طبيب األسنان لريكب لك بدالً من هذه األسنان ا َّلتي قد
الشيخ :اهلل املستعان ،إن ا َّلذي بقي منها سيكفي بق َّية العمر.
سقطت ،فقال َّ
ع َّين�ه املل�ك عبد العزيز عىل قضاء عني�زة ،وأخربه أنَّه عينَّ َّ
الش�يخ عبد العزيز بن
ٌ
ومبلغ من س�بيل على قضاء البكريي�ة ،وبعث له خطاب ًا بذل�ك ،ومع اخلطاب كس�و ٌة
الـمـ�ال ،فقال للخ�ادم ا َّلذي أحرض املبلغ وجاء بالكتاب :س� ِّلم يل عىل اإلمام ،وقل
مقبول ،واملنصب يف عنيزة غري ٍ
ممكن ،وأ َّما هذه الكسوة واملبلغ ٌ له :العزل من البكريية
واستمر يف
َّ فألح عليه أمري القصيم فرفض
فسيجد َم ْن هو أحوج منِّي إليها ،وأعادهاَّ ،
ترك القضاء إىل أن توفيِّ -رمحه اهلل .)1(-
* * *
173
174
اهتمامهم
بامل�سلمني
175
176
الرجل ا َّلذي ال الش�يخ حس�ن بن عبد اهلل آل َّ
الش�يخ -رمح�ه اهلل -بأنَّ�ه َّ
()1
ف َُّع ِر َ
ٍ
خطاب ختم به حياته ،كان قد كتبه ألحد املس�ئولني ملس�اعدة يقول« :ال» ،بل َّ
إن آخر
قدره ومكانته عند املس�ئولني والنَّاس ،ويش�اء اهلل أن يذهب اخلطاب لذلك املس�ئول
الشيخ القايض العلاَّ مة عبداهلل بن يوسف بن عبداهلل بن عيل الوابل -رمحه اهلل -يف أحد القصور
( )3ولد َّ
ثم
الزراعية ملدينة البكريية يس�مى بئر إبراهيم س�نة (1328هـ) ،ونشأ يف حجـر والديه ح َّتى ترعرع ونامَّ ،
ب�دأ يطل�ب العلم يف املدرس�ة العادية األهلية يف مدين�ة البكريية ،أتم حفظ الق�رآن الكريم عن ظهر قلب
وعم�ره عرش س�نوات .قىض حياة حافل�ة بالعلم والفضل والزه�د والذكر الدائم هلل س�بحانه والعزوف
ع�ن الش�هرة واملظاهر ،وعدم ح�ب الظهور مع جالل�ة علمه وعظي�م فضله .تويف ي�وم اخلميس املوافق
الرابعة والتس�عني سنة ،بعدالرياض عن عمر ناهز َّ (1422/2/23هـ) يف املستش�فى التخصيص بمدينة ِّ
الشيخ عبداهلل بن يوسف».معاناة مريرة مع املرض والشيخوخة« .أضواء عىل حياة َّ
177
والصغار القرآن الكري�م ،-فقرأ امللك
-وه�و من املش�ايخ املعروفني بتعليم الكب�ار ِّ
ثم دعا األمري ناي ًفا ،وقال :أعطوه .ومل يزد عليها ش�يئ ًا ،أو يكتب عىل
خالدٌ اخلطابَّ ،
اخلطاب شيئ ًا ،فام كان بعد شهرين إلاَّ وإمارة اجلنوب تطلب َّ
الشيخ عبيد اهلل األفغاين،
السعود َّية(.)1
ملنحه اجلنس َّية ُّ
( )1الربنامج اإلذاعي «يف موكب الدعوة» -إذاعة القرآن الكريم يف الس�عودية -إعداد وتقديم :حممد
ابن عبد اهلل املشوح.
178
179
180
عبادتهم
181
182
الوهاب -رمح�ه اهلل -
()1
حممد بن عب�د َّ الس�لف َّية اإلصالح َّية َّ
الش�يخ َّ كان إم�ام الدَّ ع�وة َّ
قل ما يفرت من قول :س�بحان اهلل واحلم�د هلل وال إله إلاَّ اهلل واهلل
الذك�ر هلل تعاىلَّ ،
كثير ِّ
أكرب ،وكان إذا جلس للنَّاس ينتظرونه يعلمون إقباله إليهم قبل أن يروه من كثرة هلجه
بالتَّسبيح والتَّحميد والتَّهليل والتَّكبري.
وكان كثري ًا ما يلهج بقوله تعاىل :ﱫ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ
ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ
ﮁ ﱪ [األحقاف.]15:
ذر َّيته العلـمـاء والع َّباد ،وذلك فضل اهلل يؤتيه
فأجاب س�بحانه دعاءه ،فصار يف ِّ
من يشاء واهلل ذو الفضل العظيم(. )2
* * *
الشيخ عبد اهلل بن فايز أبا اخليل -رمحه اهلل )3(-جمتهد ًا يف العبادة ،ووصفه ابن
كان َّ
«الس�حب الوابلة» بقوله :كان جلد ًا يف العبادة ،وله مدارس� ٌة يف القرآن
محيد صاحب ُّ
ٍ
أجزاء أو الس�نة ،ويقرءون إىل نحو نصف ال َّليل عرشة ٍ
الكريم مع مجاعة يف مجيع ليايل َّ
( )1ول�د اإلم�ام املجدد حممد بن عبد الوهاب يف العيينة س�نة (1115هـ) ،ونش�أ فيها وطلب العلم عىل
ثم رجعثم توجه إىل املدينة املنورة والبرصة واإلحس�اءَّ ،
والده ،س�افر إىل مكة للحج والتزود من العلمَّ ،
ثم ارحتل إىل الدرعية عند اإلمام حممد بن س�عود ،وتعاهدا عىل الدعوة ثم العيينةَّ ،
إىل نج�د يف حريملاءَّ ،
إىل التوحيد ،واس�تمر عىل ذلك إىل أن تويف س�نة ( 1206هـ) ،وقام باألمر من بعده أبناؤه ،وأحفاده ،وله
ذري�ة مبارك�ة إىل يومنا هذا -رحم اهلل أمواهت�م ،وحفظ أحياءهم « .-علـمـاء نج�د خالل ثامنية قرون»
(.)125/1
(« )2عنوان املجد يف تاريخ نجد» للشيخ عثامن بن برش (.)95 ،89/1
الشيخ عبداهلل بن فايز أبا اخليل سنة ( 1200هـ) تقريب ًا يف عنيزة ،ورحل إىل مكة لطلب العلم،
( )3ولد َّ
عينه أعيان عنيزة وأمريها قاضي ًا
السعودية األوىل َّ
وأخذ العلم عن بعض علـمـائها ،وبعد س�قوط الدولة ُّ
لدهيم .تويف سنة (1251هـ)« .علـمـاء نجد» (.)370/4
183
مر ًة أنهَّ م رشعوا يف س�ورة الفرقان بعد العش�اء وختموا ،وكنت أحرض
أكثر ،وأعرف َّ
وأنا ابن ٍ
عرش مع بعض أقاريب فيغلبني النَّوم ،فإذا فرغوا محلت إىل بيتنا وأنا ال أشعر،
كل ٍ
ليلة(.)1 والبيضاوي َّ البغوي وكان مع القراءة يراجع تفسري
ِّ ِّ
* * *
املرصي املدَّ اح -رمحه اهلل )2(-يقرأ عليه «ابن قاس�م عىل متن أيب
ِّ كان َّ
الش�يخ عيل
ش�جاع» غيب� ًا ويقرره ،وكان دائ ًام مالزم ًا هلذا الكت�اب للمبتدئني ،مع أنَّه كان بحر ًا يف
حر مكَّة ،وكان ال يفطر إلاَّ العيدين وأ َّيام التَّرشيق،
العلوم ،وكان دائ ًام يصوم مع شدَّ ة ِّ
وطال عمره قريب ًا من مائة وبضع سنني(.)3
* * *
كل ٍ
ليلة آخر الش�يخ عثامن بن عبد اهلل بن عثامن بن ٍ
برش -رمحه اهلل )4 (-يقرأ َّ كان َّ
ٍ
أجزاء من القرآن يف قيام ال َّليل ،ويصليِّ إحدى عرشة ركعة حرض ًا وس�فر ًا ال َّليل أربع َة
حتَّ�ى تو َّفاه اهلل ،وال خيرج بعد صالة الفجر من املس�جد حتَّ�ى يصليِّ صالة ُّ
الضحى،
ش�وال دوم ًا ،وتس�ع ذي َّ
احلجة ٍ
ش�هر ثالثة أ َّيا ٍم دوام ًا وس�تَّة أ َّيا ٍم من َّ ويصوم من ِّ
كل
الشيخ عيل املداح النبهاوي املرصي الشافعي -رمحه اهلل -عالـمـ ًا جليل القدر ،وممن جاور يف
( )2كان َّ
مكة .عرف بعبادته ،وسعة علمه .تويف سنة (1277هـ).
الس�تار عبد
(« )3في�ض املل�ك الوه�اب املتعايل بأنب�اء أوائل الق�رن الثالث عرش والتوايل» للش�يخ عبد َّ
الوهاب البكري الصديقي اهلندي املكي احلنفي (.)823/1
184
حمرم مع يو ٍم قبله أو يو ٍم بعده(.)1 حاجا ،وعارش َّ دوم ًا ما مل يكن ًّ
* * *
الس� ِّن،
صغري ِّ
ُ الكريم وهو
َ َ
القرآن ()2
الش�قفة -رمحه اهلل - ُ
حس�ون َّ َح ِف َظ الش�يخ
القراء يف محاة بوقته ،فقد كان يس�تيقظ قبل الفجر ث�م تل َّق�ى القراءات عىل يدي ش�يخ َّ َّ
الصالة يذهب إىل قرية (كازو) ثم بعد َّيتوضأ ويصليِّ ما شاء اهلل له أن يصليِّ َّ ،بساعتني َّ
ثم يعود إىل -وه�و يلب�س يف رجله القبقاب -إىل ش�يخه يف القراءات ،يقرأ ويس�مع َّ
ويستمر عىل ذلك دون طعا ٍم حتَّى ُّ بيته ليتابع القراءة واملطالعة يف كتب الفقه وغريها،
واس�تمر عىل هذا النَّهج حتَّى مهر
َّ يصليِّ العرص فيأكل وجب ًة واحدةً ،ويكتفي بذلك،
وفاق(.)3
* * *
العجاجي -رمحه اهلل َّ -
مر ًة يف املقربة فالتفت ()4
ِّ ٍ
نارص الرمحن بنالشيخ عبد َّكان َّ
جترد من ثيابه ،وكان قد لبس حتتها أكفانًا ،فنزل يف ٍ
قرب فلـمـا مل ير أحد ًا َّ
يمن� ًة ويسرةًَّ ،
ومتدَّ د فيه وجعل يبكي وحياس�ب نفس�ه :مالك تفعلني ك�ذا؟ مل تعصني اهلل وهو يراك
ات(.)5 وتأكلني املتشابه؟! وقد تكرر ذلك منه عدَّ ة مر ٍ
َّ َّ
* * *
(« )3إمتاع الفضالء برتاجم القراء يف ما بعد القرن الثامن اهلجري» إللياس بن أمحد حسين بن س�ليامن
الربماوي (.)472/2
الرمحن بن نارص العجاجي س�نة (1270هـ) يف بريدة ،وقرأ عىل مش�اخيها ،قتل يف ( )4ولد َّ
الش�يخ عبد َّ
معركة املليدي مع ستة من أشقائه سنة (1308هـ)« .علـمـاء نجد» (.)216/3
(« )5تذك�رة أويل النه�ى والعرف�ان بأيام اهلل الواحد الدي�ان وذكر حوادث الزمان» ( )291/1للش�يخ
إبراهيم بن عبيد آل عبد املحسن.
185
واحد وذلك ٍ ٍ
ش�هر َ
القرآن يف ()1
محاد بن جار اهلل احلماَّ د -رمحه اهلل - الش�يخ ََّح ِف َظ َّ
كل ٍ ش�هر رمضانَ ،ص َار حيفظ َّ
ليلة جز ًءا ُ أنَّه كان إمام ًا بمس�جد اجلبارةَّ ،
ولـمـا دخل
ليلة م�ن رمضان ختمه فيها حفظ ًا، ألج�ل صلاة الترَّ اويح ،ويصليِّ هبم فيه حتَّى آخر ٍ
شديد إىل حفظ القرآن وحم َّبته(.)2 ٍ ٍ
وميول ٍ
واجتهاد ٍ
حرص يدل عىل وهذا ُّ
* * *
للش�يخ عب�د العزيز بن محد بن عتيق -رمح�ه اهلل )3(-ور ٌد يقوم به من ال َّليل، كان َّ
والس�جود ،فكان إذا أتى مضجعه للنَّوم بعد العشاء والركوع ُّ الصالة القراءة ُّ يطيل يف َّ
ثم ن�ام ،فإذا بقي ثل�ث ال َّليل قام ورشع يف بالصلاة ،فصلىَّ بعض وردهَّ ، اآلخ�رة ب�دأ َّ
س�فر ،حتَّ�ى إنَّه بعدما ٍ ٍ
حرض وال يف الصلاة حتَّ�ى يكم�ل ورده ،ال يترك ورده ال يف َّ
وعرسوا يف احلج وغريه من األس�فار ،إذا أدجلوا من ال َّليل َّ كرب س�نُّه كان يف س�فره إىل ِّ
وعجز األقوياء ورغبتهم يف النَّوم ،فال يكاد رفقاؤه يتمكَّنون ِ ِ
كس�ل أثناء ال َّليل ،وقت
الصالة ،وأقبل عىل تالوة الش�يخ قائ ًام يف َّ من االضطجاع للنَّوم ،إلاَّ وقد انتصب هذا َّ
ثم عندما الراحة واالطمئنان ،حتَّى يكمل ورده املعتادَّ ، َّهجد كأنَّه يف وقت َّالقرآن والت ُّ
يبقى ثلث ال َّليل ،إذا هو قد قام إىل صالته(.)4
* * *
(« )2منب�ع الك�رم والشمائل يف ذكر أخبار وآثار من ع�اش من أهل العلم يف حائل» حلس�ان بن إبراهيم
الرديعان (ص.)187 ّ
الشيخ عبد العزيز بن محد بن عتيق سنة (1277هـ) ،والزم والده العالمة َّ
الشيخ محد بن عتيق، ( )3ولد َّ
ثم جلس لتدريس ُّ
الطالب، ثم سافر إىل اهلند يف طلب العلمَّ ،
الرياض ودرس عىل علـمـائهاَّ ،
وسافر إىل ِّ
وتوىل القضاء إىل أن تويف سنة (1359هـ)« .علـمـاء نجد».
186
الش�يخ إبراهيم بن عبيد آل عبد املحس�ن مجل ًة من األحوال التَّعبد َّية لشيخه
أورد َّ
العلاَّ مة عمر بن َّ
حممد بن س�لي ٍم -رمحه اهلل ،)1(-فكان ممَّا أورده :فأ َّما تالوته للقرآن،
فإنَّ�ه كان يتل�وه قائ ًام وقاع�د ًا ومضطجع� ًا ،وكان إذا خ�رج إىل ٍ
قرية ،يرتِّ�ب رفقته يف
حظ من قيام ال َّليل ،وحيب اخللوة بر َّبه يف حنادس
السري ،وكان له ٌّ ِ
دراس�ة القرآن حال َّ
ٍ
بمصيبة فإنَّه ال ُّظ َلم ،ويعامل اهلل بالعبادة وال َّطاعة ،ويكثر َّ
الصالة بالنَّهار ،وإذا أصيب
ٍ
بمصيبة، الصالة ،وقد يرتك التَّدريس بني العش�اءين إذا أصيب يس�تعني عليها بكثرة َّ
باحلج والعمرة ،ويكثر ال َّطواف
ِّ الصالة من املغرب إىل العشاء ،وكان مولع ًا
ويفزع إىل َّ
حتَّ�ى َّ
يمل من يطوف معه ،فقد يشرع يف ال َّطواف الواحد من صالة الغداة إىل ارتفاع
يفر
الشمس ،ويداوم عىل االعتكاف يف العرش األواخر من رمضان ،وإذا اعتكف فإنَّه ُّ َّ
من خمالطة النَّاس بحيث ال جيالسه أحدٌ وال يك ِّلم أحد ًا(.)2
* * *
السابق
الزغيبي -رمحه اهلل -اإلمام َّ
()3
ِّ من عجائب أمر َّ
الش�يخ صالح بن عبد اهلل
توضأ وأراد لبس
مر ًة لصالة الفج�ر ،وبعد أن َّ
َّبوي :ما وقع له أنَّه اس�تيقظ َّ
للح َ�رم الن ِّ
َ
عقرب يف قدمه ،ومل جيد من يس�عفه أو خيرب نائبه ،فتج َّلد ونزل إىل احلرم
ٌ احلذاء لدغته
كعادته ،وانتظر موعد اإلقامة -وهي بعد ثلث ساعة من األذان -ومل يقدمها حرص ًا
الش�يخ عمر بن حممد بن س�ليم س�نة (1299هـ) يف بريدة يف حجر والده العالمة َّ
الشيخ ( )1ولد َّ
حمم�د ب�ن عبد اهلل بن س�ليم ،وتوىل قض�اء بريدة ،وخترج على يديه أفواج كثيرة .أصيب بمرض
السل ،ومازالت زيادة املرض معه ح َّتى توفاه اهلل يف سنة (1362هـ)« .علـمـاء نجد».
ُّ
(« )2تذكرة أويل النهى والعرفان» (.)156/4
الش�يخ صالح بن عب�د اهلل الزغيبي -رمحه اهلل -يف عنيزة من مدن القصيم س�نة ( 1370هـ)، ( )3ول�د َّ
وأم ال َّناس باملسجد النبوي.
ثم رجع املدينةَّ ،
ثم رجع إىل بلده عنيزةَّ ،
رحل إىل املدينة أيام حكم األرشافَّ ،
عرف بعبادته ،وزهده ،وتواضعه .تويف سنة ( 1372هـ).
187
الصالة عىل إدراك النَّاس للجامعةُّ ،
وكل ذلك ومل يعلم بحالته أحدٌ ،وبعد االنتهاء من َّ
أخرب بعض احلارضين فقرأ عليه بعضهم وسارعوا يف إسعافه.
الشيخ -رمحه اهلل -إذا أتى لصالة العرص ال خيرج حتَّى يصليِّ العشاء ،وإذا
وكان َّ
أتى لصالة الفجر ال خيرج حتَّى تطلع َّ
الش�مس ،ولـمـا ثقل يف آخر عمره صار ينيب
الصالة اجلهر َّية واجلمعة والترَّ اويح. عنه فضيلة َّ
الشيخ عبد العزيز بن صالح يف َّ
السبعينات اهلجر َّية ،وكان من تواضعه إذا صلىَّ الفجر مىض
كان يصليِّ بالنَّاس يف َّ
الش�مس ،وكان ال يربح مكانه حتَّى تطلع َّ
الشمس ،فيميض إىل الس�وق بعد طلوع َّ
إىل ُّ
السوق ،ويشرتي الربسيم لغنمه ،فيضع الربسيم عىل رأسه تواضع ًا هلل عز وجل ،وما ُّ
م�ن ٍ
أح�د يف املدينة إلاَّ وه�و حي ُّبه صغار ًا وكب�ار ًا ك ُّلهمُ ،وضع له م�ن القبول ما اهلل به
عليم ،وما عرف عنه أنَّه استس�قى للنَّاس إلاَّ نزل الغيث بعد استس�قائه -رمحه اهلل - ٌ
فرض ،كان يصليِّ فيلزم املس�جد حتَّى برمحته الواس�عة ،كان آي ًة م�ن آيات اهلل ،مل يفته ٌ
ومعروف عنه ذلك حتَّى ضرُ ِ َب به املثل.
ٌ يصليِّ العشاء ما خيرج إلاَّ لغدائه أو ٍ
أمر الز ٍم،
الصالة ،ف�أراد أن خيتربه م�ر ٍة أراد أح�د الوجه�اء يف املدين�ة أن ِّ
يؤخره ع�ن َّ ذات َّ
عزومة بالفندق ،والفندق يبعد عن املسجد مساف ًةٍ الصالة فدعاه إىل
كيف حرصه عىل َّ
ٍ
بقليل ،فصار يصيح بالسهلة ،فأمر أعوانه أن ِّ
يؤخروا الغداء ،وجاء قبل العرص ليست َّ
قريب حتَّى أنظر
ٌ عليه�م قال :إذا صحت عليكم فتظاهروا أنَّكم هت ِّيئ�ون الغداء ،وأنَّه
الصالة أو ال؟ ما كان من َّ
الشيخ صالح إىل حال َّ
الشيخ هل جيامل أو ال جيامل ،تفوته َّ
-رمحه اهلل -إلاَّ أن بقي عىل األذان الشيَّ ء القليل ،وغلب عىل ظنِّه أنَّه لو جلس تفوته
فالصلاة حاجة من
الصلاة فاس�تأذن من األمير ،وقال له :أري�د أن أقيض حاجتيَّ .
َّ
احلوائ�ج ،يريد أن يقيض فريضة اهلل عز وجل ،من تورية الفقهاء والعلـمـاء ،فالفندق
الرمل ،ف -رمح�ه اهلل -خلع نعليه
طع�وس من َّ
ٌ كان جه�ة اخلن�دق أدركناه كان فيها
188
الش�مس حتَّى حي�دث عندهم ٌ
أمان أنَّه س�يعود ،فجع�ل النَّعلني عىل رأس ومش�ى يف َّ
اخلاصة يراقبونه ،فوجدوا احلذاء عىل ال َّطرف فباغتهم َّ
وفر َّ ال َّطع�س ،فخرج اثنني م�ن
الصالة إلاَّ وهو داخل املحراب إمام ًا بالنَّاس(.)1
إىل املسجد -رمحه اهلل ،-وما أقيمت َّ
* * *
اري -رمحه اهلل ،)2(-يقول بعض من سافر ٍ
الس� َّي ِّ
جاء يف ترمجة إبراهيم بن س�عود َّ
معه :لقد قام يف ٍ
ليلة بأربعة عرش جزء ًا من القرآن .وكان يكثر من قراءة القرآن ،فكان
كل أسبوعٍ ،ويف رمضان َّ
كل يو ٍم ختم ًة(.)3 خيتم َّ
* * *
حممد بن صالح املقبل -رمحه اهلل -
()4
مر ًة َّ
الشيخ َّ قال الدُّ كتور عمر املقبل وفقه اهلل :قدم َّ
الرياض إىل املذنب ومعه أوالده يف ال َّثامنينات اهلجر َّية ،وكان ُّ
اخلط املسفلت ينتهي من ِّ
هلا:خ َريس�ان (جنوب حمافظة املذن�ب) ،وكان اجلهد قد بلغ هبم غايته، عند ٍ
قرية يقال ُ
فلـمـ�ا كان يف آخر
إن م�ن كانوا مع�ه مل يصدِّ قوا الوص�ول إىل األرض لينامواَّ ، حتَّ�ى َّ
ال َّليل احتاج أحد أبنائه لقضاء احلاجة ،فرأى اجلدَّ -رمحه اهلل -قائ ًام يصليِّ .
الش�يخ حممد بن صالح املقبل -رمحه اهلل -يف املذنب من مدن القصيم س�نة (1306هـ) .نش�أ( )4ولد َّ
يف أرسة صاحل�ة ،وتلق�ى العلم عىل علـمـاء القصي�م والرياض ،وتوىل القضاء يف أكث�ر من مدينة .عرف
بعبادت�ه وزهده وورع�ه وحتريه احلق يف القضاء ،وقد خترج عىل يد مجاعة م�ن طالب العلم ا َّلذين صاروا
بعد ذلك من مشاهري العلـمـاء .تويف سنة (1402هـ).
189
احلج والعم�رة ،ومل يرتك العمرة يف رمض�ان إلاَّ بعد أن كربت
وكان الوال�د كثير ِّ
حظيت بمرافقته للعمرة يف رمضان واإلقامة بمكَّة
ُ السفر شا ًّقا عليه ،وقد
سنُّه ،وصار ّ
حتَّى هناية َّ
الشهر.
ومن األش�ياء ا َّلتي الحظها أبناؤه عنه :أنَّه مل يكن يكتفي بالقيام يف احلرم بل كان
يقوم ال َّليل من َّأوله إىل آخره يف املنزل ،وكان يطيل َّ
الصالة جدًّ ا.
الش�يخ اخلضريي َّ
أن جدَّ ه َّ ِّ حممد بن عبد العزيز بن أمحد حدَّ ثني فضيلة َّ
الش�يخ دَّ .
الصالح املقبل ،فقمت حممد َّ بت ليل ًة عند أو مع َّ
الشيخ َّ أمحد -رمحه اهلل -حدَّ ثه قالُّ :
قائم مل يركع بعد. ٍ
فقرأت مخسة أجزاء من القرآن ،وهو ٌ
يوض�ح ح َّبه لقي�ام ال َّليل أنَّه كان ينص�ح ويويص من يراه بقي�ام ال َّليل ،ومن
وممَّ�ا ِّ
املواق�ف ا َّلت�ي ُّ
تدل عىل هذا م�ا حدَّ ثني به فضيل�ة الدُّ كتور تركي بن فه�د الغميز عن
عم�ه عب�د اهلل بن صالح العثامنَّ :
أن اجلدَّ -رمحه اهلل -زار والده فهدً ا -رمحه اهلل -يف ِّ
الشامس� َّية قبل نحو ( )60سنة فس�أله عن قيام ال َّليل؟ فقال :يا شيخ أنا ال أقوم ال َّليل، َّ
فقال له :عليك َّ
بالشاهي فإنَّه يعينك عىل االنتباه.
ع�م الدُّ كت�ور تركي اآلن�ف ِّ
الذكر كان يس�تمع هلذا احلوار أن َّال َّطري�ف يف األم�ر َّ
فاقتنص هذه الفائدة ،وصار يقوم ال َّليل منذ ذلك املوقف ،وحتَّى كتابة هذه األس�طر،
موج ًها له.
أن اخلطاب مل يكن َّ وقد ناهز الـمـائة مع َّ
مر ًة
أن اجلدَّ ركب معه َّ حممد بن إبراهيم الوهيد -حفظه اهلل َّ :- وحدَّ ثني َّ
الش�يخ َّ
اجلو تلك األ َّيام بارد ًا ،ويفالس�بعينات اهلجر َّية ،وكان ُّ
إىل بري�دة برفقة بعض أبنائه يف َّ
الس�ادة ،ويف تلك ال َّليلة أنا مل أستطع النَّوم من شدَّ ة الربد، ٍ
بحي َّ
طريقنا نمنا يف مس�جد ِّ
توضأ من الـمـاء البارد ،وهو قائم يصليِّ .بالشيخ قد َّولـمـا قمت إذا َّ
َّ
عيل حيث يق�ول :كنت أذهب مع الع�م ٌّ
ُّ بالصلاة ،ما حدَّ ثني به
وممَّ�ا يبينِّ ش�غفه َّ
ٍ
صال�ح بصحب�ة الوال�د إىل بري�دة ،وذلك قبل وص�ول األس�فلت ،وكنَّا نحتاج األخ
190
الس�وق ،ويتضاي�ق عندما نرتكهحيب دخول ُّ
الس�وق ،وكان ال ُّ بع�ض األغراض من ُّ
ينتظرن�ا ،ونح�ن نقيض بعض احلوائج اللاَّ زمة للمن�زل ،ولـمـا رأيناه تضايق من هذه
الس�وق ،ونذهب وهو يصليِّ ونعود
احلال ،كنَّا نرتكه يف أحد املس�اجد حتَّى ننتهي من ُّ
وهو يصليِّ ،وإذا كان يف املسجد مل يكن حياسبنا عىل الوقت أو يشتكي من ُّ
التأخر عليه،
الصالة.
بل نأيت وننتظره حتَّى ينتهي من َّ
ويونس واحدة س�وريت ٍ
هود ٍ ٍ
ركعة مر ًة أنَّه أ َّمنا يف صالة الكس�وف ،فقرأ يف
َ وأذكر َّ
إن مل يكن أكثر من ذلك(.)1
* * *
اجلوندلوي -رمحه اهلل )2(-عالـمـ ًا ربان ًّيا ،زاهد ًا ،ورع ًا،
ِّ حممد كان َّ
الشيخ احلافظ َّ
الصيام والقيام ،يش�هد له ُّ
كل من رآه أو جالس�ه أو ذاكره بعمق تق ًّيا ،ذاكر ًا لر ِّبه ،كثري ِّ
وقوة احلافظة.
الفكر ،ووفور االطالعَّ ،
حمم�د عط�اء اهلل حنيف -رمح�ه اهلل -أنَّه مل تفته طيلة مخسين عام ًا وذك�ر َّ
الش�يخ َّ
الصلوات اخلمس مع اجلامعة(.)3
تكبرية اإلحرام يف َّ
* * *
الش�يخ حمم�د أعظ�م بن فض�ل الدي�ن اجلوندلوي يف قري�ة (جوند ال نواال) يف باكس�تان س�نة ( )2ول�د َّ
(1315ه�ـ) ،وقد اش�تغل بحفظ القرآن ودراس�ة العلوم الرشعية عىل مش�ايخ بلده من�ذ نعومة أظافره،
الط�ب ،ولـمـا بلغ الثالثني م�ن عمره ذاع صيت�ه يف نواحي اهلند وغريها ،وش�غل وحص�ل عىل ش�هادة ِّ
عالـمـ�ا رباني ًا زاهد ًا .تويف
ً منص�ب أمري مجعية أهل احلديث يف باكس�تان الغربي�ة .وقد كان -رمحه اهلل -
سنة (1405هـ)« .كوكبة من أئمة العلم واهلدى» للقريويت.
(« )3كوكبة من أئمة العلم واهلدى ومصابيح الدجى» (ص )33إعداد د .عاصم بن عبد اهلل القريويت.
191
متبح�ر ًا يف علوم ش�تَّى ،فقد كان
حممد س�عيد -رمح�ه اهلل ِّ )1(- الش�يخ أمح�د َّكان َّ
ٍ ٍ
دراية بالوقف حترير ،كما كان عىل أدق عالـمـ� ًا بالتَّجويد والق�راءات ك ِّلهاِّ ،
حمرر ًا هلا َّ
واالبت�داء ،عالـمـ ًا برس�م القرآن الكريم ،وضبطه ،وعدِّ آيات�ه ،حافظ ًا ملتون التَّجويد
والقراءات وعلومها ،كام كان -رمحه اهلل -عارف ًا بعلوم ال ُّلغة ،حافظ ًا كثري ًا من متوهنا،
احلجة ،عذب املنطق ،عارف ًا بأصول اخلطابة ،وكان يس�تحرض املتشابه يف القرآن قوي َّ
َّ
سائل يسأله عن ٍ
آية إلاَّ ويذكرها له ،وحيدِّ د ٍ ٍ
عجيبة تثري الدَّ هشة ،فام من ٍ
بطريقة الكريم
الصفحة اليرسى؟ وهذا الصفحة اليمنى هي أم يف َّ سورهتا ورقمها ورقم سطرها ويف َّ
م�ن ش�دَّ ة مالزمته للقرآن الكري�م قراء ًة وإقرا ًء ومذاكر ًة ودرس� ًا ،فق�د كان خيتم َّ
كل
مخس أ َّيا ٍم ختم ًة ،ويصليِّ يف ال َّليل بجزأين من القرآن يوم ًّيا(.)2
* * *
حممد جنيد -رمحه اهلل )3(-مخس ًة وأربعني عام ًا من غري انقطاع ماشي ًا حج َّ
الشيخ َّ َّ
عىل األقدام من محص إىل الدِّ يار املقدَّ سة(.)4
* * *
(« )2إمت�اع الفضلاء برتاج�م القراء يف ما بعد الق�رن الثامن اهلج�ري» ( )14/1تأليف إلياس بن أمحد
حسني بن سليامن الربماوي.
الش�يخ حممد خالد بن حممد جنيد كعكة -رمحه اهلل -يف محص س�نة (1330هـ) .حفظ القرآن ( )3ولد َّ
الس�بع إفراد ًا .رحل إىل املدينة املنورة ،واس�تقر هبا ،وانتفع ال َّناس به.
الكريم يف صغره ،وتلقى القراءات َّ
تويف باملدينة سنة (1411هـ).
(« )4إمتاع الفضالء برتاجم القراء يف ما بعد القرن الثامن اهلجري» إللياس بن أمحد حسين بن س�ليامن
الربماوي (.)374 1
192
القوة يف
التوجي�ري -رمحه اهلل )1(-من أويل َّ
ِّ الش�يخ العلاَّ م�ة محود بن عبد اهلل
كان َّ
وصف ٍ
دقيق لعب�ادة والده :نذر ٍ طاع�ة اهلل تع�اىل وعبادت�ه ،وهاك مقالة أح�د أبنائه يف
ٍ
عبادة ،فنهاره للعلم بحث ًا وكتاب ًة. الشيخ -رمحه اهلل -نفسه هلل ،فال تراه إلاَّ يف
َّ
والصالة حرض ًا وأ َّما ليله فيقيض جزء ًا كبري ًا منه -وهو ثلثه األخري -يف الت ُّ
َّهجد َّ
كان أو سفر ًا ،مل يدع ذلك حتَّى أثناء مرضه إىل أن عجز عن ذلك.
وأ َّما الوتر فلم يرتكه إىل آخر يو ٍم من حياته.
الصحابة ،فام كان ٍ لقد حفظ َّ
الرسول صىل اهلل عليه وسلم لعدد من َّ الشيخ وص َّية َّ
ٍ
ش�هر ،حتَّى وهو يعاين ش�دَّ ة امل�رض يف أخريات حياته، ي�دع صيام ثالثة أ َّيا ٍم من ِّ
كل
احلجة وستَّة أ َّيا ٍم من َّ
شوال وعاشوراء وغريها. وكذلك صيام عرش ذي َّ
ح�ج مرار ًا كثريةً، كما كان -رمح�ه اهلل -حريص ًا على املتابعة بني ِّ
احلج والعمرةَّ ،
سنة وحيرص عليها يف رمضان. كل ٍ وكان يعتمر َّ
كل ٍ
حالة قائ ًام وقاعد ًا ومضطجع ًا، الشيخ رطب ًا بالقرآن ،يقرؤه عىل ِّ
لقد كان لسان َّ
كل س�بعٍ ،إلاَّ يف
حتَّ�ى إنَّ�ه ليق�وم ببعض أعامله وه�و يقرأ الق�رآن ،وكان خيتم القرآن َّ
ٍ
أج�زاء ونصف ًا كل يو ٍم أربعة ٍ
ثلاث .وكان يق�رأ يف صالة ال َّلي�ل َّ رمض�ان فيخت�م َّ
كل
تقريب ًا(.)2
* * *
الش�يخ محود بن عبد اهلل التوجيري س�نة (1334هـ) يف املجمعة ،والزم يف ش�بابه حلقة َّ
الش�يخ ( )1ولد َّ
الش�يخ بالتأليف يف املسائل ا َّلتي حيتاج ال َّناس إليها ،والرد عىل ُّ
الشبه واملنكرات عبد اهلل العنقري .وعرف َّ
الرياض يف س�نة (1413هـ). ا َّلت�ي حصل�ت يف املجتمع .ومازال عىل صفاته اجلي�دة ح َّتى تويف يف مدينة ِّ
«علـمـاء نجد».
193
كان َّ
الشيخ عبد اهلل بن جار اهلل بن إبراهيم آل جار اهلل -رمحه اهلل )1(-كثري العبادة
ٍ ٍ ٍ
الصح َّية ،حيث الزمه مرض بالرغم من خت ُّلف حالته ِّ
وذكر ودعاءُّ ، وصالة من صيا ٍم
الس�كري منذ شبابه أثناء دراس�ته اجلامع َّية ،ومع ذلك فهو يعمر أوقاته بالعبادة ،ومن
ُّ
كل يو ٍم ،وهو يذكر اهلل عز الش�مس َّذلك أنَّه جيلس من بعد صالة الفجر حتَّى ترشق َّ
ٍ
مكان. الس َّيارة أو يف املنزل ويف ِّ
كل وجلِّ ،
والذكر معه أينام كان حتَّى وهو يف َّ
الش�يخ الهي ًا حتَّ�ى يف أثناء اخلروج
حممد اجل�ار اهلل« :ال تكاد جتد َّ
ويق�ول أخ�وه َّ
رب وغريه».
للنُّزهة لل ِّ
ٍ
مكان ،ال يفرت ألي الش�يخ دائ ًام يرافقني يف َّ
ويق�ول ابنه أمحد« :لقد كان َّ
الذه�اب ِّ
عن ذكر اهلل عز وجل ،فهو يف ال َّطريق يس ِّبح وهي ِّلل ويذكر اهلل».
للصالة ويطيل اجللوس يف املسجد ،وكان -رمحه اهلل -يصوم مع
ولقد كان يبكر َّ
الصوم حتَّى إنَّه يتعب كثري ًا من َّ
الصوم ،ومع ذلك فهو ٍ
أمراض ،ويصرب عىل َّ ما به من
حمتس�ب ،اعتاد -رمحه اهلل -س�نو ًّيا أن يذهب للعمرة يف ش�هر رمضان لقضاء
ٌ صابر
ٌ
العشر األواخر يف احل�رم املك ِِّّي ،حتَّى تو َّف�اه اهلل وهو يف مكَّة ،أ َّما قي�ام ال َّليل فهو من
حممد: ٍ
مرض ،يقول ابنه َّ الشيخ -رمحه اهلل -مع ما كان به من األمور ا َّلتي اتَّصف هبا َّ
كل ٍ
ليلة مبكِّر ًا لكي يوتر يف ال ُّثلث األخري»(.)2 «لقد اعتاد الوالد أن يقوم َّ
* * *
َّ
«الشيخ عبد اهلل اجلار اهلل حياته وجهوده العلمية والدعوية» (ص )25ملناحي بن حممد العجمي. ()2
194
الرمحن القاسم
حممد بن عبد َّ الش�يخ عبد امللك القاسم يف ترمجة والده َّ
الشيخ َّ قال َّ
-رمح�ه اهلل « :)1 (-ع�رف عن�ه -رمح�ه اهلل -حمافظته َّ
الش�ديدة عىل صلاة اجلامعة يف
املس�جد ،وال أذكر أنَّه خت َّلف يوم ًا عنها ،وكان يأيت إىل َّ
الصالة قبل األذان ومل أره يوم ًا
الضيوف ،وإال فيسابق
خاصة إذا حبسه أحد ُّ وقد أ َّذن املؤ ِّذن وهو يف البيت إلاَّ ما َّ
قلَّ ،
والرواتب املؤ ِّذن كام نرى وكام ذكر لنا املؤ ِّذن ذلك بعد وفاته! وكان حمافظ ًا عىل ُّ
السنن َّ
الصالة .وكثري ًا
متوض ًئا ول�و يف غري وقت َّ
ِّ حيب أن يكون
الضح�ى ،وقد كان ُّ وصلاة ُّ
عز وجل أن جيعل له نصيب ًا ثم يعود لكتبه! َّ
ولعل اهلل َّ ٍ ٍ
يتوضأ يف أوقات خمتلفةَّ ،
ما رأيته َّ
الصالة ،وال َّبي صىل اهلل عليه وس�لم« :واعلموا َّ
أن خري أعاملكم َّ أوىف م�ن حديث الن ِّ
حيافظ عىل الوضوء إلاَّ مؤم ٌن».
وقد ذكر -رمحه اهلل -أنهَّ م عندما كانوا يس�افرون جلمع فتاوى شيخ اإلسالم هو
واجلدُّ أنهَّ م يؤ ِّذنون يف ال َّطائرة!
ٍ
بكرس يف القدم ،وج ِّبس�ت رج ُله ،وذهب إىل املس�جد ٍ
س�نوات وق�د أصيب قبل
الرجل هيادى األول ،فقال له أحد املش�ايخ ممَّن حرض لزيارته :يا ش�يخ ،كان َّ
يف اليوم َّ
ٍ
لضعف أ َّما أنت فيخش�ى عىل قدمك .فقال مس�تنكر ًا« :أسمع النداء وال الص َّفني
بني َّ
أجيب».
الرياض عام (1345هـ) .وأخذ الرمحن بن قاسم يف بلدة البري وتقع شامل ِّ ( )1ولد َّ
الشيخ حممد بن عبد َّ
كالش�يخ حممد بن إبراهيم آل َّ
الش�يخ الرياض َّ الرمحن بن قاس�م وعلـمـاء ِّالعل�م ع�ن والده العالمة عبد َّ
الرياض. َّ
والش�يخ عبد العزيز بن ب�از وغريهم .توىل التدريس يف املعهد العلمي َّث�م يف الكلية الرشيعة يف ِّ
عرف بالعبادة والزهد واجللد يف العلم .له مؤلفات كثرية من أشهرها :مجع فتاوى شيخ اإلسالم ابن تيمية
الشيخ حممد بن عبدالشيخ حممد بن إبراهيم .تويف سنة (1421هـ)« .العامل العابد َّ مع والده .ومجع فتاوى َّ
الرمحن بن القاسم» لولده عبد امللك القاسم. َّ
195
ٍ
بسنوات عن حقوقه الـمـال َّية يف «جمموع فتاوى وقد تنازل -رمحه اهلل -قبل وفاته
شيخ اإلسالم ابن تيمية» ،وهي تقدَّ ر باملاليني ،وذكر ذلك -رمحه اهلل -بقوله« :شكا
صور هذا املجموع ونوزع يف تصديره ،فأخربه هو وغريه بأنيِّ قد وقفت إ َّيل بعض من َّ
ٍ
سبعة وثالثني جملد ًا ،املطبوع يف خيصني من حقوق طبع هذا املجموع املحتوي عىل ما ُّ
ٍ
وأل�ف هجر َّية ،أرجو َّبره وذخره وكثرة ٍ
وثالثامئة الرياض س�نة إحدى وثامنني مطابع ِّ
النَّفع بتعميم طبعه ونرشه ،واهلل أس�أل أن جيعل عملنا خالص ًا لوجهه الكريم ،وصىل
حمم ٍد وعىل آله وصحبه أمجعني».
اهلل عىل نب ِّينا َّ
وع�رف ع�ن الوالد -رمحه اهلل -قيامه ل َّليل منذ حداثة س�نِّه ،وكان قيامه يتجاوز
حممد بن إبراهيم هو ا َّلذي س�اعات ،وقد س�أله أخي عبد املحسن :هل َّ ٍ
الش�يخ َّ ثالث
د َّلك�م على ذلك؟ قال :ال ،قرأت كتاب ًا عن فضل قيام ال َّليل وكان عمري س�بعة عرش
عام ًا فام تركته .وقد ذكرت والديت أنَّه قام ليلة زواجه مثل ال َّليايل األخرى.
وح�را! وكثري ًا ما كنَّا نس�معه يقرأ يف
ًّ وكان ي�داوم عىل ذلك س�فر ًا وحضر ًا برد ًا
الس َّيارة وهو يصل(.)1
َّ
* * *
الش�يخ ربي�ع عب�د ال َّلطي�ف م�ريس -رمح�ه اهلل )2(-كعادة أه�ل القرى يف
درس َّ
الرمحن القاس�م حياته وسيرته ومؤلفات�ه» (ص ،268 ،260 (« )1الع�امل العاب�د َّ
الش�يخ حممد بن عبد َّ
)272بقلم ولده عبد امللك القاسم.
الشيخ ربيع عبد اللطيف مريس أبو عيل يف بلدة اجلعفرية املنطقة الغربية بمرص سنة (1947م). ( )2ولد َّ
أكم�ل حف�ظ القرآن قبل س�ن اخلامس�ة عشرة من عمره ،عم�ل يف تدريس الق�رآن وقراءات�ه يف اجلوامع
واملس�اجد عىل حداثة ِس�نِّ ه بمرص .قدم إىل الكويت سنة (1994م) ،عمل مؤذن ًا يف الكويت ،كام عمل يف
جلنة مراجعة املصاحف التابعة لقطاع املساجد .تويف يف مرص سنة (2007م).
196
حممد عبد توجه َّ
للش�يخ سعد َّ ثم بعد أن أتقن حفظ القرآن الكريم َّ الكتاتيب يف مرصَّ ،
تضمنته َّ
الشاطب َّية السبع بام َّ ٍ
حفص والقراءات َّ الرمحن أيب اخلري حيث تل َّقى عليه رواية
َّ
الس�بع ،كان آي ًة يف احلفظ واسترجاع اآليات ،حتَّى إنَّ�ه إذا ذكر له كلم ًة
يف الق�راءات َّ
ألي موض ٍع من ٍ
س�هو ِّ يع�رف مواض�ع ذكرها م�ن املصحف الشرَّ ي�ف بال خط�أٍ وال
مر ًة يف األس�بوع
مواضعها -رمحه اهلل ،-كان كثري التِّالوة للقرآن الكريم ،فكان خيتم َّ
ٍ
ساعة ،وقال :مل أستطع َّ ٍ
أقل وأحيان ًا يقرأه يف يو ٍم واحد ،وذكر أنَّه َّ
مر ًة ختمه يف عرشين
من ذلك(.)1
* * *
(« )1فتح رب البيت يف ذكر مشايخ القرآن بدولة الكويت» للشيخ يارس إبراهيم املزروعي (ص .)165
الش�يخ حممد بن حمم�ود احلجار احللبي -رمحه اهلل -عام (1340ه�ـ) أو قبلها بقليل يف مدينة ( )2ول�د َّ
حل�ب الش�هباء ،ونش�أ يف بيئة العل�م والعلـمـ�اء .هاجر إىل املدين�ة املنورة وج�اور فيها متفرغ� ًا للعبادة
الساعات َّ
الطويلة إلقراء القرآن الكريم. الطلبة ،وكان جيلس َّ والتأليف وبعض الدروس العلمية خلواص َّ
عرف بعبادته ،وتواضعه .تويف يف املدينة سنة (1428هـ).
197
يتسحر
َّ الس�حر ليوقظوه كي
ثم جاء أهله يف َّ
ليلة اجلمعة وتناول العش�اء ،وبعدها نامَّ ،
وإذ به قد فارق احلياة(.)1
* * *
عيل الدق�ر -رمح�ه اهلل :)2(-إنَّن�ا نلقي عىل النَّاس دروس� ًا ق�ال بعضه�م َّ
للش�يخ ٍّ
متنوع� ًة ،وال ن�رى يف النَّاس هذا التَّأثري ا َّلذي نلمس�ه يف درس�ك ،وال نرى إقباالً من
ِّ
النَّ�اس مث�ل هذا اإلقبال غير ال َّط ِّ
بيعي ،م�ع أنَّنا نتحدَّ ث بالتَّفسير واحلدي�ث والفقه
والوعظ وغري ذلك.
إن هذا الدَّ رس ا َّلذي تسمعه يا
بني لوال احلاجة مل أتك َّلمَّ ، أجاب َّ
الشيخ بقوله :يا َّ
أجزاء من القرآن قبل الفجر بقصد أن ينفع اهلل املس�لمني بام ٍ بن�ي مدعو ٌم بقراءة عرشة
َّ
أحتدَّ ث به(.)3
* * *
الشيخ عيل الدقر من كبار علـمـاء دمشق ،ومن رواد اإلصالح الديني فيها ،وكان له درس يف بعض (َّ )2
جوامعه�ا حيرضه َخ ْلق ال حيصون .أس�س معهد اجلمعية الغراء وال�ذي حتول إىل ثانوية رشعية خترج فيها
العديد من ُّ
الطلاَّ ب« .علـمـاء الشام يف القرن العرشين» ملحمد النارص.
(« )3حيدثونك عن أيب احلسن الندوي» إعداد الدكتور حمسن العثامين الندوي (ص .)123
198
َّهانوي -رمحه اهلل )1(-مع ضعفه ومرضه ملتز ًما
ِّ العثامين الت
ِّ كان َّ
الشيخ ظفر أمحد
ويتحمل لذل�ك عنا ًء كبري ًا،
َّ الصلوات يف املس�جد،
باألذكار والنَّوافل ،ويش�هد مجيع َّ
وكان لس�انه يف أواخر عمره رطب ًا بذكر اهلل يف أكثر األوقات ،ويف ش�هر رمضان س�نة
الصي�ام ألمراضه املت�واردة لكنَّه مل ي�رض بذلك،
(1394ه�ـ) ق�د منعه األطب�اء من ِّ
وقال :إن عياض ًا ريض اهلل عنه مل يرتك ِّ
الصيام وهو يف التِّس�عني من عمره ،وكان يلقى
الصوم ش�دَّ ًة وعنا ًء ،حتَّى كان جيلس يف مركن م�ن الـمـاء ،وال يرىض باالفتداء،
من َّ
فكيف أرىض بالفدية()2؟!
* * *
(« )2أرشف عيل التهانوي حكيم األمة وشيخ مشايخ العرص يف اهلند» ملحمد رمحة اهلل اهلندي (ص .)292
( )3ولد الشيخ عبد اهلل بن عبد العزيز بن عقيل آل عقيل احلنبيل يف عنيزة يف ( 1335 / 7/ 1هـ).
نشأ يف موطنه عنيزة من مدن القصيم ،وتلقى العلم عىل علـمـاء بلده ،ومنهم الشيخ عبد الرمحن السعدي=،
199
للصالة ،وال يقدِّ م عليها شيئ ًاَّ ،
ثم يـبكِّر للمسجد ،ويدعو ويذكر ما شاء اهلل، ويستعدُّ َّ
ٍ
ساعة. إلاَّ صالة املغرب ،وال س َّيام يوم اجلمعة ،فإنَّه يقطع أعامله قبلها نحو نصف
ثم أدعية امليش إىل املس�جد ،واس�تغرقت ال َّطريق ،حتَّى إذا انتهى شيخنا منها،
املنزلَّ ،
قال :هات سؤالك.
ب َّ
الش�يخ ،وجاء بدعاء فلـمـ�ا رصت أعي�ده ،إذا بن�ا ندخل املس�جد ،فل�م ُي ِ
ـج ِ َّ
فلـمـا فرغ منه التفت إ َّيل ،وقالَ :أ ِعدْ ُه ،فسأل ُت ُه ،فأجابني.
دخول املسجدَّ ،
ثم ٍ
عقيل يف املسجد احلرام ،وس َّلموا عليهَّ ، وقد رأى مجاع ٌة من اإلخوة َّ
الشيخ اب َن
أرادوا اجلل�وس معه للحديث ،فقال هلم :يا إخوان ،نحن جئنا إىل هنا للعبادة ،وليس
للمحادثة.
يتأخ�ر عن ٍ
يشء منها ،وقد الش�يخ -رمحه اهلل -دقيق ًا يف مواعيده ،وال َّ
وق�د كان َّ
الش�يخ إىل مكَّة ،ونيس م�ر ًة اثنني م�ن اإلخوة موع�د ًا للقراءة عليهَّ ،
ثم س�افر َّ أعط�ى َّ
200
الرياض بال َّطائرة قبل املوعد املحدَّ دَّ ،
ثم قال لألخوين: فلـمـا تذكَّره رجع إىل ِّ
املوعدَّ ،
فلـمـا كنت هناك
لـمـا أعطيتكام املوعد نس�يت أنَّه س�يكون يف وقت سفري إىل مكَّةَّ ،
َّ
ثم عاد َّ
الشيخ إىل لـم أجد رقم هاتفكام ألعتذر منكام ،فأحببت احلضور وفا ًء بالوعدَّ ،
مكَّة بعد الدَّ رس(.)1
(« )1فتح اجلليل يف ترمجة وثبت ش�يخ احلنابلة عبد اهلل بن عبد العزيز بن عقيل» (ص )203لألس�تاذ
حممد زياد الكتلة.
201
202
زهـدهـم
203
204
بريي -رمحه اهلل )1(-زاهد ًا يف الدُّ نيا عزوف ًا عنها،
الز ِّ
حممد ُّ
الش�يخ عيس�ى بن َّكان َّ
ٍ
ونزاهة، وألزم�ه أعي�ان الزبري قبول القض�اء عىل كثرة ما هبا من الفقهاء ،فب�ارشه بع َّف ٍة
إن القضاء يطلب لثالثة ٍ
أمور ثم رغب عنه فأحلُّوا عليه باالس�تمرار فيه فأبى ،وق�الَّ : َّ
ٍ
لواح�د منه�ا :إ َّما لل َّثواب أو للج�اه أو للـمـال ،فأ َّما ال َّثواب فعس�ى أن أخرج منه أو
حجة اإلسلام م�ن ق َّلة ما عندي ،وأ َّما اجلاه
أحج َّعلي وال يل ،وأ َّما الـمـال فإنيِّ مل َّ
ال َّ
لـمـا حكمت عىل أحد األعيان قال يل :ق َّطع اهلل وجهك ،فلـمـاذا ِّ
أعرض نفيس فإنيِّ َّ
وحج وجاور يف
َّ فلـمـا علم أنهَّ م لن يعف�وه ،تك َّلف
للخط�ر ،فمن َّْوه بتحقي�ق مطالبهَّ ،
مجع منهم
وخت�رج عليه ٌ
َّ ودرس باحلرم املك ِِّّي الشرَّ ي�ف ،وانت ُِف َع بعلمه،
املكرم�ةَّ ،مكَّ�ة َّ
َّ
الشيخ عبد اهلل الفائز أبا اخليل.
فلـمـا علم أنهَّ م أيسوا منه ،وع َّينوا بدله عاد إىل وطنه الزبري ،وشغل نفسه باإلفتاء
َّ
واخلاصة ،ونسخ الكتب النَّفيسة بخ ِّطه احلسن املضبوط(.)2
َّ والتَّدريس ونفع العا َّمة
* * *
البرصي -رمحه اهلل )3(-حيتاج يف بعض األوقات
ِّ عيل كان َّ
الش�يخ عبد اجل َّبار بن ٍّ
حتَّى ال يوجد يف بيته إلاَّ التَّمرِّ ،
فيهون عىل أهل بيته ،ويقول :كان النَّبي صىل اهلل عليه
الش�يخ عيس�ى بن حممد الزبريي يف بلد الزبري وأخذ عن علـمـائها ،ومن أش�هر مشاخيه َّ
الشيخ ( )1ولد َّ
إبراهيم بن جديد ،وشغل نفسه باإلفتاء والتدريس إىل أن تويف سنة (1248هـ)« .علـمـاء نجد».
205
ن�ار ،وما هلم طعا ٌم إلاَّ األس�ودان :التَّمر
الش�هران ال يوقد يف بيته ٌوس�لم يميض عليه َّ
ٍ
بشيء ال يدَّ خره ،بل والـمـ�اء ،ونح�ن نجزع إذا مىض لنا ي�و ٌم واحدٌ .وإذا فتح عليه
لـمـا عرفت عادته هذه، إن زوجت�ه َّ ينف�ق منه ،ويتص�دَّ ق إىل أن ينفد ،وهكذا ..حتَّى َّ
صارت تلبس ثياهبا ،وتقف عند باب املس�جد بعد صالة العش�اء إىل أن خيرج ،فتسأله
السوق فتسأله فيعطيها، ثم تسبقه إىل طرف ُّ كأنهَّ ا من الفقراء فيعطيها وهو ال يعرفهاَّ ،
وهك�ذا إىل أن يصل البيت ،وجتمع ذلك إىل أن ينفد ما عنده ،ويقول :كلوا اليوم متر ًا،
برزق ،فيقولون :عندنا دراهم فيقولون :ليس عندنا وال متر ،فيقول :نصرب وسيأيت اهلل ٍ
ٍ
الم�رأة أذنت لنا يف اقرتاضها ،فيقول :هاتوه�ا ،فيأخذها وينفق منها ،ويتصدَّ ق أمان�ة
فتقف له امرأته عند باب املسجد عىل العادة وهكذا(.)1
* * *
األفغاين -رمحه اهلل )2(-قد أقام يف دمش�ق،
ِّ حممد نور
الش�يخ عبد احلكيم بن َّ كان َّ
ٍ
وليمة ،وال يأكل طعام وكان يكتف�ي بالضرَّ وري من الق�وت ،وال يلبي دعوة ٍ
أحد إىل ِّ ِّ
ٍ
أح�د يش�تغل يوم ًا واحد ًا يف األس�بوع مع ال َّط َّيانني ،ليأكل من كس�ب ي�ده ،وكان إذا
اشتهر أمره ،وظهر فضله ملن يشتغل لدهيم تركهم ليعمل يف قرية أخرى ،يتناول اخلبز
اليابس ومرق املخ َّلل طوال األسبوع ،ما عدا يومني ،يأكل يف أحدمها حل ًام ،ويف اآلخر
مح ًصا.
ُّ
ولـمـا قال له الوايل: ٍ
رصة مال ،فأبىَّ ،
مرةً ،ودفع إليه َّ
زاره الوايل يف أوائل رمضان َّ
الش�يخ عب�د احلكيم ب�ن حممد نور األفغ�اين ،احلنفي ،علاَّ مة ،حمق�ق ،فقيه ،أص�ويل ،زاهد ،مقرئ،
(َّ )2
فلـمـا ش�ب غادر بالده طلب ًا
مفرس .ولد يف قندهار يف أفغانس�تان س�نة (1251هـ) املوافق (1835م) َّ ،
للعلم فقصد اهلند ،واحلرمني ،وبيت املقدس ح َّتى نزل دمش�ق ،عرف عنه تقواه وزهده الش�ديدان .تويف
الشيخ -رمحه اهلل -يف سنة (1326هـ) املوافق (1908م).َّ
206
رف عليه أرغف ٌة يابس� ٌة، هذه مؤونة رمضان ،ر َّد عليه بأنَّه قد خَّاتذ مؤونةَّ ،
ثم أش�ار إىل ٍّ
وقطرميز (وعاء حلفظ األطعمة) من مرق املخ َّلل.
الش�ام فلقيه جالس� ًا عند باب
وزاره املشير ج�واد باش�ا قائد الفيل�ق اخلامس يف َّ
الش�يخ عبد احلكيم بعد انرصاف املشري السلام ،ووجد َّ غرفته ،ومل يقم له بل ر َّد عليه َّ
ال له :أخربه أنَّني رصة دنانير ،فقام جيري حافي� ًا ،ودفع الصرُّ َّ ة إىل أحد ا ُ
حل َّج�اب ،قائ ً َّ
ٍ
حمتاج. غري
ٍ
رجل أحب زيارة القباين تلميذ َّ
الشيخ عبد احلكيمُّ : ِّ مر ًة َّ
للشيخ أديب وقال الوايل َّ
الشيخ أديب:ولـمـا وصال ،قال َّ ٍ
والصالح ،فأخذه يف عربة إىل شيخهَّ ، من أهل العلم َّ
هش يف وجهه قليلاً ،وقال :أه ً
ال ي�ا س� ِّيدي هذا ال�وايل جاء يزورك ،فلم يق�م له ،بل َّ
وسهالً.
ثم أقبل عىل قراءته ومطالعته ،بينام وضع
وسأله الوايل الدُّ عاء ،فدعا بضع دقائقَّ ،
ٍ
ذهبية جانب الرحالية (طاولة يس�تعملها ال ُّطالب للقراءة) ،وبعد ٍ
لريات الوايل عرش
الشيخ بال ِّلريات ،فام كان منه إلاَّ أن أخذها وحلق هبام قائالً :ما هذا يا شيخ
َّ ذهاهبام بصرُ
أديب! فقال الوايل :استعن هبذا ،فقال :ما َّيف حاج ٌة (قاهلا بشدَّ ة) ،فقال الوايلِّ :
وزعها
فوزعها ،ومل يأخذ لنفس�ه منها ش�يئ ًا ،ب�ل أخرج من جيبه يا س� ِّيدي ،فأمر أحد طلاَّ به َّ
وحدة نقد َّي ٍة زمن الدَّ ولة العثامن َّية) فاشرتى هبا مرق املخ َّلل.
ٍ نحاس ًة (أصغر
كامل�رة األوىل ،فوض�ع له عىلَّ م�ر ًة ثاني� ًة ،ودعا له ٍ
ش�هر زاره الوايل نفس�ه َّ وبع�د
الش�يخ يراقب حركات ال�وايل حذر ًا مما جرى يف لرية ذهب َّي ٍة ،وكان َّ
الرحالي�ة عرشين ٍ
وزعها ،يا س ِّيدياألول ،فقال له عند ذلك :أمل أقل لك ال حاجة يل هبا؟! ،فقالِّ : ال ِّلقاء َّ
وزعها بنفسك(.)1 فغضب وصاح به :شو أنا ياور (خاد ٌم بال ُّلغة الترُّ ك َّية) عندك؟! ِّ
* * *
(« )1صفحات مرشقة من تاريخ أعالم األمة» لعبده عيل كوشك (ص.)629
207
اجلزائري -رمح�ه اهلل َّ )1(-
كل ما ُّ طاه�ر
ٌ حم�ب الدِّ ين اخلطيب :أنفق َّ
الش�يخ ق�ال ُّ
فلـمـا ضاق ملكت يداه يف اقتناء نفائس الكتب ،وال س َّيام املخطوطات َّ
الفذة النَّادرةَّ ،
الس�لطان عبد احلميد اختار القاهرة وطن ًا ثاني ًا ،وصار يبيع فيها
به وطنه دمش�ق زمن ُّ
هذه النَّفائس ،ويعيش بثمنها عيش الكفاف ،ومن عجيب أمره أنَّه كان يرىض من دار
الربيطاين
ِّ الكت�ب املرصية بنصف ثمن القيمة ا َّلتي يمكن أن حيصل عليها من املتحف
اإلسلامي على انتقاله إىل
ِّ ثمن� ًا لكت�اب من كتبه ،إيث�ار ًا لبقاء هذا الكتاب يف الوطن
أوربا.
الش�يخ ع�ن كتبه ك ِّلها ،وبق�ي معه من ثمنه�ا ما يعيش به عيش الت ُّ
َّقش�ف، خرج َّ
وفيام كنت ذات يو ٍم عند َّ
الش�يخ عيل يوس�ف املؤ َّيد ،ويف جملس�ه س�عادة األستاذ أمحد
وعزة النَّفس، ٍ
طاهر وما فطر عليه من اإلباء َّ تيمور باشا أخذا يتحدَّ ثان يف حالة َّ
الشيخ
الس�معوين ،اجلزائريالش�يخ طاه�ر بن صالح أو حمم�د صالح ّ ( )1العالم�ة اجللي�ل ،والدراك�ة النبيل َّ
األص�ل ،الدمش�قي املولد والوفاة ،إم�ام مفرس ،حمدث فقيه أص�ويل ،مؤرخ لغوي ،أدي�ب أثري ،علاَّ مة
ثم عاد الش�يخ يف دمش�ق س�نة (1268هـ) ،وانتقل إىل القاهرة س�نة (1325هـ) َّ املنقول واملعقول .ولد َّ
إىل دمش�ق س�نة (1338هـ) ،كان عضو ًا يف املجمع العلمي العريب ،مدير ًا لدار الكتب الظاهرية ،س�اعد
يف إنش�اء دار الكتب الظاهرية .تويف يف دمش�ق سنة (1338هـ) ودفن يف سفح جبل قاسيون« .صفحات
مرشقة من تاريخ أعالم األمة» لعبده عيل كوشك (ص.)636
208
وأنَّ�ه مع ضي�ق ذات يده مل يغيرِّ ما اعت�اده من التَّصدُّ ق عىل الفقراء ،والبذل يف س�بيل
أن من الواجب عىل مرص اخلري ،فقال تيمور باش�ا لصاحب املؤ َّيد :أال ترى يا أس�تاذ َّ
أن تعرف هلذا العامل اجلليل قدره ،فتس�تفيد من علمه وفضله يف مثل دار الكتب مثالً،
الشام مفتش ًا عا ًّما عىل
ال س َّيام وهو اليوم أعلم النَّاس بالكتب اإلسالم َّية ،وقد كان يف َّ
دور كتبه�ا ،وه�و العامل عىل تأس�يس دار الكتب ال َّظاهر َّية بدمش�ق واملكتبة اخلالد َّية
بالقدس.
بالسعي يف ذلك ،وكانت لصاحب املؤ َّيد منزل ٌة معلوم ٌة الشيخ عيل يوسف َّ فوعد َّ
الشيخ عيل يوسف ليقابله يف املع َّية اخلديو َّية ،وما من ٍ
وزير إلاَّ يو ُّد أن تكون له يدٌ عند َّ
طاهرا بأس�لوبه
ً بمثلها عند احلاجة ،ورأى األس�تاذ تيمور باش�ا أن يكاش�ف َّ
الش�يخ
الش�يخ بأنَّه اعتاد املطالعة بال َّليل إىل الفجر وليس من َّ
السهل عليه ال َّلطيف ،فاعتذر له َّ
الرسم َّية أن يغيرِّ عادته وهو يف س ِّن َّ
الشيخوخة ،ولذلك ال يستطيع أن يتق َّيد باألوقات َّ
ا َّلتي يتق َّيد هبا املو َّظفون ،واجتمع األستاذ تيمور باشا بصاحب املؤ َّيد َّ
مر ًة أخرى فذكر
الش�يخ عيل يوسف من اخلديوي إجراء ٍ
راتب ثم اتَّفقا عىل أن يطلب َّ له كلمة َّ
الش�يخَّ ،
اخلاصة.
َّ اجلزائري من اخلزينة
ِّ ٍ
طاهر َّ
للشيخ
وفيام أنا قائم يف عميل يف حترير املؤ َّيد يوم اخلميس ( )24من مجادى األوىل املوافق
الشيخ عيل يوسف ،وكان يعلم َّ
أن سعادة تيمور َّأول مايو س�نة (1913م) اس�تدعاين َّ
للشيخ يتفضل بزيارتنا دائماً ،فقال يل :أبلغ الباش�ا أين تك َّلمت يف مس�ألة َّ
الراتب َّ باش�ا َّ
تم عىل ما ينبغي ،فشكرت له مسعاه احلميد ،واجتمعت َّ
بالشيخ ٍ وأن َّ ٍ
طاهرَّ ،
كل يشء َّ
ٍ
طاهر يف ذلك اليوم قبل أن أرى س�عادة تيمور باش�ا ،فأخربته بام وقع ،وكنت أظ ُّن َّ
أن
س�يرسه ،فظهر يل أنيِّ أجهل تلك النَّفس الكبرية رغم معرفتي بصاحبها منذ
ُّ هذا اخلرب
طاهر من هذه احلادثة غضب ًا مل أعهده فيه من قبل ،كيف
ٌ طفولتي ،فقد غضب َّ
الش�يخ
209
يقدم صاحب املؤ َّيد عىل مثل هذا األمر قبل أن يأخذ رأيي؟
الشيخ عيل يوسف فقال له :كأنيِّ كنت معك يوم ك َّلمت اخلديوي بشأين،
ثم قابل َّ
َّ
وس�معتني أثني عليه لتعضيده مرشوع زكي باش�ا يف إحياء اآلداب العرب َّية ا َّلتي نقلها
كل من خيدم العلم ،ولكن من ا َّلذي
من املخطوطات من اآلس�تانة ،نعم أنا أثني على ِّ
يضم�ن ل�ك ألاَّ أقف من اخلدي�وي عكس هذا املوق�ف إذا صدر منه م�ا يناقض هذا
العمل ،احلس�ن يا أس�تاذ ألاَّ ِّ
تعرض نفس�ك لـمـا قد يس�و ُّد به وجهك بس�ببي ،وأنا
للرات�ب وال إىل الوظائف ،فأرجوك أن تعمل طريق ًة ٍ
بحم�د اهلل يف س�عة وال حاجة يب َّ
ثم قال يل بعد يومني :لقد
تم من هذا األمر بش�أين .فدهش صاحب املؤ َّيدَّ ،
لتنقض ما َّ
الراتب ا َّلذي س�عيت ٍ
طاهر إىل هذا احلدِّ ،إن َّ كان تيمور باش�ا حم ًّقا يف إعجابه َّ
بالش�يخ
ٍ
وس�يلة، كل ا َّلذين عرفهم إلاَّ من يس�عى للحصول عليه ِّ
بكل لتدبريه إليه ال أعلم من ِّ
لق�د كنت أظن ا َّلذين يزهدون يف مث�ل ذلك قد ذهبوا من الدُّ نيا ،ولكن وجدت منهم
بق َّي ًة اآلن(.)1
* * *
حممد أمني سويد رمحهام اهلل( :)2لقد أكرمني الش�يخ مصطفى اخلن عن َّ
الشيخ َّ قال َّ
الس� ِّن ،ويف
اهلل س�بحانه برؤية هذا العامل اجلليل ،واجللوس إليه ،وكنت آنذاك حديث ِّ
البيومي (.)191/3
(« )1النهضة اإلسالمية يف سري أعالمها املعارصين» للدكتور حممد رجب ُّ
الش�يخ حممد أمني س�ويد -رمحه اهلل -عامل مش�ارك أصويل بارع ،ومن كبار علـمـاء دمش�ق ،طلب (َّ )2
مدرس ًا يف معهد احلقوق (كلية احلقوق) ،ويف مواقع علمية عالية عديدة،
العلم يف األزهر الرشيف ،وعمل ِّ
الشيخواتصف بالزهد والتواضع ،ونرش العلم والفضيلة ،والبعد عن الش�هرة والرياس�ة ،ومن تالميذهَّ :
والشيخ حممد اهلاشميَّ ،
والشيخ والشيخ عبد الوهاب دبس وزيتَّ ، والشيخ عيل الدقرَّ ، أبو اخلري امليداينَّ ،
حسن حبنكة -تغمدهم اهلل مجيع ًا برمحته .-تويف َّ
الشيخ -رمحه اهلل -يف (1350هـ 1931 -م) .
210
بدء طلبي للعلم ،وقد كنت رشعت يف طلب العلم وسنِّي ال تتجاوز ال َّثانية عرشة
-فيما اعتق�د -وق�د كان -رمح�ه اهلل -يرت َّدد على حم َّلة امليدان كثير ًا ،ويأيت وقت
الصلاة إىل جام�ع منجك ،وكان هذا اجلامع هو املكان ا َّلذي نلتقي فيه بش�يخنا العامل
َّ
امليداين ،وندرس عليه فيه ،وكنَّا قد بنينا غرف ًا صغرية
ِّ حممد حسن حبنَّكة الكبري َّ
الشيخ َّ
حت�ول فيام بعد إىل ٍ
وطني نأوي إليه�ا ،هذه الغرف وه�ذا املكان هو ا َّلذي َّ ٍ
خش�ب م�ن
ٍ
ودرس فيه أفاضل اإلسلامي» ا َّل�ذي َّ
خترج من�ه َّ ِّ س�مى «معهد التَّوجيه
ات ُي َّمعه�د َب َ
القراء
القراء حسين خطاب -رمحه اهلل تعاىل ، -وش�يخ َّ
العلـمـاء ،من أمثال :ش�يخ َّ
البوطي ،والدُّ كتور
ِّ حممد سعيد ملاَّ رمضان
حممد كريم راجح ،والدُّ كتور َّ احلايل َّ
الشيخ َّ
حممد صادق حبنَّكة حممد خري ياسنيَّ ،
والشيخ َّ مصطفى ديب البغاَّ ،
والش�يخ الفاضل َّ
الشيخ ،ا َّلذين أصبحوا فيام بعد
الرمحن حبنَّكة ولد َّ الش�يخَّ ،
والشيخ عبد َّ امليداين أخي َّ
ِّ
ملجأ طلاَّ ب العلم يف شتَّى العلوم.
حممد أمني س�ويد -رمح�ه اهلل -ر َّبام يدخل إىل اجلام�ع املذكور بني وكان َّ
الش�يخ َّ
صلايت املغرب والعش�اء فيجد طالب ًا من طلاَّ ب العلم املبتدئين قد جلس إىل العا َّمة،
فيجلس إليه كأنَّه أحد العا َّمة املستفيدين ،ويظهر تأ ُّثره وإعجابه هبذا ال َّطالب املبتدئ،
إن الدَّ اخ�ل إىل اجلامع ال حيس�به إلاَّ أح�د العا َّمة ا َّلذين ج�اءوا ليقطفوا موعظ ًة
حتَّ�ى َّ
تنفعهم يف دينهم وأخراهم(.)1
* * *
(« )1مصطفى سعيد اخلن العامل املريب وشيخ علم أصول الفقه يف بالد الشام» للدكتور حميي الدين ديب
مستو (ص .)24
211
ال إىل اهلل والدَّ ار حممد ب�ن ٍ
مقبل -رمحه اهلل )1(-عازف ًا عن الدُّ ني�ا مقب ً كان َّ
الش�يخ َّ
والش�هرة ،دمث األخلاق متواضع ًا،
حي�ب املظهر ُّ
ُّ اآلخ�رة ،قليل اخللط�ة بالنَّاس ال
وكان امللك عبد العزيز إذا زار القصيم ووصل البكري َّية يستدعيه األمري ملواجهة امللك
والسالم عليه فيأبى احلضور ،فطلبه امللك فأبى احلضور فذهب إىل منزله وطرق الباب،
َّ
للسطح فنام ،فقال امللك مقالته املشهورة:
نائم ،وصعد َّ
فقال البنه :افتح له وقل له إنَّه ٌ
هذا الفضيل ال َّثاين .وأرس�ل إليه هدايا وحتف ًا فر َّدها ،وقال َّ
للرسول :جتدون هلا أحوج
ولـمـا وصل امللك إىل القصيم ثاني ًة قرع بابه فقال هلم :افتحوا
منِّي ،وذلك ورع ًا منهَّ .
نائم ،فقالوا ذلك فقال :س�أنتظره حتَّى يس�تيقظ،
ٌ ل�ه وقدموا له القهوة وقولوا له :إنيِّ
واجب ،فنزل
ٌ حق
مطاع وله ٌّ
ٌ فصع�د إلي�ه ابنه وقال :يا أبتي َّ
إن امللك يف منزل�ك وأمره
واستمر ينتفض كام ينتفض
َّ الر ِّد،
فلـمـا صافحه امللك انعجم لس�انه عن َّ
وهو يرتعدَّ ،
ولـمـا س�كن روعه أخذ يف وع�ظ امللك ،وختويفه من ال ُّظلم ،وتذكريه سيرة
ال َّطيرَّ ،
منصت
ٌ الرعية ،وح َّثه عىل العدل وتنفيذ ما أوج�ب اهلل عليه ،هذا وامللك اخللف�اء م�ع َّ
ٍ ٍ
كس�وة بصلة مع َّ
الش�ايقي عبار ًة عن فلـمـا خرج من عنده بعث له له س�اع ًة ويبكيَّ ،
ٍ
بمأكول فأبى أن يقبل منها شيئ ًا(.)2 ٍ
وحتويل عىل الـمـال َّية ٍ
ونقود
* * *
الش�يخالش�يخ حمم�د ب�ن مقب�ل يف إح�دى ق�رى بري�دة س�نة (1281ه�ـ) ،وق�رأ على عمه َّ ( )1ول�د َّ
الش�يخ حممد بن عم�ر بن س�ليم ،وكان ال يتناول ش�يئ ًا م�ن أحد ح َّتى
العالم�ة س�ليامن ب�ن مقب�ل ،وخاله َّ
ث�م طلب لقض�اء بريدة فاس�تعفى لكرب س�نِّه ث�م عنيزة َّ
م�ن بي�ت الـمـ�ال ،ت�وىل القض�اء يف البكريي�ةَّ ،
فأعف�ي ،وق�د ع�رف بالزهد وال�ورع ،والعزوف عن الدني�ا .تويف س�نة (1368هـ)« .علـمـ�اء نجد».
212
مؤس�س مدرس�ة
ِّ
()1
�نقيطي -رمحه اهلل -
ِّ حممد أمني ِّ
الش قال يوس�ف ابن َّ
الش�يخ َّ
النَّج�اة يف الزبري :كان لوالدي بعض رواتب جممع ًة لدى صندوق املدرس�ة مل َّ
يترصف
الس ِّيد عبد املحسن الشجري -وكيل مدير املدرسة -ليفيض
مريض .وجاءه َّ
فيها ،وهو ٌ
الشيخ َّ
أن اإليثار متى يكون؟ إليه بحال املدرسة وما هي عليه من العوز ،فوقع يف روع َّ
ه�ذا ه�و مكانه .فقال :رواتبي ا َّلتي يل عندكم َّ
ترصفوا فيه�ا حلاجاتكم ،وقال :ناولني
ورق ًة أكتب لكم فيها بالتَّفويض .وخرج من الدُّ نيا مل يرتك لنا ش�يئ ًا ،ويعلم اهلل حالنا،
وتوفيِّ والدنا بعدها ،هذا ما حدَّ ثتني به الوالدة(.)2
* * *
م�ر ًة أرض ًا يف
َّ
()3
اشترى َّ
الش�يخ فيص�ل بن عب�د العزيز آل مب�ارك -رمح�ه اهلل -
مهته العالية يف
ثم تراجع عن هذا وخاف أن تصدَّ ه عن َّ
اجلوف وزرعها واس�تصلحها َّ
نرش العلم وطلب اآلخرة فقام بإهدائها لصاحبها ابن عيشان دون مقابل(.)4
* * *
الش�يخ حممد أمني الش�نقيطي يف ش�نقيط (موريتانيا حالي ًا) عام (1289هـ) .س�افر إىل مرص َّ
ثم ( )1ولد َّ
ثم رحل إىل الزبري ،وتوىل اإلمامة واخلطابة فيها ،وأنش�أ مدرس�ة النجاة
احلج�از ،وأخ�ذ عن علـمـائه�اَّ .
اخلريي�ة ،كان يتنق�ل بني بل�دان اخلليج العريب للوعظ واإلرش�اد .وش�ارك بجانب صفوف املس�لمني يف
الرزاق الصانع طرابل�س ضد َّ
الطليان .تويف يف الزبري س�نة (1351هـ)« .إم�ارة الزبري بني هجرتني» لعبد َّ
وعبد العزيز العيل.
213
القليبي -رمحه اهلل )1(-بسيط ًا يف مظهره غاية البساطة،
ِّ كان األستاذ حميي الدِّ ين
السوريني املك َّلف بمرافقته اقرتح عليه أن يرتدي ثياب ًا جديدة حتَّى إن أحد اإلخوة ُّ
القليبي غضب ًا شديد ًا وقال موعد معه ،فغضب ٍ ملقابلة رئيس الوزراء ا َّلذي كان عىل
ِّ
والرجال بمخابرها ال بمظاهرها، لألخ :إنَّنا ال نقابل النَّاس بثيابنا ولكن بنفوسناَّ ،
فسكت األخ ،ور َّدد قول الشاعر:
ت��ع��ب��ت يف م���راده���ا األج��س��ام وإذا ك��ان��ت ال��نُّ��ف��وس ك��ب��ار ًا
ٍ
وتوقري، ٍ
وإكبار ٍ
وتقدير وقد استقبل رئيس الوزراء األستاذ القليبي ِّ
بكل احرتا ٍم
للمهابة ا َّلتي يتم َّيز هبا واألخالق العالية ا َّلتي يتَّصف هبا ،وكان َّ
الرئيس أذن ًا صاغي ًة
ُّونيس املضطهد ومعاناته من الزعيم املجاهد عن أحوال َّ
الشعب الت ِّ لـمـا يقوله هذا َّ
الفرنيس وصنائعه من العمالء املرتزقة(.)2
ِّ ظلم االستعامر
* * *
(« )2من أعالم احلركة والدعوة اإلسالمية املعارصة» (ص )119تأليف عبد اهلل العقيل.
214
جان�ب ٍ
كبري من ٍ الس�عدي -رمحه اهلل )1(-عىل الش�يخ العلاَّ م�ة عب�د َّ
الرمحن َّ كان َّ
كل أعامله ،زاهد ًا متع ِّفف ًا عزيز النَّفس عىل ق َّلة ذات يده.
األدب والع َّفة والنَّزاهة يف ِّ
العلمي بعنيزة سنة (1373هـ) ،وكان ِّ الس�عدي مرشف ًا عىل املعهد الش�يخ َّو ُعينِّ َّ
الش�يخ -رمحه اهلل -أرس�ل إىل رئاس�ة ش�هري قدره ألف ٍ
ريال ،لك َّن َّ ٍّ ٍ
برات�ب تعيين�ه
ٍ
اس�تعداد لإلرشاف حممد بن س�عود حالي ًا -أنَّه عىل املعاه�د العلم َّية -جامعة اإلمام َّ
مادي،
ٌّ على املعهد حس�ب ًة لوج�ه اهلل تعاىل ،وأنَّ�ه ال يريد أن يك�ون له عىل ذلك ٌ
أج�ر
وقبلت الرئاسة شاكر ًة له هذا الصنيع ا َّلذي ال يصدر إلاَّ من عاملٍ ٍ
زاهد يبتغي وجه اهلل. َّ ِّ
�عدي :وكان من سيرته -ِّ للس
العدوي أثناء معارشته َّ
ِّ الرمحن
يقول الدُّ كتور عبد َّ
رمحه اهلل -أنَّه يف موسم احلصاد تأيت إليه ثمـار النَّخيل والبساتني ا َّلتي وقفها أصحاهبا
ويوزعها عىل الش�يخ جيم�ع َّ
كل هذه ال ِّثمـ�ار يف املس�جد ِّ على املس�جد اجلامع ،فكان َّ
الفقراء واملساكني ،وال يأخذ تـمر ًة واحد ًة يدخلها فاه أو ينقلها إىل بيته .وسألت أحد
الس�عدي يف عنيزة س�نة (1307ه�ـ) ،وتوفي�ت والدته وله من الرمحن بن نارص َّ ( )1ول�د َّ
الش�يخ عب�د َّ
العمر أربع سنني ،وتويف والده وله من العمر سبع سنني فكفلته زوجة والده .اشتغل بالعلم عىل علـمـاء
الطالب ،وواعظ العامة ،وكاتب بل�ده ح َّتى رس�خت قدمه يف العلم ،ونفع اهلل به أهل بلده ،فه�و مدرس ُّ
الوثائ�ق ،وعاق�د األنكحة ،وكان ال ينقطع عن زيارهتم يف ُب ُيوهتم ،ومش�اركتهم يف جمتمعاهتم .تويف س�نة
(1376هـ) بعد إصابته بمرض ضغط الدم وتصلب الرشايني« .علـمـاء نجد».
215
الش�يخ عىل حاجات معيش�ته؟ فأخبرين َّ
أن له ابنني املقربني إليه :من أين ينفق َّ
أبنائ�ه َّ
الرياض ،ويرسالن إليه ما حيتاج من النَّفقة وال مورد له غري هذا،
يعمالن بالتِّجارة يف ِّ
إن خري ما يأكل املرء ما كان من كسب يدهَّ ،
وإن ولد اإلنسان من فقلت :سبحان اهللَّ ،
كسبه(.)1
* * *
لـمـا زار امللك س�عود -رمحه اهلل -جازان وأعجب مما كان عليه َّ
الش�يخ حافظ َّ
حكم�ي -رمح�ه اهلل )2(-من احل�رص وغزارة اإلنتاج واإلخالص ،أم�ر له بمبل ٍغ من
الـمـال بخ ِّطه فأخذ َّ
الش�يخ حافظ الورقة ووضعه�ا معه ،ومل يلتفت إليها فعثر عليها
بعد وفاته وذلك عند شيخه ،فوجد فيها أمر ًا برصف مبل ٍغ من الـمـال له(.)3
* * *
الش�يخ حاف�ظ بن أمح�د احلكمي يف جازان س�نة (1342هـ) .حفظ الق�رآن يف صغره ،والزم ( )2ول�د َّ
الش�يخ عبداهلل القرع�اوي .طلب من�ه ش�يخه تصنيف كت�اب يف العقيدة فنظ�م منظومة داعي�ة اجلن�وب َّ
«س�لم الوصول» ورشحها وهو ابن تس�عة عرش عام ًا .توىل إدارة معهد س�امطة العلمي .تويف ش�ا ًّبا س�نة
(1377هـ) .مقدمة «معارج القبول برشح سلم الوصول».
216
�نقيطي -رمحه
ِّ العلوي ِّ
الش ِّ حممد املصطفى بن اإلمام ممَّ�ا يروى عن قناعة َّ
الش�يخ َّ
اهلل )1(-وع َّفته وصربه عىل ألواء املدينة املنورة أنَّه أمىض ثالثة أ َّيا ٍم بلياليها مل يذق فيها
الرابع جلس يف
غير الـمـ�اء ،ومل يعلم بحاله غري خالقه س�بحانه ،ويف صبيحة الي�وم َّ
الشناقطة خارج ًا إىل بيته فخطر
يكرر دروسه فرأى رفيق ًا له من َّ
رحبة املسجد الشرَّ يف ِّ
يتعرض له ليدعوه لل َّطعام ،فر َّد عىل نفسه ذلك اخلاطر يف احلني ومل َّ
يتحرك من بباله أن َّ
حم ِّله وأنشأ ارجتالاً :
ه���واك امل����ؤ ِّدي للخنا وامل��ذ َّل��ة روي�دك ي�ا نفسي فلس�ت مطاوع�ا
ٍ
ح��ي��اة دن � َّي��ة إيل م��ن مل��وت��ك ض��ي��ع� ًة وأن���ت عفيف ٌة
أح���ب َّ
ُّ
الضحى والتحق بحلقته ،فلم متض ساع ٌة حتَّى ساق اهلل تعاىل له رزق ًا من ثم صىل ُّ
َّ
حيث ال حيتسب ،ومل ير ضيق ًا بعد ذلك(.)2
* * *
أن رئاس�ة ش�ئون الـمعلمي وكيل مكتبة احلرم املك ِِّّي :بلغني َّ
ُّ قال َّ
الش�يخ عبد اهلل
ٍ
حممد أمني احلرمني يف عهد رئيس�ها احلايل العلاَّ مة س�ليامن بن عبيد ،طلبت َّ
الس� ِّيد َّ
()3
الش�يخ حممد املصطفى بن اإلمام العلوي الش�نقيطي -رمحه اهلل -يف رمضان س�نة (1315هـ) ( )1ولد َّ
بمدينة جتكجة ببالد ش�نقيط .تويف والده وهو ابن ثالث س�نني فر َّبته والدته ،حفظ القرآن وتعمق بعلوم
الفقه والنحو والرصف .اشتغل بالتجارة .تويف يف ( )16ذي احلجة سنة ( 1388هـ).
(« )2أعالم الش�ناقطة يف احلجاز واملرشق جهودهم العلمية وقضاياهم العامة» لبحيد بن َّ
الش�يخ يربان
القلقمي اإلدرييس.
املكرمة سنة (1328هـ) .التحق بمدارس مكة َّ الشيخ حممد أمني الكتبي احلنفي -رمحه اهلل -يف َّ
( )3ولد َّ
الفالح ،وخترج منها متقن ًا لعلوم خمتلفة ،ودرس عىل مجلة من العلـمـاء ح َّتى صار من كبار علـمـاء مكة،
ثم انقطع يف آخر حياته للعبادة ،والتصنيف .تويف سنة (1404هـ). ودرس يف املسجد احلرامَّ ،
َّ
217
ألن فضيلته املنصوري لفضيلة الكتبي :لكم فروقات رواتب بلغت ثامنية آالف ٍ
ريالَّ ، ُّ
مدرس ًا باحلرم الشرَّ يف ،فقال له :ال تكن شيطان ًا رابع ًا ،فقد رأيت يف منامي ثالثة
كان ِّ
أس�تحق ش�يئ ًا ،وماذا عملت ألستح َّقها،
ُّ الرابع فأنا ال
ش�ياطني ورصفتهم ،وال تكن َّ
ٍ
أشهر(.)1 وخرج ،هذا كان قبل وفاته بعدَّ ة
* * *
اجلراح
حممد بن س�ليامن َّ الش�يخ وليد املني�س يف ترمجة عامل الكويت َّ
الش�يخ َّ ق�ال َّ
-رمح�ه اهلل :)2(-رغ�م أنَّ�ه ميس�ور احلال ب�ل يعدُّ م�ن األغني�اء إلاَّ َّ
أن املتأ ِّمل لغالب
ٍ
وبغض الذكر حب خلمول ِّ الزهد والتَّق ُّلل مع ٍّ أن َّ
الشيخ يميل إىل ُّ أحواله ومعاشه جيد َّ
للش�هرة ،وينسحب هذا التَّق ُّلل أيض ًا عىل امللبس واملأكل .كان َّ
الشيخ زاهد ًا يف ملبسه ُّ
حيب التَّبذير والتَّباهي والبذخ.
ومأكله ومعظم حاجياته ،وكان ال ُّ
حي�ب أكل التَّمر
ُّ أ َّم�ا أكل�ه فإنيِّ علم�ت أنَّه ي�أكل وجبتني غالب� ًا يف الي�وم ،وكان
والرط�ب .وكان لق َّلة أكله
ورشب الـمـ�اء مع�ه ،وكثري ًا ما يتحدَّ ث ع�ن منافع التَّمر ُّ
نحيف� ًا ،ور َّبما ال يزيد وزنه عن ( )45كيلو جرام ًا وهو أقرب إىل ال ُّطول منه إىل القرص
الس ِّن.
رغم تقدُّ مه يف ِّ
الس�لف يف التَّق ُّل�ل من األطعمة واألرشب�ة ِّ
والزينة وكثير ًا م�ا يتك َّلم عن أخالق َّ
الش�هرة وتص�دُّ ر املجالس ،ورغم قدرته على التَّصنيف وح�ب مخ�ول ِّ
الذكر وبغض ُّ ِّ
(« )1اجلواه�ر احلس�ان يف تراج�م الفضلاء واألعي�ان م�ن أس�اتذة وخلان» لزكري�ا بن عب�د اهلل بيال
(.)473/2
الش�يخ حممد بن س�ليامن اجلراح يف الكويت س�نة (1322هـ) تقريب ًا بعد انتقال جدِّ ه من بلدة
( )2ولد َّ
(حرم�ة) م�ن بلدان نجد بنحو أربعني س�نة ،وقد درس يف الكويت عىل بعض علـمـائها ،ومن أش�هرهم
الش�يخ بالزهد والورع والعزوف علاَّ مة الكويت يف زمانه َّ
الش�يخ عبداهلل بن خلف الدحيان ،وقد عرف َّ
عن الدنيا .تويف سنة (1417هـ)« .علـمـاء نجد».
218
الس�لف ما تركوا ش�يئ ًا إلاَّ وبحثوا فيه ،كأنَّه يشير إىل والتَّأليف إلاَّ أنَّه ِّ
يكرر قوله َّ
بأن َّ
عدم الدَّ اعي للتَّصنيف إلاَّ فيام اس�تجدَّ من مس�ائل ،ويذكر ما قاله ابن الق ِّيم يف تفسري
ٍ
حاجة أو قول�ه تع�اىل :ﱫ ﮋ ﮌ ﱪ فمن التَّكاثر اإلكثار م�ن التَّصنيف لغري
يتصور وقوعها ممَّا يستهلك اجلهد والوقت(.)1
َّ َّعرض ملسائل ال
الت ُّ
* * *
َّ
«الشيخ حممد بن سليامن اجلراح» لوليد بن عبد اهلل املنيس (ص .)74 ()1
(ُ )2ول�د عب�د احلميد كش�ك -رمح�ه اهلل -يف شبراخيت بمحافظة البحرية يف العارش م�ن مارس لعام
(1933م) ،وحف�ظ الق�رآن وه�و دون العارشة من عم�ره ،ولد يف أرسة فقريةُ ،عينِّ معي�د ًا بكلية أصول
الدي�ن س�نة (1957م) .ت�ويف وه�و س�اجد يف ي�وم اجلمع�ة املوافق ( 26رج�ب 1417هـ 6/ديس�مرب
1996م) وهو يف الثالثة والستني من عمره.
219
ألن اهلل أراد ألاَّ أحرض ،ورشحت له كيف
إليه يف اإلسماعيل َّية يف رمضان؟ فقلت لهَّ :
نسيت أن أفتح اخلطاب حتَّى نسيت املوعد املرضوب.
غاضب منِّي؟ ق�ال :لقد كنت
ٌ الش�يخ :وم�ا ا َّلذي أعلم فضيلتك�م أنَّه
ثم س�ألت َّ
أجل�س ع�ن يمينه وقد س�أل وزير اإلعالم وق�ال له :أمل حيرض؟ فقال ل�ه الوزير :نعم
الرئيس رأس�ه غضب� ًا ،فقلت له :يا فضيلة َّ
الش�يخ ولـمـاذا مل حتاول أن فهز َّ
مل حيضرَّ ،
اعتذارا
ً تق�ول كلم� ًة تطفئ هبا غض�ب القلوب؟ فق�ال :إنَّك تس�تطيع أن تق�دِّ م اآلن
عَّم�اَّ ح�دث ،فقلت له :وهل أخط�أت حتَّى اعتذر؟ فقال :أال تعل�م أنَّنا نعيش يف ِّ
ظل
احلق املبين :ﱫ ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ الرئي�س ورعايته؟ فقلت له بلس�ان اليقين ومنطق َِّّ
ﭕ ﭖﭗ ﭘ ﭙ ﭚﱪ .وألقي�ت َّ
السلام وانرصف�ت ،وأن�ا أر ِّدد آي�ة
باحلي الق ُّيوم ا َّلذي
ِّ الكريس ا َّلتي اش�تملت عىل اجلالل والكامل واجلامل ووص�ف اهلل
ِّ
بالعيل العظيم ،فهذا هو ا َّلذي نعيش يف رعايته وعنايته
ِّ ال تأخذه سن ٌة وال نو ٌم ،ووصفه
وخريه ورزقه(.)1
* * *
الصوما ُّيل -رمح�ه اهلل )2(-زاه�دً ا ور ًعا
حمم�د ب�ن عب�د اهلل بن أمح�د ُّ كان َّ
الش�يخ َّ
متع ِّف ًف�ا ،مل يكن يعلم من الدُّ نيا ش�ي ًئا ،وترك الدُّ نيا بع�د أن أقبلت عليه ،ومن األمثلة:
واحدة ،وعندما قيل له :أال نطلب ل�ك غرف ًة أخرى؟! قال: ٍ ٍ
غرف�ة أنَّه كان يس�كن يف
حمم�د طَّم�اَّ ع! وعندما كرست رجل�ه وعجز ع�ن َّ
الذهاب أتري�دون أن ُيق�ال َّ
الش�يخ َّ
220
حممد بن للتَّدريس يف احلرم؛ رفض أن يأخذ املكافأة ا َّلتي كان يأخذها ،فقال له َّ
الشيخ َّ
الس�بيل -رئيس ش�ئون احلرمني -حفظه اهلل :- -إن هذا الـمـال يأخذه البرَ ُّ
عبد اهلل َّ
فدرسه يف بيتك(.)1
أحق به ،فمن جاءك؛ ِّ
والفاجر ،وأنت ُّ
* * *
�امرائي -رمح�ه اهلل )2(-عفي�ف النَّف�س أب ًّي�ا ،فبع�د عودته من
ُّ الس
كان إبراهي�م َّ
صنعاء إىل عامن عام (1996م) أقام فيها بال ٍ
عمل ،وبعد إحلاح من تالميذه يف اجلامعة
أن أحد مدريس قسم ال ُّلغة العرب َّية
ثم إنَّه سمع َّ
درس طلبة الدِّ راسات العلياَّ ،
األردن َّيةَّ ،
الس�امرائي جاء ليقاس�منا لقمة العيش ،فرتك التَّدريس ونظم قصيد ًة يف لقمة قالَّ :
إن َّ
العيش مطلعها:
ع���اف ب��ط��يء اخل��ط��و حُم ِ
تسب ال ل���ن ت��ن��ال ف��أن��ت ُم��غ�ترب
ُ
مرةً :إنَّه يف ِّ
كل عا ٍم تفتتح جامع ٌة أهل َّي ٌة يف األردن، امرائي َّ
ِّ للس
وقال الدُّ كتور شوقي ضيف َّ
امرائي :أنا ال أتقدَّ م ،إن رغبوا فليأتوا إ َّيل.
ُّ الس
فلـمـاذا ال تتقدَّ م إليها للتَّدريس ،فقال َّ
أ َّم�ا يف األردن فل�م يكن أس�عد ح�االً ممَّ�ا كان عليه يف الع�راق ،فبع�د قدومه إىل
األردن من اليمن يف أواخر عام (1996م) ليقيم فيه إقامته ال َّثانية ،كان عليه أن يطلب
ٍ
حمارضات يف كل َّية اآلداب باجلامعة األردن َّية ،فطلب ٍ
ساعات ست
اإلقامة ،وقد أعطى َّ
الس�امرائي -رمحه اهلل ،-علم من أعالم العربية املعارصين ،ولد يف مدينةالراش�د َّ
( )2إبراهيم بن أمحد َّ
العمارة ع�ام (1923م) جنويب الع�راق بني بغداد والبصرة .وكان أهله قد نزحوا إليها من س�امراء ا َّلتي
ينتس�ب إليه�ا .توفيت أم�ه وهو صغري ،وتويف أبوه بع�د ذلك ،تعلم يف العمارة ودرس يف دار املعلمني يف
درس يف كلية املل�ك فيصل س�نة (1946م) و(1948م) ،انت�دب للتدريس يف كلية األعظمي�ة ببغ�دادَّ ،
وعمـ�ان ،وبنغازي ،واجلزائ�ر ،والرباط، ثم تنق�ل بني بريوتَّ ،
اآلداب بتون�س وع�اد بعده�ا إىل بغدادَّ ،
بعمـان ودفن فيها.
والكويت ،والسودان .تويف يف (2001/4/25م) َّ
221
كتاب من اجلامعة يستظهر به للحصول عىل اإلقامة، ٍ من القائمني عليها احلصول عىل
بيشء مع املحارض،ٍ ولك َّن اجلامعة أبت عليه هذا اليشء ،وقيل لهَّ :
إن اجلامعة ال تلتزم
ين�ص فيه عىل أنَّه ٍ
بكتاب ُّ يزود
األردين ،وطل�ب أن َّ
ِّ ث�م ذه�ب إىل جممع ال ُّلغ�ة العرب َّية
َّ
م�ؤازر يف املجمع فكان له هذا ،وذه�ب بكتابه ه�ذا إىل وزارة الدَّ اخلية ليمنح
ٌ عض�و
ٌ
ح�ق اإلقامة ،وكان أحد أعضاء قس�م التَّاريخ
ح�ق اإلقام�ة ،فوافق الوزير عىل منحه َّ
َّ
باجلامع�ة األردن َّية ،وأش�ار عىل املو َّظف املس�ئول أن يكتب إىل ش�عبة األجانب هبذا،
وحرر هذا املسئول الكتاب وكان فيه:َّ
عضو يف جممع ال ُّلغةٍ يمنح فالن هو وزوجته وولده اإلقامة يف األردن؛ ألنَّه بمهنة
كل ٍ وت�م ُّ
يشء، �امرائي هب�ذا الكتاب فرح ًا إىل ش�عبة األجانبَّ ، ُّ الس
العرب َّي�ة ،وذهب َّ
ث�م أخربه ضابط األمن يف مركز األمن بالشميس�اين أن يأيت بعد يومني ليتس� َّلم بطاقة َّ
أن املس�ئول الكبير يف األمن رأى يف كتاب وزارة الضابط َّفلـمـا جاء أخربه َّ
اإلقام�ةَّ ،
خيص وزارة العمل ،فأحبط عضو» فاعرتض وقالَّ :
إن أمر املهنة ُّ ٍ الدَّ اخلية عبارة «مهنة
هنديس أن ٍ
مكتب صديق صاحب ٍ مسعاه ،فكان عليه أن يبدأ العمل ثاني ًة فالتمس من
ٍّ
�امرائي بورقته هذه الس ٍ
ُّ يزوده بورقة يقول فيها :إنَّه يعمل يف مكتبه ففعل هذا ،وذهب َّ ِّ
فح�ررت له بطاق ٌة صغري ٌة فيها
ِّ إىل وزارة العم�ل ودف�ع «املعلوم» وهو ( )122دينار ًا،
صورته َّ
الشمس� َّية ،هي التَّرصيح بالعمل كام يفعل سائر من يعمل من العماَّ ل وغريهم
يف املرافق كا َّفة ،فقال قصيدة «مع التَّرصيح بالعمل» ومطل ُعها:
ص�رحي��� ًا إىل َع��م��ل ن نِ���ل� َ
��ت ت� ِ أت��ظ��نُّ��ه��ا إرشاق������� ُة األم���ل
ومنها:
ت��ب��غ��ي��ه غ�ي�ر ُم�� َب��غَّ��ض َوكِ ِ
����ل ه��ب��ك استعنت ب��ه ف��ه��ل عمل
دف���ع ا َّل��ت��ي ت��رم��ي��ك يف احليل أو ح���زت ت�ص�رحي��� ًا ت����روم به
222
ال��رج��ل
ث��م��نً��ا جي���� ُّز م�����روءة َّ ورشي�����ت ودف���ع���ت م��ن��ك به
ب���ل وي���ل���ه ي��س��ع��ى إىل ب��دل ي��ا وي���ل م��ن ي��ش��ق��ى ب�لا وط��ن
ن��ف�سي ع�لى م��ا ك���ان م��ن زل��ل أس�ى َم َرن�ت
وصبرت ال أب�دي ً
وأب��ي��ت أن تطغى ع�لى عجل مح���ل���ت ن��ف�سي غ�ي�ر حملها
و َّ
��رح���ا خي��ب��ئ خ��ام��د العلل
ج� ً إن م���ر ف��ي��ك ال���ي���وم تضمده
م���ا أن����ت ت��ب�صره��ا بمقتبل ف��ل��ك ا َّل�����ذي ي����أيت بقاصمة
ول��ك ا َّل���ذي ينجيك م��ن اجل��دل وت����وخ ن��ف��س��ك يف ك��رام��ت��ه��ا
���ورا غنيت هب��ا ع��ن الفسل
س� ً م���ا دام ب�ي�ن ي���دي���ك ت��ق��رؤه
وألن�����ت يف ج����دٍّ ويف عمل ل���ك يف ك���ت���اب اهلل م � َّت��س��ع
م���ن ك� ِّ
���ل م��ن��ت��خ��ل وم��ب��ت��ه��ل ف��ل��ق��د وق����ت ع�ل�ى ف���رائ���ده
()1
فـلـقـيـتـنـي يف تـيـه مـرتـحل قـد ســاءين أنيِّ فــقــدت أخــي
* * *
حممد محيد اهلل احليدر آبادي -رمحه اهلل )2(-معروف ًا ُّ
بالزهد والتَّواضع، كان َّ
الشيخ َّ
مر ًة َّ
الشيخ عبد الفتَّاح أبو غدَّ ة -رمحه وقد قىض أكثر حياته يف باريس يف فرنسا ،زاره َّ
ٍ
من�زل متواض ٍع جدًّ ا العلمي يف اهلل -فوج�ده يؤث�ر العزل�ة ،ويقي�م يف مكتبه للبح�ث
ِّ
عىل س�طح مبنًى قدي ٍم رقم ( )6يف ش�ارع لوكس�مور يف باريس ،فصعدوا إليه فإذا به
الش�يخ أن س�مع َّ �ف يش�غل وقته يف العلم والعبادة ،ولوحظَّ : وتقش ٍ
زهد ُّيعيش حياة ٍ
223
الش�يخ أب�ا غدَّ ة يعاين من ضعف برصه، ضعيف جدًّ ا ،ومن ٍ
جهة أخرى َّ
فإن َّ ٌ محي�د اهلل
الش�يخ محيد اهلل باإلشارات ،وما تك َّبد َّ
الشيخ أبو ٍ
بصعوبة ويس�تعني َّ فصارا يتخاطبان
الش�يخ محيد اهللالس�ؤال عن مكان إقامة َّ غدَّ ة -رمحه اهلل -هذه املش� َّقاتَّ ،
وألح عىل ُّ
سنوات تتع َّلق بمخطوطة كتابٍ خدمة أسداها إليه قبل أكثر من عرش ٍ إلاَّ ليشكره عىل
هبي -رمحه اهلل ،-حيث يقول عن نس�خة الكتاب املوجودة يف «املوقظ�ة» لإلم�ام َّ
الذ ِّ
الصديق املفضال العلاَّ مة الدُّ كتور
املكتبة الوطن َّية يف باريس ما ييل :وكنت رجوت من َّ
فيصورها يل،
ِّ يتك�رم
َّ حمم�د محي�د اهلل املقي�م يف باريس -حفظ�ه اهلل تعاىل ورعاه -أن
َّ
ثم قابلها باألصلفتفضل بنس�خها يل بقلمه وخ ِّطهَّ ، فوجد أمر التَّصوير َّ
يتأخر قليالًَّ ،
متكرم ًا يف ٍ
وأثب�ت عليها ما عىل حوايش األصل من تعليقات ،وبعث هبا إ َّيل مش�كور ًا ِّ
الش�كر وال َّثناء والتَّقدير عىل هذه املس�اعدة
( )18ذي احلجة (1399هـ) ،فله أجزل ُّ
العلم َّية الكريمة.
ظل خيدم نفسه الشيخ محيد اهلل مثاالً يف البساطة يف مجيع شئون احلياةَّ ،
كذلك كان َّ
حلظة من حياته ،يغسل ثيابه ،ويرتِّب أموره ،ويكنس بيته ،ويتك َّفل بتأمنيٍ بنفسه آلخر
اخلاصة.
َّ الشئون َّ
الذات َّية واألعامل حاجياته وغري ذلك من ُّ
مر ًة العامل
وأ َّم�ا زهده فيما يمتلكه من الـمـال فأمثل�ة ذلك كثري ٌة يف حيات�ه ،زاره َّ
الش�يخ ش�اه بليغ الدِّ ين مع زمالئه ليطلب منه دع ًام
اإلسلامي الكبري َّ
ُّ اجلليل الدَّ اعية
وألح عىل ذلك ديني ،فقدَّ م إليه َّ ٍ
الش�يخ حمفظته قائالً :خذ منها ما ش�ئتَّ . ماد ًّيا ملعهد ٍّ
الشيخ إحلاح ًا ش�ديد ًا حتَّى أخذوا منها ما ش�اءوا ،وحني أرادوا أن يستأذنوه ،و َّدعهم َّ
ووجهه يته َّلل بالفرح.
الزائد ،وأرادت وكان ال يقبل ترشيحه للجوائز الكربى ،ويكره األضواء ِّ
والذكر َّ
حكومة باكس�تان أن تكرمه بمنح جائزة الدَّ ولة التَّقدير َّية بمناس�بة بدء القرن اخلامس
224
مبلغ مقداره ملي�ون روبي ًة نقد ًا ،وقد ت َّ
ربع هبذا املبلغ اهلجري ،وكان مع اجلائزة ٌ
ِّ عشر
ك ِّل�ه للجامع�ة اإلسلام َّية العامل َّية بإسلام أباد .كذل�ك اعتذر عن قب�ول جائزة امللك
الشهرة ا َّلتي
رشحوه هلا خشية ُّ
فيصل العامل َّية خلدمة اإلسلام مع احرتامه ملش�اعر من َّ
ويكرم هلا.
َّ أحق النَّاس بأن يناهلا
جتلبها له هذه اجلائزة بعد ،وكان َّ
مكافأة ماد َّي ٍة من
ٍ
بالذكر هنا أيض ًا :أنَّه مل يقبل طيلة حياته َّ
أي مبل ٍغ أو ومن اجلدير ِّ
حق�وق كتب�ه من التَّأليف والتَّحقي�ق والترَّ مجة ،وقد قام بتلك األعمال العلم َّية خملص ًا
يشء من ورائها من الـمـال ُّ
والشهرة(.)1 وجهه هلل تعاىل دون ابتغاء ٍ
َّ
«الشيخ حممد محيد اهلل سفري اإلسالم يف الغرب» لسيد عبد الـمـاجد الغوري (ص .)73 ()1
امبوري :من كبار علامء ( رامب�ور ) يف اهلند ،وقد عرف بزهده وصالبته يف
ُّ الر
( )2الش�يخ عب�د الرحيم َّ
احلق ،تويف سنة ( 4321هـ ) .
« صفحات مرشقة من تاريخ حياة علامء األمة » لعبده عيل كشك ص 406
225
ب�أن هذا ال َّثمر
زعيم َّ
ٌ اإلنجلي�زي بعد إىل مقصود َّ
الش�يخ ،فقال :أنا ُّ بريلي ،ومل ُي ْف ِ
�ض
بأن حوله طلب ًة وتالميذ يقرءون عليه يف
يصل إليك من رامبور إىل برييل ،فتش َّبث ثالث ًة َّ
بلده ،فلو انتقل إىل هذه الوظيفة انقطعت دروسهم.
ٍ
جرايات يف برييل، اإلنجليزي املناقش من إقناعه ،فق�ال :أنا أجري هلم ومل يي�أس
ُّ
رم َّيته ،فقال:الشيخ آخر سهامه ا َّلذي أصمى ِ
ويواصلون دروسهم هناك ،وهنا أطلق َّ
وماذا سيكون جوايب غدً ا إذا سألني ربيِّ :كيف أخذت األجرة عىل العلم؟!
وسقط يف يده(.)1اإلنجليزيُ ،
ُّ وهنا هبت
* * *
(« )1صفحات مرشقة من تاريخ أعالم األمة» لعبده عيل كوشك (ص .)604
الشيخ بكر بن عبد اهلل أبو زيد من آل غيهب من قضاعة يف الدوادمي سنة 1365هـ. ( )2ولد َّ
انتق�ل إىل الري�اض ،وتلقى فيها علومه الرشعي�ة ،وبرز يف العلم ،وتقلد فيه العدي�د من املناصب العلمية
والقضائي�ة ،فت�وىل القض�اء يف املدين�ة املن�ورة ،والتدريس يف املس�جد النب�وي ،وعضوي�ة إدارة البحوث
والفت�وى وهيئ�ة كب�ار العلـمـ�اء يف اململك�ة العربية الس�عودية ،وش�ارك يف العديد من املجام�ع الفقهية
والرشعية يف العامل اإلسالمي ،وصدر له العديد من املؤلفات التي سارت هبا الركبان.
تويف -رمحه اهلل -يف يوم الثالثاء (1429/1/27هـ) املوافق ( ،)2008/2/6إثر مرض عانى منه ما=
226
وأهل�ه ،وب�ذل مهجته ،وقىض س�ني عمره منذ صغره يف القراءة وجمالس�ة األش�ياخ،
املطوالت يف ش�تَّى العل�وم والفنون ،ومجع الكتب ،واقتن�اء ال َّطبعات حتَّى إذا
وجرد َّ
َّ
َب َف َق َّمش ،فرتك أث�ر ًا عظي ًام أضحى عين ًا بعد
�ث َف َفتَّش ،و َكت َ
أف�اء اهلل علي�ه وفتحَ :ب َح َ
ٍ
عني ،كتب اهلل له من القبول ما كتب ،وذلك فضل اهلل يؤتيه من يشاء.
وم�ن مواقف�ه العلم َّي�ة -رمح�ه اهلل تع�اىل َّ -
أن وزارة ُّ
الش�ئون اإلسلام َّية قامت
فتفرغ له َّ
الشيخ - َّ
الش�يخ -رمحه اهلل تعاىل -مراجعة التَّفسير ،وتصحيح ما وقع فيهَّ ،
ٍ
أشهر ،منها ثالث ٌة كامل ٌة يف مصيفه بال َّطائف ،وصل فيها لي َله رمحه اهلل تعاىل -نحو ستَّة
بنهاره ،أعاد فيها صياغة ٍ
كثري من مواضعه ،وتوحيد أسلوبه ،وتصحيح ما وقع فيه من
ٍ
أخطاء يف التَّفسير والعقيدة والتَّأويل ،ووض�ع مقدِّ مته ،فطبع -بحمد اهلل تعاىل -يف
= يقارب مخس سنوات .املصدر :ابنه الشيخ عبد اهلل بن بكر أبو زيد.
227
الش�يك عىل الش�يخ – رمحه اهلل تعاىل – ،إلاَّ َّ
أن املو َّظف ترك ِّ وع�اد ل�ه ال َّثالثة ،فاعتذر َّ
فلـمـا انرصف قال له( :آخذ أجر ًا إليه ،وطلب منه أن ينقل َّ
للشيخ اعتذاره عن قبولهَّ ،
عىل تفسري كتاب اهلل؟!).
ٍ
زيارة ل�ه ،وأثنى عىل عمل وق�د حدَّ ثني َّ
الش�يخ عب�د اهلل الترُّ كي هب�ذا املوقف يف
َّ
الشيخ – رمحه اهلل تعاىل – وجهده يف التَّفسري (.)1
228
229
230
برهم
و�إح�سانهم
231
232
العنيس ،وهو
ِّ حممد
احلجة القايض صالح ب�ن َّ َّ
أط�ل العيد األضحى على العلاَّ مة َّ
وامللح�ة ،وله عائل� ٌة وأوال ٌد ،وال
َّ أم�س احلاج�ة ملحتاج�ات العي�د الضرَّ ور َّية منها
يف ِّ
طعام وال كس�وة وال س�من وال كبا وال عس�ل وال نقود وال حطب وال وال ،وكان له
حممد بن عبد اهلل با سلامة -رمحه اهلل -
()1
فلـمـ�ا بلغ َّ
خ�اد ٌم يدع�ى فالن الصعديَّ ،
الزمن عليه ُّ
لتقش�فه وزهده عن ٍ
وضائقة ،ومن قس�وة َّ ٍ
مس�غبة املذك�ور وما يعانيه من
الصغرية قم ٌة مثال َّي ٌة أرس�ل يف احلال احلاملني َّ
كل حمتاجات العيد من َّ أموال النَّاس وإنَّه َّ
والكبيرة ،وأمرهم أن يس� ِّلموا ذل�ك إىل الصعدي املذكور ،فأبل�غ القايض صالح بام
حممد بن عبد اهلل با سالمة فنفر عن قبول ذلك ورفضه جاء به احلماَّ لونَّ ،
وإن ذلك من َّ
رفض ًا قاطع ًا.
أن له غرماء أو نحو ذلك من املقاصد واألغراض، ٍ
رشوة ،فر َّبام َّ وقال :هذه مقدِّ مة
حممد بن عبد اهلل با سلامة إلاَّ أن
الرس�ول حيمل ذلك النَّبأ ،فام أمكن من َّ
فلـمـا رجع َّ
َّ
عزم بنفس�ه إىل شيخه املذكور ،وقال للمحرض الصعدي :أخرب شيخنا أنيِّ قد وصلت
أي خصم أبد ًا،
خصم ،وال أحرض عنده مع ِّ
ٌ بنفيس ،وإنيِّ أقسم باهلل العظيم أن ليس يل
يش�ك فيام قدَّ مته ،وإنهَّ ا لوجه اهلل لعلمي بضائقته ا َّلتي
ُّ وقل له :ال يرت َّدد من قبوهلا وال
وألي أش�د، ٍ ربرات القبول ،وما هدأ باله حتَّى قبل ذلك بعد ش�دَّ ٍة نزل�ت به ،وذكر م ِّ
َّ
ولعل شيخه مل يقابله حيا ًء(.)2
* * *
الشيخ حممد بن عبد اهلل با سالمة -رمحه اهلل -يف (إب) يف اليمن ،وكان معروف ًا بورعه ،وبره،
( )1ولد َّ
وقد نرش العلم يف (إب) ،وأخذ عنه الكثري ،ح َّتى تويف يف سنة (1307هـ).
233
هيت�م اهتامم ًا كبري ًا بدع�وة القبائل
ُّ
()1
�نويس -رمح�ه اهلل -
ُّ الس
عيل َّ
حمم�د ب�ن ٍّ
كان َّ
مر ًة قافل ًة
الوثن َّية يف إفريق َّية ،فمن وس�ائله يف نرش اإلسلام بقلب إفريق َّية ،أنَّه اشترى َّ
الرقي�ق ،ولك َّن ابن
م�ن العبيد ،كان املس�تعمرون قد خطفوهم ليعرضوهم يف س�وق َّ
َّ
وب�ث فيهم ح َّب�ه وتقديره، �نويس أعتقه�م مجيع� ًا وأكرمه�م وع َّلمه�م اإلسلام،
ِّ الس
َّ
وبر
ث�م تركه�م ليع�ودوا إىل قبائلهم وذوهيم دع�ا ًة يتحدَّ ثون ع�ن طغيان املس�يح ِّيني ِّ
َّ
مهم ًة لنرش اإلسلام بين أهليهم وقبائلهم ،وكان يشتري املس�لمني ،فكان�وا دعائم َّ
العبي�د من القبائل ا َّلتي كانت تغري عىل القوافل ليعتقهم ،وعمل عىل دعوة القبائل إىل
�نويس يرشف بنفس�ه
ِّ الس
االلتزام باإلسلام ،وختليص العبيد من العبود َّية ،وكان ابن َّ
الزنوج إىل اإلسلام ،وبفضل
ثم يرس�لهم إىل قبائلهم ،لدعوة ُّ
عىل تربيتهم وتعليمهم َّ
ثم هذا األسلوب ،أصبحت قبائل (واداي يف تشاد يرسلون أبناءهم لتع ُّلم اإلسالم
اهلل َّ
السنويس -رمحه اهلل -يف اجلزائر سنة (1202هـ) .وتويف والده بعد عامني الشيخ حممد بن عيل َّ ( )1ولد َّ
م�ن والدت�ه .وكان منذ صغره يمي�ل إىل االنطواء والتفكري يف حال املس�لمني .رح�ل إىل فاس وأخذ عن
ثم س�افر إىل برقة واجلبل فزار القبائل وأس�سثم بالد املرشق ومكة واملدينةَّ . ثم إىل اجلزائرَّ ،
علـمـائهاَّ .
الس�لطان عبد احلميد الثاين مراسلات للوقوف الزوايا ،وجعل اهلل عيل يديه خري ًا كثري ًا .جرت بينه وبني ُّ
السنوس�ية» د .عيل
الس�لطان.تويف س�نة (1320هـ)«.الثامر الزكية للحركة ُّ ورس هبا ُّ
على حقيق�ة دعوتهَّ ،
حممد الصاليب.
234
السنوس َّية(.)1
الزوايا َّ
يف اجلغبوب وغريها من َّ
* * *
الضيوف، ٍ
مفلح اجلذالني -رمحه اهلل )2(-بالكرم وكثرة ُّ اش�تهر َّ
الشيخ س�عود بن
للضيف ق�دره ( )100نخل�ة ،وكان منفق� ًا عىل الفق�راء ُّ
والضعفاء وق�د أظه�ر وقف� ًا َّ
واأليتام(.)3
* * *
الشيخ إبراهيم بن ٍ
محد اجلارس -رمحه اهلل )4(-مشهور ًا بالكرم والعطف عىل كان َّ
الفقراء واملحتاجني ،حتَّى قيل عنه :إنَّه يتصدَّ ق بقوته أو ثوبه ا َّلذي حيتاج إليه(.)5
* * *
مؤسسي مدارس الفالح يف
الرءوف مججوم -رمحه اهلل -من ِّ
()6
كان َّ
الش�يخ عبد َّ
الرءوف مججوم يف جدة سنة (1299هـ) يف بيت علم وثراء .أخذ العلم عن مشايخ = ( )6ولد َّ
الشيخ عبد َّ
235
ج�دَّ ة ،وقد أنفق م�ن ماله اخلاص الشيَّ ء الكثير ،وبينام كان التُّج�ار جيمعون الـمـال
املدرسين ومصاريف امل�دارس حتَّى أ َّملت به
لشراء العقار ،كان ه�و جيمعه لرواتب ِّ
ضائق ٌة ،وكان من خربه ما ذكر عن نفسه فقال:
وحل موعد دفع مرتَّبات الفالح ،وكنت كنَّا يف أواخر ش�هر رمضان (1334هـ) َّ
املدرسين ،وآويت إىل فرايش يف ال َّليل وأنا ٍ
الصندوق ملرتَّبات ِّ ق�د دفعت آخر جنيه يف ُّ
تضمه من ٍ
مغمو ٌم ،فالعيد س�يأيت غدً ا أو بعد غد ومل يبق عندي ما أنفقه عىل أرسيت بام ُّ
السابعة ليالً ،قبيل الفجر وأنا أتق َّلب عىل فرايش وقد ٍ ٍ
الساعة َّ
أوالد وبنات كثريين ويف َّ
مناد يناديني من أس�فل البيت ،ويدعوين إىل جفاين النَّوم من كثرة التَّفكري واهلم ،وإذا ٍ
ِّ
الرس�وم ،ومعه حممدً ا ال ّطويل ناظر عموم ُّ مقابلت�ه ،فنزل�ت فوجدت املرحوم َّ
الش�يخ َّ
حممد نور تركي أمني الشيخ أمحد ناظر باشكاتب اجلمرك -رئيس الكتاب َّ ،-
والشيخ َّ َّ
الرياالت ،وقال يل ال َّطويل :هذا مبلغ رص ًة من ِّصندوق اجلامرك ،وهم حيملون معهم َّ
عيل لتصرف منه مرتَّبات ٍ
س�تامئة ريال جميدي أرس�له لك امللك الشرَّ يف احلسين بن ٍّ
الرءوف مدي�ر ًا ألوقاف جدَّ ة الش�يخ عبد َّواألئم�ة واملؤ ِّذنني -وكان َّ
َّ خ�دم املس�اجد
أن ه�ذا الفرج ا َّلذي أرس�له اهلل إ َّيل كان بربكة
ش�ك َّ
الرءوف :وال َّ -ق�ال َّ
الش�يخ عبد َّ
م�دارس الفالح وبحس�ن النِّ َّية ا َّل�ذي انطوت علي�ه النَّفس يف القيـام هبـ�ذا العمـل،
قـ�ال :ويف اليوم التَّ�ايل رصفت مرتَّبات مو َّظفي املس�اجد وكانت تبل�غ ثالثامئة ٍ
ريال
جمي�دي واس�تدنت ال َّثالثامئة ري�ال الباقية لإلنفاق على أهلي وأوالدي ألعيدها بعد
العيد(.)1
* * *
= بل�ده ،وعم�ل ل�دى بعض التجار ح َّت�ى مجع ثروة .عرف بالرب واإلحس�ان وهو من مؤسسي مدارس
الفالح املشهورة يف جدة .تويف سنة (1338هـ)« .أعالم احلجاز» ملحمد عيل مغريب.
236
ٍ
حائل الش�يخ -رمحه اهلل )1(-يف الش�يخ عبد اهلل بن عبد ال َّلطيف آل َّ
درس َّ لـمـ�ا َّ
َّ
ال كثريةً، ٍ
رش�يد أم�واالً طائل ًة وإب ً حممد بن
وأتم أ َّيام إقامته بذل له َّ
ونشر علمه هناكَّ ،
منزل جزور ًا ويطعم�ه رفقته ومن يأوي كل ٍ الرياض ،فكان ينح�ر يف ِّ وس�ار منه�ا إىل ِّ
الرياض جزور ًا واحد ًا ،وكان يدرس يف بيته ،فإذا جلس�وا
إليه ،حتَّى مل يصل منها إىل ِّ
الشاي والب ِّن والبخور ال تزال تدار عىل احلارضين من املتع ِّلمني َّ
فإن أواين القهوة من َّ
فإن النَّار ال تزال تضطرم ،واألباريق حتمل ك َّلام فرغ
واملستمعني ،وما دام يف التَّدريس َّ
منها يش ٌء إذا األخرى هت َّيأ ،فلذلك كان جملس�ه عامر ًا ينتابه القريب والبعيدُّ ،
وكل من
فلـمـا يقصده فإنَّه حيصل عىل الدُّ نيا والدِّ ين ،وقد أمر طاهيه أن يذبح يف ِّ ٍ
كل ليلة شا ًة َّ
رأى أنهَّ ا ال تكفي جعل يذبح ذبيحتني ،ودائماً حي ُّثه عىل ِّ
الزيادة يف املطعم(.)2
* * *
العجم�ي :حيدِّ ثني ش�يخنا العلاَّ مة َّ
حممد بن س�ليامن ُّ ٍ
نارص حمم�د بن قال َّ
الش�يخ َّ
اجل�راح -أج�زل اهلل له األجر واملثوبة -عن ش�يخه عبد اهلل اخلل�ف الدحيان -رمحه
َّ
ٍ
كفيف ،فسأله: ٍ
بشخص الشيخ عبد اهلل من صالة ال ُّظهر فالتقى
اهلل )3(-فيقول :خرج َّ
الش�يخ عبد اهلل بن خلف الدحيان يف الكويت س�نة (1292هـ) ،وق�رأ عىل عامل الكويت حممد ( )3ول�د َّ
ب�ن عب�د اهلل الفارس ،ورحل إىل الزبري وقرأ عىل علـمـائها .وقد عرف بالتواضع ،والنزاهة ،والس�عي يف
حوائ�ج املس�لمني .وتوىل القض�اء يف الكويت فكان مثا ً
ال للعف�ة والنزاهة والعدل ،كام عمر َّ
الش�يخ وقته
بالعلم والتدريس والوعظ العام .تويف سنة (1349هـ)« .علـمـاء نجد» (.)91/4
237
الصباح لع َّله يعطيه ش�يئ ًا من
م�ن أي�ن جئت؟ فقال :من فلان ،وكان ينتظر عنده من َّ
ثم الغداء ،وبعد ذلك
الشيخ وأدخله يف منزله ،وقدَّ م له القهوة والتَّمر َّ الـمـال ،فأخذه َّ
متر فهل تستطيع محلها؟! أعطاه ماالً جزيالً ،وقال له :عندنا ُق َّلة ٍ
الش�يخ عبد اهلل اخللف كيس ًا فيه ٌ
مال ،وذهبنا لزيارة وحيدِّ ثني أيض ًا فيقول :أعطي َّ
فلـمـا ذهبت إليه وجدت عنده الكيس نفسه ،أحرضه فقريَّ ،
مريض من أصحابنا وهو ٌ ٍ
له َّ
الشيخ عبد اهلل.
ومتر ونحوه
رز ٌ جرار فيها ٌّ
ٌ وذكر عن َّ
الشيخ أمحد اخلميس ابن أخته قال :كان عندنا
م�ن األطعم�ة ،فكنَّا إذا أصبحنا ن�رى فيها نقص ًا ،فعلمنا َّ
أن َّ
الش�يخ -رمحه اهلل -كان
رسا.
ينفق منها ًّ
حممد فيقول :كان مؤ ِّذنه
اجلراح شقيق ش�يخنا َّ وحيدِّ ثني األديب َّ
الش�اعر إبراهيم َّ
بلال يبي�ع الفواكه من ٍ
عنب وغريه عىل باب املس�جد ،فإذا خرج َّ
الش�يخ عبد اهلل جاء ٌ
فالن ،وهذا لبيت ٍ
فالن ،وهي ُب ُيوت إلي�ه ،ويزن للنَّاس أوقية ،ويقول :خذ هذا لبيت ٍ
َّ
ا َّلذين يذهبون للغوص يف البحر ،وليس هلم من يقوم بأمرهم يقول :حتَّى ال يبقى عند
ٍ
بالل يش ٌء ممَّا عنده من العنب(.)1
* * *
حممد آل الرمحن اجل�زاف :كان يوم اجلمعة َّ
والش�يخ صالح ب�ن َّ الس� ِّيد عب�د َّ
ق�ال َّ
فقري يطلب ثوب ًا يلبس�ه،
رجل ٌمبارك -رمحه اهلل )2(-هو خطيب جامع احلالة ،فجاءه ٌ
238
صال�ح إلاَّ ثوب ًا واحدً ا َّ
جه�زه لصالة اجلمعة ،ولك�ن لـمـا رأى من ٍ ومل يك�ن َّ
للش�يخ
حاجة هذا الفقري وضعفه مل يستطع أن ير َّده ،فأخذ ثوبه الوحيد فأعطاه إ َّياه.
فلـمـا علمت زوجته بذلك قالت له مغضب ًة :هل أنت جمنون؟ كيف تعطي ثوبك َّ
الرجل ،وجتلس بدون ٍ
ثياب ،وعليك اآلن خطبة اجلمعة. الوحيد هلذا َّ
ٍ
وس�كينة :سوف ألبس البشت وأتَّزر باإلزار فلن يالحظني ٍ
هدوء فقال هلا يف ِّ
كل
أحدٌ .
فما أهنى كالم�ه حتَّى أتت عليهم يف البيت امرأ ٌة تق�ول :إنيِّ نذرت أن أعطي هذا
صالح ومعه ( )20روب َّيـ ًة.
ٍ القامش َّ
للشيخ
غزير؟
واسع وكرمه ٌ
ٌ فقال لزوجته :أمل أقل لك ألاَّ تستعجيل ،ففضل اهلل
ففرحت زوجته بذلك وشكرت اهلل تعاىل(.)1
* * *
السعي ٍ
رضب من َّ البيانوين -رمحه اهلل )2(-كان ينزع إىل
ُّ َّ
الش�يخ عيس�ى بن حسن
239
املنورة جريان رس�ول اهلل -صىل اهلل عليه وس�لم ،- اخلريي ،واالهتامم بفقراء املدينة َّ ِّ
ٍ الشيخ جيمع الـمـال من املسلمني َّ
كل عا ٍم ،ويرسله مع مجاعة من أمناء ِّ
احلج فقد كان َّ
املنورة ،وقد جعل ذلك ديدنه ،حتَّى أنَّه قبيل انتقاله إىل جوار لي�وزع عىل فقراء املدينة َّ َّ
بالرفيقلت�وزع عىل الفقراء وحل�ق َّ َّ أمان�ات مـجب َّي ٍة هلذه الغاية
ٍ ر ِّب�ه أعطى ما مع�ه من
كل هذا يضاف إىل تدريس�ه األخالق يف املدرس�ة اخلرسو َّية ،ودروسه العا َّمة األعىلُّ ،
يف املساجد.
أتم ٍ حج َّ
حجات ،وبعدما َّ البيانوين -رمحه اهلل -س�بع َّ
ُّ الش�يخ عيس�ى بن حس�ن َّ
«زح�ار» ف�أرسع رفاقه حجت�ه األخيرة ع�ام (1362ه�ـ) أصاب�ه ُ احل�ج يف َّ
ِّ مناس�ك
ٍ
باس�تدعاء ال َّطبيب ففحصه وأعطاه عالج ًا ،وكان�وا حينئذ عىل أهبة الت ُّ
َّوجه إىل املدينة
أخرت سريهم س�يول جارف ٌة ٌَّ الس� َّيارة مع رفاقه ،فأصاهبم عىل ال َّطريق املنورة ،فركب َّ َّ
ٍ
خدمة له ليلتين ،احتمل فيها الفقيد مش� َّق ًة عظيم ًة عىل ُرغم ما بذل�ه رفاقه الكرام من
واعتناء به ،جزاهم اهلل خري ًا. ٍ
ينحط جس�مه، ُّ املنورة ،أخذوه إىل املستش�فى ،ومل يزل ولـمـ�ا وصل�وا إىل املدينة َّ َّ
احلجة عاموتضع�ف ق�واه حتَّ�ى توفيِّ ليل�ة األحد بعد العش�اء لليلتين بقيتا م�ن ذي َّ
َّبوي الشرَّ يف ،وس�اروا به يف (1362ه�ـ) فش� َّيعوا جثامنه ،وصل�وا به يف املس�جد الن ِّ
حممد احلكيم أحد الشيخ َّ موكب عظي ٍم حتَّى وصلوا به البقيع املبارك ،فوقف األستاذ َّ ٍ
وعرف النَّ�اس قدره ،وواروه ترابه يف منتصف املس�افة بني احلج فأ َّبنه َّ
رفاق�ه يف س�فر ِّ
الش�هداء ريض اهلل َّبي -صىل اهلل عليه وس�لم -وقبور ُّ رضيح س� ِّيدنا إبراهيم ولد الن ِّ
عنهم(.)1
* * *
=كريمني .طلب العلم يف العارشة من عمره فنزل حلب ،والزم أخاه َّ
الشيخ محادة البيانوين -رمحه اهلل ،-
الش�يخ أمحد الش�هري باحلجار ح َّتى حفظ القرآن غيب ًا وأتقن التجويد ،كام تعلم
والزم قارئ حلب احلافظ َّ
التوحيد والفقه والنحو والرصف .تويف -رمحه اهلل -يف املدينة املنورة سنة (1362هـ) ودفن يف البقيع.
(« )1أمحد عز الدين البيانوين الداعية املريب» للدكتور عبد املجيد البيانوين (ص .)23
240
الزعماء املحبوبين يف
حمم�د صال�ح مجج�وم -رمح�ه اهلل )1(-م�ن ُّ كان َّ
الش�يخ َّ
ٍ
راغب في�ه ،وذلك بتقديم تطوع من تلقاء نفس�ه بتيسير العمل ِّ
ل�كل احلج�از ،فلق�د َّ
والش� َّبان ا َّلذي�ن تتط َّلب وظائفهم كفال ًة
للرجال ُّ كفالته َّ
الش�خص َّية للدَّ وائر احلكومية ِّ
مال َّي ًة لدى الدَّ وائر احلكوم َّية كأمناء اخلزانة واملس�تودعات وغريهم ممَّن يشترط تو ُّفر
الكفال�ة الـمـال َّي�ة يف قبوهلم للوظائف ،بل تعدَّ ت هذه الكفالة املس�جونني إلطالقهم
الس�جون ،وكذلك املس�افرين س�واء عرفهم أو مل يعرفهم ،وكان يوقع الكفاالت
من ُّ
كل منالش�ارع دون أن ينظر إليها أو يعرف أصحاهبا وأس�باهبا ،فكان ُّ وهو يسير يف َّ
امتعاض ،فلقد كان رج ً
ال كبري القلب يس�ع النَّاس ٍ يلج�أ إليه جيد طلبت�ه دون تر ُّد ٍد أو
مجيع� ًا بمح َّبته وعونه ولقد جنَّت عليه هذه ال َّطيبة فيام بعد إذ َّ
أخل هبا بعض املكفولني
حممد صالح مججوم بدفعه ،ومل يف مبل ٍغ ضخ ٍم يف ذلك الوقت ،وألزم املرحوم َّ
الش�يخ َّ
ولـمـا مل يكن قادر ًا عىل الدَّ فع ،فقد يك�ن ق�ادر ًا عىل ذلك فخيرِّ بني الدَّ فع أو ِّ
الس�جن َّ
ٍ ٍ
السجنخاصة بإدارة رشطة جدَّ ة ،ومل يلبث هذا ِّ تم يف غرفة َّ بالسجن ا َّلذي َّ
قبل راضي ًا ِّ
حممد
الش�يخ َّ كبري ،فقد تقاطر النَّاس صباح مس�اء لزيارة َّ ش�عبي ٍ
ٍّ مـجم ٍع
َّ حتول إىل
أن َّ
صال�ح يف غرفت�ه تلك معبرِّ ين عن تعاطفهم معه ،وحقدهم عىل َم ْن تس� َّبب له يف هذا
األذى ،وم�ا ه�ي إلاَّ أ َّيا ٌم قالئل َأ ِذ َن اهلل فيها بالفرج إذ أمر جاللة املغفور له امللك عبد
حممد صالح مكانه ذاك عائد ًا إىل منزله بني
الش�يخ َّ العزيز بإعفائه من الغرامة ،وغادر َّ
حممد صالح مكانه يف
الش�يخ َّ تكريم ِّ
كل النَّاس ومـح َّبتهم وابتهاجهم ،وهكذا عرف َّ
الشيخ حممد صالح عبد العزيز مججوم -رمحه اهلل -يف جدة سنة (1303هـ) .توىل إدارة مدارس ( )1ولد َّ
الش�يخ عبد الرءوف فكان وكي ً
ال هلا .كان معرو ًفا بالعطف عىل الفقراء واملس�اكني الفالح بعد وفاة أخيه َّ
ومس�اعدة املحتاجين .ت�ويف يف اهلند بعد أن ذهب إليها لالستش�فاء س�نة (1363ه�ـ)« .أعالم احلجاز»
ملحمد عيل املغريب.
241
القلوب ،ومل يكن هذا املكان باملجهول أو املنكور(.)1
* * *
الربزنج�ي -رمح�ه اهلل )2(-التَّواضع بني النَّاس ِّ زكي بن أمحد
الش�يخ ِّ ع�رف عن َّ
وح�ب عمل اخلير رغم املناصب ا َّلتي وص�ل هبا ،ولك َّن هذه هي صف�ات العلـمـاء ِّ
ٍ
أي مكان يفيش األف�ذاذ ف�كان -رمح�ه اهلل -طيلة َم ْش�يه من بيت�ه إىل املحكم�ة أو إىل ِّ
تدل عىل تواضعه ،فقد ُ�روى ُّ قص ٌة أخرى ت ْالسلام على النَّاس كبري ًا وصغري ًا ،وهناك َّ َّ
ِ
الس�ابق يف زمن احلواري واألح�واش اجلميلة وال ُب ُيوت كان�ت عادات أهل املدينة يف َّ
البس�يطة ،أن تقوم بعض النِّس�اء األرامل اللاَّ يت ال عائل هل َّن بعجن اخلبز يف منازهل َّن،
ووض�ع ذلك اخلبز على (طبل َّية) وهي عبار ٌة عن نوع من اخلش�ب يوضع عليه اخلبز،
الـمـ�ارة ،ويق�وم بإيصاهلا إىل َّ وتض�ع امل�رأة ال َّطبل َّية أم�ام املنزل ،حتَّ�ى يأخذها أحد
م�ر بأحد هذه املنازل، الس� ِّيد زكي بمكانته العالية إذا َّ ثم إعادهتا ،فكان َّ املخب�ز ،وم�ن َّ
ورأى اخلب�ز تو َّقف عنده ،ومحل ال َّطبل َّية عىل رأس�ه فوق العاممة ويذهب هبا إىل اخل َّباز
تس�مى (احلنَّانة) وهي َّ وإعادهتا إىل مكاهنا بعد خبزها ،وكانت توجد هد َّية من املخبز
الس� ِّيد زكي يأخذ هذه اهلد َّية قطع ٌة صغري ٌة من اخلبز تعطى حلامل هذه ال َّطبل َّية ،فكان َّ
بكل تواضع وا َّلت�ي هي من ح ِّقه ،ويأكلها وهو عائدٌ إىل املن�زل ا َّلذي أخذ منه ال َّطبل َّية ِّ
ٍ
مراءاة ،بل إنَّه يفعل ذلك ح ًّبا وتواضع ًا هلل تعاىل(.)3 دون تكبرُّ ٍ أو
* * *
الش�يخ زكي بن أمحد الربزنجي الش�افعي عام (1294هـ) باملدينة املنورة يف بيت علم وفضل. ( )2ولد َّ
فأخ�ذ العل�م عن والده ومش�ايخ املدينة يف املس�جد النبوي .تص�دى للتدريس يف املس�جد النبوي وتوىل
اإلمام�ة واخلطاب�ة في�ه وهو يف الس�ابعة عشرة من عمره .أس�ند إليه القض�اء يف الدولة العثامنية ورئاس�ة
املحكم�ة واس�تمر يف عمله ح َّتى بعد حكم امللك عبد العزيز .تويف س�نة (1365ه�ـ)« .أعالم من أرض
النبوة» ألنس كتبي.
242
تك�ررت زيارتنا مع بع�ض اإلخوة إىل فضيلة ق�ال مصطف�ى اخلن -رمحه اهلل َّ :-
الغالييني -رمح�ه اهلل )1(-يف «قطنا» ،ولكنِّي ال أنس�ى زيار ًة
ِّ �اين إبراهي�م
الر َّب ِّ َّ
الش�يخ َّ
الشيخ يف «قطنا» بعد صالة ال ُّظهراستمرت يوم ًا كامالً ،حيث وصلنا إىل منزل َّ َّ بعينها
أن ال َّطعام
فوضع�ت الـمـائ�دة ،وأكلن�ا مع مجيع احلارضين ،وم�ن املعروف واملعت�اد َّ
الشيخ من صالة ال ُّظهر يف املسجد ،ومن كراماته املتح ِّققة، كل يو ٍم بعد عودة َّ يوضع يف ِّ
ف ،فيكفي املوجودين مع أهل البيت ويزيد. أن ال َّطعام املوجود يقدَّ م من غري تك ُّل ٍ َّ
الشيخ ا َّلتي ال يرتكها أن يصطحب معه أرغف ًة من اخلبز يفتُّها للكالب ومن عادة َّ
املتأصل
ِّ وهو يف طريقه إىل املسجد ألداء صالة الفجر ،واجلميع من حم ِّبيه يعرفون كرمه
يف نفس�ه ،فهو ال ُيس�أل ش�يئ ًا إلاَّ أعطاه ،ولو ُطلب�ت منه عباءته أو ج َّبت�ه خلرج عنها،
اقتدا ًء برسول اهلل صىل اهلل عليه وسلم(.)2
* * *
(َّ )1
الش�يخ إبراهيم حممد خري الغالييني -رمحه اهلل -عامل ،عابد ،ناس�ك ومشهور ،له عند ال َّناس مكانة
مرموق�ة ،ويف نفوس�هم حمبة ومهابة .ش�يخ قض�اء وادي العجم ،وخطيب وإمام مدين�ة قطنا ،وهو املفتي
الرأي املس�موع ،والذكر ّ
الطيب ،والكرامات الكثرية .تويف -رمحه الورع ،والوجيه املحبوب ،وصاحب َّ
اهلل -سنة (1377هـ 1958 -م).
(« )2مصطفى سعيد اخلن العامل املريب وشيخ علم أصول الفقه يف بالد الشام» للدكتور حميي الدين ديب
مستو (ص.)26
243
الرمح�ن األفريقي -رمحه الش�يخ عبد املحس�ن الع َّباد يف ترمجة َّ
الش�يخ عب�د َّ ق�ال َّ
ولـمـا كان يوم عيد األضحى
حج عام (1367هـ)َّ ، اهلل :)1(-واف�ق أنَّن�ي خت َّلفت عن ِّ
أن كثري ًا م�ن ال ُّطالب ذهبوا
الش�يخ ،وواف�ق َّرأي�ت أن أتن�اول طع�ام الغداء يف منزل َّ
للح�ج ،فدخل�ت عليه وال َّطعام بني يدي�ه ،ومعه أوالده ،وعندما ألقيت َّ
السلام رفع ِّ
ٍ
تفكري :احلمد هلل ا َّلذي مل يرين اليوم ا َّلذي آكل فيه وحدي رأسه وقال من غري تأ ُّم ٍل أو
ومع أوالدي فقط.
ال لدار احلديث بعد أن آل أمر وج�اء يف نظام أعامل دار احلديث ا َّلت�ي وضعها دلي ً
نظارة مكتبتها وإدارة مدرستها إليه :ويف الفقرة (خ) وقع يف خارطة البناء ش َّق ٌة للنَّاظر،
الشيخ ٌ
متنازل عن س�كناها لتسكنها أرسة َّ أعلن من يومي هذا ،وأنا النَّاظر حال ًيا أنَّني
هلوي املؤسس ،وأطلب ممَّن تولىَّ النِّظارة بعدي من أبنائي وأحبايب أن يدعوا
ِّ أمحد الدَّ
سكناها للمذكورين مادام رشط النِّظارة ال ينطبق عليهم(.)2
* * *
الش�يخ صلاح الدِّ ي�ن الدَّ ق�اق -رمح�ه اهلل )3(-وف ًّي�ا ألصدقائ�ه يتف َّقده�م
كان َّ
ويزورهم ،ويسأل عنهم دوم ًا ،ويشاركهم يف أفراحهم وأتراحهم.
الشيخ صالح الدين بن حممد رضا الدقاق -رمحه اهلل -الشهري بالزعيم ،عامل ،مرشد ،جماهد ،صابر،(َّ )3
اشتهر جده بالزعيم؛ ألنَّه مع كونه تاجر ًا أسندت إليه بعض الوظائف الفخرية فلقب بالزعيم ،ولد َّ
الشيخ
صلاح -رمح�ه اهلل -يف بريوت س�نة (1300هـ) املوافق (1882م) ،قىض طفولت�ه بني طرابلس ومحاة،
ثم جاء إىل دمش�ق ،تطوع يف اجليش الرتكي خالل احلرب العاملية األوىل ،وش�ارك يف الدفاع عن سوريا يفَّ
دينيا يف دمشق .تويف سنة (1390هـ) املوافق (1971م) . ً
معركة ميسلون ،عمل مدرسا ًّ
244
الش�يخ وفي ًا ألصحابه وتالميذه وحس�ب ،بل كان ودود ًا للنَّاس ك ِّلهم،
ومل يكن َّ
بكل أش�كاله، والضعفاء يس�وق هلم العون ِّ كل ٍ
فرد بام يلزم ،فهو مع املس�اكني ُّ يعامل َّ
ال فقري ًا جير عرب ًة ثقيل ًة يف س�وق مدحت باش�ا ،ولقد عجز عنها ،فام كان
مر ًة رج ً
رأى َّ
كميه ،ودفع العربة معه عىل أعني النَّاس ك ِّلهم ،وكان يسعى مرار ًا منه إلاَّ أن َّ
شمر عن َّ
حي (سوق صاروجا) ،حيمل له ال َّطعام ويقيض حاجته(.)1 ٍ رجل ٍ
ٍ
فقري مقعد يف ِّ إىل
* * *
(« )1صفحات مرشقة من تاريخ أعالم األمة» لعبده عيل كوشك (ص.)708
الش�يخ حس�ن بن مرزوق حبنكة امليداين يف س�نة (1326هـ) يف حي امليدان يف دمش�ق ،حفظ ( )2ولد َّ
الق�رآن منذ صغ�ره ودرس العلوم الرشعية .عرف بالعبادة والزهد وح�ب العلم ونرشه والدعوة إىل اهلل.
كانت له جهود دعوية مشهورة .أنشأ معهد التوجيه اإلسالمي وأرشف عليه ،فعظم صيت املعهد ،وخترج
منه طالب كثريون .له مواقف مشهودة يف الصالبة باحلق ،واألمر باملعروف والنهي عن املنكر .تويف سنة
(1398هـ)« .الوالد الداعية َّ
الشيخ حسن حبنكة امليداين» بقلم عبد الرمحن حبنكة امليداين.
245
وأرسهم وعشائرهم وقبائلهمَّ ،
ألن اإلسالم يأمر بذلك.
الصلح ،ويكون هو املقدَّ م يف
للصلح ،ويدعو إىل عقد جمامع ُّ
فكان يس�عى بنفس�ه ُّ
ٍ
صلح أجاب. هذه املجامع ،وإذا ُدعي إىل جممع
ف�ض املنازع�ات ،وإطف�اء نريان الفتن�ة بني النَّ�اس ،ور َّبام تصنَّع وكان حكي ً
ما يف ِّ
الغض�ب ،وتظاه�ر برغبته يف االنس�حاب من املجلس ،ورفع يده م�ن األمر ،إذا رأى
ذلك وس�يل ًة مجُ ْدي ًة ونافع ًة يف هتدئة الفتنةَّ ،
ثم جتده أقدر اجلمع عىل أن يس�كت غضبه
للصلح. بحز ٍم ،متى رأى َّ
أن القوم هدءوا واستجابوا لرغبته ،والنوا ُّ
ٍ
صلح وق�د حدَّ ثن�ي عد ٌد م�ن إخواننا ،منهم َّ
الش�يخ حسين خطاب ،ع�ن جممع
حضره بين أرستني ُكبرْ يين ،ومل أحرضه أن�ا معه؛ ألنَّه ج�رى يف دمش�ق ،وأنا أعمل
فض نزا ٍع
والصل�ح من أجل ِّ أس�تاذ ًا بجامع�ة أ ِّم القرى يف اململكة العرب َّية ُّ
الس�عود َّيةُّ ،
قديم مضت بين األرستين ،على دم ٍ
قتيل م�ن إحدامها قاتله م�ن األخرى ،وه�و د ٌم ٌ
ٍ
صلح ما ٍّيل يدفع عليه س�نون ،وكان القاتل غائب ًا عن البلد ،وقد اتَّفقت األرستان عىل
ألولياء القتيل.
الصلح ثارت رغبة ال َّثأر يف نفس بعض أولياء القتيل ،وأقبل غاضب ًا
وضمن جممع ُّ
وتأزم املوقف ،وكان شاهر ًا مسدَّ سه ،يريد قتل القاتل أو أحد أقاربه يف جملس ُّ
الصلحَّ ،
املدعوون إىل خوان ال َّطعام.
ُّ ذلك حينام جلس
فل�م جي�د الوالد اإلمام عليه رمحة اهلل وس�يل ًة أنجع من أن ينفج�ر متغاضب ًا غضب ًا
هز ب�ه قلوهبم ،وألقى بذلك عليهم هيب ًة س�كَّنت
ش�ديد ًا ،ويصيح يف النَّ�اس صياح ًا َّ
ثورة طالبي ال َّث�أر ،فجعل أهلهم وأقارهبم وأصدقاءهم هيدِّ ئوهنمِّ ،
وخيوفون من نقمة
تم عليه
ترصفهم املخالف لـمـا كان قد َّ النَّاس عليهم بسبب غضب َّ
الشيخ حسن من ُّ
االتَّفاق.
246
ٍ
يومئذ :هل جئتم بلحانا إلهانتنا؟ ورضب خوان ال َّطعام بيده، وقال الوالد اإلمام
للصلح وعقده بعد االتفاق
وقال للجمع :قوموا يا ناس ،نحن ما جئنا لنأكل ،تدعوننا ُّ
ثم تنقضون ،هذه إهان ٌة لنا.
عليهَّ ،
ٍ
عندئذ أخ�ذت أرسة طالب ال َّثأر ترتضىَّ وهنض فنهض القوم مجيع ًا اس�تجاب ًة له،
الوالد اإلمام ،وتق ِّبل يديه ورأسه؛ ألنَّه لو خرج لكان ذلك عار ًا عليهم ،وسب ًة الصق ًة،
الشيخ حسني خطاب ا َّلذي أخذ
وثار عقالؤهم عىل ثائرهم ،وسكَّنوه ،وعىل رأسهم َّ
للش�يخ معت�ذر ًا فق َّبل يده ،وجلس بني يدي�ه راضي ًا باملصاحلة ،وصار
ثم قدَّ موه َّ
بيدهَّ ،
الوالد اإلمام يعظه وينصحه.
الصلح ،وانتهت املش�كلة ،وصار النَّ�اس يتحدَّ ثون يف املجالس هبذا املوقف
وتم ُّ
َّ
القوي احلازم ا َّلذي وقفه َّ
الشيخ حسن رمحه اهلل وأجزل مثوبته ،وعفا عنه(.)1 ِّ
* * *
ٍ
جنازة صىل عليها باملس�جد الش�يخ أمح�د التكينة -رمح�ه اهلل )2(-يتت َّب�ع َّ
كل كان َّ
َّبوي ،ويسري معها إىل بقيع الغرقد ،ويدعو هلا.
الن ِّ
الرغم م�ن أنَّه مل يكن يملك ش�يئ ًا ،إلاَّ أنَّه كان كريم
الس�جايا ،وعىل ُّ
وكان كري�م َّ
الي�د بالبذل ،ومما ذكر أنَّه قصده أحد جماوري املدينة من املغرب ،فتقدَّ م إليه ،وأنش�ده
هذين البيتني:
( )2ولد أمحد ال ُّتكينة يف املس�لمية بالس�ودان سنة (1328هـ) .هاجر إىل املدينة املنورة سنة (1349هـ).
متضلعا
ً سكن يف غرفة يف رباط عثامن وكان مالزم ًا له ال خيرج منه وال تفوته صالة يف املسجد النبوي .كان
بعلوم شتى ال سيام علم الفرائض .تويف سنة (1398هـ)« .تتمة األعالم للزركيل» ملحمد خري رمضان.
247
بعط�ر اجل�ود ه�ل باق�ي لديك�م؟ ك���ل ق��ل� ٍ
�ب َّ أف����دين ي���ا م��ع��ط��ر
وقيمته ال���دُّ ع���اء م �نِّ��ي إليكم مه������ا أو درمه�ي�ن
وزدين در ً
ٍ
وعاممة له، ٍ
ث�وب فض� ًة س�عود َّي ًة ،كان حيتفظ هبا لشراء ٍ
ري�االت َّ فمنح�ه عشرة
وعندما قدَّ مها للقاصد قال له( :هذه قيمة الدِّ رمهني) فأخذها وهو يدعو له.
ٌ
رج�ل فقد عاممته ،وطل�ب منه عامم ًة ،فخلع عاممت�ه وأعطاها له وج�اء إليه يو ًما
ثم س�كت وقت ًا ،وبع�د أن قدَّ م العامم�ة التفت إىل طالبه
الصفراءَّ ،
وبق�ي على طاقيته َّ
قائالً:
إنيِّ أدخ��ره��ا يف احلساب وقايتي ال تعجب�ون إذا منح�ت عاممت�ي
بث�واب ربيِّ عن�د ق�رب هنايت�ي وبجنَّ�ة الف�ردوس أج�زى غريه�ا
()1
أن تنهجو هنجي فتلكمو وصايتي وأرى من الـفضل العـميم تـجار ًة
* * *
املحمد املطلق -رمحه اهلل :)2(-كان
َّ عيل قال األس�تاذ صالح العمري عن َّ
الش�يخ ٍّ
منزله منذ أن كانت أحواله الـمـاد َّية متوس�طة مرت�اد ًا لطلبة العلم والغرباء َّ
والضعفة
ٍ
واملس�اكني ،ال يس�تأثر بيشء م�ن ط ِّيب ال َّطعام دوهن�مَّ ،
ولـمـا وس�ع اهلل عليه ورزقه
ص�ار يف بيته أمكن� ًة للغرباء ،وكنت أجد عنده ك َّلام زرت منزل�ه العرشات من الفقراء
يقرهب�م ويتواضع هل�م ويعطيهم ،ويبق�ى بعضهم عنده
واملس�اكني واملعوزي�ن ،وكان ِّ
248
خيصص
والس�نتني ،وقد ِّ األ َّي�ام ال َّطويل�ة بل األش�هر ،ور َّبام بقي عنده بعضهم َّ
الس�نة َّ
واستمر عىل ذلك حتَّى توفيِّ -رمحه اهلل .-
َّ لبعضهم املرتَّبات َّ
الشهر َّية،
ات يف اليوم وال َّليلة يف حضوره وغيابه ،وإذا س�افر منول�ه مائد ٌة تق�دَّ م ثالث مر ٍ
َّ
والشام ومكَّة ومرص يصحب معه بعض هؤالء الفقراء ،ومل أرى يف بلد إىل ٍ
بلد كاملدينة َّ ٍ
خواصه:
ِّ مر ًة أحد
زمننا مثله يف التَّواضع للفقراء واملس�اكني والعطف عليهم ،قال له َّ
إنَّك تدعو بعض الكرباء فلـمـاذا ال تضع طعام ًا وسفر ًة َّ
خاصة هلؤالء الفقراء؟ فقال:
إن هذه عاد ٌة ال يمكن أن نغيرِّ ها ،وعىل ا َّلذي ال يرغب األكل معهم عدم إجابة دعوتنا.
َّ
الس�كَّر :يا وال�دي أال نضع لك طعام ًا ًّ
خاصا وق�ال له أحد أبنائه عندما زاد عليه ُّ
بني ال يمكن أن أنفرد خال من النَّش�و َّيات ا َّلتي ال تتالءم مع مرض ُّ
الس�كر؟ فقال :يا َّ
أن يف طعام�ي ميز ًة عن ا َّلذي
خاص عن هؤالء ،فتنكسر خواطرهم ،ويظنُّوا َّ
ٍّ بطع�ا ٍم
يأكلون.
وكان جواد ًا كري ًام يعطي من الـمـال ما ال يتصوره إلاَّ من جيالسه فال يميض ساعة
هنار هو فيها جالس إلاَّ ويأتيه من يسأله فيعطيه عىل قدر حاله ،وكان يعطي ليل أو ٍ
من ٍ
بعض املستح ِّقني عرشات األلوف من ِّ
الرياالت.
الش�يخ عيل مر ًة ٌ
رجل معه ش�يك ،فقال يل :هذه وديع ٌة أعطانيها َّ ولق�د دخل عيل َّ
الش�يك ،فإذا به حوال ٌةاملطل�ق ،ال أدري م�ا فيها ،ومل أطلع عليها أحد ًا غريك ،فقرأت ِّ
الرجل كاد أن يغمى عليه من الفرح؛ ٍ
بامئة ألف ريال عىل أحد البنوك ،ولـمـا أخربت َّ
يتصور ما يف هذه الورقة ،وقال :إنِّني ذكرت له أنَّني قد اشرتيت بيت ًا
َّ ألنَّه مل يصدِّ ق ومل
فأعطاين هذه الورقة ،ومل أعلم ما فيها حتَّى أخربتني(.)1
* * *
249
اخلريصي -رمحه اهلل )1(-يف بداي�ات عمله بالقضاء
ِّ كان َّ
الش�يخ صال�ح بن أمحد
حني يستلم راتبه ،يشرتي بمعظمه أطعم ًة ِّ
يوزعها عىل املحتاجني من جريانه(.)2
* * *
زار ال ِّلواء حممود شيت خطاب -رمحه اهلل )3(-القاهرة بصحبة رئيس اجلمهور َّية
يتوسط
السالم عارف ،وهناك يف القاهرة طلب من املشري عارف أن َّالعراق َّية املشري عبد َّ
ٍ
نارص بحضور عارف مع
ٌ لدى صديقه عبد النَّارص لإلفراج عن س� ِّيد قطب ،وحتدَّ ث
نارص عىل اإلفراج عن س� ِّيد ،وعنده�ا طلب خ َّطاب من عبد النَّارص
خ َّطاب ،ووافق ٌ
الش�يخ صال�ح ب�ن أمحد اخلرييص يف بريدة س�نة (1328ه�ـ) ،ومات وال�ده يف طفولته فكفله ( )1ول�د َّ
الطالب .وقدإخوان�ه ،وق�رأ عىل علـمـاء بل�ده ،وقد ويل القضاء يف بلده ويف الدمل فكان جيل�س لتدريس ّ
كان -رمحه اهلل -زاهد ًا ورع ًا كثري البكاء من خشية اهلل ،وكان يقيض حوائج الناس ،ويعطف عىل الفقراء
واملساكني .تويف سنة (1415هـ)« .علـمـاء نجد».
250
الرئيس ،فسمح بذلك ،وجاءت س َّيارة
أن يسمح له بزيارة س ِّيد يف سجنه ليبشرِّ ه بقرار َّ
م�ن القرص محلت خ َّطاب إىل س�جن س� ِّيد ،وفرح س� ِّيد بلقاء خ َّطاب ،و َّ
محله سلامه
إىل املشير عارف ،فقال ل�ه خ َّطاب :أبشرِّ ك باإلفراج عنك قريب ًا جدًّ ا ،تس�اءل س� ِّيد:
السلام عارف ا َّلذي يك ُّن له ح ًّبا فقص عليه خ َّطاب َّ
قصة وس�اطة املشري عبد َّ كيف؟ َّ
ومو َّدةًوتقدير ًا وإعجاب ًا بجهاده ،وفكرهَّ ،
وقوة إيامنه وصموده يف وجه األعاصري.
الرئيس وانته�ى األمر؟ فس�أل س� ِّيد -وق�د علت وجه�ه كآب ٌة :-يعن�ي ك َّلمت�م َّ
ٍ
حزن :ساحمكم اهلل ،لو أنَّكم ٍ
برسور :نعم -واحلمد هلل ،-قال س� ِّيد يف أجاب خ َّطاب
ٍ
ش�اورمتوين ،قال خ َّطاب يف دهش�ة :وهل كان سيكون لك ٌ
رأي آخر؟ قال س ِّيد :نعم،
لو ش�اورمتوين لرفضت الوساطة ،ولـمـا خرجت هبذه الصورة ،قال خ َّطاب يف ٍ
حزن ُّ
الرسول القائد صىل اهلل عليه وسلم قال مع ِّلق ًا
وسهو ٍم :ولكنَّها كريم ٌة ،إخراج كري ٍمَّ ،
الس�جن حتَّى يسأل امللك النِّس�وة اللاَّ يت ق َّطعن أيدهي َّن:
عىل إباء يوس�ف اخلروج من ِّ
السجن». «رحم اهلل أخي يوسف ،لو خيرِّ ت مكانه الخرتت اخلروج عىل املكث يف ِّ
الس�يف ال َع َزل ،وش�كر اهلل لكم مس�عاكم النَّبيل، ٍ
قال س� ِّيد :عىل أي حال س�بق َّ
السالم عارف
ون َّيتكم احلسنة يف اإلفراج عن أخيكم ،وأطيب حت َّيايت لكم ولألخ عبد َّ
الصالح.
الرجل َّ
َّ
وتابع ال ِّلواء خطاب حديثه فقال:
السلام عارف،
يف الع�ام نفس�ه (1964م) زرت باكس�تان بصحب�ة املشير عبد َّ
امل�ودودي ،فأبدى امتعاضه وأس�فه
ِّ وهن�اك حدَّ ثت�ه ع�ن اعتقال األس�تاذ أيب األعلى
اإلسلامي وقال :س�وف أك ِّلم أ ُّي�وب خان -رئيس
ِّ لتصرف احل�كام مع قادة الفكر
ُّ
اجلمهورية -بشأنه.
251
قال خ َّطاب :وتذكَّرت عتاب س� ِّيد قطب ألنَّنا مل نش�اوره قبل الت ُّ
َّوس�ط لدى عبد
النَّارص لإلفراج عنه فقلت :ال تك ِّلمه -أ ُّيوب خان -قبل أن أزور األستاذ يف سجنه،
وأرى رأيه يف ذلك.
امل�ودودي،
ِّ وعندم�ا التقين�ا م�ع اجلنرال أ ُّي�وب خان اس�تأذنته يف زيارة األس�تاذ
وإنس�ان مفك ٌِّر ٌ
عاقل ،ولكنَّه يكرهني ٌ كبري،
املودودي عامل ٌ ٌ
ُّ فأذن بذلك وقال :األس�تاذ
الرئي�س ،-وك َّلام أصدرت قانون ًا ،أو
الرئيس -يا س�يادة َّ
لـمـ�اذا؟ ال أدري ،فأنا هنا َّ
ثم
املودودي إىل تفنيده والتَّنديد بهَّ ،
ُّ خَّاتذت قرار ًا ،أو رس�مت مرس�وم ًا بادر األس�تاذ
التف�ت إ َّيل وق�ال :زره -يا حضرة األخ خ َّطاب -وافهم منه م�اذا يريد حتَّى نتفاهم
ونتعاون.
قلت أل ُّيوب خان :يريد اإلسالم حاك ًام لباكستان ،فباكستان ما انفصلت عن اهلند
الباكستاين إسالم ًّيا.
ُّ إلاَّ من أجل اإلسالم ،وأن حيكم اإلسالم ،ويكون الدُّ ستور
عيل.
وحيرض عىل االنقالب َّ
يتعجل األمورِّ ،
قال أ ُّيوب خان :ونحن معه ،ولكنَّه َّ
امل�ودودي يف س�جنه ،ففرح بلقائ�ي ،واختلطت مش�اعر الفرح
َّ وزرت األس�تاذ
السجن،
واحلزن بلقائه ،فرحت بلقاء هذا العامل املجاهد العظيم ،وحزنت أن يكون يف ِّ
السلطة ،خي ِّطط لباكستان املسلمة وين ِّظر.
قمة ُّ
وليس يف َّ
وبعد تبادل التَّحيات ،وس�ؤاله عن أحوالنا ،وسؤايل عن أحواله وأحوال مجاعته،
السلام عارف حي ُّبك ،وحيرتمك،
وأحوال املس�لمني يف باكس�تان قلت له :املشري عبد َّ
ويقرأ كتبك ،ويتأ َّثر هبا جدًّ ا ،وهو يعدُّ نفسه من تالميذك ،ويريد أن خيدمك ،ويسعى
املودودي :هل ك َّلم أ ُّيوب خان بش�أين؟ أجبت :ليس بعد،
ُّ لإلف�راج عنك ،فقاطعن�ي
ٍ
بحرارة يكاد شواظها يلفحني :احلمد هلل ،قلت :عىل ماذا حتمد فتن َّفس َّ
الصعداء وقال
252
الس�جن،
توس�ط لدى أ ُّيوب خان لرفضت الوس�اطة ،وما خرجت من ِّ
اهلل؟ قال :لو َّ
فاحلمد هلل أنَّكم مل تك ِّلموا ذلك ال َّطاغية بشأين.
قلت :ولكن األستاذ س ِّيد قطب قبل وساطة األخ املشري ،قال :أظنُّكم أحرجتموه
حيي ،أ َّما أنا فام كنت ألقبلها ،حتَّى فقبل هذه الوس�اطة الكريمة ،األستاذ س� ِّيد ٌ
رجل ٌّ
لو أحرجتم.
السالم(.)1 حمم ً
ال بدعواته ،وحت َّياته لألخ عبد َّ ثم و َّدعته َّ
َّ
* * *
الشيخ حممد رشيد قباين مفتي لبنان يف حفل توزيع اجلوائز ا َّلتي ت َّ
ربع هبا َّ قال َّ
الشيخ َّ
ربع ًا يف تدريسه بكل َّية رمزي دمشقية -رمحه اهلل )2(-لل َّطلبة ِّ
املتفوقني يف الكل َّية :كان مت ِّ
لس�نوات عدَّ ٍة ،مل يكن يقبل أن يتقاىض قرش� ًا واحد ًا ،وحيتسب ذلك عند اهلل ٍ الشرَّ يعة
املخصص مهام كان قليالً ،وإن
َّ سبحانه وتعاىل ،وكنت قد أرصرت عليه أن يأخذ هذا
فليوزعه عىل بعض الفقراء وبع�ض املحتاجني ،فقال يل« :أريد أن
ِّ مل يرد َأ ْخذه لنفس�ه
املتفوقني من طلبة الكل َّية» (.)3
أوزعه عىل ِّ
ِّ
* * *
(« )1زهرة البساتني من مواقف العلـمـاء الربانيني» للدكتور سيد بن حسني العفاين (.)10/4
الشيخ رمزي سعد الدين دمشقية عام (1958م) يف بريوت .وتلقى العلوم الرشعية عىل يد مجع ( )2ولد َّ
ودرس يف جامعة بريوت اإلسلامية .أس�س دار البش�ائر اإلسالمية عام (1983م)من علـمـاء بريوتّ .
الش�يخ رمزي دمشقية»ونرش فيها مئات املطبوعات .تويف هو قائم يصيل عام (2002م)« .رحيانة بريوت َّ
إعداد :أرسة دار البشائر اإلسالمية.
253
حممد يف أس�تاذه الش�يخ أمحد ياسين -رمحه اهلل :)1 (-كنت
قال الدكتور عبد اهلل َّ
الزمالء وقد كان جملس�ه ممتلئ ًا ُّ
بالضيوف كالعادة يطرقون أزوره يف بيته يوم ًا مع بعض ُّ
اخلاصة والعا َّم�ة أو للفصل بينهم فيام
َّ ٍ
باس�تمرار لزيارته أو استش�ارته يف أمورهم بابه
متأخ ٍ
رة من ال َّليل ،وقد بدا عىل واس�تمرت اجللسة إىل س�اعة ِّ اختلفوا فيه من مس�ائل،
َّ
َّ
الشيخ التَّعب واإلرهاق ،فهو يستقبل النَّاس من بعد صالة الفجر إىل ما بعد منتصف
ال َّليل أحيانا ،وإذا بالباب يطرق بش�دَّ ة ويدخل بعض األشخاص يستنجدون َّ
بالشيخ
ٍ
عاجلة ،وليس هلم إلاَّ َّ
الشيخ حاجة إىل عمل َّي ٍة جراح َّي ٍة
ٍ أن قريب ًا هلم يف
أن يساعدهم إذ َّ
املختص املوجود يف مدينة خان يونس .ويس�تأذن َّ
الش�يخ من ِّ ليتوس�ط ل�دى ال َّطبيب
َّ
احلض�ور ويذهب معه�م ليطمئنهم ويواس�يهم .وكان بإمكانه أن يرس�ل معهم ورقة
254
ٍ
توصية لل َّط ِ
بيب أو أن يدعو هلم ويرتكهم يذهبون وحدهم ،وهو املريض املتعب ا َّلذي
الس َّيارة أو النُّزول منها(.)1
للركوب يف َّ
حيمله أصحابه ُّ
* * *
القصة زوجته :اتَّصل
الغفاري :يقول أحد القضاة وتؤكد هذه َّ
ُّ قال َّ
الشيخ عبد اهلل
عوي -رمحه اهلل )2(-زوجة أحد العاملني باململكة العرب َّية
الس ِّ
عيل َّ
حممد بن ٍّ عىل َّ
الشيخ َّ
الشيخ ٌ
مس�جون يف مدينة كذا .فاتَّصل َّ الس�عود َّية وهي من مرص ،وقالتَّ :
إن زوجها ُّ
إن عليه مبلغ ًا من الـمـال
السجن فقالَّ :
ثم زار أحد املسئولني يف ِّ
السجنَّ ،
وذهب إىل ِّ
ثم جاء به إىل يقدر بخمسين ألف ٍ
ريال ،فكفله َّ
الش�يخ ثم ،..وسعى يف تس�ديد دينهَّ ،
ثم جلس وإ َّي�اه عىل الغداء ،تقول زوجة َّ
الش�يخ :بعد أن تن�اول وجبة الغداء منزل�هَّ ،
الرجل يف مرص وقال :هذا والدكم يريد أن يك ِّلمكم ،فس�معنا رصاخ
اتَّصل عىل أهل َّ
الزوج�ة واألوالد ،وزوجت�ه فرح� ٌة بزوجه�ا ،وكان ابن له قد أصابه ٌ
ش�لل يف رجله، َّ
ٍ
بيشء ،ودعوا َّ
للشيخ(.)3 ففرح باخلرب وقام يركض إىل اهلاتف فرح ًا وكأنَّه مل يصب
* * *
الش�يخ حمم�د ب�ن عيل الس�عوي يف بريدة س�نة (1373/7/1هـ) م�ن عائلة عرف�ت بالتدين ( )2ول�د َّ
وأخرج�ت ع�دد ًا من طلاب العل�م ،والتح�ق باملدرس�ة االبتدائي�ة ،ولـمـا خت�رج منها التح�ق باملعهد
ثم التح�ق بكلية الرشيعة بالري�اض وخترج منها يف العلم�ي بربي�دة وخترج من�ه يف (1392/11/5هـ)َّ ،
(1396/7/7ه�ـ) ،ويف (1396/9/7ه�ـ) معيد ًا يف كلية الرشيعة .وتوىل اإلم�ام واخلطابة يف عدد من
مساجد بريدة تويف سنة (1425/4/2هـ) رشيط «وترجل الفارس».
255
أحس املحس�ن عبد اهلل عيل املطوع -رمحه اهلل )1(-بآالم الفقراء واملحتاجني
لقد َّ
اإلسلامي ،فكان يلتق�ي يوم ًّيا يف مكتبه بالكويت أع�داد ًا كبري ًة منهم
ِّ يف أنح�اء العامل
بش�خصه املعط�اء أوالً ،وبصفته رئيس� ًا لرشكة عيل عبد َّ
الوه�اب وأوالده ورشكائهم
خصص السائل والفقري قام بدراسة أوراقه ا َّلتي حيملهاَّ ،
ثم َّ َّ
اطمأن إىل صدق َّ ثاني ًا .فإذا
اخلريي،
ِّ الش�خصية ،أو احتياجات مرشوعه له مبلغ ًا من الـمـال يتناس�ب مع حاجته َّ
ٍ
حانية. أبو ٍة
وإىل جانب ذلك يوجه له النَّصائح يف َّ
هبذه البس�اطة كان يتعامل -رمحه اهلل -مع ذوي احلاجات ،ويس�عد برؤية املحتاج؛
ألنَّ�ه يرف�ع عن كاهله عبئ ًا سيس�أله اهلل عنه يوم القيامة ،وكثري ًا م�ا كان ير ِّدد ي -رمحه اهلل
حق فيها ،أمرنا اهلل س�بحانه
-مقول�ة :هذه ليس�ت أموالنا فقط ،ب�ل للفقراء واملحتاجني ٌّ
الصدقة ا َّلتي نخرجها وهو ٌّ
حق علينا ،وذلك وتعاىل أن نعطيه هلم ،والربكة واخلري تأيت من َّ
مصداق ًا لقول اهلل تعاىل :ﱫ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﱪ [الذاريات.]19 :
( )1ولد املحس�ن عبد اهلل عيل العبد الوهاب املطوع -رمحه اهلل -يف الكويت س�نة (1926م) .نش�أ يف
أرسة كريم�ة صاحل�ة حمب�ة للخري .التحق ببع�ض كتاتيب الكويت ،ومدارس�ها النظامي�ة .عمل يف احلقل
الدع�وي ح َّت�ى صار من كبار دعاة العامل اإلسلامي ،وترأس العديد من اهليئ�ات ،ومنها مجعية اإلصالح
االجتامعي يف الكويت .كان له نش�اط جتاري واس�ع ،وظف كثري ًا من أمواله يف أعامل خريية عظيمة .تويف
سنة (2006م) .
256
وهناك الكثري من َّ
الش�هادات احل َّية عىل إحس�انه -رمحه اهلل -نكتفي بأنموذجني
منها فيام ييل:
أن أحد الفقراء أحرض طلب ًا للمساعدة قبل
يروي مدير مكتبه األستاذ أمحد راجح َّ
العم مل
أن َّالرجل َّ
الس�فر مبارشة ،وقد أفهمت َّ
العم إىل مكتبه بعد وصوله من َّ
حضور ِّ
الرجل
فتفهم َّ حيرض املكتب بعد ،وهذا َّأول يوم ٍ
عمل له وطلبت منه احلضور يف الغدَّ ،
منرصف أس�فل مبنى الشرَّ كة ،فسأله
ٌ العم وهو
ذلك املوقف ،ويش�اء اهلل تعاىل أن يراه ُّ
وقرر
العم معه إىل مكتبه َّ
الرجل ،فأحرضه ُّ
-رمحه اهلل -كعادته عن حاجته ،ورشح له َّ
له مبلغ املساعدة.
الشيخ الدَّ اعية أمحد الق َّطان عن ِّ
العم أيب بدر -رمحه اهلل ،- وهذه شهاد ٌة أخرى من َّ
حديث عن بعض املآيس والنَّكبات والكوارث ٌ ٍ
جملس دار فيه فيقول فيها :كنت معه يف
ا َّلت�ي ح َّلت ببعض املس�لمني ،فتأ َّث�ر وأصدر قرار ًا مبارش ًا بوق�ف جمموعة عامرات يف
س�بيل اهلل خلدمة هؤالء ،وعندما ذهبت أصليِّ ال ُّظهر يف املس�جد قال يل :اجلس معي
يا ش�يخ أمحد حتَّى تش�هد أنَّني أوقفت هذه العامرات ،وهي أكرب ٍ
ثروة عندي يف البلد
تق�دَّ ر باملاليني لألرمل�ة واليتيم والفقير يف أرض الكويت وغريها م�ن أرايض األ َّمة
السعود َّية العرب َّية ،ورأيته أيض ًا عن ٍ
قرب حييط به الفقراء واملساكني يف اململكة العرب َّية ُّ
الكريس يف باحة املسجد يف (أهبا) القريب من بيته ٍ
صالة ،فيجلس عىل الشقيقة يف ِّ
كل َّ
ِّ
فتج�د هذا يقدِّ م عريض ًة ،وهذا يقدِّ م مرشوع ًا لأليت�ام ،وذلك يقدِّ م مرشوع ًا لتحفيظ
القرآن يف اليمن أو مرص أو سوريا أو لبنان ،يتلقاهم بالترِّ حاب واالبتسام ،رأيته أرحي ًّيا
يف خروج�ه معن�ا هناك يف غاب�ات أهبا ،يبذل للنَّاس م�ن الـمـال ما يس�دُّ العوز ،أينام
يتحرك النَّاس خلفه -رمحه اهلل .-
يتحرك َّ
َّ
* * *
257
الش�ايع :أصيب املم ِّثل يونس ش�لبي -رمحه اهلل -
حمم�د بن عبد اهلل َّ قال َّ
الش�يخ َّ
للسعود َّية للعالج ،وكان من أوائل من استقبله ٍ ٍ
بمرض عضال مل يمهله طويالً ،وجاء ُّ
رحب ب�ه ودعاه وأكرمه، الوهيبي -رمح�ه اهلل )1(-ا َّلذي َّ
ِّ الش�يخ عبد العزي�ز فضيل�ة َّ
ويعزي�ه ،وحي ُّثه على التَّوبة واإلنابة ،وع�دم اليأس والقن�وط من رمحة
وص�ار يصِّب�رِّ ه ِّ
الش�يخ عىل زيارة مكَّة واملدينة واالس�تطعام من زم�زم مكَّة وعجوة املدينةاهلل ،وح َّثه َّ
أحب يونس
الش�يخ ،لقد َّ َّضرع والدُّ ع�اء إىل اهلل .وس�بحان اهلل تأ َّثر املم ِّثل بكالم َّوالت ُّ
ٍ
عديدةَّ ،
والشيخ مل يفرت عن تصبريه كل يو ٍم مر ٍ
ات الشيخ ح ًّبا عمي ًقا فصار يتَّصل به يف ِّ
َّ
َّ
وتثبيته ودعوته حتَّى توفيِّ .
الشيخ له مواقف كبري ٌة وعظيم ٌة ومشهود ٌة يف رمحة النَّاس والوقوف عىل حاجتهم َّ
ليلة َّ
فرن اهلاتف عليه ،فقال والشيخ يف بيتي ذات ٍ وشئوهنم ،وأذكر لذلك أمثل ًة :كنت أنا َّ
رجل بعض املخالفات بأسلوب ٍ
رقيق ٍ الشباب أنكروا عىل املتَّصل :يا شيخ! ثالث ٌة من َّ
الش�يخ عب�د العزي�ز الوهيبي -رمحه اهلل -من مواليد «القرين» بمحافظة ش�قراء ،وخترج من قس�م (َّ )1
أصول الفقه بكلية الرشيعة بالرياض ،وعمل يف حقل التدريس ،والتحق بالعمل يف هيئة األمر باملعروف
ثم انتدب للعمل «حمتس�با» وكان له دوره الب�ارز يف األمر باملعروف والنهي عن املنكرَّ ،
ً والنهي عن املنكر
ومستش�ارا دعو ًّيا بوزارة
ً يف وزارة الش�ئون اإلسلامية يف مركز الدعوة بالرياض ،وانتدب للعمل داعية
الش�ئون اإلسلامية .تويف وهو وزوجته وبعض بناته يف حادث س�يارة خارج مدينة الرياض بعد حمارضة
خارجها سنة (1430هـ).
258
الرجل مل يرتض النُّصح ،فرف�ع دعوى عليهم ،واآلن هم يف التَّوقيف. لِّي�نِّ ٍ ،لكن هذا َّ
الشيخ وقال :إن شاء اهلل ما يصبحوا إلاَّ يف بيوهتم وبني أ َّمهاهتم .قلت
واهلل تغري وجه َّ
يا شيخ :ال تستعجل حتَّى تعرف ماذا حصل من أولئك َّ
الشباب ،فغضب وقال :حتَّى
حممد!! املهم ترك َّ
الش�يخ رغباته ومش�تهياته وصار جيري حممد حتَّى أن�ت يا َّ
أن�ت ي�ا َّ
ٍ
حلظات يتَّصل أولئك َّ
الش�باب اتصاالته وعالقاته حتَّى خ َّلصهم من التَّوقيف ،وبعد
بالشيخ يبكون ويدعون. َّ
ويف ٍ
ليلة من ال َّليايل دعاين َّ
الشيخ لبيته ،ويا سبحان اهلل وجدت عنده الفقراء ،وقد
أقام هلم مناس�ب ًة كبريةً ،فقلت له :يا ش�يخ ما هذا؟ قال :هذا واحدٌ من اإلخوة س�نز ُّفه
ال َّليلة لزوجته(.)1
* * *
تأخر عن تسديده، العيل -رمحه اهلل -يطلب إنسان ًا دين ًا قد َّ عيل بن ٍ
مقبل ُّ كان َّ
الشيخ ُّ
وكان للمدي�ن اب�ن خارج بريدة ،فأرس�ل ابنه له بمبلغٍ ،ومن التَّقادير َّ
أن َّ
الش�يخ عل ًّيا
عيل أن يذهب قابل املدين يف اليوم ا َّلذي وصل إليه املبلغ من ابنه ،فطلب منه َّ
الش�يخ ٌّ
الرجل أنَّه قد علم باملبلغ ،وأنَّه يريد أن يطالبه بدفع ما وصله من
مع�ه إىل منزل�ه ،فظ َّن َّ
عيل مل يشعر بذلك ،فقدَّ م له الرجل خائف ًا َّ
والش�يخ ٌّ ابنه ،ولـمـا دخل معه للمنزل َّ
ظل َّ
ثم ناوله َّ
الشيخ بعض النُّقود ،وقال له :إنَّام عيل طعام ًا ط ِّيب ًا ،فأكل منه َّ
الرجلَّ ، َّ
الش�يخ ٌّ
الرجل من شدَّ ة الفرح،
دعوتك ألخربك أنَّني قد شطبت دينك ووضعته عنك ،فبكى َّ
للش�يخ ،وقال :لقد كنت خائف ًا أنَّك قد علمت بام وصلني من ابني ،وأنَّك تريد
ودعا َّ
ثم دعا له وانرصف(.)2
عيلَّ ،
منِّي أن أوفيك دينك َّ
* * *
259
قال الدُّ كتور خالد الش�طي يف الش�يخ أمحد البزيع الياسين -رمحه اهلل( :- )1رحم
اهلل العم (أبوجمبل) ،كان حيارب الربا بشدَّ ٍة ،وال يرىض بالغيبة يف جملسه أبد ًا.
للش�عر إلاَّ أنَّه يدمن النَّظر يف القرآن الكريم ،ويكثر من تالوته ،وكان
ورغم ح ِّبه ِّ
األول ،وجيلس بعد الفجر معالصالة ،ويف الفجر قب�ل األذان َّ حيرض إىل املس�جد قبل َّ
ٍ
مجاعة من اإلخوة يفسرِّ هلم شيئ ًا من القرآن ،وكثري ًا ما كانت تفيض عيناه بالدَّ مع وهو
يفسرِّ بعض اآليات.
وكان -رمحه اهلل -يتف َّقد مجاعة املسجد ،ويزور َم ْن تغ َّيب منهم.
م�ر ًة أح�د اإلخ�وة الفلس�طين ِّيني املقيمين يف الكوي�ت ،وش�كر الع�م
وق�د زاره َّ
( )1ولد الش�يخ أمحد البزيع الياسين القناعي يف الكويت س�نة ( 1346هـ) املوافق (1928م) يف فريج
(حي) القناعات يف الكويت .التحق يف بعض كتاتيبها ،ودرس القراءة والكتابة وعلوم الرشيعة ،والتحق
باملدرسة املباركية.
مؤسس بيت التمويل الكويتي،
اإلسلامي يف الكويت ،وهو ِّ
ِّ يعد أمحد البزيع الياسين من ُر َّواد االقتصاد
وتوىل رئاس�ته ،وأس�هم يف إنش�اء العديد من املؤسس�ات والرشكات واملصارف اإلسالمية ،وتوىل رئاسة
وعضوية العديد من الرشكات واهليئات الرشعية.
ت�ويف -رمح�ه اهلل -يف جنيف ،يف س�ويرسا أثناء رحل�ة علاج يف (2011 / 9 / 10م) ،ونقل جثامنه إىل
الكويت ،ودفن هبا.
260
(أبوجمبل) عىل جهوده يف بذل اخلري ألهل فلسطني ،فبكى العم (أبوجمبل) أمحد البزيع،
وقال :ليتني أستطيع اآلن َّ
الذهاب إىل فلسطني ،واجلهاد مع أهلها.
الزبري
الع�وام ،وبعد اخلطبة قال يل الع�م (أبوجمبل)ُّ :
َّ الزبري بن
مر ًة عن ُّ
وخطب�ت َّ
أسس بنك ًا إسالم ًّيا ،فقد كان النَّاس َيدَ ُعون أمواهلم عنده حلفظها،
العوام َّأول َم ْن َّ
ابن َّ
ٍ
كغرض وليس للحفظ ،وكان يتاجر هبذه وكان يشرتط عليهم أن يأخذ األموال منهم
الزبري أربع س�نني ينادي
الصحابة ثرا ًء ،ومكث عبد اهلل بن ُّ
األموال ،فأصبح من أكثر َّ
يوزع املرياث إلاَّ بعد أن قىض للنَّاس
الزبري فليأتنا ،ومل ِّ يف النَّ�اسَ :م� ْن كان له ٌ
مال عىل ُّ
أمواهلم(.)1
261
262
ق�ضا�ؤهم
263
264
غضب َّ
الشيخ عبد اهلل البابطني -رمحه اهلل )1(-عىل أهل عنيزة ،حينام كان عندهم
قاضي ًا ،إلخراجهم أمريهم جلوي بن تركي من البلد ،وخرج عنهم ،فصادف خروج
َّ
الش�يخ البابطني من عنيزة بحاش�يته يف آخر ش�عبان عام (1269ه�ـ) ،فأقام يف بريدة
ٍ
فيصل وأهل عنيزة يف عصياهنم عليه وطردهم ألمريه عندهم، يتم بني اإلمام
لينظر ماذا ُّ
غيم يف األف�ق ،فأمر القايض (قايض البلد) َّ
الش�يخ فدخل ش�هر رمض�ان وكان هناك ٌ
بالصيام كام هو الواجب يف املشهور من املذهب ،فصام النَّاس وصام
سليامن بن مقبل ِّ
الش�يخ عبد اهلل البابطني ومن معه ،فقال له بعض طلاَّ به :كيف تصوم وأنت يف
معهم َّ
تقريراتك وفتاويك تفتي بكراهية صيام مثل هذا اليوم؟ فقال :ما دام قايض البلد يرى
رش .اهـ .مع َّ
أن هذا القايض كان أحد تالميذه(.)2 هذا فنحن نتَّبعه ،واخلالف ٌّ
* * *
كان حنف�ي ناصف -رمح�ه اهلل )3(-صادق ًا يف حمكمة طنطا ،وأصدر حكماً صادق ًا
ٍ
بريء مل يقرتف ،إرضا ًء خملص ًا مل يرتح له البعض ممَّن كانوا يتو َّقعون ثبوت االهتام عىل
احلق ال يع�دم النَّصري فقد عصف القايض
الرؤس�اء من ذوي الغرض ،ولك َّن َّ
لبع�ض ُّ
الش�فاعات املغرضة ،وهتف باحلكم جهري ًا ساطع ًا ال حيتمل الفاضل ِّ
بكل ما جاء من َّ
الش�يخ عبد اهلل بن عبد الرمحن أبا بطني يف روضة س�دير س�نة (1194هـ) .وقرأ عىل أهل بلده( )1ولد َّ
ثم رجع إىل شقراء وكان عالـمـ ًا ورحل إىل شقراء وقرأ عىل َّ
الشيخ عبد العزيز احلصني .توىل قضاء عنيزة َّ
يف التوحيد والتفسري والفقه وغريها .تويف سنة (1282هـ)« .علـمـاء نجد».
( )3ول�د الق�ايض حنف�ي ناص�ف -رمحه اهلل -يف إح�دى قرى مديري�ة القليوبية يف ( )16من س�بتمرب
(1855م) يف أرسة ذات جم�د س�الف وفق�ر ح�ارض إذ تويف وال�ده وهو جنني يف بطن أم�ه ،اجته إىل حفظ
الق�رآن وهو صغري ،كان قاض ًي�ا يف حمكمة طنطا وانتقل إىل القاهرة قاض ًيا باملحكمة األزبكية .تويف حنفي
-رمحه اهلل -يف سنة (1919م) .
265
ال َّلب�س ،وض�اق ذوو األم�ر به ،وهم ال يس�تطيعون عزل�ه بحكم اس�تقالل القضاء،
أن هذا النَّق�ل كان ظلـمـ ًا
ش�ك َّ
الصعيد يف حمكمة قنا ،وال َّ
فأرهق�وه بنقل�ه إىل أقىص َّ
ٍ ٍ ٍ
كبرية يرعاه�ا بالقاهرة ،ولكنَّه أرسة ق�اض ذي جائ�ر ًا ال م ِّ
برر له ،وكان فوق احتامل
يفوت فرصة َّ
الشماتة عىل من نقلوه ،فنظم قصيد ًة مش�تهر ًة ذاعت وصلصلت أراد أن ِّ
ربم ،ب�ل جعل النَّقل
يف اآلذان حتَّ�ى َّقرح�ت األسماع؛ ألنَّه يف قصيدت�ه مل يلجأ إىل ال َّت ُّ
ال كان ينتظره ،وغيظ ًا لألعداء ،هكذا َّقرر َّ
الشاعر املتهكِّم حني قال: مكافأة ط ِّيب ًة ،وأم ً
()1
مـسـتمرئـ ًا يف العيش جبنا واربـأ بــنــفـسـك أن تــرى
(« )1النهضة اإلسالمية يف سري أعالمها املعارصين» للدكتور حممد رجب البيومي (.)106/3
266
الويص عىل عرش العراق األمري عبد
ِّ ٍ
أرض جم�اور ٌة ألرض ليهودي قطعة
ٍّ كان�ت
الويص وصدر احلكم يف مصلحة
ِّ اليهودي عىل
ُّ الويص منه ،فاشتكى
ُّ اإلله ،فاغتصبها
ه�اوي -رمحه اهلل -
ِّ الز اليهودي الدَّ عوى وعرضت عىل َّ
الش�يخ أجمد َّ ُّ ال�ويص ،فم َّي�ز
ِّ
وتوس�ط بعض معارف َّ
الش�يخ جلعله يصادق َّ باعتباره رئيس جملس التَّمييز يوم ذاك،
الويص ،ولكن هيمني
ِّ هيمن�ي رضاء
للويص فر َّدهم قائالً :ال ُّ
ِّ على ق�رار احلكم إرضا ًء
اليهودي ،فنقض قرار
ِّ الويص ،ودرس القض َّية جيد ًا ووجد َّ
احلق يف جانب ِّ رب
رضاء ِّ
لليهودي(.)1
ِّ احلكم وأعاد األرض
* * *
كان َّ
الش�يخ القايض عب�د اهلل العجيان -رمحه اهلل )2(-يتَّص�ف يف جمالس القضاء
حممد
قصص ن�ادر ٌة ذكرها األس�تاذ الدُّ كتور َّ
ٌ َّ
بال�ذكاء والدَّ هاء ،وحصلت يف جمالس�ه
الرمحن املفدى وكان ق�د زامله يف دار التَّوحيد بال َّطائ�ف وعىل صلة به حتَّى
اب�ن عب�د َّ
(« )1من أعالم احلركة والدعوة اإلسالمية املعارصة» تأليف عبد اهلل العقيل (ص.)325
267
أن امرأ ًة أتت إليه عندما كان رئيس� ًا ملحكمة
الش�يخ العجيان -رمحه اهلل ،-ذكر َّ
وفاة َّ
طريف ،وا َّدعت عىل زوجها بأنَّه قد أوجعها رضب ًا ومن شدَّ ة رضبه هلا قطع خصل ًة من
ش�عرها ،ومدَّ ت إىل القايض هذه اخلصلة ،فأمس�كها بيده ،ووضع طرف هذه اخلصلة
ثم صمت بره ًة ،وقال
يتحسس�ها بخدِّ ه َّ
َّ األصيل عىل خدِّ ه ،وأخذ
ِّ املقطوع من َّ
الش�عر
واثق من جتنِّيها عىل زوجها :أنت كاذب ٌة. ٍ
بصوت ٍ هلا
ِ
وعندم�ا ح َّقق معها اتَّضح كذهب�ا وافرتائها عىل زوجهاَ ،ف ُس�ئ َـل القايض عن ِّ
رس
الش�عر ا َّلتي وضعها عىل خدِّ ه ،فقال :إنَّني وجدت اكتش�افه لكذهبا من خالل خصلة َّ
قصت ش�عرها أن املرأة قد َّ ٍ
بش�عر متس�اوي ًة ،وهذا يعن�ي َّ هناي�ة ه�ذه اخلصل�ة املتَّصلة
ٍ
متساوية. بمقص ،ولو كانت كام تدَّ عي لوجدت هناية اخلصلة غري ٍّ
أن شخص ًا ا َّدعى برسقة قص ٌة نادر ٌة أخرى عن هذا القايض تتم َّثل يف َّ
كام ذكر أيض ًا َّ
شخصا آخر برسقتها ،وأحرض قفل اخلزانة أمام القايض، ما يف خزانته من ٍ
نقود ،واتهَّ م
ً
وهو مكسور وا َّدعى أن هذا هو ا َّلذي كرسه ،فأخذ القايض القفل ووضعه عىل لسانه
كاذب .وح َّقق يف املوضوع واتَّضح
ٌ ث�م صم�ت بره ًة ،فقال للمدَّ عي بصوت الواث�ق:
َّ
رس اكتشافه لكذب املدَّ عي قال :إنِّني كذب املدَّ عي ،وحينام س�ئل َّ
الشيخ العجيان عن ِّ
وجدت القفل يف هناية كرسه صدأ ،وجدته بلساين وأحسست بطعمه والسرَّ قة متَّت يف
غضون أيا ٍم ٍ
قليلة األمر ا َّلذي يستحيل معه رسعة تصدية مكرس القفل ،وهذا يعني َّ
أن َّ
الصدأ ٍ
طويلة وكرسه مل يكن حديث ًا بدليل َّ القفل أحرض وهو قد اس�تعمل منذ ٍ
أن َّ فرتة
قد تراكم عىل هذا القفل(.)1
* * *
268
للش�يخ حس�ن َّ
املش�اط -رمح�ه اهلل -
()1
الوهاب أبو س�ليامن :كان َّ
يق�ول الدُّ كت�ور عب�د َّ
َّ
ولع�ل أبرزها حكم�ه يف القض َّية رق�م ( )328عام واجته�ادات
ٌ يف القض�اء مواق�ف
(1368هـ) باملحكمة الشرَّ ع َّية الكربى بمكَّة ،وخالصة هذه القض َّية:
ٌ
حامل منه باعرتاف�ه ،وكان يؤ ِّدي هلا نفق�ة احلمل حتَّى ط َّل�ق ٌ
رجل زوجته وه�ي
أمتَّت س�ن ًة م�ن محلها ومل تلد فارت�اب َّ
الزوج يف انغش�اش احلمل وقطع عنه�ا النَّفقة،
للزواج منها ،وبعد أن جنينها يف بطنها فر َّدت َّ
كل م�ن تقدَّ م َّ وكان�ت امل�رأة متأكِّدة من َّ
الزوجة ولد ًا ،فأنكره َّ
الزوج ،وأقام الدَّ عوى ضدَّ ٍ
أش�هر وضعت َّ مخس س�نني وتسعة
املشاط، الس�ابقة ،وكان القايض ا َّلذي ينظر يف هذه القض َّية هو َّ
الش�يخ حس�ن َّ زوجته َّ
الزوج مل يقتنع باحلكم فاعرتض
الزوج ،ولكن َّفأصدر حكمه بإثبات نس�ب الولد إىل َّ
عليه ورفع شكواه إىل جاللة امللك عبد العزيز -رمحه اهلل ،-فأمر جاللته بتأليف ٍ
جلنة
حممد بن مان ٍع للنَّظر يف هذه القض َّية ،وكان غالب أعضاء من العلـمـاء برئاسة َّ
الشيخ َّ
الش�يخ حس�ن املش�اط بمكة املكرمة س�نة (1317هـ) .ق�رأ القرآن الكريم عىل َّ
الش�يخ حممد ( )1ول�د َّ
ثم أصبح من مدرسيها .وأخذ عن علـمـاء مكة .توىل القضاء السناري والتحق باملدرسة الصولتية بمكة َّ
يف مكة .تويف سنة (1399هـ)« .أعالم احلجاز» ملحمد عيل مغريب.
269
ومرصا عليه ،ورفع األمر
ًّ بصحة حكمه
َّ مقتنع
ٌ ه�ذه ال َّلجن�ة خيالفونه َّ
الرأي ،وكان هو
حممد بن إبراهيم آل َّ
الش�يخ إىل جالل�ة املل�ك عبد العزي�ز ،فأحال القض َّية إىل َّ
الش�يخ َّ
الرأي الفصل فيها.
الزمان لدراستها وإبداء َّ
السعود َّية يف ذلك َّ
مفتي الدِّ يار ُّ
حممد بن إبراهيم رأي القايض َّ
الشيخ حسن السعود َّية َّ
الشيخ َّ وقد أ َّيد مفتي الدِّ يار ُّ
الوهاب أبو س�ليامن َّ
املش�اط يف ثب�وت نس�ب الولد إىل أبي�ه ،وقد أثب�ت الدُّ كتور عبد َّ
حيث َّيات احلكم ا َّلتي وردت من مفتي الدِّ يار ُّ
السعود َّية ونوجزها هنا فيام ييل:
إمجاع عىل
ٌ إن مس�ألة مدَّ ة احلمل ه�ي موضوع اختالف بني العلـمـ�اء ومل حيصل َّ
حتدي�د م�دَّ ٍة مع َّي ٍنة ألدنى احلم�ل وأقصاه ،وقد ثبت َّ
أن مدَّ ة احلمل لدى بعض النِّس�اء
اس�تمرت ثالث س�نني
َّ س�نتان وبعضها أربع س�نوات ،كما ثبت وجود حاالت محل
ومخس س�نني وس�بع س�نني ،وقد احتج كثري من العلـمـاء يف تلك القضايا باحلاالت
بأجل ٍ
معني، ٍ ا َّلتي ثبتت لدى العلـمـاء يف زماهنا ،وعىل هذا فال جيوز حتديد مدَّ ة احلمل
ألن املرأة ا َّلت�ي تتجاوز مدَّ ة احلمل ال ّطبيعي وهو تس�ع
واألص�ح ه�و عدم التَّحدي�د؛ َّ
ُّ
ثلاث جيوز أن يركد اجلنني يف بطنه�ا إىل أكثر من ذلك. ٍ ٍ
ش�هور إىل عامين مث ً
ال أو إىل
السعود َّية يف ختام حكمه:
ويقول سامحة مفتي الدِّ يار ُّ
ومل نجد يف كتاب اهلل وال يف سنَّة رسول اهلل صىل اهلل عليه وسلم لتحديد أكثر مدَّ ة
حجة ،بل الكتاب والسنَّة يشهدان بنقض ذلك ،فإنهَّ ام قد أطلقا ومل
احلمل بأربع سنني َّ
حيدِّ دا أكثر مدَّ ة احلمل ،فمن حدد أكثر مدَّ ته فقد قصد إىل تقييد ما أطلقه اهلل ورس�وله
حج ٍة رشع َّي ٍة تصلح لتقييد ذلك املطلق(.)1
صىل اهلل عليه وسلم بغري َّ
* * *
270
الرمحن اهلويمل -رمح�ه اهلل )1(-قاضي ًا يف حمكمة س�اجر حينما كان َّ
الش�يخ عب�د َّ
ولـمـا مل
حدثت مش�اجر ٌة بني رجلني من أهل ساجر عىل الـمـاء ،فعرض األمر عليه َّ
يكن لدى املعتدي ماالً يدفعه كعوض للمعتدى عليه ،فقد قام َّ
الشيخ بسجن املعتدي
عقوب� ًة له على اعتدائه ،وبطبيع�ة األمر فقد كان يقدَّ م هلذا َّ
الس�جني الفط�ور والغداء
الربيع احتاج َّ
الش�يخ والعش�اء ،ويف أحد أ َّي�ام اجلمع وكان النَّاس خارج القرية وقت َّ
يوصله
الس�جني أن ِّ
يوصله طلب من َّ
ولـمـا مل جيد م�ن ِّ
إىل م�ن يوصل�ه إىل املس�جدَّ ،
الس�جني ،فأوصله إىل املس�جد
إىل املس�جد بشرط أن يعاهده عىل عدم اهلرب فوافق ّ
الربيع ،وعاد النَّاس
واستمر احلال عىل ذلك حتَّى مىض وقت َّ
َّ وعاد به ودخل س�جنه،
الس�جن،
الس�جني اس�توىف مدَّ ة العقوبة أخرجه من ِّ الش�يخ َّ
أن َّ إىل القرية ،ولـمـا ظ َّن َّ
الس�جن ،وأقس�م َّ
للشيخ أنَّه مل حيصل وفضل البقاء يف ِّ
الس�جني رفض اخلروج َّ
ولكن َّ
له يف حياته أن متتَّع بثالث وجبات إلاَّ يف هذا ِّ
الس�جن ،ولذلك هو يرجو االس�تمرار
أن العقوب�ة مل تكن يف حقيقة األمر إلاَّ مكافأة ،فطلب من
الش�يخ َّ
فيه ،عند ذلك أدرك َّ
السجني أن يذهب إىل املعتدى عليه ويطلب منه أن يساحمه ففعل(.)2
َّ
* * *
ٍ
صال�ح آل صالح رمحهام الش�يخ عط َّية س�امل يف ترمجة َّ
الش�يخ عب�د العزيز بن قال َّ
اهلل( :)3نظرت قض َّية ٍ
قتل فا َّدعى املدعى عليه أنَّه مل يكن حارض ًا يف منطقة وقوع اجلريمة
الرمحن اهلويمل -رمحه اهلل -يف مدينة القويعية غرب الرياض س�نة (1331هـ) . ( )1ولد َّ
الش�يخ عبد ّ
فقد برصه يف س�ن التاسعة من عمره ،وحفظ القرآن الكريم صغري ًا ،ودرس العلوم الرشعية عىل علـمـاء
بل�ده ،وعلـمـ�اء الرياض .ت�وىل إمامة مجع قرص املربع يف عه�د امللك عبد العزيز -رمح�ه اهلل ،-كام توىل
القضاء يف العديد من املدن .تويف سنة (1413هـ) .
271
وكان يف مكان يبعد عنها قرابة مسيرة يومني ولديه ش�هو ٌد عىل ذلك من أهايل املنطقة
ا َّلتي كان فيها.
صحة ش�هادة ولط�ول م�ا بني نظر القض َّية وتاريخ اجلناية ارتاب َّ
الش�يخ يف مدى َّ
الش�هود وإمكان صدقه�م ،فمنع إدخاهلم املجلس ،وكان املتَّه�م يلبس غرت ًة عىل غري ُّ
املعه�ود م�ن مجاعته ومعه�ا ِع َق ٌ
�ال ،وكان املدَّ عي الع�ام وهو س�ليامن امللحم حارض ًا
يسمى (كوت) فأمر سليامن بنزع كوته وأن يلبسه املتَّهم ،وأمر
ويلبس (جاكت) أو ما َّ
املتَّهم أن يعطي غرتته وعقاله لسليامن امللحم ،فلبس املتَّهم كوت وغرتة سليامن ولبس
ثم أمر -رمحه اهلل -بإدخاهلام
سليامن غرتة وعقال املتَّهم مع مبادلة املكان يف جلوسهام َّ
الشيخ -وهو ا َّلذي يدير اجللسة بحضور
األول سأله َّ ولـمـا حرض َّ
الشاهد َّ منفردينَّ ،
األول -س�أله عن معرفته َّ
للش�اهد ومنذ كم ،فأجابه ،فس�أله مجع القضاة عىل النِّظام َّ
ٍ
مالحظة، تعيين�ه م�ن احلارضين ،فأش�ار إىل س�ليامن امللحم ،ومل يظه�ر له َّ
الش�يخ أي
واستمر يف سامع ما عنده وذلك بحضور بعض أقارب املتَّهم.
َّ
الش�اهد ال َّثاين ،فسأله كام سأل َّ
األول ،فأش�ار إىل املتَّهم فعالً ،فسأله ثم اس�تدعى َّ
َّ
عماَّ لديه ،فأخذ يرسد الكالم رسد من كُتب له فحفظ حرف ًّيا من ذكر األ َّيام والتَّواريخ،
فسأله عن زواجه وآخر مولود له وعن تاريخ ذلك فلم يكن يتذكر ،وكان بعد احلادث،
خيصك ومل تكن
وأمر ال ُّ
وهتتم هلا يف حياتك فلم تذكرها ٌّ
ُّ ختصك
فواجهه بقوله :أمور ُّ
يف يو ٍم من األ َّيام تتو َّقع س�ؤالك عنها تتذكَّره باس�م اليوم وتارخيه من َّ
الش�هر ،فرشق
وغص وطلب الـمـاء.
َّ الرجل
َّ
272
سوري منه رئيس حمكمة دمشق ،وكنت ٌّ قضائي
ٌّ وكان قد حرض تلك اجللسة وفدٌ
ٍ
صغرية وقدَّ مه إ َّيل ألقدِّ مه إىل الشيخ وهو عن يساري ،فكتب سؤاالً يف ٍ
ورقة عىل يسار َّ
فلـمـا قرأته أمسكت بالورقة وقلت له :انتظر إىل النِّهاية. َّ
الشيخ ليواجه املتَّهمَّ ،
السؤال ا َّلذي كان يريد رئيس وجه َّ
الشيخ إليه عني ُّ وبعد ٍ
قليل ويف مناقشة َّ
الشاهد َّ
الوفد تقديمه ،فأعدت الورقة عليه.
عي وبعد انتهاء اجللس�ة كان تعليق الوفد بقوهلم :ما كنَّا أبد ًا نظ ُّن َّ
أن القضاء الشرَّ َّ
هبذه املكانة د َّق ًة واستقصا ًء ونقاش ًا(.)1
* * *
273
لق وال ُخ ٍ
لق ،وكان معها زوجها ،وهو عيب يف َخ ٍ
صحيحة اجلسم والعقل ،ليس فيها ٌ
فلـمـا سألتها عن دعواها تر َّددت واستحيت، القوة ،مستكمل َّ
الشبابَّ ، ش�اب بادي َّ
ٌّ
فقررت جعل املحاكمة رس َّي ًة ،ومل أبق يف القاعة إلاَّ ال َّطرفني ُّ
والشهود واملحامني. َّ
ٍ
بعبارة نظيف�ة األلفاظ ٍ
اس�تحياء خاف�ت عىلٍ ٍ
بصوت وأع�دت س�ؤاهلا ،فأجابت
ثوب. ٍ
أشهر ،وزوجها مل يرفع هلا ذيل ٍ متزوج ٌة من أربعة َّ
مهذبة احلوايش ،قالت :إنهَّ ا ِّ
الرجل ال يصلح وقرر َّ
أن هذا َّ رقجيَّ ،
ِّ عي عارف ال َّط
ورفع األمر إىل ال َّطبيب الشرَّ ِّ
ٍ
لضع�ف فيه ،بل ألنَّ�ه يف مطلع بلوغه كان يف احلق�ل ،وكان يقارب ما جيد للنِّس�اء ،ال
أمامه من احليوانات ،فاعتادت نفسه عىل هذا املنكر العظيم ،فصارت احليوانات تثريه
وخترب.
دون املرأة ،وانظر إىل أثر املعصية كيف تد ِّمر ِّ
الرجل مع زوجه بالتَّفريق بينهام. وانتهت قض َّية َّ
رشه ،وانتهى أمره ٍ
ب -ويق�ول :قض َّي�ة خالف بني زوجني طال أمده واس�تفحل ُّ
ٍ
بحقوق كل منهما دعواه عىل صاحبه ،متَّه ًام إ َّياه بس�وء العرشة ،ومطالب ًا إ َّيل ،وع�رض ٌّ
ٍ
دقيقة ٍ
دراس�ة عليه .وأحلت املرأة بطلب ال َّطالق وبضم األوالد إليها دون ٍ
نفقة .وبعد ِّ َّ
فق�ررت إجراء جتربة للقض َّي�ة تبَّي�نَّ يل ألاَّ س�بيل للتَّوفي�ق بينهام عىل حالتهما َّ
الراهنةَّ ،
ٍ مل�ر ٍة
الزوج
واح�دة ،وعرضت الفك�رة عليهام فلم يتر َّددا يف قبوهلا ،وأوق�ع َّ ال َّطلاق َّ
والرمح�ة واألوالد ،وختم�ت ذلك بقوله ال َّطلق�ة ،وهن�ا جعلت أذكِّرمها ِّ
بح�ق املو َّدة َّ
تعاىل :ﱫ ﯺ ﯻ ﯼ ﯽ ﱪ ،وكان لكالمي أثره العاجل فإذا َّ
بالزوج يقول:
حق يل عليها ،ومس�تعدٌّ متنازل عن ِّ
كل ٍّ ٌ والرمح�ة واألوالد فإنيِّ
إذا كان األم�ر للمو َّدة َّ
لإلنفاق عىل أبنائي ما داموا يف كفالتها .وأجابت املرأة عىل ذلك بأنهَّ ا هي أيض ًا متنازل ٌة
له عن َّ
مؤخر صداقها.
أن املرأة ك َّلام اس�تاءت من زوجها
الزوجني َّ
وكان من أس�باب اخلالف بني هذين َّ
274
حاولت َّ
الذهاب إىل بيت أهلها فيمنعها أن تصحب من متاعها سوى ما تلبسه .ولكن
الرج�ل لزوجه :هذا مفتاح البيت
م�ا إن صارا إىل ه�ذه النَّتيجة حتَّى تغيرَّ احلال وقال َّ
فخذي منه ما حت ِّبني ودعي ما تكرهني.
ولقد كان هلذا املوقف أثره البالغ يف نفيس ،وأكثر ما راعني منه تلك الدُّ موع ا َّلتي
ذرفها ٌّ
كل منهام.
الرجعة ،ولكنِّي َّ
أخرهتا عرش ًة أخرى وبعد عرشة أ َّيا ٍم فقط أرسلا إ َّيل برغبتهام يف َّ
للتَّح ُّقق من صدق العزيمة.
وهكذا كان ال َّطالق هو العالج احلاس�م خلالفاهتام املزمنة ،وما لبثا أن عادا بعدها
الزوج َّية الكريمة..
إىل احلياة َّ
ٍ
امرأة توفيِّ زوجها وخ َّلف ج -ويقول أيض ًا :رفعت إ َّيل من قبل الشرُّ طة ش�كوى
ٍ
أعامل أن له ديون� ًا عند بعض النَّ�اس مقابل ٍ
أطف�ال ،وقد وجدت يف أوراق�ه َّ هل�ا ع�دَّ ة
حق للمت�وفىَّ ،وأظهروا
ل�ه .وأحضرت الشرُّ طة ه�ؤالء فأنكروا أن يك�ون يف ذ َّمتهم ٌّ
استعدادهم لليمني ،وحرضت األرملة مع أطفاهلا إىل املحكمة ،وتبينَّ يل ألاَّ ب ِّينة لدهيا
سوى تلك القيود.
ويف اجللس�ة األوىل حرضت املدَّ عية وأحد الغرماء واستوقفت الكاتب عن تالوة
الرجل ،وأجريت معه هذا احلوار:
ثم استدنيت َّ
الدَّ عوىَّ ،
-هل تعرف خصمك يف هذه القض َّية؟
-نعم .إنَّه هذه املرأة احلارضة.
-كلاَّ َّ .
إن خصمك هو زوجها فهل تعلم أين هو؟
-لقد توفيِّ .
ٍ
ماض -ح ًّق�ا لقد توفيِّ وترك هذه األرملة وهؤالء األيتام .وال َّ
ش�ك لديك أنَّك
275
معروض معه عىل اهلل ،ا َّلذي سيس�ألك عن دعواه ،وهو أعلم ٌ إىل ما مىض إليه ،وأنَّك
بما أنتام عليه ،وال حيتاج إىل ب ِّي ٍنة وال ختفى عن�ه خافي ٌة .فام تؤمن أنَّه خي ِّلصك من عذابه
ذلك اليوم فأجب به اآلن ،واليوم أوس�ع لك من ذلك املوقف ا َّلذي ال درهم فيه وال
دينار .فامذا تقول يف دعوى هذه املرأة؟
ثم قال :أمهلني يف اإلجابة إىل الغد.
الرجل مل ًّيا َّ
وأطرق َّ
وسألته :ومل اإلمهال؟
قال :ألراجع حسايب مع املتوفىَّ .
احلق فأخرته أسبوع ًا.
وملست يف هيئته وهلجته أنَّه يريد َّ
وهكذا فعلت مع بقية الغرماء .وكانت النَّتيجة واحد ٌة مع اجلميع.
ٍ
باعرتاف يفوق املبلغ املدَّ عى به عليه .ومنهم من فف�ي اليوم املحدَّ د أدىل ٌّ
كل منهم
الراتب آخر َّ
الشهر .ولن أحرض الـمـال فس�دَّ د ما عليه ،واس�تمهل بعضهم إىل موعد َّ
أنس�ى وقع هذا املوقف يف نفس تلك األرملة .لق�د غلبتها دموع الفرح ورفعت يدهيا
احلار هلل ا َّلذي و َّفق إىل ِّ
كل هذا اخلري. ُّ
بالشكر ِّ
احلق يف ٍ
غبط�ة ال توصف :هل بقي مثل ه�ذا التَّجاوب العايل مع ِّ وإنيِّ ألس�أل يف
غري نفوس املؤمنني ،ا َّلذين إذا ُذ ِك َـر اهلل وجلت قلوهبم؟
كل ٍ
يشء( .)1 يرجون رمحته وخيافون عذابه ،فيؤثرون مرضاته عىل ِّ
* * *
276
حرض إىل جملس َّ
الشيخ عبد العزيز بن باز -رمحه اهلل -أ َّيام قضائه يف الدَّ مل أمريان
لبعض البلدان ،بينهام خصوم ٌة ،فرضب أحدمها اآلخر بحرضة َّ
الش�يخ ،فأخرب من يف
الضارب عىل األرض ،فرضبه الش�يخ بذلك ،فأمر َّ
الشيخ بأن يستلقي األمري َّ املجلس َّ
الشيخ بالعصا عقوب ًة له(.)1
َّ
277
278
ورعهم
279
280
والزهد ،ومن ورعه ٍ
راش�د -رمحه اهلل )1 (-بالورع ُّ حممد آل ف َُّع ِر َ
عيل بن َّ
الش�يخ ُّ
لـمـا كان قاضي ًا يف عنيزة ،أهدت له امرأ ٌة من أمراء عنيزة تين ًاَّ ،
ثم جاءت من الغد أنَّه َّ
إن لا عنده ،فام كان منه إلاَّ أن طلب ما ًء فيه ٌ
ملح ،وتق َّيأ ما يف بطنه ،وقالَّ : ختاص�م رج ً
الش�يخ عيل بن حممد آل راش�د يف عنيزة سنة (1223هـ) ،وكان جده عيل بن محد -رمحه اهلل - ( )1ولد َّ
ثم رحل إىل الزبري وقرأ م�ن العلـمـ�اء يف مدينة الزلفي .وقد قرأ َّ
الش�يخ عيل بن حممد عىل علـمـاء بل�دهَّ ،
ثم عاد إىل عنيزة ،والزم َّ
الش�يخ العالمة عبد اهلل أبا باطني ق�ايض عنيزة يف ذلك الوقت. على علـمـائه�اَّ ،
الشيخ يف قضاء البلد ح َّتى تويف سنة (1303هـ)« .علـمـاء نجد». وقد خلفه َّ
الشيخ صالح بن محد املبيض يف سدير من بالد نجد يف حدود سنة (1235هـ) تقريب ًا ،وقدم إىل ( )3ولد َّ
الزبير مع أبيه ،وتلقى العلم عن علـمـائها ت�وىل القضاء يف الزبري باإلضافة إىل تدريس الفقه والفرائض.
تويف سنة (1315هـ)« .علـمـاء الكويت وأعالمها» لعدنان الرومي.
281
العمري -رمح�ه اهلل )1(-أنَّه أتاه أمري اخلرباء ِّ حمم�د بن عمرالش�يخ َّ جاء يف ترمجة َّ
خيصص للقايض مس�اعد ًة له عىل واحلب ا َّل�ذي َّ
ِّ حمم�د بن س�لطان بالعادة م�ن التَّمر َّ
الش�يخ ق�د َّ
تقال الش�يخ ،فظ َّن َّ
أن َّ علم�ه ،ف�ر َّده ،إلاَّ أن األمير فهم خلاف ما قصد َّ
الشيخ :إنَّني مل أر َّدها ألنَّني متقالهُّ ا ،وإنَّام لعدماملخصص ،فضاعفها وأتى هبا ،فقال له َّ َّ
مقابلَّ ،
ولعل ذ َّمتي تربأ، ٍ حاجت�ي إليه�ا ،ولكن إذا كان يعجبكم أن أقيض لكم ب�دون
وإال فأعفوين.
ولـمـا عاد إىل املنزل وجد أهله قد ومرة نفد ملح ال َّطعام من منزله ،فعلم بذلكَّ ، َّ
ٍ
طبخوا عش�اءهم ،فق�ال هلم :من أين امللح؟ قالوا :من بيت فلان ،فأمر بأن ال يأكلوا
منه شيئ ًا ،وأن يتصدَّ قوا به(.)2
* * *
الش�يخ حممد بن عمر العمري يف بريدة يف حدود س�نة (1235ه�ـ) ،وأخذ عن علـمـاء بلده. ( )1ول�د َّ
وق�د عين قاضي ًا يف اخلرباء يف أوائ�ل القرن َّ
الرابع عرش .وع�رف -رمحه اهلل -بالتق�وى والعفة والورع،
فكان ال يأخذ املخصص للقايض ويرتكه تعفف ًا وورع ًا .توىف يف حدود سنة (1318هـ)« .علـمـاء نجد».
282
العثامين الفريق رش�يد باش�اَّ ،
وحل ُّ فعىل س�بيل املثال :وصل إىل اجلغبوب حاكم برقة
الضيف باإلكرام واالحرتام املهدي ،فعومل هذا َّ ِّ مكرم ًا عىل اإلمام
بطبيعة احلال ضيف ًا َّ
أن امله�دي ال َّطعام إلاَّ َّ
مرتين اثنتني ،وم�ر ُّد ذلك إىل َّ ِّ حمم ٍد
والتَّقدي�ر ،ومل يتن�اول م�ع َّ
والزكاة
والصدقات َّ موارد اجلغب�وب ا َّلتي ينفق منها كانت من األوقاف اإلسلام َّيةَّ ،
ثم
رب واإلحس�انَّ ،ربعون هبا لتنفق عىل أوجه ال ِّ
خصصها املت ِّالشرَّ ع َّي�ة ،واهلبات ا َّلت�ي َّ
ما احتسب للمش�اريع اإلصالح َّية واإلنشاء والتَّعمري ،ولإلنفاق عىل املشاريع ،وعىل
الضيافة السبيل ،واملعرسين ،وبطبيعة احلال َّ
إن دار ِّ طلاَّ ب العلمُّ ،
والضيوف وعابري َّ
-وه�ي أحد هذه املش�اريع -ه�ي ا َّلتي تقوم بإك�رام ضيف اجلغب�وب الكبري ،وكان
الس�نويس يتحاش�ى أن يصل إلي�ه يش ٌء من ذلك ،وهك�ذا ال يمكنه -عىل ما
ُّ امله�دي
ُّ
يظهر -أن يتناول من األطمعة ا َّلتي تعدُّ لرشيد باشا ،إزاء هذه احلالة أقام مأدبتني من
اخلاص لضيف اجلغبوب املحرتم ،وتناول معه ال َّطعام(.)1
ِّ ماله
* * *
حممد بن إبراهيم عن أبيه َّ
الشيخ إبراهيم رمحهام اهلل( :)2عندما وضعت قال َّ
الشيخ َّ
= ولـمـا بلغ السادس�ة من عمره أدخله والده املدرس�ة القرآنية فأتم حفظ القرآن يف الس�ابعة من عمره،
وزوج�ه أبوه وهو ابن مخس�ة عرش عاما .توىل زعامة احلركة السنوس�ية بعد وف�اة والده واتصف بصفات
القادة الربانيني من العلم والثقة باهلل والقدوة احلسنة والصدق والشجاعة .تويف سنة (1320هـ)« .الثامر
الزكية للحركة السنوسية يف ليبيا» تأليف د .عيل الصاليب.
(« )1الثامر الزكية للحركة السنوسية يف ليبيا» تأليف د .عيل حممد الصاليب (ص .)265
الرياض س�نة (1280ه�ـ) يف بيت علم الش�يخ إبراهي�م بن عبد اللطيف آل َّ
الش�يخ يف مدينة ّ ( )2ول�د َّ
وفضل .وتوىل قضاء الرياض سنة (1319هـ) .وكانت له حلقات عامرة يف التدريس بأنواع العلوم .وقد
عرف بالعلم وكرم اخللق ،والقوة يف األمر باملعروف والنهي عن املنكر .تويف سنة (1329هـ)« .علـمـاء
نجد».
283
فلـمـا بدأ باألكل
له أ ِّمي العش�اء يف أحد األ َّيام وكان بعد العرص -يف ذلك الوقت َّ -
الش�يوخ -يعني امللك عب�د العزيز وكان ٌ
رس�ول من ُّ إذا بالب�اب يط�رق ،فخ�رج فإذا
ال عنحمم�د نق ً
الش�يخ َّ يس�مى بذل�ك يف ذلك الوقت -خيبره بتكليفه بالقضاء ،قال َّ َّ
والدته :فدخل البيت مهموم ًا وترك العشاء وغسل يديه ومل يتناول إلاَّ اليسري وحلظت
السبب فأخربها بأنَّه ويل القضاء(.)1
فلـمـا أصبح سألته عن َّعليه يف ال َّليل عدم نومهَّ ،
* * *
العيل -رمحه اهلل )2(-قال ابنه عبد اهلل :ذهبت
مقبل ِّ عيل بن ٍ الش�يخ ِّجاء يف ترمجة َّ
الصبح أخرج يل فلـمـا خرجنا م�ن بريدة بعد صلاة ُّ م�ر ًة نريد البدائ�عَّ ،م�ع والدي َّ
ثم أخرج لنفسه مثلها فأكلها. ٍ
مترات من جيبه ،وقال :كلها ،فأكلتهاَّ ،
س�يمر ببعض من يتعامل معه�م بالدَّ ين أو القرض ،وال يريد ُّ وكان -رمحه اهلل -
أن يطعم عندهم ،ويتحاش�ى الكذب بأن يقول :قد طعمنا ،وهو مل يطعم ،فطعم هذه
التَّم�رات ،وأطع�م ابن�ه مثلها بعد ًا ع�ن الكذب عندم�ا يعتذر من أكل طع�ام النَّاس،
وقص�ده بذل�ك -رمحه اهلل -الورع والتع ُّفف والبعد عن ش�بهة ِّ
ج�ر املنفعة يف الدَّ ين
والق�رض لعمالئ�ه .قال ابنه عب�د اهلل :فمررنا بأح�د املزارعني وطلب م�ن الوالد أن
بقرية أخرى ،فطلب منه صاحبها مثل ٍ ثم مررنايطع�م عنده فرفض ،وقال :ق�د أكلناَّ ،
األول ،فقال :قد أكلنا(.)3
َّ
* * *
284
285
286
توا�ضعهم
287
288
الرمحن بن حييى املعلمي -رمحه اهلل )1(-يف غاية التَّواضع ،ويكره كان َّ
الشيخ عبد َّ
الش�يخ العلاَّ مة املحدِّ ث أمحد ش�اكر -رمح�ه اهلل -يريد زيارة ال ُّظه�ور ،فقد جاء َّ
مر ًة َّ
الشيخ املعلمي يف مكتبة احلرم املك ِِّّي ا َّلتي كان َّ
الشيخ املعلمي -رمحه اهلل -أمين ًا هلا - َّ
ولـمـا طال انتظاره ومل يقابل للشيخ شاكر َّ
الشايَّ ، ومل يكن هلا لقا ٌء قبل هذا ،-فقدَّ م َّ
الشيخ شاكر املو َّظف هناك ،وبينَّ له سبب جميئه هو زيارة َّ
الشيخ الشيخ املعلمي ،سأل َّ
َّ
املعلمي ،فأجاب املو َّظف :س�بحان اهلل! ا َّلذي جاء َّ
بالش�اي لك هو َّ
الش�يخ املعلمي،
فتأ َّثر أمحد شاكر حتَّى إنَّه بكى من شدَّ ة التَّأ ُّثر(.)2
* * *
الرءوف سامل -رمحه اهلل )3( -متواضع ًا يف ملبسه ومأكله ومنطقه، كان َّ
الشيخ عبد َّ
صغري وال ٍ
كبريَ ،م ْن رأى َّ
الشيخ وهو ال يعرفه ظ َّن أنَّه من عا َّمة النَّاس ٍ ال يتكبرَّ ال عىل
الرءوف س�امل أعىل مرج ٍع لعل�م القراءات يف ومل خيط�ر ببال�ه َّ
أن ه�ذا هو َّ
الش�يخ عبد َّ
اإلسلامي ،وم�ن العاملقة يف علم الق�راءات وما
ِّ الكوي�ت ،ب�ل ممَّن يع�دُّ ون يف العامل
الرمحن بن حييى بن عيل املعلمي -رمحه اهلل -يف مـخالف من ناحية عتمة
الش�يخ املحدث عبد َّ( )1ولد َّ
ثم رحل إىل عسيريف اليم�ن س�نة ( 1313ه�ـ) ،ونش�أ يف أرسة حمبة للعل�م ،فدرس على علـمـاء بلدهَّ ،
ثم اس�تقر يف مكة .توىل أمانة مكتبة احلرم املكي ،وصنف العديد من املصنفات .تويف س�نة
وعدن واهلندَّ ،
(1386هـ)« .األعالم» للزركيل (.)342/3
الرءوف حممد إبراهيم س�امل -رمحه اهلل -يف (1344هـ) املوافق (1925م) يف قرية
الش�يخ عبد َّ ( )3ولد َّ
رسابيوم يف حمافظة اإلسماعيلية بمرص .نش�أ يتي ًام ،حصل عىل إجازة حفص سنة (1946م) ،وحصل عىل
التخصص يف القراءات س�نة (1953م) ،عمل يف معهد ُّ الش�هادة العاملية س�نة (1949م) ،وحصل على
مدرس� ًا يف دار القرآن الكري�م وكلية الرشيعة،
الق�راءات مدرس� ًا يف القاهرة ،س�افر إىل الكويت وعم�ل ِّ
وعمل يف اإلرشاف عىل طباعة املصاحف يف الكويت .تويف -رمحه اهلل -سنة (1997م).
289
اإلسالمي.
ِّ يلحق هبا خصوص ًا علم عدِّ اآلي عىل مستوى العامل
يتكرر دائ ًام ويش�اهده
موقف َّ ٌ وهناك مواقف تذكِّرنا بصربه وعظيم تواضعه وهو
الشيخ -رمحه اهلل -كان جيلس مرت ِّبع ًا من بداية الدَّ رس ٍ
درس ،وذلك أن َّ طلاَّ به يف ِّ
كل
الس ِّن ومع ذلك مل يكن يمدُّ رجليه يف الدَّ رس،إىل هنايته ،وكانت ركبته تؤمله بسبب كرب ِّ
قل َم ْن حيرص عليهف ،وهذا َّ ظل عىل حاله حتَّى ينتهي الدَّ رس دون تضج ٍر أو تأ ُّف ٍ
بل َّ
ُّ
يف وقتنا من ال َّطلبة وكذا مع ِّلميهم(.)1
* * *
(« )1فتح رب البيت يف ذكر مشايخ القرآن بدولة الكويت» للشيخ يارس إبراهيم املزروعي (ص .)104
الش�يخ حممد متويل الش�عراوي -رمحه اهلل -يف 5أبريل س�نة (1911م) بقرية دقادوس، ( )2ولد فضيلة َّ
مرك�ز ميت غمر ،بمحافظة الدقهلية ،وحفظ الق�رآن الكريم يف احلادية عرشة من عمره ،التحق باألزهر،
وحصل عىل العاملية ،ودرس يف العديد من املعاهد واجلامعات داخل وخارج مرص ،وقد اشتهر بخواطره
الش�يخ الشعراوي العديد من املناصب ،وحصل عىل العديد من يف التفسير ا َّلتي بلغت اآلفاق ،وقد تق َّلد َّ
اجلوائز .تويف سنة ( 1428هـ) املوافق سنة (.)1998موقع «ملتقى أهل احلديث».
290
تكريم م�ن نو ٍع آخر من اجلامهري املح َّبةٌ للش�يخ ،وبع�د إهناء حفل التَّكريم ،كان هناك َّ
للشيخ محل سيارته بأيدهيم ِم ْن عىل األرض، للشيخ ،فقد َّقررت اجلامهري اهلائلة املح َّبة ََّّ
الشيخ تأ ُّثر ًا
الشيخ ،تأ َّثر َّ
اجلامعي حممول ًة عىل أيدهيم وبداخلها َّ
ِّ واخلروج هبا من احلرم
الك ،أو يتأ َّثر تواضع�ه هبذه ِِ
الف ْعلة، وقرر أن يؤ ِّدب نفس�ه حتَّ�ى ال يدخلها برْ ش�ديد ًاَّ ،
الـمـ ْلحقة باملسجدَّ ،قرر أن وقرر أن ين ِّظف دورات املياه ُفذهب إىل مس�جد احلسنيَّ ،
ين ِّظفها بنفسه وبيده ،دخل عليه ابنه وقال :ماذا تفعل يا أيب؟ قال لهَّ :قررت أن أؤ ِّدب
وأعرفها َقدْ رها(!)1
نفيس ِّ
* * *
السلام حممد حمم�د إبراهيم حبوس املصري األزهري الش�افعي -رمحه اهلل -يف الش�يخ عبد َّ ( )2ول�د َّ
األويل عىل
قري�ة اجلعفري�ة بمحافظ�ة الرشقية بمرص س�نة (1356هـ) املواف�ق (1936م) .تلقى تعليم�ه َّ
الك َّت�اب ،وكان�ت أول إجازة له يف القرآن الكريم وهو ابن ثالث عرشة س�نة ،عمل إمام ًا وخطيب ًا بمرص،
وعمل مدرس ًا بمعهد املدينة العلمي باملدينة املنورة ،وعمل إمام ًا وخطيب ًا وحمفظ ًا يف دور القرآن الكريم يف
الكويت .تويف -رمحه اهلل -سنة (1429هـ) املوافق (2008م).
291
الشيخ يامنع أشدَّ املامنعة، الشيخ ولو حاول ،وجيد َّ
أن َّ ٍ
إنسان أن يق ِّبل رأس َّ أي
يستطيع ُّ
وكثري
ٌ بقو ٍة ويق ِّبله، للشيخ من إعطائه رأسه للتَّقبيل يمسك َّ
الشيخ رأسه َّ و َم ْن ال يلني َّ
أن ال َّطالب هو ا َّلذي يق ِّبل
ألن األصل َّ للش�يخ من تقبيل رأس�ه؛ َّ من ال َّطلبة كان يامنع َّ
بقو ٍة. وقوته قد تؤ ِّثر عىل َم ْن يامنع يف َل ِّ
ـي رقبته َّ الشيخ ،لكن من شدَّ ة َّ
الشيخ َّ رأس َّ
َّبي -صىل اهلل عليه وسلم- للرأس يقول َّ
الشيخ :إنَّه رأى الن َّ وقصة تقبيل َّ
الش�يخ َّ َّ
َّبي صىل اهلل عليه وس�لم ،وعندما انتهى
السلام رأس الن ِّ يف املن�ام ،وق َّب�ل َّ
الش�يخ عبد َّ
َّبي صىل ٍ
َّبي صىل اهلل عليه وس�لم وجد بعض ش�عرات من رأس الن ِّ
من تقبيل رأس الن ِّ
يسهل حفظ القرآن ِّ
لكل اهلل عليه وس�لم يف فمه ،فعندما اس�تيقظ من نومه دعا اهلل أن ِّ
َم ْن ق َّبل رأس�ه ،خَّ
واتذ عىل نفس�ه أن يق ِّبل رأس ِّ
كل َم ْن يظ ُّن فيه خري ًا ،وعليه سار عىل
منهجه ،وقد يس�تغرب من فعله الكثري ولكن ما أن يعرف َّ
الش�يخ وحتصل معه املو َّدة
(« )1فتح رب البيت يف ذكر مشايخ القرآن بدولة الكويت» للشيخ يارس إبراهيم املزروعي (ص .)149
292
293
294
جهادهم
295
296
الروس َّية أراد َّ
الش�يخ الغازي حممد األنصكويل -رمحه اهلل -قطع سلطة الدَّ ولة ُّ
()1
ٍ
مقاتل، فكون جيش� ًا قوام�ه ()8000
عن بالد داغس�تان ،وتوس�يع دائرة اإلسلامَّ ،
الروس يف مرتفعات بلدة (تارغو) ،وحصل مقاوم ٌة عظيم ٌة ،تلف من عسكره
وهاجم ُّ
فانضم إليه مجاع ٌة كثري ٌة من أهلها ( ،)2ومن البالد
َّ كثريَّ ،فر بعضهم إىل ِّ
الشيش�ان، خلق ٌٌ
الروس زمن ًا ،حتَّى حورص هو وجمموعته يف قرية (كيمرة) ،فاستشهد،
املجاورة ،وقاتل ُّ
وبقي رفيقه (شامل) بني القتىل ح ًّيا.
ولـمـا قتلوه محلوا جسده ،وطرحوه فوق جبل (تارغو) ،وج َّففوه ،وحفظوه مدَّ ًة
َّ
ثم دفنوه.
مديدةًَّ ،
ويف زم�ن اإلمام (ش�امل أفندي) ،أرس�ل َم ْن ينب�ش قربه ،ومحل�وه إىل (كيمرة)،
ودفنوه فيها.
* * *
ت�ولىَّ املجاه�د ش�امل ب�ن دن�كاو الداغس�تاين -رمح�ه اهلل )3(-أم�ر اجله�اد يف
الروس املحت ِّلني بعد وفاة رفيق دربه َّ
الش�يخ الغازي حممد بن إسامعيل داغس�تان ضدَّ ُّ
(َّ )1
الش�يخ حمم�د بن إسماعيل األنصكويل أحد مش�اهري الفضل واجله�اد يف داغس�تان يف القرن الثالث
الروس ،ح َّتى قتل يف إحدى املعارك س�نة
عشر ،ولد يف قرية أنصكول يف داغس�تان ،ع�رف بجهاده ضد ُّ
(1248هـ).
الشيخ املجاهد شامل بن دنكاو حممد الكمراوي سنة (1212هـ) يف قرية (كيمرة) يف داغستان. ( )3ولد َّ
زكاه مجاعة من علـمـاء املسلمني يف الزم علـمـاء بلده ،ولظروف بالده اشتغل باجلهاد يف سبيل اهلل ،وقد َّ
زمانه ،وظل عىل هذه احلال ح َّتى ضعف أمر دولته ،فاستقر آخر حياته يف روسيا ،وتويف باملدينة املنورة يف
رحلة حج سنة (1287هـ) املوافق (1871م).
297
مقاتل ،وكان له مدافع اس�تخدم ٍ األنصك�ويل ،ف�كان له جندٌ ُمن َّظ ٌم بل�غ ()60.000
به أحد املتخرجني الدَّ اغس�تان ِّيني يف مدارس مرص ،وله بي�ت ٍ
مال ُمن َّظ ٍم غاية التَّنظيم، ِّ
ومعامل كثري ٌة للبارود ،ومعامل لألسلحة الباردة.
وأق�ام دول� ًة مدن َّي ًة ُمن َّظم ًة قس�مها إىل نواحي ،وعينَّ هلا َّنواب� ًا ،وقضاةً ،وعلـمـاء
مع ِّلمني.
ومن دالئل نجابته أنَّه أ َّلف من األمم اجلبل َّية خمتلفة األلسنة ،وال َّطبائع جند ًا منظ ًام،
الروس� َّية مدَّ ة مخس�ة وعرشين عام ًا ،بحي�ث اندهش له العامل الغر ُّ
يب، وقاوم به الدَّ ولة ُّ
السياسة(.)1
وذكروا اسمه يف صفحات اجلرائد ،وندوات ِّ
* * *
الرمحن -رمح�ه اهلل )2(-صاحب كتاب «إظهار احلق» يف َّ
الش�يخ رمحة اهلل بن عبد َّ
املس�ائل ا َّلتي وقعت فيها املناظرة بينه وبني القسيس َّ
الشهري فاندر سنة (1270هـ) يف
بلدة (آكره) املش�هورة من بالد اهلند ،وذلك َّ
أن اجلمع َّية املس�يح َّية استقدمته من لندره
(لندن) لنرش الدِّ يانة املس�يح َّية يف األقطار اهلند َّية ،فقام من طرفها مأمور ًا بالدَّ عوة هلا،
وأعل�ن بطل�ب املناظ�رة من علـمـاء اإلسلام يف أحق َّية اإلسلام وصدق�ه ،فأخذت
ٍ
مـحفل األس�تاذ الغيرة الدِّ ين َّية ،واحلم َّية اإلسلام َّية ،فق�ام بمناظرة هذا القس�يس يف
بأل�وف م�ن اجلامع�ات الوطن ِّيين ،والعلـمـ�اء ،واحلكامء وغريه�م من ذوي ٍ غ�اص
الس�عادة ،فاتَّصل
وفر م�ن اهلند ،ووصل إىل دار َّ
احليث َّيات،فغل�ب القس�يس ،واهنزمَّ ،
الرمحن -رمحه اهلل -س�نة (1233هـ) يف بلدة آك�ره يف اهلند ،ودرس ( )2ول�د َّ
الش�يخ رمحة اهلل ب�ن عبد َّ
ودرس فيها ،هو ا َّلذي أشار عىل َّ
السيدة احلسنة العلوم العقلية والنقلية عىل علـمـاء اهلند .رحل إىل مكةَّ ،
صولة النساء ببناء املدرسة الصولية يف مكة سنة (1293هـ) .تويف سنة (1338هـ).
298
بالسلطان عبد العزيز خان ،فاستفرس من أمري مكَّة الشرَّ يف عبد اهلل بن عون عن
خربه ُّ
احلجاج الواردين من اهلند،األس�تاذ ،وحقيقة املناظرة ،وأمره بالبحث والتَّنقي�ب من َّ
الس� ِّيد أمحد دحالن خربه ،فأجابه بأنَّه قد ٍ
فس�أل األمري املذكور شيخ العلـمـاء حينئذ َّ
السلطان حضوره إليهَّ ،
فحل األستاذ ضيف ًا كري ًام عليه، وصل األستاذ إىل مكَّة ،فطلب ُّ
قص عليه صورة ما جرى بينه وبني القسيس (فاندر) أمره بتأليف هذا الكتاب
ولـمـا َّ
َّ
يرصح األس�تاذ بذلك يف خطبته،
الس�عادة ،ومل ِّ
احلق» ،فشرع يف تأليفه بدار َّ
«إظه�ار ِّ
الس�بب يف تأليفه ش�يخ العلـمـ�اء ،حيث كان الواس�طة يف التَّنويه باس�مه،
ب�ل جعل َّ
فعل�م ذل�ك من تواضع األس�تاذ ،واعرتافه بالفضل لصاحب�ه ،وال يعرف الفضل من
وح َسدُ
رجل غريب الوطنَ ، النَّاس إلاَّ ذووهَّ ،
ولـمـا رحل إىل مكَّة خطر له يف باله أنَّه ٌ
معروف وال ُينْكر ،فاستحس�ن املقابلة م�ع رئيس العلـمـاء يف
ٌ ِ
العلـمـ�اء مع بعضهم
الس ِّيد أمحد بن زيني دحالن ،والدُّ خول يف سلك
املكرمة َّ زمانه ،ومفتي َّ
الشافع َّية بمكَّة َّ
البخاري ومسلم ،فأجازه يف رواية
ِّ تالمذته ،فقابله واجتمع به ،وقرأ جزء ًا من صحيح
احلدي�ث عنه ،وكتب له س�ند احلديث وغريه ،وكان َّ
الش�يخ -رمح�ه اهلل -يرت َّدد عليه
ثم يف اليوم ال َّثاين كذلك ،فقال
لـمـا ذهب إليه وجده حزين ًاَّ ، دائ ً
ما ،ففي بع�ض األ َّيام َّ
الش�يخ :يا موالنا ،أراكم م�ن يومني متغيرِّ اخلاطر ،حزين ًا مغموم� ًا ،فأخرج ورق ًة من
َّ
الس�لطان عبد
حت�ت وس�ادته وأعطاه له وقال :اق�رأ هذه الورقة ،ف�إذا هي من طرف ُّ
أن قسيس ًا من النَّصارى جاء إىل اآلستانة يريد املناظرة مع علـمـاء
العزيز خان ،وفيها َّ
املس�لمني ،ويقول :اطلب�وا يل عالـمـ ًا من علـمـاء احلرم ألناظ�ره معه ،فبِنا ًء عىل هذا
ثم قال :ما يل�زم حضور عاملٍ ٍ
ماهر يف ف ِّن املناظرة يف اآلس�تانة ملناظرة ذلك القس�يسَّ ،
أرى أح�د ًا م�ن العلـمـاء املوجودين اآلن بمكَّة جامع ًا للعل�وم ماهر ًا هلذا الف ِّن ،فقال
299
حارض خلدمة اإلسالم،
ٌ املرتجم :ال هتتم يا موالنا يف هذا األمرَّ ،
فإن العبد احلقري خاد ٌم
حصة من عمري يف ر ِّد ُش َبه املبطلني ،ومناظرة
ومستعدٌّ هلذا األمر اجلليل ،وقد رصفت َّ
امللحدين .وأخربه بام جرى من املناظرة بينه وبني قس�يس اهلند (فاندر) س�نة (1270
فوجهه إىل اآلستانة سنة
حممدَّ ،
الس ِّيد عند الشرَّ يف عبد اهلل ابن الشرَّ يف َّ
ثم ذكره َّ
هـ)َّ ،
الس�لطان فلـمـا وصل املرتجم إىل اآلس�تانة َّ
حل ضيف ًا كري ًام يف رساي ُّ (1279ه�ـ)َّ ،
الش�يخ ،وكان ذلك القسيس هو ا َّلذي
فلـمـا س�مع القس�يس خرب جميء َّ
عبد العزيزَّ ،
الش�يخ يف اآلستانة سن ًة
الش�يخ يف اهلند واس�مه (فاندر) َّفر من اآلس�تانة ،وأقام َّ
ناظر َّ
ونصف� ًا ،ويف أثن�اء قيامه أ َّلف «إظهار ِّ
احل�ق» ،وقد ابتدأ يف تأليف�ه يف اليوم؟؟؟( )1من
ثم رجع إىل
احلجة س�نة (1280هـ)َّ ،
رجب س�نة (1280هـ) ،وفرغ منه يف آخر ذي َّ
مكَّة وأقام فيها.
* * *
(« )1اجلواهر احلسان يف تراجم الفضالء واألعيان» ( )178/1لزكريا بن عبد اهلل بيال.
300
القس�ام -رمحه اهلل َّ )1(-أول َم ْن رفع راية مقاومة الفرنس� ِّيني يف
عز الدِّ ين َّ كان َّ
الش�يخ ُّ
السلاح يف وجهه�ا .وكان من نتاج دعوت�ه أن اندلعت
وأول َم ْن محل ِّ
تل�ك املنطق�ةَّ ،
القسام -رمحه اهلل -بيته لرشاء
عز الدِّ ين َّ نريان ال َّثورة يف منطقة صهيون ،وباع َّ
الشيخ ُّ
السالح ليكون قدو ًة للنَّاس.
ِّ
بالكف ع�ن مقاومتهم يف
ِّ وحاول الفرنس� ُّيون اس�تاملته بأن أرس�لوا إليه رس�والً
مقابل تعيينه قاضي ًا رشع ًّيا يف املنطقة ،ورفض البطل دعوهتم ،وقال لرسوهلم :عد من
حيث أتيت ،وقل هلؤالء الغاصبني إنَّني لن أقعد عن القتال أو ألقى اهلل شهيد ًا.
العريف
ُّ فلـمـا عجز الفرنس� ُّيون عن اس�تاملته وثنيه عن اجلهاد حكم عليه الدِّ يوانَّ
يسمى بدولة العلو ِّيني باملوت غياب ًّيا.
فيام كان َّ
القس�ام إىل توجيه اقتصاد البلد إىل ِّ
املحتل دعا َّ وم�ن باب التَّحري�ض عىل مقاومة
الس�بيل سياسة «املجلس اإلسلامي األعىل» يف تزيني رشاء األس�لحة ،وأنكر يف هذا َّ
ٍ
أسلحة، والزينة يف املساجد إىل
تتحول اجلواهر ِّ
املساجد وبناء الفنادق ،وقال :جيب أن َّ
الزينة لن تنفعكم عىل اجلدران(.)2 فإذا خرستم أرضكم َّ
فإن ِّ
* * *
الش�يخ حممد عز الدين بن عبد القادر بن مصطفى القس�ام الشهري بـ «عز الدين القسام» يف بلدة( )1ولد َّ
جبل�ة وهي ثغر من ثغور املس�لمني من أعامل حل�ب قرب الالذقية عام (1300ه�ـ) املوافق (1883م).
الرابعة عرشة من عمره س�نة (1314هـ) املوافق (1896م)، ورحل يف طلب العلم يف األزهر عندما بلغ َّ
ونال ش�هادة األزهر العالية بعد أن أمىض حوايل ثامين س�نوات يف جوار األزهر .ودرس احلديث ،وتفسري
ثم صار خطيب ًا يف جامع املنصوري يف وسط بلدة جبلة ،وجذب القرآن العظيم يف جامع إبراهيم بن أدهمَّ ،
ال َّناس إليه .وشارك يف اجلهاد ضد املستعمر الفرنيس يف سورية ،وضد اإلنجليز واليهود يف فلسطني ح َّتى
استشهد سنة (1935م)« .واقدساه» للدكتور سيد حسني العفاين.
301
حين قامت احلرب العامل َّية ال َّثانية ،كان مركز إنجلرتا يف بدايتها ضعيف ًا حرج ًا ،إذ
نحو يؤذن باهنزام احللفاء ،واضطرت إنجلرتا أن تذيع توال�ت انتصارات (هتلر) عىل ٍ
السري
يف النَّاس أنهَّ ا حتارب من أجل اإلنسان َّية املندحرة أمام ديكتاتورية النازية ،وطلب ِّ
(مايلز المبس�ون) من األس�تاذ الكبري حممد مصطفى املراغي -رمحه اهلل )1(-أن يذيع
اإلسلامي بيان ًا يعلن فيه َّ
أن إنجلرتا حتارب يف س�بيل الدِّ يموقراط َّية لرتعى ِّ عىل العامل
السفري عىل طلبه، واألخوة واملواس�اة ،وتعاظم َّ
الش�يخ األكرب أن جيرؤ َّ َّ حقوق العدالة
فل�م يش�أ أن يغفل ال َّطل�ب ْ
كأن مل يكن ،ولكنَّ�ه انتهز فرصة االحتفال بموس� ٍم ٍّ
ديني،
اإلسالمي من أهوال هذه
ُّ وألقى أمام امللك خطب ًة رنَّان ًة ِّ
توضح ما قاسته مرص والعامل
احلرب املد ِّمرة ،حني سقطت القنابل عىل اإلسكندر َّية وبعض املدن املرص َّية ،فأحدثت
بأن مرص تكابد حرب ًا ال
ثم هتف رصحي ًا َّ الـمـاديَّ ،
َّ َّفيس م�ا فاق الضرَّ ر
م�ن الضرَّ ر الن ِّ
ٍ
بسبب. ناقة فيها وال مجلَّ ،
وأن املتحاربني يف املعسكرين ال َي ُمتَّان إليها
الشيخ حممد بن مصطفى بن حممد بن عبد املنعم املراغي -رمحه اهلل -نسبة إىل مراغة ،مركز جرجا، (َّ )1
حمافظة سوهاج بصعيد مرص .ولد سنة (1298هـ) املوافق (1881م) .توىل مشيخة األزهر ،شغل رئيس
ثم عضو حمكمة
ث�م رئيس حمكمة مرص االبتدائي�ة الرشعيةَّ ، التفتي�ش الرشع�ي بوزارة احلقانية (العدل)َّ ،
ثم رئيس ًا هلا .تويف سنة (1945م).ثم عضو املحكمة العليا الرشعيةَّ ،مرص االبتدائية الرشعيةَّ ،
302
السير (مايلز
وانتشرت خطب�ة اإلم�ام على األثري يف ش�تَّى أنح�اء العامل ،فف�زع ِّ
المبسون) فزع ًا شديد ًا ،وهاتف رئيس الوزراء حسني رسي يف منتصف ال َّليل يطلب
ليحتج
َّ منه إقالة املراغي ،وفزع رئيس الوزراء لـمـا شاهد ،واتَّصل تلفون ًّيا قبل الفجر
بكل ما يقول قبل أن خيطب به. عىل املراغي ،وينذره بأنَّه البدَّ أن حييطه علـمـ ًا ِّ
للرئيس حسين رسي :أتريد أن أعرض عليك تعجب ًاَّ ،
ثم قال َّ واس�تمع َّ
الش�يخ ُم ِّ
ٍ
واح�دة من فوق منرب ٍ
بخطبة كالم�ي؟ م�ن أنت؟ أنا أس�تطيع أن أقيلك م�ن منصبك
الس�فري
األزه�ر ،أو منرب احلسين ،قل هذا مل�ن هدَّ دك يا حسين ،وانتقل احلديث إىل َّ
السكوت(.)1
الربيطاين ،فخاف العاقبة وآثر ُّ
ِّ
* * *
البيومي (.)416/1
(« )1النهضة اإلسالمية يف سري أعالمها املعارصين» للدكتور حممد رجب ُّ
303
الض َّب�اط ،ويف ثكنات
مصاف ُّ
ِّ أظه�ر من البس�الة واحلم َّي�ة ما دفع رؤس�اءه لرتقيته إىل
والفر كان املجال أمامه فس�يح ًا للتَّذكري بمواقف األبطال من ِّ الكر
اجليش وس�احات ِّ
وسعد وعمرو ،وقتيبة بن مسلم وحممد ٍ ٍ
وخالد وأيب عبيدة عيل
قادة اإلسالم منذ عهود ٍّ
بن القاس�م وعقبة بن نافع ،ممَّن فتحوا البالد ،ودكُّوا العروش لرتتفع راية اإلسلام،
حمدود من رجال فرقته حتَّى متكَّن من اخرتاق ٍ ٍ
بعدد الروس� َّية وقد كان يقابل اجلموع ُّ
اس�تمرت ثالث ًا وثالثني س�اع ًة العدو ،ودارت معرك ٌة رهيب ٌة ٍ
خطوط من خطوط ثالثة
َّ ِّ
الروس م�ن اعتقال النوريس وم�ن بقي معه يف
حتَّ�ى نف�دت ذخرية األبط�ال ،ومتكَّن ُّ
الروس من ٍ ٍ
املعمع�ة وهم أربع�ة جنود ،وقد كرست رجل�ه برصاصة صائبة ،ومتكَّ�ن ُّ
االستعالء عىل اخلندق و َأسرْ ِ املقاتلني.
ٍ
معتق�ل يواجه القائد ٍ
ألسير الرائ�ع أن ننقل هذا املوقف البطو َّيل
وق�د يك�ون من َّ
ويس ،وهو خال القيصر األعىل وصاحب األم�ر النَّافذ يف اجليش
ال�ر ِّ
الع�ام للجيش ُّ
يمر باألرسى متش�امـخ ًا فينهضون له رافعني ويس مجيعه ،فقد جعل القائد املتكبرِّ ُّ الر ِّ
ُّ
واح�د مل ُي ِع ْر ُه اهتامم ًا ،وقد كبر عىل القائد أن
ٍ ٍ
أسير أيدهيم بالتَّح َّية العس�كر َّية س�وى
أسري دون أن ينهض ألداء التَّح َّية يف خشوعٍ ،فاتجَّ ه إليه ليقول يف تعاظ ٍم :أظنُّك
جيلس ٌ
فامحر
ال تعرفن�ي ،فريد س�عيدٌ :لقد عرفتك ،أنت نيكوال خال القيصر والقائد العامَّ ،
وجه نيكوال وصاح :وإذ فلـمـاذا تس�تهني بمقدمي؟ فقال النوريس :مل أستهن ٍ
بأحد،
ثم قال :وبامذا تأمرك عقيدتك؟ إنَّام فعلت ما تأمرين به عقيديت ،فس�كت القائد قلي ً
لا َّ
مسلم أمحل اإليامن يف قلبي فأنا أفضل ممَّن يفقد اإليامن.
ٌ فقال النوريس :أنا
ويكفه�ر املوقف ،ويأيت
ُّ ص�اح القائد :هذه إهان ٌة أخرى إىل املحكمة العس�كر َّية،
الرغبة
األرسى األتراك يرجون النوريس أن يعتذر ويذعن ،فيقول :لـمـاذا؟ أنا شديد َّ
304
ِ
الشهادة ،وت ُْصدر املحكم ُة َ
أمرها بإعدام يف َّ
الذهاب إىل اآلخرة ،فلـمـاذا حترمونني من َّ
البطل ،وتأيت ساعة التَّنفيذ ،ويطلب النوريس إمهاله حتَّى يصليِّ ركعتني ليستقبل حياة
اخلل�ود ،في�درك البطل مل يقصد إهانته ،وإنَّام كان خملص� ًا يف اتِّباع دينه حني خت َّلف عن
الوقوف لتح َّيته ،فتدركه شفق ٌة مل يعهدها ،ويتَّجه إليه قائالً :عفوت عنك ،لقد تأ َّثرت
بصالتك(.)1
* * *
الش�يخ رضا اهلل البداوين -رمحه اهلل -باالشتراك يف ال َّثورة عىل اإلنجليز يف
اتهُّ م َّ
إنجليزي كان من تالمي�ذه ،فأوعز إليه احلاكم
ٍّ ع�ام (1857م) ،وحوك�م أمام حاك� ٍم
عىل لس�ان بع�ض األصدقاء أن جيحد االتهِّ �ام ،فيطلقه ،ولك َّن َّ
الش�يخ أبى ،وقال :قد
اشرتكت يف اخلروج عىل اإلنجليز ،فكيف أجحد؟
واضطر احلاكم وحكم عليه باإلعدام ،ولـمـا ُقدِّ م َّ
للشنق ،بكى احلاكم وقال له: َّ
إن القض َّية مكذوب ٌة َّ
علي ،وإنيِّ بري ٌء الجتهدت م�رةًَّ :
الس�اعة ،لو قلت َّ
حتَّ�ى يف هذه َّ
يف ختليص�ك ،فغض�ب األس�تاذ ،وق�ال :أتريد أن أحب�ط عميل بالك�ذب عىل نفيس؟
َّ
وضل عميل ،بل قد اشتركت يف ال َّثورة ،فافعلوا ما بدا لكم ،وش�نق لقد خرست إذ ًا،
الرجل(.)2
َّ
* * *
البيومي (.)175/3
(« )1النهضة اإلسالمية يف سري أعالمها املعارصين» للدكتور حممد رجب ُّ
(« )2ماذا خرس العامل بانحطاط املسلمني» أليب األعىل املودودي (ص .)266
305
306
كرامتهم
307
308
الشيخ حممد بن محد اهلديبي -رمحه اهلل :)1(-كنت سألت اهلل أن يرزقني أربع قال َّ
ِخال ٍَل :أن يرزقني اإلقامة باملدينة أوالً عرشين سن ًة ،واإلقامة بمكَّة عرشين سن ًة ،وأن
جيع�ل م�ويت باملدينة ،وأن ال أقط�ع الدُّ روس إلاَّ ملرض امل�وت ،وأن يرزقني ولد ًا يقرأ
ثم يموت حتَّى احتس�به عن�د اهلل .وقد اس�تجاب اهلل له فيه َّن
الق�رآن ويطل�ب العلم َّ
مجيع ًا ،فجاء ولده عبد اهلل قرأ القرآن حفظ ًا ،وقرأ يف العلوم فتو َّفاه اهلل ،وجاور باملدينة
تـمت س�نة (1257هـ)
فلـمـا َّ
حت�ول إىل مكَّة فجاور هبا عرشي�نَّ ،
ثم َّعرشي�ن س�ن ًةَّ ،
َّوجه للمدينة واإلقامة هبا إىل املامت ،فب َّلغه اهلل ذلك ،وما قطع الدَّ رس إلاَّ
ع�زم عىل الت ُّ
ملرض موته.
* * *
قال َّ
الش�يخ س�ليامن بن يوس�ف اليعقوب :أنَّ�ه يف وقت حممد بن رش�يد أجدبت
األرض زمن ًا ،وكان له جيش معس�كر يف ياطب ،وأخذ األمري معه َّ
الش�يخ عبد اهلل بن
مرعي خطيب ًا له هناك ،فصلىَّ َّ
الشيخ يعقوب بن حممد بن سعد -رمحه اهلل )2(-بالنَّاس
صالة االستسقاء ،ويف أثناء اخلطبة نزل الغيث ،وهطل املطر ،واشتدَّ أ َّيام ًا حتَّى َّ
ترضر
309
النَّاس ،فسألوه أن يصليِّ هبم ويدعو اهلل أن خي ِّفف عنهم(.)1
* * *
ٍ
ش�يخ يسني ويغني ،فوقف مر َّ
الش�يخ عبد الكريم الدَّ رويش -رمحه اهلل )2(-عىل َّ
كبير وتغنِّي! وقام علي�ه بالعصا ،فطف�ق يرضبه رضب ًا
ٌ ٌ
ش�يخ علي�ه وق�ال :عياذ ًا باهلل،
رفيق له إىل املس�جد ليص ِّليا ،فج�اء ابن املعزر إىل أبيه عنيف� ًاَّ ،
ثم ذهب بعد ذلك ومعه ٌ
ٌ
جمنون يريد تش�جيع ابنه الس�انية وأبوه قد أعظم األمر وجيعل خيبط كأنَّه بعدما وقفت َّ
طالق يا ابن املرأة إن مل تقتله ،فقام على االنتقام من الدَّ رويش ،وبدَ ر ابنَه بقولِ ِ
�ه :أ ُّمك ٌ َ َ
قي من فوره وأعمل البندق َّية وكان شا ًّبا قو ًّيا ،فأنذر الدَّ رويش وهو يصليِّ فلم يتأ َّثر َّ
الش ُّ
ال لصاحب�ه إىل جنب�ه :ﱫ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﱪ
ثم التف�ت قائ ً
وأت�م صالت�هَّ ،
َّ
للصالة ،هذا واالبن كاألس�د حياور أب�اه يف قتله،
وص�ف َّ
َّ [الطلاق ]2:اهلل أكبر،
فلـمـا س� َّلم الدَّ رويش إذا به قد أعمل الفتيلة وأقبل نحومها ،فقال له صاحبه :يا عبد
َّ
الرجل أقبل مرسع ًا يريد قتلك ،فالتفت إليه وهو يقول: الكري�م ،أطلق رجليكَّ ،
فإن َّ
وص�ف
َّ ﱫ ﮓ ﮔﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﱪ [البق�رة ]137:اهلل أكبر،
الرش�ا عن البك�رة عدِّ له يا حممد
للصلاة ،ف�إذا باألب يدع�و ابنه قائالً :يا حممد ،زال ِّ
َّ
املهمة لئلاَّ ينقطع ظهر البعريَّ ،
ولـمـا أن رقى يريد وامض لشغلك ،فرجع االبن هلذه َّ
(« )1منب�ع الك�رم والشمائل يف ذكر أخب�ار وآثار من عاش من أه�ل العلم يف حائل» حلس�ان بن إبراهيم
الرديعان (ص.)187 ّ
( )2هو َّ
الشيخ عبد الكريم اخلرساين -رمحه اهلل -الشهري بالدرويش ،يقال :إنَّه من قريش ،ومن خمزوم،
فر هارب ًا بدينه إىل نجد ،والزم العلـمـ�اء ،وكان يتنقل يف نجد ينصح الناس،
وأن أهل�ه ملوك خراس�انَّ ،
ويأمر باملعروف وينهى عن املنكر ،وقد عرف بالصدع باحلق .تويف سنة (1340هـ)« .علـمـاء نجد».
310
الرش�ا وصعد ف�وق قرون البئر وأب�وه ينتظره انطبقت البئ�ر عليهم من أقىص
تركيب ِّ
جهاهتا فكانت قرب ًا هلام ولإلبل ،فام وقف هلام عىل ٍ
خرب(.)1
الش�يخ حمم�د النَّارص الوهيبي :رسنا لزيارة َّ
الش�يخ عب�د اهلل بن دخيل وق�ال عنه َّ
واإلخوان يف املذنب ومل يكن معنا زا ٌد ،فأدركنا اجلوع والعطش ،فاستقبل َّ
الشيخ عبد
«اللهم يا ذا اجلود والكرم ارزقنا
َّ ثم قال:الكريم القبلة وقال ملن معه :إنيِّ دا ٍع فأ ِّمنواَّ ،
منخفض عنَّا ،فإذا برع َّي ٍة من
ٍ ٍ
م�كان ال فانحدرنا إىل ثم رسنا قلي ً لبن� ًا بلا من ٍَّة وال ٍ
ثمن» َّ
للشيخ ورفقته :هل تريدون ال َّلبن وإلاَّ سنك ُّبه
اإلبل ومعها امرأ ٌة ترعاها ،فقالت املرأة َّ
كبري مآلن بال َّلبن ال َّط ِّيب ،فرشبوا حتَّى
يف األرض؟ قالوا :نريده ،فأخذوه وهو س�قا ٌء ٌ
اكتفوا.
الرمحن بن س�ليم :كان َّ
الش�يخ عبد الكريم يسري وقال َّ
الش�يخ عبد العزيز بن عبد َّ
تـمر لل َّطريق ،فلقي�ه بعض ال ُّلصوص فس�لبوا ثيابه
كيس في�ه ٌ
يف الرب َّي�ة وح�ده ومعه ٌ
الش�يخ عبد الكريم ثم َّ
إن أحده�م جاء إىل َّ وأخ�ذوا تـم�ره وجلس�وا يأكلون التَّم�رَّ ،
الش�يخ عبد ٍ
بعنف :ما هي األخبار؟ فقال َّ فوجده مس�تقبل القبلة يقرأ القرآن ،فقال له
الكري�م :ﱫ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﱪ [االنفط�ار]14-13:
الرجل
َـر ُّدوا عىل َّ
يب إىل رفقته ،وقال :أرى أن ت ُ
يب .فذهب األعرا ُّ
اخرت لنفس�ك يا أعرا ُّ
مالبسهَ ،ف َـر ُّدوها عليه(.)2
* * *
311
ق�ال بع�ض أحفاد َّ
الش�يخ إسماعيل بن محد بن عتي�ق -رمح�ه اهلل :)1(-وقد كان
ل�ه م�ن الكرامات م�ا حدَّ ثني به جدَّ يت س�ارة بنت حممد بن هذاب ،فتق�ول :أناخ عىل
ضي�وف ،ومل يكن بالبيت يش ٌء ،فأمرين جدُّ ك بإيقاد النَّ�ار ووضع ال ُقدُ ور عليها،
ٌ بابن�ا
ٍ
بقليل طارق ،وكان حيمل خرجني من القمح ،وبعده ٌ ٍ
وجيزة طرق ففعلت ،وبعد ٍ
فرتة
طرق آخر الباب ،فإذا معه و ِر ُك ٍ
ناقة ،قالت :فاشتغلنا بإعداد ال َّطعام ُّ
للضيوف ،فام هو َ ُ
الضيوف ال َّطعام(.)2 ٍ تم ُّ إلاَّ
كل يشء وتناول ُّ قصري حتَّى َّ
ٌ وقت
ٌ
* * *
لـمـا
الش�يخ س�ليامن بن س�حامن -رمحه اهلل -أنَّ�ه َّ
()3
م�ن عجائ�ب ما روي عن َّ
ٍ
مسك ط ِّيب ًة ال يعهدون مثلها(.)4 شموا من جسده رائح َة
وحه ُّ
خرجت ُر ُ
* * *
للش�يخ عبد العزيز بن أمحد بن حس�ن -رمحه اهلل ٌ )5(-
عمل سوى العبادة، مل يكن َّ
ويأتي�ه رزق�ه كفاف ًا -ب�إذن اهلل ،-ويف ذات َّ
مرة قرب عيد الفطر ،وليس عنده كس�و ٌة
الرياض، الشيخ سليامن بن مصلح بن سحامن يف بلدة آل متام القده يف عسري .رحل مع والده إىل ِّ( )3ولد َّ
الرد عىل املخالفني شعر ًا ونثر ًا .تويف فقرأ َّ
الشيخ سليامن عىل علـمـائها .وقد عرف بالعلم وقوة احلجة يف َّ
سنة (1349هـ)« .علـمـاء نجد».
312
وألـحت عليه امرأته تقول ل�ه :ليس عندنا عيدٌ (أي:َّ ألوالده وال طع�ا ٌم لي�وم العيد،
سبب،الرزق حيتاج إىل ٍ ٍ
طعا ٌم للعيد وال كسوةٌ) فقال :يأيت اهلل برزق ،فقالت :يا شيخِّ ،
الرج�ل ،فاقتنعت تظ ُّن أنَّه ق�د أوىص أحد ًا
فق�ال هلا :قد تس� َّببنا ،وه�ي تعرف صدق َّ
بذلك ،وهو يقصد السبب مع اهلل بدعائه ،وذهب لصالة القيام آخر ٍ
ليلة من رمضان، َّ
الرب�دي يف بريدة ،وحممد بن بس�ام يف عنيزة)،
وكان أغن�ى رجلين يف القصيم (حممد ّ
الربدي يف جامع بريدة وحممد بن البس�ام يف جامع عنيزة فلـمـ�ا قاما يص ِّلي�ان القيامّ :
َّ
كل منهام هاتف ًا يقول له :أخوك َّ
الش�يخ ٍ
واحد منهام ما يش�به النُّعاس ،فس�مع ٌّ أخذ ُّ
كل
عبد العزيز بن حسن ليس عنده كسو ٌة له وال ألوالده وال طعا ٌم يوم العيد ،فتك َّلم ٌّ
كل
فلـمـا س� َّلام قال هلما َم ْن بجوارمها:
صحيح!! َّ
ٌ الصالة يقول:
الرجلني ،وه�و يف َّ
م�ن َّ
الس�اعة ،وذه�ب ٌّ
كل منهام ي�ا ع�م ،إنَّك تك َّلمت وأن�ت يف َّ
الصالة ،فكتام األمر تلك َّ
كل منهام ٍ
ونقود ،وبعث ٌّ ٍ
كس�وة وطعا ٍم إىل منزله مرسع ًا ،وأحرض ما يلزم َّ
للش�يخ من
ٍ
واحد عند بابه ،حيث َّ
إن للشيخ ،فوصال مجيع ًا يف ٍ
وقت خادم ًا عىل دا َّب ٍة إليصال ذلك َّ
املسافة بني بريدة والقصيعة وبني عنيزة والقصيعة واحد ٌة أو متقارب ٌة ،وأخرب ٌّ
كل منهام
صاحبه بام حصل مع س ِّيده(.)1
* * *
الشيخ سليامن بن مقبل -رمحه اهلل -مع أعامله القضائ َّية قائ ًام بفالحة بستاهنم
كان َّ
إبل أو ٍ
بقر أو غن ٍم لصوص ليرسقوا ما جيدونه من ٍ يف (املنيس) ،فدخل القري َة ذات ٍ
ليلة
ٌ
الش�يخ ا َّلتي يس�قي عليها نخله وزرعه -يعني نواضحه أو ٍ
متر أو غري ذلك ،فرأوا إبل َّ
313
فلـمـا قرب�وا منها مل يروه�ا ،وهكذا حتَّى
-رأوه�ا يف مراحه�ا قبل أن يصل�وا إليهاَّ ،
هزيع من ال َّليلَّ ،
فلـمـا يئس�وا من رسقتها دخلوا مس�جد القري�ة ،وناموا حتَّى ٌ مضى
الصبح ،وص َّلوا مع النَّاس ودخلوا البستان ا َّلذي فيه اإلبل ا َّلتي حاولوا
جاءت صالة ُّ
بقصتهم ،فقال: رسقتها ،فعلموا أنهَّ ا إبل َّ
الشيخ سليامن وبستانه ،فجاءوا إليه وأخربوه َّ
إنيِّ قد قرأت وردي عىل نفيس وأهيل ومايل ،فتابوا عىل يديه(.)1
* * *
الش�يخ ٍ
وليمة مع َّ حممد ب�ن إبراهيم :دعان�ا بعض أهل رضم�ى عىل ق�ال َّ
الش�يخ َّ
فلـمـا انتهينا من الغداء -وكان
س�عد بن محد بن عتيق -رمحه اهلل -وبعض األخوةَّ ،
الس� َّيارات ومعنا بع�د العرص -اس�تأذن َّ
الش�يخ س�عدٌ وهنضنا مع�ه ،وكان ه�ذا قبل َّ
الرواحل ومل نعقلها
فلـمـ�ا ظهرنا فوق عقبة (القدي�ة) أردنا أن ننام فق َّيدن�ا َّ
رواح�لَّ ،
فلـمـ�ا أصبحنا ذهب ا َّلذين معن�ا للبحث عنالرعي وال تبتع�د عناَّ ، حتَّ�ى تس�تطيع َّ
الشيخفتفرقوا للبحث عنها ،وكان َّ ٍ الرواحل فوجدوها ك َّلها إلاَّ راحلة َّ
الش�يخ سعدَّ ، َّ
س�عدٌ يف هذه األثناء يدعو اهلل تعاىل أن يأتيه براحلت�ه ،فأتى ا َّلذين ذهبوا للبحث عنها
سعدالشيخ ٍبعيد وهو يسوق راحلة َّ رجل إلينا من ٍ
حممد :فأتى ٌ ومل جيدوها ،قال َّ
الشيخ َّ
ثم اختفى وال ندري َم ْن هو ،وكان ا َّلذين ذهبوا للبحث عنها معه حتَّى وصلت إليناَّ ،
أن اآلخر هو ا َّلذي يس�وقها حتَّى أتوا وس�أل بعضهم بعض ًا واح�د منهم حيس�ب َّ ٍ كل ُّ
ٍ
واحد ذلك ،وهي من كرامات َّ
الشيخ سعد -رمحه اهلل .)2( - فأنكر ُّ
كل
* * *
314
الش�يخ عبد اهلل بن حمم�د بن فدا -رمحه اهلل -قال عنه َّ
الش�يخ عيل ج�اء يف ترمجة َّ
وصليِّ عليه يف اجلامع الكبري بربيدة،
الش�يخ عبد اهلل بن فدا ُ لـمـا توفيِّ َّ
املحمد املطلقَّ :
فلـمـا عرف ٍ
لضيوف عنده ،ومل يعلم بوفاة َّ صادف أحدَ األهايل حيمل معه حل ًام
الشيخَّ ،
الشيخ عبد اهلل بن فدا هو املتوفىَّ ،حلق بجنازته إىل املقربة وال َّلحمة معه ،وصلىَّ عليه َّ
أن َّ
تأخرت بال َّلحمة
الرجل إىل منزله فقال المرأت�ه :إنَّني قد َّ
ولـمـ�ا دفن عاد َّ
يف املقبرةَّ ،
فأكثري عليها احلطب ،فام كان من املرأة إلاَّ أن فعلت ذلك ،وأوقدت عليها نار ًا قو َّي ًة،
الضيوف للعش�اء ،وظنَّت املرأة أن قد نضجت ال َّلحم�ة من كثرة ما طبختها، وحضر ُّ
الرجل وأخذ ال َّلحمة ِ
متسها النَّار ،وعجب َّ
فلـمـا أفرغتها من قدْ رها وجدهتا وكأنهَّ ا مل َّ
َّ
للش�يخ للضيوف معتذر ًا منهم لئلاَّ يظنُّوه قد قرص بواجبهمَّ ،
ثم إنَّه ذهب َّ على هيئتها ُّ
ولـمـا أخرب َّ
الش�يخ القصةَّ ،
عب�د اهلل بن حممد بن س�ليم ق�ايض بريدة بزمنه ورشح له َّ
حرم عىل َّ
الش�يخ باحلقيقة قال له َّ
الش�يخ :بشرَّ ك اهلل باخلري ،إنَّني أرجو اهلل تعاىل أنَّه قد َّ
وأن ذلك قد ش�مل حلمتك هذه ا َّلتي أوقد
وحرمه�ا عىل َم ْن خرج مع اجلنازةَّ ،
النَّ�ارَّ ،
ال فلم تتأ َّثر بذلك(.)1
عليها طوي ً
315
316
عنايتهم
بالأبنـاء
317
318
السندي -رمحه اهلل )1(-يف خامس شهر كانت والدة َّ
الشيخ أمحد عيل األنصاري ِّ
الرابع من
الش�يخ حممد مراد يف اجل�زء َّ رجب ،س�نة (1168ه�ـ) ،كام هو ِّ
بخط والده َّ
كتابه« :دفينة املطالب».
الس�ابق ِّ
الذك�ر« :دفينة املطالب» ،فقد ويف س�نة والدته هذه وهب له والده كتابه َّ
جاء عىل غالف اجلزء ال َّثالث منه ما ييل:
اللهم اجعله فقيه ًا عالـمـ ًا
َّ املسمى بأمحد عيل،
َّ الصغري غالم رسول،
وه ْبتُه البني َّ
عامالً ،وز ْد يف عمره وأبيه وإخوته .آمني سنة (1168هـ)(.)2
* * *
رغ�ب َّ
الش�يخ عبد الق�ادر خوقري -رمح�ه اهلل )3(-يف أن يكون أبن�اؤه ،وابن بنته
املرتج�م متمذهبين باملذاهب األربع�ة ،وكان يع ِّلمهم إ َّياهاَّ ،
فخص�ص املرتجم وابنه
وخص ابنه حممد عارف ،وابنه
َّ يدرسهام،
احلنفي ،وصار ِّ
ِّ صديق عبد القادر للمذهب
افعي، الوهاب وابن أخيه عبد اهلل يف املذهب َّ
الش ِّ احلنفي ،وعبد َّ
ِّ الرمحن يف املذهب
عبد َّ
السندي يف سنة (1168هـ) ،وهاجر مع والده إىل احلجاز واستقر ( )1ولد َّ
الشيخ أمحد عيل بن حممد مراد ِّ
هبا .أخذ العلم عن والده ومشايخ احلجاز .وكان له ٌّ
حظ من العلم .تويف سنة (1202هـ)« .اإلمام الفقيه
السندي» لسائد بكداش. حممد عابد ِّ
السندي» بقلم سائد بكداش (ص .)98
(« )2اإلمام الفقيه حممد عابد ِّ
الشيخ عبد القادر بن حممد خوقري -رمحه اهلل -يف مكة ،وطلب العلوم عىل علـمـائها ،ودرس ( )3ولد َّ
يف املسجد احلرام ،وكان حنفي املذهب .تويف يف إسطنبول سنة (1303هـ) .وخوقري :كلمة هندية بمعنى:
مالك لطبيعته .ويقال :إن أرسة خوقري يرجع نسبها إىل أيب بكر الصديق ريض اهلل عنه ،وهاجرت إىل اهلند
ثم رجعت ،واس�تقرت بمكة« .اجلواهر احلس�ان يف تراجم الفضالء واألعيان من أس�اتذة أيام احلجاجَّ ،
وخالن» ( )608/3لزكريا بن عبد اهلل بيال.
319
الـمـالكي ،ومات وبقي
َّ ب�أن ولده الصغري -وهو ه�ذا ال ِّثقة -إذا كرب يتع َّلم
وأوىص َّ
احلنفي(.)1
ِّ عىل املذهب
* * *
(« )1اجلواهر احلسان يف تراجم الفضالء واألعيان» ( )597/2لزكريا بن عبد اهلل بيال.
( )2ول�د الدكت�ور عيس�ى عبده إبراهيم س�نة (1318هـ) .درس يف مدرس�ة التج�ارة العليا ومىض إىل
إنكلرتا ليدرس يف جامعة مانشسرت .يعترب رائد البنوك اإلسالمية ،شارك يف إنشاء بنك ديب اإلسالمي عام
(1975م) .وأسهم يف إنشاء كلية االقتصاد اإلسالمي بجامعة حممد بن سعود اإلسالمية باململكة العربية
السعودية .تويف سنة (1400هـ)« .من أعالم احلركة اإلسالمية» لعبد اهلل العقيل.
ُّ
(« )3املستدرك عىل تتمة األعالم للزركيل» ( )219/3تأليف حممد خري رمضان يوسف.
320
الوهاب البكري الصديقي -رمحه اهلل )1(-يف بيت والده
الستَّار بن عبد َّ
نش�أ عبد َّ
ثم حفظه عن
املكرمة ،وحني بلغ أربع س�نني قرأ الق�رآنَّ ، يف مـح َّل�ة َّ
الش�امية يف مكَّة َّ
ٍ
قل�ب حني بل�غ عمره ثامين س�نني ،وصلىَّ بالق�رآن يف الترَّ اويح يف رمضان س�نة ظه�ر
(1297هـ) وعمره عرش سنني(.)2
* * *
للش�يخ عب�د اهلل النوري -رمحه اهلل )3(-حادث ٌة يف ريعان ش�بابه أ َّثرت فيه
وقعت َّ
الس�تار عبد الوهاب البكري الصديقي -رمحه اهلل -يف مكة س�نة (1286هـ) .قرأ ( )1ولد َّ
الش�يخ عبد َّ
القرآن والعلوم الرشعية عىل والده ،وعلـمـاء مكة ،وكانت أرسته من أش�هر األرس العلمية يف اهلند ،ويف
مكة .وقد رحل يف طلب العلم ح َّتى غدا من كبار العلـمـاء ،وكانت له الدروس املش�هورة يف مكة .تويف
سنة (1355هـ).
الس�تار عبد
(« )2في�ض املل�ك الوه�اب املتع�ايل بأنباء أوائل الق�رن الثالث عرش والتوايل» للش�يخ عبد َّ
الوهاب البكري الصديقي اهلندي املكي احلنفي (.)15/1
الش�يخ حممد النوري يف الزبري سنة (1323هـ) يف أرسة علم وصالح كانت الش�يخ عبد هلل ابن َّ
( )3ولد َّ
تس�كن املوص�ل .تلقى العل�م يف أول حياته يف املدارس النظامي�ة يف العراق .وبعد أن اس�تقر يف الكويت
الش�يخ عب�د اهلل الدحي�ان ،فأخ�ذ عنه وع�ن بعض علـمـ�اء الكويت .اش�تغل يف س�لك التدريس الزم َّ
والوعظ واإلرش�اد ،وكانت له برامج يف اإلذاعة والتليفزيون .تويف س�نة (1401هـ)« .علـمـاء الكويت
الرومي.وأعالمها» لعدنان ُّ
321
تأثير ًا قو ًّيا ،دفعته إىل طلب العلم الشرَّ ِّ
عي ،وأخذه من أفواه العلـمـاء ،وهذه احلادثة
السنة ال َّثانية يروهيا َّ
الش�يخ فيقول« :ويف رجب س�نة (1345هـ) ،وكنت قد جاوزت َّ
والعرشين من عمري ،قال يل الوالد -رمحه اهلل :-ستذهب بعد أربعة أ َّيا ٍم إىل اهلند مع
يقرره ،وال أر ُّد (رجل أعرفه من خيار النَّ�اس) .وكنت ال أجادل الوالد يف ٍ ٍ ٍ
قرار ِّ فلان
تعود سامعها منِّي ،فنظر إ َّيلفسكت ومل أر َّد عليه بالكلمة ا َّلتي َّ
ُّ عليه بغري كلمة ( َأ ْبشرِ ْ )،
نظر ًة عميق ًة ،وقال :ما لك؟ فقلت له :أمرك ومل أقل ( َأ ْبشرِ ْ ).
ج�رى ه�ذا احلدي�ث بعد صلاة املغرب ،فق�ال يل :اذه�ب ِّ
فصل إمام� ًا باجلامعة
السفر.
الصالة عدت ،فقال يل :ما لك؟ كأنَّك ال تريد َّ
العشاء ،فأنا اليوم تعبان .وبعد َّ
قلت :نعم يا أيب ،سألني اليوم ٌ
سائل عن الوضوء فلم أعرف جوابه ،وأنا إما ٌم وأيب من
الصيام؟ إنيِّ
الصالة أو عن ِّ ٌ
س�ائل آخر عن َّ علـمـاء املس�لمني ،فكيف إذا س�ألني غد ًا
أريد أن أتع َّلم ألعرف كيف أجيب عىل أسئلة َّ
السائلني.
وعلى إثر هذه املحاورة مع والده كانت االنطالقة األوىل لطلب العلم ،كام كانت
منها نقطة البداية ،فقد أحرض له والده كتب ًا ثالثة:
-1دليل ال َّطالب يف فقه اإلمام أمحد.
-2رشح قطر الندى يف النَّحو.
الصاحلني.
-3كتاب رياض َّ
وقال له :هذا كتاب «دليل ال َّطالب» تواصل به درسك عىل َّ
الشيخ عبد اهلل اخللف،
وه�ذا «رشح القط�ر» تواصل به درس�ك ضحى ِّ
كل يو ٍم عىل َّ
الش�يخ مجعة بن جودر.
الصاحلني» يف احلديث نقرأ فيه أنا وأنت بعد املغرب َّ
كل يو ٍم(.)1 وهذا كتاب «رياض َّ
* * *
الرومي.
(« )1علـمـاء الكويت وأعالمها» (ص )578تأليف عدنان بن سامل ُّ
322
الشيخ عبد اهلل بن الصديق الغامري -رمحه اهلل :)1(-كان إذا جاء ممَّا يذكر يف ترمجة َّ
ثم ٍ
أي جهة من جهات املغرب يدعوه ،ويميل عليه الفتوى ،ويكتبها َّ والده استفتا ٌء من ِّ
الس ِّيد عبد اهلل بأن يمضيها باسمه.
يمضيها ،وتار ًة يأمر َّ
صـب�اح يف املكتبة أو يف البيت ا َّلذي جيل�س فيه ،فإن َّ
تأخر ٍ وكان ي�زور وال�ده َّ
كل
تأخره ،ويق�ول -رمحه اهلل :-وكنت أناقش�ه كثري ًا
يوم� ًا بعث إليه وس�أله عن س�بب ُّ
وألح يف مناقش�ته ،فيتَّس�ع صدره وال يضيق يب ،وباجلملة اس�تفدت كثير ًا من إفاداته
ُّ
وإرشاداته وتوجيهاته ريض اهلل عنه ،وجزاه عنِّي أفضل ما جزى والد ًا عن والده.
ين�وه بفضله وعلم�ه بني أصدقائه ،ويصفه بحس�ن الفه�م ،وجودة
وكان وال�ده ِّ
للس�فر إىل مرص فيجيبه :س�تذهب إىل
الس� ِّيد عبد اهلل يطلب منه اإلذن َّ
املعرفة ،وكان َّ
مرص -إن ش�اء اهلل ،-ولكنِّي أح ُّبك أن تذهب عالـمـ ًا حيتاج إليك علـمـاء األزهر،
الس� ِّيد عبد اهلل :وكنت أظ ُّن أنَّه يقول ذلك عىل س�بيل التَّصبري والتَّشجيع ،وظهر
قال َّ
323
فيام بعد أنَّه كان يقول احلقيقة ،فقد احتاج إ َّيل علـمـاء األزهر.
تم االمتحان، ولـمـا رحل إىل األزهر ،ودرس فيه ،تقدم لنَـ ْيل َّ
الشهادة العامل َّية قالَّ : َّ
وظننت أنَّه قال
ُ وأردت القي�ام باالنرصاف ،ق�ال يل رئيس ال َّلجنة :مربوك يا علاَّ م�ة.
السلام غنيم وأخربه بنجاحي يل ه�ذه العبارة هت ُّك ًام ،ولكنَّه قابل صديقه َّ
الش�يخ عبد َّ
بتفو ٍق ،ونرش خرب نجاحي بجريدة األهرام ،وصادف أنيِّ كنت يف زيارة َّ
الشيخ حممود ُّ
ال لك ِّلـ َّي�ة الشرَّ يعة ،ودخل
ش�لتوت يف بيت�ه ومعه مجاع ٌة من العلـمـ�اء؛ ألنَّه كان وكي ً
الش�يخ ش�لتوت :عالم هتنِّئه؟ فقال:؛ ألنَّه نال َّ
الش�هادة الزائرين فهنَّأين ،فقال له َّ
أحد َّ
الش�هادة األزهر َّية بأخذ َّ
الشيخ الش�يخ ش�لتوت :نحن هننِّئ َّ
العامل َّية األزهر َّية ،فقالَّ :
عبد اهلل هلا ا َّلذي جاء من بالده عالـمـ ًا(.)1
* * *
الس� ِّيد نذير حسين كان َّ
الش�يخ عب�د اهلل ب�ن حممد الغزن�وي -رمحه اهلل -تلميذ َّ
الدَّ هلوي عاكف ًا عىل العبادة واإلفادة ،وانتهى إليه الورع ،وحسن َّ
السمت ،والتَّواضع،
بخاصة النَّفس ،واتَّفق النَّاس عىل ال َّثناء عليه واملدح بشامئله وصار املشار
َّ واالش�تغال
إليه يف هذا الباب.
الصالح، وكان له -رمحه اهلل -اثنا عرش ابن ًا ك ُّلهم دعا ٌة إىل اهلل عىل منهج َّ
السلف َّ
الرحي�م الغزن�وي ،والعلاَّ مة عب�د الواح�د الغزنوي
وكان م�ن بينه�م العلاَّ م�ة عب�د َّ
يشتغالن بالتِّجارة ليستعينا هبا عىل ال َّطاعة والعبادة والدَّ عوة ،وكانا جيوبان األقطار يف
اجتامع أثناء
ٌ هذا َّ
الش�أن حتَّى وصال إىل بعض البلدان العرب َّية ،وقدَّ ر اهلل أن حصل هلام
الرمحن بن الفيصل آل س�عود (1346-1268هـ)
س�فرمها إىل الكويت باألمري عبد َّ
(« )1عبد اهلل بن الصديق الغامري احلافظ الناقد» للدكتور فارق محادة (ص .)13
324
الرمحن الفيصل آل سعود (1373-1297هـ) ،وتأ َّثر
وابنه املغامر عبد العزيز بن عبد َّ
األمريان هبام جدًّ ا ،ودرسا عليهام بعض العلوم ،وقامت بينهم عالق ٌة و ِّد َّي ٌة خالص ٌة عىل
أساس وحدة العقيدة واملنهج.
الرياض عاصمة
الرمحن آل س�عود عىل ِّ
ولـمـا اس�توىل األمري عبد العزيز بن عبد َّ
َّ
الرياض ،فج�اءا وبقيا مخس س�نوات يف نجد،
وج�ه إليهما الدَّ عوة لإلقام�ة يف ِّ
نج�دَّ ،
ٍ
سعود وغريهم من أهل نجد(.)1 واستفاد منهام يف هذه املدَّ ة بعض األشخاص من آل
325
326
مزاحهم
327
328
ٍ
ملحوظ، ٍ
وذكاء حافظة قو َّي ٍة،
ٍ كان َّ
الشيخ حسني املرصفي -رمحه اهلل )1(-صاحب
ٍ
أش�هر، ودرس يف األزهر ملدَّ ة عرشين عام ًا تقريب ًا ،وتع َّلم ال ُّلغة الفرنس� َّية خالل ثالثة
َّ
وسبب ذلك يرجع إىل أنَّه كان جالس ًا مع عيل باشا مبارك ومعهام ٌ
ثالث قيل إنَّه قنصل
الرجلني بال ُّلغة الفرنس� َّية ،واملرصفي ال يعرف ما يدور بني
فرنس�ا ،ودار احلديث بني َّ
الرجلين ،فت�ألمَّ ،وقال :يقول رس�ول اهلل صىل اهلل عليه وس�لم« :ال يتن�اج اثنان دون
َّ
ف�إن ذلك حيزنه» ،وهن�ض من فوره ليتع َّلم ه�ذه ال ُّلغة يف غض�ون هذه الفرتة
ال َّثال�ث َّ
القصيرة ،وأج�اد كتابة وق�راءة ال ُّلغة الفرنس� َّية بطريقة برايلَّ ،
والش�يخ املرصفي من
أسبق املؤ ِّلفني يف دراسة األدب وكتابة تارخيه يف مرص.
وقد تأ َّلق نجمه يف سماء األزهر ودار العلوم ش�خص ًا متواضع ًا يعتمد عىل نفس�ه
مح�ار يمتطي�ه يف ذهاب�ه للتَّدريس بدار
ٌ بع�د اهلل يف قض�اء حاجات�ه وأعامل�ه ،وكان له
العل�وم ،وقد اش�تهر هذا احلمار باالنقي�اد والتَّذ ُّلل َّ
للش�يخ ،فكان حيضره من املنزل
ثم يرج�ع إىل البيت ليعود بع�د ذلك إىل دار
بمف�رده ويضع�ه عند ب�اب «دار العلوم» َّ
عضه ،وقال األستاذ حممد العلوم يف وقت خروج َّ
الشيخ ،وإذا اعرتضه أحدٌ رفسه ،أو َّ
«الشيخ حسني بن أمحد املرصفي» ا َّلذي نال جائزة مـجمع
عبد اجلواد صاحب كتاب َّ
ال ُّلغة العرب َّية يف البحث األد ِّ
يب ..قال عن هذا احلامر :إنَّه فخر احلمري(.)2
* * *
الش�يخ حسين بن أمحد املرصفي -رمحه اهلل -يف قرية (مرصفي) بالقرب من مدينة (بنها) سنة ( )1ولد َّ
(1815م)َ ،ف َقدَ برصه وهو ابن ثالث س�نني ،فحفظ القرآن صغري ًا ،ودرس العلوم الرشعية ،ح َّتى صار
من كبار العلـمـاء ،وتقلد العديد من املناصب ،كام صنف الكثري من املصنفات .تويف سنة (1890م).
329
الش�يخ إبراهي�م املييل :م�ن ال َّطرائ�ف ا َّلت�ي وقعت مع َّ
الش�يخ عب�د القادر ق�ال َّ
األرن�ؤوط -رمح�ه اهلل )1(-أن قل�ت ل�ه :ش�يخنا ،بلغني أنهَّ �م منعوا كت�اب «رياض
الشيخ مازح ًاَّ :
لعل أحد ًا الس�بب يف هذا؟ فقال َّ
الصاحلني» للنَّووي من األس�واق ،فام َّ
َّ
السلاح م�ن ه�ؤالء ا َّلذي�ن ال يفهمون َّ
لـمـا ق�رأ للنَّووي ظ� َّن الكتاب يتحدَّ ث عن ِّ
النَّووي.
لـمـا زار ومن األخبار ال َّطريفة ما أخربنا به أخونا َّ
الشيخ حممد زياد التكلة ،قالَّ :
الرياض بتاريخ (1424 4 8هـ) ،وكان يف املجلس بعض الكبار ،مثل َّ
الشيخ شيخنا ِّ
الرمح�ن الباينَّ ،
والش�يخ حممد لطفي الصب�اغ ،وعدد من طلبة العل�م املعروفني، عب�د َّ
الرضيعة (شيامء) وعمرها شهران تقريب ًا
حرض املجلس األخ معز الفرا ،مصطحب ًا ابنته َّ
عوذها ويدعو هلا،
عىل ما أذكر ،فقام شيخنا عبد القادر من جملسه إليها ،ومحلها ،وبدأ ُي ِّ
فقلت لش�يخنا :أال تُـحنِّكها أيض ًا؟ فضحك ش�يخنا كثري ًا ،وقال :ال ،حاجتنا سيدنا!
330
أن ش�يخنا يف إحدى زياراته الدَّ عو َّية لبالده كوسوفوُ ،أتيِ َ له يكفينا ا َّلذي عندنا! ذلك َّ
ثم دارت األ َّي�ام وال َّليايل وأصبحت ٍ
وعوذها ،ودعا هل�ا بالربكةَّ ،
بمول�ودة ،فحنَّكه�اَّ ،
زوجته(!)1
* * *
أن زوج�ات بعض احل َّفاظ
الس�عد -رمحها اهللَّ - م�ن أطرف ما روته َّ
الش�يخة أم َّ
والرجال يتك َّلمونخاص ًة ِّ أبدين غريهت َّن منها وخوفه َّن من أن ختطف منهن أزواجه َّنَّ ،
ٍ
واعتزاز ،وهو ما دفع بأزواجه َّن إىل اصطحاهب َّن للدُّ روس للتَّأكُّد ٍ
بفخر عن ش�يختهم
الس ِّن.
من أن هذا اخلوف ال مربر له ،فهي رضير ٌة وكبري ٌة يف ِّ
عيل باعتباري (امرأةً) وبعضهم
الرجال تر َّدد يف البداية يف القراءة َّ
وتقول :وبعض ِّ
السلف َّية باإلسكندر َّية أفتى هلم امتنع ،لك َّن َّ
الش�يخ حممد إسامعيل أش�هر دعاة الدَّ عوة َّ
عيل(.)2
بجواز ذلك عندما علم بسنِّي ،بل أرسل إ َّيل بأهل بيته للقراءة َّ
* * *
()3
الشيخ حممد األبيريي ابن َّ
الشيخ سيد بن املختار الشنقيطي -رمحه اهلل - تزوج َّ
َّ
ٍ
بام�رأة من غري أن يس�تأذن والدته ،فذهبت إليه تصحبه�ا عجائز ،فرضبنه ،فكتب إىل
أبيه يشكوه َّن:
(« )2فتح رب البيت يف ذكر مشايخ القرآن بدولة الكويت» للشيخ يارس إبراهيم املزروعي (ص .)187
الشيخ سيدي بن املختار بن اهليب األبيريي الشنقيطي -رمحه اهلل ،-من ( )3العالمة األديب حممد ابن َّ
علـمـ�اء القرن الثالث عرش اهلجري ،نش�أ يف كن�ف أبيه ا َّلذي كان من أهل العل�م ،والغنى ،واجلاه ،وقد
جلب إليه أبوه املؤدبني ح َّتى برع يف العلم واألدب«.الوسيط يف أدباء شنقيط» ألمحد الشنقيطي.
331
ِ
عاج�ز ي�روم اهتضام�ي بينك�م ُّ
كل ٍ
أم�ر رَّ
بالشيع�ة جائ� ٌز �ن فع�ل ِ
أم ْ
ِ
العجائ�ز علي الي�وم جن�دُ
َّ فص�ال وكان بك�م جن�دُ ال ُبغ�اة هيابن�ي
ِ
ماع�ز ِ
فع�ل ٍ
وفاحش�ة م�ن نح�و ٍ
ببدع�ة فصرت كأنيِّ ق�د أتي�ت
ُ
ولكـنَّـها لـيست بذات َأ َم ِ
اعز(.)1 أن أريض ذات ُمـعز رمجـنـنـي
فـلو َّ
* * *
أن والدته ا َّلت�ي مل تكن تكتب وال تقرأ طلبت منه أن يرس�ل هلا
يذك�ر ال َّطنط�اوي َّ
مـح�ب الدِّ ين اخلطيب يف مرص على أن يضع هلا ديباج� ًة حلو ًة من
ِّ رس�ال ًة إىل أخيه�ا
كتاب «اإلنش�اء العرصي» ا َّلذي كان يش�تمل عىل مجيع أش�كال َّ
الرس�ائل بام يف ذلك
االس�تعطاف ،واالعت�ذار ،والتَّهنئ�ة ،والتَّعزي�ة وغريها -ومل يكن يعجبها إنش�اؤه -
السلام عليكم ورمحة اهلل ،نحن ٍ
بخري، ففكرت يوم ًا ،فكتبت إليهَّ :
ُ يق�ول ال َّطنطاوي:
الصفح�ة ك�ذا من كتاب اإلنش�اء العرصي ،أق�ول هذا توفير ًا لوقتك،
والرس�الة يف َّ
وعيل ،يق�ول ال َّطنطاوي :ور َّد َّ
علي -يعني خاله مـح�ب الدِّ ين - َّ وتس�هي ً
ال علي�ك،
332
ٍ
بكتاب ال يزال عندي ،يثني فيه عىل فعيل؛ ألنيِّ كام قال :حفظت له مسرور ًا بام فعلت
وقته(.)1
ذه�ب َّ
الش�يخ عبد اهلل ب�ن خلف الدحي�ان -رمحه اهلل -لزيارة أح�د أصحابه يف
�م» فلم
«س ْ
فلـمـ�ا طرق الباب قال له صاح�ب املنزل عىل عادة أهل نجدَ :
املرق�ابَّ ،
وكرر صاح�ب املنزل الق�ول ،فلم يدخل
م�ر ًة أخرىَّ ، يدخ�ل َّ
الش�يخ ،فط�رق الباب َّ
�م»
«س ْ
الش�يخ :قلت يل َ الش�يخ ،وكذا يف ال َّثالثةَّ ،
فلـمـا خرج صاحب املنزل ،قال له َّ َّ
الشيخ أمحد ال َّطويل .وقال :يا شيخ ،عندك مخسة أخطاء يف التَّجويد ،فقال َّ
الشيخ حممد َّ
الصالة (.)3 ابن إبراهيم :لو قرأنا بقراءتكم يا أهل مرص لطلعت َّ
الشمس ومل تنقض َّ
* * *
333
البغوي بعد
ِّ الشيخ عبد العزيز بن باز -رمحه اهلل -عليه يف تفسري قرأ أحد طلاَّ ب َّ
الشيخ عبد العزيز بن نارص بن باز -فأكثر هذا القارئ األسايس -وهو َّ
ِّ غياب القارئ
مصحح ًا
ِّ الرواة ،و َأ ْمىل عليه َّ
الشيخ اإلسنادي والتَّصحيف يف أسامء ُّ
ِّ اجلديد من القلب
فلـمـا انتهى املكان ٍ
مرات بعض األس�انيد ،فيخطئ القارئ يف تركيبها وقراءهتاَّ ، عدَّ ة َّ
املق�رر قراءتـه س�أله سماحته -رمحه اهلل -عن اس�مه ،فقال القـارئ :اس�مي صقر، َّ
الصقر ما حيتاج إىل ه�ذا التَّعليم ك ِّلهَّ ،
الصقر الش�يخ مداعب ًا مبتس ً
ما :يا ول�ديَّ ، فقـال َّ
ٍ مر ٍة
ووهلة(.)1 يتع َّلم من َّأول َّ
* * *
334
الذهاب إليه إىل سي ٍ
ارة .أوقف ٍ
مكان حيتاج َّ وأراد بعد خروجه من احلرم َّ
الذهاب إىل
َّ
َّعرف عىل الشيخ ابن عثيمني س َّيارة تاكيس ،وصعد معه ،ويف ال َّطريق ،أراد َّ
السائق الت ُّ َّ
الراكب!
َّ
السائق :من َّ
الشيخ؟ َّ
َّ
الشيخ :حممد بن عثيمني!
الش�يخ يكذب علي�ه ،إذ مل خيطر بباله أن الش�يخ ابن عثيمني -وظ َّن َّ
أن َّ الس�ائقَّ :
َّ
يركب معه مثل َّ
الشيخ -
الشيخ :نعمَّ ،
الشيخ! َّ
335
336
خواتيمهم
337
338
أمرمحي�دان ب�ن تركي -رمح�ه اهلل )1(-الناس من حوله باخل�روج يف مرضه الذي
حج
لـمـا َّ ()3
ذك�ر بعضهم عن َّ
الش�يخ حممد بن س�يف العتيقي -رمحه اهلل -أنَّ�ه َّ
َّبي -صىل اهلل خرجت القافلة خارج املدينة وعزم عىل َّ
الذهاب معهم إىل بلده رأى الن َّ
مـحمد ،كيف خترج من عندنا وأنت من جرياننا؟
َّ عليه وسلم -يف النَّوم ،وقال له :يا
الس�تار عبد
(« )2في�ض املل�ك الوه�اب املتعايل بأنب�اء أوائل الق�رن الثالث عرش والتوايل» للش�يخ عبد َّ
الوهاب البكري الصديقي اهلندي املكي احلنفي (.)442/1
الشيخ حممد بن سيف بن محد العتيقي -رمحه اهلل -يف سنة (1175هـ) يف حرمة من قرى نجد ( )3ولد َّ
بإقليم سدير ،درس عىل والده سيف ،ارحتل حممد مع أبيه وأخيه صالح يف طلب العلم إىل اإلحساء حيث
درس عىل علـمـاء املذهب .توىل إفتاء احلنابلة بمكة املكرمة .كام ذكر البسام أنَّه توىل التدريس واإلفتاء يف
بلد الزبري .تويف بعد سنة (1224هـ).
339
افعي املك ُِّّي -رمحه اهلل -دائ ًام ِّ
يكرر :نعم اإلقامة مياطي َّ
الش ُّ كان َّ
الشيخ أمحد الدِّ
()1
ُّ
بمكَّة والوفاة بطيبة.
ومن أعظم مش�اخيهَّ :
الش�يخ عبد الغن�ي املدرس بجدة ،وقد ج�اور باألزهر مدَّ ًة
َّب�ي صىل اهلل عليه وس�لم ،وقرأ
وتوج�ه إىل املدينة املن�ورة لزيارة الن ِّ
َّ درس في�ه،
حتَّ�ى َّ
بالروضة املعطرة ،وبع�د أن ختمها توفيِّ
حاش�ية «الربدة» لش�يخ اإلسلام الباجوري َّ
س�نة (1270ه�ـ) ،ودفن بالبقيع بجانب ق َّب�ة آل البيت ،فحزن ملوت�ه أهل احلرمني -
رمحه اهلل .)2(-
* * *
توفيِّ َّ
الشيخ عوض بن حممد احلجي -رمحه اهلل )3(-أثناء ما كان يصليِّ بالنَّاس
يف ليل�ة [ ]27م�ن ش�هر رمض�ان بعد أن تال قول�ه تع�اىل :ﱫ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ
ﯵ ﯶ ﱪ[العلق.)4(]19:
* * *
الش�يخ أمحد الدمياطي الش�افعي املكي -رمحه اهلل -يف مكة ،وقرأ عىل علـمـائهم ،وصارت له ( )1ولد َّ
شهرة واسعة لسعة علمه ح َّتى صار مفتي ًا ملكة ،ومدرس ًا يف املسجد احلرام .تويف سنة (1270هـ).
الس�تار عبد
(« )2في�ض املل�ك الوه�اب املتع�ايل بأنباء أوائل الق�رن الثالث عرش والتوايل» للش�يخ عبد َّ
الوهاب البكري الصديقي اهلندي املكي احلنفي(.)161/1
السعودية
الشيخ عوض بن حممد بن عوض احلجي -رمحه اهلل -يف حائل شامل اململكة العربية ُّ ( )3ولد َّ
يف مطل�ع القرن الثالث عرش .كان يعد من أش�هر القراء يف حائل ،وب�رز يف علم الفرائض .عرف بعبادته،
وجلده يف ّ
الطاعة .تويف بعد سنة (1304هـ).
(« )4منب�ع الك�رم والشمائل يف ذكر أخبار وآثار من ع�اش من أهل العلم يف حائل» حلس�ان بن إبراهيم
الرديعان (ص.)187 ّ
340
الزواك احلس�يني -رمحه اهلل )1(-وهو يتلو س�ورة
حممد بن عبد اهلل َّ مات َّ
الش�يخ َّ
ت�وفيِّ َّ
الش�يخ حممد خوجه أك�رم -رمحه اهلل )3(-يوم ( 28رمض�ان) بعد أن صلىَّ
الترَّ اوي�ح إمام ًا يف مس�جده ،وكانت تل�ك ال َّليلة موع�د ًا خلتم الق�رآن الكريم ،وأتبع
الترَّ اوي�ح بالوتر ،ويف ال َّثالثة منها وقف َي ْقن ُُت بالدُّ عاء والتَّبتُّل والتَّذ ُّلل إىل اهلل ،وخلفه
مجوع من املص ِّلني يؤ ِّمنون عىل دعائه ،وكان من مجلة املص ِّلني أبناؤه وبناته وزوجته يف
ٌ
مصلىَّ النساء ،وبينام هو يدعو هبط ساجد ًا ،ولقي وجه ر ِّبه(.)4
الزواك احلسيني -رمحه اهلل -يف (احلديدة) يف اليمن سنة (1241هـ). ( )1ولد َّ
الشيخ حممد بن عبد اهلل َّ
ق�رأ الفقه الش�افعي وغريه من الفن�ون عىل علـمـاء بل�ده ،وأفتى ،ودرس يف حياهت�م .صنف العديد من
املصنفات .تويف سنة (1311هـ).
(« )4املستدرك عىل تتمة األعالم للزركيل» تأليف حممد خري رمضان.
341
الش�يخ عم�ر العدَّ ايس -رمح�ه اهلل )1(-له ثالث�ة أ َّيا ٍم يف األس�بوع يرأس فيه
كان َّ
وبالرغم من أنَّه مـجل�س مش�ايخ العلم بجام�ع الشرَّ بات بنهج أيب القاس�م َّ
الش�ايبُّ .
ث�م يميش عىل الزه�راء ،إلاَّ أنَّ�ه كان يركب القطار َف ْج َ�ر ِّ
كل يو ٍمَّ ، انتق�ل إىل ضاحي�ة َّ
السنة ،ومل ينقطع عن هذ الزيتونة ،وذلك يف ِّ
كل فصول َّ قدميه ليصليِّ ُّ
الصبح يف جامع َّ
لـمـا شعر بأمل ركبتيه وأصبح ُيعيقه عن امليش .وبعد صالة ٍ
بقليل َّ األمر إلاَّ قبيل وفاته
ٍ
أحزاب من القرآن. الزيتونة يقرأ مع ُث َّل ٍة من املص ِّلني بثامنية
الصبح يف جامع َّ
ُّ
ت�وفيِّ بجامع َّ
الزهراء يف اخلامس عرش من ش�هر رمضان وهو يؤ ِّدي ركعتي ُس�نَّة
َّشهد األخري(.)2
صالة الفجر يف الت ُّ
* * *
الش�يخ عم�ر الع�دايس يف تونس س�نة (1321ه�ـ) .درس يف جامع الزيتون�ة ح َّتى حتصل عىل ( )1ول�د َّ
درس فيه .انتقل إىل التدريس يف اجلامعة اإلسالمية بالبيضاء من ليبيا .توىل رئاسة هيئة
ثم َّ
شهادة التطويعَّ ،
علـمـاء جامع الزيتونة .تويف سنة (1410هـ)« .تتمة األعالم للزركيل» ملحمد خري رمضان.
342
أن العمل لإلسالم ال ينجح عيل بن حممد بن مجاح -رمحه اهلل )1(-يرى َّ
الشيخ ُّ كان َّ
واس�تمر هذا دأبه حتَّى آخر حياته،
َّ طريقة إدار َّي ٍة يسير عليها،
ٍ بش�كل ج ِّي ٍد إلاَّ بوضع
ٍ
ٍ
رئي�س هلم وأمني صندوق ووقت ًا تضمنه االتِّفاق مع هؤالء األفاضل وضع
وكان ممَّ�ا َّ
أس�بوع ًّيا لالجتامع وتدارس األمور واملس�تجدَّ ات ،واتَّفقوا على ألاَّ يدعوا النَّاس إىل
الش�يخ حممد بن عيل بن مج�اح الغامدي -رمحه اهلل -يف «بلج�ريش» يف جنوب اململكة العربية ( )1ول�د َّ
ال ومن أش�هر ش�عراء اجلنوب .قىض َّ
الش�يخ حممد الس�عودية س�نة ( 1336هـ) ،وكان أبوه صاحل ًا فاض ً ُّ
ب�ن مج�اح حيات�ه يف نرش العل�م ،والدع�وة إىل اهلل ،وكان من رواد احلرك�ة العلمية يف اجلنوب .تويف س�نة
(1430هـ).
343
ٍ ِ
ببنات أكثر منهم الش�عب َّية حتَّى َألفوه ،فأخذهم َّ
وعوض املعلمة زهرة بعض األلعاب َّ
عدد ًا ،فسرُ َّ ت بذلك -رمحها اهلل وأعىل درجتها يف عل ِّيني .-
الش�يخ ابن مجاح يعمل يف هذه املدرسة مدير ًا ومع ِّل ًام وخادم ًا ،واختار نخب ًة
وكان َّ
م�ن املتع ِّلمين األفاضل املحتس�بني لك�ي يعملوا مع�ه يف املدرس�ة ،ومل توقف حركة
تم ٍ
أش�هر فقط ،حتَّى َّ الدَّ عوة إىل اهلل تعاىل يف املس�اجد واألس�واق واملناس�بات س�وى
كبري بالدَّ عوة يف ُب ُيوهتم وعشيرهتم ،وكان َّ
الشيخ إعداد ال َّطلبة األذكياء ،وقاموا ٍ
بدور ٍ
ٍ
وتوجيهات ،ويقوم بتوزيعهم عىل مساجد يعدُّ هم علم ًّيا وعمل ًّيا ويميل عليهم نصائح
والرغبة ،واستؤنف
القرى وجوامعها ،وقوبلت الدَّ عوة عىل ألسنتهم بالقبول واملح َّبة َّ
عمل الدَّ عوة من األساتذة الكبار ا َّلذين كانوا يف مع َّية الطُّـلاَّ ب ِّ
الصغار مساندين هلم
ومؤ ِّيدين.
الس�نَّة
مر ًة أخرى على غرار ما فعله أنصار ُّ
ع�وي َّ
ُّ َّحرك الدَّ
ومن املدرس�ة ب�دأ الت ُّ
املرص ِّيين ا َّلذين التقى هبم يف احلبش�ة ،مراعي ًا فارق األوضاع واألعراف ،ومس�تفيد ًا
344
السلف َّية وا َّلتي هي املدرسة األوىل يف بالد غامد وزهران ،ويف أثناء زيارة
بناء املدرس�ة َّ
ٍ
بزيارة الس�لف َّية
خص املدرس�ة َّ
امللك س�عود -رمحه اهلل -للمنطقة س�نة (1374هـ) َّ
ولـمـا ا َّطلع عىل ما تقوم به من ٍ
دور وما تضطلع به من مها ٍّم كبري لهَّ ، وأقيم فيها ٌ
حفل ٌ
تعليم َّي ٍة وتربو َّي ٍة ودعو َّي ٍة أمر بدعمها س�نو ًّيا بمبلغ يس� َّلم َّ
للشيخ من وزارة الـمـالية،
واملعنوي من امللك أن يقوم َّ
الش�يخ اب�ن مجاح بافتتاح ُّ الـمـادي
ُّ فش�جع ذل�ك الدَّ عم
ثم زادت
الق�رآن وحتفيظ�ه ،ومن أوائل ذلك فتحه احللقات لذلك ع�ام (1370هـ)َّ ،
ثم لـمـا ُأ ِّسس�ت مجع َّي�ة لتحفيظ القرآن يف بلجريش كان مش�ارك ًا
ع�ام (1380هـ)َّ ،
ومش�جع ًا ومؤ ِّي�د ًا ،ويف س�نة (1409هـ) انتخب رئيس� ًا هل�ا فصيرَّ اس�مها (اجلمع َّية
ِّ
الس�لف َّية لتحفيظ القرآن يف حمافظة بلجريش وتوابعها) ،ونش�طت وأصبح هلا
اخلري َّي�ة َّ
345
حل َّفاظ وبقي مشتغ ً
ال يف شأن تعليم وحتفيظ وخترج فيها عد ٌد غري ٍ
قليل من ا ُ عدَّ ة فروعٍَّ ،
ٍ
بساعات. القرآن حتَّى قبيل وفاته
وبينام كان بعض ُطلاَّ به جمتمعني حوله ،وهو ال يش�كو شيئ ًا ،وإذا به ير ِّدد« :ال إله
الرباطي.
الرباط» أليب عبد اهلل حممد بن احلاج مصطفى بو جندار ِّ
(« )2االغتباط برتاجم علامء ِّ
346
347
348
ق�ص�ص
ومواقف �أخرى
349
350
الرمحن بن حس�ن - الش�يخ حممد بن إبراهيم -رمحه اهلل :-كان َّ
الش�يخ عبد َّ قال َّ
لـمـا كانت ترضعه.
رمحه اهلل -يقول عن نفسه إنَّه يذكر ثدي أ ِّمه َّ
()1
الش�يخ يف الدرعية س�نة (1193هـ) .فقرأ عىل علـمـاء بلده الرمحن بن حس�ن آل َّ ( )1ولد َّ
الش�يخ عبد َّ
الطالبومنهم جده اإلمام حممد بن عبد الوهاب ،فقرأ عليه قبل البلوغ .وقد نبغ يف العلوم وصار يدرس ُّ
الشيخ بعد حصار إبراهيم التوحيد والتفسير واحلديث والفقه وغريها .نقل إىل مرص مع املرحتلني من آل َّ
الرياض يف حكم اإلمام تركي بن عبد اهلل .تويف س�نة باش�ا للدرعي�ة .فاس�تقر يف مرص زمن ًاَّ ،
ثم رج�ع إىل ِّ
(1285هـ)« .علـمـاء نجد».
351
الش�يخ إبراهيم بن حممد بن ضويان -رمحه الش�يخ عبد اهلل البس�ام يف ترمجة َّ
قال َّ
الرشيد
الشيخ حممد بن عبد العزيز آل َّ اهلل :)1(-من لطف اهلل تعاىل وتدبريه َّ
أن تلميذه َّ
كان ي�درس تالميذ املرتجم عن موت الفجأة ،وي�ورد عليهم فيها من ٍ
آثار ،فماَ راعهم
الشيخ ابن ضويان بدون ٍ
سابق ،فكان هذا الدَّ رس ملح ِّبيه متهيد ًا لقلوهبم، إلاَّ خرب وفاة َّ
وعزا ًء لنفوسهم(.)2
* * *
كان َّ
الش�يخ حمم�د خير أب�و اخلير ب�ن حمم�د املي�داين -رمح�ه اهلل )3(-ال حي�ب
العز
بجل�ه النَّاس ،ومع تواضع�ه كان يرى َّ
الس�معة ،وال يأخ�ذه العجب بنفس�ه مهام َّ
ُّ
الرس س�نة (1275هـ) ،وقرأ عىل علـمـاء الش�يخ إبراهيم بن حممد بن ضويان -رمحه اهلل -يف َّ( )1ولد َّ
بلده .وقد أدرك يف العلوم ال سيام الفقه ح َّتى صار من كبار العلـمـاء ،كام أن له اطالع ًا واسع ًا يف التاريخ
واألنساب وتراجم العلـمـاء .تويف سنة (1353هـ)« .علـمـاء نجد».
(َّ )3
الش�يخ حممد خري أبو اخلري بن حممد امليداين احلنفي -رمحه اهلل ،-رئيس رابطة العلـمـاء يف دمش�ق،
ولد يف حي امليدان بدمشق سنة (1293هـ) املوافق (1875م) ،ونشأ فقري ًا ،فدرس يف أحد كتاتيب احلي
الرش�دية بمكتب عنرب ،أتقن اللغة الرتكية ،والفارس�ية ،والكردية ،والفرنسية القرآن ،والتحق باملدرس�ة َّ
الس�ابع عرش من رمضان س�نة (1380هـ) وأ َّمل إلـمـام ًا باللغة اإلنجليزية .تويف بداره يف حي ُ
العقيبة ليلة َّ
وصليِّ عليه يف اجلامع األموي.
املوافق (1961م) ُ
352
للعل�م والعلـمـ�اء ،وأ �م فوق النَّ�اس ك ِّلهم ،حدَّ ث�وا عنه يف هذا أنَّه ذه�ب مع ٍ
وفد نهَّ
حل َّجاب قاعة االس�تقبال يف القرص
من العلـمـاء لزيارة رئيس اجلمهور َّية ،فأدخلهم ا ُ
املخصص له عادةً،
َّ الرئي�س اجلمه�وري ،فصادف أن قعد َّ
الش�يخ أب�و اخلري يف مكان َّ ِّ
احت�اروا ماذا يفعلون؟ فقال :لو طلبوا منِّي أن أغيرِّ مقعدي خلرجت مبارش ًة ومل أعد؛
ٍ
منزلة(.)1 ألنَّني أم ِّثل منزل ًة أعىل منه ،ومنزلة العلم فوق ِّ
كل
منزله بحيث أصبح أعىل من سطح جاره ،فام كان منه إلاَّ أن أمر هبدم َّ
السطح حتَّى ال
(« )1صفحات مرشقة من تاريخ أعالم األمة» لعبده عيل كوشك (ص .)686
353
قصة هتريب احلاج
ي�روي د .صلاح الدين املنج�د يف جريدة «الشرَّ ق األوس�ط» َّ
أمني احلسيني -رمحه اهلل )1(-من سجنه الفرنيس سنة (1946م) إىل القاهرة ،فيقول:
ٍ
وإحلاح كان الدُّ كتور حممد معروف الدواليبي قد كشف لنا النِّقاب حيث قال بعد تر ُّد ٍد
إن اهلل -س�بحانه وتعاىل -إذا أراد أمر ًا يسرَّ ه مهام أحاط به من مصاعب أو ُخ ِّيل منَّاَّ :
لإلنسان أن ال سبيل إليه .فعىل أثر احلرب العامل َّية ال َّثانية كانت الدُّ ول العظمى ال َّثالث:
مهوا
احلاج أمني احلسيني بعد أن ُّ
َّ الواليات املتحدة األمريك َّية وإنجلرتا وفرنسا تالحق
واضطروه لاللتحاق
ُّ ثم يف العراق فأفلت منهم،
ثم يف لبنان َّ
بالقبض عليه يف فلسطني َّ
هبتلر ،وتابع كفاحه ضد اليهود الغاصبني ،فقبض عليه الفرنس� ُّيون يف أس�بوع إعالن
ٍ
يومئذ يف باريس ٍ
إنسان أن هيتدي إليه ،وكنت أي ٍ
اهلدنة وسجنوه يف مكان يصعب عىل ِّ
لتحضير الدُّ كت�وراه ،وكنت رئيس جلنة الطَُّّل�اَّ ب العرب يف فرنس�ا ،فبذلنا جهود ًا ال
تصورها حتَّى اهتدينا إىل مكان سجنه ا َّلذي يبعد ثالثني كيلو مرت ًا عن باريس.
يمكن ُّ
الش�يخ حممد أمني بن حممد طاهر احلس�يني بالقدس س�نة (1311هـ) ،حف�ظ القرآن الكريم، ( )1ول�د َّ
ودرس العلم عىل والده ،وسافر إىل مرص وأقام فيها سنني .عرف بجهاده لالستعامر الغريب ،وقىض حياته
يسافر من بلد إىل بلد لنرصة قضية القدس ،عرف بنرصته لقضايا املسلمني .طارده املستعمرون ح َّتى تويف
يف بريوت سنة (1394هـ)« .من أعالم احلركة والدعوة اإلسالمية» لعبد اهلل العقيل.
354
طائرات مدن َّي ٌة لنقل ُّ
الركَّاب إىل الشرَّ ق ،وكان ٌ ومل يكن يف باريس سنة (1946م)
ألمور عسكر َّي ٍة تسافران إىل القاهرة وشامل أفريقيا،
ٍ مـخصصتان
َّ هناك يوم ًّيا طائرتان
ٍ
واحد فقط أن يس�افر عىل ٍّ
كل منهما برشط أخذ اإلذن من مدين ٍ
لراكب ٍّ وكان يس�مح
األمريكي بباريس ،وبعد الدِّ راسة وقع اختيارنا عىل ال َّطائرة األمريك َّية ليهرب
ِّ السفري
َّ
ٍ ـخصص ًا ٍ
لضابط عىل متنها ،فاستطعنا -بحول اهلل تعاىل -حجز مكان يف ال َّطائرة كان ُم َّ
ثم محلناه إىل
احلاج أمني باسم مستعارَّ ،
ُّ ليحل مـح َّله
أمريكي أمكن محله عىل التَّخ ُّلف َّ
ٍّ
األمريكي السفري ٍ ٍ املطار وصعد ال َّطائرة ِّ
ِّ وطبيعي ودون علم َّ
ٍّ عادي
ٍّ وبشكل هدوء بكل
األمريكي عن مكانه ،وعندما رأينا ال َّطائرة تقلع،
ِّ الضابط
وإذن�ه ،وذلك بفضل تنازل َّ
تن َّفس�نا ُّ
الصع�داء ،وبتنا ننتظ�ر اخلرب امليم�ون بوصوله إىل املكان املأم�ون .وأصبحت
ترضع ًا وخيف ًة .واس�تقبله يف القاهرة من اتَّصلنا هبم الس�تقباله ،ونزل
صائ ًام هلل تعاىل ُّ
ٍ
يف م�كان ُأع�دَّ له بادئ األمر ًّ
رسا ،وبقي فيه بضع عرشة يوم ًا ال يعلم العامل عنه ش�يئ ًا.
كالصاعقة عىل احلكومة الفرنس� َّية حني افتضح أم�ر هروبه بعد
وق�د ن�زل خرب ف�راره َّ
الفوري وإجراء التَّحقيقات.
ِّ أسبوعني ،فبادرت إىل اعتقايل
ِ
مزرعة وقام رئيس اس�تخبارات احللفاء بدمش�ق اجلنرال كاليتون بنفسه بتفتيش
رئيس الوزراء مجيل مردم بحث ًا عن اهلارب املطلوب من اجليوش ال َّثالثة.
احلاج أمني فجأ ًة يف قرص امللك فاروق ا َّلذي مل يس�عه إلاَّ الترَّ حيب
ُّ وبعده�ا ظه�ر
به(.)1
* * *
(« )1من أعالم احلركة والدعوة اإلسالمية املعارصة» (ص )135تأليف عبد اهلل العقيل.
355
الشيخ حممد بن محد العسايف -رمحه اهلل )1(-مكتب ًة ضخم ًة كثرية املخطوطات
مجع َّ
والنَّ�وادر أهداه�ا يف آخ�ر أ َّيامه إىل مكتبة َّ
الش�يخ عبد القادر اجليلاين يف بغداد .ومن
نوادر املخطوطات يف مكتبته :كتاب بقلم اإلمام أمحد بن حنبل أصابه ٌ
بلل حينام ألقت
التَّرت تراث املسلمني يف هنر دجلة(.)2
* * *
كان َّ
الش�يخ حممد بن صال�ح املطوع -رمحه اهلل )3(-يلهج بذكر مش�اخيه ،ويدعو
الشيخ عمر بن سليم ،حتَّى َّ
إن من حوله يف املسجد ليسمع دعاءه لشيخه هلم ،وخيص َّ
ال كبري ًا،
عيل فض ً إن َّ
للشيخ عمر َّ الش�يخ عمر يف ِّ
كل يو ٍم صباح ًا ومس�ا ًء ،وكان يقولَّ : َّ
قص ٌة نس�وقها خمترصةً ،وهي َّ
أن والده فبس�ببه وصلت إىل ما وصلت إليه .وله يف هذا َّ
صال�ح املطوع كان م�ن َّجتار اإلبل ،ومل يكن ل�ه معرف ٌة بالعلم وأهل�ه وال يقدر ذلك،
الش�يخ حممد ،وبقي َّ
الش�يخ حممد عند والدته ،فل�م يلتفت إليه وكان ق�د ط َّل�ق والدة َّ
الش�ام ومرص ،وذات ٍ
بيشء ،ووالده من َّجتار اإلبل ا َّلذين يس�افرون باإلبل إىل َّ وال�ده
يو ٍم بعد أن كرب َّ
الش�يخ حممد اس�تدعاه أبوه ،وأمره بأن يس�افر معه َّ
للش�ام ومرص مع
الش�يخ حممد بن صالح املطوع يف بريدة س�نة (1312هـ) .وقرأ عىل علـمـاء بلده السيام َّ
الشيخ ( )3ولد َّ
عمر بن حممد بن س�ليم .ولـمـا تقدم يف العلم جلس للتدريس يف مس�جده ،واس�تمر التدريس أكثر من
أربعني س�نة ،وكان عالـمـ ًا ،عابد ًا ،ورع ًا ،متعفف ًا ،آمر ًا باملعروف ،ناهي ًا عن املنكر ،ال تأخذه يف اهلل لومة
الئم .تويف سنة (1399هـ)« .علـمـاء نجد».
356
فلـمـا اإلب�ل ،فام اس�تطاع الولد االمتن�اع وذهب مع وال�ده مرغ ًام عىل ذلك َّ
الس�فرَّ ،
انقط�ع عن ال�دَّ رس ،ومل يكن ذلك من عادته ،اس�تغرب َّ
الش�يخ عم�ر عدم حضوره
للشام ،فقام َّ
الش�يخ عمر عىل الفور إىل للدَّ رس ،فس�أل عنه ،فقيل :اس�تصحبه والده َّ
األمري عبد اهلل بن جلوي أمري القصيم آنذاك ،فأخربه باألمر وطلب منه إعادته ،وقال
ولـمـ�ا اتجَّ ه إىل العلم ٍ ٍ إن وال�ده قد ترك�ه َّ
األميرَّ :
كل هذه املدَّ ة بدون نفق�ة أو رعايةَّ ،
أراد أن يستفيد منه يف جتارته ،ويضيع مستقبله يف العلم ،فام كان من األمري عبد اهلل بن
جلوي إلاَّ أن ل َّبى طلب الش�يخ ،وبعث إليه فارس� ًا حلق به بعدما جتاوز ال َّطرفية ،أي:
واس�تمر عىل ذلك ،فكان يف ذلك
َّ مس�افة مخسين ِمي ً
ال تقريب ًا ،فأعاده إىل شيخه وأ ِّمه،
القصة دعا لش�يخه، الضي�اع ،ولذلك كان -رمحه اهلل -ك َّلام ذكر هذه َّ ختلي�ص له من َّ
ٌ
وكان يقول :أنقذين اهلل َّ
بالشيخ عمر من اجلهل ،فرمحهام اهلل تعاىل وعفا عنهام(.)1
* * *
الرمحن بن عبد العزيز آل س�ليم الش�يخ عبد اهلل البس�ام يف ترمجة َّ
الش�يخ عبد َّ قال َّ
الس�عدي دائرين عليه يف مكتبة جامع الرمحن َّ
الش�يخ عبد َّ -رمحه اهلل :)2(-كان طلبة َّ
ٍ
فرج�ة باملكتبة إىل عصفور من عني�زة يف ال�دَّ رس ،وكنت من مجل�ة احلارضين ،فط�ار
ٌ
الفرج�ة األخ�رى املقابل�ة ،وكان يف منق�اره متر ٌة فس�قطت من�ه أثناء ال َّطيران ،فصار
الس�عدي فأخذها ،وصار يق ِّلبها ،فقال له املرتجمَّ :
إن الش�يخ ابن َّ س�قوطها يف ِح ْجر َّ
ِ
هذا العصفور مل يعرف آ َم َن من َْك عىل رزقه ،فاستودعك إ َّياه .فكانت لطيف ًةَّ ،
ثم أتبعها
الرمحن ابن
الشيخ عبد َّالرمحن بن عبد العزيز آل س�ليم سنة (1311هـ) ،وقرأ عىل َّ ( )2ولد َّ
الش�يخ عبد َّ
سعدي وغريه من علـمـاء بلده ،وله اطالع يف التاريخ واألدب واألنساب .عرض عليه إمارة عنيزة لكنه
رفضها .تويف سنة (1402هـ)« .علـمـاء نجد».
357
بقص ٍة تشاهبها ،فقال:
َّ
الرازي كان يدرس الطَُّّل�اَّ ب يف جامع مرو ،وكان يف ذك�ر ابن خ ِّل�كان َّ
أن اإلمام َّ
فلـمـ�ا دنا منها وكاد ٍ يو ٍم ش�ديد البرد ،وإذا
صق�ر يف أروقة اجلامعَّ ،
ٌ بحاممة يطاردها
الصقر اجل�ارح ،وكان من مجلة
الرازي ،وس�لمت من َّ خيطفه�ا دخلت يف ج َّبة َّ
الش�يخ َّ
الرازي احلارضين َّ
الشاعر ابن عنني ،فارجتل يف احلال هذه األبيات: طلبة اإلمام َّ
ِ
خاط�ف وامل�وت يلم�ع م�ن جناح�ي
ُ ج���اءت سليامن ال��زَّم��ان محام ٌة
ِ
واج���ف ف���رددت���ه ع��ن��ه��ا ب��ق��ل� ٍ
�ب جل�أت إلي�ك وق�د تدان�ى َحتْفه�ا
ِ ح���ر ٌم وأ َّن����ك م��ل��ج� ٌ أن حمِ َ ��اك��م
للخائف؟ �أ م��ن ع � َّل��م ال���ورق� َ
��اء َّ
الش�يخ مجال الدين القاس�مي بدمش�ق س�نة (1331هـ) .تويف أبوه ولهالش�يخ حممد ظافر ابن َّ
( )2ولد َّ
من العمر س�نة وثالثة أش�هر ،أخذ العلم عن عمه َّ
الشيخ قاس�م وبعض تالميذ أبيه ،فتح «مكتب الرتاث
العريب» للطباعة والنرش وطبع فيه مجل ًة من الكتب .توىل تدريس العلوم العربية يف بعض جامعات لبنان.
تويف سنة (1404هـ)« .من بيوت العلم بدمشق آل القاسمي» ملحمد بن نارص العجمي.
358
ذات ٍ
ليلة يف بيتنا ا َّلذي كان يقع يف زق�اق املكتبي ،ظاهر باب اجلابية من فق�د بتن�ا َ
مدينة دمشق القديمة ،وإذا َمدَ افع الفرنس ِّيني تقصف املدينة القديمة وحترقها بقنابلها،
(« )1من بيوت العلم بدمشق آل القاسمي ونبوغهم يف العلم والتحصيل» تأليف حممد بن نارص العجمي
(ص.)151
359
ق�ال العلاَّ م�ة حممود ش�اكر -رمح�ه اهلل « :)1(-يف يوم ٍ
مجعة ،يف أوائ�ل ثورة يوليو
فؤاد جالل ،وكان جيلس عىل الـمـائدة نفسها األسطى أنور احلالق .ويف صباح اليوم
عات�ب عليك لوجود األس�طى أنور بينن�ا .يقول أبو فه�ر :ويف اجلمعة
ٌ االجتامع َّي�ة -
الشيخ حممود حممد شاكر سنة (1909م) .وقرأ عىل والده العالمة حممد شاكر وعلـمـاء بلده.( )1ولد َّ
تعلق باللغة واألدب والرتاث منذ صغره ،فقرأ «لس�ان العرب» و«األغاين» وهو يف الثانوية .التحق بكلية
اللغ�ة والتراث .عرف بالغرية الش�ديدة عىل اللغة العربي�ة ،والرد عىل خصومها .تويف س�نة (1997م).
«مقاالت َّ
الطناحي».
360
الش�يخ محود بن عب�د اهلل العقالء - الرمح�ن بن عبد العزيز اجلفن :كان َّ ق�ال عبد َّ
الش�يخ حممد بن إبراهيم -رمحه اهلل رمحه اهلل -مع َف ْقده لبرصه َّ
لـمـا كان يف رباط َّ ()1
-كان خيرج يف ال َّليل شديد الربودة ،فكان -رمحه اهلل -حيدِّ ثنا فيقول :كنت أخرج يف
الرباط ألحرض احلطب ،وأبحث عماَّ يش�علها ،فأمجعه وأحرضه إىل الش�اتية من ِّ ال َّليلة َّ
والقدْ ر عليه ،وأخرج آليت بالـمـاء بنفيس.البيت ،وأضع احلطب ِ
وكان -رمح�ه اهلل -يق�ود س�يارته بنفس�ه أحيان� ًا يف بعض طرق مزرعت�ه ،بل إذا
الس� َّيارة بعض األعطال يقوم هو بنفس�ه بإصالحها .يقول ابنه املثنى -حفظه أصاب َّ
ولـمـ�ا كنَّا يف
الش�يخ -رمح�ه اهلل -إىل بع�ض حاجت�ه ليلاًَّ ، اهلل :-أخ�ذت وال�دي َّ
نار ،فوقفت ،ونزل الس َّيارة -أسفلها -رشار َة ٍ الـمـارة َّ
أن يف َّ َّ ال َّطريق أشار إلينا بعض
ثم أخذ الس َّيارة َّ
الشيخ أسفل َّ (سلك) ٍّ
متدل ،فاقرتب َّ ٌ الشيخ معي ،يقول :فقلت :هذا َّ
الش�يخ محود بن عبد اهلل العقالء يف بريدة س�نة (1346هـ) ،فقد برصه وعمره ست سنوات إلاَّ ( )1ولد َّ
ثم س�افر إىل ال .درس عىل مش�ايخ بلده َّالرائي أنَّه يرى قلي ً
أنَّه كان يقوم بمزاولة بعض األعامل ح َّتى يظن َّ
والش�يخ حممدالش�يخ حممد بن إبراهيم آل الش�يخَّ ، الرياض ،وقرأ عىل علـمـائها ومن أش�هرهم سماحة َّ ِّ
الشيخ حممد بن إبراهيم ،وأذكى من قابلت من األمني الشنقيطي والذي قال :أذكى من قابلت من املشايخ َّ
الطلاَّ ب .وقد عرف بالعلم والعبادة الش�يخ محود إىل بل�ده وجلس لتدريس ُّ التالميذ محود العقالء .رجع َّ
الرمحن والزهد والصدع باحلق .تويف س�نة (1422هـ)« .إيناس النبالء بسيرة َّ
الشيخ محود العقالء» لعبد َّ
بن عبد العزيز اجلفن.
361
الش�يخ :وفع ً
ال بعد منقطع ،يقول ابن َّ
ٌ ثم ق�ال :هذا مؤشرِّ السرُّ ع�ة
بالس�لك وتت َّبع�هَّ ،
ِّ
الش�يخ -رمح�ه اهلل -يف حم ِّله ،فكيف عرف َّ
الش�يخ أن كالم َّ الكش�ف عليه�ا وجدن�ا َّ
ذلك؟!
ٍ
ولـمـا طرقت الباب وفتح يل قال :احلقني، وجئته يوم ًا من األ َّيام يف يو ٍم ش�اتَّ ،
ٍ
مبرص حتَّى أوقفني عند (س�خانة) دورة املياه ،وكان -رمحه اهلل - فتبعت�ه كأنيِّ خل�ف
أن للس�خانة ميزان ًا للحرارة ،فقلت
يري�د أن يزيد حرارة الـمـاء ،ومل أكن أعلم حينها َّ
ل�ه :إيش تعمل يا ش�يخ؟ قال :أريد أن أزيد من حرارة التَّس�خني ،فقلت له :وهل هلا
السخانة عند املفتاح ،وقال :هذه اجلهة ٌ
ميزان؟ قال :نعم ،انظر هنا .وأش�ار إىل أس�فل َّ
ثم أكمل ما يريده حتَّى انتهى(.)1
تزيد ،وهذه اجلهة تنقصَّ ،
* * *
362
الص َّحة حيرص على تعيني مدراء
غ�زة ،وكان ضابط رك�ن ِّ
مهن�ة التَّمري�ض يف قط�اع َّ
أقسام التَّمريض ممَّن اشتهروا بأخالقهم اهلابطة إلاَّ َم ْن رحم اهلل ،ولقد فكَّرنا يف إنشاء
ك ِّلـ َّي�ة التَّمريض يف اجلامعة اإلسلام َّية ،وكن�ت والدُّ كتور «حممود الزه�ار» من وراء
ه�ذه الفكرة ،ولك َّن األمر مل يرق لليهود ا َّلذي�ن ال يريدون أن ينهض التَّمريض هنض ًة
استمرت مخس ًة وأربعني يوم ًا ،بدأت باستدعائنا
َّ أخالق َّيـ ًة قيم َّيـ ًة ،فبدأت املعركة ا َّلتي
هيوينٌّ ،
كل يف مدينته -فبينام كنت أقيم يف «خان ِّ الص
العسكري ُّ
ِّ من قبل مكتب احلاكم
الز َّهار يقيم يف مدينة «غزة» -ليطلبوا منَّا عدم فتح هذه الك ِّلـ َّية،
يونس» كان الدُّ كتور َّ
قو ًة عس�كر َّي ًة
هيوين َّ
ُّ الص
الع�دو ُّ
ُّ وعندم�ا قوبل ه�ذا ال َّطلب َّ
بالرفض القاطع ،أرس�ل
«الز َّهار» يف «غزة»،
اخلاصة يف «خان يونس» وكذلك عيادة الدُّ كتور َّ
َّ لتح�ارص عياديت
ويستمر احلصار طوال ساعات العمل .أثناء احلصار كانوا يرهبون املرىض ويطالبوهنم
َّ
الش�خص َّية كالنِّس�اء -مث ً
ال - ال بطاقته َّ
الش�خص َّية ومن مل يكن حام ً
بإظهار البطاقات َّ
أطفال فمعظم احلضور كانوا من ٍ ير ُّدونه ويمنعونه من دخول العيادة .وبام أنَّني طبيب
أن عدد ًا كبير ًا منه َّن كان يأيت من
النِّس�اء بأطفاهل� َّن ،فكانوا ير ُّدوهن َّن وأطفاهل� َّن رغم َّ
بعيدة نسب ًّيا عن خان يونس .وعند هناية ٍ مدن أخرى كمدينة «رفح» مثالً ،أو من قرى ٍ
القوة العسكر َّية املحمولةالدَّ وام يف العيادة كنت أركب سياريت عائد ًا إىل املنزل ،فتقوم َّ
ناقلة للجنود بمتابعتي حتَّى أصل إىل البيت ،ورغم أنَّني كنت أشعر ارة عسكري ٍة ٍ بس�ي ٍ
َّ َّ
ٍ
بضيق ال يعلمه إلاَّ اهلل إلاَّ أنَّني والدُّ كتور َّ
«الز َّهار» مل نستسلم.
الش�هر م�ن ه�ذه املضايق�ات اليوم َّي�ة اس�تدعيت من ِق َب�ل احلاكم وبع�د ح�وايل َّ
إن هذه املضايق�ات لن تتو َّقف إىل أن تغلق ك ِّلـ َّية التَّمريض، العس�كري ا َّلذي قال يلَّ :
ِّ
فقل�ت ل�ه :إنَّن�ي ال أريده�ا أن تتو َّقف ،فيكفين�ي َّ
أن النَّاس وهم يرون م�ا تفعلون يب
363
اللهم انرص الدُّ كت�ور عليه .وبعد قويل ه�ذا تو َّقفوا ملدَّ ة ثالثة
َّ يرفع�ون أك َّفه�م قائلني:
بأن كابوس ًا قد أزيح عن صدري ،ولكنَّهم عادوا ثاني ًة إىل ما كانوا
أ َّيا ٍم شعرت خالهلا َّ
مها وكرب ًا إلاَّ أننا صربنا حتَّى فش�لوا ٍ
يقومون به من مضايقات ،فكانت عودهتم أش�د ًّ
يف محلتهم وانتهت دون أن حي ِّققوا هدفهم ،ومازالت ك ِّلـ َّية التَّمريض قائم ًة حتَّى يومنا
هذا ،واحلمد يف ذلك هلل وحده.
أن ضابط ًا هيود ًّي�ا كان يعم�ل يف رشطة «خ�ان يونس» قد
وم�ن عجائ�ب الق�در َّ
هيوين ،ولكنَّه مل يكتب هلا ِّ
الش�فاء ،فنصحه ِّ الص
مرض�ت ابنتُ� ُه ،وعاجلها داخل الكيان ُّ
اخلاصة قائلني
َّ ض َّباط الشرُّ طة الفلس�طينيون ا َّلذين يعملون معه أن يذهب هبا لعياديت
وصلت إىل مدخل عياديت يف ذلك
ُ له :ليس هلذا األمر إلاَّ الدُّ كتور «الرنتييس» ،وعندما
فقلت يف اليوم رأيت ضابط ًا صهيون ًّيا رشط ًّيا يقف عىل قارعة َّ
الرصيف املقابل للعيادةُ ،
تنضم إىل عمل َّية احلصار ا َّلتي يقوم هبا اجلنود،
َّ الصهيون َّية أن
نفسي :ر َّبام تريد الشرُّ طة ُّ
خاص� ًة أنَّ�ه كان يق�ف وح�ده أي :مل تكن معه طفلت�ه ،ولكن بعد ٍ
قليل دخ�ل العيادة َّ
فلسطيني من
ٌّ الش�خص َّية يف الدَّ اخل َّية وهو ٌ
مس�ئول يف دائرة إصدار البطاقات َّ مو َّظ ٌ
ف
أن يف اخلارج ضابط رشطة ُصهيون ًّيا ابنته مريض ٌة، ٍ
كبرية يف خان يونس ،وأخربين َّ ٍ
عائلة
ولقد عاجلها لدى أط َّباء صهاينة ولكن عبث ًا ،فقلت له :أمل َتر كيف حيارص اجلنود العيادة
وحيرمون أطفال املسلمني من العالج ،فكيف أعالج أطفاهلم يف الوقت ا َّلذي حيرمون
�ت ،فخرج ولكن مل عيل إلاَّ أنَّني َأ َب ْي ُ
وأل�ح َّ
َّ في�ه أطفالنا من العالج؟ ورفضت بش�دَّ ٍة،
فلسطيني يعمل يف الشرُّ طة وهوٌّ ٌ
ضابط الساعة جاءين يكن راضي ًا ،وبعد حوايل نصف َّ
الصالة يف املس�جد ا َّلذي أصليِّ فيه ،وطلب منِّي أن
ومواظب عىل َّ
ٌ ٌ
رجل دمث اخللق،
فأبيت ،فأقسم ألاَّ خيرج من العيادة حتَّى أعاجلها،
ُ عيل أعالج ال ِّطفلة ،فرفضتَّ ،
فألح َّ
364
فل�م أس�تطع املقاومة ،وقلت له :اذهب فأحرضها وال حتضر والدها معها ،وقدَّ ر اهلل
مخسة وأربعنيٍ الشفاء يف أقل من أرب ٍع وعرشين ساع ًة ،واحلمد هلل ،وبعد
أن يكتب هلا ِّ
يوم� ًا تو َّق�ف اجلند عن احلصار فج�أةً ،وانترصت اإلرادة ،وانكش�فت َّ
الغمة ،وبقيت
ك ِّلـ َّية التَّمريض ،واحلمد يف ذلك هلل وحده(.)1
* * *
365
الرمحن البكري من الش�يخ حممد بن إبراهيم -رمحه اهلل :-كان َّ
الش�يخ عب�د َّ قال َّ
ثم بدا له أن يفتح مدرس� ًة يف عامن يعلم فيها ُطلاَّ ب العلم عىل َّ
الش�يخ عبد اهلل وغريهَّ ،
التَّوحيد من كسبه اخلاص ،فإذا فرغ ما يف يده ،أخذ بضاع ًة من ٍ
أحد ،وسافر إىل اهلند،
وربام أخذ نصف ٍ
سنة يف اهلند. َّ
مدر ٌس إذا فرغ من ٍ وقال َّ
الش�يخ البكري :كنت بجوار مس�جد يف اهلند ،وكان فيه ِّ
مر يب وقال :أنا
الوهاب ،وإذا خرج من املس�جد َّ تدريس�ه لعنوا َّ
الش�يخ حممد بن عبد َّ
أجيد العرب َّية ،لكن أحب أن أسمعها من أهلها ،ويرشب من عندي ما ًء بارد ًا ،فأ َّ
مهني
اح َت ْل ُت بأن دعوت�ه وأخذت كتاب التَّوحيد َّ
للش�يخ حممد م�ا يفعل يف درس�ه ،ق�الَ :ف ْ
فلـمـا
رف يف منزيل قب�ل مـجيئهَّ ،
الوهاب ،ونزع�ت ديباجته ،ووضعته عىل ٍّ
ب�ن عبد َّ
وهيز رأسه،
فلـمـا رجعت إذا هو يقرأ ُّ ٍ
حرض قلت :أتأذن يل أن آيت ببطيخة ،فذهبتَّ ،
البخاري،
ِّ فقال :ملن هذا الكتاب؟ هذه الترَّ اجم -أي العناوين -تشبه تراجم
ثم قلت :أال نذهب َّ
للش�يخ البخاري!! فقلت :ال أدريَّ ،
ِّ هذا -واهلل -نفس
ٍ
مكتبة -فدخلنا عليه ،فقلت للغزوي :كان عندي الغزوي لنس�أله -وكان صاحب
ٌ
أوراق ،س�ألني َّ
الش�يخ ملن ه�ي؟ فلم أع�رف ،ففهم الغ�زوي املراد ،فن�ادى َم ْن يأيت
الوهاب، بكتاب« :جمموعة التَّوحيد» فأيت هبا ،فقابل بينهام ،فقال :هذا ملحمد بن عبد َّ
ٍ ٍ
ثم هدأفق�ال الع�امل اهلندي مغضب� ًا وبصوت عال :الكافر ،فس�كتنا وس�كت قليلاًَّ ،
كل يو ٍم ث�م إنَّه صار َّ
ثم قال :إن كان ه�ذا الكتاب له فقد ظلمناهَّ ،
غضب�ه واسترجعَّ ،
وتف�رق تالميذه يف اهلند ،وإذا فرغ�وا من القراءة دعوا
َّ يدع�و ل�ه ويدعو معه تالميذه،
الوهاب(.)1 مجيع ًا َّ
للشيخ حممد بن عبد َّ
* * *
(« )1علـمـاء نجد مشاهد ومواقف» لعبد العزيز العبد اللطيف (ص.)80
366
الش�يخ عبد اهلل البس�ام يف ترمجة َّ
الشيخ إبراهيم بن محد اجلارس -رمحه اهلل :- قال َّ
السعدي بعنيزة أنَّه كان يدرس لل َّطلبة يف
الرمحن َّ حدَّ ثني أحد تالميذه وهو َّ
الشيخ عبد َّ
«املنهاج» لش�يخ اإلسالم ابن تيمية يف بريدة ،فقرأ القارئ أمام الدَّ رس كالم املعارض
والضالل ،فما انتبه ال َّطلبة إلاَّ عىل
الرفض َّ
اب�ن املطهر ،وأخذ القارئ يسرد أقواله يف َّ
فلـمـا س�كن قال :أيهُّ ا اإلخوان، بكاء َّ
الش�يخ ونش�يجه وترحمُّ ه عىل ش�يخ اإلسلامَّ ،
ل�و مل يقيض اهلل هل�ذا ال َّطاغية وأمثاله مثل هذا اإلمام الكبري ،فمن ا َّلذي يس�تطيع َّ
الر َّد
مر ٍة (.)1
والشبهات ،وهذا التَّأ ُّثر وقع منه غري َّ
واإلجابة عىل هذه احلُجج ُّ
* * *
الش�يخ محد بن محني يف َّ
الش�يخ حممد بن إبراهيم -رمح�ه اهلل :-وقد صحبته ق�ال َّ
ثامنية عرش عام ًا ما س�معته يوم ًا قال عن نفس�ه َّ
(الشيخ) أو (املفتي) حتَّى لو كان ينقل
اخلبر ع�ن غريه ،بل كان إذا ذكر اس�مه ذكره جمرد ًا إلاَّ َّ
مر ًة واح�د ًة فقط وذلك عندما
الصاحلني ،ف�أراد منِّي أن أتَّصل له عىل الفندق ليحجز
اس�تضاف أحد وجهاء اخلليج َّ
فلـمـا ك َّلم موظف الفندق -وكان مرص ًّيا -قال له :معك حممد بن إبراهيم،
ل�ه في�هَّ ،
الشيخ ،فلم يعرفه ،فر َّدد عليه مرار ًا فلم يعرفه،
فلم يعرفه ،فقال :حممد بن إبراهيم آل َّ
فلـمـا انتهت املكاملة ،قال :هداه اهلل ،ألزمني أن أقول هذه الكلمة.
فقال :املفتيَّ ،
وكان إذا أثنى عليه أحدٌ أو مدحه يقاطعه بقوله :اهلل يتوب علينا ،اهلل يعفو عنا(.)2
* * *
367
الش�يخ حممد الرمحن املعلمي موقف ًا نبي ً
ال من مواقف َّ ذكر َّ
الش�يخ عبد اهلل بن عبد َّ
أن طلبة ك ِّلـ َّية الشرَّ يعة بمكَّة
م�ر ًة َّ
نصي�ف -رمح�ه اهلل -مع طلبة العلم ،فيقول :أذكر َّ
عراقي اجلنس� َّية
ُّ املكرمة ك ِّلفوا بأبحاث يقدِّ موهنا .وكان الدُّ كتور (عيل أبو حسين) -
َّ
،-ه�و املك َّلف هلم هب�ذه البحوث ومن مراجعهم «االرتس�امات اللطاف» لش�كيب
أن الكت�اب ال يوجد إلاَّ يف
فلـمـا س�ئلت عن�ه وأجبتهم بالنَّف�ي ،أخربهتم َّ
أرسلانَّ ،
الشيخ حممد نصيف ،وعىل الفور نزل منهم ثالث ٌة يطلبون من َّ
الشيخ متكينهم من مكتبة َّ
الش�يخ إلاَّ أن أجاهبم إىل طلبهم،
اال ِّطالع عليه واالس�تفادة منه يف منزله ،فام كان من َّ
الرجل
ولكنَّه س�أهلم :هل يوجد هذا الكتاب يف مكتبة احلرم؟ فقالوا :ال يوجد .فقام َّ
الع�امل إىل أحد رفوف مكتبته وتناوله ،وقال هلم :راجعوا مكتبة احلرم الشرَّ يف غد ًا أو
بعده جتدونه فيها .وعىل الفور أرسله للمكتبة وكتب عىل النُّسخة إهدا ًء هلا(.)1
(« )1حممد نصيف حياته وآثاره» تأليف حممد أمحد وعبد اهلل العلوي (ص.)156
368
369
370
امل�صادر
371
372
« -1إحتاف اللبيب يف سرية الشيخ عبدالعزيز أبو حبيب» ملحمد بن نارص الشثري.
« -2أدي�ب علماء دمش�ق عبدال�رزاق البيط�ار حيات�ه وإنجازاته » ملحم�د بن نارص
العجمي.
« - 3األزهر يف ألف عام» للدكتور حممد عبداملنعم خفاجي.
« - 4أعالم احلجاز» ملحمد عيل مغريب.
« - 5أعالم من أرض النبوة» ألنس كتبي.
« -6إمارة الزبري بني هجرتني» لعبدالرزاق الصانع وعبدالعزيز العيل.
« -7اإلمام الفقيه الشيخ حممد عابد السندي» لسائد بكداش.
« - 8اإلنجاز يف ترمجة اإلمام عبدالعزيز بن باز» لعبدالرمحن بن يوسف الرمحة.
« -9إين�اس النبالء بسيرة الش�يخ محود العقلاء» لعبدالرمحن ب�ن عبدالعزيز اجلفن
(خمطوط).
« - 10تذك�رة أويل النه�ى والعرفان بأي�ام اهلل الواحد الديان وذكر ح�وادث الزمان»
للشيخ ابراهيم بن عبيد آل عبد املحسن.
« - 11تتمة األعالم للزركيل» ملحمد خري رمضان.
« - 12الثامر الزكية للحركة السنوسية يف ليبيا» للدكتور عيل حممد الصاليب.
« -13حسن البنا الداعية اإلمام واملجدد الشهيد» ألنور اجلندي.
« -14محد اجلارس جغرايف اجلزيرة العربية ومؤرخها ونسابتها» ألمحد العالونة.
« -15حوادث مثرية من حياة الطنطاوي» لعبداحلميد السحيباين.
« -16الدر املكنون يف مواقف وذكريات الش�يخ العالمة صالح بن عيل بن غصون»
للشيخ عبدالكريم بن صالح املقرن.
« -17الدعوة إىل اهلل يف أقطار خمتلفة» للدكتور حممد تقي الدين اهلاليل.
373
« -18الرس�ائل املتبادلة بني مجال الدين القاس�مي وحممود شكري األلويس» ملحمد
بن نارص العجمي.
« -19روض�ة الناظري�ن ع�ن مآث�ر علامء نج�د وحوادث الس�نني» ملحمد ب�ن عثامن
القايض.
« -20رحيانة بريوت الش�يخ رمزي دمش�قية يف نفوس إخوانه وعارفيه» إعداد :أرسة
دار البشائر اإلسالمية.
« -20السيد سليامن الندوي أمري علامء اهلند يف عرصه» للدكتور حممد أكرم الندوي.
« - 22سيرة سماحة الش�يخ حممد بن إبراهيم رواية محد بن محني» لنارص ابن محد بن
محني.
« - 34أمحد ياسني شهيد أيقظ أمة» لعامر شامخ.
« -24الش�يخ حاف�ظ ب�ن أمح�د احلكمي حيات�ه وآثاره» لس�عود بن صال�ح بن حممد
السيف.
« -25الشيخ حسن آل الشيخ اإلنسان الذي مل يرحل» حلمد بن عبداهلل القايض.
« -26الش�يخ عب�داهلل اجلاراهلل حياته وجه�وده العلمية والدعوي�ة» ملناحي بن حممد
العجمي .
« -27الشيخ حممد بن سليامن اجلراح» لوليد بن عبداهلل املنيس.
« -28الش�يخ حممد صالح الفرفوري حياته العلمية وهنضته وآثاره» لعمر بن الشيخ
موفق النشوقايت.
« - 29صفحات بيضاء من حياة اإلمام األلباين» لعطية بن صدقي.
« - 30صفحات من صرب العلامء عىل طلب العلم» لعبدالفتاح أبو غدة.
« - 31صفحات مرشقة من حياة اإلمام ابن عثيمني» إلحسان بن عايش العتيبي.
374
« -32صالح األمة يف علو اهلمة» للدكتور سيد العفاين.
« -33العامل العابد الشيخ حممد بن عبدالرمحن القاسم حياته وسريته ومؤلفاته»
لعبدامللك القاسم.
« -34العالمة السيد عبداحلي احلسني» للدكتور السيد قدرة اهلل احلسيني.
« -35عالم�ة الكوي�ت الش�يخ عب�داهلل ب�ن خلف الدحي�ان» ملحم�د بن نارص
العجمي.
« - 36العالمة املحقق والسلفي املدقق ترمجة حلياة فضيلة الشيخ فيصل بن عبد
العزيز آل مبارك» لفيصل بن عبد العزيز البديوي.
« - 37علامء آل سليم وتالميذهم» للشيخ صالح العمري.
« -38علماء الش�ام يف الق�رن العرشي�ن وجهوده�م يف إيقاظ األم�ة والتصدي
للتيارات الوافدة» بقلم حممد حامد النارص.
« - 39علامء الكويت وأعالمها» لعدنان بن سامل الرومي.
« - 40علامء نجد خالل ثامنية قرون» .للشيخ عبداهلل البسام.
« -41علامء نجد مشاهد ومواقف» للشيخ عبدالعزيز العبداللطيف.
« -42علامء وقضاة احللوة» خلالد بن زيد العقييل.
« -43علامء ومفكرون عرفتهم» ملحمد املجذوب.
« - 44عنوان املجد يف تاريخ نجد» للشيخ عثامن بن برش.
« -45كلمة احلق» ألمحد حممد شاكر.
« -46كوكبة من أئمة العلم واهلدى ومصابيح الدجى» للشيخ عاصم القريويت.
« -47جمموعة التوحيد».
« -48حممد نصيف حياته وآثاره» ملحمد بن أمحد وعبداهلل العلوي.
375
« -49حمم�ود الطناح�ي ذكرى لن تغي�ب» جمموعة مقاالت إع�داد :حممد حممود
الطناحي.
« -50مذكرات الشهيد الدكتور عبدالعزيز الرنتييس» لعامر شامخ.
« - 51املستدرك عىل تتمة األعالم» ملحمد خري رمضان يوسف.
« -52املقتصد من حياة الشيخ عبدالرمحن عبدالصمد» إلبراهيم الساجر.
- 53مقدمة حتقيق «أضواء البيان للشيخ حممد األمني الشنقيطي» للشيخ عطية حممد
سامل .
-54مقدمة حتقيق«معارج القبول برشح سلم الوصول للشيخ حافظ حكمي».
« - 55من أعالم احلركة والدعوة اإلسالمية املعارصة» لعبداهلل العقيل.
« -56من أعالم القرن الرابع عرش واخلامس عرش» إلبراهيم احلازمي.
« - 57من أعالمنا تراجم لبعض أعالم املسلمني» لعبد العزيز بن صالح العسكر.
« -58من بيوت العلم بدمش�ق آل القاس�مي ونبوغهم يف العلم والتحصيل» ملحمد
ابن نارص العجمي.
« - 59واقدساه» للدكتور سيد حسني العفاين.
« -60الوالد الداعية الشيخ حسن حبنكة امليداين» لعبدالرمحن حبنكة امليداين.
« -61حيدثونك عن أيب احلسن الندوي» للدكتور حمسن العثامين الندوي.
« -62اإلعالم بمن يف تاريخ اهلند من األعالم » للسيد عبد احلي الندوي احلسني.
«-63في�ض امللك الوهاب املتعايل بأنباء أوائل القرن الثالث عرش والتوايل » للش�يخ
عبد الستار عبد الوهاب البكري الصديقي اهلندي املكي احلنفي .
« -64أعالم العراق» ملحمد هبجة األثري .
« -65النهضة اإلسالمية يف سري أعالمها املعارصين » للدكتور حممد رجب الب ّيومي.
376
« -66االغتباط برتاجم علامء الرباط ومقدمة الفتح من تاريخ الرباط » أليب عبد اهلل
حممد بن احلاج مصطفى بو جندار الرباطي .
« -67صفحات مرشقة من تاريخ أعالم األمة » لعبده عيل كوشك.
« -68إمت�اع الفضلاء برتاجم الق�راء يف ما بعد القرن الثام�ن اهلجري » إللياس بن
أمحد حسني بن سليامن الربماوي .
« -69أعلام الش�ناقطة يف احلج�از واملرشق جهوده�م العلمية وقضاياه�م العامة»
لبحيد بن الشيخ يربان القلقمي اإلدرييس .
« -70أرشف علي التهان�وي – حكيم األمة وش�يخ مش�ايخ العصر يف اهلند » ملحمد
رمحة اهلل الندوي
« - 71الع�امل اإلسلامي يف رحلات عبد الرش�يد ابراهيم » صبح�ي فرزات وكامل
خوجه .
« -72الس�يد س�ليامن الندوي أمير علامء اهلند يف عرصه» تألي�ف الدكتور حممد أكرم
الندوي .
« - 73منبع الكرم والشمائل يف ذكر أخبار وآثار من عاش من أهل العلم يف حائل »
حلسان بن إبراهيم الرديعان .
« -74حمم�د أب�و زهرة إمام الفقه�اء املعارصين واملدافع اجلريء ع�ن حقائق الدين»
للدكتور حممد عثامن بشري
-75جمموعة مقاالت .إعداد :حممد حممود الطناحي.
« -76الشيخ حممد أبو األجفان وجهده يف الفقه املالكي» ملختار اجلبايل.
« -77فت�ح رب البيت يف ذكر مش�ايخ القرآن بدولة الكويت» للش�يخ يارس إبراهيم
املزروعي .
« -78مصطف�ى س�عيد اخل�ن العامل املريب وش�يخ علم أص�ول الفق�ه » للدكتور حميي
377
الدين ديب مستو .
« -79الوسيط يف أدباء شنقيط » ألمحد الشنقيطي .
« -80زهرة البساتني من مواقف العلامء الربانيني » للدكتور سيد بن حسني العفاين
« -81إحتاف النبالء بسري العلامء » لراشد الزهراين .
« -82ذكريات مشاهري رجال املغرب » لعبد اهلل كنون.
« -83مع الناس » للشيخ عيل الطنطاوي.
«-84اجلواهر اإلكليلية أعيان علامء ليبيا من املالكية » لنارص الدين حممد الرشيف.
« -85أمحد إبراهيم بك فقيه العرص » للدكتور حممد عثامن شبري.
«-86األزهر يف ألف عام» تأليف الدكتور حممد عبد املنعم خفاجي .
« -87حسن البنا الداعية اإلمام واملجدد الشهيد» تأليف أنور اجلندي .
« - 88الثقافة العربية اإلسالمية يف غرب أفريقيا » للدكتور عمر حممد صالح الفالّين
« -89العالمة حممد عبد اهلادي املنوين ترمجته لنفسه » مجع حممد بن عبد اهلل آل رشيد
« -90الرتاويح أكثر من مائة عام يف مسجد النبي عليه السالم » ـ للشيخ عطية حممد
سامل.
« -91صفحات مطوية من حياة الشيخ حممد بن صالح املقبل » للدكتور عمر بن عبد
اهلل بن حممد املقبل.
« -92فتح رب البيت يف ذكر مشايخ القرآن بدولة الكويت » ليارس إبراهيم املزروعي
« -93إبراهيم السامرائي عالمة العربية الكبري والباحث احلجة » ألمحد العالونة.
« -94الشيخ حممد محيد اهلل سفري اإلسالم يف الغرب» لسيد عبد املاجد الغوري .
« -95حياة عامل وأمني » ملحمد بن عيل األكوع.
« -96عالمـة الكويت الشيخ عبد اهلل بن خلف الدحيان» ملحمد بن نارص العجمي .
378
« -97علامء وأدباء البحرين يف القرن الرابع عرش هجري » لبشار بن يوسف احلادي.
« -98أمحد عز الدين البيانوين الداعية املريب » للدكتور عبد املجيد البيانوين.
« -99موسوعة أعالم املكفوفني » لعبد الرمحن بن سامل اخللف .
-100بترصف يسري من لقاء مسجل مع الشيخ عبد الرمحن بن جالل بعنوان «اإلمام
ابن باز حياته يف الدمل» .
« -101نزهة األذهان يف تراجم علامء داغستان » لنذير الدركيل .
« -102اجلواهر احلسان يف تراجم الفضالء واألعيان » لزكريا بن عبد اهلل بيال.
« -103ماذا خرس العامل بانحطاط املسلمني » أليب األعىل املودودي
« -104منبع الكرم والشامئل يف ذكر أخبار وآثار من عاش من أهل العلم يف حائل»
حلسان بن إبراهيم الرديعان .
« -105عبد اهلل بن الصديق الغامري احلافظ الناقد » للدكتور فارق محادة.
« -106املجالس املجتمعة يف مآثر األخوة الربعة » ملحمد أيب بكر بن عبد اهلل با ذيب.
« -107من بيوت العلم بدمشق آل القاسمي ونبوغهم يف العلم والتحصيل» ملحمد
ابن نارص العجمي.
« - 108جملة األرسة» مؤسسة الوقف اإلسالمي.
« - 109جملة أمتي» رشكة غراس.
« -110جمل�ة البح�وث اإلسلامية» إدارة البح�وث اإلسلامية باململك�ة العربي�ة
السعودية.
« -111جملة تراث » نادي تراث اإلمارات.
« -112جملة الدارة» دارة امللك عبدالعزيز.
- 113رشيط «وترجل الفارس» ملجموعة من املشايخ.
379
-114لقاء مس�جل مع الش�يخ عبدالرمحن بن جالل بعنوان «اإلمام ابن باز حياته يف
الدمل».
-115رشيط «حمارضة الشيخ حممد بن إبراهيم» للشيخ صالح آل الشيخ.
-116الربنامج اإلذاعي «يف موكب الدعوة» إعداد وتقديم :حممد املشوح.
-117موقع «الشبكة اإلسالمية».
- 118موقع «ملتقى أهل احلديث».
( -119املوقع الرسمي للشيخ عبد اهلل بن جربين ).
380
381
382
الفهر�س
383
384
رقم الصفحة املوضوع
5 املقدمة ............................................................
11 علمهم.................................................................
13 الشيخ سليامن بن عبد اهلل آل َّ
الشيخ...................................... َّ
13 الرحيم العمري الدهلوي........... َّ
الشيخ عبد العزيز بن ويل اهلل بن عبد َّ
14 الرزاق بن حممد بن عيل بن سلوم التميمي.................... َّ
الشيخ عبد َّ
15 السندي............................................... َّ
الشيخ حممد عابد ِّ
16 السيد حممود شكري بن عبد اهلل اآللويس................................
19 َّ
الشيخ أمحد كبوة العدوي الـمـالكي.....................................
19 َّ
الشيخ محد بن عيل بن عتيق يف الزلفي....................................
20 َّ
الشيخ صديق حسن خان...............................................
21 الرغاي...........................................
األستاذ حممد بن أمحد ّ
22 َّ
الشيخ حممد مجال الدين القاسمي.......................................
23 َّ
الشيخ عبد الرزاق بن حسن البيطار.....................................
24 َّ
الشيخ عبد احلي بن فخر الدين بن عبد العيل احلسني.....................
25 َّ
الشيخ عبداهلل بن أمحد العجريي.........................................
26 َّ
الشيخ حممد بويش بن عبد اهلل الشققي...................................
27 َّ
الشيخ حممد عبد اهلل بن زيدان البوصادي................................
28 َّ
الشيخ حممد بدر الدين بن يوسف احلسني...............................
30 َّ
الشيخ سليامن بن حممد بن سليم.........................................
30 َّ
الشيخ أرشف عيل التهانوي بن املنشئ عبد احلق.........................
385
32 َّ
الشيخ سليامن بن أيب احلسن بن حممد الندوي............................
33 َّ
الشيخ حممد بن عبد العزيز بن مانع......................................
34 َّ
الشيخ عبد العزيز بن حممد أبو حبيب....................................
35 َّ
الشيخ حممد بن حسني بن عمر نصيف...................................
36 َّ
الشيخ حممد األمني بن حممد املختار الشنقيطي...........................
38 َّ
الشيخ عبد الكريم بن نارص بن راشد الثويني (اخلياط)...................
39 األستاذ خري الدين بن حممود بن حممد بن عيل بن فارس الزركيل..........
41 َّ
الشيخ حممد أمحد مصطفى أبو زهرة الششتاوي..........................
43 َّ
الشيخ حممد أبو اليرس بن حممد أيب اخلري عابدين..........................
44 َّ
الشيخ إبراهيم بن عبد اهلل اهلويش.......................................
45 َّ
الشيخ حممد بن صالح الفرفوري........................................
46 َّ
الشيخ عبد اهلل ناصح علوان.............................................
47 الشيخ املحدِّ ث أبو ال َّط ِّيب حممد عطاء اهلل حنيف الفوجياين...............
َّ
47 َّ
الشيخ عبد اهلل بن حممد الدويش.........................................
49 َّ
الشيخ عبد اهلل بن حسن آل بريكان......................................
49 َّ
الشيخ حممد قادر خال مرزا األندجياين...................................
50 َّ
الشيخ محاد بن حممد بن حممد األنصاري.................................
50 الدكتور حممود ال َّطناحي.................................................
51 َّ
الشيخ حممد نارص الدين بن نوح نجايت األلباين..........................
53 َّ
الشيخ مصطفى أمحد حممد الزرقا........................................
54 َّ
الشيخ حممد خري بن حسن العرقسويس..................................
386
55 َّ
الشيخ محد بن حممد اجلارس..............................................
56 َّ
الشيخ حممد بن صالح العثيمني..........................................
57 َّ
الشيخ حممد األمني بن أيدا اجلكني......................................
58 َّ
الشيخ عبد اهلل بن يوسف الوابل.........................................
59 َّ
الشيخ حممد بن اهلادي بن حممد أبو األجفان الـمـالكي..................
60 السعد حممد عيل نجم.........................................
الشيخة أم َّ
62 السيد مصطفى بن سعيد بن حممود اخلن الشافعي امليداين الدمشقي.......
63 َّ
الشيخ حممد سامل ولد حممد ولد عبد الودود الشنقيطي....................
65 الرمحن بن عبد اهلل بن جربين...................... َّ
الشيخ عبد اهلل بن عبد َّ
66 َّ
الشيخ باب بن أمحد بيب بن عثامن الشنقيطي.............................
67 َّ
الشيخ حممد اجلوندلوي.................................................
67 الشيخ عبد الرشيد إبراهيم..............................................
69 رحلتهم يف طلب العلم................................................
71 َّ
الشيخ سليامن بن عيل بن مقبل..........................................
71 َّ
الشيخ سعد بن محد بن عتيق.............................................
74 َّ
الشيخ حممد بن عبد العزيز بن مانع......................................
74 َّ
الشيخ حممد املختار بن حممد األمني الشنقيطي...........................
75 َّ
الشيخ عبد الفتاح أبو غدة...............................................
79 َّ
الشيخ حممد بن صالح املنصور..........................................
81 دعوهتم................................................................
83 َّ
الشيخ سليامن حلمي....................................................
387
84 الشيخ حممد تقي الدين اهلاليل...........................................
88 َّ
الشيخ آصف القدوائي.................................................
88 َّ
الشيخ حممد مجيل.......................................................
89 َّ
الشيخ صالح بن إبراهيم بن حممد البليهي...............................
90 الرزاق عفيفي عطية النويب................................... َّ
الشيخ عبد َّ
92 َّ
الشيخ صالح بن غصون................................................
93 َّ
الشيخ أبو احلسن بن عبد احلي احلسني الندوي..........................
94 َّ
الشيخ عبد العزيز اهلده.................................................
95 َّ
الشيخ عبد احلنان القاسمي املظفر بوري.................................
99 أمرهم باملعروف.......................................................
101 َّ
الشيخ عبد اهلل بن حجازي بن إبراهيم الرشقاوي الشافعي األزهري.....
102 الشيخة فاطمة بنت َّ
الشيخ حممد بن عبد الوهاب......................... َّ
الشيخ عبد العزيز بن محد آل معمر102 .......................................
َّ
103 السيد أمحد بن حممد عرفان..............................................
104 الفقيه أبو عثامن سعيد بن حسن بن أمحد الدمشقي.......................
الشيخ حممد بن املدين كنون105 ..............................................
َّ
الشيخ حسن العدوي احلمزاوي107 .........................................
َّ
109 َّ
الشيخ صالح بن عبد اهلل البسام.........................................
109 َّ
الشيخ مبارك بن مساعد آل مبارك.......................................
الشيخ عىل بن سامل آل جليدان110 ...........................................
َّ
110 َّ
الشيخ شمس الدين حممد بن حممد بن حسني األلباين الشافعي...........
388
111 الرمحن بن عبد اهلل رساج..................................... َّ
الشيخ عبد َّ
112 َّ
الشيخ حممد كامل بن مصطفى..........................................
112 الشيخ أبو حممد حسن بن أمحد بن عيل ال َّطويل الـمـالكي املرصي........
َّ
113 الرزاق بن حسن البيطار..................................... َّ
الشيخ عبد َّ
114 َّ
الشيخ أمحد بن الشمس احلاجي.........................................
115 حممد عاطف أفندي.....................................................
117 األستاذ عبد العزيز جاويش.............................................
األستاذ أمحد تيمور باشا119 .................................................
الشيخ حممد بخيت املطيعي120 ..............................................
َّ
121 َّ
الشيخ عبد احلميد بن حممد بن مصطفى بن مكي بن باديس..............
123 َّ
الشيخ عبد الرشيد إبراهيم..............................................
الشيخ أمحد إبراهيم بك احلسيني124 .........................................
َّ
الشيخ حممد مصطفى املراغي124 ............................................
َّ
125 عبد القادر احلسيني.....................................................
127 األستاذ حسن بن أمحد البنا..............................................
128 الرمحن رساج..................................... َّ
الشيخ عبد اهلل بن عبد َّ
129 َّ
الشيخ عبد املجيد سليم.................................................
131 َّ
الشيخ عبد اهلل بن عبد الوهاب بن زاحم.................................
131 سعيد النوريس..........................................................
134 َّ
الشيخ عبد الكريم بن عباس آل الوزير..................................
134 َّ
الشيخ عبد املحسن بن عبد القادر األسطواين............................
389
136 سيد قطب بن إبراهيم...................................................
137 َّ
الشيخ حممد اخلرض بن احلسني التونيس..................................
138 َّ
الشيخ عبد اهلل بن حممد القرعاوي.......................................
139 َّ
الشيخ حممد بن إبراهيم.................................................
140 َّ
الشيخ حممد بن أمحد أبو زهرة...........................................
142 الشيخ عبد اهلل بن عبد اللطيف آل َّ
الشيخ................................ َّ
الشيخ هارون با142 .........................................................
َّ
143 الرمحن بن حممد بن خلف الدورسي......................... َّ
الشيخ عبد َّ
األستاذ عمر عبد الفتاح التلمساين144 .......................................
145 الرمحن بن يوسف بن عبد الصمد............................ َّ
الشيخ عبد َّ
146 َّ
الشيخ أمحد بن عبد العزيز آل مبارك.....................................
146 َّ
الشيخ صالح أبو إسامعيل..............................................
الشيخ حممد شاكر بن أمحد148 ...............................................
َّ
الشيخ عبد اهلل حممد اخلليفي150 .............................................
َّ
151 َّ
الشيخ حممود عبد الوهاب فايد..........................................
153 َّ
الشيخ عطية حممد سامل..................................................
154 َّ
الشيخ عبد اهلل بن محيد..................................................
157 َّ
الشيخ عباس حممد مقادمي ذويبي الثبيتي................................
158 َّ
الشيخ عبد العزيز بن باز................................................
159 َّ
الشيخ أجمد الزهاوي....................................................
160 َّ
الشيخ إبراهيم بن محد اجلارس...........................................
390
160 َّ
الشيخ عاطف اسكلفي.................................................
161 الدكتور حممد عبد اهلل دراز..............................................
162 الدكتور أمحد غلوش....................................................
165 َّ
الشيخ عبد اهلل بن حممد بن فدا..........................................
الشيخ حممود شكري بن عبد اهلل األلويس165 ................................
َّ
166 َّ
الشيخ محد بن فارس بن حممد...........................................
167 َّ
الشيخ أمحد بن حممد بن أمحد الفاريس...................................
167 َّ
الشيخ حممد بن عبد عبد السالم البدري.................................
168 َّ
الشيخ حممد بن إبراهيم آل الشيخ.......................................
169 َّ
الشيخ يوسف بن عيسى القناعي........................................
170 َّ
الشيخ عبد الوهاب بن عبد الرمحن الفارس..............................
171 َّ
الشيخ عمر بن عبد العزيز حممد الشيخاين...............................
172 َّ
الشيخ حممد بن مقبل...................................................
175 اهتاممهم باملسلمني....................................................
177 الشيخ حسن بن عبداهلل آل َّ
الشيخ....................................... َّ
177 َّ
الشيخ عبد اهلل الوابل...................................................
181 عبادهتم................................................................
183 َّ
الشيخ حممد بن عبد الوهاب............................................
183 َّ
الشيخ عبد اهلل بن فايز أبا اخليل..........................................
184 َّ
الشيخ عيل املرصي املداح...............................................
184 َّ
الشيخ عثامن بن برش....................................................
391
185 َّ
الشيخ حسون بن أمحد الشقفة...........................................
185 الرمحن بن نارص العجاجي................................... َّ
الشيخ عبد َّ
186 َّ
الشيخ محاد بن جار اهلل احلامد............................................
186 َّ
الشيخ عبد العزيز بن محد بن عتيق.......................................
187 َّ
الشيخ عمر بن حممد بن سليم...........................................
187 َّ
الشيخ صالح بن عبد اهلل الزغيبي........................................
189 السياري....................................... َّ
الشيخ إبراهيم بن سعود ّ
189 َّ
الشيخ حممد بن صالح املقبل............................................
191 َّ
الشيخ حممد أعظم بن فضل الدين اجلوندلوي...........................
192 َّ
الشيخ أمحد بن أمحد بن حممد سعيد......................................
192 َّ
الشيخ حممد خالد بن حممد جنيد كعكة..................................
193 َّ
الشيخ محود بن عبد اهلل التوجيري........................................
194 َّ
الشيخ عبد اهلل بن جار اهلل آل جار اهلل....................................
195 الرمحن بن قاسم.................................... َّ
الشيخ حممد بن عبد َّ
196 َّ
الشيخ ربيع عبد اللطيف مريس.........................................
197 َّ
الشيخ حممد بن حممود احلجار احللبي....................................
198 َّ
الشيخ عيل الدقر........................................................
199 َّ
الشيخ ظفر بن أمحد العثامين التهانوي....................................
199 َّ
الشيخ عبد اهلل بن عبد العزيز بن عقيل احلنبيل...........................
203 زهدهم................................................................
205 َّ
الشيخ عيسى بن حممد الزبريي..........................................
392
205 َّ
الشيخ عبد اجلبار بن عىل البرصي.......................................
206 َّ
الشيخ عبد احلكيم بن حممد نور األفغاين.................................
208 السمعوين اجلزائري............... َّ
الشيخ طاهر بن صالح أو حممد صالح َّ
210 َّ
الشيخ حممد أمني سويد.................................................
212 َّ
الشيخ حممد بن مقبل....................................................
213 َّ
الشيخ حممد أمني الشنقيطي.............................................
213 َّ
الشيخ فيصل بن عبد العزيز آل مبارك...................................
214 َّ
الشيخ حميي الدين القليبي...............................................
215 السعدي....................................
الرمحن بن نارص َّ َّ
الشيخ عبد َّ
216 َّ
الشيخ حافظ بن أمحد احلكمي...........................................
217 َّ
الشيخ حممد املصطفى بن اإلمام العلوي الشنقيطي.......................
217 َّ
الشيخ حممد أمني الكتبي احلنفي.........................................
الشيخ حممد بن سليامن اجلراح218 ...........................................
َّ
219 َّ
الشيخ عبد احلميد كشك................................................
الشيخ حممد بن عبد اهلل الصومايل220 ........................................
َّ
221 السامرائي..............................
الراشد َّ
الدكتور إبراهيم بن أمحد َّ
223 َّ
الشيخ حممد محيد اهلل احليدر آبادي.......................................
225 الرامبوري...........................................
الرحيم َّ َّ
الشيخ عبد َّ
226 َّ
الشيخ بكر بن عبد اهلل أبو زيد...........................................
231 برهم وإحساهنم.......................................................
233 َّ
الشيخ حممد بن عبد اهلل با سالمة........................................
393
234 السنويس........................................... َّ
الشيخ حممد بن عيل َّ
235 َّ
الشيخ سعود بن مفلح اجلذالني.........................................
235 َّ
الشيخ إبراهيم بن محد اجلارس...........................................
235 الرءوف مججوم............................................. َّ
الشيخ عبد َّ
237 الرمحن آل َّ
الشيخ................. َّ
الشيخ عبد اهلل بن عبد اللطيف بن عبد َّ
237 َّ
الشيخ عبد اهلل بن خلف الدحيان........................................
238 َّ
الشيخ صالح بن حممد آل مبارك.........................................
239 َّ
الشيخ عيسى بن حسن بن بكري بن أمحد البيانوين.......................
241 َّ
الشيخ حممد صالح عبد العزيز مججوم...................................
242 َّ
الشيخ زكي بن أمحد الربزنجي الشافعي.................................
243 َّ
الشيخ إبراهيم حممد خري الغالييني......................................
244 الرمحن األفريقي............................................. َّ
الشيخ عبد َّ
244 َّ
الشيخ صالح الدين بن حممد رضا الدقاق...............................
245 َّ
الشيخ حسن بن مرزوق حبنكة امليداين..................................
247 َّ
الشيخ أمحد التُّكينة......................................................
الشيخ عيل املحمد املطلق248 ................................................
َّ
250 َّ
الشيخ صالح بن أمحد اخلرييص..........................................
250 الكاتب حممود شيت خطاب............................................
253 َّ
الشيخ رمزي سعد الدين................................................
254 َّ
الشيخ الشهيد أمحد ياسني...............................................
255 السعوي............................................ َّ
الشيخ حممد بن عيل َّ
394
256 املحسن عبد اهلل عيل العبد الوهاب املطوع...............................
الشيخ عبد العزيز الوهيبي258 ...............................................
َّ
الشيخ عيل بن مقبل العيل259 ................................................
َّ
260 َّ
الشيخ أمحد البزيع القناعي..............................................
263 قضاؤهم...............................................................
265 َّ
الشيخ عبد اهلل بن عبد الرمحن أبا بطني...................................
265 القايض حنفي ناصف...................................................
267 الزهاوي.................................................... َّ
الشيخ أجمد ّ
الشيخ عبد اهلل العجيان املحمد العجيان267 ..................................
َّ
الشيخ حسن املشاط269 .....................................................
َّ
الرمحن اهلويمل271 .............................................. َّ
الشيخ عبد َّ
الشيخ عبد العزيز بن صالح آل صالح271 ................................... َّ
الشيخ حممد عيل ال َّطنطاوي273 ..............................................
َّ
الشيخ عبد العزيز بن باز277 .................................................
َّ
ورعهم279 .................................................................
281 َّ
الشيخ عيل بن حممد آل راشد............................................
281 َّ
الشيخ صالح بن محد....................................................
282 َّ
الشيخ حممد بن عمر العمري............................................
السنويس282 ............................ َّ
الشيخ حممد املهدي بن حممد بن عيل َّ
الشيخ283 ................................
الشيخ إبراهيم بن عبد اللطيف آل ََّّ
الشيخ عيل بن مقبل العيل284 ................................................
َّ
395
287 تواضعهم..............................................................
289 الرمحن بن حييى بن عيل املعلمي.............................. َّ
الشيخ عبد َّ
289 الرءوف حممد إبراهيم سامل................................... َّ
الشيخ عبد َّ
الشيخ حممد متويل الشعراوي290 ............................................
َّ
291 السالم حممد حممد إبراهيم حبوس........................... َّ
الشيخ عبد َّ
295 جهادهم...............................................................
297 َّ
الشيخ حممد بن إسامعيل األنصكويل.....................................
297 َّ
الشيخ املجاهد شامل بن دنكاو حممد الكمراوي.........................
298 الرمحن.......................................... َّ
الشيخ رمحة اهلل بن عبد َّ
300 َّ
الشيخ عز الدين بن عبد القادر بن مصطفى القسام......................
302 َّ
الشيخ حممد بن مصطفى بن حممد بن عبد املنعم املراغي..................
303 سعيد النوريس..........................................................
305 َّ
الشيخ رضا اهلل البداوين.................................................
307 كراماهتم...............................................................
309 َّ
الشيخ حممد بن محد اهلديبي التميمي.....................................
309 َّ
الشيخ يعقوب بن حممد بن سعد بن حممد................................
310 َّ
الشيخ عبد الكريم اخلرساين الشهري بالدرويش..........................
312 َّ
الشيخ إسامعيل بن محد بن عتيق.........................................
312 َّ
الشيخ سليامن بن مصلح بن سحامن....................................
312 َّ
الشيخ عبد العزيز بن أمحد بن حسن.....................................
313 َّ
الشيخ سليامن بن مقبل..................................................
396
314 َّ
الشيخ سعد بن محد بن عتيق............................................
315 َّ
الشيخ عبد اهلل بن حممد بن فدا...........................................
317 عنايتهم باألبناء........................................................
319 َّ
الشيخ أمحد عيل األنصاري السندي.....................................
319 الشيخ عبد القادر بن حممد خوقري.......................................
320 الدكتور عيسى عبده إبراهيم............................................
321 الستار عبد الوهاب البكري الصديقي........................ َّ
الشيخ عبد َّ
321 الشيخ عبد اهلل ابن َّ
الشيخ حممد النوري.................................. َّ
323 َّ
الشيخ عبد اهلل بن حممد الصديق الغامري احلسني........................
324 َّ
الشيخ عبد اهلل بن حممد الغزنوي........................................
327 مزاحهم................................................................
329 َّ
الشيخ حسني بن أمحد املرصفي..........................................
330 َّ
الشيخ قدري عبد القادر بن صوقل األرنؤوط............................
331 السعد حممد عيل نجم........................................
الشيخة أم َّ
331 العلاَّ مة حممد بن َّ
الشيخ سيدي بن املختار األبيريي الشنقيطي.............
332 الشيخ حممد عيل ال َّطنطاوي..............................................
َّ
333 َّ
الشيخ عبد اهلل بن خلف الدحيان........................................
333 الشيخ أمحد ال َّطويل.....................................................
َّ
334 َّ
الشيخ عبد العزيز بن باز................................................
334 َّ
الشيخ حممد بن صالح العثيمني..........................................
397
337 خواتيمهم..............................................................
339 َّ
الشيخ محيدان بن تركي احلميدان اخلالدي...............................
339 َّ
الشيخ حممد بن سيف بن محد العتيقي...................................
340 َّ
الشيخ أمحد الدمياطي الشافعي املكي....................................
340 َّ
الشيخ عوض بن حممد بن عوض احلجي................................
341 الزواك احلسيني................................. َّ
الشيخ حممد بن عبد اهلل َّ
341 َّ
الشيخ حممد خوجه أكرم................................................
342 َّ
الشيخ عمر العدَّ ايس....................................................
343 َّ
الشيخ حممد بن عيل بن مجاح الغامدي...................................
346 َّ
الشيخ املعطي بن عبد اهلل بن العريب......................................
349 قصص ومواقف أخرى................................................
351 الرمحن بن حسن آل َّ
الشيخ................................... َّ
الشيخ عبد َّ
351 َّ
الشيخ حممد نواوي بن عمر بن عيل بنتن.................................
352 َّ
الشيخ إبراهيم بن حممد بن ضويان......................................
352 َّ
الشيخ حممد خري أبو اخلري بن حممد امليداين احلنفي.......................
353 َّ
الشيخ مساعد بن عبد اهلل الربيكي العازمي.............................
354 َّ
الشيخ حممد أمني بن حممد طاهر احلسيني................................
356 َّ
الشيخ حممد بن محد العسايف.............................................
356 َّ
الشيخ حممد بن صالح املطوع...........................................
357 الرمحن بن عبد العزيز آل سليم............................... َّ
الشيخ عبد َّ
358 الشيخ حممد ظافر بن َّ
الشيخ مجال الدين القاسمي........................ َّ
398
360 َّ
الشيخ حممود حممد شاكر................................................
361 َّ
الشيخ محود بن عبد اهلل العقالء.........................................
362 الرنتييس............................................
الدكتور عبد العزيز َّ
365 َّ
الشيخ سعيد الزياين.....................................................
366 الرمحن البكري.............................................. َّ
الشيخ عبد َّ
367 َّ
الشيخ إبراهيم بن محد اجلارس...........................................
367 َّ
الشيخ حممد بن إبراهيم آل شيخ.........................................
367 َّ
الشيخ حممد نصيف.....................................................
371 املصادر.................................................................
383 الفهرس................................................................
399
400