نبي الله يحيى عليه الصلاة والسلام

You might also like

Download as pdf or txt
Download as pdf or txt
You are on page 1of 4

‫نبي هللا يحيى عليه الصالة والسالم‬

‫نيب هللا حيىي بن زكراي عليه السالم‬


‫صبيًّا * َو َحنَ ًان من لَّ ُد َّن َوَزَكاةً َوَكا َن تَقيًّا}سورة‬
‫ْم َ‬
‫اب ب ُق َّوة َوآتَ ْي نَاهُ ا ْْلُك َ‬
‫قال هللا تبارك وتعاىل‪َ {:‬اي َْحي َىي ُخذ الْكتَ َ‬
‫ي}سورة األنعام‪.‬‬
‫الصاْل َ‬
‫اس ُكل م َن َّ‬
‫يسى َوإلْيَ َ‬
‫مرمي‪ ،‬وقال تعاىل‪َ {:‬وَزَكرَّاي َوَْحي َىي َوع َ‬
‫نسبه عليه السالم‬
‫هو حيىي بن زكراي وينتهي نسبه إىل يعقوب عليه السالم‪ ،‬وهو من أنبياء بين إسرائيل كأبيه زكراي عليهما السالم‬
‫الذين بلغوا الناس ما أمرهم هللا بتبليغه وجاهدوا ف هللا حق جهاده‪.‬‬
‫ذكره عليه السالم ف القرءان الكرمي‬
‫ذكر اسم حيىي عليه السالم ف القرءان الكرمي ف أربع ءاايت ف كل من سور ءال عمران واألنعام ومرمي‬
‫واألنبياء‪ ،‬وقد أثىن هللا تبارك وتعاىل على نبيه حيىي عليه الصالة والسالم ابلثناء العاطر اْلسن ووصفه ابلب‬
‫والتقوى والصالح واالستقامة‪ ،‬وأعطاه هللا تعاىل النبوة ف صباه وجعله سي ًدا‪.‬‬
‫والدته عليه السالم‬
‫ولد نيب هللا حيىي عليه السالم قبل مولد عيسى بثالثة أشهر‪ ،‬وقيل‪ :‬بثالث سني‪ ،‬وكان ابن خالته وقد عاصروه‬
‫وعاش معه فرتة طويلة ورافق مراحل دعوته عليهما الصالة والسالم‪ ،‬قال هللا عز وجل‪َ {:‬اي َزَكرَّاي إ َّن نُبَش ُر َك‬
‫اْسُهُ َْحي َىي َلْ ََْن َعل لَّهُ من قَ ْب ُل َْسيًّا}سورة مرمي‪ ،‬قيل‪ :‬أي ل يسم أحد حيىي قبله‪ ،‬ووجه الفضيلة ف ذلك‬
‫بغُ َالم ْ‬
‫أن هللا تعاىل توىل تسميته ول يكل ذلك إىل أبويه فسماه ابسم ل يسبق إليه‪.‬‬
‫شيء من صفاته وسريته عليه السالم‬
‫قواي ف‬
‫كان حيىي عليه السالم حسن الصوت حسن الوجه مثل مجيع األنبياء واملرسلي‪ ،‬وكان عليه السالم ً‬
‫طاعة هللا منذ صباه وقد نشأ نشأة صالح وتقى وطهر ونقاء كسائر األنبياء‪ ،‬فقد كان بعي ًدا عن مظاهر الرتف‬
‫والنعيم‪ ،‬وكان ف شبابه أيوي إىل القفار والباري ويكتفي مبا يسهله هللا له من الرزق‪ ،‬وكان طعامه العشب‪،‬‬
‫وكان عليه السالم كثري العبادة والتضرع والبكاء من خشية هللا تعاىل‪ ،‬وكان كثري العزلة عن الناس‪ ،‬يرد ماء‬
‫األهنار وكان عيسى ابن مرمي يلبس الصوف وحيىي يلبس الوبر ول يكن لواحد منهما دينار وال درهم وال عبد‬
‫ضا بطاعة‬
‫وال أمة وال مأوى أيواين إليه‪ ،‬فأين ما َجن عليهما الليل أواي‪ ،‬فإذا أرادا االفرتاق أوصى بعضهما بع ً‬
‫هللا تبارك وتعاىل‪.‬‬
‫ءاتى هللا تبارك وتعاىل حيىي عليه السالم اْلكم والنبوة والعلم صبيًا وعلمه هللا عز وجل الكتاب وهو التوراة‬
‫اب ب ُق َّوة َوآتَ ْي نَاهُ‬
‫صغريا‪ ،‬يقول هللا تعاىل‪َ {:‬اي َْحي َىي ُخذ الْكتَ َ‬
‫اليت كانوا يتدارسوهنا فيما بينهم وقد كان سنه إذ ذاك ً‬
‫صبيًّا}سورة مرمي‪ ،‬قيل‪ :‬الفهم‬
‫ْم َ‬
‫صبيًّا}سورة مرمي‪ ،‬قيل أي تعلم التوراة جبد وحرص واجتهاد{ َوآتَ ْي نَاهُ ا ْْلُك َ‬
‫ْم َ‬
‫ا ْْلُك َ‬
‫والعلم والنبوة وهو صغري َح َدث‪ ،‬فقد قيل‪ :‬إن الصبيان الذين كانوا ف سن حيىي عليه السالم يقولون ليحىي‬
‫عليه السالم‪ :‬اذهب بنا نلعب فكان يقول هلم‪ :‬ما للعب ُخلقنا‪ ،‬وقال هللا تعاىل ف وصف حيىي عليه‬
‫السالم‪َ {:‬و َحنَ ًان من لَّ ُد َّن َوَزَكاةً َوَكا َن تَقيًّا}سورة مرمي‪ ،‬قيل‪ :‬أي جعلناه ذا حنان أي ذا رمحة وزكاة‪ ،‬فقد كانت‬
‫صفة اْلنان والرمحة من صفات نيب هللا حيىي عليه السالم لتحننه عليه السالم على الناس وال سيما على أبويه‬
‫ضا ف وصف نبيه حيىي‪َ {:‬وبَ ًّرا ب َوال َديْه َوَلْ يَ ُكن َجبَّاراً َعصيًّا}سورة مرمي‪،‬‬
‫والشفقة عليهما وبره هبما‪ ،‬يقول تعاىل أي ً‬
‫جبارا عصيًا‪.‬‬
‫متواضعا تقيًا بعي ًدا عن احملرمات والشهوات ول يكن ً‬
‫ً‬ ‫فقد كان عليه الصالة والسالم‬
‫ي}سورة‬
‫الصاْل َ‬
‫ورا َونَبيًّا م َن َّ‬
‫صً‬ ‫صدقًا ب َكل َمة م َن الل َو َسي ًدا َو َح ُ‬
‫فائدة‪ :‬ف قوله تعاىل ف حق حيىي عليه السالم‪ُ {:‬م َ‬
‫ءال عمران‪.‬‬
‫صدقًا ب َكل َمة م َن الل}أي‬
‫اعلم رمحك هللا بتوفيقه أن معىن قوله تعاىل ف حق حيىي بن زكراي عليهما السالم‪ُ {:‬م َ‬
‫مصدقًا بعيسى ابن مرمي عليه السالم ألن حيىي عليه الصالة والسالم هو أول من صدق بعيسى ابن مرمي عليه‬
‫معاصرا له وكان ابن خالته‪ ،‬وأما قوله تعاىل‪َ {:‬و َسي ًدا} فمعناه إنه اْلليم التقي‪ ،‬وقيل‪:‬‬
‫ً‬ ‫السالم ف زمانه ألنه كان‬
‫ورا}فقد قال الفقيه املالكي “القاضي عياض”‬
‫صً‬ ‫وح ُ‬
‫هو الشريف‪ ،‬وأما قوله تعاىل ف وصف حيىي عليه السالم‪َ {:‬‬
‫يواب‪ ،‬أو‬
‫“حصورا” ليس كما قاله بعضهم‪ :‬إنه كان َه ً‬
‫ً‬ ‫ف كتابه الشفا‪ :‬اعلم أن ثناء هللا تعاىل على حيىي أنه كان‬
‫ال ذكر له‪ ،‬بل قد أنكر هذا حذاق املفسرين ونقاد العلماء‪ ،‬وقالوا‪ :‬هذه نقيصة وعيب وال يليق ابألنبياء عليهم‬
‫مانعا نفسه من الشهوات‪ .‬والقول الصحيح‬
‫السالم‪ ،‬وإمنا معناه أنه ال أييت الذنوب كأنه حمصور عنها‪ ،‬وقيل‪ً :‬‬
‫عجزا بل ترك ذلك عن اختيار منه ولو أراد الستطاع‪.‬‬
‫وحصورا” أنه كان ال أييت النساء ليس ً‬
‫ً‬ ‫أن معىن‪”:‬‬
‫ث َحيًّا}فقد قيل‪:‬‬
‫وت َويَ ْوَم يُ ْب َع ُ‬
‫فائدة‪ :‬ف قوله تعاىل ف حق حيىي عليه السالم‪َ {:‬و َس َالم َعلَْيه يَ ْوَم ُول َد َويَ ْوَم َيَُ ُ‬
‫قوما ل‬
‫خارجا مما كان فيه‪ ،‬ويوم َيوت فريى ً‬
‫إن أوحش ما يكون اإلنسان ف ثالثة مواطن يوم يولد فريى نفسه ً‬
‫يكن عاينهم‪ ،‬ويوم يبعث فريى نفسه ف حمشر ل يره‪ ،‬فهذه األوقات الثالثة هي أسرت ما تكون على اإلنسان‬
‫فإنه ينتقل ف كل منها من عال إىل عال ءاخر فيفقد األول بعدما كان ألفه وعرفه‪ ،‬ويصري إىل اآلخر وال يدري‬
‫ما بي يديه‪ ،‬وهلذا يستهل الطفل صار ًخا إذا خرج من بي األحشاء وفارق لينها‪ ،‬وينتقل إىل هذه الدنيا ليكابد‬
‫مهومها وغمها‪ ،‬وإذا فارق هذه الدار وانتقل إىل عال البزخ وصار بعد الدور والعيشة اليت ألفها ف هذه الدار‬
‫عرصة األموات سكان القبور وانتظر هناك النفخة ف الصور ليوم البعث والنشور فمنهم مسرور وحمبور‬
‫إىل ْ‬
‫ومنهم حمزون ومبثور‪ ،‬فريق ف اجلنة وفريق ف السعري لذلك يقول أحد الشعراء‪:‬‬
‫ولدتك أمك ابكيًا مستصر ًخا **** والناس حولك يضحكون سرورا‬
‫فاحرص لنفسك أن تكون إذا بكوا **** ف يوم موتك ضاح ًكا مسرورا‬
‫وملا كانت هذه املواطن الثالثة أشق ما تكون على ابن ءادم رخَّص هللا تعاىل لنبيه حيىي عليه السالم فيها ابلكرامة‬
‫والسالمة ف هذه املواطن الثالثة‪.‬‬
‫دعوته عليه الصالة والسالم‬
‫كان سيدن حيىي بن زكراي عليهما السالم يدعو بين إسرائيل إىل عبادة هللا تعاىل وحده ابْلكمة واملوعظة اْلسنة‬
‫ين‬ ‫َّ‬ ‫الرقيقة للعمل بشريعة التوراة يقول هللا تبارك وتعاىل‪{:‬إ َّن أ َ‬
‫يها ُه ًدى َونُور َْحي ُك ُم هبَا النَّبيو َن الذ َ‬
‫َنزلْنَا الت َّْوَراةَ ف َ‬
‫َسلَ ُمواْ}سورة املائدة‪.‬‬
‫أْ‬
‫وكان نيب هللا حيىي عليه السالم قد أُمر خبمس كلمات أن يعمل هبن وأيمر بين إسرائيل أن يعملوا هبن‪ ،‬فجمع‬
‫حيىي عليه السالم بين إسرائيل ف بيت املقدس حت امتأل هبم املسجد فقعد مشرفًا عليهم‪ ،‬فحمد هللا تعاىل‬
‫وأثىن عليه ث قال‪ :‬إن هللا أمرين خبمس كلمات أن أعمل هبن وأن ءامركم أن تعملوا هبن‪ ،‬أوالهن أن تعبدوا هللا‬
‫كثريا‪ ،‬وأن العبد أحصن‬
‫وال تشركوا به شيئًا‪ ،‬وءامركم ابلصالة‪ ،‬وءامركم ابلصدقة‪ ،‬وءامركم بذكر هللا عز وجل ً‬
‫ما يكون من الشيطان إذا كان ف ذكر هللا عز وجل‪ ،‬رواه اإلمام أمحد وغريه‪.‬‬
‫وفاته عليه الصالة والسالم‬
‫وعدوان أبمر ملكهم حاكم فلسطي ءانذاك‬
‫ً‬ ‫ظلما‬
‫مقتوال‪ ،‬فقد قتله بنو إسرائيل ً‬
‫مات حيىي بن زكراي عليه السالم ً‬
‫هريودس‪.‬‬
‫وقيل ف سبب قتله‪ :‬إن هذا امللك “هريودس” كان يكرم حيىي بن زكراي ويدنيه من جملسه ويستشريه ف أمره‬
‫متزوجا من امرأة كانت قد كبت وذهب مجاهلا وكانت هلا بنت ابرعة اجلمال يقال هلا “هريوداي”‬
‫وكان هذا امللك ً‬
‫وكانت ربيبة هذا امللك وليست بنته من صلبه‪ ،‬ث إن هذا امللك وقع ف غرام هذه البنت وأراد أن يتزوجها‪،‬‬
‫فقالت له أمها‪ :‬تزوج بنيت هذه حت ال تكون بعيدة من النعمة اليت تتقلب فيها‪ ،‬فقال هلا امللك‪ :‬حت أستفيت‬
‫حيىي أجيوز أم ال‪ ،‬فلما استفت هذا امللك حيىي عليه السالم هناه عن زواجها وأخبه أبن ذلك حرام ف شريعتهم‪،‬‬
‫فلما بلغ ذلك أم الفتاة حقدت على حيىي عليه السالم ودبرت له مكيدة قتل‪ ،‬فقد زينت ابنتها “هريوداي”‬
‫أحسن زينة وعطرهتا وألبستها أفخر لباس وأدخلتها على “هريودس” امللك‪ ،‬فأخذت ترقص أمامه حت ملكت‬
‫عليه مشاعره وأمرهتا أمها أن تسقه اخلمر وأن تتعرض له فإن أرادها على نفسها أبت عليه حت يعطيها ما‬
‫سألته‪ ،‬فلما فعلت ما أمرهتا أمها قال هلا هذا امللك‪ :‬متين علي فسألته أن يؤتى برأس حيىي ف طست فقال هلا‬
‫امللك‪ :‬وحيك! سليين غري هذا؟ فقالت له‪ :‬ال أريد غري هذا‪ ،‬فلما أبت عليه زين له الشيطان سوء عملها‬
‫وطلبها واستجاب لطلبها فأمر بقتل حيىي عليه السالم واإلتيان برأسه‪ ،‬فقتل حيىي عليه السالم على أيدي هذه‬
‫الفئة الظاملة وهو ف الصالة فذبح ذحبًا‪ ،‬ث قُدم رأسه إىل امللك ف الطبق والدم ينزف منه‪ ،‬فلما رأت املرأة‬
‫اليوم قرت عيين‪ ،‬وانتقم هللا تعاىل لنبيه حيىي عليه السالم فلما صعدت هذه املرأة إىل سطح‬
‫الرأس قالت‪َ :‬‬
‫قصرها سقطت منه إىل األرض وكان هناك كالب ضارية فوثبت الكالب عليها فأكلتها وهي تنظر إليهم وكان‬
‫ءاخر ما أكل منها عيناها‪.‬‬
‫وكان نيب هللا حيىي عليه السالم ملا ذُبح ف الصالة وقطع رأسه قد تقطر دمه وسال على األرض‪ ،‬ول يزل دمه‬
‫يغلي ويفور حت سلط هللا تعاىل عليهم خبتنصر أحد ملوك اببل من دمشق فجاءته امرأة فدلته على دم “حيىي‬
‫عددا على ذلك الدم‬
‫بن زكراي” وهو يغلي فسأل عنه فأخبوه بقصته‪ ،‬فألقى هللا تعاىل ف قلبه أن يقتل منهم ً‬
‫حت يسكن فقتل سبعي أل ًفا حت سكن دم حيىي عليه الصالة والسالم‪ ،‬وهللا عزيز ذو انتقام‪.‬‬
‫ك‬‫يسى ابْن َم ْرَميَ ذَل َ‬ ‫َّ‬
‫سان َد ُاو َد َوع َ‬ ‫يل َعلَى ل َ‬ ‫ين َك َف ُرواْ من بَين إ ْس َرائ َ‬
‫يقول هللا تعاىل ف ذم بين إسرائيل‪{:‬لُع َن الذ َ‬
‫ريا م ْن ُه ْم يَتَ َولَّْو َن‬
‫س َما َكانُواْ يَ ْف َعلُو َن * تَ َرى َكث ً‬
‫اه ْو َن َعن من َكر فَ َعلُوهُ لَب ْئ َ‬
‫صوا َّوَكانُواْ يَ ْعتَ ُدو َن * َكانُواْ الَ يَتَ نَ َ‬ ‫مبَا َع َ‬
‫ط اللُ َعلَْيه ْم َوف ال َْع َذاب ُه ْم َخال ُدو َن}سورة املائدة‪.‬‬ ‫س ُه ْم أَن َسخ َ‬ ‫َّ‬
‫ت َهلُ ْم أَن ُف ُ‬
‫َّم ْ‬
‫س َما قَد َ‬ ‫ين َك َف ُرواْ لَب ْئ َ‬
‫الذ َ‬
‫ويذكر أهل التواريخ أنه بعد مقتل حيىي عليه السالم جاء تالميذه وأخذوه ودفنوه‪ ،‬ث جاءوا إىل املسيح عيسى‬
‫حزن شدي ًدا لقتله‪.‬‬
‫ابن مرمي عليه السالم وأخبوه مبقتل نيب هللا حيىي عليه السالم‪ ،‬فحزن ً‬
‫وف مكان دفن حيىي اختالف كثري‪ ،‬فيقال إن رأسه دفن ف دمشق ف املكان املعروف اليوم داخل املسجد‬
‫قسما من جسده دفن ف بريوت ف املكان‬
‫األموي‪ ،‬وقيل ف حلب‪ ،‬وقيل يده دفنت ف صيدا‪ ،‬ويقال إن ً‬
‫املعروف اليوم داخل املسجد العمري‪ ،‬وهللا أعلم‪.‬‬

You might also like