إشكالية تنفيذ األحكام القضائية الصادرة ضد

You might also like

Download as pdf or txt
Download as pdf or txt
You are on page 1of 38

‫جدع مشترك ماستر‪ :‬اإلدارة والقانون والتدبير اإلداري والمالي‬

‫للجماعات الترابية‬
‫وحدة‪ :‬سوسيولوجيا اإلدارة المحلية‬
‫عرض تحت عنوان‪:‬‬

‫إشكالية تنفيذ األحكام القضائية الصادرة ضد‬


‫اإلدارة‬

‫تحت إشراف الدكتور‪:‬‬ ‫من إنجاز الطلبة‪:‬‬


‫محمد عزيز خمريش‬ ‫عبد الرحيم حفظي‬
‫عدي بوحياك‬
‫عائشة الربيعي‬
‫خالد بنعطة‬
‫حسن رزقي‬

‫الجامعية‪2020/2019 :‬‬
‫‪1‬‬
‫السنة‬
‫مقدمة‬
‫تعتبر رقابة القضاء اإلداري أفضل نوع رقابي على أعمال اإلدارة وضمان حقيقة لحماية حقوق األفراد‬
‫في مواجهتها‪ ،‬باعتباره حكما في نزاع بين طرفين غير متساويين‪ ،‬اإلدارة بما تملكه من سلطات‬
‫و امتيازات التنفيذ المباشر‪ ،‬تستطيع أن تنفيذ ما يصدر لصالحها‪ ،‬أو تمتنع عن تنفيذ ما يصدر ضدها من‬
‫أحكام‪ ،‬وفقا لما تقرره " قاعدة عدم جواز استخدام طرق التنفيذ الجبري في مواجهتها"‪ ،‬فتشكل بذلك‬
‫خطرا على النظام القانوني لحقوق األفراد وحري اتهم‪ ،‬بينما ال يجد الطرف المتعامل معها سوى اللجوء‬
‫إلى القضاء إلرجاع حقه‪.‬‬
‫وعلى هذا األساس إذا كانت دولة الحق والقانون تقوم على أساس خضوعها للقانون‪ ،‬وسيادة مبدأ‬
‫المشروعية‪ ،‬فإن هذا األخير ال قيمة له ما لم يقترن بمبدأ آخر مضمونه احترام األحكام القضائية وضمان‬
‫تنفيذها‪ ،‬إذ أن اإلخالل بهذا المبدأ يصير بمبدأ المشروعية إلى العدم‪ ،‬فال حماية قضائية إال بكفالة تنفيذ‬
‫األحكام الصادرة عن السلطة القضائية‪ ،‬وال قيمة للقانون بغير تنفيذ مقتضاه‪.1‬‬
‫وبالتالي فإن ما يصدر عن الدولة من قرارات وأعمال ال يكون صحيحا‪ ،‬وال نافذا وال ملزما في‬
‫مواجهة المحكومين‪ ،‬إال إذا كان مغلفا بالقانون روحا وتطبيقا‪ ،‬أما تلك القرارات التي تصدر خارج هذا‬
‫اإلطار‪ ،‬فتكون قرارات غير مشروعة‪ ،‬يتصدى لها القضاء اما بإلغائها أو بوقف تنفيذها‪ ،‬أو بتعويض‬
‫الضرر الناتج عنها وذلك حسب االختيار الذي أقدم عليه صاحب الحق‪.‬‬
‫والتنفيذ هو ثمرة الحكم‪ ،‬وهو تمظهر أساسي وجوهري لقيام وترسيخ دولة الحق والقانون‪ ،‬وقد ورد‬
‫في خطاب الملك الحسن الثاني المؤرخ في ‪ 21‬مارس ‪ 1982‬بمنتسبة استقباله بالقصر الملكي العامر‬
‫ألغضاء الحكومة وكبار رجال القضاء والمحامين والعدول‪ ... "..‬ومسؤولية التنفيذ هي في اعتقادي‬
‫الشخصي أكبر المسؤوليات‪ ...‬فعدم التنفيذ أو التماطل في التنفيذ يجر المرء إلى تفكير أخر هو انحالل‬
‫الدولة‪ ،"...‬وما يؤكد األهمية القصوى للتنفيذ هو التنصيص الدستوري عليه وذلك في المادة ‪ 124‬التي‬
‫تنص على أنه‪ " :‬تصدر األحكام وتنفذ باسم جاللة الملك وطبقا للقانون"‪ ،‬والمادة ‪ 126‬التي تنص على‬
‫أن‪ " :‬األحكام النهائية الصادرة عن القضاء ملزمة للجميع"‪.2‬‬
‫كما أن مواقف كافة الحكومات المغر بية المتعاقبة قد أجمعت على خطورة هذه المسؤولية واندراجها‬
‫ضمن الواجبات الرئيسة الملقاة على اإلدارة بصفة عامة‪ ،‬وحثت على تنفيذ األحكام والقرارات النهائية‬
‫سواء عبر الدوريات أو المناشر أو التصريحات الصادرة عنها‪ ،‬باإلضافة إلى المادة ‪ 32‬من القانون‬
‫المحدث لمؤسسة الوسيط التي تنص على ما يلي" إذا اتضح أن االمتناع عن تنفيذ حكم قضائي نهائي‬
‫صادر في مواجهة اإلدارة ناجم عن موقف غير مبرر لمسؤول أو موظف أو عون تابع لإلدارة المعنية‬
‫أو اخالله بالقيام بالواجب المطلوب منه‪ ،‬من أجل تنفيذ الحكم المذكور‪ ،‬قام الوسيط برفع تقرير خاص في‬
‫الموضوع إلى ال وزير األول‪ ،‬بعد إبالغ الوزير المسؤول أو رئيس اإلدارة المعنية التخاذ ما يلزم من‬
‫جزاءات الزمة ومن إجراءات في حق المعني باألمر‪ ،‬كما يمكنه أن يوجه إلى اإلدارة المعنية توصية‬
‫بتحريك مسطرة المتابعة التأديبية‪ ،‬وإن اقتضى الحال توصية بإحالة الملف على النيابة العامة ال تخاذ‬
‫‪ -1‬نجاة حجراوي‪ :‬إشكالية تنفيذ األحكام القضائية الصادرة في مواجهة اإلدارة‪ ،‬رسالة لنيل دبلوم الماستر في القانون العام‪ ،‬جامعة‬
‫الحسن األول‪ ،‬كلية العلوم القانونية واالقتصادية واالجتماعية سطات‪ ،‬السنة الجامعية‪ ،2010/2009 ،‬ص ‪.03‬‬
‫‪ -2‬الدستور الجديد للمملكة المغربية‪ ،‬الصادر بتنفيذه الظهير الشريف رقم ‪ ،1.11.91‬بتاريخ ‪ 29‬يوليوز‪ ،2011‬منشور بالجريدة‬
‫الرسمية عدد ‪ 5952‬في ‪ 17‬يونيو ‪- .2011‬‬
‫‪2‬‬
‫اإلجراءات المنصوص عليها في القانون‪ ،‬في حق المسؤول أو الموظف أو العون الذي تأكد أنه المسؤول‬
‫عن األفعال المذكورة‪ ،‬وفي هذه الحالة‪ ،‬يخبر الوسيط الوزير األول بذلك‪.3‬‬
‫على الرغم من جرأة االجتهاد القضائي بخصوص اجبار اإلدارة المعنية أو المسؤول اإلداري بصفة‬
‫شخصية على تنفيذ االحكام القضائية فإن ذلك لم يضع حدا لتعسف اإلدارة‪ ،‬وهذا ما جعل كل وسائل التي‬
‫وظفها القضاء اإلداري وإن بدت وسائل مشجعة فإن فعاليتها تبقى محدودة فضل القاضي اإلداري وهو‬
‫يصدر حكما قضائيا ضد اإلدارة فاقدا لكل السلطات التي تمكنه من تنفيذ هذا الحكم‪ ،‬وظلت إشكالية التنفيذ‬
‫تمثل نقطة الضعف في القانون اإلداري‪ ،‬طالما أن األمر يتوقف في النهاية على حسن نية اإلدارة ورغبتها‬
‫في التنفيذ‪.‬‬
‫إن أهمية الموضوع تكمن في كونه يندرج في إطار الوعي بالتالزم الحاصل بين مبدأ المشروعية وتنفيذ‬
‫األحكام القضائية الصادرة ضد اإلدارة من جهة‪ ،‬وكيفية اسهام الوسيط في تطوير هذا الترابط عن طريق‬
‫المحافظة على مبدأ المشروعية من خالل مساهمته في تنفيذ األحكام اإلدارية‪ .‬ومن ناحية أخرى‪ ،‬فإن‬
‫مسؤولية الموظفين عن تنفيذ االحكام اإلدارية‪ ،‬أصبحت تفرض وجود هيئات مستقلة متخصصة في هذا‬
‫المجال‪ ،‬تعمل على تتبع تصرفاتهم وجبرهم على تنفيذها‪.‬‬
‫إن معالجتنا لموضوع تنفيذ االحكام القضائية الصادرة ضد اإلدارة‪ ،‬ينبغي أن يمر من خالل الوساطة‬
‫المؤسساتية وعبر التوفيق بين امتيازات اإلدارة وحقوق المتظلم‪ ،‬والضغوط والوسائل القانونية التي‬
‫يفرضها ا لقاضي اإلداري على اإلدارة من أجل تنفيذها لألحكام الصادرة في مواجهتا‪ ،‬وبهذا فقد كانت‬
‫إشكالية الموضوع على الشكل التالي‪:‬‬
‫آية فعالية للوسائل البديلة التي يضعها القاضي اإلداري في مواجهة اإلدارة على تنفيذ‬
‫األحكام القضائية الصادرة ضدها في ظل الصعوبة التي يعرفها هذا التنفيذ واالمتيازات التي‬
‫تتمتع بها اإلدارة؟‬
‫وفي إطار هذه اإلشكالية يمكن طرح بعض األسئلة الفرعية‪:‬‬
‫ما هي األسباب التي تتدرع بها اإلدارة عن إيقاف تنفيذ االحكام اإلدارية؟‬
‫أين تتجلى الصعوبات التي تحيل دون تنفيذ اإلدارة لألحكام القضائية الصادرة ضدها؟‬
‫ما هي أساليب الضغط التي يضعها كل من المشرع المقارن والمغربي في دفع اإلدارة لتنفيذ‬
‫االحكام اإلدارية؟ وأية فعالية لهذ األساليب؟‬
‫ما هو دور مؤسسة الوسيط في تنفيذ االحكام اإلدارية؟‬
‫في سياق إشكالية العرض والتساؤالت السابقة‪ ،‬والنتائج الوخيمة التي قد تنتج عن امتناع اإلدارة عن‬
‫تنفيذ االحكام القضائية الصادرة ضدها وللحقوق والحريات العامة والخاصة التي يمس بها هذا األمر‪،‬‬
‫سيمثل المنهجين الوظيفي والبنيوي الموجه األساسي لهذا الموضوع‪.‬‬

‫‪ - 3‬تم إحداث مؤسسة الوسيط بموجب الظهير الشريف رقم ‪ 1.11.25‬الصادر في ‪ 17‬مارس ‪ ،2011‬الجريدة الرسمية عدد‬
‫‪.5926‬‬
‫‪3‬‬
‫وعلى هذا األساس ستكون خطة العرض على الشكل التالي‪:‬‬

‫المبحث األول‪ :‬األسباب الكامنة وراء امتناع اإلدارة عن تنفيذ األحكام اإلدارية وصور‬
‫هذا االمتناع‬
‫المبحث الثاني‪ :‬أساليب الضغط لوقف صعوبة تنفيذ األحكام اإلدارية‬

‫‪4‬‬
‫المبحث األول‪ :‬األسباب الكامنة وراء امتناع اإلدارة عن تنفيذ األحكام اإلدارية‬
‫وصور هذا االمتناع‬
‫إذا كان مبدأ المشروعية يقصد به أن جميع تصرفات اإلدارة يجب أن تكون خاضعة للقانون‪ ،‬فإنه من‬
‫الضروري أن يقترن بمبدأ آخر وهو احترام أحكام القضاء وضرورة تنفيذها‪ ،‬ألن الغاية أو الهدف الذي‬
‫يسعى إليه كل متقاض من استصدار حكم لصالحه هو الوصول به إلى مرحلة تنفيذه وترجمته على أرض‬
‫الواقع‪ ،‬إال أن هناك مجموعة من األسباب والمشاكل تؤدي في العديد من األحيان إلى التأخر في تنفيذ‬
‫الحكم القضائي الصادر ضد اإلدارة (المطلب األول)‪ ،‬وفي بعض الحاالت تمتنع عن التنفيذ ألسباب ذاتية‬
‫تتعلق أساسا بالدوافع الشخصية واالعتبارات السياسية (المطلب الثاني)‪.‬‬
‫المطلب األول‪ :‬األسباب الكامنة وراء امتناع اإلدارة عن تنفيذ األحكام اإلدارية‬
‫إذا كان الفصل ‪ ،4126‬من الدستور ينص على أن األحكام النهائية الصادرة عن القضاء ملزمة‬
‫للجميع‪ ،‬وأضاف على أن السلطات العمومية يجب عليها تقديم المساعدة الالزمة لتنفيذ األحكام القضائية‪،‬‬
‫فإن اإلدارة ملزمة باحترام الدستور الذي يعتبر أسمى قانون‪ ،‬زيادة على أن تنفيذ األحكام القضائية مرتبط‬
‫في جوهره بسيادة القانون ومبدأ حرمة القضاء ومصداقية الدولة‪ ،‬إال أن األمر في الواقع يطرح إشكالية‬
‫عويصة تضيع فيها حقوق المواطنين ومصالح المقاوالت‪ ،‬فعندما تأتي مرحلة التنفيذ تتعنت اإلدارة بأسباب‬
‫ومبررات عديدة بالرغم من كون األحكام القضائية ملزمة للجميع حسب الدستور وفي بعض األحيان‬
‫تكون هذه األسباب والمبررات حقيقية كالنظام العام أو نقص االعتمادات أو غياب وسائل التنفيذ الخاصة‬
‫ضد أشخاص القانون العام‪ ،‬إال أنه في حاالت أخرى تكون أسباب متعلقة باإلدارة نفسها تدخل فيها‬
‫االعتبارات الشخصية والسياسية‪ ،‬وتظهر النية السيئة لإلدارة وتمتنع عن التنفيذ وتتمسك بأسباب خفية‬
‫لتعطيل تنفيذ األحكام القضائية الصادرة ضدا ‪.‬‬
‫وعموما هناك أسباب موضوعية (الفقرة األولى)‪ ،‬تتعلق بالنظام العام وأسباب وصعوبات قانونية ومادية‬
‫وأسباب ذاتية (الفقرة الثانية)‪ ،‬متصلة بالدوافع الشخصية واالعتبارات السياسية‪.‬‬
‫الفقرة األولى‪ :‬األسباب الموضوعية‬
‫تتمثل هذه األسباب في النظام العام (أوال)‪ ،‬والصعوبات المادية (ثانيا)‪ ،‬والقانونية(ثالثا)‪.‬‬
‫أوال‪ :‬أسباب تتعلق بالحفاظ على األمن والنظام العام‬
‫في البداية ال بد من اإلشارة إلى أن مفهوم النظام العام واسع ونسبي يختلف من مكان آلخر ومن زمن‬
‫آلخر‪ ،‬ومن مجتمع آلخر‪ ،‬ويعرف النظام العام بأنه األسلوب المستخدم في تنظيم الحياة االجتماعية في‬
‫المجتمع الواحد عن طريق فرض سلطة القانون التي تمنح لألفراد حقوقهم‪ ،‬وتعرفهم بالواجبات القانونية‬
‫الملزمة لهم‪ ،‬وعلى اعتبار أن من أهم أسباب وجود اإلدارة هو المحافظة على النظام العام‪ ،‬بصوره‬

‫‪ - 4‬ينص الفصل ‪ 26‬من الدستور الجديد للمملكة على ما يلي" األحكام النهائية الصادرة عن القضاء ملزمة للجميع‪.‬‬
‫يجب على السلطات العمومية تقديم المساعدة الالزمة أثناء المحاكمة‪ ،‬إذا صدر األمر إليها بذلك ويجب عليها تقديم المساعدة‬
‫على تنفيذ األحكام‪".‬‬
‫‪5‬‬
‫الثالث ( الصحة العامة‪ ،‬السكينة األمة واألمن العام) فإذا كان تنفيذ الحكم القضائي من شأنه المساس‬
‫باألمن العام ووقوع خلل بالمصالح اإلدارية والمرفق العام فإنه ال يتم تنفيذه ‪.5‬‬
‫بعبارة أخرى فبالرغم من كون األحكام القضائية الحائزة لقوة الشيء المقضي به تعتبر أصال من‬
‫أصول القانون وتهدف إلى تحقيق الطمأنينة العامة واالستقرار في الحقوق والروابط االجتماعية واألمن‬
‫القضائي‪ ،‬إال أنه في حالة وجود ظروف معينة تستوجب الحفاظ على سالمة الدولة ومن شأن التنفيذ أن‬
‫يعرض ا لنظام العام لالضطراب والتوتر فإن للسلطة التنفيذية حق تأخير أو تعطيل تنفيذ الحكم‪ ،‬وهنا‬
‫يتم تقديم الصالح العام على الصالح الخاص ‪.‬‬

‫وفي هذا اإلطار نجد أن القضاء اإلداري المغربي بدوره يتجه نحو التأكيد على جواز تعطيل تنفيذ‬
‫األحكام القضائية في حاالت استثنائية‪ ،‬وقد عملت المحاكم اإلدارية على تحديد هذه الحاالت االستثنائية‬
‫في احتمال وقوع اضطرابات جماعية تهدد المجتمع وتشكل خطرا على األمن والنظام العام‪.‬‬
‫وما دام لفظ النظام العام يتميز بالعمومية والتجريد‪ ،‬فإنه يجب أن يحدد بدقة حتى ال تتخذه اإلدارة‬
‫كحجة في كل مرة ارتأت التملص من تنفيذ الحكم القضائي الصادر ضدها‪ ،‬ففي العديد من الحاالت نجد‬
‫اإلدارة تستعمل عبارة النظام العام وتتحجج بعدم تنفيذها لألحكام القضائية بالمصلحة العامة وضمان‬
‫حسي سير المرفق العام‪ ،‬حيث أصبح من أهم المبررات لتملص اإلدارة من تنفيذ األحكام القضائية‬
‫الصادرة ضدها‪ ،‬ففي ظل ال سلطة التقديرية الواسعة التي تتمتع بها اإلدارة في تحديد مفهوم النظام العام‬
‫فإنه يصعب معها إثبات انحرافها أو تجاوزها للسلطة ‪.6‬‬

‫وبالتالي فإن امتناع اإلدارة عن تنفيذ األحكام اإلدارية الصادرة في حقها‪ ،‬وإن كان يمليه واجب الحفاظ‬
‫على النظام ا لعام‪ ،‬فإنه ال يعدو أن يكون مجرد إجراء استثنائي ال يتوسع في تفسيره على حساب مبدأ‬
‫القوة الملزمة للشيء المقضي به‪ ،‬ألن اإلدارة التي تتنصل من التزاماتها بتنفيذ األحكام الصادرة ضدها‬
‫بدعوى أن هذا التنفيذ يتعارض مع المصلحة العامة‪ ،‬يجب أن تضع في الحسبان أن هناك مصلحة أعلى‬
‫تتمثل في وجوب احترام القانون‪ ،‬والذي يدخل في سياقه الخضوع ألحكام القضاء‪ ،‬وإعطاء المصداقية‬
‫لجهاز القضاء ‪.7‬‬

‫ثانيا‪ :‬نقص االعتمادات المالية‬


‫كثيرا ما نجد بعض الفقه يتحدث عن امتناع اإلدارة عن التنفيذ بنوع من التهجم على اإلدارة بشكل‬
‫يوحي وكأن هاته األخيرة تمتنع ع ن التنفيذ لمجرد المتعة واستجابة لنزوات شخصية للمسؤولين عنها‪،‬‬
‫لكن في الواقع نجد أغلب حاالت امتناع اإلدارة عن تنفيذ األحكام اإلدارية الصادرة في مواجهتها‪ ،‬ال‬

‫‪ - 5‬حميد أمالل‪ :‬إشكالية تنفيذ األحكام القضائية الصادرة في مواجهة اإلدارة‪ ،‬رسالة لنيل دبلوم الدراسات العليا المتخصصة في‬
‫القانون الخاص‪ ،‬جامعة محمد الخامس‪ ،‬كلية العلوم القانونية واالقتصادية واالجتماعية السويسي الرباط‪ ،‬السنة الجامعية‬
‫‪ ،2009/2008‬ص‪.2.3‬‬
‫‪ - 6‬محمد سقلي حسيني‪ :‬إشكالية توجيه األوامر لإلدارة في مجال تنفيذ االحكام اإلدارية بالمغرب‪ ،‬منشورات مجلة القضاء والقانون‪،‬‬
‫العدد ‪ 157‬سنة ‪ ،2010‬ص‪.90‬‬
‫‪ - 7‬محمد العلوي‪ :‬المجلة المغربية لإلدارة المحلية والتنمية‪ ،‬العدد ‪ ،49/95‬سنة ‪ ،2010‬ص ‪.65‬‬
‫‪6‬‬
‫ترجع إلى تجاهل اإلدارة لمبدأ حجية الشيء المقضي به وإنما إلى وجود صعوبات تعترضها أثناء تنفيذ‬
‫تلك األحكام ومن أهمها وأكثرها نقص االعتمادات المالية ‪.8‬‬

‫فإن نقص االعتمادات المالية يتعلق أساسا بمبدأ سنوية الميزانية المعمول به في المغرب‪ ،‬ومعناه أنه‬
‫ميزانية المؤسسات اإلدارية يتم تخصيصها سنويا‪ ،‬وبالتالي فإنه عند صدور حكم يقضي على اإلدارة‬
‫بأداء مبلغ مالي فإن تنفيذ هذا الحكم يصطدم بغياب اعتمادات مخصصة لهذا الغرض داخل الميزانية‪،‬‬
‫ويتم تبعا لذلك انتظار برمجة االعتمادات المناسبة خالل السنة المالية الموالية‪ ،‬باستثناء بعض المؤسسات‬
‫القليلة التي تنهج سياسة استباقية وتعمل على برمجة االعتمادات في الباب المخصصة بميزانيتها السنوية‬
‫لتنفيذ األحكام القضائية وذلك بشكل مسبق ‪.9‬‬

‫عموما إن فلسفة إعداد الميزانية تفرض توقع النفقات‪ ،‬وبالتالي فاإلدارة العمومية ينبغي أن تقوم‬
‫بتنظيم الميزانية السنوية بناء ع لى دراسة ما ستسفر عنه أحكام القضاء من مبالغ مالية‪ ،‬أي إعداد‬
‫دراسات توقعية بشكل سنوي تأخذ بعين االعتبار عدد األحكام النهائية الصادرة‪ ،‬باإلضافة إلى توقع‬
‫األحكام التي ستصدر وحجم المبالغ المحكوم بها من أجل تدبير تنفيذ األحكام الصادرة ضدها‪.‬‬
‫فالمشرع الفرنسي مثال لحل هذا اإلشكال‪ ،‬تدخل بإصدار القانون ‪ 539.80‬الذي يلزم اإلدارة بتوفير‬
‫االعتماد من أجل تنفيذ الحكم القضائي في أجل محدد أقصاه ‪ 4‬أشهر من الحكم الحائز لقوة الشيء‬
‫المقضي به‪.‬‬
‫ف في كثير من الحاالت التي تكون فيها أحكام قضائية تتعلق بالتعويض أو فرض غرامة مالية تختبئ‬
‫اإلدارة وراء انعدام أو قلة الموارد المالية الكفيلة بتنفيذ الحكم القضائي‪ .‬وال بد من اإلشارة إلى أن هذا‬
‫المبرر المتمثل في نقص االعتمادات المالية اعتبره جانب من القضاء بأنه شطط في استعمال السلطة‬
‫ويستوجب التعويض‪ ،‬باإلضافة إلى أن الدولة يفترض فيها مألة الذمة ‪.‬‬

‫وهذا ما يحاول المشرع تجاوزه من خالل مشروع قانون المسطرة المدنية الذي ينص فيه بشكل صريح‬
‫على إلزامية اإلدارة بضرورة وضع هذه االعتمادات وتنفيذ الحكم داخل أجل ‪ 6‬أشهر من تاريخ‬
‫المصادقة على الميزانية في السنة الموالية‪.10‬‬

‫ثالثا‪ :‬الصعوبات القانونية‬


‫القضاء اإلداري يصدر أحكاما ضد اإلدارة إما بإلغاء قراراتها غير المشروعة أو الحكم عليها‬
‫بالتعويض‪ ،‬إال أنه ال يتوفر على سلطة حقيقية إلجبارها على التنفيذ‪ ،‬لعدم توفره على الوسائل القانونية‬
‫والمادية للقيام بذلك ‪.11‬‬

‫‪ - 8‬أعبيرة عبد الغني‪ :‬التحديث اإلداري بالمغرب‪ ،‬دار النشر بالرباط‪ ،‬الطبعة األولى سنة ‪ ،2010‬ص ‪.85‬‬
‫‪ - 9‬محمد سقلي حسيني‪ :‬إشكالية توجيه األوامر لإلدارة في مجال تنفيذ االحكام اإلدارية بالمغرب‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.97‬‬
‫‪ - 10‬حسن صحيب‪ :‬القضاء اإلداري المغربي‪ ،‬منشورات المجلة المغربية لإلدارة المحلية والتنمية‪ ،‬عدد ‪ ،80‬دار النشر المغربي‬
‫الدار البيضاء‪ ،‬الطبعة األولى ‪ ،2008‬ص ‪.595‬‬
‫‪ - 11‬حسن صحيب‪ :‬القضاء اإلداري المغربي‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.595‬‬
‫‪7‬‬
‫وتتمثل الصعوبات القانونية في غياب مسطرة خاصة بتنفيذ األحكام القضائية الصادرة ضد اإلدارة‪،‬‬
‫فبالرجوع للقانون ‪ 90.41‬المحدث اإلدارية نجد أنه لم ينص على أية مسطرة لتنفيذ األحكام الصادرة‬
‫ضد هاته المحاكم اإلدارية‪ ،‬حيث اكتفى في المادة ‪ 49‬بالتنصيص على أن التنفيذ يتم بواسطة كتابة‬
‫ضبط المحكمة اإلدارية التي أصدرت الحكم‪ ،‬والمادة ‪ 7‬نصت على أنه تطبق أمام المحاكم اإلدارية‬
‫القواعد المنصوص عليها في ق‪.‬م‪.‬م‪ .‬ما لم ينص القانون على خالف ذلك‪.12‬‬
‫ويرغب المشرع في تجاوز هذا الوضع من خالل تنصيصه في مشروع قانون المسطرة المدنية الذي‬
‫سيتضمن بابا مستقال يتعلق بتنفيذ األحكام القضائية ضد أشخاص القانون العام‪ ،‬ويتضمن هذا المشروع‬
‫مقتضيات جديدة ومهمة بعضها اجتهاد من واضعي هذا المشروع واآلخر مأخوذ من االجتهاد القضائي ‪.‬‬

‫وهناك صعوبات قانونية أخرى تتمثل أساسا في صعوبة تفسير الحكم القضائي أو فهم مقصوده‪ ،‬إال‬
‫أن هذه الصعوبة ال تعطي لإلدارة الحق في التملص من التزاماتها بتنفيذ الحكم تنفيذا كامال وصحيحا‪،‬‬
‫ألنها تملك إمكانية اللجوء إلى الجهة القضائية المصدرة للحكم لتستفسرها عن كيفية تنفيذ أحكامها‪ ،‬حين‬
‫يكون هناك ما يدعو للشك في تفسيرها ‪.13‬‬

‫وللحد من هذه الصعوبات القانونية التي تؤدي إلى عدم تنفيذ االحكام القضائية‪ ،‬ينبغي أن يكون منطوق‬
‫الحكم واضحا‪ ،‬ال يتحمل عدة تفسيرات من طرف اإلدارة‪ ،‬وأن يعمل القاضي اإلداري على تحديد كيفية‬
‫تنفيذه وتعليله تعليال سليما‪ ،‬حتى يسهل على اإلدارة متابعة إجراءات تنفيذه من جهة وال يتم فسح المجال‬
‫لإلدارة لالمتناع عن التنفيذ لعلة وضوح منطوق الحكم أو صعوبة تفسيره من جهة ثانية ‪.14‬‬

‫وإذا كانت هذه الصعوبات المادية والقانونية تحول دون تنفيذ األحكام اإلدارية أو تكون سببا في تأخير‬
‫تنفيذها فإن هناك حاالت أخرى من امتناع اإلدارة عن تنفيذ لألحكام الصادرة ضدها‪ ،‬لكن هذه المرة‬
‫سببها راجع إلى تقاعس اإلدارة وتعنتها اعتقادا منها أن إقدامها على تنفيذ األحكام هو بمثابة ضعف‪،‬‬
‫وضرب في العمق المتيازاتها واستقالليتها تجاه القضاء ‪.‬‬

‫الفقرة الثانية‪ :‬األسباب الذاتية‬


‫باإلضافة إلى األسباب الموضوعية السابقة‪ ،‬قد تتمسك اإلدارة بأسباب خفية لتعطيل تنفيذ األحكام‬
‫اإلدارية الصادرة ضدها أو في مواجهتها‪ ،‬وهذه األسباب الحقيقية كثيرة ومتنوعة‪ ،‬وتعتبر أسباب خفية‬
‫ألنه ال يمكن لإلدارة أن تتمسك بها صراحة ‪.‬‬
‫ومن أهم هذه األسباب وأكثرها حدوثا في الواقع العملي هناك الدوافع الشخصية(أوال) واالعتبارات‬
‫السياسية (ثانيا)‪.‬‬

‫‪ - 12‬لكريمي مصلي‪ :‬غياب مسطرة التنفيذ لألحكام اإلدارية‪ ،‬جريدة الصباح‪ ،‬عدد ‪ 2969‬بتاريخ ‪ ،2014/10/27‬ص‪.12‬‬
‫‪ - 13‬حميد أمالل‪ :‬إشكالية تنفيذ األحكام القضائية الصادرة في مواجهة اإلدارة‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.24‬‬
‫‪ - 14‬نجاة حجراوي‪ :‬إشكالية تنفيذ األحكام القضائية الصادرة في مواجهة اإلدارة‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.52.53‬‬
‫‪8‬‬
‫أوال‪ :‬الدوافع الشخصية‬
‫هناك مجموعة من الممارسات واألفكار والمبادئ السلبية لدى بعض رجال اإلدارة تؤثر بشكل واضح‬
‫في عمل هذه األخيرة‪ ،‬وفي بعض األحيان تكون من األسباب األساسية لعدم تنفيذ الحكم القضائي الصادر‬
‫عن المحاكم اإلدارية والحائز لقوة الشيء المقضي به‪ ،‬بعض العقليات المتواجدة في اإلدارة التي تعتبر‬
‫أن أحكام القضاء هي مجرد توصيات وال تكون ملزمة لها إال إذا كان الحكم يصب في صالح اإلدارة‬
‫وليس ضدها‪ ،‬ويفسرون تعديل تنفيذ األحكام القضائية بكونهم هم وحدهم العارفون بتقنيات اإلدارة‪ ،‬على‬
‫اعتبار أن القضاة ال يمكنهم معرفة مشاكلها الداخلية‪ ،‬وهذا كله يجعل رجل اإلدارة المسؤول عن التنفيذ‪،‬‬
‫يعتقد بأن التراجع عن قراره والخضوع للحكم القضائي الصادر في حق اإلدارات سيكشف للمواطن‬
‫عن سوء وسلبية تسييره اإلداري مما يؤدي إلى فقدان الثقة في اإلدارة هذا من جهة‪ ،‬ومن جهة أخرى‬
‫هناك بعض األفكار التي تعشش في رؤوس بعض المسؤولين الكبار باإلدارة تتمثل في أن الموظف أو‬
‫المواطن الذي يقاضي اإلدارة‪ ،‬إنما يقاضي المسؤول عن اتخاذ القرار وليس اإلدارة‪ ،‬ويعتبر هذا األمر‬
‫خروجا عن القانون وفيه خطر يهدد الدولة والمجتمع‪ ،‬ألنه يؤدي إلى فقدان الثقة في األحكام القضائية‪.15‬‬
‫قد يخفي رجل اإلدارة المسؤول عن التنفيذ دوافعه الشخصية وراء المفهوم المطلق لمبدأ الفصل بين‬
‫السلطات‪ ،‬باعتبار هذا المبدأ يحول دون إجبار اإلدارة أو أعوانها المسؤولين عن االنصياع لتنفيذ أحكام‬
‫القضاء‪ ،‬إال أن استقالل القضاء عن اإلدارة ال يعني أن يتجاهل كل منهما قرارات اآلخر‪ ،‬ألن ذلك‬
‫سيترتب عنه فوضى واضطراب في النظام العام‪.16‬‬
‫وقد يبرر بعض رجال اإلدارة عدم التنفيذ إلى مضمون الفصل ‪ 25‬من قانون المسطرة المدنية الذي‬
‫يمنع على المحاكم عرقلة أعمال السلطة العمومية‪ ،‬وقد يتذرع في بعض األحيان بتبريرات ذات طابع‬
‫شكلي كوجود عيب في الشكل أو عدم االختصاص‪ ،‬وذلك كلما رغب في التملص من تنفيذ األحكام‬
‫اإلدارية الصادرة في حق اإلدارة ‪.‬‬
‫ثانيا‪ :‬االعتبارات السياسية‬
‫باإلضافة إلى الدوافع الشخصية للموقف المسؤول عن التنفيذ‪ ،‬هناك اعتبارات سياسية تساهم بدوره‬
‫في عرقلة عملية تنفيذ األحكام القضائية الصادرة في حق اإلدارة‪ ،‬خصوصا إذا علمنا أن أكثر الجهات‬
‫امتناعا عن تنفيذ األحكام القضائية هي الهيئات المحلية‪ ،‬حيث تكون المنازعات القضائية نتيجة لوجود‬
‫خالفات شخصية أو حزبية مما يجعل عملية التنفيذ معقدة‪ ،‬حيث يكون التنفيذ منوطا بموظفين غير‬
‫محايدين وحساسيتهم تجاه القانون أضعف‪ ،‬مما يؤدي إلى انتهاك مبدأ المشروعية وسيادة القانون‪،‬‬
‫وبالتالي يعمدون إلى وضع عقبات مادية وقانونية في وجه تنفيذ األحكام اإلدارية الصادرة في مواجهة‬
‫إدارتهم‪.17‬‬

‫‪ - 15‬سعيد حموش‪ :‬إشكالية تنفيذ االحكام القضائية في مواجهة اإلدارة المغربية‪ ،‬منشورات مختبر البحث في قانون العقار والتعمير‬
‫بالكلية المتعددة التخصصات الناظور‪ ،‬الطبعة األولى ‪ ،2019‬ص ‪.25‬‬
‫‪ - 16‬حميد أمالل‪ :‬إشكالية تنفيذ األحكام القضائية الصادرة في مواجهة اإلدارة‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.27‬‬
‫‪ -17‬أسماء مقاس‪ :‬تحديث اإلدارة ال قضائية بين اكراهات الواقع ورهانات اإلصالح‪ ،‬رسالة لنيل ديبلوم الماستر في القانون العام‬
‫‪ ،2010/2009‬جماعة الحسن األول كلية العلوم القانونية واالقتصادية واالجتماعية سطات‪ ،‬ص ‪.61‬‬

‫‪9‬‬
‫فكل هذه األسباب الذاتية تظل أسبابا خفية تخلقها اإلدارة لتبرير امتناعها عن التنفيذ‪ ،‬مما يصعب المهمة‬
‫على القاضي اإلداري الذي يجب عليه الوقوف على النوايا الخفية لإلدارة الممتنعة عن التنفيذ‪.‬‬

‫المطلب الثاني‪ :‬مظاهر امتناع اإلدارة عن تنفيذ األحكام اإلدارية‬


‫حين تمتنع اإلدارة عن تنفيذ األحكام القضائية الصادرة في مواجهتها والحائزة لقوة الشيء المقضي‬
‫به‪ ،‬فإن هذا االمتناع ال يتخذ شكال معينا أو صورة واحدة‪ ،‬وإنما يتخذ صورا متعددة (الفقرة األولى)‪.‬‬
‫كما أنها قد تستخدم عدة أساليب لتعطيل مفعول الحكم (الفقرة الثانية)‪.‬‬

‫الفقرة األولى‪ :‬صور امتناع اإلدارة عن التنفيذ‬


‫يتخذ امتناع اإلدارة عن التنفيذ أو عدم احترام مبدأ قوة الشيء المقضي به عدة صور‪ .‬بدءا بالتباطؤ‬
‫في التنفيذ (أوال) مرورا بتنفيذ الحكم تنفيذا ناقصا (ثانيا) نهاية بالرفض الصريح (ثالثا)‪.‬‬
‫أوال‪ :‬التباطؤ في التنفيذ‬
‫يعد التباطؤ في التنفيذ أحد الصور الشائعة التي تلجأ إليها اإلدارة عادة‪ ،‬لتعطيل مفعول الحكم الصادر‬
‫ضدها وتجنب تنفيذه‪ ،‬كما أنها من الحاالت التي يصعب من خاللها إثبات سوء نية اإلدارة في تنفيذ‬
‫األحكام الصادرة في المجال اإلداري أو حتى تحديد الوقت الالزم لتنفيذ الحكم؛ حيث أن األحكام الصادرة‬
‫في موا جهة اإلدارة ال تحدد بوقت معين لتنفيذها‪ ،‬وإنما يكون ذلك راجع إلى جهة اإلدارة ذاتها‪ ،‬فهي‬
‫تملك سلطة تقديرية في هذا الشأن‪ ،‬غير أن هذه السلطة التقديرية لإلدارة ليست مطلقة بل يجب أن تكون‬
‫المدة التي سيتم فيها التنفيذ معقولة ومناسبة‪ ،‬وتقدير ذلك عائد إلى رقابة القضاء اإلداري‪.18‬‬
‫مما يجعل مهمة القاضي اإلداري في مراقبة اإلدارة وإلزامها بالتنفيذ في الوقت المناسب أو حتى‬
‫تحديده أمر صعب‪ ،‬ألن اإلدارة دائما ما تعتبر أن التأخير له ما يبرره‪.19‬‬
‫ولعل عدم تحديد المدة المعقولة التي على اإلدارة القيام داخلها بتنفيذ الحكم القضائي النهائي راجع‬
‫إلى سببين‪:‬‬
‫األول‪ :‬في عدم جواز التنفيذ الجبري ضد اإلدارة‪ ،‬لكونها المتحكمة والمالكة لناصية التنفيذ الجبري‪.‬‬

‫الثاني‪ :‬يتعلق بضرورة مراجعة جميع المراكز القانونية التي قد تترتب عن القرار الملغى‪ ،‬خاصة‬
‫خالل الفترة الفاصلة بين صدوره وإلغائه‪ ،‬خصوصا إذا تعلق األمر بتنفيذ أحكام اإللغاء وما تتطلبه من‬
‫وقت لرد الحقوق والمزايا التي يكون القرار الملغى قد مس بها‪ ،‬وهو نفس الشيء بالنسبة ألحكام القضاء‬
‫الشامل‪ ،‬عندما يتعلق األمر بمنح تعويض للمتضرر‪ ،‬حيث قد تتمسك اإلدارة بمنحها الوقت للتنفيذ‪،‬‬
‫لكونها ال تتوفر على اعتمادات مالية مخصصة للتنفيذ‪.20‬‬

‫‪ - 18‬قرار الغرفة اإلدارية بالمجلس األعلى عدد ‪ 272‬بتاريخ ‪( ،2000/03/02‬قرار منشور بمجلة القضاء والقانون العدد ‪،157‬‬
‫سنة ‪.)2010‬‬
‫‪ - 19‬أمر استعجالي صادر عدد ‪ 1206‬بتاريخ ‪ ،1985/12/16‬منشور بالمجلة المغربية للقانون والسياسة واالقتصاد عدد ‪ 4‬سنة‬
‫‪ ،1986‬ص ‪.243‬‬
‫‪ - 20‬محمد سقلي حسيني‪ :‬إشكالية توجيه األوامر لإلدارة في مجال تنفيذ االحكام اإلدارية بالمغرب‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.90‬‬
‫‪10‬‬
‫وال يكفي في هذا المجال تحرير محضر االمتناع عن التنفيذ من طرف عون التنفيذ أو مأمور التنفيذ‪،‬‬
‫حتى نقول إ ن اإلدارة ممتنعة عن التنفيذ‪ ،‬بل ال بد من معرفة ما إذا كانت التصريحات الواردة على‬
‫لسان اإلدارة المنسوبة إليها تشير إلى امتناعها الصريح وغير المبرر في التنفيذ أم تتضمن إشارة إلى‬
‫اتخاذها إلجراءات من اإلجراءات التي تبرر إرجاء التنفيذ‪ ،‬ألن الجهة المخولة بتكييف تصريحات‬
‫اإلدارة وإعطائها المدلول القانوني السليم هو القاضي وليس مأمور التنفيذ‪.21‬‬
‫غير أنه أصبح في اآلونة األخيرة يعتد بمحضر االمتناع فقط الذي يحرره مأمور التنفيذ فقط دون‬
‫التأكد من نوايا اإلدارة‪.‬‬
‫حيث جاء في قرار محكمة النقض " لكن حيث إن الطلب كما هو واضح من أوراق الملف ومستنداته‬
‫أنما يهدف إلى استصدار أمر الغرامة التهديدية التي لم يشترط لها الفصل ‪ 448‬من ق‪.‬م‪.‬م سوى التأكد‬
‫من االمتناع عن تنفيذ حكم قابل للتنفيذ سواء كان عدم التنفيذ كليا أو جزئيا ولم يقارن المقتضى القانوني‬
‫المذكور الحكم بالغرامة من التأكد من نوايا المحكوم عليه وما إذا كان يتعمد اإلضرار بخصمه أو كان‬
‫عدم التنفيذ ناتجا عن أمور خارجة عن إرادته "‪.22‬‬
‫وما تجدر اإلشارة إليه‪ ،‬أن القانون الفرنسي قد حمل مسؤولية التأخير في التنفيذ إلى الشخص المشرف‬
‫ع لى تسيير اإلدارة التي تصدره ضدها األحكام‪ ،‬ولذلك أعطى الصالحية لمجلس الدولة من تحديد‬
‫الغرامة التي تفرض على الشخص المعنوي العام الذي ال يحترم تنفيذ أحكام القضاء‪.23‬‬
‫ثانيا‪ :‬التنفيذ الناقص أو الجزئي‬
‫بمقتضى السلطة الممنوحة لإلدارة فإنها قد تقوم بتنفيذ الحكم لكن ظاهرا فقط حتى ال تقع في تماطل‬
‫أو التأخير جراء الضغوطات التي تمارس عليها‪ ،‬لكن هذا التنفيذ ال يكون بشكل حرفي‪ ،‬بل تقوم بتنفيذه‬
‫تنفيذا ناقصا ومبتورا بما يتوافق مع رغبتها‪ .‬ألنها استخدمت سلطتها في تنفيذ الحكم القضائي النهائي‬
‫على غير ما كان عليه‪ ،‬فكان ذلك مظهرا من المظاهر التي تلجأ إليها اإلدارة‪.24‬‬
‫فالواجب على اإلدارة أن تنفذ الحكم تنفيذا صحيحا كامال‪ ،‬مراعية في ذلك ما جاء في منطوقه‪ ،‬وما‬
‫ارتبط بهذا المنطوق من أسباب جوهرية‪ .‬وعند لجوء اإلدارة إلى هذه الصورة من صور االمتناع فإنها‬
‫تتخذها بديال للرفض الصريح أو التأخير في التنفيذ فتقوم بالتنفيذ الناقص لكي تتخلص من تبعات الحكم‬
‫التي ال تتوافق مع إرادتها‪.25‬‬

‫‪ - 21‬محمد قصري‪ :‬الغرامة التهديدية والحجز في مواجهة اإلدارة الممتنعة عن تنفيذ أحكام وقرارات القضاء اإلداري‪ ،‬منشورات‬
‫مجلة المحاكم اإلدارية‪ ،‬عدد ‪ ،5‬إصدار خاص‪ -‬يناير ‪ ،2007‬ص ‪.197‬‬
‫‪ - 22‬قرار الغرفة اإلدارية بالمجلس األعلى عدد ‪ ،295‬بتاريخ ‪( .2003/05/08‬منشورات مجلة القضاء والقانون‪ ،‬ص ‪.)91‬‬
‫‪ - 23‬كريم الشكاري‪ :‬تنفيذ األحكام القضائية الصادرة ضد الجماعات الترابية على ضوء مقتضيات الدستور المغربي الجديد‪ ،‬منشور‬
‫بموقع العلوم القانونية‪ ،‬بتاريخ ‪.25.12.2017‬‬
‫‪ - 24‬محمد سقلي حسيني‪ :‬إشكالية توجيه األوامر لإلدارة في مجال تنفيذ االحكام اإلدارية بالمغرب‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.91‬‬
‫‪ - 25‬قض ية الشريفي مصطفى الذي رغم إلغاء قرار عزله لم يتم إرجاعه إلى عمله إال بعد ثالث سنوات وخاللها طالب بإرجاعه‬
‫إلى وظيفته مع الحكم لفائدته بالتعويض ونفذ جانب الحكم المتعلق باإلرجاع دون التعويض انظر‪ :‬عبد هللا حداد "ظاهرة عدم امتثال‬
‫اإلدارة ألحكام القضاء"‪ ،‬المجلة المغربية للقانون والسياسة واالقتصاد‪ ،‬العدد ‪ 18‬سنة ‪ ،1985‬أما في فرنسا فإن قضية السيد الذي‬
‫أصدر رئيس بلدية قرار بعزله وتم إلغاء هذا القرار من طرف مجاس الدولة تم أعاد رئيس البلدية إصدار قرار جديد بالعزل فتم‬
‫إلغائه ثانية من طرف مجلس الدولة وتكرر اإلصدار واإللغاء ليصل إلى ‪ 12‬مرة‪.‬‬
‫‪11‬‬
‫والتنفيذ الناقص لألحكام القضائية من قبل اإلدارة يظهر جليا من خالل إغفال اإلدارة لبعض اآلثار‬
‫القانونية والمادية التي قد يرتبها الحكم عند تنفيذه مثال‪ ،‬كالعمل على إعادة موظف اتخذ قرار العزل في‬
‫حقه وتم إلغاءه بحكم قضائي إلى وظيفته أو منصب أقل‪ ،‬غير الذي كان يشغله في السابق‪ ،‬أو حرمانه‬
‫من حقه في التعويض أو في الترقية‪ .‬وهذا النوع من التنفيذ يعد بمثابة عقاب تمارسه اإلدارة في حق‬
‫المدعي الذي تجرأ وخاصمها أمام القضاء‪.26‬‬
‫ثالثا‪ :‬الرفض الصريح للتنفيذ‬
‫تعد هذه الصورة أقل الصور التي تلجا إليها اإلدارة‪ ،‬لكونها غالبا ما تحاول تجنب المواجهة مع‬
‫القضاء‪ .‬كما أنها تتحاشى أن يقال عنها إنها إدارة غير ديمقراطية وغير متحضرة تخرق القانون بشكل‬
‫علني‪ ،‬برفضها السافر ألحكام القضاء‪ ،‬حتى وإن لجأت اإلدارة إلى هذه الصورة‪ ،‬فإنها تلجأ إليها دون‬
‫إصدار قرار صريح بالرفض‪ ،‬لهذا نجد رفضها غالبا يتخذ شكل قرار سلبي‪ ،‬وفي حالة حدوثه‪ ،‬ليس‬
‫أمام صاحب المصلحة في هذه الحالة إال اللجوء إلى القضاء من جديد إللغاء قرار االمتناع السلبي أو‬
‫حتى طلب التعويض عن الضرر عند اللزوم‪.27‬‬
‫كما أن اإلدارة قد تمتنع عن تنفيذ الحكم حتى قبل صدوره كما حصل في قضية مطبعة طنجة ضد‬
‫بلدية القصر الكبير‪ " ،‬بحيث تقدم المدعي بطلب يرمي إلى الحكم له بأداء دين ناتج عن عقد توريد‬
‫أبرمه مع البلدية‪ ،‬ولما أمرت المحكمة بإجراء معاينة صحبة خبير‪ ،‬استمع المستشار المقرر إلى رئيس‬
‫المجلس الب لدي الذي صرح له بصفة واضحة بأن ما تم توريده إلى الجماعة كان بأمر من الرئيس‬
‫السابق‪ ،‬وأن هذا األخير هو الذي يجب مطالبته بالتعويض‪ ،‬وبأنه حتى في حالة الحكم على البلدية فإنه‬
‫لن ينفذ ما قد يحكم به عليها‪ ،‬وذلك ألنه لم يكن هو رئيس البلدية وقت توريد السلعة المذكورة‪ ،‬مع أن‬
‫هذا الرئيس لم ينازع في تسلم البلدية للسلعة موضوع الدين المتنازع بشأنه"‪.28‬‬

‫الفقرة الثانية‪ :‬أساليب التي تعتمدها اإلدارة في االمتناع عن التنفيذ‬


‫يمكن لإلدارة اللجوء إلى جميع الوسائل ل تجنب تنفيذ أي حكم قضائي نهائي صادر في حقها‪ ،‬بحيث‬
‫قد تلجأ أحيانا إلى إصدار قرار إداري فردي (أوال)‪ ،‬بل األكثر من ذلك قد تعمد إلى إصدار قرار تنظيمي‬
‫(ثانيا)‬
‫أوال‪ :‬قرار إداري فردي‬
‫قد تتخذ اإلدارة أسلوب القرار لالمتناع عن التنفيذ في شكل قرار سلبي أو قرار إيجابي‪:‬‬
‫والقرار السلبي حسب حكم صادر عن المحكمة اإلدارية بالرباط "هو الذي ال يتضمن القيام بأي‬
‫إجراء تنفيذي فهو ينفذ بنفسه وينتج أثاره عند صدوره في الحال‪ ،‬وهو بذلك ال يتقيد بأجل الستين يوما‬

‫‪ - 26‬ثائرة نزال‪ ،‬إشكالية تنفيذ األحكام القضائية الصادرة ضد اإلدارة‪ ،‬منشورات مجلة مسالك في الفكر والسياسة واالقتصاد‪،‬‬
‫العدد ‪ ،30-29‬السنة ‪ ،2015‬ص‪.175‬‬
‫‪ - 27‬قرار الغرفة اإلدارية بالمجلس األعلى عدد ‪ 1003‬بتاريخ ‪( .2004/10/06‬قرار أشار إليه محمد صقلي حسيني في مقاله‬
‫تحت عنوان إشكالية توجيه األوامر لإلدارة في مجال تنفيذ االحكام اإلدارية بالمغرب‪ ،‬السابق اإلشارة إليه‪ ،‬ص ‪.)92‬‬
‫‪ - 28‬قرار الغرفة اإلدارية بالمجلس األعلى عدد ‪ 1535‬بتاريخ ‪ .2000/11/19‬قرار منشور بمجلة القضاء والقانون‪ ،‬عدد ‪157‬‬
‫سنة ‪ ،2010‬ص ‪.92‬‬
‫‪12‬‬
‫للطعن باإللغاء على اعتبار أنه قرار مستمر في أثاره‪ ،‬وأن الطعن فيه يظل مفتوحا طالما تستمر حالة‬
‫االمتناع من جانب اإلدارة المصدرة له سواء كان قرارا صريحا أو قرار ضمنيا بالرفض"‪.‬‬
‫القرار الضمني الصادر عن وزير العدل القاضي برفض إرجاع الطاعن لخطة العدالة يجعل هذا‬
‫الرفض مستمرا في أثاره مما يظل الطعن فيه باإللغاء مفتوحا وغير مقيد بأجل ‪ 60‬يوم المحدد لدعوى‬
‫اإللغاء‪.29‬‬
‫أما القرار اإلداري اإليجابي فيظهر من خالل اتخاذ اإلدارة لنفس مضمون القرار الملغى السابق لكن‬
‫دون السقوط في العيوب التي أدت إلى إلغائه‪ ،‬وذلك إلضفاء نوع من المشروعية عليه‪ ،‬وخاصة عند‬
‫عدم احترام شكلية معينة في إصدار القرار‪.30‬‬
‫ولعل امتناع اإلدارة وتعنتها في االمتناع عن التنفيذ يبقي صاحب المصلحة في دوامة مفرغة وطويلة‬
‫ومكلفة‪ ،‬وإن كان يحق له طلب التعويض عن الضرر بسبب تجاوز السلطة‪.‬‬
‫ويعتبر حكم " فابريكي" من األحكام الشهيرة التي تعبر بشكل واضح عن هذه الوضعية‪ ،‬إذ صدر‬
‫قرار من مجلس الدولة الفرنسي بإلغاء قرار عزل السيد فابريكي من عمله كحارس في البلدية إال أن‬
‫العمدة ام تنع عن التنفيذ بإصدار قرار صريح بعدم التنفيذ تحت طائلة استحالة إرجاع الموظف لحالته‬
‫األصلية‪ ،‬ليتولى بعد ذلك مجلس الدولة من جديد إلغاء القرار‪ .‬وقد تكرر األمر ‪ 7‬مرات‪.‬‬

‫وفي المغرب نعرض لقضية ابو القاسم العلوي التي استمرت من سنة ‪ 1965‬إلى سنة ‪ ،1981‬الذي‬
‫كان يعمل خليفة‪ ،‬فصدر قرار بعزله من عمله‪ ،‬فطعن فيه باإللغاء‪ ،‬فأصدر المجلس األعلى قرار بإلغائه‪،‬‬
‫إال أن وزير الداخلية امتنع عن تنفيذ الحكم‪ .‬فطعن من جديد في قرار عدم تنفيذ الحكم‪ ،‬فصدر من جديد‬
‫المجلس األعلى قرار بإلغاء قرار وزير الداخلية‪ ،‬غير أن هذه األخير امتنع مرة أخرى عن تنفيذ الحكم‬
‫الثاني‪ ،‬فتوجه المتضرر إلى المحكمة اإلقليمية بالرباط مطالبا بالتعويض عما لحقه من أضرار‪ ،‬فصدر‬
‫الحكم لصالحه‪.31‬‬

‫ثانيا‪ :‬قرار تنظيمي‬


‫يمكن أن نلمس هذا األسلوب في رغبة اإلدارة لتغيير قوانينها التنظيمية الداخلية‪ ،‬وذلك بما تتميز به‬
‫من سلطة وامتياز في التنفيذ الجبري والمباشر ألعمالها اإلدارية‪.‬‬
‫وهذا التغيير للقوانين الداخلية لإلدارة ليس من أجل المصلحة العامة بل نوع من المناورة والتحايل‬
‫الذي تنهجه اإلدارة‪ ،‬حتى تتجنب تنفيذ الحكم القضائي المكتسب لقوة الشيء المقضي به‪.32‬‬

‫‪ - 29‬حكم صادر عن المحكمة اإلدارية بالرباط رقم ‪ ،2400‬بتاريخ ‪ ،27-6- 2013‬ملف رقم ‪74-5-2013‬منشور بموقع العلوم‬
‫القانونية‪. www.marocdroit.com،‬‬
‫‪- 30‬حميد أمالل‪ ،‬إشكالية تنفيذ األحكام اإلدارية الصادرة في مواجهة اإلدارة‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.39‬‬
‫‪ - 31‬حكم منشور بالمجلة المغربية لإلدارة المحلية والتنمية‪ ،‬عدد ‪ 95/94‬سنة ‪ ،2010‬ص ‪.74‬‬
‫‪ - 32‬أسماء مقاس‪ :‬تحديث اإلدارة القضائية بين اكراهات الواقع ورهانات اإلصالح‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.80‬‬
‫‪13‬‬
‫فمثال قد تلجأ اإلدارة إلى إضافة بعض الشروط الجديدة للولوج إلى إحدى الوظائف أو المباريات حتى‬
‫تحرم المحكوم له من وظيفته بعلة عدم استيفاءه للشروط المنصوص عليها في نظامها الداخلي‪.‬‬
‫ولعل تعنت اإلدارة وامتناعها عن التنفيذ ستترتب عنه أثار سلبية ليس فقط على حساب المتضرر الذي‬
‫تضيع حقوقه‪ ،‬بل أيضا على حساب العدالة التي تصبح أحكامها غير ذات معنى بسبب خرق مبدأ حجية‬
‫األمر المقضي به‪.33‬‬

‫‪ - 33‬ثائرة نزال‪ ،‬إشكالية تنفيذ األحكام القضائية الصادرة ضد اإلدارة‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.182‬‬
‫‪14‬‬
‫المبحث الثاني‪ :‬أساليب الضغط لوقف صعوبة تنفيذ األحكام اإلدارية‬
‫لحث اإلدارة على تنفيذ األحكام القضائية الصادرة ضدها‪ ،‬نظرا للحقوق والحريات التي تنتجها لصالح‬
‫االفراد تدخل القاضي اإلداري لوضع أساليب قانونية لذلك‪ ،‬رغم االختالف الذي عرفته هذه الوسائل من‬
‫قاضي اداري إلى أخر (المطلب الثاني)‪ ،‬وذلك أمام الصعوبة التي يعرفها هذا التنفيذ (المطلب األول)‪.‬‬
‫المطلب األول‪ :‬صعوبة تنفيذ أحكام القضاء الصادرة ضد اإلدارة‬
‫إن هذا الوضع يمكن أن يفسر بغياب مسطرة دقيقة تلزم اإلدارة بالخضوع ألحكام القضاء (الفقرة‬
‫األولى)‪ ،‬ويترتب عن هذا الوضع توقف القاضي عند حد النطق بالحكم‪ ،‬بدعوى عدم توفره على الوسائل‬
‫القانونية والمادية للقيام بالتنفيذ‪ ،‬مما يجعل دوره محدودا في حمل اإلدارة على تنفيذ أحكام القضاء (الفقرة‬
‫الثانية)‪.‬‬
‫الفقرة األولى‪ :‬انعدام مسطرة خاصة لتنفيذ األحكام الصادرة ضد اإلدارة‬
‫إن خضوع اإلدارة والخواص على حد سواء ألحكام القضاء كما هو مسطر في النظام األنكلوسكسوني‪،‬‬
‫يجعل مشكلة تنفيذ األحكام ال تكتسي طابعا بارزا كما هو الشأن في نظام القضاء المزدوج‪.‬‬
‫ففضال عن االمتيازات التي تتمتع بها اإلدارة باعتبارها تمثل الصالح العام‪ ،‬وغياب مسطرة دقيقة‬
‫ومحددة بتنفيذ األحكام القضائية ا لصادرة ضدها‪ ،‬فإن القاضي ال يملك سلطة توجيه األوامر إلى اإلدارة‪،‬‬
‫ولعل هذا الوضع الذي تشكل منذ ظهير ‪ 1913‬من خالل فصله الثامن‪ ،‬قد تم تكريسه من خالل الفصل‬
‫‪ 25‬من ق‪ .‬م‪ .‬م لسنة ‪ ،1974‬هذا الفصل الذي تمت المحافظة على فقرته الثانية بعد إحداث المحاكم‬
‫اإلدارية من خالل منطوق المادة ‪ 50‬من قانون ‪ ، 90/41‬بحيث يمنع عن المحاكم أن تبث في كل ما من‬
‫شأنه أن يعرقل نشاط اإلدارات العمومية‪ ،‬احتراما لمبدأ فصل الوظيفة القضائية عن التنفيذية‪ ،‬وحتى ال‬
‫تعتبر قرارات القضاء تدخال في شؤون اإلدارة وفرض اتجاهات معينة على سلوكها‪.34‬‬
‫وإذا كان مشكل عدم تنفيذ االحكام القضائية يثير عدة أسئلة حول مصداقية قوة الشيء المحكوم به‪ ،‬وعدم‬
‫اإلسراع في التنفيذ بالنسبة لألحكام الصادرة عن المحاكم ضد الخواص‪ ،‬خصوصا وأن قانون المسطرة‬
‫المدنية تناول مسألة التنفيذ في الفصول من ‪ 428‬إلى ‪ ،510‬فإن االمر يصبح أكثر تعقيدا حينما يتعلق األمر‬
‫باألحكام الصادرة ضد األشخاص المعنوية العامة‪ ،‬ال سيما وأن القانون المنظم للمحاكم اإلدارية لم يخصص‬
‫لمسألة التنفيذ إال مادة واحدة هي المادة ‪.3549‬‬
‫من خالل االطالع على ما جاء في تقرير لجنة العدل والتشريع والوظيفة العمومية المتعلق بمناقشة‬
‫مشروع القانون رقم ‪ ، 90/41‬يتضح أن االتجاه كان يسير نحو الحفاظ على وحدة النظام القضائي ببالدنا‪،‬‬
‫وكذا وحدة المحاكم‪ ،‬والدليل على هذا هو ما جاء في جواب السيد وزير العدل على تساؤالت‪ ،‬واقتراحات‬
‫السادة النواب‪ ،‬حيث قال‪ ... " :‬بأن المحاكم اإلدارية تعتبر محاكم عادية مندرجة في التنظيم القضائي‬

‫‪ - 34‬حداد عبد هللا‪ :‬ظاهرة عدم امتثال اإلدارة ألحكام القضاء‪ ،‬المجلة المغربية لقانون واقتصاد التنمية‪ ،‬عدد ‪ ،18‬دجنبر ‪،1985‬‬
‫ص ‪..111‬‬
‫‪ - 35‬تنص المادة‪ 49‬من القانون المحدث للمحاكم اإلدارية على ما يلي" يتم التنفيذ بواسطة كتابة ضبط المحكمة اإلدارية التي أصدرت‬
‫الحكم‪ ،‬ويمكن للمجلس األعلى أن يعهد بتنفيذ قرارته إلى محكمة إدارية"‪.‬‬
‫‪15‬‬
‫للمملكة مع تخصصها في المادة اإلدارية‪ "...‬إلى أن قال "‪ ...‬أما بالنسبة لتنفيذ االحكام الصادرة عن المحاكم‬
‫اإلدارية‪ ،‬فقد أحال المشروع على المقتضيات العامة للتنفيذ كما وردت في قانون المسطرة المدنية‪.36"...‬‬
‫وفعال وعند خروج القانون المذكور إلى حيز الوجود‪ ،‬جاءتنا المادة السابعة منه التي تنص على ما يلي‪:‬‬
‫" تطبق أمام المحاكم اإلدارية القواعد في قانون المسطرة المدنية‪ ،‬ما لم ينص قانون على خالف ذلك"‪.‬‬
‫وجاءتنا المادة الفريدة التي تتحدث عن التنفيذ‪ ،‬وهي المادة ‪ 49‬التي تنص على أنه يتم التنفيذ بواسطة كتابة‬
‫ضبط المحكمة اإلدارية التي أصدرت الحكم ويمكن للمجلس األعلى أن يعهد بتنفيذ قرارته إلى محكمة‬
‫إدارية"‪.37‬‬
‫لذا يتعين طرح التساؤلين التاليين‪:‬‬
‫هل إن قواعد المسطرة المدنية التي أحال إليها القانون المحدث للمحاكم اإلدارية تنسجم مع خصوصيات‬
‫األحكام اإلدارية أم ال؟‪.‬‬
‫هل المادة ‪ 49‬المشار إ لى بيانها أعاله من شأنها حل بعض اإلشكاليات المتعلقة بتنفيذ األحكام الصادرة‬
‫في المادة اإلدارية أم أنها قد زادت في األمر تعقيدا؟‬
‫إن الجواب عن هذين التساؤلين يقتضي منا استقراء القواعد العامة بشأن التنفيذ الجبري لألحكام‬
‫المنصوص عليها في الباب الثالث من قانون المسطرة المدنية فنخلص في األخير إلى النتائج التالية‪:‬‬
‫‪ -‬عدم إمكانية إعمال الفقرة األخيرة من الفصل ‪ 434‬من ق‪.‬م‪.‬م والتي تنص على مباشرة التنفيذ الجبري‬
‫في حالة رفض المحكوم عليه الوفاء بتعهداته‪ ،‬أو بما التزم به في إطار التنفيذ االختياري؛‬
‫‪ -‬عدم إمكانية اعمال الفقرة األخيرة من الفصل ‪ 440‬من قانون المسطرة المدنية التي تنص على أن عون‬
‫التنفيذ يبلغ إلى الطرف المحكوم عليه الحكم المكلف بتنفيذه ويعذره بأن يفي بما قضى به الحكم حاال أو‬
‫بتعريفه بنواياه‪ ،‬وإذا رفض المدين الوفاء أو صرح بعجزه عن ذلك اتخذ العون اإلجراءات المقررة في‬
‫الباب المتعلق بطرق التنفيذ؛‬
‫إن المقتضيات الواردة في هذه الفقرة تتعلق بااللتزامات المالية‪ ،‬لذلك فإن الحكم اإلداري الصادر في‬
‫دعوى اإللغاء ال يمكن منطقيا تنفيذه عن طريق التنفيذ الجبري‪ ،‬ألنه يتعلق بإلغاء قرار إداري ال غير‪،‬‬
‫دون أن يتضمن ذلك اصدار امر إلى اإلدارة بأداء مبلغ مالي‪.38‬‬
‫وحتى إذا كان الحكم اإل داري ينص على أداء تعويض مثال‪ ،‬وهو التزام مادي من جانب اإلدارة‪ ،‬فإن‬
‫امتناع هذه األخيرة عن تنفيذه ال يمكن من سلوك طرق التنفيذ المشار إليها في حقها‪ ،‬بحيث ال يمكن مباشرة‬
‫مسطرة الحجوز عليها كيفما كان نوعها‪ :‬تحفظيا كان هذا الحجز أو تنفيذيا‪ ،‬أو حجزا بين يدي الغير‪ ،‬ما‬
‫دامت أموال الدولة هي أموال عمومية‪ ،‬وهي بهذه الصفة غير قابلة للحجز عليها‪ ،‬وإذا كانت هذه األموال‬

‫‪ - 36‬مصطفى تراب‪ :‬المرجع العلمي في القضاء والقانون‪ ،‬طبعة ‪ ،2013‬مطبعة صوم ديل‪ ،‬ص ‪.237‬‬
‫‪ - 37‬مصطفى تراب‪ :‬المرجع العلمي في القضاء والقانون‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.238.239‬‬
‫‪ - 38‬قد يحمل الحكم باإللغاء في طياته بعض األثار القانونية التي تعمل اإلدارة عند التنفيذ ترتيبها على هذا الحكم‪ ،‬وتكون هذه اآلثار‬
‫ذات صيغة مادية كصرف راتب موظف موقوف الذي ألغي القرار اإلداري القاضي بعزله مثال‪.‬‬
‫‪16‬‬
‫غير قابلة للحجز فهي غير قابلة للبيع القضائي‪ ،‬أمواال منقولة كانت أو عقارية‪ ،‬وبالتالي فال يمكن تطبيق‬
‫مقتضيات الفصول ‪ 459‬و ما يليه إلى الفصل ‪ 487‬من ق‪.‬م‪.‬م‪.39‬‬
‫‪ -‬إن الحكم الصادر في دعوى اإللغاء على افتراض أنه من نوع االلتزام بالقيام بعمل‪ ،‬أو باالمتناع عن‬
‫القيام بعمل‪ ،‬وبالتالي يمكن تطبيق مقتضيات الفصل ‪ 448‬من قانون المسطرة المدنية‪ ،‬المتعلق بالغرامة‬
‫التهديدية في حق االدارة الممتنعة عن التنفيذ‪ ،‬فإن هذه الغرامة ستنقلب عند تصفيتها إلى تعويض أي إلى‬
‫أداء مبلغ مالي‪ ،‬وإذا ما استمرت اإل دارة في امتناعها حتى عن تنفيذ هذا االلتزام المالي‪ ،‬فإنه ال يمكن‬
‫مباشرة طرق التنفيذ الجبري في مواجهتها حسب ما تم بيانه اعاله‪ ،‬أي اننا سنبقى نضور في حلقة مفرغة‬
‫النهاية لها؛‬
‫‪ -‬ال يمكن تطبيق مسطرة االكراه البدني في حق اإلدارة الممتنعة عن التنفيذ‪ ،‬ألن اإلدارة شخصية اعتبارية‪،‬‬
‫وال يتصور بالتالي سواء بالمنطق القانوني أو المجرد سلوك هذه المسطرة في مثل هذه الحالة‪.‬‬
‫وثمة أنواع أخرى من طرق التنفيذ يصعب ممارستها اتجاه اإلدارة كاإلفالس والتصفية القضائية‬
‫والمق اصة‪ ،‬وكذلك الدفع بعدم التنفيذ كقاعدة مقررة في العقود التبادلية التي ولو ورد النص عليها ضمن‬
‫الفصل ‪ 235‬من قانون االلتزامات والعقود ألن تطبيق الفصل في هذه المسألة التعاقدية مع اإلدارة غير‬
‫ممكن‪ ،‬ألن الخواص ال يمكنهم الدفع بهذه القاعدة أثناء تعاقدهم مع اإلدارة‪.‬‬
‫أمام غياب نص قانوني يصلح كأساس يطبق في حق اإلدارة الممتنعة عن تنفيذ حكم قضائي صدر في‬
‫مواجهتها‪ ،‬وحائز لقوة الشيء المحكوم به‪ ،‬فإن اإلحالة إلى قواعد المسطرة المدنية في مجال التنفيذ ضد‬
‫اإلدارة ال تحل المشكلة لذلك اقترح بعض الفقه احداث قسم لتنفيذ بالمحكمة اإلدارة حتى تكون هذه األخيرة‬
‫هي المسؤولة على تنفيذ االحكام الصادرة عنها‪ ،‬وكذا القرارات التي عهد المجلس األعلى بتنفيذها لديها‬
‫فيما اقترح البعض األخر إقرار المسؤولية الشخصية للموظف الممتنع عن التنفيذ أو الذي يساهم في عرقلة‬
‫التنفيذ‪.40‬‬
‫وعلى الرغم من القيود المفروضة على القاضي اإلداري وهو يبث في المادة اإلدارية‪ ،‬فإن االجتهاد‬
‫القضائي ساهم في سد بعض أوجه الفراغ التشريعي في مجال التنفيذ بابتكاره لوسائل بديلة لضمان تنفيذ‬
‫االحكام الصادرة ضد اإلدارة‪.‬‬
‫وإذا كانت مختلف األحكام القضائية قد أكدت تجاهل السلطات اإلدارية لمبدأ حجية الشيء المحكوم‪ ،‬فإن‬
‫القاضي اإلداري لم يقف عند هذا الحد‪ ،‬بل اتخذ موقفا إيجابيا حينما صرح بأنه‪ " :‬ال يوجد أي نص قانوني‬
‫يستثني الدولة من التنفيذ‪ ،‬بل إن مبدأ المشروعية الذي يعتبر من أقدس المبادئ التي اقراها الدستور يجعل‬
‫تصرفات الدولة خاضعة لمراقبة القانون "‪.‬‬
‫ونأتي اآلن لإلجابة عن التساؤل الثاني المتعلق بالفائدة التي يمكن جنيها من مقتضيات المادة الفريدة‬
‫المحدثة عن التنفيذ في القانون ‪( ،90/41‬المادة ‪ )49‬والتي تعتبر نقال كامال لما ورد في الفقرة الثانية من‬
‫الفصل ‪ 429‬من ق‪.‬م‪.‬م التي تنص على ما يلي‪ " :‬يرجع التنفيذ للمحكمة التي أصدرت الحكم غير أنه يمكن‬

‫‪ - 39‬مصطفى تراب‪ :‬المرجع العلمي في القضاء والقانون‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.240‬‬
‫‪ - 40‬أسماء مقاس‪ :‬تحديث اإلدارة القضائية بين اكراهات الواقع ورهانات اإلصالح‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.90‬‬
‫‪17‬‬
‫لمحكمة االستئناف أن تعهد بتنفيذ قراراته إلى محكمة ابتدائية"‪ ،‬كلما هناك أنه تم تغيير (المحكمة االبتدائية)‬
‫بالمحكمة اإلدارية عند صياغة المادة ‪ 49‬من القانون المذكور‪.‬‬
‫وبهذا يمكن القول أن صياغة هذه المادة الفريدة من قبل المشرع سعى من وراء ذلك الحث على وجوب‬
‫إحداث قسم للتنفيذ بالمحكمة اإلدارية حتى تكون هذه األخيرة هي المسؤولة عن تنفيذ االحكام الصادرة‬
‫عنها‪ ،‬وكذا القرارات التي يعهد المجلس األعلى بتنفيذها لديها‪ ،‬وأيضا على وجوب الرجوع إلى المادة ‪7‬‬
‫من نفس القانون فيما يتعلق بقواعد وإجراءات التنفيذ ما دامت ال توجد أية مقتضيات أخرى تتعلق بالتنفيذ‬
‫منصوص عليها في هذا القانون‪ ،‬ومنه للتأكيد على اإلبقاء على وحدة القضاء ومن خالل توحيد مسطرة‬
‫التقاضي‪ ،‬ومن بينها مسطرة تنفيذ األحكام‪.‬‬
‫لكن برجوعنا إلى القواعد واإلجراءات المتعلقة بالتنفيذ الجبري المنصوص عليها في قانون المسطرة‬
‫المدنية وجدناها ال تنسجم كلية مع خصوصيات األحكام الصادرة ضد اإلدارة كما ذكرنا آنفا‪ ،‬سواء كانت‬
‫هذه االحكام متعلقة باإللغاء أو التعويض‪.41‬‬
‫إذن ما الفائدة من المادة ‪ 49‬هل إلحداث قسم التنفيذ بالمحكمة اإلدارية فقط؟ وما فائدة وجود هذا القسم‬
‫بهذه المحكمة إذا عجز عن إيجاد السبيل إلجبار اإلدارة عن التنفيذ في حالة عزوفها عنه‪ ،‬مادام ال يتوفر‬
‫على نصوص يهتدي إليها عند وقوفه على مثل هذه الحالة؟‪.‬‬
‫في نظرنا فإن هذه المادة رغم أنها جاءت هي الوحيدة المتحدثة عن التنفيذ في القانون المحدث للمحاكم‬
‫اإلدارية‪ ،‬فهي مع ذلك قادرة على خلق عدة إشكاليات قانونية نذكر منها ما يلي‪:42‬‬
‫إن المادة المذكورة تقتضي بأن المحكمة اإلدارية هي التي تنفذ االحكام الصادرة عنها أو الصادرة عن‬
‫الغرفة اإلدارية بالمجلس األعلى‪ ،‬ولكن انطالقا من الحالة الراهنة‪ ،‬فالمحاكم اإلدارية متواجدة فقط بالمناطق‬
‫السبع االقتصادية‪ ،‬إذا كيف يمكن تنفيذ حكم صدر عن المحكمة اإلدارية بالرباط في حق اإلدارة المحكوم‬
‫عليها المتواجدة بطنجة التي ال تتوفر على مح كمة إدارية بل إن هذه المدينة تدخل في دائرة نفوذ المحكمة‬
‫اإلدارية بالرباط؟ فإذا اخذنا بالنص الحرفي للمادة المذكورة‪ ،‬فهذا يقتضي بأن يتوجه عون التنفيذ بالمحكمة‬
‫اإلدارية بالرباط إلى مدينة طنجة ليقوم بإجراء التنفيذ وهذا شيء صعب المنال‪ ،‬وإذا طبقنا المادة السابعة‬
‫من نفس القانون التي تحلنا على قواعد المسطرة المدنية‪ ،‬سنجد إمكانية توجيه إنابة قضائية إلى محكمة‬
‫أخرى‪ ،‬فإذا كان األمر يتعلق بمحكمة إدارية فهذا ال يثير أي إشكال بينما إذا كان األمر يتعلق بمحكمة‬
‫ابتدائية كابتدائية طنجة في المثال الذي سقناه سابقا‪ ،‬فهل لهذه المحكمة أن تنفذ حكما إداريا‪ ،‬والحال أن‬
‫المادة ‪ 49‬تؤكد على أن يتم التنفيذ بواسطة كتابة ضبط المحكمة اإلدارية؟‪.‬‬

‫‪ - 41‬مصطفى تراب‪ :‬المرجع العلمي في القضاء والقانون‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.242‬‬
‫‪ - 42‬محمد العلوي‪ :‬المجلة المغربية لإلدارة المحلية والتنمية‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.72‬‬
‫‪18‬‬
‫الفقرة الثانية‪ :‬محدودية سلطة القاضي اإلداري في مجال التنفيذ‬
‫ينص الفصل ‪ 82‬من دستور ‪ 431996‬على أن‪ ":‬القضاء مستقل عن السلطة التشريعية وعن السلطة‬
‫التنفيذية"‪ ،‬وفي السياق نفسه ذهب الفصل ‪ 107‬من دستور ‪ ،442011‬على اعتبار السلطة القضائية سلطة‬
‫مستقلة عن السلطتين التشريعية والتنفيذية وليس مجرد وظيفة تتوالها المحاكم استنادا إلى مبدأ فصل‬
‫السلطات‪ ،‬إنما هو مستمد من طبيعة العمل القضائي الذي يتجلى في حسم المنازعات بتطبيق القانون‪ ،‬وهذا‬
‫يقتضي أن ال يمارس هذا العمل سوى سلطة مستقلة تتميز بتشكل خاص وتطبق إجراءات معينة لضمان‬
‫سيادة حكم القانون في المجتمع‪.‬‬
‫واالستقالل القاضي في أداء الوظيفة القضائية‪ ،‬مسألة ترتبط بالوعي والمحيط‪ ،‬وهذا يجب أن يعني‬
‫االستعداد للتجرد من االختيارات الفلسفية واالنتماءات الدينية والسياسية والنقابية أو إلى طبقة اجتماعية‪.‬‬
‫وهذا بالطبع يجب أن يرتبط بالضمانات التنظيمية المحيطة بالقضاة‪.‬‬
‫لكن هذا االمر سيتعزز أكثر في تجاوز المعوقات المرتبطة بالقضاء والقاضي شخصيا‪ ،‬والمتمثلة في‬
‫القيود المفروضة عليه سواء من خالل التزامه بعدم عرقلة عمل اإلدارات العمومية أو من خالل احتكار‬
‫هذه األخيرة لسلطة االكراه بحكم مبدأ فصل السلط‪ .‬فكيف إذن يمكن لهذا القاضي أن يلزم اإلدارة على‬
‫تنفيذ حكم قضائي صدر ضدها‪ ،‬أو الزامها على تسخير قواتها من أجل العمل على تنفيذ حكم قضائي في‬
‫مواجهتها‪ ،‬إذا كيف يمكن إكراه من يحتكر سلطة اإلكراه‪.‬‬
‫وقد رفضت اإلدارة استخدام القوة العمومية لتنفيذ حكم قضائي بإفراغ أرض يملكها السيد طيبول جان‬
‫موريس احتلها أشخاص بدون سند‪ ،‬وصرح المجلس األعلى بما يلي‪ " :‬وحيث إن تجاوز السلطات اإلدارية‬
‫لألحكام النافذة المفعول والمذيلة بصيغة التنفيذ يشكل ماعدا في ظروف استثنائية شططا في استعمال‬
‫السلطة‪ ،‬لخرقه القواعد األساسية للتنظيم واإلجراءات القضائية التي باحترامها يحترم النظام العام‪ ...‬وحيث‬
‫إن وزارة الداخلية دو ن االحتجاج بوجود أي ظرف استثنائي رفضت منح استعمال القوة العمومية لتنفيذ‬
‫الحكم المشار إليه أعاله رغم أنه حائز لقوة الشيء المقضي به ومذيل بصيغة التنفيذ"‪.45‬‬
‫في مقابل إصرار اإلدارة على عدم تنفيذ االحكام القضائية الصادرة ضدها في إيقاف االحتالل غير‬
‫المشروع أو األشغال غير المشروعة أو إرجاع األشياء إلى ما كانت عليه‪ ،‬فإن القاضي اإلداري لم يتوقف‬
‫عند إبداء موقفه من أجل حمل األشخاص المعنوية العامة على تنفيذ أحكام القضاء الصادرة في مواجهتها‪،‬‬
‫بحيث صرح قاضي المستعجالت بأنه‪ " :‬ال يوجد نص قانوني يستثني الدولة من التنفيذ‪.46"...‬‬

‫‪ - 43‬دستور المملكة المغربية لسنة ‪ ،1996‬الصادر بتنفيذه الظهير الشريف رقم ‪ ،1.96.157‬صادر في ‪ 23‬من جمادى األولى‬
‫‪ 7( 1417‬أكتوبر ‪ ،)1996‬بتنفيذ نص الدستور المراجع‪ ،‬الجريدة الرسمية عدد ‪ 4420‬من جمادي األولى ‪ 10( 1417‬أكتوبر‬
‫‪ ،)1996‬ص ‪.2281‬‬
‫‪ - 44‬ينص الفصل ‪ 107‬من دستور ‪ 2011‬على أن " السلطة القضائية مستقلة عن السلطة التشريعية وعن السلطة التنفيذية"‪.‬‬
‫‪ - 45‬قرار المجلس األعلى عدد ‪ 8‬بتاريخ ‪ 29‬يناير ‪ ،1969‬ملف ‪ 28/78‬مجموعة قرارات المجلس األعلى ‪ ،1970 -1966‬ص‬
‫‪( ،173‬قرار أدرجه األستاذ حسن صحيب في مؤلفه القضاء اإلداري المغربي السابق اإلشارة إليه ص ‪.)619‬‬
‫في نفس السياق قرار الغرفة اإلدارية عدد ‪ 132‬بتاريخ ‪ 27‬يونيو ‪ ،1979‬ملف عدد ‪ ،55297‬مجلة المحاكم المغربية عدد ‪41‬‬
‫يناير فبراير ‪ 1986‬ص‪.92 ،‬‬
‫‪ - 46‬المحكمة اإلدارية بالرباط‪ ،‬حكم رقم ‪ ،134‬بتاريخ ‪ 6‬مارس‪ ،‬ورثة عبد القادر العشيري‪( ،‬حكم منشور في م‪.‬م‪.‬د‪.‬م‪.‬ت‪ ،‬عدد‬
‫‪ 20-21‬سنة ‪ ،1997‬ص ‪.179‬‬
‫‪19‬‬
‫إن المبادئ التي رسخها هذا الحكم فتحت االفاق أمام المتقاضين بطرق أبواب المحاكم‪ ،‬إال أن ذلك لن‬
‫يعرف مداه وشموليته إال بتقوية دولة الحق والقانون من خالل خضوع اإلدارة فعليا للقانون‪.‬‬
‫وأمام محدودية دور القاضي الذي ال يملك النطق في مواجهة اإلدارة بجميع أنواع االحكام كالتي يصدرها‬
‫ضد الخواص‪ ،‬وإنه يكتفي فقط بإلغاء القرارات اإلدارية غير المشروعة والحكم بالتعويض المالي عن‬
‫االضرار التي تلحق االفراد بسبب تصرفات اإلدارة بإصدار قرار جديد يحل محل القرار القديم الذي تم‬
‫الغاؤه‪ .‬كما أنه ال يستطيع أن يجبر اإلدارة على فعل الشيء أو االمتناع عن فعل شيء‪ ،‬ويفسر هذا الوضع‬
‫من الناحية القانونية من خالل مقتضيات الفصل ‪ 25‬من قانون المسطرة المدنية الذي يمنع عن المحاكم أن‬
‫تتخذ أي قرار من شأنه عرقلة نشاط اإلدارات العمومية أو توجيه أوامر أو تعليمات إليها‪ .‬ويفسر من‬
‫الناحية العملية بعدم تساوي مركز اإلدارة باعتبارها تحمي الصالح العام‪ ،‬مع مراكز االفراد بحيث تكون‬
‫اإلدارة في غالب األحيان غير ملزمة باللجوء إلى القضاء القتضاء حقها‪ ،‬بل تصدر قرارا بما تدعيه وال‬
‫تنتظر حتى يحكم القضاء لها به‪.47‬‬
‫إننا نعتقد أن القاضي اإلداري بدر إلى اقتراح حلول خالقة في مجال التنفيذ على اعتبار أن تنفيذ االحكام‬
‫القضائية من طرف اإلدارة يعد دعامة أساسية الستكمال بناء دولة الحق والقانون‪ ،‬فإذا أصبح باإلمكان‬
‫مواجهة الدولة بالغرامة التهديدية لتنفيذ االحكام الصادرة ضدها كما هو الشأن في حكم العشيري‪ ،‬فإن هذا‬
‫االلتزام تجاوز مجرد فرض الغرامة إلى حجز أموال المؤسسات العمومية باعتبارها أشخاص معنوية‬
‫خصوصية لها كيان ذاتي خصوصي وتستقل تماما عن ميزانية الدولة‪ ،‬وأنها قادرة على الوفاء بالديون‬
‫التي تلزمها‪ .‬وبذلك صرحت المحكمة بأنه‪ ":‬ال يوجد أي نص قانوني يعفي أي محكوم عليه من تنفيذ‬
‫االحكام القضائية سواء كانت مؤسسة عمومية أو غيرها مادامت تلك االحكام مذيلة بالصيغة التنفيذية"‪،‬‬
‫كم ا أنه " ال يوجد أي نص صريح يمنع الحجز على أموال المؤسسات العمومية"‪.48‬‬
‫وبهذا يمكن القول أن هذه البداية التي دشنها القضاء اإلداري والتي تنطلق من الرغبة الملحة في جعله‬
‫حامال حقيقيا ل لحقوق وحريات المواطنين‪ ،‬بدأت بحكم للمجلس األعلى بتاريخ ‪ 6‬مارس ‪ 1995‬في قضية‬
‫أزواغ موح امعنان التي طرحت إمكانية مواجهة الدولة بغرامة تهديدية لتنفيذ االحكام الصادرة ضدها‪.49‬‬
‫وقد صرحت الغرفة االدارية بما يلي‪:‬‬
‫" لكن حيث إن الغرامة التهديدية ال تصبح واجبة األداء اال بعد تصفيتها من طرف المحكمة على ضوء‬
‫ثبوت امتناع غير مبرر عن التنفيذ‪ ،‬وال عالقة لتحديد الغرامة المذكورة بمالئمة ذمة اإلدارة وال شيء يمنع‬
‫من االمر بإيقاف تلك الغرامة في مواجهتها"‪.‬‬
‫بل إن محكمة النقض ذهبت ابعاد من ذلك لما اعتبرت أن الغرامة التهديدية باعتبارها وسيلة إلجبار‬
‫المنفذ عليه على تنفيذ التزامه والحكم بما يؤول حين تصف يتها إلى تعويض يحكم به لفائدة المستفيد من‬

‫‪ - 47‬وفي أحوال أخرى تلجأ إلى التنفيذ اإلداري أو التنفيذ المباشر‪ .‬لذلك فإن دخول أحكام القانون ‪ 90/41‬حيز التنفيذ جعل القاضي‬
‫اإلداري يتخذ مواقف إيجابية ترمي إلى حماية مختلف الحقوق والحريات‪ .‬وفي هذا اإلطار صدر عن المحكمة اإلدارية بالرباط‬
‫حكما اعتبرت فيه أنه‪ " :‬ال يوجد أي نص قانوني يستثني اإلدارة من فرض غرامة تهديدية عليها في حالة امتناعها ن تنفيذ حكم‬
‫قضائي صدر في مواجهتها يتعلق بااللتزام بالقيام بعمل أو باالمتناع عن القيام بعمل"(المحكمة اإلدارية بالرباط حكم ‪ 134‬بتاريخ‬
‫‪ 6‬مارس ‪ ،1997‬ص ‪.)179‬‬
‫‪ - 48‬حسن صحيب‪ :‬القضاء اإلداري المغربي‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.620‬‬
‫‪ - 49‬الغرفة اإلدارية‪ ،‬قرار عدد ‪ ،127‬بتاريخ ‪ 6‬مارس ‪ ،1995‬أزواغ موح أمعنان‪ ،‬قرار المجلس األعلى الغرفة اإلدارية ‪-1958‬‬
‫‪ ،1997‬ص ‪ ،301‬قرار أشار إليه حسن صحيب في مرجعه القضاء اإلداري‪ ،‬ص ‪.621‬‬
‫‪20‬‬
‫التنفيذ‪ ،‬وإنما ترتكز في تحديدها على تعويض" ال يشمل فقط الضرر الناتج عن عدم التنفيذ أو التأخر في‬
‫ذلك والذي يمكن المطالبة به في اطار القواعد العامة للمسؤولية دون حاجة إلى المرور عبر مسطرة تحديد‬
‫الغرامة التهديدية بل كذلك يجب االخذ بعين االعتبار مبلغ الغرامة المحدد في الحكم األمر بها والتعسف‬
‫المنفذ عليه وتعنته في التنفيذ‪ ،‬شريطة أن ال يكون من شأن تصفية الغرامة التهديدية بشكل كامل أي يضرب‬
‫قيمته في عدد أيام االمتناع اطراء من المنفذ له على حساب المنفذ عليه"‪ .‬وبذلك تكون محكمة النقض قد‬
‫ركزت في قرارها هذا على عناصر التقدير المحددة للغرامة التهديدية‪.50‬‬
‫إن الدور الذي يلعبه القاضي وهو يطبق القانون ال يقف عند حدود انصاف المظلومين بل يتجاوز ذلك‬
‫إلى وضع مبادئ وخلق قواعد جديدة تساهم في تطوير القانون اإلداري‪ .‬واضطالع القانون بهذا الدور‬
‫الخالق يجب أن يبدأ من ضرورة تجاوزه لجوانب النقص التي تتضمنها بعض القوانين التي يطبقها على‬
‫مختلف المنازعات اإلدارية‪ ،‬وذلك أ خدا بعين االعتبار التطورات االقتصادية واالجتماعية التي يعرفها‬
‫المجتمع‪.51‬‬
‫كما أن إحداث المحاكم اإلدارية‪ ،52‬كأجهزة متخصصة للبث في المادة اإلدارية‪ ،‬إن كان سيساعد على‬
‫تطوير العمل القاضي وتوجيه العمل اإلداري‪ ،‬إال أن مساهمته في الحفاظ على الحقوق والحريات‪ ،‬وبالتالي‬
‫تحقيق دولة الحق والقانون بشكل أكثر فعالية يستلزم من جهة تخويل القاضي اإلداري استقالل كافيا لجعله‬
‫يقوم بمهامه على أحسن وجه‪ ،‬ويمارس بالتالي دوره اإلبداعي من خالل تطبيقه لروح القانون بدل التشبث‬
‫بحرفية النصوص‪ .‬ومن جهة ثانية اصدار نصوص قانونية لتدارك مختلف جوانب النقص التي تتضمنها‬
‫بعض القوانين التي يطبقها القاضي‪.‬‬
‫المطلب الثاني‪ :‬وسائل حمل اإلدارة على تنفيذ االحكام الصادرة في مواجهتها‬
‫لقد تنوعت الوسائل وأساليب الضغط التي تنهجها الدول من أجل حمل اإلدارة على تنفيذ األحكام‬
‫الصادرة ضدها‪ ،‬حيث يختلف األمر فقط بين كل من فرنسا ومصر (الفقرة االولى)‪ ،‬في الوقت الذي ينهج‬
‫المغرب أساليب أخرى مختلفة للتجارب السابقة (الفقرة الثانية)‪.‬‬
‫الفقرة األولى‪ :‬وسائل حمل اإلدارة على التنفيذ بمصر وفرنسا‬
‫إن المتتبع للوسائل واألليات التي توضع أمام المتقاضي الصادر لمصلحته حكم في مواجهة اإلدارة‬
‫سيسجل اختالف بين كل من التجربتين الفرنسية (أوال)‪ ،‬والمصرية (ثانيا)‪.‬‬
‫أوال‪ :‬وسائل حمل اإلدارة على تنفيذ األحكام الصادرة ضدها في فرنسا‬
‫لقد مر موضوع تنفيذ األحكام القضائية من طرف اإلدارة في فرنسا بعدة مراحل ابتدأت بإحداث لجنة‬
‫التقرير والدراسات بمقتضى مرسوم ‪ 30‬يوليوز ‪ 1963‬الذي عدل بعدة مراسيم بعد ذلك‪ .‬وتسهر هذه‬

‫‪ - 50‬قرار محكمة النقض عدد ‪ ،537‬بتاريخ فاتح نونبر ‪ /2012‬ملف إداري عدد ‪ ،774‬بتاريخ ‪ 4‬فبراير ‪.2011‬‬
‫‪ - 51‬حسن صحيب‪ :‬القضاء اإلداري المغربي‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.622‬‬
‫‪ - 52‬لقد تم إحداث المحاكم اإلدارية بموجب الظهير الشريف رقم ‪ ،1.91.225‬صادر في ‪ 22‬من ربيع األول ‪ 1414‬الموافق ل‬
‫‪ 10‬سبتمبر ‪ ،1993‬بتنفيذ القانون رقم ‪ 41.90‬المحدث بموجبه المحاكم اإلدارية‪ ،‬الجريدة الرسمية عدد ‪ 4227‬بتاريخ ‪ 18‬جمادي‬
‫األولى ‪ 3( 1414‬نوفمبر ‪ ،)1993‬ص ‪.2168‬‬
‫‪21‬‬
‫اللجنة على تنفيذ االحكام الصادرة عن مجلس الدولة‪ ،‬وذلك بتقديم اإلرشادات إلى اإلدارة بقصد مساعدتها‬
‫على تنفيذ األحكام‪ ،‬ويتم ذلك اما بطلب من اإلدارة نفسها أو بطلب من الشخص الذي صدر الحكم لفائدته‪.‬‬
‫وتجدر المالحظة أن هذه اللجنة رغم الدور الذي قامت به في حل عدة مشاكل تتعلق بالتنفيذ‪ ،‬فإنها ال‬
‫تتوفر على وسائل الضغط القانونية اتجاه اإلدارة‪ ،‬بحيث تكتفي بتوجيه المراسالت إلى اإلدارة أو تقوم‬
‫باتصاالت شخصية مع رؤساء اإلدارات‪.53‬‬
‫وفي إطار حماية حقوق وحريات األفراد من تعسف اإلدارة فقد اتخذ المشرع الفرنسي خطوة هامة تتمثل‬
‫في توجيه أوامر لإلدارة قصد تنفيذ بعض األحكام التي امتنعت عن تنفيذها أو عرقلت هذا التنفيذ‪ ،‬وقد تم‬
‫ذلك من خالل نظام الوسيط الذي أسس بقانون ‪ 3‬يناير ‪ 1973‬والذي عدل بقانون بتاريخ ‪ 24‬دجنبر ‪.1976‬‬
‫قد وضع المشرع في فرنسا أمام المتقاضي الصادر لفائدته حكم ضد اإلدارة بقي بدون تنفيذ‪:54‬‬
‫• يمكن للمحكوم لفائدته اللجوء إلى ما يعرف بوسيط الجمهورية الذي يقوم بعد اجرائه البحث الالزم‬
‫بمحاولة إقناع اإلدارة المعنية بضرورة الخضوع إلى حجية األمر المقضي‪ ،‬داخل أجل يحدده‪ ،‬وإذ‬
‫لم يلق أمره هذا أي استجابة‪ ،‬فإن عدم التنفيذ يكون موضوع تقرير خاص ينشر في الجريدة الرسمية‪،‬‬
‫كما يتم اإلعالن عنه للعموم‪ .‬وهذه الطريقة ناذرا ما يتم اللجوء اليها؛‬
‫• إ ن عدم تنفيذ حكم من طرف الشخص العام سلطة إدارية كانت او مؤسسة عمومية‪ ،‬أو جماعة‬
‫محلية‪ ،‬يمكن أن يؤدي إلى فرض غرامة تهديدية عليها‪ ،‬محددة بمبلغ مالي عن كل يوم أو أسبوع‬
‫أو شهر تمتنع فيه عند التنفيذ‪ .‬وهذه الغرامة التهديدية إما تفرض بمقتضى حكم صادر عن مجلس‬
‫الدولة‪ ،‬أو بمقتضى أمر صادر عن رئيس قسم المنازعات‪ ،‬كما يمكن أن تفرض تلقائيا من طرف‬
‫رئيس العالقات والدراسات بنفس المجلس‪ ،‬أو من طرف رئيس محكمة االستئناف اإلدارية بالنسبة‬
‫للقرارات الصادرة عن محكمته‪ ،‬كما يمكن أن تفرض بناء على طلب المستفيد من الحكم يقدمه إلى‬
‫مجلس الدولة‪ ،‬ويبث فيه داخل آجال أقصاه ‪ 6‬أشهر‪ ،‬إال في حالة االستعجال حيث يتم البت تبعا‬
‫لهذه الحالة‪.‬‬
‫• في حالة ما إذا كان الحكم غير المنفذ يتعلق بأداء مبلغ معين فإن األمر ال يخلو ‪:‬‬
‫‪55‬‬

‫‪ -‬إما أن يكون هذا الحكم صادر ضد دولة‪ ،‬فإن المستفيد يقدم هذا الحكم إلى " أمين الحساب العام المختص"؛‬
‫الذي يقوم بتأدية المبلغ المحكوم به لهذا المستفيد بمجرد االطالع على الحكم كما لو تعلق االمر بحوالة؛‬
‫‪ -‬وإما أن يكون الحكم صادر في مواجهة جماعة محلية فإن السلطة الوصية تحرر أمرا رسميا بصرف‬
‫المبلغ المحكوم به؛ بعد تقييد هذا المبلغ عند االقتضاء " تقييدا تلقائيا" في جدول ميزانية المصاريف‪.‬‬
‫ومن جهة أخرى قد حمل القانون مسؤولية التأخير في التنفيذ إلى الشخص المشرف على تسير اإلدارة‬
‫التي تصدر ضدها األحكام‪ ،‬ولذلك أعطى الصالحية لمجلس الدولة من أجل تحديد مبلغ الغرامة التهديدية‬
‫التي تفرض على الشخص المعنوي العام الذي ال يحترم تنفيذ أحكام القضاء‪.‬‬

‫‪ - 53‬محمد صقلي حسيني‪ :‬إشكالية توجيه األوامر لإلدارة في مجال تنفيذ األحكام اإلدارية بالمغرب‪ ،‬مجلة القضاء والقانون‪ ،‬عدد ‪157‬‬
‫سنة ‪ ،2010‬ص ‪.89‬‬
‫‪ - 54‬مصطفى تراب‪ :‬المرجع العلمي في القضاء والقانون‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.243‬‬
‫‪ - 55‬نجاة حجراوي‪ :‬إشكالية تنفيذ األحكام القضائية الصادرة في مواجهة اإلدارة‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.33‬‬
‫‪22‬‬
‫كما أن الموظف الذي يعرقل أو يعطل تنفيذ الحكم يتحمل مسؤولية تأديبية ومالية باعتباره هو المتسبب‬
‫في الحكم على اإلدارة بغرامة تهديدية لعدم تنفيذ الحكم‪ .‬وبذلك يقدم إلى محكمة التأديب والمحاسبة والمالية‪،‬‬
‫أو توقع عليه غرامة يتراوح قدرها بين ‪ 500‬فرانك فرنسي ومبلغ راتبه السنوي الصافي الذي يكون قد‬
‫تقضاه منذ تاريخ تبليغ الحكم لإلدارة المعنية‪.56‬‬
‫ثانيا‪ :‬وسائل حمل اإلدارة على تنفيذ األحكام الصادرة ضدها في مصر‬
‫في مصر هناك عدة جزاءات يمكن ترتيبها على اإلدارة الممتنعة عن التنفيذ نذكر من بينها‪:57‬‬
‫الطعن باإللغاء‪ :‬ويكون ذلك ضد قرارات اإلدارة المتصلة بتنفيذ األحكام‪ ،‬أو االمتناع عنه بوصفها مخالفة‬
‫للقانون لخروجها عن مبدأ حجية األحكام وقوة األمر المقتضى به " وهذا الجزاء يمكن اللجوء إليه حتى‬
‫في بالدنا كما سيأتي"‪.‬‬
‫تقرير المسؤولية اإلدارية‪ :‬وذلك على أساس عدم تنفيذ حكم يعدو تصرفا غير مشروع‪ ،‬ويشكل خطأ من‬
‫جانب اإلدارة الذي يستلزم التعويض عنه لفائدة المتضرر‪ ،‬فضال عن تقرير المسؤولية الشخصية للموظف‬
‫الممتنع عن التنفيذ‪ ،‬على اعتبار أن قراره هذا هو" قرار سلبي خاطئ" كما وصفه مجلس الدولة المصري‪.‬‬
‫والشيء الطريف في هذا الموضوع‪ ،‬هو أن قسم الرأي بمجلس الدولة بمصر أفتى بما ملخصه أن الوزير‬
‫شخصيا هو" المدين األصيل" باعتباره محدثا للضرر‪ ،‬أما الحكومة فإنها مدينة بصفة تبعية أو احتياطية‬
‫إلهمالها في الرقابة واالشراف‪ ،‬وذلك في إطار مسؤولية المتبوع عن أعمال تابعه " فإن دفعت الحكومة‬
‫المدينة اال حتياطية تعويض المطلوب‪ ،‬يتعين عليها أن ترجع به على الوزير شخصيا " المدين األصلي"‬
‫وعليها في سبيل الحصول على هذا الدين خصم ربع من رتب معاليه أو معاشه بطريق المقاصة‪ ،‬ألن الدين‬
‫يستحق بسبب يتعلق بأداء وظيفته‪.‬‬
‫تقرير المسؤولية الجنائية للموظف المختص‪ :‬ينص الدستور المصري على تجريم االمتناع عن تنفيذ‬
‫األحكام‪ ،‬حيث أتى بقاعدة دستورية ِمدها أن األحكام تصدر وتنفذ باسم الشعب‪ ،‬ويكون االمتناع عن تنفيذها‪،‬‬
‫أو تعطيل تنفيذها من جانب الموظفين العموميين جريمة يعاقب عليها القانون‪ ،‬فعال فقد رتب قانون العقوبات‬
‫المصري جزاء جنائيا على الموظف يصل إلى حد الحبس والعزل فيما إذا استعمل سلطة وظيفته لوقف أو‬
‫تعطيل تنفيذ حكم صادر عن المحكمة أو امتنع عمدا عن تنفيذه‪.58‬‬
‫وهذا يؤكد صرامة المشرع المصري في تعامله مع تنفيذ األحكام القضائية سواء منها الصادرة ضد‬
‫األفراد أو تلك الصادرة ضد اإلدارة‪.‬‬
‫إثارة المسؤولية السياسية لإلدارة أمام رئيس مجلس الوزراء‪ :‬ذلك أن "رئيس مجلس الدولة يقدم إلى‬
‫هذا األخير سنويا‪ ،‬وكلما رأى ضرورة لذلك‪ ،‬تقريرا يتضمن ما أظهرته األحكام أو البحوث من نقص في‬
‫التشريع القائم أو غموض فيه أو حاالت إساءة استعمال السلطة‪ ،"...‬وقد اعتبر الفقهاء في مصر بأن‬

‫‪ - 56‬محمد العلوي‪ :‬المجلة المغربية لإلدارة المحلية والتنمية‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.80 ،‬‬
‫‪ - 57‬محمد كرامي‪ :‬إشكالية تنفيذ االحكام القضائية الصادرة ضد اإلدارة‪ ،‬مجلة المحاكم المغربية‪ ،‬عدد ‪ 126‬ماي – يونيو ‪.2010‬ص‬
‫‪.65‬‬
‫‪ - 58‬حسن صحيب‪ :‬القضاء اإلداري المغربي‪ ،‬سلسلة دراسات وأبحاث في اإلدارة والقانون‪ ،‬الطبعة الثانية ماي ‪ ،2019‬دون دكر‬
‫المطبعة‪ ،‬ص ‪.612‬‬
‫‪23‬‬
‫االمتناع عن تنفيذ األحكام‪ ،‬أو تنفيذها على نحو معيب أو التحايل على ذلك من قبيل إساءة استعمال السلطة‬
‫" التي يوضحها رئيس مجلس الدولة في تقريره"‪.‬‬
‫الفقرة الثانية‪ :‬أساليب الضغط الممكنة على اإلدارة المغربية‬
‫إن أساليب الضغط على اإلدارة تتمظهر لنا من خالل التقنيات التي قد يلجأ إليها المتضرر الذي صدر‬
‫الحكم لصالحه‪ ،‬سواء تعلق األ مر باللجوء إلى السلطة الرئاسية العمومية أو القضاء‪ ،‬أو من خالل الدور‬
‫الذي يمارسه القاضي في مواجهته لإلدارة‪ ،‬أو تحميل هذه األخيرة المسؤولية عن عدم التنفيذ‪.‬‬
‫ويمكن للمتضرر أيضا أن يطالب بتوقيع جزاءات على الموظف الممتنع عن التنفيذ‪.‬‬
‫✓ الضغط الذي يمارسه المتضرر‪:‬‬
‫يمكن للشخص الذي صدر الحكم لفائدته وامتنعت اإلدارة عن تنفيذه‪ ،‬أن يلجأ إلى السلطة الرئاسية العليا‬
‫التي تعلو السلطة المصدرة للقرار‪ ،‬أو يلجأ للسلطة التي تمارس عليها الوصاية إذا كانت تتمتع بالشخصية‬
‫المعنوية العامة‪ .‬إال أن فعالية هذه الوسيلة تبقى رهينة بتبسيط تقنيات العمل اإلداري‪ ،‬والعمل على تجاوز‬
‫التعطيل الذي تعرفه المراسالت‪ ،‬وضرورة اإلسراع في اإلجراءات‪.59‬‬
‫أمام غياب الحلول التشريعية ال يوجد إال حل بديل‪ ،‬وهو الحل القضائي الذي اقره المجلس األعلى في‬
‫عدة قرارات خصوصا منها القرار المتعلق بقضية السيد أبو القاسم العلوي والذي جاء فيه‪ " :‬إن عدم اعتبار‬
‫اإلدارة لألحكام الحائزة لقوة الشيء المقضي به‪ ،‬والمختومة بصيغة االمر بالتنفيذ يعدو – ما عدا في‬
‫ظروف استثنائية‪ -‬خرقا لقوانين التنظيم األساسية واإلجراءات القضائية التي باحترامها يحترم النظام العام‪،‬‬
‫وأن خرقا من هذا النوع يمكن أن يكون أساس لطلب اإللغاء‪ ،‬وطلب التعويض معا طبقا للقواعد الخاصة‬
‫بكل منهما‪.60"...‬‬
‫واعتبارا لهذا القرار فإن لصاحب الشأن الذي بين يديه حكم لم تنفيذه اإلدارة‪ ،‬أن يختار بين مسلكين‪:‬‬
‫فإما أن يختار مسلك دعوى الغاء المقرر اإلداري الذي امتنعت بمقتضاه اإلدارة عن تنفيذ الحكم الصدر‬
‫في مواجهتها‪ ،‬أو أنها نفذته لكن بطريقة معيبة وغير مرضية‪ ،‬كاإلدارة التي تتظاهر بتنفيذ الحكم القاضي‬
‫بإلغاء قرارها بعزل موظف‪ ،‬حيث تعمل في إطار تنفيذ هذا الحكم على سحب هذا القرار‪ ،‬فترجع الموظف‬
‫المعزول إلى عمله لكن مع نقله إلى منطقة نائية تحت ستار المصلحة العامة‪.61‬‬
‫وسواء كان امتناع اإلدارة عن التنفيذ امتناعا صريحا أو ضمنيا‪ ،‬فيمكن لصاحب الشأن الطعن عن‬
‫طريق دعوى اإللغاء في هذا القرار اإلداري " السلبي" بسبب تجاوز السلطة‪ ،‬نظرا للعيب في القانون الذي‬
‫شابه‪ ،‬والمتمثل في الخروج عن مبدأ حجية األحكام‪ ،‬وقوة األمر المقضي به‪ ،‬فضال عما يشوب هذا القرار‬
‫من تعسف في استعمال السلطة‪.‬‬

‫‪ - 59‬حسن صحيب‪ :‬القضاء اإلداري المغربي‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.630‬‬


‫‪ - 60‬ثائرة نزال‪ ،‬إشكالية تنفيذ األحكام القضائية الصادرة ضد اإلدارة‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.190‬‬
‫‪ - 61‬حميد أمالل‪ ،‬إشكالية تنفيذ األحكام اإلدارية الصادرة في مواجهة اإلدارة‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.45‬‬

‫‪24‬‬
‫واما أن يختار صاحب ال شأن مسلك المسؤولية اإلدارية على اعتبار أن عدم تنفيذ األحكام يعد من‬
‫التصرفات غير المشروعة ‪ ،‬ويشكل من جانب اإلدارة التي تسأل عنه بتعويض الضرر لفائدة المتضرر‬
‫وهو صاحب الحكم غير المنفذ‪.‬‬
‫وعلى الرغم من هذه اإلمكانيات المتاحة للمحكوم له إال أنها تبقى مع ذلك جد محدودة‪ ،‬ألن جوهر المشكل‬
‫يظل قائما وهو عدم رغبة اإلدارة في تنفيذ األحكام‪ ،‬أو تنفيذها حسب ما تقتضيه أوضاعها ويتماشى مع‬
‫رغبتها‪.‬‬
‫وإذا كان بإمكان اإلدارة و المتضرر اللجوء إلى التراضي من أجل إيجاد حل للمشكل عدم تنفيذ اإلدارة‬
‫لألحكام الصادرة ضدها والذي يتوقف في أحيان كثيرة على درجة و طبيعة العالقات التي تربط اإلدارة‬
‫والطاعن‪ ،‬فإن الدور الذي يمكن أن تمارسه الصحافة كوسيلة من وسائل الضغط على اإلدارة يعتبر ذا‬
‫أهمية بالغة‪ ،‬ال سيما الصحافة كجزء م ن وسائل اإلعالم تعتبر سلطة رابعة لها تأثيرها القوي في الرأي‬
‫العام وعلى السل طة القضائية نفسها بما تواجهه من انتقادات وما تمارسه من ضغط‪ ،‬إنها عمود من أعمدة‬
‫الديموقراطية وإحدى ركائزها األساسية‪.‬‬
‫✓ ‪ -‬الضغط الذي يمارسه القاضي‪:‬‬
‫بما أن اإلدارات المغربية بصفة عامة‪ ،‬ال تنفذ األحكام ضدها إال بمحض إرادتها‪ ،‬وحسب الحاالت‬
‫والظروف التي تالئمها فإن القاضي اإلداري المغربي يتحتم عليها استعمال أسلوب الضغط المالي على‬
‫اإلدارة‪ ،‬خاصة في هذه الظروف التي ينعدم فيها تواجد نص قانوني يلزم اإلدارة بتنفيذ أحكام القضاء‬
‫اتجاهها كلما امتنعت أو تماطلت في هذا التنفيذ‪ ،‬لذلك فإن االجتهاد القضائي المغربي حاول من خالل‬
‫مجموعة أحكام ممارسة ضغوط على اإلدارة من أجل تنفيذها على األحكام الصادرة في مواجهتها‪ ،‬سواء‬
‫عن طريق الحجز على أموالها أو من خالل نهج أسلوب الغرامة التهديدية‪.62‬‬
‫ـ الحجز على األموال العمومية‬
‫يعتبر الحجز على األموال أحد أنواع التنفيذ الجبري التي تطبق في إطار القانون الخاص والتي يتعذر‬
‫ممارستها في مواجهة اإلدارة إال إذا تعلق األمر بالملك الخاص لهذه األخيرة‪.‬‬
‫ومعلوم أن الحجز لدى الغير يجري إما بناء على سند تنفيذي أو بأمر يصدره رئيس المحكمة طبقا‬
‫للفصل ‪ 491‬من ق‪.‬م‪.‬م‪.‬‬
‫وهكذا وبعد أن امتنعت إحدى المؤسسات العمومية (الوكالة الوطنية لمحاربة السكن غير الالئق) عن‬
‫تنفيذ الحكم الصادر في مواجهتها القاضي عليها بأداء تعويضات في إطار نزع الملكية المنزوعة ملكيتها‬
‫(شركة حي هللا)‪ ،‬قام مأمور التنفيذ التابع للمحكمة اإلدارية بالرباط بتحرير محضر االمتناع عن التنفيذ‪،‬‬
‫ثم بعد ذلك قام بإيقاع حجز لدى الغير على أموال المطلوبة في التنفيذ (الوكالة المذكورة) المودعة في‬
‫حسابها لدى الخزينة العامة‪ ،‬وبعد إجراءات تبليغ محضر الحجز إلى األطراف و إنجاز مسطرة المصادقة‬
‫على الحجز‪ ،‬أصدر رئيس المحكمة اإلدارية بصفته هاته أمرا بتاريخ ‪ 1997/4/23‬تحت عدد ‪ 99‬قضي‬
‫فيه بالمصادقة على الحجز لدى الغير و بأمر المحجوز بين يديها بإيداع الرصيد المتوفر لديها من حساب‬

‫‪ - 62‬محمد سقلي حسيني‪ :‬إشكالية توجيه األوامر لإلدارة في مجال تنفيذ االحكام اإلدارية بالمغرب‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.112‬‬
‫‪25‬‬
‫المحجوز عليها بكتابة الضبط حتى تقوم بتوزيعه عن طريق المحاصة على طالبي الحجز (نظرا لعدم كفاية‬
‫المبلغ المحجوز) مع النفاذ المعجل‪.‬‬
‫هذا وقد تقدمت المحجوز عليها بعدة دفوع أثناء جريان الدعوى‪ ،‬منها أن عون التنفيذ التابع للمحكمة‬
‫اإلدارية بالرباط غير مؤهل إلنجاز محضر الحجز لدى الغير ما دامت المحكمة المكلفة بالتنفيذ هي المحكمة‬
‫اإلدارية بمكناس‪ ،‬وبالتالي تبقى تلك المحكمة غير مختصة بإجراء مسطرة المحاصة‪ ،‬فكان جواب المحكمة‬
‫على هذا الدفع كما يلي‪" :‬أن الحكم موضوع التنفيذ أحيل من المحكمة اإلدارية بمكناس إلى المحكمة اإلدارية‬
‫بالرباط في إطار إنابة قضائية‪ ،‬وما دامت المحكمة المنابة (محكمة التنفيذ) يمكنها ممارسة جميع إجراءات‬
‫التنفيذ الممكنة طبقا لمقتضيات الفصل ‪ 439‬من ق‪.‬م‪.‬م‪ ،‬وما دامت مسطرة التوزيع والمصادقة تدخل في‬
‫إطار إجراءات التنفيذ المكملة لمسطرة الحجز لدى الغير‪ ،‬والمحكمة المنيبة تباشر إجراءات المصادقة‬
‫عليه"‪.‬‬
‫كما دفعت المحجوز عليها بأنها تعتبر مؤسسة عمومية‪ ،‬وأنه ال يجوز الحجز على أموالها‪ ،‬فكان جواب‬
‫المحكمة على هذا الدفع بمثابة قاعدة نعتبرها من إحدى الضمانات التي من شأنها صيانة حقوق أصحاب‬
‫األراضي المنزوعة ملكيته من لدن بعض المؤسسات العمومية التي تمتنع عن تعويض هؤالء رغم أنها‬
‫هي التي حركت مسطرة نزع الملكية‪ ،‬وهذه القاعدة هي كالتالي‪" :‬إن األموال التي يتشكل منها رأس مال‬
‫المحجوز عليها على افتراض أنها أموال عمومية‪ ،‬فإن جزء منها قد رصد أصال لتسديد مستحقات أصحاب‬
‫األراضي المنزوعة ملكيتهم‪ ،‬وهذا الحجز يشكل ضمانة بالنسبة لهؤالء وال ضرر فيه للمصلحة المحجوز‬
‫عليها"‪.‬‬
‫ومما زاد في نجاعة هذا األمر القضائي وفعاليته قد سارت في نفس االتجاه تقريبا في قرارها الصادر‬
‫بتاريخ ‪ 1997/5/22‬تحت عدد ‪.556‬‬
‫وتجدر اإلشارة إلى أنه من بين المساطر التي أصبح اللجوء إليها متداوال هو لجوء المحكوم له مباشرة‬
‫إلى الحجز على حساب الخزينة العامة للمملكة المفتوح لدى بنك المغرب بعلة عدم تنفيذ الخزينة العام‬
‫لألحكام القضائية بتصحيح الحجز‪ .63‬وغالبا ما يكون هذا الحجز مترتبا على حكم سابق بالمصادقة على‬
‫الحجز لدى الغير بين يدي الخزينة‪ ،‬بمعنى أن الحكم األصلي سند الحجز كان هو الحكم الذي صدر في‬
‫مواجهة اإلدارة واعتبرت ممتنعة عن تنفيذه‪ ،‬فبشرت في حقها مسطرة الحجز لدى الغير بين يدي الخزينة‪،‬‬
‫ولما لم ينفذ الحكم األول القاضي بالمصادقة على الحجز أضحت الخزينة هي المخاطبة بالحجز الثاني الذي‬
‫يتم ايقاعه لدى بنك المغرب‪. 64‬‬
‫وإذا كان االجتهاد القضائي من خالل نهج أسلوب الحجز على األموال العمومية كسبيل إلجبار اإلدارة‬
‫على التنفيذ يهدف إلى إعطاء مدلول حقيقي وفعال لمبدأ قوة الشيء المحكوم به‪ ،‬فإن هذا التطبيق إلجبار‬
‫اإلدارة على التنفيذ إنما يتمشى واألسلوب الذي ينهجه القاضي عادة عندما يلتزم تجديد قضائه في مسألة‬
‫حساسة‪ ،‬كألية تتعلق بعدم تنفيذ االحكام القضائية من قبل اإلدارة‪.‬‬

‫‪ - 63‬سعيد حموش‪ :‬إشكالية تنفيذ االحكام القضائية في مواجهة اإلدارة المغربية‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.55‬‬
‫‪ - 64‬من القرارات الصادرة بهذا الشأن القرار االستئنافي الصادر عن إدارية الرباط بتاريخ ‪ 21‬نونبر ‪ ،2016‬والذي أقر بالحجز على‬
‫حساب الخزينة العامة للمملكة المفتوح لدى بنك المغرب بسبب رفضها تنفيذ الحجز على رئاسة الحكومة المتناعها عن تنفيذ الحكم‬
‫القضائي الصادر ضدها‪.‬‬
‫‪26‬‬
‫ومع ذلك فإن االعتماد على مسألة مالئمة ذمة المؤسسة العمومية المحكوم عليها كما ورد في حكم إدارية‬
‫الرباط إلقرار عدم الحجز على أموالها أمر غير مجدي‪ ،‬ألن ذلك سيجرد الحكم من فعاليته ويجعل بالتالي‬
‫تنفيذه رهنا برغبة المؤسسة بنزاوته الشخصية‪ .‬لذلك أجاز القاضي اإلداري اللجوء إلى مسطرة الحجز‬
‫لدى الغير المنصوص عليها في قانون المسطرة المدنية في الفصول من ‪ 488‬إلى ‪ ،469‬كوسيلة لجعل‬
‫اإلدارة تعمل على تنفيذ الحكم الصادر ضده‪.‬‬
‫‪ -‬الغرامة التهديدية‬
‫لم يقف القاضي اإلداري عند هذا الحد (الحجز على األموال العمومية)‪ ،‬بل استطاع فرض الغرامة‬
‫التهديدية في مواجهة المسؤول عن عدم تنفيذ الحكم القضائي‪ ،‬وأول مبادر جريئة وشجاعة في هذا الشأن‬
‫هي الحكم الصادر عن إدارية مكناس بتاريخ ‪ 3‬أبريل ‪ 1998‬في قضية العطاوي ضد رئيس جماعة تونفيت‬
‫الذي يتعلق برفض رئيس المجلس تنفيذ حكم الغاء قرار عزل السيد (محمد عطاوي ) من وظيفة جماعية‪،‬‬
‫ومن التخلي عن القرار الملغى‪ ،‬وارجاع الطاعن إلى وظيفته وتسوية وضعيته اإلدارية‪ ،‬وبالتالي تم فرض‬
‫الغرامة التهديدية ضد رئيس الجماعة شخصيا بكونه ساهم في عرقلة التنفيذ معتمدا على فكرة المسؤولية‬
‫‪65‬‬
‫الشخصية للموظف الممتنع عن التنفيذ‪.‬‬
‫وعلى الرغم من كون القاضي اإلداري االستعجالي قد خطى خطوات مهمة نحو اجبار اإلدارة على تنفيذ‬
‫األحكام الصادرة ضدها‪ ،‬سواء بإصداره أوامر بإرجاع الحالة إلى ما كانت عليه‪ ، 66‬أو بفرض غرامة‬
‫تهديدية عليها‪ ،67‬أو على المسؤول اإلداري بصفة شخصية‪ ،68‬فإن ذلك لن يضع حدا لتعنت اإلدارة التي‬
‫ترفض أداء الغرامة التهديدية‪.‬‬
‫وبالتالي فالقاضي في هذه الحالة ال يتوفر على أية وسيلة أخرى ال جبارها على التنفيذ ال سيما وأنه ال‬
‫يجوز له سلوك طرق التنفيذ الجبري األخرى أو مسطرة الحجز بدعوى أن األموال العمومية غير قابلة‬
‫للحجز الستفاء حق المتضرر‪.‬‬
‫إن اتخاد هذه الوسيلة أو تلك من طرف القاضي كإجراء لضغط على االدارة لم يغير من الواقع شيئا أمام‬
‫انعدام الرغبة الصريحة من طرف اإلدارة على احترام احكام القضاء‪ ،‬وأمام انعدام مسطرة دقيقة ووضيحة‬
‫تلزم اإلدارة على التنفيذ وإن اقتضى الحال تحملها المسؤولية بمختلف أنواعها أمام هذا الوضع فإن تمت‬
‫وسالئل أخرى يمكن اللجوء إليها لمواجهة اإلشكالية‪ ،‬من ذلك احداث جهاز أو مؤسسة تكون وسيطا بين‬
‫‪ - 65‬ومن األمثلة األخرى في هذا الجانب نجد القرارات التالية‪:‬‬
‫‪ -‬األمر عدد ‪ 2251‬الصادر ضد السيد الحسين الوردي وزير الصحة سابقا بتاريخ ‪.1/09/2015‬‬
‫‪ -‬األمر عدد ‪ 2165‬الصدر بتاريخ ‪ 11/08/2015‬ضد السد فتح هللا ولعلو رئيس المجلس الجماعي لرباط‪.‬‬
‫‪ -‬األمر عدد ‪ 3262‬الصادر بتاريخ ‪ 30/08/2016‬ضد السيد رشيد بن لمختار بن عبد هللا بصفته الشخصية‬
‫وق د جاء في هذه األوامر أن تحديد الغرامة التهديدية إلجبار على تنفيذ االحكام الصادرة ضد اإلدارة يكون في مواجهة الممتنع عن التنفيذ‬
‫والذي اسماه الفصل ‪ 448‬من ق‪.‬م‪.‬م بالمنفذ عليه وليس المحكوم عليه وهي عبارة يتجاوز معها الشخص هذا ال خير لتتسع لكل من‬
‫يقوم مقامه في التنفيذ ويندرج ضمن هذا المفهوم ممثل الشخص المعنوي العام المحكوم عليه‪ ،‬شرط أن يكومن امتناعه غير مبرر كما‬
‫أن االختصاص في تحديد الغرامة يبقى لرئيس المحكمة اإلدارية طالما أنه المشرف على التنفيذ‪.‬‬
‫‪ - 66‬المحكمة اإلدارية بفاس‪ ،‬امر استعجالي عدد ‪ 299/97‬بتاريخ ‪ 23‬شتنبر ‪ ،1997‬الحاج محمد ضد رئيس الجماعة الحضرية‬
‫ألكدال‪ ،‬م‪.‬م‪.‬د‪.‬م‪.‬ت عدد ‪ 23‬أبريل يونيو ‪ ،1998‬ص‪.136‬‬
‫‪ - 67‬المحكمة اإلدارية بالرباط حكم بتاريخ ‪ 6‬مارس ‪ ،1997‬ورثة العشيري‪( .‬أورده حسن صحيب في مؤلفه القضاء اإلداري‬
‫المغربي)‪.‬‬
‫‪ - 68‬المحكمة اإلدارية بمكناس حكم بتاريخ ‪ 23‬يونيو ‪ ،1993‬إسماعيل العلوي أستاذ رئيس المجلس البلدي‪ ،‬م‪.‬م‪.‬د‪.‬م‪.‬ت‪ ،‬عدد ‪ 27‬سنة‬
‫‪.1999‬‬
‫‪27‬‬
‫القضاء واإلدارة تسعى إلى السهر على تنفيذ األحكام القضائية الصادرة ضد اإلدارة‪ ،‬حيث يسلك هذا‬
‫الوسيط مسلكا أخالقيا وحضريا وسليما ‪ ،69‬ما دام اللجوء إلى الطرق الجبرية في مواجهة اإلدارة مسألة‬
‫أصبحت متجاوزة وغير ممكنة عمليا ‪ .‬ومن جهة ثانية يمكن انشاء خلية للبحث والدراسة وتجميع كافة‬
‫المعطيات بغية رصد جميع المعيقات القانونية والواقعية التي تقف أمام تنفيذ األحكام الصادرة ضد اإلدارة‪،‬‬
‫وفي نفس الوقت يتعين تفعيل دور مختلف المصالح المكلفة بالمنازعات الموجودة على مستوى أغلب‬
‫الوزارات والمؤسسات العمومية‪.‬‬
‫‪ -‬ربط مسألة عدم التنفيذ بمسؤولية اإلدارة‬
‫تجد مسؤولية اإلدارة وموظفيها أساسا انطالقا من الفصلين ‪ 79‬و‪ 80‬من قانون االلتزامات والعقود‪.‬‬
‫وإذا كانت هده المسؤولية كقاعدة عامة تنعقد على أساس وجود خطأ وضرر وعالقة سببية بينهما أو تنعقد‬
‫بدون خطأ‪ ،‬فأين تتجلى لنا مسؤولية اإلدارة فيما يتعلق بعدم تنفيذ أحكام القضاء لصادرة ضدها؟‪.‬‬
‫إن امتناع اإلدارة أو تماطلها في تنفيذ الحكم القضائي الصدر ضدها بدون وجود مبرر مقبول‪ ، 70‬يعتبر‬
‫خطأ من جانبها‪.‬‬
‫و تحقق مسؤولية اإلدارة يتالزم مع الضرر المحقق الوقوع الذي يمس بحق ثابت للمتضرر ماديا أو‬
‫معنويا‪ ،‬وينبغي أن يكون امتناع اإلدارة هذا‪ ،‬أو تعنتها والسبب في حدوث األضرار التي لحقت بالمحكوم‬
‫له‪.‬‬
‫وإذا كانت األخطاء التي تتسبب فيها المرافق العامة تطرح إشكاال قانونيا‪ ،‬من خالل تحليل مقتضيات‬
‫الفصلين ‪ 79‬و‪ 80‬من قانون االلتزامات والعقود‪ ،‬ذلك أن بعض الفقه حاول تأسيس مبدأ المسؤولية‬
‫ا لشخصية للموظف المتسبب في عدم تنفيذ الحكم القضائي على قرينة أن قيام الموظفين بالمهام الموكلة‬
‫إليهم من طرف اإلدارة ينبغي أن يقترن بتحميلهم المسؤولية شخصيا‪ ،‬على اعتبار أن االمتناع عن التنفيذ‬
‫هو نتيجة لهذه اإلرادة البشرية التي تستخدمها اإلدارة ‪.71‬‬
‫وقد ذهبت المحكمة اإلداري بمكناس في قضية لها بتاريخ ‪ 23‬يونيو ‪ 1998‬على حد فرض الغرامة‬
‫التهديدية على المسؤول اإلداري بصفة شخصية باعتباره المتسبب المباشر في عدم تنفيذ حكم القضاء‪.‬‬
‫و إذا كان هذا الحكم قد ارتكز على مقتضيات المادة السابعة من قانون ‪ 41-90‬التي تحيل إلى قواعد‬
‫المسطرة المدنية والفصل ‪ 448‬من قانون المسطرة المدنية‪ ،‬كأساس لفرض الغرامة التهديدية‪ ،‬فإن تحميل‬
‫المسؤولية الشخصية لرئيس المجلس يجد سنده القانوني من خالل مقتضيات الفصل ‪ 80‬من قانون‬
‫االلتزامات والعقود الذي يتحدث عن المسؤولية الشخصية للعون أو الموظف والناتجة عن تدليسه أو خطئه‬
‫الجسيم في ممارسته لعمله‪.‬‬
‫بيد أن تحمل المسؤولية من طرف الموظف شخصيا يجب أن ال يحجب عن أعيننا التسلسل اإلداري‬
‫الموجود داخل اإلدارة‪.‬‬

‫‪ - 69‬يمكن أن نتحدث في هذا اإلطار عن مؤسسة ديوان المظالم الشبيهة بنظام الوسيط‪.‬‬
‫‪ -70‬أما إذا وجد مبرر معقول لعدم تنفيذ الحكم كوجود استحالة مادية أو عدم تالءم ذلك مع سير المرفق العمومي‪ ،‬فإنه يتم تعويض‬
‫المحكوم له على أساس نظرية المخاطر‪.‬‬
‫‪ - 71‬حداد عبد هللا‪" :‬ظاهرة عدم تنفيذ األحكام ‪ ،"...‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.120‬‬
‫‪28‬‬
‫لذلك فالموظف األعلى في التسلسل اإلداري بما يملكه من سلطات رئاسية تمكنه من تعديل أو إلغاء أو‬
‫سحب قرار مرؤوسه الذي امتنع عن التنفيذ‪ ،‬هو الذي ينبغي أن يتحمل المسؤولية ‪ ،72‬انطالقا من ضلوعه‬
‫في هذه المسألة‪.‬‬
‫‪ -‬توقيع جزاءات على الممتنع عن تنفيذ األحكام القضائية‬
‫إن الموظف الذي يمتنع عن تنفيذ حكم قضائي يضع نفسه أمام مسؤولية تترتب عنها عقوبات تأديبية وإن‬
‫اقتضى الحال عقوبات جنائية‪.‬‬
‫‪ -1‬الجزاءات التأديبية‪:‬‬
‫إذا كان من بين واجبات الموظف العمل على احترام سلطة الدولة كما نص على ذلك الفصل ‪ 13‬من‬
‫ظهير ‪ 24‬فبراير ‪ 1958‬المتعلق بالنظام األساسي للوظيفة العمومية‪ ،‬فإن احترام أحكام القضاء يعتبر‬
‫احتراما للسلطة القضائية‪ .‬وعدم احترام هذه األحكام يجعل الموظف المسؤول في وضعية المخل والمخالف‬
‫لواجباته الوظيفية‪.‬‬
‫بيد أن تواجد الموظف تحت سلطة رئاسية عليا يجعل في غالب األحيان هذه األخيرة هي المسؤولة‬
‫األولى عن عدم تنفيذ أحكام القضاء‪.‬‬
‫و لذلك ينبغي أن تحمل الصيغة التنفيذية لألحكام الصادرة ضد اإلدارة أمرا لرؤساء اإلدارات قصد‬
‫التنفيذ‪ ،‬واحترام هذا األمر يجد أساسه من كونه يصدر عن أعلى سلطة في البالد وهو الملك‪ ،‬باعتباره‬
‫يوجد فوق كل السلطات‪ ،‬وأن األحكام القضائية تصدر باسمه‪.‬‬
‫و مخالفة هذا األمر ال تعفي المسؤول المعني باألمر مهما كانت درجته في السلم اإلداري من تحمل‬
‫المسؤولية الجزائية‪.‬‬
‫وعلى هذا األساس ينبغي تجاوز تلك الصيغة التنفيذية التي ينص عليها الفصل ‪ 433‬من قانون المسطرة‬
‫ا لمدنية‪ ،‬و التي إن كانت نتائج تطبيقها بالنسبة لألحكام العادية شبه فعالة ‪ ،‬فإن تطبيقها بالنسبة لألحكام‬
‫اإلدارية ال يؤثر على اإلدارات التي تصدر األحكام في مواجهتها ‪ ،‬على اعتبار أن الفصل السالف الذكر‬
‫ينص على أنه " و بناء على ذلك يأمر جاللة الملك جميع األعوان ويطلب منهم أن ينفذوا الحكم المذكور‬
‫القرار ‪ ،‬كما يأمر الوكالء العام ين للملك و وكالء الملك لدى مختلف المحاكم‪ ،‬أن يمدوا يد المعونة لجميع‬
‫قواد و ضباط القوة العمومية و أن يشدوا أزرهم عندما يطلب منهم ذلك قانونا " ‪ ،‬و بالتالي فإن استعمال‬
‫القوة العمومية ضد اإلدارة غير ممكن عمليا ‪،‬ألن هذه األخيرة هي التي تملك هذه القوة‪.73‬‬
‫وبذلك فإصدار نص قانوني يحمل الموظف المعني المسؤولية التأديبية على غرار قانون ‪ 16‬يوليوز‬
‫الفرنسي سيساعد بشكل كبير على جعل اإلدارة تمتثل ألحكام القضاء‪ ،‬إال أن ذلك يجب أن يأخذ بعين‬
‫االعتبار االرتباط الوثيق الموجود بين لخطأ الشخصي ومفهوم دولة الحق والقانون سواء من زاوية الجماعة‬
‫العمومية أو الموظف أو الضحية‪.‬‬

‫‪ - 72‬جبران أمينة‪ ،‬قاضي المنازعات اإلدارية بالمغرب وعالقته بالمحيط‪ ،‬الجمعية المغربية للعلوم اإلدارية‪ ،‬ص‪.59‬‬
‫‪ - 73‬حسن صحيب‪ :‬القضاء اإلداري المغربي‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.615‬‬
‫‪29‬‬
‫فإذا كان الموظف العمومي يمارس وظيفته في إطار المصلحة العامة‪ ،‬وأنه ال يعني أي امتياز شخصي‬
‫ومباشر من وراء ذلك‪ ،‬مما يجعله عنصرا من عناصر تسيير المرفق العمومي ينبغي في أن يتوفر على‬
‫قدر من الحماية يخولها له هذا المرفق‪ ،‬فإنه مقابل ذلك ال ينبغي أن تكون هذه الحماية مطلقة وشاملة بدون‬
‫حدود‪ ،‬حيت يتعين في بعض الحاالت تطبيق القواعد العامة التي بمقتضاها يتحمل الموظف المتسبب في‬
‫الضرر المادي أو المعنوي المسؤولية‪ ،‬ليس فقط بسبب فعله بل بسبب خطئه إذا تبين أن هذا الخطأ هو‬
‫المتسبب المباشر في الضرر‪.‬‬
‫ومهما يكن من أمر فإنه يتعين أن يستفيد المتضرر من الحماية التي تضمن له إصالح الضرر وخصوصا‬
‫في حالة إعسار الموظف المرتكب للخطأ‪.‬‬
‫‪ - 2‬متابعة الموظف الممتنع عن التنفيذ جنائيا‪:‬‬
‫إن عدم تنفيذ حكم قضائي من طرف اإلدارة يعتبر بمثابة تحقير لهذا الحكم‪ ،‬وبالتالي تحقير للسلطة‬
‫القضائية‪ .‬وفي هذا اإلطار تعتبر الفقرة الثانية من المادة ‪ 266‬من القانون الجنائي «أنه يعاقب بالعقوبات‬
‫المقررة في الفقرتين ‪ 1‬و‪ 3‬من الفصل ‪ 263‬على األفعال أو األقوال أو الكتابات العلنية التي يقصد منها‬
‫تحقير المقررات القضائية‪ ،‬ويكون من شأنها المساس بسلطة القضاء أو استقالله»‪.‬‬
‫وعليه فإذا كان عدم التنفيذ جريمة يعاقب عليها جنائيا حسب ما نصت عليه المادة ‪ 63‬من قانون‬
‫العقوبات المصري‪ ،‬فإن تحميل الموظف الذي يمتنع عن التنفيذ المسؤولية الجنائية إما بحبسه أو حرمانه‬
‫من بعض حقوقه كالعزل‪ ،‬سيجعل المسؤولين والرؤساء في اإلدارات العمومية يحترمون أحكام القضاء‬
‫الصادرة ضد اإلدارات التي يشرفون على تسييرها‪.‬‬
‫الفقرة الثالثة‪ :‬اللجوء إلى مؤسسة الوسيط‬
‫تعتبر مؤسسة الوسيط ‪ ،74‬التي حلت محل ديوان المظالم ‪ ،75‬مؤسسة وطنية مستقلة ومتخصصة تتولى‪،‬‬
‫في نطاق العالقة بين اإلدارة والمواطنين المتعاملين معها أفرادا ومقاوالت‪ ،‬مهمة الدفاع عن الحقوق‬
‫واإلسهام في ترسيخ سيادة القانون وإشاعة مبادئ العدل وإنصاف‪ ،‬والعمل على نشر قيم التخليق والشفافية‬
‫في تدبير المرافق العمومية‪ ،‬كما تسهر هذه المؤسسة على تنمية التواصل الفعال بين األشخاص الذاتيين أو‬
‫االعتبارين‪ ،‬مغاربة أو أجانب‪ ،‬فرادى أو جماعات وبين اإلدارات العمومية والجماعات المحلية‬
‫والمؤسسات العمومية والهيئات التي تمارس صالحيات الساعية العمومية و باقي المنشآت والهيئات‬
‫األخرى الخاضعة للمراقبة المالية للدولة‪. 76‬‬

‫‪ 74‬ـ لقد حلت هذه المؤسسة محل مؤسسة ديوان المظالم الستكمال ما بدأته هذه األخيرة في إطار متابعة مسلسل اإلصالح والتغيير الذي‬
‫يعرفه المغرب في العالقات بين المواطن والمقاولة وكل أجهزة اإلدارة والدولة نشر الظهير الشريف رقم ‪ 25 - 11 - 1‬الصادر في‬
‫‪ 17‬مارس ‪ 2011‬بإحداث مؤسسة الوسيط بالجريدة الرسمية عدد ‪ 5026 .3‬القضايا التي تنحل في اختصاص المجلس الوطني لحقوق‬
‫اإلنسان‪.‬‬
‫‪ - 75‬إن إحداث الديوان المظالم " بمقتضى الظهير الملكي الصادر في ‪ 9‬ديسمبر ‪ 2001‬الذي كان يتكون من والي للمظالم يعينه الملك‬
‫لمدة ست سنوات قابلة للتجديد ومن مندوبين له في كل من الوزارة األولى والقطاعات الوزارية‪ ،‬ومن مندوبين جهويين يمكن تعيينهم‬
‫في المراكز الرئيسية للجهات‪ ،‬كان بغرض االستجابة لمتطلبات تنمية التواصل شن كل من المواطنين‪ .‬أفرادا أو جماعات وبين اإلدارات‪،‬‬
‫أو أي هيئة تمارس صالحيات السلطة العمومية‪ ،‬وفي نفس الوقت يرتبط بحث اإلدارات والهيئات على االلتزام بضوابط سيدة القانون‬
‫واإلنصاف‪ ،‬ظهير ملكي رقم ‪ 1 - 01 - 298‬بتاريخ ‪ 9‬دجنبر ‪ ،2001‬النص الكامل لهذا الظهير منشور بمجلة القانون المغربي عدد‬
‫‪ 1‬شتنبر ‪ ،2002‬ص‪ 101 .‬وما بعدها‪.‬‬
‫‪ - 76‬حسن صحيب‪ :‬القضاء اإلداري المغربي‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.633.634‬‬
‫‪30‬‬
‫وفي هذا اإلطار يمكن أن تشكل هذه المؤسسة وسيلة مهمة لصالح المتقاضين يمكن من خاللها دعوة‬
‫اإلدارة العمومية إلى تطبيق األحكام القضائية الصادرة في مواجهتها‪.‬‬
‫وعلى الرغم من كون هذه المؤسسة ال تتوفر على آليات زجرية إلجبار المخالفين وإخضاعهم للقانون‪،‬‬
‫فإن دورها المعنوي سيكون حتما قوي التأثير على فعالية عمل اإلدارات العمومية‪ ،‬ال سيما وأن وسيط‬
‫المملكة يرفع لجاللة الملك تقريرا سنويا يتضمن حصيلة أعماله‪.77‬‬
‫كما أنها ترفع تقارير لرئيس الحكومة في إطار اختصاصاتها‪ ،‬وبصفتها قوة اقتراحية لتحسين أداء‬
‫اإلدارة والرفع من جودة الخدمات العمومية التي تقدمها‪ ،‬تتضمن توصيات ومقترحات تهدف إلى‪:78‬‬
‫‪ -‬ترسيخ قيم الشفافية والتخليق والحكامة في تدبير المرافق العمومية‪ ،‬والعمل على نشرها بين الموظفين‬
‫والمواطنين؛‬
‫‪ -‬التقيد بقيم حقوق اإلنسان كما هو متعارف عليها عالميا وااللتزام بمراعاتها والنهوض بها في عالقة‬
‫اإلدارة بالمواطنين؛‬
‫‪ -‬تحسين بنية االستقبال واالتصال بمرافق اإلدارة من أجل تواصل فعال مع المواطنين؛‬
‫‪ -‬تبسيط المساطر واإلجراءات اإلدارية لتيسير و لوج المواطنين إلى الخدمات التي تقدمها اإلدارة في‬
‫أحن الظروف؛‬
‫‪ -‬إصالح ومراجعة النصوص التشريعية والتنظيمية المتعلقة بمهام اإلدارة وسائر المرافق العمومية‪ ،‬من‬
‫أجل تحسين فعاليتها وتنسيق مجاالت تدخلها؛‬
‫‪ -‬تحسين الخدمات العمومية وضمان جودتها وتقريبها من المواطنين‪.‬‬
‫وعموما فإن مؤسسة الوسيط تلعب دورا مهما في ترسيخ مبادئ الحكامة اإلدارية وتحسين أداء اإلدارة‪،‬‬
‫وتتمثل سلطته أو قوته المعنوية تجاه اإلدارة فيما تضمنه الفصل ‪ 32‬الذي ينص على أنه ‪ " :‬إذا اتضح أن‬
‫االمتناع عن تنفيذ حكم قضائي نهائي صادر في مواجهة اإلدارة‪ ،‬ناجم عن موقف غير مبرر لمسؤول أو‬
‫موظف أو عون تابع لإلدارة المعنية‪ ،‬أو إخالله بالقيام بالواجب المطلوب منه من أجل تنفيذ الحكم المذكور‪،‬‬
‫قام الوسيط برفع تقرير خاص في الموضوع إلى رئيس الحكومة‪ ،‬بعد إبالغ الوزير المسؤول أو رئيس‬
‫اإلدارة المعنية التخاذ ما يلزم من إجراءات الزمة ومن إجراءات في حق المعني باألمر‪ .‬كما يمكنه أن‬
‫يوجه إلى اإلدارة المعنية توصية بتحريك مسطرة المتابعة التأديبية وإن اقتضى الحال توصية بإحالة الملف‬
‫‪ 77‬۔ تنص المادة السابعة والثالثون سن الظهير الشريف المحدث المؤسسة الوسيط على أنه " يرفع الوسيط لجاللتنا تقريرا سنويا عن‬
‫حصيلة نشاط المؤسسة وأفاق عملها‪ .‬ويتضمن التقرير على وجه الخصوص‪ ،‬جردا لعدد ونوع الشكايات والتظلمات وطلبات التسوية‪،‬‬
‫وبيانا لما تم البت فيه منها‪ ،‬وما قامت به المؤسسة من بحث أو تحري‪ ،‬والنتائج المترتبة عليها لمعالجة الشكايات والتظلمات‪ ،‬والدفاع‬
‫عن حقوق المشتكين‪ ،‬ولما تم البت فيه منها بعدم االختصاص أو علم القبول أو الحفظ‪ .‬كما يتضمن هذا التقرير بيانا ألوجه االختالالت‬
‫والثغرات التي تشوب عالقة اإلدارة بالمواطنين وتوصيات الوسيط ومقترحاته حول التدابير التي يتعين اتخاذها لتحصين بنية االستقبال‪،‬‬
‫وتبسيط المساطر اإلدارية وتحصين سير أجهزة اإلدارة‪ ،‬وكذا لترسيخ قيم الشفافية والحكامة وتخليق المرافق العمومية وتصحيح‬
‫االختالالت التي تعاني منها‪ ،‬وإصالح ومراجعة النصوص التشريعية والتنظيمية المتعلقة بمهام اإلدارة‪ ،‬ومحاور برنامج عمل المؤسسة‬
‫على المدى القصير والمتوسط وموجزا عن وضعية تدبيرها المالي واإلداري‪ .‬ينشر هذا التقرير بالجري الرسمية ويتم تعميمه على‬
‫نطاق واسع‪ ،‬بعد اطالع جاللتنا عليه "‪.‬‬
‫‪ - 78‬ندكر في هذا الباب على سبيل المثال التقرير الذي رفعته هذه المؤسسة إلى جاللة الملك برسم سنة ‪ ،2017‬بتاريخ فاتح يونيو‬
‫‪.2018‬‬
‫‪31‬‬
‫على النيابة العامة التخاذ اإلجراءات المنصوص عليها في القانون‪ ،‬في حق المسؤول أو الموظف أو العون‬
‫الذي تأكد أنه المسؤول عن األفعال المذكورة‪ .‬وفي هذه الحالة‪ ،‬يخبر الوسيط رئيس الحكومة بذلك "‪.79‬‬
‫وبعد نشر النظام الداخلي المؤسسة الوسيط ‪ "80‬فإن عمل هذه المؤسسة‪ ،‬سيتعزز بالدور الذي يمكن أن‬
‫تلعبه اللجان الدائمة للتنسيق والتتبع التي تختص ب‪:‬‬
‫‪ -‬السهر على تتبع مال الشكايات والتظلمات التي تعثرت تسويتها؛‬
‫‪ -‬بحث سبل إيجاد الحلول الكفيلة بتذليل الصعوبات التي تعيق تسوية الملفات العالقة؛‬
‫‪ -‬التسريع بإيجاد الحلول الالزمة المبنية على أسس قانونية سليمة أو المنسجمة مع مبادئ العدل‬
‫واإلنصاف للقضايا المستعصية‪.‬‬
‫ورغم كل هذه المهام الموكلة لمؤسسة الوسيط‪ ،‬فإن توصياتها ومراسالتها لمختلف اإلدارات العمومية‬
‫قصد معالجة شكايات المرتفقين تظل جد محدودة‪ ،‬بحيث تجد مختلف المرافق العمومية نفسها غير مجبرة‬
‫على االمتثال لتوصيات ومقترحات هذه المؤسسة‪ ،‬وهذا ما أكدته محكمة النقض في قرارها بتاريخ ‪23‬‬
‫نونبر ‪ 2017‬حينما صرحت بأن " طابع اإللزامية ال يكون إال للقانون واألحكام الصادرة في إطاره ‪ ،‬ال‬
‫لمؤسسة الوسيط الذي هو مجرد قوة اقتراحيه كما عرفه بذلك القانون المحدث لمؤسسته ومن ثم فإن اإلدارة‬
‫غير ملزمة بتنفيذ توصياته كما أن رئيس الحكومة غير ملزم باتخاذ إجراءات جزائية ضد اإلدارة في حالة‬
‫امتناعها عن تنفيذ تلك التوصيات‪ ،‬والمحكمة مصدرة القرار لما استنتجت عن خطاء هذه اإللزامية من‬
‫خالل قراءتها للفصلين ‪ 30‬و ‪ 31‬من القانون المؤسس المؤسسة الوسيط تكون قد خرقت القانون بتعليل‬
‫فاسد"‪.81‬‬

‫‪ - 79‬أسماء مقاس‪ :‬تحديث اإلدارة القضائية بين اكراهات الواقع ورهانات اإلصالح‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.101‬‬
‫‪ - 80‬الجريدة الرسمية عدد ‪ 6033‬بتاريخ ‪ 26‬سنة‪.2012‬‬
‫‪ - 81‬تتلخص وقائع هذه القضية في أنه بتاريخ ‪ 12‬فبراير‪ 2015‬تقدم المطلوب في النقض بدعوى أمام المحكمة اإلدارية بالرباط يعرض‬
‫فيها أنه كان يعمل لدى شركة الخطوات الجوية الملكية وحصل على قرار اإلعفاء من الخدمة‪ ،‬بسبب فقدان القدرة البدنية‪ ،‬واستفاد من‬
‫جميع االمتيازات المخولة لزمالئه‪ ،‬غير أنه فوجئ حسب ادعائه‪ ،‬بقرار حرمانه من االستفادة من التذاكر المنخفضة السعر‪ ،‬كحق‬
‫مكتسبة مما حدا به إلى مراسلة الشركة التي لم تجب‪ ،‬فتوجه إلى مؤسسة وسيط المملكة‪ ،‬فاستصدر توصية عليه بتاريخ ‪ 26‬دجنبر‬
‫‪ 2012‬تفيد بأحقيته في االستفادة من هذا الحق ‪ .‬ونظرا لعدم تمكينه من مستحقاته‪ ،‬اضطر إلى اللجوء إلى المحكمة اإلدارية بالرباط‪،‬‬
‫حيث قضت بتاريخ ‪ 20‬أكتوبر ‪ 2015‬بأداء الدولة ومؤسسة الخطوط الملكية المغربية تضامنا‪ ،‬تعويضا إجماليا لفائدة المطلوب في‬
‫النقض قدره ‪ 178.946.70‬درهما‪ ،‬وقد عللت المحكمة حكمها بأنه‪ " :‬نظرا للطابع اإللزامي لتوصيات الوسيط‪ ،‬فإن امتناع اإلدارة عن‬
‫التقيد بها‪ ،‬وتنفيذ اإلجراءات الموصي بها يشكل خطا مر فقيا يرتب مسؤوليتها "‪ .‬وبعد الطعن باالستئناف ضد هذا الحكم‪ ،‬قضت محكمة‬
‫االستئناف اإلدارية بالرباط بمقتضى قرارها عدد ‪ 4056‬بتاريخ ‪ 3‬غشت ‪ 2016‬في الملف عدد ‪ 2016 - 7206 - 158‬بتأييد الحكم‬
‫المستأنف فيما قضى به مع تعديله‪ ،‬وذلك بجعل التعويض المحكوم به في مواجهة الدولة المغربية في شخص رئيس الحكومة‪ ،‬مما‬
‫اضطر معه الوكيل القضائي للمملكة بصفته‪ ،‬ونيابة عن الدولة المغربية في شخص رئيس الحكومة‪ ،‬وكذا وزير التجهيز والنقل‬
‫واللوجستيك‪ ،‬إلى تقديم طعن بالنقض بتاريخ ‪ 25‬دجنبر ‪ 2016‬ضد القرار أالستئنافي المذكور أمام هذه المعطيات‪ ،‬يتضح أن محور‬
‫النقاش سينصب حول نقطة قانونية فريدة ؛ وهي مدى إلزامية توصيات مؤسسة الوسيط ؟ وبناء على ما تم اعتماده من وسائل للطعن‬
‫بالنقض في القرار أالستئنافي‪ ،‬قضت محكمة النقض بنقض القرار المطعون فيه معللة قراراها يكون عمل مؤسسة الوسيط ما هو إال‬
‫مجرد قوة اقتراحيه كما جاء في القانون المحدث لهذه المؤسسة‪( ،‬قرار محكمة النقض بتاريخ ‪ 23‬نونبر ‪ ،2017‬القرار عدد ‪/ 1296‬‬
‫‪ ،3‬الملف رقم ‪ " ،).2017 – 3 - 4 - 469‬قرار أورده الدكتور حسن صحيب في مؤلفه القضاء اإلداري المغربي السابق اإلشارة إليه‬
‫ص ‪."637‬‬

‫‪32‬‬
33
‫خاتمة‬
‫نخلص مما سبق إلى أن إشكالية تنفيذ األحكام الصادرة ضد اإلدارة‪ ،‬تظل من القضايا المطروحة‪ ،‬إلى‬
‫حد أمكن معه القول‪ ،‬بنها أحد مظاهر النقص‪ ،‬الذي الزالت تعاني منه اإلدارة المغربية‪.‬‬
‫فبحكم غياب تشريع واضح في هذا المجال‪ ،‬وبحكم الوضعية الممتازة التي الزالت تنفرد بها اإلدارة‪،‬‬
‫فإن مسألة تنفيذ األحكام الصادرة ضد هذه األخيرة‪ ،‬تضل رهينة بمدى حسن نيتها في احترام‬
‫المشروعية‪ ،‬التي هي أساس مبدأ قوة الشيء المقضي به‪.‬‬
‫ولعدم توافق معظم قواعد التنفيذ الجبري المنصوص عليه في قانون المسطرة المدنية وطبيعة التنفيذ‬
‫على أشخاص القانون العام من جهة ثانية‪ ،‬فإن اإلجتهاد القضائي المغربي قد عمل على استخدام منهج‬
‫االجتهاد‪ ،‬وتفعيل آليته ومناهجه من استنباط وقياس وترجيح‪ ،‬من أجل ملء الفراغ التشريعي في مجال‬
‫تنفيذ أحكام القضاء اإلداري‪ ،‬لكن هذه المجهودات اإلبداعية التي حاول القضاء اإلداري المغربي‬
‫تكريسها تبدو ق اصرة لحسم إشكالية التنفيذ‪ ،‬بما في ذلك فرض الغرامة التهديدية واللجوء إليها كوسيلة‬
‫من وسائل التنفيذ في مواجهة تعنت اإلدارة وتسلطها وامتناعها عن تنفيذ األحكام القضائية‪ ،‬ولذا فإنه‬
‫أصبح من الضروري مواجهة مشكلة عدم تنفيذ األحكام القضائية من طرف أشخاص القانون العام عن‬
‫طريق إصدار نصوص تشريعية صريحة ودقيقة تلزم هؤالء األشخاص باالمتثال التام واالنصياع الكامل‬
‫ألحكام القضاء‪ ،‬والعمل على تنفيذها وتحميلهم المسؤولية الشخصية إداريا ومدنيا والمسؤولية الجنائية‬
‫إن اقتضى الحال على غرار ما تعمل به القوانين المقارنة في هذا المجال وخاصة المشرع الفرنسي‬
‫والمصري‪.‬‬
‫هناك بعض االقتراحات نرى في نهاية هذا العرض‪ ،‬استعراضها والتي يمكن أن تحل دون جعل‬
‫اإلدارة تمتنع عن تنفيذ االحكام الصادرة في مواجهتها‪ ،‬أو في حالة وقوع االمتناع عن التنفيذ‪ ،‬ترتيب‬
‫الجزاءات الممكنة والمالئمة ضد اإلدارة الممتنعة وهي على الشكل التالي‪:‬‬
‫‪ -‬يتعين أن يكون التزام اإلدارة بتنفيذ االحكام الصادرة في مواجهتها التزاما قانونيا‪ ،‬وألجل ذلك‬
‫يتعين أن يتدخل المشرع لجعل االحكام اإلدارية مذيلة بصيغة تنفيذية خاصة بها؛‬
‫‪ -‬يتعين على المشرع أن يضمن لألحكام اإلدارية الجدوى والفعالية‪ ،‬ولن يتأتى ذلك إال أذا منحت‬
‫للقاضي سلطة فعلية لتنفيذ أحكامه‪ ،‬تتجلى حدودها في تخصيص قاض لكل محكمة إدارية‪ ،‬تكون مهمته‬
‫مراقبة تنفيذ ا الحكام‪ ،‬ويخول لقاضي التنفيذ اإلداري هذا‪ ،‬سلطة االتصال بالهيئات اإلدارية سعيا وراء‬
‫التنفيذ‪ ،‬كما يمكن لهذه الهيئات االتصال به أيضا في كل ما يعترضها من صعوبات أثناء التنفيذ؛‬
‫‪ -‬تجريم االمتناع العمدي عن تنفيذ االحكام اإلدارية‪ ،‬وكذا التراخي واإلهمال في تنفيذها‪ ،‬مع متابعة‬
‫الموظف المسؤول عن هذا افعل تأديبيا بعد صيرورة الحكم الجنائي الصادر في حقه نهائيا؛‬
‫‪ -‬أن يضيف المشرع إلى عقوبة االمتناع المباشر أو غير المباشر عن تنفيذ االحكام اإلدارية‪ ،‬تدبيرا‬
‫آخر يتمثل في نشر وإشهار الحكم الجنائي القاضي بإدانة المسؤول اإلداري‪ ،‬في جريدة أو جريدتين‬
‫وطنيتين؛‬
‫‪ -‬جعل الطعن في المحاكم اإلدارية غير موقفة للتنفيذ‪ ،‬كما هو الشأن في كل من فرنسا ومصر‪ ،‬وذلك‬
‫حتى يضمن لهذه االحكام الفعالية والجدوى‪.‬‬

‫‪34‬‬
‫قائمة المراجع‬
‫الكتب‪:‬‬
‫• حسن صحيب‪ :‬القضاء اإلداري المغربي‪ ،‬منشورات المجلة المغربية لإلدارة المحلية‬
‫والتنمية‪ ،‬عدد ‪ ،80‬دار النشر المغربي الدار البيضاء‪ ،‬الطبعة األولى ‪.2008‬‬
‫• سعيد حموش‪ :‬إشكالية تنفيذ االحكام القضائية في مواجهة اإلدارة المغربية‪ ،‬منشورات مختبر‬
‫البحث في قانون العقار والتعمير بالكلية المتعددة التخصصات الناظور‪ ،‬الطبعة األولى‬
‫‪.2019‬‬
‫• حسن صحيب‪ :‬القضاء اإلداري المغربي‪ ،‬سلسلة دراسات وأبحاث في اإلدارة والقانون‪،‬‬
‫الطبعة الثانية ماي ‪ ،2019‬دون دكر المطبعة‪.‬‬
‫الرسائل واالطروحات‪:‬‬
‫• نجاة حجراوي‪ :‬إشكالية تنفيذ األحكام القضائية الصادرة في مواجهة اإلدارة‪ ،‬رسالة لنيل‬
‫دبلوم الماستر في القانون العام‪ ،‬جامعة الحسن األول‪ ،‬كلية العلوم القانونية واالقتصادية‬
‫واالجتماعية سطات‪ ،‬السنة الجامعية‪.2010/2009 ،‬‬
‫• حميد أمالل‪ :‬إشكالية تنفيذ األحكام القضائية الصادرة في مواجهة اإلدارة‪ ،‬رسالة لنيل دبلوم‬
‫الدراسات العليا المتخصصة في القانون الخاص‪ ،‬جامعة محمد الخامس‪ ،‬كلية العلوم القانونية‬
‫واالقتصادية واالجتماعية السويسي الرباط‪ ،‬السنة الجامعية ‪.2009/2008‬‬
‫• أسماء مقاس‪ :‬تحديث اإلدارة القضائية بين اكراهات الواقع ورهانات اإلصالح‪ ،‬رسالة لنيل‬
‫ديبلوم الماستر في القانون العام‪ ،‬جماعة الحسن األول كلية العلوم القانونية واالقتصادية‬
‫واالجتماعية سطات‪ ،‬السنة الجامعية ‪.2010/2009‬‬
‫المجالت‪:‬‬
‫محمد سقلي حسيني‪ :‬إشكالية توجيه األوامر لإلدارة في مجال تنفيذ االحكام اإلدارية‬ ‫•‬
‫بالمغرب‪ ،‬منشورات مجلة القضاء والقانون‪ ،‬العدد ‪ 157‬سنة ‪.2010‬‬
‫محمد قصري‪ :‬الغرامة التهديدية والحجز في مواجهة اإلدارة الممتنعة عن تنفيذ أحكام‬ ‫•‬
‫وقرارات القضاء اإلداري‪ ،‬منشورات مجلة المحاكم اإلدارية‪ ،‬عدد ‪ ،5‬إصدار خاص‪ -‬يناير‬
‫‪.2007‬‬
‫حداد عبد هللا‪ :‬ظاهرة عدم امتثال اإلدارة ألحكام القضاء‪ ،‬المجلة المغربية لقانون واقتصاد‬ ‫•‬
‫التنمية‪ ،‬عدد ‪ ،18‬دجنبر ‪.1985‬‬
‫ثائرة نزال‪ ،‬إشكالية تنفيذ األحكام القضائية الصادرة ضد اإلدارة‪ ،‬منشورات مجلة مسالك‬ ‫•‬
‫في الفكر والسياسة واالقتصاد‪ ،‬العدد ‪ ،30-29‬السنة ‪.2015‬‬
‫محمد كرامي‪ :‬إشكالية تنفيذ االحكام القضائية الصادرة ضد اإلدارة‪ ،‬مجلة المحاكم المغربية‪،‬‬ ‫•‬
‫عدد ‪ 126‬ماي – يونيو ‪.2010‬‬
‫النصوص القانونية‪:‬‬
‫‪35‬‬
‫• دستور المملكة المغربية لسنة ‪ ،1996‬الصادر بتنفيذه الظهير الشريف رقم ‪،1.96.157‬‬
‫صادر في ‪ 23‬من جمادى األولى ‪ 7( 1417‬أكتوبر ‪ ،)1996‬بتنفيذ نص الدستور المراجع‪،‬‬
‫الجريدة الرسمية عدد ‪ 4420‬من جمادي األولى ‪ 10( 1417‬أكتوبر ‪ ،)1996‬ص ‪.2281‬‬
‫• الظهير الشريف رقم ‪ ،1.91.225‬صادر في ‪ 22‬من ربيع األول ‪ 1414‬الموافق ل ‪10‬‬
‫سبتمبر ‪ ،1993‬بتنفيذ القانون رقم ‪ 41.90‬المحدث بموجبه المحاكم اإلدارية‪ ،‬الجريدة‬
‫الرسمية عدد ‪ 4227‬بتاريخ ‪ 18‬جمادي األولى ‪ 3( 1414‬نوفمبر ‪ ،)1993‬ص ‪.2168‬‬
‫• الدستور الجديد للمملكة المغربية‪ ،‬الصادر بتنفيذه الظهير الشريف رقم ‪ ،1.11.91‬بتاريخ‬
‫‪ 29‬يوليوز‪ ،2011‬منشور بالجريدة الرسمية عدد ‪ 5952‬في ‪ 17‬يونيو ‪.2011‬‬

‫‪36‬‬
‫الفهرس‬
‫الصفحة‬ ‫العنوان‬
‫مقدمة ‪02................................................................................ :‬‬
‫المبحث األول‪ :‬األسباب الكامنة وراء امتناع اإلدارة عن تنفيذ االحكام اإلدارية وصور هذا‬
‫االمتناع‪05...................................................................................‬‬
‫المطلب األول‪ :‬األسباب الكامنة وراء امتناع اإلدارة عن تنفيذ االحكام اإلدارية‪05...‬‬
‫الفقرة األولى‪ :‬األسباب الموضوعية‪05.................................................‬‬
‫الفقرة الثانية‪ :‬األسباب الذاتية‪09.........................................................‬‬
‫المطلب الثاني‪ :‬مظاهر امتناع اإلدارة عن تنفيذ االحكام اإلدارية‪10 ....................‬‬
‫الفقرة األولى‪ :‬صور امتناع اإلدارة عن التنفيذ‪10.......................................‬‬
‫الفقرة الثانية‪ :‬األساليب التي تعتمدها اإلدارة في االمتناع عن التنفيذ‪13...............‬‬
‫المبحث الثاني‪ :‬أساليب الضغط لوقف صعوبة تنفيذ االحكام اإلدارية‪15................‬‬
‫المطلب األول‪ :‬صعوبات تنفيذ أحكام القضاء الصادرة ضد اإلدارة‪15..................‬‬
‫الفقرة األولى‪ :‬انعدام مسطرة خاصة لتنفيذ‪15...........................................‬‬
‫الفقرة الثانية‪ :‬محدودية سلطة القاضي اإلداري في مجال التنفيذ‪19....................‬‬
‫المطلب الثاني‪ :‬وسائل حمل اإلدارة على تنفيذ االحكام الصادرة في مواجهتها‪21......‬‬
‫الفقرة األولى‪ :‬وسائل حمل اإلدارة على التنفيذ بمصر وفرنسا‪21......................‬‬
‫الفقرة الثانية‪ :‬اساليب الضغط الممكنة على اإلدارة المغربية‪24........................‬‬
‫الفقرة الثالثة‪ :‬اللجوء إلى مؤسسة الوسيط‪30............................................‬‬
‫خاتمة‪34.....................................................................................‬‬
‫قائمة المراجع‪35............................................................................‬‬
‫الفهرس‪37...................................................................................‬‬

‫‪37‬‬
38

You might also like