البحث النهائي

You might also like

Download as docx, pdf, or txt
Download as docx, pdf, or txt
You are on page 1of 38

‫المقدمة ‪:‬‬

‫الحمد هلل نحمده ونستعينه ونستغفره ‪ ،‬ونعوذ باهلل من شرور أنفسنا ‪ ،‬من يهده‬
‫اهلل فال مضل له ‪ ،‬ومن يضلل فال هادي له ‪ ،‬وأشهد أن ال إله إال اهلل وحده ال‬
‫شريك له‪ ،‬وأشهد أن محمداً عبده ورسوله ‪ ،‬صلى اهلل عليه وعلى آله وصحبه‬
‫وسلم تسليماً كثيراً‪ ،‬أما بعد ‪:‬‬

‫فإن أجل العلوم العلم باهلل سبحانه وتعالى ‪ ،‬ومن العلم به سبحانه ‪ ،‬العلم‬
‫بأسمائه الحسنى‪ ،‬كيف ال وقد أمر اهلل سبحانه بدعائه بها‪ ،‬لما تحمله من المعاني‬
‫الحسنة التي تدل على كماله‪ ،‬كما في قوله سبحانه ‪ « :‬وهلل األسماء الحسنى‬
‫فادعوه بها »‪ . 1‬والحسن في أسماء اهلل سبحانه وتعالى يدل عليه كل اسم‬
‫بانفراده ‪ ،‬ويدل عليه اقترانه مع غيره ‪.‬‬

‫كما أن من صفات اهلل سبحانه وتعالى صفات تنتج من اقتران األسماء ‪،‬‬
‫كـمـا ذكر ذلك ابن القيم ( ت ‪751‬هـ) بقوله ‪ « :‬من صـفـات اهلل سـبـحـانه وتعالى‬
‫صفة تحصل من اقتران االسمين والوصفينـ باآلخر‪ ،‬وذلك قدر زائد على مفرديهما‬
‫‪ ،‬نحو الغني الحميد‪ ،‬والعفو القدير ‪ ،‬والحميد المجيد‪ ،‬وكذا عامة الصفات المقترنة‬
‫واألسماء المزدوجة في القرآن‪ ،‬فإن الغنى صفة كمال ‪ ،‬والحمد كذلك ‪ ،‬واجتماع‬
‫الغنى مع الحمد كمال آخر ‪ ،‬فله ثناء من غناه وثناء من حمده‪ ،‬وثناء من‬
‫اجتماعهما‪ ،‬وكذا الـعـفـو القـدير‪ ،‬والحميد المجيد‪ ،‬والعزيز الحكيم‪ ،‬فتأمله فإنه من‬
‫‪2‬‬
‫أشرف المعارف»‬

‫ولقد حث بعض العلماء على تدبر ختام اآليات باألسماء الحسنى ‪ ،‬كما يقول‬
‫الشيخ ابن سعدي ( ت ‪ ١٣٧٦‬هـ) ‪ :‬عليك بتتبعها في جميع اآليات المختومة بها ‪،‬‬

‫‪ 1‬سورة األعراف ‪ ،‬اآلية ‪.180‬‬


‫‪ 2‬بدائع الفوائد ‪.١٦١/١‬‬
‫تجدها في غاية المناسبة‪ ،‬وتدلك على أ أن الشرع واألمر والخلق أسمائه ‪،‬‬
‫وصفاته‪ ،‬ومرتبط بها ‪ .‬وهذا باب عظيم في معرفة اهلل ومعرفة أحكامه‪ ،‬وهو من‬
‫‪1‬‬
‫أجل المعارف‪ ،‬وأشرف العلوم‬

‫وختام اآليات باقتران األسماء جاء في غاية المناسبة‪ ،‬تدرك ذلك العقول‬
‫السليمة‪ ،‬والفطر القويمة‪ ،‬فقد سمع بعض األعراب قارئاً يقرأ ‪ ( :‬واهلل غفور رحيم‬
‫» بدال من قوله ‪ ( :‬واهلل عزيز حكيم» في قوله تعالى ‪ ( :‬والسارق والسارقة‬
‫فاقطعوا أيديهما جزاء بما كسبا نكاالً من اهلل واهلل عزيز حكيم »‪ 2‬فقال األعرابي ‪:‬‬
‫ليس هذا كالم اهلل‪ ،‬فقال ‪ :‬أتكذب بكالم اهلل؟ فقال ‪ :‬ال ‪ ،‬ولكن ال يحسن هذا ‪.‬‬
‫‪3‬‬
‫فرجع القارئ إلى خطئه‪ ،‬فقال ‪ « :‬عزیز حکیم ) ‪ ،‬فقال ‪ :‬صدقت‬

‫ولقد اقترنت أسماء اهلل سبحانه وتعالى كثيراً في القرآن الكريم‪ ،‬وخاصة‬
‫في أواخر اآليات‪ ،‬ومن أجل هذا أردت الوقوف في هذا البحث على جزء من هذا‬
‫االقتران‪ ،‬وهو ماورد في أواخر اآليات من سورة البقرة ‪ ،‬للتأمل في معاني هذه‬
‫األسماء المقترنة‪ ،‬ومناسبة اقترانها‪ ،‬وسأسلك في هذا البحث ‪ -‬بإذن اهلل ـ المنهج‬
‫اآلتي ‪:‬‬

‫حصر جميع اآليات التي تختم باقتران اسمين من األسماء الحسنى‬ ‫‪-1‬‬
‫أقسم البحث حسب األسـمـاء المقـتـرنة ‪ ،‬بداية بـ ( العليم الحكيم) وانتهاء بـ‬ ‫‪-2‬‬
‫(غني حميد)‪ .‬وهذا الترتيب وفق ورودها في السورة ‪.‬‬
‫أسرد تحت كل اقتران جميع اآليات من سورة البقرة التي ختمت بهذا‬ ‫‪-3‬‬
‫االقتران‪.‬‬
‫أبين معنى كل اسم من األسماء المقترنة ‪.‬‬ ‫‪-4‬‬

‫‪ 1‬القواعد الحسان لتفسير القرآن ص ‪.59‬‬


‫‪ 2‬سورة المائدة‪ ،‬اآلية ‪38‬‬
‫‪ 3‬انظر ‪ :‬ابن القيم ‪ ،‬أسماء هللا الحسنى ص ‪17- .۲۹۷ ، ٢٩٦‬‬
‫أذكر مناسبة اقتران االسمين مع بعضهما ‪.‬‬ ‫‪-5‬‬

‫واهلل الموفق والهادي إلى سواء السبيل ‪.‬‬

‫العليم الحكيم ‪:‬‬

‫اآلية ‪ :‬اقـتـرن هـذان االسـمـان في أواخـر اآليات من سـورة البقرة في آيـة واحـدة‬
‫‪1‬‬
‫وهـي ‪ « :‬قـالـوا سـبـحـانك ال علم لنا إال ما علمتنا إنك أنت العليم الحكيم)‬

‫المعنى ‪:‬‬

‫العليم ‪ :‬قال أبو سـلـيـمـان الخطابي ( ت ‪٣٨٨‬هـ) ‪ :‬العليم هو الـعـالـمـ بالسرائر‬


‫‪2‬‬
‫والخفيات‪ ،‬التي اليدركها علم الخلق‪ ،‬كقوله تعالى ‪ ( :‬إن اهلل عليم بذات الصدور)‬
‫‪ ،‬وجاء على بناء فعيل للمبالغة في وصفه بكمال العلم ‪ ،‬ولذلك قال سبحانه ‪:‬‬
‫( وفوق كل ذي علم عليم)‪ ، 3‬واآلدميون وإ ذا كانوا يوصفون بالعلم‪ ،‬فإن ذلك‬
‫ينصرف منهم إلى نوع من المعلومات دون نوع ‪ ،‬وقـد يـوجـد ذلك منهم في حال‬
‫دون حال ‪ ،‬وقـد تـعـتـرض عـلمـهمـ اآلفات فيخلف علمهم الجهل ‪ ،‬ويعقب ذكرهم‬
‫‪4‬‬
‫النسيان‬

‫الحكيم ‪ :‬على وزن فعيل بمعنى فاعل ‪ ،‬ويأتي بمعنى مفعل أي محكـم من اإلحكام‬
‫وهـو اإلتقـان‪ .‬والحكيم من الحكمـة‪ ،‬وهي وضع الشيء في موضعه‪ . 5‬وقال‬
‫الحليمي (ت‪٤٠٣‬هـ) ‪ :‬معنى الحكيم ‪ :‬الذي ال يقول وال يفعل إال الصواب‪،‬ـ وإ نما‬
‫ينبغي أن يوصف بذلك ألن أفعاله سديدة ‪ ،‬وصنعه متقن ‪ ،‬وال يظهر العمل المتقن‬
‫‪6‬‬
‫السديد إال من حكيم‬

‫‪ 1‬سورة البقرة ‪ :‬اية ‪32‬‬


‫‪ 2‬سورة لقمان ‪ ،‬اآلية ‪. ٢٣‬‬
‫‪ 3‬سورة يوسف ‪ ،‬اآلية ‪.76‬‬
‫‪ 4‬شأن الدعاء للخطابي ‪ ،‬تحقيق‪ 9‬أحمد يوسف الدقاق ‪ ،‬ص ‪. 57‬‬
‫‪ 5‬انظر ‪ :‬محمد خليل هراس ‪ ،‬شرح العقيدة الواسطية ص ‪.91‬‬
‫‪ 6‬الحليمي ‪ ،‬كتاب المنهاج في شعب اإليمان ‪ ،‬تحقيق حلمي محمد فوده ‪. ۱۹۱/۱‬‬
‫المناسبـة ‪:‬‬

‫يفيد اقتران االسمين أن اهلل سبحانه وتعالى حكيم في تعليمه ماشاء لمن يشاء‪،‬‬
‫ومنعـه مـا شـاء عـمـن يـشـاء‪ ،‬وفي هذا المعنى يـقـول ابن كثير ( ت ‪٧٧٤‬هـ) ‪ ( :‬إنك‬
‫أنت العليم الحكيم » أي العليم بكل شيء‪ ،‬الحكيم في خلقك وأمـرك وفي تعليمك‬
‫‪1‬‬
‫ماتشاء ومنعك ما تشاء‪ ،‬لك الحكمة في ذلك والعدل التام"‬

‫ويقول ابن سعدي ‪ :‬لما خلق اهلل آدم ‪ ،‬وعلمه أسماء كل شيء مما جعله اهلل‬
‫له ‪ ،‬وبين يديه ‪ ،‬وعجزت المالئكة عن معرفتها ‪ ،‬وأنبأهم آدم بها « قالوا سبحانك‬
‫ال علم لنا إال ما علمتنا إنك أنت العليم الحكيم * فـاعـتـرفـواـ هلل بسعة العلم ‪ ،‬وكمال‬
‫‪2‬‬
‫الحكمة‬

‫التواب الرحيـم ‪:‬‬

‫اآليات ‪:‬‬

‫اقترن هذان االسمان في أواخر اآليات من سورة البقرة في أربعة مواضع في‬
‫اآليات اآلتية ‪:‬‬

‫‪3‬‬
‫( فتلقى آدم من ربه كلمات فتاب عليه إنه هو التواب الرحيم »‬ ‫‪-1‬‬
‫« وإ ذ قال موسى لقومه يا قوم إنكم ظلمتم أنفسكم باتخاذكم العجل فتوبوا‬ ‫‪-2‬‬
‫إلى بارئكم فاقتلوا أنفسكم ذلكم خير لكم عند بارئكم فتاب عليكم إنه هو‬
‫‪4‬‬
‫التواب الرحيم »‬

‫‪ 1‬ابن كثير ‪ ،‬تفسير القرآن العظيم ‪.75 /1‬‬


‫‪ 2‬القواعد الحسان لتفسير القرآن ص ‪ .60‬مجلة جامعة اإلمام (العدد ‪ )٣٤‬ربيع اآلخر ‪١٤٢٢‬هـ‬
‫‪ 3‬اآلية ‪.37‬‬
‫‪ 4‬اآلية ‪.٥٤‬‬
‫( ربنا واجعلنا مسلمين لك ومن ذريتنا أمة مسلمة لك وأرنا مناسكنا وتب‬ ‫‪-3‬‬
‫‪5‬‬
‫علينا إنك أنت التواب الرحيم »‬
‫( إال الذين تابوا وأصلحـوا وبينوا فـأولئك أتوب عليـهـمـ وأنا التواب الرحيم‬ ‫‪-4‬‬
‫‪2‬‬
‫»‬

‫المعنى ‪:‬‬

‫التواب ‪ :‬قال أبو سليمان الخطابي ‪ :‬هو الذي يتوب على عبده ويقبل توبته ‪ ،‬كلما‬
‫‪3‬‬
‫تكررت التوبة تكرر القبول"‬

‫وقال الحليمي ‪ :‬هو المعـيـد إلى عـبـده فـضل رحـمـتـه إذا هـو رجع إلى طاعته‪،‬‬
‫وندم على معصيته‪ ،‬فال يحبط ما قدم من خير ‪ ،‬وال يمنعه ما وعد المطيعين من‬
‫‪4‬‬
‫اإلحسان‬

‫وقال ابن سعدي ‪ :‬وتوبة اهلل على عبده نوعان ‪ :‬توفيقه أوال‪ ،‬ثم قبوله للتوبة‬
‫‪5‬‬
‫إذا اجتمعت شروطها ثانياً‬

‫الرحيم ‪ :‬على وزن فعيل بمعنى فاعل ‪ ،‬أي راحم‪ ،‬وبناء فعيل للمبالغة عالم‬
‫وعليم‪ ،‬وقادر وقدير ‪ .‬والمعنى أنه المثيب على العمل فال يضيع لعامل عمالً ‪ ،‬وال‬
‫‪6‬‬
‫يهدر لساع سعياً ‪ ،‬وينيله بفضـل رحمته من الثواب أضعاف عمله‬

‫المناسبـة ‪:‬‬

‫‪ 5‬اآلية ‪.١٢٨‬‬
‫‪ 2‬اآلية ‪.160‬‬
‫‪ 3‬شأن الدعاء ‪ ،‬تحقيق أحمد يوسف الدقاق ص‪91‬‬
‫‪ 4‬کتاب المنهاج في شعب اإليمان ‪ ،‬تحقيق‪ 9‬حلمي محمد فوده ‪.٢٠٦/١‬‬
‫‪ 5‬انظر ‪ :‬تيسير الكريم الرحمن في تفسير كالم المنان ‪.٧٦ /١‬‬
‫‪ 6‬انظر‪ :‬الخطابي ‪ ،‬شـأن الدعـاء‪ ،‬تحقيق أحـمـد يوسف الدقاق ص ‪ .۳۹ ،۳۸‬والبيهقي‪ ، 9‬كتاب األسماء والصفات‪ ،‬تحقيق عبدهللا بن‬
‫محمد الحاشدي ‪ ، ۱۳۷ ، 135 /1‬وابن عثيمين‪ ،‬شرح العقيدة الواسطية ‪.38/1‬‬
‫إذا تأملنا االيات السابقة وجدنا ان التوبة مـوضـوعـ أساسي في هذه اآليات‪ ،‬وقد‬

‫صرح اهلل بذكرها في كل اآليات ‪ ،‬فناسب تذييل اآليات بذكر اسم ( التواب) ‪ ،‬حثاً‬
‫للعباد عليها ‪ ،‬وترغيباً لهم فيها ‪ .‬واقترن اسم ( الرحيم) مع ( التواب) ألن التوبة‬
‫بقسميها‪ ،‬سواء كانت التوفيق للتوبة ‪ ،‬أو قبولها ‪ ،‬فإن ذلك كله من رحمة اهلل‬
‫سبحانه وتعالى بعباده ‪ ،‬ألن بقاءهم على الذنب من غير توبة سبب للعقوبة ‪ .‬ومن‬
‫رحمة اهلل سبحانه وتعالى أن يجعل التوبة سبباً لدفع العقوبة عنهم ‪ .‬وفي هذا يقول‬
‫ابن جرير الطبري (ت ‪310‬هـ) ‪« :‬وأما قوله ‪ « :‬الرحيم ﴾ فإنه يعني أنه‬
‫المتـفـضـلـ عـليـه مع التوبة بالرحمة ‪ ،‬ورحمته إياه إقالة عثرته وصفحه عن عقوبة‬
‫جرمه»‪ .1‬ومن رحمة اهلل سبحانه وتعالى أنه لم يعاجلهم بالعقوبة بل أمهلهم‬
‫‪2‬‬
‫ليتمكنوا من التوبة‬

‫قال أبو السعود ( ت ‪٩٨٢‬هـ) في اقتران االسمين ‪ « :‬وفي الجمع بين‬


‫الوصفين‪ 3‬وعد بليغ للتائب باإلحسان مع العفو والغفران »‪ . 4‬ومثله قال القاسمي (‬
‫‪5‬‬
‫ت ‪١٣٣٢‬هـ)‬

‫كما أن اآليات التي اقترن فيها االسمان في غير سورة البقرة ‪ ،‬لم تخرج‬
‫عن المعنى المذكور ‪ ،‬فقد كانت التوبة موضوعاً أساسياً في اآليتين ‪ ،‬صرح بها‬
‫تصريحاً‪ ،‬كما في سورة التوبة‪ ،‬اآليتان ‪. ۱۱۸ ،104 :‬‬

‫واسـع عليـم ‪:‬‬

‫اآليات ‪:‬‬

‫جامع البيان في تفسير القرآن ‪195 /1‬‬ ‫‪1‬‬

‫انظر ‪ :‬محمد رشيد رضا ‪ ،‬تفسير المنار ‪.۳۲۱/۱‬‬ ‫‪2‬‬

‫الوصفان اللذان يتضمنهما‪ 9‬االسمان ‪.‬‬ ‫‪3‬‬

‫أبو السعود ‪ ،‬إرشاد العقل السليم إلى مزايا القرآن الكريم ‪۹۲ /۱‬‬ ‫‪4‬‬

‫انظر ‪ :‬محاسن التأويل ‪- ۲۲ - . ۱۱۱ /۲‬‬ ‫‪5‬‬


‫اقترن هذان االسمان في سبعة مواضع من القرآن الكريم ‪ ،‬منها أربعة‬
‫مواضع في أواخر اآليات من سورة البقرة ‪ ،‬في اآليات اآلتية ‪:‬‬

‫‪1‬‬
‫« وهلل المـشـرقـ والمـغـرب فـأينمـا تـولوا فثم وجـه اهلل إن اهلل واسع علیم)‬ ‫‪-1‬‬
‫« وقال لهم نبيهم إن اهلل قد بعث لكم طالوت ملكا قالوا أنى يكون له الملك‬ ‫‪-2‬‬
‫علينا ونحن أحق بالملك منه ولم يؤت سعة من المـال قـال إن اهلل اصطفاه‬
‫عليكم وزاده بسطة في العلم والجسم واهلل يؤتي ملكه من يشاء واهلل واسع‬
‫‪2‬‬
‫عليم »‬
‫« مثل الذين ينفقون أموالهم في سبيل اهلل كمثل حبة أنبتت سبع سنابل في‬ ‫‪-3‬‬
‫‪3‬‬
‫كل سنبلة مائة حبة واهلل يضاعف لمن يشاء واهلل واسع عليم »‬

‫(و الشيطان يعدكم الفقر ويأمركم بالفحشاء واهلل يعدكم مغفرة منه وفضالً‬ ‫‪-4‬‬
‫‪4‬‬
‫واهلل واسع عليم »‬

‫المعنى ‪:‬‬

‫واسع ‪ :‬قال الحليمي ‪ :‬معناه الكثير مـقـدوراته ومعلوماته ‪ ،‬والمنبسط فضله‬


‫ورحمته‪ ،‬وهذا تنزيه له من النقص والعلة ‪ ،‬واعتراف له بأنه ال يعجزه شيء وال‬
‫‪5‬‬
‫يخفى عليه شيء‪ ،‬ورحمته وسعت كل شيء‬

‫وقال الخطابي ‪ :‬هو الغني الذي وسع غناه مـفـقـرـ عـبـاده ‪ ،‬ووسع رزقه‬
‫جميع ‪ .‬خلقه ‪ ،‬والسعة في كالم العرب الغنى ‪ ،‬ويقال ‪ :‬اهلل يعطي عن سعة ‪ ،‬أي‬
‫عن غنى‪. 6‬‬

‫‪ 1‬اآلية ‪.115‬‬
‫‪ 2‬اآلية ‪.٢٤٧‬‬
‫‪ 3‬اآلية ‪.٢٦١‬‬
‫‪ 4‬اآلية ‪.٢٦٨‬‬
‫‪ 5‬کتاب المنهاج في شعب اإليمان ‪ ،‬تحقيق‪ 9‬حلمي محمد فودة ‪۱۹۸/۱‬‬
‫‪ 6‬شأن الدعاء ص ‪.۷۲‬‬
‫‪1‬‬
‫عليم ‪ :‬سبق بيان معناه‬

‫المناسبة ‪:‬‬

‫قال ابن جرير في معنى ( واسع عليم) ‪ :‬يسع ‪ .‬خلـقـه كـلـهـمـ بالكـفـاية‬
‫واإلفضال والجود والتدبير ‪ .‬وأما قوله « عليم » فإنه يعني أ أنه عليم بأفعالهم ‪ ،‬ال‬
‫‪2‬‬
‫يغيب عنه منها شيء وال يعزب عن علمه ‪ ،‬بل هو بجميعها عليم‬

‫وقال ابن سعدي واسع الفضل والصفات عظيمها ‪ ،‬عليم بسرائركم ونياتكم ‪.‬‬
‫‪3‬‬
‫فمن سعته وعلمه وسع لكم األمر‪ ،‬وقبل منكم المأمور‪ ،‬فله الحمد والشكر‬

‫وقـال أيـضـاً‪:‬ـ واسع الفـضـل‪ ،‬واسع الملك ‪ ،‬جـمـيـع الـعـالـمـ العلوي والسفلي‬
‫بعض ملكه ‪ .‬ومع سعته في ملكه وفضله فهو محيط علمه بذلك كله‪ ،‬ومحيط علمه‬
‫باألمور الماضية والمستقبلة ‪ ،‬ومحيط علمه بما في التوجه إلى القبلة من الحكمة‪،‬‬
‫ومحيط علمه بنية المستقبلين لكل جهة من الجهات ‪ ،‬إذا أخطأوا القبلة المعينة ‪،‬‬
‫من غير قصد وال عمد‪. 4‬‬

‫وفي اآلية الثانية ‪ ،‬قال الطبري ‪ :‬وأما قوله ‪ ( :‬واهلل واسع عليم » فإنه يعني‬
‫بذلك ‪ :‬واهلل واسع بفضله ‪ ،‬فينعم به على من أحب ‪ ،‬ويريد به من يشـاء‪« ،‬عليم‬
‫بمن هـو أهـل لملكه الذي يؤتيه ‪ ،‬وفـضـله الذي يعطيـه ‪ ،‬فيعطيه ذلك لعلمه به ‪،‬‬
‫‪5‬‬
‫وبأنه لما أعطاه أهل‪ ،‬إما لإلصالح به‪ ،‬وإ ما ألن ينتفع هو به‬

‫وقـال ابـن كـثـيـرـ ‪ « :‬واهلل واسع عليم » أي هو واسع الـفـضـلـ يـخـتـص برحمته‬
‫‪6‬‬
‫من يشاء‪ ،‬عليم بمن يستحق الملك ممن ال يستحقه‬

‫‪ 1‬راجع ( العليم الحكيم)‪ ،‬ص ‪. ۱۸‬‬


‫‪ 2‬الطبري ‪ ،‬جامع البيان ‪- ٢٤ - .403/1‬‬
‫‪ 3‬تيسير‪ 9‬الكريم الرحمن في تفسير كالم المنان ‪.۱۲۹ /۱‬‬
‫‪ 4‬القواعد الحسان لتفسير القرآن ص ‪. 63‬‬
‫‪ 5‬الطبري ‪ ،‬جامع البيان ‪. ٦٢٠ /٢‬‬
‫‪ 6‬ابن كثير ‪ :‬تفسير القرآن العظيم ‪.۳۰۲/۱‬‬
‫وفي اآلية الثالثة‪ ،‬قال الطبري في تفـسـيـرهـ ‪ :‬القول في تأويـل قـوله تعالى‪:‬‬
‫«واهلل واسع عليم ﴾ يعني تعالى ذكره بذلك ‪ :‬واهلل واسع أن يزيد من يشاء من‬
‫خلقه المنفقين في سبيله على أضعاف السبعمائة التي وعده أن يزيده‪ ،‬عليم من‬
‫‪1‬‬
‫يستحق منه الزيادة‬

‫وقال ابن كثير ‪ « :‬واهلل واسع عليم » أي فضله واسع كثير أكثر من خلقه عليم‬
‫‪2‬‬
‫بمن يستحق ومن ال يستحق سبحانه وبحمده‬

‫قال ابن القيم ‪ :‬وقد ختم اآلية باسمين من أسمائه الحسنى مطابقين لسياقها‪،‬‬
‫وهما الواسع والعليم ‪ ،‬فال يستبعد العبد هذه المضاعفة وال يضيق عنها عطنه‪، 3‬‬
‫فإن المضاعف واسع العطاء ‪ ،‬واسع الغنى ‪ ،‬واسع الفضل ‪ ،‬ومع د ذلك فال يظن‬
‫أن سعة عطائه تقتضي حصولها لكل منفق ‪ ،‬فإنه عليم بمن تصلح له هذه‬
‫المضاعفة وهو أهل لها‪ ،‬ومن ال يستحقها وال هو أهل لها‪ ،‬فإن كرمه وفـضـلهـ‬
‫تعالى ال يناقض حكمته‪ ،‬بل يضع فـضـلـه مـوضـعهـ لسعته ورحمته‪ ،‬ويمنعه من ليس‬
‫‪4‬‬
‫من أهله بحكمته وعلمه‬

‫وأما اآلية الرابعة‪ ،‬فقد قال الطبري فيها ‪ :‬القول في تأويل قوله تعالى ‪:‬‬
‫(واهلل واسع عليم ) يعني تعالى ذكره ‪ :‬واهلل واسع الفـضـلـ الذي يعدكم أن‬
‫يعطيكموه من فضله وسعة خزائنه‪ ،‬عليم بنفقاتكم وصدقاتكم التي تنفقون وتصـدقونـ‬
‫‪5‬‬
‫بها ‪ ،‬يحصيها لكم حتى يجازيكم بها عند مـقـدمكمـ عليه في آخرتكم‬

‫‪ 1‬الطبري ‪ ،‬جامع البيان ‪.٤٢ /3‬‬


‫‪ 2‬ابن كثير ‪ ،‬تفسير القرآن العظيم ‪.۳۱۸/۱‬‬
‫‪ 3‬العطن لإلبل كالوطن للناس ‪ ،‬وقد غلب على مبـركـهـا حول الحوض‪ ،‬ورجل رحب العطن أي رحب الذراع‪ ،‬كثير المال ‪ ،‬واسع‬
‫الرحل ‪ .‬انظر ‪ :‬ابن منظور ‪ ،‬لسان العرب ‪۰۲۸۷ ،٢٨٦/13‬‬
‫‪ 4‬أسماء هللا الحسنى ص ‪. ۳۰۰‬‬
‫‪ 5‬جامع البيان ‪. 60 /3‬‬
‫قـال القرطبي ( ت ‪671‬هـ) ‪ ( :‬واسع عليم) المراد هنا أنه سـبـحـانه وتعالى‬
‫يعطي من سعة ويعلم حيث يضع ذلك ‪ ،‬ويعلم الغيب والشهادة‪ 1‬قال ابن سعدي ‪( :‬‬
‫واسع عليم ) أي واسع الصفات كثير الهبات عليم بمن يستحق المضاعفة من‬
‫‪2‬‬
‫العالمين‪ ،‬وعليم بمن هو أهـل فيـوفقه لفعل الخيرات وترك المنكرات‬

‫الخالصة ‪:‬‬

‫مما سبق نستنتج أن هذين االسمين ( واسع عليم ) اقترنا لبيان سعة عطاء‬
‫اهلل سبحانه وتعالى‪ ،‬وعلمه بمن يستحق هذا العطاء ‪ ،‬والمواضع األخرى من‬
‫القرآن الكريم التي اقترن فيها هذان االسمان ال تخرج عن المعنى المذكور ‪.‬‬

‫السميع العليم ‪:‬‬

‫اآليات ‪:‬‬

‫اقترن هذان االسمان في أواخر اآليات من سورة البقرة في سبعة مواضع في‬
‫اآليات التالية ‪ :‬ـ‬

‫(وإ ذ يرفع إبراهيم القـواعـدـ مـن البيت وإ سماعيل ربنا تقبل منا إنك أنت‬ ‫‪-1‬‬
‫‪3‬‬
‫السميع العليم )‬
‫« فإن آمنوا بمثل ما آمنتم به فـقـد اهتدوا وإ ن تولوا فإنما هم في شـقـاق اهلل‬ ‫‪-2‬‬
‫‪4‬‬
‫وهو السميع العليم »‬
‫‪5‬‬
‫(فـمـن بـدله بعـدمـا سـمـعـهـ فـإنما إثمه على الذين يبدلونه إن اهلل سميع علیم »‬ ‫‪-3‬‬

‫‪ 1‬الجامع ألحكام القرآن ‪۰۲۱۳/۳‬‬


‫‪ 2‬تيسير‪ 9‬الكريم الرحمن في تفسير كالم المنان ‪.۳۳۱/۱‬‬
‫‪ 3‬اآلية ‪.١٢٧‬‬
‫‪ 4‬اآلية ‪. 137‬‬
‫‪ 5‬اآلية ‪. 181‬‬
‫«وال تجعلوا اهلل عـرضـة أليمانكم أن تبروا وتتـقـواـ وتصلحوا بين الناس‬ ‫‪-4‬‬
‫‪1‬‬
‫واهلل سميع عليم »‬
‫(وإ ن عزموا الطالق فإن اهلل سميع عليم »‪.2‬‬ ‫‪-5‬‬
‫‪3‬‬
‫« وقاتلوا في سبيل اهلل واعلموا أن اهلل سميع عليم »‬ ‫‪-6‬‬
‫( ال إكراه في الدين قد تبين الرشد من الغي فمن يكفر بالطاغوت ويؤمن‬ ‫‪-7‬‬
‫‪4‬‬
‫باهلل فقد استمسك بالعروة الوثقى ال انفصام لها واهلل سميع عليم »‬

‫المعنى ‪:‬‬

‫السميع ‪ :‬قال أبو سليمان الخطابي ‪ :‬السميع بمعنى السامع ‪ ،‬إال أنه أبلغ في‬
‫الصفة‪ ،‬وبناء فعيل بناء المبالغة ‪ ،‬كقولهم ‪ :‬عليم من عالم ‪ ،‬وقدير من قادر ‪ .‬وهو‬
‫الذي يسمع السر والنجوى ‪ ،‬سـواء عنده الجهـر والخفت والنطق والسكوت ‪ .‬قال ‪:‬‬
‫وقد يكون السماع بمعنى قبول اإلجابة ‪ ،‬كقول النبي ﷺ ‪ « :‬اللـهـم إنـي أعـوذ بك‬
‫من قلب ال يـخـشع‪ ،‬ومـن دعـاء ال أي من دعاء ال يسمع"‪ 5‬أي من دعاء‬
‫اليستجاب ‪ .‬ومن هذا قول المصلي ‪ :‬سمع اهلل لمن حمده‪.6‬‬

‫‪7‬‬
‫العليم ‪ :‬سبق بيان معناه‬

‫المناسبـة ‪:‬‬

‫تختلف منـاسـبـة اقـتـرانـ هذين االسمين من آية إلى أخرى‪ ،‬وذلك الختالف‬
‫موضوع اآليات ‪ ،‬فاآلية األولى في شأن الدعاء ‪ ،‬ولذا ناسب أن يختم الدعاء‬
‫بالتوسل إلى اهلل سبحانه باستجابة الدعاء بهذين االسمين ‪ ،‬فالسميع بمعنى السامع‬

‫‪ 1‬اآلية ‪.٢٢٤‬‬
‫‪ 2‬اآلية ‪.٢٢٧‬‬
‫‪ 3‬اآلية ‪.٢٤٤‬‬
‫‪ 4‬اآلية ‪.٢٥٦‬‬
‫‪ 5‬أخرجه الترمذي ‪ ،‬كتاب الدعوات ‪ ،‬حديث رقم ‪ ،٣٤٨٢‬وقال األلباني في صحيح سنن الترمذي ‪ :١٦٥/٢‬صحيح‬
‫‪ 6‬شان الدعاء ‪ ،‬تحقيق أحمـد يوسـف الدفـاق ص ‪ .59‬وانظر ‪ :‬البيهقي ‪ ،‬كتاب األسماء والصفات ‪.۱۲۱ ،۱۲۰ /۱‬‬
‫‪ 7‬راجع ( العليم الحكيم)‬
‫للدعاء ‪ ،‬أو مجيب الدعاء ‪ ،‬والعليم بحال الداعي وحاجته ‪ .‬فإن البشر لو سأل‬
‫بشراً مثله البد له أن يعلمه بحاله وما فيه من العوز ‪ ،‬أما اهلل سبحانه وتعالى ال‬
‫يخفى عليه شيء من حال الداعي‪ ،‬فهو السامع لدعائه ‪ ،‬العالم بحاله ‪.‬‬

‫وأما في اآلية الثانية فإن اقتران هذين االسمين يحمل معنى التهديد والوعيد‬
‫ألعداء اهلل ‪ ، .‬فاهلل سبحانه وتعالى هو السامع ألقوالهم ‪ ،‬العليم بأفعالهم‪ .‬قال‬
‫الطبري ‪ :‬فسيكفيك اهلل يامحـمـد هؤالء الذين قالوا لك وألصحابك‪« :‬كونوا هودا أو‬
‫نصارى تهتدوا » من اليهود والنصارى ‪ ،‬إن هم تولوا عن أن يؤمنوا بمثل إيمان‬
‫أصحابك باهلل‪ ،‬وبما أنزل إليك ‪ ،‬وما أنزل إلى إبراهيم وإ سماعيل وإ سحاق وسائر‬
‫األنبياء غيـرهم‪ ،‬وفرقوا بين اهلل ورسله ‪ ،‬إمـا بـقـتـلـ السـيف‪ ،‬وإ مـا بـجـالء عـن‬
‫جـوارك ‪ ،‬وغـيـرـ ذلك من العقوبات‪ ،‬فإن اهلل هو السميع لما يقولون لك بألسنتهم‬
‫ويبدون لك بأفواههم مـن الجـهـل والـدعـاءـ إلى الكفـر والملل الضـالة ‪ ،‬العليم بما‬
‫يبطنون لك وألصحابك المؤمنين في أنفسهم من الحسد والبغضاء‪ .‬ففعل اهلل بهم‬
‫ذلك عاجالً وأنجز وعده ‪ ،‬فكفى نبيه ﷺ بتسليطه إياه عليهم حتى قتل بعضهم‪،‬‬
‫‪1‬‬
‫وأجلى بعضاً ‪ ،‬وأذل بعضاً وأخزاه بالجزية والصغار‬

‫قال ابن سعدي ‪ :‬ولهذا وعد اهلل رسوله أن يكفيه إياهم ‪ ،‬ألنه السميع لجميع‬
‫األصـوات باختالف اللغات ‪ ،‬على تفنن الحاجات ‪ ،‬العليم بما بين أيديهم ‪ ،‬وما‬
‫‪2‬‬
‫خلفهم ‪ ،‬بالغيب والشهادة ‪ ،‬بالظواهر والبواطن ‪ ،‬فإذا كان كذلك كفاك اهلل شرهم‬

‫وفي اآلية الثالثة أيـضـاـ جـاء اقـتـران االسمين تهديداً ووعـيـداً لمن بدل الوصية‬
‫‪ ،‬لذا قال القرطبي في تفسيره عن هذين االسمين وما تضـمناه من الصفات ‪« :‬‬
‫صفتان هلل تعالى ال يخفى معهما شيء من جنف‪ 3‬الموصين وتبديل المعتدين»‪. 4‬‬

‫‪ 1‬جامع البيان ‪.٤٤٤ /١‬‬


‫‪ 2‬تيسير‪ 9‬الكريم الرحمن في تفسير كالم المنان ‪. ١٤٩ /١‬‬
‫‪ 3‬الجنف ‪ :‬الميل ‪ ( .‬الجوهري ‪ ،‬الصحاح‪ ،‬مادة "جنف ‪)١٣٣٩/٤‬‬
‫‪ 4‬الجامع ألحكام القرآن ‪. ۱۸۰ /۲‬‬
‫وإ لى هذا أيضا أشار ابن سعدي حيث قال ‪ « :‬وفيه التحذير للموصى إليه من‬
‫‪1‬‬
‫التبديل"‬

‫واآلية الرابعـة أيضـا يدل اقـتـرانـ االسمين فـيـهـا على التهديد لمن جعل الحلف‬
‫مانعا له من الخير‪ ،‬وفي ذلك يقول الطبري ‪ « :‬واهلل سميع ‪ :‬لما يقوله الحالف‬
‫منكم باهلل إذا حلف ‪ ،‬فقال ‪ :‬واهلل ال أبر ‪ ،‬وال أتقي ‪ ،‬وال أصلح بين الناس‪ ،‬ولغير‬
‫ذلك من قبلكم وأيمانكم‪ ،‬عليم بما تقصدون وتبتغون بحلفكم ذلك ‪ ،‬الخير تريدون أم‬
‫غيره ‪ ،‬ألني عالم الغيوب وما تضمره الصدور ‪ ،‬التخفى علي خافية‪ ،‬وال ينكتم‬
‫عني أمر‪ ،‬علن فظهر أو خفي فبطن‪ ،‬وهذا من اهلل تعالى ذكره تهديد ووعيد ‪. . .‬‬
‫»‪ . 2‬وإ لى هذا المعنى أشار ابن سعدي في تفسيره فقال ‪ « :‬فختم اآلية بهذين‬
‫االسمين الكريمين فقال ( واهلل سميع » أي ‪ :‬لجميع األصوات * عليم * بالمقاصد‬
‫والنيات ‪ ،‬ومنه سماعه ألقوال الحالفين‪ ،‬وعلمه بمقاصدهم هل خير أم شر ‪ .‬وفي‬
‫‪3‬‬
‫ضمن ذلك التحذير من مجازاته‪ ،‬وأن أعمالكم ونياتكم قد استقر علمه بها »‬

‫وفي اآلية الخامسة جـاء اقتران االسمين يحمل أيـضـاً مـعنى التـهـديدـ والوعيد‬
‫لمن امتنع عن الفيئة من أجل المضارة والمشاقة للزوجة ‪ ،‬ولذا يقول ابن سعدي‬
‫في تفسيره في اجتماع هذين االسمين ‪ « :‬فيه وعيد وتهديد لمن يحلف هذا‬
‫الحلف ‪ ،‬ويقصد بذلك المضارة والمشاقة»‪ . 4‬علماً بأن اآلية السابقة لها ‪ -‬وهي‬
‫قوله تعالى ( للذين يؤلون‪ 5‬من نسائهم تربص أربعة أشهر فإن قادوا فإن اهلل غفور‬
‫رحيم » ‪ -‬ختمت بهذين االسمين ألن ذلك مقام إنابة ورجوع إلى طاعة اهلل‬
‫سبحانه وتعالى فيما أمر به من المعاشرة بالمعروف ‪.‬‬

‫‪ 1‬تيسير‪ 9‬الكريم الرحمن في تفسير كالم المنان ‪.۲۱۹ /۱‬‬


‫‪ 2‬جامع البيان ‪.٢٤٠ /٢‬‬
‫‪ 3‬تيسير‪ 9‬الكريم الرحمن في تفسير كالم المنان ‪. ۲۷۹ /۱‬‬
‫‪ 4‬تيسير‪ 9‬الكريم الرحمن في تفسير كالم المنان ‪.۲۸۱/۱‬‬
‫‪ 5‬اإليالء هو الحلف ‪ ،‬فيحلف الرجل أن اليجـامع زوجتـه مـدة مـا‪( .‬انظر ‪ :‬القرطبي‪ ،‬الجامع ألحكام القرآن ‪ . 68/3‬وابن كثير ‪،‬‬
‫تفسير القرآن العظيم ‪٢٦٩( /1‬‬
‫وفي اآلية السادسة ختام آية األمر بالقتال باقتران االسمين يحمل معنى‬
‫التهديد والوعيد ألعداء المسلمين ‪ ،‬ويحمل معنى التأييد للمؤمنين‪ ،‬وفي هذه اآلية‬
‫يقـول الطبري ‪ . . . « :‬واعلمـوا أيهـا المؤمنون أن ربكم سميع لقول من يقـول من‬
‫منافقيكم لمن قتل منكم في سبيلي لو أطاعونا فجلسوا في منازلهم ماقتلوا‪ ،‬عليم بما‬
‫تخفيه صدورهم من النفاق ‪ ،‬والكفر ‪ ،‬وقلة الشكر لنعمتي عليهم وآالئي لديهم في‬
‫أنفسهم وأهليهم ولغير ذلك من أمـورهم وأمـور عـبـادي ‪ .‬سـمـيـع لـقـولـهـم وعليـم بـهـم‬
‫وبغيرهم وبما هم عليه مقيمون من اإليمان والكفر والطاعة والمعصية ‪ ،‬محيط‬
‫‪1‬‬
‫بذلك كله‪ ،‬حتى أجازي كال بعمله ‪ ،‬إن خيراً فخير وإ ن شراً فشر" »‬

‫وفي اآلية السابعة لما كان األمر يتعلق بالكفر بالطاغوت واإليمان باهلل‬
‫ناسب ختامها باقتران االسمين كما يقول القرطبي في ذلك ‪ « :‬لما كان الكفر‬
‫بالطاغوت واإليمان باهلل مما ينطق به اللسان ويعتقده القلب حسن في الصفات‬
‫‪2‬‬
‫( سميع ) من أجل النطق ‪( ،‬عليم) من أجل المعتقد»‬

‫والخالصـة أن اقتران هذين االسمين ( السميع العليم) جاء في آيات الدعاء‬


‫لإلشعار بقربه وسمعه للداعين وعلمه بأحوالهم ‪ ،‬وفي الجزاء لبيان سماعه‬
‫ألقوالهم وعلمه بأعمالهم من خير وشر‬

‫العزيز الحكيم ‪:‬‬

‫اآليات ‪:‬‬

‫اقترن هذان االسمان في أواخر اآليات من سورة البقرة في ستة مواضع في اآليات‬
‫اآلتية ‪:‬‬

‫‪ 1‬جامع البيان ‪.۳۷۰ /۲‬‬


‫‪ 2‬الجامع ألحكام القرآن ‪.۱۸۳ /3‬‬
‫( ربنا وابعث فـيـهـم رسـوالً منهم يتلو عليهم آياتك ويعلمهم الكتـاب والحكمة‬ ‫‪-1‬‬
‫‪1‬‬
‫ويزكيهم إنك أنت العزيز الحكيم »‬
‫« فإن زللتم من بعد ما جاءتكم البينات فاعلموا أن اهلل عزيز حكيم »‪.2‬‬ ‫‪-2‬‬
‫« في الدنيا واآلخرة ويسألونك عن الـيـتـاميـ قل إصـالح لهم خـيـر وإ ن‬ ‫‪-3‬‬
‫إن‬
‫تخالطوهم فإخوانكم واهلل يعلم المفسد من المصلح ولو شاء اهلل ألعنتكم ّ‬
‫‪3‬‬
‫اهلل عزيز حكيم »‬
‫« والمطلقات يتربصن بأنفسهن ثالثة قروء وال يحل لهن أن يكتمن ما خلق‬ ‫‪-4‬‬
‫اهلل في أرحامهن إن كن يؤمن باهلل واليوم اآلخر وبعولتهن أحق بردهن في‬
‫ذلك إن أرادوا إصالحا ولهن مثل الذي عليهن بالمعروف وللرجال عليهن‬
‫‪4‬‬
‫درجة واهلل عزيز حكيم »‬
‫( والذين يتوفون منكم ويذرون أزواجا وصية ألزواجهم متاعا إلى الحول‬ ‫‪-5‬‬
‫غير إخراج فإن خرجن فال جناح عليكم في ما فعلن في أنفسهن من‬
‫‪5‬‬
‫معروف واهلل عزيز حكيم »‬
‫( وإ ذ قال إبراهيم رب أرني كـيـف تـحـي المـوتىـ قال أولم تؤمن قال بلى‬ ‫‪-6‬‬
‫ولكن ليطمئن قلبي قال فخذ أربعة من الطير فصرهن إليك ثم اجعل على‬
‫‪6‬‬
‫كل جبل منهن جزءا ثم ادعهن يأتينك سعيا واعلم أن اهلل عزيز حكيم »‬

‫المعنى ‪:‬‬

‫العزيز ‪ :‬العز خالف الذل ‪ ،‬وهو في األصل القـوةـ والشدة والغلبة ‪ .‬والعز‬
‫والعزة ‪ :‬الرفعة واالمتناع ‪ ،‬قال الزجاج ( ت ‪٣١١‬هـ) ‪ :‬العزيز هو الممتنع الذي‬

‫‪ 1‬اآلية ‪.١٢٩‬‬
‫‪ 2‬اآلية ‪.٢٠٩‬‬
‫‪ 3‬اآلية ‪٢٢٠‬‬
‫‪ 4‬اآلية ‪.٢٢٨‬‬
‫‪ 5‬اآلية ‪.٢٤٠‬‬
‫‪ 6‬اآلية ‪٢٦٠‬‬
‫ال يغلبه شيء‪ ،‬وقال غيره ‪ :‬هو القوي الغالب ‪ ،‬وقيل ‪ :‬هو الذي ليس كمثله‬
‫شيء‪ . 1‬واختلفت أقوال العلماء في معنى اسم (العزيز) ‪ ،‬وحاصلها مايلي ‪:‬‬

‫المنيع الذي ال يرام ‪.‬‬ ‫‪-1‬‬


‫القاهر الذي ال يغلب ‪.‬‬ ‫‪-2‬‬
‫القوي الشديد ‪.‬‬ ‫‪-3‬‬
‫‪2‬‬
‫نفيس القدر الذي ال يعدله شيء‬ ‫‪-4‬‬

‫وعزة اهلل سبحانه وتعالى تجتمع فيها كل هذه المعاني المذكورة ‪.‬‬

‫‪3‬‬
‫الحكيم ‪ :‬سبق بيان معناه‬

‫المناسبة ‪:‬‬

‫تختلف مناسبة اقـتـران االسمين من آية إلى أخرى‪ ،‬ففي اآلية األولى جاء‬
‫اقتران االسمين على لسان إبراهيم عليه السالم في دعائه لربه تعظيما وإ جالالً‪،‬‬
‫فذكر اسم (العزيز) إشعاراً بقدرة اهلل سبحانه وتعالى على تحقيق مطلوبه ‪ ،‬وذكر‬
‫(الحكيم) تفاؤال بتحقيق الخير من اهلل سبحانه وتعالى أنه لن يفعل بذريتـه إال ما هو‬
‫خير ‪ ،‬وفي هذا يقول الطبري في تفسيره لهذه اآلية ‪ « :‬إنك يارب أنت العزيز‬
‫القوي الذي ال يعجزه شيء أراده ‪ ،‬فافعل بنا وبذريتنا ما سألناه وطلبناه منك ‪.‬‬
‫والحكيم ‪ :‬الذي ال يدخل تدبيـره خلل وال زلل ‪ ،‬فأعطنا ماينفعنا وينفع ذريتنا‪ ،‬وال‬
‫‪4‬‬
‫ينقصك وال ينقص خزائنك»‬

‫ويقول ابن سعدي ‪ :‬كما أن بعثك لهذا الرسول فيه الرحمة السابغة ‪ ،‬ففيه‬
‫تمام عزتك‪ ،‬وكمال حكمتك‪ ،‬فإنه ليس من حكمة أحكم الحاكمين أن يترك الخلق‬

‫‪ 1‬انظر ‪ :‬ابن منظور ‪ ،‬لسان العرب ‪. 375 ، 374 /5‬‬


‫‪ 2‬انظر ‪ :‬القرطبي ‪ ،‬الجامع ألحكام القرآن ‪ .٨٩ /٢ ،‬والخطابي ‪ ،‬شـأن الدعاء ص ‪47 ، 48.‬‬
‫‪ 3‬راجع ( العليم الحكيم)‬
‫‪ 4‬جامع البيان ‪.436/1‬‬
‫سدى همال‪ ،‬ال يرسل إليهم رسوال ‪ ،‬فحقق اهلل حكمته ببعثته خاتماً‪ ،‬كما حقق‬
‫حكمته ورحمته ببعثة إخوانه المرسلين من قبله ‪ ،‬لئال يكون للناس على اهلل حجة ‪.‬‬
‫‪1‬‬
‫واألمور كلها‪ :‬قدريها‪ ،‬وشرعيها ‪ ،‬ال تقوم إال بعزة اهلل ‪ ،‬ونفوذ حكمه‬

‫واآلية الثانية جاء اقتران االسمين فيها للتهديد والوعيد لمن عدل عن الحق‬
‫بعد ما تبين له ‪ ،‬فإن العزيز الحكيم إذا عصاه العاصي عن علم ‪ ،‬قهره بقوته ‪،‬‬
‫وعذبه بمقتضى حكمته ‪ ،‬فإن من حكمته تعذيب العصاة والجناة‪ .‬يقول ابن كثير‬
‫في هذه اآلية ‪ « :‬وقوله « فإن زللتم من بعد ما جاءتكم البيئات » أي عدلتم عن‬
‫الحق بعدما قامت عليكم الحجج فاعلموا أن اهلل عزيز أي في انتقامه ‪ ،‬ال يفوته‬
‫هارب وال يغلبه غالب‪ ،‬حكيم في أحكامه ونقضه وإ برامه ‪ .‬ولهذا قال أبو الـعـالـيـة‬
‫( ت ‪ ٩٠‬هـ) وقـتـادة ( ت ‪١١٨‬هـ) والربيع بن أنس (ت‪139‬هـ) ‪ :‬عزيز في نقمته‬
‫حكيم في أمره ‪ .‬وقال محمد بن إسحاق (ت ‪ 150‬هـ) ‪ :‬العزيز في نصره ممن‬
‫كفر به إذا شاء ‪ ،‬الحكيم في عذره وحجته إلى عباده»‪. 2‬‬

‫وقال الطبري في تفسيره ‪ « :‬فإن أخطأتم الحق‪ ،‬فضللتم عنه ‪ ،‬وخالفتم‬


‫اإلسالم وشرائعه ‪ ،‬من بعد ما جاءتكم حججي وبينات هداي ‪ ،‬واتضحت لكم صحة‬
‫أمر اإلسالم باألدلة التي قطعت عذركم أيها المؤمنون ‪ ،‬فاعلموا أن اهلل ذو عزة‪،‬‬
‫ال يمنعه من االنتقام منكم مانع ‪ ،‬وال يدفعه عن عقوبتكم على مخالفتكم أمره‬
‫ومعصيتكم إياه دافع ‪ ،‬حكيم فيما يفعل بكم من عقوبته على معصيتكم إياه بعد‬
‫‪3‬‬
‫إقامته الحجة عليكم ‪ ،‬وفي غيره من أموره»‬

‫ويقول ابن سعدي ‪ :‬لم يقل اهلل ‪ :‬فعليكم من العقوبة كذا وكذا‪ ،‬بل قال «‬
‫فاعلموا أن اهلل عزيز حكيم * أي فإذا عرفتم عزته‪ ،‬وهي قهره وغلبته ‪ ،‬وقوته‬

‫‪ 1‬القواعد الحسان لتفسير القرآن ص‪63‬‬


‫‪ 2‬تفسير القرآن العظيم ‪.٢٤٩/١‬‬
‫‪ 3‬جامع البيان ‪. ۱۹۰ ، ۱۸۹ /۲‬‬
‫وامتناعه‪ ،‬وعرفتم حكمته ‪ ،‬وهي وضع األشياء في موضعها‪ ،‬وتنزيلها محالها‪،‬‬
‫أوجب لكم ذلك الخوف من البقاء على ذنوبكم وزللكم ‪ ،‬ألن من حكمته معاقبة من‬
‫يستحق العقوبة ‪ :‬وهو المصر على الذنب مع علمه‪ ،‬وأنه ليس لكم امتناع عليـه ‪،‬‬
‫وال خروج عن حكمـه وجـزائه ‪ ،‬لـكـمـال قـهـره وعزته‪. 1‬‬

‫واقتران االسمين في اآلية الثالثة لبيان أن اهلل سبحانه وتعالى قادر على أن‬
‫يضيق عليكم ‪ ،‬ولكن حكمته سبحانه لم تقتض ذلك‪ ،‬بل شرع لكم كل ما هو محكم‬
‫ومتقن‪ ،‬ويقول الطبري في تفسير اآلية ‪ « :‬إن اهلل عزيز في سلطانه ال يمنعـه مـانع‬
‫مما أحل بكم من عـقـوبة ‪ ،‬لو أعنتكم بما يـجـهـدكـمـ الـقـيـام به من فرائضه‪ ،‬فـقـصـرتمـ‬
‫في القيام به ‪ ،‬وال يقدر دافع أن يدفعه عن ذلك وال عن غيره مما يفعله بكم‬
‫وبغيركم من ذلك لو فعله هو ‪ ،‬لكنه بفضل رحمته من عليكم بترك تكليفه إياكم‬
‫ذلك‪ ،‬وهو حكيم في ذلك لو فعله بكم ‪ ،‬وفي غيره من أحكامه وتدبيره ال يدخل‬
‫أفعاله خلل وال نقص وال وهن وال عيب ‪ ،‬ألنه فعل ذي الحكمة الذي ال يجهل‬
‫عواقب األمور‪ ،‬فيدخل تدبيره ‪ -‬مذمة عاقبة ‪ ،‬كما يدخل ذلك أفعال الخلق لجهلهم‬
‫‪2‬‬
‫بعواقب األمور ‪ ،‬لسوء اختيارهم فيها ابتداء»‬

‫وفي اآلية الرابعة اقترن االسمان لبيان أن اهلل سبحانه وتعالى عزيز في‬
‫‪3‬‬
‫انتقامه ممن عصاه وخالف أمره ‪ ،‬حكيم في أمره وشرعه وقدره"‬

‫يقـول الطبري في هذه اآلية « عزيز في انتـقـامـه مـن خـالـف أمـره ‪ ،‬حكيم فيما‬
‫‪4‬‬
‫دبر في خلقه ‪ ،‬وفيما حكم وقضى بينهم من وتعدى حدوده أحكامه»‬

‫‪ 1‬القواعد الحسان لتفسير القرآن ص ‪.64‬‬


‫‪ 2‬جامع البيان ‪۲۲۱/۲‬‬
‫‪ 3‬انظر ‪ :‬ابن كثير ‪ ،‬تفسير القرآن العظيم ‪۲۷۲ /۱‬‬
‫‪ 4‬جامع البيان ‪.٢٧٦ /٢‬‬
‫واقتران االسمين في اآلية الخامسة فيه التهديد والوعيد لمن خالف شرع‬
‫اهلل المحكم‪ ،‬وفي هذا يقول الطبري ‪ :‬وأما قوله « واهلل عزيز حكيم ؟ فإنه يعني‬
‫تعالى ذكره ‪ :‬واهلل عـزيز في انـتـقـامـهـ مـن خـالـف أمـره ونـهـيـهـ وتـعـدىـ حدوده من‬
‫الرجال والنساء ‪ ،‬كمنع من كان من الرجال نساءهم وأزواجهم وما فرض لـهـن‬
‫عليهم في اآليات التي مضت قبل ‪ :‬من المتعة‪ ،‬والصداق والوصية‪ ،‬وإ خراجهن‬
‫قبل انقضاء الحول‪ ،‬وترك المحافظة على الصلوات وأوقاتها‪ ،‬ومنع من كـان من‬
‫النساء مـا ألزمهن اهلل من التربص عند وفاة أزواجهن عن األزواج‪ ،‬وخالف أمره‬
‫في المحافظة على أوقات الصلواتـ ‪ .‬حكيم» فيما قضى بين عباده من قضاياه التي‬
‫قد تقدمت في اآليات قبل قوله ‪ ( :‬واهلل عزيز حكيم » وفي غير ذلك من أحكامه‬
‫‪1‬‬
‫وأقضيته‬

‫وقـال ابـن سـعـدي في اآلية الخامسة ‪ :‬وختم اآلية بهذين االسمين‬


‫العظيمين ‪ ،‬الدالين على كـمـال العـزة ‪ ،‬وكـمـال الحكمة ؛ ألن هذه أحكام صدرت‬
‫‪2‬‬
‫عن عزته‪ ،‬ودلت على كمال حكمته ‪ ،‬حيث وضعها في مواضعها الالئقة بها‬

‫وفي اآلية السادسـة اقـتـرن االسـمـان لـبـيـان قـدرة اهلل سبحانه وتعالى‬
‫ورحمته‪ ،‬وفي هذا يقول ابن كثير رحمه اهلل تعالى ‪ ( :‬واعلموا أن اهلل عزيز حكيم‬
‫؟ أي عزيز ال يغلبه شيء وال يمتنع منه شيء‪ ،‬وماشاء كان بال ممانع ؛ ألنه‬
‫‪3‬‬
‫القاهر لكل شيء‪ ،‬حكيم في أقواله وأفعاله وشرعه وقدره‬

‫والخالصة ‪ ،‬أن اقتران ( العزيز الحكيم) في اآليات السابقة جاء بمناسبة‬

‫الدعاء إجالال هلل وتعظيماً‪ ،‬وإ شعاراً بقدرته على تحقيق المطلوب ‪ ،‬وتفاؤالً‬
‫بحصول الخير ‪ ،‬فإن ذلك من حكمـة اهلل سبحانه وتعالى ‪ .‬كما جاء اقتران االسمين‬

‫‪ 1‬جامع البيان ‪. ٥٩٨ /٢‬‬


‫‪ 2‬تيسير‪ 9‬الكريم الرحمن في تفسير الكالم المنان ‪.۳۰۱/۱‬‬
‫‪ 3‬تفسير القرآن العظيم ‪- ٤٠ - .316/1‬‬
‫بمناسبة ماجاء من أمر اهلل وشرعه المحكم الذي ال نقص فيه وال خلل‪ ،‬وأن اهلل‬
‫سبحانه وتعالى مقابل هذا اإلحكام في شرعه وأمره قادر على االنتقام ممن خالف‬
‫ذلك ‪ ،‬ال يغلبه غالب‪ ،‬وال يفوته هارب ‪.‬‬

‫رؤوف رحيـم ‪:‬‬

‫اآلية ‪:‬‬

‫اقترن هذان االسمان في أواخر اآليات من سورة البقرة مرة واحدة في قوله‬
‫تعالى ‪:‬‬

‫(وكذلك جعلناكم أمة وسطا لتكونوا شـهـداء على الناس ويكون الرسول‬ ‫‪-1‬‬
‫عليكم شهيدا وما جعلنا القبلة التي كنت عليها إال لنعلم من يتبع الرسول‬
‫ممن ينقلب على عقبيه وإ ن كانت لكبيرة إال على الذين هدى اهلل وما كان‬
‫‪1‬‬
‫اهلل ليضيع إيمانكم إن اهلل بالناس لرءوف رحيم)‬

‫المعنى ‪:‬‬

‫رؤوف ‪ :‬الرأفة ‪ :‬الرحمة‪ ،‬وقيل ‪ :‬أشـد الرحمة ‪ ،‬وقيل ‪ :‬أخص من الرحمة‬


‫وأرق"‪ . 2‬قال البيهقي (ت ‪٤٥٨‬هـ) ‪ :‬الرؤوف المساهل عباده فلم يحملهم يعني من‬
‫العبادات ماال يطيقون‪ ،‬يعني بزمانة أو علة أو ضعف‪ ،‬بل حملهم أقل مما يطيقونه‬
‫بدرجات كثيرة‪ ،‬ومع ذلك غلظ فرائضه في حال شدة القوة ‪ ،‬وخففها في حال‬
‫الضعف ونقصان القوة‪ ،‬وأخذ المقيم بما لم يأخذ به المسافر ‪ ،‬وأخذ الصحيح بما لم‬
‫يأخذ به المريض ‪ ،‬وهذا كله رأفة ورحمة حمة‪. 3‬‬

‫‪ 1‬اآلية ‪.143‬‬
‫‪ 2‬لسان العرب ‪ ،‬مادة " رأف " ‪. ۱۱۲ /۹‬‬
‫‪ 3‬انظر ‪ :‬البيهقي ‪ ،‬كتاب األسماء والصفات ‪١٥٤ /١‬‬
‫وجاء في مختصر تفسير المنار ‪ :‬والتحقيق أن معنى الرأفة أو متعلقها ‪ :‬الرفق‬
‫بالضعيف ‪ ،‬كالطفل والـيـتـيـم والمبتلى ‪ ،‬والعناية بهم ‪ . .‬وأما متعلق الرحمة فهو‬
‫‪1‬‬
‫أعم ‪ ،‬يشمل اإلحسان العام والخاص‬

‫‪2‬‬
‫رحيم ‪ :‬سبق بيان معناه‬

‫المناسبة ‪:‬‬

‫قال محمد رشيد رضا (ت‪ ١٣٥٤‬هـ) في قوله ( إن اهلل بالناس لرءوف‬
‫‪3‬‬
‫رحيم ؟ ‪ :‬الجملة استئنافية لبيان علة النفي فيما قبلها‬

‫وقال ابن كثير ‪ :‬قال الحسن البصري ‪ ( :‬وما كان اهلل ليضيع إيمانكم » أي‬
‫ما كان اهلل ليضيع محمداً ﷺ وانصرافكم معه حيث انصرف ( إن اهلل بالناس‬
‫‪4‬‬
‫لرءوف رحيم »‬

‫قال أبو الـسـعـودـ ‪ « :‬إن اهلل بالناس لرءوف رحيم » تحـقـيـق وتـقـريـرـ للحكم‪،‬‬
‫وتعليل له ‪ ،‬فإن اتصافه عز وجل بهما يقتضي ال محالة أن ال يضيع أجورهم‪ ،‬وال‬
‫‪5‬‬
‫يدع مافيه صالحهم‬

‫ولما كانت هذه اآلية فيها طمأنة للمسلمين على إيمانهم وعلى صالتهم ‪،‬‬
‫وأنهم ليسوا على ضالل‪ ،‬وأن صالتهم لم تضع ‪ ،‬ناسب ختامها باجتماع هذين‬
‫االسمين (رؤوف رحيم) فإن ذلك كله من رأفة اهلل سبحانه وتعالى بعب ــاده ورحمته‬
‫بهم‪ .‬ولما كـان هـذا في حال المؤمنين واألوائل مع رسول اهلل ﷺ لم يقتصر على‬
‫ذكر الرحمة فحسب بل أكد ذلك بالرأفة وهي أشـد الرحمة ‪.‬‬

‫‪۱/ ۱۱۰ 1‬‬


‫‪ 2‬راجع ( التواب الرحيم)‬
‫‪ 3‬تفسير المنار ‪ .۱۲ ،۱۱/۲‬وهذا النفي هو ‪ « :‬وما كان هللا ليضيع إيمانكم إن هللا بالناس لرءوف رحيم ؟ ‪.‬‬
‫‪ 4‬تفسير القرآن العظيم ‪. ۱۹۲ /۱‬‬
‫‪ 5‬إرشاد العقل السليم إلى مزايا القرآن الكريم ‪. 174 /1‬‬
‫وإ ذا تأملنا المواضع األخـرى مـن القـرآن الكـريم التي اقـتـرن فـيـهـا هذان االسمان‬
‫(الرؤوف الرحيم) وجدنا أنها ال تخرج عن امتنان اهلل سبحانه على عباده ‪ ،‬بأمر‬
‫ديني أو دنيوي ‪ ،‬فكل ما وهبه اهلل سبحانه وتعالى لعباده من خير ‪ ،‬أو مادفعه‬
‫عنهم من سوء‪ ،‬فهو من رأفته ورحمته بهم ‪.‬‬

‫شاكر عليـم ‪:‬‬

‫اآلية ‪:‬‬

‫اقترن هذان االسمان في موضع واحد من القرآن الكريم في سورة البقرة في‬
‫اآلية‪( :‬إن الصفا والمروة من شعائر اهلل فمن حج البيت أو اعتمر فال جناح عليه‬
‫‪1‬‬
‫أن يطوف بهما ومن تطوع خيرا فإن اهلل شاكر عليم »‬

‫المعنى ‪:‬‬

‫شاكر ‪ :‬قال ابن سعدي ‪ :‬الشاكر والشكور من أسماء اهلل تعالى ‪ ،‬الذي يقبل‬
‫من عباده اليسير من العمل‪ ،‬ويجازيهم عليه العظيم من األجر‪ ،‬الذي إذا قام عبده‬

‫بأمره وامتثل طاعته ‪ ،‬أعانه على ذلك وأثنى عليه ومدحه‪ ،‬وجازاه في قلبه نوراً‬
‫وإ يماناً وسعة‪ ،‬وفي بدنه قوة ونشاطا‪ ،‬وفي جميع أحواله زيادة بركة ونماء ‪ ،‬وفي‬
‫أعماله زيادة توفيق ‪ .‬ثم بعد ذلك يقدم له الثواب األجل عند ربه کامالً موفوراً ‪ ،‬لم‬
‫‪2‬‬
‫تنقصه هذه األمور"‬

‫‪3‬‬
‫عليم ‪ :‬سبق بيانه‬

‫المناسبة ‪:‬‬

‫‪ 1‬اآلية ‪158‬‬
‫‪ 2‬تيسير‪ 9‬الكريم الرحمن في تفسير كالم المنان ‪. 185 /1‬‬
‫‪ 3‬راجع ( العليم الحكيم) ‪ ،‬ص ‪. ۱۸‬‬
‫اقترن هذان االسمان لبيان أن اهلل مع أنه شاكر‪ ،‬فهو عليم بمن يستحق الثواب‬
‫الكامل‪ ،‬بحسب نيته وإ يمانه وتقواه ‪ ،‬ممن ليس كذلك ‪ .‬عليم بأعمال العباد ‪ ،‬فال‬
‫يضيعها‪ ،‬بل يجدونها أوفر ماكانت ‪ ،‬على حسب نياتهم التي اطلع عليها العليم‬
‫‪1‬‬
‫الحكيم‬

‫الرحمن الرحيـم ‪:‬‬

‫اآليـة ‪:‬‬

‫اقترن هذان االسمان في أواخر اآليات من سورة البقرة مرة واحدة في قوله‬
‫‪2‬‬
‫تعالى‪( :‬وإ لهكم إله واحد ال إله إال هو الرحمن الرحيم﴾‬

‫المعنى ‪:‬‬

‫الرحمـن ‪ :‬قال أبو سـلـيـمـان الخطابي ‪ :‬اختلف الناس في تـفـسـيـرـ (الرحمن)‬


‫ومعناه‪ ،‬هل هو مشتق من الرحمة أم ال؟ فذهب بعضهم إلى أنه غير مشتق ؛ ألنه‬
‫لو كان مشتقاً من الرحمة التصل بذكر المرحوم فجاز أن يقال ‪ :‬اهلل رحمن‬
‫بعباده ‪ ،‬كما يقال ‪ :‬رحيم بعباده‪ ،‬وألنه لو كان مشتقاً من الرحمة لما أنكرته‬
‫العرب حين سمعوه ‪ ،‬إذ كانوا ال ينكرون رحمة ربهم‪ ،‬وقد قال اهلل عز وجل ‪:‬‬
‫( وإ ذا قيل لهم اسجدوا للرحمن قالوا وما الرحمن أنسجد لمـا تأمرنا وزادهم نفـورا‬
‫»‪ . 3‬وزعم بـعـضـهـمـ أنه اسم عـبـراني‪،‬ـ وذهب الجمهور من الناس إلى أنه مشتق‬
‫من الرحمة مبني على المبالغة ‪ ،‬ومعناه ‪ :‬ذو رحـمـة ال نظير له فيها ‪ ،‬ولهذا ال‬
‫يثنى وال يجمع ‪ ،‬كـمـا يثنى الرحيم ويجمع"‪.4‬‬

‫‪ 1‬انظر ‪ :‬تيسير الكريم الرحمن في تفسير كالم المنان ‪.١٨٥ /١‬‬


‫‪ 2‬اآلية ‪.163‬‬
‫‪ 3‬سورة الفرقان ‪ ،‬اآلية ‪.60‬‬
‫‪ 4‬شان الدعاء ص ‪.36 ،35‬‬
‫وقال الحليمي في معنى (الرحمن) ‪ :‬إنه المزيح للعلل‪ ،‬وذلك أنه لما أراد من‬
‫الجن واإلنس أن يعبدوه ‪ ،‬عرفهم وجوه العبادات ‪ ،‬وبين لهم حدودها وشروطها‪،‬‬
‫وخلق لهم مدارك ومشاعر وقوى وجوارح‪ ،‬يعملون بها لتنفيذ ما أراد منهم‪،‬‬
‫وخاطبهم وكلفهم وبشرهم وأنذرهم ‪ ،‬وأمهلهم ‪ ،‬وحملهم دون ما تتسع له بنيتهم‬
‫‪1‬‬
‫فصارت العلل مزاحة‪ ،‬وحجج العصاة والمقـصـرين منقطعة‬

‫وقـال الـشـيـخـ ابـن عـثـيـمين ‪( :‬الرحمن) ذو الرحـمـة الـواسـعة ؛ ألن (فعالن)‬


‫‪2‬‬
‫في اللغة تدل على السعة واالمتالء‬

‫‪3‬‬
‫الرحيم ‪ :‬سبق بيان معناه‬

‫المناسبة ‪:‬‬

‫جاء اقتران االسمين ( الرحمن الرحيم) لبيان مزيد كمال اهلل سبحانه وتعالى‪،‬‬
‫فوق ما يدل عليه من الكمال كل اسم بانفراده ‪ ،‬وفي هذا يقول ابن القيم (رحمه اهلل‬
‫تعالى) ‪« :‬وأما الجمع بين الرحمن الرحيم ففيه معنى هو أحسن من المعنيين اللذين‬
‫ذكرهما‪ ،‬وهو أن الرحمن دال على الصفة القائمة به سبحانه‪ ،‬والـرحـيـمـ دال على‬
‫تعلـقـهـا بالمرحوم‪ ،‬فكان األول للوصف ‪ ،‬والثاني للفعل‪ ،‬فاألول دال على أن‬
‫الـرحـمـة صـفـتـهـ ‪ ،‬والثاني دال على أنه يرحم خلقـه بـر حـمـتـه »‪ . 4‬وقال أيـضـاً ‪« :‬‬
‫وفائدة الجمع بين الوصـفين (الرحمن الرحيم) اإلنباء عن رحمة عاجلة وآجلة‪،‬‬
‫‪5‬‬
‫وخاصة وعامة»‬

‫‪ 1‬کتاب المنهاج في شعب اإليمان ‪ ،‬تحقيق‪ 9‬حلمي محمد فوده ‪. ۲۰۰ /۱‬‬
‫‪ 2‬شرح العقيدة الواسطية ‪.38 /1‬‬
‫‪ 3‬راجع ( التواب الرحيم)‪ ،‬ص ‪. ۲۱‬‬
‫‪ 4‬بدائع الفوائد ‪27- ٢٤ /١‬‬
‫‪ 5‬أسماء هللا الحسنى ‪ ،‬تحقيق وتخريج‪ :‬يوسف علي بدوي ‪ ،‬وأيمن عبدالرزاق الشوا‪. ۹۰ /۱ ،‬‬
‫وهذان االسـمـان لـم يردا في القرآن الكريم إال على هذا الترتيب قال الفارابي (ت‬
‫‪350‬هـ) ‪ :‬جيء بالرحيم بعد استغراق الرحمن معنى الرحمة لتخصيص المؤمنين‬
‫‪1‬‬
‫به في قوله تعالى ‪ ( :‬وكان بالمؤمنين رحيما »‬

‫واآلية المذكورة التي اقترن فيها االسمان من سورة البقرة فيها بيان انفراد‬
‫اهلل سبحانه وتعالى باأللوهية‪ ،‬وعقب ذلك بذكر اسم من األسماء التي يختص بها‬
‫سبحانه وهو (الرحمن)‪ ،‬وأما (الرحيم) ففيه تنبيه على إثابة من حقق هذا التوحيد‬

‫قال ابن سـعـدي ‪ :‬ففي هذه اآلية إثبـات وح ة الـبـاري وإ لـهـيـتـهـ ‪ .‬وتقريرها‬
‫بنفيها عن غيره من المخلوقين‪ ،‬وبيان أصل الدليل على ذلك ‪ ،‬وهو إثبات رحمته‪،‬‬
‫التي من آثارها وجود جميع النعم ‪ ،‬واندفاع جميع النقم ‪ ،‬فهـذا دليل إجـمـالي على‬
‫وحـدانـيـتـهـ تعـالى ‪ .‬ثم ذكـر بعـد ذلك األدلة التفصيلية‪.2‬‬

‫وقال الرازي ( ت ‪606‬هـ) ‪ :‬إنما خص سبحانه وتعالى هذا الموضع بذكر‬


‫هاتين الصفتين ؛ ألن ذكر اإللهية والفردانية يفيد القهر والعلو ‪ ،‬فعقبهما بذكر هذه‬

‫المبالغة في الرحمة‪ ،‬ترويحاً للقلوب عن هيبة اإللهية‪ ،‬وعزة الفردانية ‪ ،‬وإ شعاراً‬
‫‪3‬‬
‫بأن رحمته سبقت غضبه‬

‫ومع ما يدل عليه اقتران االسمين ‪ ،‬من أن اهلل سبحانه وتعالى متصف بهذه‬
‫الصفة من صفات الكمال وهي صفة (الرحمة) ‪ ،‬وأن رحمته سبحانه وتعالى‬
‫وسعت كل شيء كما أخبر بها في كتابه العزيز‪ ،‬فإن اهلل سبحانه وتعالى جعل هذه‬
‫الرحمة أيضاً للمؤمنين به على وجه خاص كما في قوله سبحانه ‪ ( :‬وكان‬
‫بالمؤمنين رحيما » فالمؤمن هو الذي يحقق توحيد اهلل سبحانه وتعالى الذي أشار‬
‫إليه سبحانه بقوله ‪ ( :‬وإ لهكم إله واحد ال إله إال هو الرحمن الرحيم » وهذا أيضـا‬

‫‪ 1‬انظر ‪ :‬ابن منظور ‪ ،‬لسان العرب ‪ ،‬مادة رحم) ‪.۳۳۱ ، ۳۳۰ /۱۲‬‬
‫‪ 2‬تيسير‪ 9‬الكريم الرحمن في تفسير كالم المنان ‪. ۱۸٩ /١‬‬
‫‪ 3‬التفسير الكبير ‪٢٠٠/٤‬‬
‫يجعل المؤمن يطمع في رحـمـة اهلل سـبـحـانه وتعالى ويتعرض لها بفعل األسباب‬
‫الجالبة للرحمة ‪.‬‬

‫غفور رحيم ‪:‬‬

‫اآليات ‪:‬‬

‫هذان االسمان من أكثر األسماء اقترانا في كتاب اهلل سبحانه وتعالى ‪ ،‬حيث اقترنا‬
‫في سبعة وخمسين موضعاً من القرآن الكريم ‪ ،‬كلها على نسق واحد في الترتيب‪،‬‬
‫سوى موضع واحد منها ‪ ،‬جاء بالترتيب اآلتي ( الرحيم الغفور)‪ ، 1‬وفي سورة‬
‫البقرة وحدها اقترنا في ستة مواضع‪ ،‬في اآليات التالية ‪:‬‬

‫(و إنما حرم عليكـم المـيـتـةـ والدم ولحم الخنزير وما أهل به لغير اهلل فمن‬ ‫‪-1‬‬
‫‪2‬‬
‫اضطر غير باغ وال عاد فال إثم عليه إن اهلل غفور رحيم »‬
‫« فمن خاف من موص جنفا أو إنما فأصلح بينهم فال إثم عليه إن اهلل غفور‬ ‫‪-2‬‬
‫‪3‬‬
‫رحیم »‬
‫‪4‬‬
‫« فإن انتهوا فإن اهلل غفور رحيم »‬ ‫‪-3‬‬
‫« ثم أفيضوا من حيث أفاض الناس واستغفروا اهلل إن اهلل غفور رحيم)‪.5‬‬ ‫‪-4‬‬
‫« إن الذين آمنوا والذين هاجروا وجاهدوا في سبيل اهلل أولئك يـرجـون‬ ‫‪-5‬‬
‫‪6‬‬
‫رحمت اهلل واهلل غفور رحيم »‬
‫(للذين يؤلون من نسائهم تربص أربعة أشـهـر فـإن قـاءوا فإن اهلل غفور‬ ‫‪-6‬‬
‫‪7‬‬
‫رحيم)‬

‫‪ 1‬في قوله تعالى‪ « :‬يعلم ما يلج في األرض وما يخرج منها وما ينزل من السماء وما يعرج فيها وهو الرحيم الغـفـور » سورة سبأ ‪،‬‬
‫اآلية ‪ . ٢‬ولمعرفة السر في هذا االختالف في الترتيب راجع ‪ :‬ابن القيم ‪ ،‬أسماء هللا الحسنى ص ‪ ٢٨٦‬فقد ذكر كالمـا ً مفيداً ‪ :‬هذا‬
‫‪ 2‬اآلية ‪. 173‬‬
‫‪ 3‬اآلية ‪. ١٨٢‬‬
‫‪ 4‬اآلية ‪.١٩٢‬‬
‫‪ 5‬اآلية ‪.199‬‬
‫‪ 6‬اآلية ‪.٢١٨‬‬
‫‪ 7‬اآلية ‪.٢٢٦‬‬
‫المعنى ‪:‬‬

‫غفور ‪ :‬أصل الغفر التغطية والستر ‪ ،‬غفر اهلل له ذنوبه ‪ :‬أي سترها ‪ ،‬وتقول‬
‫العرب ‪ :‬اصبغ ثوبك بالسواد فهـو أغفر لوسخه"‪ . 1‬الغفور في حق اهلل سبحانه‬
‫وتعالى ‪ :‬الذي يكثر منه الستر على المذنبين من عباده ‪ ،‬ويزيد عفوه على‬
‫مؤاخذته‪. 2‬‬

‫‪3‬‬
‫رحيم ‪ :‬سبق بيانه‬

‫المناسبة ‪:‬‬

‫في تفسير اآلية األولى‪ ،‬قال ابن سعدي ‪ :‬واإلنسان في هذه الحالة مأمور ‪،‬‬
‫أن يلقي بيده إلى التهلكة ‪ ،‬وأن يقتل نفسه ‪ .‬فيجب إذن باألكل‪ ،‬بل منهي ان يلقي‬
‫بيده التهلكة ‪ ،‬وان يقتل نفسه ‪ .‬فيجب اذن عليه األكل ‪ ،‬ويأثم إن ترك األكل حتى‬
‫مات‪ ،‬فيكون قاتال لنفسه ‪ ،‬وهذه اإلباحة والتوسعة من رحمته تعالى بعباده ‪ ،‬فلهذا‬
‫ختمها بهذين االسمين الكريمين المناسبين غاية المناسبـة فـقـال ( إن اهلل غفور‬
‫رحيم) ‪ . . .‬أخبر أنه غفور‪ ،‬فيغفر ما أخطأ فيه في هذه الحال‪ ،‬خصوصاً وقد‬
‫‪4‬‬
‫غلبته الضرورة ‪ ،‬وأذهبت حواسه المشقة‬

‫وقال ابن كثير ‪ :‬قال سعيد بن جبير ‪ :‬غفور لما أكل من الحرام‪ ،‬رحيم إذ‬
‫أحل له الحرام في االضطرارـ‪.5‬‬

‫وقال القرطبي ‪ :‬أي يغفر المعاصي‪ ،‬فأولى أال يؤاخذ بما رخص فيه ‪ ،‬ومن‬
‫‪6‬‬
‫رحمته أنه رخص"‬
‫‪ 1‬انظر ‪ :‬الزجـاج ‪ ،‬تفسيـر أسماء هللا الحسنى ص ‪ .۳۷‬وابن األثير‪ ،‬النهاية في غريب الحديث واألثر ‪ . 373 /3‬وابن منظور‪ ،‬لسان‬
‫العـرب ‪ .٢٩ – ٢٥ /٥‬وأبا عبيد‪ ،‬غريب الحديث ‪.348 /3‬‬
‫‪ 2‬محمد الحمود النجدي ‪ ،‬النهج األسنى في شرح أسماء هللا الحسنى ‪. ۱۷۷ /۱‬‬
‫‪ 3‬راجع ( التواب الرحيم) ‪ ،‬ص ‪۲۱‬‬
‫‪ 4‬تيسير‪ 9‬الكريم الرحمن في تفسير كالم المنان ‪.٢٠٦/١‬‬
‫‪ 5‬تفسير القرآن العظيم ‪۰۲۰۷/۱‬‬
‫‪ 6‬تفسير القرطبي ‪/٢‬‬
‫وأما اآلية الثانية‪ ،‬فقد قال الطبري في تفسيرها ‪ :‬وأما قوله ‪ ( :‬إن اهلل غفور‬
‫رحيم * فإنه يعني ‪ :‬واهلل غفور رحيم للموصي فيما كان حدث به نفسه من الجنف‬
‫واإلثم‪ ،‬إذا ترك أن يأثم ويجنف في وصيته‪ ،‬فتجاوز له عما كـان حدث به نفسه من‬
‫الجـور ‪ ،‬إذ لم يمض ذلك فـيـغـفـل أن يؤاخذ به ‪ ،‬رحيم بالمصلح بين الموصي وبين‬
‫من أراد أن يجنف عليه لغيره أو يأثم فيه له‪. 1‬‬

‫وأما اآلية الثالثة ‪ ،‬فقال ابن كثير في تفسيرها ‪ :‬أي فإن تركوا القتال في الحرم‬
‫وأنابوا إلى اإلسالم والتوبة ‪ ،‬فإن اهلل يغفر ذنوبهم ولو كانوا قد قتلوا المسلمين في‬
‫‪2‬‬
‫حرم ا اهلل ‪ ،‬فإنه تعالى ال يتعاظمه ذنب أن يغـفـره لمن تاب إليه‬

‫واآلية الرابعة جاء اقتران االسمين فيها بعد األمر باالستغفار بعد الفراغ من‬
‫العبادة للخلل الواقع فيها‪ ،‬وكثيراً ما يأمر اهلل سبحانه وتعالى عباده باالستغفار بعد‬
‫الفراغ من العبادات ‪ ،‬واقترن هذان االسمان في اآلية المذكورة ترغيباً في‬
‫االستغفار"‪.3‬‬

‫وفي اآلية الخامسة‪ ،‬قال ابن سعدي في تفسيره حول معنى ( غـفـورـ‬
‫رحيم) ‪ :‬أي لمن تاب توبة نصوحاً‪( .‬رحيم) وسعت رحمته كل شيء‪ ،‬وعم جوده‬
‫وإ حسانه كل حي ‪ .‬وهذا دليل على أن من قام بهذه األعمال المذكورة ‪ ،‬حصل له‬
‫مغفرة اهلل ‪ ،‬إذ الحسنات يذهبن السيئات‪ ،‬وحصلت له رحمة اهلل وإ ذا حصلت له‬
‫المغـفـرة اندفعت عنه عـقـوبةـ الدنيا واآلخرة‪ ،‬التي هي آثار الذنوب ‪ ،‬التي غفرت‬
‫واضمحلت آثارها ‪ .‬وإ ذا حصلت له الرحمة حصل على كل خير في الدنيا‬
‫واآلخرة‪. 4‬‬

‫‪ 1‬جامع البيان ‪.٧٥ /٢‬‬


‫‪ 2‬تفسير القرآن العظيم ‪۲۲۹ /۱‬‬
‫‪ 3‬انظر ‪ :‬ابن كثير‪ ،‬تفسير القرآن العظيم ‪ .٢٤٣ /١‬وابن سعـدي‪ ،‬تيسير الكريم الرحمن في تفسير كالم المنان ‪. ٢٤٧ /١‬‬
‫‪ 4‬تيسير‪ 9‬الكريم الرحمن في تفسير كالم المنان ‪. ۲۷۰ /۱‬‬
‫وفي اآلية السادسة‪ ،‬قال ابن سعدي أيضا في معنى ( غفور رحيم) ‪ :‬يغفر‬
‫لهم ما حصل من الحلف ‪ ،‬بسبب رجوعهم ‪ ( .‬رحيم) حيث جعل أليمانهم كفارة‬
‫وتحلة ‪ ،‬ولم يجعلها الزمة لهم‪ ،‬غير قابلة لالنفكاك‪ ،‬ورحيم م أيضاً حيث فاؤوا‬
‫‪1‬‬
‫إلى زوجاتهم‪ ،‬وحنوا عليهن ورحموهن‬

‫الخالصـة‬

‫إذا تأملنا اآليات السابقة وما ورد من أقوال المفسرين فيها‪ ،‬نجد أن اقتران‬
‫االسمين (الغفور الرحيم) ختمت به اآليات في الحاالت اآلتية ‪:‬‬

‫اآليات التي أشارت إلى االضطرار إلى المحرم‪ ،‬وبهذه المناسبة أيضـاً‬ ‫‪-1‬‬
‫اقترن االسمان في غير سورة البقرة في مواضع أخرى‪ ،‬كما في سورة‬
‫المائدة ‪ .3 :‬وسورة األنعام ‪ .١٤٥ :‬وسورة النحل ‪.115 :‬‬
‫الهم بأمر محرم ‪ ،‬ولكن لم يتم ‪.‬‬ ‫‪-2‬‬
‫بعد ذكر التوبة‪ ،‬وقد اقترن االسمان بهذه المناسبة في آيات كثيرة من‬ ‫‪-3‬‬
‫القرآن الكريم‪ ،‬مثل ‪ :‬سورة آل عمران ‪ .۸۹ :‬وسـورة المائدة ‪،٢٩ ،٢٤ :‬‬
‫‪ .٧٤‬وسـورة األنعام ‪ .٥٤ :‬وسورة األعراف ‪ .153 :‬وسـورة التوبة ‪، 5 :‬‬
‫‪ . ۱۰۲ ،۲۷‬وسورة النحل ‪ . ۱۱۹ ، ۱۱۰ :‬وسورة النور ‪ .5 :‬وسورة‬
‫النمل ‪.11 :‬‬
‫عند ذكر االستغفار ‪ ،‬أو بعـد األمر باالستغفار ‪ ،‬وقد اقترن هذان االسمان‬ ‫‪-4‬‬
‫بهذه المناسبة في مواضع أخرى من القرآن الكريم ‪ ،‬كما في سـورة‬
‫يوسف ‪ . ٩٨ :‬وسـورة النور ‪ . ٦٢ :‬وسـورة الـشـوري ‪ . 5 :‬وسورة‬
‫الممتحنة ‪ .١٢ :‬وسورة المزمل ‪. ۲۰ :‬‬

‫‪ 1‬تيسير‪ 9‬الكريم الرحمن في تفسير كالم المنان ‪. ۲۸۱ /۱‬‬


‫غـفـور حليـم ‪:‬‬

‫اآليات ‪:‬‬

‫اقترن هذان االسمان في أواخر اآليات من سورة البقرة في مـوضـعين هما ‪:‬‬

‫( و ال يؤاخذكم اهلل باللغو في أيمانكم ولكن يؤاخذكم بما كسبت قلوبكم واهلل‬ ‫‪-1‬‬
‫‪1‬‬
‫غفور حليم)‬
‫« وال جناح عليكم فيما عرضتم به من خطبة النساء أو أكنتم في أنفسكم‬ ‫‪-2‬‬
‫علم اهلل أنكم ستذكرونهن ولكن ال تواعدوهن سرا إال أن تقولوا قوال معروفا‬
‫تعزموا عقدة النكاح حتى يبلغ الكتاب أجله واعلموا أن اهلل يعلم ما في‬
‫أنفسكم فاحذروه واعلمواـ أن اهلل غفور حليم »‪. 2‬‬

‫المعنى ‪:‬‬

‫غفور ‪ :‬سبق بيانه‪.3‬‬

‫الحليم ‪ :‬الحلم بالكسر ‪ :‬األناة والعقل ‪ ،‬والحلم نقيض السفه‪ . 4‬وقال ابن جرير‬
‫‪ :‬يعني أنه ذو أناة‪ ،‬ال يعجل على عباده بعقوبتهم على ذنوبهم‪. 5‬‬

‫وقال الحليمي إنه الذي ال يحبس إنـعـامـهـ وإ فـضـاله عن عبـاده ألجل ذنوبهم ‪،‬‬
‫ولكنه يرزق العـاصـيـ كـمـا يرزق المطيع‪ ،‬ويبـقـيـه وهـو منهمك في معاصيه كما‬
‫يبقي البر التقي ‪ ،‬وقد يقيه اآلفات والباليا وهو غافل ال يذكره فضال أن يدعوه‪،‬‬
‫‪6‬‬
‫كما يقيها الناسك الذي يسأله‪ ،‬وربما شغلته العبادة عن المسألة‬

‫‪ 1‬اآلية ‪.٢٢٥‬‬
‫‪ 2‬اآلية ‪.٢٣٥‬‬
‫‪ 3‬راجع ( غفور رحيم)‬
‫‪ 4‬الصحاح ‪ ، 1903 /5‬اللسان ‪ 145 /١٢‬ـ ‪. 150‬‬
‫‪ 5‬جامع البيان ‪.۳۲۷/۲‬‬
‫‪ 6‬کتاب المنهاج في شعب اإليمان ‪ ،‬تحقيق‪ 9‬حلمي محمد فوده ‪.۲۰۱ ، ۲۰۰ /۱‬‬
‫قال أبو سـلـيـمـانـ الخطابي ‪ :‬هو ذو الـصـفـح واألناة الذي ال يسـتـفـزهـ غضب‪،‬‬
‫وال يستخفه جهل جاهل وال عصيان عاص‪ ،‬وال يستحق الصافح مع العجز اسم‬
‫‪1‬‬
‫الحليم ‪ ،‬وإ نما الحليم هو الصـفـوحـ مع القدرة‪ ،‬المتأني الذي ال يعجل بالعقوبة‬

‫المناسبة ‪:‬‬

‫قال القرطبي في تفسيره لآلية األولى ‪ :‬صفتان الئقتان بما ذكر من طرح‬
‫المؤاخذة‪ ،‬إذ هو باب رفق وتوسعة‪. 2‬‬

‫وقال الطبري ‪ :‬واهلل غـفـور لعباده فيما لغوا من أيمانهم التي أخبر اهلل تعالى‬
‫ذكره أنه ال يؤاخـذهـم بهـا‪ ،‬ولو شاء واخـذهـم بها‪ ،‬ولما واخذهم بها فكفروها في‬
‫عاجل الدنيا بالتكفير فيه ‪ ،‬ولو شاء واخذهم في أجل اآلخرة بالعقوبة عليه ‪ ،‬فساتر‬
‫عليهم فيها‪ ،‬وصافح لهم بـعـفـوهـ عن العقوبة فيها ‪ ،‬وغير ذلك من ذنوبهم ‪ .‬حليم في‬
‫‪3‬‬
‫تركه معاجلة أهل معصيته العقوبة على معاصيهم‬

‫وفي اآلية الثانية يقول الطبري « واعلموا أن اهلل غفور ‪ ﴾ . . .‬يعني ‪ :‬أنه‬
‫ذو ستر لذنوب عباده وتغطية عليها فيما تكنه نفوس الرجال من خطبة المعتـداتـ‬
‫وذكـرهـم إياهن في حـال عـددهن ‪ ،‬وفي غير ذلك من خطاياهم ‪ .‬وقوله ‪« :‬حليم»‬
‫‪4‬‬
‫يعني أنه ذو أناة ال يعجل على عـبـاده بـعـقـوبـتـهمـ على ذنوبهم‬

‫الحاصل أن اهلل سبحانه وتعالى عـقـب بـاقـتـرانـ هـذيـن االسمين بعـد اإلخبار‬
‫بتجاوز اهلل سبحانه وتعالى عن عباده المؤمنين في بعض األمور ‪ ،‬ففي اآلية‬
‫األولى بين سبحانه وتعالى تجاوزه عنهم في ا اللغو في األيمان ‪ ،‬وفي اآلية الثانية‬
‫بين التجاوز عنهم في التعريض بخطبة النساء‪.‬‬

‫‪ 1‬شان الدعاء ‪ ،‬ص ‪. 63‬‬


‫‪ 2‬تفسير القرطبي ‪3/68‬‬
‫‪ 3‬جامع البيان ‪.٢٤٩ /٢‬‬
‫‪ 4‬جامع البيان ‪.۳۲۷ /۲‬‬
‫ولو نظرنا القتران هذين االسمين في مواضع أخرى من القرآن الكريم ‪،‬‬
‫لوجدنا أن اقترانهما جاء أيضاً بعد بيان التجاوز عن عقوبة معينة ‪ ،‬كما في سورة‬
‫آل عمران « ولقد عفا اهلل عنهم إن اهلل غفور حليم »‪ ، 1‬وفي سورة المائدة (عفا‬
‫‪2‬‬
‫اهلل عنها واهلل غفور حليم »‬

‫غني حليـم ‪:‬‬

‫اآلية ‪:‬‬

‫اقترن هذان االسمان مرة واحدة في القرآن الكريم في سورة البقرة في قوله‬
‫‪3‬‬
‫تعالى‪ « :‬قول معروف ومغفرة خير من صـدقة يتبعها أذى واهلل غني حليم)‬

‫المعنى ‪:‬‬

‫الغني ‪ :‬قال الحليمي في معنى الغني ‪ :‬إنه الكامل بما له وعنده فـال يحتاج‬
‫معه إلى غيره‪ ،‬وربنا جل ثناؤه بهـذه الـصـفـة ؛ ألن الحاجة نقص ‪ ،‬والمحتاج‬
‫عاجز عما يحتاج إليه أن يبلغه ويدركه‪ ،‬وللمحتاج إليه فضل لوجود ما ليس عند‬
‫المحتاج‪ ،‬فالنقص منفي عن اهلل بكل حال‪ ،‬والعجز غير جائز عليه ‪ ،‬وال يمكن أن‬
‫يكون ألحد عليه فضل‪ ،‬إذ كل شيء سواه خلق له وبدع أبدعه ال يملك من أمره‬
‫شيئا‪ ،‬وإ نما يكون كما يريد اهلل عز وجل ويدبره عليه ‪ ،‬واليتوهم أن يكون له مع‬
‫‪4‬‬
‫هذا اتساع لفضل عليه‬

‫‪ 1‬اآلية ‪.155‬‬
‫‪ 2‬اآلية ‪. 101‬‬
‫‪ 3‬اآلية ‪٢٦٣‬‬
‫‪ 4‬انظر ‪ :‬كتاب المنهاج في شعب اإليمان ‪ ،‬تحقيق حلمي محمد فوده ‪.١٩٦/١‬‬
‫وقال الخطابي ‪ :‬الغني هو الذي استغنى عن الخلق وعـن نـصـرتـهمـ وتأييدهم‬
‫لملكه‪ ،‬فليست به حاجة إليهم‪ ،‬وهم إليـه فـقـراء مـحـتـاجـونـ كـمـا وصف نفسه تعالى‬
‫‪2 1‬‬
‫فقال عز من قائل ‪ « :‬واهلل الغني وأنتم الفقراء) ‪.‬‬

‫الحليم ‪ :‬سبق بيان معناه‪. 3‬‬

‫المناسبة ‪:‬‬

‫قال الطبري ‪ :‬وأما قوله ‪ ( :‬غني حليم) فإنه يعني ‪ :‬واهلل غني عـمـا‬
‫يتـصـدقون به‪ ،‬حليم حين ال يعجل بالعقوبة على من يمن بصـدقـتـه منكم ‪ ،‬ويؤذي‬
‫فيها من يتصدق بها عليه‪. 4‬‬

‫وقال القرطبي في تفسيره ‪ :‬أخبر تعالى عن غناه المطلق أنه غني عن صدقة‬
‫العباد‪ ،‬وإ نما أمر بها ليثيبهم ‪ ،‬وعن حلمه بأنه ال يعاجل بالعقوبة من من وأذي‬
‫بصدقته‪. 5‬‬

‫وقال ابن سعدي ‪( :‬غني) عن صدقاتهم ‪ ،‬وعن جميع عباده ‪( .‬حلیم) مع‬
‫كمال غناه‪ ،‬وسعة عطاياه‪ ،‬يحلم عن العاصين‪ ،‬وال يعاجلهم بالعقوبة ‪ ،‬بل يعافيهم‬
‫‪6‬‬
‫ويرزقهم ويدر عليهم ‪ ،‬وهم مبارزون له بالمعاصي‬

‫وقال ابن القيم ‪ :‬وختم اآلية بصفتين مناسبتين لما تضمنته فقال ( واهلل غني حليم)‪.‬‬
‫وفيه معنيان ‪:‬‬

‫أحدهما ‪ :‬أن اهلل غني عنكم لن يناله شيء من صدقاتكم ‪ ،‬وإ نما الحظ األوفر لكم‬
‫في الصدقة‪ ،‬فنفعها عائد إليكم ال إليه سبحانه وتعالى‪ ،‬فكيف يمن بنفقته ويؤذي مع‬
‫‪ 1‬سورة محمد ‪ ،‬اآلية ‪. 38‬‬
‫‪ 2‬الخطابي ‪ ،‬شأن الدعاء ‪ ،‬تحقيق أحمد يوسف الدقاق ص ‪.۹۳ ،۹۲‬‬
‫‪ 3‬راجع ( غفور حليم )‬
‫‪ 4‬جامع البيان ‪.٤٢/٣‬‬
‫‪ 5‬القرطبي ‪ ،‬الجامع ألحكام القرآن ‪۲۰۱ /۳‬‬
‫‪ 6‬ابن سعدي ‪ ،‬تيسير الكريم الرحمن في تفسير كالم المنان ‪۳۲۷/۱‬‬
‫غنى اهلل التام عنها‪ ،‬وعن كل ماسواه‪ ،‬ومع هذا فهو حليم‪ ،‬إذ ال يعاجل المان‬
‫بالعقوبة ‪ .‬وفي ضمن هذا الوعيد والتحذير ‪.‬‬

‫والمعنى الثاني ‪ :‬أنه سبحانه وتعالى مع غناه التام من كل وجه ‪ ،‬فهو‬


‫الموصوف بالحلم والتجاوز والصفح‪ ،‬مع عطائه الواسع وصدقاته العميمة ‪ ،‬فكيف‬
‫يؤذي أحدكم بمنه وأذاه ‪ ،‬مع قلة ما يعطي ونزارته‪. 1‬‬

‫نجد مما سبق أن المناسبة واضحة وهي أ أن اهلل سبحانه وتعالى غني عن‬
‫صدقات الناس ‪ ،‬ومع كمال غناه فهو حليم سبحانه على الذي يمن بصدقته ‪ ،‬وهذا‬
‫من كمال صفاته سبحانه ‪ ،‬كما تتضمن التحذير لمن من بصدقته مع قلة مايعطي‬
‫ونزارته وفقره ‪.‬‬

‫غني حميد ‪:‬‬

‫اآلية ‪:‬‬

‫اقترن هذان االسمان في أربعة مواضع من القرآن الكريم ‪ ،‬منها موضع واحد‬
‫في سورة البقرة ‪ ،‬في قوله سبحانه وتعالى ‪:‬‬

‫(يا أيها الذين آمنوا أنفقوا من طيبات ما كسبتم ومما أخرجنا لكم من األرض وال‬
‫تيمموا الخبيث منه تنفقون ولستم بأخذيه إال أن تغمضوا فيه واعلموا أن اهلل غني‬
‫‪2‬‬
‫حميد)‬

‫المعنى ‪:‬‬

‫‪3‬‬
‫غني ‪ :‬سبق بيان معناه‬

‫‪ 1‬أسماء هللا الحسنى ص ‪.۳۰۱ ، ۳۰۰‬‬


‫‪ 2‬اآلية ‪. ٢٦٧‬‬
‫‪ 3‬راجع ( غني حليم ) ‪ ،‬ص ‪. 57‬‬
‫حميد ‪ :‬قال الخطابي ‪ :‬هو المحمود الذي استحق الحمد بفعاله‪ ،‬وهو فعيل‬
‫بمعنى مفعول‪ ،‬وهو الذي يحـمـد في السراء والضراء‪ ،‬وفي الشـدة والرخاء؛ ألنه‬
‫‪1‬‬
‫حكيم ال يجري في أفـعـاله الغلط وال يعـتـرضه الخطأ ‪ ،‬فهو محمود على كل حال‬

‫المناسبة ‪:‬‬

‫قال ابن القيم (رحمه اهلل) ‪ :‬فإن الغنى صـفـة كمال ‪ ،‬والحمد كذلك ‪ ،‬واجتماع‬
‫الغنى مع الحمد كمال آخر ‪ ،‬فله ثناء من غناه ‪ ،‬وثناء من حمده ‪ ،‬وثناء من‬
‫اجتماعهما‪.2‬‬

‫قال ابن سعدي في هذه اآلية ‪ :‬فهو الغني عن جميع المخلوقين ‪ ،‬وهو الغني‬
‫عن نفـقـات المنفقين‪ ،‬وعن طاعة الطائعين ‪ .‬وإ نما أمرهم بها وحثهم عليها ‪ ،‬لنفعهم‬
‫‪ ،‬محض فضله عليهم‪ ،‬ومع كمال غناه ‪ ،‬وسعة عطاياه ‪ ،‬فهو الحميد فيما يشرعه‬
‫لعباده من األحكام الموصلةـ لهم إلى دار السالم‪. 3‬‬

‫وبالتأمل في اآليات األخرى التي اقترن فـيـهـا هذان االسمان نجـد أن‬
‫اقترانهما ورد في ختام اآليات التي فيها إخبار عن إعراض المعرض ؛ إما عن‬
‫اإليمان بالكلية أو الطاعات ‪ ،‬كما جاء أيضاً في ختام اآليات التي تشير إلى عظمة‬
‫ملك اهلل سبحانه وتعالى ‪.‬‬

‫الخاتمة ‪:‬‬

‫‪ 1‬شان الدعاء ص ‪.۷۸‬‬


‫‪ 2‬بدائع الفوائد ‪. 161 /1‬‬
‫‪ 3‬تيسير‪ 9‬الكريم الرحمن في تفسير كالم المنان ‪.۳۳۰ /۱‬‬
‫بعد الوقوف على ما جاء من اقتران األسماء الحسنى في أواخر اآليات من‬
‫سورة البقرة عرفنا تلك المعاني الجليلة التي اتضحت من اقتران االسمين معاً‪،‬‬
‫فـوق مـا يـفـيـدهـ كل اسم بانفراده مـن مـعنى ‪ ،‬مما يدل على كـمـال اهلل سبحانه وتعالى‬
‫‪ ،‬فعلى سبيل المثال فإن (التواب الرحيم) يدل على الكمال هلل من توبته على‬
‫عباده ‪ ،‬والكمال له من رحمته بهم‪ ،‬والكمال له من اقتران االسمين ؛ لما فيه من‬
‫حث للعباد على اإلقبال على اهلل بالتوبة إليه‪ ،‬والمبادرة فيها ‪ ،‬فتوبة اهلل على عباده‬
‫إنما هي من آثار رحمته بهم ‪.‬‬

‫وجاء اقتران األسماء الحسنى في أواخر اآليات من هذه السورة العظيمة‬


‫(سورة البقرة) في خمس وثالثين آية منها ‪ ،‬فضالً عن األسماء الحسني التي‬
‫جاءت منفردة أو مجتمعة في مواضع أخرى من هذه السورة ‪ ،‬مما يزيد في شرفها‬
‫وفضلها ‪.‬‬

‫لذا يوصي الباحث بتحقيق قوله سبحانه (وهلل األسماء الحسنى فادعوه بها‬
‫وذروا الذين يلحدون في أسمائه سيجزون ما كانوا يعملون)‪. 1‬‬

‫وكذا التأمل والتدبر في كتاب اهلل سبحانه وتعالى لبقية األسماء التي وردت‬
‫منفردة أو مجتمعة ؛ لمعرفة تلك المعاني الجليلة التي حوتهـا هذه األسماء‪ ،‬فإن هذا‬
‫من شأنه أن يزيد اإلنسان معرفة باهلل سبحانه وتعالى ‪ ،‬ومن زادت معرفته باهلل‬
‫سبحانه زادت خشيته‪ ،‬وحبه له ‪ ،‬وبالتالي ابتعد عن معصيته واجتهد في طاعته ‪.‬‬

‫وفي الخـتـام نـسـأل المولى جل ذكـره أن يرزقنا العلم النافع‪ ،‬والعـمل الصالح‪،‬‬
‫وأن يمن علينا بخشيته وتقواه‪ ،‬وصلى اهلل وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله‬
‫وصحبه أجمعين ‪.‬‬

‫سورة األعراف ‪ ،‬اآلية ‪. 180‬‬ ‫‪1‬‬


‫المصادر والمراجع ‪:‬‬

‫القرآن الكريم‬ ‫‪‬‬


‫إرشـاد العقل السليم إلى مـزايـا القـرآن الكريم ‪ ،‬أبو السـعـود ( دار إحـيـاء‬ ‫‪-1‬‬
‫التراث العربي‪ ،‬بيروت) ‪.‬‬
‫أسماء اهلل الحسنى ‪ ،‬ابن القيم ‪ ،‬تحقيق وتخريج ‪ :‬يوسف علي بدوي ‪،‬‬ ‫‪-2‬‬
‫وأيمن عبدالرزاق الشوا ‪ ،‬ط ‪ ( 1‬دار ابن كثير ‪ ،‬بيروت ‪١٤١٨ ،‬هـ)‪.‬‬
‫بدائع الفوائد ‪ ،‬ابن القيم ( دار الكتاب العربي ‪ ،‬بيروت) ‪.‬‬ ‫‪-3‬‬
‫تفسير أسماء اهلل الحسنى ‪ ،‬الزجاج‪ ،‬تحقيق ‪ :‬أحمد يوسف الدقاق ‪ ،‬ط‪۲‬‬ ‫‪-4‬‬
‫(دار المأمون ‪ ،‬دمشق‪1399 ،‬هـ)‪.‬‬
‫تفسير القرآن العظيم ‪ ،‬ابن كثير ( دار الفكر ‪1400 ،‬هـ)‪.‬‬ ‫‪-5‬‬
‫التفسير الكبير ‪ ،‬الرازي ‪.‬‬ ‫‪-6‬‬
‫تيسير الكريم الرحمن في تفـسـيـر كـالم المنان ‪ ،‬عبدالرحمن بن ناصـر‬ ‫‪-7‬‬
‫السعدي‪ ،‬تحقيق وضبط ‪ :‬محمد زهري النجار‪ ( ،‬الرئاسة العامة إلدارات‬
‫البحوث العلمية واإلفتاء والدعوة واإلرشاد‪ ،‬الرياض ‪1410 ،‬هـ)‪.‬‬
‫جامع البـيـان في تفـسـيـرـ القـرآن ‪ ،‬الطبري ( دار المعـرفـةـ ‪ ،‬بيروت ‪،‬‬ ‫‪-8‬‬
‫‪١٤٠٦‬هـ)‪.‬‬
‫الجامع ألحكام القـرآن ‪ ،‬القرطبي ( دار الكتب العـلـمـيـة‪،‬ـ بيروت ‪،‬‬ ‫‪-9‬‬
‫‪1413‬هـ)‪.‬‬
‫سنن الترمذي ‪ ،‬تحقيق وشرح ‪ :‬أحمد محمد شاكر ‪ ( ،‬دار إحياء التراث‬ ‫‪-10‬‬
‫العربي) ‪.‬‬
‫شأن الدعاء ‪ ،‬أبو سليـمـان أحـمـد بـن مـحـمـد الخطابي‪ ،‬تحقيق ‪ :‬أحـمـد‬ ‫‪-11‬‬
‫يوسف الدقاق ‪ ،‬ط‪( ۳‬دار الثقافة العربية‪ ،‬دمشق‪1413 ،‬هـ)‪.‬‬
‫شرح الـعـقـيـدةـ الواسطية ‪ ،‬مـحـمـد بن صالح العثيمين ‪ ،‬ط ‪ ( 4‬دار ابن‬ ‫‪-12‬‬
‫الجوزي ‪ ،‬الرياض‪ 1417 ،‬هـ)‪.‬‬
‫شـرح الـعـقـيـدةـ الواسطية ‪ ،‬مـحـمـد خليل هراس‪ ،‬ط ‪ ( 3‬دار الـهـجـرة ‪،‬‬ ‫‪-13‬‬
‫الرياض‪1415 ،‬هـ)‪.‬‬
‫الصحاح ‪ ،‬الجوهري ‪ ،‬تحقيق‪ :‬أحمد عبدالغفور عطار ‪ ،‬ط ‪ ( 4‬دار العلم‬ ‫‪-14‬‬
‫للماليين ‪ ،‬بيروت‪۱۹۹۰ ،‬م)‪.‬‬
‫صحيح سنن الترمذي ‪ ،‬مـحـمـد نـاصـر الدين األلباني ‪ ، ،‬ط‪( 1‬المكتب‬ ‫‪-15‬‬
‫اإلسالمي‪ ،‬بيروت ‪١٤٠٨ ،‬هـ)‪.‬‬
‫غريب الحديث ‪ ،‬أبو عـبـيـد القاسم بن سالم الهروي‪ ،‬ط‪( ۱‬دار الكتـاب‬ ‫‪-16‬‬
‫العربي ‪ ،‬بيروت ‪1396 ،‬هـ)‪.‬‬
‫القواعد الحسان لتفسير القرآن ‪ ،‬عبدالرحمن بن ناصر السعدي (مطبعة‬ ‫‪-17‬‬
‫أنصار السنة المحمدية‪1366 ،‬هـ)‪.‬‬
‫كتاب األسماء والصفات ‪ ،‬البيهقي ‪ ،‬تحقيق وتخريج ‪ :‬عبداهلل بن محمد‬ ‫‪-18‬‬
‫الحاشدي ‪ ،‬ط ‪ ( 1‬مكتبة السوادي ‪ ،‬جدة ‪1413 ،‬هـ)‪.‬‬
‫لسان العرب ‪ ،‬ابن منظور ( دار صادر ‪ ،‬بیروت) ‪.‬‬ ‫‪-19‬‬
‫محاسن التأويل ‪ ،‬القاسمي ( دار إحياء الكتب العربية) ‪.‬‬ ‫‪-20‬‬
‫مختصر تفسير المنار ‪ ،‬محمد رشيد رضا‪ ،‬ومحمد أحمد كنعان‪ ،‬ط‪۱‬‬ ‫‪-21‬‬
‫(المكتب اإلسالمي‪ ،‬بيروت ‪١٤٠٤ ،‬هـ)‪.‬‬
‫النهاية في غريب الحديث واألثر ‪ ،‬ابن األثير ‪ ،‬تحقيق ‪ :‬طاهر أحـمـد‬ ‫‪-22‬‬
‫الزاوي‪ ،‬ومحمود محمد الطناحي ‪( ،‬دار الكتاب المصري ‪ ،‬القاهرة) ‪.‬‬
‫النهـج األسنى في شـرح أسماء اهلل الحسنى ‪ ،‬محمد الحمود النجدي ( مكتبة‬ ‫‪-23‬‬
‫اإلمام الذهبي ‪ ،‬الكويت ‪١٤١٧ ،‬هـ ) ‪.‬‬

You might also like