Professional Documents
Culture Documents
Ehtadyt 2017oct26 10 1
Ehtadyt 2017oct26 10 1
Ehtadyt 2017oct26 10 1
تأليف
الدكتور /أحمد محمد زين المنَّاوي
عظ ـمــاء ومشاه ـيـر أسل ـمــوا
7
55 أريني الدليل
64 بائع القهوة
68 نور اإلسالم
72 طوق النجاة
75 كلهم في النار!
79 حب العبادة
82 كنت ..وأصبحت!
الفهرس
9
214 هيراالل غاندي
218 رسائل النور
223 الطفل املعجزة
225 صوت الحق
228 الكتاب املذهل
232 الرحلة املباركة
236 اسم املؤلف
240
التحريف ّ
املقدس
244 التوراة املفقودة
248 الخطأ املفيد
251 الدعوة الصامتة
255 الهجرة إلى هللا
259 ثراء اإليمان
262 املبدع العظيم الفهرس
265 املالذ اآلمن
268 كراهية العرب
272 السهل املمتنع
275 معالم طريق
279 صاحب القلبين
281 الديانة العنصرية
287 دين الفطرة 10
290
الشعلة ّ
املقدسة
295 هل ستقتلني؟!
299 بوابة العلم
303 بارقة أمل
306 إياك أن تسأل!
309 أم الخبائث
312 اإلجابات الشافية
315 اإلنجيل العتيق
318 التثليث العجيب
322 الحاخام اليهودي
326 سؤال مباغت
329 الفروق الثالثة
332
ّ
الجهنمية الخديعة الفهرس
336 الفريد الغاني
339 القوة الباهرة
341 تصحيح الصورة
344 سرادق العزاء
347 عروس استثنائية
350 فخور بإسالمي
11
352 قارب النجاة
354 قصة شريفة
357 االستسالم هلل
360 منصة التتويج
363 ميشال الغريب
366 وفي الرؤيا هداية
371 التاريخ يعيد نفسه
374 الراهب البوذي
377 مفتاح السعادة
380 العذاب األبدي
383 القناع الزائف
387 املقارنة العجيبة
391 حليب العذراء
395 لحظة فارقة الفهرس
397 املشهد الباهر
400 في رحاب األزهر
403 ركس إنجرام
406 الحقيقة املريرة
409 الترجمة الفريدة
413 املسيح اآلن
417 الحضارة األم 12
420 يوم املنبر
424 املقارنات األمينة
428 الهبوط إلى أعلى!
431 الطبقات الثالث
434 لغة اإلنجيل
438 رأس كل خطيئة
443 أنين ..وحنين!
451 أهم املصادر
ّ
املقدمة
منحوني شرف االطالع على تجاربهم وتوثيقها..
ّ
وعندما بدأت بتحرير شهاداتهم لم أكن أتوقع أنهم سيعلمونني..
املتأصل في نف�سي كاف في ّ
حد ذاته.. ّ كنت أظن أن إسالمي
ٍ
ما كنت أنتظر منهم أن يرشدوني إلى نواحي العظمة في عقيدتي..
وما كنت أعرف حق املعرفة نعمة أن يولد اإلنسان على دين اإلسالم..
وما كنت أعلم أن الفطرة هي املفتاح الذي ّ
يحرك هللا به قلوب عباده..
وما كنت أدرك أن أعظم املعارك هي تلك التي تدور داخل النفس البشرية..
ُ
ففي داخل هذه النفس تصنع االنتصارات العظيمة أو الهزائم الكبرى..
إن أصعب قرار يتخذه اإلنسان في حياته هو أن ّ
يغير دينه وعقيدته..
13
ليس من السهل أن يتنازل عن دين آبائه ..لكنها العزيمة القوية واإلرادة الصلبة..
يميز بين الحق والباطل ..والهدى والضالل..والبصيرة النافذة والعقل الراجح الذي ّ
ّ
وقبل ذلك كله فإنها الهداية الربانية التي ّدبت في ضمائرهم فاستجابوا لنداء الفطرة..
أناس عاشوا الكفر بكل ما فيه ..مارسوا الشرك باهلل ..لم ّ
يميزوا بين الخالق واملخلوق..
ثم أراد هللا لهم الهداية فغمرهم بنوره فأبصروا..
حينما المس قلوبهم وهج ذلك النور كاد يحرقها..
فاندفعوا نحوه بلهفة تاركين خلفهم الهوى والشهوات..
املقـ ِدمة
ّ
حكاياتهم مختلفة في جوهرها ،ولكنها متشابهة في ظاهرها ..رحلة طويلة وشاقة في طريق
ّ
فيحرروا عقولهـم مـن الضاللة والضياع ،تنعطف بهم إلى الشك وفقدان الثقة بمعتقداتهم،
قيـود اآلبـاء ،ويتأكدوا أنهم كانوا على باطل ،فيتفكروا في أنفسهم ،وفي الغاية من خلقهم ،وفي
مصيرهم بعد املوت ..ثم تأتي اللحظة الحاسمة التي يتجاوزون فيها ذلك املنعطف الخطير بقوة
فياضة ،ويستجيبون لنداء الفطرة الذي يهتف في أعماقهم فينطقون بالشهادة معلنين بها روحية ّ
ً ً
دخولهم في دين اإلسالم ..يخلعون على شاطئه رداء الضالل والضياع ،ويتحولون تحول كامل
في تصوراتهم وتصرفاتهم وقيمهم وأفكارهم ..يشعرون بفرحة غامرة ،ونشوة روحية عارمة في
أعماق نفوسهم ..ويتحول مجتمع الكفر والضالل إلى التشهير بهم والتضييق عليهم ومحاصرتهم.. 14
وتبدأ فترة قاسية من املحن واالبتالءات في حياتهم ،ولكنهم ال يستسلمون وال يساومون مهما
كان الثمن ..يثبتون على املبدأ وال يحيدون عنه ،ويتشبثون بالحق بعدما عرفوه وأقبلوا عليه
بعقولهم وقلوبهم ،تاركين خلفهم ما كانوا فيه من وحل املادة وظالم الشرك.
توصلوا بأنفسهم إلى حقيقة أن الدين عند هللا هو اإلسالم ..نظروا إليه ّ
بتجرد وحياد وإنصاف
فعرفوه على حقيقته وآمنوا بأنه الدين الكامل ،والشرع الوافي ،واملنهج املساير لكل العصور
ُ
شبع لحاجات البشرية كلها ،والراعي لحاجة الفرد واملجتمع ..فاإلسالم بالنسبة واألزمان ،وامل ِ
إليهم هو سماحة التعامل ورقي السلوك وجمال القيم ،وهو دين الوسطية التي ال حرج فيها وال
َّ
غلو وال تضييق ،وهو الدين الذي اختصه الله بأقوم املناهج وأكمل الشرائع وأوضح السبل.
ّ اإلسالم بالنسبة إليهم يعطي وال يأخذ ،يمنح وال يمنعّ ،
يعز الفرد وال يذله ،يقنع العقل وال
ً الله ،يتعب ًَّ حجرا أو ًبشرا أو ًيصادمه ..فمن يعبد ً
كثيرا وال يرتاح قليل، شجرا أو يتعلق قلبه بغير
ً صغيرا كان أو ً
ً
كبيرا فإنه يدفع الثمن باهظا إن هو هذا بالنسبة إلى الفرد ،أما بالنسبة إلى املجتمع
ابتعد وترك وأعرض عن منهج ربه ودينه الحق.
َّ
اإلسالم بالنسبة إليهم هو االستسالم لله تعالى وإفراده بالعبادة ،وهو الدين الوحيد املعتبر
واملقبول عند هللا ،وهو آخر األديان السماوية ،والناسخ لجميع الشرائع التي قبله ،وهو دين
يدعو لعبادة هللا وتوحيده ،وتعاليمه متصلة السند بالرسول املبلغ ..واإلسالم يحوي ما يليق
باهلل من صفات ،وال يوجد فيه صفات تنتقص من كمال هللا وعظمته ،ويحوي ما يليق باألنبياء
والرسل ،وال يحوي ما ينتقص منهم ،ويحوي الجواب على ما أراده الخالق من اإلنسان ،ومن
أين أتى وإلى أين املصير ،ويدعو ملحاسن األخالق وجميع الفضائل ،وينهى عن املنكرات وجميع
الرذائل ،وفي اتباعه صالح البشرية ،ويوافق العلم الحديث وال يتعارض معه في �شيء.
ً يقدم للبشر ًاإلسالم بالنسبة إليهم هو دين الكمال والشمول ،الذي ّ
منهجا متكامل في جميع
أمور الحياة ،وما يحتاجون إليه في دنياهم وفي عباداتهم ومعامالتهم وفي شتى املجاالت ومختلف
نواحي الحياة ،فهو منهج للحياة البشرية بكل ّ
مقوماتها ،وفيه صالح األفراد والجماعات واألمم
والشعوب ،وهو دين متوازن يربط اإلنسان بخالقه برباط وثيق ،وقبل ذلك فهو دين الفطرة
السليمة ،وقد اشتمل على املبادئ الراقية واألخالق والنظم العادلة واألسس الكاملة ،وجاءت
شرائعه وعباداته ومبادئه متوافقة مع العقل وشاملة وكاملة ووافية لكل متطلبات الحياةّ ،
ولكل
الشعوب واألجناس ،وصالحة لكل زمان ومكان ،وهي ال تختص بزمان دون زمان ،وال ببلد دون
ّ توجهت دعوة اإلسالم ،منذ فجرها ّ غيره ،وال بخلق دون سواهم ،وقد ّ
األول ،للناس كافة على
15
اختالف ثقافاتهم وألوانهم وأجناسهم ولغاتهم.
اإلسالم بالنسبة إليهم هو ّ
أصح العقائد وأصلحها للقلوب واألرواح ،وهو الذي يهدي إلى أحسن
ُ
األخالق ،وما من خلق فاضل إال أمر به ،وال خلق سيئ إال نهى عنه ،لهذا كانت القاعدة الكبرى
لهذا ّ
الدين العظيم رعاية املصالح كلها ودفع املفاسد ،فهو يساير الحياة وركب الحضارة ،فيأمر
بطلب األرزاق من جميع طرقها النافعة املباحة من تجارة وصناعة وزراعة وأعمال متنوعة ،ولم
يحرم إال األسباب الضارة التي تؤدي إلى ظلم وجور وبغي وعدوان ،وذلك من محاسنه.ّ
ّ
اإلسالم بالنسبة إليهم هو الداعي لنفسه بنفسه ،حيث شكلت بساطة تعاليمه ووضوحها األثر
املقـ ِدمة
األكبر في جذب القلوب نحوه ،وتضمنت عقيدته وشريعته من الفضائل ما يجعل الناس يحرصون
ّ
أشد الحرص على أن يدخلوا فيها ،ثم إن اإلسالم يعطي الداخل فيه كل �شيء وال ينتقصه ً
شيئا،
فإن اإلنسان يكسب الصلة املباشرة باهلل سبحانه وتعالى من دون أي وسيط ،ويدعوه ويتوسل
إليه دون حجاب ،ويعبده ويتقرب إليه من دون أسرار أو خرافات ال يقبلها العقل ،ويكسب األمل
في حياة أسعد وأرغد في هذه الدنيا ،ثم حياة الخلود في دار البقاء ..ولذلك يدخل الناس في دين
أفواجا من مختلف الديانات ،برغم ما يعانيه أهل اإلسالم في هذا العصر من ضعف ً اإلسالم
ووهن ،وما تهيأ ألعدائهم من أسباب القوة.
ً
انتشارا في العالم ،وإن سر انتشاره بارز في فطرته، اإلسالم بالنسبة إليهم هو أسرع الديانات
وهو الدين الذي يوافق سنن هللا تعالى في الخلقة اإلنسانية؛ ألنه يعطي القوى الجسدية حقوقها،
ويمنح القوى الروحانية حظوظها ،ويسير مع هذه القوى على طريق االعتدال حتى تبلغ كمالها.
وهو الدين الذي يدعو إلى توحيد املعبود وإفراده باأللوهية ،وهو ٌ
أمر مركوز في الفطرة البشرية
السوية قبل تلويثها بالشرك واإللحاد والغلو .إنه دين الوسطية واالعتدال ،وهو وسط في أموره
ً
كلها عقيدة وشريعة وأخالقا ،وهو وسط بين غلو الديانات األخرى وتفريطها ،وهو وسط يجمع
بين مطالب الروح والجسد ،وحاجات الفرد واملجتمع ،فال ُي َغ ِّلب ً
جانبا على آخر إال بما يتناسب
مع صالح الروح وسالمة الجسد ،وفالح الفرد وإصالح املجتمع.
فدعوا إلى توحيد هللااإلسالم بالنسبة إليهم هو الدين الذي أجمع عليه رسل هللا جميعهمَ ،
وإلى االستسالم له بالتوحيد وإفراده بالعبادة وحده دونما سواه .وإن من بين كل الشرائع التي
ّ ّ َّ َ
شريعة ُم َّ ّ
حمد -صلى الله عليه وسلم -هي وحدها شريعة اإلسالم يتعبد بها البشر في عاملنا اليوم،
الذي ارتضاه الخالق سبحانه وتعالى لعباده .وبعد هذا الدين الخاتم لم يعد هناك دين آخر يرضاه
ّ ّ َّ وجل ويقبله من أحد ،وما كان ُيقبل من النصارى قبل بعثة ُم َّ عز ّ هللا ّ
حمد -صلى الله عليه وسلم-
ً ً
لم يعد اآلن مقبول ،وما كان يقبل من اليهود قبل بعثة عي�سى -عليه السالم -لم يعد مقبول منهم
ّ ّ َّ بعد بعثته .ووجود يهود ونصارى بعد بعثة ُم َّ 16
حمد -صلى الله عليه وسلم -ليس معناه أن هللا يقبل
منهم ما هم عليه ،أو أنهم على دين الحق .لقد كان ذلك قبل بعثة خاتم الرسل ،أما بعد بعثته -حتى
ّ
وسلم ،-وال يقبل هللا ّ ّ َّ قيام الساعة -فال دين إال اإلسالم الذي جاء به ُم َّ
عز حمد -صلى الله عليه
دينا غيره ،وكل من دان بغير اإلسالم فدينه باطل مردود عليه ..وهذا ما ينص عليه القرآن وجل ً
ّ
ّ ً ً الكريم ًّ
واضحا ،والخطاب فيه للناس كافة: صريحا نصا
َو َم ْن َي ْب َتغ َغ ْي َر ْال ْس َلم د ًينا َف َل ْن ُي ْق َب َل م ْن ُه َو ُه َو في ْالخ َرة م َن ْال َخاسر َ
ين ( )85آل عمران ِ ِ ِ ِ ِ ِ ِ ِ ِ ِ ِ
القرآن الكريم بالنسبة إليهم هو مفتاح العقول والقلوب ،وهو أسرع الطرق للوصول بهم
تربع على عروش قلوبهم وأخذ بمجامع أرواحهم ونفوسهم املتعطشة إلىإلى الحق ..وهو الذي َّ
ّ
ليحلق بهم ً
عاليا حيث البهاء الحق ،وأشرق تأثيره في نفوسهم ،واستحوذت معانيه على أفكارهمِ ،
والنقاء والصفاء ..لقد أذهلهم من القرآن سطوته العجيبة التي تخضع لها النفوس عند سماعه..
ً
ظاهرة غريبة تحتار فيها عقولهم عندما يجدون للقرآن الكريم في نفوسهم سطوة وجالل ،وفي
ّ
التحمل فتقشعر أبدانهم وتفيض أعينهم برغم أنهم قد قلوبهم رهبة وهيبة ،تفوق قدرتهم على
ال يفهمون لغته ومعناه!
القرآن الكريم بالنسبة إليهم هو الكتاب الذي ختم هللا به كتبه إلى البشرية ،وهو الوحي
السماوي الوحيد املحفوظ بين أيدي الناس اليوم ،وبنفس اللغة التي نزل بها ..وهو قرآن واحد
املتعددة ..وهو قرآن يحتوي على النص نفسه ّ فقط ال يختلف باختالف الطوائف اإلسالمية
َّ ُ ُ
املنسوخ من املخطوطة األصلية التي كتبت بين يدي خاتم األنبياء واملرسلين محمد -صلى هللا عليه
ّ
الح َّفاظ عبر األجيال من خالل أسانيد صحيحة متواترة ،وهو الكتاب الوحيد وسلم ،-ويتوارثه ُ
عز ّ
وجل تكفل هللا سبحانه وتعالى بحفظه ..وهو خاتم الكتب السماوية ،ولذلك جعله هللا ّ الذي ّ
أعظم كتبه إلى البشرية ،وأشملها وأحكمها ،حيث جمع فيه محاسن ما قبله من كتب ،وزاده من
ً
ومهيمنا عليها كلها ،فما وافقه من كتب ً
وحاكما ً
وأمينا ً
شاهدا الكماالت ما ليس في غيره ،وجعله
األولين فهو حق ،وما خالفه منها فهو باطل وضالل.
ً ً
قاطعا ألولي األلباب ،وأصحاب النفوس الزكية ،والعقولوبرهانا ً إن شهاداتهم تعد دليل ّبي ًنا،
السوية ،على أن اإلسالم هو دين هللا الحق الذي ارتضاه سبحانه وتعالى للعاملين ،وأن كل ما سواه
من أديان وعقائد ليست بحق ،ألنها إما معتقدات بشرية ،وإما رساالت سماوية أدت دورها في
زمن من األزمان وانتهى دورها ولم تسلم من يد البشر التي تناولتها بالتحريف والتغيير والتبديل
فأخرجتها عن إطارها الرباني.
17
نماذج رائعة من قصص هؤالء املهتدين إلى دين الحق ،اخترتها لكم من بين مئات القصص
في مختلف األزمنة والعصور ،ومن مختلف الدول والثقافات ،ومن مختلف املستويات األدبية
ًّ
حقيقيا ال أخترعه واقعا ّ
وأصور لكم من خاللها ً والتعليمية ،أقدمها لكم بين دفتي هذا الكتاب،
ّ
من العدم أو أألفه من الخيال األدبي ،وإنما حقائق وشهادات موثقة نطقت بها ألسنتهم أو سالت
بها أقالمهم.
لقد كانوا صادقين مع أنفسهم ،فنبذوا ما كانوا عليه من كفر وشرك وضالل ،وأعلنوا بكل
شجاعة أنهم كانوا على باطل ،وأن الدين الحق هو اإلسالم ،الذي يوافق فطرتهم السليمة ،وال
ّ
املقـ ِدمة
يتعارض مع مسلمات عقولهم ،فهدأت قلوبهم بما رأت من الحق واطمأنت ،واقتنعت ضمائرهم
ّ
ّ
واستقرت ،فأقبلوا إلى هللا خالقهم مخلصين له الدين ،واثقين بأنفسهم، ّ
بصحة االعتقاد
مستمسكين بالعروة الوثقى ،فنالوا بذلك خير الدنيا ونعيم اآلخرة.
قصص واقعية أبطالها شخصيات استثنائية ،رجال ونساء ،شيوخ وشباب ،عاشوا ً
زمنا
ّ
فتشربوا منهم املفاهيم األساسية عن الحياة، يحسنون الظن بأسالفهم ،يصدقونهم ويقلدونهم،
ّ وتكيف تفكيرهم على أساسها ،وأصبحت ً
ميزانا يقيسون عليه أمور دينهم ودنياهم ،حتى تكونت ّ
على أعينهم وقلوبهم وآذانهم غشاوة ،فباتوا ال يستجيبون لدعوة الحق ال لسبب مقبول ،بل
وتطبعوا به ّ
وتربوا عليه ،ثم أراد هللا لهم الهداية ،فأنار بصائرهم ملجرد أنها مخالفة ملا ألفوه ّ
ً
وشرح صدورهم لدينه الحق ..فقد كانوا أصدق الناس ّنية ،وأذكاهم عقل ً
وفهما ،ولم يسلموا إال
ً بعد بحث وتدقيق وتمحيص وتفكير استهلك منهم ً
وقتا طويل وصل في بعض الحاالت إلى عشرات
ً
وأفكارا في غاية الدقة ،ولهذا ً
ضروبا عجيبة من التحليل واملوازنة واملقارنة، السنين ،وسجلوا
كانت لديهم القدرة الحاسمة للتفرقة بين حقيقة دين اإلسالم وواقع املسلمين اليوم وما هم عليه
من وهن وتخلف واضطراب وصراع.
وإن األمر ليزداد أهمية عندما يكون معظمهم من القسيسين واملبشرين الذين حملوا لواء
الدعوة إلى النصرانية وشنوا حمالت التضليل والتشكيك في اإلسالم ،فكانوا أشد الناس ً
عداء
لهذا الدين ..ويزداد األمر مصداقية عندما يتأكد أن إسالم هؤالء هو اعتقاد واقتناع ،وإيمان
خالص ،ال مدخل فيه للخداع ،أو اإلكراه ،أو املصالح الشخصية الضيقة ،وأن قبولهم الحق
اعتمد في األساس على استعدادهم ورغبتهم الصادقة في الوصول إليه ،وجاء بعد قراءة متأنية
ودراسات علمية مستفيضة ،ومناقشات موضوعية جادة ..ويزداد األمر حسرة عندما يعترف
هؤالء بجهلهم املطلق باإلسالم قبل دراسته ومعرفته ،وأن كراهيتهم له نابعة من تعاليم الكنيسة
18
التي شحنت نفوسهم باألكاذيب ضد هذا الدين العظيم ..ويزداد األمر عظمة عندما يتحول هؤالء
إلى دعاة لنصرة دين الحق ،فهم أعلم بالداء وأدرى بالدواء ،فيبطلون الديانة النصرانية من
أناجيلها ،ويثبتون للناس انحرافها وتحريفها.
وعبرا ..في البداية كانوا أشد ً
عداء لدين اإلسالم ..يحاربونه إن في قصص هؤالء املهتدين ً
دروسا ً
ً
بكل السبل والوسائل ما استطاعوا لذلك سبيل ،ولكن بعد القراءة املتأنية ،والدراسة العلمية
الجادة ،واملناقشة املوضوعية لألديان والكتب املقدسة ،توصلوا إلى حقيقة أن الدين عند هللا
هو اإلسالم ،الدين الحق الذي يروي ظمأ األسئلة الخالدة في تاريخ اإلنسان :من أين أتيت؟ وملاذا
أعيش؟ وإلى أين أذهب بعد املوت؟ هذه األسئلة الكبرى في الحياة التي تسكن في أعماقنا ،وال مفر
لنا من مواجهتها.
سوف أفسح لهم املجال ليكشفوا لكم بأنفسهم عن العوامل الحقيقية التي دفعتهم العتناق
اإلسالم ،وكيف سكب في قلوبهم الحائرة السكينة والطمأنينة ،وغمر أرواحهم املتعطشة بالرضا
والسالم الداخلي ..وكيف وجدوا فيه شاطئ النجاة بعد طول شرود في بحار املذاهب املتالطمة
وركام العقائد املتناقضة ..وكيف وجدوا فيه األجوبة الشافية واملقنعة عن تساؤالت مصيرية
كبرى طاملا أرهقت عقولهم ..وكيف وجدوا فيه صفاء العقيدة ونقاءها ،وبساطتها ووضوحها،
وخلوها من الشوائب والعوالق التي أصابت غيرها ،وسهولة فهمها واستيعابها.
سوف أفسح لهم املجال ليرووا لكم تاريخهم وسيرتهم ومسيرتهم وقصص هدايتهم ،ولكن قبل
كثيرا من أبطال هذه القصصذلك أود أن ألفت نظر القارئ غير املسلم إلى أنه سوف يجد أن ً
يغيرون أسماءهم بعد دخولهم إلى اإلسالم ،ربما لرغبتهم في التخلص من ماضيهم املؤلم بكل ما
ً
فيه ،إال أن تغيير االسم ليس شرطا من شروط صحة إسالم املرء ،وللمسلم الجديد الحق في
ً
شرعا.. االحتفاظ باسمه السابق وال حرج عليه في ذلك إال إذا كان ً
اسما ال تجوز التسمية به
كثيرا من املهتدين إلى دين اإلسالم يحرصون على إشهار إسالمهم في وسوف يجد ً
أيضا أن ً
ً املؤسسات الرسمية ،وهذا ً
أيضا ليس شرطا من شروط صحة اإلسالم ،فاإلنسان يمكنه أن
يسلم بينه وبين نفسه ويمارس شعائر دينه الجديد في الخفاء حتى تتاح له الظروف املناسبة
إلعالن إسالمه.
نتأمل من خاللها سلسلة مباركة من القصص أدعوكم اآلن إلى سياحة إيمانية خاشعة ّ
الواقعية الرائعة ..إنها سلسلة مستمرة ليس لها نهاية ،وهي غيض من فيض في قافلة املهتدين إلى
يعم اإلسالم املعمورة كلها، دين الحق ،وستظل تنمو ويزداد أتباعها بعز عزيز أو بذل ذليل حتى ّ
ً
وذلك مصداقا لوعده الحق سبحانه وتعالى:
19
َ ُ ُ َ َ ْ ُ ْ ُ ُ َ َّ َ ْ َ ْ َ َ ْ َ َّ ُ َّ َ ْ ُ َّ ُ َ َ َ ْ َ
ور ُه َول ْو ك ِر َه الكا ِف ُرون (ُ )32ه َو ي ِريدون أن يط ِفئوا نور الل ِه ِبأفو ِاه ِهم ويأبى الله ِإل أن ي ِتم ن
ْ َ ّ ُ ْ َ ُ ََ ّ ُ ّ َ َ ْ َ َ ُْ ْ ُ َ َّ َ ْ َ َ ُ َ ُ ْ َ َ
الد ِين ك ِل ِه ولو ك ِره الش ِركون ( )33التوبة ال ِذي أرس َل رسوله ِبال ُهدى و ِد ِين الح ِق ِليظ ِهره على ِ
21
إليكم قصة من أعجب قصص محبة هللا وتدبيره لهداية من يحب..
بطلة قصتنا صحفية بريطانية المعة عملت في أكثر صحف العالم شهرة ،حاولت في استماتة
العثور على تأشيرة تدخل عبرها أفغانستان لتجمع معلومات عن الجماعات اإلسالمية ..عندما
لم توفق في الحصول على تأشيرة دخول برغم محاوالتها املضنية ،تنكرت في شخصية امرأة
بالستيكيا ً
قاسيا ًّ أفغانية خرساء فارتدت الشادوف األفغاني النسائي املشهور ،كما انتعلت ً
حذاء
أدمى قدميها ثم ركبت الحمار وهي البريطانية املنعمة التي لم يسبق لها أن رأت ً
حمارا في حياتها..
اخترقت الحدود في جنح ليل حالك ونجحت في مهمتها ،لكن اكتشف أمرها في رحلة عودتها إلى
باكستان حينما سقطت فجأة من على ظهر الحمار ،فأنستها الحادثة نفسها فصرخت باللغة
اإلنجليزية ،وسقطت الكاميرا التي كانت تخفيها داخل ثيابها على األرض أمام أعين جنود طالبان
تأشيرة الدخول
فوقعت في قبضتهم باعتبارها جاسوسة ،خاصة وقد اكتملت ترتيبات الهجوم األمريكي البريطاني
على أفغانستان ..كان أمامها خياران فقط :اإلعدام أو السجن في أحسن الظروف ..ولكن هللا ّ
عز
ً ً ً وجل بلطفه ّ
ّ
مطروحا وال حتى في عالم الخيال ،اختارته بنفسها عن خيارا ثالثا لم يكن قدر لها
قناعة تامة!! إنها الصحفية البريطانية إيفون ريدلي بطلة هذه القصة.
ولدت (إيفون ريدلي) في 23إبريل 1958وإلى جانب تميزها األكاديمي في مختلف مراحلها
الدراسية تميزت ريدلي بخاصيتين اثنتين :أسلوبها القوي في الكتابة وجراءتها التي تدفعها إلى
التضحية حتى بروحها مقابل تجويدها لعملها وتحقيقها للسبق الصحفي ..عملت إيفون في أكبر
الصحف البريطانية (اإلندبندنت) و(األوبزرفر) و(صنداي تايمز) و(ديلي إكسبريس) ..أرسلتها
هذه األخيرة -التي كانت تعمل بها رئيسة لقسم األخبار الخارجية -إلى أفغانستان بغرض رصد
الحركات اإلسالمية املوجودة هناك بصفة عامة ،وجماعة طالبان الحاكمة على وجه أخص.
بعد ثالث محاوالت فاشلة للحصول على تأشيرة دخول من السفارة األفغانية في باكستان،
تسللت ريدلي في جنح الليل مخترقة الحدود الباكستانية-األفغانية وهي تركب على ظهر حمار
هزيل تارة ،أو داخل سيارة متهالكة أعطالها أكثر من حركتها تارة أخرى ..من يراها ترتدي
حذاء من البالستيك القا�سي الذي يدمي ً الشادوف األفغاني النسائي املشهور ،وتنتعل
ّ
القدمين ال يمكنه أن يتخيل لحظة أنه أمام صحفية بريطانية شغلت القراء في العالم بكتاباتها
الجريئة القوية.
بعد مغامرة باهرة نجحت ريدلي في عبور الحدود ،بل وصلت إلى كابول عاصمة
أفغانستان وأنهت مهمتها بنجاح ،ثم بدأت تجهيزاتها للعودة إلى باكستان لتغادر منها إلى
مسقط رأسها بريطانيا ..لسوء حظ ريدلي اتخذت الواليات املتحدة األمريكية في ذلك الوقت
ً الحرجً ،
قرارا ظال ـا بشن حرب شعواء على أفغانستان بعد أن رفضت طالبان تسليم زعيم تنظيم
«القاعدة» ،أسامة بن الدن ..دفع القرار األمريكي حكومة طالبان إلى تشديد إجراءاتها األمنية 22
والتي من بينها إغالق الحدود األفغانية الباكستانية.
في الثامن والعشرين من سبتمبر من عام 2001قررت إيفون الهروب إلى باكستان عبر طرق
جانبية وعرة غير مطروقة ..انتحلت ريدلي شخصية امرأة أفغانية خرساء اسمها «شميم» تود
السفر مع زوجها إلى قرية في ضواحي «جالل آباد» لكي تزور أمه املريضة ..لكن!! على مقربة من
الحدود الباكستانية وقع ما لم يكن في الحسبان!! سقطت ريدلي فجأة من على ظهر الحمار،
تقمصها لشخصية املرأة األفغانية الخرساء حيث صرخت باللغة فأنستها الحادثة الطارئة ّ
اإلنجليزية دون وعي منها!! ليس هذا فحسب ،بل سقطت الكاميرا التي كانت تخفيها داخل ثيابها
على األرض أمام جنود طالبان الذين سمعوها تصرخ باإلنجليزية فنظروا في اتجاهها وقد عقدت
الدهشة ألسنتهم ثم تجمدت ذات األلسنة ملرأى الكاميرا!! تحول األمر إلى كابوس مرعب!
تقول إيفون ريدلي إنها لن تن�سى النظرة التي رأت ضراوتها في وجه ذلك الرجل من طالبان
ثوان من
الذي فغر فاه في ذهول وهو ينظر إلى الكاميرا وقد احتوته الدهشة حتى النخاعٍ ..
بطء قاتل وكأنها سنوات ال تح�صى وال تعد ..فجأة قطع
الصمت الرهيب مرت على ريدلي في ٍ
وتر الصمت انفجار للرجل وهو يصرخ في غضب ثم يسحبها في قسوة ويحطم الكاميرا تحت
مرأى حشد من الجنود الغاضبين الذين أخذوا يصرخون في وقت واحد« :جاسوسة أمريكية!..
جاسوسة أمريكية»!.
اقتيدت ريدلي إلى السجن وتم التحقيق معها خالل فترة االحتجاز على أنها جاسوسة أمريكية،
وهي تهمة عقوبتها اإلعدام إن ثبتت ،وإن لم تثبت فكان السجن في انتظارها لدخولها أفغانستان
بطريقة غير مشروعة ..في البدء مرت بذهنها الروايات التي كانت تسوقها وسائل اإلعالم الغربية
عن فظائع حكومة طالبان املتعطشة للدماء ،والتي تفوق أكبر األنظمة وحشية وهمجية في تاريخ
البشر ،عندها أيقنت َّأنها ستتعرض الغتصاب جماعي من جنود طالبان يليه تعذيب فظيع ثم
نهش وح�شي للحمها ،أو في أحسن األحوال رجمها بالحجارة بعد أن يذيقوها أشد صنوف العذاب..
كريما لها كإنسان ،فقد قدموا لها كل ما ً
واحتراما ً لكنها تفاجأت حينما رأت منهم معاملة إنسانية
يحتاجه املعتقل من طعام وكساء وغيره من الخدمات.
اندهشت ريدلي حينما لم تتعرض للتعذيب من قبل طالبان كما توقعت ،بل حتى لم يقم أي
ً
سالحا ،بعد ذلك تم نقلها رجل بتفتيشها إذ أرسلوا لها امرأة أفغانية لتتأكد ما إذا كانت تحمل
إلى مكان مجهول ..في البدء كانت متوجسة خائفة من املكان الذي كانت في طريقها إليه إال أنها
مكيفا به دورة مياه نظيفة ..اندهشت ريدلي مرة أخرى حينما وجدت مكانا ًتفاجأت حينما وجدته ً
معاملة طيبة من قبل الحارس واملترجم واملحقق فقد كانوا في غاية الرقي والرأفة ..ومن األمور
ً
تفسيرا آنذاك مالحظتها أن املحققين األفغان كانوا يتحاشون النظر التي تعجبت منها ولم تجد لها
23
إلى وجهها ،وكانوا ينظرون إلى األرض أو السقف عندما كانوا يوجهون لها األسئلة عبر مترجم لم
يكمل العشرين من عمره ..وفيما بعد عرفت سر ذلك التصرف إذ علمت أن اإلسالم يحرم على
الرجل النظر إلى املرأة األجنبية.
قضت ريدلي 10أيام بين أناس وصفتهم وسائل اإلعالم الغربية بالوحشية والقسوة والظلم،
تماما ،بل إن حبهم وإخالصهم لبعضهم ً
بعضا أثر فيها ً
كثيرا ولكنها وجدتهم على العكس من ذلك ً
وهنا قالت ريدلي« :لقد كانوا في غاية االحترام واإلنسانية ،ولو قارنت أسري بما يحدث في سجون
أبو غريب في العراق أو معسكر غوانتنامو في كوبا ،لتيقنت أن أيامي في األسر بين يدي طالبان
تأشيرة الدخول
كانت نزهة ..وباعتباري من الناشطين في مجال العمل ضد الحروب ،أود أن أعترف على املأل بأنني
لم أتعرض خالل فترة اعتقالي ألي نوع من اإلهانة أو االضطهاد والتعذيب ،كما أنني لم أتعرض
ألي شكل من أشكال االعتداء الجن�سي كاالغتصاب أو غيره .وأعترف للعالم أجمع بأنني أشكر هللا
بأن عملية أسري كانت على يد طالبان ولم تكن على يد أمريكا!».
ً رفضا لتصرفاتهم كانوا يزدادون ً
وذكرت ريدلي أنها كلما ازدادت ً
لطفا معها ..بل لم َتر رجل
ُ
ونريد أن تكوني سعيدة». «أنت أختنا وضيفتنا، ً
واحدا منهم نظر إليها ..وكانوا يقولون لهاِ :
في اليوم السادس من اعتقالها في مدينة جالل آباد ،وبعد أن تأكدت طالبان من أن أسيرتهم
صحفية بريطانية وليست جاسوسة وعدوها بإطالق سراحها ..سألها أحد شيوخ طالبان إن
كان لديها رغبة باعتناق اإلسالم ،فأجابته بأنها ال تستطيع أن تتخذ ً
قرارا بأمر يرتبط بتغيير
أسا�سي في حياتها وهي من وراء قضبان السجن ،وعرضت عليه صفقة بديلة مفادها أنها ستقوم
بقراءة القرآن ودراسة اإلسالم إذا ما تم إطالق سراحها ..قالت ذلك ولم تكن تأمل ألبتة في نجاح
صفقتها ..وهي تتحدث عن ذلك الرجل قائلة« :إن النور الذي كان يشع من وجه ذلك الرجل كان
الشرارة األولى التي جعلتني اهتم باإلسالم ،الذي حدثني عنه ببساطة».
ً ُ
أخيرا أطلق سراح ريدلي بعد مرور عشرة أيام على اعتقالها وتم ذلك بتدخل مباشر من املال
عمر القائد األعلى والزعيم الروحي لطالبان ..وما أذهلها أن إطالق صراحها أتى في صبيحة اليوم
الذي أعقب بدء انطالق الهجوم األمريكي البريطاني على أفغانستان بالصواريخ والقنابل ،ذلك
الهجوم الوح�شي الظالم الذي مات ّ
جراءه الكثير من األبرياء.
عقب عودتها إلى العاصمة البريطانية لندن ساملة من دون أذى أيقنت ً
تماما بأن طالبان كانت
على كلمتها ووعدها بإطالق سراحها بالرغم من كل املتغيرات التي حدثت في الساحة الدولية،
خاصة عندما بدأت الحرب ضد طالبان ،فشعرت بأنه يجب عليها أن تكون عند عهدها معهم
فبدأت بقراءة القرآن الكريم من النسخة املترجمة التي أهداها لها ذلك الشيخ األفغاني الذي 24
وصفت وجهه بالوضاءة ..ظلت ريدلي تقرأ القرآن الكريم واألحاديث النبوية والكتب اإلسالمية
شهرا متواصلة فشعرت خاللها بأنها تعيش رحلة نورانية ترتقي بها إلى قمم سامية منملدة ثالثين ً
الصفاء الروحي والتصالح مع الذات.
وخالل قراءتها املتواصلة كانت ريدلي تركز على آيات القرآن الكريم التي تتناول أوضاع املرأة
في اإلسالم وذلك لتعرف حقيقة املزاعم التي تقول إن اإلسالم ينتهك حقوق املرأة ويقودها إلى
الوراء ..لكنها انبهرت بشدة حينما وجدت أن كتاب هللا سبحانه وتعالى يحتوي مضامين واضحة
تماما مع ما سمعته عن وضع املرأة في اإلسالم ،إذ وجدت أن القرآن حفظ للمرأة نفس تتعارض ً
الحقوق التي كفلها للرجل مثل حقها في التعليم وحقها كمرأة متزوجة ،ونصيبها في امليراث وإلى
غير ذلك من الحقوق األخرى ..كما عرفت من السيرة النبوية أن أول من اعتنق اإلسالم امرأة
ّ
وهي السيدة خديجة زوجة الرسول -صلى هللا عليه وسلم ،-كما عرفت أن امرأة هي أول من نال
ً
الشهادة في اإلسالم أال وهي سمية (أم عمار) ،فضل عن ذلك عرفت أن هللا سبحانه وتعالى جعل
ّ
الجنة تحت أقدام األمهات ،كما اطلعت على حديث الرسول -صلى هللا عليه وسلم -عندما جاءه
رجل يسأل :من أحق الناس بحسن صحبته ،فذكر األم ثالث مرات ثم جاء األب ً
أخيرا ..بل عندما
التقت بعدد من النساء املسلمات انبهرت بمستواهن التعليمي والثقافي.
جي ًدا ولم يمض وقت طويل على ريدلي حتى اعتنقت اإلسالم عن قناعة ّ
تامة ..وهي تتذكر ّ
ِ
الساعة التي نطقت فيها بالشهادتين وهي الواحدة والنصف من صباح الثالثين من يونيو عام
2003أمام الشيخ أبوبكر صاحب املكتبة في برمنجهام.
ذهبت ريدلي عقب إسالمها إلى األرا�ضي املقدسة ألداء فريضة الحج وهي ترتدي نفس املالبس
رمزا ً
خاصا التي كانت ترتديها عندما كانت باملعتقل في كابول فهي كما تقول إن تلك املالبس تمثل ً
تدرك أبعاده ً
جيدا ..تقول ريدلي إن رحلتها ألداء فريضة الحج تعتبر أكثر تجربة عاطفية مؤثرة
عاشتها في حياتها وهي تصف مشهد املسلمين وهم يتدافعون نحو الكعبة قائلة:
«كنت في طريقي إلى الكعبة ،وقتها لم أتمكن من دخول الحرم لشدة الزحام من الكتل البشرية
التي كانت تزحف وتتدافع من أجل الدخول ،كانت حالة من االضطراب البشري ،وفجأة انطلق
ثوان معدودة اصطفت هذه الكتل البشرية املتزاحمة في ً
صوت األذان مناديا للصالة .وخالل ٍ
صفوف معتدلة ً
واحدا وراء اآلخر في سكون تام ..ال أعتقد أن أكبر جيش في العالم يمكنه أن يفعل
ذلك باالنتظام الذي رأيته ،وبدأت أصرخ داخل نف�سي ال يوجد جيش أكثر طاعة وأقوى ً
نظاما من
جيوش هللا سبحانه وتعالى .ولكن لألسف لقد فشلنا في أن نعكس صورة هذا االتحاد خارج أماكن
عباداتنا وعجزنا عن إظهار نفس القوة ألننا لو كنا متحدين بنفس القوة في العالم ما استطاع أحد
ً
وتقديرا ..يا لألسف نفتقد هذه القوة ً
احتراما أن يتجرأ على غزو بالدنا ،وألصبحت شعوبنا أكثر
25
خارج مساجدنا وأماكن عباداتنا».
ً
صحفيا مع املغني كات ومن املواقف املدهشة التي تذكرها ريدلي أنها أول صحفية تجري ً
لقاء
ستيفن الذي أشاح بوجهه عن عالم الشهرة واملال واعتنق اإلسالم ،وأصبح الداعية املعروف
«يوسف إسالم» ..كانت ريدلي متحمسة للقائه ألنها كانت من املعجبين بغنائه قبل أن يعتزل عالم
جيدا أنها تقدمت إليه لتصافحه فاعتذر لها بحجة أن اإلسالم الغناء! من األشياء التي تذكرها ً
يمنع مصافحة املرأة األجنبية ،وتذكر أن املوقف ذاته حدث لها مع شيخ األزهر عندما زارت
القاهرة عام 2006ولكن بصورة معكوسة ،إذ كانت هي الطرف الذي امتنع عن املصافحة! وهنا
تقول ريدلي« :وصفني شيخ األزهر بأنني متطرفة ألنه عندما مد يده ّ
إلي ملصافحتي ثالث ّ
تأشيرة الدخول
مرات،
ً
مشيرا إلى أن من ً
التزاما بالحكم الشرعي ،فقال ملن حوله إنني متطرفة، رفضت املصافحة،
يعتنقون اإلسالم من الغربيين يسمعون فقط للصوت األصولي»! وهنا تنتقد شيخ األزهر بقولها:
ً
«أنا مسلمة فقط ،ال أتبع شيخا بعينه ،وال طائفة بعينها ،أنا بكل بساطة أتبع الرسول الكريم
وأهل السنة والجماعة ..فهل هذا يكفي التهامي بأني متطرفة؟!».
بعد إعالنها إلسالمها عانت إيفون ريدلي ً
كثيرا من وسائل اإلعالم الغربية ،إذ انقلبت عليها
هجوما ً
عنيفا .ولم تقتصر معاناة ريدلي على الحمالت املسعورة ً ناسية حق الزمالة وشنت عليها
تهديدات بالقتل ،بل َّ
تم االعتداء عليها بالضرب من ِقبل ٍ التي شنتها ضدها وسائل اإلعالم ،إذ تلقت
السلطات البريطانية ال لشخصها ولكن العتناقها اإلسالم ،إذ كانت قبل إسالمها تحظى بمكانة
شديدة التميز لدى الحكومة البريطانية.
ً
صمودا على موقفها الثابت، لم تزد الحمالت الشرسة والتهديدات املسعورة إيفون ريدلي إال
ّ
بل أخذت تتعمق في فهم ودراسة اإلسالم ،وبعد أن تشبعت بالعلوم اإلسالمية سخرت قلمها
لتدافع عن قضايا اإلسالم واملسلمين في كل مكان خاصة قضية الحجاب ..كما قدمت العديد
من املحاضرات في الواليات املتحدة األمريكية وأستراليا وجنوب أفريقيا والشرق األوسط
حول القضايا املتعلقة بالعراق وإسرائيل وأفغانستان والشيشان وكشمير وأوزبكستان واملرأة
في اإلسالم والحرب على اإلرهاب ..وهي تعتبر واحدة من رعاة جماعة الضغط البريطانية التي
تعرف بـ« سجناء األقفاص» ،كما أنها تعمل رئيسة للفرع األوروبي التحاد املرأة املسلمة ،ونائب
رئيس رابطة مسلمي أوروبا ،كما أنها عضو في تحالف «أوقفوا الحرب» ومتحدثة في املسيرات التي
ينظمها ،إضافة إلى أنها عضو بحزب االحترام ،وقد ترشحت عنه في االنتخابات البرملانية ..وقد
صدر لها كتابان هما (بين يدي طالبان) و(تذكرة للجنة).
سبحان هللا!! تقدمت ريدلي بطلب للسفارة األفغانية في إسالم آباد تريد تأشيرة دخول
إلى أفغانستان ففشلت في الحصول عليها برغم محاوالتها الثالث األمر الذي جعلها تتسلل إلى 26
األرا�ضي األفغانية ،متنكرة في زي سيدة أفغانية تستر وجهها بالبرقع! تم القبض عليها من قبل
قوات طالبان لتحصل على تأشيرة دخول إلى اإلسالم وليس أفغانستان ،فتحولت من صحفية
بريطانية تكره اإلسالم إلى داعية وإعالمية مسلمة تعمل ًّ
حاليا محررة صحفية بالقناة الفضائية
اإلسالمية التي تتخذ من لندن ً
مقرا لها وتبث برامجها في مختلف أنحاء أوروبا!
ّ
وهبها هللا موهبة صحفية إعالمية مميزة ..فسخرتها لخدمة اإلسالم..
بموهبتها وخبرتها توفر لغير املسلمين تأشيرات الدخول ..إلى اإلسالم..
من فشلت في الحصول على التأشيرة تساعد غيرها اآلن في الحصول عليها..
فهل تريد أنت ً
أيضا تأشيرة الدخول؟!
ً
إذا ..اسأل هللا الهداية ..فباهلل نهتدي إلى هللا.
انفرد بنفسه يبكي بمرارة ويدعو من اعتقد أنه هللا أن يلهمه الصواب ..نام وقد ضعضعت
ً
رجل لم ّ فؤاده وعقله موجة من الهواجس املزعجة والتساؤالت ّ
يتبين مالمح امللحة ..رأى في املنام
تشع منه ..وبينما هو يغوص وسط بحر متالطم من الدهشة ً
فيوضا من الضياء كانت ّ وجهه ألن
ًّ ً ّ ً
27 والذهول دعاه الرجل باسم «إبراهيم» بدل من اسمه الحقيقي! ثم سلمه مفتاحا بصريا لكي يفتح
ظل يبحث عنها وسط طوفان من الدموع.. به مغاليق قلبه حتى يدرك بنور بصيرته الحقيقة التي ّ
من هو ذلك الرجل الو�ضيء؟ وما هو مفتاحه العجيب؟ وكيف استخدمه بطل هذه القصة ليفتح
به مغاليق الباب الذي خرج عبره من ظلمات الكفر املدلهمة إلى نور اإليمان الشفيف؟
اإلجابة عن كل هذه األسئلة سوف ّ
نتعرف إليها من خالل هذه القصة الحقيقية التي دارت
ّ
القس أحداثها املدهشة في جنوب أفريقيا ألحد أقارب املناضل املعروف نيلسون مانديال ،وهو
السابق سيلي ،الداعية اإلسالمي الحالي إبراهيم ،كما ّ
سماه ذلك الرجل الو�ضيء في املنام.
نصطحبكم اآلن في رحلة استثنائية إلى ذلك البلد الذي يقع في أق�صى الطرف الجنوبي من
لم ُيجب أحد
تاجرا يبيع الهدايا ،وكنت ألبس مالبس القسيسين الطويلة ذات الياقة ففي السوق قابلت ً
البيضاء التي ّ
نتميز بها عن غيرنا ،وبدأت في التفاوض مع التاجر على قيمة الهدايا ،وعرفت أنه
مسلم -ونحن نطلق على دين اإلسالم في جنوب أفريقيا :دين الهنود ،وال نقول دين اإلسالم -وبعد
أن اشتريت ما أريد من هدايا ،بل قل من فخاخ نوقع بها السذج من الناس ،وكذلك أصحاب
الخواء الديني والروحي كما كنا نستغل حاالت الفقر عند كثير من املسلمين ،والجنوب أفريقيين
ّ
وننصرهم ،فإذا بالتاجر املسلم يسألني: لنخدعهم ّ
بالدين املسيحي
فقال لي :إنني أتحداك أن تأتيني بآية واحدة في اإلنجيل تقول على لسان املسيح -عليه السالم-
ًّ
شخصيا إنه قال( :أنا هللا ،أو أنا ابن هللا) فاعبدوني!
فإذا بكلمات الرجل املسلم تسقط على رأ�سي كالصاعقة ،ولم أستطع أن أجيبه وحاولت
ً
شافيا ً
جوابا أن أعود بذاكرتي الجيدة وأغوص بها في كتب األناجيل وكتب النصرانية ألجد
للرجل فلم أجد!! فلم تكن هناك آية واحدة ّ
تتحدث على لسان املسيح وتقول إنه هو هللا أو
الغم وضاق صدري .كيف غابت عني إنه ابن هللا .وأسقط في يدي وأحرجني الرجل ،وأصابني ّ
مثل هذه التساؤالت؟
طويل من دون اتجاه ًّ
معين.. تركت الرجل وهمت على وجهي ،فما علمت بنف�سي إال وأنا أسير
ّ ثم ّ
صممت على البحث عن مثل هذه اآليات مهما كلفني األمر ،ولكنني عجزت وهزمت ،فذهبت
إلى املجلس الكن�سي وطلبت أن أجتمع بأعضائه ،فوافقوا ..وفي االجتماع أخبرتهم بما سمعت فإذا
ً
بالجميع يهاجمونني ويقولون لي :خدعك الهندي ..إنه يريد أن يضلك بدين الهنود .فقلت لهم :إذا
أجيبوني أنتم!! ّ
وردوا على تساؤله! فلم ُيجب أحد!
ّ
ألتحدث ،فلم وجاء يوم األحد الذي ألقي فيه خطبتي ودر�سي في الكنيسة ،ووقفت أمام الناس
وتعجب الناس لوقوفي أمامهم دون أن أتكلم .فانسحبت إلى داخل الكنيسة وطلبت من ّ أستطع
ومحطما نفسياًّ.
ً ً ّ ّ
صديق لي أن يحل محلي ،وأخبرته بأنني منهك ..وفي الحقيقة كنت منهارا،
وصل بي تجوالي إلى مدينة جوهانسبرغ وأتيت إلى مكتب استقبال لجنة مسلمي أفريقيا ،وفي
هذا املكتب سألت موظف االستقبال عن هذه الجماعة ،فظن أنني شحاذّ ،
ومد يده ببعض النقود
ّ
فقلت له :ليس هذا أسألك! أليس لكم مكان للعبادة قريب من هنا؟ فدلني املوظف على مسجد
ّ
فتوجهت نحوه ..فإذا بمفاجأة كبرى كانت في انتظاري!! قريب..
ثيابا بيضاء ويضع على رأسه عمامة! ففرحت ،فهو من لقد كان على باب املسجد رجل يلبس ً
نفس النوعية التي رأيتها في منامي! فتوجهت إليه ً
رأسا وأنا سعيد بما أرى! فإذا بالرجل يبادرني
ً ً
مرحبا يا إبراهيم!!! فتعجبت وصعقت بما سمعت!! فالرجل قائل ،وقبل أن أتكلم بكلمة واحدة:
ً يعرف اسمي قبل أن ّ
أعرفه بنف�سي! فتابع الرجل قائل :لقد رأيتك في منامي بأنك تبحث عنا،
الدين الذي ارتضاه هللا لعباده اإلسالم .فقلت له: وتريد أن تعرف الحقيقة ..والحقيقة هي في ّ
نعم ،أنا أبحث عن الحقيقة ولقد أرشدني الرجل املنير الذي رأيته في منامي ألن أتبع جماعة تلبس
مثل ما تلبس أنت ..فهل يمكنك أن تقول لي ،من ذلك الذي رأيت في منامي؟ فقال الرجل :ذاك نبينا
ّ ُم َّ
حمد نبي اإلسالم الدين الحق ،رسول هللا -صلى هللا عليه وسلم!!-
أحقا كان ذلك رسولكم لم أصدق ما حدث لي ،ولكنني انطلقت نحو الرجل أعانقه ،وأقول لهًّ :
ليدلني على دين الحق؟ قال الرجل :أجل .ثم أخذ الرجل ّ ّ ّ
يرحب بي ،ويهنئني بأن ونبيكم ،أتاني
هداني هللا ملعرفة الحقيقة ..ثم جاء وقت صالة الظهر .فأجلسني الرجل في آخر املسجد ،وذهب
ليصلي مع بقية الناس ،وشاهدت املسلمين -وكان كثير منهم يلبس مثل الرجل -شاهدتهم وهم
الدين الحق ،فقد قرأت في الكتب أن األنبياءيركعون ويسجدون هلل ،فقلت في نف�سي( :وهللا إنه ّ
سج ًدا هلل)!
والرسل كانوا يضعون جباههم على األرض ّ
ّ
وبعد الصالة ارتاحت نف�سي واطمأنت ملا رأيت وسمعت ،وقلت في نف�سي( :وهللا لقد دلني هللا
سبحانه وتعالى على الدين الحق) ..وناداني الرجل املسلم ألعلن إسالمي ،ونطقت بالشهادتين،
فرحا بما َّ
من هللا َّ
علي من هداية. عظيما ً
ً وأخذت أبكي ً
بكاء 30
ً
ثم بقيت معهم أتعلم اإلسالم ،ثم خرجت معهم في رحلة دعوية استمرت طويل ،فقد كانوا
ً ً
وعرضا ،يدعون الناس إلى اإلسالم ،وفرحت بصحبتي لهم ،وتعلمت منهم يجوبون البالد طول
ّ
الصالة والصيام وقيام الليل والدعاء والصدق واألمانة ،وتعلمت منهم بأن املسلمين ّأمة كلفها
هللا مسؤولية تبليغ دينه ،وتعلمت كيف أدعو إلى هللا ،وتعلمت منهم الحكمة في الدعوة إلى هللا،
وتعلمت منهم الصبر والحلم والتضحية والبساطة.
عدة عدت إلى مدينتي ،فإذا بأهلي وأصدقائي يبحثون عني ،وعندما شاهدوني وبعد شهور ّ
علي ذلك ،وطلب مني املجلس الكن�سي أن أعقد معهم ً
لقاء أعود إليهم باللباس اإلسالمي ،أنكروا َّ
ّ ً
عاجل ،وفي ذلك اللقاء أخذوا يؤنبونني لتركي دين آبائي وعشيرتي ،وقالوا لي :لقد خدعك الهنود
وأضلوك!! فقلت لهم :لم يخدعني ولم يضلني أحد ..فقد جاءني رسول هللا ُم َّّ
حمد -صلى هللا بدينهم
َّ ّ ّ
عليه وسلم -في منامي ليدلني على الحقيقة ،وعلى الدين الحق .إنه اإلسالم ،وليس دين الهنود كما
تدعونه ..وإنني أدعوكم إلى الحق وإلى اإلسالم ،فبهتوا!!
ثم جاؤوني من باب آخر ،مستخدمين أساليب اإلغراء باملال والسلطة واملنصب ،فقالوا لي
ً
مقدما ،مع شراء منزل إن الفاتيكان طلبتني ألقيم فيها ستة أشهر ،في انتداب مدفوع القيمة
جديد وسيارة جديدة لي ،ومبلغ من املال لتحسين معيشتي ،وترقيتي ملنصب أعلى في الكنيسة!
فرفضت كل ذلك ،وقلت لهم :أبعد أن هداني هللا تريدون أن تضلوني ..وهللا لن أفعل ذلك،
ولو قطعت ً
إربا!!
ثم قمت بنصحهم ودعوتهم مرة ثانية لإلسالم ،فأسلم اثنان من القساوسة ،والحمد هلل ...فلما
رأوا إصراري ،سحبوا كل رتبي ومناصبي ،ففرحت بذلك ،بل كنت أريد أن أبتدرهم بذلك ،ثم
قمت وأرجعت لهم ما ّ
لدي من أموال وعهدة ،وتركتهم..
ّ
القس النصراني السابق ،الذي أغدق عليه النصارى املال تبدلت حال إبراهيم سيلي، وهكذا ّ
ًّ ً
تنصيريا يضلل الناس عن نور الحق ويدفع بهم إلى ظلمات الكفر ،ففاجأهم بأن ليجعلوا منه بوقا
فتحول جانبا وأقبل على ما عند هللا الذي ال ينفد حتى ّ
ترسخ في قلبه اإليمان ّ ترك عرضهم الزائل ً
همه ّ
األول واألخير الدعوة مدمرة تنشر الفكر السقيم إلى شعلة من النشاط ّ معه من آلة تنصيرية ّ
سببا في إخراج الكثيرين من ظلمات الشرك إلى هللا في مختلف أنحاء جنوب أفريقيا ،ليكون ً
والكفر إلى نور التوحيد واإلسالم..
املشهد الثاني :في شهر نيسان من عام 2013لفت أنظار زوار املسجد النبوي الشريف رجل في
األربعينيات من عمره مالمحه أوروبية يبكي وينتحب ّ
بشدة أمام قبر النبي محمد -صلى هللا عليه
ّ
وسلم ،-فكان ذلك الرجل هو «أرنود فان دورن» نفسه منتج الفيلم امل�سيء!
وتأملوا ..بطل املشهد ّ
األول هو نفسه بطل املشهد الثاني! اآلن أطلقوا لخيالكم العنان ّ
فماذا حدث لهذا الرجل حتى ينتقل من أق�صى اليسار إلى أق�صى اليمين؟!
نعم ..إنها إرادة هللا تعالى القادر على كل �شيء!
في عام 1967م ولد أرنود فان دورن في مدينة الهاي بهولندا ..رضع كراهية اإلسالم واملسلمين
متزم ًتا..
نصرانيا ّ
ًّ من ثدي أمه التي ورثت هذه الكراهية بدورها عن أسالفها املتطرفين ..فنشأ
سريعا في مراتبها حتى تقلد منصب نائب رئيس الحزب الحاكم ً عشق السياسة منذ صغره فترقى
ً ً
السابق «من أجل الحرية» ،وهو أكثر األحزاب الهولندية اليمينية تطرفا وتشددا ضد اإلسالم
واملسلمين ..كراهيته للدين اإلسالمي جعلته يتخذ من العداء لإلسالم واملسلمين فكرة رئيسية
لكل دعاية انتخابية ،سواء كان في انتخابات البرملان ،أو انتخابات مجالس البلديات ،أو املقاطعات
األوروبية ..ليس هذا فحسب ،بل دفعته إلى أن ينفق من ماله الخاص ّ
ليمول إنتاج فيلم «فتنة»
ّ
الذي ي�سيء للنبي محمد -صلى هللا عليه وسلم!-
التظاهرات العنيفة التي اشتعلت كرد فعل على فيلم «فان دورن» امل�سيء جعلته يفكر في
ّ معرفة الدافع القوي الذي يقف وراء ّ
هبة هؤالء الغاضبين ،بل ولدت في نفسه الرغبة في ترك
الحزب الذي دفعته أفكاره املتطرفة إلى فعل ما أثار هذه التظاهرات العارمة ..بالفعل ترك
الحزب وبدأ في املقابل يتعمق في القراءة عن اإلسالم ..منذ قراءاته األولى توصل إلى حقيقة ّ
جلية
مفادها أن اإلسالم دين إيجابي ،وأصيل ال يدانيه في النقاء دين آخر ..هذه القراءات األولى جعلته
يتشوق ملعرفة املزيد عن اإلسالم ،فقرأ ترجمة معاني القرآن الكريم ،والسنة النبوية الشريفة.
ظل فان دورن وملدة عام كامل يداوم على قراءة كل ما له عالقة باإلسالم ..كتب كثيرة أثرت
فيه ،لكن تأثره األكبر جاءه من كتاب «محمد» الذي أهداه إياه أبو إسماعيل وهو إمام مسجد في
ّ الهاي ..أكثر ما ّ
هز مشاعر بطل قصتنا في هذا الكتاب موقف النبي محمد -صلى هللا عليه وسلم-
ّ
من أهل مكة الذين ناصبوه العداء وطردوه منها ..دخل محمد -صلى هللا عليه وسلم -مكة مع
النصر الذي أفنى حارما نفسه رؤية ً
خاشعا هللً ، ً
متواضعا ُ
رأسه ً
مطأطئا عشرة آالف من أصحابه
ِ ّ
في سبيله حياته ،ثم يقول ألعدائه بعد أن تمكن من رقابهم :يا معشر قريش ما ترون أني فاعل
بكم؟ قالواً :
خيرا ،أخ كريم ،وابن أخ كريم ..قال :اذهبوا فأنتم الطلقاء!
33
ّ عاما قضاها مشركو مكة في معاداة ُم َّأكثر من عشرين ً
حمد -صلى هللا عليه وسلم -وحربه
جربوها ،وال ً
طريقا إال سلكوه ليصدوا الناس وحرب دعوته ..وما تركوا من وسيلة وال حيلة إال ّ
عن دعوته ..وكم ّ
تفننوا في تعذيب أتباعه ،والنيل منهم ،والتضييق عليهم ..حتى أخرجوهم من
ّ
ديارهم وأموالهم ،ومع هذا كله يدخل مكة ومعه عشرة آالف مقاتل رهن إشارته! وأعداؤه
عديمو الشفقة وقساة القلوب اآلن منطرحون عند قدميه وتحت رحمته ً
تماما ،وهو يقول لهم:
ً ّ
«اذهبوا فأنتم الطلقاء»! فهل عرف التاريخ كله مثيل لهذا املوقف النبيل في العفو والصفح!
هزت مشاعره موقف النبي محمد -صلى هللا عليه ومن املواقف التي يقول «فان دورن» إنها ّ
قبض الريح
ّ ّ
وسلم -من فضالة بن عمير ..فبعد فتح مكة وعفو النبي -صلى هللا عليه وسلم -عن أعدائه أراد
خنجرا تحت ثيابه ،فالتفت إليه وهوً أن يطوف حول الكعبة ،فدنا منه رجل يدعى فضالة يخفي
يهم بتنفيذ جريمته ،وقال له بم تحدثك نفسك يا فضالة؟ فقال ال �شيء إني أذكر هللا ،فقال له:
استغفر هللا ،ثم وضع يده على صدر فضالة فسكن قلبه فكان فضالة يقول بعد ذلك :وهللا ما رفع
يده عن صدري حتى ما من خلق هللا أحب إلي منه ،وكان هذا املوقف النبيل ً
سببا في إسالم فضالة.
هنا فقط أدرك «فان دورن» حجم الظلم الفادح الذي حمله فيلم «فتنة» امل�سيء لصاحب
ّ
هذه املواقف النبيلة محمد -صلى هللا عليه وسلم !-وكلما قرأ أكثر عن سيرته وخلقه أصبح يزداد
ندمه على الجرم الكبير الذي اقترفه حزبه السابق بعدائه الصارخ لإلسالم واملسلمين ،ويشعر
باالنجذاب أكثر وأكثر ناحية الدين اإلسالمي ،ما دفعه إلى أن يقرأ عن اإلسالم بصورة موسعة
ويقترب أكثر من املسلمين في هولندا ..وفي لحظة حاسمة من حياته توجه إلى مسجد «السنة» في
مدينة الهاي ،حيث يقول في ذلك« :ذهبت مع ابن صديقي الخوالني وعمره تسعة أعوام للمسجد،
وهناك أهدوا لي مجموعة من كتب السيرة النبوية وبعض التفاسير ،وأخذت أقرؤها هي األخرى
وبعد نحو شهرين من زيارة املسجد أشهرت إسالمي وبالتحديد في 27فبراير 2013م».
ً
يصمت فان دورن للحظات ثم يستطرد في حديثه قائل« :في البداية وجدت صعوبة في
دخول اإلسالم ،فأنا لم أنشأ في مجتمع مسلم يعلمني أكثر عن هذا الدين العظيم ،لكن
الحقيقة أني وجدت ما كنت أصبو إليه وأفتقده في حياتي السابقة ،وأتصور أن كل عمري قبل
إشهار إسالمي كان مثل «قبض الريح» ،واآلن أصبحت ذلك الشخص السعيد الذي تتملكه
الطمأنينة والسكينة».
عقب إعالن إسالمه اتصلت على «فان دورن» مجموعة كبيرة من وسائل اإلعالم والصحف
البلجيكية والعاملية تطلب تسجيل حوارات معه لكي تتأكد من خبر إسالمه ،بيد أنه اعتذر لهذه
الوسائل ،بعد أن نشر تغريدة على موقع التواصل االجتماعي «تويتر» ضمنها شهادة اإلسالم لكي 34
يعلم الجميع أن خبر اعتناقه اإلسالم خبر صحيح .وبعدها تلقى العديد من الهجمات الشديدة
ً ً
مضيفا« :بدا األمر لهؤالء أني أسلمت هكذا في رفض التعليق عليها قائل« :هي مسألة شخصية»،
يوم وليلة ،ولكن األمر لم يكن كذلك بالطبع ،بل كانت عملية طويلة».
يقول فان دورن« :لم يدر في خلدي كعضو حزب الحرية اليميني الهولندي السابق أن
ً
خصوصا أني أنتمي أدخل اإلسالم الحنيف ،وأتوجه بعد ذلك لزيارة الحرمين الشريفين،
ّ
للحزب الذي أسهم في إنتاج الفيلم امل�سيء ملحمد بن عبدهللا -صلى هللا عليه وسلم -بل كنت
ّ ً ً
تطرفا منتميا ألشد األحزاب منتج ذلك الفيلم الذي يعد نقطة سوداء في حياتي ..فقد كنت
ً
وعداء للدين الحنيف»!
وفي شهر نيسان من عام 2013م زار «فان دورن» الحرمين الشريفين وأدى مناسك الحج في
ً
ذلك العام وهو يتحدث عن تلك الزيارة قائل« :إن دموعي لم تتوقف فمنذ وصولي مكة ،وأنا
أعيش أجمل اللحظات ،وأدعو هللا أن تمسح دموعي كل ذنوبي بعد توبتي».
وفي حوار أجرته صحيفة «عكاظ» السعودية معه بعد أدائه فريضة الحج ،يقول فان دورن:
«هنا وجدت ذاتي بين هذه القلوب املؤمنة ،ودعواتي أن تمسح دموعي كل ذنوبي بعد توبتي،
وسأعمل على إنتاج عمل كبير يخدم اإلسالم واملسلمين ويعكس خلق وأخالق نبي الرحمة بعد
عودتي من رحلة الحج»ً ،
معربا عن أمنيته بأن يم�ضي أيام عمره كلها في املدينة املنورة بجوار قبر
ّ
النبي محمد -صلى هللا عليه وسلم -لكي يشعر بالراحة واألمان.
وفي تشرين األول 2013جاء «فان دورن» للمرة الثانية للمدينة املنورة لزيارة قبر النبي محمد
ّ
-صلى هللا عليه وسلم -وشرح مدى الطمأنينة والروحانيات التي شعر بها ،حيث يقول في ذلك« :لم
وسلم !»-وقال ً ّ
أيضا« :خجلي أجد راحتي الكاملة إال بجوار قبر محمد بن عبدهللا -صلى هللا عليه
ّ
تضاعف أمام قبر النبي محمد -صلى هللا عليه وسلم -حيث جال بخاطري حجم الخطأ الكبير
الذي وقعت فيه قبل أن يشرح هللا صدري لإلسالم ،لقد قادتني عملية البحث الكتشاف حجم
الجرم الكبير الذي اقترفته»!
العجيب أن أرنود فان دورن الذي بدأ حياته السياسية مع حزب الحرية حتى وصل منصب
ً ً
نائب رئيس هذا الحزب األكثر تطرفا وتشددا ضد اإلسالم واملسلمين ،فاز في منتصف عام 2017
برئاسة حزب «الوحدة» ،وهو الحزب الذي أسسه املسلمون عام ،2010بل كان أرنود فان
دورن هو املرشح الوحيد للمنصب ،في اجتماع األمانة العامة للحزب!
كم هو موقف مؤثر تهتز له الصخور الصلبة أن يبكي منتج الفيلم امل�سيء للرسول -صلى
35 ً ّ
سفيرا لعالقات املشاهير في جمعية الدعوة هللا عليه وسلم -عند قبره!! وكم هو باهر أن يعمل
اإلسالمية الكندية في أوروبا..
مرة عندما ينتبه إلى مدى سذاجة الديانة قصتنا هذه املرة تصيب املرء بالدهشة مرتينّ :
ّ
النصرانية ومصادمتها ألبسط مسلمات العقل واملنطق ،واملرة الثانية عندما يتفاجأ املرء ذاته
ّ
ويتحول إلى دين اإلسالم بأن أحد عتاة كهنة هذه الديانة ينتبه إلى خطورة اعتقاده في طقوسها،
إلها ضعيفاً
قويا ،بعد أن كان يشعر بأنه إنسان ضعيف يعبد ً إلها ًّ
فيشعر بأنه إنسان قوي يعبد ً 36
مهانا ..إنه القس «بيشوي ملك» بطل هذه القصة الذي ندعوكم إلى اإلبحار في تفاصيل رحلته ً
من النصرانية إلى اإلسالم.
ولد «بيشوي ملك» في عام 1961م ..وككل النصارى األرثوذكس بدأ حياته يؤمن بيسوع،
وبعقيدة الجسد والدم ،وبكل املعتقدات النصرانية األخرى ..واصل تعليمه حتى حصل على
بكالوريوس الكلية اإلكليركية بالعباسية في عام 1982م ..عقب تخرجه في الجامعة تم تعيينه في
مجال الكهنوت ..شهد الجميع بتميزه بمن في ذلك البابا شنودة نفسه ..رضا الجميع عنه وعن
كفاءته جعله يحصل على ترقيات سريعة وصلت به إلى ّ
سدة كنيسة القديسة دميانة بالوايلي
وقسا لها ملدة تسعة عشر ً
عاما. الكبير حيث أصبح ً
كاهنا ًّ
ً
ارتباطه الوثيق بالكنيسة وتحمسه املتقد للديانة النصرانية ،جعاله نشيطا في الترويج ملبادئها
بكل السبل ،فقام بإخراج شرائط أحدثت ردود أفعال كبيرة في املجتمع النصراني ،من بينها
شريط «أنت أبويا وأنا أبوك» ،و«القداسات الثالثة» ،و«طقسيات مرئية» ..قاده الشريط األخير
كفرا ً
بواحا ويعتنق للتعمق في قضية «الجسد والدم» وهو تعمق دفعه إلى أن يكفر بالنصرانية ً
اإلسالم اعتناق مقتنع ال يملك أحد القدرة على ّ
رده عن اإلسالم.
من هذه الخرافات العجيبة لدى النصارى خرافة األفخارستيا أو القربان ّ
املقدس ،وهو أحد
ُ
أهم أسرار العبادات والطقوس التي تقام في الكنيستين األرثوذكسية والكاثوليكية! يأتي القس
بفطيرة خبز ،خبزها رجل ،وال يحق للمرأة أن تخبزها ،وكأس من الخمر ّ
املخفف باملاء ،ثم يضرب
على الناقوس ليجتمع الناس في الكنيسة ،ثم يقرأ على الفطيرة كلمات وطالسم مبهمة ،ثم يقول
للبسطاء هكذا أصبحت الفطيرة جسد املسيح ،ويقرأ على كأس الخمر طالسم مبهمة ويقول لهم
ّ
فيخر النصارى من خلفه ساجدين لهذه لقد أصبح الخمر دم املسيح ،ثم يسجد للفطيرة أمامهم
ويمرون على القس يتناولون منه؛ فيطعمهم ويسقيهم من الفطيرة املصنوعة من دقيق القمح! ّ
ّ
لحم الرب ودمه! وعلى كل نصراني أن يؤمن بهذه الخرافة ويسلم بها وإن كانت مخالفة للعقل
يتغير طعمه ،كما أن الخمر لن ّ
يتغير مذاقه! واملنطق والواقع املحسوس ،إذ إن الخبز لن ّ
ولكن كيف يتحول الخبز إلى جسد الرب؟! وكيف يتحول الخمر إلى دمه؟!
يقول لك القس هذا سر من األسرار السبعة ّ
املقدسة في الكنيسة فال تسأل عنه! وما دمت
حدا مع الرب فجسدك من نصرانيا عليك أن تؤمن أنه بأكلك لحم الرب وشرب دمه تصبح ّ
مت ً ًّ
جسد الرب ودمك من دم الرب! قالوا إن اإلله اتحد مع جسد املسيح فأصبح ناسوت والهوت،
واآلن يقولون لك إن الرب اتحد معك أنت عن طريق أكل لحمه وشرب دمه! ًإذا أصبحت أنت ً
إلها
37 باتحادك مع اإلله وأصبح لك ناسوت والهوت!
يأكلون لحم الرب يسوع ويشربون دمه ويصرفونها في دورات املياه كفضالت فتختلط
بالقاذورات! يجد غير النصارى صعوبة كبيرة في تصديق هذه املعتقدات والطقوس ،ولكن
وتشربوا بها وأصبحت ً
جزءا من ّ األمر مختلف بالنسبة إلى النصارى الذين وجدوا أقوامهم عليها
ّ
ويجرد نفسه من تكوينهم النف�سي والعقلي ،وكل من يرفع رأسه منهم ّ
ويتأمل في هذه املعتقدات
ويحرر نفسه من هذه القيود هو فقط املؤهل ألن يبصر الحقيقة. ّ هذه األوهام
العجيب أن هذه الفطيرة التي سوف ّ
تتحول إلى جسد املسيح ال يحق للمرأة أن تخبزها ،بل ال
يحق للمرأة الحائض أن تأكلها ألن هذه املرأة املسكينة نجسة في نظرهم ،فال يحل لها أن تأكل لحم
الجسد والدم
الرب أو تشرب دمه ،ألنه ال يجوز أن يمتزج الرب بجسد املرأة ودمائها ويبقى فيها وهي حائض!
ولكن كيف بدم الرب أن ينزل مع دم الحيض النجس! ألم ينزل الرب يسوع نفسه من مكان دم
ً
الحيض النجس؟! ألم ينزل الرب ملوثا بدماء الحيض النجس؟! فكيف نحرم املرأة الحائض من
لحم الرب ودمه؟! بل املرأة أولى بهذا اللحم والدم من الرجل! ولو قبلوا أن اإلله يتجسد في رحم
يتجسد آالف وماليين ومليارات ّ
املرات في الخبز ّ مرة واحدة ،فكيف يقبلون أنه امرأة واحدة ّ
بعدد الكنائس حول العالم وفي كل يوم وكل لحظة!!
وإذا كان لديك مناسبة سعيدة تريد أن تحتفل بها من خالل الكنيسة ،فيمكنك أن تطلب منهم
قداس خاص بك ،حيث يتم تحضير اإلله وتقطيع جسده على املذبح من أجلك أنت! نعم.. عمل ّ
من أجلك أنت فقط يتم استدعاء الروح القدس من السماء ّ
ملهمة خاصة ،فيترك كل �شيء ويأتي
ويلمس قرابينك كي ّ
تتحول إلى جسد املسيح!! اآلن جسد اإلله متمدد أمامك على املذبح فانهش
منه كما تشاء واستمتع بوجبة لذيذة من لحم اإلله! تخريف في تخريف!! أين ذهبت العقول؟!
ً
هاجسا في العالم الوثني القديم ،حيث كانوا يعتقدون العجيب أن فكرة الكأس والفطيرة كانت
أن كل من يأكل من جسد اإلله امليت ويشرب من دمه يتحقق له الخلود .وقد كان قدماء املصريين
جسدا من عجين القمح ثم يأكلونه مع الجعة ّ
املخمرة من ً يعبدون اإلله (أوزيريس) ويصنعون له
الشعير معتقدين أنهم يستمدون السطوة والقوة من جسد (أوزيريس) ودمه ..واآلن النصارى
يفعلون ذلك نفسه مع املسيح!
نعود ونتابع مع بطل قصتنا القس «بيشوي ملك» ،حيث يقول في حوار أجراه معه موقع
«قصة اإلسالم» :إنه ذهب إلى البابا شنودة وناقشه في قضية «الجسد والدم» ،العقيدة بالغة
قداسا في اليوم؟ ّ
فرد عليه األهمية في األرثوذكسية النصرانية ،وأول سؤال طرحه عليه هو :كم ً
البابا بقوله :نحو عشرة آالف قداس! فسأله ثانية :هل هذا يعني أن جسد املسيح يتم تقسيمه
عشرة آالف ّ
مرة في اليوم الواحد؟ فقال له البابا :من قال لك إننا نتناول من ذبائح املسيح؟ أي إن 38
العشرة آالف قداس هم ذبيحة املسيح الواحدة! ولكن كيف؟! ال تسأل أبعد من ذلك!!
عندما يقف الكاهن أمام املائدة ويرفع يديه إلى السماء ،يستدعي الروح القدس فيأتي
ويلمس القرابين!! جبريل -عليه السالم -بجاللة قدره وهو الروح القدس قيد إشارة الكاهن الذي
يستطيع أن يستدعيه في أي لحظة!!
ليس العجب في ذلك بل العجب كل العجب في أن كهنة جميع الكنائس لو وقفوا في لحظة
واحدة ورفعوا أيديهم إلى السماء الستدعاء الروح القدس ،فكيف سيأتي الروح القدس إليهم
جميعا في وقت واحد ويلمس لهم قرابينهم كي ّ
تتحول إلى جسد املسيح!! هل سيتجزأ هذا الروح ً
القدس إلى آالف األجزاء ،أم سيكون هناك استنساخ للروح القدس بعدد الكهنة وبعدد الكنائس
في جميع أرجاء األرض؟! العجيب أنك عندما تسأل الكهنة هذا السؤال الذي يمكن أن يسأله أي
طفل بريء ال تجد إجابة عنه ،ويقولون لك إنه من أسرار الكنيسة! فال تسأل عنه!
إذا افترضنا أن آالف الكهنة حول العالم استدعوا الروح القدس في آن واحد ،وكان حضور
ممكنا بحسب هذه الخرافة النصرانية ،فكيف ً متعددة في آن واحداملسيح بالهوته في أمكنة ّ
ّ يكون ً
ممكنا باعتبار ناسوته؟! ألنه بهذا االعتبار كان ً
بشرا مثلنا يجوع ويأكل وينام ويتألم ويبكي
ويخاف من األعداء ويفر من اليهود! فكيف يمكن تعدده بهذا االعتبار بالجسد الواحد وفي الوقت
الواحد في أمكنة متعددة؟ ولم يثبت عنه أنه ُوجد قبل عروجه إلى السماء بهذا االعتبار في مكانين
فضل عن تعدد األمكنة! وكيف يأتي بعد ذلك من ّ ً
يصدق هذه الخرافة املختلقة؟! في آن واحد،
أين ذهبت العقول؟! أفيقوا أيها النصارى من غفلتكم!!
ً ً
مسيحا كامل تحت يد الكاهن ،كما يزعمون ،وكسر هذا الكاهن هذا الخبز إذا استحال الخبز
ّ
كسرات كثيرة أو أجزاء صغيرة ،فإما أن يتقطع جسد املسيح قطعة قطعة على عدد الكسرات أو
ً ً األجزاء ،أو ّ
مسيحا كامل .فإذا ذهبنا إلى الخيار األول فلن يكون آكل تتحول كل كسرة أو كل جزء
ً ً
مسيحا كامل ،وإذا ذهبنا إلى الخيار الثاني فنتساءل في عجب :من أين جاء كل هؤالء الخبز قد التهم
ً ً ّ
املسحاء؟ لقد كانت الخبزة واحدة والكاهن لم يحضر إال جسدا واحدا للمسيح!
ّ
واألعجب من ذلك كله كيف يمكن للعقل البشري أن ينحط إلى درجة أن يضع اإلله العظيم
خالق كل هذا الكون في جسد إنسان ،ثم يضع جسد هذا اإلنسان اإلله في قطعة خبز ،ويسكب
دمه في كأس خمر ،ويلتهم الخبز ويشرب الخمر ،ويتخلص منهما في املرحاض ،فيختلط إلهه
املزعوم مع القاذورات!
إن مثل هذه الخرافات النصرانية هي التي جعلت ً
كثيرا من النصارى أصحاب العقول املستنيرة
39 ّ
يتحررون من سياسة تغييب العقول ويعيدون النظر في اعتقاداتهم املوروثة ،بل ويسخرون منها
ويستهزئون بها ،ويهجرون ديانة آبائهم وأجدادهم إلى غير رجعة ،ومنهم صاحب قصتنا هذه القس
بيشوي ملك .هذه الخرافات غير العقالنية ،وغيرها ،هي التي أيقظت فكر هذا القس وغيره من
يتحولون إلى اإلسالم ،وهو الدين الوحيد الذي ّ
يبجل املسيح عي�سى -عليه النصارى وجعلتهم ّ
السالم -ويضعه فوق كل هذه الخرافات ،ويقول إنه رسول كريم ،أدى رسالة ّربه على أكمل
مكر ًما! وجل من كيد أعدائه ،ورفعه إليه ً
عزيزا ّ عز ّ وجه ،وعصمه هللا ّ
موقف عجيب هو الذي دفع بطل قصتنا القس «بيشوي ملك» إلى الكفر بالعقيدة النصرانية،
ولكن قبل ذكر هذا املوقف نشير إلى حقيقة أن قوانين الكنيسة تتيح ألي قس أو كاهن أن
الجسد والدم
يأخذ معه قطعة من جسد املسيح (اإلله) خارج الكنيسة إن كان لديه سبب وجيهً ..
بناء على
ذلك أخذ القس بيشوي معه ذات يوم قطعة من «جسد املسيح» من الكنيسة ووضعها في علبة
جزءا من جسد اإلله يقبع معه داخل سيارته!بسيارته ..وفي لحظتها شعر بهيبة املوقف ،إذ إن ً
وانتابه شعور بهيبة املوقف وأن السيارة تكاد تنفجر من رهبة ما بداخلها ..بعد مرور يومين فتح
العلبة بلهفة وشوق ليلقي نظرة على هذا الجزء العزيز من «جسد اإلله» الذي بداخلها ،ولكنه
ّ نوعا ما ..وفي اليوم الثالث فتح العلبة فإذا بجسد اإلله ّ
تصلب ً ّ
وتتغير رائحته، يتعفن الحظ أنه
ّ
فأخذه ورمى به في صندوق القمامة! هذه الحادثة أعادت إليه وعيه! كيف يتعفن جسد اإلله
ُويرمى به في املزبلة!
أثارت هذه الحادثة انتباهه بل جعلته يشعر بمدى خطورة اعتقاده في النصرانية وطقوسها
التي ال تتسق مع املنطق! ..تساءل في حيرة :هل يعقل أن ّ
يتعفن جسد اإلله ُويرمى به في القمامة؟!
توصل بعدها إلى قناعة تامة مفادها أن القداس ال عالقة له بالعقيدة النصرانية ..عندما شعر
البابا شنودة أن القس بيشوي بدأ يفقد إيمانه بالعقيدة األرثوذكسية ،عقد له مجلس تأديب
نتج من ذلك املجلس صدور قرار يق�ضي بوقفه عن العمل ..حصل بطل قصتنا على شهادة من
البطريركية القبطية األرثوذكسية بالقاهرة تفيد بتركه الكهنوت ورجوعه إلى اسمه الحقيقي
بشهادة امليالد وهو «منير ملك داوود».
ّ
املتمرد ينوي االنسالخ كلية من عباءة النصرانية فقرر أن شعر البابا شنودة بأن هذا القس
ّ
يهدئ األمر حتى ال تفقد الكنيسة أحد رجالها املؤهلين ..دخل البابا مع القس بيشوي في حوار
ساخن استمر ذلك لست سنوات (من عام 2003حتى عام )2008لكن الحوار انتهى إلى فشل ذريع
في إقناعه بالعدول عن رأيه ..وكان بيشوي طوال فترة الحوار يمارس شعائر اإلسالم في السر،
ً
مستعينا في ذلك باملصحف املعلم ..وفي عام 2008أشهر بطل حيث اجتهد في تعليم نفسه بنفسه
ًّ
رسميا ،واختار لنفسه اسم «مؤمن إبراهيم داوود سليمان». قصتنا إسالمه
هنا نتوقف لنشير إلى دراسات ّ
سرية في غاية األهمية ّ
تسربت من الكنيسة املصرية عام 2009
40
تؤكد أن هناك العديد من الشباب النصارى من الجنسين ،خاصة طلبة الجامعات املصرية،
يتحولون إلى اإلسالم ًّ
يوميا ،ولكنهم يكتمون أمر إسالمهم ،ويؤدون شعائر دينهم الجديد ًّ
سرا في
ً
الخفاء ،خوفا من بطش األهل وجبروت الكنيسة .واإلسالم ال يلزم الداخلين فيه بضرورة إشهار
إسالمهم أمام أحد ،وال في املحاكم أو املؤسسات الدينية ،وال تغيير أسمائهم أو إثبات حقيقة
إسالمهم في األوراق الثبوتية.
في حوار أجراه معه موقع «قصة اإلسالم» ،وجه الشيخ مؤمن إبراهيم نصيحة للنصارى
حيث طلب من كل نصراني أن يقرأ اإلنجيل حتى يصل من خالله إلى القرآن؛ إذ سيجد فيه العديد
ً
من املتناقضات التي ستهدم له العقيدة النصرانية أول ،ثم عليه أن يبدأ في ترسيخ وبناء العقيدة
الصحيحة أال وهي عقيدة اإلسالم ..ويقول الشيخ مؤمن إن ّ
السيد املسيح -عليه السالم -لم ينسب
ِ
تماما ..الواقع أن الكنيسة تسلب النصراني حق لنفسه صفة األلوهية ألبتة ،بل نفاها عن نفسه ً
أي شخص عن كيفية والدة املسيح التفكير واستخدام العقل ..على سبيل املثال عندما َيسأل ّ
وكيف يعيش في رحم امرأة وهو هللا؟ يتم الرد عليه من قبل الكنيسة بأن هذه إيمانيات يجب
عليه عدم التفكير فيها ،وهذا أمر يؤدي إلى طمس الحقيقة عن أي شخص مستنير.
ويستمر الشيخ مؤمن إبراهيم في نصحه للنصارى بأن يقرؤوا األناجيل التي هي كفيلة بأن
تصل بهم إلى القرآن ..كما نصحهم بأن ينتبهوا أثناء قراءتهم األناجيل إلى أقوال املسيح وما قيل عن
املسيح ..إذ إن كل ما قاله املسيح عن نفسه ينفي أنه إله ..وعليه فإن كل الذين قالوا إن املسيح إله
أهانوه ،وكل الذين قالوا إنه رسول أكرموه ..ويشير الشيخ مؤمن إلى مقارنة باهرة بين اإلسالم
ً والنصرانية في نهاية السيد املسيح حيث يقول :إن اإلسالم ّ
كرم املسيح بأن جعله رسول وجعل
مشرفة لم يبلغها أحد غيره من البشر ،وهي صعوده إلى السماء ،بينما النصارى الذين له خاتمة ّ
ذليل ً ً صنعوا منه ً
مهانا. إلها جعلوه يموت على الصليب
ويقول الشيخ مؤمن إبراهيم إن الجميع يتهمونه بأنه باع املسيح على الرغم من أنه من أكثر
الناس الذين اشتروه؛ ألن من يبيع املسيح هو من يضعه في غير موضعه الحقيقي ،أي يضعه على
ً
كر�سي األلوهية بدل من كر�سي الرسل الذي وضعه فيه اإلسالم.
ّ
على امتداد التاريخ ،ما من نصراني يفكر في استخدام عقله واالنعتاق من ضالالت النصرانية،
أدبيا أو كليهما ،وقد يزيد أو ينقص ولكن ال ّبد من إال ويدفع الثمن ..قد يكون هذا الثمن ًّ
ماديا أو ًّ
ً
ثمن ..بالنسبة إلى بطل قصتنا فقد كان الثمن باهظا ألنه فقد كل �شيء! فقد مصدر رزقه وراتبه
املغري الذي كانت تغدق به الكنيسة عليه ،وفقد أهله وأوالده ،وقبل ذلك فقد زوجته التي رفعت
41 عليه قضية خلع فخلعته وتزوجت من نصراني وأخذت معها أوالدها .وفي تعليقه على ذلك يقول
الشيخ مؤمن إبراهيم« :أنا اآلن أشعر بأنه ال ينقصني �شيء ،على الرغم من أنه ينقصني كل �شيء»!
ً
وحيدا ال يدري ماذا يفعل! هجر الشيخ مؤمن النصرانية ومعتقداتها الفاسدة ،ولكنه أصبح
قيض هللا له أحد رجال الدين اإلسالمي من مدينة اإلسكندريةكثيرا حتى ّ
ولم يطل به التفكير ً
فلفت نظره إلى مالحظة جوهرية دقيقة فقال له« :إن أي نصراني يعلن إسالمه يظل في وظيفته
طبيبا ،والكاهن أو ً
مهندسا ،والطبيب يظل ً كما هي»!! عجيب! كيف يستقيم ذلك! املهندس يظل
ً
القسيس يظل شيخا وداعية في اإلسالم؛ ومنذ تلك اللحظة سلك الشيخ مؤمن إبراهيم طريق
الدعوة إلى هللا وإلى دين اإلسالم ،فأسلم على يديه كثير من النصارى.
الجسد والدم
العجيب في قصة الداعية اإلسالمي الشيخ مؤمن إبراهيم أنه يتبع في دعوته نهج الهدم ال
متبح ًرا في العقيدة النصرانية ومارس فعال ًّ
جدا وال يجيده إال من كان ّ البناء! وهذا النهج الدعوي ّ
املتمرس ّ
امللم ّ طقوسها ..وبذلك ّ
وجه دعوته نحو هدم العقيدة النصرانية من أركانها ألنه الخبير
فضل عن إتقانه ألسلوب الهدم ..لقد استفاد ً ً
كثيرا من عالقاته بأسرارها ومداخلها ومخارجها،
الجيدة التي ال تزال تربطه بالعديد من األقباط ،حيث أصبح يحدثهم عن العقيدة النصرانية
ويفند لهم بطالنها.
وللشيخ مؤمن إبراهيم العديد من املعاول التي يستخدمها في هدم العقيدة النصرانية الباطلة،
ً
وتعد صفحته الرسمية على الفيسبوك الصفحة األكثر نشاطا في تفنيد مبادئ العقيدة النصرانية،
غنيا لكل من يريد أن يعرف مصدرا ًّ
ً وبها حقائق نادرة وتجارب عملية في غاية األهمية مثلت
حقيقة النصرانية ،حيث يثبت لهم أن كتبة األناجيل األربعة ،وهي أصح كتب الديانة النصرانية،
مجهولون ال يعرفهم أحد ،ويفضح تحريفات الكتاب املقدس باألدلة امللموسة والبراهين
يحورونه ّ
ويفسرونه بما يلبي الساطعة ،وكيف أصبح هذا الكتاب عجينة في أيدي رجال الكنيسة ّ
رغباتهم ،وهذا ما تؤكده املوسوعة الكاثوليكية التي تعترف بتحريف الكتاب املقدس فتقول« :لم
تصلنا نسخة أصلية من الكتاب املقدس وكل ما وصل إلينا ّ
محرف ،وأن هللا لم يشأ أن يعتني بهذا
الكتاب ..ويوجد أكثر من 150,000اختالف بين املخطوطات القديمة للعهد الجديد ،ما يثبت أن
الكتاب املقدس ليس الوسيلة الوحيدة أو األساسية للوحي» .هذا هو كالم املوسوعة الكاثوليكية
من دون أي ّ
تصرف! وال تعليق عليه!!
من خالل صفحته الرسمية على الفيسبوك يفند الشيخ مؤمن إبراهيم ضالالت النصارى،
ويشير إلى ورطة النصارى بقولهم إن املسيح هو هللا وله ناسوت والهوت! فإذا قلت لهم ملاذا
مات املسيح يقولون لك مات الناسوت وبقي الالهوت ولم يمت! وهذا فصل واضح للناسوت عن
حدا الالهوت بالناسوت ألصبح يشاركه في أي صفة الالهوت بعد التجسد املكذوب! فلو كان ّ
مت ً
وأي فعل ألنه ال يمكن أن ينفصل عنه في الذات وال في الصفات فلماذا انفصلت الصفات هنا؟ 42
تبرر الكنيسة هذا االنفصال في األعمال حيث ال يمكن فصار هذا يموت وهذا ال يموت؟! كيف ّ
ًّ ً
حقيقيا؟! انظر أن تنفصل أعمال شيئين متحدين وصفاتهما إال إذا انفصلت ذواتهما انفصال
كيف يتناقضون مع اعتقادهم أن الالهوت ال ينفصل عن الناسوت ً
أبدا .ثم إذا كان الالهوت
يدير الكون والناسوت ال يديره أثناء املوت فهذا إثبات أن املسيح ليس ً
إلها ألنه ناقص وفيه جزء
إلهي وجزء إنساني عاجز عن أفعال األلوهية وعاجز عن إدارة الكون في وقت ما وهذا يعني أنه
إلها .وهكذا فإن الديانة النصرانية التي حرفتها الكنيسة تحمل عوامل هدمها ال يصلح أن ّ
يسمى ً
داخلها فقط يحتاج األمر إلى النصراني املستنير الذي يحسن إعمال العقل واستخدام القلب.
يعود الشيخ مؤمن إبراهيم بذاكرته فيقول :عندما كنت ً
كاهنا بالكنيسة القبطية األرثوذكسية،
وجدت أنه ال يوجد كاهن من زمالئي القساوسة وإال ولديه شك في أن املسيح هو هللا ،وعندما كنا
مودة نخرج فيها من الطقوس ونن�سى الكهنوت كزمالء دراسة كنت أقول سويا في جلسة ّ
نجلس ًّ
لهم ً
مازحا (لو طلع املسيح مش إله!!) فما كنت أرى منهم إال الضحك واالنبساط ،لكنني أشعر من
ً
وكثيرا ما كنت أسمع بهذه الشكوك من اعترافات دواخلي أنهم متأكدون من عدم ألوهية املسيح،
الشباب والشابات ،ولكني كنت أخفي ذلك عن الناس.
من أقوال الشيخ مؤمن إبراهيم :مشكلة النصارى أنهم ال يقرؤون كتابهم ّ
املقدس! وكل من
وتجرد ورغبة في معرفة الحق سوف يعرف أن دين النصرانية باطل.. ّ يقرأ هذا الكتاب بحياد
ً
عجبت ملن يعبد مخلوقا مثله خرج من أنثى مخلوقة ،ثم يجادل بالباطل في اإلسالم دين التوحيد
ويرميه بالشبهات! عجبت ملن يقولون إن إلههم مات ثم يبشرون بموته وال يخجلون! وعجبت
إلها فكيف ُيصلب؟! ملن يقولون إن اليهود صلبوه وال يخجلون من أنفسهم أنهم عبدوه فإذا كان ً
عجبت ملن يرفض إمكانية دخول الفيل داخل زجاجة ويسخر من ذلك ،ولكنه في املقابل يؤمن
إلها ويعبدونه مع هللا! ً
إنسانا يجعلونه ً بدخول هللا العظيم في رحم امرأة ضعيفة! وتلد هذه املرأة
وكم كنت أستغرب حينما عدت إلى الذكريات حينما كنا نحتفل بميالد يسوع فلماذا لم أفكر
ً
إنسانا؟! حينها أننا نحتفل بميالد إله وليس
نختتم هذه القصة بتصريحات للشيخ مؤمن إبراهيم يقول فيها :اخترت اإلسالم ألنه الدين
الوحيد الذي يجعلك تعبد هللا وحده ،وعقيدته واضحة ،وتوحيد هللا في اإلسالم يعني أن هللا
واحد ال شريك له ومن دون أي تفسيرات ملتوية ،على عكس النصرانية وابتداعها عقيدة الثالوث
املنافية للتوحيد ..ويؤكد أن اإلنجيل هو سبب إسالمه ،ألنه ال يوجد في أي من األناجيل أو الكتاب
املقدس أي نص يقول فيه املسيح أنا إله أو أنا هللا أو أنا الالهوت! ولم ترد كلمة ثالوث على لسان
أبدا ،فكيف يهمل هذا الثالوث إن كان له أصل في العقيدة النصرانية؟! الكنيسة فقط هي املسيح ً
التي تقول ذلك! وبعد أن أسلمت أصبحت أشعر كأني كنت في سجن فشرح هللا صدري وأخرجني
إلها ًّ ً
إنسانا ًّ
قويا يعبد ً
43 قويا ،بعد من الضيق ونلت خال�صي وحريتي وسعادتي الحقيقية ،وأصبحت
ضعيفا ً
مهانا... ً أن كنت أشعر بأني إنسان ضعيف يعبد ً
إلها
هذا ما كان مع بطل قصتنا ..ولد لعائلة شديدة االلتزام بالنصرانية ..بنى آباؤه وأجداده
ً
قسيسا الكنائس واملدارس ووهبوا أنفسهم لخدمة النصرانية ..درس دين قومه حتى صار
44
وداعية له ..أرضعه قومه منذ طفولته الكره لإلسالم واملسلمين ..حاول مع أربعة من علماء
ودعاة النصارى إدخال مسلم بسيط في النصرانية ..لم يشفع لهم علمهم الغزير إذ انتصر عليهم
األخير وهو من عامة الناس وأدخلهم اإلسالم ..نعم اعتنق بطل قصتنا اإلسالم بعد أن أقنعه به
مسلم بسيط وهو النصراني الحاصل على شهادة الدكتوراه في العلوم الالهوتية النصرانية ..إنه
القس األمريكي واملبشر والواعظ واملنصر السابق الدكتور جوزيف إدوارد إستس.
ً
ولد في الواليات املتحدة ونشأ في أسرة مسيحية بروتستانتية وأصبح واعظا ..حصل على
ً
مجتهدا في البحث في الديانة شهادة املاجستير في الفنون ،وشهادة الدكتوراه في علم الالهوت ..كان
املسيحية ،كما درس الهندوسية واليهودية والبوذية.
يحدثنا يوسف عن قصة إسالمه فيقول :ولدت في الغرب األوسط ألمريكا ..حظيت بعائلة
متدينة شديدة االلتزام بالنصرانية وهب أسالفها أنفسهم لخدمة دينهم بالغالي والنفيس ..اكتشافي
لجهلي بديني دفعني إلى االلتحاق بالدراسة الالهوتية ..أمطرت من حولي بسيل من التساؤالت
امللحاحة بيد أنني لم أحظ باألجوبة الشافية لهذه التساؤالت ..درست النصرانية حتى صرت
وداعيا من دعاتها كما هو حال والدي ..إلى جانب خدمتنا املباشرة للكنيسة كنا نوظف ً ً
قسيسا
عملنا بالتجارة في األنظمة املوسيقية لذات الغرض ..إذ كنا نعمل على بيعها للكنائس ..كنت
أكره اإلسالم واملسلمين حيث مأل قومي رأ�سي منذ نعومة أظفاري بأن املسلمين أناس وثنيون
ً
ال يؤمنون باهلل ويعبدون صندوقا أسود في الصحراء كما وصوفهم لي بأنهم همجيون وإرهابيون
يقتلون كل من يخالف معتقدهم.
ً
أرباحا بلغت ماليين درت علينا كانت لدينا الكثير من املشاريع التجارية الناجحة التي ّ
الدوالرات ..ولكن برغم الحياة الرغدة التي كنت أعيشها لم أجد راحة البال؛ ألنها هدف يستحيل
تحقيقه إال بمعرفة الحقيقة وإيجاد الطريق الصحيح للخالص ،وهي غاية في سبيل الوصول إليها
درست الهندوسية واليهودية والبوذية بيد أنني فشلت في تحقيقها.
عدوا ً
لدودا لإلسالم ،أعمل على تنفير الناس منه بقدر حر�صي على نشر النصرانية .وفي كنت ًّ
ًّ ً
تجاريا ..لكن عندما علمت عام 1991طلب مني والدي مقابلة رجل أعمال مصري بدأ معه عمل
من والدي أن الرجل مسلم رفضت في البدء مقابلته بدعوى الهمجية التي سمعناها عن املسلمين..
ً
أخيرا وافقت على لقائه عندما طمأنني والدي بأنه شخص مسالم لطيف.
ّ وأنا في طريقي للقاء املسلم املصري لبست قبعة عليها صليب ولبست ً
عقدا فيه صليب وعلقت
كبيرا في حزامي ،وأمسكت بنسخة من اإلنجيل ..على الرغم من ُّ
تدرعي بالصلبان واإلنجيل صليبا ًً
شعرت باالرتباك حينما رأيته!! لقد وجدت شكله على عكس تصوري له ..كنت أتوقع أن أجده
45 كبيرا معقود الحواجب يلبس عباءة ويعتمر عمامة كبيرة على رأسهّ .. رجل ً ً
رحب بنا وصافحنا
في بشر وإن لم تفلح مقابلته الطيبة لنا في إزالة صورة املسلمين السلبية التي ظلت تعشعش في
ذهني ..في بداية اللقاء بدأت أنتقد له اإلسالم واملسلمين كما أعرفهم من خالل الصورة الذهنية
التي كنت أمتلكها ،لكنه هزمني بأن امتص حما�سي واندفاعي بهدوئه الشديد.
طمأنت نف�سي بأن األمر سيكون أسهل مما توقعت ..وعقب ذلك ذهبنا لتناول الشاي في محل
صغير ،تحدثنا لساعات عن املعتقدات ..وكنت أمسك بدفة الحديث طوال الوقت ..وجدته في
غاية اللطافة والحياء ..كان يستمع لي بانتباه دون أن يقاطعني فاحترمت فيه ذلك.
قدر لصديقنا محمد عبد الرحمن املصري أن يترك املنزل الذي يعيش فيه ..هيأفي أحد األيام ّ
نفسه للعيش في املسجد بصورة مؤقتة حتى تحل مشكلته ..تحدثت مع أبي عن إمكانية أن يسكن
معنا محمد في بيتنا الكبير ..استجاب والدي القتراحي ودعاه لإلقامة عندنا في املنزل ..كنا نعيش
قسيسا آخر فصرنا خمسة: ً باملنزل أنا وزوجتي ووالدي ..وإلى جانب املصري استضفنا كذلك
أربعة من علماء ودعاة النصارى مع اختالف مذاهبهم -ما بين مذهب كاثوليكي وآخر بروتستانتي
وثالث متعصب له جانب من الصهيونية تتبعه زوجتي -مقابل مسلم مصري عامي ..واستضفنا
ً
قسيسا من املنصرين في والية تكساس. ً
الحقا
إستس ووالده من املذهب البروتستانتي النصراني ومعهم قسيس كاثوليكي املذهب وزوجة
إستس التي كانت من مذهب متعصب له جانب من الصهيونية ..والد إستس قرأ اإلنجيل منذ
داعيا ذا منصب معترف به في الكنيسة ،والقسيس الكاثوليكي له خبرة ً 12
عاما صغره وصار ً
في دعوته في القارتين األمريكيتين ،وزوجة إستس كانت تتبع مذهب اإلنجيليين الجدد الذي له
ميول صهيونية ،وإستس نفسه درس اإلنجيل واملذاهب النصرانية واختار ً
بعضا منها وانتهى
من حصوله على شهادة الدكتوراه في العلوم الالهوتية ..كل هؤالء يقابلهم مسلم واحد فقط من
عامة الناس ليس له حظ وافر ال في التعليم الديني وال الدنيوي.
يقول يوسف إستس :كنا بعد العشاء نتجمع حول املائدة في كل ليلة ملناقشة الديانة ،وكان بيد
كل منا نسخة إنجيل تختلف عن تلك التي يمتلكها اآلخر ..كان صديقنا محمد يتعجب من اختالف
أناجيلنا بينما كنا نحن نق�ضي معظم الوقت في تحديد النسخة األكثر صحة من هذه األناجيل
املختلفة ،هذا بالطبع مع تركيز جهودنا لتنصير صديقنا املصري.
املقدس ،وكانت معه هو نسخة الريفازد كان مع والد إستس نسخة امللك جيمس من الكتاب ّ 46
إيديشن التي تقول :إن في نسخة امللك جيمس الكثير من األغالط!! حيث إن النصارى ملا رؤوا كثرة
األخطاء في نسخة امللك جيمس اضطروا إلى كتابته من جديد وتصحيح ما رأوه من أغالط كبيرة!
أما النسخة الثالثة من اإلنجيل فقد كانت مع زوجة إستس وهي نسخة القسيس املعاصر جيمي
سواقرت! والعجيب أن جيمي سواقرت عندما ناظره الشيخ أحمد ديدات أمام الناس قال :أنا
كامل بنفسه وهو ليس عال ًـا باإلنجيل ّ
ويدعي أنه من
ً ً ً ً
لست عال ـا باإلنجيل!! فكيف إذا يكتب إنجيل
عند هللا!! أما القسيس الكاثوليكي فكان معه نسخة أخرى ملذهبه فيها ً 73
سفرا ،أما اإلنجيل في
املذهب البروتستانتي ففيه ً 66
سفرا ،وكل األناجيل مختلفة وفي داخلها اختالفات وتناقضات أكثر!
فمع أنه كان يدعو إلى النصرانية ومذهبه 12سنة ،لم يكن القسيس الكاثوليكي يعتقد ً
جازما
أنه يدعو إلى العقيدة الصحيحة ،أما والد إستس فقد كان يعتقد أن الكتاب املقدس كتبه الناس
وحيا من عند هللا ،ولكنهم كتبوه وظنوه ًّ
وحيا ،بينما تعتقد زوجة إستس أن في إنجيلها وليس ًّ
أخطاء كثيرة ،لكنها كانت ترى أن األصل فيه أنه من عند اإلله ،أما بالنسبة إلى بطل هذه القصة
فقد كانت هناك أمور كثيرة في الكتاب املقدس لم يصدقها ألنه كان يرى التناقضات الكثيرة
والواضحة فيه ،منها مسألة التثليث التي لم يستطع إستس االقتناع بها.
يقول يوسف إستس :كنا جميعنا -أنا وأبي وزوجتي والقسيسين اآلخرين -ننتقد بحدة
التناقضات الكثيرة التي تزخر بها أناجيلنا املختلفة ..أما أنا عن نف�سي فقد كانت لدي الكثير من
األمور غير املقنعة في اإلنجيل ،من تلك األمور التي كنت أسأل عنها نف�سي وغيري :كيف يمكن
واحدا وثالثة في الوقت ذاته؟! سألت ذات السؤال لقساوسة مشهورين على ً للرب أن يكون
مستوى العالم بيد أنهم أجابوني بأجوبة سخيفة وساذجة ال يصدقها عاقل ..قلت لهم في استنكار:
ً ّ
وأعلم الناس ً
مقتنعا بها؟ أمورا وأنا لست كيف يمكنني أن أكون داعية للنصرانية
يقول يوسف إستس :في هذا الجانب سألت محمد املصري كم نسخة مختلفة من القرآن
عندكم؟ فقال :ليس لدينا إال نسخة واحدة فقط ،والقرآن موجود كما أنزل بلغته العربية منذ
أبدا .فكان هذا الجواب كالصاعقة!! ثم قال لي :لو بحثت على مدىأكثر من 1400سنة لم يتغير ً
ً ّ
تماما وعلموه ملن جاء بعدهم من األبناء قرون لوجدت أن املاليين من املسلمين قد حفظوا القرآن
واألحفاد .وما أثار إعجابي بمحمد املصري حقيقة أنه لم يتعرض لنا بالتجريح أو التهجم ولم
يفعل ذلك بمعتقداتنا أو أناجيلنا ما جعل الجميع يشعرون بالراحة لحديثه.
عندما تطرقنا ملسألة التثليث ..سألنا صديقنا املصري :ما هو اعتقادكم في الرب كمسلمين..
َ َ َ ُ َ ُُ َ َ ُ ْ ُ َ َّ ُ َ َ ٌ َّ
الص َم ُد؛ ل ْم َي ِل ْد َول ْم ُيول ْد؛ َول ْم َيك ْن ل ُه كف ًوا أ َح ٌد) ،تال هذه
الل ُه َّ أجابنا بقوله( :قل هو الله أحد؛
47 اآليات ثم ترجم لنا معانيها ..أثرت فينا كلماتها بقوة وحسمت لنا أمر التناقضات التي كانت تزخر
املحرفة ..خمس عشرة كلمة فقط ولكنها تنسف العقيدة النصرانية كلها!! بها أناجيلنا ّ
عندما أردت دعوته للنصرانية قال لي بكل هدوء :لو َّ
أثبت لي أن النصرانية ُّ
أحق من اإلسالم
باالتباع التبعتها ..قلت له اتفقنا ..حينذاك التفت ّ
إلي وسألني :أين األدلة التي تثبت أفضلية دينكم
رد ّ
علي تديننا على اإلحساس واملشاعرّ .. وأحقيته ..أجبته بأننا ال نؤمن باألدلة ،وإنما نعتمد في ّ
ً بأن ذلك ليس ً
كافيا ثم أضاف قائل :إن اإلسالم يزخر باألدلة واألحاسيس واملعجزات التي تثبت
أنه الدين الحق ..ومن أول هذه األدلة القرآن الكريم الذي لم يطرأ عليه أي تغيير أو تحريف منذ
نزوله قبل عشرات القرون ،والذي يحفظه ماليين املسلمين.
القدوة الحسنة
عقب ذلك النقاش وملدة ثالثة أشهر مستمرة ظللت أبحث عن األدلة التي تثبت لي أن اإلسالم
هو الدين الصحيح ..لقد وجدت الكثير من األدلة التي ظللت أبحث عنها والتي من بينها حقيقة أن
األديان السماوية كلها لم تختلف حول ذات هللا سبحانه وتعالى ،إذ تدعو جميعها إلى العقيدة
الثابتة بأنه ال إله إال هللا بما فيها الدين املسيحي قبل أن يتم تحريفه ،كما وجدت أن اإلسالم هو
فضل عن أن هللا سبحانه وتعالى ًّ
تحدى الكفار بالقرآن الكريم أن خاتم الرساالت السماوية،
ً
يأتوا بمثله أو بآية من مثله فعجزوا عن ذلك ..أيضا من املعجزات التي رأيتها والتي تثبت أن الدين
عند هللا اإلسالم التنبؤات املستقبلية الكثيرة التي تنبأ بها القرآن الكريم فحدثت مثل انتصار
ً
عظيما مراحل تكوين الجنين، أيضا من املعجزات التي تركت في نف�سي ً
أثرا الروم على الفرسً ..
التي ذكرها هللا في القرآن الكريم والتي لم يصل لها علماء األجنة إال في العصر الحديث.
ً
وأضاف يوسف وهو يتحدث عن صديقه محمد في إعجاب قائل :إن مثل هذا الرجل ينقصه
جناحان حتى يصبح من املالئكة ،وذلك لحسن أخالقه ..وفي أحد األيام طلب صديقي القسيس
ّ
لنتعرف أكثر إلى عبادة املسلمين وصالتهم ..وعندما ذهبنا من محمد أن نذهب معه إلى املسجد،
ً
إلى املسجد رأينا املصلين يأتون إلى املسجد يصلون ثم يغادرون ..سألته قائل :غادروا؟ دون أي
خطب أو غناء؟ قال :نعم.
وبعد مرور عدة أيام طلب القسيس من محمد أن يرافقه إلى املسجد مرة ثانية ..تأخر االثنان..
ً
محمدا على رن جرس الباب وعندما فتحته عرفت أخيرا ّ وعندما ّ
حل الظالم شعرنا بالقلقً ..
ثوبا أبيض وقلنسوة؟ اندهشت عندما علمت أنه صاحبي الفور ..سألته من هذا الذي يلبس ً
ً
القسيس!! قلت له :هل اعتنقت اإلسالم؟ أجابني قائل :نعم ..ذهلت وتساءلت في نف�سي :كيف
ً
سبقني هذا إلى اإلسالم؟ ذهبت إلى أعلى ..فكرت قليل وتحدثت مع زوجتي عن موضوع إسالم
ً
القس ..قالت لي :ال أظن أن عالقتي معك ستستمر طويل.
وجل ثم بالقدوة الحسنة في ذلك املسلم الذي كان حسنعز ّ جميعا كان بفضل هللا ّ
ً إن إسالمنا
الدعوة وكان قبل ذلك حسن التعامل ،وكما يقال عندنا :ال تقل لي ..ولكن أرني.
ً
محمدا ،وطلبت منه أن يأتي ليناقش األمر معي ..تحدثنا في األمر ذهبت إلى أسفل ..أيقظت
حتى حان وقت صالة الفجر ..وحينما أذن الفجر استلقيت على لوح خشبي ووضعت رأ�سي
ظهرا وقفت بينعلى األرض ،وسألت هللا تعالى أن يرشدني إلى طريق الحق .وفي الحادية عشرة ً
شاهدين :القسيس السابق ومحمد املصري ،ألنطق بالشهادتين ..بعد لحظات قالئل أعلنت
ً َّ
شهورا حتى نطق بالشهادتين.. زوجتي إسالمها ..أما أبي فقد تطلب األمر معه
دخل بطل قصتنا اإلسالم ودخل معه اإلسالم دفعة واحدة ثالثة زعماء دينيين من ثالث
طوائف مختلفة بفضل هللا تعالى ثم بالقدوة الحسنة املتمثلة في ذلك املصري البسيط الذي دعا
إلى سبيل ربه باملوعظة الحسنة وجادل بالتي هي أحسن ومن قبل ذلك بالفطرة السليمة ألربعتهم
والتي أظهرها هللا تعالى على حقيقتها بعد أن َّ
سخر لها من أزال عنها دنس ّ
املاديات وأرجاسها.
ِ
كان إسالم الشيخ يوسف إستس وأسرته عام ،1991وبعدها كان يحرص على إحضار أبيه
ُ
الطاعن في السن املقعد على الكر�سي املتحرك إلى الصالة في املسجد بنفسه ويضعه في الصف
جدا مع كونهما داعيين للنصرانية ً
سابقا). ليحضر صالة الجماعة (مشهد مؤثر ًّ
سبحان هللا!! أتدرون في أي ميزان حسنات يصب إسالم هذه اآلالف؟! إنه ميزان حسنات الرجل
املصري البسيط ..وال ينقص من ميزان إستس ً
شيئا!! الرجل البسيط الذي هزم القساوسة ..ال
بقدرته ..ولكن بفضل هللا ..انتمى إلى القوي ..فحماه ونصره برغم ضعفه!
كونوا معه سبحانه تفوزون بالدنيا واآلخرة..
اسألوا هللا الهداية ..فباهلل نهتدي إلى هللا.
القدوة الحسنة
كما حدث مع بطل قصتنا ..لقد رأى نفسه في غرفة تخلو من األثاث باستثناء سجادة حمراء
مفروشة على أرضها ..جدرانها رمادية اللون تفتقر إلى أي نوع من الزينة ..الضوء يتسلل إليها
ضمته معهم صفوف عبر نافذة صغيرة ..كان يقف هو في الصف الثالث مع آخرين غريبين عنه ّ
ّ
متراصة في انتظام بديع ..كان السكون ّ
يخيم على املكان بصورة هادئة أكسبته هالة من الجالل..
رأى الجميع -وهو معهم -ينحنون في انتظام حتى تالمس جباههم األرض ..أرسل بصره إلى ما بعد
ً ً الصف ّ
تحديدا في االتجاه الذي تشع منه النافذة بالضياء ..رأى رجل يرتدي األبيض من األول
ّ ّ الثياب ّ
ويحفه الغموض! يؤم الجميع! استيقظ من نومه في وجل تظلله الرهبة
ما سبق ذكره هو حلم عجيب رآه أستاذ علم الرياضيات األمريكي ،البروفيسور جفري النج!
عدة خالل السنوات العشر التي سبقت إسالمه ،وكان يستيقظ تتكرر عليه ملرات ّ
بل رؤيا ظلت ّ
ّ
على إثرها منشرح الصدر ومرتاح البال .ظلت أحداث هذه الرؤيا ّ
تتحول إلى واقع حقيقي يعيشه
عيانا ً
بيانا تماما فرآها دفعة واحدة ً
القصة وهو ال يشعر بذلك حتى اكتملت حلقاتها ً ّ بطل هذه
ّ
ماثلة أمام ناظريه ..أما كيف تجمعت حلقات هذه الرؤيا ،وكيف رآها فهذا ما سنعرفه من خالل
هذه القصة الباهرة املؤثرة.
ما بين لحظات روحانية غامرة وأفكار فلسفية عميقة ،يروي لنا البروفيسور جفري النج،
ً
مؤخرا بعنوان «حتى املالئكة تسأل»، كيفية اعتناقه للدين اإلسالمي ،وذلك في كتاب صدر له
ومن قبله كتاب آخر بعنوان «الصراع من أجل اإليمان».
يحدثنا البروفيسور النج عن اللحظات الحرجة التي سبقت إسالمه :في جامعة سان فرانسيسكو
ُ ّ
در ُس ُه ،فتوثقت عالقتي به ،وأهداني نسخة من كتاب ملعاني القرآن ّ
تعرفت إلى طالب عربي كنت أ ِ
الكريم باللغة اإلنجليزية ،فلما قرأته ّ
ألول مرة شعرت كأن القرآن هو الذي «يقرؤني»!.
ّ
لقد أسرني القرآن بقوة ،وتملك قلبي ،وجعلني أستسلم هلل ..والقرآن يدفع قارئه إلى اللحظة
القصوى ،حيث ّ
يتبدى للقارئ أنه يقف بمفرده أمام خالقه ..وإذا ما اتخذت القرآن ّ
بجدية فإنه
ً
واضحا أن ال يمكنك قراءته ببساطة ،فهو يجادلك ،وينتقدك ُويخجلك ويتحداك! لقد بدا لي
ُمنزل القرآن كان يعرفني أكثر مما أعرف نف�سي! لقد كان القرآن يسبقني ً
دوما في تفكيري ،وكان
يخاطب تساؤالتي ..لقد قابلت نف�سي ً
وجها لوجه في صفحات القرآن!
وفي يوم عزمت على زيارة ذلك الطالب في مسجد الجامعة ،فهبطت الدرج ووقفت أمام باب
ً متهيبا الدخول ،فصعدت وأخذت ًاملسجد ً
نفسا طويل ،وهبطت ثانية! ولم تكن رجالي قادرتين
على حملي! مددت يدي إلى قبضة الباب فبدأت ترتجف ،ثم هرعت إلى أعلى الدرج ثانية!
51 عدة كانت عصيبة اضطرتني إلى مرت ثوان ّ لقد شعرت بالهزيمة ،وفكرت بالعودة إلى مكتبي! ّ
ٍ
علي عشر سنوات وأنا أقاوم الدعاء والنظر إلى السماء! أما مرت ّ أن أنظر خاللها إلى السماء! لقد ّ
اآلن فقد انهارت املقاومة وارتفع الدعاء« :اللهم إن كنت تريد لي دخول املسجد فامنحني القوة».
ردا التحية ،وسألني نزلت الدرج ..دفعت باب املسجد ،وكان في الداخل شابان يتحادثانّ ..
شيئا عن اإلسالم؟ أجبت :نعم ،نعم!! وبعد حوار طويل أبديت رغبتي أحدهما :هل تريد أن تعرف ً
في اعتناق اإلسالم فقال لي اإلمام :قل أشهد ،قلت :أشهد ،قال :أن ال إله ،قلت :أن ال إله ،قال :إال
ً
محمدا رسول هللا ،نطقتها بعده. هللاّ ،
رددتها ،قال :وأشهد أن
لقد كانت هذه الكلمات كقطرات املاء الصافي تنحدر في الحلق املحترق لرجل قارب املوت من
القرآن يقرؤني
أبدا اللحظة التي نطقت بها بالشهادة ألول مرة ،لقد كانت بالنسبة ّ
إلي اللحظة الظمأ ..لن أن�سى ً
ً
وتحررا. األصعب في حياتي كلها ،ولكنها األكثر قوة
يقول البروفيسور جفري النج :في اليوم الذي اعتنقت فيه اإلسالم ،قدم ّ
إلي إمام املسجد
ً
طويل ً كتيبا يشرح كيفية أداء الصالة .وفي تلك الليلة ،أمضيت ً
ً
جالسا على األريكة في غرفتي وقتا
الصغيرة بإضاءتها الخافتة ،حيث كنت أدرس حركات الصالة وأكررها ،وكذلك اآليات القرآنية
التي سأتلوها ،واألدعية الواجب قراءتها في الصالة .وبما أن معظم ما كنت سأتلوه كان باللغة
العربية ،فقد لزمني حفظ النصوص بلفظها العربي ،وبمعانيها باللغة اإلنجليزية.
وتفحصت الكتيب ساعات عدة ،قبل أن أجد في نف�سي الثقة الكافية لتجربة الصالة األولى .وكان
الوقت قد قارب منتصف الليل ،لذلك قررت أن أصلي صالة العشاء .ودخلت الحمام ووضعت
مفتوحا على الصفحة التي تشرح الوضوءّ .
وتتبعت التعليمات الواردة ً الكتيب على طرف املغسلة
ّ
طاه يجرب وصفة ألول مرة في املطبخ .وعندما انتهيت من بتأن ودقة ،مثل ٍ
فيه خطوة خطوةٍ ،
الوضوء ،أغلقت الصنبور وعدت إلى الغرفة واملاء يقطر من أطرافي .إذ تقول تعليمات الكتيب
إنه من املستحب أال يجفف املتو�ضئ نفسه بعد الوضوء.
ً
متوجها إلى ما كنت أحسبه اتجاه القبلة .نظرت إلى الخلف ألتأكد ووقفت في منتصف الغرفة،
ً ً
من أنني أغلقت باب شقتي ،ثم توجهت إلى األمام ،واعتدلت في وقفتي ،وأخذت نفسا عميقا ،ثم
مالمسا شحمتي األذنين بإبهامي ..ثم بعد ذلك قلت بصوتً رفعت يدي ،وبراحتين مفتوحتين
خافت (هللا أكبر) ..كنت آمل أال يسمعني أحد ..فقد كنت أشعر ب�شيء من االنفعال .إذ لم أستطع
علي! وفجأة أدركت أنني تركت الستائر مفتوحة! التخلص من قلقي من كون أحد يتجسس ّ
وتساءلت :ماذا لو رآني أحد الجيران؟!
تركت ما كنت فيه ،وتوجهت إلى النافذة ،ثم جلت بنظري في الخارج ألتأكد من عدم وجود
52
أحد .وعندما رأيت الباحة الخلفية خالية ،أحسست باالرتياح .فأغلقت الستائر ،وعدت إلى
منتصف الغرفة ومرة أخرى ،توجهت إلى القبلة ،واعتدلت في وقفتي ،ورفعت يدي إلى أن المس
اإلبهامان شحمتي أذني ،ثم همست (هللا أكبر) ..وبصوت خافت ال يكاد يسمع ،قرأت فاتحة الكتاب
ببطء وتلعثم ،ثم اتبعتها بسورة قصيرة باللغة العربية ،وإن كنت أظن أن أي عربي لم يكن ليفهم
شيئا لو سمع تالوتي تلك الليلة .ثم بعد ذلك تلفظت بالتكبير مرة أخرى بصوت خافت وانحنيت ً
واضعا كفي على ركبتي وشعرت باإلحراج ،إذ لم أنحن ً ً
متعامدا مع ساقي راكعا حتى صار ظهريً
ألحد في حياتي .ولذلك فقد سررت ألنني وحدي في الغرفة .وبينما كنت ما أزال ً
راكعا ،كررت
عدة .ثم اعتدلت ً
واقفا وأنا أقول (سمع هللا ملن حمده) ثم (ربنا عبارة (سبحان ربي العظيم) مرات ّ
ولك الحمد) ..أحسست بقلبي يخفق بشدة ،وتزايد انفعالي عندما ّكبرت مرة أخرى بخضوع فقد
حان وقت السجود ..وتجمدت في مكاني ،بينما كنت أحدق في البقعة التي أمامي ،حيث كان ّ
علي أن
أهوي إليها على أطرافي األربعة وأضع وجهي على األرض!
لم أستطع أن أفعل ذلك! لم أستطع أن أنزل بنف�سي إلى األرض! ال أستطيع أن ّ
أذل نف�سي بوضع
أنفي على األرض ،شأن العبد الذي يتذلل أمام سيده! لقد ّ
خيل لي أن ساقي مقيدتان ال تقدران على
االنثناء! لقد أحسست بكثير من العار والخزي .وتخيلت ضحكات أصدقائي ومعارفي وقهقهاتهم،
وتخيلت كم سأكون ً مغفل أمامهمّ ،ً
مثيرا للشفقة والسخرية وهم يراقبونني وأنا أجعل من نف�سي
بينهم ،وكدت أسمعهم يقولون (مسكين جفري لقد أصابه العرب ّ
بمس في سان فرانسيسكو،
أليس كذلك؟).
علي وصفه بالكلمات ..فقدوفي تلك اللحظة ،شعرت ب�شيء لم أجربه من قبل ،ولذلك يصعب ّ
اجتاحتني موجة ال أستطيع أن أصفها إال بأنها كالبرودة ،وبدا لي أنها تشع من نقطة ما في صدري.
وكانت موجة عارمة فوجئت بها في البداية حتى أنني أذكر أنني كنت أرتعش .غير أنها كانت أكثر من
مجرد شعور جسدي ،فقد ّأثرت في عواطفي بطريقة غريبة ً
أيضا.
لقد بدا كأن الرحمة قد تجسدت في صورة محسوسة وأخذت تغلفني وتتغلغل في جسدي...
ثم بدأت بالبكاء من غير أن أعرف السبب ،فقد أخذت الدموع تنهمر على وجهي ،ووجدت نف�سي
القرآن يقرؤني
أنتحب بشدة ...وكلما زاد بكائي ،ازداد إحسا�سي بأن قوة خارقة من اللطف والرحمة تحتضنني.
ولم أكن أبكي بدافع من الشعور بالذنب ،برغم أنه يجدر بي ذلك ،وال بدافع من الخزي أو
مطلقا عنان مخزون عظيم من الخوف والغضب بداخلي.ً سدا قد انفتحالسرور .لقد بدا كأن ًّ
ً
منتحبا ورأ�سي بين كفي .وعندما ً
منحنيا إلى األرض، ً
جالسا على ركبتي، ظللت لبعض الوقت
توقفت عن البكاء ً
أخيرا ،كنت قد بلغت الغاية في اإلرهاق .فقد كانت تلك التجربة جارفة وغير
مألوفة إلى حد لم يسمح لي حينها بأن أبحث عن تفسيرات عقالنية لها .وقد رأيت أن هذه التجربة
أغرب من أن أستطيع إخبار أحد بها.
أما أهم ما أدركته في ذلك الوقت فهو أنني في حاجة ّ
ماسة إلى هللا وإلى الصالة ،وقبل أن أقوم
من مكاني ،دعوت بهذا الدعاء األخير« :اللهم إذا تجرأت على الكفر بك مرة أخرى ،فاقبض روحي
جدا أن أحيا بكل ما عندي من النواقص قبل ذلك ،وخلصني من هذه الحياة ..ومن الصعب ًّ
ً
واحدا آخر وأنا أنكر وجودك». والعيوب لكنني ال أستطيع أن أعيش ً
يوما
سبحان هللا! ما أعظم اإلسالم وما أحلى اإليمان إذا المست بشاشته القلوب ..إن لإليمان
حالوة ال يتذوق طعمها الحقيقي إال من أسلم وجهه إلى ربه وهو ناضج بعد سنوات طوال قضاها
أميا ّ
لتوه حتى لو كان ًّ ً
تائها وسط ظلمات الكفر واإللحاد ،وهو ما ينطبق على كل من دخل اإلسالم ِ
ّ
القصة. أو محدود التعليم ،فما بالك بعالم كبير في مقام بطل هذه
يتابع البروفيسور األمريكي جفري النج حديثه فيقول :بعد يومين من اعتناقي اإلسالم صليت
ّ
متراصة، ّأول صالة جمعة ،وكنا في الركعة الثانية ،واإلمام يتلو القرآن ،ونحن خلفه في صفوف
جميعا نتحرك بانتظام وكأننا جسد واحد ،وكنت أنا في الصف ً الكتف يالمس الكتف ،وكنا
هادئا والسكون ّ
مخيماً ً
الثالث! وجباهنا على السجادة الحمراء املفروشة على األرض ،وكان الجو
على املكان!! واإلمام يرتدي عباءة بيضاء ويقف تحت النافذة الصغيرة التي يتسلل منها النور!!
54
فصرخت في نف�سي :إنه الحلم! إنه الحلم ذاته!
حقا؟! فاضت عيناي بالدموع ..السالم عليكم ورحمة هللا، وتساءلت :هل أنا اآلن في حلم ًّ
تملكني الخوف والرهبة عندما شعرت ّّ
ألول انتهيت من الصالة ،ورحت أتأمل الجدران الرمادية!
مرة بالحب ،الذي ال ُينال إال بالعودة إلى هللا ..ألول مرة أعرف معنى الحب الذي يشعرك بالرهبة..
رهبة من عظمة ما أنت بصدده ..أنت أمام هللا!!
55
فإلى كل متعصب ملا هو عليه من ضالل..
ال َ
تتماد واحتسب ليوم الهدى ..أو يوم الهالك..
أحدهما أو كالهما قادم بإذن هللا ..ال ِتزد من شعور الحسرة وقتذاك!!..
ثق بكالمي ..بل ثق بوعد هللا..
قصتنا هذه ستعينك على الثقة ..تأمل قصة بطلتنا العنيدة املتعصبة..
منذ طفولتها شبت مبشرة متعصبة عنيدة ..توعدت كل من وقف في طريقها من املسلمين
بالويل والثبور ..أين ما تذهب تقيم الدنيا وال تقعدها بصخبها وضجيجها ..كان في اعتقادها أنها
أريني الدليل
رحل جدها مجيد وأخوه نجيب قعوار إلى الضفة الغربية ليعيشا مع عائلتيهما قرب بحيرة
ُ
طبريا ،بيد أنهم طردوا من ديارهم عقب مقدم اإلسرائيليين عام 1948حيث اضطروا إلى
فضل ّ
عمها نجيب اإلقامة االنتقال إلى األردن ،فاستقر والدها مجيد في مدينة الزرقاء ،بينما ّ
في العاصمة األردنية ّ
عمان.
قرر والد ُروبى في شبابه ترك األردن فسافر إلى الدنمارك ،حيث تيسرت له سبل النجاح ّ
مرة يدر عليه ً
ربحا ً
وفيرا ،األمر الذي دفعه للتفكير في الزواج ..عاد إلى األردن ّ مطعما ّ
ً فامتلك
ً
أخرى بحثا عن شريكة حياته ،فاختارت له أمه بنت عمه نجيب ،فتزوجها وعاد بها إلى الدنمارك.
في عام 1981أنجبا ابنة أطلقا عليها اسم ُروبى ،وبعدها بأربع سنوات عادت األسرة إلى األردن
مرة أخرى ،واستقر بها املقام في مدينة الزرقاء بالقرب من الكنيسة التي يعود تأسيسها لوالدهمّ
مجيد ..تفرغ والد ربى آنذاك للعمل في خدمة الدين املسيحي ،فأعاد فتح الكنيسة التي أغلقت
أبوابها بعد وفاة والده مجيد ،ثم أسس ثالث كنائس أخرى في األردن ،كما توسع في نشاطه
قسيسا ألربع كنائس في مدن أردنية مختلفة. ً الديني ،وأصبح
أما كلثوم قعوار والدة الطفلة ُروبى ،فقد كانت من أكبر القائدات املسيحيات في منطقة
سنويا يحضره نحو 500من النساء املسيحيات فيًّ ً
مؤتمرا الشرق األوسط ،حيث أسست
املنطقة ،ملناقشة العديد من املوضوعات الدينية واالجتماعية والسياسية التي ّ
تهم املرأة.
كرست كل وقتهاوهكذا نشأت الطفلة ُروبى وترعرعت في كنف هذه األسرة النصرانية التي ّ
ً
ارتباطا ً
وثيقا ..وقد درست ومالها لخدمة الدين املسيحي ،األمر الذي جعلها ترتبط بالكنيسة
ُروبى الالهوت املسيحي وبدأت في خدمة الكنيسة برغم أنها لم تتجاوز الثانية عشرة من عمرها..
56
ليس هذا فحسب ،بل أصبحت قائدة ومرشدة في املجتمع املسيحي ومدربة ملعلمات األطفال في
ً ًّ ً
تعليميا متكامل لتدريس الكتاب املقدس. برنامجا الكنيسة ،حيث ابتكرت لهم
أسرة ُروبى أرضعتها كراهية اإلسالم منذ نعومة أظفارها وجعلتها تحارب كل من له عالقة
بالدين اإلسالمي ..فعلى سبيل املثال وهي في املدرسة اإلعدادية رأت طالبة مسلمة تؤدي صالتها
في خشوع فركلتها بقدمها ودفعتها وهي ساجدة على األرض ..كانت كثيرة الشجار مع الطالبات
املسلمات وكانت تسعى بشتى السبل إلى أن تثبت ّ
لهن أنها الوحيدة املثقفة بينهن وأنهن متخلفات
ال يفقهن ً
شيئا ..لذلك اعتاد الجميع على رؤيتها وهي تحمل الكتاب املقدس على مدار الساعة،
وتقرأ منه بصوت مرتفع ،وفي مرات أخرى تختار أحد النصوص من الكتاب املقدس وتكتبه على
لوح الفصل ..بل ما أن يحل شهر رمضان حتى تستمتع بتعمدها األكل والشرب أمام الطالبات
املسلمات وهن صائمات.
في السنة األخيرة من املدرسة الثانوية حضرت ُروبى أحد دروس الثقافة اإلسالمية بغرض
االستماع ملا يقوله املسلمون عن الدين املسيحي ..غضبت يومها بشدة عندما سمعت إحدى
الطالبات تقول إن اإلنجيل محرف ..حاولت أن تثبت ّ
لهن أن األناجيل األربعة كتب إعجازية ألنها
كتبت من أشخاص مختلفين (متى ،مرقس ،لوقا ويوحنا) في أماكن مختلفة وفي نفس الوقت،
فقالت لها إحدى الطالبات املسلمات« :إذا كان األمر كذلك فإنك تقولين إن الجن هم من كتب
هذه الكتب األربعة»! ازداد غضبها حينذاك وخرجت من الفصل مغتاظة ال تلوي على �شيء.
أثارت تلك الحادثة فضول الطالبات فأصبحن يتحلقن حولها ويطرحن عليها العديد من
األسئلة عن دينها وحياتها ..كانت تجيب عن أسئلتهن في منتهى الحماس وكانت تحاول إقناعهن
بالدين املسيحي عبر إبرازها األدلة من الكتاب املقدس الذي لم يكن يفارقها لحظة ..عندما ّ
تكرر
األمر بصورة الفتة لألنظار ،استدعتها معلمة اللغة العربية باملدرسة وطلبت منها التوقف عن
التحدث مع الطالبات عن الدين املسيحي ألن القانون ال يسمح بذلك ..وعندما حاولت ُروبى إنكار
ً ً
اتهام املعلمة لها ،ردت عليها املعلمة بأن لديها شريطا مسجل بصوتها وهي تتحدث مع البنات عن
ً
وحقدا على الدين املسيحي ..أحدثت كلمات املعلمة صدمة عنيفة ُلروبى ،وجعلتها تزداد ً
كرها
اإلسالم واملسلمين ..وبرغم تحذير إدارة املدرسة لها زادت ُروبى من نشاطها التبشيري بين
الطالبات املسلمات ،بل دعت بعضهن للحضور إلى الكنيسة إلقناعهن بالدين املسيحي.
على الرغم من شغبها ومشاكساتها ونشاطها التبشيري فقد كانت ُروبى متميزة ومجتهدة في
ً
دراستها ،إلى جانب امتالكها مواهب متعددة ،ويكفي دليل على ذلك أنها حصلت في عام 1999
على عدد من جوائز الشرف على مستوى اململكة األردنية الهاشمية في مجاالت الرسم وعزف
57 املوسيقى على البيانو والفلوت وعزف املوسيقى الشرقية.
عقب تخرجها في املدرسة الثانوية ،التحقت املبشرة العنيدة ُروبى بجامعة مؤتة األردنية
لدراسة الكيمياء ..ولسوء الحظ أو لحسنه كانت جامعة مؤتة آنذاك تحتضن أقوى الحركات
اإلسالمية على مستوى الجامعات األردنية فوجدت املبشرة الطموحة أمامها أعتى التحديات..
مرت السنة األولى بسالم دون حدوث أي صدامات دينية كانت متوقعة بين الطرفين ..أما في
تماما حيث وجدت ُروبى نفسها في مأزق ال تحسد عليه بعدما ً
مختلفا ً السنة الثانية فكان األمر
تحتم عليها أن تسجل في صف الثقافة اإلسالمية كمادة إجبارية ،وكان الصف يضم 150طالباً
جميعهم مسلمون باستثناء طالبة مسيحية واحدة هي ُروبى بطلة هذه القصة!
أريني الدليل
حاولت هذه الطالبة املسيحية االستفادة من هذا الوضع االستثنائي فأخذت تعتز بنفسها
وتفتخر بتميزها عن الجميع ..لفتت ُروبى األنظار إليها بمناقشاتها الحادة مع أستاذ املادة الدكتور
موضوعا حول الثقافة اإلسالمية إال وكانت تحرص على ً محمد الرواشدة إذ لم يكن يطرح
ّ
التعليق عليه واملشاركة في مناقشته بصورة فجة تخلو من االحترام ألستاذها مع استعراض
أدلتها من الكتاب املقدس الذي كان ال يفارقها لحظة.
طلب أستاذ املادة منها زيارته في مكتبه ،حيث أخذ يناقشها بموضوعية في حوار ديني هادئ
بعيدا عن فضول الطالب ومداخالتهم ..أخبرها بأنه يعلم من الدين املسيحي ما ال تعلمه هي، ً
بحدة« :اسمع يا دكتور ،أنا ولدت مسيحية ،وأبي وأخذ يدعوها إلى اإلسالم فأجابته في تعال قائلة ّ
ٍ
ّ ً
قسيس ألربع كنائس ،وأمي شخصية مهمة في املجتمع املسيحي ،لذلك ال مجال لي أبدا أن أغير ديني
ً
بأي حال» .تأسف الدكتور وتنهد في يأس قائل لها« :هللا يهديك» ولم يزد على ذلك.
عقب مقابلتها الدكتور محمد الرواشدة في مكتبه ازدادت جرأة وشراسة وبدأت تهاجمه دونما
أدنى قدر من االحترام والتقدير بل كانت تتهمه صراحة بأنه على خطأ وكذلك الحال مع اإلسالم
بينما هي على صواب ..أصيب الطالب بالدهشة من جرأة زميلتهم املسيحية خاصة عندما تطور
األمر معها وأصبحت الطالبة املسيحية ُروبى تجلس في األماكن العامة لتناقش الجميع بكل جرأة
وتدعوهم إلى اعتناق الدين املسيحي ..تسبب نشاط الطالبة ُروبى في إحداث فتنة في الكلية ،فتقرر
فصلها من الجامعة قبل إكمال دراستها.
ولحسن حظها كان لديها في ذلك الوقت فرصة للهجرة إلى الواليات املتحدة األمريكية ،فلم
تتردد في انتهازها ،وبالفعل هاجرت مع عائلتها إلى والية تكساس األمريكية عام ،2002وكان يجب
مصابا بمرض السرطان..ً عليها أن تبدأ حياتها من الصفر ..ولم ينقض عام حتى توفي والدها
وبرغم املتغيرات األخيرة الكثيرة التي حدثت في حياتها واصلت ُروبى دراستها الجامعية وإن غيرت
مسارها وتخصصت في التصميم الفني والرسوم املتحركة ..تحقق لبطلة قصتنا النجاح في مجالها 58
الجديد حيث حظيت بالتفوق األكاديمي لثالثة أعوام متتالية ،بل حصلت في عام 2005على
جوائز الشرف للرسم وعمل الرسوم املتحركة على مستوى الكلية.
اآلن ُروبى تعيش في بيئة أخرى مختلفة ً
تماما في ثقافتها ولغتها عن موطنها األصلي األردن ،فهل
يدفعها ذلك إلى التنازل عن نشاطها في التبشير باملسيحية؟! األمر ليس بهذه السهولة بالنسبة
إلى فتاة مسيحية متعصبة! بمجرد ما حطت ُروبى رحالها في موطنها الجديد في والية تكساس
األمريكية واظبت على الذهاب إلى كنيسة داالس املعمدانية العربية ،حيث كان عمها هو قسيس
هذه الكنيسة ..فزاد نشاطها الديني التبشيري وأصبحت تعد بعض البرامج واملناهج الجديدة
وترسلها إلى الكنيسة في األردن للمساعدة في تدريس اإلنجيل لألطفال ..بل كان أحد أهم أهدافها
الوصول إلى العرب املسلمين في والية تكساس ودعوتهم إلى املسيحية ،وكان يحفزها على ذلك
الهامش الكبير للحرية والتعبير الذي وجدته في املجتمع األمريكي املسيحي.
وهكذا أصبحت ُروبى تلتقي مجموعة من الشباب املسلمين العرب ،وتحاول في استماتة
إقناعهم باالرتداد عن اإلسالم من خالل مناقشات ساخنة كانت تستخدم فيها األدلة والبراهين
ًّ
مغربيا اسمه لتعزيز حجتها ..عندما شعر هؤالء الشباب بعجزهم عن منازلتها ،أحضروا لها ً
شابا
«مصطفى بالحور» ،لينوب عنهم في النقاش ..كانت املبشرة ُروبى تنظر لألمر كسباق محموم ال
ّبد من أن يكون فيه غالب ومغلوب ،وهي ال تر�ضى بالخيار الثاني ..لكن فاجأها الشاب املغربي
فسد أمامها كل الطرق للطعن في اإلسالم ،وبالتالي شعرت ّ
والسنةّ ، بمعرفته الواسعة في القرآن
ّ
بأنه يمثل حجر عثرة وعقبة كبرى أمام مشروعها التبشيري الذي تود من خالله تنصير الشباب
تحد في حياتها ..استمرت جلسات النقاش الساخنة بين ُروبى املسلمين الذين وضعتهم كأهم ّ
ٍ
ومصطفى لفترة طويلة دون أن يرفع أحدهما الراية البيضاء ويستسلم أمام خصمه ،وهو أمر
يعزى إلى حقيقة أن أحد طرفي هذا الحوار الفتاة املسيحية ُروبى التي تصف نفسها :بأنها «عنيدة
ًّ
جدا» في األمور الدينية.
بمرور الوقت بدأت املبشرة املسيحية تشعر بامللل والضيق من كثرة النقاش والجدال
العقيم غير املجدي ..وفي أغسطس من عام 2005كانت أمها قادمة من األردن ،فانتهزت ُروبى
ً
هذه الفرصة ورأت أنها حجة معقولة لالنسحاب وتجنب النقاش مع مصطفى بدل من اإلهانة
التي سوف تشعر بها إن هي خسرت النقاش ..لذلك استأذنت لالنصراف وبدأت أولى خطواتها
ً
ملغادرة املكان ..وفي تلك اللحظة الحاسمة ناداها مصطفى باسمها وقال لها في حزم« :أريد دليل»!
عما يتحدث ،قال لها« :اذهبي فت�شي األناجيل كلها ،لن تجدي آية واحدة يقول استدارت وسألته ّ
ردت عليه بسخرية« :ما الذي تقوله ،إنه من فيها املسيح عن نفسه إنه هللا ،لم يقل ً
أبدا :أنا هللا»! ّ
املؤكد أن هناك آيات كثيرة تقول إن املسيح هو هللا»! قال لها مصطفى« :أريني الدليل»!
59
عادت ُروبى إلى منزلها وسؤال مصطفى يقرع على مسامعها دونما توقف« :أريني الدليل»!!
ً
أصابتها حال هستيرية وأخذت تتصفح األناجيل في جنون بحثا عن الدليل الذي طلبه مصطفى..
أحبطت حينما لم تجد ًّ
نصا في أي إنجيل من األناجيل يقول فيه املسيح إنه هللا! ..وبرغم توصلها
طريقا فبدأت رحلة من البحث ً في تصفح األناجيل إلى طريق مسدود لم يعرف اليأس إلى نفسها
في شبكة اإلنترنت ،ولكن خاب ظنها مرة أخرى ،فلجأت إلى كتب النصارى كمالذ أخير تتصفحها
ً ً
بحثا عن الدليل ،ولكن هذه الكتب لم تكن أحسن حال من األناجيل واإلنترنت.
برغم ذلك كله لم تيأس ،ألنها كانت متيقنة من أنه ال ّبد من وجود دليل وإال فإن العقيدة
املسيحية تنهار من أساسها ..وكما الغريق الذي يحاول أن يتشبث بقشة ،لجأت ُروبى إلى أمها،
أريني الدليل
باعتبارها عاملة مسيحية متبحرة ..لكن جاء رد األم كصفعة مؤملة على قلب ابنتها« :ال يوجد
هناك آية حقيقية تصرح بأن املسيح قال عن نفسه إنه هو هللا ،ولكنه قال :من رآني فقد رأى
اآلب»! ردت الفتاة على أمها بإحباط ومرارة« :ولكن اآلب واالبن ليسا متشابهين؟»! فأجابت
األم« :ولكنك تعلمين أن لهما نفس املستوى في القوى ،وهما واحد في الثالوث األقدس (اآلب
واالبن والروح القدس)»! هنا تيقنت الفتاة املسيحية املتعصبة أن القضية األولى فاشلة،
وبالفعل ال يوجد الدليل الذي سأل عنه مصطفى ،ولذلك كان عليها أن تتشبث بالقضية الثانية
وهي االعتقاد أن املسيح هو االبن (ابن هللا)! أدارت دفة البحث ولكن في اتجاه مختلف هذه ّ
املرة،
ففتحت اإلصحاح األول من إنجيل يوحنا حيث تنص الفقرة األولى على اآلتي« :في البدء كان
الكلمة ،والكلمة كان عند هللا ،وكان الكلمة هللا»( .إنجيل يوحنا .)1 :1
الكلمة هي املسيح الذي خلق من بدء الخليقة وهو كان عند هللا!! ولكن النص نفسه يقول:
«وكان الكلمة هللا»! تعجبت ُروبى من هذا النص الذي يناقض نفسه والذي بدا لها شديد الغرابة
للمرة األولى! تساءلت في حيرة :كيف يكون هللا هو املسيح ومع املسيح في الوقتوكأنها تقرؤه ّ
ً
انفصاما في الشخصية نفسه! إن هذا أمر ال يقبله عقل وال يتسق مع املنطق!! هل يعاني املسيح
حتى يكون األمر كذلك؟!
أشاحت ُروبى بوجهها عن إنجيل يوحنا وأغلقته بعد ما صدمتها الفقرة األولى منه ،وانتقلت إلى
رسالة يوحنا األولى ،وفي اإلصحاح الخامس منها توقفت عند هذا النص« :فإن الذين يشهدون
في السماء هم ثالثة :اآلب ،والكلمة ،والروح القدس .وهؤالء الثالثة هم واحد»( .رسالة يوحنا
األولى .)7 :5تهلل وجهها من الفرح عند اطالعها على هذا النص وشعرت بنشوة النصر ،ألنها
اعتقدت أنها وجدت الحل؛ اآلب = االبن = الروح القدس (هم الثالثة واحد)! لم تدم فرحتها
طويل ألن الفقرة التالية لهذه الفقرة مباشرة سوف تقلب عليها الطاولة ً ً
رأسا على عقب:
«والذين يشهدون في األرض هم ثالثة :الروح ،واملاء ،والدم .والثالثة هم في الواحد»( .رسالة
يوحنا األولى .)8 :5الروح = الروح القدس ،املاء = اآلب ،والدم = االبن؛ فكيف يمكن أن يكون 60
الثالثة (هم) واحد والثالثة (في) واحد في الوقت نفسه ،هناك فرق بين املعنيين!
ّ
هنا بدأت الفتاة املسيحية تفكر بصوت مرتفع :إذا اعتقدنا أن هللا ثالثةِ ،فل َم لدينا خليقة
واحدة وليست ثالثة؟ فعلى سبيل املثال لو أحضرنا ثالثة رسامين ليرسموا لنا شجرة معينة،
تبعا لطريقة تفكيره ،وحتى إذا كانوا الثالثة في كل واحد منهم سوف يرسمها بأسلوبه الخاص ً
الواحد يخلقون الخليقة ،فإن كل واحد منهم سوف يخلقها بطريقة مختلفة عن اآلخر ،حتى
أيضا أن جميعلو كانت بنفس الهدف! أنا أعلم أن املسيح قال عن نفسه إنه ابن هللا ولكني أعلم ً
اليهود يطلقون على أنفسهم أوالد هللا وهم أناس بشر مثلنا ،فهذا التعبير (ابن هللا) كان ً
دارجا في
ً ذلك الوقت وليس ًّ
خاصا باملسيح وحده .إذا فإن املسيح ليس هو «ابن هللا» باملعنى الحرفي لهذه
قدسته؟ العبارة! وهكذا بدأت ُروبى ترى بنفسها التناقض الصريح في الكتاب املقدس الذي طاملا ّ
بل انتقلت شكوكها إلى أركان العقيدة النصرانية وبدأت تفكر في صالة املسيح! فلمن كان يصلي؟
نصوص كثيرة في األناجيل تقول إن املسيح كان يصلي ويدعو هللا! هل كان يصلي لنفسه؟
اللوحة الجميلة التي رسمتها ُروبى في ذهنها عن الديانة املسيحية وظلت تدافع عنها منذ نعومة
ّ
وتضحي من أجلها بالغالي والنفيس ،بدأت تتمزق أمام ناظريها وبين يديها اآلن ،وفي تلك أظفارها
ّ
اللحظة ملعت في ذهنها ذكريات قديمة حينما كانت تدرس الالهوت وكان يدرسهم تاريخ الكتاب
ًّ
حرفيا« :لقد ذهبت إلى بريطانيا ألرى نصوص اإلنجيل املقدس عالم بريطاني كبير حيث قال لهم
األصلية املكتشفة ،ولم أجد غير أوراق محروقة ،وممزقة وضائعة»! تذكرت الفتاة املسيحية
هذه الكلمات التي ظلت محفورة في ذهنها ،ثم نظرت إلى الكتاب املقدس الذي بين يديها ،وتساءلت:
ً ما هذا الكتاب؟؟ من أين جاءت كلمات هذا الكتاب؟ إذا كنت أعبد ً
إلها كامل ليس فيه عيب
واحد ،فكيف يمكنني اإليمان بكتاب غير كامل أو غير محفوظ؟ ثم كيف يعجز اإلله عن حفظ
ًّ
حقيقيا؟! كتابه إن كان ً
إلها
عندما وصلت بطلة قصتنا ُروبى إلى هذا الحد عقدت مقارنة عجيبة تقول فيها :لو أننا أحرقنا
كل الكتب املقدسة التي في أيدي النصارى اليوم ولم نترك منها ً
واحدا ،ثم سألنا النصارى في جميع
ً
واحدا ًّ
نصرانيا ً
مطابقا للكتب األولى التي أحرقت ،فلن نجد أنحاء األرض أن يحضروا لنا ً
كتابا
مطابقا ..في املقابل لو فعلنا ذلك بالقرآن فسوف نجد مليون مسلمً يمكنه أن يحضر لنا ً
كتابا
على األقل يحفظون القرآن عن ظهر قلب! ملاذا؟ ألن املسيحيين لديهم العديد من النسخ التي
نصوصا إنجيلية جديدة من حين آلخر ،أماً ال يتطابق بعضها مع بعض ،بل ما زالوا يكتشفون
القرآن فهو كتاب واحد لم يتغير منه حرف واحد منذ أن نزل وإلى اآلن بل وإلى أن تقوم الساعة!
عندما وصلت ُروبى إلى هذا الحد فقدت الثقة بكتابها املقدس ..ليس هذا فحسب بل بدأت
حقا؟ سؤال خطير طرحته على نفسها في هذه تشك في الهوت صلب املسيح ،وهل مات املسيح ًّ
61
املرحلة الحرجة من حياتها ،واإلجابة عنه سوف تحدد مستقبلها كله بخيره وشره! ولكن أين تجد
اإلجابة عن هذا السؤال وقد فقدت األمل في الكتاب املقدس! لجأت إلى القرآن الكريم وأف�ضى بها
البحث إلى هاتين اآليتين من سورة النساء:
ُ َ َ َ ْ َ َ ْ َ َ َ ُ َ َّ َ َ َ َ ُ ُ َ َ َ َ ُ ُ َ
وه َول ِك ْن ش ِّبه ل ُه ْميح ِعي�سى ابن مريم رسول الل ِه وما قتلوه وما صلب َو َق ْوله ْم إ َّنا َق َت ْل َنا ْالَس َ
ِ ِ ِ
ْ ْ َّ ّ َ َ َّ ّ َ َ َ َ ُ ُ َ ً ْ ُ َ َ ّ ُْ َ َ َ َّ َّ ِ َ ْ َ َ ُ
و ِإن ال ِذين اختلفوا ِف ِيه ل ِفي ش ٍك ِمنه ما لهم ِب ِه ِمن ِعل ٍم ِإل ِاتباع الظ ِن وما قتلوه ي ِقينا ()157
َ ْ َ َ َ ُ َّ ُ َ ْ َ َ َ َّ
الل ُه َعز ًيزا َح ِك ً
يما ( )158النساء ِ بل رفعه الله ِإلي ِه وكان
بشكل واضح ال لبس فيه وضعها القرآن ً
وجها لوجه أمام حقيقة املسيح ،ليس هو هللا ،وال
أريني الدليل
حتى ابن هللا ،بل هو رسول هللا ،ولم يقتلوه ولم يصلبوه ،بل رفعه هللا إليه! كالم واضح وصريح
ومقنع! انتابها األ�سى واأللم وهي تقرأ هاتين اآليتين ،وتتأسف على 24سنة من عمرها ضاعت
سدى! طوال هذه الفترة وهي تدرس نظريات وأكاذيب وأباطيل! طوال هذه الفترة وهي تدافع عن
كذبة كبرى اسمها املسيحية! طوال هذه الفترة وهي تعبد اإلله الخطأ! إحباط ما بعده إحباط!
لكي تخرج من املأزق املعقد الذي وجدت نفسها بين مخالبه فكرت في االنتحار! تصف الفتاة
ُروبى هذه اللحظات فتقول« :أردت االنتحار ..شعرت أن األرض تهتز من تحت قدمي ..انتابني
الرعب ..أردت أن أرجع إلى بداية املطاف وأبحث من جديد ألثبت العكس ،ولكني ال أعرف ما
الذي سيحدث بعد ذلك ..شعرت أنني أدمر حياتي».
في هذه املرحلة املفصلية الحاسمة من حياتها ،تحول تفكيرها في االتجاه الصحيح ،فتقبلت
فكرة أن املسيح إنسان ورسول من عند هللا سبحانه وتعالى ،وأصبحت تؤمن بجميع األنبياء
ّ
الذين قبله ،وتبقى لديها مشكلة تمنعها من اإليمان بمحمد -صلى هللا عليه وسلم !-فما هي هذه
املشكلة؟ مشكلتها أنها ال تعلم من سيرته إال تلك الصورة السلبية التي غرستها في ذهنها التعاليم
النصرانية املضللة منذ أن كانت طفلة .ولكنها تداركت نفسها بنفسها وتساءلت :كيف يمكن أن
تكون هذه مشكلة والقرآن الكريم أتى من هللا من خالل النبي محمد -صلى هللا عليه وسلم-؟
ً ً
خامسا ال تعترف به الكنيسة اسمه (برنابا) وفي هذا اإلنجيل يبشر ثم تذكرت أن هناك إنجيل
املسيح صراحة بخاتم املرسلين ،كما أن هذا اإلنجيل يتفق مع القرآن الكريم في أمور كثيرة منها
أن املسيح -عليه السالم -لم ُيصلب بل رفعه هللا إليه!
احتشدت كل هذه القناعات في عقل الفتاة املسيحية دفعة واحدة ،فتركت غرفتها واتصلت
بالشباب املسلمين الذين لم ترهم منذ أكثر من شهرين ،قضتهما في البحث عن الحقيقة عن
«الدليل» .واآلن سوف تذهب لرؤيتهم ولكن بأي وجه؟ خرجت ُروبى من بيتها باكية وفي الطريق
كانت ترجو هللا وتدعوه بهذه الكلمات« :إذا كان هذا هو الطريق الصحيح فغير حياتي ،وإذا لم 62
يكن فاجعلني أموت في حادث سيارة قبل أن أصل أصدقائي ،فكل ما أريده هو الحقيقة ومرضاتك
يا رب ،وكل ما أبتغيه هو الجنة».
وصلت ُروبى إلى الشباب وقد هيؤوا أنفسهم لجولة جديدة من الجدال العقيم ،وعندما رأوها
ً
مكروها أصابها ..وقفوا ينظرون إليها في حيرة والدموع تسيل بغزارة من عينيها اعتقدوا أن
وينتظرون منها ولو كلمة واحدة تخبرهم بحقيقة أمرها ،ففاجأتهم بكلمات لم يتوقعوها ولو في
ً
محمدا رسول هللا»! عالم الخيال« :أشهد أن ال إله إال هللا وأشهد أن
عم الجميع ،والجميع فاغر فاه ينظر إليها في ذهول ويرمقها باندهاش! كسر صمت مهيب ّ
مصطفى حاجز الصمت وقال لها« :اسكتي ..ال تكذبي»! ّ
فردت عليه وهي تبكي« :أنا ال أكذب»!
غدا سيكون أول يوم فيمتعجبا! قالت له« :أنا ال أكذبً ،
ًّ ولكن لم يصدقها أحد والكل ينظر إليها
شهر رمضان ،واآلن سوف تعلمني كيف أتوضأ وكيف أصلي وكل �شيء»! عندما سمعها مصطفى
ً
«مرحبا بك في اإلسالم». تقول ذلك ورأى اإلصرار في عينيها ،انفجر ً
باكيا من الفرحة ،وقال لها:
ً
حجابا وبالفعل تعلمت الصالة وكل تعاليم اإلسالم األساسية في ليلة واحدة فقط ،واشترت
وبدأت تمارس عقيدتها الجديدة ،وظلت تخفي أمر إسالمها عن عائلتها ملدة أسبوعين ،وكانت
تصلي الساعة الثانية أو الثالثة بعد منتصف الليل حتى ال يراها أحد وينكشف أمرها .وفي يوم
من األيام وبينما كانت ذاهبة من البيت إلى الكلية وكانت معها حقيبتها التي تحتوي على القرآن
والحجاب ،وقع الحجاب على األرض ورأته أختها ،ولكنها لم تعر األمر أهمية ،حتى جاء الليل
واستيقظت أختها فجأة فرأتها تصلي ،والتفتت إلى سريرها وإذا باملصحف الشريف موضوع
عليه ،ومنذ تلك اللحظة علم بقية أعضاء العائلة بخبر إسالمها ،وبدأ مشوارها مع االبتالءات.
مبرحا حتى رأت شبح املوت أمامها ً
عيانا ضربا ً
في البدء نعتوها بأقبح العبارات ،وانهالوا عليها ً
ً
بيانا ،ثم هددوها بالقتل إن لم تترك اإلسالم وتعد إلى دين اآلباء واألجداد ..لم تستطع الوقوف
على قدميها من شدة الضرب فزحفت على األرض حتى دخلت الحمام وأغلقته عليها من الداخل..
أسندت ظهرها إلى الباب واستغرقت في البكاء فاختلطت دموعها مع الدماء السائلة من وجهها ..ثم
قامت لتغسل وجهها فإذا بهاتف أختها املحمول وقد تركته في الحمام ..تناولته على الفور واتصلت
يعم الهدوء ويسكن الضجيج خارج الحمام ،وإذا برجل شرطة يقرع بالشرطة ..وبعد لحظات ّ
عليها الباب ويقول لها :يمكنك أن تخرجي اآلن.
خرجت ُروبى وهجرت بيت أسرتها وتوجهت إلى بيت صديقتها املسلمة حيث أقامت معها
شهرين كاملين ..خالل هذه الفترة تلقت املسلمة الجديدة مئات املكاملات الهاتفية والرسائل
63 اإللكترونية من مختلف أنحاء العالم ،يهددونها بالقتل ويتوعدونها باالنتقام ..ولكن على الرغم
من كل هذه االبتالءات لم تتزعزع عزيمتها إذ ظلت صامدة فخورة بدينها حتى ّ
يسر لها هللا تعالى
الزواج من الشاب مصطفى نفسه الذي كان ً
سببا في إسالمها!..
تحولت ُروبى من مبشرة نصرانية متعصبة إلى معلمة للقرآن الكريم وداعية إلى هللا ودينه
الحق ،وقد أسلم على يديها الكثير من النصارى.
إنها قصة بألف قصة!! ..قصة تكفي إليمان وإسالم غير املسلمين كلهم أجمعين..
فمعظم غير املسلمين ليسوا على هذا القدر من العناد والتعصب الذي كان عند ُروبى!!
أريني الدليل
هم غير مسلمين فقط بالنسب والبيئة واملناخ املحيط الذي ولدوا فيه!!..
فإذا كان هذا حال ومآل املتعصبين املعاندين ..فكيف سيكون حال عامة غير املسلمين؟!!
اسألوا هللا الهداية ..فباهلل نهتدي إلى هللا.
إنه نجم عالمي يمتلك كل ما يخطر على قلب بشر من متاع الدنيا املادي الزائل وملذاتها 64
الزائفة ..لكنه كان يبحث عن السعادة الحقيقية نتيجة ملعاناته من الخواء الروحي ..نصيحة من
ً
مدججا بالسالح شاب مسلم دفعته إلى التواصل معه ومن ثم زيارة املسجد الذي ذهب إليه
تحسبا ألي أمر طارئ ،لكنه تفاجأ حينما وجد األمر داخل ً وبصحبة نحو الثالثين من الحرس
املسجد على عكس ما كان يتصوره ..اعتنق اإلسالم فعثر على ضالته املنشودة من السعادة
وأسلم معه كل أعضاء فرقته ..عقب إسالمه ابتعد عن املحرمات وأنفق كل ثروته في وجوه الخير
فتحول امللياردير الشاب من أشهر مغني الراب في العالم إلى بائع قهوة في السعودية فربح البيع..
ّ
للتعرف إلى قصة إسالمه. إنه موتا واسين شاباز بيلي بطل هذه القصة ندعوكم
ولد موتا بيلي ألسرة مسيحية في شهر أكتوبر من عام 1977في مدينة نيوجير�سي بوالية
نيويورك ..اسمه الحقيقي هو «موتا واسين شاباز بيلي» ،واسمه الحركي الذي اشتهر به هو
«نابليون» ..بينما «مطاع» هو االسم الذي أطلقه عليه والداه.
شهد «مطاع بيل» في طفولته اغتيال والديه أمامه ولم يتجاوز عمره الثالث سنوات ..وبعد
اغتيالهما ظل مع شقيقه األصغر بجوار جثتي والديهما ملدة 24ساعة ..ويقول مطاع هنا وهو
يسترجع شريط ذكريات تلك الحادثة األليمة« :ألني كنت مجرد طفل ال أعرف معنى املوت ،فقد
ً
كنت أعض أمي محاول إيقاظها»..
عاش «مطاع بيل» حياة قاسية بعد مقتل والديه فانتقل إلى العيش مع جدته ،وذلك ما دفعه
إلى االعتماد على نفسه منذ الصغر .وكانت أمنية «مطاع بيل» في طفولته أن يكون مغني «راب»،
ولذلك أتقن غناء «الراب» بشكل الفت لألنظار فاحترف هذا النوع من الغناء وبرع فيه ،ومارسه
في الفترة بين 1994و ..2005حقق مطاع نجاحات مذهلة في هذا املجال األمر الذي جعله يكتسب
ً
شهرة المعة على مستوى العالم وأموال ضخمة بلغت ماليين الدوالرات ،إذ وصلت مبيعات
تسجيالت فرقته إلى أكثر من 4ماليين نسخة.
لو رجعنا إلى بداياته األولى مع الغناء نجد أن مطاع التحق في البدء بفرقة محلية تسمى «دراما
سريعا ،األمر الذي ّأهله لاللتحاق بفرقة «توباك» الشهيرة وعمره لم يتجاوز
ً سيدال» فلمع نجمه
عاما ..كان مطاع في ذلك العمر الباكر يكتب الشعر ويغني ..وفي شهر سبتمبر من عام 1996 ً 15
فتسلم «مطاع بيل» قيادة الفرقة من بعده ،فحقق لها ً
نجاحا ً ّ
كبيرا حتى اغتيل قائد فرقة توباك
أنها باعت أكثر من 60مليون ألبوم غنائي حول العالم.
وصلت فرقة توباك بقيادة «مطاع بيل» إلى قمة الشهرة ،وأصبح قائدها من األثرياء الذين
ً ً
وقصورا فارهة ،ومجوهرات يمتلكون أموال طائلة وأرصدة كبيرة في البنوك ،وسيارات فخمة،
العد ..لكن برغم هذا الترف ثمينة ،وطائرات خاصة وما إلى ذلك من متاع مادي يستع�صي على ّ
65 والنعيم الذي يعيشه «مطاع بيل» ،فإنه كان يفتقر إلى السعادة بقدر ما تعنيه هذه الكلمة من
ناجحا ّ
ولدي 3منازل مكتئبا مع أنني كنت ً
ً معنى ..ويقول عن ذلك« :في هذه املرحلة من حياتي كنت
ً
وبعت ماليين التسجيالت ،لكن من الداخل كنت أنتظر شيئا ليسعدني»..
رهيبا كما كان يشعر بأن ثمة ً
شيئا ًّ
مهما ينقصه برغم حياة روحيا ً
ًّ ً
خواء كان مطاع يعاني
الترف التي كان يعيشها ..وحتى يخرج من واقعه املرير ّ
جرب كل أنواع الكحول واملخدرات ،األمر
الذي جعله َ
فاقد الوعي معظم الوقت ،وكثير الشجار مع الجميع.
في إحدى الليالي وبينما هو خارج من األستديو بعد فراغه من تسجيل إحدى أغانيه نشب
شج رأسه وأوشك شجار حاد بينه وبين أخيه األصغر وأمسك به يضربه بعنف ،إلى درجة أنه ّ
بائع القهوة
فور استماعه إلى القرآن أحس برغبة ملحة في التعرف إلى اإلسالم ..الحظ الشاب املسلم
انبهار مطاع بيل بالقرآن الكريم فجلب له ترجمة إنجليزية ملعانيه فقرأها بشغف وتأكد من أن
القرآن الكريم هو ما يحتاج إليه حتى ينقذ نفسه من العذاب الداخلي الذي يعيش فيه ،ويقول
عن ذلك« :جلب لي صديقي املسلم القرآن وعندما قرأت كلماته ،عرفت أنه يستحيل أن تكون
كلمات بشر ،وعلمت أن القرآن هو ما أحتاج إليه في حياتي ..لذلك ّ
قررت أن أسلم».
أسلم نجم العالم وعمالق الراب األمريكي «مطاع بيل» وهو في قمة نجاحه وشهرته ،بعد أن
وصل إلى قناعة تامة مفادها أن اإلسالم هو طريقه الوحيد لتحقيق السعادة التي ظل يبحث عنها
منذ وقت طويل ..أسلم مطاع وأسلم على يديه كل أعضاء فرقته!!
وهنا يقول مطاع بيل« :بعد دخولي لإلسالم ّ
تغيرت حياتي لألجمل ،فبرغم امتالكي ثروة طائلة،
ً
مكتئبا وأشعر ويحيط بي أصدقاء كثر ،وحياتي مملوءة باألحداث والشهرة ،فإنني كنت ً
دائما
بضيق ،ولم أشعر بالسعادة الحقيقية إال بعد أن نطقت شهادة اإلسالم».
66
عندما ّ
قرر مطاع اعتناق الدين اإلسالمي قام بسداد كل الغرامات املترتبة على إنهائه العقود
قرر التخلص من ماضيه تماما عن تناول الخمور وتعاطي املخدرات بل ّمع الشركات كما ابتعد ً
فباع كل ما يملك وأنفق ثروته في وجوه الخير.
يوما في أحد املقاهي وهو يرتدي سلسلة مكتوب عليها لفظ في بداية إسالمه جلس مطاع ً
الجاللة (هللا) ..اقتربت منه فتاة عربية املالمح أمريكية الجنسية وسألته :هل أنت مسلم؟ فقال
لها :نعم؟ فقالت له إن املسلمين ال يجوز لهم استخدام مثل هذه السالسل ..أعجب مطاع بيل
بتلك الفتاة وبأسلوبها في الحوار ،فطلب منها رقم هاتف والدها ،فتواصل معه ..لم يمر على ذلك
املوقف سوى ثالثة أشهر حتى تزوج مطاع بيل من تلك الفتاة العربية ،فأنجب منها أربعة أوالد
وبنت يتحدث كل منهم العربية بطالقة.
ّ
عقب خروجه من مجال الغناء وتخلصه من كل عوائده املادية بدأ بيل يبحث عن مصدر
جديد للرزق الحالل ..غادر مطاع نيوجير�سي مع زوجته ذات األصول اليمنية وأطفاله الخمسة
وتوجه إلى السعودية ليعمل ويستقر هناك ..فكر في االستثمار في القهوة ،ألن ّ
جده ّ
ألمه كان من ّ
كوبا ،وكان يجلب لهم في كل زيارة له إلى نيوجر�سي كمية كبيرة من القهوة ،األمر الذي ّ
حبب له
القهوة ..سافر إلى دولة اإلمارات العربية املتحدة وفتح مقهى في مدينة رأس الخيمة ،ثم سافر
إلى الكويت ليفتتح مقهى آخر ،ثم انتقل إلى مدينة الرياض العاصمة السعودية وفعل فيها ال�شيء
ذاته ،وهو يخطط مع مجموعة من الشباب السعوديين البتكار عربة متنقلة في شوارع الرياض
تختص ببيع القهوة.
إلى جانب استثماراته في املقاهي يعمل مطاع بيل في مكتب الدعوة واإلرشاد في السعودية
بقسم اللغة اإلنجليزية ،حيث يقوم بالدعوة إلى اإلسالم ،ويلقي محاضرات للتعريف به
وبأخالقه السمحة.
انتقل مطاع بيل من ميكروفون الغناء إلى منبر الدعوة لإلسالم ..وهو يعكف ًّ
حاليا على تعلم
اللغة العربية ،ويقرأ في كتب الشريعة ،دون أن يتوقف عن حفظ القرآن ،كما أنه يسافر إلى
عدد من الدول بغرض نشر نور اإلسالم في نفوس خاوية ومجتمعات مظلمة.
سبحان هللا !! ..من كان يصدق أن عمالق «الراب» األمريكي مطاع بيل سيتحول من أشهر
مغني الراب في العالم إلى بائع قهوة في دول الخليج العربية ،من شخص بائس تعيس برغم
امتالكه ثروة مادية ضخمة إلى شخص سعيد تخلص من العذاب الداخلي عقب اعتناقه اإلسالم،
كما تخلص من الغناء الذي أوصله إلى قمة الشهرة والثراء فأصبح يقول عن نفسه« :لم أعد
أطيق سماع املوسيقى»!
67
يكافئ هللا قلبه الطاهر الذي عاش يهفو إلى هللا ..فيختم له بختام املسك؟!
أسئلة عجيبة ..وحده هللا من يعلم إجابتها..
ما نعلمه ًّ
حقا ..أنهم موجودون بيننا..
منهم بطلة قصتنا ..كانت تتربع على قمة الثراء ..تزوجت من فقير معدم ولكنه ذو خلق فخسرت
أهلها وحرمت من حياة الرفاه ..أنجبت بنتها الوحيدة وهي في الثامنة عشرة من عمرها ..عملت
مربية ألبناء اليهود كما عاشرت املسلمين ..شاهدت الفرق بين اإلسالم واليهودية فانبهرت
باإلسالم وأعجبت بمعاملة املسلمين ألبنائهم مقارنة بنظرائهم من اليهود والنصارى ،كما أعجبت
بالعالقات التي تربط بينهم.
توفي زوجها وتزوجت ابنتها الوحيدة وعاشت هي بعيدة عنها ..عندما دخلت في العقد التاسع من
عمرها بدا عليها الوهن ..عندما شكت حالها البنتها الوحيدة طلبت منها األخيرة أن تدخلها ً
دارا
للعجزة واملسنين فرفضت الفكرة.
طلبت منها جارتها املغربية املسلمة أن تستضيفها في بيتها ..وافقت على مضض ..انبهرت باملعاملة
الطيبة التي تلقتها من األسرة املغربية برغم أنها ليست مسلمة ..سافرت ّ
مرة مع مضيفتها إلى
املغرب العربي .انبهرت باحترام األبناء لآلباء واألجداد الذي أمرهم به دينهم اإلسالمي ..تذكرت
دارا للعجزة واملسنين ،اغرورقت عيناها بالدموع ًّ
حبا في اإلسالم ثم اعتنقته طلب ابنتها بإدخالها ً
عن قناعة ال تتزعزع ..إنها البلجيكية جوسيت ماري ندعوكم للتعرف على قصة إسالمها.
ولدت املعمرة جوسيت ماري في عام 1918لعائلة فرنسية برجوازية مسيحية ..ورثت الثراء ًأبا
عن جد لكنها فقدته عندما قررت الزواج بشاب بلجيكي بهرها بأخالقه الطيبة وخصاله الكريمة..
رفضت أسرتها الزوج املقترح بسبب فقره ..تحدت جوسيت أسرتها وتزوجت الشاب البلجيكي
ثم سافرت معه إلى العاصمة بروكسل لترسم مشهد الخاتمة آلخر عهدها بالحياة الرغدة إذ
عاشت بعدها حياة صعبة يغلب عليها طابع الشقاء ..أنجبت ابنتها الوحيدة ولم يتجاوز عمرها 18
ً
عاما ..مقدم الحفيدة الصغيرة لم يشفع لها أمام أهلها الذين قطعوا عنها املال والوصال.
اجتهدت جوسيت بجد كي تربي ابنتها تربية كريمة ..عملت مربية ومعلمة ألبناء اليهود ،تعلمهم
اللغة الفرنسية ..كما تعاملت مع الكثير من املسلمين األمر الذي أتاح لها أن تقارن بين اإلسالم
واليهودية؛ فمن خالل مالحظاتها لحياة كل من املسلمين واليهود توصلت إلى البون الشاسع الذي
يوجد بين الدينين اإلسالمي واليهودي إذ وجدت في األول ً
ثباتا ال يعرف ُّ
التبدل بعكس الثاني الذي
كل يوم هو في حالة من ُّ
التغير.
69
من جهة ثانية انبهرت بالتعامل الراقي للمسلمين مع أبنائهم وقارنته بتعامل نظرائهم من
أصحاب الديانات األخرى ،وهو أمر الحظت أنه ينطبق على التعامل مع الجيران فتوصلت إلى
حقيقة جلية مفادها أن اإلسالم دين عظيم وإن احتفظت بهذا الرأي في داخلها لعدة عقود.
تقدر الدين اإلسالمي وتتفاعل معه لدرجة أنها كانت تشتري اللحم ظلت جوسيت ماري ّ
والدجاج من محالت املسلمين ألنه مذبوح على الطريقة اإلسالمية وبالتالي تخلو أنسجته من
الدم ،وهي تفعل ذلك لتأكدها من أن لحوم الحيوانات املذبوحة على الطريقة اإلسالمية هي
األنظف واألطهر واألكثر محافظة على صحة اإلنسان ..وتقول جوسيت إنها لم تفكر ً
يوما في
نور اإلسالم
اعتناق اإلسالم برغم تعاملها مع املسلمين منذ سنوات طويلة ..وتضيف بأنها ظلت تتعامل معهم
بكل احترام وتقدير بل تقدر بشدة طقوسهم الدينية ،لدرجة أنها كانت تتجنب زيارتهم في شهر
رمضان ألنها تعلم أن أخالقهم اإلسالمية ّ
تحتم عليهم أن يقدموا لها واجب الضيافة بينما هي ال
تحب أن تخدش فرائضهم الدينية وهم صائمون.
وتعبر جوسيت عن إعجابها بالتعامل الراقي للمسلمين مع اآلخرين ولو كانوا ينتمون لديانات
أخرى؛ فهم كما تقول كانوا يلقون عليها التحية والسالم كلما رأوها وكانوا يعينونها في شؤون
حياتها برغم أنها كانت نصرانية آنذاك.
بمرور السنين يحدث انقالب في حياة جوسيت إذ توفي زوجها وتزوجت ابنتها فوجدت نفسها
مخز من ابنتها زاد من إعجابها باملسلمين ..لقد طلبت منها
وحيدة إال من جيرانها املسلمين ..موقف ٍ
أن تنتقل إلى دار العجزة واملسنين لتق�ضي ما تبقى من عمرها هناك ..تساءلت بمرارة« :ملاذا ال
يودع أبناء املسلمين آباءهم وأمهاتهم في دار العجزة واملسنين؟ ملاذا يقيمون معهم ويعتنون بهم
ً
صغارا؟». كما اعتنوا هم بهم
بمرور السنين والعقود تقدمت جوسيت في العمر وازدادت في دواخلها مرارة الوحدة القاتلة
فابنتها الوحيدة بالكاد تسأل عنها ،بينما مقاطعة أهلها األثرياء لها لم تتوقف برغم رحيل زوجها
البلجيكي إلى الدار اآلخرة ..إلى جانب الوحدة املميتة بدأت جوسيت تدفع ضريبة تقدم العمر إذ
لم تعد قادرة على خدمة نفسها إال بشق األنفس ..في أحد األيام الحظت جارتها املغربية املسلمة
فاطمة تدهور حالتها فاستشارت زوجها كي يستضيفاها معهما بمنزلهما ،فرحب الزوج بذلك..
كثيرا عرض استضافتي من قبل جارتي وهنا تقول جوسيت بصوت خفيض هامس« :أدهشني ً
املغربية املسلمة ،وقبلت وأنا في حرج وتوجس ،ولكني وجدت أخالق املسلمين التي كنت أالحظها
من الخارج تعم هذا البيت ،ففي منزل هذه العائلة شعرت باالهتمام بي كإنسانة أدت دورها في
الحياة ..ظلت السيدة املغربية ترعاني هي وزوجها وأبناؤها األربعة دون أي مقابل مادي ..فقط من 70
باب املحبة والشفقة لسني ورحمة الصغير بالكبير ،وهذا ما حببني أكثر في اإلسالم».
ً
مشهدا وقدر لجوسيت أن ذهبت في زيارة للمغرب مع مضيفتها فاطمة املغربية وذكرت أن ّ
مؤثرا أبكاها بشدة ..لقد رأت عائلة ممتدة تتكون من الجد والجدة واألب واألبناء واألحفاد يعيش ً
أفرادها في ألفة وانسجام ..حيث االحترام والتوقير للكبير يصل درجة تقبيل الرأس واليدين..
قالت بطلة قصتنا إن هذا املشهد أبكاها ألنه عكس لها مدى جمال اإلسالم فاعتنقته من دون
تردد ..نطقت بالشهادتين في عام 2010برغم أن عمرها تجاوز التسعين بعامين ،وأطلقت على
نفسها اسم «نور اإلسالم» ..حينها فقط راودها إحساس صادق بأنها ولدت من جديد ..لكن ما
أقض مضجعها من ناحية وجعلها تشعر بمدى عظمة اإلسالم من الناحية األخرى موقف ابنتها ّ
عاما من عمرها عندما علمت باعتناقها اإلسالم ..فقد تبرأت منها ،بل ادعت الوحيدة التي تبلغ ً 74
أن أمها أصيبت بالخرف وهنا ردت جوسيت على وصف ابنتها لها بالخرف بقولها« :كالمها هذا
ً
خال من الصحة ،فأنا أتذكر أحداثا حدثت منذ عام 1930وأستطيع أن أسردها ،لكن أسامحها ٍ
وأدعو هللا أن يلهمها الهداية العتناق اإلسالم مثلما ألهمني وأنا في هذا العمر الكبير».
نختتم هذه القصة املؤثرة باإلشارة إلى أن «نور اإلسالم» أدت فريضة الحج ورفضت أن
تستعين بالكر�سي املتحرك ،فقد أصرت على الطواف والسعي بين الصفا واملروى ً
مشيا على
ّ
قدميها ،فهي تفضل أداء مناسك الحج كلها كما كان يفعلها رسول هللا -صلى هللا عليه وسلم-
وهي ترى أن والدتها الحقيقية كانت في عام ،2010أي حينما اعتنقت اإلسالم بعد عمر تجاوز
التسعين ندمت على أنها لم تعشه كله في حمى اإلسالم واملسلمين..
املصدر)22( :
نور اإلسالم
طوق النجاة
يعيش املشاهير من فناني الغرب حياة مادية مترفة يتمناها الكثيرون ..من يتأمل حياتهم من
الخارج يصل إلى نتيجة زائفة مفادها أنهم أسعد خلق هللا في أرضه ..وإن كانت الحقيقة عكس
ً
افتقارا للسعادة ..أنت ذلك ،ألنه لو تيسر لك تأمل حياتهم من الداخل ستجدهم أكثر الناس
ً
تراهم يتوسدون جبال من زخرف املادة ،لكنهم في الحقيقة يعيشون في الدرك األسفل من الخواء
الروحي ..يبتسمون في فرح أمام اآلخرين بينما تخفي األقنعة التي على وجوههم تأوهات ال تح�صى
وال تعد ..من هؤالء قلة محظوظون هداهم هللا إلى نور اإلسالم فعثروا على السعادة الحقيقية
وركلوا وراءهم زخرف املادة ليرتقوا بأرواحهم إلى فلك السكينة والطمأنينة ،ومن هؤالء بطلة
ّ
للتعرف إلى قصة إسالمها.. قصتنا املصورة األمريكية نيكول كوين ندعوكم
ولدت نيكول من أبوين مسيحيين في والية تكساس في شهر مايو من عام 1981م ..قضت معظم
طفولتها مع شقيقها األكبر جوي في هيوستن وأورانج بتكساس ..عندما بلغت الثامنة من عمرها
انتقلت مع شقيقها جوي إلى بلدة صغيرة جنوب داالس ،وبقيت هناك حتى تخرجها في املدرسة
72
الثانوية ..وعندما بلغ عمرها 17سنة استأجرت شقة خاصة بها لتبدأ حياتها املستقلة.
جل عملها التصويري على الحفالت الليلية وسرعان ما اشتهرت كمصورة كانت نيكول تركز في ّ
فاتنة متميزة في داالس ،كما حصلت على ثقة عدد كبير من مشاهير الحياة املرفهة ،بل ظهرت في
جنبا إلى جنب مع أسماء كبيرة مثل جوستين تيمبرليك ،وكيت هدسون ،وتومي وسائل اإلعالم ً
لي ،وعدد ال يح�صى من الرياضيين واملمثلين واملوسيقيين اآلخرين..
وهنا تتحدث نيكول عن حياتها السابقة« :أتذكر تلك الحياة بأ�سى حيث شرب الخمر عادة
ً
صباحا ثم النوم حتى طبيعية واملرور على ناديين أو ثالثة في كل ليلة قبل العودة لبيتي في الثالثة
الظهيرة وفعل ال�شيء نفسه مرة أخرى في الليلة التالية».
برغم حياتها املترفة بدأت نيكول تشعر بأنها تفتقر إلى الروح حيث تعيش حياة بائسة تخلو
من أي هدف وهنا تساءلت عن معنى وجودها في الحياة قائلة« :قلت في نف�سي الحياة املادية تحيط
علي أن أقوم برحلة للبحث عن روحي». بي من كل جانب ،والجشع هو سيد املوقف في كل مكانّ ،
ً
بصيصا من الضوء يتسرب إلى داخل نفسها ..بدأت تقرأ تواصلها مع بعض املسلمين جعل
عن اإلسالم في محاولة منها الستكشاف هذا الدين الجديد الذي بهرها أصحابه بحديثهم عنه
ً
فشيئا حتى صارت تسهر الليل في القراءة حتى في جلساتهم معها ..أخذت تتوسع في قراءتها ً
شيئا
كثيرا قصصشروق الشمس ..إلى جانب الكتب بدأت تبحث في شبكة اإلنترنت ..استوقفتها ً
املهتدين إلى اإلسالم على قناة «يوتيوب» ،فوجدت نفسها في قصصهم ً
جنبا إلى جنب مع الطمأنينة
والصدق ال ل�شيء إال ألنهم قاموا قبلها بنفس الرحلة رحلة البحث عن الحق وجوهر الحياة.
وخالل فترة بحثها وقراءتها عن اإلسالم تعرفت نيكول إلى شاب مسلم من األردن ّزودها
بنسخة من ترجمة معاني القرآن الكريم باإلنجليزية ..ما أن بدأت نيكول تقرأ ترجمة معاني
القرآن الكريم حتى شعرت بالطمأنينة والسكينة تسري في أوصالها وأحست بجمال الحياة..
شيئا ً
شاسعا بين حياتيها األولى والثانية ..بل بدأت تتغير ً
ً ً
فشيئا حتى الحظ أصدقاؤها الحظت فرقا
تغييرات جذرية في كل من سلوكها ومظهرها الشخ�صي إذ لم تعد ترتدي تلك املالبس الكاشفة
التي كانت ترتديها من قبل ،بل توقفت عن حضور الحفالت الليلية وأصبحت تمارس مهنتها في
ً التصوير ً
73 نهارا وتعود بسرعة إلى بيتها لتعاود القراءة عن اإلسالم وتاريخه وحضارته ،فضل عن
مداومة االطالع في معاني القرآن الكريم..
فكرت بعدها في الذهاب إلى املسجد لكي تتعرف إلى حياة املسلمين عن قرب فاحتارت في ما
تلبسه للقاء املسلمات هناك ..وهنا تقول« :أدركت أنني كنت أرتدي مالبس فتاة رخيصة ،وال
�شيء لدي يصلح كي أذهب به إلى املسجد للتعرف إلى املسلمات وااللتقاء ببعضهن ..توجهت إلى
خزانة مالب�سي الضخمة ..لم أجد غير فساتين ضيقة فاتنة ..قلت والدموع تنهمر على خدي :ال ..ال
أريد هذا بعد اآلن! وأخذت أمزق كل املالبس غير املحتشمة وألقي بها في كومة ورائي .كما بدأت
أشتري املالبس والتنانير الطوال وأحسست براحة ألنني بدأت أحمي جسدي من النظرات .وبعد
ًّ ً
طوق النجاة
صحيا وتنامين بالليل وترتدين هذه فترة قال لي بعضهم لقد أصبحت أجمل منذ بدأت تأكلين أكل
املالبس فقلت في نف�سي :اإلسالم هو السبب ،إنه الدين الحق ،يطهر الروح ويحافظ على الجسد».
انهمكت نيكول في دراسة اإلسالم ملدة ستة أشهر وطبقت كل ما تعلمته عنه فشهدت تحسينات
في حياتها ،وقررت أن تعلن لآلخرين ،ما شعرت به في قلبها ..نعم قررت أن تسلم هلل رب العاملين..
وفي شهر مايو عام 2007دخلت مع عدد قليل من الصديقات املسلمات إلى مكتب نظيف صغير
إلمام مسجد تركي ..وهنا تقول نيكول واصفة في فرح طفولي بريء لحظات اعتناقها اإلسالم:
ً رجل ً ً
متواضعا نبرة صوته رحيمة وشعرت أني سألتقط كبيرا، «وصل اإلمام بعد دقائق كان
ً طوق النجاة ً
أخيرا ..نظرت إلى أسفل واحمر وجهي خجل ،مع ابتسامة كبيرة ،وأوضح اإلمام
ً
الهادئ ما سأقوم به فرددت وراءه الشهادتين بسهولة وشعرت أنها أكثر الكلمات جمال التي
نطقتها شفتاي في حياتي ..أحسست أنني ولدت من جديد».
فور إسالمها وجدت نيكول كوين وظيفة جديدة نهارية في شركة كبيرة وسط مدينة داالس..
طورت معرفتها بالشاب األردني الذي أهداهانمت عالقتها مع هللا داخل قلبها ،وفي الوقت ذاته ّ
نسخة من ترجمة معاني القرآن الكريم باإلنجليزية ..دعاها الشاب بعد ذلك لزيارة عائلته في
األردن وفي نوفمبر من عام 2008توجت عالقتهما بالزواج ..أحست حينذاك نيكول بالسعادة
حيث شعرت بأن حياتها أصبحت ذات معنى لكونها أصبحت ً
فردا في عائلة مسلمة.
تجدر اإلشارة إلى أن نيكول نشرت قصتها مع اإلسالم في فيديو على قناة اليوتيوب نفسها التي
داومت على مشاهدتها من قبل ّ
وتعرفت من خاللها إلى حياة املهتدين ..وقد حققت قصة إسالمها
نسبة مشاهدة عالية وباملاليين ملشاهدين ينتمون إلى جميع دول العالم.
سبحان هللا! ..كان همها الوحيد التقاط صور املشاهير في اللحظات التي يفضلونها ..وكان عاملها
الجميل عالم الليل حيث السهر واملوسيقى والخمر واالختالط املذموم ..أصبحت األولى في عملها
على مستوى حفالت داالس بوالية تكساس األمريكية ..ربحت املال الوفير وارتدت أغلى الثياب
ّ 74
وتعرفت إلى أبرز الشخصيات ،ومع ذلك شعرت بأنها ضائعة وأن كل ما تفعله بال هدف وال معنى..
بدأت رحلة بحثها عن الحقيقة مستعينة بأصدقاء لها كانت تراهم واثقين بخطواتهم مطمئنين في
ً
حياتهم يمشون على األرض ملوكا وملكات لباسهم التقوى وعلى رؤوسهم تيجان الحياء ..وصلت
عبرهم إلى منصة التتويج حيث أصبحت مسلمة تنعم بالطمأنينة والسكينة ذاتهما اللتين كانوا
ينعمون بهما وحيث حصلت على السعادة الحقيقية التي لم تشعر بها من قبل برغم حياة الترف
التي كانت تغمرها من شعر رأسها حتى أخمص قدميها.
بطل قصتنا نصراني حتى النخاع ..حظي أبواه ومعظم أفراد عائلته الكبيرة بمناصب مميزة
داخل الكنيسة ..لكل هذا نشأ نشأة نصرانية بحتة ال مجال فيها لالختالط باملسلمين إال في الخفاء..
75
نقاشه مع أحد املسلمين لفت نظره إلى تناقضات النصرانية وسماحة اإلسالم ..سأل القسيس
ّ
عله يجد منه إجابات تريحه من الشكوك التي أثارها حديث املسلم داخل نفسه ..لكنه وجده
ً
فارغا كفؤاد أم مو�سى ،وبالطبع فإن فاقد ال�شيء ال يعطيه ..في إحدى ليالي شهر رمضان سمع
كثيرا عن منزل أسرته ..تأثر به وأحبه ً
كثيرا، القرآن ينبعث من مكبر صوت داخل مسجد ال يبعد ً
ومن ثم أقبل على قراءته وعلى دراسة الكتب اإلسالمية ..اكتشف من خاللها أن املسيح وأمه
مريم مكرمان في القرآن وأن اإلسالم هو دين الحق فأسلم وجهه هلل رب العاملين ..إنه املصري
ّ
للتعرف إلى قصة إسالمه. سيف اإلسالم التهامي ندعوكم
ولد سيف اإلسالم في القاهرة في 30 من شهر يونيو عام ..1980والده كاثوليكي ،وأمه إنجيلية،
كلهم في النار!
وابنة عم والده راهبة في مدرسة راهبات األرمن ،بينما خاله قسيس في إحدى الكنائس اإلنجيلية!!
ومنذ نعومة أظفاره عرف طريقه إلى الكنيسة بل أحبها لدرجة الوله.
التحق بمدرسة نوباريان األرمنية وهي مدرسة عنصرية ال تقبل إال النصارى األرمن حتى أن
عدد طالبها في جميع مراحل التعليم (من الحضانة إلى املرحلة الثانوية) كانوا ال يتجاوزون ()125
طالبا فقط ..كانت املدرسة بيئة نصرانية مكتملة األركان فقد كانت تشتمل على كنيسة كما كان ً
السواد األعظم من املدرسين بها من النصارى ..بالتالي لم يكن ً
متاحا أمام بطل قصتنا االختالط
باملسلمين باستثناء قلة من أصدقائه في الحي أو الجيران ..وحتى هؤالء لم يكن يختلط بهم ً
كثيرا،
إذ إن معظم أوقاته كان يقضيها في الكنيسة التي كان يخدم فيها كشماس مخلص.
في املرحلة الثانوية ،ازداد ارتباطه بالكنيسة والقساوسة وأصبح يقوم بمعظم شعائر القداس
ً
وانتهاء بتحضير القربان والخمر للقداس. بدءا بقراءة اإلنجيلً
ً
في أحد األيام وبينما كان يجلس مع أحد الشباب املسلمين ،سأله قائل :ألن تسلم؟
ولم أسلم؟ َ
ولم ال تتنصر أنت؟ فرد عليه في غيظَ : ّ
فقال له املسلم عبارة كان لها وقعها األليم عليه« :أنتم كلكم في النار»!
أزعجه حديث املسلم أيما إزعاج وتساءل :ملاذا يدخل النار وهو يعمل كل ما في وسعه بإخالص
ليتقرب إلى ربه حتى يدخل الجنة؟!
عندما هدأ من انفعاله سأل املسلم :ملاذا يدخل النصارى النار ويدخل املسلمون الجنة؟
ّ
رد عليه :ألنكم تفترون على املسيح بقولكم ثالث ثالثة وأنه ابن هللا وإلى غير ذلك من االفتراءات!
فسأله في فضول :وكيف عرفت كل هذه األشياء ..هل قرأت اإلنجيل؟
76
ّ
رد عليه :ال بل قرأتها في القرآن الكريم.
تساءل بطل قصتنا في حيرة عن الكيفية التي عرف بها القرآن ما هو في دينهم؟ وعن كيفية
إقراره بأن كل األشياء التي يقولها النصارى عن املسيح هي مقوالت خطأ وستؤدي بهم إلى النار؟
لإلجابة عن تساؤالته بدأ يقرأ اإلنجيل بتمعن وبالفعل وجد اختالفات وتناقضات في ذكر
نسب املسيح! كما الحظ التناقض في وصفه بادعاء ألوهيته تارة ونبوته تارة أخرى!
أخذت بعدها أسئلة كثيرة تتولد وتدور داخل نفسه دون أن يجد لها إجابة ..فتغيرت العديد
من قناعاته ومعتقداته ،ومن بينها عدم االعتراف للقسيس ألنه بشر مثله ،كما آمن بنبوءة املسيح
بشرا وباعتبار أن لإلله صفات كمال خاصة تتنافى مع صفات البشر. -عليه السالم -باعتباره ً
منذ ذلك الحين بدأ بطل قصتنا يقرأ اإلنجيل من دون أن يقول (ربنا يسوع املسيح) بحسب
ورودها في نص اإلنجيل ..بل كان يكتفي بقوله يسوع املسيح ،وبرغم ذلك لم يشعر بالراحة
التي ينشدها.
في إحدى ليالي رمضان بينما هو يستذكر دروسه في غرفته داخل منزل أسرته املجاور ألحد
املساجد وصلته تالوة القرآن في صالة التراويح عبر مكبرات الصوت ..فأعجبه القرآن وتذوق له
حالوة مست شغاف قلبه وإن لم يكن يعلم آنذاك أن تلك هي تالوة القرآن.
في يوم أحد ال ينساه وأثناء أداء القداس داخل الكنيسة وقف عند كلمة( :ربنا يسوع املسيح)..
فأبى لسانه أن ينطق بها ،ولم يشعر بنفسه إال وهو يتجاوز كلمة (ربنا) خالل قراءته ..تعجب
77
القسيس وأشار له بالجلوس فتوقف عن القراءة ثم جلس ومن ثم أكملوا الصالة بشكل طبيعي..
عقب إكمال الصالة سأله القسيس في غرفة خاصة بالقسيسين :ملاذا لم تقرأ اإلنجيل كما هو؟
لم يجبه بل طلب منه أن يذهب إلى بيته ليحصل على قسط من الراحة.
ومنذ ذلك اليوم ،ظل ينام قبل قراءة اإلنجيل كما كان حاله من قبل بل أصبح ً
زاهدا في
الذهاب إلى الكنيسة..
بعدها ..بدأ يقرأ عن اإلسالم قراءة جادة فعرف من هو املسيح في اإلسالم ،كما عرف أن النبي
ّ ً
محمدا -صلى هللا عليه وسلم -ذكر في العهدين القديم والجديد.
كلهم في النار!
بل اكتشف أن املسيح وأمه مريم -عليهما السالم -مكرمان غاية التكريم في القرآن ،وأن
املسيح ّ
(نبي) ،قال هللا له كن فكان:
َ ْ َ َّ َ َ َ َ َ َ َ َ ُ ْ ُ َ ُ َّ َ َ َ ُ َ ُ ُ َّ َ َ َ
ال ل ُه ك ْن ف َيكون ( )59آل عمراناب ثم ق
ِإن مثل ِعي�سى ِعند الل ِه كمث ِل آدم خلقه ِمن تر ٍ
يديه محرفة ،ويكثر فيها اللغط. تماما من أن األناجيل التي بين ّ
فتأكد ً
ولعل قصة بطلنا تأتي عكس عبارة ترويجية شهيرة في إحدى القنوات الفضائية العربية تقول:
«عيشها بس ما تعيش الدور» ..على عكس ذلك ً
تماما ،عاش بطل قصتنا هذا الدور في الفيلم ثم
79 ّ
عاشه في الواقع! إنه املمثل األلباني الشهير ميروش قابا�شي الذي مثل في الفيلم الروائي «حب
العبادة» دور شخصية مسلمة فتحول إلى مسلم في واقع الحياة.
يتقمص الشخصية بدأت قصة بطلنا باختياره للعب دور البطل في فيلم «حب العبادة» ..لكي ّ
بالصورة املثلى ،اجتهد قابا�شي في دراسة شخصية ونفسية بطل الفيلم املسلم ،ما أدى إلى تحول
كبير في مجرى حياته فتحول من مسلم في الفيلم إلى مسلم في الواقع! قصة الفيلم التي تسببت
في إسالم املمثل الكبير «ميروش قابا�شي» ،مستوحاة من قصة حقيقية لشاب ألباني مسلم أنهى
الدراسة الثانوية الشرعية ،وتم تعيينه بوظيفة مؤذن بأحد مساجد مدينة بيرات بجنوب ألبانيا..
لكن بعد فترة قصيرة من تعيينه أصدر النظام الشيوعي األلباني عام ً 1967
أمرا بتجريم األديان،
حب العبادة
وحظر كافة املظاهر الدينية؛ األمر الذي ترتب عليه تدمير وهدم معظم املساجد.
أصروا على االستمساك بدينهم عقب هذا القرار ،وضع هذا الشابوكغيره من األئمة الذين ّ
حديث التخرج في السجن ملدة 8سنوات ..تمسكه بأداء فريضة الصالة ،واملداومة على العبادة
داخل السجن أدى إلى اتخاذ قرار من الحزب الشيوعي الحاكم في ألبانيا يق�ضي بتمديد فترة
سجنه ملدة 8سنوات أخرى.
وبالعودة إلى بطل هذه القصة يقول مراسل «إسالم أون الين» لشؤون البلقان :إن وسائل
كثيرا بالتحول الذي طرأ على حياة املمثل الشهير قابا�شي ،الذي ّ
تربى اإلعالم األلبانية اهتمت ً
ً
استعدادا ألداء الدور الذي كلف به، وترعرع في حضن الشيوعية ،نتيجة ملا قرأه عن اإلسالم
ً
وما يجدر ذكره أن بطلنا فيما م�ضى من حياته وكغيره من األلبان لم يكن متاحا له ألبتة فرصة
التعرف إلى الدين اإلسالمي.
دفع الفضول قابا�شي إلى الحرص على فهم شخصية ونفسية الشاب األلباني املسلم الذي
فضل البقاء في السجن 8سنوات أخرى عن التوقف عن صالته وعبادته هلل ،ما دفعه إلى قراءة
الكتب اإلسالمية ،هذا بالطبع إلى جانب حرصه على تجويده ألدائه في الفيلم.
قبيل البدء في أدائه لدوره أخذ «قابا�شي» يقرأ في الكتب اإلسالمية ً
جنبا إلى جنب مع التدرب
على أداء األذان من خالل شرائه شرائط كاسيت تم تسجيلها بأصوات مختلفة ملؤذنين ّ
متعددين؛
ً
اقتراحا من مخرج الفيلم مفاده استعانته بأذان مسجل في شريط كاسيت ،وعليه فقد فقد رفض
ًّ
شخصيا ،وهذا دفعه إلى الشروع في دراسة معاني كلمات أصر على أن يكون األذان بصوته هو
األذان ،وعدم االكتفاء بحفظها أو التدرب على إلقائها.
تحدثت آنذاك صحف ألبانية ّ
متعددة عن أن نور اإليمان بدأ ّ
يتسرب إلى قلب املمثل األلباني
الشهير عقب ذهابه إلى مسجد «طباق» بالعاصمة تيرانا؛ للحصول على املزيد من املعلومات عن
ً
حرصا منه على ّ 80
تقمص الشخصية اإلسالم وعن الكيفية التي يق�ضي بها املسلم يومه ،وكل ذلك
ّ
بصورة تقنع جمهور املشاهدين ..وبالفعل تعلم الكثير عن اإلسالم من أهل املسجد -وعلى رأسهم
اإلمام -الذين لم يبخلوا عليه بأي معلومة طلبها.
يتردد على املسجد من وقت إلى آخر ،لالستماع إلى الدروس وخطب الجمعة.. ظل «قابا�شي» ّ
لقد انبهر بشدة مما سمعه عن الدين اإلسالمي ،ال�شيء الذي بدأ يترك ً
آثارا إيجابية في نفسيته،
وهي آثار ظلت تتزايد مع الوقت حتى وصلت به ًّ
حدا جعله يقرر االلتزام بتعاليم اإلسالم ،ومنذ
ً
ذلك الوقت ظل محافظا على أداء الصلوات الخمس في جماعة باملسجد.
في أوائل أكتوبر من عام 2004أنهى املمثل ميروش قابا�شي تدريباته مع إمام مسجد طباق على
إلقاء األذان بصوته في الفضاء الخارجي بمنطقة البحيرة ..أكسبته التدريبات مهارة باهرة في إلقاء
األذان بل وصل درجة من اإلتقان لم يكن يتوقعها منه إمام املسجد نفسه ..وما أن دخل شهر
رمضان لعام 1425هجرية حتى بدأ قابا�شي الصوم ّ
ألول مرة في حياته.
وتحدث «قابا�شي» عن حزنه األليم للصورة الذهنية املشوهة التي ظلت وسائل اإلعالم
العاملية تروج لها وسط أهل الغرب وغيرهم من غير املسلمين ،ففي رأيه إن أراد أي شخص
معرفة اإلسالم على حقيقته الطاهرة النقية لن يكلفه األمر أكثر من االطالع السريع على بعض
ً ّ
الكتب اإلسالمية ،أو مقابلة بعض املسلمين ..يدلل قابا�شي على ذلك بقوله« :يكفي دليل على ما
أقوله حقيقة أن التسامح الديني الذي تعيشه ألبانيا منذ قرون بين أبناء اإلسالم والكاثوليكية
واألرثوذكسية يعود الفضل فيه إلى سماحة الدين اإلسالمي حيث يشكل املسلمون أكثر من %70
من الشعب األلباني».
ويضيف املمثل األلباني الشهير قابا�شي بنبرات الواثق بنفسه وهو يتحدث عن حاجة العالم
املعاصر لإلسالم لكي يسهم في معالجة قضاياه الشائكة« :ال أدعي املعرفة الجيدة باإلسالم،
ولكنني أستطيع التأكيد أن عصرنا الحالي يحتاج إلى اإلسالم كما تحتاج الصحراء إلى املاء».
ً
ويتابع بطل قصتنا حديثه قائال« :اآلن فقط فهمت اإلسالم ..يعود الفضل في ذلك إلى فيلم
«حب العبادة» الذي أعتبره السبب الرئي�سي في إملامي باإلسالم ومعرفتي لحقيقته من الجذور،
فمن خالل هذا الفيلم اطلعت على الكتب اإلسالمية كما تسنت لي فرصة معايشة واقع املسلمين
بنف�سي ..اآلن أيقنت تمام اليقين أهمية اإلسالم لإلنسان واملجتمع».
سبحان هللا!! ..املمثل األلباني الشهير «ميروش قابا�شي» الذي حصل على جائزة أفضل ممثل
من مهرجان القاهرة الدولي للمسرح التجريبي عام ،1997والذي حصل كذلك على العديد من
امليداليات والجوائز العاملية األخرىّ ،
قدر له هللا تعالى أن يمثل دور شاب مسلم في فيلم «حب
81 ً
العبادة» فأجاد البطولة في الفيلم وأجادها في الواقع ،حيث انتهى به األمر إلى أن يصبح بطل
ًّ
حقيقيا بدخوله اإلسالم. ًّ
إسالميا
املصادر)29( - )26( :
كنت ..وأصبحت!
البدايات ال تشير ً
دائما إلى النهايات..
بل هي آيات تدل على قدرة خالق األرض والسماوات..
آيات تفتح نوافذ األمل للضالين عن طريق اإليمان..
آيات تمأل القلب ًّ
حبا هلل الذي يأخذ بأيدينا إليه ..مهما عصيناه!!
وحده من يعلم فطرة قلوب البشر الباحثين عنه ..مهما طال البحث..
البشر ..كل البشر ..في حاجة إليه..
بطل قصتنا مثال على كل ما تقدم ..بطلنا من فيتنام ..الدولة اآلسيوية الواقعة في أق�صى شرق
شبه جزيرة الهند الصينية ،وال يذكر اسمها إال وتتبادر إلى األذهان تلك الصورة املأساوية التي
دمويا الستعراض القوتين الشيوعية والرأسمالية ،انتهت بهزيمة أمريكا ًّ ً
مسرحا جعلت منها
وانسحابها من أرض املعركة في عام .1973ومع تباشير هذا النصر املمزوج بدماء أكثر من مليون 82
ً قتيل وثالثة ماليين جريح دفعهم الفيتناميون ً
ثمنا باهظا لهذا النصر ،رأى النور طفل وديع
ألبوين فيتناميين أطلقا عليه اسم هونج .Hoang
نشأ هذا الطفل وترعرع في مدينة هانوي عاصمة فيتنام ،وأكمل دراسته حتى نال شهادة
قدر له أن يذهب إلى بلجيكا للحصول على درجة البكالوريوس في العلوم ،وفي عام 1998م ّ
املاجستير .وفي هذا الوسط الجديد وجد نفسه أمام رفاق دراسة ينتمون إلى ديانات مختلفة
وإن كان السواد األعظم منهم ينقسمون إلى فئتين من الطالب :فئة مسيحية وأخرى مسلمة..
كثيرا ما يتحدثون معه حول الرب ،بيد أنه كان ّ
يسفه حديثهم وال يهتم به ،بل كان كانوا ً
يسأل نفسه في استنكار« :كيف ألشخاص على مثل هذه الدرجة العالية من الثقافة يؤمنون
بموضوعات ساذجة كتلك؟».
يحدثنا هونج عن قصته في الفقرات التالية فيقول :ال أن�سى ً
أبدا تلك اللحظة التي رأيت فيها
ساجدا في صالته ،فاعتقدت آنذاك أنه يبحث عن �شيء سقط منه على ً ً
مسلما ً
صديقا للمرة األولى
ً
األرض! وعندما علمت الحقا أن ذلك هو سجود لدى املسلمين خجلت بشدة من نقص معرفتي
بمثل تلك األمور وأنا طالب ناضج أدرس بمرحلة الدراسات العليا!
وحتى تلك اللحظة كان موقفي من اإلسالم يتلخص في كلمتين :الالمباالة املطلقة ..لكن ما أن
ً
مسلما عرفت أن عدد املسلمين في العالم يبلغ نحو مليار وثالثمئة مليون مسلم ،أي أن هنالك
بين كل خمسة أشخاص في العالم ،حتى تحول موقفي من الالمباالة املطلقة إلى حب االستطالع
امللحاح ..فبدأت أجمع معلومات أولية عن اإلسالم ..وعندما علمت أن القرآن الكريم يفسر
عددا من الظواهر العلمية ازداد فضولي بدرجة كبيرة ملعرفة املزيد عن اإلسالم ..بل بوضوح ً
ازداد بدرجة أكبر عندما علمت بوجود عدد من الجماعات املسلمة في بلدي -فيتنام -فتوصلت إلى
أن لهذا الدين ً
أتباعا كثيرين يؤمنون به ويمتثلون ألوامره في منهج حياة نقي وجدير باالحترام..
ّ
فكرت آنذاك وقلت في نف�سي :ال بد من وجود معجزات ما تجعل الفرد املسلم يحمل مثل هذا
القدر الباهر من اإليمان الراسخ.
ّ
أتق�صى حول الدين اإلسالمي وأجمع عنه املزيد من املعلومات.. وفي أيلول من عام 1999م بدأت
ً
في الحقيقة كنت كلما تعلمت أكثر عن اإلسالم ازددت به إعجابا ،وتأكدت أن املسلمين يعيشون
حياة تنضح بالصدق ويتمتعون بصفات تجعلهم جديرين باالحترام حتى من ألد أعدائهم
ومعارضيهم ..وأضيف إلى ما ذكرته أنني كلما اتسعت وتوطدت عالقاتي مع املسلمين تعمقت
وتوثقت أكثر مشاعري القوية تجاه اإلسالم.
موجودا بحق فكيف نؤمن به ونحنً وفي أوقات كثيرة كنت أسأل نف�سي في حيرة :إن كان هللا
83
ً
ليس بإمكاننا رؤيته على الرغم من التطور التكنولوجي الباهر ووفرة التجهيزات الحديثة؟ الحقا،
اكتشفت أن بإمكان املرء أن يدرك وجود هللا بقلبه على الرغم من عدم إمكانية رؤيته بأم عينه،
تماما مثلما يشعر املرء بأفكار الرسام وهو يشاهد إحدى لوحاته برغم أن تلك األفكار ليست ً
مكتوبة عليها بصورة مباشرة ..من ناحية ثانية ،إن استطاع املرء أن يرى الرب ويتعرف إليه في
صورة مجسدة ،فهل يعقل أن يشبه الرب مخلوقاته التي خلقها؟
بكل تأكيد ال ..إن هللا تعالى منزه عن مثل هذه الصفات ..وهذا هو جوهر اإلسالم الذي يميزه
علوا ً
كبيرا على تمثيله على عن بقية الديانات الوثنية أو السماوية في شكلها املحرف ،فتعالى هللا ًّ
كنت ..وأصبحت!
شكل تماثيل خرساء وصماء يصنعها الناس بأيديهم ثم يعبدونها في حمق وبالهة.
ً ً ً
تشجيعا ً
ونصحا صادقا من كبيرا ومساعدة مخلصة وبينما أنا أستفسر عن اإلسالم ،وجدت
مسلمين عديدين ينتمون إلى مناطق مختلفة من العالم ،خاصة أولئك الذين يتكلمون الفيتنامية..
ً
وفضل عن هذا التشجيع أنعم هللا تعالى َّ
علي بنعمة عظيمة تتمثل في حصولي على ترجمة فيتنامية
ملعاني القرآن الكريم.
ً ً
كامل باهلل تعالى ً
خالقا للكون ًّ
وربا له كما توصلت وما أن قرأت القرآن الكريم حتى آمنت إيمانا
إلى قناعة تامة مفادها أن القرآن الكريم هو كالم هللا تعالى الذي أوحى به إلى نبيه ورسوله محمد
ّ
-صلى هللا عليه وسلم ..-كما آمنت أن اإلسالم هو دين الحقيقة الخالدة شديد الصلة بالحياة،
فقررت أن أعتنقه في أسرع وقت ..وبالفعل أسلمت ونطقت بشهادة اإلسالم« :أشهد أن ال إله
محمدا رسول هللا» من أعماق قلبي أمام حشد غمرت فرحته أجواء أحد ً إال هللا ،وأشهد أن
املساجد البلجيكية في التاسع من مايو عام 2000م ..وهذا اليوم أعتبره أهم أيام حياتي إذ منذه
حقا وأتشرف ً
كثيرا بحقيقة أصبحت أشعر بسالم وطمأنينة لم أشعر بهما من قبل وأنا اآلن أفخر ًّ
مسلما ..إنه تاريخ ميالدي الجديد الذي حفر في ذاكرتي ووجداني بمداد من نور، ً أنني أصبحت
وهو الذي يصادف السادس والعشرين من تاريخ ميالدي القديم ..نعم أسلمت عقب مرور 26
سنة من عمري قضيتها وسط محيط من الظلمات الحالكة.
في الحقيقة تغيرت ً
تماما منذ أن اعتنقت اإلسالم؛ فبينما كنت في املا�ضي أشرب الخمر وانتهك
كثيرا من أن يداهمني املوت ،تحولت إلى شخص مختلف كل أنواع املحرمات دون حياء ،وأخاف ً
ً
وصالحا وذلك إلحسا�سي الصادق بأن هللا تعالى إلى جانبي ً
دائما تمام االختالف؛ فقد أصبحت ًّ
تقيا
يرى ويسمع ويعلم كل ما أفكر به..
وعلى الرغم من أن األلم ينتابني بشدة على ما ارتكبته من أخطاء في حياتي السابقة إلسالمي،
فإنني أشعر بالطمأنينة التامة وذلك لثقتي الكاملة برحمة هللا تعالى ومغفرته وفي كرمه املطلق 84
املمدود الذي ال تحده حدود..
فمن غير هللا يستطيع أن يهدي إليه ويحول البشر كل هذا التحول؟!!
من يعدل بوصلة القلوب من أق�صى اليسار إلى أق�صى اليمين؟!!
ال خيارات لإلجابة ..إنه هللا ..وحده..
لذا اسألوا هللا الهداية ..فباهلل نهتدي إلى هللا.
املصدر)10( :
إشارات املرور
اإلنسان في حياته كقائد السيارة في الطريق..
حياة واحدة ..ال نعبرها إال مرة واحدة..
اللوحات اإلرشادية وإشارات املرور «تهدينا» للوصول إلى وجهتنا الصحيحة..
عندما يريد هللا باإلنسان ً
خيرا ..يضع في طريقه ما أو من يلعب دور اللوحة واإلشارة!!
ّ
فيضل.. وحده قائد السيارة من يتبعها فيهتدي ..أو يخالفها
بطلة قصتنا بحثت عن اللوحة اإلرشادية ..اتبعت إشارة املرور ..فوصلت..
ولدت لعائلة كاثوليكية متدينة ..اعتادت الذهاب إلى الكنيسة منذ صغرها ..وعندما بلغت
الرابعة عشرة من عمرها بدأت تراودها تساؤالت عقدية كثيرة ..امتأل قلبها بالشك في مدى
صدقية الكنيسة ..قاطعت األخيرة ثم بدأت رحلتها في البحث عن األجوبة الشافية ..وجدت ضالتها
85 املنشودة عند زميلها الجامعي املسلم ..اعتنقت اإلسالم على يديه وتزوجت به ..فازت بالحسنيين.
إنها العاملة الكندية املعروفة صوفي بوافير (سلمى بوافير) بطلة هذه القصة..
تحدثنا العاملة سلمى بوافير عن قصة إسالمها فتقول في فخر واعتزاز« :ولدت في مونتريال
بكندا عام 1971م ..درجت على ارتياد الكنيسة بانتظام بسبب انتمائي لعائلة كاثوليكية متدينة..
وعندما بلغت الرابعة عشرة من عمري بدأت تراودني تساؤالت كثيرة وكبيرة حول الخالق
واألديان ..لم تكن تساؤالتي صعبة أو بعيدة عن املنطق بيد أن بني طائفتي كانوا عاجزين
أقضت مضجعي وأصابتني بالحيرة :إن كان هللا تعالى هو الذيعن اإلجابة عنها ..ومن األسئلة التي ّ
إشارات املرور
بيده الضرر والنفع ،وهو الذي يملك العطاء واملنع ،فلماذا ال نسأله مباشرة؟! وملاذا نتخذ من
الكهنة وسطاء بيننا وبين خالقنا؟! أليس هللا تعالى هو القادر على كل �شيء؟! وإن كان ذلك أليس هو
األولى بالسؤال؟
محيرة ظلت تحاصرني بإلحاح ..وعندما لم أجد لها إجابات مقنعة قررت التوقف أسئلة كثيرة ّ
عن ارتياد الكنيسة ..لم أعد أستمع إلى قصص الرهبان الساذجة ولم أعد أهتم بمضامينها
الخاوية ..إيماني باهلل تعالى دفعني إلى دراسة أديان أخرى بيد أنني لم أجد فيها إجابات شافية عن
تساؤالتي الكبيرة ..ظللت أعيش في حيرة فكرية حتى بدأت دراستي الجامعيةّ ..
تعرفت في الجامعة
عرفني باإلسالم ..اندهشت بشدة عندما وجدت في اإلسالم األجوبة املقنعة إلى زميل مسلم ّ
الشافية عن تساؤالتي الكبرى التي أصابتني بالحيرة لفترة طويلة!
عندما تعرفت إلى اإلسالم توصلت إلى حقيقة ّ
جلية مفادها أن الدين اإلسالمي جاء ليجيب عن
أسئلة ثالثة احتارت في اإلجابة عنها عقول بني البشر في مختلف األزمنة واألمكنة ،أال وهي :من
ُ
أنا؟؟ وملاذا خلقت؟؟ وما هو مصيري؟؟
تنهدت صوفي بوافير بعمق ثم اختتمت قصتها بقولها« :إن اإلسالم الذي جمعني مع زميلي
املسلم بالجامعة ،هو نفسه الذي جمعنا من بعد لنكون زوجين مسلمين في الحياة ..نعم شاء هللا
تعالى أن يكون رفيقي في ّ 86
كل من رحلة اإليمان ورحلة الحياة».
ٍ
إلهي ما أعظم شأنك الذي ال يدانيه شأن وما ّ
أجل رحمتك التي وسعت كل �شيء..
نعم ..العبد في التفكير ّ
والرب في التدبير..
انشغل فكر بطلة قصتنا بالبحث عن الحق فهداها هللا تعالى إلى طريقه..
ً ً
فزوجا كان بمنزلة اإلشارة إلى الطريق.. أرسل هللا لها زميل
اتبعت اإلشارة ..قادت حياتها إلى الوجهة السليمة ..إلى هللا..
اسألوا هللا الهداية ..فباهلل نهتدي إلى هللا.
يوسف خطاب ..أمريكي ليس ككل األمريكيين ،ويهودي ليس ككل اليهود!! في البدء كان ينتمي
إلى تيار «ساطمر» اليهودي ّ
املتزمت ..ترك ذلك التيار لينضم إلى حركة «شاس» اليهودية املتدينة
87
التي كان شديد اإلعجاب بزعيمها يوسف عوفاديا ،قبل أن يفاجئ الجميع بخبر إسالمه ّ
املدوي..
غير اسمه إلى «يوسف خطاب» عقب إسالمه ،فما هي حكايته؟! إنه يوسف كوهين الذي ّ
بدأ يوسف كوهين أولى خطواته في حي بروكلين حيث انضم إلى تيار «ساطمر» اليهودي املتزمت
وتعرف إلى زوجته لونا كوهين التي أنجب منها أربعة أبناء ..في عام 1998م غادر كوهين مسقط
واحدا من مجموعة األشكيناز ،أي اليهود القادمين من الغرب ،حيثً رأسه إلى إسرائيل وأصبح
كان يحلم -كغيره من اليهود الذين يعيشون خارج إسرائيل -بالعيش في ظل دولة الديمقراطية
ّ والقانون ،كما كان ّ
يروج لها حكام إسرائيل ..وإلى جانب السبب السابق تجدر اإلشارة إلى أن
إعجاب كوهين بالحاخام عوفاديا (الزعيم الروحي لشاس) كان من األسباب التي دفعته إلى
االعتراف املتأخر
ً
وتحديدا في مستوطنة «غادير» بـ «غوش فور وصوله إلى إسرائيل سكن كوهين في قطاع غزة،
قطيب» ..وبعد فترة ليست بالطويلة انتقل إلى «نتيفوت» الواقعة في جنوب إسرائيل ،وأطلق
إعجابا بالحاخام املتطرف عوفاديا يوسف زعيم حركة شاس ً على ابنه األصغر اسم «عوفاديا»
اليهودية املتطرفة ..ألحق كوهين أبناءه بشبكة التعليم التوراتي ،بينما التحق هو بالعمل في إدارة
تابعة للقطاع الديني اليهودي.
عقب فترة قصيرة من العيش في إسرائيل تفاجأ كوهين باملجازر التي ترتكبها إسرائيل ضد
وصدم بواقع وجده يناقض الواقع النرج�سي الذي كان ّ
يروج له اإلعالم الشعب الفلسطينيُ ،
الغربي واليهودي عن إسرائيل؛ فبدأت كراهيته لليهود واإلسرائيليين وهي كراهية دفعته إلى
البحث عن الحقيقة بشكل محايد.
في ليلة صيفية عصية على النسيان ،دخل الوالد يوسف كوهين في دردشة إسفيرية ،مع رجل
يطلق على نفسه اسم «زهدي» ..وظل االثنان ولساعات طوال يتبادالن وجهات النظر الفلسفية
والدينية ..عقب مرور وقت ليس بالطويل انتبه كوهين إلى أنه صار يدمن قراءة رسائل صديقه
اإلسفيري الغامض ،بل وجد نفسه ينتظرها على أحر من الجمر.
النقاش الذي دار بين كوهين و«زهدي» جعل األول يتعلق بالثاني ،كما زاد من رغبته في معرفة
ً
املزيد عن اإلسالم ..لقد أصبح كوهين أكثر ميل نحو اإلسالم بعد مقارنته بالعقيدة اليهودية..
وعندما توطدت العالقة بين االثنين كشف «زهدي» عن نفسه لكوهين وأخبره بأنه إمام مسجد
رويدا بدأ كوهين يقتنع بحجج محاوره ،بل حصل منه على نسخة من رويدا ً
حمدً .. سعودي يدعى ُم َّ
القرآن الكريم أخفاها عن عيني زوجته ..وما أن شرع في قراءة القرآن الكريم حتى الحت أمام
ناظريه عنصرية الدين اليهودي في شكلها السافر ،فأخذ يتطلع إلى اإلسالم.
استمرت العالقة بين االثنين تزداد ً
قربا ،بينما زاد ّ 88
تعمق كوهين في فهم الدين اإلسالمي..
عندما وصل كوهين إلى هذه املرحلة ،وفي بداية عام 2001أقنع محمد محاوره يوسف كوهين
بالذهاب إلى القدس الشرقية ملقابلة بعض رجال الدين املسلمين ..بالطبع كانت تلك مهمة تتسم
بالخطر! إذ كيف يمكن ليهودي أن يذهب إلى هناك ..لحل هذه املعضلة كان كوهين يتذرع بأنه
يريد الذهاب إلى الكنيسة ،فكان يلتقي برجال الدين املسلمين قبل ذهابه إلى مقصده.
وعندما صعب عليه االستمرار في التحايل أخبر زوجته بأنه على وشك التحول من اليهودية
إلى اإلسالم ،وأوضح لها عظمته ومزاياه ،ثم ترك لها حرية االختيار وإن كان يتمنى لها من داخل
قلبه أن تسلم ..طلبت منه زوجته أن يمنحها فترة من الوقت حتى تتعرف بدورها إلى اإلسالم..
وبالفعل بدأت زوجته دراسة الدين اإلسالمي حتى اقتنعت فأسلمت ..عقب ذلك أخذ يوسف
ًّ
رسميا إلى زوجته وأبناءه األربعة إلى املحكمة الشرعية بالقدس الشرقية ليعلنوا فيها تحولهم
اإلسالم ،كما تحولوا كذلك للسكن باملنطقة اإلسالمية في فلسطين.
عاما إلى «يوسف الخطاب» وتحول اسم زوجته لونا تحول اسم كوهين البالغ من العمر ً 36
(ً 34
عاما) إلى قمر ،بينما غيرا األسماء العبرية ألوالدهما إلى أسماء إسالمية ..وهنا تجدر اإلشارة
إلى أن اليهوديات الالئي يتزوجن بمسلمين يعتنقن اإلسالم في بعض األحيان ..بيد أن املدهش في
هذه الحالة أن عائلة يهودية بأكملها قد تحولت من اليهودية إلى اإلسالم!
األمر األكثر إثارة للدهشة يتمثل في حقيقة أن بطل قصتنا الذي كان يدعم حزب «شاس»
نصيرا لحركة «حماس» اإلسالمية ،بل وصل به الحال في دعم حركة ً اليهودي املتطرف أصبح
حدا جعله يقول في حماسة« :يجب أن تمتد فلسطين من البحر املتوسط إلى نهر األردن، «حماس» ًّ
ً
معاديا لإلسالم ً
مجاهدا إلخراج املحتل!! من كان وعلى اليهود أن يخرجوا» ..من جاء ليحتل أصبح
ّ داعيا إليه!! فسبحان ّ
أصبح ً
مغير األحوال ومقلب القلوب!!
تصدر خبر اعتناق أسرة خطاب جميعها اإلسالم الصفحات األولى في العديد من الصحف ّ
اإلسرائيلية والغربية ،وأحدث ضجة كبرى في املحافل الدينية اليهودية ،خاصة في أوساط حركة
شاس التي كان ينتمي إليها ّ
رب األسرة .واعتبر أحد اإلسرائيليين من حركة شاس الدينية أن ما قام
به يوسف ضرب من الجنون ويجب معالجته بوضعه في مستشفى األمراض العقلية.
انتقلت أسرة خطاب بعد إعالن إسالمها للسكن في قرية الطور العربية الواقعة في القدس
الشرقية ..وأصبح خطاب يرتدي الزي العربي التقليدي ،كما أصبح هو وأوالده يحرصون على
أداء الصلوات وسائر العبادات اإلسالمية ،ومثلهم فعلت زوجته التي ارتدت الحجاب.
89 التحق خطاب بالعمل في جمعية إسالمية خيرية في املدينة ،بينما أدخل أوالده إحدى املدارس
اإلسالمية حيث أصبحوا يتحدثون اللغة العربية بطالقة ..وتجدر اإلشارة هنا إلى أن معظم أفراد
تغير اسم األب من يوسف كوهين إلى يوسف خطابّ ،
وتغير غيروا أسماءهم ،حيث ّ أسرة خطاب قد ّ
وتغير اسم االبن األوسط من رحمايم إلى عبداملجيد، اسم االبن األكبر من عزرا إلى عبدالعزيزّ ،
تغير اسم االبن األصغر من عوفاديا إلى عبدهللا ،أما االبنة الوحيدة حسيبة فقد احتفظت بينما ّ
بذات االسم ..لقد تفاجأ الجميع بالحدث غير العادي؛ إذ إنها املرة األولى التي تعتنق فيها أسرة
يهودية بأكملها الدين اإلسالمي ،ويتحول والؤها لليهود إلى كره ..وبمرور األيام تطورت كراهية
خطاب لليهود وتحولت إلى تصريحات مدوية يعبر فيها على العلن عن هذه الكراهية ويستنكر كل
ما يلحق بالفلسطينيين من ظلم واضطهاد على يدهم ،بل صار يؤيد العمليات الفدائية التي يقوم
االعتراف املتأخر
كرد فعل ملمارسات إسرائيل الوحشية ضدهم. بها الفلسطينيون ويبررها بأنها تأتي ّ
عقب إسالمه واجه خطاب مجموعة من املشكالت من بينها رفض اإلسرائيليين االعتراف
الرسمي بإسالمه على الرغم من أن القانون اإلسرائيلي يسمح ّ
بحرية األديان ويعطي للمواطن
حق اعتناق الدين الذي يرغب فيه ،وهو رفض يعزى إلى الخوف من اعتناق إسرائيليين آخرين
للدين اإلسالمي ..لكن وبعد معاناة طويلة وصعبة دامت زهاء العامين ونصف العام تمكنت
املحامية دينا شبلي من أن تنتزع له وألسرته هذا الحق بعد وصولها للمسؤولين في وزارتي
ًّ ّ
رسميا في الداخلية واألديان ،حيث تمكن يوسف وكل أفراد أسرته من تغيير ديانتهم وتسجيلها
بطاقات هويتهم ومن ثم تغيير أسمائهم العبرية إلى عربية ..وطوال تلك املدة حرم يوسف وأفراد
ًّ
رسميا يهوديين. عائلته من دخول دور العبادة اإلسالمية ألنهم كانوا ال يزالون يعتبرون
وفي خاتمة هذه القصة نشير إلى أن االعتراف املتأخر من قبل السلطات الرسمية بإسالم
يوسف وأسرته لم يكن يعني نهاية املطاف ،إذ واجهته مشكالت عديدة من بينها الخوف الكبير
الذي ظل ينتابه من أن املجتمع اإلسالمي الفلسطيني لن يرحب به ،وذلك النتقاله من بيئة يهودية
إلى أخرى إسالمية ،وتحوله من يهودي متطرف إلى إسالمي فلسطيني..
ً
هذا إضافة إلى املضايقات الكثيرة التي كان يقوم بها بنو دينه ،فضل عن الشرطة اإلسرائيلية
التي كانت تقوم بإزعاجه في بيته الجديد ..ولكنه ثمن بخس يدفعه بطل قصتنا مقابل إسالم
عظيم يضمن له خيري الدنيا واآلخرة..
هذا اليهودي األمريكي ،بطل هذه القصة ،بحث عن الحقيقة بصدق وإخالص فوجدها
مشرقة خلف تالل من الكذب املزيف ..ما هي هذه الحقيقة وكيف وجدها ..هذا ما يرويه لنا
اليهودي األمريكي ميليتش ياكوف في الفقرات التالية:
ولدت في أحد أحياء مدينة نيويورك التي ما زلت أعيش فيها حتى اآلن لعائلة يهودية ..أطلق
ًّ
عبرانيا هو «ميليتش ياكوف» ..على الرغم من انتمائنا إلى اليهودية الشاسية علي والداي ً
اسما
املعروفة بتزمتها املتطرف فإننا لم نكن نلتزم بجميع شعائرها الصارمة التي يفرضها علينا املحفل
91
الشا�سي ،الذي كنا نذهب للصالة فيه كل يوم سبت ..اختالفنا في املظهر والسلوك عن بقية
أفراد الطائفة الشاسية خير دليل على أننا عائلة شبه متدينة ..فبينما كان أفراد طائفتنا يرتدون
البدالت السوداء والقبعات ،ويطلقون اللحى وتتدلى سبلتان طويلتان على خد الواحد منهم ،كان
أفراد عائلتي يختلفون عنهم في ارتدائهم املالبس العادية ..كما أنهم كانوا يطبخون ويستخدمون
الكهرباء في يوم السبت على عكس بقية أفراد الطائفة ..هذا عن أفراد عائلتي ،أما أنا فقد كنت
أكثرهم ً
بعدا عن الدين؛ فعلى سبيل املثال لم أكن أضع «الكيبا» فوق رأ�سي كما أنني ترعرعت في
وسط دنيوي غير متدين ،وكان يحيط بي كثيرون من زمالء الدراسة من غير اليهود.
متدينا ظللت أشعر بعقدة الذنب لعدد من السنين نتيجة لعدم ً وعلى الرغم من أنني لم أكن
ً
التزامي بتعاليم طائفتي الدينية مثل قيادتي السيارة يوم السبت وتناولي طعاما ال تبيحه الشريعة
عظمة القرآن
اليهودية ..وقد يعزى شعوري بالذنب إلى إحسا�سي القوي بأن تلك األوامر الدينية ما هي إال
عالمات في طريق يريدني هللا أن أعيشه ..بالتالي كنت في كل مرة ال ألتزم فيها تلك األوامر أشعر
ً
طريقا بأنني أرتكب خطيئة في نظر هللا ..لكل لذلك يمكنني أن أقول إن اعتناقي لإلسالم اتخذ له
ًّ
حلزونيا غير مستقيم. ًّ
لولبيا
أتذكر أن أمي كانت تروي لي في طفولتي قصص مشاهير الحاخامات كما كانت تقرأ لي القصص
األسطورية من «الهغادة» والتوراة ..وهنا أشير إلى أن تلك القصص تحمل نفس الرسالة األخالقية
قصصا تتحدث عن االضطهاد ً التي عززت انتمائي إلى الجماعة اليهودية وإسرائيل ..لقد كانت
الذي تعرض له اليهود على ّ
مر التاريخ ،كما كانت تتحدث عن وقوف هللا إلى جانبهم كشعبه املختار
حتى النهاية ..وتركز تلك القصص -التي تربينا عليها كيهود -على املعجزات التي تسعف اليهود على
الدوام حينما يكونون في أشد حاالت الضيق ،كما تصور بقاءهم على مر التاريخ -وسط النزاعات
واملحن -على أنه معجزة من هللا لحفظ شعبه املختار.
الحقيقة ،بالرغم من إحسا�سي القوي بهويتي كيهودي ،فإنني كنت أشعر بامللل تجاه صالة
السبت التي كنت أذهب إليها مع أبي ،بل كنت أنظر في استياء إلى منظر املصلين بقبعاتهم السوداء
تبرم وضيق إلى صالتهم التي يؤدونها بلغة غريبة تشعرني بأنني وسطولحاهم الطويلة وأستمع في ّ
عالم غريب ..عالم يختلف كل االختالف عن عالم أصدقائي ومعارفي الذين كنت أشعر بالبهجة
وسطهم ..لكل هذا لم نكن أنا ووالدي ملتزمين بأسلوب الحياة الشاسية مثل بقية أفراد العائلة،
لذلك كنا نذهب إلى املحفل بصورة غير منتظمة حتى كان ذلك اليوم!
في أحد األيام وكنت حينذاك في الثالثة عشرة من عمري شهدت مشاجرة حدثت ألبي مع بعض
أعضاء املحفل اليهودي ..قطعت تلك املشاجرة شعرة معاوية التي كانت تربطنا -أنا وأبي -باملحفل؛
ً
انقالبا في حياة أبي؛ إذ أقنعه أحد تماما ..عقب ذلك حدث أمر آخر أحدث إذ توقفنا عن زيارته ً
األصدقاء بحب يسوع ..هذا التحول الذي حدث في حياة أبي عزز من مسألة اعتقادي الخاص، 92
فبدأت أطرح العديد من األسئلة التي من بينها على سبيل املثال :من هو اليهودي بالتحديد؟ وهل
ً
مواطنا اليهودية ثقافة أم قومية أم دين؟ وإن كانت اليهودية قومية فكيف لليهودي أن يكون
ً فشيئا ،أخذت أبتعد عن اليهودية التي لم يكن تديني بها ً
تدينا نابعا عن ً ً
وشيئا في قوميتين؟!
إيمان حقيقي صادق.
في فترة الحقة -ليست بالبعيدة عن طالقي لليهودية -تبنينا أنا ورفاقي الكثير من النزعات
السياسية ،وجربنا كل �شيء سيا�سي وفكري يمكن أن يخطر ببال بشرً ..
بدءا بالدعوة إلى
ً
وانتهاء بالدعوة إلى الشيوعية ..وفي إطار بحثي عن الحقيقة قرأت كل أعمال ماركس، الجمهورية
ولينين ،وستالين ،وماو ،وتروتسكي ..في البدء وجدت في املاركسية ما كنت أنشده وأبحث عنه
ًّ
اشتراكيا أسهمنا عبره في الكثير من النشاطات املتنوعة، منذ صغري ..وشكلنا أنا ورفاقي ً
ناديا
ً
كاالحتجاجات الداخلية والتضامن مع اإلضرابات العمالية ،فضل عن الترتيب إلحداث ثورة
في البالد ..لكن سرعان ما كرهنا اليسار السيا�سي األمريكي ،وشعرنا باالشمئزاز من الطريقة
تماما؛ فقد توصلنا إلى استحالة إحداث ثورة ناجحة بوساطة هذا التي يعمل بها ،بل ورفضناها ً
النموذج العابث من الناس.
ً
مناصرا وعلى الرغم من كراهيتي لليسار وتوقفي عن النضال ألجل الثورة ،فقد أصبحت
نشطا للفلسطينيين؛ ألن قضيتهم هي القضية الوحيدة التي وجدت نف�سي ّ ً
أتحمس لها بشدة..
ما أعطاني الشعور بالكبرياء مهاجمتي لالتجاه السائد الداعم إلسرائيل في عدوانها على الشعب
الفلسطيني ..أردت من هذا املوقف أن يعلم العالم حقيقة أنه ليس كل اليهود سيئين.
ملحدا على الرغم من أنني هجرت اليهودية وأصبح هدفي ً من ناحية ثانية لم أكن في الحقيقة
ً
األسمى واألوحد هو خدمة اإلنسانية ..نعم لم أكن ملحدا ومع ذلك كنت أكره األديان كلها؛ إذ
توصلت إلى قناعة مفادها أن الدين هو أداة يستخدمها املسؤولون للتحكم في بقية أفراد املجتمع.
ما أوصلني إلى هذه القناعة املفاهيم التي يتبناها «املسيحيون املتطرفون» في أمريكا ..لقد كنت
أستنكر عليهم العديد من األشياء مثل إنكارهم للعلم ودعمهم للقيم القديمة للرجل األبيض،
أضف إلى ذلك الطريقة التي يتبعها اليهود في تعاملهم مع الفلسطينيين ..برغم ذلك ظللت أؤمن
ً
فراغا ً ًّ باهلل ً
كبيرا.. سطحيا ..بيد أن هذا الضعف الديني الذي كنت أعيشه أحدث في داخلي إيمانا
ً ً
متدينا ،إذ كنت أشعر بأن املتدينين حتى أنني أصبحت أتمنى في بعض األحيان لو أنني كنت رجل
يعيشون حياة أكثر سعادة منا نحن غير املتدينين.
عندما وقعت أحداث الحادي عشر من سبتمبر 2001م ،أخذت وسائل اإلعالم الغربية تعمل
على التكريس بشدة للصورة السلبية التي سبق أن رسمتها لإلسالم في أذهان الغربيين ..كنت من
93 البداية أعرف أن وسائل إعالمنا تمارس الكذب والتضليل على الرأي العام وذلك لعلمي أن هذه
الوسائل تحمي فقط مصالح أولئك الذين يسيطرون عليها..
وعندما الحظت أن معظم من يشنون الهجوم على اإلسالم هم من املسيحيين املتطرفين بدأت
ً
وساحرا يختلف عن بقية األديان أنظر إلى اإلسالم من منظور آخر؛ إذ أخذ يبدو لي ً
دينا ً
باهرا
التي عرفتها ..الحقيقة شكرت هللا ً
كثيرا على ما تعلمته من خالل تجربتي السياسية السابقة إذ
تعرفت عبرها إلى كل من املجتمع ووسائل اإلعالم ،األمر الذي جعلني غير مصدق لكل األكاذيب
التي سمعتها عن اإلسالم من خالل محطات التلفزة الغربية.
ً
شخصا يتحدث عن الحقائق العلمية التي يحويها الكتاب املقدس.. وفي أحد األيام سمعت
عظمة القرآن
لإلجابة عن هذا السؤال دخلت الشبكة العنكبوتية وشرعت في البحث عن هذا املوضوع ..لقد
وجدت أمامي مفاجأة غير متوقعة تشيب لها الرؤوس!! حقيقة انبهرت بقدر ما تعنيه هذه الكلمة
من معنى ..لقد وجدت الكثير من األشياء املذهلة التي أعجز عن وصفها بالكلمات!! يا للروعة!!
أدهشني بشدة ما يتمتع به القرآن من تناغم منطقي متفرد ..أدركت مدى عظمة القرآن وتفرده
عندما قارنت رسائله األخالقية مع تلك التي تعلمتها في الكتاب املقدس!! يا لعظمة القرآن!! كما
وجدت نف�سي أستمتع بقراءته ،مقارنة بالكتاب املقدس الذي كانت قراءته تبعث امللل في نف�سي.
ً قضيت ً
وقتا طويل وأنا ألتهم في نهم املقاالت الكثيرة التي تتحدث عن اإلسالم والتي عثرت عليها
في شبكة اإلنترنت ..وبعد مرور خمسة أشهر من الدراسة املكثفة وجدت نف�سي أنطق شهادة
ً
مسلما على نحو رسمي. اإلسالم في فرح طفولي ألنني أصبحت
ويختتم ياكوف قصته بقوله :عقب دخولي اإلسالم بصورة رسمية وجدته أفضل من ديني
القديم الذي كنت أدين به ،بل ولكي أكون أكثر دقة أقول إنه ال مجال للمقارنة بين االثنين ..لقد
ً
ومعقول ..كل عباداته ّ ًّ
ميسرة وسهلة للفهم ..في البدء كنت منطقيا وجدت كل �شيء في اإلسالم
أخاله مثل اليهودية في التشدد بيد أنني وجدته على العكس من ذلك دين تسامح ويسرً ..
أخيرا
ألخص حديثي لكم في قولي :إن من أهم ما تعلمته من اإلسالم حقيقة أن األديان كلها ذات جوهر
حرف هذه األديان على مر الزمان، واحد ألن اإلله املعبود واحد وهو هللا ،لكن اإلنسان هو الذي ّ
ويبقى اإلسالم وحده هو الدين الحق..
َّ ّ َ ْ َ َّ ْ َ ًّ
ال ْسل ُم».. الدين ِعند الل ِه ِ
حقا«ِ ..إن ِ
ْ ً ََ ْ َ َ ْ ََْ ََْ ْ َ
ال ْسل ِم ِدينا فل ْن ُيق َب َل ِمن ُه»..
«ومن يبت ِغ غير ِ
هكذا قال هللا ..هكذا أعلنها القرآن قبل أكثر من 1400عام.. 94
بدأت آن العزف على آلة الفلوت وهي في الخامسة من عمرها ،وأصبحت عازفة فلوت محترفة
عندما بلغت الثانية عشرة من العمر ،كما أنها احترفت العزف على الكثير من اآلالت املوسيقية
األخرى ..حصلت على أموال وافرة لقاء عزفها في فرق وأوركسترات الجاز ..كانت عائلتها مشغولة
عن رعايتها ومع ذلك فقد ظلت بعيدة عن األمور السيئة التي تمارسها الفتيات األمريكيات الالئي
في سنها وظروفها.
التحقت بسالح البحرية األمريكية عندما كانت في الثامنة عشرة من عمرها ،بيد أنها غادرته
عازفة الفلوت
بعد فترة وجيزة لتعاود العزف على املزمار والفلوت في «أوركسترا السيمفونية» ..تزوجت لعدة
مرات وتطلقت بسبب سوء معاملة الزوج لها.
أصيبت بعدة ابتالءات كالعمى الذي الزمها لعامين ،وانكسار الكاحل الخطير الذي أقعدها
لفترة طويلة ..وظفت فترة العمى في البحث عن هللا من خالل دراسة شتى العقائد ومختلف
سبل الحياة.
بدأت الذهاب إلى الكنيسة «املعمدانية» الرئيسية املستقلة ..أزعجت القسيس باألسئلة
الكثيرة الحرجة التي تفضح تناقضات النصرانية ،بيد أنها لم تجد في جعبته اإلجابات الشافية
بالرغم من حصوله على درجة الدكتوراه في فلسفة الالهوت! أخبرته برغبتها في دراسة األديان
ً
مستحسنا ،وإن الشيطان يحاول أن يصرفها برغبتها األخرى ففاجأها بقوله إن ذلك ليس ً
أمرا
ً تلك ً
بعيدا عن الكنيسة ..تفاجأت أكثر الستخدامه لكلمة «كنيسة» بدل عن كلمة «هللا».
بدأت في البحث عن الكتب املتعلقة بالدين وكان لبعض تلك الكتب تسجيالت صوتية استمعت
إليها ألن نظرها لم يكن ليمكنها من القراءة بما فيه الكفاية.
في ذلك الوقت التقت بسيدة مسلمة انتقلت للعيش في املدينة ذاتها التي تعيش فيها ..أهدتها تلك
السيدة كتيبات عن اإلسالم ..لم تحولها تلك السيدة إلى اإلسالم ولكنها حببته إلى نفسها إذ فتحت
ّ
لها باب دارها ما مكنها من رؤية حياة املسلم من الداخل فأعجبت بممارستها لدينها وتطبيقها
لإلسالم في حياتها.
كانت ابنتها في الجامعة قد التقت حينها ببعض األصدقاء املسلمين من السودان وباكستان
ودولة اإلمارات العربية املتحدة ،فشرعت عبرهم في دراسة اإلسالم ..أما هي فقد أخذت تدرس
اإلسالم بتمعن أكثر حتى تحققت من أن اإلسالم هو الدين األصح فقررت اعتناقه ..كانت تخفي
األمر عن الجميع بمن في ذلك ابنتها.
96
تفاجأت ذات يوم بابنتها وهي تسألها في وجل إن كان بوسعها أن تعتنق اإلسالم ..كانت ابنتها
خائفة لعلمها بأن أمها امرأة «معمدانية» متشددة.
عندما سألتها ملاذا تطلب منها ذلك؟ أخبرتها بأن السيدة التي كانت تتكلم إليهم عن اإلسالم
طلبت منها أن تأخذ اإلذن من أمها قبل أن تعتنق اإلسالم ،ملا نص عليه القرآن من أهمية شأن
األم ..كانت البنت تنتظر ّ
رد والدتها وهي خائفة ففاجأتها األخيرة بأن أخبرتها بأنها درست اإلسالم
بدورها وتنوي اعتناقه ..وبالفعل ،بعد أسابيع قليلة وفي يوليو من عام 2001م نطقت األم وابنتها
معا أمام اثنتي عشرة سيدة في منزل إحدى الصديقات. الشهادة ً
بعد مرور أقل من شهرين على اعتناق آن اإلسالم ،وفي 14سبتمبر من عام ،2001هجم
شاب على مخزن بقالة ودفع عربة التسوق نحوها دفعة قوية جعلتها تصطدم برف من العلب
ً
املعدنية ،ما أدى إلى سقوط الرف بأكمله فوقها ،فأصيبت بجروح في رأسها ويدها فضل عن
جروح في ظهرها ،وكاحلها وساقها.
ً
سريعا على الشاب الذي صورته كاميرا املخزن األمنية ..وقف استطاع رجال األمن أن يقبضوا
ً
الشاب إلى جانبها وقد بدا مذهول مما اقترفه من ذنب ..وفوجئ عندما رآها تتكلم لغة إنجليزية
سليمة وهي ترتدي الحجاب ..اعتذر لها بقوله إنه ظنها سيدة عربية ..قال هذه الجملة وكأن ذلك
كافيا إليذاء شخص ما ًّأيا كانت جنسيته ًّ
وسببا ً
ً ً كان ً
وأيا كانت ديانته!! مبررا مقبول
سببا في إسالم ذلك الشاب الذي واظب على حضور محاضرات دينية ّ
تعرف كان ما حدث ً
عبرها إلى اإلسالم فنطق الشهادة بعد نحو ستة أشهر ..فرحت آن عندما تلقت خبر إسالمه
منه عبر البريد اإللكتروني ،إذ كانت قد انتقلت من املنطقة التي كان يسكن فيها إلى منطقة
أخرى ..وانضم الشاب عقب إسالمه إلى «رابطة الطالب املسلمين» املحلية وانخرط في أعمال
«الدعوة» اإلسالمية!
ونختتم هذه القصة باإلشارة إلى ما صرحت به آن عندما قالت :إنها تنظر في كل صباح إلى آثار
الجروح التي تلقتها من هجوم ذلك الشاب فتشعر بالسعادة حينما تتذكر من أين جاءت ومن ثم
تحمد هللا على حدوثها طاملا كانت ً
سببا في هداية ذلك الشاب.
املصدر)10( :
عازفة الفلوت
قصة عجيبة
ما أعظم تدبير هللا!!
يسوق اإلنسان إلى خير يوم طلعت عليه الشمس وهو ال يدري..
يغري اإلنسان بما يحب من عرض الحياة الزائل ..ليبلغ به النعيم الدائم!!
رحمة ما بعدها رحمة..
أهذا إله نبحث عن سواه لنعبده؟!!
تأمل تدبير املدبر العظيم في هذه القصة ..إنها قصة أغرب من الخيال!!
موسيقار أوروبي شهير حاول الحصول على شهادة صورية ّتدعي أنه مسلم حتى يتزوج من
راقصة عربية انبهر بجمالها ..رفضت املحكمة طلبه بحجة أن إسالمه من أجل كسب دنيوي..
ولتحقيق مبتغاه بأي ثمن قرأ عن اإلسالم فوجده على غير ما ّ
صوره له بنو جنسه فأسلم عن
قناعة ..وعندما رجع للراقصة ليتزوج منها اشترط عليها أن تترك الرقص فرفضت ..انصرف عنها 98
ّ
وتمسك بإسالمه ..إنه املوسيقار اإليطالي الشهير باال سلفاتوري بطل هذه القصة.
زار املوسيقار باال سلفاتوري إحدى دول الخليج العربي ليحيي حفالت في بعض فنادقها
الراقية ..وفي إحدى الحفالت تعرف إلى راقصة عربية مسلمة الديانة انبهر بجمالها وأعجبه
رقصها ..طلب منها الزواج ،فوافقت على الفور وفي بالها ما ينتظرها من شهرة واسعة ومال وفير..
ولكن تذكرت أن القوانين ال تسمح بزواجه منها باعتباره غير مسلم ..لحل املشكلة طلبت منه
الذهاب إلى دائرة األوقاف ليحصل على شهادة صورية تثبت أنه مسلم بعد أن ينطق بالشهادتين
ً
محمدا رسول هللا». أمامهم« :أشهد أال إله إال هللا وأن
وافق املوسيقار اإليطالي على طلب الراقصة ،طاملا أن ذلك سيوصله إلى بغيته املنشودة..
دخل دائرة األوقاف وأخبرهم أنه جاء بغرض النطق بالشهادتين لكي يتسلم شهادة رسمية تؤهله
للزواج من امرأة مسلمة أحبها لدرجة الوله.
شعر أحد املسؤولين بدائرة األوقاف بأن الرجل يريد الشهادة فقط لغرض دنيوي ،فرفض
منحها له باعتبارها شهادة نفاق صورية ال تتفق مع أصول اإلسالم ..اعترت املوسيقار اإليطالي
ثورة من الغضب وقال في حرقة« :إن املسيحية تقبل من يريد الدخول فيها ألي سبب كان».
رد عليه املسؤول في هدوء وموضوعية« :إن اإلسالم دين الحق الذي نزل من عند هللا ليصلح
دنيا الناس وآخرتهم في إطار منهج قويم ال عوج فيه وال التواء».
حدق املسؤول في وجهه للحظات ثم قال بلهجة استنكارية حادة« :أما تستحي يا رجل من هذا
االدعاء لتحقق شهوة حيوانية مع امرأة قد أعجبتك مفاتنها؟!».
ً
ثم تنهد بعمق قبل أن ينصحه قائل« :إن تكاليف الشهادة التي تقصدها ثقيلة ،ولن تستطيع أن
تتحمل أماناتها ما دمت غير مقتنع بها».
نصح املسؤول بطل قصتنا بأن يقرأ ً
كثيرا عن اإلسالم حتى يتعرف إلى مبادئه وتعاليمه وآدابه،
سببا في إسالمه عن حب واقتناع فيفوز بالحسنيين ..وملساعدته في ذلك أهدى ع�سى أن يكون ذلك ً
له بعض الكتب اإلسالمية املترجمة عساها تعينه في بحثه ودراسته..
ظل املوسيقار ولعدة شهور يقرأ في الكتب التي أهداها له املسؤول باإلضافة إلى كتب أخرى
حصل عليها بنفسه حتى يتعرف أكثر إلى اإلسالم.
من خالل قراءاته املتأنية للكتب توصل املوسيقار «باال سلفاتوري» إلى أن كل أفكاره
99
ومعتقداته السابقة عن اإلسالم والتي تلقاها من بيئته غير املنصفة كانت باطلة ظاملة وتتعارض
تماما مع سماحة اإلسالم وعظمته ..فمن خالل اطالعه على الكتب اإلسالمية وجد املوسيقار ً
اإليطالي أن اإلسالم هو دين قويم يدعو إلى مكارم األخالق وإلى اإلخالص في العبادة هلل وحده
الذي ال شريك له؛ فتوصل إلى قرار حاسم مفاده أن عليه أن يعلن إسالمه بصدق وإخالص
بعيدا عن األغراض الشخصية الدنيوية الرخيصة فأسلم وغير اسمه إلى محمد عبدهللا الهادي. ً
وفي سعادة املسلم املعتز بدينه الغيور عليه ،يقول املوسيقار «باال سلفاتوري»« :يا أيها
املسلمون ..أفيقوا من غيبتكم ،وعودوا إلى رشدكم ودينكم ..العالم ينتظركم ..واصدقوا هللا
تملكوا العالم كله».
قصة عجيبة
الفترة التي قضاها املوسيقار املسيحي في البحث والتق�صي عن اإلسالم حتى أسلم قضتها
الراقصة في قلق وهي تنتظر الشهادة الصورية إلسالمه حتى تتزوجه وتحصل على ما تنشده من
شهرة واسعة ومال وفير ..تأخر فارس أحالمها لعدة شهور أصابها القلق ،فذهبت لكي تعرف
أسباب ذلك التأخر ..فاجأها بأنه أسلم عن قناعة تامة ألن اإلسالم هو الدين الحق الذي يجب أن
يتبعه كل من ينشد الطمأنينة والسكينة ..عقب ذلك أخذ يحدثها عن محاسن اإلسالم وفضائله
التي ال توجد في غيره من األديان كما أخبرها بأنه يحقق السعادة الحقيقية لكل من يلتزم به
ويتحلى بتعاليمه وآدابه.
كانت الراقصة تستمتع إلى املوسيقار في دهشة من رأى الشمس تشرق من املغرب ..وهي دهشة
ً
تضاعفت حينما أخذ ينصحها بأن تترك حياتها الخبيثة وأن تقلع عن الرقص حال وتحتشم وتلتزم
سابقا هو شرطه لقبولبتعاليم اإلسالم ..واختتم حديثه معها بقنبلة مدوية مفادها أن ما قاله ً
الزواج منها ..بكت الراقصة وانطلقت إلى حال سبيلها بعد أن رفضت طلبه بينما التفت هو إلى
حياته الجديدة تغمره سعادة لم يحلم بمثلها في حياته السابقة.
100
هذا األسطورة ..بطل قصتنا ..ولد ألسرة تدين باملسيحية ..نشأ في بيئة مترفة مرفهة تغمرها
أضواء العمل الفني ..تعلم من الكنيسة حقيقة وجود هللا لكن مع استحالة الوصول إليه دون
101 ً
احتراما ملعتقدات والده الدينية ..انخرط ً
مقتنعا بالتعاليم املسيحية لكنه صمت وسيط ..لم يكن
ً
في عالم املوسيقى والغناء فأصبح مشهورا واسع الثراء ..حققت مبيعات ألبوماته ما يقارب 60
همه األوحد ..رغبته في الوصول إلى فائق القدرات دفعته إلى االنغماس مليون نسخة ..أصبح املال ّ
في عالم الخمور واملخدرات ..دخل املستشفى إلصابته بالسل ..شعر بمدى ضعفه ..تذكر املوت
فبدأ يكتسب عادات روحانية ..بدأ رحلة البحث عن الحقيقة ..اعتنق البوذية فهجرها ً
هربا من
ً
وأخيرا الرهبانية ..حاول أن يجد ضالته في علم األبراج وفي كثير من املعتقدات بيد أنه لم يجدها..
غير اسمهوجد ضالته املنشودة في اإلسالم ..من هو :إنه املغني اإلنجليزي املعروف ستيفنز الذي ّ
إلى يوسف إسالم أما كيف وجد ضالته؟ فهذا هو ما سوف نعرفه من خالل قصة إسالمه.
النجم الزاهد
ولد ستيفن ديمتري جورجيو في 21يوليو 1947بلندن ألم سويدية وأب من القبارصة
اليونانيين وتربى في حي ويست إند بلندن في شقة تقع فوق املطعم الذي يملكه والداه .كان يعتنق
ّ
مذهب األرثوذكس ومع ذلك تلقى تعليمه في مدرسة كاثوليكية ..تعلم من أسرته ومن الكنيسة
ّ
أن هللا موجود مع استحالة التواصل معه مباشرة دونما وسيط ،كما تعلم أن عي�سى هو الباب
الوحيد للوصول إلى هللا ..وعلى الرغم من اقتناعه الجزئي بهذه الفكرة فإن عقله لم يتقبلها
تماما ..ليس هذا فحسب بل كانت تساوره الشكوك في الكثير من التعاليم والطقوس املسيحية؛ ً
فتماثيل النبي عي�سى كان ينظر إليها كحجارة جامدة ال نفع فيها وال حياة ،أما فكرة التثليث فقد
كانت تقلقه وتؤرق مضجعه ،ولكن على الرغم من ذلك لم يكن يناقش أو يجادل ً
أحدا في كل ما
ً
واحتراما ملعتقداته الدينية. ورد ذكره من أمور ًّبرا بوالده
فشيئا بدأ ستيفنز يبتعد عن معتقدات الدين املسيحي ..وفي املقابل انخرط في مجال ً ً
شيئا
مشهوراّ ..
وتدرج في هذا املجال حتى تحقق له ً املوسيقى والغناء رغبة منه في أن يصبح ً
مغنيا
حلمه املنشود من الشهرة ،بل حصل على 8ألبومات ذهبية متتالية ،كما حازت أغانيه شهرة
واسعة في كل من بريطانيا والواليات املتحدة ..خلبت ّلبه حياته البراقة الجديدة فأصبحت
ً
متأسيا في ذلك بأحد إلهه كما يقول ..أما الثراء املطلق فقد تحول إلى هدف أسا�سي في حياته،
أخواله الذي كان واسع الثراء ،هذا إلى جانب تأثره بأفراد مجتمعه الذين اتخذوا من الدنيا ً
إلها
يعبدونه ..وهنا تجدر اإلشارة إلى أن ستيفنز اتخذ في تلك املرحلة من كبار مطربي البوب العامليين
ً
قدوة له ومثال أعلى.
انغمس بطل قصتنا في مباهج الحياة بكل طاقته ..وقبل أن يكمل العقدين من عمره الفني
صنعت منه أجهزة اإلعالم أسطورة يشار إليها ببنان الخيال ..وحتى يتجاوز حدود الزمن ويصل
سريعا إلى فائق القدرات انغمس ً
تماما في عالم الخمور واملخدرات ..لكن ،على الرغم من حياته ً
ً
ومتنازعا ً
مكتئبا يبحث عن السعادة الصاخبة وأغانيه التي أوصلته إلى قمة الشهرة والغرور ،كان
ً يشعر بنفسه يفتقر إلى الطمأنينة والسكينة التي ّ
عبر عنها قائل« :عندما كنت في القمة ،كنت أنظر 102
ً
إلى أسفل خوفا من أن أسقط من القمة ،وبدأ القلق ينتابني ،وبدأت أشرب زجاجة خمر كل يوم
ألستجمع الشجاعة كي أغني ..كنت أشعر أن الناس حولي يلبسون أقنعة ،وال أجد من يكشف
عن وجهه القناع ..قناع الحقيقة ..كان ال بد من النفاق حتى تبيع وتكسب ..وحتى تعيش ..وشعرت
أن هذا ضالل ،وبدأت أكره حياتي ،واعتزلت الناس ،وأصابني املرض ،ونقلت إلى املستشفى
مريضا بالسل ..وكانت فترة املستشفى ً
خيرا لي ،حيث إنها قادتني إلى التفكير ،حيث بدأت أفكر، ً
إلى أن هداني هللا».
لحكمة إلهية أصيب ستيفنز بداء السل فدخل املستشفى ما أدخله في استراحة إجبارية من
اللهاث وراء الكسب الدنيوي الزائل الرخيص ..وأثناء وجوده باملستشفى أخذ يفكر في حاله
ً ّ وينظر إلى حياته بمنظار مختلفّ ..
مصيرا وألول مرة في حياته يفكر في املوت ويدرك أن هناك
ً ّ ّ ًّ
والتأمل ..وبحثا حتميا وحياة أخرى في انتظاره ..بدأ يكتسب عادات روحانية إيجابية مثل التفكر
نباتيا ،كما أصبح يؤمن بقوة السالم النف�سي ّ
ويتأمل الزهور ..وأهم عن الصفاء الروحي أصبح ًّ
ما خرج به من املستشفى قبل صحة الجسد إدراكه حقيقة أنه ليس مجرد جسد ،كما أدرك أنه
إنسان ذو إرادة ..وعقب شفائه عاد إلى عالم الغناء واملوسيقى من جديد ،ولكنها عودة اكتست
بطابع أفكاره الجديدة التي أدهشت الكثيرين؛ فمن ضمن أغنيات املرحلة الجديدة أغنية قال
فيها« :ليتني أعلم من خلق الجنة والنار ..ترى هل سأعرف هذه الحقيقة وأنا في فرا�شي ..أم في
حجرة مترية ..بينما يكون اآلخرون في حجرات الفنادق الفاخرة»!! .كما كتب كذلك أغنية أخرى
تحمل اسم «الطريق إلى معرفة هللا».
صراع نف�سي رهيب دار بين قطبين متنافرين :شهرته املتزايدة وبحثه املتواصل عن الحقيقة..
بدأ رحلة بحثه عن ضالته املنشودة بتفكيره في اعتناق البوذية ،بيد أن ما تتمتع به األخيرة من
مستعدا لترك املتاع الدنيوي ويتحول إلى راهب بوذي معزول ً رهبانية جعله يبتعد عنها ،إذ لم يكن
ً
عن العالم ..ترك البوذية برهبانيتها جانبا وأخذ يبحث عن الحقيقة في الكثير من املعتقدات بما
تعرف ً
وتحديدا في عام ّ ،1975 فيها علم األبراج أو األرقام بيد أنه فشل في بحثه ..في تلك الفترة،
ً
مبهورا بالحركة املذهلة التي وجدها تعج بين إلى اإلسالم عبر أخيه الذي سافر إلى القدس ثم عاد
جنبات املسجد األق�صى ..قارن أخوه تلك الحيوية بحال الكنائس واملعابد اليهودية التي اعتاد على
رؤيتها أكثر خواء من فؤاد أم مو�سى فحسبها نقطة في مصلحة اإلسالم ..لم يكتف أخوه بما حكاه
له عن القدس بل أحضر له نسخة مترجمة من معاني القرآن الكريم عساه يجد فيها ضالته ،إذ
أعجبته على الرغم من كونه غير مسلم.
قرأ الكتاب الكريم فوجد فيه الهداية التي ظل يبحث عنها السنين الطوال؛ فقد أخبره عن
حقيقة وجوده وعن الهدف من الحياة ،وعندها أيقن أن اإلسالم هو الدين الحق وأن حقيقته
تختلف ً
تماما عن فكرة الغرب عنه ..من ناحية ثانية انبهر ستيفنز بحقيقة أن اإلسالم ديانة عملية
103
مجرد معتقدات يستعملها املرء عندما يكبر في السن وتقل رغبته في الحياة ،كما هو وليست ّ
حال املعتقدات األخرى.
ّ
والتطرف ،كما يرى أكثر من هذا توصل ستيفنز إلى أنه ال توجد عالقة بين التزام الدين
أهل الغرب ،كما أعجبته ً
كثيرا في اإلسالم العالقة التكاملية املثلى بين الروح والجسد ،حيث ال
انشغال تام باملتاع الدنيوي كما هو حال بني جنسه ،وال رهبانية تعزل املرء عن العالم كتلك التي
أيضا عرف أن على املرء أن يخضع إلرادة هللا إن كان ينشد السمو والرقي.. ّنفرته من البوذيةً ..
وهو رقي يمكن أن يرفعه -أي املرء -إلى مرتبة املالئكة ..وعندما وصل إلى تلك النقطة قويت رغبته
ّ
معل ًما ً
النجم الزاهد
أيضا فتستضيفه جامعات بريطانية في اعتناق اإلسالم .وفي طور تعلمه لإلسالم أصبح
عريقة مثل كامبرديج وأكسفورد للحوار عن حياته والدين اإلسالمي.
وهنا يقول ستيفنز« :بدأت أتنازل عن تكبري ألنني عرفت خالقي وعرفت ً
أيضا السبب
الحقيقي وراء وجودي وهو االستسالم التام لتعاليم هللا واالنقياد له وهو ما يعرف باإلسالم..
وعندها فقط اكتشفت أنني مسلم في أعماقي ..وعند قراءتي للقرآن الكريم علمت أن هللا أرسل
الرسل كافة برسالة واحدة بيد أن اليهود لم يتقبلوا املسيح ألنهم ّ
غيروا كالمه ..بل إن املسيحيين
أنفسهم لم يفهموا رسالة املسيح ووصفوه بأنه ابن هللا ..إن كل ما قرأته في القرآن الكريم من
ًّ ً
ومنطقيا». األسباب واملبررات بدا لي معقول
ويشير ستيفنز إلى آيات هللا الكونية فيقول« :يكمن جمال القرآن الكريم في حقيقة أنه يدعوك
ّ إلى أن ّ
تتأمل وأن تتفكر ،وأن ال تعبد الشمس أو القمر ،بل تعبد الخالق الذي خلق كل �شيء..
يتأمل الشمس والقمر وأن ّ
يتأمل مخلوقات هللا جميعها ..فعندما فالقرآن الكريم أمر اإلنسان أن ّ
صعد رواد الفضاء إلى أعلى والحظوا صغر حجم األرض مقارنة بالفضاء الخارجي أصبحوا
مؤمنين باهلل ألنهم شاهدوا آيات قدرته».
ً
ويضيف ستيفنز قائل« :بقراءتي للقرآن عرفت الكثير عن الصالة والزكاة وحسن املعاملة
فأدركت أن القرآن هو ضالتي املنشودة ولكني أبقيت ما بداخلي ًّ
سرا لم أبح به إلى أحد ..وعندما
ّ
قرأت أنه ال يحل للمؤمنين أن يتخذوا أولياء من الكفار تمنيت أن ألقى إخواني في اإليمان ..فكرت
آنذاك في زيارة القدس ّ
تأس ًيا بما فعله أخي ،وهذا ما قمت به بالفعل ..وهناك وبينما أنا أجلس
داخل املسجد سألني رجل :ماذا تريد؟ فأخبرته بأني مسلم ..سألني عن اسمي فقلت له« :ستيفنز»..
تحير الرجل وبانت الحيرة على وجهه!! انضممت إلى صفوف املصلين ..حاولت تقليدهم في
أختا مسلمة تدعى نفيسةحركاتهم قدر املستطاع ..عقب عودتي إلى لندن وفي عام 1977قابلت ً
فأخبرتها برغبتي ّ
امللحة في اعتناق اإلسالم ..دلتني على مسجد «نيو ريجنت» ..كان ذلك بعد عام
ً
تقريبا من قراءتي للقرآن ..ذهبت إلى املسجد املعني ..وفي يوم الجمعة وعقب انتهاء ونصف العام 104
ّ
الصالة اقتربت من اإلمام وأعلنت الشهادة بين يديه وغيرت اسمي إلى يوسف إسالم».
ً
ويختم يوسف إسالم حديثه قائل« :أدعو هللا أن تكون في قصتي عبرة ملن يقرؤها ..وأشير هنا
إلى أنني لم أقابل أي مسلم قبل اقتناعي باإلسالم ولم أتأثر بأي شخص ..فعقب قراءتي للقرآن
توصلت إلى أنه ليس هناك إنسان كامل ،وتوصلت في الوقت ذاته إلى أن اإلسالم هو دين الكريم ّ
كامل ..وتوصلت إلى قناعة مفادها أننا إن قمنا بتطبيق تعاليم اإلسالم الواردة في القرآن الكريم
وفي السنة النبوية فسوف ننجح في هذه الحياة» ..وهو يرى أن على املسلمين أن يتواضعوا ويتركوا
كل أنواع السلوك التي ال تشبه اإلسالم ،وأشار إلى أن الخطر على اإلسالم يأتيه من قبل أولئك
ً
مثال ً
سيئا يحسب عليه.. املسلمين الذين يعطون بسلوكهم
للباحثين عن الشهرة ..ستيفن ديمتري بلغ من الشهرة ما طبق اآلفاق ..فلم يجد السعادة!!
ً
للباحثين عن املتعة ..ستيفن ديمتري لم يترك مجال لالستمتاع مما عرفه البشر إال وارتوى
من بحره ..فلم يجد السعادة!!
فعندما يجد اإلنسان العادي غير املسلم ،الساعي إلى السعادة ،أن غيره من الذين وصلوا إلى ما
يبحث عنه من أسباب السعادة ..ولكنهم ال يشعرون بالسعادة!! ..يتأكد له بالدليل العملي أن هذه
األسباب ليست الوسيلة املثلى للسعادة ..وفي هذا حكمة إلهية لهداية غير املسلمين..
105
فما بالنا حين ال يشعر بالسعادة من أصبح أسطورة في عالم الشهرة والثراء؟!!
ّ
وما بالنا لو ترك هذا كله ليجد السعادة في اإلسالم؟!
وما بالنا لو أصبح داعية إلى اإلسالم؟!! بل أنشأ املدارس اإلسالمية؟!
ً
هل نحتاج بعد ذلك دليل على أن اإلسالم هو الدين الحق؟
سؤال يجب أن يجيب عنه كل إنسان باحث عن الحقيقة..
اسألوا هللا الهداية ..فباهلل نهتدي إلى هللا.
النجم الزاهد
ولدت في بيئة إباحية تحرم الحالل وتحلل الحرام ،ونشأت في غابة حيوانية كبيرة يتمتع فيها
املرء بحرية مطلقة تدك قالع الفطرة السليمة حيث يتزوج الرجل بالرجل وتتزوج املرأة باملرأة..
مجتمع فوضوي حتى النخاع ال سقف فيه للحرية ..بل مجتمع شهواني تتحول فيه املرأة من
إنسانة مكرمة حباها هللا تعالى بصفة األمومة إلى آلة ميتة يستخدمها الرجل بغرض الحصول
على املتعة الرخيصة وتلبية الرغبات الحيوانية ،كما تحولت في ظل السعار املادي املحموم من
أنثى تتمتع بصفات تميزها عن معشر الرجال إلى ماكينة خرساء تشارك الرجل في أعمال شاقة ال
تتسق مع نوعها وال تتناسب مع خصائصها األنثوية.
وسط هذا الجو املتخم بالفو�ضى بل السجن الكبير املشبع بالفهم الخطأ للحرية ولدت «آن
صوفي رولد» ابنة ألبوين نصرانيين تعشعش في ذهنيهما نفس الصورة الذهنية السلبية التي
تعشعش في أذهان بني قومهما عن اإلسالم واملسلمين والناتجة بدورها من الحمالت املسعورة
ضد اإلسالم واملسلمين والتي تقف وراءها الكنائس املتزمتة وتتقدمها األقالم املغرضة.
عافت الصغيرة «آن» منذ نعومة أظفارها حياة بني قومها املترعة بمظاهر التفسخ والفجور
واالنحالل ،بل كفرت بحريتهم املطلقة التي تسلب املرأة أعز ما تملك ،فتوصلت إلى قناعة تامة
مفادها تردي أوضاع املرأة في بالدها التي تتشدق بأنها أرض الحرية والعدل والتحضر والكرامة.
عندما كبرت ودخلت الجامعة اختارت آن صوفي رولد التخصص في دراسة األديان ،وهو
اختيار تسبب ً
الحقا في خروجها من ظلمات الكفر املدلهمة إلى نور اإلسالم الشفيف؛ إذ مكنتها
ً ّ
التعرف إلى الوجه الحقيقي لإلسالم شريعة وعقيدة وسلوكا ،الوجه دراستها الجامعية من
ً
الو�ضيء الذي لم يكن متاحا لها رؤيته فيما م�ضى بسبب حمالت التشويش والتشويه والكتابات
املضللة املغرضة ألعداء املسلمين.
في عام 1981م بدأت آن صوفي رولد دراسة األديان ،والتي معها درست اللغة العربية حتى
تصبح قادرة على أن تفهم اإلسالم من مصادره األصليةً ،
بعيدا عن زيف القسيسين وتضليل
املستشرقين ..ساعدتها دراستها في أن تقارن بين األفكار والتعاليم املوجودة في كل من شريعتي
اإلسالم والنصرانية ..وجدت صوفي نفسها تشعر بانجذاب عجيب إلى اإلسالم؛ إذ لم يتسق
الفكر النصراني مع طبيعة روحها امليالة إلى العدالة بالفطرة.
فهي لم تكن مقتنعة بفكر يفلت فيه املجرم من عقابه األخروي بمجرد اعترافه للقسيس بما
107
ارتكبه من إثم ،في إطار ما يطلقون عليه «سر االعتراف» ..في املقابل انبهرت بعدالة اإلسالم التي
يكفر عن ذنبه وتربط الغفران بالتوبة النصوح ،األمر الذي يردع وجدتها تحاسب املخطئ حتى ّ
املرء من الوقوع في الخطايا والجرائم ،وذلك إلدراكه ملا ينتظره من عقاب في دنياه وأخراه.
جلية مفادها أن التناقض الذي تتسم به تعاليموهنا توصلت آن صوفي رولد إلى حقيقة ّ
النصرانية وتراخيها الشديد في عقاب املخطئين يعتبر من أهم أسباب انتشار العنف في بالدها،
بينما الحظت أن هذا العنف ينعدم ً
تماما في بلدان الشرق املسلمة التي يلتزم فيها املسلمون
بالقانون اإللهي الذي يرفض املمارسات الخطأ ويعاقب عليها في غلظة وشدة.
حائط الصد
رأت «آن» في الحدود الشرعية التي جاء بها اإلسالم -والتي ينتقدها أعداؤه -حماية تامة لكل من
املجتمع والفرد ،إذ تحمي هذه الحدود املجتمع من تف�شي الجريمة وانتشارها في أوصاله ،وبالتالي
تحقق األمن واألمان اللذين يتيحان له أن يتابع مسيرة التنمية الشاملة املستدامة بما يخدم
خططه واستراتيجياته فيحقق له االزدهار وعمارة األرض ،كما يحمي الفرد من السلبيات التي
تتيحها له الحرية غير املحدودة بل الفو�ضى املطلقة التي يمارسها أقرانه في الغرب ،ألن في ذلك
نجاة له من مصير مظلم ال يرتضيه لنفسه شخص وفقه هللا تعالى إلعمال عقله بصورة راشدة.
فكرت آن ًّ
مليا في أمر آخر يستخدمه القسيسون وغيرهم لتشويه صورة اإلسالم الوضيئة،
يتمثل هذا األمر في إقرار اإلسالم بمبدأ تعدد الزوجات ..عندما قارنت هذا اإلقرار اإلسالمي بما
يمارسه الغربيون من جمع بين زوجة واحدة وخليالت كثر ،رأت في التعدد رحمة من هللا تعالى
لعباده ،كما توصلت إلى أن ما قد يحدث من خلل في التطبيق إنما يعود إلى اإلنسان الذي قد يجافي
العدل بين الزوجات وليس إلى النص الديني املنزه من كل نقص والذي يشترط توافر هذا العدل.
ّ ً كثيرا تكريم اإلسالم للمرأةًّ ،أما ً
وأعجبها ً
تصب وأختا وزوجة وابنة ،وإقراره حقوقا أصيلة
في مصلحتها لم تحصل عليها نظيرتها األوروبية ،كما انبهرت بسبق اإلسالم في تحقيق العدالة
ّ
االجتماعية وتأملت بعمق حديث الرسول -صلى هللا عليه وسلم -الذي يقول فيه« :ليس منا من
دستورا ً
وافيا للتكافل االجتماعي لم تبلغه أرقى التشريعات ً بات شبعان وجاره جائع» ،فوجدته
الغربية الحديثة.
عندما وصلت آن إلى هذا الحد لم تجد أمامها من خيار سوى إشهار إسالمها ،إذ اقتنع عقلها
الباحث عن الحقيقة بقيم اإلسالم السمحة وأحكامه العادلة ،وارتاح قلبها املفطور على حب
قلبا ً
وقالبا الخير لروحانيته الشفيفة ..أعلنت آن إسالمها عام 1982م بعد أن اقتنعت باإلسالم ً
ُ
وركلت خلفها في تأفف ديانة محرفة فرضت عليها بالوراثة دونما اقتناع.
أثار إعالن آن إلسالمها موجة عارمة من الجدل وسط أفراد مجتمعها ،بل رسم غابة من
عالمات االستفهام في عقول بني قومها ..تعجب الجميع من تلك السويدية التي نبذت ً -
وفقا لرأيهم
108
املعتل -الحرية املطلقة لتر�ضى بأن تكون أمة مسلمة حسب تصورهم املريض .ولكن كيف لهم
أن يدركوا أن آن الجديدة النقية نالت حرية حقيقية بعد أن نبذت وراءها حرية مزيفة مكبلة
بأغالل عبودية املادة.
وجدت آن السكينة والطمأنينة في رحاب اإلسالم ،وشعرت بمدى متعة العيش في ظل بيئة
معافاة خالية من املنكرات ..وشعرت باملزيد من السعادة واالستقرار حينما تزوجت من شاب
مسلم ،ونالت درجة الدكتوراه التي لم تكن مجرد شهادة أكاديمية إذ ساعدتها ً
كثيرا على ّ
تفهم
اإلسالم بعمق أكثر ،األمر الذي جعلها تدرك مدى ضرورة العودة إلى الثقافة اإلسالمية األصيلة
كحائط صد متين يقف في مواجهة الغزو الغربي بشقيه الفكري والثقافي ..ذلك البعبع املخيف
ً
الذي يستند إلى القوى اللينة لكي يتسلل في خبث إلى تالفيف العالم اإلسالمي متسربل بمسوح
دعوات مضللة كالعوملة وتالقح الثقافات ،وإلى غير ذلك من الدعوات املزيفة التي تبشر في
ظاهرها بالرحمة وتضمر في باطنها العذاب.
حذرت آن صوفي من الغزو الفكري الذي يتعرض له العالم اإلسالمي أثناء مشاركتها الفاعلة
في املؤتمر الذي حمل اسم« :صراع حضارات أم حوار ثقافات» الذي قامت بتنظيمه في القاهرة
عام 1997م ،منظمة تضامن الشعوب األفروآسيوية ..طرح آن الذي كان يتسم بالعمق والجرأة
ً ً
واسعا بين املشاركين إذ وجدوا فيه قوة املنطق ،وصدق الطرح ،حيث في ذلك املؤتمر أثار جدل
لخصت الدكتورة آن موقفها من طرح الغرب في هذا الجانب بصورة حازمة في جملتين اثنتين ال
ثالثة لهما إذ قالت« :أنا ضد فكرة الصراع ،ومع فكرة الحوار على طول الخط» إذ ترى أن طرح
الغرب ال يعدو كونه دعوة مشبوهة وفكرة سياسية صنعها الغرب في إطار بحثه عن عدو جديد
يتخذه كبديل للنظام الشيوعي الذي أفل نجمه.
وهكذا تحولت آن الصغيرة النصرانية بالوراثة املسلمة بالفطرة التي ولدت في بيئة إباحية إلى
الدكتورة آن الداعية املسلمة التي نذرت نفسها لخدمة اإلسالم واملسلمين..
ُ
ترى ..من يرفض النور بعد الظالم؟!
من يرفض الطهر والنقاء بعد الدنس واالبتالء؟!
غير املسلمين وحدهم هم من يرفض ذلك!! ُ
حرمانها من طرح األسئلة وحرصها على إرواء ظمئها دفعاها إلى أن تلوذ بالكتب التي كانت
ً تقرؤها ًّ
سرا في جوف الليل بحثا عن هللا..
وعندما اشتد عودها بحثت عنه في كل الديانات وتواصلت مع معتنقيها فوجدت ً
أخيرا ما 110
ولدت وترعرعت في كنف أسرة ملحدة شديدة التزمت ..كان أفراد أسرتي يتجاذبون أطراف
الحديث في كل �شيء إال الدين ..تعذبت ً
كثيرا في طفولتي ومراهقتي ..ففطرتي السليمة كانت تدفعني
إلى مالحظة ما حولي في ارتياب بينما أسرتي امللحدة كانت تمنعني من طرح أي سؤال ،فعوضت
ً
عن ذلك بأن هرعت إلى الكتب التي ظللت أقرؤها ليل ،وفي منتهى السرية حتى أجد إجابات شافية
ألسئلة كثيرة كانت تقفز إلى ذهني ،منها على سبيل املثالَ :
«لم توجد اختالفات كثيرة بين األديان؟
ولم يوجد أناس مؤمنون وآخرون غير مؤمنين؟».
كنت أصغي بانتباه شديد إلى كل مؤمن ،وكنت أوجه أسئلة إلى زمالء دراستي الذين كانوا
يتلقون التعليم املسيحي ..بل كنت أرغب من أعماق نف�سي في أن أصبح مؤمنة مثلهم بيد أن
خوفي من أفراد أسرتي جعل منها رغبة ّ
خفية أحتفظ بها لنف�سي وال أجرؤ على الجهر بها حتى لو
كنت على انفراد.
رغبتي ّ
امللحة في البحث عن هللا بدأت تكبر معي وتزداد بمرور األيام واألعوام ..كنت ً
كثيرا ما
ً ّ
أتوجه إلى هللا تعالى أمل في أن يصغي إلى حديثي ..ومع ذلك كانت الشكوك تساورني على الدوام..
ً
طرديا مع عمري ..بيد أنني ً
تناسبا رغبتي في اإليمان ،وفي معرفة هللا كانت قوية ومتزايدة وتتناسب
كنت ال أملك االدعاء بأنني أحمل اإليمان بين جوانحي.
للخروج من دوامة التناقض التي كانت تتقاذفني بين دائرتي الشك واليقين ،بدأت أبحث في
ً
وضوحا ،أو تلك التي لم تدفعني إلى كل األديان مع إقصائي لبعضها سواء تلك التي لم أجد فيها
ّ
طرح أسئلة أخرى أكثر حصافة ..بالتالي كان تركيزي على األديان الثالثة التي بحثت فيها علني
ً
وأخيرا اإلسالم.. أجد إجابات شافية عن أسئلتي ..وبالفعل بدأت بحثي في اليهودية ،ثم املسيحية،
الحقيقة استغرقت مني عملية البحث في األديان الثالثة سنوات عديدة بينما ظلت رغبتي
الشغوفة للمعرفة واإليمان تزداد أكثر وأكثر.
ولكي أصل إلى الحقيقة قررت بيني وبين نف�سي تجاوز كل اآلراء السخيفة واملبتذلة التي كانت
تنظر إلى اإليمان باعتباره املعادل املوضوعي للضعف بينما كان بالنسبة ّ
إلي هو القوة الحقيقية.
والحق يقال ،فقد كنت آنذاك -برغم أنني لم أعرف الكثير عن اإلسالم بعد -ال أصادف نساء
متناه
مسلمات يرتدين الحجاب ،حتى أشعر بقلبي يخفق بشدة ويستحوذ على احترام شديد غير ٍ
111 ً
انتباها لهن؛ فمن خاللهن فقط كنت أحس بنور اإليمان ينساب إلى داخل قلبي كما كنت ال أعير
لتلك االنتقادات الالذعة والساخرة التي كانت ّ
توجه إليهن من أناس ال يفهمون املغزى الحقيقي
للزي الذي ّ
كن يرتدينه.
حينما بدأت بحثي في الديانتين اليهودية واملسيحية ،لم أجد إجابات واضحة ،بل على العكس
كانت تساؤالتي تزداد على الدوام ..بينما رغبتي ّ
امللحة في أن أصبح مؤمنة أخذت تشتد أكثر
فأكثر ..عقب وصولي إلى طريق مسدود من خالل دراستي لليهودية واملسيحية ،بدأت دراسة
الدين اإلسالمي.
الطفلة املعذبة
برغم تزودي السابق بالقرآن فإنني رأيت عدم الجدوى أن أستعجل قراءته بحجة أنني لم أكن
أعرف بعد أسس اإلسالم ..ولحل هذه املشكلة بدأت أدرس الدين اإلسالمي بصورة تدريجية
ّ
وأحصل على املزيد من املعلومات عنه حتى أصبح مؤهلة لقراءة القرآن.
وكنت كلما ازدادت معرفتي باإلسالم ،وجدت إجابات شافية لألسئلة امللحة التي كانت تراودني
منذ طفولتي وبالتالي شعرت بوضوح أكبر حول هللا واإليمان.
ّ
والتق�صي حصلت على اإلجابات الشافية املرضية لكل ً
أخيرا وبعد رحلة مضنية من البحث
أسئلتي امللحة عن اإلسالم ..وبالتالي اكتملت أمامي األجزاء الناقصة من اللوحة البديعة ..لوحة
اإليمان ..حينها فقط وبعد مرور ستة أشهر من شروعي في التعلم توصلت إلى أنني أصبحت أعرف
عن اإلسالم ما يؤهلني لقراءة القرآن ..وبالفعل فتحت الصفحات األولى من القرآن ،فانسابت
تشجيعا ً
عذبا يدفعني بقوة وحب إلى قراءة املزيد.. ً اآليات الكريمة إلى شغاف قلبي وهي تحمل
ً
حقيقة كنت أحمل القرآن بين يدي وينتابني إحساس من يحمل وليدا بفعل رقة وحالوة وطالوة
ووضاءة كلماته ..لكن وبرغم كل ذلك لم يستقر اإليمان في قلبي بعد.
وفي ليلة األول من تموز من عام 2001م ،وقفت أمام نافذة غرفتي أتأمل السماء املزدانة
بالنجوم ..خاطبت هللا بكلمات تخرج من أعماقي وتساءلت :ملاذا لم يستقر اإليمان في قلبي بعد على
الرغم من طلبي له ،والتما�سي للعلم؟!
تأثرا أثناء نطقي للكلمات التي كانت تخرج بصدق من داخل ناجيت هللا بحرارة ..كنت أرتجف ً
سويداء قلبي بينما تنهمر الدموع الساخنة على وجنتي في غزارة ..وظللت أبكي وأرتعش ..ثم فجأة
عز ّ
وجل قد مستني وأن أحسست بشعور عجيب توصلت معه إلى قناعة تامة مفادها أن نعمة هللا ّ
نور اإليمان قد غمر قلبي ..منذ تلك اللحظة الفارقة أصبحت مسلمة ..وحتى اآلن ال يمر ّ
علي يوم
عز ّ
وجل على ما وهبني من نعمة اإليمان. دون أن أشكر هللا ّ 112
ال تغلقوا األبواب في وجوه الباحثين عن هللا ..ال تحرموا أبناءكم من اإليمان بالحق..
بل ال تحرموا أنفسكم من النور الذي يمأل الكون ويمنحه قيمة الحياة..
سيصل الباحثون!! بكم ..بدونكم ..سيصلون ..فاهلل ال تحجبه الحجب..
اسألوا هللا الهداية ..فباهلل نهتدي إلى هللا.
املصدر)10( :
الهادم النادم!
الندم ..يقوده إلى اإليمان..
عدو غاضب ..يهدم ويدمر ..فيندم ..فيؤمن!!
من القادر على ذلك غيره وحده ..هللا؟!
سبع سنوات عجاف قليلة من عمر الكون ،ولكنها كبيرة في سجل بطل هذه القصة..
لقد تغير خاللها ً
تماما من هادم لبيت من بيوت هللا إلى خادم لها يرجو العفو واملغفرة!
إنه شايف برازاد بطل هذه القصة ،وهي قصة مثيرة للدهشة ندعوك لإلبحار فيها..
ً ً
ومرو ًعا ..مئات
مجلجل ّ في السادس من ديسمبر عام 1992م شهدت أيوديا بشمال الهند حدثا
اآلالف من الهندوس احتشدوا لهدم مسجد «بابري» ..ومن بين هذا العدد الكبير تسلقت مجموعة
صغيرة هائجة مئذنة املسجد املهيبة ،يتقدم هذه املجموعة شايف برازاد الذي تم تكليفه قيادة
113 أربعة آالف رجل وتدريبهم لهدم هذا املسجد.
عقب االنتهاء من عملية تدمير املسجد بدأ شايف برازاد يشعر بانقباض في صدره ،بل لم يرتح
ً
عظيما .وفي مستهل عام 1997ذهب شايف إلى له ضمير بعد ذلك؛ إذ كان يشعر بأنه اقترف ً
إثما
ً
مدينة «الشارقة» بدولة اإلمارات العربية املتحدة بهدف العثور على عمل فضل عن هربه من
عذاب الضمير ..وحصل على ما كان ينشده من عمل ،بيد أنه لم يحصل على ما كان يبحث عنه من
راحة ضمير ..فالقلق الذي ظن أنه تركه وراءه في الهند سبقه إلى الشارقة.
في الرابع من ديسمبر من عام 1998م ،وبينما كان شايف برازاد يتجول في شوارع الشارقة،
وصلت إلى أذنيه خطبة جمعة تنطلق من أحد املساجد وكانت باللغة الهندية ..عندما استمع
«شايف» إلى الخطبة شعر أنها كانت تختلف عن كل ما سمعه من قبل فقرر أن يستمع إليها
بأكملها ..ومنذ ذلك اليوم ظل شايف يواظب على االستماع إلى خطب الجمعة في كل أسبوع حتى
انتهى به األمر إلى اعتناق اإلسالم.
عقب اعتناقه اإلسالم ،اضطر شايف إلى االختفاء ً
تماما من أفراد عائلته ألنهم كانوا أعضاء
ناشطين في حزب هندو�سي متشدد ..وصرح شايف بتصريح خطير -لم يبح به منذ سنوات -مفاده
أن السلطات الهندية تغاضت عنهم عندما هدموا مسجد بابري ،بل وساعدتهم وشجعتهم على
تصرح في العلن وعبر وسائل اإلعالم بعكس ذلك ً
تماما. إنجاز مهمتهم املشينة ،بينما كانت ّ
ومنذ أن اعتنق اإلسالم ،ظل محمد مصطفى يتلقى باستمرار تهديدات من الحزب الهندو�سي،
ومن حزب ( ،)B.J.Pكما تم تهديده بالقتل إن عاد إلى الهند ..بيد أنه ظل يقول في حزم :لن أتخلى
عن إسالمي ولو كان الثمن فقداني لحياتي..
114
تعلم محمد مصطفى سبع عشرة سورة من القرآن الكريم ،وهو يتلهف إلى تعلم القرآن
بأكمله ،كما يطمح إلى أن يصبح داعية إلى اإلسالم حتى يزيل أستار الجهل عن بصائر الناس
ليبصروا النور ويأمل أن تعمل يده التي هدمت مسجد بابري إلى إعادة بنائه من جديد.
ولد أرمانيوس في محافظة املنيا بصعيد مصر عام ،1956ترعرع ونشأ في كنف أسرة نصرانية
ًأبا عن جد ،حيث كان جده أحد أشهر الكهنة بأرض الكنانة ،وبذلك كان حلمه وكغيره من أبناء
115 ً
قسيسا ً
كبيرا يشار إليه بالبنان. عائلته أن يصل إلى منزلة ّ
جده ،ويصبح
منذ أن كان في الثامنة من عمره كان يحرص بشدة على دخول الكنيسة والتطوع فيها
جده ..بدأ عمله داخل الكنيسة مساعد شماس ،حيث يتمثل عمله قسيسا مكان ّ
ً حتى يصبح
في مساعدة الشماس الذي يخدم الكنيسة من خالل معاونة الكاهن في أداء الطقوس الدينية
والصلوات الكنسية.
وصبورا على البحث والدراسة ّ
بهمة ال تعرف الكلل وال ً صبيا واسع النشاط شب أرمانيوس ًّ
ّ
ً
شماسا في كنيسة مريم العذراء تم تتويجه ً
سريعا في املناصب الكنسية إلى أن ّ امللل ،لذلك ّ
تدرج
الخالصة العجيبة
ً
حريصا على بذل املزيد من الجهد حتى بالقاهرة ..وملا كان طموحه أكبر من ذلك بكثير فقد كان
ً
قسيسا بأسرع ما يمكن ..ثم جاء اليوم املنتظر فأبلغوه بأن ضالته املنشودة قد أصبحت يصبح
على مرمى حجر منه ،وبالتالي يمكنه أن يحصل على منصب القسيس الذي طاملا حلم به ،ولكن
ً ّ
اشترطوا عليه أن يقدم بحثا يسلط الضوء على ما جاء في القرآن الكريم من أخطاء وتناقضات!
أحس الشماس الطموح بأنه أصبح قاب قوسين أو أدنى من تحقيق حلمه الجميل ،وأن ّ
ً
املطلوب منه أمر في غاية البساطة واليسر ،وما عليه إال أن يقرأ القرآن بحثا عن أخطاء
وتناقضات! وبالفعل بدأ رحلته مع القرآن الكريم بكل ّ
همة ونشاط ،لدرجة أنه كان يقرؤه ثالث
ّ
مرات في الشهر الواحد ..بل أصبح يحمل كتاب هللا الكريم معه أينما ذهب ،حتى كان يقرؤه في
املواصالت العامة بشغف يحسده عليه حتى املسلمون.
جي ًدا،
تدبر معانيه ّ
ِ
لم يكن جمال يكتفي فقط بالتركيز في قراءته للقرآن بل كان يحرص على ّ
غريبا أصابه بالرهبة في أمرا ً األمر الذي جعله يحفظ الكثير من آياته عن ظهر قلب ،ولكنه الحظ ً
الحقا ..نعم الحظ أنه ال يكاد يقرأ اآلية حتى يشعر بها وقد دخلت إلى قلبه مباشرة البدء وبالراحة ً
يوما بعد يوم فقد تماما كسهم تم تصويبه بدقة متناهية ..وجد جمال شغفه لقراءة القرآن يزداد ً ً
كان يختمه كل عشرة أيام ،ثم يعيد الكرة من جديد وبرغم تأثره بكل آيات القرآن الكريم ،فإن
ْ َّ َ َ َ ْ َ ُ َ
اب ل َر ْي َب ِف ِيه ُه ًدى ِلل ُمت ِقين ()2 اآلية الثانية من سورة البقرة التي يقول فيها هللا تعالى :ذ ِلك ال ِكت
كان لها عظيم األثر في نفسه ..وهو يقول عنها كلما قرأت هذه اآلية ينتابني إحساس وكأن القرآن
يريد أن يخبرني بأنه ال جدوى من البحث وأن هذه اآلية هي الرد الشافي لبحثي.
ّ
انبهر جمال بالثقة املطلقة التي وجدها في هذه اآلية الكريمة والتي ال يمكن أن تتأتى ألي أحد من
للقراء في مقدمة مؤلفاتهم عن أي تقصيرالبشر مهما بلغ من العلم! ..ففي العادة يعتذر املؤلفون ّ
أو خطأ أو سهو وقعوا فيه أثناء تأليفهم لهذه املؤلفات ،أما القرآن الكريم فهو الكتاب الوحيد
الذي يعلن لك من الوهلة األولى وبكل ثقة أنه كتاب (ال ريب فيه) ،وال خطأ وال اختالف فيه وال
خلل وال تناقض يعتريه ،وأنه الكتاب املشتمل على علم اليقين املزيل للشك والريب. 116
عندما جاء موعد تقديم جمال لبحثه «متناقضات القرآن الكريم وأخطاؤه» كان رجال
الكنيسة املشرفون ينتظرون بشوق إطالعهم على هذا البحث وما به من تناقضات يشتمل عليها
يقرروا منح صاحبه الشماس درجة كاهن أو قسيس. القرآن حتى ّ
لكن اندهش رجال الكنيسة وأحبطوا عندما قام جمال بتسليمهم بحثه في ورقة واحدة ناصعة
البياض إال من ست كلمات« :لم أجد في القرآن أي تناقض»!! وأسفل هذه الكلمات هناك توقيع
ً
عوضا عن «الشماس جمال زكريا أرمنيوس» االسم والصفة اللذين كانوا باسم «جمال زكريا»
يتوقعون تصدرهما البحث.
صدم الشماس رجال الكنيسة بالخالصة العجيبة التي خرج بها من دراسته للقرآن الكريم
على مدى شهور ،حيث لم يجد فيه أي خطأ أو تناقض برغم قراءته له عشرات ّ
املرات!
ً أيضا ،دفع جمال ًنتيجة ملوقفه الشجاع ،والصادق ً
ثمنا باهظا يتمثل في فقدانه آلماله
وطموحاته ومستقبله ومصدر رزقه ..لكنه كان يشعر في قرارة نفسه بأنه حقق الربح الحقيقي
برغم الخسران الظاهري الذي يبدو لبني جنسه.
في حوار أجرته معه صحيفة «املدينة» السعودية ،يقول القس السابق جمال زكريا إبراهيم
مرات في الشهر لكي أجد أي خطأ أو تناقض يمكن أن نوظفه فيكنت أختم القرآن الكريم ثالث ّ
محاربة اإلسالم ،ولكنني لم أجد ما كنت أبحث عنه ،وفي املقابل كنت أقرأ اإلنجيل وتعمقت في
دراسته فاكتشفت فيه خمسة آالف خطأ وتناقض!
مرات متتالية يجد نفسه ً
وجها مرة يفتح فيها القرآن الكريم ولثالث ّ الحظ جمال أنه وفي كل ّ
لوجه أمام هذه اآلية من سورة األنعام:
َ ً
ص ْد َر ُه ض ِّيقا َح َر ًجا الل ُه َأ ْن َي ْهد َي ُه َي ْش َر ْح َ
ص ْد َر ُه ل ْل ْس َلم َو َم ْن ُير ْد َأ ْن ُيض َّل ُه َي ْج َع ْل َ َّ َ
ف َم ْن ُي ِر ِد
ِ ِ ِ ِ ِ ِ
َّ َ َ َ َ َ ْ َ ُ َّ ُ ّ ْ َ َ َ َّ َ َ ْ ُ َ
ين ل ُيؤ ِمنون ( )125األنعام الرجس على ال ِذ ه الل ل ع ج ي ك ل ذ ك اء م الس ي ف ص َّع ُ
د َك َأ َّن َما َي َّ
ِ ِ ِ ِ
ً ّ شخصيا فيتوقف في كل ّ ًّ
مرة ويتفكر طويل في كان ينتابه اإلحساس بأن هذه اآلية تخاطبه
معناها ،هذا األمر جعله يتخذ منحى آخر في تفكيره إذ شعر برغبة ملحة في قراءة القرآن الكريم
بشكل مغاير ولغرض آخر يختلف عن ذاك الذي كلف به من قبل الكنيسة ،فوجد نفسه في حاجة
إلى االستعانة ببعض كتب التفسير لتسهيل عملية الفهم.
ّ
بدأ جمال بعد ذلك يفكر في دخول اإلسالم ،وحاملا شعر رجال الكنيسة بذلك أخذوا يغلقون
117 أمامه كل السبل واملنافذ ،فحاربوه في بيته ووصموه بتهمة «اإلرهاب»! وعندما فشل أسلوب
العصا جربوا معه سياسة الجزرة ،فتقدم منه األسقف وقدم له ً
عرضا رآه شديد اإلغراء يتمثل
ًّ
رسميا كقسيس استثنائي يمتلك الحق في أن يختار الدير الذي يريد ذلك العرض في أن يتم تعيينه
ً
العمل فيه! عرضوا عليه كذلك أمواال طائلة! لكنه ضرب بالجزرة عرض الحائط ورفض كل
اإلغراءات التي يسيل لها لعاب كل بني جنسه.
رسميا في جامعة األزهر لدى رئيس لجنة الفتوىًّ وبعدها علمت الكنيسة أنه أشهر إسالمه
فجردوه من كل �شيء :بيته وسيارته وكل ممتلكاته ،بل وصل بهم األمر أن أخذوا بالجامعة ّ
مالبسه! ولم يتوقف األمر عند هذا الحد بل قاموا بتهريب زوجته املسيحية وأبنائه إلى أمريكا،
الخالصة العجيبة
وتعرض للقتل ثالث مرات بتوجيهات من الكنيسة ألنهم خسروا أحد القسيسين املخلصين.
لكن ذلك كله لم يثنه عن قراره املصيري الشجاع وامل�ضي ً
قدما في طريق الحق حتى النهاية..
عندما أشاح جمال بوجهه عن الكنيسة والقائمين على أمرها بدأ يفكر في أهله وأصابته
الحيرة في كيفية إخبارهم بإسالمه؟! فقرر أن يبدأ بأمه وهي أقرب الناس إليه وأحنهم عليه فقد
كان ّ
يبرها بشدة ..ذهب إليها بخطى متثاقلة ليخبرها أنه ينوي الدخول في اإلسالم وهو قد دخله
محتارا :كيف يخبرها بهذا القرار الخطير؟ وكيف سيكون ّ
رد فعلها؟! ً بالفعل! ..تساءل
جلس جمال أمام أمه املريضة بأدب يشوبه الحياء ..حاول أن ينتقي كلماته بعناية ،إذ إن
ً
متوقعا للموضوع أهميته الكبيرة ،كما أن ألمه مكانتها العظيمة في نفسه ..قال لها في شبه همس
عدائيا ً
عنيفا« :يا أمي الحبيبة لقد أسلمت هلل رب العاملين ،وال أريد أن أغضبك بهذا ًّ منها رد فعل
ولكني عرفت الحق فال تغضبي مني وأرجو أن تفهمي موقفي»!
تفاجأ جمال بأن ّ
ردت عليه في منتهى الهدوء« :ياه يا جمال يا ابني أنت اتأخرت أوي!»..
انبهر جمال وكاد يطير من الفرح عندما علم أن أمه الحنون سبقته إلى اإلسالم بفترة طويلة.
يا ابني أنت اتأخرت أوي!! ..كلمات سهلة املبنى عميقة املعنى ولكنها تنطوي على جملة من املعاني
ّ
واملشاعر التي يتطلب شرحها مجلدات! هذه الكلمات التي نطقت بها األم حلقت بجمال في فلك
نوراني شفيف ..منذ نعومة أظفاره سمع جمال من أمه العديد من الكلمات الجميلة بيد أن جملة
«يا ابني أنت اتأخرت أوي» تعتبر األجمل على اإلطالق ً
رسما ومعنى..
فرح جمال بشدة حينما أخبرته أنها أسلمت منذ زمن بعيد ،وأنها كانت تشعر بأنه سيصبح
مسلما في يوم من األيام ،وأنه كلما ارتقى في مناصبه الكنسية كانت تعلم ً
يقينا أنه سيبحث ويجتهد ً
في بحثه ومن ثم يصل إلى الحقيقة بنفسه.
118
إن حالة أم جمال التي أسلمت وأخفت أمر إسالمها حتى عن أقرب الناس إليها ،ظاهرة عامة
درستها الكنيسة املصرية بعناية ،وتوصلت إلى نتائج وحقائق في غاية األهمية ..في عام 2009
تسرب إلى العلن بعض هذه النتائج التي تؤكد أن هناك اآلالف من النصارى يتحولون إلى اإلسالم
ً ًّ
سرا ،ويكتمون أمر إسالمهم خوفا من بطش األهل وجبروت الكنيسة ،ويؤدون شعائر دينهم
الجديد في الخفاء.
املقدس بكنائس الشرق لكنائس وفي هذا الخصوص يؤكد األنبا ماكسيموس رئيس املجمع ّ
سابقا ،أن عدد النصارى الذين يشهرون إسالمهمالقديس إثناسيوس في مصر والشرق األوسطً ،
ًّ
سنويا في مصر يصل في املتوسط إلى 50ألف نصراني ..وهذا الرقم تؤكده سجالت األزهر الشريف
ً
مليونا ًّ
رسميا بلغت التي تشير إلى أن عدد حاالت التحول من النصرانية إلى اإلسالم املسجلة
و 150ألف حالة خالل الفترة من 1995إلى ،2016أي بمتوسط سنوي يزيد على 54ألف حالة.
إن ظاهرة دخول النصارى في دين اإلسالم بهذه املعدالت املتزايدة تقلق رجال الكنيسة
كثيرا ،ولذلك فهم يسعون بشتى الطرق إلى تشكيك عوام املسلمين في دينهم ،حيث املصرية ً
يشكلون اللجان املتخصصة من أجل تحقيق هذه الغاية ..ويؤكد جمال زكريا أنه سبق وقد تم
اختياره ضمن لجنة مهمتها محاربة اإلسالم باإلسالم ،وسلموا كل فرد من أعضاء هذه اللجنة
نسخة من القرآن الكريم بهدف قراءته والخروج بسور وآيات تحتمل أكثر من معنى ،ويتم نزعها
من سياقها وتفسيرها بشكل خطأ وتعليمها لألطفال والشباب املسيحي من خالل دروس األحد،
ً
حتى إذا اكتشف املسيحي أي تناقضات في الكتاب املقدس مستقبل يكون قد سبق إلى علمه أن
أيضا حسب زعمهم. القرآن الكريم وهو كتاب املسلمين املقدس يحتوي تناقضات ً
غير جمال زكريا أرمانيوس اسمه ليصبح «جمال زكريا إبراهيم» ،وظل على مدى سنتين عقب
إسالمه يحمل وشم الصليب على يديه ..وألنه كان يشعر بالحرج عند ذهابه إلى املسجد وعلى
يديه عالمة ال يحملها إال النصارى املتعصبون أخذ يضع ضمادات على هذين الصليبين بغرض
إخفائهما ،حتى تمكن من أزالتهما ًّ
نهائيا بعملية جراحية بعد أن صبر عليهما لسنتين.
ما أن دخل جمال اإلسالم حتى حمل هم الدعوة اإلسالمية وسط بني جنسه ،فأسلم على يديه
خالل فترة وجيزة 15من املسيحيين.
نختتم هذا القصة باإلشارة إلى أن الداعية جمال زكريا إبراهيم أصدر ً
كتابا يحمل عنوان:
«ملاذا اخترت اإلسالم؟» يروي فيه رحلة اإلنسان في البحث عن الحقيقة ،مع إشارته إلى صعوبة
هذا البحث عندما يتعلق األمر بالعقيدة ،ألنه من الصعوبة بمكان على اإلنسان أن يبدل دينه
الذي نشأ وتربى في ظله إال إذا كان هذا التغيير والتبديل ً
نابعا عن اقتناع تام وهذا هو عين ما
119 مسيحيا ًّ
ًّ ًّ
عاديا بل كان من رجال الكنيسة املخلصين لذلك ما أن شخصيا إذ لم يكن حدث معه
وصل للحقيقة حتى قرر أال يحتفظ بها لنفسه ،وإنما عليه أن ينشرها لآلخرين عساها تسهم في
هداية من أراد هللا تعالى أن يهديه لإلسالم.
ًّ
حقا إن رحلة البحث عن الحقيقة هي أهم رحلة في حياة اإلنسان..
الرحلة التي يتزود بها اإلنسان في رحلته األبدية..
املهم أن يصل اإلنسان إلى محطة الوصول قبل نهاية الحياة الدنيا!!
هذا الوصول ..نعمة من هللا ..فاسألوا هللا الهداية ..فباهلل نهتدي إلى هللا.
الخالصة العجيبة
سريعا في شتى أرجاء العالم ،ليس فقطً األول تمدد اإلسالم وانتشرففي فجر اإلسالم ّ
عبر الفتوحات والدعاة ،وإنما عبر املبادئ السامية وفضائل األخالق التي كان يتعامل بها تجار
املسلمين .فاملسلمون لم يذهبوا دعاة أو فاتحين إلى شرق آسيا وغرب أفريقيا والعديد من بقاع
العالم األخرى ،وإنما ذهبوا إليها كتجار يحملون أخالق اإلسالم وتعاليمه السمحة.
120
فالتاجر العابد الصدوق األمين الذي يسعى لربح اآلخرة أكثر من بحثه عن الحظوظ الدنيوية
ً
وحاسما في نشر اإلسالم ،وهذا ما حدث بالفعل مع بطل قصتنا جاسون الزائلة ،يلعب ً
دورا ًّ
مهما
الذي هيأ له هللا سبحانه وتعالى التعامل مع هذه الصفوة من التجار فكان ً
سببا في إسالمه.
جاسون أحد رجال الجيش األمريكي الذين أرسلوا إلى شرق اململكة العربية السعودية أثناء
حرب الخليج الثانية في بداية التسعينيات من القرن املا�ضي .وفي أحد األيام كان جاسون يتسوق
ّ في مدينة الخبر السعودية ،وبعد جولة طويلة ّ
مر خاللها على العديد من املحال التجارية ،توقف
أمام محل تجاري وتناول إحدى السلع التي أعجبته ..لم يتفاوض ً
كثيرا على سعرها ،بل مد يده إلى
جيبه وأخرج حافظة نقوده لدفع ثمنها ،وفي تلك اللحظة صدح صوت املؤذن من مسجد قريب
ينادي للصالة ..فالتفت التاجر إلى جاسون وقال له« :انتهى األمر»! وهو يشير بقوله هذا إلى
توقف عملية البيع والشراء عند النداء للصالة!
ً ً ً
مسرعا يقصد املسجد تاركا جاسون ممسكا قال التاجر هذه الجملة الحاسمة ثم خرج
ً ً
بمحفظة نقوده غارقا وسط أمواج من الدهشة ومحاطا بغابة متشابكة من عالمات التعجب!!
دار جاسون حول نفسه ثم هز رأسه وهو يتساءل :ما الذي حدث لهذا الرجل؟! ما الذي دفع هذا
الرجل إلى رفض املال؟! ما هو هذا الدين الذي تتجاوز أولوياته الربح املادي في نظر معتنقيه؟!
تحول فارقة في حياة جاسون ،حيث بدأ بعدها رحلة البحث لقد أحدث ذلك املوقف نقطة ّ
عن اإلسالمّ .
وقرر بينه وبين نفسه أن يبذل الغالي والنفيس في سبيل تعميق معرفته بهذا الدين
الذي يحبه معتنقوه أكثر من حبهم للربح املادي.
ازداد اهتمام هذا الرجل بهذا الدين ،وبدأ يقرأ بشغف كل ما يقع بين يديه من كتب تتحدث
فشيئا شرح هللا صدره لإلسالم ،وفور عودته إلى مدينة نيويورك قرر ً ً
وشيئا عن اإلسالم..
ً
اعتناق اإلسالم ،وسرعان ما تعلم الكثير عن هذا الدين وأصبح قادرا على أداء عباداته وقراءة
حريصا كل الحرص على تطبيق أوامر اإلسالم واالنتهاء عن نواهيه ومن قبلً القرآن ،كما أصبح
ذلك كله غير اسمه إلى «عبدهللا».
ً
حريصا على السكن عقب إشهار إسالمه انتقل عبد هللا إلى مدينة ديترويت األمريكية ،وكان
ً
على مقربة من مسجد «التوحيد» ،وسرعان ما أتيحت له الفرصة ليصبح مؤذنا في هذا املسجد،
فكان عندما يحين وقت الصالة يخرج إلى خارج املسجد ويؤذن في الشارع العام حتى يبلغ صوت
األذان أق�صى مداه.
األول في مدينة الخبر السعودية وجاسون وهنا يقف هذا الرجل بين مشهدين ،املشهد ّ
ً ً ّ ً
مستجيبا لصوت األذان وتاركا كل لتصرف التاجر املندفع صوب املسجد النصراني مندهشا
121
�شيء خلفه؛ واملشهد اآلخر في مدينة ديترويت األمريكية وعبدهللا املسلم يصر على رفع األذان في
الشارع العام وليس من داخل املسجد.
ّ
ومن هذه القصة تبرز أهمية القدوة في الدعوة إلى اإلسالم ،فال يكفي أن تبلغ الناس عن اإلسالم
ّ
بلسانك ،ولكن بلغهم بأحوالك ،باستقامتك وإخالصك ،بصدقك وأمانتك ،بعفتك وتعففك،
بحسن تعاملك ،برحمتك ولطفك ،بعفوك وصفحك .وإن تبليغ الناس بأحوالك أبلغ من تبليغهم
َّ َّ
بلسانك ،ألن لغة العمل أبلغ من لغة القول ،وألن الناس يتعلمون بعيونهم وال يتعلمون بآذانهم،
وكما يقول املثل األمريكي« :ال تقل لي ولكن أرني»..
انتهى األمر
هذا ما حدث مع بطل قصتنا ..في بداية شبابه كان يكره اإلسالم ،بل كان يرغب في االنتماء إلى 122
متطرف حتى ينال من املسلمين ..في دراسته الجامعية التقى مسلمين آسيويين غير ّ حزب قومي
عرب ..سلوكهم القويم أجبره على تغيير رأيه في اإلسالم فدرسه بعمق بدافع الفضول ..وجد
ً ًّ
فرنسيا محظوظا هداه هللا لإلسالم ..وحتى نصبح نحن محظوظين بمعرفة نفسه وقد أصبح
قصة إسالمه دعونا نقرأ ما قاله لنا عنها:
عندما كنت في السابعة عشرة من عمري فكرت باالنضمام إلى «الجبهة الوطنية» باعتبارها
ً ّ ً ًّ ً
حسنا سأخبركم بذلك ..الحقيقة أسباب عديدة متطرفا ..قد تتساءلون ملاذا؟! قوميا حزبا
دفعتني إلى اتخاذ ذلك القرار وفي مقدمتها سببان:
يتمثل السبب األول في عملية «غسل الدماغ» التي تعرضت لها من قبل عائلتي وأصدقائي؛ فقد
لكل منهم خلفية عنصرية وقومية .أما السبب الثاني فيتمثل في مروري بتجربة شخصية كان ّ
ٍ
قاسية ،تعرضت خاللها للضرب الجسدي مرتين من قبل جزائريين مسلمين.
عندما بلغت الثامنة عشرة من عمري غادرت فرنسا للدراسة في اململكة املتحدة ،وأنا َّ
مشبع
لم وكيف اكتشفت اإلسالم الذي كنت تكرهه؟! بكراهيتي لإلسالم! قد يتساءل أحدكم ًإذا َ
في الحقيقة ما أن وصلت إلى اململكة املتحدة حتى جمعتني املصادفة بآسيويين (معظمهم
من ماليزيا وإندونيسيا) ارتبطت معهم بصداقات مميزة وعميقة ..في البدء لم أكن أعرف أنهم
إلي ارتبط فقط بالعرب ال غير ..لقد وجدتهم يطبقون اإلسالم مسلمون ألن اإلسالم بالنسبة ّ
بصورته املثلى .من خالل أصدقائي الجدد توصلت إلى حقيقة مفادها أن اإلسالم يختلف ً
تماما
تبين لي أن اإلسالم دين تسامح ،وصدق وإخالص..عما كنت أعرفه عنه منذ نعومة أظفاري ..نعم َّ
ّ
هز مشاعري بقوة ذلك اإليمان العميق كما اكتشفت أن املسلمين يهتمون ببعضهم ً
بعضا ،وإن َّ
الذي الحظته في نفوسهم.
ما تعلمته من أصدقائي الجدد كان فقط عن طريق «املالحظة الذكية»؛ إذ حتى لم يعرفوا
ّ
للتعرف إلى ً
حريصا على أن أخفي عنهم فضولي أنني كنت أراقبهم عن كثب ..في بادئ األمر كنت
ً
اإلسالم ..لكن ما أن اكتشفت أن سلوكهم يخالف تماما فكرتي عن اإلسالم ،حتى تحولت كراهيتي
الشديدة لإلسالم إلى حب اطالع يفوق الوصف ..في املقابل تأكدت من أن األفعال أفصح حجة
وأقوى ً
تأثيرا من الكلمات.
لقد تعلمت من أولئك املسلمين اآلسيويين كيف هو سلوك املسلم الحقيقي ..ولم يمر عام َّ
علي
وسطهم حتى رغبت بشدة في تعلم املزيد عن اإلسالم الذي بدا لي أروع ما في الوجود.
حينذاك بدأت ًّ
سرا رحلة البحث عن نسخة من القرآن ..أصابتني الرهبة بالعجز من أن أطلبها
123 من أقرب مسجد ،كما أصابني الخوف من أن يطلع ّ
أي من أصدقائي على رغبتي في معرفة املزيد
عن اإلسالم ..ربما كان ذلك خشية أن يضغط َّ
علي أحد ،وربما لسبب لم أكن أدري ما هو.
وفي يوم لن أنساه ما حييت مررت بمعرض إسالمي ..حظيت حينذاك بفرصة الحصول على
نسخة من ترجمة معاني القرآن من مسلمين ال يعرفونني! ما أن حصلت على النسخة العزيزة إلى
نف�سي حتى عدت إلى منزلي وشرعت في قراءة ما تتضمنه من سور كريمة وآيات طيبة ..حينها فقط
استطعت أن أعرف ما هي حقيقة اإلسالم دون أن يدفعني أحد إلى ذلك.
لم تمر أيام منذ حصولي على جائزتي الثمينة حتى بدأ شهر رمضان فقررت أن أصوم ،وأن
املالحظة الذكية
أفعل كل ما يفعله املسلمون ..في الوقت ذاته تابعت قراءة القرآن الكريم بصورة يومية ،فشرح
هللا صدري لإلسالم.
ً
في ليلة النصف من رمضان ،توصلت إلى روعة اإلسالم ،وجمال تعاليمه فضل عن وضوح تلك
ً
مسلما التعاليم وبساطته ومنطقيته .وما أثار دهشتي ً
تماما حقيقة أنني ما عدت أخ�شى أن أصبح
إذ رغبت في ذلك من داخل قلبي.
جي ًدا
وفي 30آذار 1997نطقت الشهادة وحدي في غرفتي ..وحتى ذلك الوقت لم أكن أعرف ّ
كيفية الصالة ،إذ كنت أعرف حركاتها ولكنني أجهل تالوة سور القرآن ،ومع ذلك بدأت أصلي
فرائ�ضي الخمس بأفضل ما أستطيعً ..
الحقا نطقت الشهادة بصورة رسمية داخل املسجد ،وأنا
اليوم أفخر وأعتز بأنني مسلم ،وهللا أكبر على كل متجبر ال يؤمن بيوم الحساب.
وهكذا تحول بطل قصتنا الفرن�سي عبدالحكيم من رجل متطرف شديد الكراهية لإلسالم إلى
مسلم متسامح يحب اإلسالم من داخل قلبه ويحب املسلمين أكثر من حبه ألشقائه!
فهم أشقاؤه ًّ
حقا ..وأكثر ..فأخوة اإلسالم رباط إيماني مقدس غير قابل لالنفصام..
وأنتم ..متى تدخلون في عائلة اإلسالم؟!
متى تدركون صلة رحم اإليمان؟!
ال تعتزلوا إخوانكم ..ال تشردوا عن ركب الحق والهدى..
اإلسالم هو دين هللا الذي يرتضيه هللا لعباده املكرمين ..وال يرت�ضي غيره..
أسلموا ..أعلنوها ألنفسكم قبل الناس..
انطقوا الشهادتين بقلوبكم وألسنتكم..
124
اسألوا هللا الهداية ..فباهلل نهتدي إلى هللا.
قصة إسالم العالم النصراني والكاردينال السابق أشوك قدمناها بين يدي ّاملقدمة ّ
هذه ّ
كولن يانج ،أمين عام مجلس الكنائس العالمي لوسط وشرق أفريقيا ً
سابقا ،الذي يتحدث عن
جوانب من رحلته من شفير النصرانية إلى حضن اإلسالم في الحوار الذي أجرته مجلة «املجتمع»
الصادرة عن جمعية اإلصالح االجتماعي الكويتية.
125
وأهمية هذا الحوار أنه يكشف بوضوح أبعاد املخطط الكن�سي العالمي لتنصير املسلمين،
حيث أكد كولن من خالل هذا الحوار أن منظمات الدول الغربية الخيرية التي تعمل في أفريقيا
والعالم العربي واإلسالمي هي في حقيقة أمرها منظمات كنسية ،هدفها تنصير املسلمين ،وفي
العديد من الدول الغربية يتم اقتطاع %5من مرتب كل موظف لدعم جهود التنصير التي تقوم
بها الكنيسة ،وأن معظم املؤسسات االستثمارية الغربية العاملة في أفريقيا وآسيا هي في حقيقة
أمرها مؤسسات كنسية تذهب أرباحها ملصلحة الكنيسة..
ً
تطورا ،ودول كما أشار كولن إلى تقسيم الدول اإلسالمية إلى دول أكثر فاعلية ،ودول أكثر
حبا لإلسالم ،وأن هذا التقسيم تم من خالل املؤتمر السري الذي ُعقد في مركز األبحاث أكثر ً
الثمار ّ
ًّ
املرة
شخصيا ،وكان شعار االستراتيجي بوالية تكساس األمريكية عام ،1981والذي شارك فيه هو
املد اإلسالمي؟» ،حيث درس املؤتمر األسلوب األمثل لتنصير شعوب الدول املؤتمر «كيف نواجه ّ
العربية واإلسالمية ،والبدائل التي يمكن استخدامها في حالة الفشل .وتركزت هذه البدائل التي
طرحها املؤتمر في أن تعمل الكنيسة على خلق نزاعات أهلية وفتن طائفية في الدول التي يصعب
تنصير شعوبها .كما أو�صى املؤتمر بضرورة دعم العلمانيين واستخدامهم في ضرب الحركات
اإلسالمية ،والضغط على الحكومات العربية للزج بأعضاء الحركات اإلسالمية في السجون.
وقد نجح الغرب مع الكنيسة في تنفيذ هذه املخططات في العالم العربي واإلسالمي بشكل كبير
وخطير ،حيث ال تزال العديد من الدول العربية تجني ثماره ّ
املرة.
مهد ّ
مقدم الحوار لسؤاله األول بإشارته إلى فرضية منطقية مفادها صعوبة تغيير اإلنسان َّ
لعقيدته ،خاصة إذا كان هذا اإلنسان يتبوأ قمة الهرم الذي يدعو إلى هذه العقيدة ..ثم سأل
ضيفه عن السبب الذي قاده إلى التغيير ،ومن ثم اعتناق اإلسالم من واقع دراسته لألناجيل؟
ّ
والجدية، أجاب كولن بأن اإلنسان ومهما عال شأنه إذا كان بحثه عن الحقيقة يتسم بالصدق
فسوف يصل إلى هذه الحقيقة الحتمية طال الزمان أم قصر ،ولكن عند وصوله لها سيجد نفسه
ً
في مفترق طرق :بمعنى إما أن تعزز هذه الحقيقة ما كان يؤمن به أصل ،وإما أن تهديه إلى سبيل آخر.
غير عقيدته من خالل أقوال املسيح التي وردت في األناجيل غير ّ
املحرفة وأشار كولن إلى أنه ّ
والتي تؤكد أن املسيح -عليه السالم -هو إنسان كغيره من البشر اختاره هللا تعالى وجعله ًّ
نبيا ثم
حمله رسالة إلى قومه ،فقد جاء في إنجيل يوحنا في اإلصحاح الثامن فقرة 40عندما ّ
هم اليهود ّ
بقتله« :ولكنكم اآلن تطلبون أن تقتلوني وأنا إنسان قد كلمكم بالحق الذي سمعه من هللا»..
وحمله رسالة وجعلهًإذا وعلى لسانه هو نفسه ،فإن املسيح -عليه السالم -إنسان اختاره هللا ّ
نبيا ،ولذلك يقول -عليه السالم -كما جاء في اإلصحاح الثامن فقرة « :42لو كان هللا أباكم ًّ
لكنتم تحبونني ألنني خرجت من قبل هللا وأتيت ،ألني لم آت من نف�سي بل ذلك أرسلني ،ملاذا
126
ال تفهمون كالمي؟».
َّ
وذكر كولن بحقيقة أن بعض األناجيل -غير املحرفة -صرحت بنبوة عي�سى -عليه السالم -كما
جاء في لوقا اإلصحاح السابع فقرة « :16فأخذ الجميع خوف ّ
ومجدوا هللا قائلين :قد قام فينا
نبي عظيم» ،وجاء في متى اإلصحاح الحادي والعشرين الفقرات (« :)11 ،10 ،9وملا دخل أورشليم
ارتجت املدينة كلها قائلة :من هذا؟ فقالت الجموع :هذا النبي الذي من ناصرة الجليل».
ثم أشار كولن إلى أنه وجد هذه النصوص تتفق ً
تماما مع قوله تعالى في القرآن الكريم« :ما
ول َق ْد َخ َل ْت ِمن َق ْب ِل ِه ُّ
الر ُس ُل» (املائدة.)75 : ْالَس ُ
يح ْاب ُن َم ْر َي َم إ َّل َر ُس ٌ
ِ ِ
مقدم الحوار إذا كان يرى أن النصوص التي اقتبسها من األناجيل كفيلة بتغيير وعندما سأله ّ
ً
عقيدة قارئها من النصرانية إلى اإلسالم أجابه قائل« :إيماننا برسالة سيدنا عي�سى -عليه السالم-
يعني تصديقنا بخبره واتباع قوله ،وهنا تجدر اإلشارة إلى أن املسيح -عليه السالم -جاءنا من هللا
ّ
وتتقرب إليه وتعبده.. ألمرين ّ
مهمين :يتمثل األول في تعليم األمة التي بعث إليها كيف تعرف هللا
ففي معرفة هللا سبحانه وتعالى يقول املسيح -عليه السالم« :-إن هللا واحد ال شريك له وال نظير
له وال شبيه له» ،فقد جاء في إنجيل مرقص في اإلصحاح الثاني عشر فقرة 30ملا سأله الكتبة :أي
وصية هي ّأول الكل؟ فأجابه يسوع« :إن ّأول كل الوصايا هي :اسمع يا «إسرائيل» الرب إلهنا
رب واحد ،وتحب الرب إلهك من كل قلبك ومن كل نفسك ومن كل فكرك ومن كل قدرتك،
هذه هي الوصية األولى ،وثانية مثلها هي أن تحب قريبك كنفسك ،ليس وصية أخرى أعظم
من هاتين ،فقال له الكاتب :صحيح يا معلم حسب الحق تكلمت فإن هللا واحد ال آخر سواه»،
وتتأكد هذه الحقيقة عن ذات هللا بما جاء في يوحنا في اإلصحاح 20فقرة 18قال املسيح« :إني
أصعد إلى أبي وأبيكم وإلهي وإلهكم» وكلمة األب «أبي وأبيكم» تعني في لغة اإلنجيل الرب أي ربي
وربكم.
ً
وأردف كولن قائل وهو ينصح محبي املسيح من النصارى :ألم تتضمن وصايا املسيح -عليه
واضحا لذات هللا العلي الكبير املتفرد ،حيث يقول هللا تعالى في القرآن الكريم: ً ً
تعريفا السالم-
ٌ َ َ َ ْ َ ُ َّ ُ ُ ُ ً َ ْ َْ َ ْ ََْ ُ َ ُ َ َّ ُ َّ ٌ َ ُ ْ ُ َّ ُ َ
«قل هو اللـه أحد )1( اللـه الصمد )2( لم ي ِلد ولم يولد )3( ولم يكن له كفوا أحد ،»)4( كما
َ ّ َ َ َ َّ ّ َ َ ً َ َ َ
سول ِإل نوحي ِإل ِيه أن ُه ال ِإلـه ِإل أنا َ
َجاء في القرآن الكريم أيضا« :وما أرسلنا ِمن ق ِبلك ِمن ر ٍ
دون» (األنبياء .)25 : ُ
فاعب ِ
وتتمثل املهمة الثانية التي جاء بها سيدنا عي�سى -عليه السالم -من هللا تعالى في أن يهدي األمة التي
بعث إليها إلى عبادة هللا ،وهي فقط أمة بني إسرائيل ،أما بقية األمم فليسوا معنيين بشريعة عي�سى
-عليه السالم -وهذا عين ما تقرره األناجيل املسيحية ،ففي إنجيل متى اإلصحاح 15فقرة 5يقول
127 يسوع« :لم أرسل إال لخراف بني إسرائيل الضالة» ،وجاء في متى اإلصحاح 10فقرة :5هؤالء
ً
االثنا عشر أرسلهم يسوع وأوصاهم قائل« :إلى طرق أمم ال تمضوا ،وإلى مدينة السامرين ال
تدخلوا ،بل اذهبوا إلى خراف بني إسرائيل الضالة» (أعمال الرسل 11الفقرة األولى).
ً
واحدا نداء آخر إلى محبي املسيح من النصارى قال فيه :آمنوا باهلل تعالى ً
إلها ثم أرسل كولن ً
جنبا إلى جنب مع إيمانكم بأن املسيح -عليه السالم -رسول هللا تعالى وكلمته ألقاها إلى مريم وروح ً
محمدا عليه أفضل الصالة والسالم هو عبد هللا ورسوله وخاتم النبيين ً منه ،وكذلك اإليمان بأن
واملرسلين ،كما أن عليكم اتباعه حق االتباع ..إن قلتم ال إله إال هللا يؤتكم هللا أجركم مرتين،
َ َ
) و ِإذا
ُْ ُ َ َْ ُ َّ َ َ ْ َ ُ ْ َ َ
فقد قال سبحانه في كتابه الكريم« :ال ِذين آتيناه ُم ال ِكتاب ِمن قب ِل ِه هم ِب ِه يؤ ِمنون52(
َْ َ َ ُ َ َ َ َ َّ ُ َّ َّ ْ َّ َْ َ َ ُ
ُيتلى َعل ْي ِه ْم قالوا َآمنا ِب ِه ِإن ُه ال َح ُّق ِمن َّر ِّبنا ِإنا كنا ِمن ق ْب ِل ِه ُم ْس ِل ِمين )53( أولـ ِئ َك ُيؤت ْون أ ْج َر ُهم
الثمار ّ
َّ َّ َ ْ َ َ َ ُ َ َ ْ َ ُ َ ْ َ َ َ َّ ّ َ َ َ َّ َ َ ْ َ ُ ْ ُ ُ َ
نفقون( »)54( القصص.)54-52 : مرتي ِن ِبما صبروا ويدرؤون ِبالحسن ِة الس ِيئة و ِمما رزقناهم ي ِ
املرة
وعندما طلب منه محاوره أن يصف له اللحظة الفاصلة التي قرر فيها اعتناق اإلسالم وأن
ً عما ترتب على إسالمه ّ
يخبره ّ
رد عليه قائل :حينما حددت ساعة الصفر العتناقي اإلسالم تقدمت
إلى الكنيسة بطلب إجازة لكي أقضيها مع أفراد أسرتي فطلبوا مني في الكنيسة االنتظار ليعتمدوا
ً
لي مبلغا من املال (من 50إلى 100ألف دوالر) لكي أنفقه على أوالدي ..قلت لهم :ال أرغب في
مالكم!! بل كانت بطرفي عهدة من الكنيسة عبارة عن عمارتين ومبالغ من املال مقدارها مليونان
و 400ألف دوالر أمريكي ،و 320مليون جنيه سوداني قمت بتسليمها إلى راعي ميزانية التنصير،
فتفاجأت الكنيسة بشدة بما فعلته!!
ّ
عقب ذلك قضيت مع أسرتي يومين اثنين نفكر في هذا األمر ونعمل على مناقشته ،وهنا
تجدر اإلشارة إلى أن أفراد أسرتي -زوجة وأربعة أبناء -كانوا يعلمون أنني كنت أفكر في اعتناق
ردوا ّ
علي بأنهم يثقون بما أعتقده وأقوله اإلسالم ..وحينما أبلغتهم بأن ساعة الصفر قد حانت ّ
وأنهم سيقررون ما أقرره؛ فذهبنا جميعنا إلى مسجد في الجوار «مسجد النور» وأشهرنا إسالمنا.
صمت كولن عن الحديث للحظات ثم قال بعد أن تنهد بعمق :على الرغم من أنني خسرت
الكثير من األموال فإنني كسبت اإليمان وحظيت بالراحة النفسية بعد م�ضي 40سنة قضيتها في
ًّ
نفسيا. الباطل ..وكان رد فعل الكنيسة أن اتهمتني بأنني مجنون وأعاني ً
مرضا
وسأل املحاور بطل قصتنا :هل أثبت للكنيسة حقيقة أنك في كامل قواك العقلية والنفسية
وأن إسالمك حدث نتيجة لقناعة تامة ودراسة متأنية؟ أجاب كولن في ثقة :قدر هللا تعالى لي أن
أدرس مقارنة األديان ..بل إلى جانب األديان السماوية املعروفة درست األديان غير السماوية
كالبوذية والهندوسية وعبادة النار والشمس والشيطان واألصنام ..فعلت ذلك بهدف ممارسة
التنصير عن علم ودراية ،غير أن هللا تعالى أراد لي غير ذلك..
128
ً
فشيئا ،وبدأ تكويني فمن خالل دراساتي كانت تتكشف أمامي الحقائق عن اإلسالم ً
شيئا
الديني في التشكل بصورة مغايرة ،بينما بدأت أفكاري تتغير وتتداخل ..وفي إحدى مراحل دراستي
تماما أن اإلسالم هو الدين الوحيد الصحيح ،فكنت حينما أسمع األذان أتوقفلألديان أيقنت ً
ً
شخصا ً
احتراما للنداء اإللهي ..حينذاك انتابني اإلحساس بأنني أصبحت عن إلقاء محاضرتي
بوجهين ،وجه م�ضيء يرى أن اإلسالم هو الدين الحق وأن هللا واحد ال شريك له ،ووجه مظلم
يغالط نفسه منخرط في أعمال الكنيسة ومتمتع بأموالها الطائلة.
وعندما سأله محاوره عن السر الكامن وراء احتفاظه باسمه على غير العادة مع كل من يعتنق
ً
اإلسالم ،رد عليه كولن قائل :أنا لم أغير اسمي العتبارين اثنين:
يتمثل االعتبار األول في أن الدين اإلسالمي الذي يركز على اإليمان ال يرى ً
حرجا في أن يحتفظ
معتنقه باسمه القديم .أما االعتبار الثاني فيتمثل في حقيقة أنني أحببت االحتفاظ باسمي القديم
مقبول لدى غير املسلمين بذلك االسم ،ومن ثم أستطيع أن ًّ
أبين لهم ألهداف دعوية إذ سأظل
علي بعد أن شرح هللا صدري لإلسالم وأخرجني من ظلمات الكفر إلى الحق الذي أنعم به تعالى َّ
نور اإلسالم ،ومن حال أهل النار إلى حال أهل القبلة.
وصلتم في الكنيسة إلى درجة كاردينال كما احتل والدكم من قبل املنصب ذاته ..ماذا يعني
منصب كاردينال؟ وما وظيفته في الكنيسة؟ «تقلدت مناصب كبيرة في الكنيسة ،ومن بينها منصب
الكاردينال وهو منصب مرموق في الكنيسة الكاثوليكية يوازي وظيفة املفتي في ديار اإلسالم».
تجهم وجهه وقال في نبرة استنكارية :يجب أن يعرف القس أنه ليسصمت كولن للحظات ثم ّ
ً ً
إلها مخول له غفران ذنوب الناس وآثامهم ..عجبي!! في يوم األحد يأتي للقس قبل الصالة من
ارتكب خطأ ويقول له إنني أخطأت في كذا وكذا ،فيقول له القس :اذهب فقد غفر لك!! فكيف
يتجرأ مثل هذا القس على أن ينازع هللا تعالى في سلطته؟! بل من الذي أعطاه هذه الصالحية وهو
ً
واحدا من بني البشر؟! ليس إال
تنهد كولن بعمق ثم أردف في نبرة يخالطها التحدي :أتحدى ًّأيا من كبار القساوسة في العالم
-شرقيين وغربيين -أن يقارعني الحجة بالحجة ،بل أنا على استعداد إلجراء مناظرة مع أي
ً
مسلما درجة عالية في الكنيسة لكي أثبت للجميع مدى صحة اإلسالم وأحقيته باالتباع ..أنا لست
متعمقة لألديان خلصت منها إلى أن اإلسالم هو الدين بالعاطفة ،بل اعتنقت اإلسالم بعد دراسة ّ
الحق الذي ختم هللا تعالى به الرساالت السماوية ،وأن النبي محمد -عليه أفضل الصالة والسالم-
هو خاتم األنبياء واملرسلين ،وأن عي�سى -عليه السالم -هو نبي ورسول من بني البشر وليس أكثر
َ َ ْ َ ُ ْ ُ َ ْ َ َ َّ َ ُ ٌ َ َ َ ْ
129 ول ق ْد خلت ِمن ق ْب ِل ِه من ذلك ،فقد قال هللا تعالى في كتابه الكريم« :ما ال ِسيح ابن مريم ِإل رس
الر ُس ُل» (املائدة ،)75 :وأشير إلى أنني لست ّأول من يسلم من القساوسة ،فقد سبقني إلى دين ُّ
اإلسالم عدد كبير من القساوسة واملبشرين ،وعلى رأسهم األمين العام ملجلس مؤتمر املطارنة في
الكنيسة الكاثوليكية ،ورئيس القساوسة في الوالية الشرقية.
تحولتم من داعية نصراني إلى داعية إسالمي ..ما الفرق بين االثنين؟ يتمثل الفرق بين االثنينَّ
همه تنصير املسلمين أو إبعادهم عن دينهم حتى لو فسدوا وارتكبوا في اآلتي :الداعية النصراني كل ّ
كل ألوان املوبقات ..فالكنيسة ال تهتم ألبتة بدعوة النصارى إلى االلتزام بالقيم واألخالق الفاضلة
إذ يقتصر اهتمامها على أن يحمل اإلنسان صفة مسيحي وال تهتم ً
مطلقا بمدى تدينه والتزامه ،أما
الثمار ّ
املرء في اإلسالم فهو محاسب على كل صغيرة وكبيرة يرتكبها ،وعليه فإن كل من يعتنق اإلسالم
عليه أن يكون صاحب عقيدة سليمة وعبادة صحيحة وسلوك قويم.
املرة
ملاذا هذه االزدواجية؟! ينتقد املسلمون أعمال التنصير وفي الوقت ذاته يمارسون الدعوة
اإلسالمية بين غير املسلمين!! هنا فرق شاسع بين الدعوة اإلسالمية والتنصير ،فدعاة اإلسالم
يوضحون مبادئه وتعاليمه ،وال يرغمون ً
أحدا على اعتناقه ،ألن اإلنسان إذا لم يعبد هللا عن
قناعة واعتقاد فال قيمة إلسالمه ،أما دعاة التنصير فلألسف الشديد ينتهزون حاجة الفقراء
واملعوزين ويقدمون لهم الغذاء والدواء والكساء وفرص التعليم مقابل اعتناقهم النصرانية ،إذ
ً إن هؤالء املنصرين ال يقنعون ً
أحدا بعقيدة ألنه ال توجد أصل تعاليم نصرانية مقنعة وبالطبع
فاقد ال�شيء ال يعطيه ..وبينما تقوم املنظمات النصرانية العاملة في الحقل اإلنساني باستغالل
حاجة الناس نجد أن نظيرتها من املنظمات اإلسالمية تقيم الكثير من املشاريع التي يستفيد منها
املسلم وغير املسلم ،وهي ال تبتز صاحب الحاجة أو تساومه على أساس الغذاء مقابل اعتناق
اإلسالم كما هو الحال مع نظيرتها النصرانية.
ما دوركم اآلن في مجال الدعوة اإلسالمية؟ نضطلع اآلن بمهمة رعاية عشرات اآلالف من
الذين اعتنقوا اإلسالم من خالل نشاطاتنا في «منظمة التضامن اإلسالمي للتنمية واإلعمار»،
ومن بين هؤالء املسلمين الجدد مثقفون وضباط ومسؤولون في قطاعات مختلفة ،فنحن نقيم
لهم املدارس والخالوي القرآنية ..فهناك اآلن أكثر من ً 12
ألفا من املسلمين الجدد -نساء ورجال-
ينتظمون في خالوي تحفيظ القرآن الكريم ،وتضم كل واحدة من هذه الخالوي من 300إلى 400
رجل وامرأة يحفظون القرآن ويدرسون السيرة النبوية والحديث الشريف والفقه اإلسالمي.
كثيرا بقيادات القبائل والسالطين ،إذ إن هؤالء يتمتعون باحترام أتباعهمونحن نهتم ً
وأنصارهم فإذا أسلموا هم ،أسلم من خلفهم أتباعهم ،بل الحظنا -لألسف الشديد -أن الكثير
من النصارى في جنوب السودان ينحدرون من أسر مسلمة ،وقد قام بتنصيرهم اإلنجليز أثناء
احتاللهم للسودان ونحن نعمل على إقناعهم للعودة إلى أصولهم اإلسالمية. 130
سبحان هللا!! كيف يحاول بعضهم إقناع نفسه بأن اإلسالم ليس الدين الصحيح؟!!
كيف يغمي عينيه بيديه حتى ال يدخل النور قلبه؟!!
كيف يدفن رأسه في التراب حتى ال يرى الحقيقة؟!!
كيف ال يتوقف أمام إسالم الكرادلة أنفسهم؟!!
أهو أعلم بالنصرانية من أكبر علمائها؟!!
ألم أقل لكم اسألوا هللا الهداية؟!! فباهلل نهتدي إلى هللا.
وكلمااكتشفالعلماءحقائقعلميةجديدةوجدواالقرآنالكريمقدسبقهمباإلشارةإليها،فنحن
ّ
ومتجددة تأتي في كل عصر بإعجاز جديد يناسب اختصاص أهل في كتاب هللا أمام معجزة مستمرة
ذلك العصر واهتمامهم.
لقد نزل هذا القرآن الكريم في القرن السابع امليالديّ ،
ومر على نزوله أكثر من أربعة عشر
ً
يوما بعد يوم وجيل بعد جيل ًقرنا ،وال يزال هذا الكتاب العجيب يكشف لنا ً ً
مزيدا من عجائبه،
تطور األجنة في األرحامّ ،
وتكور وفي كل امليادين ..في ذلك الزمان الغابر لم يكن أحد يعلم ً
شيئا عن ّ
الليل والنهار ،والرتق والفتق الكوني ،وتوسع الكون ،ومواقع النجوم ،والبحر املسجور ،وتعدد
131 مطالع الشمس ومغاربها ،ورفع السماء بغير عمد ،والظالم الكوني ،والضغط الجوي ونقص
األوكسجين ،والحاجز الكيميائي بين البحرين ،والجبال ووظائفها ،وحقيقة السحب واألمطار،
وغير ذلك من الحقائق العلمية التي يكتشفها البشر ً
تباعا فيجدونها موصوفة في القرآن الكريم
بشكل مدهش وبدقة متناهية.
ً
مصدرا لهذه الحقائق العلمية في القرآن الكريم غير هللا الخالق وال يمكن لعاقل أن يتصور
الذي أنزله بعلمه ،وأورد فيه مثل هذه الحقائق الكونية لتكون شاهدة على مر العصور واألجيال
ّ بأن هذا القرآن كالمه ووحيه إلى خاتم رسله وأنبيائه ُم َّ
حمد -صلى هللا عليه وسلم.-
إن العديد من العلماء والباحثين الالمعين في الدول الغربية اعتنقوا اإلسالم نتيجة ملا وجدوه
آيات شيطانية!
من إعجاز علمي للقرآن الكريم كل في مجال تخصصه ،ومن بين هؤالء العالم الجيولوجي ريتشارد
فيرلي بطل هذه القصة.
درس ريتشارد فيرلي علم الجيولوجيا في جامعة أكستر جنوب غرب بريطانيا ..عقب تخرجه في
ً ً
وتحديدا في شعبة مكافحة اإلرهاب ..في السادس والعشرين من عام 1982عمل ضابطا في الشرطة
شهر سبتمبر من عام 1988نشر سلمان رشدي (وهو كاتب بريطاني من أصول هندية) روايته التي
تحمل اسم «آيات شيطانية» ..أثارت تلك الرواية غضب املسلمين بشدة ..وبحكم عمله كضابط
شرطة كان األمر يتطلب من ريتشارد فيرلي أن يقرأ تلك الرواية بعناية ملعرفة األمر الذي ضايق
هؤالء املسلمين ،كما كان عليه أن يقرأ القرآن الكريم الذي طعنت تلك الرواية في قدسيته ..عند
قراءته للقرآن توقف ريتشارد فيرلي عند ثالث آيات ترتبط بمجال تخصصه كجيولوجي أثرت في
عقله ووجدانه على السواء ..ولتقريب الصورة نذكر بأن الجيولوجيا هي علم دراسة األرض من
حيث تركيبها وكيفية تكوينها والحوادث التي وقعت عليها منذ نشأتها األولى حتى تاريخنا املعاصر.
ََ ْ َ ْ َ َْ
ال ْر َ
ض ومن هذه اآليات التي هزت ريتشارد فيرلي هي قول هللا تعالى في سورة النبأ :ألم نجع ِل
جي ًدا في تفسير هاتين اآليتين وراجع ما درسه في تمعن فيرلي ّال َأ ْو َت ًادا ( )7النبأّ ..
م َه ًادا (َ )6و ْالج َب َ
ِ ِ ِ
ً
مجال الجيولوجيا ،ثم قرأ كثيرا من املؤلفات التي كتبت في هذا املجال ..فحقيقة أن الجبال تزيد
على ارتفاعها الظاهر بعدة مرات هو أمر لم يثبته العلم إال في النصف األخير من القرن التاسع
مرة من جذورا مغروسة في األعماق تصل إلى ما يعادل ّ 15 ً عشر ،بل أصبح من املعلوم أن للجبال
ارتفاعاتها فوق سطح األرض ،كما أثبتت النظريات العلمية الدور الكبير الذي تلعبه هذه الجبال
في إيقاف الحركة األفقية الفجائية لصفائح طبقة األرض الصخرية! وهنا تساءل فيرلي ً
منبهرا :من
أين أتي رجل ّأمي بهذه املعلومات قبل مئات السنين من اكتشافها إن لم يكن القرآن هو بالفعل
ّ كالم هللا تعالى الذي أوحى به إلى رسوله َّ
محمد -صلى هللا عليه وسلم-؟!
آية أخرى من القرآن الكريم أصابت فيرلي بفيوض من الدهشة واالنبهار وهي تلك التي يقول 132
َ َ َّ َ َ َ َ ْ َ َ َ ْ َ َّ َ ُ
وس ُعون ( )47الذاريات ..فمن خالل قراءته التي فيها هللا تعالي :والسماء بنيناها ِبأي ٍد و ِإنا ل ِ
أشهرا عديدة عرف بطل قصتنا أن عالم الفلك األمريكي أدون هابل الذي كان يعمل في استغرقت ً
مرصد جبل ويلسون في كاليفورنيا ،توصل في عام 1929إلى واحد من أعظم االكتشافات في تاريخ
بعضا بشكل مستمر وبسرعات مرة ابتعاد املجرات عن بعضها ً وألول ّ علم الفلك ،حيث رصد ّ
مستمرا في توسعه منذ نشأته حتى اآلن ،وهو عين ما تقوله ًّ هائلة ،وأن الكون املدرك ال يزال
هذه اآلية الكريمة.
ين َك َف ُروا َأ َّن َّ َ
كثيرا ،وهي قوله سبحانه وتعالىَ :أ َو َل ْم َي َر َّالذ َ آية أخرى ّ
اتالس َماو ِ ِ تعجب منها فيرلي ً
َ ََ ْ ُ َ اه َما َو َج َع ْل َنا م َن ْالَاء ُك َّل َ
ض َك َان َتا َر ْت ًقا َف َف َت ْق َن ُ َ َْ
�ش ْي ٍء َح ّ ٍي أفل ُيؤ ِمنون ( )30األنبياء ..قرأ فيرلي ِ ِ
ال ْر َ و
تفسير هذه اآلية الكريمة وعرف أنها تشير إلى كيفية نشأة الكون وبداية الخلق ،حيث ظل علماء
الفلك والفيزياء الفلكية يجاهدون لقرون من الزمن في تصور لحظة ميالد هذا الكون ولم يتمكنوا
من �شيء من ذلك ،وإنما توصلوا إلى نظرية االنفجار العظيم ( ،)Big Bangوهذه النظرية هي أكثر
قبول في علم الكون الفيزيائي اليومً ، ً
نظرا إلى استنادها إلى عدد من الحقائق املشاهدة. النظريات
ففي نهاية عشرينيات القرن املا�ضي توصل العلم إلى أن الكون كان كتلة واحدة ثم انفجر
وتباعدت أجزاؤه التي تشكلت منها املجرات والنجوم والكواكب واألجرام السماوية األخرى..
وهذا هو نفسه حقيقة (الفتق الكوني) الذي تتحدث عنه هذه اآلية ،وهو أفضل تفسير توصل
إليه العلماء بشأن نشأة الكون حتى اآلن!
وتتلخص فكرة هذه النظرية في أن الكون في بداية نشأته وقبل مليارات السنين كان ً
جزءا
واحدا وفي حالة حرارة شديدة الكثافة فانفجر وتمدد َوب ُرد بسرعة فائقة ،ومعظم الذراتً
التي نتجت من ذلك االنفجار العظيم كانت من الهيدروجين والهيليوم مع القليل من الليثيوم،
ثم التأمت سحب عمالقة من تلك العناصر ّ
األو ّلية بالجاذبية ّ
لتكون املجرات والنجوم التي
نشاهدها اليوم.
تشير الحسابات الفيزيائية إلى أن حجم الكون قبل االنفجار العظيم كاد يقترب من الصفر،
وكان في حالة غريبة من تكدس كل من املادة والطاقة ،وتال�شي كل من املكان والزمان ،وتتوقف
عندها كل قوانين الفيزياء املعروفة ،وهي ما أشار إليها القرآن بمرحلة (الرتق) ،ثم انفجر هذا
الجرم االبتدائي األولي في ظاهرة كبرى تعرف بظاهرة االنفجار الكوني العظيم ،وهو ما أشار
إليه القرآن بمرحلة (الفتق) حيث تحول بهذا االنفجار إلى كرة من اإلشعاع والجسيمات األولية
أخذت في التمدد والبرودة بسرعات فائقة حتى تحولت إلى غاللة من الدخان الذي خلقت منه
السماوات واألرض.
ً
هذه اآليات القرآنية التي تتحدث عن حقائق علمية لم تكتشف إال حديثا كانت كفيلة بأن
133
تقنع فيرلي بأن هذا القرآن ال يمكن أن يكون من تأليف بشر مهما بلغ من العلم ..وبعد عامين من
القراءة املتعمقة واملتواصلة واملكثفة في القرآن ،وتردده على املركز اإلسالمي في منطقة ريجنت
بارك بوسط لندن ،اعتنق فيرلي اإلسالم في صباح 19أغسطس عام 1993وتذوق ألول مرة في
حياته طعم اإليمان وصفاء النفس كما اكتشف مصدر السعادة الحقيقية ..ومن لطف هللا ّ
عز
ً ً ّ
عجيبا لهدايته. وجل وتدبيره له أن جعل من رواية «آيات شيطانية» مدخل
عقب اعتناقه اإلسالم فكر فيرلي في إنشاء رابطة للمسلمين في الشرطة اإلنجليزية على الرغم
من قلة عدد املسلمين العاملين في الشرطة اإلنجليزية ،إذ كان هناك فقط بعض الباكستانيين..
تعرف فيرلي إلى رجل مسلم شجعه على إنشاء الرابطة وبالفعل تم إنشاؤها في عام ،2000وأصبح ّ
آيات شيطانية!
ًّ
إلكترونيا باسم «.»Association of Muslim Police ً
موقعا ً
رئيسا لها ،كما أنشؤوا لها
أسهمت تلك الرابطة فور إنشائها في إيصال صوت األفراد والضباط املسلمين في بريطانيا
ألصحاب القرار في وزارة الداخلية والحكومة البريطانية ،فسمح للشرطية املسلمة ألول مرة
بارتداء الحجاب كما سمحت الحكومة البريطانية بتخصيص مصليات للنساء.
يختتم لنا فيرلي هذه القصة بقوله« :أما اللحظات التي أعجز عن التعبير عنها بعد إسالمي فهي
عاما كنت أوجه فيها وجهي من لندن شطر الكعبة املشرفة بمكة املكرمةلحظات جاءت بعد ً 17
وأخيرا وجدت نف�سي فجأة ً
وجها لوجه أمام هذا النور الذي يمأل جنبات ً خمس مرات في اليوم،
الحرم املكي الشريف ،كنت أؤدي العمرة ،فوددت لو أنني قضيت بقية عمري في هذا املكان،
وجل في مقام إبراهيم وأثناء الطواف أن يكتب لي الركن الخامس وينعم ّ
علي عز ّ ودعوت هللا ّ
جيدا ،فقدبشعيرة الحج ..استجاب هللا لي وال أعرف ما أصابني أنا الضابط املتمرس املدرب ً
وجدت نف�سي فجأة أبكي بشدة والدموع تنهمر من عيني ،وال أعرف حتى اآلن سر هذا البكاء..
عز ّ
وجل ،وشعرت بعالمات كثيرة على أن هذا الدين حق لكنني شعرت بأنني قريب للغاية من هللا ّ
وكتابه منزل من السماء».
135
وإن رسالة اإلسالم تتلخص بكلمة واحدة هي :الدعوة!
َّ ََْ َ َّ َ َ ُ
«ق ْل َه ِذ ِه َس ِب ِيلي أ ْد ُعو ِإلى الل ِه َعلى َب ِص َير ٍة أنا َو َم ِن ات َب َع ِني»..
كل مسلم إما داعية إلى اإلسالم ..وإما داعية ضد اإلسالم..
فاختر لنفسك مع أي الفريقين أنت!! ليس أمامك خيار ثالث!
تمسكك بدينك ..تطبيقك لشعائرك ..حسن أخالقك ..فخرك بشريعتك ..التزامك بالحالل..
ابتعادك عن الحرام ..حرصك على إعطاء كل ذي حق حقهّ ..
تحري الصدق في القول والفعل ..هو
أعظم دعوة إلى اإلسالم..
فرعون وامللك
بطل قصتنا اليوم أسلم في عام 1993للسبب ذاته ..إنه العالم النصراني األمريكي الدكتور
جيرالد ديركس الحاصل على الدكتوراه في علم النفس السريري من جامعة دنفر ،واملاجستير في
للتعرف إلى تفاصيل قصة إسالمه.علم الالهوت من جامعة هارفارد ..ندعوكم اليوم ّ
ولد جيرالد في بلدة ريفية صغيرة في والية كانساس األمريكية عام 1954م ..نشأ وترعرع في
كنف النصرانية ..في طفولته كان يحرص على ارتياد الكنيسة كل يوم أحد ..وكان يحصد كل
الجوائز التي تقدمها الكنيسة لألطفال ملن يتقن حفظ بعض النصوص من اإلنجيل.
ً
أصبح جيرالد واعظا في سن باكرة ،وعندما وصل املرحلة اإلعدادية بدأ يقدم املواعظ في
ً
فشيئا أصبحت عاماً ..
شيئا الكنائس واملنظمات التي لها عالقة بالكنيسة ،وعمره لم يتجاوز ً 14
ملواعظ جيرالد جماهيرية كبيرة فحاملا يبدأ إحدى مواعظه يحتشد الناس ويتزاحمون لالستماع
إليه ..ما أكسبه نجومية متفردة وزاد من شعبيته الكبيرة حديثه السلس الذي يتسم بالثقة
ً
تعقيدا فيجعل فهمها أشد سهولة والهدوء والبساطة والوضوح ،فقد كان يتناول أشد القضايا
من شرب املاء الزالل ..وعندما يتحدث عن العهدين القديم والجديد كان يوثق باألسماء واملراجع 136
تدرج جيرالد في مجال التبشير بسرعة باهرة ،فعندما بلغ الخامسة عشرة من عمره أي في عام
1969حصل على رخصة الخطابة من الكنيسة امليثودية املتحدة التي تنتمي إليها عائلته والتي تم
شماسا في عام ..1972بعدها التحق وهو في السابعة عشرة من عمره بجامعة هارفارد ً تعيينه فيها
لدراسة الفلسفة ،ثم التحق عقب تخرجه فيها بكلية الالهوت في الجامعة ذاتها حيث حصل على
شهادة املاجستير في علم الالهوت في عام 1974م ..عقب إكماله لدراسة الالهوت مباشرة تم
ً
قسيسا في الكنائس املحلية في منطقته بوالية كنساس ..لكن وفي العام ذاته بدأ اعتقاده تعيينه
ً ًّ ً
في الثالوث يتزعزع ،فهجر الوعظ والعمل الديني وأصبح طبيبا نفسانيا ممارسا ،كما بدأ يتخلى
فشيئا دون أن يترك منصبه ككاهن في الكنيسة امليثودية املتحدة! ً عن معتقدات النصرانية ً
شيئا
ويقول جيرالد في هذا الجانب إن التعليم ّ
الجيد الذي تلقاه في كل من املدرسة والجامعة يمثل
السبب الرئي�سي الذي أدى إلى زعزعة ثقته بالديانة النصرانية ،إذ أتاح له التعمق في دراسة
َّ
وعملية َّ
الداخلية، الكتاب املقدس (من حيث إضافاته ومحذوفاته ،وترجمته املضللة ،وتناقضاته
االنتقاء منه ..إلخ) أن ينتقد أسس الديانة النصرانية املحرفة مثل الثالوث ،والجمع بين ألوهية
عي�سى -عليه السالم -وبشريته وإلى غير ذلك من األسس التي ال تتسق مع املنطق وال يقبلها العقل.
تعرف الدكتور جيرالد إلى بعض العائالت املسلمة في منطقة دنفر، بعد مرور سنوات عدة َّ
وكولورادو؛ فانتبه إلى الفرق األخالقي الشاسع بين املجتمعين األمريكي واملسلم! فبينما الحظ
تاما الحظ أن الثاني يتمتع بقيم وممارسات كريمة ّ
تمنى من كل أخالقيا ًّ
ًّ ً
إفالسا أن األول يعاني
قلبه لو اتصف بها ..الحقيقة انبهر بالحياة الزوجية املستقرة في املجتمع املسلم حيث االحترام
املتبادل بين الزوجين وااللتزام األخالقي ،عالوة على الصدق والنزاهة واملسؤولية الذاتية والقيم
األسرية ..حاول هو وزوجته أن يعيشا حياتهما بذات الطريقة التي يعيشها املسلمون ،ولكنهما
شعرا بأنهما كانا يفعالن ذلك بصورة شكلية سطحية وفي سياق فراغ أخالقي ،فتوصل إلى حقيقة
أن املجتمع املسلم مجتمع مميز شديد االختالف عن مجتمع بني جنسه ولهذا السبب قرر البدء
في دراسة اإلسالم.
في هذه املرحلة املهمة من مسيرة حياته بدأ بطل قصتنا التواصل مع املجتمع اإلسالمي املحلي،
وكان أول اتصال له ولزوجته مع أمريكي مسلم من أصول عربية يدعى جمال ..كان األخير
يساعدهما ببعض الترجمات التي يحتاجان إليها ..وفي أول زيارة له ملنزلهما وقبل مغادرته سألهما
ً
طاهرا يفرشه على جمال إن كان بإمكانه أن يتوضأ في الحمام لكي يؤدي الصالة ،ثم طلب ً
شيئا
األرض ليصلي عليه ..ما جعل الزوجين يحترمان شخصية جمال عدم تبشيره بديانته أو حديثه
عن معتقداته الدينية ،كل ما فعله هو ممارسة شكل لطيف غير مباشر من أشكال الدعوة يتمثل
137 في تقديمه لهما النموذج األمثل عبر ممارسته لشعيرة الصالة.
من خالل تواصله مع جمال تعلم الدكتور جيرالد ً
أمورا كثيرة عن اإلسالم أكدت له عظمة هذا
ً
الدين التي تتجلى في تميز سلوك املسلم وخلقه ،متمثلين في شخصية جمال :أول ،أعجب جيرالد
بمحافظة جمال على أداء صلواته في أوقاتهاً ..
ثانيا ،انبهر بسلوكه األخالقي الراقي في ممارسة حياته
ً
اليومية ،سواء في مجال أعماله أو في حياته االجتماعية ..ثالثا ،أعجب الدكتور جيرالد كذلك
بالتفاعل املميز لجمال مع طفليه ..وهنا يشير الدكتور جيرالد إلى أن كل الصفات الطيبة التي
الحظها في جمال وجدها تنطبق على زوجته ً
أيضا.
ً ً
فرعون وامللك
فشيئا بدأت تتسع دائرة عالقات الدكتور جيرالد وزوجته مع املسلمين بوساطة جمال شيئا
الذي ّ
عرفهم إلى العديد من العائالت العربية ..هذا األمر عزز في دواخلهم حقيقة أن املسلمين
يعيشون حياتهم على مستوى أخالقي رفيع أعلى بكثير من بقية أفراد املجتمع األمريكي الذين
يعيشون معهم في البيئة االجتماعية ذاتها ..ومن ضمن األسر املسلمة التي ّ
تعرف إليها الدكتور
أثرا ً
عميقا أسرة محمود وزوجته األمريكية املسلمة إيمان ..من جيرالد وزوجته وتركت فيهما ً
خالل العديد من املواقف التي تعرض لها مع هذه األسرة ومع غيرها من األسر املسلمة قرر
الدكتور النطق بالشهادتين واعتنق اإلسالم في عام 1993م.
ضمنها بعض كتبه عن اإلسالم يقول الدكتور جيرالد وعن تجربته مع القرآن الكريم والتي ّ
ما يلي« :ففي صفحات القرآن اكتشفت معرفة الكتاب املقدس والتاريخ النبوي والعرب األميين
ً
في املنطقة العربية في القرن السابع ،وهناك مثاالن يمكن من خاللهما توضيح هذاّ :أول :يتضمن
القرآن قصة غير موجودة في الكتاب املقدس عن إبراهيم -عليه السالم -واستخدامه ملنطق
التوحيد عن طريق مالحظة الظواهر الطبيعية ،مثل الشمس والقمر والنجوم ،وهذا أمر مهم لم
يكتشف إال في حفريات القرن العشرين من عصر أور ،وهو وقت طفولة إبراهيم -عليه السالم-
ً
مقسما في أور القديمة إلى ثالوث نجمي يتألف من :الشمس، كما تم اكتشاف أن املعبد كان
والقمر ،والزهرة( وهي نجمة املساء والصباح).
ثانيا :يشير ُ
القرآن إلى الحاكم املصري في عهد يوسف -عليه السالم -كملك ،في حين أن الكتاب ً
لًّ
يشيران
املقدس يشير إلى هذا الحاكم كفرعون ،وفي املقابل فإن ك من القرآن والكتاب املقدس ِ
إلى الحاكم املصري الذي كان يحكم في عهد مو�سى -عليه السالم -بلقب فرعون ،وهذا أمر مهم،
ألن ملوك مصر لم يعرفوا لقب فرعون إال بعد عهد يوسف -عليه السالم -بفترة طويلة ،وهذه
حقيقة تاريخية لم تكن معروفة إال بعد االكتشافات األثرية التي تمت بعد نزول القرآن بقرون.
فعندما تطالع قصة يوسف ومو�سى -عليهما السالم -في أسفار «العهد القديم» الذي يتضمن
النسخة ّ
املحرفة من (التوراة) ،تجد أنه ال فرق بين لقب حاكم مصر في عهد مو�سى ولقبه في 138
عهد يوسف -عليهما السالم ،-حيث جاء في سفر التكوين« :وسمع فرعون بهذا الخبر فطلب أن
يقتل مو�سى» ،وفي موضع آخر في السفر نفسه« :فأرسل فرعون ودعا يوسف ،فأسرعوا به من
السجن» .وفي الحالتين فإن حاكم مصر لقبه «فرعون»! أما في القرآن فاألمر يختلف ،حيث ورد
املرات جميعها في سياق قصة مو�سى -عليهمرة بلقب «فرعون» ،وجاءت هذه ّ حاكم مصر ّ 74
مرات بلقب «امللك» ،وجاءت هذه ّ
املرات جميعها في سورة يوسف وفي السالم ،-بينما ورد خمس ّ
ً
سياق قصة يوسف -عليه السالم !-فلماذا هذا التمييز إذا بين لقب حاكم مصر في عهد مو�سى
ولقبه في عهد يوسف -عليهما السالم-؟!
في نهاية عصر الدولة الوسطى في مصر التي امتدت خالل الفترة ( 1785 - 2061ق .م) ضعفت
السلطة الحاكمة في مصر ما أغرى جماعات الهكسوس فجاؤوا من فلسطين والشام وحكموا
عاما .وفي هذه الحقبة التاريخية ّ
الضيقة عاش يوسف -عليه السالم -في مصر ملا يقرب من ً 150
ِ
ّ
مصر وجاء بأهله من فلسطين فاستقروا معه .وبما أن حكام مصر خالل هذه الحقبة كانوا من
الغزاة األجانب فإن لقب «الفرعون» لم يكن يطلق على الحاكم بل كانوا يطلقون عليه لقب
َّ
مجر ًدا .وبالفعل ،فقد اتفقت العديد من املصادر التاريخية على أن الذي مكن يوسف
«امللك» َّ
-عليه السالم -من عرش مصر كان أحد ملوك الهكسوس من غير املصريين ،كما دخل البالد
خالل هذه الحقبة ٌ
كثير من األجانب ونالوا فيها مناصب رفيعة.
أما بالنسبة إلى مو�سى -عليه السالم -فقد عاش في القرن الثالث عشر قبل امليالد ،وهو
العصر الذي يوافق حقبة «اململكة الجديدة» التي امتدت بين ( 1069 -1550ق .م) ،حيث يشير
ً
مستخدما في اإلشارة إلى (قاموس املتحف البريطاني ملصر القديمة) إلى أن لقب «فرعون» أصبح
ً
ابتداء من عهد هذه اململكة .ويؤيد ذلك (قاموس الكتاب املقدس) الذي يشير إلى أن امللك نفسه
ُ َ َ
«فرعون» في اللغة املصرية معناه (البيت العظيم) ،وكان يستعمل لنعت قصر ال ـلك ،بينما أطلق
على امللك نفسه في نحو 1500ق .م .وهكذا تؤكد مصادر التاريخ بشكل صريح أن «فرعون» كان
َّ
هو اللقب لحاكم مصر خالل الفترة التي عاش فيها مو�سى -عليه السالم ،-بينما كان «امللك» هو
اللقب لحاكم مصر خالل الفترة التي عاش فيها يوسف -عليه السالم!-
السؤال الذي يطرح نفسه بإلحاح هنا :كيف عرف النبي ُم َّ
حمد -عليه السالم -هذه الحقائق
حكام مصر ،وبذلك ّ ّ َّ
سماه «امللك» في عهد يوسف و«فرعون» في عهد املهمة حول تاريخ ألقاب
مو�سى -عليهما السالم-؟! هذه الحقائق التاريخية املهمة التي يؤكد الدكتور جيرالد أنها لم تكتشف
قرنا من نزول القرآن الكريم!إال بعد ثالثة عشر ً
من خالل دراسته املتعمقة في الديانتين اإلسالمية والنصرانية ،يختزل الدكتور جيرالد
االختالفات الرئيسية بين اإلسالم والنصرانية الحديثة في أربع مسائل أساسية:
139 •رسالة عي�سى -عليه السالم -عاملية ً
وفقا للنصرانية املعاصرة ،بينما هي في اإلسالم رسالة
ٌ
محدودة لبني إسرائيل دون سواهم.
وفقا للنصرانية املعاصرة ،وبشريته ً
وفقا لتعاليم اإلسالم. •ألوهية عي�سى -عليه السالمً -
•صلب املسيح -عليه السالم -حقيقة مؤكدة ً
وفقا لتعاليم النصرانية الحديثة ،بينما هي وهم أو
خيال ً
وفقا لتعاليم اإلسالم.
وفقا للنصرانية الحديثة ،والوحدانية ً
وفقا لإلسالم. •طبيعة هللا هي الثالوث ً
ويشير الدكتور جيرالد إلى أن االختالفات األربعة املذكورة أعاله توجد فقط بين اإلسالم
فرعون وامللك
والنصرانية املعاصرة ،بينما توجد نقاط اتفاق بين النصرانية القديمة واإلسالم.
وأشار الدكتور جيرالد في كتابه« الصليب والهالل» إلى تفاصيل التناقض املريع بين بعض
فروع النصرانية القديمة والنصرانية املعاصرة ،كما أشار إلى أن الرجوع للنص األصلي
لكتب النصارى األوائل ونصوص الكتاب املقدس يظهر بجالء مدى اتفاق النصرانية القديمة
مع املوقف اإلسالمي في العديد من القضايا ،األمر الذي يدل على أن االختالفات التي أتت بها
النصرانية املعاصرة تدل على مدى التحريف الذي تعرض له الكتاب املقدس.
ّ
بعد إسالمه ألف الدكتور جيرالد مجموعة من الكتب الدعوية املهمة؛ والتي منها« :إبراهيم
خليل هللا» ،و«فهم اإلسالم»« ،الديانات اإلبراهيمية» ،و«الصليب والهالل» ،و«رسائل إلى شيوخي
عن اإلسالم» ،و«املسلمون في التاريخ األمريكي» ..وقد قادت تلك الكتب الكثيرين إلى اعتناق
اإلسالم .وبعد نحو عام من نشر كتاب« الصليب والهالل» كما يقول الدكتور جيرالد« :قال لي
بنجاح فجعل مئتي شخص ينطقون الشهادة ٍ أخ يعمل في مجال الدعوة :إنه استخدم هذا الكتاب
السنة املاضية ،وباإلضافة إلى ذلك ،كنت على اتصال مباشر ببعض اإلخوة واألخوات الذين
قالوا لي :إن أحد كتبي كان ً
مفيدا لهم في اعتناق اإلسالم».
في خاتمة هذه القصة نشير إلى أن الدكتور جيرالد ديركس قد تحول بعد إسالمه من مبشر
علما ً
وفقها في الديانة النصرانية وتاريخها ومعتقداتها وأصولها، متفرد ،وأكثر علماء النصارى ً
ً
إلى داعية مأل فراغا لم يمأله أحد قبله ،إذ بسبب علمه الغزير بالديانة النصرانية وإملامه بالكتب
ً
الثالثة التوراة واإلنجيل والقرآن الكريم أسهم في هداية الكثير من األمريكيين (رجال ونساء)
وإقناعهم باعتناق اإلسالم..
فما أعظم هذا الدين الذي يحبه معتنقوه الجدد ّ
حد التفاني في خدمته وتسخير أعمارهم وكل
ما يملكون في سبيل الدعوة إليه!!
ً 140
ما أعظم الدين الذي يشعر فيه من يدخله حديثا بأن دخوله إليه وحده ال يكفي ..فيجتهدون
حبا في اإلسالمًّ ..
وحبا في نفع الناس باإلسالم.. في دعوة غيرهم إليهًّ ..
صبي صغير في السن ..صبي فقير ..ال مال له ..صبي جاهل ال علم لديه ..يعصف بعقيدة أحد أكبر
رجال الدينّ ..
فتخيل مدى ضعف هذا الدين وهذه العقيدة وهوانهما وتهالكهما!!..
تخيل إذا قرأت بإحدى الصحف ً
خبرا مفاده :إسالم أحد قساوسة الفاتيكان على يدي ماسح
أحذية لم يتجاوز الرابعة عشرة من عمره ،فكيف سيكون ّ
رد فعلك؟
ً
وأن هذا القسيس أصبح بعد إسالمه أستاذا في األزهر الشريف؟!
اإلجابة الصحيحة ال هذا وال ذاك ألن األمر قد وقع بالفعل مع بطل هذه القصة أال وهو
سمى نفسه «إدريس توفيق» عقب إسالمه قس الفاتيكان األسبق البريطاني الجنسية الذي ّ
فدعونا نبحر معه في رحلته الباهرة من املسيحية الكاثوليكية إلى اإلسالم ..ومن الفاتيكان إلى
األزهر الشريف..
ولد الكاتب واإلذاعي والكاهن البريطاني إدريس توفيق في اليوم األخير من الشهر األخير في
عام ،1957ونشأ وترعرع في كنف النصرانية ،وترقى في املراتب الكنسية حتى وصل إلى درجة
قسيس ،وحصل على درجة في الالهوت املقدس من الجامعة البابوية سانت توماس االكويني في
الطفل الجميل
روما ،كما حصل على شهادة في اللغة اإلنجليزية واآلداب من جامعة مانشستر.
ً
ماسحا لألحذية لم يتجاوز عمره خالل زيارته ملصر قابل في أحد شوارع القاهرة ًّ
صبيا يعمل
الرابعة عشرة من عمره ..عندما رأى الطفل لون بشرته البيضاء تهلل وجهه بابتسامة كبيرة
ً
وحياه قائل :السالم عليكم ..كانت هذه التحية التي ألقاها ماسح األحذية الصغير على القس
الكاثوليكي السابق بالفاتيكان مدخله إلى معرفته اإلسالم على حقيقته واعتناقه؛ ذلك أنه لم يكن
جدا ،يقطعونيعرف عن اإلسالم سوى أنه دين عنف وتعصب ،وأن املسلمين أشخاص سيئون ًّ
األيدي ،ويقتلون األبرياء ،وغير ذلك من االتهامات التي تروج لها الكنيسة عن اإلسالم ..ولكن
زيارته للقاهرة ومشاهدته للمسلمين على حقيقتهم نسفت َّ
كل هذه األباطيل!
يقول إدريس توفيق في ذلك« :وككل البريطانيين اقتصرت معرفتي عن اإلسالم على ما كان
ً
انطباعا بهمجية اإلسالم ..ولكن وصولي إلى القاهرة اإلعالم يبثه من قتل وتفجير وكل ما يعطي
غير نظرتي لهذا الدين ..أناس بسطاء يبيعون بضاعتهم في الشارع يذرون وما شاهدته هناك ّ
بيعهم ليتوجهوا إلى هللا ساعة سماعهم لنداء الصالة ،أدركت مدى عظمة إيمانهم بوجود هللا
ّ
ويحجون إلى مكة آملين برغد العيش في اآلخرة». فهم يصلون ويصومون ويساعدون املحتاج
وطوال فترة األسبوع التي قضاها في القاهرة كان إدريس توفيق يمر على ذلك الصبي ماسح
األحذية ويجالسه ويمازحه ،فتعلم منه بعض الكلمات العربية ،وكان يحييه بقول «أزيك يا
جميل» وكان الصبي يرد على تحيته بقوله الحمد هلل.
عائدا إلى لندن حيث يعمل بتدريس مختلف الديانات لألطفالغادر بطل قصتنا القاهرة ً
في إحدى املدارس ،وفي ذهنه صورة مختلفة ً
تماما عن اإلسالم واملسلمين ..وكان بين تالميذه
أطفال من الالجئين العرب املسلمين ،وعلى خالف بقية املراهقين كان هؤالء الطلبة املسلمون
ً
مثال يحتذى به في اللطف واألدب ..حتى ذلك الوقت لم يكن يعرف عن اإلسالم إال ما لقن
قرر أن يحصل على معلومات صحيحة عن اإلسالم يستعين بها في له منذ صغره ،ولذلك ّ
142
تدريس التالميذ.
بدأ إدريس توفيق يقرأ ً
كتبا عن اإلسالم وكان إعجابه بهذا الدين يزداد كلما قرأ عنه أكثر بل
ّ
كانت الدموع تغمر عينيه عندما يأتي ذكر النبي -صلى هللا عليه وسلم ..-عندما جاء شهر رمضان
مكانا للصالة في املدرسة سوى الفصل املخصص لبطل قصتنا ألنه لم يجد األطفال املسلمين ً
املكان الوحيد الذي يحتوي على سجادة ..سمح لهم ادريس بالصالة في الفصل وكان يجلس في
الخلف يراقب تصرفاتهم ليعرف ما يفعلونه أثناء الصالة ..توجه بعدها لإلنترنت ليحصل على
معلومات حول كيفية صالة املسلمين.
بنهاية شهر رمضان استطاع إدريس توفيق أن يتعلم من تالميذه أصول صالة املسلمين ،بل
ً ً
مسلما ..عقب ذلك هداه هللا سبحانه فاجأهم بصيامه معهم شهر رمضان كامل مع أنه لم يكن
وتعالى إلى اإلسالم فنطق بالشهادتين ،حيث يقول في ذلك« :وفي أحد األيام توجهت إلى أكبر مسجد
في لندن ملعرفة املزيد عن هذا الدين وهناك قابلت أحد األشخاص الذين اعتنقوا اإلسالم يجلس
في دائرة وقد تحلق حوله الناس يحدثهم عن الدين ،وحين انتهى من حديثه سألته ماذا ّ
علي أن
علي اإليمان باهلل الواحد وصوم رمضان والصالة خمس مرات في ً
مسلما؟ أجابني أنه ّ أفعل ألكون
ً
اليوم ،فقاطعته قائل بأني أفعل كل هذه العبادات ..سألني حينها ماذا أنتظر إذن إلشهار إسالمي؟
رفضت آنذاك اعتناق اإلسالم إذ لم تكن نيتي أن أترك ديني السابق وأشهر إسالمي ،ولكن رفع
ّ ّ
األذان واصطف املصلون وبدأت أرقبهم ودموعي تنهمر على وجهي ..قررت أنني لن أخدع نف�سي
بعد اليوم وتوجهت عقب انتهاء الصالة إلى ذلك الشخص نفسه وهو يوسف إسالم وطلبت منه
أن يعلمني ما ّ
علي قوله إلشهار إسالمي ،وبعد أن شرح لي معاني ال إله إال هللا محمد رسول هللا
ّ
رددت وراءه الشهادتين باللغة العربية ودموعي ال تكف عن االنهمار».
اعتنق إدريس توفيق اإلسالم عقب مرور عام ونصف العام منذ مقابلته للصبي «الجميل»
ماسح األحذية في أحد شوارع القاهرة ..ق�ضى توفيق الفترة الواقعة بين مقابلة الصبي واعتناق
اإلسالم في التفكير ومقابلة بعض علماء املسلمين إلى جانب القراءة املكثفة عن اإلسالم.
وهنا يقول إدريس توفيق« :كلما قرأت أكثر عن اإلسالم ّ
تعرفت إلى مسلمين أكثر وخالل
ً
سعيدا بوجودي معهم واتضح لي أنهم ليسوا عام ونصف العام ّ
تعرفت إلى العديد منهم وكنت
بالصورة التي رسمها اإلعالم الغربي عنهم وهذا كان قبل أحداث 11سبتمبر 2001مباشرة».
عقب اعتناقه اإلسالم ذهب إدريس إلى املدرسة فأخذ املدرسون يصفقون له ألنهم كانوا
يحبونه ..دخل بعد ذلك مكتب مدير املدرسة وسأله إن كان يتوقع أن يقول له إنه دخل اإلسالم
فرد عليه املدير بقوله« :كلنا كنا نتوقع هذا».
143
وعن الطريقة الصحيحة للدعوة إلى اإلسالم في الغرب ينصح توفيق بأن يتعلم الدعاة كيفية
مخاطبة البسطاء باللغة السهلة البسيطة التي يفهمونها ال تلك املعقدة التي يقتصر فهمها على
املستنيرين فقط ..كما أن على الدعاة إذا ذهبوا يدعون الناس في الغرب أال يقولوا لهم أنتم
ًّ
منصبا على كرة القدم أو السيارات أو املشتريات وبالتالي على خطأ ،إذ قد يكون كل تفكيرهم
ربما لم يفكروا في هللا على اإلطالق وعليه تكون الطريقة املثلى للتخاطب معهم عبر حياتهم
العادية باعتبار أن اإلسالم يمثل الديانة الطبيعية لكل املخلوقات منذ بدء الخليقة فهو يخاطب
قلوب الجميع برسالته العاملية شديدة البساطة التي تتلخص في توحيد اإلله الذي ليس بينه
وبين عباده وسيط.
الطفل الجميل
يتحدث توفيق عن عالقته بأصدقائه القدامى عقب إسالمه بأنه ابتعد عنهم بشكل
محترم يشبهه بالطالق ..فهو كما يقول يحبهم من كل قلبه وبالتالي ال يستطيع أن يفعل ً
شيئا
ي�سيء لهم أو للكنيسة.
ما أثلج صدر إدريس توفيق أن أسرته البريطانية التي عرفت بحبها له لم يؤثر اعتناقه اإلسالم
تقبل أمه لألمر درجة جعلتها تذهب للكنيسة وتهدي مؤلفاته اإلسالمية إلىفي عالقتها به بل وصل ّ
أصدقائها والتي من بينها على سبيل املثال سلسلة Ask About Islamأو اسأل عن اإلسالم.
في حوار أجرته معه شبكة األلوكة في شهر مايو عام ،2013يقول إدريس توفيق« :بعد أن
أسلمت بدأت أعلم وأفهم اإلسالم بصورة كبيرة ،وعندما يتقبل الناس اإلسالم يتقبلونه
جميع الثقافات ،وجميعَ جدا ،وألنه دين عظيم ودين كبير خاطب لبساطته؛ فاإلسالم بسيط ًّ
ّ ّ
وأعلم املسلمين كيف يتحدثون عن اإلسالم.. أدرس للتالميذ الثقافة الغربيةِ ،
الخلق ..ولذلك فأنا ِ
جيدين ،ولغير املسلمين أالجميعا في جميع أنحاء العالم كيف يكونون مسلمين ّ ً وأبلغ الناس
ِ
ُ
يميزني هو أنني أفهم الكنيسة ،وأعرف قادة الكنائس، ّ
الخاص الذي ِ
َ
يخافوا من اإلسالم ،وال�شيء
َّ َّ
فأعرفهم كاسمي ،فأنا أجول العالم ،وأتكلم مع قادة العالم املسيحي ،وقادة الكنائس ،وأتكلم
ً
وخصوصا بعد ثورات الربيع العربي، معهم عن حقيقة اإلسالم ،وأنا أفهم ما يدور في عقولهم،
فقد تضاعف خوف املسيحيين على مستقبلهم ،وماذا سيحدث لهم؛ ولهذا سافرت ملعظم دول
العالم ،وشرحت لجميع قادة العالم املسيحي حقيقة اإلسالم وأنه ال يمثل أي خطر عليهم».
ومواصلة لحديثه في املوضوع ذاته ،يرى إدريس توفيق أن املسلم إن طبق اإلسالم في حياته
كما ينبغي يمكن أن يكون ً
سببا في إسالم الكثيرين حيث قال« :من يشاهدني ال يدرك أنه يستطيع
التأثير في اآلخرين من خالل املعاملة الحسنة ولو عبر ابتسامة وليس بالكالم ..لسنا بحاجة ألن
نعطي الغير محاضرات ،كل ما هو مطلوب منك أن تقول إنك مسلم ويجب أن تذهب للصالة
اآلن ..لو كل فرد فينا عاش كمسلم جيد فالعالم سيرانا بشكل جيد وسيحبوننا ..أنا أعتقد أن
َ
واألسلوب الجيد هو أسهل الطرق لتوصيل الصورة الصحيحة عن اإلسالم.. السلوك الصحيح 144
وعلى املسلمين تطبيق ما يدعو له اإلسالم حتى يحترمهم أهل الغرب حتى لو أضمروا لهم العداء».
وأشار توفيق إلى أن الناس في الغرب ال يعلمون ً
شيئا عن اإلسالم ،وهذا األمر ليس خطأهم،
ً
الفتا النظر إلى أننا لم نخبرهم باإلسالم على املنهج الصحيح ،فهذا خطؤنا ،وإخبارهم ال يكون
بالكلمات فقط ،فالكلمات أمر شديد السهولة ،بل علينا إخبارهم باملثال الجيد للمسلم،
مثل ًّ
يقدمون صورة سيئة لإلسالم. ألن بعض املسلمين في إنجلترا
ونختتم هذه القصة برسالة وجهها توفيق للصبي ماسح األحذية الذي تسبب في فتح عينه
وقلبه على حقيقة اإلسالم بابتسامته البريئة وحديثه الطيب حيث قال في حقه« :هذا الصبي ال
يعرف أني أسلمت ولكنه يوم القيامة سيفاجأ عندما تقرأ حسناته املالئكة بأنه فعل هذا وهذا..
ولكنه فعل الكثير خاصة وقام بأعمال أخرى بشكل غير مباشر مثل تسببه في اعتناق الكثير
لإلسالم من خاللي».
في السابع عشر من شهر فبراير من عام 2016توفي بطل قصتنا إدريس توفيق بعد صراع
طويل مع املرض ،وقد ترك بعد وفاته رسالة مؤثرة ذكر فيها باختصار قصة اعتناقه «دين
السالم» وقد اقتبسنا لكم منها بعض الفقرات..
لذا ..ال تستصغر أي مخلوق هلل ..فقد يضع هللا فيه ًّ
سرا وقوة تبهر العالم أجمع..
العجيب أن هذا املخلوق الصغير قد ال يدرك هو نفسه ما قام به!!..
فهو لم يقم ًّ
حقا ..إنه مجرد سبب ..أداة في قدرة هللا..
كذلك ..ال تستبعد الهدى عن نفسك ..فالهدى قد ينساب إلى قلبك دون أن تدري..
إنها إرادة هللا القادر على كل �شيء..
اسألوا هللا الهداية ..فباهلل نهتدي إلى هللا.
145
الطفل الجميل
عاصفة الصحراء
حاربوه ..فانتشر وانتصر بأسلحة الهجوم عليه!!
ّ
شوهوه ..فرآه الناس أجمل ما يكون!!
أخافوا الجميع منه ..فارتموا في أحضانه وتعلقوا به كطوق نجاة!!
مساكين هم بال شك ..ألنهم يحاولون حجب نور الشمس بالغربال!!
ومساكين ألنهم يحاربون ويعادون ما فيه خيرهم ونجاتهم!!
إنه اإلسالم ..كيف طاوعتكم قلوبكم وعقولكم على محاربته؟!!
كيف تجرؤون؟!! ّ
تأملوا بطلة قصتنا..
لقد كانت في خضم عاصفة الهجوم على اإلسالم..
في قلب حمالت تشويهه ..فماذا كانت النتيجة؟! 146
فكرها الثاقب جعلها ال تقنع بالقبول األعمى باألمور ..موضوعيتها الفريدة جعلتها تشكك
تعلمته منذ طفولتها عن املسيحية ،خاصة أنها توصلت إلى حقيقة ّ ّ
جلية مفادها وترتاب في كل ما
أن ممارسات قساوسة الكنيسة واملتدينين من الطوائف املسيحية كافة في مجتمعها بعيدة كل
البعد عن الفطرة السليمة بدرجة جعلتها تفتقر إلى السالم الداخلي مع نفسها وتبحث عنه الهثة
في كل اتجاه ،وعانت ً
كثيرا في سبيل الوصول إلى الحقيقة ،إال أن السالم الداخلي مع النفس الذي
حصلت عليه بعد إسالمها ،واستمسكت به بكل ما أوتيت من ّ
قوة ،يعتبر مكافأة ثمينة تستحق ما
بذلته من صبر طويل وما عانته من جهد.
سبع وثالثون سنة وهي هائمة على وجهها وتائهة في ضباب االرتياب تبحث عن طريق الوصول
إلى هللا والطريقة الصحيحة لعبادته ،حيث كانت نظرتها إلى العقائد املسيحية نظرة واقعية ّ
مجردة
ومنصفة ،برغم نشأتها كمسيحية ملتزمة تصلي في الكنيسة مرتين كل يوم أحد وفي العطالت،
ً
دروسا مسيحية خاصة يوم األحد ،وتنتظم في املدارس الصيفية لدراسة الكتاب املقدس، وتتلقى
واملعسكرات الدينية ،والدروس العقائدية الكنسية ومجموعات الشباب املسيحية!
برغم ذلك كله ،تقول بطلة هذه القصة ،الكاتبة والباحثة األمريكية بربارا براون :إني وجدت
نف�سي أواجه أسئلة عديدة ،بخصوص أسس عقيدتي ،لم يستطع أي شخص وال أي طريقة
من التعليم الديني أن تجيب عنها .وملدة سبع وثالثين سنة ،كنت تائهة في ضباب هذا االرتياب
بخصوص هللا والطريقة الصحيحة لعبادته حتى استطعت في عام 1991م أن اكتشف اإلسالم.
وبهذا تكون بربارا براون قد توصلت إلى السالم الداخلي مع نفسها ،وطوت صفحة من حياتها
دامت ما يقرب من أربعة عقود كانت تائهة عن طريق الحق ،حيث تروي لنا الكاتبة األمريكية
أشده ..وبجوار كتب قصتها« :لقد كان نزاع (عاصفة الصحراء) في الشرق األوسط على ّ
استراتيجية الحروب واألسلحة في مكتبة محلية ،كان هناك كتاب صغير بعنوان «فهم اإلسالم»..
فتصفحت ذلك الكتاب حول هذا الدين (الغامض) من الشرق األوسط بنفس فضول بعضهم،
ولكن سرعان ما تحول الفضول إلى اندهاش ،عندما عرفت من خالل صفحات ذلك الكتاب أن
اإلسالم أعطاني األجوبة لتلك األسئلة التي كانت تراودني طوال سبع وثالثين سنة -ولم أضيع
كثيرا من الوقت -لقد أصبحت مسلمة ،وبذلك توصلت إلى ذلك الهدف الذي كنت أسعى إليه ً
طوال حياتي ،وهو أن أكون في سالم داخلي مع نف�سي بخصوص عالقتي مع هللا».
وفي عام 1993م صدر للكاتبة والباحثة األمريكية بربارا براون كتاب باإلنجليزية تمت ترجمته
إلى العربية بعنوان «نظرة عن قرب في املسيحية» .وتقول براون في هذا الكتاب :إن الكثير منا
راضيا بقبول األشياء كما هي ،فنتجاهل األسئلة الصغيرة املنكدة والشكوك التيً يعيش حياته
ّ ً
تتوارد على أذهاننا وخصوصا في القضايا املتعلقة بالدين ..نعم إننا نستطيع أن نم�ضي هكذا في
147
رحلة الحياة ،ولكننا ال نستطيع ً
أبدا أن نصل إلى تلك الحالة من السالم داخل نفوسنا.
والحساسة ،على صعيدّ وبهذه الثقة الكبيرة طرحت براون العديد من القضايا ّ
املهمة
املعتقدات املسيحية .ففي البداية تطالعنا بعنوان «ميثاق يصيبه االنحراف» تسلط فيه األضواء
السريعة ،ولكنها كاشفة ،على مرحلة إرهاصات ظهور املسيح ،مؤكدة :ألجل أن نفهم الرسالة
الحقيقية للمسيح ،يجب علينا أن نعود إلى التاريخ قبل ظهور املسيح لنجد ملاذا أرسل املسيح
ً
أصل؟ لتخلص إلى أن اليهود قد انحرفوا ،مرة أخرى عن التوحيد ،ولكن انحرافهم عن التوحيد
في هذه املرة قد تم تحت غطاء كثيف من الطقوس والشعائر ّ
املعقدة .إن هذا كان هو املوقف
عاصفة الصحراء
تبين كيف طرأ عليها التغيير أو التحريف فجأة عندما ظهر وعن «رسالة املسيح» السماويةّ ،
على املسرح الواعظ اليهودي «شاؤول» الذي ّادعى أنه يتكلم باسم املسيح ،بعد سنوات قليلة
فقط من (رحيل) املسيح .وبالرغم من أن الديانة املسيحية تأخذ اسمها من عي�سى املسيح ،فإن
غير اسمه إلى (بولس) يجب أن يعتبر هو مؤسسها الحقيقي ..واملسيحيون ال ينكرون شاؤول الذي ّ
أيضا ..ولكن هناك مشكلة كبيرة ..وهي أن تعاليم بولس -املؤسس الحقيقي للمسيحية -ال ذلك ً
يمكن العثور عليها في أي مكان من تعاليم عي�سى -عليه السالم -أو في تعاليم األنبياء الذين سبقوه.
ليس هذا فحسب ،بل إن بولس لم يكن له إال اتصال ضعيف مع الحواريين الحقيقيين لعي�سى
-عليه السالم -الذين كان من املمكن أن يوجهوه إلى الطريق الصحيح .فهؤالء لم يكونوا على وفاق
ً
ممكنا .وفي النهاية ،على أي حال ،فإن مع تعاليم بولس املبتكرة وأخبروه بذلك كلما كان ذلك
نوع املسيحية التي نادى بها بولس إنما أحرز فيها النجاح بفضل شخصيته الساحرة ،إضافة إلى
حقيقة أنه وأصحابه غلبوا الحواريين الحقيقيين لعي�سى -عليه السالم -في أمور مهمة كالوجاهة
االجتماعية والثروة والتعليم ،ولذلك حصل على أتباع كثيرين من بين السكان غير اليهود.
فاملسيحية-اليهودية ،أي عقيدة حواريي عي�سى -عليه السالم -لم تكن لها أي فرصة للنهوض.
بعد ذلك ،تم�ضي بربارا براون في إلقاء نظرة عن قرب على كل البدع التي أدخلها بولس في
«ديانته» املسيحية كالتثليث والخطيئة وألوهية عي�سى -عليه السالم -وموته والخالص ..إلخ
ً
مدفونا تحت تعقيدات غامضة وغير لتنتهي إلى أن اإلسالم هو الدين الحق ،فهو دين بسيط ليس
منطقية من العقائد ،وليس في اإلسالم كهنوت وال قديسون وال مراتب دينية وال قرابين مقدسة.
إن الالهوت ال مكان له في اإلسالم ،ألن اإلسالم طريقة حياة وليس حفنة من الكلمات.
وهكذا يتضح أن اإلسالم هو الحل الناجع الذي ال مناص للبشرية املعذبة أن تأوي إلى كنفه،
طال الوقت أم قصر ،ألنه دين الفطرة السليمة لبني البشر ّ
يلبي حاجاتهم املادية الروحية ،ويجعل
ً
كل من قناعاتهم الداخلية وسلوكهم الظاهري في وضع مستقيم يتسق مع املنزلة السامية التي 148
كرمه ّ
وميزه بالعقل على بقية خلقه. وضع فيها الخالق العظيم سبحانه وتعالى اإلنسان بأن ّ
ً
انتشارا في العالم.. لذا هو الدين األسرع
برغم أنه أكثر األديان التي تتعرض للتشويه والهجوم..
فاإلنسان يدرك بفطرته السليمة أنه الدين الذي يرتضيه هللا له..
فارتضوا ألنفسكم ما ارتضاه هللا لكم..
أحبوا أنفسكم ..املؤوا قلوبكم باإليمان..
اسألوا هللا الهداية ..فباهلل نهتدي إلى هللا.
املصدر)29( :
األسرار السبعة
ديانة يلفها الغموض وتستند إلى أسرار ال يحق االطالع عليها إال لنفر من الناس..
ديانة يمسك بزمام أمرها نفر ّيدعون أنهم يقفون وسطاء بين هللا تعالى وعباده..
ال ّ
شك في أنها ديانة مشكوك في أمرها ال يؤمن بها إال غافل أو متغافل عن الحق مغلوب على
أمره ..أسرار النصرانية السبعة ضللت الكثيرين وتسببت في هداية آخرين من بينهم القس
املصري فوزي صبحي سمعان ابن النصرانية وخادم الكنيسة ،الذي استبدل التوحيد بالتثليث،
ً
واملسجد بالكنيسة ،والدعوة بالتنصير ،فضل عن تحوله من وسيط مزعوم بين هللا وعباده
ليخلصهم من خطاياهم إلى عابد مخلص يرجو الخالص لنفسه.
ّ منذ صغره أخذ أبواه يعمالن على تأهيله لكي يصبح ًّ
قسا يغسل ذنوب الناس ويخلصهم
من خطاياهم بسماعه العترافاتهم وفضائحهم وأسرارهم وخصوصياتهم ،لذلك ومنذ نعومة
ّ
ليتشبع بالعلم الكن�سي قس كنيسة «ماري جرجس» بمدينة الزقازيق أظفاره كان يقف خلف ّ
149 نصرانيا ً
مفيدا ملجتمعه ودينه. ًّ ً
خادما للكنيسة ،حتى يشب وليعمل
ً
مخلصا للكنيسة وكانت السعادة تغمر والديه وهما يريانه وبالفعل أصبح الفتى فوزي ً
خادما
يتبع القس كظله وهو يحمل كأس النبيذ الكبيرة ،أو دم املسيح كما يدعون ليسقي رواد الكنيسة
ولينال «بركات» القس التي يحلم بها كل بني جلدته.
في أحد األيام وداخل «كنيسة ماري جرجس» في مدينة الزقازيق املصرية انتفض الفتى فوزي
صبحي سمعان بشدة حينما استمع إلى صوت قسيس الكنيسة وهو يناجي املسيح« :يا ابن هللا
عاجزا عن تخليص ً يا مخلصنا وإلهنا» .تساءل في حيرة :كيف يمكن للمسيح أن يخلصنا إن كان
األسرارالسبعة
دخل فوزي الكنيسة تظلله عالمات االستفهام وتتقدمه الحيرة الشديدة ..زادت حيرته عندما
سمع القس يتحدث في ثقة مزيفة عن «أسرار الكنيسة السبعة» ..تساءل في استنكار ثم بدأ
يستعرض ما دفعه لهذا االستنكار :عن أي أسرار سبعة يتحدثون؟
يتمثل السر األول في «التعميد» ..ذلك الطقس الذي يغمس فيه الطفل في املاء داخل الكنيسة
ً
وتابعا للكنيسة! وهنا يتساءل فوزي في استنكار :إن كان نصرانيا ً
تابعا ليسوع املسيح ًّ فيصبح
ًّ
الطفل يولد فيجد أبويه نصرانيين فلماذا يحتاج إلى التعميد حتى يصبح نصرانيا؟!
يتمثل السر الثاني في «االعتراف» ..وفيه يجلس النصراني املذنب أمام نصراني أكبر منه رتبة
ليفضح نفسه ويعترف أمامه بتفاصيل املعا�صي التي ارتكبها ،ويضع األخير عصاه على رأسه،
ويتمتم بكلمات ال يكاد يسمعها غيره ليمنحه صك الغفران ..وهنا يتحدث فوزي عن حوار شائق
ً دار بينه وبين طبيب نصراني :إن كان القس يغفر لي فمن يغفر للقس؟ ّ
فرد عليه الطبيب قائل:
ً ً
البابا ..فسأله ثانية :ومن يغفر للبابا؟ رد عليه قائل :هللا! فسأله في استنكار :إذا ملاذا نحتاج إلى
وسيط؟ ملاذا ال نعترف هلل مباشرة ليغفر لنا؟! ملاذا ننشر خطايانا وعيوبنا أمام الناس وقد
سترها هللا علينا؟!
السر الثالث هو «الشرب من دم املسيح»!! حيث يأتي النصراني للقس بالنبيذ ليصلي عليه ومن
ثم يتحول حسب زعمهم إلى دم مبارك هو دم املسيح ،ليشربه النصراني في منتهى الخشوع!! وهنا
يتساءل فوزي في استنكار :إن كان املسيح هو املخلص فلماذا نشرب دمه؟ إذ يفترض أن نشرب
فقط من دماء األعداء!
150
يتمثل السر الرابع في ما يطلقون عليه «أكل لحم املسيح»!! قرابين يتم تصنيعها من الدقيق
يرتل عليها القس فتتحول إلى جزء من جسد املسيح ليأكلها النصارى!! عندما يقف الكاهن
أمام املائدة ويرفع يديه إلى السماء ،يستدعي الروح القدس فيأتي ويلمس القرابين فتتحول
إلى جسد املسيح!! جبريل -عليه السالم -وهو الروح القدس قيد إشارة الكاهن الذي يستطيع
أن يستدعيه في أي لحظة!!
وهنا يتساءل فوزي في استنكار :إن كان املسيح هو إلهنا فلماذا نأكل لحمه؟!
يقول رحمة هللا الهندي في كتابه «إظهار الحق» ،لو ّ
صح اعتقاد النصارى في أكل لحم املسيح
وشرب دمه ،لزم أن يكون النصارى أخبث من اليهود!
ألن اليهود آذوا املسيح وآملوه ّ
مرة واحدة ،ولم يأكلوا لحمه! أما النصارى فيؤملون إلههم املسيح
ويذبحونه ويأكلون لحمه ويشربون دمه كل يوم في شتى بقاع العالم! فإذا لم ينج من أيدي آكلي
لحوم البشر هؤالء إلههم الضعيف فمن ينج من بعده؟!
أما األسرار األخرى «األب واالبن والروح القدس» فهي خرافات ال يقبلها عقل سليم.
وبرغم صغر سنه كان يتعجب من فكرة الفداء ويتساءل في حيرة :كيف يمكن للسيد املسيح
افتداء لخطايا البشرية؟! وكيف يعذب شخص لذنوب ارتكبها غيره؟! ثم إذا كان ً أن يصلب
ً ً
املسيح هو هللا وابن هللا فلماذا لم يغفر تلك الخطايا بنفسه بدل من أن يقبل بوضعه معلقا على
الصليب؟! بل كيف يمكن أن يكون املسيح هو هللا وابن هللا في الوقت ذاته كما يزعمون أليس في
هذا مجافاة للمنطق؟! أسئلة كثيرة ملحاحة كانت تدور بذهنه بيد أن عقله الغض آنذاك لم يكن
ّ
قد وصل بعد درجة من النضج تمكنه من التشكيك في صحة حادثة الصلب املزعومة ،وهي من
األركان الرئيسية في عقيدة النصارى التي تم تحريفها بالكامل لخدمة أغراض دنيوية.
ّ ً
من ناحية ثانية لم يكن عقله الصغير مؤهل للخوض في دراسة األديان التي ستمكنه من فهم
ً
مكرها رحلته مع الحقائق على نحو واضح ..مع كل ذلك لم يجد أمامه من خيار سوى أن يواصل
ً
مرددا كالببغاء ما يلقنونه له من عبارات مبهمة ال يستسيغ النصرانية ،وأن يتبع القس كظله
نطقها وال يفهم معناها.
قسا يمنح الجميعً ،
كبارا مرت الشهور والسنون وتحقق حلم والدي فوزي إذ أصبح ابنهما ًّ
ً ً
وصغارا ونساء ورجل ،بركاته املزعومة ،حيث يجلس على كر�سي االعتراف ويستمع ألدق أسرار
حياتهم وفضائحهم ،ثم يجود عليهم بغفران الذنوب نيابة عن ّ
الرب! بينما يعجز هو عن االعتراف
بما يجول داخل نفسه من تساؤالت في النصرانية لو علم بها دهاقنتها ملارسوا عليه ما هو
151 أعظم من الصلب.
نفسيا ً
عنيفا ،إذ كانت التساؤالت ًّ ً
صراعا لقرابة العشرة أعوام ظل القس فوزي يعاني
الحائرة تحاصره من كل صوب وهي تساؤالت لم يجد لها إجابات مقنعة برغم دراسته لعلم
الالهوت وانخراطه في سلك الكهنوت ..حاول في استماتة أن يقنع نفسه بتلك اإلجابات الجاهزة
التي ابتدعها سلفه من األحبار قبل قرون عديدة ولقنوها لرجال دين مرتزقة حتى ّ
يردوا بها على
استفسارات العامة ،وإن كانت تجافي الحقيقة الساطعة وتتعارض مع املنطق السليم.
كثرت شكوكه في النصرانية وتراكمت ،بيد أن حرصه على مورد رزقه بالكنيسة كان يمنعه
من أن يجاهر بتلك الشكوك ،بينما أداؤه لوظيفته كان يفرض عليه أن ّ
يقدم للناس مواعظ دينية
األسرارالسبعة
هو غير مقتنع بها في األساس ،إلحساسه بأنها تقوم على غير أساس ،ولم يكن أمامه في ظل هذه
ّ الظروف العصيبة إال أن يعمل ًّ
سرا وفي حماسة على دراسة األديان األخرى عله يجد ما يبحث
عنه من إجابات.
ً
وبالفعل بدأ يقرأ بنهم العديد من الكتب اإلسالمية ،فضل عن اطالعه على القرآن الكريم..
انهمرت الدموع من عينيه عندما قرأ قوله تعالى:
الل ِه َق َ
َّ َ ُّ َ ََْ ْ ُ َّ ُ َ ْ َ َ ْ َ َ َ َ ْ َ ُ ْ َ َّ َ ْ َ َ َّ ُ َ
ال ون
اس ات ِخذو ِني وأ ِمي ِإلهي ِن ِمن د ِ
و ِإذ قال الله يا ِعي�سى ابن مريم أأنت قلت ِللن ِ
َ
�سي َول
َ ّ ْ ُ ْ ُ ُُْ ُ َ َ ْ َ ْ َ ُ َ َْ ُ َ َ ْ ُ ْ َ َ َ َ َ ُ ُ َ ْ َُ َ َ َْ َ
َسبحانك ما يكون ِلي أ َن أقول ما ليس ِلي ِبح ٍق ِإن كنت قلته فق َد ع ِلمته ت َعلم ما ِفي نف ِ
َّ َ
اع ُب ُدوا الله َر ِّبي أ ْع َل ُم َما في َن ْفس َك إ َّن َك أ ْن َت َع َّل ُم ْال ُغ ُيوب (َ )116ما ُق ْل ُت َل ُه ْم إ َّل َما أ َم ْر َتني به أن ْ
ِ ِِ ِ ِ ِ ِ ِ ِ
يب َع َل ْيه ْم َو َأ ْن َت َع َلى ُكلّ يدا َما ُد ْم ُت ِفيه ْم َف َل َّما َت َو َّف ْي َت ِني ُك ْن َت َأ ْن َت َِّ
الرق َ َو َر َّب ُك ْم َو ُك ْن ُت َع َل ْيه ْم َشه ً
ِ ِ ِ ِ ِ
يد ( )117املائدة �ش ْيء َشه ٌ َ
ٍ ِ
عندما قرأ «فوزي» هاتين اآليتين أحس بجسده يرتعش بشدة إذ وجدهما تشتمالن على
إجابات صادقة ومقنعة للعديد من األسئلة امللحاحة املحيرة التي لم يجد لها إجابات من قبل ..ثم
ً
توقف متأمل قوله تعالى:
َ ْ َ َّ َ َ َ َ َ َ َ َ ُ ْ ُ َ ُ َّ َ َ َ ُ َ ُ ُ َّ َ َ َ
ال ل ُه ك ْن ف َيكون ( )59آل عمراناب ثم ق
ِإن مثل ِعي�سى ِعند الل ِه كمث ِل آدم خلقه ِمن تر ٍ
انبهر بشدة عندما وجد أن القرآن الكريم يؤكد بشرية عي�سى -عليه السالمّ ،-
ويبين أنه نبي
مرسل لبني إسرائيل ،ومكلف رسالة محددة كغيره من الرسل ..إيضاحات ّ
جلية ومهمة ومقنعة لم
يقرأها في األناجيل املحرفة التي طاملا قرأها وطاملا قدم مضامينها كمواعظ لبني جنسه من العوام.
غيرت مسار حياته ً
تماما إذ وقفة مع النفس أتاحتها له فترة تجنيده ألداء الخدمة العسكرية ّ
قادته قدماه في أحد أيام تلك الفترة لدخول كنيسة في مدينة اإلسماعيلية ..فما أن دخل الكنيسة
حتى وجد نفسه ودون وعي منه يسجد سجود املسلمين ..بكى بحرقة حتى تذوق طعم الدمع في 152
حلقه ..أخذ يناجي ربه ويدعوه بأن يلهمه السداد ،ويهديه إلى الدين الحق ..عندما رفع رأسه من
السجود كان قد قرر اعتناق اإلسالم.
ً وقبل أن يغادر الكنيسة توقف أمام القسّ ،
ووجه له بعض التساؤالت ،وبدل من أن يجيب عن
ً ً
مستنكرا :هل تقرأ القرآن؟ فأجابه فوزي قائل :نعم! صرخ القس في وجهه كمن تساؤالته سأله
مس من الجنون :نحن فقط يسمح لنا بقراءة القرآن أما أنت والعامة من الناس فال يحق أصابه ّ
ً
مقارنا بين اإلسالم والنصرانية، لكم ذلك! خرج فوزي من الكنيسة ً
حانقا وأخذ يبحث في شغف
وبين األناجيل املحرفة والقرآن الكريم ،ولم يجد أمامه من ّبد سوى أن يشهر إسالمه بعد أن
توصل إلى أنه هو دين هللا الحنيف.
وخوفا من بطش أهله أشهر إسالمه ً ً
بعيدا عن قريته وأطلق على نفسه اسم «فوزي صبحي
عبدالرحمن املهدي» ..لكن ما أن علمت أسرته بخبر اعتناقه اإلسالم حتى عارضته بشدة
وأضمرت له العداء الصارخ ،وتكالب عليه إخوته الذين فجعوا في إسالمه واتخذوا ً
قرارا يق�ضي
بقتله بحجة عصيانه الرب وإهانته الكنيسة ..ساندتهم في ذلك الكنيسة كما وقف معهم بقية
الرعايا النصارى الذين تضايقوا من خبر إسالم القس الذي كان حتى وقت قريب يعترفون أمامه
بخطاياهم ..لم يهتم فوزي بمعارضة األهل والكنيسة بل أخذ يدعو ربه أن ينقذ والده وإخوته
ويهديهم إلى طريق اإلسالم ..لقد تألم بشدة ملوت والدته على دين النصرانية ..بيد أن العزاء جاءه
بإسالم والده وشقيقته.
ً
مدرسا للدين عندما علم فوزي بالتآمر عليه هرب من قريته فهيأ هللا له فرصة للعمل
اإلسالمي في مدارس منارات جدة باململكة العربية السعودية ..ووالده توفاه هللا تعالى بعد عام
ونصف العام من إسالمه ،بينما تزوجت شقيقته من شاب نصراني هداه هللا لإلسالم ،فاعتنقه
وصار داعية له ،وعمل ً
إماما ألحد املساجد بمدينة الدوحة بدولة قطر..
153
ولد أناتولي في مدينة باكو بأذربيجان ،ونشأ في صغره بين مطرقة أسرة نصرانية غير متدينة
شب أناتولي ً
ملحدا وسندان حكم شيوعي يرى أن الدين أفيون الشعوب .وبين هاتين املزدوجتين ّ
ينكر وجود هللا ويكفر بكل ما هو غيبي خارج حدود املادة ،وتربطه بالنصرانية فقط هويته التي
لم تجد لها ً
طريقا إلى قلبه برغم أنف قساوسة الكنيسة.
حينما التحق أناتولي باملدرسة كان يشعر بالضيق من أحاديث زمالئه من املسلمين حينما
يتحدثون في أمور الدين ..أحس زمالؤه بتضايقه منهم ثم علموا أنه شيوعي قح متزمت فتجنبوه 154
اتقاء لبطشه ..في املقابل حقد عليهم ً
حقدا تنامت جذوره بصورة طردية مع نموه. ً
عقب إكماله دراسته التحق أناتولي بالجيش ،وترقى في الرتب ،حتى بلغ رتبة لواء (جنرال)..
وطوال فترة خدمته بالجيش كان يضرب به املثل في الشيوعي املنضبط الذي يحفظ تعاليم
ماركس ويطبقها ربما أكثر من صاحبها ..وبرغم كفره بكل الديانات فإن حقده على اإلسالم كان
أشد وأنكى ،بل كم صرح عن رغبته في قتل كل مسلم تقع عليه عيناه.
ّ فرح ً
كثيرا عندما سنحت له الفرصة في تحويل رغبته املتوحشة تلك إلى واقع ملموس!! فكلف
قيادة القوات الروسية في جبهة قندهار بأفغانستان لردع املجاهدين األفغان الذين ثاروا على
الحكم الشيوعي في بالدهم املسلمة.
وصل الجنرال أناتولي إلى أفغانستان لتنفيذ مهمته الخطيرة ..وبالطبع لم يكن في حاجة إلى
توصية بضرورة سحق أولئك الذين رفضوا أفكار ماركس وتعاليم لينين ،ألن حقده الدفين
ً
مستخدما األسلحة الفتاكة ضد القديم على اإلسالم كان يكفي لجعله يرتكب املجازر الدامية
جماعات مسلحة بعدد قليل من البنادق وقدر عظيم من اإليمان.
عندما بدأ هذا الجنرال تنفيذ مهامه القتالية في أفغانستان كان يظنها ستكون سهلة وممتعة
كرحلة صيد في البرية ..لقد كان ينظر للمجاهدين األفغان كجماعة متخلفة يتشبث أفرادها
بأوهام غيبية عديمة املعنى ،بل كعصابة بدائية يعاف أفرادها التحضر واملدنية كما يعاف
اإلنسان البرص والجذام ..ما عزز من ثقته بهزيمتهم حقيقة أنهم ال يملكون سوى أسلحة تقليدية
بسيطة محدودة ال قدرة لها على الصمود في وجه أسلحته الفتاكة..
لكن!! ما أن بدأت املعارك حتى وجد أناتولي جيشه العرمرم ذا العدة والعتاد العظيمين يواجه
ً
رجال أشاوس يقاتلون بضراوة باهرة ويحرصون على املوت أكثر من حرصهم على الحياة..
سالحا ذا قوة مطلقة ال تصمد في وجهه ترسانة الدمار السوفيتية ّ
الفتاكة ،إنه سالح ً ويملكون
اإليمان وما أعظمه من سالح!! بل إن املوت والشهادة في سبيل هللا أسمى أمانيهم.
فجع الجنرال أناتولي بمرأى قواته وهي تنال الهزيمة تلو األخرى من قبل فصائل املجاهدين
قليلي العدد والعتاد ..وجد نفسه يعيش في حالة من الهلع والحيرة أمام النتائج غير املنطقية التي
تلوح أمامه؛ فبالحسابات البسيطة -وهو الرجل املادي والخبير العسكري -ما كان يتوقع أن
يصمد أمامه عدوه سوى لحظات قالئل..
ومما زاد من حيرته ثبات األسرى الذين لم يزدهم التعذيب الوح�شي الذي تلقوه من قبل
جنوده -وبأمر منه -إال ً
ثباتا على الحق وصالبة في مواجهة الباطل.
155
نتائج معاركه غير املنطقية هذه جعلت تفكيره ينحو منحى آخر غير مادي ،إذ أحس بأن هناك
قوى غيبية تحرس انتصار األفغان وتقف وراء انتصارهم..
هزائمه األخيرة التي تلقاها من املجاهدين األفغان أيقظت فطرته السليمة فقرر مجالسة
سرهم الخطير ّ
املحير! بعض األسرى لعله يكتشف ّ
احتار الحاجب حينما طلب منه الجنرال أن يأتيه ببعض األسرى وهو الشيوعي امللحد
الذي كان يعاف املسلمين بشدة بل زادت حيرته -أي الحاجب -حينما طلب منه أن يقدم لهم
الطعام والشاي!
الجنرال املؤذن
املتكبر والطاغية املتوحش وهو يجالسهم ويتحدث معهم بلطف ّ تفاجأ األسرى بالجنرال
يأت من بالده إال ليحاربه ..في
ومودة ويسألهم العديد من األسئلة عن الدين اإلسالمي الذي لم ِ
ّ حضرة املشهد الباهر ّ
املحير ن�سي األسرى معاناتهم فسألوا هللا تعالى الهداية للجنرال جلدهم
ً
السابق وجليسهم الحالي ..حدثوه عن اإلسالم حديثا يلين القلب ويقنع العقل..
كثيرا بحديثهم وبدأ يشك في صدقية أفكار ماركس ولينين ..بل أصبح غير مقتنع بالحرب تأثر ً
التي تخوضها بالده ضد أناس أبرياء ..وبرغم ذلك استمر في تنفيذ ما يتلقاه من تعليمات وأوامر
منهم ولكن ليس بنفس حماسته السابقة.
شعر أناتولي براحة كبيرة عندما قررت حكومته االنسحاب من الحرب بعد الهزائم الفادحة
التي منيت بها من قبل املجاهدين األفغان ..عاد إلى باكو تتقدمه طالئع الهموم وتظلله سحب
الحيرة بعد أن زلزل كيانه حتى املخيخ صراع نف�سي رهيب.
ً
مستنجدا بزوجته وابنته وابنه عساهم يساعدونه في التخلص عاد الجنرال إلى أسرته الصغيرة
ً
جاهدا البحث في باكو عن معين يرشده إلى الحقيقة بين دعاة املسلمين.. من اضطراباته ..حاول
فشل في مساعيه ألن منصبه العسكري الرفيع جعل الجميع يعيشون وسط دوامة من الشك
مدسوسا عليهم من قبل السلطات الشيوعية التي تطاردً مردها خشيتهم أن يكونوالخوف ّ
الدعاة أينما وجدوا وتهدم املساجد على رؤوس املصلين.
لكن فجأة وعلى غير توقع منه وجد ضالته املنشودة حينما تم نقله إلى «ملا آتا» ..لقد تعرف
هناك إلى الداعية اإلسالمي الشيخ محمد حسين الذي غمر روحه املتعطشة للحقيقة باإلجابات
الشافية لكل تساؤالته ّ
املحيرة العنيدة حتى اقتنع بالدين القويم ..لكن برغم اقتناعه باعتناق
اإلسالم فإن الحظوظ الدنيوية جعلته يركن إلى التردد لعدة أسابيع؛ إذ كان ً
خائفا على فقدانه
ً
منصبه الكبير ،فضل عن أن أصدقاءه نصحوه بتجنب ضربات الويل والثبور التي سوف يصليه
156
بها قادة النظام الشيوعي.
وفي صبيحة يوم مشرق غير عادي استيقظ أناتولي من نومه وقد وصل إلى قناعة تامة في
اتخاذه لقراره املصيري الصائب ،فضرب بنصيحة زمالئه عرض الحائط ،وتوجه إلى الشيخ
محمد حسين في اإلدارة الدينية حيث نطق أمامه بالشهادتين واختار أن يتسمى باسم «علي»..
عقب إعالنه إلسالمه قفل ً
عائدا إلى أسرته تتقدمه طالئع الفرح بيد أن أسرته استقبلته
بوجوم كاد يفسد بهجته ..نعم قلقت أسرته باعتناقه اإلسالم ،غير أن قلقها ازداد واختلط
بالتعجب حينما رأته يتحول من جنرال كبير إلى مؤذن للمسجد.
بعدها اجتهد «علي» غاية االجتهاد في سبيل إقناع زوجته وأوالده باعتناق اإلسالم ،وكان
له ما أراد إذ شاء هللا تعالى أن يعتنق أفراد أسرته الثالثة اإلسالم لتكتمل فرحة األسرة
الصغيرة بإيمانها العظيم.
لإلملام بتعاليم دينه أخذ «علي» يتلقى دراسات إسالمية متخصصة على أيدي عدد من املشايخ،
ّ
ومن ثم أخذ يعلم هذه التعاليم لزوجته وأوالده.
ونختتم هذه القصة باإلشارة إلى أن أسرة علي الصغيرة غمرتها السعادة مرتين :املرة األولى
عندما اعتنق كل أفرادها اإلسالم ،واملرة الثانية عندما سقط النظام الشيوعي امللحد وعادت
القيم األصيلة إلى بلدهم الحبيب جمهورية أذربيجان اإلسالمية.
ًّ
عسكريا في أفغانستان.. نعم ..لقد انهزم الجنرال
لكنه الفائز من الخسارة..
الفائز باإليمان ..وما أعظمه من فوز..
فسبحان من ّ
يلين قلوب العصاة الجبابرة!!..
أالن قلوبهم ..وما أنت بجبار مثلهم ..فلين قلبك أيسر وأقرب..
فقط توجه إليه ..افتح قلبك للنور..
اسأل هللا الهداية ..فباهلل نهتدي إلى هللا.
157
املصادر)29( - )26( - )4( - )1( :
الجنرال املؤذن
الخطر اآلمن!
كاف..
مجرد االقتراب من اإلسالمٍ .. ّ
مجرد االطالع على حقيقته بموضوعية ..كفيل باإليمان والوصول إلى هللا..ّ
ّ ّ
مجرد قراءة بعض آيات القرآن ..يحلق بقلب اإلنسان وروحه في سماء السعادة الحقيقية..
قد يدعمه وينشره من يخطط لتشويهه ومحاربته ..من حيث ال يحتسب ..ودون أن يدري..
إنه نور الحق ..نور هللا..
يستوي في ذلك الفقير وأغنى األغنياء ..الجاهل وأكبر العلماء ..املحكوم البسيط والسيا�سي املخضرم!!
إنه اإلسالم وكفى ..الدين الحق..
تأملوا قصة سيا�سي ضليع وحقوقي أمريكي من العيار الثقيل ..يتقن ست لغات ّ
حية ..تابع ّ
ضمت كوكبة من قادة الفكر اإلسالمي في وبأمر من حكومته ندوات ومؤتمرات عن اإلسالم ّ
158
العالم ..تأثر ً
كثيرا بما سمعه عن اإلسالم الذي يدعو إلى مكارم األخالق ..تذكر أن اإلحصاءات
في بالده تشير إلى أن قرابة ثلث أطفال أمريكا ينشؤون يتامى أو لقطاء نتيجة التفكك األسري
والتدهور األخالقي ..انشرح قلبه لإلسالم فاعتنقه في عام ّ 1980
وسمى نفسه (فاروق عبدالحق)
ً
تيمنا بالفاروق عمر بن الخطاب ..إنه الدكتور روبرت كرين ،مستشار الرئيس األمريكي نيكسون،
لتعرف قصة إسالمه ولكن ونائب مدير مجلس األمن القومي في البيت األبيض ً
سابقا ،ندعوكم ّ
نعرفكم به كشخصية أمريكية بارزة.قبل ذلك ّ
يعتبر الدكتور روبرت كرين أحد كبار الخبراء السياسيين في أمريكا ،وهو حاصل على دكتوراه
في القانون وأخرى في القانون الدولي املقارن ..عقب حصوله على شهادة املاجستير في األنظمة
القانونية املقارنة من جامعة هارفارد ،أسس كرين صحيفة «هارفارد» للقانون الدولي ثم تم
تعيينه كأول رئيس لجمعية هارفارد للقانون الدولي ..بعدها قام بتأسيس مركز الحضارة
والتجديد في أمريكا ،كما عمل ملدة عشر سنوات في املراكز االستشارية لصناع السياسة في
واشنطن ..يتقن ست لغات حية وقد نشر عشرة كتب وخمسين مقالة اختصاصية حول األنظمة
القانونية املقارنة واالستراتيجية العاملية وإدارة املعلومات.
في عام 1962م شارك الدكتور كرين في تأسيس مركز الدراسات االستراتيجية الدولية..
وبعدها بعام كتب مقالة تتحدث عن كل من روسيا وأمريكا ..وعندما قرأ الرئيس األمريكي
ّ
نيكسون وهو في الطائرة الرئاسية مقال الدكتور كرين ،استدعاه وكلفه إعداد كتاب يتحدث عن
السياسة الخارجية األمريكية وعن الفكر الشيوعي الذي كان في أوج ّ
توهجه ..بعد فترة ليست
بالطويلة ونتيجة لكتابه الذي وجد هوى وسط صناع القرار األمريكي وعلى رأسهم الرئيس
ً
مستشارا للشؤون الخارجية. ريتشارد نيكسون تم تعيين الدكتور كرين
وعندما استلم هنري كيسنجر وزارة الخارجية في عام 1969أنهى عمل الدكتور روبرت كرين
بسبب ذات الكتاب العجيب الذي أدى إلى تعيينه في املنصب الذي عزل عنه! فقد تضمن الكتاب
ومقترحا لتشكيل دولتين يهودية وفلسطينية وكان كيسنجر ضدً ً
موضوعا حول فلسطين،
هذا املقترح ..حاملا ُعزل الدكتور كرين عن منصبه كمستشار للشؤون الخارجية عينه الرئيس
نيكسون ً
نائبا ملدير مجلس األمن القومي في البيت األبيض.
في عام 1980كلف نيكسون الدكتور كرين بمهمة تلخيص مجموعة من تقارير املخابرات
ً األمريكية الخاصة باألصولية اإلسالمية كان قد طلبها منهم ..استلم روبرت ً
ملفا كامل عن
اإلسالم إلى جانب عدد كبير من التقارير والبحوث السرية الدقيقة حول املوضوع ذاته ..وعلى
الرغم من أن التقارير كتبت بأيدي املخابرات األمريكية وليست بأيدي مسلمين فقد تركت ً
أثرا
ً
159 بالغا في نفس روبرت وحركت في دواخله الكثير من األحاسيس املتعلقة بالبحث عن الحق ..لقد
كانت أحاسيس صادقة لكنها وإن بدت خامدة في ظاهرها إال أنها كانت كالنار الخفية التي تستعر
تحت الرماد.
في العام ذاته وفور انتصار الثورة اإلسالمية في إيران ،ازداد اهتمام الحكومات الغربية
باإلسالم إذ شعروا بخطورة تهديده الخطير اآلتي من الشرق ..شرع حينها مفكرو الغرب وساسته
في عقد الندوات واملؤتمرات التي تتحدث عن اإلسالم..
تابع الدكتور روبرت كرين ،وبأمر من حكومته الندوات واملؤتمرات التي تحدث فيها عن
اإلسالم عدد من قادة الفكر اإلسالمي ،ومن بينهم املفكر السوداني الدكتور حسن الترابي الذي
الخطراآلمن!
شرح اإلسالم ً
مرارا في أحد هذه املؤتمرات ..تأثر روبرت كرين ً
كثيرا بما سمعه عن اإلسالم وكان
من قبلها قد تأثر بما كتبته عنه املخابرات األمريكية ..وعندما رأى كرين الدكتور الترابي نفسه
يسجد في إحدى صلواته اعتقد في البدء أن في ذلك إهانة له وإلنسانيته ولكنه أدرك ً
الحقا أن
الدكتور حسن الترابي كان ينحني هلل ويسجد له على الرغم من علمه الغزير وثقافته الواسعة..
عندها فقط تيقن بطل قصتنا أن هذا هو ما يجب أن يكون عليه حال اإلنسان مع هللا ،وأن على
عز ّ
وجل. اإلنسان أن يتنازل عن كبريائه ويخضع هلل ّ
في العاصمة السورية التقى الدكتور كرين الفيلسوف والكاتب الفرن�سي الشهير البروفيسور
روجيه غارودي ،الذي اعتنق اإلسالم هو اآلخر في مطلع الثمانينيات ،وكتب عدة مؤلفات تتحدث
عن اإلسالم ..أعجب الدكتور روبرت كرين بأفكار البروفيسور روجيه غارودي فوجد نفسه
ً
منجذبا نحو اإلسالم ،كما وصل إلى قناعة تامة مفادها أن اإلسالم فيه الحل الشافي والوحيد
لكل مشكالت األفراد واملجتمعات.
عقب حضوره تلك املؤتمرات والندوات التي تم تنظيمها للحديث عن اإلسالم ،بدأ الدكتور
كرين يقرأ بشغف عن اإلسالم ..تأكد له ً
تماما أن الدين اإلسالمي هو الرسالة اإللهية الخالدة التي
تغمر الكون بالعدل وتكرم اإلنسان وتعلمه وتهديه إلى جملة من الفضائل السامية التي توجب
ّ
املحبة والتراحم والتسامح وكف األذى عن الناس ،وتحذر من القتل والفجور ،كما تناهض
الظلم واالستبداد..
وما جعل الدكتور كرين يستوعب القيم اإلسالمية على نحو أعمق متابعته للقضايا السياسية
واالجتماعية األمريكية داخل البيت األبيض ،إذ كانت اإلحصاءات أمامه تشير إلى أن قرابة أطفال
أمريكا ينشؤون يتامى أو لقطاء نتيجة التفكك األسري والتدهور األخالقي ،وقد كان يستشهد
بقول الرئيس نيكسون« :بلدنا قد يكون ًّ
غنيا بالثروة ولكننا فقراء في الروح ،فالجرائم متزايدة
والعنف متصاعد واالنقسامات العرقية نامية والفقر وآفة املخدرات مستشريان». 160
ونختتم هذه القصة باإلشارة إلى أن بطلها الذي حصل على الدكتوراه في القانون من جامعة
هارفارد عام 1959التحق في عام 1995بكلية الدعوة اإلسالمية بجامع أبي النور التابع ملجمع
دل على �شيء فإنما يدل علىالشيخ كفتارو بدمشق لدراسة الشريعة اإلسالمية ..وهو أمر إن ّ
حرص تام من الدكتور فاروق على التعمق في دراسة العلوم اإلسالمية كما يؤكد حقيقة أنه
اكتسب من عظمة اإلسالم تواضع العلماء.
ْ َ َّ َ َ ْ َ َّ َ ًّ
�شى الله ِم ْن ِع َب ِاد ِه ال ُعل َم ُاء».. حقا«ِ ..إنما يخ
اعتاد فاروق على طلب العلم ..البحث وتق�صي الحقائق ..االنتباه إلى املفكرين وحضور
املؤتمرات والندوات ..فسطع الحق في قلبه وعقله دون كثير عناء ..فالحق ساطع أكثر من سطوع
الشمس في كبد السماء ..فكيف ال يراه أصحاب البصائر والفطر السليمة؟!!
161 قبل أن ينتهي االختبارُ ..ويرفع االختيار ..وال أفلح بعد ذلك من ندم!!
اسألوا هللا الهداية ..فباهلل نهتدي إلى هللا.
ولد في أثيوبيا ألب يهودي وأم نصــرانية ..درس في صباه الباكر التوراة واإلنجيــل ،واختار أن
نصرانيا كأمه ..لم يكن اختياره ً
نابعا عن قناعة بالديانة النصرانية ،ولكن لألفضلية التي ًّ يصير
يحظى بها أتباع هذه العقيـدة في بالده التي تعد أحد معاقل النصرانية في أفريقيا ..نال ثقة الكنيسة
فيما يقوم به من نشاط في حركات التبشير والتنصير حتى وصل إلى أعلى املراتب الكنسية..
داخله الشك في النصرانية عندما وقع تحت يده كتاب يتضمن تفاسير قرآنية باللغة األمهرية.. 162
يكن العداوة لإلسالم إلى داعية إسالمي أخاف مجلس الكنائس اعتنق اإلسالم وتحول من مبشر ّ
العالمي ..دبرت له العديد من املؤامرات لقتله ..عندما خاب سعيهم أرسلوا له حسناء مصابة
سببا في وفاته ودفن بمكة املكرمة وسبقته زوجته التي نقل لها بمرض اإليدز فتزوجها فكانت ً
املرض ..إنه القس األثيوبي السابق ملقاه فقادو الداعية اإلسالمي الشهيد محمد سـعيد.
عندما شب ملقاه عن الطوق وجد نفسه يعيش في دوامة من الحيرة فيما تعلق بالديانة التي
يعتنقها ..فهو لم يجد نفسه في التوراة وال في اإلنجيـل ،إذ رأى في األولى مجموعة من األقاصيص
واألساطير التي عمد الكهان واألحبار إلى حشوها بكل ما هو غريب بعد أن حرفوا الكلم عن
مواضعه ،فلم يتقبل عقله ما تحويه التوراة املحرفة من خرافات وأباطيل ،فتركها ً
جانبا وتحول
ً
إلى دراسة اإلنجيل ،ولم يكن أحسن حال من سابقه ،حيث وجد الكثير من التناقضات الجلية
الواضحة بين نصوص األناجيل األربعة ،كما اتضح له أن النصرانية ال تقدم تفسـ ًـيرا للحياة
والكون وال تعمل على تنظيم عالقة راشدة واضحة ملعتنقيها في شؤون الدنيا واآلخرة ،األمر
الذي جعله يوقن بأن األناجيل ليست الكتاب املنزل على عيسـى -عليه السالم ،-أما اإلسالم فلم
يحاول «ملقاه» ألبتة دراسته حتى هذه املرحلة ،ألن الدعاية الكنسية القوية واملؤثرة ّ
صورته له
على أنه دين أكثر شعوب األرض ً
تخلفا ،كما ظلت تنسـب العديد من االفتراءات واألكاذيب إليه
وإلى املسلمين ،لذلك ظل «ملقاه» ومنذ صغره يبغض اإلسالم بشدة.
عندما بلغ مبلغ الرجال بدأ بطل قصتنا يبحث له عن مهنة تليق بمستوى أسرته االجتماعي
ويوفر له دخلها حياة مرفهة تجعله يحيى في رغد من العيش ..بعد بحث طويل وتفكير عميق وجد
ضالته املنشودة في السلك الكن�سي ،حيث االحترام الوافر واملرتب الكبير والسـيارة الفارهة..
المعا يشار إليه بالبنان فوجد نفسهقسيسـا ً
ً ولم يمر وقت طويل حتى أصبح الشاب «ملقاه»
ً
يتمتع بمركز اجتماعي مميز كما وجد عامة الناس يبجلونه ويقبلون يديه فضل عن مناداتهم
له بلقب «أبانا».
استمر عمل ملقاه في الكنيسة ملدة ست سنوات ،اجتهد خاللها في الدعوة إلى النصرانية في
حماسة منقطعة النظير ،خاصة أنه كان يتمتع بمميزات عدة ،حيث الراتب السخي والسكن
األنيق والسيارة الفاخرة في بلد يعاني معظم أهله وطأة الفقر املدقع ،بل إن الكثيرين منهم
جوعا ..وطوال فترة عمله بالكنيسة ظل بطل قصتنا يعمل بجد وإخالص حتى كسب يموتون ً
ثقة الكنيسة بنشاطه التنصيري املخلص فرضيت عنه وأوصلته إلى أعلى مراتبها وأصبح أحد
قادتها ،بل استحوذ على ثقة كبار القساوسة ما دفعهم إلى تحميله املزيد من املسؤوليات الكبرى
في مجال التنصير..
كان ملقاه يعشق القراءة واالطالع ،فما أن يقع بصره على كتاب يتحدث عن اإلنجيل إال
163 وقرأه ..في إحدى جلساته للقراءة تفاجأ بكتب إنجيلية مترجمة تتحدث عن الدين اإلسالمي
ً ً
عجيبا مفاده :هل اإلسالم دين سماوي أم ال؟! وتطرح سؤال
عندما وصل إلى هذه النقطة بدأ يعيد طرح السؤال على نفسه لعدة مرات!!
بعد مرور أيام قليلة واتته الفرصة ليطلع على كتاب للتفاسـير القرآنيـة كتب باللغة األمهرية!
غيرت مساره مئة وثمانين درجة ..في البدء بدأ يقارن مثلت هذه الواقعة نقطة فارقة في حياته بل ّ
بين ما وجده في الكتاب األخير وما قرأه ً
سابقا في الترجمـات اإلنجيــلية عن دين محمد..
أخذ الشك في الكنيسة يتغلغل داخل نفسه وبدأ يشعر بالتحريف الهائل الذي أحدثته
السؤال العجيب!
الكتابات املغرضة ضد الدين اإلسـالمي ..لكن وعلى الرغم من الشكوك التي بدأت تساوره حول
الكنيسة ظل بطل قصتنا يعمل بجد وإخالص في خدمتها والدعوة ملعتقداتها حتى كانت تلك الليلة!
ً
رجال يقترب منه في املنام ويوقظه ً
هاتفا به أن يقرأ شهادتي: في ليلة ال تن�سى رأى ملقاه في منامه
الص َم ُد (َ )2ل ْم َيلدْ َّ
الل ُه َّ ٌ َ ُ ْ ُ َ َّ ُ َ
ِ «ال إله إال هللا ،محمد رسول هللا» ،وسورة اإلخالص :قل هو الله أحد ()1
فزعا وقد روعته تلك الرؤيا الغريبة التي ول ْد (َ )3و َل ْم َي ُك ْن َل ُه ُك ُف ًوا َأ َح ٌد ( ..)4فقام من نومه ً
ََْ ُ َ
ولم ي
لم يستوعبها ،ففسرها بفهمه القاصر على أنها ضغث من أضغاث الشيطان..
ً ً
تكررت الرؤيا لليلتين أخريين ،بل رأى في الليلة الثالثة نورا ي�ضيء أمامه الطريق ورجل يقرئه
الشهادتين وسورة اإلخالص ،فأدرك على الفور أن هذه رؤيا حق وليست من عمل شيطان رجيم
كما كان يتوهم ،ألنه شعر بالنور الذي أضاء طريقه في الرؤيا قد تسرب في وجدانه وأنار بصيرته
فتوصل إلى يقين تام مفاده أن اإلسالم هو الدين الحق وما دونه باطل..
ً يطل التفكير ًُ
مطلعا على اإلشارات العديدة كثيرا بملقاه ألنه وبحكم دراسته الالهوتية كان لم
التي بشرت برسالة محمد -صلى هللا عليه وسلم ،-األمر الذي جعله يشهر إسالمه عن قناعة
راسخة ..بل استطاع دون كبير عناء إدخال زوج ــته وأطفاله الثالثة في اإلسالم ..وكان أول ما
ً
معتبرا ذلك اليوم يوم ميالده فعله «ملقاه» عقب إشهاره إلسـالمه تغيير اسمه إلى «محمد سعيد»
الحقيقي ش ً
ـاكرا هللا تعالى على ما أنعم به عليه من نعمة اإلسالم وما أعظمها من نعمة.
عقب إشهاره إلسالمه عكف محمد سعيد على إعداد دراسة تبين األسباب التي دفعته إلى
ً
اعتناق اإلسالم مسلطا الضوء في تلك الدراسة على حقيقة املعلومات الخطأ حوله التي تشتمل
عليها الكتب اإلنجيلية ،بعدها أورد الحقائق الثابتة التي تفضح زيف تلك الكتابات ومن ثم رفعها
إلى املجلس اإلسالمي األعلى في أديس أبابا.
بالطبع كشرت الكنيسة عن أنيابها لذلك القس الذي فضحها بعد أن عاش بداخلها ً
ردحا
164
تكتف الكنيسة بحرمانه من االمتيازات
ِ من الزمن ليس بالقصير بحساب كشف املستور ..لم
راق وسيارة فاخرة وراتب ضخم وغير ذلك ،بل اجتهدت بجد حتى التي كان ينعم بها من مســكن ٍ
ً ً
أدخلته الســجن ليلقى صنوفا وألوانا من التعذيب في محاولة لرده عن إيمانه وحتى يكون عبرة
وعظة لكل من يفكر مجرد التفكير في ترك النصرانية وااللتحاق بركب اإلسالم ..نعم تحرك
كبار القساوسة بسرعة وحركوا أذنابهم في السلطة الشيــوعية َّإبان عهد «منجستو هايلي مريام»
فسلطوا عليه أجهزة األمن التي قامت باعتقاله ،وحبسته داخل السجن ملدة ثالثة أشهر بال ذنب
جناه سوى أنه اعتنق اإلسالم وتخلى عن املسيحية.
عقب خروجه من السجن فكر محمد سعيد في االستفادة من عالقاته الشـخصية فنجح في
إدخال قرابة ثالثمئة شخص جديد لدين اإلسالم ..وكرد فعل لنشاطه الدعوي املخيف الذي
وهز أركان الكنيسة قام األسقف «كارلويوس» رئيس القساوسة أقض مضاجع القساوسة ّ ّ
برشوة أجهزة القمع في نظام «منجستو» الديكتاتوري ،ليجد محمد سعيد نفسه ثانية داخل
السجن بل انتابه اإلحساس بأنه لن يرى الشمس مرة أخرى ،خاصة أن الكنسيين مستمرون في
مالحقته بشكل عنيد ..لكن وبفضل من هللا تعالى حصل املسلم الجديد على إفراج لم يكن يتوقعه
وال حتى في عالم األحالم!! حدث ذلك خالل زيارة قام بها الدكتور «عبدهللا عمر نصيف» األمين
العام لرابطة العالم اإلسالمي ألثيوبيا حيث التقى الرئيـس األثيوبي السـابق «منجستو» وطلب
منه اإلفراج عن محمد سعيد ،فاستجاب لطلبه بحول هللا وقوته.
دخل في هدنة مؤقتة مع الكنيسة عقب إفراجه األخير إذ لم تالحقه لفترة من الزمن فقد
نفعا فرأت أن تغض الطرف عنه حتى ال يتحول إلى وجدت أن وسائل التعذيب ال تجدي معه ً
رمز من رموز اإلسالم في أثيوبيا وقدوة تدفع الكثيرين من رعايا الكنيسة إلى ترك النصرانية
واعتناق اإلسالم.
ً
تصميما على إيصال دعوة الحق إلى غيره، خرج «محمد سعيد» من السجن أقوى ً
إيمانا وأشد
ولتأهيل نفسه كداعية إسالمي مؤثر ظل محمد سعيد يق�ضي معظم وقته في حفظ القرآن
الكريم ودراسة العلوم اإلسالمية ،على الرغم من املشقة الكبيرة التي كانت تواجهه باعتباره
من الناطقين بغير اللغة العربية ،وهنا تجدر اإلشارة إلى أن «محمد سعيد» استفاد من دراسته
العميقة للتوراة واإلنجيل في استـكشاف الكثير من أوجه اإلعجاز القرآني ،وأنه بحكم عمله
السابق كقـس كان يدرك ً
تماما األساليب غير السوية التي تلجأ إليها جماعات التنصير من أجل
جذب الفقراء واملحتاجين من املسلمين إلى الديانة النصرانية ،إذ يستغلون حالة الفقر التي
ودهم ومن ثم يسيطرون على عقولهم وتعليميا ليكسبوا ّ
ًّ ًّ
وصحيا يعيشون فيها فيدعمونهم ًّ
ماديا
ويقنعونهم بأن خالصهم في الدنيا واآلخرة في الديانة النصرانية.
165
فجأة ودونما سابق إنذار انتهت الهدنة بين الكنيسة ومحمد سعيد! فعندما شعرت الكنيسة
بازدياد خطر األخير عليها لعلمه بأساليبها غير السوية في مجال التنصير ولعلمهم بأساليبه الفعالة
في دفع املسيحيين إلى اعتناق اإلسالم بدؤوا التفكير مرة أخرى من التخلص منه إلى األبد ..وما
أن فطن بطل قصتنا إلى التآمر الجديد حتى أخطر مكتــب رابطة العالم اإلسالمي بأثيوبيا الذي
قام وبالتنسيق مع األمانة العامة للرابطة بمــكة املكرمة بمنحه تأشيرة دخول إلى اململكة العربية
السعودية إلبعاده عن مضايقات رجال الكنيسة من جهة ولتعليمه مبادئ اإلسالم في مهبط
الوحي من جهة أخرىً ..
ونظرا إلى عدم إملامه باللغة العربية تم إلحاقه بمعهد اللغة العربية التابع
لجامعة أم القرى بمنحة من الرابطة ،كما تم تأمين سكن مناسب له وألسرته بمكة املكرمة،
ً ً
السؤال العجيب!
ونظرا إلى حدة ذكائه استطاع محمد سعيد فضل عن تخصيص راتب شهري له يليق بمكانته..
أن يتعلم أساسيات اللغة العربية في وقت قيا�سي إلى جانب تعمقه في دراسة العلوم اإلسالمية.
لكن برغم مغادرته األرا�ضي األثيوبية وانتقاله إلى اململكة العربية السعودية لم يتركه أعداؤه
من النصارى إذ أرسلوا له ابـنة راعي الكنيسة قادمة من أثيوبيا وهي شابة حسناء ،أتته باكية
وتدعي أن أفراد أسرتها وعلى رأسهم أبوها يريدون قتلها لعلمهم بأنها تنوي اعتناق تستنجد به ّ
الدين اإلســالمي وهي قد جاءته إلنقاذها وطلبت منه أن يتزوجها ويعلمها اإلسالم ..وبالفعل
تزوجها وأسـكنها في جدة بينما زوجته األولى كانت تسكن معه في مكة املكرمة ..لم يكن يدري
محمد سعيد أن قصة الفتاة الشابة ما هي إال امتداد ملؤامرات الكنيسة التي أرسلت له حسناء
مصابة بمرض اإليدز فانتقلت إليه العدوى ونقلها بدوره -دون أن يدري -إلى زوجته األولى ..وملا
أدركت الحسناء األثيوبية نجاح مهمتها عادت ً
هربا إلى أثيوبيا تاركة وراءها املرض الخطير يسري
في جسد محمد سـعيد وزوجته التي توفيت بعد عدة أشهر بينما هزل جســمه هو وضعفت قوته
حتى توفي ودفن بمكة املكرمة.
166
قلبه ال يقبل عقيدة فاسدة يشعر أنها ال تعبر عن ربه ..ينتظر العقل كي يؤيد القلب..
عندها ال تقف قوة في األرض أمام إيمانه باهلل..
هذا ما ينطبق على قصتنا ..بطلتها منذ صغرها وهي تؤمن باهلل ..عندما كبرت ودرست الكتاب
عز ّ
وجل الواردة في الكتاب املقدس اعتراها قدر مهول من التشويش ..تفاجأت بأن صفات هللا ّ
املقدس ال تتسق ألبتة مع عظمته التي عرفتها بالفطرة ..بل وجدت أن تصورها للدين يتناقض
167 قدر لها أن تتزوج برجل مسلم وأن تتواصل مع زوجات تماما مع التعاليم األساسية للكنيسةّ ..
ً
أصدقائه املسلمات؛ فشرح هللا صدرها لإلسالم ..إنها النرويجية شهيدة زنابي تحدثنا بنفسها في
الفقرات التالية عن قصة اعتناقها اإلسالم:
منذ أن كنت صغيرة ،وأنا أؤمن باهلل ..أذكر أن أمي كانت تصلي ألجلنا -نحن أطفالها -على
مقربة من سريرنا كل ليلة ..ما كانت تفعله أمي معنا عزز في دواخلي حقيقة وجود هللا ،األمر
الذي جعلني أتساءل على الدوام :كيف يمكنني أن أفعل ما يريده هللا حتى أحظى بالقبول في الجنة.
ّ
عندما بلغت الثانية عشرة من عمري ،بدأت أدرس الكتاب املقدس وكلي أمل في أن أجد
تساؤالت صليبية
الهداية ،بيد أن أملي خاب ألن الكلمات املنسوبة إلى هللا في ذلك الكتاب لم تشعرني بالقرب منه
أبدا ..في الحقيقة لم أستطع أن أقبل فكرة أن يدع إله «ابنه» يموت على الصليب بغرض إنقاذ ً
البشر! وتساءلت في استنكار :إن كان هللا هو الفعال ملا يريد ،أليس بوسعه أن يسامح البشر دون
تامة ال تتزعزع مفادها أنلدي قناعة ّ
ترتيبات كتلك املذكورة في الكتاب املقدس؟! بحق كانت ّ
املسيح رجل حكيم وهبه هللا العلم والرشد وليس ً
إلها ،ألن هللا ال ينبغي له أن يتخذ شكل البشر..
من ناحية ثانية تساءلت :لم يولد كل البشر آثمين كما يزعم الكتاب ّ
املقدس؟ ثم تساءلت :ما معنى
التثليث؟ وكيف يمكن ألحد -مهما بلغ من العلم -أن يقول إن اإلنجيل والتوراة يمثالن كالم هللا،
بينما كما هو واضح أنهما مجرد كتابة من صنع البشر ال أكثر وال أقل؟
عندما بلغت السابعة عشرة من عمري ،غادرت منزل أسرتي والتحقت بمدرسة مسيحية..
كنت أعتقد أنني لو قطنت مع مسيحيين سأفهم الدين على نحو أفضل .في الحقيقة وجدت
ً
فيهم الكثير من األمور اإليجابية كالصحبة الجيدة ،والحفالت الخالية من الكحول ،فضل عن
بعضا ..وعندما أخبرتهم عن شكوكي في النصرانية أجابوني بأنتسامحهم واهتمامهم ببعضهم ً
ذلك ما هو إال جزء يسير من سر رائع ّ
علي قبوله ..وطلبوا مني أن أستمر في إيماني ..بل أخبروني
بأن يسوع وهب حياته ألجلي وأنني سوف أنال الخالص وهذا هو عين ما استنكرته من قبل!
بعيدا من العدالة واملنطق ،وتساءلت في تعجب :ما هو مصير في الحقيقة وجدت حديثهم ً
أولئك املؤمنين الصالحين املنتشرين في مختلف بقاع العالم والذين لم يسمعوا قط بصلب
يسوع ،فهل سيضيع إيمانهم وعملهم ً
هباء؟! وبالنسبة ّ
إلي أنا -على سبيل املثال -هل سيرفض هللا
إيماني وعملي ،على الرغم من إيماني به من كل قلبي؟! وهل يمكن أن تكون تلك هي «الحقيقة»؟!
أجبت على نف�سي قائلة :من املؤكد ال..
ً ً ّ
مسلما ..وبعد م�ضي عام من زواجي به ،كانت حياتي من الناحية وقدر لي أن تزوجت رجل
الدينية أكثر خواء من فؤاد أم مو�سى ..بيني وبين نف�سي كنت أعرف أنني أؤمن باهلل فقط ،وال
كن قد اعتنقن اإلسالم ..لم أكنشيئا آخر ..بعض زوجات أصدقاء زوجي النرويجيات ّ أعرف ً
راضية عن ذلك فقد كان يغضبني أن تعتنق امرأة غربية اإلسالم! 168
كنت أناقشهن في مسائل الدين حتى حلول الساعات األولى من الفجر ،ومع ذلك ظلت الشكوك
ً
تساورني حيال اإلسالم ..فكرت قليل ثم قلت في نف�سي متسائلة :لم ال أنضم إليهن في املسجد
التحري عن اإلسالم بصورة أفضل؟ لقد كانت ّ
لدي رغبة ّ علي ألتعلم ً
شيئا من العربية حتى يسهل ّ
ّ
ملحة في تعلم اللغة العربية ..دخلت معهن املسجد ألول مرة في حياتي ،وقد كانت تجربة عاطفية
مذهلة ومؤثرة بدرجة تفوق الوصف والتصور.
جي ًدا أنني نظرت إلى نف�سي في مرآة املسجد ،وقد وضعت الحجاب ..لقد أعجبت به أذكر ّ
ً
مضبوطا َّ
علي بصورة باهرة ..وعقب ذلك أخذت أراقب املسلمين وهم غاية اإلعجاب! لقد كان
يؤدون صالتهم ..فتمنيت من أعماق قلبي لو أنضم إليهم في سجودهم هلل ..كان يغمرني شعور رائع
بالخضوع هلل ..بحق تمنيت أن أصلي مثلهم غير أنني لم أكن أعرف كيفية الصالة؛ فبكيت بحرقة
ومن داخل أعماقي ألنني ال أستطيع أن أصلي مثلهم ..ألعزي نف�سي اشتريت ترجمة إنجليزية ملعاني
كلمات القرآن الكريم ..وما أن شرعت في قراءتها حتى أحسست بكلمات هللا ،وقد طرقت شغاف
قلبي في حنو.
كثيرون أولئك الذين حذروني من اعتناق اإلسالم بسبب إعجابي به ..بالنسبة ّ
إلي كنت أعرف
جدا ،وأن ّ
علي أن أقتنع بعقلي ..هذا األمر جعلني أشعر بأنني أن إعجابي باإلسالم أمر عاطفي ًّ
أحتاج إلى معرفة املزيد عن اإلسالم ..وكان نتيجة ذلك أنني أمضيت األشهر السبعة التالية في
القراءة عن اإلسالم ودراسته بصورة أعمق.
وفي أيار من عام 1988م سافرت إلى اليونان لقضاء عطلتي ..لقد كانت عطلة مميزة ورائعة فيها
ً
كل ما تشتهيه األنفس من مأكوالت ومشروبات ،فضل عن توافر مختلف وسائل اللهو والترفيه..
وفي األسبوع األول استمتعت بتلك العطلة كل االستمتاع إال أنني سرعان ما بدأت أشعر بالضيق
ً
مفقودا من حياة أولئك الناس.. من تلك األشياء التي بدت لي فارغة وبال معنى ..شعرت بأن ً
أمرا ما
فورا ألعتنق اإلسالم. قرارا ًّ
جادا مفاده عودتي إلى بلدي ً وأنا داخل بركة السباحة اتخذت ً
اعتنقت اإلسالم ..وبدأت عبادتي بالصالة التي كنت أتوق لها بشغف..
ومنذ ذلك اليوم لم أشعر بالندم في حياتي على اإلطالق..
كم أنا اآلن سعيدة بالنعمة والرحمة العظيمتين اللتين أنعم هللا تعالى بهما َّ
علي..
فعندما يدخل اإلسالم من اتحد قلبه وعقله في االقتناع به ..تكون السعادة ويكون اإليمان الصادق..
هذا االتحاد ال يأتي من فراغ ..يأتي بنور يبزغ في القلب ودراسة وبحث من العقل..
169
األهم ..أنه يأتي برحمة من هللا..
لذا اسألوا هللا الهداية ..فباهلل نهتدي إلى هللا.
املصدر)10( :
تساؤالت صليبية
جنود بريؤون
البراءة والعفوية والنقاء جند من جنود هللا..
تفعل بقلب الباحث عن الحق األفاعيل..
فقلبه مرهف رقيق يتلهف للنور ..فما أن يصادفه شخص مؤمن نقي حتى يفتح له كل أبواب اإليمان..
طفل بريء ..يعرف ربه ..تربى على اإليمان ..قد يهدي هللا ببراءته من ال يستطيع هدايته أكبر العلماء..
لبطل قصتنا قصة مع العفوية والبراءة ..براءة أطفال املسلمين..
هو شاب غربي ثري يعيش في قصر منيف ،وشقيقه نجم عالمي شهير يشار إليه بالبنان ،أسهم
في إسالمه مجموعة من األطفال األبرياء ،فتحول اسمه إلى محمد عبدالعزيز!
إنه جيرمين جاكسون شقيق النجم العالمي املعروف مايكل جاكسون ،الذي صنفته موسوعة
جينيس لألرقام القياسية ،كأنجح وأهم نجم في تاريخ املوسيقى على مر التاريخ.
170
كان جيرمين يعيش في أحد أترف قصور ضواحي لوس أنجلوس وأفخمها ،وتحيط به الحدائق
الغناء وينابيع املياه ،حيث يشارك فيه جيرمين أخته في تأليف النوتات املوسيقية ..يحدثنا جيرمين
في هذه القصة عن كيفية اعتناقه اإلسالم في الفقرات التالية فيقول:
قمنا أنا وأختي في عام 1989بجولة في عدد من دول الشرق األوسط ،حيث تم استقبالنا
بحفاوة خاصة في مملكة البحرين ،وهناك التقيت ً
عددا من األطفال حيث أجريت معهم دردشة
وجهت لهم بعض األسئلة ..وبدورهم طرحوا ّ
علي استفسارات بريئة تتسق مع أعمارهم عفويةّ ..
علي بصوت الغضة ..فسألوني عن ديني فأجبتهم بأنني مسيحي ..بدوري سألتهم عن دينهم ّ
فردوا ّ
حما�سي واحد« :اإلسالم».
في الحقيقة إجابة األطفال شديدة الحماسة هزتني بشدة من داخل أعماقي! لم يكتف أولئك
ً
األطفال بإجابتهم عن سؤالي وإنما أخذوا يحدثونني عن اإلسالم حديثا ال يتناسب مع أعمارهم
الصغيرة ،أما نبرة صوتهم املترعة باالعتزاز فقد كشفت لي عن مدى افتخارهم باإلسالم!
في الحقيقة أولئك األطفال األبرياء ،دفعوني إلى أن أخطو أولى خطواتي نحو اإلسالم إذ قادني
حديثهم القصير إلى إجراء محادثات طويلة وعميقة حول اإلسالم مع عدد من العلماء املسلمين..
ً
عاجزا عن استيعابها واالقتناع بها. وما دفعني إلى ذلك ً
أيضا أمور كثيرة باملسيحية كنت
نعم والحق يقال ،لقد وجدت في الدين املسيحي الكثير من األمور التي تثير الحيرة والدهشة..
فعلى سبيل املثال فإن أفراد عائلتي -وهم من أتباع طائفة مسيحية تعرف باسم «شهود يهوه»-
يعتقدون أن 144ألف شخص منهم فقط هم الذين يحق لهم في آخر املطاف دخول الجنة! ومما
أدهشني في املسيحية معرفتي بحقيقة أن «الكتاب املقدس» ألفه عدد كبير من األشخاص! وجهت
سؤال قلت فيه :كيف يمكن لرجل أن يضع ً ً
كتابا ثم ينسبه إلى هللا ،وفي الوقت ذاته ال إلى نف�سي
ً
يمتثل تماما للتوجيهات التي يتضمنها ذلك الكتاب بين دفتيه؟!
في فترة الحقة ونتيجة ملقارنتي بين املسيحية (التي عشتها وأنا غير مقتنع بها) واإلسالم (الذي
تعرفت إلى تفاصيله من خالل تواصلي مع العلماء املسلمين) ،شعرت بأن قلبي قد اعتنق اإلسالم..
بحت بهذا السر لصديق عائلتي السيد «قنبر علي» ،الذي قام بتدبير زيارة لي معه للرياض..
وبالفعل ذهبت معه ومن هناك انتقلت إلى مكة حيث أعلنت إسالمي ومن ثم قمت بأداء «العمرة».
لم أفتأ أعتنق اإلسالم ،حتى شعرت بنف�سي وكأنني ولدت من جديد ..كيف ال وقد وجدت فيه
وحده األجوبة الشافية على األسئلة امللحة التي لم أجد لواحد منها إجابة في الدين املسيحي ..على
سبيل املثال لم أجد إجابة مرضية عن مسألة والدة السيد املسيح إال في اإلسالم.
171
وخالل إقامتي في اململكة العربية السعودية أتيحت لي فرصة شراء «كاسيت» ألفه البريطاني
الشهير مغني البوب السابق ستيفنس ،الداعية اإلسالمية الحالي يوسف إسالم ..بحق لقد تعلمت
من ذلك الكاسيت الكثير املفيد.
وما أن عدت إلى الواليات املتحدة وأنا مسلم حتى أطلقت وسائل اإلعالم األمريكية دعايات
شائنة ضد اإلسالم واملسلمين ،كما انهمرت -من كل حدب وصوب -األقاويل والشائعات التي
ً
إزعاجا في حياتي يصعب وصفه بالكلمات ..لقد تجلى نفاق املجتمع تتحدث عني بالسوء مسببة لي
ً
واضحا أمامي وتساءلت في مرارة وحسرة :أين حرية التعبير وحرية الضمير التي يتشدق األمريكي
جنود بريؤون
حقيقة عندما أتأمل ما تقوم به هوليوود من تشويه مغرض وكاذب لصورة املسلمين أتعجب
بشدة ..فهنالك الكثير من األمور املتفق عليها بين املسيحية واإلسالم ،كما أن القرآن يتحدث عن
السيد املسيح في القرآن كنبي فاضل ..لقد كان ذلك يؤملني ويدفعني إلى أن أبذل قصارى جهدي
حتى أبدد الصورة الذهنية الخطأ التي تصورها وسائل اإلعالم األمريكية عن اإلسالم واملسلمين.
والحق يقال جعلني اإلسالم أشعر بأنني كائن بشري كامل بقدر ما يعني هذا التعبير من معنى،
حرمه ..بالطبع عانت عائلتي فقد أحدث تحوالت هائلة في داخلي وجعلني أطرح ً
جانبا كل �شيء ّ
مر املعاناة من هذه التحوالت التي ظهرت في حياتي ،خاصة مع تدفق رسائل التهديد النارية التي ّ
تباعا وتصليني باتهاماتها الخطيرة ..لكن ما أود قوله هنا إن عائلة جاكسون عائلةكانت تصلني ً
متسامحة وينظر أفرادها إلى جميع األديان نظرة احترام األمر الذي جعل أفرادها يتمتعون
بعالقات صداقة مع أناس ينتمون إلى ديانات متعددة ومتباينة ..في الحقيقة قيمة التسامح واحدة
من املبادئ الفاضلة التي تعلمناها من أبوينا ونشأنا عليها.
كتبا عديدة تتحدث عن اإلسالم ّ
وتعرف بعقيدته وتعاليمه.. عند عودتي إلى أمريكا ،جلبت معي ً
شقيقي مايكل جاكسون نفسه طلب مني بعض تلك الكتب ليدرسها ..قبل قراءته لتلك الكتب كان
مايكل ً
متأثرا بالدعاية املغرضة التي تنشرها وسائل اإلعالم األمريكية عن اإلسالم واملسلمين،
ً
معاديا لإلسالم ومن جهة ثانية لم يكن بيد أنه كان يقف منها موقف الحياد ،فهو من جهة لم يكن
له موقف إيجابي من املسلمين ..لكن ما أن درس الكتب التي طلبها مني حتى أثرت فيه إلى حد كبير،
بل جعلته يحول مسار مشاريعه االستثمارية صوب رجال أعمال مسلمين كامللياردير السعودي
ً
حصصا متساوية معه في األمير الوليد بن طالل الذي دخل معه في شراكة كبيرة ،إذ إن لديه اآلن
شركته املتعددة الجنسيات.
عندما وصل نبأ إسالمي إلى أمي -وهي أم متدينة ومتحضرة ومتسامحة -قابلته ّ
برد فعل هادئ.. 172
ً ً
واحدا حيث قالت لي« :هل اتخذت قرار اعتناقك اإلسالم بصورة فجائية، لقد وجهت لي سؤال
أم أنه كان حصيلة تفكير طويل وعميق؟ فأجبتها بأنه كان حصيلة تفكير طويل باإلسالم» ..لم
تناقشني بعدها في األمر؛ فنحن كما ذكرت عائلة متسامحة معروفة بتدينها ،وقانعة بأن كل ما
وجل ..الشاهد على ذلك أننا نشاركعز ّ نملكه هو نعمة من هللا تعالى ،لذلك كنا شاكرين له ّ
بفعالية في املؤسسات واألعمال الخيرية ،فقد أرسلنا أدوية إلى البلدان األفريقية الفقيرة عبر
طائرات خاصة كما التزمت طائرتنا تقديم املساعدات إلى املصابين أثناء حرب البوسنةَ ..
ولم ال
ً لًّ نفعل ذلك وقد شهدنا في املا�ضي ً
مدقعا مذ ،وتعودنا آنذاك على العيش في منزل بالكاد تبلغ فقرا
مساحته بضعة أمتار مربعة.
هذا ما كان من أمر أمي أما بالنسبة إلى أختي نجمة البوب «جانيت» فقد كان األمر ّ
جد
مختلف ..لقد تفاجأت ً
تماما باعتناقي املفاجئ لإلسالم ..في بادئ األمر انتابها القلق ..كان أشد
ما يزعجها في اإلسالم ما سمعت عنه من تعدد الزوجات ..فأوضحت لها الحكمة من ذلك كما
قارنت لها إيجابيات تعدد الزوجات في املجتمع اإلسالمي بسلبيات واقع املجتمع األمريكي الذي
يعاني العالقات الجنسية غير الشرعية والخيانة الزوجية شديدة االنتشار ،كما أشرت لها إلى
تعددا في املعاشرة الجنسية شديد الضرر فهو يضاجع حقيقة أن الرجل الغربي املتزوج يمارس ً
العديد من النساء خارج إطار العالقة الزوجية ،األمر الذي يؤدي إلى دمار أخالقي يتسبب في انهيار
املجتمع ،في املقابل يصون اإلسالم البنية االجتماعية من هذا الضرر بإباحته لتعدد الزوجات
وتحريمه للمعاشرة التي تتم خارج إطار الزوجية ..أكثر من هذا أخبرتها أن اإلسالم وضع الكثير
مسلما ًّ
عاديا بوسعه ً من الشروط للزواج بامرأة ثانية ،من بينها العدل بين الزوجات وال أظن أن
أن ّ
يتحمل عبء تلك الشروط املالية املكلفة ،بالتالي فإن نسبة املسلمين في العالم اإلسالمي الذين
لديهم أكثر من زوجة بالكاد تصل إلى واحد في املئة.
ونختتم هذه القصة بحديث محمد عبدالعزيز جاكسون عن أسرته الصغيرة والذي قال فيه:
ّ
لدي ابنتان وسبعة أبناء ..بحمد هللا كلهم يشبهونني في التوجه اإلسالمي ،أما زوجتي فما زالت
تدرس اإلسالم ،وهي تصر على أن تزور اململكة العربية السعودية ..أنا شديد الثقة بأنها ستعتنق
اإلسالم ً
قريبا بمشيئة هللا ..أسأل هللا القدير أن يثبتنا على دين اإلسالم ..دين الحق.
لذا ..كثيرون أولئك الذين دخلوا اإلسالم متأثرين بصوت األذان ،في اليقظة أو في املنام ..ومن
بين هؤالء بطلة قصتنا الصينية «س .س .الي» التي بدأت أولى خطوات العملية نحو اإلسالم بعد
مدو سمعته في منامها ،فتحركت صوبه ،فكانت استجابتها لذلك الصوت في منامها ّ
صوت أذان ٍ
استجابة في يقظتها ً
أيضا ،حيث أيقظ فيها الرغبة للبحث عن اإلسالم.
أنا صينية األصل أؤمن ككل أفراد عائلتي بعبادة األوثان واملوتى من الجدود ..وخالل فترة
كثيرا عندما أذهب بصحبة ّ
جدي إلى طفولتي تعلمت أن هنالك الكثير من اآللهة ..كنت أتحمس ً 174
في الحقيقة ،األمر الذي كان يجذبني إلى تلك اآللهة آنذاك -في فترة طفولتي -وجود الكثير من
األطعمة ..لقد كنت أحسب أن مذاق الطعام أطيب داخل املعبد ألنه قدم ً
تعبدا لآللهة أو األصنام
التي كانت تبدو أمام عيني الصغيرتين كائنات عظيمة وقوية ..بحق لقد كان يحيرني منظرها
الشديد الغموض ،فبعضها كان يشعرني بالخوف ،وبعضها اآلخر كان يبهرني بجماله ،وإلى غير
ذلك من املشاعر املتضاربة التي كانت تنتابني وأنا أنظر إليها.
في أحد األيام حرقنا ورقة نقدية ،وشرعنا في عبادة آلهتنا مستخدمين في ذلك بعض عيدان
البخور ً
جنبا إلى جنب مع الصمت الذي كنا نلتزمه ونحن نراقب ما كنا نفعله من طقوس.
ً
وكثيرا ما كنت آمل أن أعرف في الواقع كان لذلك الجو تأثير كبير في عقلي الغض الصغير،
كيفية نطق الكلمات التي كان يقولها ّ
جدي لتلك األوثان كما كنت أتمنى أن أعرف األسرار والحيل
التي كان يستخدمها مع تلك «الحجارة السحرية».
لقد جئت من بلد «مسلم» هو بروناي ،وكنت أرتاد مدرسة معظم طالبها مسلمون ،وما أذكره
جي ًدا ذلك اليوم الذي أحضر فيه أحد األصدقاء قصة فكاهية مصورة تظهر عقاب نار جهنم..
ّ
لم أكن أفهم آنذاك مغزى تلك الصور وإن فهمته ً
الحقا.
ُ
املدهش أن رحلتي إلى اإلسالم بدأت في أحد دروس الجغرافيا ..لقد طرح علينا آنذاك السؤال
ً
خارجا جميعا فوق سطح األرض ،وامل�شي فوقها دون أن نقذفً التالي« :كيف نستطيع الوقوف
ّ
إلى الفضاء املظلم؟» ،عدت في ذلك اليوم إلى املنزل تتقدمني جيوش من الحيرة ..سألت عمي عن
ً
ذلك األمر فنصحني بأن أحرص على طرح سؤال «ملاذا» على الدوام ..وعمل بنصيحة عمي لم
أتوقف منذ ذلك اليوم عن طرح :السؤال «ملاذا».
في عام 1988م حصلت على منحة دراسية باململكة املتحدة وهو أمر كنت أتمناه من كل قلبي
ً
وعملت ألجله طويل بجد ومثابرة ..وكنت أطمح إلى أن أكون طبيبة وثرية حتى يفخر بي والدي
ً
كثيرا ..وهو أمر يعزى إلى �شيء رهيب عالق بذاكرتي :شعوري بالعجز وأنا جالسة على مقربة من
سرير موت جدتي التي كنت وما زلت أحبها ً
كثيرا ..لقد كنت يومها أنظر إليها في جزع حتى لفظت
نفسها األخير وأنا غير قادرة على أن أفعل لها ً
شيئا.
درست في كلية للبنات ..لم أكن أعرف ً
شيئا عن اإلسالم -برغم كثرة أصدقائي من املسلمين-
سوى أن املسلمين ال يأكلون لحم الخنزير ،ويصومون رمضان.
175
مدويا ،فتحركت صوب ذلك ًّ وفي إحدى الليالي رأيت في منامي وكأني أسمع صوت أذان
الصوت ..ووقفت أمام بوابة كبيرة بها كتابة باللغة العربية لم أفهمها بيد أنني أحسست إحساساً
مضاء باألنوار ،وكان هناك أشخاص يرتدون األبيض من ً ً
عميقا بالسكينة والسالم ..كان املكان
ً
عظيما أعجز عن التعبير عنه بالكلمات .وفي ً
شعورا الثياب ويصلون ..لقد كان شعوري آنذاك
اليوم التالي سألت صديقة مسلمة عن معنى ذلك الحلم ..أجابتني بأنه «حدس» من هللا.
تلك املحادثة مع صديقتي املاليزية املسلمة ،كانت املحادثة األولى في حياتي التي لها عالقة
باإلسالم ،فمن خاللها كسرت حاجز صمت ظللت أعانيه فترة طويلة؛ إذ على الرغم من أنني
ً
املحادثة األولى
كثيرة السؤال ،عمل بنصيحة عمي ،فقد كنت أتجنب أي سؤال له عالقة باإلسالم ..وبحمد هللا
تغير حالي؛ إذ أصبحت أطرح الكثير من األسئلة عن اإلسالم ،وهي أسئلة ملحة ظلت تراودني ّ
لسنين طويلة دون أن أبوح بها ألحد وذلك ألنني كنت أحس بأن املسلمين سيئون ومضطهدون
لغيرهم.
في تلك السنة عدت إلى بروناي وقلت ألفراد عائلتي أنا أحتاج إلى عام من الراحة ،ألن ذهني
مشوش وعاجز عن التركيز على هدفي الذي كنت أصبو إليه ..قلت لهم ذلك إلحسا�سي بأن هنالك
ً
أمرا أكثر أهمية من أي �شيء آخر عملت ألجله السنين الطوال ..بالطبع لم تستجب عائلتي لطلبي..
ليل ًً
ونهارا ألنني ظللت أسمع تردد وظلت تحيط بي تلك الحالة امللحة من التفكير ..لقد كنت أبكي
صوت األذان في رأ�سي إلى درجة أن أعز صديقاتي انتابها اإلحساس بأنني وصلت إلى حالة من
الجنون وهو اإلحساس ذاته الذي انتابني.
بدأت أقترب أكثر من اإلسالم عندما رأيت الجانب العملي فيه (كالصالة ،والصيام والسلوك
السوي) ..كان ذلك مع صديقة طفولتي التي تعلمت منها الكثير ،وأكثر ما تعلمته منها السلوك
القويم ..فدخلت في تجربة مع الصيام ،وحاولت ً
أيضا أن أتناول الطعام الحالل خالل عامين أو
ثالثة قبل اعتناقي اإلسالم.
أما نقطة التحول الكبرى في حياتي فكانت حينما رفضت جميع كليات الطب أن أدرس فيها..
لذت حينذاك بأسماء هللا الحسنى ..وقطعت ً
وعدا هلل أنني سأعتنق اإلسالم إن تم قبولي في واحدة
من كليات الطب ..واستجاب هللا لرغبتي وتم قبولي بكلية سبق أن رفض قبولي بها فلم يكن أمامي
غير أن أحمد هللا تعالى وأشكره ليس فقط على قبولي بكلية الطب وإنما ً
أيضا على اعتناقي اإلسالم
ويا لها من نعمة عظيمة.
فسبحان من يفرح بإيمان عباده ويوفر لهم أسبابه ..رحمة بهم ًّ
وحبا لهم..
ً
جميعا ..فلو آمنوا ما زاد في ملكه �شيء.. غني هو عن إيمان من في األرض 176
املصدر)10( :
ذات الخمار
عندما تدافع عن إيمانك ..عقيدتك ..ثق بدعم هللا لك ..ستفاجئك قدراتك!!
عندما يحتشد أمامك املكذبون بما تؤمن ..ال تتزعزع ..مجرد ثقتك بهزيمتهم ستهزمهم..
هللا ..ال يريد منك النصر ..هو من سينتصر« ..إن هللا يدافع عن الذين آمنوا»..
هو يريد منك فقط صدق توجهك لنصرة إيمانك ..أما النصر نفسه فمن هللا..
بطلة قصتنا ..شابة صغيرة ..تسلحت بالحشمة والحجاب في زمن العري ..تسلحت بدينها!!
ً
فوفقا لدراسات علمية حول محتوى الشبكة العنكبوتيةّ ،
تبين أن عدد املواقع اإلباحية
عدد مهول بصورة مفرطة وكارثية ،فهذه املواقع مع كثرتها تحرص على تقديم مواد إباحية
جديدة للمستخدمين على رأس كل ثانية ،ونتيجة لذلك نجدها تطلق آالف الصفحات الجديدة
يوميا .ووفق إحصاءات نشرتها شركة Optenet لتصنيف مواقع اإلنترنت ،فإن %37من حجم ًّ
شبكة اإلنترنت ّ
يتكون من مواد إباحية! وتقول دراسة في مجلة «إكستريم تك» للتكنولوجيا إن
177
املواقع اإلباحية تنتج نحو %30من حجم حركة املستخدمين اإلجمالية على اإلنترنت.
ًّ
أخالقيا حتى فاقت هذه النسب املخيفة تعكس لنا بصورة ّ
جلية إلى أي مدى انحطت البشرية
ّ
واألمر أن رسائل هذه املواقع تستهدف املسلمين ،ألن مملكة الحيوان في االنحطاط! واألدهى
من يديرون شبكات الدعارة اإللكترونية ال يريدون أن تكون للمسلمين فضيلة أخالقية على بني
جلدتهم ،وال يريدون لهم التميز عنهم بالطهر والعفاف ،بل يريدون إشاعة الشهوات ّ
املحرمة.
أدوارا خطيرة ًّ
جدا في تعزيزها إن وسائل االتصال الجماهيري العاملية -خاصة الغربية -تلعب ً
كونتها عن اإلسالم وفي إشاعتها للفاحشة وتزيينها للمنكرات وسط مشوهة ّ
لصورة ذهنية ّ
ذات الخمار
أبناء األمة املسلمة ،حتى يصبحوا مسلوبي اإلرادة بعيدين عن دينهم ..ففي األفالم التلفزيونية
التي تدخل كل بيت ويشاهدها جميع أفراد األسرة في جلسات مشاهدة مفتوحة تصاغ الحبكة
القصصية بصورة تجعل املشاهد يتعاطف مع العشيق ضد الزوج ..أما ما يشاهد في الخفاء عبر
مدمر رهيب يجل على الوصف. الشبكة العنكبوتية فهو أمر ّ
سنويا محرك بحث جوجل األكثر شهرة بين محركات البحث املوجودة ًّ والنتائج التي يصدرها
على شبكات اإلنترنت ،تشير إلى أن الكلمات املفتاحية اإلباحية تتصدر قائمة الكلمات األكثر
ً
بحثا على جوجل في بعض الدول العربية! وبالتالي ال غرابة في أن ينظم أعداء اإلسالم الحمالت
ّ ّ
بالتطرف! وهم يريدون اإلعالمية للطعن في الحجاب ،واتهام أهله بالتخلف والرجعية ،بل وربطه
ّ
وهوية من وراء معركة الحجاب عزل اإلسالم واملسلمين عن دينهم ،ألن الحجاب ّ
عفة وطهر
ودعوة صامتة إلى اإلسالم.
القصة الواقعية سوف نرى كيف يمكن لهذا الحجاب أن يكون دعوة صامتةّ من خالل هذه
إلى دين اإلسالم ..وكيف استطاع خمار وضعته طالبة مسلمة على رأسها في إحدى الجامعات
األمريكية أن يكون ً
سببا في إسالم سبعة من األساتذة والطالب!
يروي لنا هذه القصة األستاذ الجامعي األمريكي أكويا الذي ّ
تسمى بعد إسالمه باسم ُ(م َّ
حمد):
قبل عدة سنوات ،ثارت عندنا بالجامعة زوبعة كبيرة ،حيث التحقت بالدراسة طالبة أمريكية
مسلمة ،وكانت محجبة ،وقد كان من بين مدرسيها رجل متعصب يبغض اإلسالم ويتصدى لكل
من ال يهاجمه ،فكيف بمن يعتنقه ويظهر شعائره للعيان؟! وكان هذا الرجل يحاول استثارتها كلما
حربا شعواء ،ولكنها قابلت هي املوضوع بهدوء وجد فرصة سانحة للنيل من اإلسالمّ .
وشن عليها ً
وهو ما زاد من غيظه منها ،فبدأ يحاربها عبر طريق آخر ،حيث الترصد لها بالدرجات ،وإلقاء املهام
تقدمت مخرجا ّ
ً الصعبة في األبحاث ،والتشديد عليها بالنتائج ،وملا عجزت املسكينة أن تجد لها
بشكوى إلى مدير الجامعة مطالبة فيها النظر إلى موضوعها. 178
وكان قرار اإلدارة أن يتم عقد اجتماع بين الطرفين املذكورين الدكتور والطالبة لسماع
ّ
والبت في الشكوى .وملا جاء املوعد املحدد حضر أغلب أعضاء هيئة التدريس، وجتهي نظرهما
ًّ
وكنا متحمسين جدا لحضور هذه الجولة التي تعتبر األولى من نوعها عندنا في الجامعة.
بدأت الجلسة التي ذكرت فيها الطالبة أن املدرس يبغض ديانتها ،وألجل هذا يهضم حقوقها
العلمية ،وذكرت أمثلة عديدة لهذا ،وطلبت االستماع لرأي بعض الطلبة الذين يدرسون معها،
وكان من بينهم من تعاطف معها وشهد لها ،ولم يمنعهم اختالف الديانة أن يدلوا بشهادة طيبة
بحقها .حاول الدكتور على إثر هذا أن يدافع عن نفسه ،واستمر بالحديث فخاض ّ
بسب دينها.
فقامت الطالبة تدافع عن اإلسالم .لقد أدلت بمعلومات كثيرة عنه ،وكان لحديثها قدرة على
عما يعترضنا من استفسارات فتجيب .فلما رآنا الدكتور جذبنا ،حتى أننا كنا نقاطعها فنسألها ّ
ً
غاضبا ،فقد تضايق من اهتمامنا املعني مشغولين باالستماع لها والنقاش معها خرج من القاعة
وتفاعلنا فذهب هو ومن ال يرون أهمية للموضوع.
يقول الدكتور محمد أكويا :بقينا نحن مجموعة من املهتمين نتجاذب أطراف الحديث ،وفي
نهايته قامت الطالبة بتوزيع ورقتين علينا كتب فيهما تحت عنوان «ماذا يعني لي اإلسالم؟» الدوافع
التي دعتها إلى اعتناق هذا الدين العظيم ،ثم ّبينت ما للحجاب من أهمية وأثر .وشرحت مشاعرها
الفياضة صوب هذا الجلباب وغطاء الرأس الذي ترتديه ،والذي تسبب بكل هذه الزوبعة. ّ
ً
عظيما ،وألن الجلسة لم تنته بقرار ألي طرف ،فقد قالت إنها سوف تدافع لقد كان موقفها
عن حقها ،وتناضل من أجله ،ووعدت إن لم تظفر بنتيجة ملصلحتها أن تبذل املزيد حتى لو
ً
موقفا ًّ
قويا ،ولم نكن أعضاء هيئة اضطرت ملتابعة القضية وتأخير الدراسة ً
نوعا ما ،لقد كان
التدريس نتوقع أن تكون الطالبة بهذا املستوى من الثبات من أجل املحافظة على مبدئها.
يختتم الدكتور محمد أكويا حديثه بالقول :كم أذهلنا صمودها أمام هذا العدد من املدرسين
والطلبة ،وبقيت هذه القضية يدور حولها النقاش داخل أروقة الجامعة .أما أنا فقد بدأ الصراع
ّ حببني فيه ً يدور في نف�سي من أجل تغيير الديانة ،فما عرفته عن اإلسالم ّ
كثيرا ،ورغبني في اعتناقه،
ثان وثالث في العام نفسه ،كما أن هناك أربعة وبعد عدة أشهر أعلنت إسالمي ،وتبعني دكتور ٍ
طالب أسلموا .وهكذا في غضون فترة بسيطة أصبحنا مجموعة لنا جهود دعوية في التعريف
باإلسالم والدعوة إليه ،وهناك اآلن عدد من األشخاص في طور التفكير الجادّ ،
وعما قريب إن
شاء هللا ينشر خبر إسالمهم داخل أروقة الجامعة ..والحمدهلل وحده.
لقد استطاعت هذه الطالبة الجامعية املسلمة أن تدخل ً
عددا من األساتذة والطالب في دين
179
هللا بينما كانت تدافع عن نفسها ودينها ال ل�شيء إال أنهم عرفوا عن هذا الدين العظيم ما لم يكونوا
يعرفونه بسبب تضليلهم من قبل أعداء اإلسالم الذين كانوا يحرصون كل الحرص على أن يعرف
أهل الغرب عن اإلسالم ما كانوا يريدون لهم أن يعرفوه ..فكيف يكون الحال لو تحول كل مسلم
ومسلمة إلى داعية لدين هللا من خالل سلوكه ومظهره؟!
ً
أفواجا.. حينها سيدخل الباحثون عن الحق في دين هللا
حينها سينتشر النور ويرتفع الظالم من حياة البشر..
ولكن ..هل ينتظر غير املسلم حتى يفيق املسلمون؟!
ذات الخمار
يا ترى من هو صاحب هذه املواقف العظيمة التي تذيب الحديد وتلين الصخور؟!
إنه القس السابق إسحاق هالل مسيحة ..رئيس لجان التنصير بأفريقيا ً
سابقا ،وراعي كنيسة
املثال املسيحي والرئيس الفخري لجمعيات خالص النفوس املصرية بأفريقيا وغرب آسيا ،وهو
يروي لنا قصة هدايته فيقول :ولدت في قرية البياضية مركز ملوي محافظة املنيا من والدين
نصرانيين أرثوذكس ،زرعا في نفوسنا -ونحن صغار -الحقد ضد اإلسالم واملسلمين .وحين بدأت
أدرس حياة األنبياء بدأ الصراع الفكري في داخلي وكانت أسئلتي تثير املشاكل في أوساط الطلبة ما
ً ّ
تولى بعد وفاة البابا (كيربس) ،يصدر ً
قسيسا قبل موعد قرارا بتعييني جعل البابا (شنودة) ،الذي
التنصيب بعامين كاملين -إلغرائي وإسكاتي ،فقد كانوا يشعرون بمناصرتي لإلسالم -مع أنه كان
ً
مقررا أال يتم التنصيب إال بعد مرور 9سنوات من بداية الدراسة الالهوتية.
ّ
لجمعيات خالص النفوس ًّ
فخريا ً
ورئيسا عينت ً
رئيسا لكنيسة املثال املسيحي بسوهاج ثم ّ
قوية ًّ
جدا ولها جذور في كثير من البلدان العربية وباألخص دول تنصيرية ّ
ّ ّ
جمعية ّ
املصرية (وهي
لكني مع هذا كنت علي األموال ّ
حتى ال أعود ملناقشة مثل تلك األفكارّ ، الخليج) ،وكان البابا يغدق ّ
حريصا على معرفة حقيقة اإلسالم ،وبدأت أدرس وأقرأ عن اإلسالم. ً
وطلب ُّ
مني إعداد رسالة املاجستير حول مقارنة األديان وأشرف على الرسالة أسقف البحث
العلمي في مصر ،واستغرقت في إعدادها أربع سنوات وكان املشرف يعترض على ما جاء في
وسلمّ - ّ الرسالة حول صدق نبوة الرسول ُم َّ
وأميته وتبشير املسيح بمجيئه. حمد -صلى هللا عليه
ّ
اإلنكليكية بالقاهرة واستغرقت املناقشة تسع ساعات الرسالة في الكنيسة وأخيرا ّتمت مناقشة ّ
ً
ّ الن ّبوة ّ
والنبي -صلى هللا عليه وسلمً - قضية ّ
وتركزت حول ّ
علما بأن اآليات صريحة في اإلشارة إلى
الن ّبوة به .وفي النهاية صدر قرار البابا بسحب الرسالة ّ
مني وعدم االعتراف بها .أخذت نبوته وختم ّ ّ
عميقا ،ولكن لم أكن أستطيع الحصول على الكتب اإلسالمية فقد تفكيرا ً
ً أفكر في أمر اإلسالم
ّ ّ
شدد البابا الحراسة علي وعلى مكتبتي الخاصة. ّ
ذاهبا إلحياء مولد العذراءوفي اليوم السادس من الشهر الثامن من عام 1978م كنت ً
باإلسكندرية ،فأخذت قطار الساعة الثالثة وعشر دقائق الذي يتحرك من محطة أسيوط ً
متجها ّ
إلى القاهرة ،وبعد وصول القطار زهاء الساعة التاسعة والنصف ً
تقريبا ركبت الحافلة من محطة
181
ّ
العباسية وأثناء ركوبي في الحافلة بمالب�سي الكهنوتية وصليب يزن ربع العتبة رقم 64املتجهة إلى
ً ّ
كيلو من الذهب الخالص ،وعصاي الكرير ،صعد صبي في الحادية عشرة من عمره تقريبا ،يبيع
الركاب باستثنائي!! وهنا صار في نف�سي هاجسَ .. ّ ّ
لم كل الركاب إال كتيبات صغيرة فوزعها على كل
أنا؟! فقلت له« :يا ّ
بني ملاذا أعطيت الجميع بالحافلة إال أنا» .فقال« :ال يا أبونا أنت قسيس»!! وهنا
ً
وكأنني لست أهل لحمل هذه ّ ّ
الكتيبات مع صغر حجمها .ألححت عليه ليبيعني منها فقال: شعرت
ّ ّ ّ
«ال دي كتب إسالمية» ونزل ،وبنزول هذا الصبي من الحافلة شعرت وكأنني جائع وفي هذه الكتب
ُ ّ
شبعي ،وكأنني عطشان وفيها شربي!!
مني فنسيت من أنا وجريت وراءه ّ نزلت خلفه فجرى ً
خائفا ّ
كلمة السر
ّ
اإلسكندرية إلحياء أسبوع مولد العذراء يوم األحد أثناء صالة القداس بعد ذلك ذهبت إلى
املعتادة ،وفي فترة الراحة ذهبت إلى كر�سي االعتراف لكي أسمع اعترافات الشعب الجاهل
الذي يؤمن بأن القسيس بيده غفران الخطايا .فجاءتني امرأة تعض أصابع الندم ،فقالت« :إني
انحرفت ثالث مرات وأنا أمام قداستك اآلن أعترف لك رجاء أن تغفر لي وأعاهدك أال أعود لذلك
ً
أبدا» .ومن العادة املتبعة أن يقوم الكاهن برفع الصليب في وجه املعترف ويغفر له خطاياه!! وما
كدت أرفع الصليب في وجهها ألغفر لها حتى وقع ذهني على العبارة القرآنية الجميلة (قل هو هللا
حارا وقلت« :هذه جاءت لتنال غفران خطاياها ّ
مني، أحد) فعجز لساني عن النطق وبكيت ً
بكاء ًّ
فمن يغفر لي أنا خطاياي يوم الحساب والعقاب»؟!
إلها ً
واحدا ال معبود سواه .فذهبت على الفور للقاء هنا أدركت أن هناك ً
كبيرا أكبر من كل كبيرً ،
األسقف وقلت له« :أنا أغفر الخطايا لعامة الناس فمن يغفر لي خطاياي»؟! فأجاب دون اكتراث:
ً
«البابا»! فسألته« :ومن يغفر للبابا»؟! فانتفض ووقف صارخا وقال« :أنت قسيس مجنون واللي
ّ ّ ّ
ألننا قلنا له ال ّ أمر بتنصيبك مجنون ّ
بإسالمياته تنصبه لئل يفسد الشعب حتى وإن كان البابا،
وفكره املنحل»!! بعد ذلك صدر قرار البابا بحب�سي في دير (ماري مينا) بوادي النطرون.
ً ً 182
عجيبا ،وأذاقوني صنوف أخذوني معصوب العينين وهناك استقبلني الرهبان استقبال
بأنني ًّ ّ
حتى تلك اللحظة لم أسلم -وكل منهم يحمل عصا يضربني بها وهو يقول« :هذا العذاب -علما
ً
ما يصنع ببائع دينه وكنيسته»! استعملوا معي كل أساليب التعذيب الذي ال تزال آثاره موجودة
ّ ّ
حتى أنه وصلت بهم أخالقهم إلى أن أمروني بأن أرعى الخنازير .وبعد ثالثة أشهر على جسدي،
بني إن هللا ال يضيع أجر من ًّ
أخذوني إلى كبير الرهبان لتأديبي دينيا وتقديم النصيحة لي فقال« :يا ّ
ً ً
مخرجا ويرزقه من حيث ال يحتسب»! قلت أحسن عمل ،اصبر واحتسب ،ومن يتق هللا يجعل له
في نف�سي ليس هذا الكالم من الكتاب املقدس وال من أقوال القديسين!!
ً َ َ َّ َ ُ َّ َّ َ َ ُ َ َ ُ
ات ِإنا ل ن ِض ُيع أ ْج َر َم ْن أ ْح َس َن َع َمل[ ))30( سورة الكهف] َّ َ
ِ(إن ال ِذين آمنوا وع ِملوا الص ِالح ِ
ُ َ َ َ ُ ْ َ َ ْ َ َّ َّ َ َ ْ َ َ ُ َ ْ ً
) و َي ْرزق ُه ِم ْن َح ْيث ل َي ْحت ِس ُب[ ))3( ..سورة الطالق] ( ..ومن يت ِق الله يجع ْل له مخ َرجا2(
بعد ّأيام صدر أمر البابا برجوعي إلى كنيستي بعد نقلي من سوهاج إلى أسيوط ،لكن األشياء
عاما، ّ
املتمسك بإسالمه منذ ً 23 التي حدثت مع سورة اإلخالص وكر�سي االعتراف ،والراهب
أثرا ً
عميقا ،لكن ماذا أفعل وأنا محاصر من األهل واألقارب وممنوع من الخروج تركت في نف�سي ً
ّ
من الكنيسة بأمر شنودة!! وبعد مرور عام جاءني خطاب يأمرني بالذهاب كرئيس للجنة املغادرة
تنصيرية ،فذهبنا إلى السودان في ّ
األول من سبتمبر 1979م ،ومكثنا فيه ّ إلى السودان في رحلة
ّ ّ
البابوية بأن ّ
كل من تقوم اللجنة بتنصيره يسلم مبلغ 35ألف ثالثة أشهر ،وحسب التعليمات
ّ ّ
مصري ،بخالف املساعدات العينية ،فكانت حصيلة الذين غررت بهم اللجنة تحت ضغط ّ جنيه
الحاجة والحرمان أكثر من ثالثين من منطقة واو في جنوب السودان.
ّ ّ ّ ّ
سل ُ
مطرانية أم درمان [إحدى املدن البابوية اتصلت بالبابا من متهم أموال املنحة وبعد أن
183 تتألف منها العاصمة السودانية الخرطوم] فقال« :خذوهم ليروا املقدسات املسيحيةّ ّ
الثالث التي
ّ
بمصر (األديرة)» ،وتم إخراجهم من السودان على أساس عمال بعقود للعمل باألديرة لرعي اإلبل
ّ صورية ّ
ّ
حتى تتمكن لجنة التنصير من إخراجهم إلى مصر. والغنم والخنازير ،وتم عمل عقود
بعد نهاية الرحلة وأثناء رجوعنا إلى مصر بالباخرة عبر نهر النيل قمت ّ
أتفقد املتنصرين
الجدد ،وعندما فتحت باب الكابينة 14باملفتاح الخاص بالطاقم العامل على الباخرة فوجئت بأن
يصلي صالة املسلمين!! ّ ّ املتنصر الجديد عبد املسيح (وكان اسمه ّ
تحدثت إليه فوجدته محمد آدم)
ّ ّ ّ ً
اإلسالمية فلم يغره املال ولم يؤثر فيه بريق الدنيا الزائل!! متمسكا بعقيدته
كلمة السر
املنصرين فحضر لي بالجناح رقم ،3وبعد أن ّ خرجت وبعد نحو الساعة أرسلت له أحد
تصلي صالة املسلمين بعد ّ ّ خرج ّ
تنصرك»؟! فقال« :بعت لكم املنصر قلت له« :يا عبد املسيح ملاذا
جسدي بأموالكمّ ،أما قلبي وروحي وعقلي فملك هلل الواحد ّ
القهار ،ال أبيعها بكنوز الدنيا كلها،
محم ًدا رسول هللا»! وأنا أشهد أمامك بأن ال إله إال هللا ّ
وأن ّ
بعد هذه األحداث التي أنارت لي طريق اإليمان وهدتني ألعتنق الدين اإلسالمي وجدت صعوبات
ّ كثيرة في إشهار إسالمي ً
نظرا إلى أنني قس كبير ورئيس لجنة التنصير في أفريقيا ،وقد حاولوا منع
ً ّ
مديرية أمن ألشهر إسالمي وخوفا ذلك بكل الطرق ألنه فضيحة كبيرة لهم .فذهبت إلى أكثر من
الشرقية ً
فريقا من القساوسة واملطارنة للجلوس معي، ّ ّ
مديرية ْ
أحضرت لي ّ
الوطنية على الوحدة
وهو ّ
املتبع بمصر لكل من يريد اعتناق اإلسالم.
ّ
املكلفة من أربعة قساوسة وثالثة مطارنة بأنها ستأخذ ّ ّ ّ
كل أموالي وممتلكاتي هددتني اللجنة
املنقولة واملحمولة واملوجودة في البنك األهلي املصري فرعي سوهاج وأسيوط ،التي كانت ّ
تقدر
مصري ،وثالثة محالت ذهب ،وورشة لتصنيع الذهب بحارة اليهود، ّ بنحو أربعة ماليين جنيه
ً
مكونة من أحد عشر طابقا ،وهي العمارة رقم 499شارع بور سعيد بالقاهرة ،فتنازلت وعمارة ّ
ّ
لهم عنها كلها ،فال �شيء يعدل لحظة الندم التي شعرت بها وأنا على كر�سي االعتراف.
بعدها ناصبتني الكنيسة العداء وأهدرت دمي فتعرضت لثالث محاوالت اغتيال من أخي وأوالد
ّ النار ّعمي ،فقاما بإطالق ّ
ّ
علي في القاهرة ،وأصابوني في كليتي اليسرى ،التي تم استئصالها في
جردتني الكنيسة من كل �شيء ،وأفادت التقارير 1987/1/7م .وقد مررت بظروف صعبة بعد أن ّ
الطب ّية احتياجي لعملية تجميل لحوض الكلية وتوسيع للحالب .وألني ال أملك تكاليفها الكبيرة،
ّ
ّ
جراحية من بينها البروستاتا ،ولم تنجح واحدة منها ألنها أجريت لي أكثر من خمس عشرة عملية
ليست العملية املطلوب إجراؤها حسب التقارير التي أحملها .وملا علم أبواي بإسالمي أقدما على
االنتحار فأحرقا نفسيهما وهللا املستعان.
سبحان هللا!! ضحى إسحاق برغد العيش والحياة املترفة ّ 184
وعرض حياته لخطر املوت ال ل�شيء
ً إال َّ
ألن علمه الذي تعلمه أصل ملحاربة اإلسالم أوصله إلى الحقيقة العظمى فدخل اإلسالم من
حنظل ً ً
مريرا أوسع أبوابه ،وتذوق حالوة اإليمان التي عرف معها كم كان فيما م�ضى يتجرع
ً
ومسكرا بطعم نعيمها الزائل. ً
مغلفا بزهرة الحياة الدنيا
فهل يتعظ املسيحيون بهذه القصة الواقعية ويدركون أنفسهم قبل أن يدركهم املوت؟!
هل يدركون أن اإلسالم هو طوق نجاتهم من النار؟! وبطاقة عبورهم إلى الجنة؟!!
أنه الدين ..وحده الدين الذي ارتضاه لإلنسان ..وأرسل به األنبياء كلهم؟!
اسألوا هللا الهداية ..فباهلل نهتدي إلى هللا.
185 بطل قصتنا عالم بريطاني ..بحوثه العلمية أدت إلى إعجابه بالدين اإلسالمي ..مشاركته في
قدم بحثين في ذلكمؤتمر دولي حول اإلعجاز العلمي في القرآن مثلت عالمة فارقة في حياتهّ ..
املؤتمر ..أذهل املشاركين ببحثيه ،بينما انبهر هو بالبحوث التي قدمها اآلخرون ..توصل إلى قناعة
تامة مفادها أن اإلسالم هو دين هللا القويم ..وفي الليلة الختامية للمؤتمر ووسط حشود من
أجهزة اإلعالم العاملية أذهل الجميع بإسالمه ونطق الشهادتين ..إنه العالم البريطاني البروفيسور
آرثر أليسون رئيس قسم الهندسة الكهربائية واإللكترونية بجامعة لندن بطل هذه القصة.
في عام 1985م حضر البروفيسور آرثر أليسون إلى القاهرة بهدف املشاركة في أعمال املؤتمر
الطبي اإلسالمي الدولي حول اإلعجاز العلمي في القرآن الكريم ..شارك ببحثين :أحدهما يبحث
مؤتمراإليمان
في أساليب العالج النف�سي والروحاني في ضوء القرآن الكريم ،بينما اآلخر يبحث في العالقة بين
َّ َ َ ْ َّ ُ َ َ َ َّ ْ َ ْ ُ َ َ
س ِحين َم ْو ِت َها َوال ِتي ل ْم ت ُمت ِفي النوم واملوت في ضوء اآلية القرآنية الكريمة« :الله يتوفى النف
ْ َ َ َ َ َ َ ُ ْ ُ َّ َ َ َ َ ْ َ ْ َ ْ َ َ ُ ْ ُ ْ ُ ْ َ َ َ َ ُ َ ًّ َّ َ َ َ
ات ِلقو ٍم
من ِامها فيم ِسك ال ِتي ق�ضى عليها الوت وير ِسل الخرى ِإلى أج ٍل مسمى ِإن ِفي ذ ِلك لي ٍ
َ َ َّ َ
َيتفك ُرون» ( الزمر.)42 :
من يدقق في موضوع البحثين السابقين قد يعتقد أن البروفيسور «آرثر أليسون» مسلم ،بل
داعية إسالمي ..الحقيقة لم يكن قد اعتنق اإلسالم بعد ،وإنما كانت مشاعره تجاه اإلسالم هي
مشاعر اإلعجاب به كدين ال أكثر من ذلك وال أقل .وعقب إلقائه بحثيه جلس يشارك املؤتمرين
أعمال املؤتمر ،ويستمع في انبهار إلى بقية البحوث التي تتعلق موضوعاتها باإلعجاز العلمي في
القرآن الكريم في مختلف مناحي الحياة ..وظل انبهار البروفيسور «آرثر أليسون» يزداد مع كل
بحث يتم تقديمه بينما كان يقينه بأن اإلسالم هو الدين الحق يزداد في املقابل ألنه دين العلم
ودين العقل على عكس األديان ّ
املحرفة التي كان يدين بها بنو جنسه.
ً ً
حشدا هائل من الحقائق القرآنية والنبوية التي تتحدث بدقة أصابه الذهول وهو يرى أمامه
علمية متناهية عن مختلف املخلوقات والظواهر الكونية ،والتي جاء العلم الحديث -بعد تطور
تماما أن هذا القرآن ال يمكن له أن يكون من عند بشر ..كما تأكد من ً
مطابقا لها ..أيقن ً تقنياته-
ً ّ
أن ما جاء به رسوله محمد -صلى هللا عليه وسلم -منذ أربعة عشر قرنا من الزمان يؤكد أنه
رسول هللا األمين.
على هامش جلسات املؤتمر أخذ البروفيسور آرثر أليسون يستفسر ويستوضح املؤتمرين -في
نهم وشغف شديدين -عن كل ما يريد معرفته عن اإلسالم كعقيدة ومنهج للحياة.
وفي الليلة الختامية للمؤتمر ،وأمام مراسلي وكاالت األنباء العاملية ،فاجأ البروفيسور آرثر
ً
مؤكدا أن اإلسالم هو دين الحق... أليسون الحاضرين بأن وقف ليعلن أمام الجميع إسالمه،
وأنه دين الفطرة التي فطر الناس عليها.
186
ما إن أعلن أليسون إسالمه حتى ارتفعت تكبيرات املسلمين من حوله ،بينما انهمرت دموع
ً
خشوعا ورهبة أمام هذا املوقف الجليل الذي تلين أمامه جالميد الصخر فتتفجر باملياه. بعضهم
رئيسا لجمعية الدراسات النفسية أخذ آرثر أليسون يروي قصته مع اإلسالم فقال :كنت ً
والروحية البريطانية لسنوات طويلة ،ومن خالل اهتماماتي بعلم النفس ،وعلم ما وراء النفس
أتعرف األديان ،فدرستها كلها كعقائد ،ومن بينها عقيدة اإلسالم ..ومن خالل دراساتي أردت أن ّ
توصلت إلى أن عقيدة اإلسالم هي العقيدة التي تنسجم مع الفطرة السليمة التي ينشأ عليها
إلها ً
واحدا ال شريك اإلنسان ،كما وجدتها العقيدة التي تتسق مع العقل السوي ،إذ ترى أن هناك ً
ً
ومسيطرا على هذا الوجود ..وأكثر من هذا وجدت أن الحقائق العلمية التي جاءت في ً
مهيمنا له
ً
القرآن الكريم والسنة النبوية الشريفة من قبل أربعة عشر قرنا في دقة وإحكام لم يتوصل إليها
ً
العلم إال حديثا ،ما يؤكد أن هذا القرآن ليس من عند بشر وإنما هو كالم هللا تعالى ،وأن النبي
ّ ً
محمدا -صلى هللا عليه وسلم -هو رسول هللا األمين.
ثم تحدث آرثر أليسون عن جزئية من أحد بحثيه اللذين شارك بهما في املؤتمر ،والتي تدور
حول العالقة بين حالة النوم واملوت ،حيث أثبت في بحثه أن القرآن الكريم يذكر أن الوفاة
تعني املوت والنوم على السواء ،وأن الفرق بين االثنين يتمثل في أن املوت وفاة غير راجعة على
عكس النوم الذي هو وفاة راجعة ...وقد ثبت ذلك في الدراسات الباراسيكولوجية والفحوص
اإلكلينيكية من خالل عمليات رسم املخ ،ورسم القلب .فالنوم واملوت عمليتان متشابهتان،
تخرج فيهما النفس وتعود في حالة النوم بينما تخرج وال تعود في حالة املوت.
وبذلك ،يرى البروفيسور آرثر أليسون أن الحقائق العلمية في اإلسالم هي أمثل وأفضل
أسلوب للدعوة اإلسالمية ،وال سيما للذين يحتجون بالعلم والعقل ،ما جعله يعلن نيته إنشاء
معهد للدراسات النفسية اإلسالمية في لندن على ضوء القرآن الكريم والسنة النبوية املطهرة،
ً
فضل عن االهتمام بدراسات اإلعجاز الطبي في القرآن ،وذلك بغرض أن تصل تلك الحقائق
شيئا عن اإلسالم سوى تلك الصورة الذهنية إلى عقول أهل الغرب وقلوبهم الذين ال يعرفون ً
ّ
املشوهة التي رسمها أعداؤه في أذهان الغربيين ،كما وعد بإنشاء مكتبة إسالمية ضخمة باللغتين
العربية واإلنجليزية للمساعدة على إجراء البحوث العلمية على ضوء القرآن الكريم..
ْ َ َّ َ َ ْ َ َّ َ ًّ
�شى الله ِم ْن ِع َب ِاد ِه ال ُعل َم ُاء».. حقا«ِ ..إنما يخ
بروفيسور ..عرف الطريق ..فسار فيه..
فتح قلبه لنور اإليمان ..بالعلم..
187 اغتنم السبب ..فوصل إلى املسبب..
حينما يصدق اإلنسان النية..
وحينما يرتقي بالروح ويسمو بالنفس..
الح ُجب ..وينكشف عالم الحق..
تتفتح أمامه ُ
ولد إيفور إيويس في سيريالنكا وترعرع في بيئة نصرانية حيث رباه أبوه على حب الكنيسة
لم ُي ُّ
كن العداء لإلسالم والعمل لهاَّ ..
تلقى دراساته الدينية النصرانية على أيدي قساوسة تعلم منهم َ
جنبا إلى جنب مع اضطالعه بمهمة واملسلمين وكيف ..دخل الجامعة لدراسة التجارة واالقتصاد ً
التنصير على مدرجات الجامعة وسط الطالب املسلمين. 188
ً
اقتراحا في الكنيسة مفاده التبشير بالنصرانية في بالد املسلمين وبالتحديد في بالد قدم إيفور
ً ً
الحرمين!! أحدث هذا االقتراح جدل واسعا بين القساوسة الذين عارضوا األمر بشدة ،وحاولوا
تخويفه بقولهم إن عقوبة مرتكب هذا األمر املوت الزؤام؛ حيث ُيقطع رأسه على مرأى من
الناس ..أصر إيفور على تنفيذ اقتراحه مهما كان الثمن الذي سيدفعه مقابل ذلك ،ودفعته إلى
امللحة في اكتشاف عالم املسلمين املجهول الذي لم يعرف عنه إال ما قرأه في قصص ذلك رغبته ّ
ً
ألف ليلة وليلة ،هذا إلى جانب ما كان لديه من فضول ملعرفة عالقة الهالل باملسلمين ،فضل عن
رغبته امللحاحة في معرفة مدى تقبل املسلمين لعقيدة التثليث.
يصرح إيفور بأن من األمور التي زادت من عدم فهمه لإلسالم دور الهالل في حياة املسلم ،وهنا
مهم في حياتهم ،وكثير ممن يشرح دور يقول« :كنت أسمع أن الهالل الذي يعد ً
رمزا للمسلمين ٌّ
الهالل في حياة املسلم يشبهه بالصليب عند النصارى؛ فاملسلم يصوم إذا رأى الهالل ،ويفطر إذا
رآه مرة أخرى ،ويصوم إذا اكتمل البدر ،ويحدد مواقيت الحج بالهالل ،ويوضع على املنابر في
ً
املساجد ،ما جعلني أعتقد جهل أن الهالل هو املعبود وليس هللا تعالى»!
ً
ذهب إيفور إلى مكاتب التوظيف بحثا عن وظيفة باململكة العربية السعودية فوجد وظيفة
مأمور مستودع في شركة عربية في بالد الحرمين ..في فترة وجيزة وفي أوائل عام 1983م أنهى
إجراءات السفر ،واستقل الطائرة في طريقه لتنفيذ مخططه العجيب ..كان يأمل أن يمارس
نشاط التنصير بأرض الحرمين لكي ير�ضي الكنيسة ،ولكي يثبت للقساوسة مدى صحة فرضيته
ومن ثم يزهو ويفتخر بقدراته الهائلة على اإلقناع.
كان إيفور يعتقد أن املسلمين في أرض الحرمين يشبهون املسلمين في بالده حيث التهاون في
أداء العبادات وعدم التفريق بين الحالل والحرام ..لكنه اندهش بشدة حينما وجد أن هناك
ً ً
شاسعا بين املسلمين في بالده سيريالنكا واملسلمين في أرض الحرمين فتوصل إلى قناعة فرقا
تامة مفادها أن املهمة ليست بالسهولة التي كان يتصورها كما عرف السر الكامن وراء الخوف
الشديد الذي يبديه سدنة الكنيسة وقساوستها من اإلسالم.
تغيرت نظرة إيفور لدينه ودين قومه عندما رأى مظاهر االلتزام وسط املسلمين بدينهم األمر
الذي أفقده رغبته الجامحة واملستعرة للتنصير ،ليس هذا فحسب بل أصبح ينظر للمسلمين
نظرة إعجاب وتقدير مقابل نظرة احتقار لذاته ومعتقده ولقومه ..بدأ الشك يساوره مرة أخرى
في النصرانية التي أحس بأنها بعيدة كل البعد عن الطريق املستقيم.
برغم نشاطه التبشيري املكثف ووصوله مرتبة كبير أساقفة الكنيسة فإنه لم يكن يشعر
189
بالراحة النفسية حيث توصل إلى حقيقة أن النصرانية لم تشبع روحه التواقة لنور الحق فأخذ
يبحث في غيرها من العقائد ..في البدء جرب الهندوسية لكنه لم يجد فيها ما كان يبحث عنه إذ
وجدها تشتمل على أسرار وطقوس هالمية ال تستقيم مع صفاء النفس وتعلقها باهلل ..جرب
الشيوعية وقرأ كتبها ودرس مبادئها ،لكنه وجدها كسابقتها ال تشفي حاجته الروحية ..أصابته
الحيرة وشعر باأللم يخنق صدره ويعتصر قلبه..
تلبي حاجة النفس وال توازن بين الفرد واملجتمع، تيقن من حقيقة أن العقيدة النصرانية ال ّ
ً
ونقصا في الجانب العبادي ،ألنهم ًّ
روحيا ً
خواء بل ال توازن بين الدنيا واآلخرة؛ فأتباعها يعانون
ال يوحدون هللا بالعبادة؛ ففي النصرانية أسرار ال يسمح للفرد العادي أن يعرفها ،كما أن بها
مبشرالحرمين
ً ً
نظاما ًّ
ّ
عجيبا :فالسدنة أعلى مرتبة من القساوسة ،وهؤالء األخيرين يختلفون عن العامة طبقيا
من أفراد الطائفة النصرانية ،بالتالي تجد أن النصراني في خضم هذا املشروع الطبقي املريع
ً
ين�سى ربه ويتعلق بالقسيس أمل في صفح ومغفرة ال يمكن الحصول عليهما إال عبره ألنه هو الذي
يصفح ،ويغفر؛ ال ل�شيء إال ألنه هو الوسيط بين هللا وعباده!!
لقد فقد إيفور الثقة بالعقيدة النصرانية ً
تماما عندما رأى اإلسالم على حقيقته في بالد
الحرمين مهبط الوحي ..ومن األشياء التي لفتت انتباه إيغور مدى تعظيم املسلمين للقرآن الكريم
ً
ومالحظته أنهم ال يلمسونه إال إذا كانوا متطهرين ،وال يسمحون لغير املسلم بلمسه فضل
عن قراءته ،كما وجدهم يطبقون بعض األحكام عند قراءة القرآن ،بل الحظ أنهم يحسنون
أصواتهم عند قراءته ،ويشعرون بأنهم يعظمون هللا تعالى ويتعبدونه بتالوته ..في املقابل تذكر
أنهم في النصرانية ال يتعاملون مع اإلنجيل بذات القدر الذي يفعله املسلمون مع القرآن حيث
يهمهم من يقرأ اإلنجيل ،بل ال يقيمون له قداسة كانوا ال يقيمون لهذه األحكام ً
وزنا ،كما أنه ال ّ
ً
تعظيما؛ إذ يمكنهم أن يأخذوه إلى املرحاض كما أنهم يهجرونه ،وال يؤمنون بمعظم ما فيه. وال
انبهر إيفور بتعظيم املسلمين للقرآن الكريم فشعر برغبة شديدة في قراءته والبحث في مضمونه
عساه يجد فيه ً
بعضا من املتناقضات التي ينضح بها الكتاب املقدس ..لم يعثر على نسخة مترجمة
للقرآن ،ولم يجد من يعيره نسخته؛ فهو في نظرهم كافر ال يجوز له أن يلمس القرآن ..مضت أيام
وهو على هذه الحالة لديه رغبة شديدة في قراءة القرآن الكريم وصعوبة أشد في الحصول على
نسخة مترجمة منه.
وفي إحدى الليالي دعاه مهندس باكستاني لتناول طعام العشاء في منزله؛ فقد كانت آخر ليلة
له في مدينة املجمعة السعودية؛ إذ كان سيسافر في صبيحة اليوم التالي إلى أهله بصورة نهائية..
وأثناء تناولهم للعشاء ملح إيغور نسخة مترجمة ملعاني القرآن إلى اإلنجليزية فطلب من املهندس
الباكستاني أن يعيره إياها ،ففعل ..لم يصدق بطل قصتنا حقيقة أنه حصل على ضالته املنشودة 190
فكاد يطير من الفرح حتى لم تعد له شهية في األكل أو الشرب ،فقط كان يريد في إلحاح أن يتصفح
القرآن ،ويعرف ما فيه ..في تلك اللحظة بدأت فكرة البحث عن املتناقضات تعاوده مرة أخرى،
وبدأ الشيطان يعده ويمنيه بدنو حصوله عليها.
خرج إيغور من منزل املهندس على عجل وذهب إلى بيته ..وما أن دخل غرفته حتى سارع في
قراءة النسخة املترجمة للقرآن بلهفة ..شعر بقشعريرة في جسمه عندما وجد أن أول ما قرأه:
(بسم هللا الرحمن الرحيم) ..فهو قرأ كل الكتب املقدسة من اإلنجيل إلى التوراة إلى كتب األديان
كتابا غير القرآن يبدأ باسم هللا ..يقول بطل قصتنا إن للبسملة معنى األخرى ولكنه لم يجد ً
ً
عجيبا، استقر في قلبه؛ فهذه أول مرة في حياته يقرأ البسملة فتركت هذه القراءة في نفسه ً
أثرا
ودفعته إلى أن يقرأ القرآن بتمعن صادق وقلب مفتوح.
ُ
عندما قرأ سورة الفاتحة فتح قلبه على مصراعيه إذ وجدها تتحدث عن ذات ما قاله عي�سى
يحيون اإلله ،فقال لهم أن يحمدوه -عليه السالم -ألصحابه عندما أرادوا أن يعرفوا كيف ُّ
ويمجدوه ويدعوه ..شعر بالنور ينساب إلى داخل قلبه منه وتسرب إلى بقية جوانحه ،فأضاءها
بفيض جعله يتذوق طعم السعادة واإليمان ألول مرة في حياته كيف ال وهو يقرأ كالم هللا تعالى.
انتقل بعدها إلى قراءة سورة البقرة ..انبهر باآليتين األولى والثانية اللتين وجد معناهما في كل
ّ ْ َّ َ َ َ َ ُ َ
اب ال َر ْي َب ِف ِيه ُه ًدى ِلل ُمت ِقين) (البقرة .. )2-1 :الفرقالكت
الكتب املقدسة التي قرأها( :الم * ذ ِلك ِ
املدهش أن معناهما كان يأتي في ختام تلك الكتب عقب انتهاء املقاطع والتعاليم الدينية والقصص
واملواعظ أما في هذا الكتاب فوجد هذا املعنى الكريم يأتي في أول القرآن ليعلن للعاملين أن هذا
الكتاب العظيم ال ريب وال نقص فيه! من يملك مثل هذه الثقة غير هللا الواحد األحد؟!!
َ ُ َ َّ َ ْ ُ َ
ين ُيؤ ِمنون ِب َما أ ِنز َل ِإل ْي َك عندما وصل في قراءته إلى اآلية الرابعة من سورة البقرة( :وال ِذ
ُ َ َْ َ َ َ َ ُ
اآلخ َر ِة ُه ْم ُيو ِقنون) (البقرة ،)4 :تزلزل ما بقي في قلبه من شك ،إذ أزالت وما أ ِنز َل ِمن قب ِلك و ِب ِ
هذه اآلية كل ما فيه من تساؤالت ..بل جعلت قلبه وعقله ينفتحان على مصراعيهما ويعترفان
بأن هذا الدين حق ،وأن الذي أنزل القرآن هو املعبود املستحق للعبادة وحده بال شريك..
توصل إلى ضرورة اإلسراع بممارسة العبادة الصحيحة ..تذكر قول املسيح -عليه السالم -إنه
ً
سيأتي بعدي من يقودكم إلى الحق والهدى؛ قال في نفسه :إذا هذا هو الحق والهدى الذي بشر به
عي�سى -عليه السالم .-قال في نفسه :أنا اآلن مسلم ،دون أن يعرف ذلك سواي أحد سوى هللا
علي أن أتطهر قبل الصالة ،ولكنني ال علي أن أصلي وأمارس اإلسالم ،ولكن يجب ّ تعالى ،بالتالي َّ
أعرف كيف يتطهر املسلمون؟
191 عندما دخل وقت أول صالة بعد اعتناقه اإلسالم الذي ال يعلم به سواه غير هللا تعالى ،وما
أن سمع املؤذن ينادي للصالة حتى قام بخلع مالبسه كلها وغسل جسده ثم دخل املسجد ألول
مرة ،ووقف في صف الصالة يقلد َم ْن على يمينه وشماله إلى أن انتهت الصالة وعاد إلى بيته ينتابه
إحساس من امتأل قلبه ..أحس براحة شديدة فهذه هي أول مرة في حياته يشعر فيها بقيمة العبادة
ويتذوق طعم اإليمان ..أخذ إيغور يكتب كل ما يسمعه من اإلمام ويحاول أن يردد كل ما يقوله..
ً ً
وبقي على هذه الحالة ملدة يومين وهو يغتسل كما يقول غسل كامل خمس مرات في اليوم الواحد..
في اليوم الثالث تفاجأ باإلمام يمسك به من يده ويعاتبه ألنه ال يصلي في املسجد وهو جاره (أي
ملتح يوحي بأنه مسلم قديم ..برر له تقصيره بأنه مسلم جديد مظهره وهو ٍ جار املسجد) فقد كان
ً
وأنه اعتنق اإلسالم حديثا ففرح به اإلمام كما فرح به اآلخرون.
مبشرالحرمين
ّ
بقي إيغور على حاله لعدة أيام وهو يغتسل قبل كل صالة إلى أن زار مكان عمله رجالن من
خارج املدينة وكان وقت الصالة قد حان ..طلب منه الرجالن أن يأذن لهما بالدخول إلى املرحاض
ً
استعدادا للصالة ،فقال لهما« :ال» وأرشدهما إلى مكان مفتوح يصلح للوضوء ..غضب للوضوء
منه الرجالن بشدة ألنهما لم يكونا على علم من أنه فعل ذلك لكي يتعلم منهما كيفية الوضوء
أتما وضوءهما ،توضأ إيغور مثلهما ،فأدهشهما هذا النصراني الذي يتوضأباملشاهدة ..وبعد أن ّ
ً
حرصا منه على أن يصل مثلهما ً
تماما!! بعدها أخذ يتعلم الواجبات وأركان الدين والعبادات
مرحلة املسلم املثالي الذي ال ّ
يفرط في أمر من أمور الدين.
وفي يوم ال ين�سى أخذه اإلمام إلى مدير املعهد العلمي في مدينة املجمعة الذي أهداه ً
عددا من
ً
مستودعا للكتب بمختلف اللغات األجنبية.. الكتب املترجمة باللغة اإلنجليزية ،وأخبره أن لديه
أخذ إيغور الكتب وقرأها ثم بدأ مشروع الدعوة إلى اإلسالم من خاللها ،عقب ذلك قام بإعداد
فريق من الدعاة يدعون إلى اإلسالم وسط غير املسلمين وقد وفقهم هللا تعالى في هداية كثير من
الناس في منطقتهم واملناطق املجاورة لها.
من خالل تجربته في التنصير عرف إيغور حقيقة أن املسلم املتمكن من عقيدته العارف
بالواجبات يتعذر على املنصرين إقناعه أو خلخلة عقيدته ،بالتالي ال يدخل في العقيدة النصرانية
إال أولئك الذين ليس لهم حظ من العلم بالدين وهؤالء قلة ..وعلى الصعيد ذاته أشار إيغور إلى
ً ً
أسلوبا خبيثا أمر خطير أخذ يعمل به الدعاة إلى النصرانية في اآلونة األخيرة إذ بدؤوا يستخدمون
يتمثل في قبولهم املسلمين ليعيشوا بينهم ،بل يقدمون لهم العديد من املغريات مثل املرتبات
العالية واملساكن املؤثثة ،بل يسمحون لهم ببناء املساجد وإقامة الشعائر الدينية ،وال يمنعونهم
من مزاولة ما يريدون تحت شعار الحرية الدينية ،لكنهم في حقيقة األمر يخططون لتنصير
أبنائهم وبناتهم من خالل تثقيفهم بالثقافة الغربية التي ال تخلو من املعتقدات النصرانية.
نختتم هذه القصة باإلشارة إلى أهمية ما حذر منه بطل قصتنا من األسلوب الجديد في التنصير
الذي أثبت نجاحه بدرجة مخيفة. 192
ولكن ..ال خوف على اإلسالم ..ال خوف على القرآن ..دين هللا وكالمه الكريم..
هو الحافظ لدينه والقرآن كالمه سبحانه..
ما يحفظه هللا ال يهدمه بشر!!
احفظوا أنتم أنفسكم فقط!!
اتبعوا فطرتكم التي فطركم هللا عليها..
رق الكفر والضالل.. الرقّ ..
تحرروا من ّ
193
تحاول التشبث بالحق املنير ..يطول الصراع ..ويطول..
النتيجة!! ..ينتصر الحق ..يشرق النور..
ها هي آن كولينز ..امرأة نشأت في عائلة مسيحية متدينة ..كانت تحرص على قداس األحد ذات
حرصها على التمسك بقناعتها املتذبذبة في بعض تعاليم املسيحية ..درست الكتاب املقدس فهالتها
بعض أفكاره الغريبة مثل فكرة «الخطيئة األصلية» ،و«الثالوث األقدس» ..اشترت ترجمة ملعاني
القرآن الكريم من إحدى املكتبات ..داومت على قراءتها فكانت لها بمنزلة مفتاح النجاة ..فلحقت
بركب املتحولين من النصرانية إلى اإلسالم في بلدها الواليات املتحدة األمريكية ،حيث تشير
الدراسات واإلحصاءات إلى أن ثلث املسلمين األمريكيين كانوا في األصل مسيحيين!
األساطير ّ
آن كولينز بطلة هذه القصة ،تتحدث عن إسالمها فتقول :كان والداي ملتزمين بالجماعة
املقدسة
الكنسية ،وكنا في أحايين كثيرة نستضيف قساوسة بروتستانتيين في منزلنا ..وكنت أساعد أمي
التي كانت تعمل بالتدريس في مدرسة األحد.
كان أقاربي ّ
يميزون بيني وبين أختي في درجة التدين ..أذكر أن خالتي أهدتني في عيد ميالدي
الحقا طلبت من والدي كتاب صالة ،وظللت أقرأ الكتاب املقدس ،بينما أهدت أختي دميةً ..
يوميا لسنوات طويلة ..وعندما التحقت باملدرسة التزمت برنامج دراسة الكتاب املقدسفيه ًّ
لعامين ،وحتى ذلك الحين كنت قد قرأت بعض األجزاء من الكتاب املقدس بيد أنني لم أستوعبها
على نحو جيد.
أصابتني باالرتباك مقاطع كثيرة في كل من العهدين القديم والجديد ..لقد وجدت أنها غريبة
وغير قابلة للتفسير أذكر منها -على سبيل املثال -فكرة «الخطيئة األصلية» ،التي تعني أن البشر
جميعهم آثمون عند مولدهم ..كان لي أخ رضيع ..كنت أنظر إليه وأنتقد فكرة «الخطيئة األصلية»،
ّ
الرضع ببراءتهم املعهودة ال يمكن لهم أن يكونوا آثمين. ألنني توصلت إلى قناعة مفادها أن
كذلك كان في الكتاب املقدس الكثير من القصص الغريبة واألساطير املثيرة بيد أن أكثرها
حرجا هو موضوع «الثالوث األقدس» ..لم يكن بوسعي أن أفهم كيفية أن يكون غرابة وأشدها ً
هلل ثالثة أقسام ،أحدها بشري! وعقب دراستي لألساطير اليونانية والرومانية في املدرسة
اعتقدت أن فكرة التثليث تماثل ً
كثيرا أفكار الرومان واليونانيين الذين كانوا يؤمنون بما يسمى
«آلهة» تضطلع بجوانب الحياة املختلفة.
كانت هناك الكثير من األمور بالكتاب املقدس التي كنت غير مقتنعة بها بيد أن حر�صي على
وصف من حولي لي بأنني متدينة جعلني أمتنع عن طرح األسئلة ..لكن ومن حسن الحظ كان
تماما عن مشاعري إذ كان يطرح الكثير من األسئلة حول «التثليث» ،وكان يتلقى يعبر ًمعنا صبي ّ
ً 194
إجابات كثيرة غير أنه لم يقتنع بها قط ،وكذلك الحال بالنسبة إلي ..كان معلمنا أستاذا في الالهوت
من جامعة ميتشيغان وعندما وجد أن الصبي امللحاح غير مقتنع بإجاباته طلب منه أن يصلي
من أجل اإليمان.
سرا في أن أكون راهبة جذبتني إلى ذلك الحياة ّ
املكرسة الحقيقة عندما كنت في الثانوية رغبت ًّ
تماما ،إلى جانب ارتداء لباس يظهر نموذج حياتي الدينية ..العقبة التي كانت تقف في طريقيهلل ً
حقيقة أنني لم أكن كاثوليكية ،فقد عشت في مدينة تقع في الوسط الغربي من أمريكا حيث إن
الكاثوليكيين يشكلون أقلية ال تحظى بشعبية ..هذا باإلضافة إلى أن تربيتي البروتستانتية جعلتني
قويا لفكرة أن القديسين املوتى لديهمإنكارا ًّ
أنفر من التماثيل الدينية إلى جانب أنها أكسبتني ً
القدرة على مساعدة األحياء.
في الجامعة كنت أستمع إلى مناقشات الطالب حول موضوع الدين فطرقت مسامعي الكثير
من األفكار املختلفة حول هذا األمر ..لقد قمت بدراسة املسميات الدينية الشرقية كالبوذية،
والكونفوشية ،والهندوسية ،بيد أنني لم أقتنع بأي منها.
ً مسلما ًّ
ً ّ
ليبيا ..حدثني ذلك الليبي قليل عن اإلسالم والقرآن الكريم ..قال لي في وقدر لي أن ألتقي
ثقة إن اإلسالم هو الدين العصري والشكل األكثر حداثة بين األديان السماوية ..ما جعلني آنذاك
ّ
غير مقتنعة بحديثه العتقادي أن أفريقيا والشرق األوسط أماكن متخلفة وبالتالي لم أكن أتوقع
أن ينبعث منها دين عصري ..وفي إحدى املرات صحبت عائلتي املسلم الليبي إلى قداس عيد امليالد..
ً
كان احتفال القداس بالنسبة إلينا جميل شديد الروعة ..لكن وعقب انتهائه سألني الليبي« :من
وضع هذه الطريقة؟ ومن علمكم كيف تصلون؟» أجبته بأن حدثته عن تاريخ الكنيسة الباكر..
الحقا إلى التفكير في الطقوسوعلى الرغم من أن سؤاله أغضبني في بداية األمر فإنه دفعني ً
التعبدية املسيحية فوجهت لنف�سي عدة أسئلة :ترى هل األشخاص الذين صمموا هذا الطقس
تعرفهم الشكل األمثل الذي ينبغي التعبدي الذي انتقده الليبي مؤهلون لفعل ذلك؟ ما هي كيفية ّ
أن تتخذه تلك العبادة؟ وهل لديهم أمر إلهي بذلك؟
فكرت ًّ
مليا وتوصلت إلى أنني ال أؤمن بالعديد من تعاليم الديانة املسيحية ،ومع ذلك كنت أرتاد
الكنيسة ..وأذكر عندما كانت تتلو جماعة املصلين مقاطع لست مقتنعة بصحتها ،مثل «عقيدة
نيسن» كنت أصمت وال أقرؤها ،ما جعلني أشعر وكأنني امرأة غريبة ومقحمة على الكنيسة.
ثم حدث أمر كان بالنسبة ّ
إلي بمنزلة القشة التي قصمت ظهر البعير ..ففي أحد األيام ذهبت
إحدى قريباتي إلى قس كنيستنا وهي تطلب منه النصح في مشكالت زوجية كانت تعانيها ،لكن
القس استغل ظرفها النف�سي فأخذها إلى «موتيل» وأغواها.
195
منذ ذلك الحين كنت حينما أرتاد الكنيسة أجلس وأنظر إلى الكهنة الذين يتقدمون جموع
املصلين ..كنت أقول في نف�سي إنهم ليسوا بأفضل من جموع املصلين ،بل إن بعض الكهنة كانوا
أسوأ منهم ..وطرحت على نف�سي عدة أسئلة من بينها :كيف ينبغي أن يكون هناك وسيط بيني وبين
لم ال أتعامل مباشرة مع هللا ،والحصول على مغفرته دون ذلك الوسيط؟ هللا؟ َ
لم يمر وقت طويل حتى وجدت ترجمة ملعاني القرآن الكريم في إحدى املكتبات ،فاشتريتها،
وظللت أحرص على قراءتها ،مع مواصلة بحثي في األديان األخرى ..خوفي من خطاياي أخذ يزداد
ً
يوما بعد يوم ،وكذلك الحال مع القلق الذي كان يساورني إذ كنت أبحث عن الكيفية التي تؤكد لي
أن هللا غفر خطاياي وأنا املرأة التي تتوق بصدق إلى الصفح والغفران.
األساطير ّ
راودني األمل في أنني سوف أجد اإلجابة عن تساؤالتي في الدين اإلسالمي عندما قرأت قول
املقدسة
َ َ َ َ َ َّ َ ْ َ ُ َّ َ َّ ً ّ َّ َ َ ُ َّ َ َ ُ َّ َ َ َ َ َ َ َّ ْ ُ ْ ّ
يسين هللا تعالى ..(َ :ولت ِجدن أق َربهم مودة ِلل ِذين آمنوا ال ِذ ُين قالوا ِإنا نصارى ذ ِلك َ ِبأن ِمنهم ِق ِس ِ
يض ِم َن ِ ) وإ َذا َس ِم ُعوا َما أنز َل إ َلى َّ
الر ُسول َت َرى أ ْع ُي َن ُه ْم َتف ُ َ ُ ْ َ ً َ َّ ُ ْ َ َ ْ َ ْ ُ َ
ونَ 82( ورهبانا وأنهم ل يستك ِبر
ِ ِ ِ
َ َ َ َ َ ُ ْ ُ َّ َ َ ْ َ ّ َ ُ ُ َ َ َّ َ َ َّ َ ْ ُ ْ َ ِ َ َ َّ َّ ْ َّ َ َ ُ
اه ِدين )83( وما لنا ل نؤ ِمن ِبالل ِـه الدم ِع ِمما عرفوا ِمن الح ِق َيقولون ربنا آمنا فاكتبنا مع الش ِ
َ َو َما َج َاء َنا م َن ْال َح ّق َو َن ْط َم ُع أن ُي ْدخ َل َنا َر ُّب َنا َم َع ْال َق ْوم َّ
الص ِال ِحين.))84( ِ ِ ِ ِ
وبمحض املصادفة شاهدت في شاشة التلفزيون مسلمين يصلون وعندها فقط عرفت أن
لدى املسلمين طريقة خاصة في الصالة تختلف عن صالة املسيحيين ..عقب ذلك عثرت على كتاب
-من شخص غير مسلم -يشرح طريقة صالة املسلمين ..جربت أداء الصالة بنف�سي بالطبع لم
شيئا عن الطهارة ولم أكن أصلي على نحو صحيح ومع ذلك أديت تلك الصالة ًّ
سرا أكن أعرف ً
وبمفردي ولعدة سنوات.
َ ُ َْ ُ َْ ْ ُ َُ ْ
وبعد مرور نحو سنوات من اقتنائي القرآن ،قرأت فيه ...( :ال َي ْو َم أك َملت لك ْم ِدينك ْم َوأت َم ْمت
فرحا ..انتابني اإلحساس وكأن هذا القرآن يت َل ُك ُم ْال ْس َل َم د ًينا) .بحق بكيت ً
ُ َ ُ
َعل ْيك ْم ِن ْع َم ِتي َو َر ِض
ِ ِ
كتب ألجلي أنا ..نعم شعرت بأن هللا الذي أنزل هذا القرآن منذ زمان قديم يعلم أن كولينز التي
تقطن منطقة ( - )Cheektowagaنيويورك في الواليات املتحدة األمريكية ،ستقرأ هذه اآلية من
القرآن في أيار ،1986وسوف تنعم بالخالص الذي تبحث عنه.
عرفت آنذاك أنه ينبغي لي تعلم أشياء كثيرة ،مثل كيفية أداء الصالة على النحو الصحيح..
شعرت بحاجة إلى استقاء معلوماتي من أحد املسلمين لكن مشكلة كبيرة واجهتني تتمثل في أني
لم أكن أعرف أي مسلم.
ً
ظهورا بكثير مما كانوا عليه إن املسلمين في الواليات املتحدة األمريكية في وقتنا الراهن أكثر
في تلك اآلونة التي كنت أبحث فيها عن مسلم ليعينني على فهم اإلسالم ..بحثت في دليل الهاتف
علي أحدهم حتىرد ّهاتفيا لكن ما أن ّ
ًّ فعثرت على رقم هاتف «الجمعية اإلسالمية» ..اتصلت بهم
196
شعرت بالخوف وقطعت املكاملة الهاتفية ..سألت نف�سي :ترى ماذا سأقول لهم؟ وكيف ستكون
إجابتهم؟ هل ستساورهم الشكوك بشأني؟ وهل سيرغبون في انضمامي إليهم ما داموا مترابطين
بعضا ومع إسالمهم؟مع بعضهم ً
ًّ
هاتفيا في الشهرين التاليين ملكاملتي الهاتفية األولى مع الجمعية اإلسالمية اتصلت عدة مرات
باملسجد ،بيد أنني كنت أشعر بالخوف في كل مرة وأقطع املكاملة حاملا يرد ّ
علي أحدهم.
أخيرا ،كتبت رسالة أطلب فيها معلومات عن اإلسالم وعن كيفية الصالة ..بصدر رحب اتصل ً
إلي الكتيبات التي تتعلق باإلسالم ..قلت له إنني أريد أن أصبح ًّ
هاتفيا ،من ثم ظل يرسل ّ بي أحدهم
مسلمة فقال لي« :انتظري حتى تكوني واثقة بذلك» .أزعجني حديثه ذاك ،لكنني وبعد تفكير عميق
عرفت أنه كان على حق ،إذ إن ّ
علي أن أكون واثقة برغبتي في اإلسالم ،ألن اعتناقي له يعني حدوث
تغيير جذري في حياتي وإلى األبد.
ليل ًً علي اإلسالم ّ
الحقيقة استحوذ ّ
ونهارا ،بل عندما كنت أقود سيارتي كلية وظللت أفكر فيه
إلى أقرب مسجد من مسكني -وكان آنذاك مجرد بيت قديم -كنت أطوف حوله مرات عديدة وكل
مسلما ليخبرني ّ
عما يوجد ويدور داخله. ً أملي أن أرى
وفي أحد أيام تشرين الثاني ،1986وبينما كنت منشغلة بعملي في املطبخ ،انتابني شعور مفاجئ
بأني مسلمة فأرسلت رسالة إلى املسجد أقول فيها« :إني أؤمن باهلل الواحد الحق ،وأؤمن بمحمد
ً
رسول ،وأريد أن أكون من الشاهدين».
هاتفيا الشخص ذاته الذي كان يتواصل معي من قبل ونطقت ًّ في اليوم التالي ،اتصل بي
الشهادة أمامه عبر الهاتف ..أخبرني حينذاك أن هللا قد غفر لي في تلك اللحظة جميع أخطائي،
وأنني اآلن نقية مثل طفل وليد ..شعرت بأطنان من الخطايا تنزل من على كاهلي وتفارقني إلى
األبد ..بكيت ً
فرحا ..لم أنم طيلة تلك الليلة فقد كنت أكبر وأنا أردد اسم هللا ،كيف ال وقد نلت
الصفح والغفران وهلل الحمد ّ
واملنة.
فالبعثات التنصيرية تحرص كل الحرص على أداء عملها على الوجه األمثل؛ ألن الجهات
التي تقف وراءها تحاسبها بدقة فهي تقدم لها الدعم اللوجيستي الكبير وتوفر لها التمويل املالي
الضخم ،وبالتالي ال تقبل فشلها مهما كانت املبررات .وبذلك فإن رئيس البعثة التنصيرية يكون
تجنب بعثته للفشل ،ألنه املسؤول األول ..هذه هي القاعدة في حرصا على ُّ
ً عادة أكثر أعضائها
العمل التنصيري أما االستثناء فهو ما نلمسه في قصتنا هذه حيث تعرضت بعثة تنصيرية رفيعة
املستوى للفشل الذريع بسبب اعتناق رئيسها للدين اإلسالمي.
198
بطل قصتنا هو الطبيب جي ميشيل الذي ّ
توجه على رأس بعثة تنصيرية من أملانيا الغربية
للعمل في القرن األفريقي ،خلف ستار «مكافحة أمراض العمى» ،ولكنه نجح في إفشال عمل
البعثة التنصيرية ،بعد أن اعتنق اإلسالم ّ
وغير اسمه إلى عبدالجبار ..أما الذي دفعه العتناق
اإلسالم ،وكيف كان ّ
رد الجهات التي تقف وراء بعثته التنصيرية ..فهذا هو ما سنتطرق له
في هذه القصة..
بدأت القصة باختيار منظمة التنصير بأملانيا الغربية الطبيب جي ميشيل ليرأس البعثة
التنصيرية املتجهة إلى الصومال ،إلى جانب عمله كطبيب ألمراض العيون ..وهناك في الصومال
أقام عالقات مع عدد من املسلمين كان أساسها املودة واالحترام املتبادل.
وبعد مرور خمسة أشهر على بدايته لعمله في الصومال تلقت املنظمة تقارير تفيد بتفاني
جي ميشيل في عمله كطبيب مقابل إهماله للشق األهم من مهمته أال وهو عملية التنصير ..وقبل
أن يجف مداد آخر تقرير كتب عنه ،تلقى جي ميشيل برقية من رئاسة املنظمة بأملانيا الغربية
ً تطلب منه ضرورة ذهابه إلى إنجلترا لقضاء فترة تدريبية .وهناك أم�ضى ً
شهرا كامل ،عاد بعده
إلى أملانيا الغربية ،وبعد أسبوع واحد فقط جاءه األمر للتوجه إلى تنزانيا ،التي لم يمض فيها
سوى أربعة أسابيع فقط ،ومن ثم طلبت منه رئاسة املنظمة الذهاب إلى الصومال مرة أخرى
إلكمال املهمة التنصيرية.
تعرف جي ميشيل إلى صديق مسلم من الصومال يسمى محمد باهور ..ولم يمر وقت طويل ّ
على لقائهما األول حتى توطدت عالقة الصداقة بينهما ..وفي أحد األيام دعا باهور صديقه
ميشيل لزيارة منزله ّ
فلبى دعوته ..قابلت أسرة باهور صديق ابنها بترحيب كبير ،وكذلك أهله
والجيران ..وإلى جانب انبهاره باملقابلة الطيبة اندهش ميشيل عندما فوجئ برجل بين الحضور
يتحدث اإلنجليزية بطالقة!!
كثيرا عندما علمت أن هذا الرجل هو والد صديقي ُم َّ
حمد.. يقول ميشيل في ذلك« :لقد فرحت ً
وقلت في نف�سي هذه فرصة وسوف أمارس الجزء الثاني من مهمتي وهو التنصير ،ألن اللغة تقف
ً
عائقا أمامي في إنجاز هذه املهمة ،لكن وجود مثل هذا الرجل الذي يتحدث اإلنجليزية سيساعدني
كثيرا في شرح أبعاد مهمتي التنصيرية ،خاصة أن هذا الرجل يحترمه الجميعّ ،
ويقدرونه بصورة ً
تكاد تقترب من الخوف».
يقول ميشيل« :تمنيت أن أجذب والد صديقي إلى الدين املسيحي حتى تتحقق لي عملية
إلي بإصغاء ًّ
تنصيريا له بالحديث معه عن املسيحية ..الحظت أنه ينصت ّ ً
برنامجا التنصير ..وبدأت
تام ،وتوقعت أنه مقتنع بحديثي له ..فرحت بشدة إذ ّ
تخيلت أن تنصيره يعني الحصول على مفتاح
199
سحري يقود إلى إنجاح عملية التبشير والتنصير في املنطقة كلها».
استرجع ميشيل شريط الذكريات واسترسل في حديثه يقول« :لقد هيأت نف�سي أن أبدأ معه
الحديث عن األديان واإلنجيل واملسيح ..وعقب حديث طويل تحدثت فيه عن املسيحية باعتبارها
دينا ال يماثله في الرقي دين آخر ،إلى جانب تركيزي في حديثي على قداسة اإلنجيل وعظمة املسيح ً
عي�سى ابن هللا تفاجأت بوالد صديقي وهو يمسك نسخة من القرآن في يديه ويسألني :أتعرف هذا
الكتاب ..ابتسمت في وجهه ولم أجب ..الحقيقة كنت ً
خائفا من أن أثيره أو أملح له بمهمتي ،بيد أن
ً
صادقا اعتراني مفاده أن هذا الرجل يدرك ً ً
تماما ما يدور داخل عقلي ..في تسامح جميل إحساسا
وكرم بالغ أتاح لي فرصة الخروج من مأزق أوصلني إلى قمة الحرج حيث بدأ يتحدث عن اإلنجيل
مكافحة العمى
ً
جميعا يحبون وعن املسيح ..والحق يقال ،أوصلني حديثه إلى حقيقة جلية مفادها أن املسلمين
نبي هللا عي�سى ويعترفون به ..أكثر من هذا توصلت إلى أن اإلسالم يدعو إلى اإليمان به وبغيره من
الرسل واألنبياء ،ليس هذا فحسب بل جعل ذلك من دعائم اإليمان باإلسالم ..عقب ذلك طلب
ً
مني والد صديقي أن أوجه له أي سؤال في اإلنجيل أو في القرآن ..اندهشت وسألته قائل« :كيف
ذلك؟!» ..أجابني قال« :يحتوي القرآن على كل �شيء».
ّ
انتهت الزيارة وميشيل يفكر في كيفية اختراق عقل ذلك الرجل وفكره ،ألنه لو نجح في ذلك
ً
شوطا ً
بعيدا وسيسهل اصطياد اآلخرين الواحد تلو اآلخر ..ولذلك عاد إلى بيته سيكون قد قطع
ّ
واستجمع بعض النشرات والكتيبات وسخر وقته لالطالع ،وكأنه مقبل على امتحان ،وحان
موعد اللقاء الثاني .ويقول ميشيل« :فور جلو�سي سألني الرجل عن طبيعة مهنتي فقلت :الطب،
فقال لي :القرآن الكريم يشرح بالتفصيل عملية الخلق والنشأة وكل ما يحدث في اإلنسان من
تغيرات وهو في رحم أمه ،واندفع الرجل يشرح ذلك وبحماس شديد ..وبصراحة انبهرت بهذا
الرجل ودهشت لكتاب عمره أكثر من 1400عام يتحدث عن كيفية نمو الجنين في رحم أمه،
ً ًّ ّ
تدريبا شاقا على معرفة مراحل نمو وأنا الطبيب الذي تعلم الطب لسنوات عديدة ،وفيها تدربت
كثيرا ،وآملني ذلك ً
كثيرا ..ولكن ما زالت مهمتي هي التنصير شدني ًالجنين ،لكن ما ذكره الرجل ّ
املغلف بمكافحة العمى».
صمت جي ميشيل للحظات استرجع خاللها ذكريات لقائه األول مع والد صديقه الذي تحدث
ً
محاول جذبه إلى املسيحية فأصغى إليه بمنتهى األدب ،ثم َّ
عقب على حديثه وتحدث عن معه
اإلسالم في سالسة ويسر بصورة مبسطة وسهلة يستسيغها العقل ويقبلها التفكير املنطقي..
حمد باهور في منزله ،وأثناء هذه «تكررت زياراتي إلى والد صديقي ُم َّ
وأردف ميشيل يقولّ :
تماما من ذلك الرجل ،وكنت أشعر أمامه بأني تلميذ صغير، محاصرا ً
ً الزيارات كنت أجد نف�سي
وأثناء ذلك كله لم أكن أدري أني مراقب من أعضاء البعثة التنصيرية ،حيث طلبوا مني عدم
الذهاب إلى ذلك املنزل ..وجاء أمر من أملانيا بضرورة مغادرتي املعسكر ،بل لم يمر وقت طويل 200
حتى فوجئت بقرار يق�ضي بنقل صديقي من املنطقة للعمل في مكان آخر ،أعقبه اعتقال تعرض
حمد باهور ووالده وأسرته، له بدون سبب منطقي ..أما أنا فلم تكن هناك قوة تمنعني من حب ُم َّ
حمد باهور، وبذلك مكثت في مقديشو (عاصمة الصومال) فترة ،وكنت خاللها أتسلل إلى والد ُم َّ
برغم الصعوبات التي تواجنهي ،وتحت ضغوط أعضاء البعثة صدرت أوامر لي بالذهاب إلى
حمد باهورحد تعبيرهم ..وقبل الذهاب ذهبت خلسة إلى منزل ُم َّ كينيا لقضاء إجازة ممتعة على ّ
وقوبلت هناك بكل مودة وترحاب ،وكان ذلك مع قدوم شهر رمضان ،حيث تناولت معهم وجبة
السحور ،وقبل الفجر شاهدت املنطقة كلها تخرج للصالة واضطررت أن أصوم ّأول يوم
ً
احتراما ملشاعرهم». معهم
ً ً
متوجها إلى نيروبي عاصة كينيا تنفيذا وجاء موعد الرحيل ،حيث حقب ميشيل أغراضه
لألوامر الصادرة له ،ولكنه صدم عندما علم أنه ممنوع من العودة إلى الصومال ،وقبل أن
تستقر أوضاعه في نيروبي وصلته برقية من والده يطالبه فيها بالعودة إلى أملانيا ً
فورا ،وحينها
ً
حاسما باالستقالة من اكتشف ميشيل أن تفاصيل تحركاته كانت مرصودة بدقة ،فاتخذ ً
قرارا
تماما فكل �شيء على ما يرام ،وسوف عمله في أملانيا ،ومن ضمن ما ذكر في استقالته« :اطمئنوا ً
وقرر العودة إلى الصومال مهما كلفه ذلك من ثمن! أعتنق اإلسالم» .ووضع الرسالة في البريدّ ،
وما أن أعلن ميشيل ّنيته اعتناق اإلسالم حتى بدأ يتعرض ملحاوالت مستميتة من قبل
البعثات التنصيرية تهدف إلى أن تثنيه عن عزمه وهي محاوالت وصلت إلى حد التهديد بالقتل.
لم تنجح حمالت التهديد والوعيد في إخافة ميشيل بعدما تغلغل اإلسالم إلى شغاف قلبه ،فباع
متاعه كله ،بما في ذلك مالبسه الشخصية ،من أجل الحصول على تذكرة سفر إلى الصومال،
فورا إلى منزل والد صديقه ُم َّ
فحطت به الطائرة في مطار مقديشو ومن هناك توجه ً ّ
حمد باهور،
ً
هامسا في أذنه :أشهد أن ال إله إال هللا وأشهد أن حيث يقول ميشيل« :وفور أن عانقني قلت
حم ًدا رسول هللا».ُم ّ
201 هل لو لم يكن هذا الدين من عند هللا ..لو لم يكن اإلسالم هو الدين الحق الذي يرتضيه هللا
لإلنسان ..أكانت قوة على وجه األرض تستطيع فعل ذلك مع جي ميشيل؟!!
أيها السادة ..إنه اإلسالم ..دين هللا..
فماذا بعد كل هذه الدالئل واملؤشرات؟!
ماذا ينتظر غير املسلمين؟!
اسألوا هللا الهداية ..فباهلل نهتدي إلى هللا.
مكافحة العمى
ولد الطفل «كاسيوس كالي جونيور» يوم 17يناير عام 1942في «كونتاجي» بالواليات املتحدة
األمريكية ،وهي منطقة خطيرة وشهيرة باحتوائها على أبشع ألوان التفرقة العنصرية في أمريكا
إن لم يكن في العالم ...عانى الصغير «كاسيوس» منذ طفولته من هذه التفرقة العنصرية بسبب
لونه ،بل عاف اسم كاسيوس الرتباطه بالعبودية إذ كان العبد آنذاك ينسب لسيده.. 202
بل لم تمر سنوات قليلة على الحدث السابق حتى خطف «كالي» األنظار وانتزع بطولة العالم
ً
ثوان ،تم تتويجه بعدها بطل للعالم
للمحترفين من «سوني ليستون» في مباراة لم تستغرق سوى ٍ
ً
في املالكمة للوزن الثقيل ،ويصبح املالكم األول في عصره ،وكان عمره 22عاما.
في ربيع عام 1965وبعد تتويجه بلقب بطولة العالم وبين ضجيج هتافات آالف املعجبين وبريق
فجر كالي مفاجأة من العيار الثقيل للعالم بأسره ،ووقف وأعلن إسالمهفالشات آالت التصويرّ ،
أمام ماليين املشاهدين الذين تحلقوا حول الحلبة وأمام أجهزة التلفاز في مختلف دول العالم،
محمدا رسول هللا» ،وغير اسمه إلى «محمد علي كالي»،ً ً
مرددا« :أشهد أن ال إله إال هللا ،وأن
ليبدأ وسط دهشة املشاهدين ومراسلي أجهزة اإلعالم معركة أخرى أشد شراسة مع الباطل،
الذي أزعجه أن يعلن هذا البطل إسالمه بهذه السهولة والبساطة ،حتى وصل به األمر حد دخوله
السجن وسحب لقب البطولة منه ألكثر من مرة.
وللتقليل من شأن إسالم البطل محمد علي كالي وإلقاء شبهات عليه حرصت الدعاية الكنسية
على ربط نفوره من املسيحية بالتفرقة العنصرية .ولكن الحقيقة لم تكن التفرقة العنصرية
ً
سببا في دخول كالي إلى اإلسالم بيد أنها تقف وراء تساؤل ملحاح دار بذهنه منذ طفولته :إن
كانت العقيدة املسيحية صحيحة فلماذا تسمح بمثل هذه املمارسات غير اإلنسانية؟
عقب استماعه إلى حديث إمام املسجد بدأ كالي قراءة معاني القرآن الكريم وهي مترجمة إلى
اإلنجليزية فازداد قناعة بأن اإلسالم هو الدين الحق وأن القرآن هو كالم هللا الذي أوحى به إلى
لكمات وكلمات!!
ّ
رسوله محمد -صلى هللا عليه وسلم.-
ومن األمور التي هزت البطل كالي توقير املسلمين لنبي هللا عي�سى -عليه السالم -وأمه العذراء
السيدة مريم ،األمر الذي وجده يتسق مع املسيحية في حقيقتها النقية التي تخلو من التشويه
وعقيدتها األصلية غير املحرفة.
ولم يكتف «محمد علي كالي» بقراءة الكتب بل أخذ يكثر من االختالط بجماعات املسلمين،
فوجد فيهم العشرة الطيبة واملحبة الصادقة وكل املعاني النبيلة التي افتقدها في تعامله مع
املسيحيين الذين اكتفوا بالنظر إلى لونه ال إلى جوهره ..فاعتنق اإلسالم عن قناعة تامة.
الفطرة السليمة هي التي مهدت الطريق أمام البطل «محمد علي كالي» نحو اإلسالم وإن
استمر األمر معه لسنوات طويلة قضاها في املقارنة بين اإلسالم واملسيحية مع وجود دعاية
مضللة تعمل على تشويه اإلسالم بمساعدة بعض املسلمين غير امللتزمين تعاليم اإلسالم ،ولكل
ذلك بدأ كالي من خالل قراءاته الواعية التمييز بين واقع املسلمين اليوم ،وحقيقة اإلسالم
الخالدة ..وعندما فعل ذلك وجد نفسه أمام دين قويم يساوي بين الجميع ..إلهه إله واحد ال
شريك له وليس كما هو الحال مع الديانة املسيحية املحرفة ..ديانة التثليث.
في التاسع من يونيو عام 2016توافد اآلالف من مختلف األعراق والعقائد من محبي هذا
204
البطل االستثنائي على بلدته لويفيل إللقاء نظرة الوداع األخيرة على جثمانه ،حيث أنهى املوت
حياة واحد من أبرز رموز القرن العشرين ..وكان محمد علي كالي يخطط بنفسه لجنازته منذ
مؤكدا بذلك أن مراسم جنازته ستكون عالمة على اعتزازه بالدين ً عشرة أعوام من هذا التاريخ
اإلسالمي الذي يدين به ..وخالل لقاء تلفزيوني مشهور سأله أحد األطفال« :ماذا تريد أن تفعل
بعد اعتزال املالكمة؟» ّ
فرد عليه بثالث كلمات« :أستعد ملالقاة هللا»! وها هو اليوم بجوار ربه!
ّ
سخر حياته وشهرته وحب العالم له في الدعوة إلى هللا ..في إنقاذ البشر..
ً ُ
توج في الدنيا بطل باللكمات ..فسعى للتتويج في اآلخرة بالكلمات..
فال تبخل على نفسك أنت بهذه الكلمات..
ً
محمدا رسول هللا.. أشهد أن ال إله إال هللا وأن
اسأل هللا الهداية ..فباهلل نهتدي إلى هللا.
بطلة قصتنا مثال حي على ذلك ..ظلت منذ ميالدها ترضع العداء لإلسالم من ثدي أمها ومن
أثداء بني جنسها ..درست الالهوت وأصبحت معلمة ..الزمت الكنيسة وتدرجت في مناصبها حتى
أصبحت قسيسة متعصبة ..همها األوحد تنصير أكبر عدد من املسلمين عبر حمالتها التنصيرية،
وشغلها الشاغل تأليب أكبر عدد من املسيحيين ضد اإلسالم من خالل كتاباتها املغرضة.
205
وفي حملة تنصيرية أقيمت في الفلبين جمعتها املصادفة بدكتور فلبيني قادم من إحدى
الدول العربية ..من خالل سلوكه اكتشفت إسالمه ،وملعرفة السر الكامن وراء إسالمه بحثت
وسألت فعرفت أن اإلسالم ليس كما كانت تعرف عنه من قبل ،فاعتنقت اإلسالم بعد مرورها
بعدد من املحطات ..إنها معلمة الالهوت والقسيسة واملنصرة ميري واتسون ً
سابقا والداعية
املسلمة خديجة اآلن ..ملاذا أسلمت؟ وكيف أسلمت؟ هذا ما سنعرفه من خالل هذه القصة.
كانت ميري واتسون مؤهلة للعمل في مجال التنصير بفعالية فهي حاصلة على شهادة من كلية
ً
أمريكية ،وبكالوريوس في علم الالهوت حصلت عليه من الفلبين ،فضل عن عملها معلمة لالهوت
في كليتين؛ إذ كنت الهوتية وأستاذة محاضرة وقسيسة ..وإلى جانب عملها األكاديمي والتنصيري
ميالد جديد
ّ
املشوهة عن كانت ميري تخصص ً
جزءا ً
كبيرا من وقتها لكي تعمل على تكريس الصورة الذهنية
اإلسالم في أذهان غير املسلمين ..وفي هذا الجانب كتبت ميري مقاالت عديدة مغرضة ضد اإلسالم
ندمت عليها عقب إسالمها وهو إسالم تقف وراءه قصة باهرة ّ
تدل على فطرتها السليمة.
ًّ ً ً
فلبينيا قدم من إحدى محاضرا في إحدى الحمالت التبشيرية بالفلبين التقت ميري أستاذا
ً
سلوكا ً
غريبا غير معهود ،فسألته في إلحاح حتى اعترف لها بأنه الدول العربية ..الحظت عليه
أسلم من حيث أتى ،وأن الجميع يجهلون إسالمه ..وهنا راودتها أسئلة فضولية كثيرة :ملاذا أسلم؟
وملاذا ّبدل دينه؟ وما السر الكامن في هذا الدين الذي دفعه إلى التخلي عن نصرانيته؟
للحصول على إجابات شافية عن أسئلتها فكرت في االتصال بصديقة فلبينية مسلمة كانت
تعمل باململكة العربية السعودية ..وبالفعل ذهبت إليها ،وبدأت تسألها عن اإلسالم العديد
ّ
من األسئلة ..وفي البدء استهلت أسئلتها بالسؤال عن معاملة النساء في اإلسالم ،ألن النصارى
يعتقدون -مخطئين -أن حقوق املرأة في اإلسالم مسلوبة بل دون الحد األدنى.
وهنا قالت ميري« :بحق شعرت بالراحة الشديدة من حديث صديقتي؛ فاستطردت أسألها عن
ّ عز ّ هللا ّ
وجل ،وعن النبي محمد -صلى هللا عليه وسلم ..-وما أن أجابت عن تساؤالتي حتى اكتشفت
تعج باملغالطات عن اإلسالم واملسلمين ،األمرأن كل الكتب التي قرأتها من قبل ملؤلفين نصارى ّ
الذي دفعني إلى أن أسألها عن القرآن وعن تلك الكلمات املؤثرة التي تقال في الصالة».
واسترسلت ميري في حديثها قائلة« :وملعرفة املزيد عن اإلسالم انكببت أقرأ الكتب اإلسالمية
كتابا وصلت من خاللها إلى قناعة ّ
تامة مفادها أن اإلسالم في نهم وشره ..وفي نهاية أسبوع قرأت ً 12
وجل وحده ال شريك له ،وأنه سبحانه وتعالى هو الذي يغفر الذنوب عز ّ هو الدين الحق ،وأن هللا ّ
والخطايا ،وأنه هو وحده الذي ينقذنا من عذاب اآلخرة ،لكن وعلى الرغم من هذه القناعات فإن
اإلسالم لم يستقر في قلبي بعد ..فابتهلت إلى هللا تعالى أن يهديني إلى سواء السبيل..
206
وفي ليلة ال تن�سى وبينما أنا مستلقية على فرا�شي ،وكنت على وشك أن أنام أحسست ب�شيء
غريب استقر في قلبي ،فاعتدلت على الفور وقلت بصدق :يا رب ..أنا مؤمنة بك وحدك ..عقب
ذلك نطقت بالشهادتين ،وشعرت براحة واطمئنان لم أشعر بهما من قبل ..حمدت هللا تعالى على
نعمة اإلسالم ،واعتبرت أن ذلك اليوم هو يوم ميالدي الحقيقي وأطلقت على نف�سي اسم خديجة
كبديل السمي القديم ميري».
وبررت بطلة قصتنا اختيارها السمها الجديد قائلة« :اخترت هذا االسم ألسباب عديدة من
بينها أن السيدة خديجة -ر�ضي هللا عنها -كانت أرملة ،كما هو حالي ،وكان لديها أوالد ،وأنا كذلك،
ّ
وكانت في األربعين عندما تزوجت النبي -صلى هللا عليه وسلم ،-وآمنت بما أنزل عليه ،وكذلك
أنا كنت في األربعين من عمري حينما اعتنقت اإلسالم ..أما السبب الرئي�سي فيتمثل في إعجابي
ّ ً
محمدا -صلى هللا عليه وسلم -وشجعته». الشديد بشخصيتها ألنها آزرت سيدنا
وتحدثت خديجة عن موقف أبنائها من اإلسالم بكلمات امتزجت فيها عاطفة األمومة مع
دافعية الداعية فقالت« :خالل فترة عملي باملركز اإلسالمي بالفلبين كنت أحضر معي للبيت بعض
ّ
الكتيبات واملجالت وأتركها باملنزل على الطاولة عن قصد وكلي أمل في أن يهدي هللا تعالى ابني
«كريستوفر» إلى اإلسالم ..لقد كان االبن الوحيد الذي يعيش معي باملنزل ..بدأ ابني كريستوفر
وصديقه يقرآن الكتيبات واملجالت ويتركانها كما وجداها ..من ناحية ثانية كنت أمتلك ّ
(منبه
ً
وتكرارا عندما أكون أنا خارج املنزل ..ولم يمض أذان) فأخذ ابني كريستوفر يستمع إليه ً
مرارا
وقت طويل حتى أفرحني ابني بشدة وهو يخبرني برغبته في اعتناق اإلسالم ..شجعته على ما رغب
فيه ..جئته بعدد من اإلخوة الذين يعملون معي باملركز اإلسالمي لكي يتناقشوا معه في اإلسالم..
تحققت أمنيتي بعد تلك املناقشات إذ نطق ابني الشهادتين ،وأطلق على نفسه اسم عمر».
وقبل الوصول إلى خاتمة هذه القصة نورد فيما يأتي بعض مقوالت الداعية اإلسالمية خديجة:
ً
صحيحا كل مظاهر ً
توجيها «اإلسالم هو الطريق األمثل للحياة ،وهو البوصلة التي توجه
الحياة في االقتصاد واالجتماع وغيرهما ،بل حتى في األسرة وفي كيفية التعامل بين أفرادها».
«قراءتي عن اإلسالم بعد أن اعتنقته أفادتني في معرفة السر الكامن وراء محاربة اإلسالم من
ً
انتشارا على مستوى العالم». قبل جميع الناس ..فاإلسالم محارب ألنه أسرع األديان
ً
«يعتبر املسلمون أقوى الناس ألنهم ال يبدلون دينهم وال يرضون عنه بديل».
هذه هي قصة ميري واتسون املنصرة ً
سابقا ،خديجة الداعية اإلسالمية اآلن التي ما إن
207
أسلمت حتى تحول كرهها وعداؤها لإلسالم إلى حب فاق حبها ألبنائها ولنفسها بينما تحولت هي
من منصرة شديدة الخطورة على اإلسالم واملسلمين إلى داعية تبذل الغالي والنفيس في سبيل
وصول رسالتها إلى املكابرين من أهل الغرب واملستضعفين من أهالي دول العالم الثالث..
ّ
وكما قال النبي -صلى هللا عليه وسلم« :-خياركم في الجاهلية خياركم في اإلسالم»..
نعم ..فاإلسالم دين الفطرة ..ال يتعارض مع أي خير في كل البشر..
من كان به خير فطري قبل اإلسالم ..زاد ً
خيرا بعد إسالمه..
فمن أراد خير الدنيا وخير اآلخرة ..فعليه باإلسالم..
ميالد جديد
منذ نعومة أظافره رضع من كأس سوداء مترعة بالحقد على اإلسالم واملسلمين ..أصبح
معلما للشماسة ولم يتجاوز عمره الثامنة عشرةّ ..
تشرب بافتراءات املكابرين الذين تخصصوا ً
في االفتراء على اإلسالم ببتر اآليات القرآنية وإخراجها من مقصدها الحقيقي ..ولكن مواقف
كثيرة جعلته يشكك في حيز الضالل األحمر ويلج إلى منطقة وسطى مملوءة باإلشارات
الصفراء منها ما يلي: 208
أصابته الحيرة حينما سمع إجابات القساوسة عن تساؤالت شبان مسيحيين يسألون عن
ّ
القرآن الكريم وعن رسول اإلسالم -صلى هللا عليه وسلم -حيث كانت اإلجابات تشير جميعها إلى
تناقضات صريحة..
زلزل كيانه حادث حرمان البطرك (شنودة) الراهب روفائيل (راهب دير مينا) من الصالة
ألنه لم يذكر اسمه فيهاّ ..
وهزه بقوة تساؤل الراهب :هل يصلي للبطرك أم هلل ،وهل يجرؤ شيخ
ً
مسلما من الصالة؟! األزهر على أن يحرم
بشدة حينما نظر ألول مرة إلى مسجد من الداخل وقارنه بالكنيسة حيث وجده يخلو انبهر ّ
من املقاعد والرسومات وأدوات املوسيقى واإليقاع ،وإلى غير ذلك من مكونات وزخارف مادية
ال تشبه وقار العبادة الروحية العميقة التي وجدها في املسجد من ركوع وسجود هلل فقط حيث
الصفوف املنتظمة التي ال فرق فيها بين غني وفقير..
شعر بالهوان حينما تأمل صورة املسيح املصلوب وتساءل عن جدوى عبادته لهذا الضعيف
املصلوب الذي ال حول له وال ّ
قوة وال يستطيع أن يدفع الشر عن نفسه!!
تسرب بصيص من النور إلى سويداء قلبه عبر سلوك والده الخفي الذي يناقض املسيحية
وهو الذي يبشر بتعاليمها في العلن!
إشارات صفراء كثيرة دفعته إلى دخول املنطقة اآلمنة حظيرة اإلسالم الخضراء التي ولج
ّ
بوابتها السهلة املنيعة عبر رؤيا رأى فيها رسول اإلسالم -صلى هللا عليه وسلم..-
إنه بطل قصتنا الدكتور وديع أحمد الشماس املصري ً
سابقا الذي دخل اإلسالم وهو في العقد
الرابع من عمره ..
ً
كان والده واعظا في جمعية أصدقاء الكتاب املقدس بمدينة اإلسكندرية املصرية ،وكانت مهنته
التبشير في القرى املحيطة واملناطق الفقيرة ملحاولة جذب فقراء املسلمين إلى املسيحية .وعندما
بلغ سن السادسة من عمره ّ
أصر والده على انضمامه إلى الشماسة ،أي العمل في الكنيسة ومعاونة
الكاهن في أداء الخدمات الدينية والصلوات الكنسية .والشماسة إحدى الرتب الكهنوتية الثالث
في الكنيسة ،ويعرف أصحاب تلك الرتب باإلكليروس ،وهي كلمة يونانية يقصد بها خدام الكنيسة
من أساقفة وكهنة وشمامسة.
أصر الوالد على أن ينتظم ابنه الذي لم يتجاوز السادسة من عمره في دروس مدارس األحد، ّ
209 حيث يغرسون في عقول األطفال في هذه السن الباكرة بذور الحقد السوداء ضد اإلسالم
واملسلمين ،فيقولون لهم إن املسلمين اغتصبوا مصر من املسيحيين وعذبوهم ،وإن املسلم
حم ًدا -صلى هللا عليه
كفرا من البوذي وعابد البقر ،وإن القرآن ليس كتاب هللا ولكن ُم َّ
أشد ً
ّ
وسلم -افتراه واخترعه ،واملسلمون يضطهدون النصارى لكي يتركوا مصر ويهاجروا ،وغير
ذلك من األحقاد.
أصبح هذا الطفل يكبر ويترعرع في كنف الكنيسة ،بينما كان الوالد الواعظ يتكلم ًّ
سرا
وعلى نطاق األسرة عن انحراف الكنائس عن املسيحية الحقيقية التي تحرم الصور والتماثيل
والسجود للبطرك واالعتراف للقساوسة.
الضعيف املصلوب
كبر هذا الشماس الصغير ،وكبرت معه ثمار الحقد ضد اإلسالم واملسلمين ،ما ّأهله ألن يصبح
ً ً
ومعلما للشماسة ولم يتجاوز عمره 18سنة .وكان عليه أن يحضر أستاذا في مدارس األحد
دروس الوعظ بالكنيسة والزيارة الدورية لألديرة ،حيث يتم استضافة متخصصين في مهاجمة
ّ اإلسالم والنقد الالذع للقرآن والنبي ُم َّ
حمد -صلى هللا عليه وسلم .-فيقولون لهم إن القرآن
مملوء باملتناقضات ،ويستشهدون على مزاعمهم بآيات مبتورة ،ويقولون لهم إن القرآن مملوء
باأللفاظ الجنسية ويفسرون لهم كلمة «نكاح» على أنها الزنا أو اللواط ،ويقولون لهم إن النبي
ّ
حورها واخترعوسلم -قد أخذ تعاليم النصرانية من الراهب (بحيرة) ثم ّ حم ًدا -صلى هللا عليه
ُم َّ
بها دين اإلسالم ثم قتل بحيرة حتى ال يفتضح أمره ،وغير ذلك من األكاذيب واألباطيل.
ترعرع هذا الشماس الصغير وبلغ مبلغ الشباب ،وخالل هذه املرحلة كانت هناك العديد من
األسئلة ّ
املحيرة التي يحاول الشباب املسيحيون الوصول إلى إجابات مقنعة لها ،فكانوا يتوجهون
بهذه األسئلة إلى القساوسة.
ّ شاب مسيحي يسأل :ما رأيك في ُم َّ
حمد -صلى هللا عليه وسلم-؟
القسيس :إنسان عبقري وذكي.
شاب مسيحي آخر يسأل :هناك الكثير من العباقرة مثل (أفالطون ،سقراط ،حامورابي،
أتباعا ً
ودينا ينتشر مثلما ينتشر اإلسالم وبهذه السرعة؟ ملاذا؟ وغيرهم) ولكن لم نجد لهم ً
املحيرة ،أصبحت توقظ فكر صاحبنا الشماس املحيرة ،ومن قبلها تلك األسئلة ّ
هذه املواقف ّ
يحيره تكفير الطوائف املسيحية بعضها لبعض ،حيث سأل بطل هذه القصة ،ولكن أشد ما كان ّ
القمص (ميتاس روفائيل) عن ذلك فأكد له ذلك وأن هذا التكفير نافذ في األرض والسماء.
ً
متعجبا :معنى هذا أننا كفار لتكفير بابا روما لنا؟ فسأله
أجاب القمص :لألسف نعم!!
سأله صاحبنا :وباقي الطوائف كفار بسبب تكفير بطرك اإلسكندرية لهم؟!
أجاب القمص :لألسف نعم!
ً
سأله صاحبنا :وما موقفنا إذا يوم القيامة؟
أجاب :هللا يرحمنا!
هنا انتبه الدكتور وديع أحمد الشماس املصري ً
سابقا إلى خطورة األمر!! وكان عمره قد قارب
ومر بجميع املراحل واملواقف التي استعرضنا لكم ً
بعضا من مالمحها العامة. األربعين ّ
يقول :عندما دخلت الكنيسة ووجدت صورة املسيح وتمثاله يعلو هيكلها سألت نف�سي كيف
ً يكون هذا الضعيف املهان الذي استهزئ به وعذب ًّربا ً
وإلها؟ وملاذا أعبد إذا هذا الضعيف الذي
رب هذا الضعيف الهارب من بطش اليهود؟! ال يستطيع أن يدفع الشر عن نفسه؟! وملاذا ال أعبد ّ
سابقا :لقد تعجبت حين علمت أن التوراة قد لعنتيقول الدكتور وديع الشماس املصري ً
211
الصليب واملصلوب عليه وأنه نجس وينجس األرض التي يصلب عليها!! (تثنية !)23 - 22 :21
في عام 1981كان الدكتور وديع أحمد كثير الجدل مع جاره املسلم (أحمد محمد) ،وذات يوم
ّ
كلمه عن العدل في اإلسالم (في امليراث ،في الطالق ،في القصاص ،وغير ذلك من صور العدل) ،ثم
سأله :هل عندكم مثل ذلك؟ أجاب صاحبنا بصدق :ال ..ال يوجد لدينا �شيء من ذلك!
هنا بدأ يسأل نفسه :كيف أتى رجل واحد بكل هذه التشريعات املحكمة والكاملة في العبادات
واملعامالت دون اختالفات؟ وكيف عجزت مليارات اليهود والنصارى عن إثبات أنه مخترع؟
خالل الفترة من عام 1982إلى عام 1990كان الدكتور وديع أحمد ً
طبيبا في مستشفى (صدر
الضعيف املصلوب
كوم الشقافة) وكان الدكتور محمد الشاطبي دائم التحدث مع الزمالء عن أحاديث ُم َّ
حمد -صلى
ّ
هللا عليه وسلم .-ويقول الدكتور الشماس :كنت في بداية األمر أشعر بنار الغيرة ،ولكن بعد
مرور الوقت أحببت سماع هذه األحاديث (قليلة الكالم كثيرة املعاني جميلة األلفاظ والسياق)
وشعرت وقتها أن هذا الرجل نبي عظيم.
حتى هذه املرحلة ال يزال بطل هذه القصة الدكتور وديع أحمد مسيحي الديانة والهوى.
ً
طفل كان يسمع والده يتكلم ًّ
سرا لقد قرأنا في صدر هذه القصة أن الدكتور وديع عندما كان
عن انحراف الكنائس عن املسيحية الحقيقية التي تحرم الصور والتماثيل والسجود للبطرك
واالعتراف للقساوسة.
واآلن يروي لنا بنفسه عوامل أخرى ّ
خفية أسهمت في هدايته إلى دين الحق ،وهذه العوامل
ّ
تتعلق بوالده ،حيث الحظ أن والده وفي مرحلة ما هجر الكنائس والوعظ والجمعيات التبشيرية
تماما ،وكان يرفض تقبيل أيدي الكهنة (وهذا أمر عظيم عند النصارى) ،وكان ال يؤمن بالجسدً
ً
والدم (الخبز والخمر) أي ال يؤمن بتجسيد اإلله ،وكان بدل من نزوله صباح يوم الجمعة للصالة
أصبح ينام ثم يغتسل وينزل وقت الظهر ،وكان ينتحل األعذار للنزول وقت العصر والعودة
ً
متأخرا وقت العشاء!!
ً
مسلما؟! وهنا يتبلور في ذهن الدكتور وديع سؤال مهم :هل كان أبي
ً يقول إنه الحظ على والده ً
أيضا أنه أصبح يقول ألفاظا جديدة (أعوذ باهلل من الشيطان) و(ال
حول وال قوة إال باهلل) ،بينما وجدت بعد موت أبي في عام 1988قصاصات ورق باإلنجيل الخاص
به يوضح فيها أخطاء موجودة باألناجيل وتصحيحها ،وعثرت على إنجيل جدي (والد أبي) طبعة
1930وفيها توضيح كامل للتغييرات التي أحدثها النصارى فيه منها تحويل كلمة (يا معلم) و(يا
سيد) إلى (يا رب) ،وذلك حتى يوهموا القارئ أن عبادة املسيح كانت منذ والدته.
212
بالقرب من عيادة الدكتور وديع يوجد مسجد (هدى اإلسالم) ،حيث يقول إنه اقترب منه
ً
مطلقا (ال مقاعد -ال رسومات -ال مرة وأخذ ينظر بداخله فوجده ال يشبه الكنيسة ذات ّ
ثريات ضخمة -ال أدوات موسيقى وإيقاع -ال غناء وال تصفيق) ،بينما الحظ أن العبادة في
ً
جميعا في صفوف هذه املساجد هي الركوع والسجود هلل فقط ،ال فرق بين غني وفقير يقفون
منتظمة! يقول الدكتور وديع إنه قارن بين ذلك وعكسه الذي يحدث في الكنائس فكانت املقارنة
ً
دائما ملصلحة املساجد.
ً
مصحفا وتذكرت يقول الدكتور وديع وجدت في نف�سي ً
يوما الرغبة في قراءة القرآن ،فاشتريت
يمسه إال املطهرون) ،ولذلك اغتسلت ولم أجد غير ماء أن صديقي أحمد قال لي إن القرآن (ال ّ
بارد وقتها ،ثم قرأت القرآن وكنت أخ�شى أن أجد فيه اختالفات (بعد ما ضاعت ثقتي بالتوراة
واإلنجيل) ،وأكملت قراءة القرآن ّكله في يومين ،ولكني لم أجد فيه ً
شيئا مما كانوا يعلموننا إياه
في الكنيسة عن القرآن!
وذات يوم غلبني النوم ،فوضعت املصحف بجواري ،وقرب الفجر رأيت ً
نورا في جدار
ّ
الحجرة وظهر رجل وجهه م�ضيء اقترب مني وأشار إلى املصحف ،فمددت يدي ألسلم عليه ،لكنه
ّ اختفى ،ووقع في قلبي أن هذا الرجل هو النبي ُم َّ
حمد -صلى هللا عليه وسلم -يشير إلى أن القرآن هو
طريق النور والهداية.
ّ ً
وأخيرا أسلمت وجهي هلل ،وسألت أحد املحامين فدلني على أن أتوجه إلى مديرية األمن -قسم
الشؤون الدينية -ولم أنم تلك الليلة ،وراودني الشيطان (كيف تترك دين آبائك بهذه السهولة)؟!
صباحا ودخلت كنيسة (جرجس وأنطونيوس) ،وكانت الصالة قائمة، ً فخرجت في السادسة
وكانت الصالة مملوءة بالصور والتماثيل للمسيح ومريم والحواريين وأناس آخرين كالبطرك
السابق (كيرلس) فكلمتهم( :لو أنكم على حق وتفعلون املعجزات كما كانوا يعلموننا فافعلوا أي
�شيء ،أي عالمة أو إشارة ألعلم أنني أسير في الطريق الخطأ) وبالطبع ال إجابة.
كثيرا على عمر مديد ضاع في عبادة هذه الصور والتماثيل! وبعد البكاء شعرت أننيبكيت ً
ًّ
تطهرت من الوثنية وأنني أسير في الطريق الصحيح طريق عبادة هللا حقا ،فذهبت إلى مديرية
األمن وبدأت رحلة طويلة شاقة مع الروتين واملعاناة والبيروقراطية وظنون الناس ،وبعد عشرة
أشهر كاملة تم إشهار إسالمي في أغسطس . 1992اللهم أحيني على اإلسالم وتوفني على اإليمان..
ّ ّ
ويتقربون إليك بطاعتك. اللهم احفظ ذريتي من بعدي خاشعين ،عابدين ،يخافون معصيتك
بهذه الدعوات يختم الدكتور وديع أحمد حديثه حول رحلته الطويلة من النصرانية إلى
اإلسالم ..من مسيحي متعصب رضع الكره لإلسالم منذ صغره إلى مؤمن صادق يسأل هللا تعالى
213
أن يحفظ ذريته من الكفر والشرك والضالل من بعده.
ً
جميعا ..املآل ..اآلخرة ..لنا ولذرياتنا وأهلنا ..بل والناس أجمعين.. هذا ما يجب أن نحرص عليه
دائما ..يرحب بسالكيه..الطريق إلى هللا ال يعترضه عارض ..إنه مفتوح ً
فمن وجده ً
مغلقا فليفتش في نفسه!! هل ًّ
حقا توجه إليه وحاول السير فيه؟!
من توجه إلى هللا بصدق ..شرح هللا صدره لإلسالم..
لذا ..اسألوا هللا الهداية بصدق ..فباهلل نهتدي إلى هللا.
الضعيف املصلوب
التعرف إلى مدى الظلم الذي يمارسه الهندوس ضد غيرهم من الطوائف ..تزعزعت له فرصة ّ
ثقته بصحة ديانته الهندوسية ..الحظ أن املسلمين ال يفرقون بين غني وفقير فاشتدت رغبته
في دراسة الدين اإلسالمي ..وعقب دراسة متعمقة لإلسالم أشهر إسالمه وسط فرحة املسلمين
تحدى الجميع وتمسك بإسالمه ..إنه وخيبة الهندوس ..برغم الضغوط املهولة من بني قومه ّ
«هيراالل» ابن الزعيم الهندي الكبير «املهاتما غاندي» الذي انشغل بالنضال من أجل استقالل
بالده ..ندعوكم لكي تتعرفوا إليه وإلى قصة إسالمه.
تربى «هيراالل غاندي» في بيت أبيه ذائع الصيت ..درس الهندوسية منذ نعومة أظفاره
ّ
كما تعلم تفاصيل دقيقة عن طائفته البراهمية ،وهي طائفة تعد من أرقى الطوائف في الهند..
ّ ّ
تعمق بطل قصتنا في دراسة ديانته الهندوسية وتعلم كل ما له صلة بآلهتها املتعددة وشرائعها
الكثيرة ..بل قرأ الكتب القديمة للديانة الهندوسية مثل «الفيدا» و«البرهمانا» و«اليجفادجيتا»
تعرف إلى تفاصيل صراع هذه الديانة مع غيرها وغيرها من كتب هذه الديانة الوثنية ،كما ّ
من الديانات كالبوذية.
في بداية مشوار حياته لم يكن هيراالل يهتم ً
كثيرا بالتناقضات الصارخة التي تزخر بها ديانته
ّ
الهندوسية الوثنية ،كتعدد اآللهة وفداحة الظلم االجتماعي ،بالتالي لم يفكر لحظة في أنها ديانة
باطلة ال تتسق مع الفطرة اإلنسانية السوية ،خاصة وهو أحد املستفيدين منها ومن قيمها الظاملة
باعتباره أحد أبناء طائفة «البراهما» ..بل ابن زعيمها الكبير الذي ذاع صيته في كل أرجاء العالم.
ًّ
محاميا مثل والده ..عمله باملحاماة شكل نقطة فارقة في حياته؛ درس هيراالل القانون وتخرج
ّ
إذ مكنه من اإلملام بالتمايز الطبقي في الهند وما يصحبه من ظروف اجتماعية سيئة وقاسية
يحياها الناس في بالده ..خاصة الظلم الصارخ الذي يمارسه أبناء طائفته من الهندوس ضد غيرهم
من الطوائف ..ليس هذا فحسب ،بل ما يمارسه الهندوس من ظلم ضد بعض أبناء طائفتهم ذاتها
ممن يعرفون بـ «املنبوذين» ،والذين حكم عليهم البراهمة بأن يقوموا بخدمتهم بنظام السخرة
بال أجر وال ثواب.
بسبب التمايز الطبقي السابق ذكره شكك هيراالل في مدى صحة الديانة الهندوسية الوثنية
التي ال تكتفي بالتفريق بين الناس ،وإنما تفرق بين أتباعها أنفسهم وتقوم بتصنيفهم إلى أسياد
مستبدين مترفين وعبيد مظلومين مسخرين لخدمة أولئك األسياد ..هذا من ناحية ..ومن ناحية
ثانية ّأثر في نفسه ً
كثيرا أن يرى املسلمين في بالده ال يفرقون بين ثري ومعدم ،أو بين عالم وأمي،
جاه وسلطان ووضيع ال تعرف له جذور ..لكل ما سبق أو بين وجيه منحدر من أسرة كبيرة ذات ٍ
وروية ،وما دفعه إلى ذلك أيضاً
ذكره اشتدت رغبة هيراالل في دراسة الدين اإلسالمي بتعمق ّ
215 مالحظة مهمة مفادها أن بعض كتب الهندوس تتكلم عن نبي له نفس صفات النبي محمد -صلى
ّ
هللا عليه وسلم.-
ُ
بسبب اطالعه على ما كتب عن اإلسالم ،كان هيراالل يعلم الكثير عن الدين اإلسالمي ..تيقن
هيراالل بأنه يخطو خطوته األولى في طريقه نحو الحقيقة التي ظل يبحث عنها لسنين طوال ..عقب
«و َمن َي ْب َتغ َغ ْي َر ْال ْس َلم د ًينا َف َلن ُي ْق َب َل م ْن ُه َو ُه َو في ْالخ َرة م َن ْال َخاسر َ
ين» قراءته لقوله تعالىَ :
ِ ِ ِ ِ ِ ِ ِ ِ ِ ِ ِ
(آل عمران )85 :اقتنع بأن اإلسالم هو الدين الحق وأن ما دونه الباطل ..ساعده على ذلك لقاؤه
بالشيخين الجليلين «زكريا منيار» و«نذير أحمد خجندي» اللذين أخبراه بأن الحقيقة التي تبحث
عنها روحه املتخمة بالحيرة موجودة في اإلسالم .وبفضل من هللا تعالى اقتنع هيراالل تمام االقتناع
هيراالل غاندي
في الجمعة التالية القتناعه باإلسالم ارتدى «هيراالل» األبيض من الثياب مع عمامة بيضاء
خفيفة كروحه الشفيفة املتلهفة لالرتواء من فيوض اإليمان ،وتوجه إلى الجامع الكبير في مدينة
«بومباي» الهندية ،وأمام أكثر من عشرين ألف دهشة ملسلمين حضروا لصالة الجمعة فاجأ
هيراالل الجميع بإشهاره إلسالمهّ ،
وغير اسمه إلى «عبدهللا هيراالل غاندي».
بعيد لحظات من إعالنه إلسالمه صعد «عبدهللا هيراالل غاندي» على املنبر وألقى كلمة
صادقة من ضمن ما جاء فيها قوله« :جميعكم تعلمون بأني هيراالل ابن الزعيم الوثني الكبير
«غاندي» ،فأنا أعلن على رؤوس األشهاد ،وفي وسط هذا الجمع العظيم من املسلمين ،بأني قد
عشقت اإلسالم ،وأحببت القرآن ،وآمنت باهلل وحده ،وبالرسول األطهر سيدنا محمد صلوات
هللا تعالى عليه ،وأنه خاتم النبيين ،وأنه ال نبي بعده ،وأن ما جاء به القرآن حق ،والبعث والنشور
حق ،واملالئكة والقضاء والقدر حق ،والكتب املنزلة كلها حق ،وأنبياء هللا ورسله حق ،فلإلسالم
ً
مبشرا وللقرآن سأحيا وأموت وسأدافع وأناضل ،وسأكون إحدى دعاماته الكبرى ،وسأكون
وداعيا له بين قومي وعشيرتي ،أال إن هذا الدين الحنيف هو دين العلم والثقافة ،والعدل ًّ به،
واألمانة ،والرحمة واملساواة».
استقبل أكثر من عشرين ألف مسلم حضروا صالة الجمعة بمسجد بومباي الكبير إعالن
هيراالل إسالمه بالتكبير والهتاف« :هللا أكبر ..هللا أكبر» ..ووقف الشيخ زكريا منيار وطلب من
املصلين أن يصافحوا أخاهم الجديد في هللا ويهنئوه بدخوله اإلسالم ففعلوا ،حيث أقبلوا عليه
يصافحونه ثم حملوه على األعناق يزفونه إلى سيارته وقد مأل التهليل والتكبير سماء مدينة
بومباي بعد أن صدحت به قلوب مسلميها قبل أن تلهج به ألسنتهم وحناجرهم.
لم يمر وقت طويل حتى تناقلت الصحف ووكاالت األنباء الخبر املدوي املتمثل في إسالم ابن
الزعيم غاندي ..كان وقع الخبر على الهندوس بمنزلة الصاعقة املفاجئة التي تقع على أم الرأس 216
ّ
عقب توقف املطر ..غضب زعماء الهندوسية أيما غضب ،وأغلقت معظم املحال التجارية
وحزنا بسبب إسالم ابن زعيمهم ،أما تأثير إسالم ً ً
استياء الهندوسية املتصلة بأحياء املسلمين
ً
ابن الزعيم على والده فقد كان مهول لدرجة جعلته يتشنج حتى النخاع ويمتنع عن تناول الطعام
والشراب ملدة يومين كاملين ..بينما لم يقتصر األمر على غضب غاندي ومناصريه على هيراالل،
ً
وإنما تفجر ذلك الغضب متخذا شكل حمالت مسعورة انهالت على املسلم الجديد من كل حدب
هجوما ً
عنيفا ً وصوب ..ليس هذا فحسب بل هاجمت الجمعيات والصحف الوثنية هيراالل
ً
مصحوبا بالوعيد والتهديد الشديدين ،بيد أن «عبدهللا هيراالل» لم يبال لكل أنواع الهجوم التي
تعرض لها ،بل تحدى الجميع بأن تمسك بإسالمه وعض عليه بنواجذه برغم الويل والثبور ّ
اللذين انهاال عليه من كل بني جنسه ومن كل حاقد على اإلسالم.
فهل من مجيب؟!!
هل يقبل غير املسلمين هذا العرض البسيط؟!
َ
ولم ال؟! ..أليس الحق هو ما يجب أن يسعى اإلنسان إليه؟!
ً
إذا ..فليقبلوا ..فليدرسوا اإلسالم بإنصاف ..ثم ليعلنوا ما توصلوا إليه بأنفسهم..
إال أن حب الدنيا ..يطمس على قلوب الكثيرين من غير املسلمين..
217
لذا ..ليبحث اإلنسان عن الحق بنفسه ..بقلبه..
وليسأل هللا الهداية ..فباهلل نهتدي إلى هللا.
بطلة قصتنا ..من هؤالء الباحثين عن هللا ..ولدت ونشأت في كنف أسرة كاثوليكية بريطانية
عريقة ..واظبت منذ طفولتها على زيارة الكنيسة في أيام األحد ،بل تم إرسالها إلى دير للراهبات
احتراما للعقلّ ..
تنقلت ً وعمرها لم يتجاوز الثامنة ..شعرت بنفور من ديانتها التي وجدتها ال ّ
تكن
بين العديد من البلدان وتعرفت إلى العديد من الديانات بيد أن ال �شيء منها أشبع رغبتها حتى
وجدت الحقيقة التي تبحث عنها في ترجمة إنجليزية لكتاب «رسائل النور» لبديع الزمان سعيد
عقبا على رأس ،حيث كانت تلك رأسا على عقب ،بل األصح تعدلت ً النور�سي ،فانقلبت حياتها ً
الترجمة بمنزلة النافذة املضيئة التي عبرت عبرها من دياجير الظلمات إلى رحاب النور ،فاعتنقت
اإلسالم ..إنها البريطانية ماري ويلز تلميذة النور�سي وبطلة هذه القصة.
منذ نعومة أظفارها لم تجد ماري وإخوتها الخمسة في بيت العائلة الفسيح سوى جو ديني
سطحي يهتم بالشكل ويفتقر إلى العمق كالدعاء قبل تناول وجبات الطعام وعقبه أو التردد على
الكنيسة أيام األحد لذلك بدأت منذ صغرها تشعر بالنفور من النصرانية ..ألهمتها فطرتها السوية
بأن النصرانية التي تربت عليها كتقليد أعمى ليست سوى مسخ محرف من صنع البشر ..ولكنها
ً
تماشيا مع تقاليد أسرتها التي أدخلتها املدرسة في دير كاثوليكي أقبلت على النصرانية في طفولتها
وعمرها ثماني سنوات ،وإن ظل داخلها يتمرد عليها بشدة.
وخالل الفترة التي قضتها تدرس بدير الراهبات أصبحت كثيرة االرتياب ،وكانت تبحث في
قلق عن الحقيقة التي لم تجدها في الديانة النصرانية ..وحز في نفسها ما كانت تعانيه من غياب
العقيدة املتماسكة التي تستطيع أن تجابه بها العالم ،إذ كانت التراتيل التي يرددونها في الكنيسة
تفتقر إلى العمق وينتهي مفعولها في دواخلهم حاملا يغادرون الكنيسة.
وعقب مرور تسع سنوات قضتها في مدرسة الدير وجدت نفسها أكثر ً
نفورا من النصرانية
على الرغم من مشاركاتها الحماسية الفاعلة في أداء الطقوس والتراتيل الدينية ..فطفح تمردها
الداخلي إلى الخارج وبدأت تبحث عن البديل ً
هربا من الدير ..فانغمست في عالم امللذات املادية
املهلكة دون أن تتنازل عن رغبتها في البحث عن البديل.
عندما تركت ماري مدرسة الدير وعمرها سبعة عشر ً
عاما ،كانت بريطانيا في ذلك الحين،
عارما من قبل الشباب على تقاليد مجتمعهم، ً ً
تمردا وكغيرها من الدول األوروبية ،تشهد
ً ً
تناقضا صارخا في تلك التقاليد بين الشعارات البراقة املرفوعة والواقع املزري حيث وجدوا
219 ً
املرير مضافا إلى ذلك خواء روحي مريع يسود بضراوة في مجتمع يبيح كل ما يهدم الروحانيات
في النفوس ..انغمس الشباب األوروبي آنذاك في موجة من املجون واللهو وموسيقى الروك
واملوديالت الجديدة من األزياء واالحتجاج السلبي على أوضاع ال تتسق مع ميولهم ورغباتهم
السطحية ..وساعدت السلطات األوروبية الشباب في اتجاهاتهم الجديدة وبحثهم عن مناهج
حياتية بديلة كمخدر يشغلهم عن معارضة األنظمة الحاكمة.
سبحت ماري ويلدز خالل العقدين السادس والسابع من القرن العشرين مع ذلك التيار
السطحي الجارف دون أن تفقد وعيها كما حدث للكثيرين من أترابها ،إذ ظلت تبحث بإلحاح عن
عالج ناجع للخواء الروحي الذي كان يمور بداخلها ،ومالذ أمين يريحها من حالة القلق التي كانت
رسائل النور
تعيشها ..وللحصول على بغيتها التي لم تجدها في األماكن التي ارتادتها مع الشباب املتمردين على
تقاليد املجتمع املشوهة ،اشتغلت في أعمال متنوعة ،وزارت العديد من األقطار.
احتكت بنماذج مختلفة من البشر ينتمون إلى مختلف الفئات الدينية والسياسية في العديد
من األقطار ،وحاولت مجاراتهم في أنشطتهم وطقوسهم بيد أن عقلها رفض عقائدهم ولم يتقبل
أفكارهم ..أفادتها تلك الزيارات وجعلتها تنظر إلى موسيقى الروك واألزياء التي انشغل بها أندادها
من الشباب كممارسات مبتذلة وتافهة ..فبحثت في كثير من الديانات عن أجوبة جوهرية عن
أسئلة كانت تشغل بالها إال أنها أخفقت في الوصول إلى ضالتها املنشودة.
مع مرور األيام والشهور تدهورت الحالة النفسية لبطلة قصتنا حتى وصلت درجة من
االستياء أصبحت معها تكره حتى األشياء التي كانت تحبها؛ كاملزارع واألشجار والسماء ..إذ بدت
أمامها تخلو من أي معنى بينما كان رأسها يحتشد بكم مهول من األسئلة امللحة يدور حول الكون
وظواهره وحول من يقف وراء نمو الكائنات وموتها بمختلف أنواعها ..ما كان يزيد من درجة
استيائها الغفلة التي تغطي عقول زمالئها بالجامعة وقلوبهم ،حيث الحظت كم هم غافلون عن
حقيقة زيف املجتمع الذي غرق أفراده في أسن املادة حتى النخاع.
نفسيا ً
رهيبا عندما لم تجد في األديان واملعتقدات ًّ ً
صراعا وهكذا ظلت ماري ويلدز تعاني
ّ
املنتشرة في العالم ما يروي ظمأها ويريح عقلها الباحث عن الحقيقة ..وبرغم اطالعها في الجامعة
على مؤلفات كتبت عن اإلسالم وسماعها محاضرات تتحدث عنه ،فإنها لم تتأثر بها ،ألن من
كتبوا تلك املؤلفات أو ألقوا تلك املحاضرات لم يكونوا سوى مستشرقين نقلوا صورة مشوهة
عن اإلسالم ..ومن بين ركام اإلحباط وعلى حين غفلة منها جاءها الفرج عندما اطلعت ّ
وألول
مرة على ترجمة إنجليزية لكتاب «رسائل النور» ملؤلفه الداعية اإلسالمي التركي بديع الزمان ّ
سعيد النور�سي.
220
في البدء لم تستطع فهم تلك الترجمة ولكنها شعرت براحة نفسية وهي تقرؤها ،فاستعانت
على ذلك بزمالئها في الجامعة من املسلمين ..شرحوا لها ترجمة «رسائل النور» في صورة مبسطة،
فأحبتها ووجدت فيها ما كانت تبحث عنه فاعتنقت اإلسالم ،وهجرت حياتها الحالكة املدلهمة
التي تمور بالبؤس واليأس والشقاء ،إلى حياة جديدة مملوءة بسعادة حقيقية تتجاوز بعدي
الزمان واملكان.
لقد تعلمت ماري من بديع الزمان عبر رسائل النور حكمة هللا تعالى في خلقه ملخلوقات كثيرة
متباينة ال تح�صى وال تعد كما عرفت عبر كتاباته أن مخلوقات هللا جميعها تعمل لتحقيق أهداف
خلقت ألجلها وأن هذا الكون يسير ً
وفقا لنظام بديع دقيق ال مجال فيه للخطأ ..لقد توصلت إلى أن
كل مخلوق يعتبر آية من آيات هللا تعالى ،وعالمة تدل على قدرته املطلقة وسلطانه غير املحدود.
وجدت بطلة قصتنا في «رسائل النور» مالذها األمين الذي اكتشفت فيه البون الشاسع بين
ماضيها املظلم الذي كان يتسم بالرفض والتمرد على كل �شيء وحاضرها املشرق الزاهر الذي
أصبحت فيه تعيش في تجاوب باهر وانسجام مع الوجود ،إذ لم تشعر بالسكينة والقناعة
واالطمئنان إال بعد أن دخلت عالم اإلسالم هذا العالم الوادع الجميل.
وعن التأثير الذي أحدثه في نفسها كتاب «رسائل النور» تحدثت ماري في كتابها «رحلتي من
الكنيسة إلى املسجد :ملاذا؟» قائلة« :بدأت تتفتح أمامي دنيا تبدو ذات معنى ومغزى وانسجام
وتناغم مع جمال زاهر ،فلقد تعلمنا لغة جديدة للتفاهم مع الدنيا والكون ،هي لغة القرآن
الكريم ،تعلمناها من بديع الزمان سعيد النور�سي ،الذي أفهمنا اإليمان الخالص في رسائل النور:
ما الكون؟ وما الطبيعة؟ ومن نحن؟ وملاذا هذه األعداد من املخلوقات؟ وما وظائفها؟ وملاذا
وجدوا وإلى أين املصير؟ وكيف أن اإلسالم دين كامل متكامل؟ وكيف أنه يخاطب عقل اإلنسان
ومداركه ،وكل لطائفه ومشاعره؟ وكيف يجب أن ننظر إلى الكون من حولنا؟ نرتفع بأعيننا من
اإلحساس باملادة إلى اإلحساس باملعنى ،ومن عالم الدنيا إلى عالم اآلخرة ،وننظر من خالل الخلق
إلى أسماء الخالق العظيم والرحمن الحكيم».
وجدت ماري في «رسائل النور» االجابات الشافية عن أسئلة ظلت تؤرق مضجعها لفترة
طويلة حيث توصلت إلى أن الحضارة الغربية القائمة التي ّتدعي بأنها حضارة نصرانية ،ما هي
إال تطور للحضارة اإلغريقية الرومانية القديمة ..باإلضافة إلى ما سبق ذكره استخلصت ماري
نقطتين مهمتين :تتحدث النقطة األولى عن االدعاء الكاذب للكنيسة حينما اعتبرت نفسها ممثلة
للنصرانية ،بينما تتعارض معتقداتها مع الوحدانية التي أتى بها املسيح -عليه السالم .-أما النقطة
الثانية فتتحدث عن املعارضة الصارمة من قبل الكنيسة ملمارسة الفكر وتطوير العلم واملعرفة.
كثيرا عند األسس الفاسدة التي قامت عليها حضارة الغرب كما تحدث عنها وتوقفت ماري ً
221
النور�سي الذي فضح الحضارة الغربية ،فتوصلت بذلك إلى السر الكامن وراء وقوف الغرب
بشدة ضد اإلسالم كعقيدة ومنهاج حياة ،إذ إن الحضارة الغربية التي بنيت على القوة املادية
واملنفعة الحسية تريد أن تتعامل مع بقية الحضارات من هذين املنطلقين ،وهما أمران يرفضهما
اإلسالم بشدة ألن شريعته السمحة تدعو إلى العدالة املطلقة حيث ال تفريق بين جنس وآخر،
ً
كما أنها تدعو إلى نصرة الضعيف حتى يأخذ حقه؛ إذا هناك تناقض بين الحضارتين الغربية
واإلسالمية ،فالقوة في الحضارة الغربية يقابلها الحق في اإلسالم ،واملنفعة في تلك الحضارة
املادية تقابلها الفضيلة في املنظور اإلسالمي ،بينما العنصرية تقابلها الدعوة الخالدة« :ال فضل
لعربي على أعجمي إال بالتقوى».
رسائل النور
من هذه النقطة بدأت ماري دفاعها عن اإلسالم حيث أخذت تفند الدعاوى التي روج لها
كل من الدولة والكنيسة واملستشرقين لدى العامة من أبناء الحضارة الغربية والتي تزعم بأن
اإلسالم هو «دين السيف» تلك الدعاوى املغرضة التي رسمت صورة ذهنية سلبية عن اإلسالم
وأظهرته بمظهر الدين العدواني املعادي للحضارة الحديثة ،الرافض لكل جديد.
وتتحدث ماري في كتابها عن أن وسائل اإلعالم الغربية التي يسيطر عليها املتعصبون من أعداء
اإلسالم توظف بدهاء صورة املسلمين الذين يفدون إلى الغرب ،حاملين معهم تصرفات ت�سيء إلى
اإلسالم ،وتستغلها كفرصة ذهبية لتشويه دين هللا الحنيف..
وهنا تقترح ماري على الدعاة أن يغيروا أسلوب دعوتهم إلى اإلسالم في أوروبا وينتقلوا من
األسلوب التقليدي ،إلى األسلوب العلمي الحديث الذي يقدم اإلسالم إلى الغرب على أنه التفسير
وجل لم يخلق عز ّ املنطقي للكون ومن فيه ،وأن يوضحوا ما ذكره القرآن الكريم من أن هللا ّ
ً
اإلنسان والكون عبثا ،كما نصحتهم بضرورة توضيح حقيقة تكريم اإلسالم للمرأة مع تركيزهم
على التفكك األسري املريع الذي تتعرض له البيوت في املجتمعات الغربية ،وهو تفكك ناجم
عن هجر املرأة لدورها الطبيعي الذي جبلت عليه ،والذي قرره لها خالقها سبحانه وتعالى ،وأن
يوضحوا في هذا الجانب املفهوم الخطأ الذي يسعى إلى املساواة بين الرجل واملرأة ،باعتباره
ً ًّ
ورقا ،إذ ّ ً ً ً
حولها من إنسانة كرمها هللا تعالى إلى مجافيا للفطرة لم يزد املرأة إال رهقا مفهوما خطأ
آلة عبثية يلهون بها كما يشاؤون باسم الحرية..
ألحقتها أمها املسيحية املتشددة بالكنيسة لتتلقى العلم ولتتربى على أيدي خادمات املعبد..
ً
بقيت في الكنيسة ست سنوات ..في تلقيها لدروسها كانت مثال للمواظبة والتفوق ،أما في أوقات
العبادة فقد كانت شديدة الشغب والعناد ..درجت مديرة املدرسة على عزلها عن بقية البنات
ً
عند ممارسة الشعائر الدينية وذلك خوفا من أن تفسد عليهن عقولهن ..وبرغم صغر سنها فلم
تكن تستسيغ الديانة املسيحية إذ كانت تجد فيها ً
أمورا ال يتقبلها العقل السوي.
الطفل املعجزة
ُ
وهكذا نشأت جاكلين كافرة بالديانة النصرانية التي كانت تجبر على ممارسة طقوسها ..وعن
شكوكها في النصرانية تقول جاكلين« :صحيح أنني قبلت املسيح ،ولكن لم أقبل أنه ابن هللا ..أو أن
يتحول هللا إلى رجل وينجب ،وهو رب الوجود كله ورب العاملين!».
ولكن كيف حدث تحول جاكلين من مرحلة اإللحاد وعدم إيمانها بأي ديانة إلى مرحلة اإليمان
بوجود هللا الخالق لكل تلك الكائنات واملخلوقات؟!
ً
طفل ال حول له وال قوة ّ
حولها من ملحدة ال تؤمن بأي ديانة إلى مؤمنة بوجود هللا العجيب أن
الخالق لهذا الكون بكل ما فيه من كائنات ومخلوقات!!
كان ذلك في السادس والعشرين من شهر أكتوبر من عام ..1966في ذلك اليوم تبنت جاكلين
ً
طفلها األول الذي كان عمره وقتها ثالثة أشهر فهي لم تنجب أطفال برغم رغبتها امللحة فيهم ..أثناء
قيامها بتنظيف الطفل كانت تتساءل كما تقول« :هذا املخلوق الضعيف املسكين ال يمكن أن
يوجد دون خالق له ،ولكن من هو؟ وكيف هو؟ وظللت أرقب نموه وأفكر ..وكان هذا التفكير هو
ً
بداية رحلتي إلى اإليمان باهلل أول قبل اإليمان بديانة معينة».
سببا في إخراجها من دائرة اإللحاد وهو رضيع أصبح ً
سببا في سبحان هللا! الطفل الذي كان ً
دخولها اإلسالم عندما وصل سن التعليم ..وفي ذلك تقول جاكلين« :وعندما كبر طفلي الذي تبنيته
واحتجت إلى تعليمه فصرت أتردد على املكتبة الستعارة الكتب التي تفيدني في تعليمه ..فحدث
ّ
ذات مرة أن وقع بصري على قسم الديانات ،فاتجهت إليه أقلب في صفوفه إلى أن لفت نظري
جزء من القرآن مترجم لإلنجليزية ،فوجدت نف�سي أطالعه بدافع من حب االستطالع والفضول
ال أكثر ،فلم أكن أتصور حينئذ أني سأر�سى على بر اإلسالم ..ولكن الذي حدث أنني شعرت براحة
وميل ملا أطالعه ،حتى آمنت بكل �شيء يدعو إليه ،فلم أجد ًّبدا من اعتناقه عن اقتناع تام».
اعتنقت «جاكلين فيمات» اإلسالم بمساعدة من عقلها املتفتح الذي ظل ينكر كل ما ال يقبله
رد فعل ً
عنيفا من بيئتها املسيحية شديدة من أفكار نصرانية محرفة ..وكما كانت تتوقع وجدت ّ 224
التزمت ..فقد عنفتها وقاومتها ّأمها بشدة ..بل قاطعها أصدقاؤها اليهود الذين برغم معاداتهم
للمسيحية كانوا يفضلونها لها كبديل لإلسالم ..أدركت جاكلين حينها كم يكره اليهود اإلسالم..
ولكن برغم املضايقات واملقاطعات التي وجدتها من قبل األهل واألصدقاء ،فقد ظلت متمسكة
ً
انتشارا أوسع لإلسالم ..بل تقول إنه لن يمض عقد آخر حتى بدينها ومتفائلة بأن يشهد املستقبل
ً
يصبح اإلسالم أهم ديانة في شمال أمريكا ،إن لم يكن في العالم أجمع ..فهنيئا لك جاكلين دفء
ً
وهنيئا لإلسالم بك داعية متحمسة في بالد تموت من البرد حيتانها.. اإلسالم
إنه دفء اإليمان ..دفء القرب من هللا ..دفء الثقة بالحق والطمأنينة معه..
ال عليك بالغاضبين ..ال عليك باملقاطعين ..فمن وصله هللا لم يقطعه البشر!!..
ً
لذا ..كن موصول باهلل ..واسأل هللا الهداية ..فباهلل نهتدي إلى هللا.
ويصلي هلل في خشوع وابتهال ،كانت نف�سي تهفو إلى أن أصلي مثل صالته.
وفي الوقت الذي كنت أتأثر فيه بتلك األماكن واملناظر ،كان هناك سؤال ّ
ملح يفرض نفسه
َّ
علي ،وهو ملاذا عبادتي هلل تتخذ صورة نمطية واحدة؟ وملاذا ال أعبده على دين اإلسالم؟ خاصة
أنه يتميز عن غيره من األديان بأنه دين وجدان بالقلب وعقيدة بالفعل.
لقد عرفت امليزتين السابق ذكرهما اللتين يتمتع بهما اإلسالم منذ صغري ،بل إليهما يرجع
ً
إسالمي ،إذ إنني أسلمت أول بوجداني وبعد عدة سنين أسلمت بفكري ،وال عجب في ذلك ألن
من لم يرث اإلسالم عن والديه وشرح هللا صدره لإلسالم فإنه سيفكر في هذا اإللهام الذي
ً
وحريصا على النظر للعواقب والخواتيم وبالتالي من هللا به عليه ،وسوف يكون شديد الحذرَّ
لن يخطو خطوة حتى يتبين موضعها خشية أن تزل قدمه فيما ال تحمد عقباه ..وهذا هو ً
تماما
حالي مع اإلسالم.
على الرغم من أنني أنتمي لعائلة يهودية فقد ولدت في بيئة مسلمة وهي البيئة ذاتها التي نشأت
فيها منذ طفولتي حتى شيخوختي ..نعم ولدت بين قوم مسلمين وعشت في حي شعبي هو حي بوالق..
أكثر من هذا ،أدخلني والدي مدرسة عباس في السبتية ،بينما كان اليهود يرسلون أبناءهم إلى
مدارس الفرير ..عقب ذلك تلقيت دراستي الثانوية في مدرسة حلوان الثانوية ،ثم دخلت مدرسة
الحقوق ،وفي هذه األخيرة أتيحت لي فرصة دراسة الشريعة اإلسالمية ،فقارنت بينها وبين
القانون الروماني ..حقيقة انبهرت بنتيجة املقارنة فقد وجدت أن القانون الروماني الذي م�ضى
على وجوده آالف السنين لم يصل بعد إلى مرحلة الكمال -والكمال هلل وحده -إذ ما زال يزحف
ً
مصدرا للقوانين في مختلف بلدان العالم ..في في مسيرة التطور التشريعي على الرغم من اتخاذه
ّ
املقابل وجدت أن الشريعة اإلسالمية نشأت ونهضت -تامة وكاملة -مع بعثة رسول هللا -صلى
ّ
هللا عليه وسلم -األمر الذي جعلني أنظر إلى اإلسالم وأطيل النظر فيه عساني أتلقى جماله وإن
عجزت عن ذلك أقله أعرف كيف ومن أين يمكنني تلقي هذا الجمال ..نعم ،لقد وجدته ً
دينا -غير
ً
إقصائي -مصدقا لكل �شيء قبله ،ما دفعني إلى إجراء املزيد من البحث والدراسة حوله وهو ما 226
وما أدهشني في هذا الدين حقيقة أخرى مفادها أن اليهودي أو النصراني إذا أسلم لن يعتريه
يهوديا سيجد نفسه بين أنبياء بني إسرائيل ..نعم ًّ ً
انتزاعا؛ فإن كان اإلحساس بأنه أنتزع من دينه
محرف بمو�سى -عليه السالم ،-وسيجد أن القرآن يقصّ سوف يجد نفسه يؤمن ً
إيمانا ً
سليما غير ّ
عليه قصة تلك املحاورة الكبرى التي وقعت بين هللا ومو�سى -عليه السالم -في الوادي املقدس
ََ صاي َأ َت َو َّك ُأ َع َليها َو َأ ُه ُّ
ش ِبها َعلى غنمي َو ِل َي لك ب َيمي ِن َك يا مو�سىَ 17(
) قال ه َي َع َ
ِ
«وما ت َ َ
طوىِ ُ :
ُ َ ٌ َ َ َ َ ِ
) قال أ ِلقها يا مو�سى )19( فألقاها فإذا ه َي َح َّية تسعىَ 20(
) قال خذها َوال فيها َمآر ُب أخرىَ 18(
ِ ِ َ َ ِ
َ ََ ُ َ ُ
تخف سنعيدها سيرتها األولى( »)21( طه.)21-17 :
ليست هذه القصة فحسب ،بل سوف يجد عشرات القصص عن مو�سى وغيره من أنبياء بني
إسرائيل ،وبالتالي فإن أسلم اليهودي فلن يشعر بالوحشة في دين اإلسالم ،بل على العكس سيجد
نفسه بين يدي الدين الصحيح الذي نزل على مو�سى -عليه السالم -قبل أن يتم تحريفه.
وينطبق األمر ذاته مع املسيحي الذي يدخل اإلسالم ،إذ سيجد نفسه مع قصة مريم ابنة
عمران ،وسوف ينبهر بالتصوير الرائع الذي يصور به القرآن هذه القصة ،كما سيجد نفسه
َ ُ ُ َ
تاب ِبق َّو ٍة» (مريم ،)12 :بل إن القرآن الك
مع يحيى -عليه السالم -حيث يقوله هللا« :يا يحيى خ ِذ ِ
الكريم يتحدث عن كل ما يتصل بأنبياء بني إسرائيل أحسن مما فعلت التوراة.
ويتحدث عريبي عن الصهيونية -حديث العارفين -فيقول :عاش اليهود بين أحضان العرب
مكرمين بعد أن تم طردهم من إسبانيا في القرن الخامس عشر ،فعيب وأيما عيب أن واإلسالم ّ
ًّ
شخصيا أرى يقابل كرم الضيافة العربي واإلسالمي بهذا اللؤم السافر وبهذه الخدع املاكرة ..أنا
أن الصهيونية هي أكبر بالء ابتليت به اليهودية.
ويختتم عريبي حديثه باإلشارة إلى أن اإلسالم هو الديانة الوحيدة التي تنظر إلى الناس على
أنهم ينتمون إلى أب واحد وأم واحدة ،وأن جميعهم في اإلسالم عند هللا تعالى سواسية فقيرهم
وغنيهم خفيرهم وأميرهم وال يفضل أحدهم على أخيه إال بمقدار طاعته هلل تعالى ،إذ كل هؤالء
يقفون في الصالة في صف واحد ال يتقدم فيه أحد على أحد.
واجهتني صعوبة كبيرة في العثور على كتب مناسبة عن اإلسالم ،األمر الذي دفعني إلى أن
أطلب أكثرها بالبريد ،إلى جانب ذهابي إلى مركز إسالمي ..كان أفراد «املركز اإلسالمي» يعاملونني
ً بلطف بالغ ،على عكس ما كنت أتوقع ،لم يمارس ّ
علي أحد ضغطا لكي أتحول عن ديني ،وكل ما
مدي بما كنت أحتاجه من معلومات عن اإلسالم تخدم دراستي ،باإلضافة إلى إجاباتهم فعلوه هو ّ
الشافية عن كل أسئلتي ..والحق يقال وجدت منهم صراحة دافئة وود لم أجدهما في كل الواليات
املتحدة ..أحدهم طلب مني النطق بكلمات الشهادة ،بيد أن اآلخرين سارعوا إليه في الحال،
وطلبوا منه أن يصمت باعتبار أن املبادرة يجب أن تأتي مني عقب اعتقادي بصحة كلمات الشهادة
التي سوف أنطقها.
وهكذا استمر حالي لسنوات قليلة ،قرأت خاللها الكثير حول اإلسالم ،وإن كنت لم أبدأ
قراءة القرآن بعد ..الحقيقة أخذ تحيزي ضد اإلسالم ونفوري منه يتالشيان كلية عندما اطلعت
ً ّ على القصص الصحيحة عن النبي ُم َّ
حمد -صلى هللا عليه وسلم -فضل عن اطالعي على التاريخ
229 اإلسالمي واملعتقدات اإلسالمية..
قدمها لي صديق مخلص (غير مسلم) قرأت «سيرة مالكولم» ..وما أن فرغتوبناء على نصيحة ّ
ً
من قراءتها حتى شعرت برغبة قوية في الحصول على نسخة من القرآن ..وبالفعل زرت ً
عددا من
املكتبات وحصلت على ترجمة ملعاني كلمات القرآن قام بها شخص اسمه داوود.
الحقيقة لن أن�سى ً
أبدا ذلك اليوم الذي قرأت فيه القرآن الكريم ..ألنني وحاملا قرأته تغيرت
حياتي ونظرتي للعالم كما تغيرت أنا بدوري ..لقد قرأت ترجمة القرآن الكريم بأكملها في جلسة
واحدة ..ليس هذا فحسب بل ال أظن أنني غيرت من وضعية جلو�سي ..ما أن بدأت بالصفحة األولى
منه حتى بهرني وأخذ بلبي ..أدهشتني بدايته التي تسمى سورة «الفاتحة» وهي دعاء ..لقد أحببتها
الكتاب املذهل
أردده ً
سابقا ومفاده« :أنت هللا رب العاملين، تماما مع دعاء كنت ّ
فورا كدعاء فقد وجدتها تتسق ً ً
اهدني ،اجعلني مع الذين تحبهم».
ووجدت القرآن الكريم في بداية السورة الثانية يصف أولئك الذين يخاطبهم ذلك الكتاب:
أناس يؤمنون باهلل يقيمون الصالة ،ويؤتون الزكاة ،ويؤمنون بالرسل الذين أرسلوا إلينا،
ويقول إنه ًّ
حقا من عند هللا ال شك فيه ،هدى للمؤمنين..
َّ َ ُ ْ ُ َ ْ َ ْ َ ُ ُ َ َّ َ َ ْ َّ َ َ َ ْ َ ُ َ
الصلة اب ل َر ْي َب ِف ِيه ُه ًدى ِلل ُمت ِقين ( )2ال ِذين يؤ ِمنون ِبالغي ِب وي ِقيمون الم ( )1ذ ِلك ال ِكت
ْ َ ُْ َ ُْ َ َّ َ ْ ُ َ َ َّ َ َ ْ َ ُ ْ ُ َ
ين ُيؤ ِمنون ِب َما أن ِز َل ِإل ْي َك َو َما أن ِز َل ِم ْن ق ْب ِل َك َو ِبال ِخ َر ِة ُه ْماه ْم ُين ِفقون ( )3وال ِذو ِمما رزقن
ُ َ
ُيو ِقنون ( )4سورة البقرة .4-1
وكان ذلك كل ما كنت أريده وأبحث عنه منذ سنوات ..هكذا وجدت القرآن الكريم يخاطبني
مباشرة كفرد ودونما وسيط ..لم أجده مجرد نص قديم عمره 1400سنة ..لقد أسرني ًّ
حقا،
وكنت أشعر وكأن رأ�سي يتعرض بعنف إلى الضرب بلوح خشبي أو بقطعة من الطوب ..لقد كنت
ً ًّ مذهول وال عجب في ذلك فقد وجدته ًً
حقيقيا منزل من هللا تعالى وليس «كتابة ملهمة» كتابا
للكتاب املقدس ..نعم وجدته وحي مباشر ورددت في نف�سي« :إنه ًّ
حقا كالم هللا ،يا إلهي! إنه من هللا
ً ً مفحما ،وأنا أقرأ ً
ً ً
شيئا مذهل فعل وبالغ الروعة». فعل! ..الحقيقة كنت
ما حدث لي وأنا أقرأ القرآن إحسا�سي بأنني أقف أمام معجزة حقيقية ..إحساس يفوق
ً
شخصا ما يسبح في الهواء ويطير أمام عيني من دون بكثير ذلك الذي يمكن أن ينتابني إن رأيت
استخدامه ألي معينات.
سابقا بسبب دراساتي األكاديمية للدين وجدتها فينعم الكثير من األمور التي فكرت فيها ً
القرآن الكريم ،وليس هذا فحسب ،بل أكمل لي القرآن ً
أفكارا ومفاهيم كنت قد أدركتها على نحو
غامض ..من ناحية ثانية كشف لي القرآن عن عالم جديد بأكمله من املعاني واإلمكانات ..الحقيقة
230
انتابني إحساس من يقف أمام سهل منبسط لعالم جديد ساحر ومذهل يمتد أمامي إلى ما ال نهاية.
بعد ذلك وجدت نف�سي أندفع بشغف وبال توقف في قراءة القرآن الكريم وكنت أردد أثناء
قراءتي لكل آية من آياته كلمة« :نعم ...نعم» ..األمر الذي استوقفني وانشرح له صدري ما ورد
في القرآن من أن يسوع املسيح لم يمت على الصليب ،األمر الذي جعل يقيني يزداد بأن القرآن
هو كالم هللا تعالىً ..
أخيرا توصلت إلى أن هذا القرآن هو كتاب معاصر وصالح لكل زمان ومكان.
مترد ًدا في نطقي بالشهادتين إذ كنت ً
قلقا باعتبار أنني الحقيقة أردت أن أسلم بيد أنني كنت ّ
أيرلندي أمريكي كاثوليكي ،وتعلمت في مدارس كاثوليكية في الواليات املتحدة األمريكية..
واحدا تلو اآلخر وهم يؤدون الصالة.. أتذكر أنني وقفت في املسجد أعمل على تصوير املصلين ً
حقا أن ُم ً
حمدا رسول هللا».. فكرت للحظات وقلت في نف�سي« :من الذي أخدعه؟ إنني أؤمن ًّ
سأكون غير صادق مع نف�سي إن لم أعلن ما أعتقد أنه حق ..بعد انقضاء أسبوعين من ذلك أعلنت
حم ًدا رسول هللا».
اعتناقي اإلسالم وقلت بصوت الواثق بنفسه« :أشهد أن ال إله إال هللا وأن ُم َّ
ً
ويختتم جريميا قصة إسالمه قائل« :استجاب هللا تعالى لدعائي وهداني إلى اإلسالم ..مضت
ً
اآلن خمس سنوات على إسالمي وما زلت مذهول بما حدث!! ..إن اإلسالم بالفعل هو األكمل..
أقول بموضوعية مستمدة من خلفية دراستي للموضوعات الدينية ..أنا ً
نادرا ما تخذلني الكلمات
بشدة عندما تريد أن تخرج لتصف ما أشعر أود التعبير عن �شيء أعجبني لكنها تخذلني ّ عندما ّ
وأفكر به حول اإلسالم والقرآن وسنة حبيبنا رسول هللا -صلى هللا عليه وسلم ..-ببساطة شديدة
ال أملك إال أن أقول إن اإلسالم مذهل ،رائع ومفعم بالقوة والحيوية والنشاط ،نابض بالحياة
ومترع بالجمال ،ناضج بالفكر ومتألق بالتسامح ..وال أملك أمام كل هذه النعمة إال أن أحمد هللا
سبحانه وتعالى على أن هداني لهذا الدين العظيم ..أن هداني إلى كالمه ..القرآن.»..
فما أعظم أن تقرأ ً
كالما ..قاله هللا..
يا هللا ..إنها عظمة غير قابلة للوصف..
يعجز كالم البشر عن وصف كالم رب البشر..
لذا ..ال تخدع نفسك بعد اآلن..
اسأل هللا الهداية ..فباهلل نهتدي إلى هللا.
231
كانت في الثامنة والعشرين من عمرها ..غانية حسناء أغرقها جمالها الغامر في عالم الشهرة
واإلغراء من شعر رأسها حتى أخمص قدميها ..كانت تحلم في صغرها بأن تعمل ممرضة متطوعة
تساعد املر�ضى ..بدافع من أهلها استغلت جمالها الصارخ في عمل ّ
يدر عليها وعلى أسرتها الربح
املادي السهل والكبير ،ويجلب لها الشهرة الواسعة ..لكن ..في مقابل ذلك دفعت الثمن ًّ
غاليا بأن
وتحولت إلى صنم بارد فاقد للحياة والحياء ..زيارة لبيروت -حيث كانتفقدت إنسانيتها الكريمة ّ
َّ
الحرب مستعرة -مثلت نقطة فارقة في حياتها ..بدأت وقتها خطوتها األولى في طريق اإلنسانية ،ثم
واصلت طريقها حتى دخلت اإلسالم من أوسع أبوابه.
إنها فابيان عارضة األزياء الفرنسية املعروفة وبطلة هذه القصة ..ما سبق ذكره يدور حول
حياتها األولى فماذا عن قصة خروجها من أضواء الشهرة املعتمة بظلمات الجهل والضالل
ودخولها إلى رحاب اإلسالم املشبعة بفيوض النور حتى االرتواء؟
تقول فابيان بلسان يلهج بالشكر هلل تعالى وبصوت مملوء باإليمان« :لوال فضل هللا تعالى ّ
علي
ورحمته الواسعة بي لفقدت حياتي وأضعتها في عالم مادي ينحدر فيه املرء من إنسان كريم ولد
نقيا بالفطرة إلى حيوان جامح كل ّ
همه إشباع الرغبات والغرائز بال قيم وال مبادئ». ًّ
وتروي فابيان قصتها قائلة« :منذ طفولتي كان حلمي الوحيد يتمثل في أن أعمل ممرضة
ً
سراعا وكبر معي حلمي الجميل.. متطوعة أساعد املر�ضى وأخفف آالم األطفال ..مرت األيام
لكن ..انتبه الجميع ملا أصبحت أتمتع به من جمال ّ
تزينه الرشاقة ..فجأة تحول الجميع من حولي
-بمن في ذلك أفراد أسرتي -إلى أبواق ملحاحة ّ
تحرضني على وأد حلم الطفولة البريء ،واستغالل
وفيرا ،وأحصل على شهرة واسعة.ماديا ً جمالي الصارخ في عمل أكسب من ورائه ً
ربحا ًّ
ً
وجدت الطريق إلى عالم الشهرة أمامي سالكا بمساعدة من جمالي ودعم من الشيطان ..لم
يمض ّ
علي وقت طويل حتى تذوقت طعم الشهرة ،كما فاضت حياتي بالهدايا الثمينة التي هطلت
ّ
علي من كل ناحية وصوب.
ولكن ..دون الشهد خرط القتاد ..نعم لقد دفعت الثمن ًّ
غاليا ..فال نجاح في مجالي دون التجرد
الكامل من إنسانيتي ..فلكي تنجح الفتاة وتتألق في مثل هذا املجال يشترط عليها أن تقتل في دواخلها
علي أن أفعل ذلك وأن أتخلى كلية عن الحياء الذي مراكز اإلحساس ،والشعور ..كان يتحتم ّ
تربيت عليه ،وأن أفقد ذكائي الذي عرفت به ،وأن يقتصر فهمي فقط على حركات جسدي
علي أن أحرم من جميع أنواعالرشيقة ،وإيقاعات املوسيقا الحاملة التي تصاحب العرض ،بل كان ّ
املأكوالت اللذيذة ،وأن أعيش على الفيتامينات الكيميائية وعلى املقويات واملنشطات ،ومن قبل
علي أن أفقد ً
تماما مشاعري تجاه البشر فال أكره ..وال أحب ..وأن أفقد نف�سي فال ذلك كله فرض ّ
233
شيئا يملى ّ
علي. أرفض ً
قالت فابيان وهي تتنهد في حسرة ومرارة :لم تجعل مني بيوت األزياء سوى صنم متحرك مهمته
األولى العبث بالقلوب واللعب بالعقول ..لقد تعلمت فيها كيف أكون باردة قاسية من الخارج
مجرد إطار آلي يرتدي املالبس ..جماد يتحرك بال أحاسيس ذي وجه مغرورة فارغة من الداخلّ ..
يبتسم بال مشاعر ..لم أكن أنا فحسب املعنية بقانون البرود؛ فقد كان يطبق على الجميع ..وكان
تجردها من بشريتها وتنكرها آلدميتها ً
معيارا للنجاح ..فكلما تألقت العارضة في ّ االلتزام به يمثل
زاد قدرها وعال شأنها في هذا العالم البارد ..والعكس صحيح ملن تخالف ًّأيا من تعاليم األزياء؛ إذ
ستجد نفسها عرضة أللوان شتى من العذاب ..صنوف ّ
الرحلة املباركة
جزءا من حياتي أتجول بين دولوتسترسل «فابيان» في حديثها قائلة في حرقة« :لقد عشت ً
تبرج وإرضاء لرغبات الشيطان الخبيثة في العالم ..أعرض أحدث خطوط املوضة بكل ما فيها من ّ
إبراز مفاتن املرأة دون خجل أو حياء ..لم أكن حينذاك أحس بجمال األزياء التي تغطي جسدي
الخاوي من كل �شيء كريم ..وفي املقابل كنت أشعر بنظرات االزدراء واالحتقار في أعين الحضور..
يا للمأساة لقد كانوا يحتقرون شخ�صي بينما يحترمون ما أرتديه ..ومعهم كل الحق في ذلك ..أولم
خال من الحياة؟!
أكن مجرد صنم بارد ٍ
وتتنهد فابيان بصوت مسموع قبل أن تقول :كنا نحيا في عالم الرذيلة بكل أبعادها ورزاياها..
الويل كل الويل ملن تعرض عليها الرذيلة فترفضها وتحاول االكتفاء بعملها فقط ..وقد كنا
نستحق ذلك ..أولم نكن مجرد دمى ال تملك قرارها بيدها؟!
وعن التحول الجذري املفاجئ في حياتها تقول فابيان في حماسة« :كنا في رحلة عمل إلى بيروت
التي دمرتها املؤامرات وأحرقتها نيران الحرب ..رأيت هناك كيف يبني الناس الفنادق واملنازل تحت
دوي املدافع ..دخلنا مستشفى لألطفال أنا ومعي زميالتي من األصنام البشرية ..نظرت زميالتي
إلى األطفال الجرحى كعادتهن بالمباالة ..على عكسهن تأثرت ً
كثيرا بمرأى األطفال األبرياء وهم
يدفعون ثمن فاتورة حرب أشعلها الكبار ..بل انقشع عن عيني زيف الحياة التي كنت أعيشها..
اندفعت في سرعة نحو أشالء األطفال في محاولة مني إلنقاذ من لم يمت منهم جراء جراحه.
ّ
يتوقعون عودتي إلى الفندق حيث الجميع في انتظاري ً
جنبا لم أعد إلى األصنام البشرية ..كانوا
إلى جنب مع الشهرة الزائفة واألضواء الخاوية ..نعم أنهيت بمحض إرادتي حياة الزيف والضالل
ألبدأ أولى خطوات رحلتي نحو اإلنسانية ..إنها رحلة مباركة أوصلتني بدورها إلى طريق الهدى
ألنعم بنور اإلسالم.
234
تقدما في طريق اإلنسانية حيث وصلت تركت بيروت ورائي وذهبت إلى محطة أخرى أكثر ً
باكستان ألعيش عند الحدود األفغانية حياة حقيقية تعلمت منها كيف أكون خادمة لإلنسانية..
مكثت بهذه املحطة ثمانية أشهر تفرغت خاللها لرعاية األسر التي عانت ويالت الحرب ..ليس
هذا فحسب بل أحببت الحياة معهم ،فأحسنوا معاملتي ..الحقيقة حياتي مع األسر األفغانية
والباكستانية زادت ً
كثيرا من قناعتي باإلسالم كدين وكدستور للحياة إذ أعجبني أسلوبهم امللتزم
في حياتهم اليومية ..فاعتنقت اإلسالم عن قناعة .
تعلم اللغة العربية باعتبارها لغة القرآن ،وقد أحرزت ً
تقدما ً ّ
مقدرا في ذلك.. بدأت حينذاك
ً
سبحان هللا مغير األحوال ..لقد تغيرت كيميائية نف�سي تماما فبعد أن كنت أستمد نظام حياتي من
صانعي املوضة في العالم أصبحت حياتي تسير ً
وفقا ملبادئ اإلسالم.
لم تيأس بيوت األزياء العاملية من عودة فابيان لها ّ
مرة أخرى بعد اعتناقها اإلسالم فمارست
ً
عليها ضغوطا دنيوية مكثفة ..لقد أرسلوا لها الهدايا الثمينة كما أغروها بمضاعفة دخلها الشهري
إلى ثالثة أضعاف بيد أنها رفضت بإصرار..
عندما فشلت سياسة اإلغراء مع فابيان لجأت تلك الجهات إلى األساليب القذرة كمحاولة
تشويه صورتها أمام األسر األفغانية ..قاموا بنشر أغلفة املجالت التي كانت تتصدرها صورها
السابقة حينما كانت تعمل عارضة لألزياء ،وعلقوها في الطرقات واألماكن العامة في محاولة
منهم لإليقاع بينها وبين أهلها الجدد ،ولكن خاب ظنهم وفشل مسعاهم..
يوما أن أقوم بتعريض َّ
يدي لألعمال وتنظر فابيان إلى يدها في دهشة وتقول« :لم أكن أتوقع ً
الشاقة وسط الجبال وأنا التي كنت أق�ضي الساعات الطوال في املحافظة عليهما ناعمتين..
لكن هذه املشقة لم تزد َّ
يدي إال نصاعة وطهارة ،وسيكون لها حسن الجزاء عند هللا سبحانه
وتعالى إن شاء هللا».
سبحان هللا!! ركلت فابيان وراءها الثراء والشهرة واملجد والحياة املادية الزائفة لتعيش حياة
قاسية بين الجبال لتساعد الجرحى واملر�ضى لكي تنعم بالحياة الحقيقية السعيدة في الدنيا ولكي
تنال الثواب من هللا تعالى في اآلخرة..
يوما عن لغة تتحدى الناطقين بها ،كما يتحدى القرآن الكريم بلغته العربية أكبرولم نسمع ً
بلغائها وشعرائها وأدبائها..
السائحة األمريكية كريمة بيرنز لها قصة عجيبة مع اللغة العربية ،نفسح لها املجال لتروي لنا
ً
جانبا منها في الفقرات التالية :الحقيقة احتوتني الدهشة في مسجد الحمراء بغرناطة اإلسبانية
وأنا أحدق في الخطوط املكتوبة على أطراف جدران املسجد ..لقد انبهرت ً 236
تماما ألنني وجدت
نف�سي أقف متأملة في حروف وكلمات أجمل لغة شاهدتها في حياتي على اإلطالق ،وحتى ذلك
ًّ
إسبانيا في نبرة تعلوها ً
سائحا الوقت لم أكن أعرف ما هي ..فدرت حول نف�سي في ذهول ثم سألت
رد السائح اإلسباني ّ
علي في اقتضاب« :العربية». الدهشة« :ما هي هذه اللغة؟»ّ ..
في اليوم التالي ،سألتني املرافقة السياحية -وهي تهم بإعطائي دليل الرحلة -قائلة :بأي لغة
تريدين دليل الرحلة؟ أجبتها بتلقائية وحتى دون أن أفكر :أريده بالعربية.
أجبتها قائلة :ال ..ولكن أحببت أن أحصل على دليل بالعربية ،وليتك تعطيني نسخة أخرى
من الدليل باإلنجليزية .وعندما انتهت الرحلة السياحية انتبهت إلى أن حقيبتي امتألت عن آخرها
بكتيبات كثيرة مطبوعة باللغة العربية أخذتها من جميع املواقع التي زرتها في إسبانيا ..بل وصل
اكتظاظ حقيبتي بالكتب درجة جعلتني أضطر إلى التخلي عن بعض مالب�سي ..الحقيقة تشبثت
بتلك الكتيبات العربية في حرص شديد ولكأنها صيغت بمداد من الذهب ..وعقب وصولي إلى
الديار ظللت أفتح تلك الكتيبات في كل ليلة ،لكي أتأمل حروفها املتوهجة بالجمال وهي تتدفق عبر
الصفحات في سالسة.
ّ
إعجابي الشديد بجمال اللغة العربية دفعني إلى أن أعاهد نف�سي على تعلمها في فصل الخريف
موعد بداية دراستي في الكلية..
كنت في السادسة عشرة من العمر عندما تركت عائلتي ورائي في والية آيوا األمريكية ،وذهبت
بمفردي إلى أوروبا بغرض االنتساب إلى جامعة نورثيستون ..قلت ألصدقائي وعائلتي إنني أرغب
في رؤية العالم ..هذا ما قلته لهم لكنني في الحقيقة كنت أبحث عن إجابات لبعض التساؤالت
ّ
امللحة التي كانت تدور في ذهني ..لقد تركت الكنيسة ألنني لم أكن مقتنعة بالتعليم الذي كنت
أتلقاه حيث ترعرعت في منطقة الغرب األوسط من أمريكا ..وألنه لم يكن هناك خيار آخر متاح
ً
أمامي غير التعليم الكن�سي قمت برحلتي إلى أوروبا بحثا عن البديل.
من مفاهيم الكنيسة وممارساتها التي كنت أدرك بحد�سي وفطرتي أنها مفاهيم خطأ،
عدم سماحها لرعاياها بأن يصلوا هلل!! ..الحقيقة لم أكن قادرة على أن أجهر بمعارضتي لتلك
املفاهيم واملمارسات؛ إذ كنت أتظاهر بتأييدها في العلن بينما كنت أصلي ًّ
سرا هلل ..نعم كنت
ً
واحدا فقط يجب علينا أن نتوجه إليه بالصالة ..لكن وعلى الرغم أؤمن بإخالص بأن هناك ً
إلها
237
من ذلك كنت أشعر بعقدة الذنب تعتريني ألن اعتقادي وسلوكي السريين كانا يخالفان مبادئ
التعليم الذي تعلمته.
ومن ممارسات املسيحيين التي لم أكن راضية عنها حقيقة أنهم يربطون تطبيق القيم التي يأمر
بها الدين -كالصدق ،واللطف والرحمة -فقط بيوم األحد حيث يتصرفون على نحو مختلف في
بقية أيام األسبوع ..لقد كنت تائهة وسط صحارى من الحيرة ،وأبحث عن الحق في يأس بيد أنني
لم أجده حتى ذلك الوقت.
أذكر ذات يوم أنني ذهبت إلى أحد أساتذتي في منزله ،وشاهدت مجموعة كبيرة من الكتب
اسم املؤلف
املقدسة مرصوصة على أحد األرفف ..سألته عن تلك الكتب فأجابني بأنها روايات مختلفة
للكتاب املقدس! في الواقع أزعجني األمر ً
كثيرا وأصابني بالحيرة مع أنه على ما يبدو لم يكن
يزعج األستاذ ألبتة.
ً
حينما عدت إلى كليتي ،كنت أحمل بين جوانحي أثقال من اإلحساس بخيبة األمل ألنني فشلت في
الحصول على اإلجابة التي كنت أتوقع الحصول عليها في أوروبا ..لكن عزائي الوحيد يتمثل في أنني
عدت وقلبي مملوء بحب لغة لم أكن أعرف عنها إال اسمها ورسمها فقط ..إنها اللغة العربية التي
كنت أتأمل حروفها وكلماتها بإعجاب دون أن أفهم ً
شيئا ولو ً
يسيرا من معانيها ..ما أثار سخريتي
الحقا حينما توصلت بعد أكثر من عامين إلى حقيقة أنني كنت أحدق ًّ
مليا في اإلجابات من نف�سي ً
التي كنت أبحث عنها بإلحاح ،وهي محفورة على جدران مسجد «الحمراء» ..ما كان يحجبها عني
آنذاك فقط هو عدم إملامي باللغة العربية.
كان أول عمل قمت به عقب وصولي إلى الحرم الجامعي هو التسجيل في صف اللغة العربية..
كنت ثالثة ثالثة فقط في صف ال يحظى بشعبية وال قبول من قبل الطالب ..حبي للعربية جعلني
أهتم بها في شغف احتار أمامه أستاذي ..كنت أنجز -في إتقان وإخالص -الفروض الدراسية
بريشة الخط العربي الجميل ..بل كنت أذهب إلى املنطقة العربية في شيكاغو ،فقط لكي أعثر على
زجاجة مياه غازية كتب عليها بالعربية «كوكا كوال» ..ومن تلك املنطقة التي أحببتها بسبب حبي
للعربية استعرت من العرب مجموعة من الكتب فقط لكي أتمكن عبرها من تأمل جمال حروف
اللغة بالعربية وروعة كلماتها الساحرة.
حبي للعربية دفعني إلى أن أتخصص في دراسات الشرق األوسط عندما وصلت إلى سنتي الثانية
بالجامعة ..نعم سجلت في صفوف تتعلق بتلك املنطقة ،ومن حسن حظي أنني حظيت في واحد من
تلك الصفوف بدراسة القرآن الكريم.
يا هللا!! ..في إحدى الليالي التي ال تن�سى فتحت القرآن لتأدية «الفرض الجامعي» ،بيد أن قراءتي
238
للقرآن لم تقتصر على ذلك الفرض فحسب؛ إذ وجدت نف�سي غير قادرة على التوقف عن
القراءة ..لقد انبهرت بوضاءة القرآن بصورة أعجز عن وصفها بالكلمات!! ..لقد وجدته ً
كتابا يتسم
بالبساطة والوضوح والعمق بل وجدت فيه اإلجابات الكافية الشافية لجميع األسئلة امللحة التي
كانت تقض مضجعي مثل :ملاذا يقتصر التحلي بالقيم الفضلى فقط على أيام اآلحاد؟ وكيف يوجد
أكثر من إله؟ وإلى غير ذلك من األسئلة التي كانت تراودني نتيجة للمفاهيم واملمارسات الدينية
املسيحية الخطأ التي تم غرسها بداخلي منذ طفولتي.
في اليوم التالي ذهبت إلى الصف الدرا�سي لكي أسأل عن اسم مؤلف ذلك الكتاب حتى أتمكن
من قراءة املزيد من كتبه ألنني انبهرت به بشدة ..وجهت هذا السؤال ألستاذي بعد أن الحظت في
نسخة املصحف التي كنت قد حصلت عليها وجود اسم اعتقدت أنه اسم مؤلفه ،كما هو الحال
في اإلنجيل الذي كتبه القديس «لوقا» على سبيل املثال ..أفادني أستاذي بأن هذا االسم هو اسم
املترجم الذي ترجم الكتاب ألن املسلمين يرون أن هذا الكتاب لم يؤلفه بشر وإنما هو كالم هللا
ّ الذي لم يطرأ عليه أي تغيير منذ أن نزل ً
وحيا على نبيهم محمد -صلى هللا عليه وسلم.-
لًّ
عقب ما سمعته من أستاذي وجدت نف�سي أرغب بشدة ولدرجة الوله في أن أدرس ك من
العربية واإلسالم ،كما أنني فكرت في السفر إلى منطقة الشرق األوسط ..وبحمد هللا تحقق لي
ما أردته؛ إذ سافرت عقب تخرجي في الكلية إلى مصر ألتابع دراستي هناك ..لقد أحببت «القاهرة
ً
إحساسا بالراحة اإلسالمية» من داخل أعماقي ..كانت مساجدها الفسيحة الشامخة تمنحني
ً
والرهبة في آن واحد ..وكنت حين أدخلها أشعر فعل بقيم الجمال والقوة والرهبة من هللا تعالى،
كما كنت أستمتع بالتحديق في الخطوط العربية األنيقة التي تزين جدرانها.
لم لم أعتنق اإلسالم وأنا ّ ً
زميل سألني ذات يوم َ
أكن له كل هذا القدر الكبير من أذكر أن
الحب؛ فأجبته بعفوية وبنبرة استنكارية :ولكنني مسلمة! ..تفاجأ من إجابتي ونصحني بأن أعلن
اعتناقي لإلسالم حتى يكون إلسالمي صفة رسمية.
وتختتم كريمة بيرنز قصتها بقولها :عندما استلمت وثيقة إسالمي شعرت بأنني لست في حاجة
إلى إبرازها وعرضها لكي تخبرني بأنني مسلمة؛ إذ توصلت إلى هذه الحقيقة منذ أول لحظة بدأت
ً ّ
فيها قراءة القرآن ،لذلك وضعت الوثيقة في خزانة ملفاتي مع بقية سجالتي وعلقت بدل منها
صورة مسجد الحمراء فوق حائطي.
ندعوكم للتعرف إلى قصة القس النيجيري مسعود النرواجو أديوجو الذي تنقل بين اإلسالم 240
والنصرانية مرتين فاكتشف الفرق بينهما كما لم يكتشفه أحد مثله ..انتقل من وسط نوراني لم
يكن يبصره بسبب بصيرته العمياء إلى ظلمة ّزينها له املبشرون كشالالت من الضياء ثم عاد إلى
النور مرة أخرى بعد أن وجد ما زين له مجرد سراب خادع ليمتع ناظريه وقلبه بنور حقيقي تراه
اآلن بصيرته التي أسهمت ظلمة النصرانية في إيقاظها من سباتها العميق.
تجشم الصعاب وبدأ بدراسة مرهقة للكتاب املقدس حيث اطلع عليه صفحة صفحة ..كلمة
كلمة ..اندهش بشدة! فمن ناحية اكتشفت أن فيه ً
آثارا من اإلسالم أكثر مما فيه من النصرانية..
ومن ناحية أخرى ،عرف أن ما يطلق عليه النصارى الكتاب املقدس يحوي ً
عددا من التناقضات
الفاضحة والتحريفات الواضحة التي تجعله ال يستحق تسميته بالكتاب املقدس.
ً من الصعب ًّ
جدا على إنسان عاش وترعرع في كنف النصرانية ،محاطا بهالة من األكاذيب
املقدس ليس ّ
مقد ًسا .الدكتور دبليو جراهام واألوهام ،أن يصطدم فجأة بحقيقة أن كتابه ّ
سكروجي من مؤسسة مودي للكتاب ّ
املقدس في مدينة شيكاغو األمريكية ،وهي جمعية نصرانية
املقدس كلمة هللا؟» ،يقول فيه« :الكتاب ّ
املقدس تبشيرية عاملية ،له كتاب بعنوان« :هل الكتاب ّ
ً
والتماسا للعلم ،فهذا الكتاب صناعة بشرية بلغة بشرية ،وكتبها ً
وبعيدا عن الحماس، بشري،
أناس ،ولها صفات الصناعة البشرية» .هذا التصريح واضح وال يحتاج إلى أي تعليق!
املقدس ،وهو أسقف بيت املقدس،ننتقل إلى شهادة عالم نصراني آخر مشهور عن الكتاب ّ
ً
جديدا ..ففيه اختصارات وزيادات، كينيث كراج ،حيث يقول في كتابه «نداء املنارة»« :ليس ً
عهدا
وهناك صياغة جديدة ،وشواهد .فاألناجيل ّ
مرت بتحريف تقوده الكنيسة ،وال يعدو كونه
عرضا للتاريخ والخبرات» .وهذه اعترافات صريحة واضحة! ً
نعود إلى بطل قصتنا القس مسعود النرواجو أديوجو لنستمع إليه وهو يقول لنا في حرقة
ً
منتقدا ثقافة القطيع التي يعانيها النصارى« :هذا هو حال النصارى ،فاملعضلة واملشكلة األساسية
مع النصراني املعاصر أنه ال يكترث باالطالع على كتابه املقدس! وأنه ال يدرسه كما فعلت أنا لكي
يصل إلى الحقيقة ،ولو أنه قد فعل ذلك -أعني لو قام أي نصراني ممن ولد وعاش في هذا الدين
241 بقراءة «كتابه املقدس» قراءة خالصة ملعرفة الحق ،قراءة ناقدة ببصيرة -فسوف يكتشف -ويا
لحزنه وشجنه -أن دينه بحاجة إلى أن يعيد التفكير فيه ً
كثيرا؛ فاملسيح -عليه السالم -ال عالقة
له بما آلت إليه النصرانية ،وسيكتشف أنه حتى اسم الكتاب املقدس نفسه ( )Bibleال ذكر له
في الكتاب املقدس ،فهي كلمة مخترعة ..كما أن أساس االحتفال بميالد املسيح املسمى بـ «عيد
الكرسماس» وعيد الفصح والتثليث ( )Trinityال وجود لكل ذلك في كتابهم املقدس».
في إطار بحثه عن الحقيقة ،وفي أحد األيام من عام 1985م قام بطل قصتنا بزيارة إلحدى
املكتبات اإلسالمية في «فينسبري بارك» في لندن واشترى في ذلك اليوم ً
كتابا يسمى «حياة محمد»
ملؤلفه الدكتور محمد حسين هيكل ،وما أن قرأ ذلك الكتاب واستوعبه وفهم معانيه حتى برز
التحريف ّ
توجهه نحو اإلسالم ،فأصبح من يومها يقرأ الكتب اإلسالمية األخرى لعلماء مسلمين مثل أبي
األعلى املودودي ،وأحمد ديدات وغيرهما.
املقدس
وعندما قرأ نسخة من ترجمة معاني القرآن الكريم باإلنجليزية لعبد هللا يوسف علي وجد
ّ نفسه ً
مؤمنا برسالة سيدنا محمد -صلى هللا عليه وسلم ،-بل ما أن قرأ القرآن حتى شعر بنفسه
وقتا في حث الخطى نحو الرجوع إلى اإلسالم ،ليبدأ حياته مغمورا بنور اإلسالم ..ولم يضع ً
ً
اإلسالمية بنظافة روحية ،هو وكل أفراد أسرته ،ومنذ ذلك اليوم ظل يردد بصوت جهوري
وعلى رؤوس األشهاد ً
علنا« :إن القرآن هو الوثيقة الوحيدة التي تشتمل على الحق املنزل من عند
هللا التي ما زالت صافية طاهرة باقية على أصلها وصفائها منذ أن أوحى هللا تعالى إلى الرسول -صلى
ّ
هللا عليه وسلم -حتى يومنا هذا ،وسيظل كذلك إلى يوم الدين».
وفي هذا الجانب يرى بطل قصتنا أن القرآن الكريم ال يشبه «الكتاب املقدس» عند النصارى
في �شيء ،إذ إن األخير ظل وعلى مدار التاريخ ،عرضة لتباين وجهات النظر والتنقيح الدوري
والتحريف وتالعب رجال الكنيسة به حتى يخدم أغراض الكنيسة الدنيوية ويحقق املصالح
الشخصية لسدنتها ..ولذلك فإن «الكتاب املقدس» يحوي آالف األخطاء التي تشوش على
النصارى واليهود عقيدتهم ،ومع ذلك فإن النصارى يروجون األباطيل وينشرون األكاذيب
ويشيعون املتناقضات الفاسدة ليضللوا البسطاء ويبعدوهم عن رسالة اإلسالم.
وعن تسبيح هللا بين النصرانية واإلسالم ،يقول مسعود يسبح املسلمون هللا ويمجدونه
ويحمدونه بعبارات جميلة متسقة مشتركة بين جميع املسلمين وفي جميع الظروف واألحوال
مثل« :ال إله إال هللا»« ،هللا أكبر»« ،سبحان هللا» ،و«الحمد هلل» ،و«استغفر هللا» وإلى غير
ذلك من العبارات الجميلة سهلة املبنى عميقة املعنى ،أما في النصرانية ،فإنه ال توجد طريقة
واحدة مشتركة منظمة أو أنموذج يحتذى به سواء كان ذلك من حيث العبارات التي تقال لكل
ظرف وحالة ،أو من حيث املناسبات نفسها ،إال عبارة واحدة هي« :هلولويا» أو عبارة «آمين»،
ً
مرورا بذرف ولذلك فإن ممارستهم للشعائر تختلف وتأخذ مناحي مختلفةً ،
بدءا بالتصفيق 242
ً
وانتهاء بالرقص والضرب على الطبول!! من ناحية ثانية يشير محمد سعيد إلى أن أغلبية الدموع
ً
النصارى يفضلون أن يحمدوا «املسيح»! بدل من أن يحمدوا هللا ،باإلضافة إلى إكثارهم من
ً
واحدا؛ حيث يقولون :املجد حمد «الثالوث» املتوهم؛ أي :ادعاء أن الثالثة في واحد تساوي ً
إلها
لآلب واالبن وروح القدس! وال شك في أن مبدأ التثليث يمثل قمة الغباء والتشويش الروحي
واالضطراب في املسيحية.
أما بالنسبة إلى أسلوب العبادة فيقول بطل قصتنا إن اإلسالم هو الدين الوحيد الذي يعترف
بأن العبادة هي املظهر األسا�سي للدين لذلك نجد أن هناك خمسة أركان لإلسالم ،فالصالة على
سبيل املثال ذكرت مفصلة وبصورة دقيقة؛ من حيث التوقيت والكيفية إلى جانب أن املسلمين
يؤدونها وهم يقفون بكل تواضع وانكسار هلل تعالى ..من ناحية ثانية فإن الوضوء شرط للصالة
ً
كما أن الصالة نفسها فرض على جميع املسلمين ،فضل عن أن لصالة الجماعة ميزة أخرى
تجعلها أفضل من صالة الفرد أو العبادة الفردية ..وهنا تجدر اإلشارة إلى أنه ال يوجد في جميع
أنحاء العالم أي صوت يخرج على إجماع املسلمين على العبادة بالشكل املذكور.
شكل ً ً ً
معينا في املقابل إذا نظرنا إلى النصرانية ،فإننا ال نجد دليل في كتابهم املقدس يصف
ً
نموذجا يتبعه جميع النصارى ،بل إن املسيح -عليه السالم -نفسه لم يدع إلى من العبادات يمثل
النصرانية بشكلها املحرف الحالي طوال سني دعوته الثالث ..بل من السهل إثبات أن كل رسل
ّ
هللا الذين أرسلوا قبل الرسول محمد -صلى هللا عليه وسلم -بمن فيهم املسيح -عليه السالم-
كانوا مسلمين كما وصفهم القرآن الكريم ،بل إن هناك حاالت ذكر فيها القرآن أن هؤالء الرسل
ذل وخضوع. سجدوا هلل تعالى في ّ
ويشير مسعود إلى أن النصرانية عبارة عن اعتقاد هش ال أساس له ،وعلى الرغم من تعاليم
الكتاب املقدس فإن النصارى غير متفقين على موقف موحد تجاه «شرب املسكرات» ،و«لعب
امليسر» ،وممارسة الفو�ضى الجنسية ،والتعامل بالربا وإلى غير ذلك من املفاسد واألعمال التي
تمت لألخالق الفاضلة بصلة ..لذلك نجد أن الكثيرين يتشبثون بالنصرانية ألنها ال تلزمهمال ّ
عبئا عليهم ولذلك فهم يتخفون تحت عباءة النصرانية بتطبيق أي شعائر تعبدية يمكنها أن تمثل ً
التي بإمكان قساوستها أن يغفروا لهم كل خطاياهم ،كما يزعمون ويتوهمون!
ونختتم هذه القصة بتلخيص مقولة حكيمة ملسعود يرى فيها أن النصرانية تشويش وإرباك
عقدي ال أكثر وال أقل فموقف النصارى من املسلمين يمكن تلخيصه في أنك إن لم تستطع أن تقنع
ً
املسلم بالردة عن اإلسالم فشوش عليه عقيدته ،وانطالقا من هذه القاعدة تجدهم ينشرون
ً
إصرارا منهم على التمرد على الحق. األضاليل واألكاذيب،
243
إنها رحلة نادرة ..رحلة بين دينين ..حق فضالل ..فحق..
ذهاب وعودة تثبت لكل من كان له قلب أو ألقى السمع وهو شهيد..
تثبت أن اإلسالم هو الدين وال دين هلل سواه..
فيا كل من ما زال ً
تائها في رحلة البحث عن الحق..
ال تضيع عمرك في البحث عما تم البحث عنه ..والحصول عليه..
لقد وجده كل من سار في هذه الرحلة..
التحريف ّ
املصدر)51( :
التوراة املفقودة
عندما يدعو إلى اإلسالم يهودي منصف..
فإنه يضع يده على مواطن الحقيقة املطموسة!!..
يوجع املكذبين بالحق ..ألنه يعلم كيف ُيظهر ما يجتهدون في إخفائه!!..
ً
عظيما ..في عقول وقلوب من ضللتهم آلة اليهود.. فيكون األثر
فالرأي العام الغربي يتم تضليله عبر املناهج التربوية وعبر الرسائل التي تبثها وسائل اإلعالم
التي يهيمن عليها اليهود ،من خالل تكوين صورة ذهنية تصف اليهود بأنهم أصحاب حق مسلوب،
بينما يتم تصميم صورة ذهنية سالبة تصف الفلسطينيين بأنهم ذئاب يهددون سالمة الحمل
اإلسرائيلي الوديع..
فيما يلي نورد قصة شاب أمريكي يهودي اعتنق اإلسالم وفضح مزاعم اليهود الذين يدعون
بأنهم شعب هللا املختار وأنهم أصحاب أرض تم تسليمها لهم بقرار ممن ال يملك ملن ال يستحق. 244
درس عبدهللا بنيامين جميع األديان بما فيها اإلسالم فاقتنع بدين هللا الحنيف وأعلن
إسالمه في مكتب رابطة العالم اإلسالمي بنيويورك عام ،1977أمام الشيخ سليمان بن منيع
نائب مدير إدارة البحوث واإلفتاء بالسعودية ،والشيخ محمد بن ناصر العبودي أمين الدعوة
اإلسالمية في الرياض.
في لقاء معه ُسئل عبدهللا بنامين عن السر الكامن وراء اهتمام القرآن الكريم بذكر اليهود
حتى أصبحوا من أكثر األقوام ً
ذكرا في سوره وآياته؟ فأجاب فيما معناه :تعتبر هذه واحدة من
معجزات القرآن الكريم ،فاهلل تعالى يعلم أن أشد الناس عداوة للمؤمنين إلى يوم القيامة هم
اليهود ،لذلك حذر املسلمين منهم ومن مكرهم ودهائهم إذ ظلوا عبر تاريخهم الطويل يحاربون
ً
محمدا هللا ورسله ،فقد حاربوا عي�سى -عليه السالم -من قبل ،وزعموا أنهم صلبوه ،كما حاربوا
ّ
-صلى هللا عليه وسلم -ولكنه هزمهم في النهاية شر هزيمة.
أجاب كذلك عبدهللا بنيامين عن سؤال يختص برأيه في التوراة الحالية املتداولة اليوم بين
ّ
فتحدث حديث الواثق بنفسه والعالم ببواطن األمور وقال :إن التوراة املتداولة اليوم اليهود،
بين اليهود تعتمد على خمسة أسفار يسندها اليهود إلى مو�سى -عليه السالم -ولكن الواقع التاريخي
يؤكد أن هذه األسفار الخمسة كتبت بعد مو�سى -عليه السالم -بأزمان طويلة!
هذه الحقيقة نفسها استنتجها املحققون اليهود الذين ّ
توصلوا إلى قناعة بأن مو�سى -عليه
السالم -لم يكتب األسفار الخمسة األولى املنسوبة له في العهد القديم ،بل كتبت بعد موته بفترة
وجل عليه فقدت نسختها األصلية وضاعت في عز ّ طولية من الزمن ،وأن التوراة التي أنزلها هللا ّ
حادثة بخت نصر.
يستشهدون على ذلك بعشرات النصوص الصريحة الواضحة ،ومن بينها هذه النصوص من
سفر التثنية التي ينعى فيها مو�سى نفسه« :فمات هناك مو�سى عبد الرب في أرض موآب حسب
قول الرب ..ودفنه في الجواء في أرض موآب ،مقابل بيت فغور .ولم يعرف إنسان قبره إلى هذا
اليوم ..وكان مو�سى ابن مئة وعشرين سنة حين مات ،ولم تكل عينه وال ذهبت نضارته ..فبكى
بنو إسرائيل مو�سى في عربات موآب ثالثين ً
يوما .فكملت أيام بكاء مناحة مو�سى»( .تثنية .)8 - 5 :34
السؤال الذي لم يجد له املحققون اليهود إجابة :إذا كان مو�سى -عليه السالم -هو من كتب
هذه األسفار ،فكيف ينعى نفسه بنفسه؟
وملعرفة من أين جاءت التوراة الحالية ال ّبد من العودة إلى فترة ما بعد الغزو البابلي ململكة
245 يهوذا سنة 586ق.م .تلك الفترة التي جلس فيها اليهود على ضفة الفرات وهم يبكون ويتباكون
على حالهم ،فكتبت هذه األسفار الخمسة نتيجة لخيال محموم للمبعدين في األسر البابلي ،إنه
ومجد يهوذا ،بل جاء ببدعة األرض املوعودة التي ادعى خيال مريض انتقص سائر بني إسرائيل ّ
بأنها أرض أبناء يهوذا يرثونها وحدهم دون غيرهم ،وإلضفاء صفة الشرعية على هذه الدعوة
سابقا للعهد الذي يعيشون فيه، املزعومة املسمومة رأى مؤلفو هذه األسفار أن يكون الوعد ً
فبدؤوا قصة مجيء الوعد بإبراهيم -عليه السالم ،-ثم تسلسلوا به من إبراهيم إلى إسحاق وإلى
يعقوب الذي هو إسرائيل ،ثم أوصلوه ألنفسهم بتحويله من يعقوب إلى ابنه الرابع يهوذا الذي هو
جدهم ..وحتى يضفوا الشرعية والقدسية على وعدهم املزعوم ،نسبوا تلك األسفار التي كتبوها
بأيديهم إلى سيدنا مو�سى -عليه السالم ..-ولذلك فضحهم القرآن الكريم في أكثر من موضع:
التوراة املفقودة
َ ً َ ً َْ ْ َّ ُ ُ ُ َ َ َ َ ْ ٌ َّ َ َ ْ ُ ُ َ ْ َ َ َ
اب ِبأ ْي ِد ِيه ْم ث َّم َيقولون َهذا ِم ْن ِعن ِد الل ِه ِل َيشت ُروا ِب ِه ث َمنا ق ِليلفويل ِلل ِذين يكتبون ال ِكت
َ َ ْ ٌ َ ُ ْ َّ َ َ َ ْ َ ْ ْ َ َ ْ ٌ َ ُ ْ َّ َ ْ ُ َ
فويل لهم ِمما كتبت أي ِد ِيهم وويل لهم ِمما يك ِسبون ( )79البقرة
الغزو الفار�سي لبابل قبل امليالد هو الذي أعاد اليهود إلى فلسطين ..ولكن مجرد العودة
إلى أرض امليعاد املزعومة لم يكن يعني لهم الكثير لذلك رأوا ضرورة أن يعيدوا دولتهم ويبنوا
هيكل سليمان من جديد ..وهنا شعروا بمدى الحاجة إلى توثيق عرى الرابطة فيما بينهم ..تصدى
حينها «عزرا» لألمر ،فدعاهم إلى اجتماع عام ،وناولهم هذه التوراة املزعومة بعد أن قرأ عليهم
ّ
املحرفة التي النصوص الخاصة باألرض املوعودة ..حينذاك احتضن كل يهودي هذه التوراة
تمنحه فلسطين (من الفرات إلى النيل) إلقامة دولة إسرائيل عليها.
لقد ظل اليهود لقرون طويلة ينتظرون املسيح نبي بني إسرائيل املرتقب (أليجا) التي تعني في
العبرية املنقذ ،أي الذي ينقذ اليهود من االضطهاد ويعيد لهم مجدهم وملكهم ،ولكن عندما
يئس الصهاينة وطال عليهم األمد ،قاموا باغتصاب أرض فلسطين وتأسيس دولتهم عليها،
وأبقيت أسطورة املسيح املنتظر عندهم خرافة يدغدغون بها مشاعر البسطاء منهم للدفاع عن
دولتهم الصهيونية.
ويضيف عبدهللا في إطار اإلجابة عن سؤال آخر :إن عوامل كثيرة تضافرت لتساعد اليهود
على سلب أرض فلسطين ..فبعد املذابح التي ذاقها اليهود في كل من روسيا وأملانيا النازية ،بدأت
فكرة العودة إلى األرض املوعودة تظهر من جديد ..ساند الغرب الصليبي املستعمر اليهود في
مساعيهم ألسباب عديدة منها خشيته من مكرهم وإجرامهم ،ومنها استغالله ألموالهم املودعة
في املصارف الغربية والتي عبرها استطاع الغرب أن يسيطر على مراكز الصناعة والتجارة
ً
واالقتصاد ،ومنها استجالب أصواتهم في املعارك االنتخابية ،فضل عن اتخاذهم مطايا للوصول 246
إلى املآرب اإلمبريالية.
ويؤكد عبدهللا بنيامين أن التوراة ،وبرغم ما أصابها من تحريف تتضمن العديد من أوصاف
النبي اآلتي في املستقبل ،منها ما جاء في سفر إشعياء« :أو ُيدفع الكتاب ملن ال يعرف الكتابة
ً
خطابا ويقال له :اقرأ هذا .فيقول :ال أعرف الكتابة» (سفر إشعياء .)12 :29 :هذا النص يحمل
مباشرا لليهودّ ،
ويبين لهم أن الكتاب ُيدفع لنبي ال يقرأ وال يكتب ،أي إنه نبي ّأمي ،لم يتعلم القراءة ً
ّ
حمد -صلى هللا عليه وسلم -هو النبي ّ والكتابةُ ،
وم َّ
األمي الوحيد! بالنسبة إلى املسيح -عليه السالم-
يعلم األحبار وعمره اثنا عشر ً ّ فلم يكن ًّ
عاما ،وبالنسبة إلى مو�سى -عليه السالم -فقد أميا ،بل كان
ً
جميعا وجل فقرأها بنفسه! ولم يكن بين أنبياء إسرائيل عز ّ نزلت عليه التوراة مكتوبة من هللا ّ
ً
من ال يعرف القراءة والكتابة .إذا ال أحد تنطبق عليه الفقرة السابقة من سفر إشعياء سوى
ّ األمي ُم َّ
النبي ّ
حمد -صلى هللا عليه وسلم!-
ّ
حمد -صلى هللا عليه وسلم -ليس بحاجة للقراءة والكتابة ،ألن من يعلمك ال ّبد من أن تتأثر ُ
وم َّ
ّ بتعاليمه ،أما معلم ُم َّ
حمد -صلى هللا عليه وسلم -فهو الوحي من ربه .ولذلك فمهما بلغت ثقافة
ّ ّ العالم فلن تبلغ ثقافة ُم َّ
حمد -صلى هللا عليه وسلم -فهو معلم البشرية ال ريب .وكذلك أراد هللا
بحكمته البالغة أن يبعث خاتم النبيين وسط قوم أميين ال يقرؤون وال يكتبون حتى ال يتوهم أحد
أنهم تأثروا بتعاليم الشعوب واألمم األخرى.
ويؤكد ذلك نبوءة أخرى في غاية األهمية من سفر إشعياء نفسه ّ
موجهة إلى بني إسرائيل« :إنه
بشفة لكناء وبلسان آخر يكلم هذا الشعب» (سفر إشعياء .)11 :28 :هذه النبوءة تتحدث عن أن
ّ ّ
يكلم شعب بني إسرائيل بلسان آخر ،أي لغة غير لغتهم العبريةُ ،
وم َّ
حمد -صلى هللا هذا النبي األمي
ّ
عليه وسلم -هو النبي الوحيد الذي خاطب بني إسرائيل بلغة غير لغتهم!
مرة ،وورد لفظ (اليهود) ّ 8
مرات!.. وقد ورد لفظ (بني إسرائيل) في القرآن ّ 40
ق�ضى طفولته الباكرة في مزرعة العائلة حيث تشبعت ذاكرته بمرأى جبال األوزارك الشامخة 248
وهي تحرس سهول ميزوري العظيمة وتتغزل في جمال مزارعها الفسيحة الغامرة الخضرة.
طويل عقب والدتهّ ،ً
فربته والدته مع بقية إخوته تربية جيدة أعانتها عليها لم يعش والده
شخصيتها املميزة التي تتمتع بالصرامة والتدين في الوقت ذاته.
عاش «محمد طاهر» البدايات األولى من حياته في هذه البيئة الطبيعية ذات املزارع الفسيحة
فجعله ذلك يشعر بالوحدة ،إذ إن أقرب جار لهم وهو جدته تسكن على بعد ميلين من منزلهم
شديد االتساع ،وقد ازداد شعوره بهذه الوحدة عندما غادر كل من شقيقته وأخيه املنزل وتركاه
يلوك مرارة العزلة ..أكسبه هذا الوضع شخصية مميزة ذات درجة عالية من االستقالل ال
تتناسب مع سنه الغضة.
عندما بلغ الخامسة من عمره اكتشف العالم الكبير من حوله ،وذلك عندما عثر داخل إحدى
غرف املنزل املهجورة على موسوعة تحتوي على خارطة للعالم ..بهرته الخريطة ً
كثيرا بألوانها
املتباينة الجذابة التي تميز كل بلد عن غيره ..أكثر ما شده في عامله الكبير الصغير هذا لون وردي
خصص في الخريطة بمنطقة تسمى (اإلمبراطورية العثمانية) ..في فترة الحقة وهو في الصف
الرابع من دراسته تفحص بدقة خريطة أخرى لإلمبراطورية العثمانية ..حببت له هذه الخرائط
ً
مادة الجغرافيا وفي هذه األخيرة أصبح شغوفا بشعب وادي دجلة والفرات.
عندما وصل إلى الصف السادس وهو في الثانية عشرة من عمره دفعه خطأ معلمته املعمدانية
في حصة التاريخ إلى ّ
تعرف اإلسالم والحرص على جمع أكثر قدر من املعلومات عنه.
كانوا آنذاك يدرسون العصور الوسطى ،وكان هناك في الكتاب املقرر صفحتان تتحدثان عن
«محمد» وعن انتشار (املحمدية) ..رشحت من لسان معلمتهم كلمات مريرة لم يقدر على ابتالعها
إذ قالت لهم وهي تتحدث عن املسلمين« :في الوقت الذي نؤمن فيه نحن النصارى بأن عي�سى ابن
ً
محمدا هو ابن هللا»! هللا ،فهم يؤمنون بأن
ً
قائل في استنكارَ :
«ولم ال؟ إذا كان املسيح عي�سى هو ابن هللا فلست رفع يومذاك يده وسألها
ً
أفهم ملاذا ال يكون محمد ابن هللا أيضا؟!».
لم يتلق إجابة عن سؤاله ،واستنفدت املعلمة ما تبقى من حصة التاريخ في الحديث عن النظام
اإلقطاعي في أوروبا ،ومع ذلك ظل موضوع اإلسالم يدور في ذهنه فصمم بينه وبين نفسه أن
يعرف املزيد عن «محمد» الذي قالت عنه معلمة التاريخ إنه ً
أيضا ابن هللا!
بدأ بحثه بمكتبة املدرسة الصغيرة قبل أن يوسع دائرة بحثه ..فرح ً
كثيرا وشعر باالطمئنان
249
ً
محمدا وعي�سى -عليهما الصالة والسالم -عبدان من عباد عندما توصل إلى أن املسلمين يرون أن
هللا املخلصين ،ورسوالن كريمان أرسلهما هللا تعالى بهدف دعوة عباده إلى دينه الحق ،وعلى
النقيض من حديث ّ
مدرسة التاريخ!
ً
وتحديدا في يوم سبت ال ينساه ،وبينما كان يتجول مع والدته في سوق املدينة في يوم من األيام
عثر على طبعة جيب من كتاب (املحمدية) للمؤرخ اإلنجليزي الكبير «أ .ر .جب» ..اشترى الكتاب في
مرات في شغف شديد ..ما ّ
شده في الكتاب اآليات القرآنية املترجمة إلى اإلنجليزية لهفة وقرأه لعدة ّ
التي أوردها املؤلف ..حفظ بطل قصتنا الكثير من تلك اآليات.
الخطأ املفيد
كثيرا وهو يجلس في كل ليلة عند نافذة غرفته ويتأمل السماء ومن اآليات التي ظل يرددها ً
املرصعة بالنجوم اآلية الكريمة التي يقول فيها هللا تعالى:
ْ ْ ُ َْ َ َ يب َد ْع َو َة َّ
الد ِاع ِإذا َد َع ِان فل َي ْست ِج ُيبوا ِلي َول ُيؤ ِمنوا َوإ َذا َس َأ َل َك ِع َب ِادي َع ّني َفإ ِّني َقر ٌ
يب ُأج ُ
ِ ِ ِ ِ ِ
َ َ َّ ُ ْ َ ْ ُ ُ َ
ِبي لعلهم يرشدون ( )186البقرة
شعر حينها أن التواصل مع هللا تعالى ال يحتاج إلى وسيط ..وفي إحدى الليالي وبعد قراءته لهذه
ً
مسلما! على الرغم من أنه لم يتجاوز الثالثة عشرة أو الرابعة اآلية الكريمة أحس بأنه أصبح
ً
مسلما في حياته ..لم يمر وقت طويل على ذلك املوقف عشرة من عمره ،ولم يسبق له أن قابل
حتى اعتنق بطل قصتنا اإلسالم بصورة رسمية وأطلق على نفسه اسم محمد طاهر.
عقب إشهاره إلسالمه سافر محمد طاهر إلى الكويت وبداخله تمور رغبة عارمة لتعلم
ً ً
مواظبا لداعية إسالمي املزيد عن اإلسالم ..وفي أحد مساجد الكويت أصبح محمد طاهر تلميذا
معروف ..وبعد مرور عام أو يزيد قضاها بطل قصتنا مع شيخه وهو ينهل من علوم اإلسالم عاد
إلى الواليات املتحدة األمريكية حيث أنشأ في مدينة واشنطن عام 1970جمعية إسالمية أطلق
عليها اسم (جمعية الفرص اإلسالمية الالمحدودة) بهدف تقديم اإلسالم إلى الشعب األمريكي،
خاصة شريحة الشباب ،بأسلوب يستطيعون فهمه واستيعابه.
لم يكتف محمد طاهر بإنشاء الجمعية فحسب بل اضطلع بمهمة الدفاع عن اإلسالم والدعوة
إليه والترغيب فيه ،كما أصدر نشرة تحمل عنوان ( )Islamic Itemsوهي نشرة تبنى فيها القضايا
العربية واإلسالمية ودافع عنها بقوة ،كما أخذ يرد على كتابات الصهاينة في الصحافة األمريكية،
وهو نشاط محفوف باملخاطر القى في سبيله التهديد والوعيد ..كما أخذ يدعو غير املسلمين إلى
اإلسالم ..كان محمد طاهر يقوم بكل تلك األنشطة على نفقته الخاصة بالتعاون مع بعض الشباب
املتحمسين من أمثاله..
250
جهود وجهود ال تتوقف ..عطاء بال حساب ..صدق ال يعرف الزيف أو الرياء..
إنه حال املسلمين الجدد ..الذين يدخلون اإلسالم بعد بحث وتأمل ودراسة ..فيكون الهدى
واإلخالص في خدمته!
ومن يخدمه يخدم نفسه في األساس والحقيقة!!
فهو دين هللا املتكفل بحفظه ونشره حتى يأتي اليوم الذي يسود العالم كله..
أنت من يحتاج إلى اإلسالم..
فأسلم تحفظ عليك نفسك وتنجها من الهالك!
اسأل هللا الهداية ..فباهلل نهتدي إلى هللا.
املصدر)9( :
الدعوة الصامتة
القدوة الحسنة..
أهم وسائل وأدوات الدعوة إلى اإلسالم..
دول كاملة دخلها اإلسالم ..بالقدوة..
من خالل التعامل املباشر مع املسلم..
للوهلة األولى ..ال مجال أمام غير املسلم لالنجذاب إلى اإلسالم أو النفور منه غير التعامل مع املسلم..
برغم أن اإلسالم هو الحجة على املسلم..
وليس املسلم هو الحجة على اإلسالم..
قصتنا هذه خير دليل على ذلك..
251 «قال لي صديق عربي مسلم تزوجت من امرأة أوروبية نصرانية ،وعقب ثالثة عقود من
زواجي بها سألني أفراد أسرتي في استنكار :كيف عجزت عن إدخالها اإلسالم وقد أصبح لك منها
ً
أحفاد؟! أجبتهم قائل :الحقيقة أقنعتها باإلسالم من خالل تعريفي لها بعقيدتي فقررت أن تسلم،
لكن عندما قابلتكم ورأت سلوككم قالت لي :لو كان هؤالء هم املسلمون من األفضل أن أظل
على نصرانيتي»!!
بدأت القصة بهذه املقدمة ألن بطلها أستاذ نصراني دخل اإلسالم إلعجابه بالسلوك الحميد
لتالميذه من أبناء املسلمين ..وعندما سألهم عن السر الكامن وراء هذا السلوك أجابوه بأنه
ً
اإلسالم ،وعندما استغرب اإلجابة ألنه التقى مسلمين سلوكهم ال يسر ،أفادوه بأن هناك فرقا
الدعوة الصامتة
بين ما يحتوي عليه اإلسالم من قيم ومبادئ ومثل عليا ،وحال السواد األعظم من املسلمين
اليوم ،مؤكدين له أن هناك ً
كثيرا من املسلمين يطبقون تعاليم اإلسالم وقيمه النبيلة في حياتهم
ومسلكهم بدرجة تعكس الصورة الصحيحة ملا يجب أن يكون عليه املسلم ..فدعونا نبحر في
قصة إسالم هذا األستاذ النصراني الذي أرشده تالميذه إلى طريق الحق!
ولد مانيفرد كوبسيل في عام 1937م في مدينة برلين لوالدين أملانيين يعتنقان الديانة املسيحية..
وعندما بلغ الثانية من عمره حصدت الحرب العاملية الثانية أرواح جميع أفراد أسرته الصغيرة
وحيدا على قارعة الحياة ..أسرة بديلة حن قلبها على هذا اليتيم الصغير فاحتضنته في ً فتركوه
حنو ،وربته وسط أبنائها حتى حصل على الشهادة الثانوية العامة في عام 1955م ..عقب ذلك
انتقل مانيفرد إلى مدينة برلين الغربية ومنها انتقل إلى بلجيكا ،حيث التحق بكلية املعلمين التي
ق�ضى فيها عامين ..وفي عام 1957م عاد مانيفرد إلى بالده وعمل فيها أربع سنوات ثم انتقل بعدها
ً
مدرسا للغة األملانية في كلية أتاتورك بلواء اإلسكندرون.. في عام 1961م إلى تركيا التي تعاقد فيها
وفي عام 1963م غادر مانيفرد تركيا ،وسافر إلى تونس ،حيث كان يعمل ويعيش بها أحد أبناء
األسرة البديلة التي ربته في طفولته.
في تونس افتتح مانيفرد مدرسة لتعليم اللغات ..سبعة طالب تونسيين من عائلة مسلمة
عريقة الحسب والنسب التحقوا بمدرسة مانيفرد ..أخالقهم العالية وسلوكهم الرفيع وذكاؤهم
الحاد لفت انتباه بطل قصتنا؛ فسألهم في انبهار :من أين لكم هذا الخلق املميز؟! أجابوه جميعهم:
ً
متعجبا بأنه التقى العديد من املسلمين في من اإلسالم أستاذنا الفاضل ،فنحن مسلمون ..أفادهم
أوروبا وتركيا ولم تعجبه أخالقهم ألبتة ..شرح له تالميذه األمر بأن على املرء املنصف التفرقة
بين ما يتضمنه اإلسالم من قيم ومبادئ ومثل عليا ،وما هو عليه حال املسلمين اليوم؛ إذ إن
الكثيرين ال يطبقون هذه القيم في حياتهم مثل أولئك الذين التقاهم ..ثم أكدوا له أن هناك الكثير
من املسلمين الذين يطبقون تعاليم اإلسالم وقيمه النبيلة في حياتهم ومسلكهم ،وبالتالي يمثلون
القدوة الحسنة ملا يجب أن يكون عليه حال املسلم الحقيقي املتمسك بتعاليم دينه.
252
ّ
التعرف إلى حقيقة قيمه أصيب مانيفرد بالذهول فجهله باإلسالم لم يكن ليتيح له
ومبادئه ،وعليه فقد طلب من تالميذه أن يحدثوه عن عقيدة اإلسالم التي استمدوا منها هذه
األخالق الرفيعة.
شرح التالميذ ألستاذهم حقيقة أن اإلسالم هو آخر الرساالت السماوية حيث به يكتمل
الدين ،وبنبيه تختتم النبوة ،كما وضحوا له أن رسالته -على عكس الرساالت السابقة -موجهة
لكل الشعوب ،ثم بينوا له أن القرآن الكريم هو كالم هللا تعالى الذي أنزله على عبده ورسوله
ّ
محمد -صلى هللا عليه وسلم ..-وأكثر من هذا تطوع أحد التالميذ بإهدائه نسخة من القرآن
الكريم الذي تقبلها ولسانه يلهج بالشكر ..لكن عندما استدرك حقيقة أنه ال يعرف اللغة العربية،
أكد لهم أنه سوف يرسل ً
طلبا إلى أملانيا ليرسلوا له نسخة من معاني القرآن الكريم مترجمة
باللغة األملانية.
ً
وما أن جاءته النسخة التي طلبها من ترجمة معاني القرآن الكريم فتسلمها في حماسة أمل
أن يجد الفرصة املناسبة ليطلع عليها غير أن مشاغل الحياة صرفته عن نيته الصادقة حتى
كان ذلك اليوم!
في يوم االحتفال برأس السنة امليالدية لعام 1966م ،ذهب مانيفرد مع ابن األسرة البديلة التي
ربته إلى الحفل السنوي الذي يقيمه النصارى نهاية كل عام ..لقد اعتاد في هذه املناسبة أن يحت�سي
كميات مهولة من الخمر ،لكنه هذه املرة وما كاد يرتشف من كأسه رشفتين اثنتين حتى أصيب
بألم شديد أدخله في غيبوبة ..عندما أفاق من غيبوبته وجد نفسه طريح الفراش باملنزل حيث
نقله رفيقه الذي أخبره أنه أم�ضى ليلة كاملة في غيبوبة ،وأن الطبيب نصح ببقائه في الفراش إلى
حين استرداده لصحته.
لتمضية الوقت شعر برغبة شديدة في القراءة ..تلفت حوله فوقع بصره على ترجمة معاني
القرآن الكريم التي أرسلت له من أملانيا ..فأمسك بالكتاب وشرع في القراءة ..وجد نفسه يقرأ
الترجمة في نهم عجيب ..ق�ضى يومين كاملين في قراءة معاني القرآن الكريم ،وما كاد ينتهي من
قراءته حتى أحس بروح جديدة تسري في أوصاله ،كما شعر بهاتف غامض يهتف في داخله بأنه
مسلم وال عالقة له بالنصرانية من قريب أو بعيد ..فقد توصل إلى حقيقة ّ
جلية مفادها أن اإلسالم
هو دين الحق فقصد على عجل سماحة مفتي الجمهورية التونسية -آنذاك -الشيخ محمد الطاهر
ً
ومغيرا اسمه إلى «أحمد عبدهللا كوبسيل». ابن عاشور ،ونطق أمامه بالشهادتين ً
معلنا إسالمه
ّ
ليتفقه في دينه الجديد أول قرار اتخذه أحمد عبدهللا عقب إسالمه طلب العلوم الشرعية
253 ولكي يؤهل نفسه حتى يصبح أحد دعاة اإلسالم ..بدأ الخطوة األولى ببيع مدرسته الخاصة حتى
يتفرغ لطلب العلم وأنعم به من بيع رابح.
وفي العام الدرا�سي 1968/1967م التحق أحمد عبدهللا كوبسيل بالجامعة اإلسالمية في الدار
البيضاء ..وعندما شعر أنه لم يوفق فيها على النحو الذي كان يأمله ،غادر إلى مصر ليلتحق
بالجامعة األزهرية العتقاده أن الدراسة فيها دينية بحتة ..لكن عندما وجدها تدرس إلى جانب
العلوم اإلسالمية ً
علوما عصرية تركها وغادر إلى باكستان حيث التحق بـ«معهد العليمية» التابع
لالتحاد العالمي للدعوة اإلسالمية في مدينة أبوت أباد القريبة من كرات�شي.
إقامة أحمد عبدهللا كوبسيل في أبوت أباد أفادته ً
كثيرا من ناحيتين :تتمثل الناحية األولى في
الدعوة الصامتة
أن سكان املدن الصغيرة يكونون أقرب إلى الفطرة من سكان املدن الكبرى ،ما جعل حماستهم
تعرف العديد من الجوانب املضيئة لإلسالم ،وحسن فهمهم له يسهمان في مساعدته ً
كثيرا على ّ
للعقيدة اإلسالمية عبر املواقف العملية ومن خالل نموذج القدوة الذي وجده من قبل في
تالميذه التونسيين ..أما الناحية الثانية في استفادة بطل قصتنا من إقامته بمدينة أبوت أباد
فتتمثل في لقائه بالداعية األملاني املسلم الدكتور عالء الدين شلبي ،حيث أثمر لقاؤهما عن
ودارا إلغاثة ً
معهدا لتدريب املعلمينً ، ً
مركزا للدعوة اإلسالمية في أبوت أباد ،يضم إنشائهما
الالجئين الفلسطينيين.
وهكذا أثمر لقاء كل من نموذج القدوة الحسنة في التالميذ التونسيين وفطرة أحمد عبدهللا
السليمة في دخوله اإلسالم وتحوله من أستاذ نصراني يعاقر الخمر ويرتكب كل صنوف املعا�صي
إلى داعية إسالمي يعشق القرآن ويدمن مساعدة املسلمين واملسلمات.
ُ
ترى ..في هذه القصة ..من كان التلميذ؟! ..ومن كان األستاذ؟!..
سبحان من بيده الهدى..
ً سبحان من ّ
يصير التلميذ أستاذا ألستاذه ليهديه إلى الطريق املستقيم!!
ِ
إنه اإلسالم ..إنه اإليمان الحقيقي!
اسألوا هللا الهداية ..فباهلل نهتدي إلى هللا.
بطل قصتنا هذه املرة هو شاب إيرلندي األصل ،نشأ وترعرع في بيئة كاثوليكية متمسكة
بعقيدتها ..درس في مدرسة ثانوية دينية ،ثم التحق بكلية خاصة بالقساوسة بجامعة «سانت
باتريك» لدراسة الفلسفة والالهوت ق�ضى فيها ست سنوات وكل أمله أن يحقق رغبة أسرته في
ً
قسيسا يخدم النصرانية. أن يصبح
في عام 1971م وعقب تخرجه بشهرين غادر الشاب اإليرلندي بالده إلى أمريكا ليعمل بالتبشير..
تخرج مئتي قسيس في كل عام يعمل معظمهم في الواليات املتحدة األمريكيةفالكلية التي درس فيها ّ
إذ درج األساقفة األمريكيون بصورة دورية على زيارة الكلية ليأخذوا أغلب القساوسة الجدد
الهجرة إلى هللا
إلى أمريكا للعمل هناك بالتبشير في مختلف املناطق ..وتم اختيار موالني للعمل كأسقف بوالية
ً
«نيو جير�سي» ..حيث أصبح مسؤوال عن إعداد برامج التوجيه الديني لكل املستويات كما كان
ً ً ً
مدرسا للمواد مدربا إلكساب املهارات وتأهيل القائمين بهذا العمل ،فضل عن عمله يعمل
ً
الدينية باملدرسة الثانوية الكاثوليكية ..وحرصا منه على تجويد عمله في إرشاد الناس وفي تدريس
ًّ طالبه كان بطل قصتنا يهتم ً
كثيرا بالبحث والدراسة ..بيد أن دراساته وبحوثه لم تزده إال شكا
هاجسا في حياته منذ زمن طويل؛ إذ يقول: ً في عقيدته وعمله ،ذلك الشك القاتل الذي ظل يمثل
«كنت كلما تعمقت في البحث والدراسة انتابني شعور غريب بالشك في عقيدتي ..ولم
أستطع أن أكتم شكوكي ،فقررت مفاتحة رئيس األساقفة وقلت له :لدي شك في عملي ،بل وفي
إيماني باهلل حسب عقيدتنا .فنصحني بالتريث والتفكير ،وأعطاني مهلة ملدة عام ريثما أفكر في
املوضوع بهدوء».
استثمر القس اإليرلندي الشاب العام الذي منحه له رئيس األساقفة للتفكير بأن قضاه
في البحث والدراسة ..توج بحثه بحصوله على درجتين للماجستير ،األولى في التربية الدينية،
والثانية في الالهوت والكتاب ..لكن لم تكسبه كذلك تلك الدراسات والبحوث إال ً
مزيدا من الشك
في عقيدته وعمله ..فما كان منه إال أن عاد إلى رئيس األساقفة ليقدم استقالته من عمله والتي
تمت املوافقة عليها..
الحقيقة لم يقدم موالني استقالته من عمله نتيجة لتأثره بأي عقيدة أخرى ..ربما الفطرة
السليمة التي كان يتمتع بها منذ صغره واملجتمع الريفي املتماسك املحافظ الذي تركه وراءه في
مسقط رأسه بإيرلندا من أهم األسباب التي دفعته لتقديم استقالته ،ففي أمريكا وجد نفسه
يغرق وسط دوامة مجتمع صناعي مادي ،به ما يزيد على الثالثمئة مذهب مسيحي كل منها يزعم
أنه على حق دون غيره ،األمر الذي جعله يشك في كل هؤالء بل وفي العقيدة النصرانية نفسها التي
كان يساوره الشك في الكثير من تعاليمها وطقوسها حتى قبل مغادرته إيرلندا .فعلى سبيل املثال 256
ً
مقتنعا بالتعسف في معالجة ً
مقتنعا بالسلطة البابوية املطلقة على الناس ..كما لم يكن لم يكن
األمور ،التي من بينها موقف البابا من تنظيم النسل الذي ال يوجد في األناجيل ما يمنعه ..كما
ً
وكثيرا ما تساءل في حيرة :كيف يمنع البابا الكثيرين من رجال ً
مقتنعا بفكرة الرهبنة أنه لم يكن
الدين في املسيحية من الزواج وهو يتعارض مع فطرة البشر وطبيعتهم التي جبلهم هللا عليها؟!
نعم أشياء كثيرة ضاعفت شكوكه في النصرانية وجعلته يتساءل في حيرة :كيف يعظ الناس
وهو غير مقتنع بما يدعوهم إليه؟! لذلك قرر االستقالة من عمله كأسقف وكان حتى ذلك الحين
ال يعرف عن اإلسالم إال اسمه.
عقب استقالته من عمله كأسقف قرر موالني أن يستأنف دراسته للحصول على درجة
الدكتوراه من جامعة هارفارد ..وخالل فترة دراسته كانت تأتيه معلومات متقطعة وبيانات
شحيحة عن اإلسالم ،فأراد أن يستزيد منها ..فقادته رغبته تلك إلى دراسة تاريخ اإلسالم والحضارة
اإلسالمية ..كما جعلته يحرص على حضور املحاضرات التي كان يقدمها علماء مسلمون والتي
كانت موضوعاتها تدور حول القرآن الكريم والحديث النبوي الشريف وأركان اإلسالم.
وفجأة وعلى غير توقع منه وقع حدث مهم غير مسار حياته بأكملها ..أثناء احتفال جامعة
هارفارد بمرور ثالثمئة عام على إنشائها ،حضر مندوبون من جامعات العالم العريقة ومن بينهم
مندوبو جامعة األزهر للمشاركة في االحتفال ..ظهور علماء األزهر تلك املناسبة بزيهم املميز الذي
يعلوه الوقار وحديثهم املهيب الذي ملس شغاف قلبه جعل موالني يختار علماء الدين اإلسالمي
موضوعا ألطروحته للدكتوراه ..الحقيقة اختيار بطل قصتنا لهذا املوضوع أتى نتيجة الهتمامهً
بدراسة اإلسالم وليس رغبة في اعتناقه وهو اختيار دفعه إلى زيارة مصر إلجراء هذه الدراسة
في كليات األزهر املتخصصة ..ومن محاسن الصدف صادفت زيارة موالني ملصر شهر رمضان،
فانبهر كأجنبي بمشاهد مدهشة لم تكن في حسبانه ..وقد ّ
عبر عنها بقوله:
ً
منتظما في أسلوب حياته «حين جئت إلى مصر في شهر رمضان ..شاهدت املجتمع املصري
القائم على أساس من الدين ...فالناس يذهبون إلى املسجد عند سماع األذان ،ويتطهرون بماء
الوضوء ،ثم يقفون في صفوف منتظمة ..وعند اإلفطار تخلو الشوارع من املارة».
في البدء فسر موالني خلو الشوارع من املارة بوجود تعليمات تلزم املواطنين بحظر التجوال
في ذلك الوقت بيد أنه عرف السبب في فترة الحقة..
الفترة التي قضاها موالني في مصر دفعته إلى املقارنة بين املجتمعين املصري والغربي ..حيث
ً
وجد الناس في أرض الكنانة يتحركون ليل في أمان وهو أمر ال يتأتى لنظرائهم في أمريكا إذ
257
سيجدون أنفسهم عرضة للموت إن فعلوا ذلك برغم وجود القوانين الرادعة ..توصل بعدها إلى
حقيقة ّ
جلية مفادها أن األمن الذي يتوافر في املجتمعات املسلمة ال يعزى إلى الخوف من القوانين
وإنما مرده إلى الخوف من هللا رب العاملين ..فاملجتمع املسلم منظم على أساس من الدين ..بالتالي
إيمان الناس بدينهم يجعلهم يطبقون تعاليمه دون خوف من عقوبة رادعة أو قانون صارم ،بل
ً
احتراما ملبادئهم وعقيدتهم.
في هذه املرحلة شبه الفاصلة من حياته اقتنع موالني باإلسالم كمنهج حياة ينظم للبشر
أسلوب معيشتهم وسلوكياتهم ،إال أنه لم يعلن إسالمه على الفور وقد برر ذلك بقوله:
الهجرة إلى هللا
ً
جميعا ،فإنني ترددت «إنه برغم اقتناعي الكامل باإلسالم كدين خاتم يجب أن يؤمن به الناس
تأن من جميع جوانبه ..ألنه من الصعب على
أربعة أشهر قبل أن أعلن إسالمي ،ألدرس القرار في ٍ
اإلنسان أن يغير دينه ..بعدها شرح هللا صدري لإلسالم ،فدخلت في دين هللا الحق ...وسميت
ّ نف�سي «مصطفى موالني» ً
تيمنا بأحد أسماء الرسول محمد -صلى هللا عليه وسلم.»-
وما أن اعتنق مصطفى موالني اإلسالم حتى شعر بنفسه يعيش داخل عالم نوراني شفيف
يسمو بروحه ونفسه على السواء بل ما أن تسلم شهادة إشهاره اإلسالم حتى شعر بأنه حصل
ّ
على أعلى شهادة في الدنيا ..أما عن سيدنا محمد -صلى هللا عليه وسلم -الذي كم وكم هاجمه
قسيسا ّ
يكن العداوة والبغضاء لإلسالم فقد قال: ً عندما كان
ً
محمدا هو خاتم األنبياء واملرسلين ..واقتنعت بسنته وتشريعاته التي «لقد اقتنعت ً
تماما بأن
مدخل للطعن في رسالته مثل تعدد الزوجات التي اقتنعت ً ً
تماما بحكمتها». اتخذها الغرب
ً
ثم أضاف قائل وقد اغرورقت عيناه بالدموع:
«لقد قمت بعمل ُعمرة ،وزرت البيت الحرام ،والروضة الشريفة ،وفاضت عيناي بالدموع
ّ
أمام قبر املصطفى -صلى هللا عليه وسلم -وقلت لنف�سي حينئذ :من أنا حتى أقف أمام قبر أعظم
إنسان عرفته البشرية ...وشكرت هللا تعالى أن هداني لإلسالم».
هذه هي قصة مصطفى موالني الرجل الذي سبح عكس التيار فترك أمريكا مقصد الجميع
وجنة هللا في األرض كما يراها عبدة املادة وطالب الحرية الزائفة وهاجر إلى هللا ينشد الجنة
الحقة ..ركل وراءه الترف املادي امللوث بزيف الكنيسة وأقبل على طريق يقود إلى النعيم املقيم..
هجر الشوارع الغارقة بدماء األبرياء ليحظى بأمان لم يكن يحلم به منذ صرخة ميالده األولى..
قمصا ،وكان أحد أهمً تم إعداده بعناية وتدرج في املناصب الكنسية حتى أصبح ً
كاهنا ثم
الدعاة اللتزام تعاليم النصرانية ،ال يهدأ وال يسكن عن مهمته التي يستعين عليها بكل الوسائل..
ولكن بعد أن تعمق في دراسة النصرانية بدأت مشاعر الشك تراوده في أصول هذه العقيدة
التي يدعو إليها ،وبدأ يشعر بسخط داخلي على الكنيسة ،وتلفت حوله فوجد النساء يدخلن
الكنيسة متبرجات ويلتصقن بالرجال بصورة مشينة ،وبعلم القساوسة ،والجميع يصلي بال
طهارة ويرددون بصورة آلية ما يقوله القس دون أن يفهموا منه ً
شيئا على اإلطالق ،وإنما هو
مجرد تعود على سماع هذا الكالم.
وكحال العديد من علماء النصارى ،كان كلما تعمق في دراسة النصرانية ازدادت شكوكه فيها
باعتبارها عقيدة محرفة ال تحترم عقل اإلنسان ..عندما توسع في قراءاته لألناجيل اكتشف أن ما
يسمى «القداس اإللهي» الذي يتردد في صلوات النصارى ليس له دليل من الكتاب املقدس ..كما
الحظ وجود خالفات كثيرة بين الطوائف املسيحية ،بل حتى بين أطراف الطائفة الواحدة حول
تفسير «الثالوث» الذي ليس له أصل كذلك في الديانة النصرانية ..أكثر من هذا كان ينفر بشدة
من طقس تناول النبيذ وقطعة القربان من يد القسيس والتي ترمز إلى دم املسيح وجسده!
يوما بعد يوم كان قلبه ينجذب نحو اإلسالم ..كان يشعر وبينما كان شكه في النصرانية يزداد ً
بارتياح كبير عند سماعه للقرآن الكريم الذي وجده يخاطب العقل والوجدان في آن واحد ..وكان
يعجب بصالت املسلمين على الرغم من عدم فهمه ملا يقولونه أثناء تأديتهم لها ،كما كان ينبهر
بالخشوع والسكينة اللتين كانتا تحيطان بمكان الصالة ..وبرغم أنه تمت تنشئته على كراهية
املسلمين منذ صغره فإن سماعه للقرآن كان يؤثر في نفسه بصورة يعجز عن وصفها بالكلمات..
كان شديد اإلعجاب بصيام شهر رمضان الذي وجده أفضل من صيام الزيت عند النصارى وهو
كذلك طقس مبتدع لم يرد ذكره في الكتاب املقدس مثله مثل الكثير من طقوس النصارى ..ليس 260
هذا فحسب بل صام ً
أياما من شهر رمضان وهو لم يعتنق اإلسالم بعد .
انتابه اإلحساس بأن النصرانية دين مشوه وغير مكتمل ..لكن وعلى الرغم من انتقاده الحاد
للنصرانية فإنه ظل يتأرجح بينها وبين اإلسالم ملدة ثالث سنوات قطع خاللها شعرة معاوية التي
تربطه بالكنيسة ..دفعته الحيرة إلى أن يقرأ ً
كثيرا ويقارن بين األديان املختلفة ..حواراته مع بعض
املسلمين كان لها الدور الكبير في إحداث حركة فكرية لديه وأكدت له حقيقة أن املسلم غير
املتبحر في دينه يحمل من العلم والثقة بصدق دينه ما يفوق ما يمتلكه أي نصراني ولو بلغ درجة
رفيعة من العلم ،وهو أمر يعزى إلى حقيقة أن تعاليم اإلسالم من القرآن والسنة النبوية بسيطة
ً
وواضحة ومتاحة للجميع ،على عكس النصرانية حيث نجد هناك أسفارا بالكتاب املقدس ال
ً
متزوجا! يحق للنصراني أن يقرأها قبل بلوغه الخامسة والثالثين من عمره ،بل ويفضل أن يكون
وهكذا يتبين بجالء ألصحاب الفطر النقية ،والنفوس الزكية ،والعقول السوية ،مدى صفاء
العقيدة اإلسالمية ونقائها ،وبساطتها ووضوحها ،وخلوها من الشوائب والعوالق التي أصابت
النصرانية ،ومن ثم سهولة فهمها واستيعابها من جميع الفئات والطبقات البشرية ومن جميع
املستويات العقلية املختلفة.
ويشير بطل قصتنا إلى أن األول من سبتمبر من عام 1988كان يمثل نقطة تحول حقيقية في
حياته حيث شهد ذلك التاريخ أول جلسة له مع الشيخ «رفاعي سرور» ..كانت جلسة مميزة ناقشه
فيها بحرارة وحاوره بعمق حول كل ما له صلة باإلسالم ..ما أن انتهت الجلسة حتى طلب معوض
ً
من الشيخ رفاعي أن يلقنه الشهادتين ويعلمه الصالة ..طلب منه الشيخ أن يغتسل أول فاغتسل
ً ونطق بالشهادتين أمامه ،وأشهر إسالمه ثم ّ
غير اسمه إلى «محمد أحمد الرفاعي» بدل من اسمه
القديم «عزت إسحاق معوض» ..سارع بإلغاء االسم القديم من جميع أوراقه الرسمية ،كما أزال
وشم الصليب املرسوم على يده بعملية جراحية.
تبين له الحق واعتنق اإلسالم وخالطت بشاشة اإليمان ونور التوحيد قلبه ،تحول بعدما ّ
ً
إسالما يعود بالنفع ً
مسلما إلى داعية إسالمي ،حيث يقول في ذلك« :كل ما آمله اآلن أال أكون
نافعا لغيري وأسهم بما ّ
لدي من علم بالنصرانية واإلسالم في علي وحدي فقط ،ولكن أن أكون ً ّ
الدعوة إلى دين هللا تعالى».
مهرا ً
غاليا لم لكن لم يمر األمر بسهولة كما كان يتوقع املسلم الجديد إذ دفع ً
ثمنا إلسالمه ً
يندم على بذله فقد قاطعه أهله ورفض والده منحه حقوقه املادية عن نصيبه في شركة كانت
بينهم ،بل حرمته الكنيسة من أوالده ،وكل ما حصل عليه هو مستندات من مدرستهم السابقة
261 تؤكد أنهم انتقلوا إلى مدرسة أخرى تابعة للكنيسة ،من دون أن يحددوا له اسم املدرسة!
لقد فقد كل �شيء من حطام الدنيا وأصبح أكثر ً
ثراء بإيمانه!
إنه الثراء الحقيقي الخالد ال الثراء الدنيوي الزائل..
الثراء الذي يهبك الغنى وعدم االحتياج..
ً
وكيف يحتاج من كان موصول بالغني؟!!
بيعوا كل �شيء واشتروا أنفسكم من هللا..
يربح البيع ..تسكن القلوب ..تهدأ الروح ..تفلحوا في الدنيا واآلخرة..
ثراء اإليمان
ً ً
عرضا زائل ..يذهب ويفنى وال تبقى إال الحسرة والندم.. ال تشتروا
اسألوا هللا الهداية ..فباهلل نهتدي إلى هللا.
منذ طفولتها ظلت أوشا تشك في صحة العقيدة الهندوكية ،وهي ديانة الهند الرئيسية ،وبمعيار
ُ
عدد من يتبعونها ،تـ َع ّد ثالث أكبر ديانة في العالم ،وتنادي هذه الديانة بتعدد اآللهة ،كما تقر
باستحالة التواصل املباشر مع اإلله دونما وسيط هو رجل الدين ..فهي ترى أن هذه الوساطة
تناقض الطبيعة اإلنسانية ،كما تجافي العقل واملنطق.
262
عقب إكمالها لدراستها االبتدائية التحقت أوشا بمدرسة «براتيمك» الثانوية في بومباي بالهند
وانتقلت معها شكوكها في صحة عقيدتها املفروضة عليها من بني جلدتها ..وبدأت هذه الشكوك
تزداد في نفس أوشا عقب دخولها كلية الطب في بومباي ودراستها ملادة «التشريح» ..أظهرت أمامها
شيئا من قبل ..وعن ذلك تقول« :من خالل دراستي هذه األخيرة حقائق باهرة لم تكن تعلم عنها ً
لحاالت املرض عرفت أن األمراض التي تصيب اإلنسان سببها ميكروبات وفيروسات دقيقة
ً
أحيانا أخرى.. ً
أحيانا ،وتفشل في ذلك تعادلها مخلوقات في جسم اإلنسان تقاومها وتتغلب عليها
ًّ
تلقائيا ودون ترتيب ،كنت أقف أمامها وأسأل نف�سي :ال هذه املعركة التي تحدث في جسد اإلنسان
ّبد من أن هناك ً
سببا ًّ
خفيا وراء ذلك»!
وجدت أوشا نفسها محاطة بغابة من عالمات االستفهام واألسئلة ّ
املحيرة التي من بينها
سؤالها عن كيفية خلق هذه األنسجة الدقيقة التي يتكون منها جسم اإلنسان ..وعن هذا املبدع
العظيم الذي خلقها بهذه الكيفية املدهشة في نظامها الدقيق وفي وظائفها الباهرة وإلى غير ذلك
من األسئلة التي لم تجد لها إجابات شافية ..وعلى الرغم من دراستها ملبررات هذه العملية التي
ًّ
شكا ًّ
قويا كان يساور «أوشا» وكانت تتحدث إلى نفسها قائلة« :ال تتم داخل جسد اإلنسان فإن
ّ
شيئا ما وراء ذلك يخفى علي ..فتركيب جسد اإلنسان وتنظيمه على هذه الصورة ّبد من أن هناك ً
الدقيقة ال ّبد من أن يكون وراءه صانع مبدع».
مرت على أوشا طالبة الطب فترة مرهقة من التفكير املضني والصراع النف�سي الرهيب بين ّ
ما تدرسه في الكلية وما ورثته في العقيدة الهندوكية الوثنية التي لم تؤمن بها في يوم من األيام..
مرت على أوشا األيام والشهور وهي على هذه الحالة حتى ّ
قدر لها هللا التعرف إلى زميلة لها بالكلية ّ
تختلف عن بقية الطالبات ..فهي تتميز بمالبسها املحتشمة وتتفرد بعدم اختالطها بالطالب،
فضل عن اقتصار صداقاتها على عدد محدود ّ ً
ومعين من الطالبات ..وجدت «أوشا» في صحبة تلك
ً
واطمئنانا لم تشعر بهما من قبل وفي هذا تقول« :تعرفت الزميلة -الهادئة الوقورة -ألفة ّ
محببة
إلى زميلة لي في الكلية يبدو عليها الهدوء والوقار ،ووجدت في صحبتها ألفة لم أعهدها في غيرها من
ّ
قبل ،واطمأنت نف�سي إليها ..وفي النهاية عرفت السبب في هذا كله ...عندما قالت لي إنها مسلمة».
أخذت أوشا تسأل زميلتها املسلمة الكثير من األسئلة املحيرة التي لم تجد لها من قبل إجابات..
أسئلة مثل :هل للكون أكثر من إله؟ ومن هو املبدع الذي خلق جسم اإلنسان الذي تعرفنا عبر
دراستنا إلى مدى تعقيده ودقة تصميمه؟
أخذت الطالبة املسلمة تعير أوشا بعض الكتب التي تتحدث عن اإلسالم ،وكانت أغلبها ً
كتبا
علمية تتحدث عن جسم اإلنسان ،وعن الدورة الدموية ،وعن التشريح ..انبهرت أوشا عندما
علمت من زميلتها أن مؤلفي هذه الكتب -التي ترجمت إلى اللغة اإلنجليزية وغيرها من اللغات
263 األجنبية -هم مسلمون ماتوا منذ مئات السنين ..وهنا تقول أوشا في إعجاب:
«كنت كلما قرأت في هذه الكتب ازدادت دهشتي وتساءلت في نف�سي :كيف عرف هؤالء هذه
األسرار الدقيقة املوجودة في جسم اإلنسان منذ مئات السنين ..كما قالت لي زميلتي املسلمة،
وكما تأكدت بنف�سي؟! مع أن املناهج التي ندرسها اآلن قيل لنا إنها لم تعرف إال في القرن الحالي!!
عقب إكمالها لدراسة الطب تزوجت أوشا من شاب هندوكي باركته لها أسرتها دون أن تكون
موافقة على الزواج به ..عاشت معه حياة مملوءة بالخالفات خاصة عندما كان يأمرها بممارسة
الطقوس الهندوكية التي لم تمارسها في حياتها ألبتة ..وبرغم زواجها ظلت أوشا تلتقي زميلتها
بتعصبه ملعتقداته الوثنية ..وعقب فترة ليست ّ بعيدا عن عيون زوجها الذي اشتهراملسلمة ً
املبدع العظيم
خيرا وشعرت بسعادة غامرة إذ توقعت بالطويلة توفي زوجها فحمدت هللا واستبشرت بوفاته ً
ً
الحصول على املزيد من الحرية ..بيد أن سعادتها لم تستمر طويل إذ صدمت بحقيقة -نسيتها
للوهلة األولى -مفادها أن العادات الهندوكية ّ
تحتم على األرملة أن تبقى في بيت أهل زوجها إلى األبد.
ّ
ثم جاءها الخالص على يد صديقتها املسلمة التي سبق لها أن خلصتها من الهندوكية ..نصحتها
األخيرة بأن تهاجر إلى خارج الهند ،وأخبرتها بأن ديار اإلسالم تمثل أكثر مالذ آمن لها ،بل حددت
لها «السعودية» على وجه الخصوص ألن مستشفياتها في حاجة إلى أمثالها من األطباء.
وبالفعل حصلت أوشا على عقد عمل في السعودية ..وهناك تعرفت إلى عدد من الطبيبات
حبا في اإلسالم وأسلمت ،وإن لم تشهر إسالمها املسلمات الالتي عاملنها معاملة طيبة فازدادت ًّ
رسميا ..وفي أحد األيام الحظت أوشا صديقاتها املسلمات وهن يحزمن حقائب السفر إلى خارج ًّ
الرياض وأخبرنها أنهن ينوين زيارة كل من مكة املكرمة واملدينة املنورة ..ذهبت أوشا مع زميالتها
في تلك الزيارة على الرغم من أنها لم تكن آنذاك تعرف أهمية تلك الزيارة وال الهدف منها ..تحدثت
أوشا عن تلك الزيارة وقد اغرورقت عيناها بالدموع قالت« :في هذه الزيارة رأيت ما لم أره من
قبل ..وسمعت ما لم أسمع عنه ..زرت املسجد النبوي الشريف ،وقبر الرسول الكريم ،كما زرت
كالما لم أسمعه من قبل بعد أنالكعبة املشرفة والبيت الحرام ..وهناك سمعت عن اإلسالم ً
رأيت اإلسالم واملسلمين على الطبيعة.»...
ً
وتحديدا عقب عقب زيارتها للبقعة التي انطلق منها نور اإلسالم وفي منتصف شهر رمضان،
اإلفطار توجهت أوشا إلى مسجد الريحان املجاور للمستشفى الذي تعمل فيه حيث أشهرت
إسالمها وأطلقت على نفسها اسم «آمنة قريش» فانتابها آنذاك -كما تقول -إحساس من ولد من
جديد .وما أن أشهرت إسالمها حتى أخذت تتعلم مبادئ اإلسالم في املركز اإلسالمي بمكة املكرمة
إلى جانب تعلمها مبادئ تعاليم وآداب الثقافة اإلسالمية.
في خاتمة هذه القصة نشير إلى أن آمنة أحبت من داخل أعماقها مكة املكرمة التي تزور فيها بيت 264
ًّ
أسبوعيا ،وتشرب من ماء زمزم وتتمنى أن تعيش فيها مدى حياتها كما عشقت املدينة هللا الحرام
ّ
املنورة التي تتمنى أن تدفن فيها إلى جانب الحبيب املصطفى -صلى هللا عليه وسلم..-
امتأل قلب فرديناند بكراهية البيض بسبب مواقف عنصرية كثيرة تعرض لها في حياته إذ
ظل يعاني كزنجي أسود من سوء معاملة األمريكيين البيض على الدوام ..فمدربه على سبيل
املثال وفي بداياته األولى مع كرة السلة ،كان يصفه بالزنجي القذر ،بينما وصفه بعض زمالئه
املالذ اآلمن
في الجامعة بالعبد القذر ألنه خرج مع فتاة بيضاء ..بل كانت الفتاة نفسها تتلقى مكاملات بذيئة
تعرض لهألنها خرجت معه ..ومن املواقف املؤملة التي ال يمكنه نسيانها ذلك املوقف الذي ّ
عندما استقل سيارة فارهة بصحبة اثنين من السود في إحدى األمسيات ..استوقفهم رجال
شرطة في تلك األمسية وفتشوهم بدقة ..وعندما سألوا رجال الشرطة عن تفتيشهم لهم بال
مناسبة برر لهم رجال الشرطة ذلك باعتقادهم أن السيارة مسروقة ألنهم لم يعتادوا رؤية سود
يستقلون سيارة فارهة.
لقد ظلت سياسة التفرقة العنصرية في الواليات املتحدة لفترة طويلة سياسة رسمية أساسها
التفرقة في املعاملة بين السود والبيض ،في اإلسكان والتعليم والوظائف ووسائل النقل واألماكن
ً
الترفيهية .وكان القانون األمريكي يعطي امتيازات وحقوقا لألمريكيين البيض ال تمنح لألمريكيين
األصليين واألمريكيين من أصل أفريقي واألمريكيين اآلسيويين ومن أمريكا الالتينية .كما ضمن
القانون لألمريكيين األوروبيين مميزات في التعليم والهجرة وحقوق التصويت ،واملواطنة،
وحيازة األرا�ضي واإلجراءات الجنائية بموجب القانون على مدى فترات من الزمن تمتد من
القرن السابع عشر إلى ستينيات القرن املا�ضي.
ًّ
اجتماعيا لقد تم حظر التمييز العنصري الرسمي إلى حد كبير بعد أن أصبح غير مقبول
أخالقيا ،ولكن ظلت الثقافة العنصرية ظاهرة رئيسية حتى يومنا هذا ،واتخذت ًّ ً
ومكروها
ً
أشكال أكثر حداثة ،وغير مباشرة للتعبير ،وما زال يتجلى التقسيم الطبقي الذي تؤكده تقارير
منظمات حقوق اإلنسان األمريكية.
مواقف عنصرية كثيرة جعلت كريم عبدالجبار يكره البيض ،بل وصل به األمر أن تشاجر
مرة مع والدته ألن بشرتها كانت قليلة السواد ..دفعته هذه املواقف إلى االنسحاب من الحياة ّ
االجتماعية ،وجعلته من املؤمنين بتعاليم مالكولم أكس ،إذ اقتنع بأن اإلسالم هو الدين الوحيد
ّ
الذي مكن الناس أن يعيشوا فيه بإخاء حقيقي ..وفي بداية موسم 1972لكرة السلة اعتنق 266
اإلسالم عن قناعة تامة وهو في عمر الـ ً 25
عاما.
عقب إسالمه وجد بطل قصتنا معاملة طيبة من قبل إخوته املسلمين بيد أنه واجه املزيد من
املتاعب من بني جلدته.
وعلى الرغم من أن غير املسلمين ما عادوا يحبونه عقب إسالمه فإن الجميع يعترفون بحقيقة
أنه مصنف كأفضل العب كرة سلة في تاريخ الدوري األمريكي للمحترفين ،بل وفي العالم ،حيث
موسما أحرز خاللها بطولة الواليات املتحدة ست مرات ،حاز لقب أحسن هداف، ً لعب 20
ّ ً
فضل عن حصوله على لقب أحسن العب في الدوري املحلي ست مرات ،ولم يحقق أي العب
إنجازات مشابهة في الدوري األمريكي مثله ..وكان الجميع يعترفون بحقيقة أنه يقف وحده وراء
نجاح نادي «مليوكي باكس» ،بل ووراء منظمة كرة السلة األمريكية كلها ..كثيرون أولئك الذين
يكرهونه كزنجي أسود لكنهم يصفقون له بحماسة عندما يتسبب كعادته في الوصول بالفريق
الذي يشجعونه إلى منصات التتويج.
يتحدث كريم عبدالجبار عن نفسه بقوله إنه إنسان حساس ،يكثر من التأمل ..ثروته العظيمة
وشهرته البالغة اللتان عرفهما منذ أن بلغ الخامسة عشرة من عمره لم تمنعاه من التفكير الدائم
في آفات مجتمعه الغربي واملتمثل أهمها في مثلث مريع أضالعه (العنصرية ،والجوع ،والنفاق).
أمينا ً ً
مالذا ً
وآمنا، فالصعوبات التي واجهته بسبب التفرقة العنصرية جعلته يتخذ من الوحدة
ً ً ً
مكتفيا بالعيش مع أهله ومع كرة السلة التي يعشقها منذ طفولته ولكونها ّ
تدر عليه دخل كبيرا،
ًّ
سنويا. ً
مليونا ونصف املليون دوالر حيث يتقا�ضى من ورائها
نختتم قصتنا باإلشارة إلى أن كريم هو نموذج للريا�ضي األمريكي األشهر في مجاله الذي ترك
ديانة أهله ً
هربا من ويالت التفرقة العنصرية ودخل اإلسالم الذي ال يميز بين الناس إال بالتقوى
وبالعلم وبمكارم األخالق..
267
فال تعد عيناك عن الهدف ..عن الجنة..
اسأل هللا الهداية ..فباهلل نهتدي إلى هللا.
هذا ما حدث بالضبط في تنزانيا قبل يومين من أعياد امليالد سنة ،1986حيث دخل رئيس
العالمي لشؤون أفريقيا ،الدكتور مارتن جون موايبيو، ّ األساقفة ،األمين العام ملجلس الكنائس
ِ ّ
َّ َّ
املصلين في الكنيسة ،ومن دون أي مقدمات أعلن أمامهم أنه سوف يترك املسيحية ويعتنق على
ِ
َّ ّ
دين اإلسالم!! كان حشد املصلين في حالة شلل ّ
تام للصدمة التي أصابتهم لسماع هذا القرار ٍ ٍ ِ
ُ َّ
الخطير الذي عصف بألبابهم ،إلى درجة أن مساعد األسقف قام من مقعده وأغلق الباب
وصرح ألعضاء الكنيسة َّ
بأن رئيس األساقفة قد ُج ّن. والنوافذَّ ،
فجعا على ّ ّ
املصلين ُم ً َّ ً
حد سواء!
ٍ ومثلما كان القرار مباغتا ،كان رد فعل ِ 268
الرجل «املجنون»ّ ،
وتحفظت عليه في َّاتصلوا بقوات األمن ،التي جاءت في الحال وأخذت ذلك َّ
زنزانة انفرادية ،إلى أن جاء أحد املسلمين وكفله إلطالق سراحه..
ُ ً ً
لقد كان هذا الحادث بداية لطيفة ملا كان ينتظر هذا األسقف من صدمات وأهوال!!
صدا ّ
مدو ًيا ارتجت التنزاني مارتن جون موايبيو ً
ّ ّ
اللوثري لقد كان إلسالم رئيس األساقفة
ِ ِ
له دعائم الدين املسيحي في كل أرجاء العالم ،وذلك لطبيعة املنصب اإلقليمي الرفيع الذي كان
َّ
الكنسية من يشغله هذا الرجل ،ومستواه العلمي ،حيث لم يحصل فقط على الدبلوم في اإلدارة
ً ّ
إنجلترا ،والبكالوريوس واملاجستير في اللهوت من أملانيا ،بل وعلى شهادة الدكتوراه أيضا.
هذا ما فتح شهية الصحفي سيمفيوي سيسانتي لتحقيق سبق إعالمي وإجراء مقابلة
مهمة مع هذا الرجل ،وهي املقابلة التي نقتطف لكم منها فيما يلي بعض الفقرات التي تسلط
ًّ ً
مسيحيا بهذه القامة بترك دينه ودين أجداده الضوء على الدوافع الحقيقية التي أقنعت رجل
والتحول إلى اإلسالم.
سنوات كانت
ٍ سنتين فقط من والدته؛ وبعد خمس َّإنها َّ
قصة رجل مسيحي تم تعميده بعد ْ
ٍ
األسرة تراقبه بفخر واعتزاز وهو يصبح خادم املذبح في ُ
الق َّداس ،ناظرين إليه وهو يساعد كاهن ٍ
َّ
الكنيسة بتحضير «جسد ودم» املسيح -عليه السالم -وهو ما مأل عائلته بالفخر ،وشغل أباه
باألفكار حول مستقبل ابنه.
الد َّ
اخلية -كتب َّ ً
قائل :فيما بعد -وعندما كنت في املدرسة َّ
إلي يسترجع مارتن موايبيو ذكرياته
رسالة كان يكتب لي ذلك ..يا ّ
بني ،قبل أن أغمض عيني ٍ كل قائل َّإنه يريدني أن ُأصبح ً
راهبا ..وفي ّ ً
أبي
ِ
مسرورا إن أصبحت راهباً.
ً (أموت) ،سأكون
َّ
هذا ما قاله األب البنه ،وهكذا فعل االبن؛ وهو القرار الذي دفعه للسفر إلى إنجلترا عام 1964
للحصول على الدبلوم في إدارة الكنائس؛ وبعد ذلك بسنة سافر إلى أملانيا للحصول على البكالوريوس..
ً وبعد عام آخر عاد إلى بالده وأصبح ُأ ً
سقفا عامل ..وفيما بعد رجع إلى أملانيا ليحصل منها على املاجستير
ّ ّ
في اللهوت .ثم بدأ يفكر في نيل شهادة الدكتوراه في اللهوت ..وبدأ معها مرحلة البحث والدراسة
أبوابا لتساؤالت حتمية تواجه كل مسيحي يصل إلى هذه املرحلة بعمق ،وفتح على نفسه بذلك ً
من الوعي والنضج الفكري ،فمنهم من يتجاهلها ويتغافل عنها ،ومنهم من يواجهها بحسم فيبحث
عن أجوبة مقنعة عنها.
َّ
واليهودية َّ
املسيحية واإلسالم يقول الدكتور موايبيو :بدأت أتساءل باندهاش ،فهناك
269 وكل دين منها َّيدعي َّأنه ّ
الحق؛ فما هي الحقيقة؟ كنت أريد الحقيقة! َّ
والبوذيةُّ ،
ٍ
َّ ً
الرئيسية األربعة. انطالقا من هذه التساؤالت بدأ موايبيو بحثه الذي اختزله في األديان
كان عليه أن يحصل على نسخة مترجمة ملعاني القرآن وكان له ما أراد وحصل عليها!
ولكن ماذا حدث بعد ذلك؟
للمرة األولى على سورة اإلخالص.. لقد كانت املفاجأة أنه فتح النسخة املترجمة ملعاني القرآن ّ
ََ ُ َ ُُ َ َ َ ْ ََ ُ َْ َّ ُ َّ ُ ُ ُ َ َّ ُ َ َ ٌ
) ول ْم َيك ْن ل ُه كف ًوا أ َح ٌد)4( ق ْل هو الله أحد )1( الله الص َمد )2( ل ْم ي ِلد ول ْم يولد3(
كراهية العرب
هذه السورة خمس عشرة كلمة فقط ولكنها تنسف العقيدة املسيحية كلها من أولها إلى آخرها!
ّ ّ ً
بالنمو في دواخلي،
ِ يتذكر موايبيو قائل :كانت تلك هي اللحظة التي بدأت فيها بذور اإلسالم
ّ
بالنسبة ّ وهو ّ
إلي ..وبعد دراستي له اكتشفت بأن القرآن الكريم هو الكتاب الدين غير املعروف ِِ
ُْ ُ ّ ُ َّ َّ
كخاتمة في رسالتي
ٍ شوهه اإلنسان منذ اإليحاء به ..وهذا ما قلته املقدس الوحيد الذي لم ي ِ
ألن هذه هي الحقيقة؛ وأنا كنتيهمني ْإن كانوا سيمنحونني الدكتوراه أم الَّ ،
للدكتوراه ،ولم يكن ُّ
أبحث عن الحقيقة.
ً
ويستعيد موايبيو ذكرياته قائل :ذهبت إلى أستاذي فان بيرغر (مسيحي) ،وأغلقت الباب
الدين ّ
الحق؟ كل األديان َّالتي في ُّ
الدنياُّ ،أيها هو ّ ثم نظرت إليه في عينيه ،وسألته :من ّخلفيَّ ،
ِ ِ
َّ ً ً ً فأجابني من دون ّ
مسلما؟» ..فقال لي« :أول :أنا تردد« :اإلسالم»! فسألته« :فلماذا أنت إذا لست
َّ
سأتخلى عن ّ ّ َّ أكره العرب!! ً
وثانيا :أنت ترى َّ
كل ذلك ِ بأني
كل هذا الترف الذي أنعم به ،فهل تعتقد ِ
من أجل اإلسالم؟».
ّ ّ
بدأ موايبيو يتفكر في جواب أستاذه املحبوب ،وبدأ يتفكر في حالته الخاصة ،في منصبه
ّ املرموق ،وسياراته ،وبيته ،ومكانته االجتماعيةُّ ..
كل ذلك خطر بباله في تلك اللحظة .وهو غير
ً
مستعد للتنازل عن ذلك كله في لحظة ،وهو إذا ال يستطيع إعالن إسالمه .وهكذا وبكل سهولة
وترسخت في ذهنه كانت ال تغيبصرف موايبيو النظر عن الفكرة .ولكن آيات القرآن التي قرأها ّ
عن خاطره ،ومعانيها العميقة كانت تشد انتباهه باستمرار ليس في اليقظة فقط ،بل وفي النوم
أيضا ،حيث كانت هناك رؤيا محددة ظلت تالحقه على مدى سنة كاملة ،فيرى من خاللها آيات ً
«خاص ًة في َّأيام ُ
الج َمع»؛ وظل على هذه َّ ناسا يرتدون مالبس بيضاء يأتون إليه القرآن أمامهُ ،وأ ً
حتى استسلم وأسلم في نهاية املطاف. الحال لفترة طويلة وهو يقاوم َّ
ينفق مجلس الكنائس العالمي املليارات من الدوالرات في سبيل التبشير بالدين املسيحي،
ً
أطنانا من الدموع بل ويسفك دم من خرج من ظلمة املسيحية ّ
املحرفة إلى نور اإلسالم ويذرف 270
ً ً
املبين ،هذا لو كان ذلك الخارج من املسيحية شخصا بسيطا من عامة الناس ..فماذا تتوقع أن
رد فعلهم حينما يكون ذلك الشخص هو رئيس أساقفة ،وإحدى ركائز الدين املسيحي يكون ّ
َّ
الكنسية ،والبكالوريوس في قارة بأكملها ،وعالم من علمائهم حاصل على الدبلوم في اإلدارة
ّ
واملاجستير في اللهوت ،وكذلك الدكتوراه في املجال ذاته؟!
ً
عاجل ًّ
ماديا ًّ
وأدبيا ،فقامت ولذلك كان على الدكتور مارتن جون موايبيو أن يدفع ثمن إسالمه
ُّ
الكنيسة بتجريده من بيته وسياراته في الحال ،ولم تستطع زوجته تحمل ذلك فحزمت حقائبها
وأخذت أوالدها وتركته .وعندما ذهب إلى والديه ،طلب منه والده انتقاد اإلسالم عالنية ،بينما
َّ ُ
أي ت َّرهات»! قالت له والدته إنها «ال تريد أن تسمع
ّ
العالمي وهكذا بين عشية وضحاها أصبح رئيس األساقفة ،األمين العام ملجلس الكنائس
ِ
التالي بدأ رحلته إلى ً
وحيدا ال أهل وال مأوى له ..وفي اليوم َّ لشؤون أفريقيا ،مارتن جون موايبيو،
ً
حيث تنتمي عائلته أصل -إلى كاييال -على الحدود بين تنزانيا وماالوي ..وبذلك انتقل موايبيو من
ً
كعضو في املجلس
ٍ رفاهية منزل رئيس األساقفة ليعيش في بيت من الطين .وبدل من راتبه الكبير
كحطابَّ ،ّ
وحراث ألرا�ضي اآلخرين، كأمين عام لشرق أفريقيا ،بدأ بكسب قوته
الكن�سي العالمي ٍ
وبدأ حياة جديدة ،والتفكير في بناء أسرة جديدة.
وفي األوقات َّالتي لم يكن يعمل فيها كان يدعو موايبيو ،الذي ّ
غير اسمه إلى «أبو بكر» ،إلى
َّ
املسيحية ..وبينما سلسلة من األحكام ّ
بالسجن لعدم احترام ٍ اإلسالم عالنية ،األمر الذي قاده إلى
ِ
ّ
كان يؤدي فريضة الحج في عام ،1988غدر به األسقف ودبر له مؤامرة أدت إلى تفجير بيته،
وترتب على ذلك مقتل أطفاله التوائم الثالثة.
َّ بدل من أن يحبطه ذلك فقد فعل العكسَّ ، َّ ً
ألن عدد الذين كانوا يعلنون ُويضيف موايبيو بأنه
إسالمهم كان بازدياد مستمر ..األمر الذي أزعج أصحاب النفوذ من النصارى ..وفي عام 1992
ّ ُ ُّ ُ
اعتقل َّ
حظه فقد ُبرئت أشهر مع سبعين من أتباعه ،واتهموا بالخيانة ،ولحسن ِ ٍ ملدة عشرة ِ
ً
مباشرة هاجر إلى زامبيا بعد أن ُنص َح َّ
بأن هناك مؤامرة أكيدة لقتله. ِ ساحته ،وبعد ذلك
وفي ختام مقابلته مع الصحفي سيمفيوي سيسانتي ،يوجه رئيس األساقفة ،األمين العام
ّ
العالمي لشؤون أفريقيا ،الدكتور مارتن جون موايبيو ،رسالته إلى املسلمين ملجلس الكنائس
ِ
حربا على اإلسالم ..وقد أغرقوا العالم باملطبوعات ..واآلن بالتحديد يعملون بقولهَّ :إن هناك ً
ُ
باأل ّ
صوليين ..فيجب على املسلمين أال يقفوا
ِ على جعل املسلمين يشعرون بالعار بوصفهم لهم
َّ
خصية ،ويجب عليهم أن َّيتحدوا ..فعليك أن تدافع عن جارك إن كنت تريد
الش َّ عند طموحاتهم
أن تكون أنت في أمان.
271
فهل وصلت الرسالة؟!!
جيدا ..ولنعمل بالنصيحة ً
جيدا.. فلنقرأها ً
بطلة قصتنا ..لم يكن لقومها غاية في الدنيا سوى التمتع امليكافيلي بنعيمها الزائل ..كانت في
ظاهرها تشبههم بروحها املسكونة بظلمة الضالل املدلهمة ،وبسلوكها الغارق في أوحال املادة
اآلسنة ..بيد أن هللا تعالى حباها بفطرة سوية كانت تخبئ وراء ضاللها املوروث ً
قبسا من النور،
ً
مدسوسا بين جوانح قلبها املوعود بنعمة الهدى منذ أن كان ًّ
طريا.
إنها الكاتبة البريطانية املعروفة وشاعرة مدن الضباب ذائعة الصيت إيفلين كوبلد.
كتبت إيفلين العديد من الكتب منها على سبيل املثال :كتاب يحمل اسم «البحث عن هللا» ،حيث
272
تقول وهي تسرد قصة إسالمها :من الصعوبة بمكان أن أحدد الوقت الذي أشرقت فيه حقيقة
دينا ،وحاملا أسلمت اجتاحني الشعور بأنني كنت مسلمة بالفطرةاإلسالم أمام بصيرتي فاتخذته ً
ً
منذ نعومة أظفاري ،ألن اإلسالم هو دين الطبيعة الذي ال يملك املرء فكاكا من اعتناقه لو ترك
لنفسه ً
بعيدا عن املؤثرات الخارجية املفروضة عليه من بني جلدته.
َ ْ ُ ّ
«ما ِمن َم ْول ٍ
ود ويصدق ذلك ما جاء في صحيح البخاري من قول النبي -صلى هللا عليه وسلم:-
َ ول ُد َع َلى ْالف ْط َرةَ ،ف َأ َب َو ُاه ُي َه ّو َدانه َأ ْو ُي َن ّ
ص َرا ِن ِه أ ْو ُي َم ِ ّج َسا ِن ِه».
َّ ُ َ
ِإال ي
ِ ِ ِِ ِ ِ
وتضيف الكاتبة إيفلين:
عندما دخلت املسجد النبوي الشريف ألول مرة في حياتي شعرت برعدة عظيمة تزلزل
كياني ..خلعت نعلي في خنوع ،ثم أديت صالة الفجر في خشوع وينتابني إحساس من يعيش في حلم.
وهمست إيفلين بصوت خفيض يغمره السرور« :إلهي كم أنت رؤوف رحيم ..لقد أرسلت لنا
ً نبيا ً
كريماًّ ..
رسول ًً
أمينا بعثت به إلى أمة منحتها شرفا أن أصبحت به خير األمم ،وأجريت على
يديه ألوان الخير جميعها لكل بني البشر!».
وكتبت إيفلين قائلة« :لم يخلقنا هللا تعالى خاطئين -تعالى هللا عن ذلك ًّ
علوا ً
كبيرا ،-ولم نكن
يوما في حاجة إلى خالص من املسيح -عليه السالم -ألنه ال حاجة لنا إلى وسيط يربطنا باهلل ّ
عز ً
وجل ألنه تعالى متاح لنا في كل زمان ومكان وبإمكاننا اإلقبال عليه ًّأيا كان حالنا».
ّ
ومن مقوالتها املؤثرة في صفحة 45من كتابها «البحث عن هللا»« :لقد ورد في القرآن الكريم
كيف خلق هللا تعالى العالم بكل ما فيه من مخلوقات ..وخلق الكائنات الحية بكيفية جعلت لكل
نوع منها زوجين اثنين ،وأن العلم الحديث ّأيد صحة هذه النظرية بعد بحوث مضنية ودراسات
عديدة امتدت ألجيال وأجيال».
وفي صفحة 51من كتابها «البحث عن هللا» كتبت إيفلين قائلة في فخر واعتزاز« :إن أثر
القرآن الكريم فيما بلغته الحضارة اإلسالمية من تقدم مذهل ال ينكره إال مكابر ..فالقرآن
ّ
الكريم هو الذي دفع العرب بتعاليمه املحكمة الخالدة إلى فتح العالم ،وهو الذي مكنهم بقوته
وعدله املطلقين من إنشاء إمبراطورية عظيمة فاقت ً
كثيرا -من حيث السعة والقوة والعمران
والحضارة -إمبراطورية اإلسكندر األكبر ،كما تجاوزت بمراحل اإلمبراطورية الرومانية».
وأضافت الكاتبة تقول في منتهى اإلعجاب واالنبهار« :الحقيقة يعجز القلم ً
تماما عن التعبير
-أيا كانت قوة ً
تواضعا أمام وضاءة أسلوبه املذهل!! إن الترجمة ًّ عن جمال القرآن البهي ،وينحني
إبداعها -تعمل على تعتيم جمال القرآن املشرق وتخفي مقدار ما ينعم به من موسيقا لفظية ال
273 ً ً توجد ألبتة في غيره من الكتب ..ولعل ما كتبه املستشرق جوهونسن يعبر ً
ودقيقا تعبيرا صادقا
عن مدى إعجاب مثقفي الفرنجة وكبار مفكريهم بقوة القرآن الكريم وتفوقه على ما عداه من
الكتب حيث قال -والفضل ما شهدت به األعداء« :-من الصعوبة بمكان أن َّيدعي املرء أن القرآن
من الشعر أو غيره من أوجه الكتابة اإلبداعية ،فهو في الحقيقة أعظم من ذلك بكثير ..وهو ليس
ً
تاريخا وال ً
وصفا ..كما أنه ليس موعظة كموعظة الجبل ،بل ليس بينه وبين كتاب البوذيين وجه
خطبا فلسفيةشبه من قريب أو بعيد ..هذا من ناحية ..ومن ناحية ثانية القرآن الكريم ليس ً
سطحية تشبه محاورات أفالطون ،وإنما هو صوت النبوة يخرج بعمق وصفاء من القلوب
السامية ..عالمي في جملته ..عميق املعنى في كل سوره وآياته».
السهل املمتنع
أوردت إيفلين ما ذكره املستشرق الفرن�سي الدكتور مارديل عندما كلفته الحكومة الفرنسية
بترجمة بعض سور القرآن ..حيث أشار إلى أن للقرآن الكريم مزايا متفردة ال توجد في غيره من
وجل ،ألنه أسلوب يستحيلعز ّ الكتب ،وفي ذلك قال ما معناه :أسلوب القرآن هو أسلوب الخالق ّ
ّ ًّ ً أن يصدر إال من إله ..وأشار إلى أن أكثر َّ
وأشدهم مكابرة خضعوا لتأثير ارتيابا وشكا الكتاب
سحره وحارت عقولهم أمام إعجازه وخارت قواهم حيال عظمة سلطانه ..بل إن سلطانه املذهل
حدا جعل املبشرين يجمعون على أنه لم على ماليين املسلمين املنتشرين في أنحاء العالم كافة بلغ ًّ
ُ
تثبت إلى اآلن حادثة واحدة مؤكدة تشير إلى ارتداد أحد املسلمين عن دينه -بينما غير املسلمين
ً
أفواجا -وهو أمر يعزى إلى االتساق املتجانس والجزالة الباهرة التي يفيض يدخلون في دين هللا
بها أسلوب القرآن الكريم ،وهو يؤثر بعمق في نفس كل سامع له يفقه اللغة العربية ويحيط
بمعانيها ..األمر الذي يقلل من تأثيره العظيم عندما تتم ترجمته إلى لغة أخرى.
تفوق بقوة على ما كانت تنهجه العرب -وهم أهل بيان ساحر- باهرا َّ ً
أسلوبا ً الحقيقة أن للقرآن
من نظم ونثر ،فأسلوبه املتفرد الحسن ،وكلماته الوضيئة امللتئمة ،وإيجازه املحكم الدقيق،
ومقاطعه الجيدة املنسقة ،وقصصه املنسجمة الجاذبة ،وأمثاله البديعة الجامعة ،إلى غير ذلك
من أوجه الدرر البيانية ،كل هذا جعله في أعلى درجات البالغة ،حيث يتمتع أسلوبه بقوة مهيبة
يمله ولو ظل ّ ّ
يردده طوال حياته دونما توقف وكذلك الحال تمأل القلب روعة وتجعل القارئ ال
ً
مع سامعه؛ فهو يمتاز بسهولة ألفاظه وانسجامها مع بعضها بعضا بحيث ال يحس املرء فيها بلفظ
غير متسق مع آخر ،وحينما يضاف إلى كل ما سبق ذكره سمو معانيه العميقة يدرك املرء مدى
بالغته املذهلة وإعجازه الباهر ..إنه السهل املمتنع ذو الكلمات السهلة املبنى القوية املعنى.
ونختتم هذه القصة باإلشارة إلى املآل الحسن الذي أنعم به هللا تعالى على الكاتبة املعروفة
والشاعرة البريطانية إيفلين كوبلد حيث حولها -بكرمه املطلق وفضله الذي ال ّ
تحده حدود-
من امرأة من بين ماليين النساء الالئي يفترشن أوحال املادة اآلسنة ويلتحفن ظلمات أرواحهن
املسكونة بالضالل ،إلى عابدة صادقة تحرص على إعمار بيت اآلخرة ،وداعية مخلصة تدعو بني 274
لتعرف اإلسالم على حقيقته حتى يعتنقوه كما فعلت ،ويتذوقوا جنسها وغيرهم من بني البشر ّ
حالوة اإليمان كما وجدتها..
275 وإن كانت نفس املرء متعطشة للحقيقة فإنها سترتقي من قمة إلى أخرى حتى تصل إلى أعلى
القمم إلى حيث تسمق الحقيقة املطلقة التي ليس بعدها �شيء..
نتوقف اليوم مع قصة سيدة راودها الشك في املسيحية لعدم قناعتها بالتثليث فاعتنقت
اليهودية التي وجدتها تدعو للتوحيد ..وعندما اكتشفت قصور اليهودية عن إشباع روحها الحائرة
وعقلها املتعطش للحقيقة وجدت في اإلسالم مالذها األمين ..إنها السيدة األسكتلندية «نان�سي
أتوال ماكلفي» ..بطلة هذه القصة..
نان�سي فتاة أسكتلندية األصل بيد أنها عاشت في والية تكساس األمريكية حيث كان مقر والدها
ً
أتوال ماكلفي رجل األعمال الناجح ..تذكر نان�سي جيدا ذلك اليوم الذي شهدت فيه -وهي طفلة-
معالم طريق
ً
نقاشا ًّ
حادا أدارته أمها -شديدة التدين ،واسعة الثقافة -مع قسيس كنيسة «البرسبيتارية» حول
عقيدة «الخطيئة األولى» ،ونتيجة لذلك النقاش تركت أسرتها كنيسة البرسبيتارية ،وانتقلت إلى
كنيسة «األبسكوبال».
إن عقيدة الخطيئة األولى أو الخطيئة األصلية عقيدة نصرانية ظاملة! يزعمون أن يسوع
املسيح ُ
صلب من أجل تكفير خطيئة البشر التي توارثوها عن أبيهم آدم! يزعمون أن آدم حين
ع�صى ربه وأكل من الشجرة غضب هللا عليه وطرده ،ومات آدم ولم ّ
يكفر عن خطيئته ،وبذلك
حملت ذريته من بعده تبعات خطيئته ،وهذا ينافي كل األخالق ،والحس السليم! ذرية آدم لزمهم
ً
جميعا بسبب خطيئة أبيهم آدم التي ال ذنب ألحد منهم فيها! وبذلك يولد اإلنسان بالخطيئة العقاب
ّ ّ
كما يقول بولس الذي بدل دين املسيح وحرفه!
يتحدث عن أي خطيئة في أي إنجيل من األناجيل! ولم يثبت أنه ذكر املسيح -عليه السالم -لم ّ
مرة واحدة! بولس الذي ظهر بعد املسيح -عليه السالمّ -
وادعى أنه رسول املسيح خطيئة آدم وال ّ
هو من اخترع فكرة الخطيئة املتوارثة وفكرة اتصال اإلله باألرض عن طريق االبن الكلمة ،كما
نقل للمسيحيين عقيدة الثالوث من األفكار اليونانية.
ً
فأين العدل والحب اإللهي حينما يكون الطفل البريء مسؤول عن ذنب أسالفه وأجداده؟!
وإذا كان يسوع املسيح ابن هللا الوحيد فأين كانت عاطفة األبوة؟ وملاذا يجعل ابنه الوحيد البريء
يالقي صنوف األلم والسخرية والعذاب؟ ألم تكن هناك أي وسيلة أخرى يغفر هللا بها للبشر عن
ً
خطيئة ال ذنب لهم فيها بدل من هذه املأساة؟!
أليس من العدل والرحمة أن يتم التكفير عن خطيئة آدم من دون هذه املأساة الدموية ،أو
يكون صاحب الخطيئة نفسه (آدم) هو من ّ
يتحمل وزرها؟ وأين كان هذا االبن عندما أكل آدم
من الشجرة؟ فلماذا لم يعمل وقتها على العفو عنهما لينقذ نفسه من الصلب والتنكيل؟! وما هي
املناسبة الزمنية بين خطيئة آدم ونزول املسيح ّ 276
لتحمل خطايا البشر؟ وما هو مصير من كانوا
قبل صلب املسيح؟ وما هو مصير آدم صاحب هذه الخطيئة؟! وماذا عن العقوبة التي نالها آدم
وحواء ألم تكن كافية؟ أم أنهما ماتا ً
أيضا في الخطيئة؟ ثم كيف انتقلت هذه الخطيئة من األبوين
إلى أبنائهما ثم إلى البشرية جمعاء؟ وملاذا لم يرث املسيح الخطيئة ً
أيضا؟ ألم يولد من أم ورثت
الخطيئة بدورها من أبويها؟ أسئلة ال يستطيع النصارى اإلجابة عنها إال بتكلف ال يقبله عقل صبي
دينا يتمسكفي السابعة من عمره! ولكنه التقليد والتعصب األعمى الذي يجعل من أقوال كهذه ً
به ويدافع عنه!! وكل ذلك ألجل إضفاء نوع من التبرير لقضية صلب اإلله وفق معتقدهم!
الحقيقة لم ترث نان�سي من أمها فقط صفتي التدين العميق والثقافة الواسعة ،بل ورثت
منها صفة أخرى تتمثل في الحرص على االختالء في أحضان الطبيعة كل مساء لكي ترقب مغرب
الشمس وتتأمل انسدال الليل وتتفكر في مطلع النجوم ..كانت تفعل ذلك بينما ينتابها شعور
عجيب من الحيرة الغامضة يجعلها تحس بإحساس إنسان تائه يبحث عن ذاته.
عند التحاقها بجامعة «تكساس» وفي دراستها ملقارنة األديان وجدت نان�سي منهج الدين املقارن
ّ
ويصوره بصورة سيئة لم تجد عبرها فيه إجابات عن أسئلتها امللحاحة. يتناول اإلسالم بقبح
عقب تخرجها توصلت إلى ضرورة حصولها على املزيد من الثقافة الدينية ،تدفعها إلى ذلك
ّ
التعرف إلى حقيقة الكون واإلجابة عن أسئلة عديدة من بينها :ما املوت؟ وما رغبتها األكيدة في
الحياة؟ وماذا بعد املوت؟ ..إلخ ..استهوتها النظرية الكبرى التي تؤكد وجود صلة بين عالمي الغيب
والشهادة ..في املقابل توقفت ً
كثيرا عند عقيدة «التثليث» وناقشتها مع عدد كبير من القساوسة
وكانت املناقشة ال تفتأ تصل إلى مرحلة معينة حتى يقولون لها« :إلى هنا وعليك أن تؤمني فقط».
وكي تكون نان�سي مؤمنة بعقيدة «التثليث» عليها أن تلغي عقلها فال تسأل وال تعترض ،ألن رجال
الكنيسة أنفسهم متقدميهم ومتأخريهم تائهون حائرون بشأن عقيدة «التثليث» الذي أقحموه في
املقدس ما يعينهم على تفسير هذا «التثليث» العجيب!الديانة النصرانية ،وليس لهم في الكتاب ّ
مكو ًنا من األب واالبن ،وفي
ففي مجمع نيقية عام 325م تم تأليه املسيح وأصبح إله النصارى ّ
مجمع القسطنطينية عام 381م تم تأليه الروح القدس ّ
وقرروا أنها تنبثق من األب فقط ليكتمل
بذلك الثالوث ّ
املقدس .فزعموا أن هللا ثالث ثالثة ،وأن يسوع املسيح ابن هللا ،ثم عادوا وقالوا
إن هللا واحد ،ثم حدث االرتباك في عقيدتهم فأصبحوا يعتقدون بما ال يمكن للعقل الرشيد أن
يقبله ،وهو زعمهم أن هللا واحد وفي الوقت نفسه ثالثة!
بدأت نان�سي تبحث عن بديل يروي ظمأها ..انتظمت في حضور دروس معبد يهودي ..دفعها
إلى ذلك سعة صدر حاخام املعبد وتقبله للحوار ،فدخلت في الدين اليهودي من مدخل فلسفي
ً محض فقد وجدته ً
277 دينا يقول بالتوحيد بدل من التثليث ..لكن ..لم تلبث أن تبدأ بممارسة شعائر
اليهودية حتى شعرت بأنها ما زالت في حاجة إلى ما يروي غليلها ..وهنا تقول« :الواقع أن املمارسة
أسفرت أن اليهودية لم ترو غليلي ،فشعرت أنني ما زلت ظمأى ملعرفة الصلة بين هللا واإلنسان،
فلم أستسغ فكرة الشعب املختار ،وال تجسيد هللا سبحانه وتعالى في قوالب إنسانية محدودة،
ً
وأحيانا غير مقبولة ..وفيما كنت أتلمس الطمأنينة الروحية في اليهودية ينتابني اإلحباط عندما
أجد أن الوعظ كله قد انحصر في مرارة ما أصاب اليهود في أملانيا ،والدعوة إلى االنتقام».
ً ًّ ً
مسلما أدرك مقدار ما أمريكيا وأثناء محاوالتها للتعمق في دراسة الديانات التقت أستاذا
تعانيه من قلق ،فسألها إن كانت قد اطلعت على القرآن الكريم ..وهنا تذكرت أن الحاخام وجه
لها منذ سنوات السؤال ذاتهّ ..زودها أستاذها املسلم بنسخة مترجمة ملعاني القرآن الكريم ،وزاد
معالم طريق
مدها بكتب أخرى تتحدث عن اإلسالم ..لفتت نظرها رحابة صدر األستاذ املسلم، على ذلك أن ّ
كما شدتها بشاشته املميزة ،وطيبة قلبه املتفردة ..استرعى انتباهها أنه لم يدفعها إلى أي اتجاه،
كما أنه لم يعب عليها وضعها العقدي ،فقط اكتفى بأن حدثها عن اإلسالم بصورة مبسطة وتدرج
منطقي ليعينها على فهم تعاليمه التي جاء بها وآدابه التي تحلى بها ،تلك اآلداب التي تجعله يختلف
تماما عن كل األديان التي مرت عليها من قبل ..انتابها شعور بالطمأنينة والسكينة وهي تنصت إلىً
حديثه ..وهو ما عبرت عنه بقولها:
«لقد شعرت ما يروي روحانيتي في أعماق وجداني وما أستهدي به في حياتي بين الناس ..شعرت
بحالوة الصلة باهلل ،واستشرقت معالم طريق القربى إليه في رحلة لها بداية ولكنها ال تنتهي...
وقلت لنف�سي :اآلن فقط عرفت من أنا ...إنني مسلمة بعد أن وجدت في اإلسالم اإلجابة السلسة
عن كل عالمات االستفهام الفلسفية التي حملتها طوال سنين ..لقد وجدت ما يرضيني عن مفهوم
هللا والكون واإلنسان».
وبعدما اتضحت لها معالم الطريق إلى هللا ،لم تملك نان�سي حينذاك إال أن تنطق بالشهادتين
لتبدأ رحلة ميالدها كمسلمة جديدة تحمل اسم «نصيحة» ..كتمت إسالمها عن زوجها وحماتها
ليل من دون أمتعة وال مالّ ،ً
مقدمة هللا على زوجها.. التي كانت تعيش معها ،ثم غادرت منزلها
وتقول في ذلك« :لقد كان من البديهي عندي عندما يكون الخيار بين هللا والزوج فليس هناك
من هللا عليها باالنفصال عن زوجها عبر املحكمة ..وأنعم عليها ّ
بحرية كريمة تتنفس اختيار» .وقد ّ
عبرها عبق اإليمان وتمارس من خاللها الدعوة إلى هللا تعالى وإلى دينه الحنيف..
املصدر)26( :
صاحب القلبين
اإليمان ..ال يتعارض مع تولي أكبر مناصب الدنيا..
الهدى ..يساعد القادة على كبح جماح السلطة الغاشمة..
رئيسا ..كن ما شئت ..ولكن كن ً ً
ملكا ..كن ً
عبدا هلل.. كن
هذا ما توصل إليه بطل قصتنا ..بطلها رجل فوق العادة ،ويكفي شخصيته ً
تفردا حقيقة أنه
ّ
تربع على قمة هرم السلطة في بالده ..إنه ديفد كيربا ..رئيس جمهورية جامبيا ،الذي هداه هللا تعالى
ً
ساجدا هلل تعالى إلى اإلسالم فاستصغر عظمة السلطة الدنيوية الخاوية من كل معنى حقيقيّ ،
فخر
ثم نهض وهو يردد في تواضع الخانع الذليل :هللا أكبر هللا أكبر مني ومن كل �شيء في األرض والسماء.
هاجر بطل قصتنا في مقتبل شبابه إلى الغرب حيث اعتنق املذهب البروتستانتي وشرب من
فكره وقيمه وعقيدته حتى الثمالة ..في البدء دخل عالم السياسة على استحياء ..استهوته لعبة
فتعمق في دهاليزها ّ
وتدرج في املناصب حتى وصل إلى أقصاها السياسة وعمته شهوة املناصب ّ
279
وأصبح رئيس الجمهورية في بلده!! ثم ماذا بعد هذا؟!
في هذه املحطة كان أمام ديفد كيربا خياران :إما التكبر والتجبر والتعنت ،وإما الرجوع إلى
الفطرة السليمة التي فطر هللا الناس عليها ،حيث يقول« :كان ينتابني اإلحساس ً
دائما بأن لي قلبين
علي ..القلب الذي لي كان يدفعني بشدة إلى الدراسة والسياسة وخوض قلبا لي ً
وقلبا ّ في جوفيً :
قصيرا ًً ً معركة الحياة ..أما القلب الذي ّ
قاطعا: علي فكان في كل لحظة يلقي على عقلي وقلبي سؤال
من أنت؟ وما بين القلبين املتنازعين قطعت رحلة طويلة استطعت معها ومن خاللها أن أحقق كل
ما كنت أصبو إليه ..فقد تمكنت من تحرير وطني األفريقي األسود ،ووضعته على خريطة العالم
كدولة ذات سيادة».
صاحب القلبين
يتربع على هرم السلطة في بلده ،كان ديفد كيربا يشعر أن حياته بال هدف، برغم أنه كان ّ
وأن روحه مسكونة بالظالم ،وقلبه غارق في أوحال املادة ،حتى عاد إلى فطرته السليمة
وأزاح عنها ركام املاديات وأعاد اسمه من (ديفد كيربا) إلى (داود جاوارا) بعد أن شرح هللا
تعالى قلبه لإلسالم ..تحول من رئيس دنيوي غارق في عالم مادي يعتنق املذهب البروتستانتي إلى 280
شخصية إسالمية سياسية وداعية إلى هللا سبحانه وتعالى ال يشق له غبار..
أرأيتم أيها السادة ..إنه اإليمان ..ما يعطي للحياة قيمتها وحقيقتها..
فما الحياة بال قرب من خالق الحياة؟!!
اإليمان يحول السراب إلى حقيقة..
يحول السلطة إلى رحمة ..ويحول القوة إلى عون ومحبة..
ً
يعطي اإلنسان هدفا يستحق أن يحيا له..
إنها هداية هللا التي تكسب اإلنسان إنسانيته..
لذا ..اسألوا هللا الهداية ..فباهلل نهتدي إلى هللا.
بطلة قصتنا ..عافت الحياة البهيمية في الغرب بكل رزاياها :العبث الذي ال يعرف الحدود،
والحدود التي وضعت لتخترق ،والروح النافرة من الجسد ،والجسد املتمرغ في أسن املادة،
وإلى غير ذلك من الرذائل التي ال ّ
تحدها حدود ..كرهت اليهودية التي تحتقر اإلسالم ،ثم كفرت
بالنصرانية البديل الديني الذي تطرحه الحضارة الغربية.
شدها وخلب ّلبها كما عجبا ّقرآنا ً كانت شغوفة باملوسيقا الغربية فسمعت بمحض املصادفة ً
ََ ُ ْ ُ ْ ُ َ َ َّ َ َّ ُ ْ َ َ َ
281 است َم َع نف ٌر ِم َن ال ِج ِ ّن فقالوا وحي ِإلي أنه
فعل من قبل بنفر من الجن من أهل نصيبين( :قل أ ِ
إ َّنا َسم ْع َنا ُق ْر ًآنا َع َج ًبا) ،فوجد اإلسالم طريقه إلى قلبها ..بحثت في اإلسالم فوجدت فيه ردوداً
ِ ِ
شافية ألسئلة ظلت تؤرق مضجعها فدخل عقلها ..بعد انسياب نور اإلسالم إلى قلبها وعقلها،
دخلت في دين هللا القويم من أوسع أبوابه حيث نطقت الشهادتين ..فمن بطلة قصتنا هذه التي
هداها هللا تعالى فخرجت من ظلمة املادة إلى نور اإليمان؟
إنها الكاتبة األمريكية اليهودية األصل املعروفة مارجريت ماركوس التي أصبح اسمها (مريم
جميلة) بعد أن ارتمت في أحضان اإلسالم لتكت�سي بجمال الروح ..وهنا يفرض سؤال ّ
ملح نفسه:
يحط من شأن املرأة ّّ
ويحقرها ،بل ما الذي دفع امرأة يهودية إلى الدخول في دين يصفه قومها بأنه
الديانة العنصرية
ويجردها من إنسانيتها حسب مفهومهم السقيم لإلنسانية؟! وكيف تركل النعيم الدنيوي وتترك ّ
ناء متخلف بمقاييس قومها للتحضر ،مجتمع وراءها الرفاه املادي املتقدم ثم تتجه إلى بلد إسالمي ٍ
ّ ً ً
محافظ نقيض ملجتمعها املفتوح الذي أعطى املرأة حقوقا مطلقة بدءا بحرية الغرائز البهيمية
ً
وانتهاء بارتياد الفضاء ذروة األحالم عند علماء أهل الغرب؟ ونعم ما يصيب تحدها حدود،التي ال ّ
املرء بالدهشة حقيقة أنها يهودية ،ومن قوم يكرهون اإلسالم كأشد ما تكون الكراهية!!
ّ ً
بحثا عن زوج مثالي ،أو ً
هربا من واقع مرير تعكر لم تترك مريم جميلة دينها ولم تهجر موطنها
ّ ّ
غيرت مجرى حياتها كلية حينما تبينت الضالل الذيصفوه املشاكل األسرية ..ال وألف ال ..لقد ّ
يعيشه قومها (وهو اليهودية) ،والضالل البديل الذي تطرحه الحضارة الغربية (وهو النصرانية)..
وحاملا أيقنت أن اإلسالم هو الدين الحق الذي ال بديل له أقبلت عليه مشيحة بقلبها وعقلها عن
كل دين سواه ..فهي لم تكن تبحث عن حظوظ دنيوية مادية بقدر ما كانت تبحث عن الحق فتدور
عبرت عنه بقولها« :إنني آمنت باإلسالم ألنه الحق ،ودخلته ألنهمعه حيث ما وجد ..وهو أمر ّ
يعطيني ًّ
حقا كامرأة ،افتقدته في بيئتي الغربية وألنه يمنحني املالذ من حضارة لم أتكيف معها».
وهنا قد يتساءل بعضكم :كيف كان مدخلها إلى اإلسالم؟ الحقيقة دخلت مريم اإلسالم
عن طريق القرآن الذي سمعته بقدر هللا الذي أراد هدايتها ،وليس «بمحض املصادفة» كما
عما كانت تحبه من موسيقا غربية ،وهي تقول في ذلك: تقول هيّ ..
فشدها وخلب ّلبها وصرفها ّ
«بمصادفة محضة استمعت ذات يوم إلى موسيقا عربية في املذياع فشدتني ،فذهبت لشراء
بعض األسطوانات العربية ،وبمصادفة أخرى كان بين هذه األسطوانات تسجيل آليات من
سورة مريم ،فانجذبت إلى القرآن» .وتذكر مريم أن أقوى ما ّ
هزها وأثر فيها تالوة دفيئة لطفل
قادم من «زنزبار» استمعت إليها في مسجد بنيويورك وكان كل من صوته وتجويده -كما ذكرت-
أفضل من كثير من املقرئين املشهورين ..وهنا تساءلت عن مصير الطفل الزنزباري بعد أن ذبح
الصليبي «جوليو�سي نيريري» قومه في سبيل أن يمحو اإلسالم من جزيرة زنزبار.
وتضيف مريم إلى قصة إيمانها باإلسالم حقيقة أن ما زادها قناعة في صدق رسالة اإلسالم 282
وصحة تعاليمه هو إجاباته الشافية عن كل التساؤالت التي كانت تؤرق مضجعها لسنين طوال،
خاصة تلك التي تتصل باملوت وما يعقبه من مصير ..فقد كانت ال تفتأ تسأل والديها عن مصير
اإلنسان بعد املوت حتى يتعجبان من سؤالها ويقوالن لها« :إن الحياة أمامها طويلة» ..فهما لم
يكونا يؤمنان بما بعد املوت من آخرة وبعث وحساب وجنة ونار ..نعم ال غرابة في عجز إجابة
والديها عن السؤال إذ لم تسعفهما التوراة والتلمود برأي ناجز ،ألن الجزاء فيهما جزاء دنيوي
محض ،أما اإلنجيل فقد كانت صورة اآلخرة فيه غامضة ومبهمة ..بالتالي لم تجد اإلجابة عن
ً
شفاء ملا في صدرها من قالقل وحيرة إذ أجابها بما السؤال إال في القرآن الكريم الذي وجدت فيه
فيه استجابة ألعمق رغباتها ،حيث أعطاها الهدف واملعنى من الحياة وما بعدها.
ومن األمور التي دفعت الكاتبة اليهودية مارجريت ماركوس إلى اعتناق اإلسالم سمة التسامح
التي تميز اإلسالم عن غيره من الديانات التي طالها التحريف وهنا تشير إلى قمة التسامح املتمثلة
وسلم -عن السيدة صفية -ر�ضي هللا عنها -عندما ّ ّ
عيرتها إحدى في دفاع الرسول -صلى هللا عليه
ّ ّ ّ
زوجاته -صلى هللا عليه وسلم -بأصلها اليهودي فهدأ رسول هللا -صلى هللا عليه وسلم -من روعها
وعمها نبي وهي اآلن زوجة نبي .ثم تضيف الكاتبة في إطار امتداحها لإلسالم وطمأنها بأنها بنت نبي ّ
بأنها لم تتعرض قط خالل جوالتها في العالم اإلسالمي ،وفي أثناء إقامتها مع زوجها في باكستان إلى
أي طعن أو تمييز عنصري لكونها تنتمي إلى أصل يهودي.
وتضيف مريم إلى حديثها عن التسامح الذي يتميز به الدين اإلسالمي« :أنه في ظل التسامح
ً
أحرارا ،وانطلقت ملكاتهم الفكرية تبدع في إطار اإلسالمي عاش اليهود داخل الحضارة اإلسالمية
عقائدهم وتبرز كثمار لهذا التسامح ..وأشهر شخصية يهودية نبغت تحت حضارة اإلسالم «مو�سى
ابن ميمون» الذي ولد في األندلس ،وكان الطبيب الشخ�صي لصالح الدين األيوبي ،فهو مثل غيره
من اليهود لم يشعروا بغربة وسط الحضارة اإلسالمية مثلما شعروا وسط الحضارة الغربية».
عقب ذلك قارنت الكاتبة بين التسامح الذي يتمتع به الدين اإلسالمي والطابع العنصري
لليهود حيث قالت« :ويتجلى الطابع القومي العنصري لليهود في رفضهم لألفراد الداخلين لليهودية
والتشكيك في دوافعهم» .وفي هذا الجانب ضربت الكاتبة أمثلة من معارفها في نيويورك ،فتحدثت
عن الفتاة األملانية التي تزوجت من يهودي واعتنقت دينه ،ومع ذلك ظلت أسرته تقاطعها بسبب
أصلها غير اليهودي ..كما تحدثت عن الفتاة األمريكية التي دخلت اليهودية عند زواجها من شاب
يهودي فصدمت وتفاجأت بأن من سلطة الحاخام عدم قبوله العتناقها الديانة اليهودية ..وقد
ذكرت الكاتبة مريم األمثلة السابقة في إطار مقارنة التعصب اليهودي مع ترحيب املسلمين بها بين
ظهرانيهم على الرغم من معرفتهم بأصولها اليهودية.
وتذكر مريم استماعها إلى حاخام يهودي يقول في نيويورك عقب إقامة إسرائيل في عام
283 1948م« :إن الوالء للشعب اليهودي أهم بكثير في اليهودية من اإليمان باإلله».
وجهه له زعيم صهيوني في مقابلة إذاعية حول أيهما وكان حديثه في إطار إجابته عن سؤال ّ
أكثر أهمية :اإليمان بالتوراة والتزام شريعتها ،أم الوالء للشعب اليهودي ..وهي إجابة تناولتها
سيئا يعكس مدى ضيق النظرة واالنغالق املميت اللذين أفضت نموذجا ً
ً الكاتبة مريم باعتبارها
إليهما العنصرية اليهودية.
وتذكر الكاتبة كذلك تشويه اليهود لصورة األنبياء وحرصهم على تشكيل صورة ذهنية سيئة
صوروا سيدنا ً
نوحا -عليه السالم -بأنه ثمل بالخمر ذات عنهم .فعلى سبيل املثال أشارت إلى أنهم ّ
عاريا ،فدخل عليه ابنه حام ..وعندما شاهد االبن عري أبيه حلت عليه يوم واستلقى في خيمته ًّ
الديانة العنصرية
لعنة هللا ،وتحول جلده إلى السواد ،ثم حكم على ذريته بالعبودية ..وأشارت الكاتبة كذلك إلى
قصة ملفقة وردت في سفر امللوك بالتوراة مفادها أن داوود -عليه السالم -أعجب بامرأة جميلة
شاهدها تستحم فاستحوذ عليها بعد أن قتل زوجها ،وكانت ثمرة ذلك اللقاء سليمان الذي أولع
بالنسوة الوثنيات ،وانتهى به املآل إلى عبادة األصنام.
أكثر من هذا تسخر الكاتبة مريم من معتقد يهودي ساذج مفاده أن اليهودي سينجو في اآلخرة
ً
مولودا في رحاب اليهودية ،بصرف النظر عن اعتقاده وسلوكه. ملجرد كونه
وفي املقابل نجدها تعجب من بالغة القرآن الكريم في دقة تصويره لطبيعة اليهود في حرصهم
على الحياة الدنيا ورغبتهم فيها وغفلتهم عن اآلخرة ،مقارنة باملسلمين الذين يطلبون من هللا تعالى
أن ينعم عليهم بالحسنات في الدنيا واآلخرة ويقيهم عذاب النار.
وتشير الكاتبة مريم جميلة إلى إشارات تؤكد ما قام به اليهود من تحريف للديانة اليهودية
وتستدل على ذلك بشواهد تؤكد أن الصالة عند اليهود في القرن الثاني امليالدي كانت تشبه صالة
املسلمين من حيث اشتمالها على الوضوء والسجود ،كما كان اليهود آنذاك يلتزمون االغتسال
بعد الجماع وقضاء الحاجة وعقب الدورة الشهرية عند النساء ..بل أشارت إلى وجود طائفة
صغيرة من اليهود هم «السامريون» يصلون ثالث مرات في اليوم بوضوء وركوع وسجود،
ويضمنون أدعيتهم بعض العبارات اإلسالمية ،كما يستهلون كتبهم بالبسملة اإلسالمية ،غير أن
هذه الطائفة منبوذة من قبل سائر اليهود وذلك لرفضها التلمود وسائر كتب التوراة ،ما عدا
شريعة مو�سى -عليه السالم.-
وترجع الكاتبة مريم جميلة أسباب سقوط األركان القديمة للصالة اليهودية ومن ثم تحولها
إلى أدعية مطولة يرتلها املصلون وهم جالسون على املقاعد -كصالة النصارى -إلى حرصهم على
مخالفة املسلمين والتميز عنهم ،وإن ما زالت هناك بعض أوجه الشبه بينها وبين الصالة في اإلسالم
كتفضيل صالة الجماعة ،وعدم ضرورة توجه النساء إلى املعابد النشغالهن بواجباتهن املنزلية. 284
وأما عن الصيام عند اليهود فتقول فيه الكاتبة مريم جميلة« :إن الصيام عند اليهود هو
يوما ً
واحدا يسمى يوم الغفران ،أو يوم كيبور وهناك يوم آخر للتكفير وإبداء الندم على الذنوب ً
يصومونه هو التاسع من شهر آب اليهودي ،ذكرى تدمير الهيكل ّ
للمرة الثانية على يد الرومان
عام 70ميالدي ،وهدف صيامه الذكرى والحزن والتضرع إلعادة الهيكل ..أي إن الغرض
سيا�سي مثل الصالة».
وتقارن مريم جميلة بين الهدف من الصيام عند كل من املسلمين واليهود (التطهر في يوم واحد
مقابل الصيام تقوية اإلرادة ومقاومة الوساوس والشهوات واالرتقاء بالنفس في شهر كامل)..
وتتساءل :ملاذا ينحصر طلب املغفرة في يوم واحد في العام ،وفي اإلسالم تطلب في كل وقت من كل
يوم ،وفي الصلوات الخمس؟! وكيف يكفي يوم واحد للتطهر؟!
وتقول مريم جميلة عن الحج عند اليهود« :ال يوجد في اليهودية حج إال على شكل زيارة لحائط
املبكى الذي يتخلله نواح ودعاء وذكرى عنده ..أي إنه حج سيا�سي يضاف إلى الصالة والصيام
من أجل بناء الهيكل وعودة القدس ..أما الحج في اإلسالم فيخلو من أي مظهر وثني ،إنه اجتماع
عالمي تتجلى فيه أخوتهم وتضامنهم ،وهذا هو السبب الحقيقي الذي يثير حقد اليهود على هذه
الشعيرة ومحاولة تشويهها».
ومن أخطر ما أشارت إليه الكاتبة مريم جميلة انغالق اليهود على أنفسهم وعدم ترحيبهم
بأتباع جدد ،أي عدم قيامهم بالدعوة إلى دينهم كما هو الحال عند املسلمين ،األمر الذي جعل
اليهودية ديانة عنصرية تقتصر فقط على قومها ،مع تعصبهم املتطرف على من عداهم.
وفي حديثها عن تحريم اليهود للعمل يوم السبت تذكر الكاتبة مريم أنهم يبررون ذلك بتعب
اإلله فتستنكر ذلك قائلة« :إن هذه الفكرة فيها الكفر الصريح بنسبة التعب واإلجهاد لإلله
القوي املقتدر ،الذي خلق السماوات واألرض ولم يمسه لغوب ،فاإلله املتعب ليس بإله ..كذلك
مما ال ّ
يقره اإلسالم أن تعزل العبادة عن باقي أيام األسبوع ليخصص لها يوم واحد ..في حين أن
العبادة في اإلسالم متصلة ،وممتزجة بالحياة اليومية في شكل الصلوات الخمس ودوام الذكر».
وتفضح الكاتبة مريم النظرة السلبية ملجتمعها فيما يتعلق بتحصيل النساء للعلم الديني حيث
يرى ذلك املجتمع أن العلم بالدين يقتصر على الرجال دون النساء ،وتذكر أن للحاخامات آراء
متشددة في التعليم الديني للفتيات ،إذ يصرح أحدهم برأي شاع وسط املجتمع اليهودي ويقول:
إنه يفضل أن تضيع كلمات التوراة على أن تعلم المرأة!!.
285 وهنا تتحدث الكاتبة مريم جميلة عن موقف اإلسالم من تعليم املرأة حيث تشير إلى تعاليم
اإلسالم التي تقول :إن طلب العلم في اإلسالم فريضة على كل مسلم ومسلمة.
وفي جانب آخر من كتاباتها تنصح مريم جميلة بضرورة تنظيم الدعوة اإلسالمية وتنشيطها
في أوساط اليهود واملسيحيينً ..
وبناء على ما سبق تنصح الباحثين املسلمين بضرورة تعلم اللغة
العبرية ،ودراسة الكتب اليهودية املقدسة.
وتختتم الكاتبة مريم جميلة حديثها بقولها« :اإلسالم هو الدين الوحيد الذي يفاخر بكتاب
خال من التحريف ،نزل بلغة ما زالت مقروءة ومفهومة ..أما اآلخرون فليس عندهم كما سماوي ٍ
ً ّ
يعترفون إال ترجمات محرفة ومتغيرة عن نصوص أصلية كانت بدورها سيرا عن حياة األنبياء
الديانة العنصرية
وضعت بعد وفاتهم بقرون ،ولم يكن لهم فيها من نصيب إال اقتباس بعض األقوال واألفعال عنهم،
ولو أعيدت هذه النصوص إلى لغاتها األصلية ملا فهمها أحد ممن يقولون إنهم يؤمنون بها اآلن ،أما
ّ
محمد -صلى هللا عليه وسلم -فقد سجلت السيرة كل تفاصيل حياته ،حتى أدقها وأخصها».
وتؤكد مريم بعدها أن اإلسالم «هو الدين الوحيد في العالم الذي أوجد أمة تحكمها الدوافع
ً
األخالقية والدينية ،وذلك يكفيها» .ومن مقوالتها« :لقد وضع اإلسالم حلول لكل مشكالتي
وتساؤالتي الحائرة حول املوت والحياة وأعتقد أن اإلسالم هو السبيل الوحيد للصدق ،وهو
ًّ
ضروريا للحياة أنجع عالج للنفس اإلنسانية ..فمنذ بدأت أقرأ القرآن عرفت أن الدين ليس
فحسب ،بل هو الحياة بعينها ،وكنت كلما تعمقت في دراسته ازددت ً
يقينا أن اإلسالم وحده هو
الذي جعل من العرب أمة عظيمة متحضرة قد سادت العالم».
على مدار نصف قرن من الزمان كتبت مريم جميلة ً 25
مؤلفا عن اإلسالم أشهرها« :اإلسالم
في مواجهة الغرب» ،و«رحلتي من الكفر لإليمان» ،و«اإلسالم في النظرية والتطبيق» ،و«اإلسالم
والتجدد» ،حيث ترجمت كتبها لعدة لغات بينها التركية واألردية والفارسية ،والخيط املشترك
بين كل هذه املؤلفات تمثل في تمجيدها لقيم اإلسالم وانتقادها بعنف للعلمانية والحداثة في
ً
وأيضا في تصديها لحمالت تشويه اإلسالم. املجتمعات الغربية
في اليوم األخير من شهر أكتوبر عام ،2012رحلت الداعية والكاتبة األمريكية مريم جميلة
عن هذه الدنيا الفانية عن عمر يناهز ً 78
عاما في مدينة الهور الباكستانية ،وهي راسخة في إيمانها
بالدين اإلسالمي ،بعد أن اعتنقته وحملت لواء الدعوة إليه طوال خمسين ً
عاما..
كانت حياتها بال هدف ،فتحولت إلى حياة لها ألف معنى..
ّ
حررت نفسها من دياجير الظلمات الحالكة لترتقي إلى فلك نوراني شفيف..
ارتقت بقلبها من أسن املادة القذر إلى رحاب اإليمان املغمورة بفيوض من النور.. 286
انظروا إلى بطل قصتنا ..منذ نعومة أظفاره أقحموا فكره وعواطفه بالكثير الكثير من املفاهيم
ً
محمدا -صلى هللا الخطأ عن اإلسالمّ ،
فلقنوه أن املسيح عي�سى -عليه السالم -هو ابن هللا ،وأن
ّ ّ
وبحد السيف ،وإلى غير ذلك من عليه وسلم -ليس بنبي ،وأن اإلسالم انتشر بالعنف املفرط
ً
العلل التي تعانيها املسيحية نفسها فنسبتها إلى اإلسالم وهو منها براء ،مصداقا للمثل العربي
287 «رمتني بدائها وانسلت»!
ّ لكن مشيئة هللا الغالبة قلبت املوازين ً
رأسا على عقب من خالل آيات كريمة مترجمة اطلع عليها
بطل هذه القصة ،وحديث شريف وجد فيه ضالته فدخل اإلسالم حيث وجد أن املرء فيه ال يحتاج
إلى وسيط بينه وبين ربه وخالقه سبحانه وتعالى ،كما هو الحال في مسيحيته التي كان عليها.
إنه األديب الفرن�سي املعروف ،فانسان مونتيه ،الذي نشأ وترعرع في كنف النصرانية ،ونهل
حظا ًًّ
وافرا من تعاليمها املوجهة بشكل خاص ضد اإلسالم واملسلمين ..كانوا من ثقافتها ،ونال
دينا ،وأنه انتشر بالعنف املفرط وبحدّ ّ
يعلمون غيره من النصارى أن اإلسالم ليس ً ّ
يعلمونه كما
ّ
املسلحة التي ّ
يشنها املسيحيون في مختلف السيف! وتنا�سى هؤالء ضحايا الحروب والنزاعات
دين الفطرة
أرجاء العالم ،الذين بلغ عددهم خالل القرن املا�ضي وحده نحو 100مليون قتيل معظمهم من
املدنيين األبرياء! وتنا�سى هؤالء أن هذا السيف الذي ّ
يتحدثون عنه لم يرد في القرآن وال ّ
مرة
واحدة ،بينما جاء ذكره في «الكتاب َّ
املقدس» عندهم أكثر من ّ 350
مرة!
ً
وتنا�سى هؤالء أن دول مثل إندونيسيا التي يعيش فيها أكثر من 215مليون مسلم ،والهند التي
يعيش فيها أكثر من 227مليون مسلم ،وبنجالديش التي يعيش فيها أكثر من 155مليون مسلم،
ً
لم يدخلها جيش إسالمي إطالقا ،بينما يتضاعف عدد املسلمين في الدول األوروبية كل عشر
ُ
سنوات ،وأن ما يزيد على ثلث عدد املسلمين في الواليات املتحدة األمريكية اليوم كانوا مسيحيين
في األصل! فأين العنف والسيف أمام هذه الحقائق الدامغة؟!
انتشارا في العالم اليوم ،ويتقدم ّ
بقوة ال تدفعه إال مبادئه ً إن اإلسالم هو أكثر الديانات
وتعاليمه السمحة ..ومن بين عشرات اآلالف من املسيحيين الذين يعتنقون دين اإلسالم سنوياًّ
في الدول األوروبية وغيرها من بقاع العالم ،يأتي ضيفنا لهذه الحلقة األديب الفرن�سي املشهور
فانسان مونتيه ،الذي كان يشغل منصب أستاذ اللغة العربية والتاريخ اإلسالمي بجامعة باريس.
يحدثنا هذا الضيف االستثنائي عن تجربته في التحول من النصرانية إلى اإلسالم فيقول :لقد
ً ّ ّ
محمدا -صلى هللا عليه كانوا يعلمونني كما يعلمون غيري أن عي�سى إله ابن إله ،وكانوا يزعمون أن
وتفصيل ..ثم حدث أن وقع بين يدي ّ ً ّ
وسلم -ليس ًّ
-ألول مرة نبيا ،وبالتالي ينكرون اإلسالم جملة
في حياتي -ترجمة ملعاني القرآن الكريم ،واستوقفتني معاني كلماته ،مثل سورة اإلخالص:
َ َ ُ َّ ُ ُ َ َ َ ْ ََ ُ َْ َّ ُ َّ ُ ُ ُ َ َّ ُ َ َ ٌ
) ول ْم َيكن ل ُه كف ًوا أ َح ٌد)4( ق ْل هو اللـه أحد )1( اللـه الص َمد )2( ل ْم ي ِلد ول ْم يولد3(
ْ َ َ َّ َّ َ َ َ َّ َ َ َ ْ َ َ َ ْ َ َ ْ َّ
يل ِلخل ِق الل ِـه كما استوقفتني ترجمة قوله تعالىِ ( :فطرة الل ِـه ال ِتي فطر الناس عليها ل تب ِد
َ َ ّ ُ ْ َ ّ ُ َ َ َّ َ ْ َ َ َّ َ َ َ
اس ل َي ْعل ُمون) [اآلية 30من سورة الروم]. الدين الق ِيم ول ِـكن أكثر الن ِ ذ ِلك ِ
288
ّ ً
كما أنني قرأت حديثا لرسول هللا -صلى هللا عليه وسلم -شعرت تجاهه بأن اإلسالم هو دين
َ َ َ ُ َ
ول ُد َع َلى ْالف ْط َرةَ ،فأ َب َو ُاه ُي َه ّو َدانه أ ْو ُي َن ّ ْ ُ
ص َرا ِن ِه أ ْو ُي َم ِ ّج َسا ِن ِه)ِ ِ ِِ ِ ِ الفطرة بحق(َ :ما ِمن َ م ْول ٍ
ود ِ إالَّ ي
[صحيح البخاري].
ثم يستطرد فانسان مونتيه فيقول :لقد اخترت دين الفطرة ..وهو اإلسالم ،وكنت فيما م�ضى
ًّ
كاثوليكيا ..وفي الكاثوليكية أمور كثيرة لم أقتنع بها ،ولم أفهمها ،مثل كر�سي االعتراف؛ والوسيط
ً
لدى اإلله ،فضل عن اعتمادها على أسرار ،وقربان ،وغير ذلك من أمور لم أستطع اإليمان بها..
في حين أن دين اإلسالم بريء من هذا كله ،فيكفي املسلم أن يتوجه إلى ربه مباشرة دون وسيط،
ودون كر�سي اعتراف ،فيستجيب هللا دعاءه.
ثم ّ
يفند مزاعم أعداء اإلسالم وافتراءاتهم فيقول :إنهم يتهمون اإلسالم بالقسوة املفرطة ،مع
أن اإلسالم دين السالم والتسامح والعفو واملغفرة ..لقد تنا�سى هؤالء كل العقوبات النصرانية
فيما م�ضى ،التي أفرطت في القسوة ،والتعذيب الذي وصل إلى حد اإلحراق ،وفصل أجزاء
فضل عن كثرة حاالت اإلعدام ،وهو ما لم يشهده اإلسالم ً ً
أبدا في تاريخه! الجسد،
كما أنهم يتهمون اإلسالم بظاهرة ّ
الرق التي وجدت قبل اإلسالم وليس بعده ،بل حين انتشر
الرق واالستعباد ،بل إن ً
كثيرا من الكفارات للذنوب اإلسالم ّ
وطبقت تعاليمه كان يسعى إلى إلغاء ّ
التي يقدم عليها املرء هي تحرير الرقاب الذي ّ
عده اإلسالم ً
تقربا وطاعة هلل.
ّ
ورقيه، ويقول األديب الفرن�سي فانسان مونتيه :إن اإلسالم بعظمته وعمقه ،وبنقائه
وبتسامحه ودعوته لكرامة اإلنسان في كل زمان ومكان لن يستطيع أحد أن ينال منه ..ألن اإلسالم
في ذاته قوي ..وتعاليمه تدعو إلى القوة بعدم ارتكاب املعا�صي والذنوب التي تضعف القوة ،مثل
الزنى ،وشرب الخمر ،وأكل لحم الخنزير ،وغير ذلك مما يحرمه الدين الحنيف.
ويتابع القول :لقد اخترت اإلسالم ً
دينا ،ألقى به وجه ربي ألسباب شتى ،منها األسباب الدينية،
ً ً
تسامحا مدهشا، واألسباب األخالقية واالجتماعية والثقافية والعاطفية ..وقد رأيت في اإلسالم
واألخالق الرفيعة هدف كل مسلم ..كما رأيت ً
رفضا للرهبنة التي تجافي طبيعة اإلنسان البشرية،
فاإلسالم يحفظ لإلنسان إنسانيته ،ويدفعه إلى التمتع بالحياة وطيباتها ،ما لم تتعارض املتعة
مع تعاليم هللا تعالى.
ّ
وسلم -ومصداقيتها ،مثلما آمنت ً لقد آمنت برسالة ُم َّ
تماما بوحدانية هللا.. حمد -صلى هللا عليه
حمد -صلى حقا ..والقرآن الكريم موحى به من عند هللا وليس من تأليف ُم َّحمدا رسول هللا ًّ
إن ُم ً
ّ
هللا عليه وسلم -أو صنعه ...ورسالته السماوية ليست مقصورة على العرب ..وإنما هي للناس كافة.
289 لهذا اخترت اإلسالم ..من أجل أن أشعر بالراحة في رحابه وظالله ..نعم ،اعتنقت اإلسالم
ألشعر وأدرك أنني اعتنقت ً
دينا ال يفصل بين البدن والروح ،وبين النفس والجسد ...يكفيني أن
اإلسالم دين نقي ،يدفع إلى األخالق والتحلي بها ،وإلى الكرامة اإلنسانية والتمسك بها ،من أجل
ً
محمدا عبده ورسوله ..وعلى ذلك ألقى ربي. ذلك شهدت أن ال إله إال هللا ،وأن
هذا ما اختاره بطل قصتنا ..األديب الفرن�سي فانسان مونتيه ..هذا ما شهد به..
بم تشهد؟!! فماذا اخترت أنت؟! َ
وفي أمسية ليست ككل األمسيات كانت آيات قرآنية تنساب من مذياع وصلت إلى أذنيه ثم
انسابت في سالسة إلى تالفيف عقله وسويداء قلبه فقلبت حياته إلى النقيض! وأراد هللا سبحانه
وتعالى لهذا الرجل الهداية فأخرجه من ظلمات الشرك والضالل إلى نور التوحيد واإليمان..
فتحول إلى داعية إسالمي حاذق ال ّ
يشق له غبار. ّ
ّ
ـس واملبشر السابق إبراهيم خليل فيلوبوس الذي ُولد في الثالث عشر من يناير عام
إنه الق ّ
ّ
1919م في مدينة اإلسكندرية بجمهورية مصر العربية ،ونشأ نشأة نصرانية ،وتعلم في مدارس
اإلرسالية األمريكية ،وتصادف وصوله مرحلة (الثقافة) املدرسية مع اندالع الحرب العاملية
الثانية ،حيث تعرضت مدينة اإلسكندرية ألهوال قصف الطائرات الحربية ،فاضطر للهجرة
ّ
مع أسرته إلى أسيوط ،حيث استأنف في كليتها التعليم الداخلي ،وحصل على الدبلوم عام
تفتحت أمامه سبل العمل فالتحق بالقوات األمريكية من عام 1942م 1942م ،وسرعان ما ّ
حتى عام 1944م.
ّ
وتخرج فيها بعد أن أم�ضى ثالثة أعوام ،حيث كان على بكلية الالهوت عام 1945م، التحق ّ
الكلية أن يدرسوا خالل األشهر الثمانية األولى دراسات نظريةّ ،
فيقدم األستاذ الطالب في هذه ّ
املحاضرة على شكل نقاط رئيسية ،وعلى الطالب أن يكمل البحث من املكتبة .وبعد ذلك يدرس
مقدمات العهدين القديم والجديد ،والتفاسير والشروحات وتاريخ الكنيسة ،ثم تاريخ الطالب ّ
الحركة التنصيرية وعالقتها باملسلمين ،وهنا يبدأ تدريس القرآن الكريم واألحاديث النبوية،
ويتم التركيز بشكل خاص على الفرق التي انحرفت عن اإلسالم أمثال اإلسماعيلية والعلوية
291 والقاديانية والبهائية.
تؤسس على هذه الدراسات حوارات ّ
املنصرين املستقبلية كلية الالهوت كانت ّ
وفي الواقع فإن ّ
مع املسلمين ،وكيفية استخدام القرآن ملحاربة القرآن ،وكيفية استخدام النقاط السوداء في
تاريخ املسلمين ملحاربة اإلسالم! ولذلك تجد ّ
املنصرين يستخدمون اآليات القرآنية مبتورة تبتعد
كثيرا عن سياق النص ومعناه ،حيث يخدمون بهذه املغالطة أهدافهم التنصيرية وفتنة عوام ً
كلية الالهوت كتب مشهورة في هذا ّ
املنصرين وطالب ّ املسلمين وتشكيكهم في عقيدتهم .ولدى
املجالّ ،
أهمها كتاب (الهداية) وهو من 4أجزاء وكتاب (مصدر اإلسالم) ،إضافة إلى استعانتهم في
هذه ّ
الكلية بكتابات عمالء االستشراق من املسلمين.
الشعلة ّ
ّ
لقد نشأ بطل هذه القصة في الكنيسة وتبوأ مكانة مرموقة في سلم التبشير والدعوة إلى
النصرانية ،وكان ً
املقدسة
راعيا للكنيسة اإلنجيلية ،وحصل على شهادات رفيعة املستوى في علم الالهوت
ً
من جامعــة برنسـتون األمريكية ّأهلته ألن يكون أستاذا في العقائد والالهوت بكلية الالهوت
مهمته األساسية العمل ضد اإلسالم ،وتشويه صورته لدى العوام من الناس، اإلنجيلية ،وكانت ّ
ّ
ولذلك كان عليه أن يدرس القرآن الكريم عله يستخرج منه ما يعينه على أداء مهمته التبشيرية
على الوجه األكمل وتشكيك عوام املسلمين فيه.
إنه واحد من ماليين النصارى الذين أغمضوا أعينهم واتبعوا من دون تفكير ما وجدوا
عليه آباءهم من طقوس ومعتقدات ..نشأ في الكنيسة ،وترقى في مدارس الالهوت ،وتبوأ مكانة
مرموقة في سلم التنصير ،ولخص للنصارى عصارة فكره وتجربته الطويلة في الوعظ والتنصير
بين املسلمين في رسالته للماجستير بعنوان( :كيف ندمر اإلسالم باملسلمين)؟! في علم الالهوت
بارعا ال ّ
يشق له غبار ..وفي منظار (الناسوت) كان هو ابن الكنيسة متخصصا ً
ً كان هذا الرجل
اإلنجيلية األمريكية البار ..وألسباب القوة واملنعة والحماية املتوافرة له ،ما كان هذا الرجل
يقيم لعلماء األزهر الشريف أي وزن أو احترام! لكن انتفاضة الزيف لم تلبث فجأة أن خبت،
وضالالت التحريف اإلنجيلي انصدعت على غير ميعاد ،وانقشعت غشاوة الوهم ،وتفتحت
بصيرة الفطرة السليمة.
رأسا على عقب أو باألحرى أتى على إبراهيم فيلوبوس أمر لم يكن في الحسبان قلب حياته ً
سببا في اعتناقه اإلسالم .وهنا يتحدث «إبراهيم خليل أحمد» عن قصة عقبا على رأس ،حيث كان ً ً
ً
مذاعا باملذياع، دخوله اإلسالم فيقول« :في إحدى األمسيات من عام 1955م سمعت القرآن
ً َ َ ُ ْ ُ َ َ َّ َ َّ ُ ْ َ َ َ َ َ ٌ َ ْ ّ َ َ ُ َّ َ ْ َ ُ ْ ً
وحي ِإلي أنه استمع نفر ِمن ال ِج ِن فقالوا ِإنا س ِمعنا قرآنا عجبا ()1 وسمعت قوله تعالى :قل أ
َ َ َّ ُ َ َ َ َ ُّ َ ّ َ َ َّ َ َ َ َ ً َ َ ً َ َ َِ ْ ُ ْ َ َ ّ َ َ َ ُّ ْ َ َ َّ
احبة ول الرش ِد فآمنا ِب ِه ولن نش ِرك ِبر ِبنا أحدا ( )2وأنه تعالى جد ر ِبنا ما اتخذ ص ِ َي ْه ِدي ِإلى
املقدسة التي أضاءت ذهني وقلبي للبحث عن َو َل ًدا ( )3الجن .فكانت هذه اآليات بمنزلة الشعلة ّ
الحقيقة» ..وكان لهذا الرجل ميالد جديد ،انتقل بعده من دهاليز الضالل والزيف والتحريف، 292
يحدثنا القـس إبراهيم فيلـوبـوس ،فيقول :لقد ُدعيت للكالم في مؤتمر تبشيري ،فأطلت الكالم
في ترديد كل املطاعن املحفوظة ضد اإلسالم ،وبعد أن انتهيت من حديثي بدأت أسأل نف�سي :ملاذا
أقول هذا وأنا أعلم أنني كاذب؟! وأن هذا الذي أقوله ليس هو الحق! واستأذنت قبل انتهاء املؤتمر،
متأز ًما للغاية ،وفي البيت قضيت الليل مهزوزا من أعماقيّ ، ً متجها إلى بيتي ،وكنت فخرجت وحدي ً
َ ْ َْ َ َْ َ َ ْ ُ ْ َ ََ ً ّ
كله وحدي في املكتبة أقرأ القرآن ،ووقفت طويــل عنـد اآلية الكريمة( :لو أنزلنا هذا القرآن على
َ َ َ َ َ ْ َ ُ َ ً ُ َ َ ّ ً ْ َ ْ َ َّ َ ْ َ ْ َ ْ َ ُ َ ْ ُ َ َّ َ َّ َ َ َّ َ
اس ل َعل ُه ْم َيتفك ُرون) اشعا متص ِدعا ِمن خشي ِة الل ً ِه و ِتلك المثال نض ِربها ِللن ِ جب ٍل لرأيته خ ِ
َ َ َ َّ َ َ َّ َّ ّ
اس
الكريمة( :لت ِجد َّن أش َد ُالن ِ [اآلية 21من سورة الحشر] ..كما وقفت طويل أتأمل معنى اآلية
َّ َ َ َ َ ً َّ َ َ ُ ْ َ ُ َ َ َّ َ َ ْ َ ُ َ َ َ َ َّ َ ْ َ َ ُ ْ َ َ َّ ً َّ َ َ ُ
عداوة ِلل ِذين آمنوا اليهود وال ِذين أشركوا ولت ِجدن أقربهم مودة ِلل ِذين آمنوا ال ِذين قالوا ِإنا
َْ َ ً َ َ َ َ َ َ َ َ َ َّ ْ ُ ْ ّ
يسين َو ُر ْه َبانا َوأ َّن ُه ْم ل َي ْستك ِب ُرون) [اآلية 82من سورة املائدة] ..وفي
نصارى ذ ِلك ِبأن ِمنهم ِق ِس ِ
وقررت تلك الليلة وصلت إلى اليقين وتلمست الحقائق بيدي ،واتخذت قراري النهائي باإلسالمّ ،
االستقالة عن عملي كقسيس ،وسكرتير عام لإلرساليات األمريكية بأسوان..
قرر التحدث مع زوجته في هذا األمر ،لكن الحديث سرعان ما ّ
تسرب عن طريقها إلى اإلرسالية، ّ
وسرعان ما تلقفوه ونقلوه إلى املستشفى تحت مراقبة صارمة ،وتآمر عليه مجموعة من األطباء
ً ّ
النصارى ،وشخصوا حالته بأنه يعاني اختالل في العقل..
جدا ،ففرقوا بينه وبين زوجته وأوالده ،وصادروا وألربعة أشهر تلت عاش معاناة شديدة ًّ
مكتبته وكانت تضم ّأمات الكتب واملوسوعات ..حتى اسمه كعضو في مجمع أسيوط ،وفي مؤتمر
ُ
(سنودس) شطب ،وضاع ملفه كحامل ماجستير من كلية الالهوت ..ومن املفارقات العجيبة
أن اإلنجليز في تلك اآلونة كانوا قد خلعوا امللك طالل عن عرش األردن بتهمة الجنون ..فخ�شي
إبراهيم فيلـوبـوس أن يحدث معه األمر ذاته ..لذلك التزم الهدوء واملصابرة وصمد حتى تم إطالق
فقدم استقالته من الخدمة الدينية واتجه للعمل في شركة أمريكية لألدوات املكتبية..سراحهّ ،
جدا ،فالكنيسة ال تترك ً
أحدا من أبنائها يخرج عليها ويشهر لكن الرقابة هناك كانت صارمة ًّ
إسالمه ،إما أن يقتلوه وإما أن يحطموا حياته كلها ..وفي املقابل لم يكن املجتمع املسلم حينذاك
قادرا على مساعدة أحد.ً
ًّ
تجاريا هرع ولذلك كان عليه أن يكافح قدر استطاعته ،فبدأ العمل التجاري ،وأنشأ ً
مكتبا
بمجرد اكتماله لإلبراق إلى رئيس اإلرسالية األمريكية بمصر الجديدة ،وكان التاريخ هو
الخامس والعشرون من ديسمبر 1959م الذي يوافق «الكريسماس» ،وكان ّ
نص البرقية( :آمنت
ً
ورسول) ..فعل ذلك ثم قدم ً باهلل الواحد األحد ،وبمحمد ًّ
طلبا إلى املحافظة للبدء في نبيا
اإلجراءات الرسمية ..عقب إعالنه إلسالمه ّ
غير بطل قصتنا اسمه من «إبراهيم خليل فيلوبوس»
293
إلى «إبراهيم خليل أحمد».
وبإيعاز من الكنيسة ،قررت البيوتات األجنبية التي تتعامل في األدوات املكتبية عدم التعامل
كاتبا بإحدى الشركات فانخفض دخله الشهري معه ،ما اضطره إلى إغالق مكتبه التجاري ،ليعمل ً
جنيها فقط ..خالل هذه الظروف العصيبة أخذ ابراهيم يدرس السيرة النبوية جنيها إلى ً 15
من ً 80
سوءا حتى ّ
تم تعيينه في الشريفة التي وجد في دراستها نعم العزاء ولكن ظروفه املادية ازدادت ً
املجلس األعلى للشؤون اإلسالمية ،وذلك إثر محاضرة قدمها بعنوان« ،ملاذا أسلمت؟».
ّ
كان ملعرفة إبراهيم فيلـوبـوس العميقة لدين النصارى وكتبهم وأساليبهم التنصيرية املضللة،
الشعلة ّ
والصبغة التي اكتسبها من اإلسالم األثر الكبير في تميز نشاطه الدعوي ،وقوة تأثيره في األشخاص،
وتنوع إنتاجه املعرفي ،حيث ّ
املقدسة
جند نفسه للدعوة إلى دين اإلسالم ،وخالل مناظرة واحدة مفتوحة
جميعا ،وهؤالء كانوا سبب خير وهدايةً ً
قسيسا من السودان ،انتهت باعتناقهم اإلسالم مع 13
لغرب السودان ،حيث دخل اآلالف من الوثنيين والنصارى وغيرهم في دين هللا على أيديهم.
عندما شعرت الكنيسة بأن محاضراته التي ظل ّ
يقدمها في علم األديان املقارن بمساجد العديد
ّ
من املحافظات املصرية أدت إلى إسالم العديد من الشباب النصراني ،ألبت الجهات املسؤولة
تعرض لتطبيقضده ،فطلبت منه وزارتا األوقاف والداخلية الكف عن إلقاء محاضراته ،وإال ّ
قانون الوحدة الوطنيةً ،
متهما بالشغب وإثارة الفتن ..مع كل هذه الضغوط التي كانت تحاصره من
كل جهة وتحول بينه وبين ممارسة الدعوة اإلسالمية ّ
قرر الهجرة إلى اململكة العربية السعودية،
لكي يضع كل خبراته في خدمة كلية الدعوة وأصول الدين هناك ..وقام بتأليف العديد من الكتب
املهمة التي أبرزها «محمد في التوراة واإلنجيل والقرآن»« ،املستشرقون واملبشرون في العالم
العربي واإلسالمي» ،و«تاريخ بني إسرائيل».
سبحان هللا!! من كان يصدق أن إبراهيم خليل فيلوبوس أستاذ الالهوت بأسيوط ،الذي
ً كان يعمل ً
راعيا للكنيسة اإلنجيلية ،وأستاذا للعقائد والالهوت بكلية الالهوت بأسيوط حتى
ً
ومبشرا بين املسلمين سكرتيرا ًّ
عاما لإلرسالية األملانية السويسرية بأسوان، ً عام 1953م ،ثم
في العديد من املحافظات املصرية حتى عام 1955م ،من كان يصدق أن شخصية نصرانية بهذا
الحجم الثقيل ستعتنق الدين اإلسالمي وتصبح من أبرز املدافعين عنه في وجه موجات التنصير
التي انتظمت كل العالم اإلسالمي؟!
إنه جوزيف سلفادور كابري ..مواطن إسباني األصل أمريكي الجنسية عربي املالمح أندل�سي
الجذور ..ولد في الثالث والعشرين من شهر حزيران عام 1940م في مدينة برشلونة بإسبانيا
ألم رومية كاثوليكية ترجع أصولها ملدينة غرناطة عاصمة األندلس ،وأب علماني ال اهتمام له
باألديان ،فشب جوزيف ودواخله مفرغة من شفافية الروح متخمة بخواء الحياة املادية.
ظل جوزيف يدرس في مدينة برشلونة حتى بلوغه السابعة عشرة من عمره ..التحق حينذاك
بالجيش اإلسباني حيث أدى الخدمة العسكرية ..بعد انتهاء خدمته العسكرية التي قاربت العامين
بدأ جوزيف جولة في الدول األوروبية انتهت بفرنسا التي دخلها وهو في الرابعة والعشرين من
295 عمره ..رغب في دراسة االقتصاد والسياسة في السوربون بباريس ،إلى جانب اللغة السنسكريتية
القديمة ،وهي لغة هندية طقوسية للهندوسية ،والبوذية ،والجانية ..بيد أن الخواء الروحي
الذي عاشه في طفولته وصباه منعه من االنكباب على الدرس والتحصيل ..ما زاد حياته ً
بؤسا
وشقاء الفشل الذي اعترى زواجه من زوجته األولى األملانية الذي خرج منه مفطور الفؤاد فارغ
الوفاض كفؤاد أم مو�سى إال من ابنها مو�سى.
الخواء الروحي الذي ظل يعانيه جوزيف دفعه إلى ّ
التعرف إلى األديان كافة ،بعد أن عجزت
النصرانية عن دخول قلبه املفطور على النفور من كل ما هو باطل ..ساعدته إجادته للغة
السنسكريتية على االطالع على ديانات الشرق الفلسفية الكبرى خاصة الهندوسية والبوذية.
هل ستقتلني؟!
في أحد األيام وبينما كان جوزيف يسير في منطقة ريفية بالقرب من مدينة قندهار األفغانية،
لجأت إليه فتاة تلبس املالبس العربية وطلبت منه حمايتها من رجل أفغاني كان يطاردها وهو
ً ً
مدفعا رشاشا ..هدد الرجل املسلح جوزيف بالقتل إن لم يسلمه الفتاة ..هداه تفكيره إلى يحمل
التحايل على األفغاني ،فأخذ يحاوره ليقنعه بتركه هو والفتاة ..ثم فجأة وجد نفسه ينطق دون
أن يعي بقوله :هل ستقتلني يا أخي قبل أن أتعلم الصالة؟
ً
رمى األفغاني بندقيته واتجه إلى جوزيف وعانقه قائل« :يا أخي» ..ترك املسلح الفتاة وأعطاها
نقودا ،ثم اصطحب االثنين إلى مدينة قندهار حيث استضافهم بعض املسلمين. ً
أخذ ذلك الرجل يعلم جوزيف الوضوء والصالة وأركان اإلسالم ..وبرغم أن اإليمان لم
ً
مسلما مثلهم. يدخل قلب جوزيف بعد فإنه أخذ يصلي مع املسلمين الذين ظنوه
مثلت الحادثة األخيرة نقطة تحول كبيرة في حياة جوزيف ،فقد انبهر بكرم املسلمين
لعابري السبيل حتى لو كانوا مختلفين عنهم في العرق والدين ..ازداد رغبة في معرفة املزيد عن
اإلسالم ،فزار في طريقه العديد من املساجد ،والتقى أحد علماء املسلمين وأخبره عن رغبته في
تعلم الدين اإلسالمي ،فرحب به األخير ،واستضافه ورفيقه النصراني في داره لعدة أيام حتى
غادرا إلى الهور.
في أحد أيام عام 1969م وصل جوزيف ورفيقه إلى الهور والتقيا عالم االجتماع املسلم
الدكتور عبدالحميد الذي أرشدهما إلى مدرسة إسالمية هناك ..قابل االثنان مسؤولي املدرسة
وزعما أنهما مسلمان وطلبا تعلم اإلسالم ..أخبرهما املسؤولون بأن هذه املدرسة ال تعلم اإلسالم
ولكنها مكان لتطبيقه ..تأثر جوزيف ً
كثيرا بهذا القول الذي دفعه إلى اتخاذ قراره بدخول اإلسالم
فأعلن إسالمه ّ
وغير اسمه إلى يوسف.
مكث يوسف في تلك املدرسة قرابة الشهرين ،غادر بعدها الهور إلى الهند ثم عاد إليها ّ
مرة
مديرا ملخيم للشباب ،وهناك بدأأخرى ،ومنها انطلق إلى إيطاليا واستقر في فلورنسا حيث عمل ً
نشاطه في خدمة الدعوة اإلسالمية وقد أنعم هللا عليه بأن جعله سبحانه وتعالى ً
سببا في هداية
أستاذين جامعيين إيطاليين.
ق�ضى يوسف باملخيم فترة تقارب األربعة أشهر ،ثم غادر إيطاليا إلى أفغانستان ومنها انتقل
إلى الهند ثم عاد إلى باكستان مرة أخرى عبر روسيا ..وخالل فترة انتظاره للتأشيرة التي سيدخل
عبرها روسيا التقى فتاة سويدية تدعى كارين وتزوجها ،ثم انتقلت معه إلى إيطاليا ..عمل يوسف
في إيطاليا لفترة قصيرة قبل أن يتجه إلى باكستان ملواصلة الدراسة حيث ظل يتلقى دراسته على
يد الشيخ يوسف بيجنوري حتى عام 1972م.
وغيرت اسمها من «كارين» إلى «كريمة» ،وسافرت اعتنقت زوجة يوسف الجديدة اإلسالم ّ
معه إلى الواليات املتحدة األمريكية ،حيث أقاما هناك ،وقد رزقه هللا منها بولدين وبنت ،هذا
إضافة إلى مو�سى ابنه الوحيد من زوجته األولى ..كرس يوسف وكريمة حياتيهما لتنشئة أبنائهما
تنشئة إسالمية تحميهم من مفاسد املجتمع األمريكي.
لم يقتصر اهتمام يوسف على أوالده وإنما تجاوز ذلك ليصل إلى أفراد الجالية املسلمة في
297
جهودا مقدرة ونفذ أنشطة كثيرة لخدمة اإلسالم واملسلمين هناك ،منها ً أمريكا ،حيث بذل
إسهامه -بالتعاون مع بعض أفراد الجالية -في تأسيس مدرسة إسالمية تهدف إلى تعليم أبناء
الجالية اإلسالمية بأمريكا مبادئ دينهم وتنشئهم على عقيدة التوحيد ولتحقيق هذا اإلنجاز قام
يوسف بجولة مكوكية في بلدان الخليج لجمع التبرعات التي يحتاجها هذا الصرح العظيم حتى
ً
يصبح مؤهل الستيعاب أكبر قدر من املستهدفين.
ومن إنجازات يوسف ترجمته للعديد من الكتب اإلسالمية إلى اللغة اإلسبانية وهي ترجمات
مهمة استهدف عبرها املسلمين الناطقين بتلك اللغة حتى يتمكنوا من فهم واستيعاب كل ما يتعلق
بدينهم وتاريخهم اإلسالمي ،ومن الكتب التي قام يوسف بترجمتها كتاب عن األدعية اليومية يضم
هل ستقتلني؟!
ّ
نحو ثالثمئة دعاء مأثور عن النبي -صلى هللا عليه وسلم -وكتاب «قصص الصحابة» ومقاالت عن
«فضائل شهر رمضان املبارك» وكتاب «آللئ اإلسالم» الذي قام بتأليفه األديب اإلنجليزي إدجار
ً
آالن بو ،فضل عن السيرة النبوية الشريفة.
كبيرا في خدمة اإلسالم واملسلمين داخل املجتمع دورا ًلعب يوسف كابري وغيره من الدعاة ً
ًّ
روحيا ً ً
كبيرا ال تستطيع أي عقيدة أن تمأله سوى اإلسالم.. األمريكي الذي يعاني مواطنوه فراغا
ّ
ولشح اإلمكانات املادية أمام هذا العمل الكبير يحتاج األمر إلى توفير املزيد من التمويل فليتها لكن
تتحرك مؤسسات الدعوة اإلسالمية في كل دول العالم ملساندة جهود الدعاة في الغرب ليتمكنوا
من أن يحققوا لإلسالم االنتشار املطلوب الذي يليق بعظمته.
ً فنحن ننفق في متاع الحياة وزخرفها الزائل ما لو أنفقنا ً
جزءا بسيطا منه على الدعوة
اإلسالمية ملا كان هذا هو حال املسلمين وصورة اإلسالم في الغرب..
ً
عظيما ..وألننا ندرك مدى قوته ..ال نجد ما يدفعنا لخدمته والدفاع عنه!! نملك ً
دينا
نعم ..هو ال يحتاج إلينا ..فاهلل ناصره وناشره بين الناس ..بنا ودوننا..
ولكننا نحن من يحتاج إلى ذلك..
فعندما ننصر اإلسالم وندعم نشره نحن في واقع األمر نقدم خدمة ألنفسنا ..ال لإلسالم..
وأنت يا من تبحث عن مخلص!!
إنه هللا وحده من سيخلصك من أوزارك وأثقال شكوكك!!
لذا ..اسأل هللا الهداية ..فباهلل نهتدي إلى هللا.
298
299
كيف ال وهو دين العلم ..دين يعلي من قيم التفكير والتدبر والعقل؟!!
فعندما حاربت الكنيسة العلم والعلماء في أوروبا أبعدت الناس عن معرفة هللا تعالى فأصبحوا
يعيشون في ظلمات الجهل ..كان وقتها الكرادلة والقساوسة يفعلون ذلك بغرض تحقيق املكانة
االجتماعية املميزة والثراء الفاحش مستندين إلى جهل الناس ..إن هناك عالقة طردية مباشرة
ّ
بين تطور العلم ومعرفة هللا سبحانه وتعالى الذي يتجلى ألصحاب البصيرة النقية من خالل
صفحات كونه املنظور ..لذلك علماء غربيون كثر دخلوا اإلسالم نتيجة لهذه العالقة ،ومن بين
هؤالء الشابة البريطانية الدكتورة كريستين جاك هيلين بطلة هذه القصة..
إنها عاملة الذرة املعروفة التي دخلت اإلسالم نتيجة لتكامل فطرتها النقية مع عقلها العلمي
بوابة العلم
الواعي كتكامل مكونات الذرة من إلكترون ونترون وبروتون ..إن قصة الدكتورة كريستين
الباهرة تعد واحدة من قصص كثيرة تؤكد أن إعمال العقل مع الفطرة السليمة يمثالن أقصر
الطرق ملعرفة هللا تعالى ،ألن العالم يتعامل مع حقائق الحياة والكون بنظرة موضوعية ال
تحيز فيها وال انحراف.
ولدت كريستين جاك هيلين ألسرة نصرانية ذات مركز اجتماعي مرموق ووضع مادي ميسور
َّ
مكناها من أن تلحق ابنتها كريستين الصغيرة بأرقى املدارس البريطانية وأغالها.
ً
نسيجا وحدها في كل �شيء ..فكانت منذ نعومة أظفارها برزت كريستين كطفلة مميزة تعتبر
تختلف عن بقية أطفال بني جلدتها ..فهي تتمتع بالصفات الطيبة واألخالق الكريمة التي جاء بها
اإلسالم برغم أنها لم تسمع به من قبل ،ولكنها الفطرة السليمة أينما وجدت القيم اإلسالمية
النبيلة ..نعم ،كانت تكره الكذب والنفاق والزيف وكل الصفات الذميمة التي وجدتها شائعة بين
الكثيرين من أفراد قومها.
يسر لها السفر مع أسرتها إلى شبه القارة كافأ هللا تعالى هذه الطفلة الصغيرة النقية بأن َّ
عظيما اسمه اإلسالم ..أعجبتً عامليا الهندية حيث عرفت -وألول مرة في حياتها -أن هناك ً
دينا ًّ
كريستين باإلسالم وانبهرت بالترابط املدهش املتين الذي يجمع بين أفراده عامة وبين أفراد كل
أسرة مسلمة على وجه الخصوص ..لم تمنعها حداثة سنها وتواضع تجربتها في الحياة من أن تتأمل
وتطبعهم بعادات واحدة طيبة وانسجامهم وتشابههم في األحاسيس واملشاعر تماسك املسلمين ّ
املرهفة تجاه بعضهم ً
بعضا في السراء والضراء ..قارنت الطفلة كريستين واقع املسلمين في هذا
الجانب بواقع مجتمعها النصراني الذي يتسم باألنانية املفرطة وحب الذات وجفاف العواطف.
من ناحية ثانية ّ
شدها إلى املسلمين بقوة أداؤهم لصالة الجماعة باملسجد ..فقد انبهرت ً
كثيرا
وهي تشاهدهم يقفون في صفوف متراصة تحيط بها -في هيبة وجالل -قيم السكون والطمأنينة
والخشوع ..أحست في قرارة نفسها بأن هذه الطقوس مألوفة وليست غريبة عليها ،بل شعرت 300
بنفسها وكأنها تعرفها منذ صرخة ميالدها األولى ..بعفوية شديدة وتلقائية أشد وجدت نفسها
تنجذب إلى تعلم صالة املسلمين ،وتؤديها معهم وكأنها واحدة منهم ..كانت تشعر بنداء خفي
-تحسه دون أن تسمعه -يدعوها للتردد على املساجد التي تعلق بها قلبها في حنو دون أن تدري
السر الكامن وراء هذا التعلق املحبب العجيب.
في البدء لم يقلق الوالدان بميول كريستين إذ كانوا يعتبرونها مجرد هواية طفولة عشقتها
ابنتهم الصغيرة ولن تلبث أن تختفي لتحل محلها هواية جديدة تتسق مع سنها في مرحلة
عمرية الحقة.
الحقيقة خاب تقدير أسرة كريستين مليول ابنتهم املحببة ،ولم يكن األمر مجرد هواية عابرة،
بل كان أكبر من ذلك بكثير ،إذ ظل حبها لإلسالم يزداد في الحجم كلما كبرت في السن ..فعندما
أصبحت شابة يافعة تحول حبها إلى شغف محموم دفعها إلى البحث عن املعلومات واملعارف
ّ
كافة التي تمكنها من التعرف إلى تفاصيل هذا الدين القيم وتعاليمه ..وما أن بدأت رحلة بحثها
حتى تحول عامل السن كمتغير في العالقة الطردية بين حبها لإلسالم وعمرها إلى متغير آخر
هو عامل ّ
التعرف إلى اإلسالم ،إذ أصبح حبها لإلسالم يزداد كلما قرأت عنه حتى بدأت تالفيف
ً
فشيئا كاشفة وراءها نور الحق الظلمات التي كانت تحجب عنها طريق الهداية تنقشع ً
شيئا
املبين الذي أضاء بصيرتها فأيقنت أن اإلسالم هو الدين القويم الذي اختاره هللا سبحانه وتعالى
لعباده من بني البشر.
عندها فقط توصلت أسرة كريستين إلى قناعة ّ
تامة مفادها أن ميول ابنتها تجاه اإلسالم لم
تكن مجرد هواية عابرة تخمد بمرور السنين ،وإنما تحول األمر إلى عقيدة راسخة تتكسر دون
الصخور الصلبة وإيمان متين ال تزعزعه أعتى العواصف والزالزل ..خافت أسرة كريستين من
غريبا عليهم ً
وافدا من الشرق ال دينا ًأن تهجر ابنتهم الحبيبة دين اآلباء واألجداد ،وتستبدل به ً
يعلمون عنه سوى أنه دين أهل الصحراء الذين وصفتهم الكنيسة كما وصفهم املستشرقون
املغرضون بأنهم قوم بدائيون متخلفون ال يطبقون من القيم اإلنسانية إال نقيضها ..فكرت
األسرة املغلوب على أمرها حينذاك في أن تبعد ابنتها عن اإلسالم بتحايل ذكي ال تحس به
ً ً
ألبتة وذلك خوفا من أن يتملكها العناد فتزداد تمسكا بالدين الجديد ..ولتنفيذ خطتهم عرض
الوالدان على كريستين أن تحول مساق دراستها من الجانب االجتماعي اإلنساني إلى الجانب
العلمي البحت ..فعل الوالدان ذلك من منطلق أن دراسة العلوم الطبيعية البحتة ذات الطبيعة
املادية الجافة قد تبعد ابنتهما عن متابعة التعلق بالجانب الروحي لإلسالم ،ومن ثم يأمنا ّ
مغبة
تحولها عن النصرانية.
301 شعر الوالدان بقدر مهول من الراحة واالطمئنان حينما قبلت كريستين اقتراحهما ،بل
أحسا وكأنهما قد تخلصا من آالف األطنان من الركام الذي كان ً
جاثما على صدريهما ..ارتسمت
على وجهيهما ابتسامة كبيرة تنضح بالرضا ،بعد أن شعرا بأنهما استطاعا ً
أخيرا أن يبعدا ابنتهما
املحبوبة عن اإلسالم ..لم تعترض كريستين على اقتراح والديها ألنها كانت تحب العلم بعمق،
ً
فضل عن االتساق التام الذي وجدته بين طلبها للعلم وحبها لإلسالم الذي عرفت من خالل
قراءاتها عنه أنه يدعو إلى العلم ويحث عليه.
ولكن!! ..أتت رياح النور بما ال تشتهي سفن الظالم ..فقد حدث عكس ما توقع الوالدان بقدر
ما تعني هذه العبارة من معنى ،إذ إن كريستين زادت ً
قربا من اإلسالم بدراستها العلمية ،ألن
الدراسة العلمية التي تلقتها اختصرت لها طريق الهداية وساعدتها ً
بوابة العلم
وحينما خاب مسعى الوالدين في كبح جماح ابنتهما عبر سالح العلم الذي ارتد على نحريهما
قاما باستخدام أسلحة كثيرة بين الترغيب والترهيب ،ولكنها عجزت كلها عن إعادة قلب كريستين
املؤمن إلى ظلمات الجهل والضالل.
وكمحاولة أخيرة إلعادة ابنتهما إلى ديانة اآلباء واألجداد املحرفة ،حاول الوالدان استخدام
ً ًّ آخر طلقة تبقت معهما ،إذ أحضرا لها ً
نصرانيا ليتزوجها أمل في أن يكون زواجها منه حائط شابا
مرة أخرى إلى عقيدة النصارى ..لكن!! ..وكغير صد ً
منيعا يحول بين قلبها واإلسالم ويردها ّ
عادتها ،رفضت كريستين الشاب بشدة وسعت جاهدة إلى االرتباط بزوج مسلم يمثل لها صمام
أمان يحول بينها وبين الردة التي سعى أهلها لدفعها إليها بشتى السبل.
وحقق لها هللا تعالى ما أرادت فتزوجت من شاب هندي مسلم ،ثم أشهرت إسالمها بعد أن
مرت الشهور واألعوام وسارت بها سفينة اإليمان تمخر في غيرت اسمها إلى أمينة محمد كيرالّ ..ّ
ّ
سعادة عباب حياتها الروحية الجديدة مخلفة وراءها -دونما حسرة -حياة الرفاه املغموسة في
أسن املادة ..أنعم هللا عليها بثالثة ذكور أطلقت عليهم أسماء :محمد ،وعمر ،وعبدهللا ..وبمعاونة
من زوجها حرصت أمينة على تربية أوالدها الثالثة على قيم اإلسالم وتعاليمه ،حتى يشبوا أقوياء
وقد تسلحوا في حياتهم العلمية والعملية بسالح اإليمان.
إن قصة إسالم هذه العاملة تثبت أن العلم يختصر طريق العبد ملعرفة ربه ،ألن العالم يتعامل
تحيز فيها وال انحراف ،وبذلك فمن أراد أن يعرفمع حقائق الحياة والكون بنظرة موضوعية ال ّ
هللا تعالى حق املعرفة فعليه بالعلم ..وذلك على عكس النصرانية ّ
املحرفة التي تحارب العلم بشدة،
بينما يحث اإلسالم على العلم ويدعو إلى استخدام العقل ..فما من موضوع في القرآن الكريم إال 302
ّ
فيه دعوة إلى التفكر وإعمال العقل ..ومن بوابة العلم دخلت أعداد كبيرة من علماء الغرب في
دين هللا الحق ،منهم الدكتورة أمينة محمد كيرال عاملة الذرة املعروفة وبطلة هذه القصة..
ولد ستيف وترعرع في أحضان أسرة كاثوليكية ..فطرته السليمة كانت تدفعه في طفولته إلى
الجلوس تحت ظل شجرة كبيرة في مزرعة والده ،ليس لكي يلعب كما هو الحال مع نظرائه من
303
األطفال وإنما ليتأمل في خلق هللا سبحانه وتعالى ويتدبر في آياته الكونية الباهرة ويتساءل عن
حقيقة هللا الذي خلق فسوى ،ويتمنى من كل قلبه أن يصبح في كبره من عباده املخلصين.
عندما وصل الصف الدرا�سي الثامن توفيت جدته ..وأثناء توجهه لحضور جنازتها تعرض
لحادثة سيارة أصابته بضرر بالغ في رأسه نتج منه انقطاع اإلحساس في النصف األيسر من
ً
جسده ،فضل عن فقدانه حاسة السمع في أذنه اليمنى ..تسببت تلك الحادثة في تغيير شامل في
ً
مخلصا كنصراني كاثوليكي آنذاك. حياة ستيف إذ نذر حينها أن يهب كل حياته ً
عابدا
حرمت تلك الحادثة بطل قصتنا من ممارسة األنشطة الرياضية لكنها أفادته في توظيف
بارقة أمل
معظم أوقات حياته في القراءة والدرس ..ولتحقيق نذره قرر ستيف في البدء االلتحاق بالكنيسة
كراهب ..وعندما علم أن الكنيسة في حاجة إلى أطباء ثابر في الحصول على درجة علمية في الكيمياء
وعلم النفس تؤهله لدخول كلية الطب.
لتحقيق هدفه املرحلي املتمثل في دخول كلية الطب اجتهد ستيف في عامه األول ،بل أحرز
ً
املركز األول على زمالئه ..شغفه بالفلسفة والالهوت سيطر على تفكيره حتى أصبح أقل ميل إلى
دراسة الطب ،لكن تم ترشيحه لدراسة هذا العلم فشعر بأن األمر هو تخطيط من هللا.
ً
متنازعا بين دراسة العلوم الطبية ،واالطالع على كتب الفلسفة ،والالهوت أصبح وقته
ً
والصالة والتعبد في الكنيسة ،فضل عن خدمة الكنيسة املحلية ..لكنه سرعان ما بدأ يشعر
بامللل واالكتئاب ،وبالكره الشديد للدراسة ..الفطرة السليمة التي كانت تالزمه في طفولته بدأت
تستيقظ في داخله وترفده بالكثير من الشكوك حول حقيقة ما كان يؤمن به طوال سنوات عمره.
الصراع النف�سي الرهيب بين شكوكه في النصرانية والتزامه بها دفعه إلى أن يدفن نفسه
في عالم الخمر واملخدرات ع�سى غيبوبتيهما تتكرمان عليه بالنسيان ..بيد أنه فشل في مسعاه
وتحولت حياته إلى جحيم دفعه إلى ترك دراسة الطب ..أبلغ الكنيسة برغبته في التفرغ للرهبنة
والفلسفة علهما يسهمان في تعميق إيمانه الذي شعر به يهتز ويضعف.
ق�ضى ستيف عامين كاملين في أبرشية تابعة للكنيسة كمعلم دين إلى جانب تطوعه بالخدمة
ً
في السجون ،فضل عن مواصلته في دراسة الالهوت والفلسفة ..كان يأمل أن يفيده كل ذلك في
استرجاع إيمان بدأ يفقده ..لكنه ظل يعيش حياة متناقضة ومقسمة بين انقطاع للعبادة ً
نهارا،
وغرق في بحور الخمر واملخدرات طوال الليل.
حدثت نقطة تحول كبرى في حياة ستيف حينما طلبت منه الكنيسة أن يحدد املدرسة
الالهوتية التي يرغب في التعلم بها ..سافر حينها إلى أوروبا ثم تنقل بين تورنتو التي نال فيها درجة
304
في الفلسفة ،وجامعة إنديانا التي نال فيها درجة في الفلسفة والدراسات الدينية والتربية ..وفي هذه
قمته ..لم يعد يؤمن بما يدرسه بل كفر بكل ما املحطة األخيرة -أي جامعة إنديانا -بلغ من الشك ّ
ً
ظل يمارسه طوال حياته من طقوس تعبدية ..وعلى الرغم من كل ذلك كان متفوقا في دراسته
بدرجة ّأهلته للحصول على شهادات زمالة ومنح أكاديمية في جامعات أخرى ..وكان كلما ازداد
ً
تفوقا في حياته األكاديمية تنامت شكوكه وازداد شعوره باحتقاره لذاته.
مقدمات ظهرت في حياته بارقة أمل جديدة الحت له وسط ضباب التشتت فجأة وبال ّ
وعواصف الضياع ..تمثلت بارقة األمل في شاب عربي مسلم من إمارة أبوظبي يدعى إسماعيل
حسان سعيد دخل حياته بتدبير من هللا تعالى ..التقى ستيف هذا الشاب العربي املسلم ،الذي
شرح له بعض حقائق اإلسالم ما جعله يفكر في زيارة املسجد في يومه التالي ..وقدر للصديقين أن
يزورا دنفر وكولورادو في إجازة ،األمر الذي قاد إلى توطد أواصر الصداقة بينهما ،حتى تشاركا
السكن ..الحظ ستيف أن صديقه املسلم يؤدي صلواته الخمس في أوقاتها بانتظام ،كما الحظ
ً
أنه يداوم على قراءة القرآن الكريم ..فضل عن ذلك رأى فيه القدوة الحسنة ..كان ستيف ال
يفتأ يشاهد إسماعيل وهو ينتهي من أداء نسكه حتى يبادره بسؤال عن اإلسالم وملا كان األخير
على علم بأصول الدعوة ،لم يدعه مباشرة إلى الدخول في الدين اإلسالمي إذ كان يكتفي باإلجابة
على قدر السؤال .ومن خالل صديقه املسلم ظل ستيف يتعرف في كل يوم إلى �شيء جديد من
الدين اإلسالمي الحقيقي ،ما جعل الصورة السلبية املزيفة التي غرستها الكنيسة في ذهنه عن
اإلسالم تبهت وتتغير ً
يوما بعد يوم.
بحلول عام 1981م التحق ستيف بدورة دراسية عن اإلسالم نظمها أحد املستشرقين ..وبعد
مرور ثالثة أشهر من تلك الدورة أعطاه صديقه ً
كتابا لألحاديث القدسية ..وما أن بدأ ستيف في
قراءة الكتاب حتى شعر برعشة شديدة تسري في جسده ،وببرودة أشد تسري في أوصاله وصلت
حدا جعلت صديقه املسلم يغطيه باألغطية الثقيلة ،ولكن محال أن تزيل هذه األغطية برودة ًّ
ّ
روحه التي تتطلع إلى دفء الحياة الحقيقي املتمثل في اإليمان باإلله الحق الواحد األحد.
وما أن دخل شهر نوفمبر من عام 1981م حتى تأكد لستيف أنه توصل إلى ما ق�ضى عمره يبحث
عنه ،وأنه قد ولد من جديد ،فخرج الكفر من حياته دفعة واحدة فنطق بالشهادتين ً
معلنا دخوله
اإلسالم بإيمان قوي لم تقلل من قوته وعنفوانه اللغة العربية الضعيفة التي خرجت من شفتيه
اللتين كانتا ترتجفان من الفرح وعينيه اللتين كانتا تنهمران بالدمع.
ونختتم هذه القصة باإلشارة إلى التحول الجذري الذي آلت إليه حياة ستيف عقب دخوله
ّ
اإلسالم فقد هجر املخدرات والخمر ،وسخر نفسه لخدمة الدعوة اإلسالمية في الواليات
املتحدة األمريكية ..ويحرص على القدوة الحسنة كأسلوب فعال من أساليب الدعوة ألنها هي التي
305
أسهمت في هدايته إلى اإلسالم عبر صديقه العربي املسلم ،وألنه كان يعلم علم اليقين أن الشباب
األمريكي يمكنه أن يعتنق اإلسالم إن وجد القدوة التي تقدم له اإلسالم في جوهره الحقيقي
النقي ،حيث يقول املثل األمريكي« :ال تقل لي ولكن أرني» ..وإلى جانب عمله الدعوي ظل ستيف
ً
يمارس حياته الوظيفية أستاذا في جامعة إنديانا ،حيث يفخر طالبه وزمالؤه بأخالقه اإلسالمية
وسلوكه السوي الذي يؤهله لكي يكون قدوة إسالمية يحتذى بها..
سلوك يدعو إلى اإلسالم بال كلمة واحدة ..بل مثال وقدوة..
نقيا ًّ
تقيا.. لذا ..أسلموا واكتسبوا ألنفسكم قبل غيركم ..نمط حياة ً
راقيا ًّ
املصدر)4( :
إياك أن تسأل!
إغالق الباب ..يفتح كل باب!
املتسائلون ..الحائرون ..ال يملون من البحث عن الحقيقة..
العجيب أن من يغلق أمامهم باب السؤال ..يفتح لهم أبواب الخروج!
وال يغلق باب السؤال إال من افتقر إلى اإلجابة!!
هنا ..تكمن عظمة اإلسالم..
بطل قصتنا أغلقوا أمامه باب السؤال ففتحوا له باب اإلسالم!!
يا له من قدر سعيد..
املرة مهندس معماري أملاني الجنسية نصراني العقيدة حباه هللا بعقل راجحبطل قصتنا هذه ّ
وفطرة سليمة أخرجاه من ظلمات الشرك إلى نور اإلسالم ..إنه املهندس املعماري األملاني لوثر
306
أسكوار أو أحمد عبدهللا عبدالواحد اسمه الجديد عقب إسالمه.
ً
مواظبا على الذهاب إلى الكنيسة الكاثوليكية ً
متدينا ..فقد كان منذ صغره شب لوثر أسكوار
في أملانيا ..ولكن ما أن كبر ونضج عقله حتى دخل املنطقة املحظورة في املسيحية ،أي مناقشة
مبادئ الدين املسيحي التي تنضح بتناقضات وبنقاط مسكوت عنها شديدة الغموض ..ذهب ً
يوما
إلى رجال الكنيسة ،وبدأ يناقشهم في مسائل جوهرية تعتبر من صميم الدين املسيحي ..طرح
عددا من األسئلة التي ظلت تؤرقه منذ أن نضج تفكيره ،وطلب منهم إجابات شافية عنها عليهم ً
ّ ّ
يغص علها تريحه من ضغوط نفسية رهيبة ظل يعانيها نتيجة للتناقضات غير املنطقية التي
بها الدين املسيحي.
تفاجأ املهندس لوثر بشدة حينما ثار القساوسة في وجهه وطردوه من الكنيسة بعد أن اتهموه
بالكفر واإللحاد ..ومنذ تلك الحادثة وضعت الكنيسة بطل قصتنا في القائمة السوداء وهددته
بالويل والثبور اللذين ينتظرانه إن عاد إليهم مرة أخرى بهرطقته غير املقبولة.
ّ
للتحكم في عقول النصارى هي أنه ال تسأل ُ
فتطرد أو تعترض القاعدة التي تعمل بها الكنيسة
ًّ
حرفيا كل ما يلقنه لك رجال تماما ّ
وتطبق فتهلك! عليك أن تغمض عين بصيرتك وتلغي عقلك ً
الكنيسة ،وإياك إياك أن تسأل! العديد من املسائل الجوهرية في العقيدة النصرانية املحرفة
ليست للفهم ،وحتى تؤمن بها عليك أن تحتقر عقلك وتضعه تحت أقدام رجال الكنيسة أو تقذف
به في مزبلة الخرافة والدجل!
أحس لوثر بالضياع وشعر بانقباض شديد يكتم أنفاسه تجاه الكنيسة ..تنهد بعمق وتساءل
في حيرة عن كيفية اهتدائه إلى الحق في ظل ديانة متزمتة تضع ً
قيودا محكمة على العقل والعلم
والفكر ..بل عقيدة محرفة ذات مبادئ عقيمة ال تتسق مع املنطق السليم وال تحتمل املناقشة.
عندما يئس لوثر أسكوار من أي عون يمكن أن يأتيه من الكنيسة قرر أن يعتمد على نفسه،
يتأمل الحقائق الثابتة من حوله التي ال تقبل الجدل والشك ،فوجد أنه بحاجة فانفرد بنفسه ّ
ماسة إلى التزود من املعرفة ،فقد كانت لديه رغبة ملحة تدفعه إلى االطالع والقراءة ،فعكف على
ً
دراسة األديان جميعها ،بحثا عن ديانة يجد فيها اإلجابات الشافية ألسئلته ..ركز أكثر في دراساته
على الدين اإلسالمي الذي وجد فيه ضالته املنشودة بعد أن أحس تحت مظلته بمعاني األمان
والطمأنينة والسكينة ..الحقيقة انبهر لوثر ببساطة اإلسالم كما أعجب بسمو أحكامه وسمو
ّ ّ ً
مبادئه ،فضل عن تسامحه الرفيع الذي ال يوجد في دين آخر سواه ،حيث يتجلى ذلك كله من
خالل كتابه العظيم ..القرآن الكريم.
ّ
وجد بطل قصتنا نفسه يحلق في فلك نوراني شفيف عندما بدأ قراءة معاني القرآن الكريم
307 ّ
وسلم -حينما ّ
تعمق بقراءة سيرته ..وهنا يقول وأعجب بشدة بشخصية محمد -صلى هللا عليه
لوثر وقد بلغ قمة التأثر:
«نعم ..إنه قرآن عظيم ..كتاب املسلمين ...ال يأتيه الباطل من بين يديه وال من خلفه ..فأنا لن
ً
وإيمانا وسكينة أن�سى تلك الراحة التي غمرت كياني ،وهزت أعطافي ،وانسكبت على روحي ً
رضا
عندما قرأت بعض آياته الكريمة ..وحينما تعمقت في قراءة سيرة النبي محمد -صلى هللا عليه
ّ
وسلم -ودرستها بعناية ،هالتني الجوانب اإلنسانية في حياته ،خاصة تلك البساطة وذلك التواضع
الحبيب إلى النفوس ..والحب للخير في أجلى معانيه ،وغير ذلك من املثل الكريمة التي اتصف بها
عليه الصالة والسالم».
إياك أن تسأل!
مدفوعا بقوة خارقة إلى هدى اإلسالم ذلك الدين العظيم ً ومن هنا وجد لوثر أسكوار نفسه
الذي ال يفرق بين أحد إال بالتقوى التي جعلها أساس التفاضل في امليزان بين البشر.
َْ ُ َْ َ ُ َ َ ُّ َ َّ ُ َّ َ َ ْ َ ُ ْ ْ َ َ َ ُ ْ َ َ َ َ ْ َ ُ ْ ُ ُ ً َ
وبا َوق َبا ِئ َل ِلت َع َارفوا ِإ َّن أك َر َمك ْم ِعنديا أيها الناس ِإنا خلقناكم ِمن ذك ٍر وأنثى وجعلناكم شع
َّ َ ْ َ ُ ْ َّ َّ َ َ ٌ َ
يم خ ِب ٌير ( )13الحجرات الل ِه أتقاكم ِإن الله ع ِل
ثم عاد لوثر أسكوار يتابع قوله عن اإلسالم بإعجاب :لقد أعجبني في اإلسالم ما تحلى به من
صفات جليلة دعا إليها القرآن الكريم:
َّ
اس َوالل ُه ُي ِح ُّب
َّ َ ْ َْ َ َ ْ َ َ َ َ َْ َ َّ َّ َّ َ ُ ْ ُ َ
ال ِذين ين ِفقون ِفي الس َّر ِاء والض َّر ِاء والك ِ
اظ ِمين الغيظ والعا ِفين ع ِن الن ِ
َ ُْ
ال ْح ِس ِنين ( )134آل عمران
ما وجده املهندس املعماري األملاني لوثر أسكوار في كل من القرآن الكريم والسنة النبوية
املطهرة دفعاه بشدة نحو اإلسالم الذي انساب نوره إلى شغاف قلبه فقرر دونما تردد أن يعتنق
دين اإلنسانية والخير والكمال ،فنطق بالشهادتين وأطلق على نفسه اسم أحمد عبدهللا الواحد
فنعم االسم لنعم الرجل..
الرجل الذي ما قبل ً
يوما أن يكون بال روح ..بال فطرة نقية..
رفض قهر فطرته السليمة التي تشتاق وتبحث عن خالقها..
غال ونفيس في سبيل الحفاظ على فطرته والوصول إلى الحق.. ّ
ضحى بكل ٍ
فكان الحق أغلى وأنفس..
وأنت ..ال تركن إلى ما حولك من ضالل ..وأنقذ فطرتك الطاهرة..
308
هذه الفطرة ال يملكها لوثر أسكوار وحده!!
تملكها أنت ً
أيضا..
الفطرة هي املفتاح الذي ّ
يحرك هللا به قلوب عباده وأنت واحد منهم..
إلها ً
واحدا ال شريك له.. خلقك هللا وفطرك على اإليمان به ً
وصف اإلسالم للخمر بأنها «أم الكبائر» أو «أم الخبائث» لقى هوى في نفس بطل قصتنا؛ إذ
عقل وال ً ً ً وجد فيه ً
روحا إال وفتك بهما ،وما وصفا صادقا لهذا املشروب الضار الذي ما ترك
غ�شى أسرة إال وهدمها بل ما تف�شى في مجتمع إال وخربه ..نتيجة لهذا الوصف البليغ أعجب
ً
الدكتور آرثر كين ..باإلسالم وازداد إقبال على تصفح نسخة مترجمة ملعاني القرآن الكريم بدأ
أم الخبائث
عبرها يتحقق في آيات كتاب هللا الكريم ،ويتدبر أحكامها ومعانيها ..تمنى آنذاك لو كان يعرف اللغة
العربية حتى يستطيع قراءة القرآن الكريم بلغته األم األصلية التي أنزل بها على النبي محمد -صلى
ّ
هللا عليه وسلم.-
وفي مقالة نشرتها مجلة «حضارة اإلسالم» املصرية في شعبان 1383هـ املوافق يناير 1963م
ً
بعنوان «ملاذا أسلمت؟» يروي الدكتور آرثر كين قصة إسالمه قائل:
ً ً
«أخيرا خرجت بنتيجة مهمة ووصلت إلى الحقيقة ،التي ظللت أبحث عنها طويل ،وهي أنني
مسلما ،لذا اتجهت نحو الشريعة اإلسالمية أقرأ كل ما كتب عنها ً سأعتنق اإلسالم وأكون
باإلنجليزية ،فقرأت القرآن الكريم مرتين في تأن وروية ،وقرأت ً
كتبا كثيرة في الفقه اإلسالمي ٍ
والدراسات اإلسالمية ،وانتهيت في يقين إلى أن الدين اإلسالمي هو دين العقل واملنطق ،وهو دين
الدنيا واآلخرة ،وهو ً
أيضا دين املادة والروح».
أنعم هللا تعالى على الدكتور كين بفطرة سليمة ساندت عقله املتفتح في رحلة إيمانية صعبة
مقصدها البحث عن الحقيقة في بلد ال يربطه باإلسالم سوى العداء املستحكم الذي ّ
يكنه له
أهله ..لم يجد كين أمامه من مفر سوى التمترس وراء عزلة اختيارية وفرت له ً
وقتا ً
ثمينا وظفه
في البحث عن الحقيقة.
وبعد رحلة طويلة من البحث والتق�صي في سر الوجود ،استندت إلى دراساته السابقة لألديان
والفلسفة وعلم النفس ،وصل الدكتور كين إلى قناعة تامة مفادها أن اإلسالم هو أقرب األديان
إلى هللا تعالى ،وإلى النفس اإلنسانية ،حيث وجده يختلف عن بقية األديان في تكامل شريعته التي
توازن بين الروح واملادة ..بعد حولين كاملين من التردد حسم الدكتور آرثر كين أمره واتخذ
ً
خطوته األولى التي يرويها بنفسه قائل:
«في عام 1961م أعلنت إسالمي أمام الشيخ محمد داوود في مدينة نيويورك وأخذت من
310
املركز اإلسالمي في واشنطن كل ما أرغب في قراءته من كتب الفقه والشريعة اإلسالمية ،ولكنني
أحسست أن إسالمي لن يكتمل إال بزيارة بعض األقطار اإلسالمية والعيش فيها فترة من الزمن
بين إخواني املسلمين ،فاخترت القاهرة تلك املنارة اإلسالمية التي يتطلع إليها أبناء اإلسالم في شتى
أنحاء العالم ،وهكذا أتيحت لي الفرصة املأمولة فزرت الجامع األزهر ورددت في إيمان وإخالص،
وفي صدق ويقين الركن األول من اإلسالم وهو الشهادتين».
عقب إسالمه أطلق الدكتور كين على نفسه اسم «علي عمر كين» ،وأصبح يوزع وقته بين
قراءة معاني القرآن الكريم مترجمة إلى اللغة اإلنجليزية وتعلم اللغة العربية حتى يتمكن من
قراءة أصول دينه من مصادرها األمينة األصلية البعيدة عن التحريف.
بعد فترة ليست بالطويلة بانت وتكشفت لبطل هذه القصة أشياء كثيرة عن اإلسالم وأركان
لم تدر بخلده ألبتة :عند أدائه للصالة شعر بأن السجود ومالمسة جبهة املسلم لألرض تعني
جل جالله ،وأن الجميع ً -
حكاما تأكيد املساواة بين بني البشر ،إذ إن كل الناس ً
عبيدا للخالق ّ
ً
ومحكومين -يعفرون جباههم بالسجود على األرض اعترافا بهذه العبودية الحقة ..ورأى في
ً ً ً الصوم ً
وتقربا صادقا إلى هللا رب العاملين.. وتساميا بها عن الصغائر كبحا لشهوات نفس اإلنسان
ً
ووجد في الزكاة سبيل أمثل لتحقيق املجتمع العادل الخالي من الجوعى واملحرومين ..ففيها يجد
حقا ًّ
ربانيا في مال الغني ،بينما يجد األخير في ذلك فرصة لتنمية ماله وتطهيره بالزكاة الفقير أن له ًّ
فيؤدي هذه الشعيرة برضا وطمأنينة ال تحدهما حدود.
تغيرت شخصية الدكتور كين ً
تماما عقب إسالمه ،إذ صار أكثر روحانية وشفافية ،وقد
قال في ذلك« :لقد أصبح اإلسالم بعد ذلك ً
جزءا ال يتجزأ من حياتي ،أتنسم تعاليمه كل يوم،
علي هناء وسعادة ،إني أحس بتحول غريب طرأ على وأحس بروحانيته تسري في كياني وتسبغ ّ
نف�سي وفكري».
شعر الدكتور كين بقدر كبير من السعادة ال تحده حدود عقب دخوله اإلسالم وإن كانت
تؤرق فكره رغبته الطموح في تعلم اللغة العربية في أسرع وقت ممكن حتى يتمكن من قراءة كالم
عز ّ
وجل باللغة التي أنزل بها ..ولتعميم رغبته طلب من الدعاة العاملين في البلدان الناطقة هللا ّ
بغير اللغة العربية أال يقتصر عملهم على شرح مبادئ الدين والشريعة للمسلمين ،وإنما ينبغي
لهم فتح فصول لتعليم اللغة العربية ملن ال يعرفها منهم وتدريسها لهم حتى يتمكنوا من قراءة
القرآن الكريم بلغته األصلية.
فسبحان من جعل أم الخبائث التي أهلكت الكثيرين ً
سببا في إحياء نفس طال مواتها وإخراجها
من ظلمات الكفر إلى نور اإليمان!!
311
إنها رحمة هللا التي غشيت الدكتور آرثر كين فأحالته إلى علي مكين..
الرحمة التي تقود اإلنسان دون أن يدري إلى اإليمان باهلل ..إلى السعادة والسكينة ..إلى الجنة..
يضع أمامك نقاط الضوء فتسير خلفها ..تتبع مساراتها ..تدخل في ما يحبه هللا لك من دين
الفطرة السليمة ..دين األنبياء كافة ..اإلسالم..
فمثلها مثل الكثير من النصارى أصحاب الفطرة السليمة لم تجد في عقيدتها املحرفة ما ينشده
الباحثون من الطمأنينة والسكينة ..قررت اإللحاد عندما اكتشفت أنها تعتنق ً
دينا ال يتوافق مع
ّ
منطق العقل وال يتسق مع مسلمات نفسها املتعطشة للحق ..وملا لم تجد راحة النفس في اإللحاد
أخذت تبحث في الكثير من األديان حتى وجدت ضالتها املنشودة في اإلسالم..
عالقا بذاكرتها أرسلت مافيز بمقال إلى إحدى الصحف املحلية كانت وفي يوم مشهود يظل ً
تنتقد فيه تأليه املسيح كما ورد في اإلنجيل .وعقب نشر الصحيفة للمقال ،التقط رأس الخيط
شاب قارئ مسلم واتصل على الفور بكاتبة املقال ،فكانت تلك نقطة البداية في دراستها لإلسالم.
عقب ذلك جمعتها مع القارئ املسلم جلسات نقاش عديدة انتهت بأن أقنعها بصحة ما جاء
به اإلسالم ،بل وصلت إلى قناعة تامة مفادها أن ما جاءت به أرقى الحكومات في أواخر القرن
العشرين من تشريعات ال يرقى ملستوى التشريعات التي جاء بها اإلسالم منذ ما يزيد على
أربعة عشر ً
قرنا.
بدأت خطوتها األولى في طريق الهداية بقراءة القرآن ..صعب عليها استيعابه في بادئ األمر
رويدا ً
رويدا حتى تعلقت به بوله ،بل أصبح ً
جزءا منها بيد أنها وجدته يصل إلى سويداء القلب ً
ال تقدر على مفارقته ولو للحظات ..في تلك املرحلة من حياتها كانت تتساءل باستمرار وفي بالها
تأليه النصارى للسيد املسيح« :كيف يعقل أن يأتي هذا الهدي الكامل لإلنسانية بطريق البشر
ّ ً
محمدا -صلى هللا عليه وسلم -فوق البشر؟!». املتصفين بالنقص في حين لم يقل املسلمون قط أن
لكي تكتسب املزيد من املعلومات عن اإلسالم تعرفت مافيز إلى عدد من املسلمين ،كما قابلت
بعض السيدات اإلنجليزيات الالتي اعتنقن اإلسالم والالتي بذلن أق�صى ما يستطعنه ملعاونتها
وإلطالعها على املزيد من املعلومات عن الدين اإلسالمي.
بدأت تشغلها آنذاك أسئلة كثيرة ..بيد أنها كانت تجد اإلجابات الشافية لكل أسئلتها في القرآن
ً الكريم الذي وجدته ً
كتابا شامل فيه تبيان لكل �شيء..
َ َ ْ َ َ ْ َ ُ ُ ّ ُ َّ َ ً َ َ ْ ْ ْ َ ْ ُ ْ َ ْ َ َ َ ً َ ُ َ َ ْ َ َ
يدا َعلى َهؤل ِء َون َّزلنا َعل ْي َك ويوم نبعث ِفي ك ِل أم ٍة ش ِهيدا علي ِهم ِمن أنف ِس ِهم و ِجئنا ِبك ش ِه
َ ْ ً ْ ْ َ َ
اب ت ْب َي ًانا ل ُك ّل َ
313 �ش ْي ٍء َو ُه ًدى َو َر ْح َمة َو ُبش َرى ِلل ُم ْس ِل ِمين ( )89النحل ِ ِ ال ِكت ِ
امللحة التي كانت تراودها سؤال عجيب مفاده :ملاذا ال ينزل الوحي على رسول في ومن األسئلة ّ
القرن العشرين؟! وملاذا انقطعت رساالت هللا إلى البشرية منذ قرون عديدة؟! وكالعادة وجدت
ّ ً
محمدا -صلى هللا عليه وسلم -هو خاتم في القرآن الكريم إجابة مقنعة لهذا السؤال مفادها أن
األنبياء واملرسلين ،وأن رسالته صالحة لكل زمان ومكان حتى قيام الساعة..
ْ َ ُ ْ َ َ ْ َ ُ َ َّ َ َ َ َ َّ ّ َ َ َ َ َّ
الل ُه ب ُك ّل َ َ َ َ َ
�ش ْي ٍء ِ ِ َما كان ُم َح َّم ٌد أ َبا أ َح ٍد ِمن ِرج ِالكم ول ِكن رسول الل ِه وخاتم الن ِب ِيين وكان
يما ( )40األحزاب َع ِل ً
اإلجابات الشافية
أيضا إلى تأثرها بالظلم الذي يتعرض له اإلسالم من قبل الغربيين فيماتشير بطلة قصتنا ً
يتعلق بإباحة اإلسالم لتعدد الزوجات وتقول إنها اقتنعت بالحكمة من التعدد ألنها تتم في الحدود
عالجا ً
ناجعا ملا يجري الضيقة املقررة ،وعندما تدعو إليه ضرورات الحياة ،بل يمكن له أن يكون ً
اآلن في الغرب من العالقات السرية الكثيرة بين الجنسين..
وتدافع كذلك عن هذا التعدد بحجة أنه ّ
يحصن النساء غير املتزوجات خاصة في فترة الحروب
التي تزيد فيها أعداد النساء على أعداد الرجال ..وفي هذا الجانب تذكر أنها ما زالت تذكر ذلك
البرنامج اإلذاعي «سيدي العزيز» الذي سمعت فيه ً
يوما فتاة إنجليزية نصرانية تطالب بتشريع
يبيح تعدد الزوجات حيث قالت إنها تفضل العيش كزوجة أخرى على أن تظل ً
عانسا.
ً
تدريجيا إلى الحق الذي جاءت به تعاليم اإلسالم، وهكذا بدأت نفس السيدة مافيز تطمئن
ًّ
فطرحت كل العواطف األخرى التي كانت تشدها شدا إلى الطريق املضاد ،فأعلنت إيمانها
تامة ،وبعد تفكير عميق ودراسة واعية مستفيضة تواصلت لقرابة واعتناقها اإلسالم عن قناعة ّ
عامين وليس عن عاطفة خاطفة مؤقتة يمكن لها أن تزول في أي لحظة..
314
عامان من عمر اإلنسان ..بل من حياته الحقيقية ..ال يساويان ً
شيئا..
«اآلخرة هي الحيوان لو كانوا يعلمون» ..اآلخرة هي الحياة الحقيقية..
فكيف يبيع البعض الخلود في النعيم ..بعرض زائل في دنيا فانية؟!!..
خذ من قصة مافيز عبرة توفر بها سعيك وعناءك..
فما وصل الباحثون قبلك ..وما أكثرهم ..إلى �شيء سوى اإلسالم!!..
ولن تجد أنت سوى اإلسالم ..دين هللا الحق..
اسأل هللا الهداية ..فباهلل نهتدي إلى هللا.
غمرت رحمة هللا تعالى بطل قصتنا فأحالته من قسيس متزمت يدعو للمسيحية ويعادي
315
اإلسالم واملسلمين إلى داعية إسالمي صادق يدعو لإلسالم دون أن يعادي معتنقي الديانات
األخرى ..إنه القسيس ألم ولدقرقس ً
سابقا الداعية اإلسالمي اآلن «عبدهللا إبراهيم» ندعوكم
للتعرف إلى قصة إسالمه.
التناقضات الكثيرة التي ترزح تحت نيرها الديانة النصرانية دفعت بطل قصتنا إلى الشك في
تحتم عليه تقديم مواعظ دينية نصرانية لم يكن وظيفته كقسيس ،إذ وجد أن طبيعة عمله ّ
ً ً
مقتنعا بها ،األمر الذي يجعله يعاني ضغوطا نفسية رهيبة ..وما دفعه أكثر إلى التشكيك في هو
املسيحية الرواية التي وردت في القرآن الكريم عن السيد املسيح -عليه السالم -مقارنة بالروايات
ً
املتناقضة للمذاهب املسيحية ،فضل عن احترام اإلسالم لهذا النبي الكريم.
اإلنجيل العتيق
ً
قسيسا في الكنيسة ولد «ألم ولدقرقس» في إثيوبيا ولكنه يحمل الجنسية اإلريترية ،وكان
ّ
متعص ًبا للمسيحية ،يقوم بالتنصير في عدد من الدول األفريقية ،وفي لحظة تاريخية الكاثوليكية
ّ ًّ
فارقة في حياة هذا القسيس حدث له أمر مهم جدا جعله يتحول من النصرانية املحرفة إلى
اإلسالم دين الحق ..فيا ترى ما هو هذا الحدث؟! يروي ذلك بنفسه ويقول« :وجدت نسخة
قديمة من اإلنجيل في الكنيسة اإلثيوبية كتب فيها« :ويأتي رسول من بعدي اسمه أحمد فاتبعوه»!
تاما بين تلك النسخة العتيقة من اإلنجيل وما يقوله القساوسة، ً
تناقضا ًّ الحظ عبد هللا إبراهيم
وهذا ما دفعه إلى البحث في األمر والتعمق في دراسة القرآن الكريم.
العجيب أنه وجد في القرآن الكريم النص نفسه على لسان املسيح -عليه السالم:-
ْ َ َ ّ َ ُ ُ َّ َ ْ ُ ْ ُ َ ً َ َ َ َوإ ْذ َق َ
ص ِّدقا ِلا َب ْين َيد َّي ي�سى ْاب ُن َم ْر َي َم َيا َب ِني ِإسرا ِئيل ِإ ِني رسول الل ِه ِإليكم م
ال ع َ
ِ ِ
َ ْ ُ ُ َ ْ َ ُ َ َ َّ َ َ ُ ْ ْ َ ّ َ َ ُ الت ْو َراة َو ُم َب ّش ًرا ب َر ُسول َي ْأتي م ْن َب ْ
َ َّ
ات قالوا َهذا ن ي
ِ ِ ِ ب ال ب م ه اءج ا م ل ف د م ح أ ه م اس يدِ ع ٍ ِ ِ ِ ِ ِ ِمن
ٌ
ِسحر م ِبين ( )6الصف ُ ٌ ْ
قاده بحثه في القرآن واإلسالم إلى الوصول إلى قناعة تامة مفادها أنه يقف أمام دين عظيم
تماما بأنه آخر الرساالت السماوية وأنقاها من الشوائب واألخطاء ،وأسماها في املعانياقتنع ً
ً
مضحيا بالكثير واملقاصد الدنيوية واآلخروية ..كل ذلك دفعه إلى اعتناق اإلسالم عن قناعة ّ
تامة،
من املكاسب املادية الدنيوية الزائلة التي تمنحها له الكنيسة كقسيس ،مثل السكن املؤثث،
ً
والسيارة الفاخرة ،وجواز السفر األممي ،فضل عن الراتب الضخم.
عقب اعتناقه اإلسالم تعرض الداعية عبدهللا إبراهيم إلى مضايقات كثيرة من بني جنسه
لم يكترث لها ألبتة ،بل ظل يعيش حياة طيبة مطمئنة مملوءة بالسعادة يمارس فيها كل قواعد
الشريعة اإلسالمية السمحة ..وقد ازدادت سعادته عندما تزوج امرأة مسلمة.
316
تحدث الداعية «عبدهللا إبراهيم» عن العديد من امليزات الفريدة التي يتمتع بها اإلسالم والتي
املحرفة واألديان األخرى ،ومن بين هذه امليزات متفردا يختلف عن النصرانية ًّ جعلت منه ً
دينا
دعوته للمساواة بين بني البشر ،حيث جعل ميزة التفاضل تقتصر فقط على التقوى ،كما أشار
إلى عظمة القرآن الكريم الذي حفظه هللا تعالى من التحريف.
اهتم الداعية عبدهللا إبراهيم ً
كثيرا بالدعوة اإلسالمية حيث أسلم على يديه أكثر من أربعين
نصرانيا ،وقد وظف في ذلك خبرته بالدين املسيحي وهو يتوقع دخول املزيد من النصارى إلىًّ
اإلسالم ..من ناحية ثانية دعا عبدهللا إبراهيم املسلمين إلى ضرورة اهتمامهم بإخوانهم الجدد
والوقوف معهم ومساندتهم حتى يصبحوا محصنين وقادرين على حماية أنفسهم من الدعاية
ً
املضادة التي يستخدمها أعداء اإلسالم أمل في إرجاعهم عن دينهم الكريم إلى ضاللهم القديم.
ويصرح الداعية عبدهللا إبراهيم بأنه متفائل بمستقبل اإلسالم في أفريقيا حيث يقول في ذلك:
«إن مستقبل اإلسالم في القارة السوداء بخير ،برغم النقص الواضح في الدعاة وعدم دعم بعض
الحكومات اإلسالمية لهذه الدعوة ،فاإلسالم بخير برغم الفرق الواضح في الجهود املبذولة
في تنصير املسلمين ،وما يبذل من مال من أجل ذلك ،غير أن الداخلين إلى اإلسالم هم األكثر..
ً
انتشارا ..ومن وبرغم استغالل منظمات التنصير للمجاعة الشائعة في أفريقيا فإن اإلسالم يزداد
هنا فنحن نريد ونطمع من جميع املسلمين في أنحاء العالم أن يتكاتفوا متعاونين في دعم دعوة
ً
خصوصا أن انتشار اإلسالم أفضل وأسرع إذا اإلسالم وتبليغها لغيرهم ممن ال يدينون بها،
وجد الدعاة املخلصين».
ونختتم هذه القصة بنصيحة ذهبية تستند إلى خبرة قسيس سابق وجهها للدعاة الذين
يعملون على نشر اإلسالم في أوساط املجتمعات النصرانية حيث يرى أن املناظرات بين علماء
الدين اإلسالمي والقساوسة تمثل أداة قوية يمكن لها أن تخدم اإلسالم بصورة فاعلة ،خاصة
ً إذا كان املناظر املسلم ًّ
ملما بكل من الدين اإلسالمي وعقيدة املسيحيين ،فضل عن كونه يتمتع
بمهارات تجعل منه شخصية جذابة ومقنعة تمتلك املقدرة على إظهار صالح اإلسالم وفساد
العقائد األخرى..
ً
أفواجا.. بذلك ينتشر اإلسالم في أفريقيا ويدخل الناس في دين هللا
الجنان..
ونسهم في إنقاذ الناس من النيران ..وفوزهم بروضات ِ
ففي الناس خير وفطرة طاهرة عالها الغبار وال تحتاج إلى أكثر ممن ينفضه!!..
أدعوك إلى نفضه من فوق صفحة قلبك الطاهر..
317
اسأل هللا الهداية ..فباهلل نهتدي إلى هللا.
فأهل االقتصاد في الدول الغربية ُيعتبرون من أقوى جماعات الضغط التي تحرك رجال 318
السياسة وبالتالي تهدد اإلسالم وتقف حائط صد أمام زحفه الحضاري..
إذا كان األمر كذلك تخيل كيف يكون وقع خبر اعتناق أحد أشهر رجال االقتصاد في نفوس
من يستخدمون االقتصاد وأهله ملحاربة اإلسالم؟!!
املرة نتناول قصة إسالم العالم االقتصادي «كريستوفر شامونت» ..ومن أهم في هذه ّ
األسباب التي كانت تقف وراء إسالمه شكوكه في مسائل كثيرة تزخر بها النصرانية من بينها
تفسيرا ً
مقنعا إال في القرآن ً مسألة «التثليث» التي كانت تؤرق مضجعه منذ طفولته ولم يجد لها
ً
حنيفا يخاطب العقل والتفكير املنطقي قبل الكريم فقرر اعتناق اإلسالم باعتباره ً
دينا ً
قيما
القلب وامليول العاطفية.
مقتنعا بعملية «التثليث» على الرغم من ّ
تعصبه الذي عرف ً يقول بطل قصتنا إنه لم يكن
به للنصرانية دين آبائه وأجداده ..وعندما أرهقته وساوس الشك والحيرة بدأ يبحث عن أصل
مسألة «التثليث» في القرآن الكريم لعله يجد اإلجابة الشافية.
وبالفعل بدأ كريستوفر يقرأ القرآن الكريم بعمق ،وقد ساعدته قراءته على فهم ماهية
ّ
اإلسالم وعظمته ،كما مكنته من التوصل إلى قدرته الفائقة على إقناع عقل اإلنسان عبر الخطاب
العلمي املوضوعي ..عثر كريستوفر على ما كان يبحث عنه بشأن عملية «التثليث» حينما وجد أن
واحدا فقط هو الذي يستحق العبادة والطاعة ،هذا ً القرآن الكريم يتحدث عن أن هناك ً
إلها
ً
فضل عن وصفه للسيد املسيح بأنه رسول هللا ،وأنه بشر ممن خلق..
ُ ْ َ َ َ ُ ُ َ َ َّ َّ ْ َ َّ َّ َ ْ َ ُ َ َ ْ َ ْ َ َ َ ُْ
ي�سى ْاب ُن َم ْر َي َم
يح ع َ
اب ل َ تغلوا ِفي ِدي ِنكم ول تقولوا على الل ِه ِإل الحق ِإنما ال ِس ِ ل ال ِك َت ِ يا أه
ْ َ َ ْ ٌ َ َ َ ُ ُ َ َ َ ُ ُ َ َّ ُ َ ُ ْ ٌ ُ َ َ َ َ َ َ َ ْ ُ ُ َ َ َّ َر ُس ُ
ول الل ِه وك ِلمته ألقاها ِإلى م ْريم وروح ِمنه ف ِآمنوا ِبالل ِه ورس ِل ِه ول تقولوا ثلثة انت ُهوا خي ًرا
َّ ََ َْْ ون َل ُه َو َل ٌد َل ُه َما في ََّ ُ ْ َّ َ َّ ُ َ ٌ َ ٌ ُ ْ َ َ ُ َ ْ َ ُ َ
ض َوكفى ِبالل ِه الس َم َاو َ َ
ات وما ِفي الر ِ ِ ِ احد سبحانه أن يك لكم ِإنما الله ِإله و ِ
ً
َو ِكيل ( )171النساء
إن أعجب ما في الديانة النصرانية ّ
املحرفة ألوهية املسيح والثالوث األقدس! عقيدة التثليث
ُ
الرومان ،وباعتراف الكنيسة نفسها ،عقيدة ال ت َ ّ
الوثنيين ُّ ّ
فهم بالعقل البشري ِ املستمدة من أفكار
َ ٌ مهما بلغ من العبقرية والذكاء! فاآلب واالبن والروح القدس ٌ
ذات واحدة ،ثم هم ثالث ذوات في
آن واحد! ال تسأل كيف ،وال تشغل بالك بفهمها؛ ألنها ليست للفهم! وخارجة عن حدود عقلك
املحدود! برغم أن من اخترعها بشر مثلك! فقط عليك إلغاء عقلك واإليمان بها كما هي من
دون أي نقاش!
مرة واحدة في أي كتاب من إن لفظ «ثالوث» لم يرد على لسان املسيح -عليه السالم -وال ّ
319
كتب النصارى! فكيف يهمل املسيح -عليه السالم -هذا الثالوث األقدس وهو بهذه األهمية لدى
النصارى؟! كل ذلك يؤكد أن الثالوث أو التثليث من الخرافات التي أقحمتها الكنيسة في الديانة
النصرانية بعد قرون من املسيح -عليه السالم .-وبذلك كان هذا الثالوث العجيب ً
سببا في إسالم
ّ ّ
وتجرد قاده تفكيره إلى هجر العديد من النصارى ،فكل من فكر في حقيقة هذا الثالوث بصدق
النصرانية والبحث عن عقيدة أخرى!
وللحصول على املزيد من فهم اإلسالم واستيعابه بدأ «كريستوفر شامونت» يقرأ معاني
القرآن الكريم املترجمة إلى اللغة اإلنجليزية ..لقد وجد صعوبة كبيرة في بادئ األمر في الفهم بيد
أنه استطاع إدراك بعض اآليات ذات املعاني الواضحة.
التثليث العجيب
إلى جانب معاني القرآن املترجمة بدأ كريستوفر يطلع على بعض الكتب التي تتحدث عن
اإلسالم وهي كتب مترجمة ً
أيضا إلى اإلنجليزية كان قد حصل عليها خالل فترة عمله باململكة
العربية السعودية تلك الفترة الخصبة من حياته التي اختلط فيها بمسلمين ينتمون إلى جنسيات
مختلفة دارت بينه وبينهم مناقشات ثرية أسهمت ً
كثيرا في إثراء معرفته باإلسالم ،أما قراءته
للقرآن املترجم التي سبق ذكرها فقد أكدت له البون الشاسع بين اإلسالم والنصرانية في الخطاب
املباشر بين هللا سبحانه وتعالى وعباده عبر رسله املكرمين ،وهنا يقول كريستوفر شامونت:
«كل ما قرأته في القرآن الكريم كان يعلق بذهني طوال الوقت ..فاهلل سبحانه وتعالى يخاطب
عباده مباشرة دون أي وساطة ،عكس الكتاب املقدس ،فالكالم فيه ً
دائما على لسان الرسل».
ويشير كريستوفر إلى أنه قرأ ست سور من القرآن الكريم بدأها بسورة البقرة وظل يعيد
حرصا منه على فهمها بعمق ،ألنها تشمل مفهوم اإلسالم ..وهيً مراتقراءة تلك السور لعدة ّ
قراءات استوعب عبرها مدى عظمة هللا سبحانه وتعالى ومدى الرحمة املطلقة التي ال يملكها
عز ّ
وجل ..فهو يغفر لعباده كل ذنوبهم طاملا لجأوا إليه مباشرة طالبين التوبة واملغفرة، غيره ّ
دونما حاجة إلى وسيط من البشر أو من الرسل.
ويذكر كريستوفر شامونت أنه فهم عظمة الخالق من خالل التدبر والتأمل في آياته الكونية
أجل النعم بل نصح غيره من املسلمين باملحافظة على تلك النعم التي املنظورة التي تعتبر من ّ
ِ
أنعم هللا تعالى بها عليهم إذا قال« :من مبادئ اإلسالم العظيمة دعوة اإلنسان إلى عدم اإليذاء أو
اإلضرار بأحد ولو كان ً
جمادا».
ويشير «كريستوفر شامونت» إلى حقيقة مهمة مفادها أن التمسك بتعاليم اإلسالم يعني تطور
املسلمين وبلوغهم أق�صى درجات التقدم والرقي بدليل أن املسلمين األوائل كانوا أول من سلك
طريق الحضارة والتقدم العلمي بشقيه الطبيعي واالجتماعي ..بل صنعوا عوملة فريدة من نوعها
320
ال تعتمد على إقصاء الحضارات األخرى بقدر ما تعتمد على أخذ الصالح من تلك الحضارات
وهضمه من منطلق أن الحكمة ضالة املؤمن.
بعد قناعات راسخة تلت دراسة عميقة لإلسالم اعتنق البروفيسور «كريستوفر شامونت»
ّ اإلسالم وأطلق على نفسه اسم «أحمد» ً
تيمنا باسم رسول اإلسالم -صلى هللا عليه وسلم ،-الذي
ورد اسمه في القرآن الكريم على لسان السيد املسيح َ(و ُم َب ّش ًرا ب َر ُسول َي ْأتي من َب ْعدي ْ
اس ُم ُه ِ ٍ ِ ِ ِ ِ َ
أ ْح َم ُد) الصف.6 :
ثم بلور البروفيسور «أحمد شامونت» نظرته لإلسالم فقال« :إن اإلسالم هو الدين الذي
يخاطب عقل اإلنسان ...ويضع يده على بداية الطريق ليحقق السعادة في الدنيا واآلخرة...
هذه حقيقة ،فلقد وجدت في اإلسالم ،ما كنت أبحث عنه ...وأي مشكلة يواجهها اإلنسان يجد
حلها في القرآن الكريم».
واختتم البروفيسور «أحمد شامونت» حديثه بأنه يتمنى من كل قلبه أن يتعلم اللغة العربية،
حتى يستطيع أن يقرأ القرآن الكريم بسهولة ويسر وحتى يستوعب معانيه بصورة أعمق،
قادرا على تحقيق التواصل الحميم مع إخوته من املسلمين ..وفي املقابل ّ
يعبر عن أمله ويصبح ً
في أن تتوافر في العالم كتب وصحف دينية تتحدث عن اإلسالم باللغة اإلنجليزية ً
بعيدا عن
كتابات املستشرقين املغرضة..
ً
وهكذا ربح االقتصاد العالمي عال ـا اهتدى إلى الحقيقة املطلقة..
ًّ
اقتصاديا حقق الشهرة بعلمه فأدخله هللا تعالى اإلسالم بفضله.. وربح العالم اإلسالمي
هكذا ..ربح أحمد شامونت نفسه..
وهذا هو األهم بالنسبة إليه..
فمن عرف هللا ..ربح نفسه ..فاز بخير الدنيا واآلخرة..
بمفهوم االقتصاد والربح األخروي األبدي..
ال الربح الدنيوي ألهل االقتصاد املادي!!..
اسألوا هللا الربح الحقيقي..
اسألوا هللا الهداية ..فباهلل نهتدي إلى هللا.
321
لو أنتج فيلم مثل هذا وعرض قبل بضع سنوات على أكثر الناس سذاجة ملا اقتنعوا به ..
اآلن وبعد إسالم بطل قصتنا هذه فاألمر يختلف ً
تماما!
في مدينة مرغالن التاريخية بجمهورية أوزبكستان عاش بطل قصتنا إبراهيم بن إسماعيل
حدث آخر قبل بضع سنوات بأن بوالت يعتزم دخول أحدا في هذه املدينة ّ
بوالت ..ولو أن ً
اإلسالم ،لسخر منه ،ألن هذا الرجل كان أحد أبرز حاخامات يهود املدينة ،وأحد املتعمقين في
ّ
دراسة الديانة اليهودية ،وأحد مدر�سي شباب اليهود الذين تعلموا منه أسس ديانتهم اليهودية
وطقوسها ،ولكنها إرادة هللا التي شاءت أن تنقذ روح هذا الرجل ،وتهديه إلى طريق الحق عبر
322
رحلة إيمانية طويلة.
كغيرها من مدن جمهورية أوزبكستانّ ،
قدر ملرغالن أن ترزح تحت وطأة الحكم الشيوعي الذي
أدخلها برغم أنفها وأنف أهلها في عام 1917م ضمن منظومة ما كان يعرف باتحاد الجمهوريات
السوفيتية الذي تأسس نتيجة لالنقالب الشيوعي على حكم القياصرة.
لقد ذاق املسلمون الويل والثبور تحت حكم القياصرة ،بحكم تعصب هؤالء األخيرين
للنصرانية ،وبسبب عدائهم السافر لإلسالم والناتج من تنافسهم السابق مع الخالفة العثمانية
على زعامة البلقان ..بيد أن ما ذاقه أهل هذه الدولة اإلسالمية على أيدي الشيوعيين يجعل من
حياتهم السابقة في ظل الحكم القيصري نزهة لطيفة تدخل البهجة والفرح في القلوب ..فالنظام
حول اإلسالم في الجمهوريات التابعة لالتحاد السوفيتي إلى ديانة تمارس في السر؛ إذالشيوعي ّ
حرم املسلمين من الحصول على الحد األدنى من الحقوق التي يمكن أن يتمتع بها أي مواطن في
أي دولة ..بل هدم هذا النظام معظم املساجد ،ومنع الجهر باألذان بدعوى أن «الدين أفيون
الشعوب» ..واألمر املحزن أن تطبيق هذا املبدأ اقتصر فقط على املسلمين ،بينما أتاح لغيرهم من
ً
هامشا ً
كبيرا من الحرية. أصحاب الديانات األخرى
ووسط هذا الجو املكفهر الذي ّ
كبل حرية املسلمين ،عاش إبراهيم بوالت ،حيث أتيحت له
-كيهودي -حرية كبيرة لم يتح عشرها ألي مسلم ..ما جعله يتوصل إلى خطأ املقولة التي تزعم أن
ّ
الشيوعيين نكلوا باليهود ،إذ إن الشيوعية هي ربيبة للصهيونية.
أعجب إبراهيم بمعاصريه من املسلمين الذين حافظوا على عقيدتهم وممارسة طقوس
سرا دون أن يهابوا املوت ،ودون أن تشوش على هويتهم األسماء السوفيتية التي أجبروا دينهم ًّ
ّ
التسمي بها. على
إن املجتمع الذي عاش وسطه إبراهيم بوالت أتاح له فرصة التعرف إلى املسلمين عن قرب،
وبالتالي الحظ االختالف الجوهري في األخالق بين اليهودي واملسلم ،األمر الذي جعله يبدأ رحلته
مع اإليمان في مرحلة باكرة من عمره ..وبالتحديد منذ أن كان في الثالثة عشرة من عمره ..ففي
تلك السن الغضة ،كان غير قادر على استيعاب الكثير من تعاليم الديانة اليهودية التي تم تلقينها
له من قبل أسرته وحاخامات اليهود ..ومن ضمن ما لقن له منذ نعومة أظفاره مقولة إن اليهود
هم «شعب هللا املختار» وما عداهم من البشر خلقوا فقط لخدمة اليهود ..شواهد مرئية كثيرة
أقنعته بعدم صحة هذه املقولة.
لقد الحظ بوالت من جهة أن بني جلدته من اليهود يكذبون بقدر ما يتنفسون الهواء ويستحلون
مال بعضهم ً
بعضا ومال غيرهم ويتعاملون بالربا الذي نهت عنه التوراة ،ويعتبرون استغاللهم
323
لغير بني جنسهم عبادة دينية ..بينما من جهة أخرى الحظ أن املسلمين ال يستحلون مال أحد ،وال
ينظرون إلى غيرهم من أصحاب الديانات األخرى نظرة احتقار ،كما الحظ أن بينهم ّ
مودة ورحمة
لم يجدها عند غيرهم ..كل هذا جعله يحترم املسلمين ّ
ويحبهم ويكره اليهود ويحتقرهم.
من أهم األسباب التي جعلت بوالت يشكك في صحة العقيدة اليهودية وسالمتها ،النظرة
االستعالئية التي اعتاد اليهود أن ينظروا بها إلى غيرهم من البشر ،وتقوقعهم االجتماعي على
ً بعضهم ً
بعضا ..فضل عما كان يسمعه من أصدقائه من املسلمين في حديثهم عن تحريف التوراة،
محرف ّزوره األحبار الذين ساءهم خروج النبوة من
وعن حقيقة أن الكتاب املقدس الحالي كتاب ّ
بيت يعقوب -عليه السالم -إلى بني ّ
عمه من أوالد إسماعيل بن إبراهيم -عليهما السالم.-
الحاخام اليهودي
عندما الحظت أسرة بوالت أن ابنها بدأ يشكك في عقيدة آبائه قررت إلحاقه بدراسات يهودية
ً
حاخاما ..لكن غلبت إرادة هللا تعالى على إرادتهم وانقلب السحر على الساحر؛ إذ إن حتى يصير
دراسة إبراهيم بوالت املتعمقة في شؤون العقيدة اليهودية جعلته يعمل عقله وبالتالي يدحض
الكثير من خرافات بني إسرائيل الذين ّ
حرفوا العقيدة اليهودية وحادوا بها عن طريقها املستقيم
الذي كانت عليه ،ومالوا بها مع الهوى ،فهم ّيدعون التوحيد ،وفي الوقت نفسه يزعمون أن
العزيز ابن هللاّ ،
ويدعون عبادة هللا ،وفي الوقت نفسه يصفونه بأوصاف ال تليق به -تعالى هللا عما
يقولون ًّ
علوا ً
كبيرا.-
ً
ولكن برغم شكوكه الكثيرة ظل بوالت متمسكا باليهودية ،فتزوج من يهودية ،وأنجب منها
أوالدا ..ساعده استقرار حياته عقب زواجه على التركيز في دراساته ..وبعد دراسات متعمقة ً
انتهى إلى نتيجة واضحة مفادها أن اليهودية بصورتها املحرفة بعيدة كل البعد عن أن تحقق له
ًّ
نفسيا أو تقدم له إجابات منطقية عن األسئلة العقدية امللحاحة التي كانت تزلزل ً
استقرارا
مر بذاكرته شريط من الصور ألصدقائه من املسلمين الذين كانوا يتمتعون بالطمأنينة كيانهّ ..
والسكينة على الرغم من عيشهم في ظل ظروف قاسية من القهر واالضطهاد والتنكيل التي كان
يسومهم بها الشيوعيون في ظل حكمهم املريع ..تمنى لحظتها من كل قلبه لو كان ً
واحدا من أولئك
املسلمين حتى يتمتع مثلهم بحياة السكينة واالطمئنان واالستقرار النف�سي والروحي ..بيد أن
حرصه على متاع الدنيا وخوفه من غضب طائفته وأسرته كانا سببين جعاله غير قادر على نبذ
العقيدة اليهودية واعتناق العقيدة اإلسالمية على الرغم من كرهه لألولى وحبه للثانية.
متنازعا بين العقيدتين ،قرر أن يعقد موازنة بينهما ،ثم ً أمام صراع نف�سي مرير عاشه بوالت
يستفتي قلبه ،لينتهي إلى اعتناق أصلحهما ،وأقربهما إلى القلب والعقل ،انتهت املوازنة بعد دراسات
طويلة للشريعتين اإلسالمية واليهودية ،إلى قراره الحاسم باعتناق اإلسالم ،بعدما وجد فيه ما
يلبي حاجته الروحية ،ويجيب عن جميع التساؤالت التي تدور في عقله ،كما وجد فيه صورة ّ
324
واضحة ال لبس فيها وال غموض لخالق الوجود ،وتنزيهه عن الشبه بغيره ،واإلقرار بوحدانيته
فضل ّ ً
عما وجده في اإلسالم من إقرار بالرساالت السماوية التي سبقته واحترامه وربوبيته،
ً
لألنبياء السابقين كافة ..وأيضا مما دفعه العتناق اإلسالم ما وجده فيه من أن التقوى هي أساس
املفاضلة بين البشر ،هذا إلى جانب العديد من القيم واملعاني النبيلة السامية التي انفردت بها
الشريعة اإلسالمية عن غيرها من الشرائع باعتبارها خاتمة الرساالت ،وهاله أن يكتشف أن
َ َ
اإلسالم هو عقيدة آبائه منذ أقدم العصور ،ودمعت عيناه عندما قرأ قول هللا تعالى(َ :ما كان
َ ُْ ْ َ َ ً َٰ َ َ يم َي ُهود ًّيا َو َل َن ْ
ص َرا ِن ًّيا َولـ ِكن كان َح ِنيفا ُّم ْس ِل ًما َو َما كان ِم َن الش ِر ِكين) آل عمران.67 : ِ
إ ْب َراه ُ
ِ ِ
قرر بوالت أن يحدد بشجاعة وثقة مصيره بين دنيا فانية ،وآخرة باقية ،فاختار اآلخرة، ّ
وأعلن إسالمه ،برغم علمه التام ما ينتظره من بطش الحزب الشيوعي ربيب اليهود ،ومن سخط
أهله وجيرانه وأصدقائه الذين يكرهون اإلسالم ّ
ويكنون له العداوة والبغضاء ..عقب إعالن
ً
إسالمه دعا إبراهيم معارفه وأصدقاءه وزمالءه إلى وليمة أقامها بمناسبة اعتناقه اإلسالم آمل
أن يجعل هللا منها ً
سببا في هدايتهم.
لم يكتف بوالت بإشهار إسالمه ،وإنما تحول هذا الحاخام اليهودي السابق الذي ّ
تمرس
في الدعوة وأساليبها إلى داعية إسالمي يعمل على هداية الناس إلى دين الحق ،فبدأ بعشيرته
األقربين ،فهدى هللا على يديه زوجته وأبناءه ووالده الذي اعتنق اإلسالم قبل أن ينتقل إلى الرفيق
األعلى بشهرين فقط.
هجر الحاخام اليهودي السابق إبراهيم بوالت عمله في مصنع النسيج وتفرغ للدعوة
ً ً ً
وإماما ،ومحفظا للقرآن مؤذنا، اإلسالمية ،حيث التحق بمسجد مرغالن الذي عمل فيه
الكريم ..وقد كان يعطي أولوية في برنامجه الدعوي للنشء إلى جانب اهتمامه بدعوة أصدقائه
ً ّ ً
املتعمق بأسرار العقيدة اليهودية ،آمل في إنقاذ أرواحهم موظفا في ذلك علمه ومعارفه من اليهود
وهدايتها إلى طريق الحق..
325
لذا ابدأوا الخطوة األولى فقط ..ليس عليكم أكثر من ذلك..
اسألوا هللا الهداية ..فباهلل نهتدي إلى هللا.
مكان أحداث قصتنا هذه املرة هو مسرح عروض األزياء ،أما بطلتها فهي عارضة األزياء
اليونانية ماكلين سيكاروس ..التي ّ
تعد من عارضات األزياء الشهيرات الالئي تعاملن مع العديد
من دور األزياء العاملية.
بدأت نقطة التحول في حياة العارضة ماكلين سيكاروس بسؤال يتكون من كلمات محدودة
بسيطة املبنى عميقة املعنى سألته لها صحفية جزائرية في إطار حوار صحفي وكان السؤال كما يلي:
َ
لم ال تفكرين في عروض األزياء اإلسالمية؟
تقول ماكلين وهي تتحدث عن هذه الواقعة« :لم أكن أتوقع مثل هذا السؤال ،ولم أكن أعرف
ً ً
شيئا عن اإلسالم وال علم لي بأزيائه ..طلبت من الصحفية الجزائرية -وأنا ّ
أتحرق شوقا -أن
تعرفني إلى اإلسالم ..كانت سعادة الصحفية الجزائرية ال توصف ،وهي تحدثني عن اإلسالم ّ
ً ّ
وعن رسول هللا محمد -صلى هللا عليه وسلم -فضل عن حديثها لي عن وضع املرأة في اإلسالم،
وعن األزياء التي يجب أن ترتديها حتى تحميها من عيون الفضوليين؛ فاكتشفت من خالل حديثها
أن اإلسالم كنز كبير ،كما توصلت إلى حقيقة أنني كنت غائبة عن الوعي طوال سني عمري التي
سبقت تعرفي إلى هذا الدين العظيم».
واسترسلت ماكلين سيكاروس في حديثها تقول في إعجاب يزينه وشاح من الرضا عن النفس:
«الحقيقة نهلت من هذا الكنز الثمين بحب لم أتذوق طعمه من قبل ،وببساطة ويسر لم
أجدهما في تعاليم دين غيره ..إنه دين عظيم يتسم بالبساطة والوضوح في مختلف مناحي الحياة،
ليرسم الطريق املستقيم لإلنسان في هذا العالم».
أردفت ماكلين سيكاروس وقد اغرورقت عيناها بالدموع« :بحق لقد بكيت ً
كثيرا ،وأنا أنهل
من فيض الحب اإللهي غير املحدود ومن معين املسيرة القرآنية الكريمة التي ال تعرف االنقطاع..
علي دون أن ّ
أتعرف إلى هذا الكنز لقد ندمت أشد الندم على سنوات عمري الفائتة التي مرت ّ
اإللهي الو�ضيء».
واسترسلت ماكلين سيكاروس في حديثها بعد لحظات قالئل من الصمت« :شعرت باالطمئنان
الشديد حينما أخبرني علماء اإلسالم األفاضل أن اإلسالم بتعاليمه السمحة ُ
يج ُّب ما قبله ..نعم،
327 لكم بكيت وأنا أنطق بالشهادتين ،ولكم بكى معي قلبي الذي نفض عنه هموم سنوات سابقات
ندمت عليها أشد الندم ..نعم شهدت أن هللا واحد ال شريك له ،لم يلد ولم يولد ،وأنه سبحانه
وتعالى خالق السماوات واألرض».
ً
«تيمنا باسم السيدة خديجة أم وأردفت ماكلين سيكاروس وهي تتحدث بنبرات تنضح سعادة:
ّ
املؤمنين -ر�ضي هللا عنها -أولى زوجات رسول هللا -صلى هللا عليه وسلم -غيرت اسمي إلى خديجة..
درست العلوم اإلسالمية وتعلمت اللغة العربية حتى أكون مؤهلة للتمتع بالقرآن الكريم هذا
الكنز اإللهي الفخيم ،وحتى أكون قادرة على قراءته بنفس لغته التي نزل بها على سيدنا محمد
ّ
-صلى هللا عليه وسلم.»-
سؤال مباغت
ًّ
تونسيا ،وأنجبت منه ثالثة ً
مسلما وتقول خديجة اليونانية املسلمة في لهجة فخر« :تزوجت
من األبناء ..نحن كأسرة نعيش سعداء في ظل اإلسالم العظيم ..بحق إنها حياة سعيدة يحفها
االستقرار كنت أفتقدها فيما م�ضى ،وما أخالني كنت سأشعر بها لوال اعتناقي لإلسالم هذا الدين
العظيم ..أبنائي بحمد هللا يأخذون من كلينا -أنا وأبيهم -كل ما هو طيب وكل ما يلزمهم لكي يعيشوا
ّ
حياة إسالمية كريمة طيبة ال يشوبها ما يعكر صفو حياتهم في حاضرهم أو مستقبلهم».
وفي خاتمة حديثها تقول خديجة« :ال ّبد من أن ينتشر اإلسالم في مختلف ربوع العالم ألن
الناس عط�شى وفي ّ
أمس الحاجة إلى ّبر آمن يحميهم من أمواج اإللحاد واملادية ،والتردي املريع
ً
انتشارا غير عادي ،حتى في قاع الرذيلة ..أتمنى من كل قلبي أن يكتب هللا سبحانه وتعالى لإلسالم
ً
يعرف الناس في مختلف أنحاء العالم أن رسالة اإلسالم موجهة لهم جميعا بمختلف ألوانهم
وأجناسهم ولغاتهم».
هل كانت النجمة ماكلين سيكاروس عارضة األزياء الشهيرة تحلم ،ولو مجرد حلم ،أن تنقلب
رأسا على عقب وأن تستبدل باسمها املعروف اسم نجمة حقيقية هي السيدة األولى، حياتها ً
السيدة خديجة -ر�ضي هللا عنها-؟!
هل كانت ّ
تمني النفس بالحصول على سعادة حقيقية افتقدتها في حياتها قبل إسالمها على الرغم
مما كانت تعيش فيه من رغد العيش وترفهً ،
جنبا إلى جنب مع ثالثية الشهرة واملجد والثراء؟!
إنها نعمة من هللا تعالى وهبها لخديجة بطلة قصتنا هذه ..نعمة الهداية..
فمتى تحين لحظة هدايتك أنت؟!!
اسأل هللا الهداية ..فباهلل نهتدي إلى هللا. 328
املصدر)29( :
الفروق الثالثة
أسرع املجتمعات التي ينتشر فيها اإلسالم برغم الهجوم عليه ..املجتمع الغربي..
األسباب التي تقف وراء إسالم الغربيين تتباين من إنسان آلخر ..من دولة ألخرى..
تتفق في أمر جوهري واحد..
اإلسالم هو الدين الوحيد الذي فيه سعادة البشرية وفيه حل لكل مشكالتها..
فعدد كبير من الشباب الغربي ضائع يعيش حياة ال قيمة لها..
بل هي أشبه بحياة البهائم أو أسوأ!!
قليل منهم من ينتبه إلى واقعه ويبدأ البحث عن الطريق الحق..
نشأ بطل هذه القصة وترعرع في بيئة نصرانية ،لكنه كان على موعد مع لطف هللا تعالى الذي
أيقظ فكره ودفعه إلى التفكير في حقيقة اعتقاده فهيأ له األسباب التي ّ
غيرت حياته واستنقذه بها
329
من العذاب األبدي ،فهداه إلى اإلسالم بعد رحلة من البحث ليست بالقصيرة.
في هذه القصة يحدثنا األوروبي يعقوب ريموند عن األسباب الحقيقية التي دفعته لترك
النصرانية دين آبائه وأجداده واعتناق اإلسالم.
وجد يعقوب ريموند ثالثة فروق جذرية وجوهرية بين النصرانية واإلسالم جعلته يوقن
ً
تماما بأن اإلسالم هو الدين الحق الذي يجب أن يعتنقه كل من ينشد السعادة الحقيقية ..فيما
يلي الفروق الجوهرية بين اإلسالم والنصرانية التي توصل لها بطل هذه القصة فكانت ً
سببا
في اعتناقه اإلسالم:
الفروق الثالثة
يتمثل الفارق األول في أن النصرانية التي تقر وتعترف باألنبياء كافة قبلها ترفع عي�سى إلى
ّ
مرتبة األلوهية ،مع إنكارها التام لنبوة محمد -صلى هللا عليه وسلم ..-في املقابل يؤمن سيدنا
ّ
محمد -صلى هللا عليه وسلم -بجميع األنبياء والرسل السابقين له ،ويؤكد أن رسالة اإلسالم التي
أنزلت إليه هي الرسالة السماوية الوحيدة التي ال تزال وسوف تظل حتى قيام الساعة محفوظة
من أي تحريف أو تغيير ،بعكس الديانات السماوية األخرى التي طالها التحريف والتشويه من
قبل مضلين استخدموها ملصالحهم الشخصية.
ويتمثل الفارق الثاني في مناداة النصرانية بالنظرية التي تزعم أن عي�سى إله وأنه ابن هللا في
ً
الوقت ذاته!! بالطبع هذا أمر يستع�صي على الفهم فضل عن أنه يناقض التعاليم التي نادى بها
إلها ً
واحدا ال شريك له ..كما أن مو�سى وإبراهيم -عليهما السالم -إذ علم كالهما الناس أن يعبدوا ً
زعم هذه النظرية يجعل منها نظرية مجحفة تقيم الفوارق بين األنبياء وتقسمهم إلى بشر وآلهة!
وهذا ال يستقيم مع ديانة سماوية نقية.
ً أما الفارق الثالث فيتمثل في أن النصرانية ّ
تنصب الكنيسة وتجعل منها وسيطا بين الناس ِ
وربهم وخالقهم ..أي إن بإمكان الناس ارتكاب ما تشتهيه أنفسهم من املعا�صي واآلثام دون خوف
من العقاب ألن الكنيسة سوف تعفو عنهم بكل بساطة وتضمن لهم الخالص والنجاة ..في املقابل
يبين الدين اإلسالمي أن هللا تعالى وحده ال شريك له هو الذي يغفر الذنوب ،وهو وحده يق�ضي ّ
ّ
يوم القيامة في األعمال التي اكتسبها الناس في حياتهم الدنيا دون تدخل من أي أحد.
من جهة ثانية انتقد يعقوب ريموند النصرانية ووصفها بأنها دين يفتقر إلى االستقرار والثبات
ألن تعاليمها تظل عرضة للتعديالت املستمرة بحسب ما تقتضيه العادات املتغيرة واألمزجة
املتقلبة ،وهنا يشير إلى مجلس الفاتيكان الثاني كآخر األمثلة لهذه التعديالت ،فالنصرانية دين
ّ
وتتبدل عبر العصور ،ما بين كل تطور وتبديل مئات السنين! تتطور عقيدته
330
املالحظ أن الديانة النصرانية تقدم عادات البشر وتقاليدهم وتضعها في منزلة أسمى من
إرادة هللا تعالى على عكس الدين اإلسالمي الذي يجعل من كلمة هللا العظمى هي األسمى.
باإلضافة إلى ما سبق هناك أسباب أخرى دفعت بطل قصتنا إلى التخلي عن النصرانية ..من
هذه األسباب القيم اإلنسانية التي الحظ تحطم أبسطها في املجتمعات الغربية نتيجة النتشار
أساليب الحياة املادية البحتة ..الجشع والسباق املادي املحموم الذي نتجت منه شريعة الغاب
تماما اإلحساس باألخوة ،إذ انحصر اهتمام الناس في األقطار حيث البقاء لألقوى وحيث انعدم ً
األوروبية واألمريكية في الحصول على املزيد من وسائل الراحة املادية عبر املنهج امليكافيللي الذي
تبرر فيه الغاية الوسيلة فأصبح الخواء الروحي هو املهيمن على نفوس الجميع ..في املقابل وجد
بطل قصتنا في اإلسالم كل معاني األخوة اإلنسانية ما جعله يدعو هللا من كل قلبه أن يصبح
اإلسالم هو الدين الوحيد في أرجاء العالم كافة حتى تنعم البشرية كلها بنعمة األخوة الصادقة
وليس ذلك على هللا ببعيد.
أسباب عديدة دفعت ً
كثيرا من النصارى إلى ترك ديانة آبائهم وأجدادهم ،ومن بينهم
األوروبي يعقوب ريموند..
وتبقى عظمة اإلسالم هي املعين الطيب الذي يشرب منه كل من أنار هللا بصيرته وهداه إلى
اعتناق الحنيفية السمحة..
ً
جميعا.. إنها اإلسالم ..دين األنبياء
من لدن آدم -عليه السالم -إلى خاتم األنبياء محمد -عليه الصالة والسالم..-
ً
جميعا؟!! فمن يرت�ضي ً
دينا غير دين األنبياء
الدين الذي لن يقبل هللا منا غيره ..إن ابتغينا غيره..
ولم نبتغ غير اإلسالم ً
دينا وفيه كل الخير؟! َ
ِ
ألم يشهد املنصفون من علماء األديان األخرى بتحريفها؟!
فلم نؤمن اآلن بدين محرف لم ينزل هكذا على أنبياء هللا؟! َ
يوح به؟!!
أندين هلل بما لم ِ
ّ
وحده اإلسالم الذي حفظه هللا كما نزل على محمد -صلى هللا عليه وسلم..-
لذا ..اسألوا هللا الهداية ..فباهلل نهتدي إلى هللا.
331
بطل قصتنا ..ترك هوليوود ..جنة عبدة املادة في األرض حيث تتربع املتعة املادية بكل أنواعها 332
من شهرة ومال وخمر وليال حمراء ماجنة مع الجنس اآلخر ،فركل كل ذلك وراءه واعتنق
اإلسالم حيث الطمأنينة والسكينة والسالم..
في حياته األولى بينما كان ينظر إليه املجتمع كرجل مميز بلغ من النجاح قمته كان يشعر
ً
محطما يترنح في أسفل درجات الفشل؛ في حياته الثانية ،أي عقب إسالمه ،كان ينظر بنفسه
ّ
إليه املجتمع كرجل فاشل حطم مستقبله بيديه ،بينما كان ينظر هو إلى نفسه كرجل متفرد بلغ
أق�صى غايات النجاح!
إنه فيدور إيفان جفرنور Fedor Eitanاسمه السابق أو «فارض رحمة هللا» اسمه الجديد..
ندعوكم للتعرف إلى مسيرته وقصة إسالمه.
ًّ
كاثوليكيا بحكم ديانة أسرته ًّ
مسيحيا ولد فيدور بمدينة كاراكاس بفنزويال ..نشأ منذ صغره
ً ً
ومجتمعه ..درس في املدارس الكاثوليكية بوالية نيويورك ،وعندما تركت انطباعا سيئا في نفسه
حول النصرانية تحول إلى دراسة البوذية والهندوكية ،وبعض الديانات الوثنية ..أما اإلسالم فلم
ّ
يتعرف إليه إال عبر الطرح الظالم من قبل أعدائه..
في أمريكا من السهل على املرء االطالع على جميع األديان باستثناء اإلسالم ألنهم يخافون
منه! ظاهرة الخوف من اإلسالم ليست ظاهرة حديثة ،بل ظاهرة قديمة ،وتتجدد هذه الظاهرة
بتجدد األحوال واألزمات.
أحدا أن يكون ً
عبدا لغير هللا فلماذا يخافون منه؟ واإلسالم يساوي إن اإلسالم ال يطالب ً
الناس في الحقوق والواجبات ،فلماذا يبغضونه؟!
واإلسالم ّأمن الناس على دمائهم وأموالهم وأعراضهم وأديانهم وأنفسهم ،فلماذا يكرهونه؟!
ألن اإلسالم هو دين الفطرة املكتمل الذي يحمل عوامل انتشاره وتمدده ،وبذلك فهو أسرع
ً
انتشارا في العالم ،خاصة في الدول الغربية. األديان
عندما وصل فيدور إلى مرحلة دراسته الجامعية هجر أسرته بفنزويال وذهب إلى الواليات
املتحدة األمريكية حيث درس في أحد معاهدها العليا ،ثم غادرها إلى العاصمة اإليطالية روما
حيث درس في أكاديمية الفنون الجميلة ..عقب تخرجه عاد فيدور مرة أخرى إلى الواليات املتحدة
حيث التحق بجامعة كولومبيا قسم فن اإلعالم الجماهيري .شعبة اإلنتاج السينمائي.
ً
مرغوبا فيه في سوق العمل األمريكي فامتهن مهنة ً
تخصصا تخرجه وجد نفسه يمتلك عقب ّ
333 مرتفعة الدخل عمل عبرها في نيويورك ،وهوليوود ،وكاليفورنيا ،وشيكاغو ..حيث عاش حياة
السينما بكل ما تحويه من امتيازات وملذات ..وهنا يقول فيدور في مرارة« :الغريب أن كل
فرد في العالم حين ينظر إلى األفالم األمريكية يتمنى أن يعيش الحياة األمريكية بعد أن يدور
ّ
بأذهانهم هذا املستوى الذي يرونه في أفالمهم!! ولكنني برغم ذلك كله اكتشفت أن ما أعيش
فيه إنما هو حلم ..بل حلم فارغ ..أو حلم خطير ..فقد كنت أحلم بالنجاح في الحياة ،ولكنني
شيئا ..ولم أحصل على السعادة الحقيقية ،بلبعد أن حصلت على هذا املتاع الدنيوي لم أجده ً
طريقا آخر ،فانغمست مرة أخرى في الشهوات،وجدت أنني كنت في خدعة كبرى ،ولم أجد أمامي ً
حتى وصلت إلى مرحلة أحسست أنني أعيش من خاللها في جهنم نفسها ..هذه جهنم التي يتمنى
كل شخص أن يدخلها!! السيارات الفارهة ،والنساء ،والخمر ،وكل ما تمتلكه أمريكا من هذه
الخديعة
ً
صمت فيدور للحظات قالئل ثم أردف قائل« :ولم يعد أمامي غير احتمالين ..إما أن أستمر في
ً
ّ
هذه الخديعة الجهنمية ،وكان ذلك مستحيل بعد أن زاد شقائي ،وإما أن أهرب منها إلى طريق
آخر ..ولكن ما هو الطريق؟ ال أعرف ..وخالل هذه املعاناة كان ال ّبد لي من قوة عليا تخرجني من
تلك الحيرة .ومن ذلك اليأس ،فنظرت إلى الدين».
ّ
بحث فيدور في كل األديان عله يجد فيها ما يخرجه من أزمته الروحية املستفحلة ..عندما
وصل إلى طريق مسدود هدته فطرته السليمة إلى أن يتوجه بالدعاء إلى هللا تعالى حتى يهديه إلى
صغيرا اعتدت الذهاب إلى الكنيسة ً الطريق القويم ..واستطرد مرة أخرى ليقول« :عندما كنت
ألعترف للقسيس ببعض الخطايا ،لكني أحسست وقتئذ أن هذا أمر غير طبيعي ،واتجهت إلى هللا
ً
مباشرة ،قائال له :إنك ال تحتاج إلى قسيس يقف بيني وبينك ،ألعترف لك بذنوبي ..وبعد ذلك كنت
كلما أردت أن أتوجه إلى هللا ،توجهت إليه مباشرة دون واسطة قسيس».
فطرته السليمة التي دفعته إلى أن يتوجه بالدعاء إلى هللا تعالى ،دفعته ً
أيضا إلى اتخاذ هيئة
السجود التي يمارسها املسلمون في صالتهم ..نداء داخلي هداه إلى أن في هذه الهيئة تسليم مطلق
هلل خالق الوجود والسبب في كل موجود ..كان فيدور يتجه إلى هللا بهذه الصورة كلما شعر بالحيرة
وكلما حاصرته الوساوس والشكوك ..عندما رآه بعض الناس على هذه الهيئة أخبروه بأنه يفعل
ذات ما يفعله املسلمون في صالتهم ..هذه املعلومة األخيرة أيقظت انتباهه وجعلته يقرأ الكثير من
الكتب التي تتحدث عن اإلسالم بعين فاحصة ونفس باحثة متعطشة إلى الحق عساه يجد فيه
ضالته املنشودة ..ومن تلك الكتب التي اطلع عليها كتاب بعنوان «اإلسالم تحت املجهر» لألستاذ
حمودة عبد العاطي .ثم قرأ ترجمة ملعاني القرآن الكريم..
ً ً
وعمقا كامل ودقة متناهية ،كما وجد في القرآن الكريم لقد وجد في اإلسالم بساطة محببة
صورة مطابقة لفطرته التي دفعته فيما سبق إلى التوجه إلى هللا خالق الكون. 334
وتشبعت به ،وشعرت بالسعادة ألننيّ ويتابع فيدور حديثه فيقول« :زادت قراءاتي للقرآن،
وجدت فيه تلبية لكل حاجاتي الروحية ...فالواقع أنني شعرت أنه كلما قرأت عن اإلسالم ازددت
ً
مختفيا عن نف�سي ...ويكفيني ً
يقينا بهذا الدين ،واكتشفت العديد من جواهر هذا الكنز الذي كان
ً
ناجحا غاية النجاح ،كنت أشعر بيني وبين نف�سي بأنني أنه في الوقت الذي اعتبرني فيه املجتمع
ّ
محطم فاشل ..أما بعد أن اعتنقت اإلسالم ،فإن املجتمع أصبح ينظر إلي نظرته إلى الرجل
الفاشل ،في الوقت الذي أعتبر نف�سي فيه بلغت غاية من أق�صى غايات النجاح».
وما أن اعتنق بطل قصتنا اإلسالم وغير اسمه إلى «فارض رحمة هللا» حتى تذكر ذلك املا�ضي
األسود البغيض حيث كان يذهب وهو صغير إلى الكنيسة ليعترف للقسيس ببعض الخطايا..
كان يشعر وقتذاك بأن ما يفعله أمر غير طبيعي ..لكنه كان آنذاك بال حول وال قوة عكس حاله
عقب إسالمه حيث الحول والقوة بيد هللا تعالى وحيث يستطيع أن يتوجه إلى هللا تعالى مباشرة
ودونما وسيط.
ولم تسع الفرحة فارض رحمة هللا حينما اعتنقت والدته اإلسالم ّ
فوجه نصيحة لكل املسلمين
يرجوهم فيها أن يتمسكوا بالدين الحق وأن يشيحوا بأبصارهم ونفوسهم عن الحياة املادية
الزائلة ويفكروا في النعيم املقيم..
335
إعماله لعقله ومن قبل ذلك رحمة هللا تعالى كانا السبب في اعتناقه اإلسالم ..إنه ألفريد
كوبيناوا الذي أطلق على نفسه اسم عبدهللا كوبيناوا عقب إسالمه.
رأى ألفريد كوبيناوا في الدروس الدينية املسيحية قمة الضاللة خاصة عندما سمع في تلك
الدروس الزعم الباطل الذي يقول إن عي�سى ابن مريم هو هللا ،وأن السيدة مريم هي أم هللا،
كبيرا ..هذه األباطيل التي ّأرقت مضجعه حاول أن يعترض عليها فوجد تعالى هللا عن ذلك ًّ
علوا ً
ً
أمامه خطوطا حمراء ملتهبة من يتعداها يتهم بالزندقة ويتلقى أشد صنوف العذاب ..وعندما
صرح برأيه في تلك األباطيل أخبروه بأنها أسرار يعلمها فقط رجال الدين وأن على عامة الناس
ً
مسرعا ،وعاهد نفسه على الوصول إلى الحقيقة اإليمان بها بال مناقشة ..خرج من قاعة الدرس
ولو كلفه ذلك حياته.
توسل إلى هللا تعالى أن يهديه إلى الطريق القويم وأن يرشده إلى معرفة الحق بعد أن أضناه
عز ّ
وجل دعاءه وأخرجه التفكير في الوصول إلى ضالته املنشودة عبر إعماله لعقله .استجاب هللا ّ
سبحانه وتعالى من ظلمة الشك إلى نور اليقين ..شعر ألول مرة في حياته بالطمأنينة والسكينة
تغمران قلبه وبالسعادة الغامرة تمأل جوانحه حينما نطق بالشهادتين على يد الحاج شعيب شيخ
ً
مسلما. اإلسالم في غانا ..بدأ يعتز بكونه أصبح
رحلة طويلة قطعها بطل قصتنا وهو ينتقل من ظلمات الشك إلى نور اليقين يرويها لنا بصوت
مؤمنا بديني كل اإليمان ،وكنت دائم الذهاب إلى الكنيسة منذ أو وعيت، نصرانيا ً
ًّ متهدج« :ولدت
ّ ً ً
فضل عن إيماني باهلل وحبي له وتفاني في ذاته ،ومناجاتي إياه دائما في السر والعلن ،فقد كنت أبغي
الهدى وأنشد الراحة من هذه الخرافات الكاذبة ،ألنني أحسست في قرارة نف�سي أنني غير مطمئن
لبعض هذه األراجيف التي يلقنها لنا رجال الدين املسيحي».
ً ً ًّ ً
قاسيا ويعاني فراغا نفسيا صراعا يضيف عبدهللا كوبيناوا بأنه كان يعيش في تلك الفترة
ً ً روحيا ً
ًّ
رهيبا زلزل كيانه ،فضل عن هاتف كان ينطلق من داخله معترضا ميوله الجديدة ويدعوه
بأال يثور على دين آبائه وأجداده.
ً
متجاذبا بين عاملين متناقضين يشده كل منهما في اتجاه ضاقت به الدنيا حينما وجد نفسه
ً ً
مغاير ..قرر الفرار ..بيد أنه لم يجد مكانا يفر إليه سوى الكنيسة آمل أن يجد فيها ما يريح قلبه..
مصلوبا ،واستمع إلى أحد رجال الدينً وبالفعل ذهب إلى الكنيسة كعادته ..نظر إلى تمثال املسيح
ً
يشير إليه قائل« :هذا هو هللا ،خالق الكون وأمه السيدة مريم هي أم هللا»!.
ً
معترضا بأعلى صوته على ذلك فاتهم بالكفر والزندقة.. لم يتمالك ألفريد كوبيناوا نفسه فصاح
نعم لم تتح له أقل مساحة للمناقشة بل تم تهديده بالحرمان من الجنة ونعيمها ..حينها لم يجد
337
أمامه سوى الفرار من الكنيسة وهو يردد في نفسه« :كيف يكون السيد املسيح هو هللا ،مع أنه ال
ضرا؟ وكيف يكون هللا ً
بشرا مثلنا؟ ومن الذي خلقه هو إذن؟». يملك لنفسه ً
نفعا وال ًّ
منذ ذلك اليوم هجر الكنيسة وتحا�شى التعامل مع رجالها ..وفي ليلة ال تن�سى ظل يقرأ ويفكر
ً
مسرعا واتجه إلى هللا تعالى وتوسل إليه أن يهديه حتى شعر بأن عقله على وشك االنفجار فقام
إلى طريق الحق والخير.
وفي يوم لن ينساه طوال حياته كان ألفريد كوبيناوا يسير في أحد شوارع غانا فانتبه إلى وجود
جمع كبير من الناس يستمعون إلى أحد الخطباء ..ذهب إليهم وتوقف يستمع إلى حديث الخطيب..
الفريد الغاني
وجده يحثهم على تعاليم فاضلة كالنظافة والوضوء واإلخاء والتسامح وحب الخير والخضوع
هلل وحده ..انبهر بهذه املبادئ السامية وتاقت نفسه لها وشعر بأنها البلسم الذي سوف يشفيه
ّ
من الفراغ النف�سي الذي ضعضع حياته ويخلصه من الخواء الروحي الذي كان يكتم أنفاسه ..لم
يتمالك روحه فتلى الشهادتين ،ثم أعلن إسالمه على يد الحاج شعيب شيخ اإلسالم في غانا.
في البدء عارض أهله إسالمه ،لكنه استطاع إقناعهم بدينه الجديد فرحبوا به خاصة عندما
رأوا منه االستقامة واجتناب املنكر واالمتناع عن شرب الخمر ،بل تجاوز أهله وأقنع أكثر من
خمسين من أبناء غانا وهداهم إلى اإلسالم ،األمر الذي فتح شهيته للتفقه في العلوم اإلسالمية
ً
حتى يصبح داعية مؤهل ،فشد الرحال إلى األزهر الشريف.
ويختتم األخ عبدهللا كوبيناوا حديثه بقوله« :وأول �شيء سأفعله بعد تخرجي هو الدعوة إلى
اإلسالم في بلدنا ومحاربة املنصرين والعمل على نشر هذا الدين السمح ،فقد عاهدت نف�سي على
أن أكرس وقتي ومالي لرفع راية اإلسالم ،ومن فضل هللا ّ
علي أن ترك لي والدي مزرعة فأرجو أن
يعينني هللا على تحقيق هذه األمنية الغالية».
ً
وهكذا ..قدر هللا دائما أن يهدي إليه املخلصين في البحث عنه..
أناسا ..فيؤمن شخص آخر!! داعية يدعو ً
يتجمعون لالستماع إلى كالم هللا ..فيمر ألفريد ..فيشعر بالشعور الفريد ..شعور اإليمان..
يخلص في البحث عن الحق..
ثم يخلص في خدمة الحق والدعوة إليه!!
وأنت ..ال تستسلم للضالل ..ابحث عن نفسك بالحق!
اسأل هللا الهداية ..فباهلل نهتدي إلى هللا.
338
املصدر)9( :
القوة الباهرة
يقع إنسان العصر الحديث تحت طائلة السلطة الرابعة ..اإلعالم..
هذه السلطة ترسم صورة نمطية لألشخاص والدول واألديان والحضارات والثقافات..
تنطبع الصورة في عقول الجميع وقلوبهم ..إال من رحم ربي..
ً
وبناء على الصورة تنطلق األفعال ..وردود األفعال ..يتم رسم الخطط وبناء العالقات ..على جميع
املستويات في العالم ..واإلسالم ..ضمن هذه املستويات..
صورته في اإلعالم الغربي ال ّ
تمت للحقيقة بأي صلة..
لكنه اإلعالم ..سلطة ..يفرض الصورة ..ينشرها ..يتأثر اإلنسان الغربي بها..
متشددة ..لم تكن تعرف عنّ بطلة قصتنا من ضمن من تأثر بهذه الصورة ..ولدت كاثوليكية
الدين اإلسالمي سوى حجاب املرأة وتعدد الزوجات فقط ..زيارة للجزائر جعلتها تعرف الكثير عن
339 اإلسالم األمر الذي أقنعها بدواعي حجاب املرأة وتعدد الزوجات ..عادت إلى فرنسا وكأنها ولدت
من جديد فاعتنقت اإلسالم ..من هي وما هي تفاصيل قصة إسالمها؟! هذا ما سنعرفه من خالل
حديث السيدة فاتحة الفرنسية عن نفسها وعن رحلتها املثيرة من غياهب الظلمات إلى عالم النور:
ولدت وترعرعت في كنف عائلة كاثوليكية ،وكنت من أنصار حركة مساواة املرأة ،وبالتالي
متشد ًدا ضد اإلسالم ،ألنني لم أكن أعرف عنه -كحال الكثير منّ ًّ
سلبيا ً
موقفا كنت أتبنى
الغربيات -غير حجاب املرأة وتعدد الزوجات فقط.
لقاء قصير مع شخص في أحد بلدان العالم الثالث وعام من املراسلة ثم رحلة إلى الجزائر-
كأول بلد مسلم أزوره -كلها سلسلة من حلقات تمثل طوق النجاة الذي ّ
القوة الباهرة
من خالل زيارتي للجزائر تعرفت إلى الكثير عن اإلسالم ،كما أدهشني الشباب الجزائريون
بمعرفتهم الواسعة عن دينهم ..ناقشتهم ً
كثيرا وفي عدة جلسات ..انبهرت بتالوتهم وبحفظهم عن
سورا كاملة من القرآن الكريم ،كما أعجبت بحقيقة أنهم يؤيدون حججهم بأحاديثظهر قلب ً
نبوية ..بحق شعرت حيال معرفتهم الواسعة بمدى جهلي في هذا املجال.
من األمور التي الحظتها كذلك حقيقة أن اإلسالم كدين لم يكن يختلف ً
كثيرا عن الدين الذي
ً
كنت قد تربيت عليه ،إذ وجدت أن القرآن الكريم يتحدث عن نفس األنبياء ،هذا فضل عن
التشابه الذي ملسته في املبادئ األخالقية بين الدينين اإلسالمي واملسيحي الكاثوليكي ..لقد توصلت
ّ
إلى قناعة تامة مفادها أن رسالة محمد -صلى هللا عليه وسلم -ال تخالف ألبتة رسالة من سبقوه
من األنبياء ..وحينها تساءلت :ملاذا نتوقف -كمسيحيين -عند النبي عي�سى املسيح -عليه السالم-
بينما الكتاب املقدس نفسه يبشرنا بمجيء نبي آخر بعده؟
ّ
من جهة ثانية تجلت أمامي حكمة اإلسالم العميقة البالغة في كثير من املمارسات عندما
تعرفت إلى أسباب هذه املمارسات وأهدافها وحدودها ،والتي من بينهما ارتداء املرأة للحجاب،
وتعدد الزوجات اللذان كانا يمثالن سالحي الفتاك الذي كنت أستخدمه ملهاجمة اإلسالم ..أما
أكثر ما غمرني بالدهشة في اإلسالم فهي تلك القوة الباهرة في داخل املسلم ،فهو يعيش في أمن
ّ
وسالم داخليين ألنه يفوض أمره كله إلى هللا وفي كل شؤون حياته.
ّ لًّ
سري الدفينعدت إلى فرنسا بعد بضعة أيام قضيتها في الجزائر ،وقد وضعت ك من ِ
وزادي الثمين في صدري ..نعم أحببت اإلسالم في شغف بينما تزودت بسورة الفاتحة وسورتين
ً
قصيرتين سجلت تالوتهما فضل عن بضع مالحظات حول طريقة أداء الصالة دونتها في مفكرتي..
فقد عزمت على أن أؤدي شعيرة الصالة فور وصولي إلى فرنسا بهدف أن أبدأ بخطوة حسنة
في حياتي الجديدة. 340
وتختتم فاتحة حديثها بقولها :من املؤكد أن والدتي الجديدة تلك كانت تمثل ّ
تحد ًيا أمام عزيمتي
ً ألنها تتطلب ّ
مني الكثير من العمل ،إذ كنت أحتاج إلى تعلم الكثير فضل عن إعادة تعلم األكثر بيد ِ
ً
صالحا ومنحني كثيرا ،فهو بعد أن أنعم على بنعمة اإلسالم وهبني ً
زوجا أن هللا تعالى الذي أعانني ً
علي بأن أصبح القرآن الكريممن ّأخوات مسلمات كثيرات رافقنني في طريق حياتي الجديدة ،كما ّ
والسنة النبوية الشريفة هما دليال عملي في الحياة مثلي في ذلك مثل كل مسلمة.
املصدر)10( :
تصحيح الصورة
بساطة اإلسالم..
وخلوه من األسرار التي يجب على معتنقه اإليمان بها دونما مناقشة..
سماحته وعدم تفريقه بين بني البشر إال بالتقوى..
تعاليمه التي جعلت للفقير ًّ
حقا في مال الغني..
وسطيته بين اإلفراط والتفريط..
كلها أمور باهرة جعلت بطل هذه القصة يترك النصرانية ويعتنق اإلسالم..
إنه األديب والشاعر األمريكي املعروف دونالد ركويل.
ولد دونالد في مدينة تيلورفيل بالواليات املتحدة األمريكية ..تأثر في بداية حياته بأبويه
النصرانيين ،وبالتالي لم يخطر بباله لحظة أنه سيترك ديانتهما ليعتنق ديانة أخرى هي اإلسالم،
341
خاصة وقد أخبره القساوسة بأنها ديانة وثنية يعتنقها متخلفون يقيمون في الشرق وينكرون
عبادة التثليث التي هي أساس العقيدة النصرانية.
لم يكن دونالد يلقي كثير بال للفكرة الدينية وال يهتم باألمور الروحية أو الغيبية ،ألن الحياة
همه الوحيد يقتصر على ملذاته اليومية ،كما أن املادية التي يعيشها أفراد مجتمعه جعلت ّ
اهتمامه باألدب صرفه عن التفكير فيما سواه ،إذ كان يطمح إلى أن يكون أحد أساطينه الذين
يشار إليهم بالبنان ..شجعه على ذلك حصوله على العديد من الجوائز األدبية خالل فترة دراسته..
وبالفعل تحقق له طموحه عقب انتهائه من دراسته الجامعية إذ أصبح أحد أعالم الشعر واألدب
املرموقين في الغرب.
تصحيح الصورة
وإن شغل حب األدب دونالد عن التفكير في الجوانب الدينية ،فقد أسهم الحب ذاته في دفعه
إلى أن ّ
يتعرف إلى اإلسالم ومن ثم إنارة بصيرته وتوجيهها إلى طريق الحق املستقيم .فطبيعة األدب
اإلنسانية التي تتطلب من األديب اإلملام بالثقافات والحضارات املختلفة جعلت دونالد يحرص
عموما وبثقافات أهل الشرق على وجه الخصوص إذ شدته إلى ً على اإلملام بثقافات الشعوب
الشرق األساطير التي تصف حياة أهله بالسحر والغموض ،بل تخيل دونالد كالكثير من الغربيين
أن كتاب «ألف ليلة وليلة» هو تسجيل تاريخي لقصص واقعية دارت أحداثها في الشرق ،وليس
مجرد قصص من نسج الخيال.
انجذاب دونالد ناحية الشرق دفعه إلى قراءة بعض الكتب املترجمة التي تتحدث عن اإلسالم،
بينما جعلته قراءة تلك الترجمات ينجذب ناحية الديانة اإلسالمية ..وهذا ما تحدث عنه كويل في
العدد الثامن للسنة الرابعة من مجلة «حضارة اإلسالم» الذي صدر عام 1964م حيث قال« :لقد
ً
جميعا ،ألن ودواع مختلفة ال يمكنني حصرها أو الوقوف عليها جذبتني إلى اإلسالم عوامل كثيرة
ٍ
منها الظاهر الجلي الذي ال يماري فيه إنسان ،ومنها الباطن الخفي الذي يغوص في أعماق الروح،
ويكمن في خبايا الضمير ،لقد قرأت عن اإلسالم وقرأت عن القرآن الكريم ً
وشيئا من سيرة النبي
ّ
الكريم سيدنا محمد بن عبدهللا -صلى هللا عليه وسلم -فاسترعت انتباهي أشياء كثيرة».
قراءات ركويل عن اإلسالم جذبته بشدة نحو هذه العقيدة التي تتسم بروح البساطة والخلو
من التعقيد واأللغاز والطقوس املبهمة مثل تلك التي كانت تفرضها عليه ديانته النصرانية دون
ً
أن تمنحه أدنى الحق في املناقشة ،فضل عن أن اإلسالم علمه حقيقة أن هللا أقرب إليه من
َ يب َد ْع َو َة َّ
الد ِاع ِإذا مصداقا لقوله تعالى(َ :وإ َذا َس َأ َل َك ِع َب ِادي َع ّني َفإ ِّني َقر ٌ
يب ُأج ُ ً
حبل الوريد
ِ ِ ِ ِ ِ
َد َع ِان) البقرة.186 :
من جهة ثانية شدت دونالد ركويل إلى اإلسالم تلك السماحة العظيمة التي لم يجدها في
342
النصرانية كما بهرته مساواته بين كل بني البشر ،إذ إن الجميع في اإلسالم متساوون أمام هللا
تعالى مهما اختلفوا في حظوظهم الدنيوية ،حيث ال فضل ألحد منهم على اآلخر إال بالتقوى.
وأكثر من هذا وجد بطل قصتنا في تعاليم اإلسالم ما غمر روحه بحب هذا الدين حيث جعل
حقا في مال الغني يؤديه إليه عبر دفعه للزكاة التي تعد الركن الثالث في اإلسالم ،كما وجد للفقير ًّ
ركويل في اإلسالم وسطية مثالية ترفض املغاالة في كل �شيء حيث ال تفريط وال إفراط ،فهو ال
يحرم املسلم من متاع الدنيا حيث ال رهبانية في اإلسالم ،وفي املقابل ال يبيح له أن يغرق ًّ
كليا في
َ َ َ َّ
الل ُـه َّ َ ً
الد َار وحل املتع الدنيوية الزائلة فينشغل عن أخراه مصداقا لقوله تعالى(َ :و ْابت ِغ ِفيما آتاك
ْ َ َ َ َ َ َ َ َ َ َ ُّ ْ
الدن َيا) القصص.77 : ال ِخرة ول تنس ن ِصيبك ِمن
عندما وصل دونالد ركويل إلى هذه النقطة شعرت نفسه بالطمأنينة وتيقنت ً
تماما بأنها وجدت
أخيرا ما كانت تنشده ،فسارع إلى إشهار إسالمه ،وتسمى باسم محمد عبدهللاً ،
تيمنا برسول هللا ً
ّ
-صلى هللا عليه وسلم -خاتم النبيين وأعظم شخصية في تاريخ البشر.
وما أن دخل محمد عبدهللا اإلسالم حتى بدأ يعمل في حماسة على التبصير بحقيقة اإلسالم،
ًّ
إسالميا ووظف في ذلك ما حباه به هللا تعالى من إيمان قوي وموهبة أدبية مميزة فأصبح داعية
من طراز فريد جعله هللا ً
سببا في هداية العديدين إلى طريق الحق املستقيم.
وفق هللا تعالى الشاعر األمريكي والداعية اإلسالمي محمد عبدهللا في أن يزيل الصورة املشوهة
ً
مستخدما في ذلك سلوكه عن اإلسالم التي غرسها القساوسة واملستشرقون في عقول الغربيين
القويم وعلمه الواسع وأدبه الجم ،حيث ّ
قدم للغربيين صورة مثلى ملا يجب أن يكون عليه املسلم،
فأفلح في تصحيح الكثير من أفكارهم املغلوطة عن اإلسالم وجعلهم يدركون مدى عظمته.
فليت كل مسلم يوظف مواهبه وما حباه هللا به من قدرات في نشر الصورة الصحيحة لإلسالم..
ال يحتاج اإلسالم إلى تجميل ..هو األجمل بال شك..
نحتاج فقط إلى إزالة التشويه ..إظهار حقيقته ..صورته األصلية..
وال يحتاج اإلسالم ذلك لخير لإلسالم ..بل خير للمدعوين إليه..
كيف يسعى لخير له وهو كل الخير؟!!
اسألوا هللا الهداية ..فباهلل نهتدي إلى هللا.
343
رافع شريف جندي يهودي عمل في الجيش األمريكي عقب بلوغه سن الرشد وإن بدأ رحلته 344
يافعا لم يتجاوز العاشرة من عمره ..ظل رافع يالحظ وجود تناقض صبيا ً
مع اإليمان منذ أن كان ًّ
ّ
محير بين ما يدرسه في املدرسة األمريكية الكاثوليكية وما كان يتعلمه من والديه اليهوديين في
املنزل ..جعله هذا التناقض يعيش بين مطرقة املدرسة وسندان والديه ..إن توقف عن مذاكرة
عنفه والداه وإن بدأ الدراسة بصوت مسموع إنهاال عليه بالضربّ ،
وعنفاه لترديده ما دروسه ّ
ي�سيء إلى الديانة اليهودية؟! وفي هذا الجانب يقول:
«نشأت ّ
موز ًعا بين الديانتين اليهودية التي تدين بها أسرتي ،واملسيحية الكاثوليكية التي كنت
أتلقاها في املدرسة ،وأجد معظم أصدقائي يدينون بها ..وفي الواقع أنني منذ طفولتي الباكرة وأنا
أذكر أن مكانة املسيح التي يعطيها له املسيحيون وموقعه في الدين كانا يثيران في ذهني التشويش
معبودا ،وكنت أجد زمالئي يؤمنون بذلك حقيقة، ً واالختالط ،ففي املدرسة كان املسيح ً
إلها
فإذا ما ذكرت تلك الحقيقة في البيت كان جزائي الضرب من والدي الذي كان يحرص على الفكر
إلها يعبدونه من دون هللا ،واليهود يعتبرونه ابن زنا مجهول الديني» .النصارى يعتبرون يسوع ً
النسب -العياذ باهلل!-
وبذلك كان رافع شريف يجد نفسه ً
تائها في هذه الفجوة السحيقة بين ما تؤمن به األسرة
وتعاليم املدرسة ،ما حفزه على البحث عن حقيقة األديان ودراسة الفروق بينها.
عندما تجاوز مرحلة الطفولة وبلغ السابعة عشرة من عمره ،بدأ يحب القراءة بصورة
عامة ويستمتع بالقراءة في مجال األديان املقارنة على وجه الخصوص ..ساعدته قراءاته على
استيعاب الكثير عن ديانات العالم ومعتقداته حتى وقعت يداه ّ
مرة على نسخة مترجمة من معاني
القرآن الكريم فبدأ يقرؤها ..وما أن فرغ من قراءة تلك النسخة التي أدهشه مضمونها حتى
وجد أن الكتاب الذي بين يديه يحمل إجابات باهرة عن كل األسئلة الحائرة التي كانت تعشعش
في ذهنه منذ نعومة أظفاره ..وأكثر ما شده تجاه القرآن الكريم اشتماله على منهج متفرد
للحياة وأسلوب مدهش لعقيدة مقنعة تجمع بين الدنيا واآلخرة ،وهو عين ما كان يبحث عنه
ويشعر بحاجته إليه.
ومن األمور العجيبة التي أثارت انتباهه وأراحت نفسه ً
كثيرا ،مكانة السيد «املسيح» في القرآن
رسول ًً
كريما ،ولكنه ال يمتلك صفة األلوهية مثله في ذلك مثل الكريم ،حيث ورد فيه باعتباره
مو�سى ونوح وإبراهيم وغيرهم من بني البشر ..هذه النقطة األخيرة أجابت له عن سؤال ظل
يطرحه على نفسه منذ طفولته« :من هو عي�سى؟».
وعلى الرغم من أنه وجد في اإلسالم كل ما كان يبحث عنه فإنه لم يسارع إلى اعتناقه إذ شعر
عبر عنه بقوله« :لقد استغرقت بعض الوقت في بأن األمر يحتاج إلى املزيد من البحث وهو ما ّ
الدراسة واالهتمام باإلسالم ،وبدأت ّ
أتعرف إلى جماعة من املسلمين وألتقيهم ألعرف أكثر وأكثر
345
عن اإلسالم ،إلى أن استقر رأيي على الدخول في اإلسالم».
ومن بين العوامل التي شجعته على اعتناق اإلسالم إعجابه باملسلمين الذين ّ
تعرف إليهم ،إذ
وجدهم ّ
يطبقون تعاليم اإلسالم كما ينبغي العمل والتحلي بها ..فتذكر حينها زمالءه وأصدقاءه
القدامى الذين كانوا يرتكبون الحماقات والذنوب في العطالت األسبوعية ،ويعلنون توبتهم
واعترافهم في الكنيسة ،ثم يعودون إلى املمارسات نفسها في عطلة األسبوع التالية ..فكان يشعر
بأن ذلك نفاق وخداع في تعامل اإلنسان مع ربه.
أخيرا وعن قناعة تامة اعتنق «رافع شريف» اإلسالم وظل يحرص على التزام تعاليمه ..صدم ً
سرادق العزاء
أهله ً
كثيرا باعتناقه اإلسالم فظلوا يصرخون في وجهه ويبكون حتى صبيحة اليوم التالي ويعبرون
ًّ
جنديا في الجيش األمريكي ..قاطعوه عن خيبة أملهم في إسالم ابنهم اليهودي الشاب الذي يعمل
ميتاً
جميعا استجابة ملعتقداتهم التي تق�ضي بقطيعة من يترك الديانة اليهودية ،بل اعتبروه ًّ
وأقاموا له سرادق العزاء ،وعلى الرغم من كل ذلك فقد ظل رافع مرفوع الهامة كمسلم عزيز
ثابت على إسالمه كمؤمن قوي الشكيمة ال يتزحزح عن إسالمه قيد أنملة.
برغم مقاطعة أهله ومناصبتهم له العداء ،أصبح «رافع» يعتز بإسالمه ّأيما اعتزاز ويتحلى
تحل ،وكان يحرص على أن يكون قدوة حسنة لغيره فيحبب لهم اإلسالم في بسلوكياته ّأيما ّ
ٍ
شخصه كما أحبه هو بالطريقة ذاتها من آخرين ..وفي هذا الجانب يقول رافع:
دائما أن أطبق املبادئ اإلسالمية وأكون قدوة لغيري ،حتى ال يعتقد اآلخرون«إنني أحاول ً
أني غير صادق أقول ما ال أؤمن به ..كذلك أقوم بدعوة زمالئي لإلسالم ،فأنتهز فرصة وقت
الصالة يوم األحد وأحاول إقناع زمالئي بعدم الذهاب للكنيسة ألقرأ عليهم بعض اآليات القرآنية
معان ،ثم نبدأ في النقاش حول هذه املعاني التي وردت بها ،ولكي
وتفسيرها ،وما تحويه من ٍ
أشجعهم على البقاء معي كنت أشتري الجرائد اليومية ،وأقدم لهم القهوة في فترة االستراحة،
حتى أجتذب أكبر عدد ممكن منهم إلى جانبي ألحدثهم عن اإلسالم».
فتأملوا كيف انتقل هذا الجندي األمريكي في سالسة من ظلمات ديانته اليهودية التي ّ
يكن ّ
أفرادها العداء لإلسالم إلى نور اإلسالم الذي ال يضمر العداوة ألهل الديانات األخرى!! ثم عقب
ذلك يتحدى مجتمعه بأكمله الذي يصر على تكبيله بتعاليم ديانته التي ال تحترم العقل ،فيعتبرونه
حرا ً
كريما في رحاب اإلسالم.. مي ًتا ويقيمون له سرادق العزاء ،ولكنه يحيا ًّ
ّ
فمن يعادونك ليعيدوك إلى طريقهم ..طريق الضالل ..سيكونون أول من يتخلى عنك عند حسابك
على السير في هذا الطريق..
سيبيعونك بال ثمن ليتبرؤوا منك!!
ّ
سيهيلون عليك جبال ذنوبهم علك تحملها عنهم!!
ال تطعهم ..أسلم ..تسلم..
اسأل هللا الهداية ..فباهلل نهتدي إلى هللا.
كانت باتينا تشارك في أعمال التنصير من خالل الجمعيات التبشيرية ،فالتقت بشاب
مصري اسمه «علي حسن عثمان» فدعته العتناق النصرانية ..تفاجأت برده عندما دعاها إلى
اعتناق اإلسالم.
347
أجرى الشاب املصري مع املنصرة األملانية سلسلة من املناقشات والحوارات واملقارنات
بين «النصرانية» و«اإلسالم» التي انتهت باقتناعها باإلسالم واعتناقها له ..ليس هذا فحسب بل
انتهى بها األمر بأن تزوجت الشاب املصري علي حسن عثمان في املركز اإلسالمي في «ميونيخ»..
ثم فاجأت الحاضرين لحفل الزواج بأن أمسكت بامليكروفون في املكان املخصص للنساء لتعلن
للجميع عن سر باهر خطير!! حيث قالت بصوت حما�سي ينضح بالصدق:
«ثمة �شيء مهم قبل وقائع عقد القران والزفاف ..أريد أن أشهر إسالمي ،وأن يشهد الحضور
عليه ألزف في ليلة عر�سي مرتين ...مرة لزوجي ،ومرة لديني الجديد ..لقد تركت األهل واألحباب
عروس استثنائية
جزءا من شحنة فرحها الغامر ثم بدأت تسرد التقطت باتينا أنفاسها للحظات بعد أن أفرغت ً
يوما مؤمنين بأي ديانة ،وعندما للحضور قصة دخولها اإلسالم ..حيث قالت« :والداي لم يكونا ً
عاما كان لدي شعور عميق بحتمية أن أعتنق ً
دينا ،ولم يكن أمامي وقتها إال كان عمري اثني عشر ً
وفقا لها ،ما أزعج عائلتي ً
كثيرا.. النصرانية فالتزمت بها ،وأردت أن أصوغ حياتي كلها بعد ذلك ً
ّ ّ
همي كله رعاية األطفال واالهتمام وفي بداية التزامي النصرانية لجأت إلى «البروتستانت» وجعلت
بهم ،ولكن بعد حين اكتشفت أن مجموعة «البروتستانت» التي أحيا بينها ال تحمل من النصرانية
غير اسمها ،فابتعدت عنهم إلى أن التقيت بمجموعة من رجال الكنيسة ،فمارست حياتي الكنسية،
غير أنني كنت أشعر أنه ما زالت هناك رغبات نفسية لم تأت بها املمارسات الكنسية ،لقد كنت
أسعى ً
دائما إلى البحث عن الكمال الذي يشبع كل رغباتي النفسية».
ثم تضيف «باتينا» وقد ارتفعت حرارة كلماتها بأن عالقتها مع نبي هللا عي�سى -عليه السالم -لم
يوما مع تصورات الكنيسة له التي تأباها الفطرة السوية ..وحتى ذلك الوقت لم تكن تعلم تتسق ً
شيئا عن اإلسالم الذي كان لها بمنزلة كوكب غامض لم يتم اكتشافه بعد. ً
رأسا على عقب.. في بداية العقد التاسع من القرن العشرين مرت باتينا بموقف ّ
غير حياتها ً
في تلك الفترة كانت تشارك في أعمال التنصير في أفريقيا مع إحدى الجمعيات التبشيرية ..وبينما
كانت في قمة عالقاتها اإليمانية بمعتقداتها النصرانية التقت بشاب مصري فدعته للنصرانية كما
ّ
كمنصرة. هو ديدنها مع جميع من كانت تلتقيهم آنذاك
دارت بين باتينا والشاب املصري سلسلة مناقشات موضوعية ساخنة تحتشد بالكثير من
األسئلة املتعلقة بالرب واإلسالم والنصرانية ..عندما تطرق النقاش ملسألة التثليث وجدت باتينا
ً
نفسها عاجزة عن تفسير هذه القضية التي لم تقتنع بها يوما ..فهي -وبفطرتها السليمة -كانت
تتساءل في استنكار :ما هو الروح القدس؟ وما هي حقيقة شخصية عي�سى -عليه السالم-؟ ما كان
الرب في الكتاب ّ
املقدس وال في أي يثير شكوكها أن عي�سى -عليه السالم -لم يرد ذكره على أنه ّ 348
إلى جانب قضية التثليث وجدت باتينا نفسها عاجزة كذلك عن اإلجابة عن الكثير من األسئلة..
املقدس مرة أخرى وبتعمق ..وجدت للخروج من هذه األزمة العقدية اضطرت إلى أن تقرأ الكتاب ّ
أن صورة عي�سى -عليه السالم -في الكتاب املقدس صورة بشرية ..رجعت إلى تطبيق النصرانية
في حياة الناس ..وجدت أن املسيحيين يطبقون من املسيحية ما ذكره «بولس» ..توصلت ً
أخيرا إلى
ً أنها لم تجد في النصرانية ً
منهاجا شامل أو أيديولوجية متكاملة ..شعرت حينها بأن قوة عالقتها مع
ً
فشيئا ..بدأت تدرس القرآن الكريم ..لكن برغم اقتناعها النصرانية أخذت تقل وتتناقص ً
شيئا
ً باإلسالم استغرقت ً
وقتا طويل قضته متنازعة بين ثالثية البحث والدراسة والتردد ..في البدء
تبدل دينها ..لكن بعد املزيد من املناقشات والبحث املستمر وجدت أن حبال كان يعز عليها أن ّ
ً
النصرانية أصبحت واهية وكل العوائق التي كانت تقف حائل بينها وبين الحقيقة قد سقطت،
كما اقتنعت ً
تماما بأن ما جاء به القرآن الكريم هو وحده الحق الذي يعلو وال يعلى عليه ..عندما
وصلت إلى هذه النقطة -نقطة الالعودة -انتابها إحساس بأنها ولدت من جديد.
بدءا بأداء الصلوات الخمسً ،
مرورا بدأت بعدها تمارس الشعائر اإلسالمية بصورة متدرجةً ،
أخيرا أكدت لها ً
وانتهاء بأدائها للسنن والتي من بينها صيام يوم عرفةً .. بتطبيقها لبقية الفرائض،
هذه املمارسات أن عقيدة اإلسالم هي الطريق الحق الذي ال حق سواه.
توقفت «باتينا» فجأة عن سرد قصتها الباهرة لتقول بلغة عربية مكسرة ،وبصوت خافت
يزينه الخشوع ونبرة صادقة دفيئة سالت من ّ
جرائها دموع الحاضرين« :أشهد أن ال إله إال هللا،
محمدا رسول هللا ،اللهم إني أشهدك وأشهد حملة عرشك ومالئكتك وجميع خلقك ً وأشهد أن
ً ًّ ً ًّ
أنك أنت هللا ال إله إال أنت ،رضيت باهلل ربا ،وباإلسالم دينا ،وبمحمد نبيا ورسول».
بانتهاء باتينا من سرد قصتها التي اختتمتها بإشهارها إلسالمها الذي تتحمس له بفخر وغيرة،
بدأت مراسم حفل زفاف هذه العروس االستثنائية ،التي أشاعت الفرح وأدخلت البهجة
في نفوس الحضور..
املصدر)26( :
فخور بإسالمي
سلطان البيئة والعائلة والثقافة والدين على اإلنسان ..سلطان حاكم متجبر..
إال أن من أراد هللا له الهدى واإليمان ال يقف أمامه أي سلطان..
إنها الفطرة السليمة التي وهبها هللا لإلنسان ..أفلح من تمسك بها واتبع نقاءها..
بطل قصتنا ..خضع لسلطان البيئة والعائلة والدين ..ثم خدع السلطان ..باإليمان!!
ولد في تايلند وسط أسرة ومجتمع يكنان عداوة شديدة لإلسالم ..ألحقته أسرته بمدرسة
ً
مؤهل لكي يعمل ً ً
داعيا ينشر معتقداتهم الفاسدة حرصا منها على إعداده حتى يصبح دينية محلية
ً
ضليعا في تشويه صورة اإلسالم وسط أفراد مجتمعه.. التي ورثوها عن األجداد وحتى يصبح
استمع إلى داعية إسالمي بغرض انتقاده فوجد األخير قد شده بحديثه الذي يدخل العقل والقلب
وحبب له اإلسالم فكان ً
سببا في إسالمه ..إنه التايلندي نستور جرميو تاذي ندعوكم لإلبحار
معنا في قصة إسالمه.
350
تقف وراء إسالم نستور جرميو حادثة غريبة تستحق الوقوف عندها ً
كثيرا ..خرج الطالب
كتبا تطعن في اإلسالم وتعمل على تشويهيوما من مدرسته وهو يحمل في يديه ًنستور جرميو ً
صورته بينما يحمل في قلبه تجاه اإلسالم كل صنوف الكراهية ..وبينما هو سائر في طريقه شاهد
إسالميا يخطب في مجموعة من الناس تجمعت حوله ..كان الداعية يشرح للحضور رسالةًّ داعية
اإلسالم الخالدة ويتحدث لهم عن مبادئه العظيمة ..غيرة على عقيدته شعر نستور جرميو
بالضيق ومن ثم قرر أن يفسد عليه حديثه بأن يخبر من تجمعوا حوله بأن ما يسمعونه منه ليس
ً
مستخدما في ذلك الحجج الكاذبة املضمنة في الكتب التي سوى أباطيل تفسد القلوب والعقول
ً ًّ
موضوعيا ومقبول رأى نستور جرميو ضرورة أن يقف ويستمع يحملها معه ..وحتى يبدو نقده
ً
للداعية حتى يصادف ثغرة في حديثه يستخدمها مدخل ملهاجمته ..لكن وعلى غير توقع منه وجد
نفسه يستمع ويتتبع بعمق حديث الداعية حتى نهايته دون أن يفكر مجرد التفكير في مقاطعته.
ً
م�ضى نستور جرميو بعد ذلك إلى بيته وهو يفكر متأمل ما قاله الداعية عن اإلسالم ،إذ وجده
يختلف ً
تماما عن ما قرأه في كتبه ..لم يذق ً
طعما للنوم في تلك الليلة إذ أخذ يقارن بين ما قرأه
عن اإلسالم في السابق وما سمعه من الداعية املسلم ..منذ ذلك الوقت أخذ نستور جرميو ينظر
إلى اإلسالم من زاوية أخرى ..نعم هذا الدين الذي كان يكرهه فيما م�ضى شعر نحوه بانجذاب
ً ً
دينا سهل واضح املبادئ قوي الحجة أقرب إلى الفطرة من غيره من األديان. أدهشه إذ وجده
لم تشرق شمس اليوم التالي على نستور جرميو حتى أخذ يبحث عن الداعية املسلم ..وعندما
وجه له أسئلة كثيرة كانت تقلقه ..وبعد سماعه إلجابات أسئلته من الداعية املسلمعثر عليه ّ
قرر اعتناق اإلسالم ..ترك بطل قصتنا املدرسة التي وجدها تناقض ميوله وقناعاته الجديدة..
وعندما علم املسؤولون باتجاهه الجديد الذي لم يداره عن أحد حاولوا إغراءه بكل ما لديهم من
وسائل بيد أنهم فشلوا في مساعيهم فقد تشبث باإلسالم بقوة إذ وجد فيه ما كان يبحث عنه من
سعادة حقيقية فاعتنقه عن قناعة تامة.
لم يكتف نستور جرميو بمجرد اعتناقه اإلسالم إذ بدأ يتعمق في دراسته من مصادره
األصلية ،أي من خالل نسخ مترجمة من القرآن الكريم والسنة النبوية الشريفة ،كما أصبح
شديد الحرص على تطبيق شعائر الدين اإلسالمي والتزام تعاليمه ،حيث يقول في ذلك« :لقد
ً
حريصا على أداء شعائر الدين ،والتزام طاعة هللا في كل ما أمر به، أصبحت منذ ذلك الوقت
والبعد عن كل ما نهى عنه ،ألن هللا معي في كل وقت يراني ويطلع على أحوالي...
إنني فخور اآلن بأن ديني اإلسالم الذي أدركت ً
أخيرا أنه هو الدين الحق».
351 إنها حالوة اإلسالم ..لذة اإليمان ..شوق اإلنسان لدخول الجنان..
فطوبى ملن قادته قدماه دون أن يدري إلى أسباب الهدى واإليمان..
وطوبى ملن لم يبخل على غيره من غير املسلمين بالدعوة والدعاء بنعمة اإلسالم..
من كان غير مسلم ثم أكرمه هللا باإلسالم هو خير من يشعر بمن ال يزال ً
بعيدا عن نعمة اإلسالم..
فساعدوا غيركم ..فقد كنتم باألمس تفتقرون إلى يد العون من املسلمين ..فإن قصروا فال تقصروا!!
اسألوا هللا الهداية ..فباهلل نهتدي إلى هللا.
فخور بإسالمي
املصدر)26( :
قارب النجاة
يجتهد الحاقدون على اإلسالم في طمس أي طريق يهدي الناس إلى اإلسالم..
العجيب ..أنهم كلما طمسوا الطريق ..أو اعتقدوا ذلك ..ازداد عدد املهتدين إلى طريق اإلسالم!!
يعتقدون أنهم يهتدون إلى الطريق بأبصارهم ..فيعمونها!!
إنها البصيرة أيها الغافلون!! ..فكيف لكم بطمسها؟!!
بطلة قصتنا ..أتاحوا أمامها األديان كافة ..ما عدا اإلسالم ..فأسلمت!!
إنها السيدة األمريكية «فرجينيا جراي هنري» ندعوكم ّ
للتعرف إلى قصة إسالمها.
نشأت فرجينيا في مدينة «لويفيل كنتاكي» وتخرجت في جامعة «كولومبيا» ..لم تكن راضية
عن حياتها برغم رغد العيش ،فقد كانت تبحث دونما جدوى عن االستقرار الروحي والطمأنينة
النفسية كما ظلت تنشد في يأس نعمة االقتناع بدينها ،على الرغم من أنها كانت ترتاد الكنيسة
بانتظام ،وهي كما تقول« :كنت منذ صغري متدينة ،أذهب ً
دائما إلى الكنيسة البروتستانتية التي 352
أنتمي إليها ..وكان من تعاليم هذه الكنيسة أن أؤمن بالحياة اآلخرة ....ولكن أي حياة هذه ومعظم
الناس ال يفكرون في املوت إال عندما يتقدمون في السن؟! وقد حدث في صغري أن شاهدت ً
كثيرا
من قريباتي وأقراني يموتون في بعض الحوادث ،فبدأت أفكر في مصيرهم ،وماذا سوف يحدث
لهم بعد موتهم؟! كما أن طريقة الحياة األمريكية تجعل املرء يشعر أنه سيموت عندما يبلغ
الستين ،فعليه أن ينتهز فرصة هذه الحياة لينفقها في املتعة وامللذات قبل أن ينتهي كل �شيء!!».
لم تكن فرجينيا راضية عن حياتها ألبتة فبدأت تبحث في استماتة عن االستقرار الروحي..
خالل رحلة بحثها عن الحقيقة التقت حركة كبيرة تؤمن بالحياة بعد املوت تطلق على نفسها
اسم «الروحية» ..يمتلك بعض أفراد تلك الحركة -كما يزعمون -املقدرة على التواصل مع عالم
األموات ..وهؤالء يعتبرهم بقية أفراد الحركة من املوهوبين!! لكن ما أن يبدؤوا اتصالهم بعالم
األموات الذي يقولون عنه إنه عالم روحي حتى تتفاجأ بهم يسألونهم فقط عن النواحي املادية التي
ال صلة لها بالدين والروح ،وال عالقة لهم بالحياة الطيبة الصالحة! ويعتقد أفراد تلك الجماعة
أن كل �شيء له تعليل في حياتهم املادية بالضرورة أن يكون من عالم األرواح.
وعندما توصلت فيرجينيا أن دراستها لعالم األرواح ال تمكنها من الوصول إلى بغيتها املنشودة
جانبا ،واتجهت إلى دراسة األديان فدرستها جميعها في املتمثلة في االستقرار الروحي تركتها ً
الجامعة ما عدا الدين اإلسالمي ،لسبب تذكره في حديثها وهي تقول :درست في الجامعة مقارنة
األديان ملدة أربع سنوات ،باستثناء الدين اإلسالمي الذي لم يكن ّ
يدرس لنا ،ألن رئيس القسم
ًّ ً
يهوديا يدعى «موريس فريدمان». كان أستاذا
لم تقتنع فيرجينيا بما درسته عن األديان فقد شعرت بأن كل ما حولها بعيد عن الحقيقة
واملوضوعية ،وينطبق ذلك حتى على الكتب التي تتحدث عن األديان ..فعلى سبيل املثال الحظت
كتبا عن األديان األخرى مثل البوذيةأن مجلة «اليف» التي تشرف عليها هيئة يهودية تنشر ً
والهندوكية واإلسالم وتتحدث عنها وكأنها أديان أثرية ال ّ
تمت للحياة بصلة وبالتالي كان اطالعها
على اإلسالم يتسم بالضعف الشديد ..وجدت نفسها غارقة وسط دوامة من الحيرة وأمواج من
القلق ..لكن وقبيل أن تغرق في يم الضياع أسلم زوجها وكان لها بمنزلة قارب النجاة ،وهنا تتحدث
بطلة قصتنا قائلة وعلى محياها تبدو مالمح الرضا وتتجلى مظاهر الراحة النفسية كمن أنزلت
ً
أطنانا من الحديد« :لم أشعر بوجود اإلسالم في نف�سي إال بعد أن أسلم زوجي، من على أكتافها
فبدأت أقرأ الكتب اإلسالمية وأسأل املسلمين عن تعاليمه ،حتى وجدت فيه الهداية واإلقناع
النف�سي والعقلي ،والعثور على الحقيقة التي أبحث عنها».
اعتنقت بطلة قصتنا اإلسالم عقب إسالم زوجها فوجدت فيه إجابات شافية عن كل األسئلة
353 التي كانت تقلقها منذ صغرها والتي من بينها تلك األسئلة املتعلقة بحقيقة الحياة واملوت..
وشعرت باالستقرار الروحي الذي كانت تبحث عنه ،والطمأنينة النفسية التي كم افتقدتها في
حياتها ..أسلمت بعد أن اقتنعت باإلسالم كدين قويم استطاع أن يغير نظرتها إلى الحياة ..عندها
فقط شعرت بأن هللا تعالى أنعم عليها بأعظم نعمة في حياتها بأن هداها إلى اإلسالم..
بطلة قصتنا ..أرادوا توظيف موهبتها ملحاربة اإلسالم من خالل تنصير النساء املسلمات
وإفسادهن ..درست اإلسالم كأداة للتنصيرً ،
بناء على رغبتها ،فوجدت نفسها وقد أصبحت من
أنصاره ،فنطقت بالشهادتين واعتنقت اإلسالم..
إنها األمريكية شريفة كارلو بطلة هذه القصة ..تحكي لنا قصتها مع اإلسالم فتقول:
عندما كنت في طور املراهقة كنت أتمتع بفصاحة التعبير ،وأتميز عن قريناتي بالنشاط الفاعل
والدفاع املستميت عن حقوق املرأة ..صفاتي السابق ذكرها لفتت انتباه مجموعة من األشخاص
الذين يعملون في مراكز حكومية كان لديهم مخطط شرير لتقويض اإلسالم ..أذكر أن أحد أعضاء
ً
تلك املجموعة وعدني بأن يضمن لي عمل في السفارة األمريكية في مصر لو درست «العالقات
الدولية» وتخصصت في قضايا «الشرق األوسط» ..كان ذلك الشخص يهدف إلى أن أستخدم
ً
مركزي في السفارة األمريكية في مصر مستقبل وأتواصل مع النساء املصريات املسلمات ومن ثم
أشجع حركة حقوق املرأة الناشئة في ذلك البلد املسلم واملسالم.
في البدء حسبت أنها فكرة عظيمة ألنني شاهدت النساء املسلمات على شاشة التلفزيون،
ووصل إلى علمي أنهن يعانين االضطهاد والعنف والظلم والضعف ،فقلت هذه فرصة ّ
جيدة
لكي أخرجهن من ظلمات قهر العصور القديمة إلى نور حرية القرن العشرين ..ولكي أحقق هذا
أتعرف إلى اإلسالم؛ فذهبت إلى الجامعة حيث درست القرآن الكريم، الهدف كان ال ّبد لي من أن ّ
والحديث النبوي والتاريخ اإلسالمي ،كما درست األساليب امللتوية التي من خاللها أستطيع أن
أوظف تلك املعلومات بما يمكنني من تحقيق أهدافي ..على سبيل املثال تعلمت كيف ألوي وألون
الكلمات ألجعلها تشير إلى ما أريده أن يصل إلى فهم املتلقي ..بيد أنني وما إن بدأت أدرس اإلسالم
حتى أخذت رسالته تأسرني وليس ذلك بغريب فقد وجدتها رسالة منطقية وعميقة.
في الحقيقة حرك تأثري باإلسالم مشاعر الخوف والرعب في نف�سي ..لذلك وحتى أستطيع
ً
دروسا في هذا مقاومة ذلك التأثير قررت أخذ جرعات وقائية من الديانة املسيحية فبدأت أتلقى
ً
الجانب ..لقد اخترت في ذلك أستاذا واسع الشهرة ،ويحمل درجة الدكتوراه في فلسفة الالهوت
من جامعة هارفرد ..نعم اخترته ألتلقى منه ما أنشده من جرعات دينية وقائية ..شعرت مع ذلك
ً
موحدا ،ولم يكن يؤمن بالتثليث أو ألوهية املسيح، ًّ
مسيحيا أيد أمينة ألنه كان
األستاذ بأنني في ٍ
بل كان يؤمن بأن املسيح نبي ..وقد أثبت األستاذ هذه الحقيقة من خالل تناوله للتوراة واإلنجيل
في أصولهما اليونانية والعبرية واآلرامية ،كما بين مواضع التغيير في تلك األصول.
وفي الحقيقة لقد كان انتهائي من تلك الدروس بداية لتقويض الديانة النصرانية داخل نف�سي،
355 وإن لم أكن حتى تلك اللحظة مستعدة لقبول اإلسالم.
وعقب ذلك تابعت دراستي ألجل حياتي املهنية املستقبلية ،حيث أخذت مني تلك الدراسة
نحو ثالث سنوات ..وبالتوازي مع دراستي الجديدة تواصلت مع عدد من املسلمين ألسألهم عن
عقيدتهم الدينية ..وقد تطوع أحد أولئك األشخاص بتعليمي كل ما له صلة باإلسالم عندما رأى
اهتمامي الشديد به.
في أحد األيام اتصل بي الشخص ذاته ،وأفادني بأن مجموعة من املسلمين تزور املدينة ونصحني
بأن ألتقيهم ..بالطبع وافقت ،وذهبت للقاء تلك املجموعة بعد صالة العشاء ..فوجدت نف�سي في
ً
شخصا ..أفسحوا لي املكان جميعهم ،فجلست قبالة رجل باكستاني مسن.. قاعة بها نحو عشرين
قصة شريفة
كان واسع االطالع في مواضيع الدين املسيحي ..تناقش معي وتجادل حول أجزاء متنوعة من
اإلنجيل والتوراة والقرآن ..تواصل النقاش بيننا حتى طلوع الفجر ..وعقب انتهاء النقاش طلب
ً
حساسا مني الرجل ما لم يطلبه شخص آخر ..لقد دعاني إلى اعتناق اإلسالم ..بل قل طرق ً
وترا
داخل نف�سي لم يطرقه أحد قبله ..أدركت ً
تماما أن األوان قد آن ،فقلت بقناعة تامة ال تشوبها
شائبة« :نعم ،أريد أن أصبح مسلمة».
علمني ذلك الرجل الحكيم كيفية نطق الشهادة باإلنجليزية والعربية فنطقتها.
ً ً
وما أن نطقت كلمات الشهادة حتى شعرت وكأن حمل هائال أزيح عن صدري ..ولتقريب
الصورة أفيدكم بأنني كنت ألهث وكأنني أتنفس للمرة األولى في حياتي ..الحمد هلل تعالى الذي
وهبني حياة جديدة ،ومنحني فرصة للفوز بالجنة؛ فأسأله سبحانه وتعالى أن أحيا وأموت
على دين اإلسالم.
هذه هي قصة شريفة كارلو الفتاة األمريكية املوهوبة املسلمة بالفطرة والتي حاول بنو
يقل عددهن فأصبحت واحدة منهن قومها توظيفها لتنصير نساء اإلسالم وإفسادهن حتى ّ
وإن زادت عددهن بأكثر من واحدة ..فهي قد تحولت عقب إسالمها من مجرد فتاة واحدة إلى
امرأة بحجم وطن.
بطل قصتنا من هؤالء املميزين ..ولد لوالدين أمريكيين ينتميان إلى الكنيسة األرثوذكسية..
متدينا ..وعندما شب عن الطوق دفعته فطرته السليمةً تعلم في صغره التعاليم النصرانية فشب
إلى التمرد على عقيدته النصرانية ..تقافزت إلى ذهنه تساؤالت عديدة لم يجد لها إجابات منطقية
357 حتى من القساوسة ..دفعه شكه في عقيدته إلى البحث في ديانات الشرق ..أتاح له عمله الدبلوما�سي
في الفلبين فرصة التقاء العديد من املسلمين ،وبمعونتهم درس اإلسالم فوجد فيه اإلجابات
املقنعة لكل تساؤالته فاعتنقه ..إنه الكاتب القاص والدبلوما�سي األمريكي ألكساندر رسل ويب..
الداعية اإلسالمي محمد ألكساندر ..هذه دعوة للسياحة بين فضاءات حكاية إسالمه..
ولد ألكساندر رسل ويب بمدينة هدسون التابعة ملقاطعة كولومبيا في والية نيويورك
بالواليات املتحدة األمريكية ..والداه ينتميان إلى الكنيسة األرثوذكسية ما جعله يلقن التعاليم
ً
متدينا. والطقوس األرثوذكسية منذ نعومة أظفاره فشب
االستسالم هلل
عندما بلغ بطل هذه القصة العشرين من عمره وبدأ عقله أولى خطواته نحو النضج ،بدأ
يتمرد على عقيدته حيث اكتشف تعارض تعاليمها مع أبسط قواعد املنطق والفطرة السليمة.
بدأت تحاصره التساؤالت الغامضة حول عقيدته من كل حدب وصوب ..ما أثار حيرته
اكتشافه أن القسيس نفسه ال يملك إجابات لهذه التساؤالت سوى أحاديث مكررة ال تقدم وال
تؤخر تناقلها رجال الكنيسة ًأبا عن جد.
قاده شكه في العقيدة النصرانية إلى البحث في ديانات الشرق ،عساه يجد فيها ما ظل ينشده..
قرأ أعمال ّ
الكتاب والفالسفة املهتمين بفلسفة الخلق والحياة واملوت أمثال :مل ،لوك ،كانت،
ً
بحثا ّ
عما يروي ظمأه من إجابات بيد أنه فشل في العثور على مبتغاه؛ هيجل ،وهكسلي ،وغيرهم
ً ً
ألن علمهم مهما عال سيظل محدودا ،وقاصرا عن فهم واستيعاب حقيقة الذات اإللهية وعظمتها.
على الرغم من أن تلك القراءات لم تمده بإجابات عن أسئلته الحائرة فإنها مدته بكم مهول من
املعارف الفلسفية التي مكنته من أن يمتلك ً
قلما ذائع الصيت في مجال الفكر والكتابة ،كما أنها،
أتاحت له بعض املعلومات عن ديانات الشرق وفي مقدمتها العقيدة اإلسالمية.
ً
محررا في كل من المعا ،حيث عملصحافيا ً
ًّ وكاتبا ً
موهوباً ، جعلت منه تلك القراءات ًّ
قاصا
صحيفتي «سان جوزيف جازيت» و«الجمهوري ميسوري» ..بيد أن النقلة الكبرى في حياته حدثت
ً
قنصل ً
عاما للواليات املتحدة األمريكية في العاصمة الفلبينية «مانيال». له إثر تعيينه
العمل الدبلوما�سي لويب في مانيال أتاح له فرصة التقاء العديد من املسلمين ،وقد أعانه هؤالء
في معرفة الكثير عن اإلسالم ..تألم بشدة عندما رأى املسلمين يعاملون في بالدهم كمواطنين
من الدرجة الثانية بعد أن كانوا هم السادة والحكام ..وتألم أكثر عندما استحضر حقيقة أن
االستعمار الذي أسهمت بالده في صنعه عبر بيعها الفلبين إلى البريطانيين بثمن بخس هو الذي
أشعل نار الفتنة العنصرية لنصارى الفلبين ضد مسلميها املغلوب على أمرهم.
358
وما أن بدأ ألكساندر دراسة اإلسالم حتى انبهر باكتشافه لعظمته وبساطته وقربه من الفطرة
السليمة وبعده عن كل طالسم الكنيسة التي تمتلئ بها عقائد النصارى.
ً ً
تحقيقا كامل لألخوة اإلنسانية بمعناها الحقيقي العظيم إذ إن الناس وجد ويب في اإلسالم
فيه سواسية أمام هللا تعالى كأسنان املشط ال فضل ألحدهم على اآلخر إال بالتقوى ،كما وجد فيه
عالقة مباشرة بين العبد وربه بال وسيط بعكس الديانة النصرانية ..عندها فقط أدرك ألكساندر
أن اإلسالم هو النموذج األسمى لألديان وأنه يمثل الفطرة والحق الذي ارتضاه هللا تعالى لعباده،
وأنه هو الدين الذي نادى به جميع األنبياء واملرسلين بمن فيهم نبي هللا عي�سى -عليه السالم.-
وما أن وصل ويب إلى هذه القناعة حتى قرر اعتناق اإلسالم بصورة رسمية عملية برغم يقينه
وغير اسمه إلى «محمد» ً
تيمنا بالرسول بأنه مسلم بقلبه منذ سنوات عديدة ..فأعلن ويب إسالمه ّ
ّ
-صلى هللا عليه وسلم ،-مع احتفاظه ببقية اسمه فصار يعرف باسم محمد ألكساندر رسل ويب.
وعقب إعالنه إلسالمه قام محمد ويب بجولة مكوكية طاف عبرها العديد من بلدان العالم
اإلسالمي حيث التقى إخوته في هللا ،ثم تفرغ كداعية إسالمي عقب انتهاء مدة خدمته في العمل..
وكان يرد على املتشككين في إسالمه بقوله« :إن اعتناقي اإلسالم لم يكن نتيجة عاطفة منحرفة ،أو
ً
اعتقادا أعمى ،أو حركة انفعالية آنية ،ولكنه كان وليد دراسة جادة ،أمينة ،حثيثة ،وبريئة من كل
تصور مسبق ،كان وليد االستقراء ،والتدبر ،والرغبة امللحة في معرفة الحقيقة ..بكلمة أخرى،
اعتنقت اإلسالم بعد أن تبين لي أن جوهر العقيدة اإلسالمية الحقة هو االستسالم هلل ،وأن
الصالة حجر الزاوية فيها ،إن هذه العقيدة تدعو إلى األخوة العاملية ،والحب العالمي ،والتعاطف
العالمي ،إنها تلح على نقاء العقل ،ونقاء الفعل ،ونقاء القول ،وتلح على النظافة -الطهارة -املادية،
إنها الكاملة -فوق كل �شيء -أبسط وأرقى أشكال الدين التي عرفها اإلنسان».
إخالص محمد ويب في خدمة الدعوة اإلسالمية دفع الجالية املسلمة في الواليات املتحدة
األمريكية إلى تكريمه بتقليده رئاستها..
أتاح لها عملها كسكرتيرة بمكتب شرطة األجانب في «لوزان» السويسرية الفرصة في إلقاء
ً
نظرة على املسلمين الذين وجدتهم يختلفون عن غيرهم في السلوك الراقي واألدب الجم ،فضل
عن السكينة والطمأنينة التي تبدو على محياهم فأعجبت بهم وسجلت في ذهنها نقطة ملصلحة
ً
برنامجا عن اإلسالم بثه التلفزيون السويسري رأت فيه املسلمين اإلسالم ..ثم شاهدت ذات يوم
وهم يؤدون الصالة في خشوع ،وبحركات متناسقة فوجدت نفسها مشدودة إلى اإلسالم ..موقفان
ّ
مثال نقطة تحول في حياتها وكانا ً
سببا في اعتناقها لإلسالم ..إنها السيدة السويسرية «آمال مؤثران
لوليه» بطلة هذه القصة.
لم تكن بطلة قصتنا هذه مقتنعة بوجود وسيط بين اإلنسان وربه األمر الذي جعلها تشك
في الديانة النصرانية التي وجدت نفسها تعتنقها بصورة قسرية لكونها تنتمي ألسرة مسيحية
متدينة ،ومن ثم بدأت البحث عن ديانة بديلة تتسق مع عقلها املتفتح وفطرتها السليمة.
عقب إكمالها لدراستها الجامعية عينت «آمال لوليه» سكرتيرة بمكتب شرطة األجانب في
ّ
«لوزان» بسويسرا ..منحها عملها هذا فرصة ذهبية مكنتها من االحتكاك بفئات مختلفة من الناس
يتباينون في أعراقهم وجنسياتهم ودياناتهم ،ومن هؤالء مسلمون ينتمون لبلدان متعددة .وجدت
أناسا مميزين يختلفون عن غيرهم في السلوك الراقي واألدب الجم والطمأنينة آمال في املسلمين ً
ً
الواضحة ،فضل عن اعتدادهم بأنفسهم حينما يتعاملون مع الغير ..وجدت آمال في املسلمين
أشياء كثيرة كانت تفتقدها في حياتها من أهمها نعمتا الطمأنينة النفسية واالستقرار االجتماعي..
ً
برنامجا عن اإلسالم في تطور انطباعها الطيب عن املسلمين إلى إعجاب شديد حينما شاهدت
التلفزيون السويسري ..رأت املسلمين في ذلك البرنامج وهم يؤدون الصالة في خشوع ،وبحركات
متناسقة انبهرت بها أيما انبهار ..وجدت نفسها مشدودة إلى اإلسالم ،بل ّ
تمنت في تلك اللحظة لو
ً كانت تشاركهم الصالة ..شعرت وكأن ً
هاتفا من أعماقها ّ
يردد قائل في صدق :هذا هو الدين الذي
ظللت أبحث عنه السنين الطوال.
كادت عاطفة آمال الجياشة تدفعها إلى اعتناق اإلسالم بيد أنها قررت التروي والتريث حتى
تسلم عن فهم واقتناع تامين لذلك قضت سنتين في جمع املزيد من املعلومات عن اإلسالم كما
ظلت تتردد على املركز اإلسالمي في «لوزان» لتلتقي باملسؤولين واملسلمين فيه حتى تتعرف عبرهم
إلى املزيد من تعاليم هذا الدين وأركانه.
وتقول آمال بصوت دفيء خفيض يعلوه الوقار« :لقد كان ً
مقدرا لي أن أعتنق هذا الدين منذ
361
ً
الصغر ..فلم أكن أجد في ديانتي أي حب ..فضل عن أن املعلومات التي كنت أتلقاها في املدرسة
واع ...فقد كانوا يعلموننا أن اإلنسان إذا اعترف بذنوبه أمام أحد
ال يمكن أن يقبلها عقل متفتح ٍ
رجال الدين املسيحي ،فإن هذا االعتراف مبرر لغفران ذنوبه ...وهذا �شيء ال يمكنني أن أقتنع
به ..وبرغم ذلك فإنني أخذت أؤمل نف�سي بأنني ربما أقتنع بعد أن يكبر عقلي وينضج فكري أكثر
وأصير امرأة».
ظلت آمال على حالها غير مقتنعة بالنصرانية حتى بعد أن كبرت ونضج عقلها ،لذلك قررت
أن تهجر ديانتها وديانة أهلها وتلوذ باإلسالم بعد أن وجدت نفسها مشدودة إلى تعاليمه وآدابه
ً
منصة التتويج
وإعجابها بالحقوق التي منحها للمرأة ،فضل عن التكريم الذي أضفاه عليها ..عندما وصلت إلى
تلك النقطة لم تتردد آمال لحظة في أن تعتنق اإلسالم عن اقتناع وحب ..وما أن فعلت ذلك حتى
أحست بالسكينة تغمر نفسها وانتابها إحساس من ولد من جديد.
وعندما سألها بنو جنسها القدامى عن رأيها في تعدد الزوجات الذي يبيحه اإلسالم ردت على
السؤال قائلة في حدة وغضب شديدين« :إن ذلك ما يردده أعداء اإلسالم ..وهم جاهلون أو
حاقدون على هذا الدين العظيم ...فاإلسالم سمح بتعدد الزوجات ولكن ّ
قيده بالعدالة التي ال
ً
قليل ًّ
جدا ...وبرغم ذلك فأنا أفضل أن يتزوج الرجل بأكثر من امرأة على أن يمكن أن تتحقق إال
تكون له عشيقات كما نجد في معظم أوروبا وغيرها من دول العالم البعيدة عن اإلسالم ،فالرجل
فيها يتزوج وفي الوقت نفسه يتخذ له أكثر من عشيقة!!».
وعندما سألوها مرة أخرى عن القيود التي فرضها عليها اإلسالم أجابت قائلة بنبرة ساخرة
يعلوها االستنكار« :ال ...لم أشعر بذلك ً
مطلقا ..فاإلسالم ال يمنع املسلم إال عن األشياء التي تضره،
ولذا حرمها هللا تعالى كالتبرج ،وسفور املرأة الذي يؤدي بها إلى طمع الغير فيها وقد يصل إلى حد
كثيرا ...ومن هنا جاء حث اإلسالم على ارتداء الحجاب». االعتداء عليها باغتصابها كما نسمع ً
ً
ثم استطردت قائلة في ثقة واعتزاز« :أنا مثل يمكنني أن أمارس أنشطتي العادية في إطار مبادئ
اإلسالم ،فلم أشعر بأي قيد علي من تعاليمه ،بل بالعكس شعرت بحرية النفس التي تحررت من
عبودية الجسد الذي كنت أهتم بإبراز مفاتنه ألنال إعجاب نظرات الغير ،ولكن الحمد هلل قد
ّ
هداني هللا إلى الطريق الصحيح ،وأنا أشعر بفيض من النور يغمر كياني كله ،بل إنني تحولت إلى
إنسانة جديدة».
هذه رحلة مباركة قطعتها «آمال لوليه» لتصل إلى بر األمان ..إلى اإلسالم ،حرصت على أن
ً تؤدي فرائضه كاملة ،ومن ذلك فريضة الحج التي جعلتها تشعر بأنها قد تغيرت ً
تغيرا كامل
لتعيش في عالم الطهر والنقاء والشفافية.
362
ّ الفطرة السليمة أينما ُغرست في القلب فال تخذل صاحبها ً
أبدا ..فقد سخر هللا تعالى آلمال
عوامل كثيرة مكنتها من تحقيق آمال عريضة بدت لها في البدء مستحيلة :عملها بمكتب شرطة
األجانب الذي فتح بصرها على املسلمين ،والبرنامج التلفزيوني السويسري الذي أنار بصيرتها
ً
بنور اإلسالم ،ثم بحثها الدؤوب الذي أكسبها املزيد من املعلومات عن هذا الدين الحنيف ،فضل
عن املركز اإلسالمي في «لوزان» الذي زفها إلى أعظم منصات التتويج..
وهكذا حققت «آمال لوليه» بإسالمها آمالها العريضة التي ظلت تحلم بها..
فمتى تحقق أنت آمالك في الوصول إلى السعادة الحقيقية؟!
باب السعادة ال يحتاج إلى مفتاح ..ألنه مفتوح ً
دائما..
اسأل هللا الهداية ..فباهلل نهتدي إلى هللا.
بيئتهم اإلسالمية تؤثر فيهم ..تحرك نور اإليمان في قلب من يمتلك منهم فطرة سليمة..
تثير في دواخلهم تساؤالت عميقة ..فتقود املنصف منهم إلى النجاة ..إلى اإلسالم!!
حيه العريق،بطل قصتنا كان يستمتع في صغره بمرأى مئذنة الجامع وهي تتسامى في فضاء ّ
ِ
ّ
وهو املسيحي الذي ينتمي إلى أسرة نصرانية قحة تعتنق املذهب املاروني وتكن لإلسالم
أق�صى درجات العداء!! لم يكن يكفيه االستمتاع بمرأى املئذنة بل كان يتمنى من كل قلبه لو
يدخل املسجد خلسة ولو ملرة واحدة في حياته ليصلي كما رأى املسلمين يصلون..
عجزت فطرته السليمة في صغره عن تجاوز طاغوت أهله ..لكن عندما كبر تحققت أحالمه
ً
363 ودخل املسجد جهرة من بوابة اإلسالم بدل من التلصص عليه خلسة عبر نافذة غرفته ..إنه
الدكتور ميشال الغريب أحد نجوم الدعاة وبطل هذه القصة.
ً
تحديدا في حي «الخندق العميق» ذي األغلبية املسلمة ..عاش طفولة ولد ميشال في بيروت،
ً
متنازعة بين فطرة تحب اإلسالم وأهله ،وأهل يكرهون اإلسالم ورموزه ..لم يسمع يوما صوت
املؤذن ينادي للصالة دون أن يهرول نحو النافذة في شغف محموم ليصغي في سكينة وادعة تفوق
سنوات عمره الغضة إلى كلمات وضيئة دخلت فؤاده دون أن تطرق باب عقله ..مع صوت األذان
الذي أحب كلماته دون أن يستوعب معانيها كان ينبهر بمرأى املسلمين وهم يتوجهون في حب
إلى املسجد ألداء الصالة ..تلخصت آنذاك قمة آماله في أن يركع كما يركع املسلمون وأن يسجد
سدا ً كما يسجدون ..فقط لوال خوفه من أفراد أسرته الذين كانوا يقفون ًّ
ميشال الغريب
عاش ميشال طفولة مؤملة داخل قفص من الحرمان ..فقر أسرته املدقع اضطره إلى أن يمزج
بين العمل والدراسة حتى يساعد والده في تغطية نفقات األسرة املتزايدة ..عشق اللغة العربية
ً
حاجزا بينه وبين شراء الكتب التي ولجت قلبه عبر بوابة القرآن واألذان بيد أن غول الفقر وقف
كثيرا ..فطرته السليمة ألهمته إلى حل عجيب.. التي يمكن أن يقوي عبرها هذه اللغة التي أحبها ً
تمثل هذا الحل في قراءة القرآن الكريم ..نعم قرر ميشال االستعانة بكتاب هللا الكريم حتى
يستفيد من بالغته الباهرة وإعجازه اللفظي املدهش في امتالك ناصية العربية التي أحبها فبادلته
حبا بحب ،إذ كافأته بأن جعلت آيات هللا تتغلغل في حنايا صدره كما مكنته قراءة القرآن الكريم ًّ
من الوصول إلى اكتشاف خطير مفاده زيف ما أخبره به القساوسة من أن املسلمين ال يوقرون
احتراما ألمه العذراء؛ إذ وجد القرآن الكريم يصفً املسيح عي�سى -عليه السالم ،-وال ّ
يكنون
ً ً
وتوقيرا ..برغم كل ذلك عي�سى -عليه السالم -وأمه العذراء بأصدق األوصاف ،وأكثرها تبجيل
لم يفكر في اعتناق اإلسالم ..وفي املقابل لم ترق له أفكار النصرانية ومعتقداتها ،بل اتبع التيار
العلماني ،واستمر يتبع هذا التيار حتى بعد حصوله على درجة الدكتوراه في العلوم السياسية،
واشتغاله بالتدريس في الجامعة اللبنانية.
ّ
املتشددة فقد ظل ميشال الغريب يحرص على أن يتناول لكن وعلى الرغم من علمانيته
اإلسالم في محاضراته ومؤلفاته -كعقيدة وشريعة -بصورة موضوعية ،كما كان معظم أصدقائه
املقربين من املسلمين ،ليس هذا فحسب بل إن شقيقته تريزا تزوجت من مسلم سني.
364
عالقاته الوثيقة باملسلمين ربما كانت السبب في أن يسهم مع بعض املثقفين النصارى في إنشاء
«منظمة املسيحيين الديمقراطية» التي كانت تتصدى للدعاوى العنصرية الحاقدة التي كانت
تعمل على تشويه صورة اإلسالم في أذهان الغربيين ..وهكذا استمر به األمر من حال إلى حال
حتى أعلن إسالمه ..وهو إسالم فطري ظل يالزمه منذ طفولته ..نعم اتجه ميشال بكل قناعة إلى
دار الفتوى في بيروت حيث أشهر إسالمه ،وتسمى باسم «محمد ميشال الغريب».
عوامل كثيرة دفعت ميشال الغريب إلى إعالن إسالمه ..يرجع أول هذه العوامل إلى تشككه في
صحة تعاليم النصرانية التي يناقض بعضها ً
بعضا ،خاصة الزعم بألوهية عي�سى ابن مريم -عليه
السالم ،-الفكرة التي تناقض نفسها بنفسها ،وهو تناقض يتجلى في أوضح مظاهره أمام من يضع
في االعتبار الزعم بأن صلبه كان فداء لخطيئة البشرية!! بينما يقول الكتاب ّ
املقدس على لسان
صلب!املسيح نفسه« :ملعون كل من علق خشبة»! أي ملعون من ُ
في املقابل وجد ميشال الغريب في القرآن الكريم الرد الشافي لكل ما يدور في ذهنه من
عز ّ
وجل ،وبشرية عي�سى -عليه السالم ..-هذا باإلضافة إلى وسطية تساؤالت ،حول حقيقة هللا ّ
دين اإلسالم التي تجمع بين الجانبين الروحي واملادي في اإلنسان ،إلى جانب شريعته التي تصلح
ً
لكل زمان ومكان ،وتنظيمه لعالقة العبد بربه ،وعالقة العبد بالعبد ،فضل عن حقيقة أنه جعل
ً
أساسا للمفاضلة بين الناس. التقوى -وال �شيء سواها-
أسهم ميشال الغريب بمؤلفاته الصادقة الجريئة في خدمة العديد من قضايا املسلمين ،ففي
كتابه «حريق املسجد األق�صى» الذي قام بتأليفه استجابة لطلب ورد إليه من مركز األبحاث
الفلسطيني ،أوضح ميشال أن حريق املسجد األق�صى يؤكد الطبيعة العدوانية للدولة اليهودية،
أما كتابه «التمييز العنصري في إسرائيل» فقد جاء ليفضح حقيقة الوجه البغيض للكيان
اإلسرائيلي الذي يقتات على دماء األبرياء وأشالء الضحايا.
ومن األمور املهمة التي أشار إليها ميشال الغريب حقيقة أن الدعاة ما زالوا يعتمدون على
الوسائل التقليدية في الدعوة إلى هللا ،بل أو�صى بأن يواكب الدعاة التطور الفكري والعلمي
للبشرية حتى يتمكنوا من تقديم عقيدتهم بما يليق بها من جالل وجمال وكمال ،وحتى يقدروا
على مواجهة اليهود الذين استغلوا وسائل االتصال الحديثة وسيطروا على معظم وكاالت األنباء
ّ
العاملية ،وسخروها لخدمة الصهيونية ،فاملسلمون في رأيه يملكون مقدرات مادية مهولة،
وإمكانات بشرية ضخمة بيد أنهم ال يوظفونها في خدمة الدعوة اإلسالمية.
ينبه ميشال الغريب على حقيقة مهمة مفادها أن اإلسالم ال يفرق بين الدين من ناحية أخرى ّ
والدنيا ،أو بين الشريعة والنظام وبالتالي ال مجال للعلمانية في ظله ،على عكس بالد النصارى التي
365 قامت فيها العلمانية نتيجة للنزاع الذي كان ً
دائرا بين القساوسة من ناحية ،ورجال السياسة من
ناحية أخرى على مطالب دنيوية مثل جباية الضرائب ،كما أنها قامت نتيجة ملحاربة الكنيسة
لتطور العلوم على عكس اإلسالم الذي يشجع عليه.
إلى كل إنسان غير مسلم ..أنت مدعو إلى تأمل هذه القصة..
انظر إلى ميشال الصغير الكبير ..وتأمل كيف أخرجته فطرته السليمة -بعد رحمة هللا تعالى-
من ظلمات النصرانية التي كان عليها آباؤه إلى نور اإلسالم الذي كان يعشقه منذ نعومة أظفاره..
وتأمل كيف تحول من مسيحي صغير حلمت أسرته بأن يصبح في كبره ًّ
قسا يشار إليه بالبنان إلى
ميشال الغريب
تأمل نفسك!!
اسأل هللا الهداية ..فباهلل نهتدي إلى هللا.
منذ صغره ُوصف له سيد البشر وخاتم النبيين بصفات تنفر منها أذن العدو قبل الصديق
والكافر املوضوعي قبل املسلم الحقيقي ..معلم قرآن نحيف القوام بسيط الثياب سأله عن
دليله على ألوهية املسيح ..بحث في األناجيل فلم يجد الدليل ..ترك النصرانية وبحث عن الحق في
العديد من الديانات فلم يجده ..اعتكف في غرفته ثمانية أشهر يدعو هللا أن يهديه سواء السبيل..
حائرا وسط محيط من الظلمة املدلهمة ..أتاه رجل يرتدي األبيض رأى نفسه في املنام يقف ً
من الثياب يشع منه نور بدد الظلمة! طلب الرجل منه ترديد الشهادة ّ
فرددها وراءه ..في صبيحة
اليوم التالي وصف الرجل الذي رآه في املنام ألحد املسلمين ..انبهر بشدة حينما علم أنه الرجل
ذاته الذي وصوفوه له منذ صغره بصفات تشمئز منها اآلذان بينما رآه على هيئة تشرح الصدر..
366
فرح بشدة كما لم يفرح من قبل واعتنق اإلسالم ..إنه القس اإلندوني�سي الجنسية هولندي
األصل رحمة بورنومو الذي ندعوكم ّ
للتعرف إلى قصته الباهرة.
ينتسب رحمة بورنومو إلى أب هولندي وأم إندونيسية وأسرة نصرانية ورثت الدين املسيحي
جده قسيس ينتمي إلى مذهب البروتستانت ،وأبوه قسيس على مذهب بانتي كوستا، ًأبا عن جدّ ..
ً ً ّ
ورئيسا للتبشير في كنيسة (بيتل إنجيل قسيسا، ووالدته تعلم اإلنجيل للنساء ،بينما كان هو
ً
مسلما في سبينوا) ..قال وهو يتحدث عن قصة إسالمه إنه لم يخطر بباله ولو للحظة أن يكون
محم ًدا رجل بدوي صحراوييوم من األيام ،إذ ظل والده ومنذ صغره يردد في أذنيه مقولة «إن َّ
ليس له علم وال دراية ،وال يقرأ وأنه ّأمي» ،ليس هذا فحسب بل قرأ للبروفيسور النصراني
محم ًدا رجل دجال
الفرن�سي ريكولدي قوله في أحد مؤلفاته املغرضة التي كتبها ضد اإلسالم( :بأن َّ
يسكن في الدرك التاسع من النار)! هكذا ومنذ ذلك الحين تكونت لديه صورة سلبية عن اإلسالم
ّ
وسلم -جعلته يمقت اإلسالم بشدة وال يفكر ألبتة في أن يتخذه ً
دينا. وعن رسوله -صلى هللا عليه
في أحد األيام أرسلته قيادة الكنيسة للقيام بأعمال تبشيرية في منطقة (دايري) بشمال جزيرة
(سومطرة) ..عقب انتهائه من مهمته التي استغرقت ثالثة أيام أوى إلى دار مسؤول الكنيسة في تلك
املنطقة ،ليقيم معه إلى حين وصول السيارة التي تقله إلى موقع عمله ..فجأة وبال مقدمات دخل
ً
ولباسا قد تبدل لونه من كثرة عليه رجل نحيف الجسم ،دقيق العود يرتدي كوفية بيضاء بالية،
ً
االستعمال ،حتى أن نعله كان مربوطا بأسالك لشدة قدمه ..اقترب منه الرجل وبادله التحية ثم
باغته بالسؤال التالي:
عندما عاد رحمة بورنومو إلى بيته ظل سؤال الرجل يتردد في دواخله بإلحاح« :أين دليلك
على ألوهية املسيح؟»! دفعه سؤال الرجل إلى مراجعة كتب اإلنجيل كلها ولفترة طويلة من
ً
الزمن بحثا عن اإلجابة الشافية لهذا السؤال العجيب ..انتبه أثناء بحثه إلى حقيقة أن هناك
أربعة أناجيل مختلفة من تأليف البشر ،فسأل نفسه« :هل هناك قرآن بنسخ مختلفة من تأليف
البشر؟» ..جاءته إجابة مفادها أنه قرآن واحد فقط! وليس عليه اسم مؤلف! درس األناجيل
متى يقول عن املسيح إنه ينتسب إلى إبراهيم األربعة ولم يجد الدليل الذي يبحث عنه ..فإنجيل ّ
وإلى داوود! وهذا يعني أن املسيح إنسان من بني البشر ..وإنجيل لوقا يقول عن املسيح إنه( :يملك
367 على بيت يعقوب إلى األبد ،وال يكون مللكه نهاية)! وإنجيل مرقس يقول( :هذه سلسلة من نسب
عي�سى املسيح ابن هللا)! بينما يقول إنجيل يوحنا عن املسيح( :في البدء كان الكلمة ،وكان الكلمة
عند هللا ،وكان الكلمة هللا)!
تأكد لبطل قصتنا أن األناجيل األربعة تتضمن رؤى مختلفة ومتناقضة عن طبيعة املسيح!
لقد تفاجأ بالخالف البارز في األناجيل األربعة حول صفة املسيح أهو إنسان أم ملك أم ابن هللا؟!
واألهم من ذلك تأكد أنه ال يوجد نص في أي إنجيل من األناجيل األربعة يقول إن املسيح إله!
ً
نصوصا في إنجيل يوحنا تشير إلى دعاء املسيح وتضرعه وعندما واصل بحثه في األناجيل وجد
إلى هللا سبحانه وتعالى ،فقال في نفسه :لو كان املسيح هو هللا القادر على كل �شيء ملا احتاج إلى
وفي الرؤيا هداية
ً ً
صريحا من املسيح بأن هللا هو الواحد مثل هذا التضرع والدعاء! أال يمثل هذا الدعاء اعترافا
األحد ،وأن املسيح هو رسول هللا املبعوث إلى قوم بني إسرائيل وحدهم ..وجد رحمة ً
تأكيدا على
متى حيث يقول على لسان املسيح( :لم أرسل إال إلى خراف بيت إسرائيل استنتاجه هذا في إنجيل ّ
الضالة)! فهذا يعني وبشهادة األناجيل أن هللا هو الواحد األحد ،وأن املسيح -عليه السالم -هو
رسوله إلى بني إسرائيل فقط.
يتذكر رحمة وقد ارتسمت الدهشة على وجهه العبارات التي اعتاد على ترديدها في صالته
(هللا األب ،هللا االبن ،هللا الروح القدس ،ثالثة في أقنوم واحد) ،تحدث إلى نفسه في ما يشبه
الهمس :إنه ألمر عجاب!!
ً
لو سألنا تلميذا في الصف األول االبتدائي هل حاصل جمع 3=1+1+1؟ لقال :نعم ،ثم إذا
ذكرنا له :أن 1=3لرفض هذه اإلجابة بسبب التناقض في اإلجابتين! وهذا هو عين ما ينطبق على
تناقضات الكنيسة في صفات املسيح التي يناقض بعضها ً
بعضا ..وهو الذي يقول في اإلنجيل بأن
هللا واحد ،ال شريك له.
بعد قراءته الناقدة الفاحصة لألناجيل األربعة واملقارنة بين نصوصها اتضح له ًّ
جليا أن هناك
صريحا بين العقيدة التي كانت راسخة في نفسه منذ نعومة أظفاره ،وهي عقيدة الثالوث، ً ً
تناقضا
وما يقوله املسيح في األناجيل بأن هللا واحد أحد ال شريك له ،فأي االثنين هو الصحيح؟! دفعه
السؤال األخير إلى أن يبحث في األناجيل من جديد فوجد في سفر إشعياء النص التالي« :اذكروا
األوليات منذ القديم ،ألني أنا هللا وليس آخر .اإلله وليس مثلي»( .سفر إشعياء )9 :46
تماما عقيدة الثالوث التي كانت راسخة في نفسه منذ أن ومنذ تلك اللحظة اختفت من عقله ً
ً ً
صغيرا! اندهش رحمة بشدة عندما وجد ذات املعنى في القرآن عقب اعتناقه اإلسالم كان طفل
َ َ َ َّ َّ َ ُ
الل ُه َّ
الص َم ُد ( )2ل ْم َي ِل ْد َول ْم ُيول ْد حيث يقول هللا تعالى في سورة اإلخالص :ق ْل ُه َو الل ُه أ َح ٌد ()1
َ ُ َ ُُ َ
(َ )3ول ْم َيك ْن ل ُه كف ًوا أ َح ٌد (.)4
368
من األشياء التي انتقدها رحمة بورنومو في الديانة النصرانية والتي بسببها طلقها إلى غير
رجعة ما يعرف بالذنب الوراثي ،ويقصد به ذلك الذنب الذي اقترفه آدم عندما أكل من الشجرة
املحرفة سيظل البشر يرثون هذا الذنب بمن في ذلك ً
فوفقا للعقيدة النصرانية ّ املحرمة عليه..
الجنين في رحم أمه ..اعتراض رحمة على بدعة الذنب الوراثي أو الخطيئة األولى دفعه إلى البحث
عنها في العديد من الكتب ..عندما رجع إلى العهد القديم وجد في سفر حزقيال ما يلي:
«االبن ال يحمل من إثم األب ،واألب ال يحمل من إثم االبن .بر البار عليه يكون ،وشر الشرير
ً عليه يكون ..فإذا رجع الشرير عن جميع خطاياه التي فعلها وحفظ كل فرائ�ضي وفعل ًّ
حقا وعدل
فحياة يحيا .ال يموت ..كل معاصيه التي فعلها ال تذكر عليه»( .سفر حزقيال .)22 - 20 :18
هذه النصوص وغيرها أكدت لرحمة حقيقة جلية مفادها أن نصوص صريحة من الكتاب
املقدس نفسه تبطل أهم التعاليم املسيحية! أي تبطل االعتقاد الخطأ للنصارى الذي يرى أن
ذنوب بني البشر ال تغفر حتى يصلب املسيح! فاهلل تعالى ال يحتاج إلى وسيط حتى يغفر ذنوب
البشر ،بل إن أبا البشر آدم -عليه السالم !-هو أول من غفر هللا له دونما وسيط.
ّ ً
ويستمر رحمة في انتقاده للتعاليم املسيحية مسلطا الضوء على مقولة إن املسيح هو املنقذ
املخلص للعالم ،بمعنى أن من آمن بألوهيته يحق له أن يفعل ما يشاء من الذنوب واملعا�صي ألنه
سينقذه من الحساب والعقاب! وهنا يقول ما دام املسيح الذي حوكم وأهين وصلب لم يستطع
عاجزا عن الدفاع عنً إنقاذ نفسه فكيف يستطيع إنقاذ اآلخرين؟ ثم هل يليق بإله أن يكون
نفسه؟ إنها أسئلة منطقية ال يحمل الواحد منها أكثر من إجابة تتسق مع املنطق ذاته ،إال إذا كان
املجيب يفتقر إلى العقل أو يفتقر إلى الحياد إن كان صاحب عقل.
في عام 1969هجر رحمة مذهبه البروتستانتي ولكنه لم يترك الديانة النصرانية نفسها ،إذ إنها
(أي الديانة النصرانية) تحتوي على أكثر من ً 360
مذهبا ..وعقب مغادرته املذهب البروتستانتي ظل
يتنقل ملدة عام بين عدد من املذاهب النصرانية قبل أن يتخذ قراره األخير بأن يهجر النصرانية
عددا من الديانات كالبوذية والهندوسية لعدة شهور فوجدها ال تشبع بكل مذاهبها ..بعدها جرب ً
نفسه ّ
التواقة ملعرفة الحق.
عندما وصل رحمة بورنومو إلى طريق مسدود قرر اعتزال الجميع حيث دخل في خلوة مع
نفسه وأخذ يدعو هللا أن يهديه إلى طريق الحق ..فكان يردد في خشوع وتضرع« :يا رب :إذا كنت
حقا فخذ بناصيتي إلى الهدى والنور ،واهدني إلى دينك الحق الذي ارتضيته للناس».موجودا ًّ
ً
369
واظب رحمة بورنومو على هذا الدعاء ملدة ثمانية أشهر متواصلة ،وفي ليلة الحادي والثالثين
من شهر تشرين األول من عام 1971م املوافق للعاشر من رمضان بالتاريخ الهجري ،وبعد أن
فرغ من دعائه املعتاد راح في نوم عميق ..رأى في منامه العالم من حوله وهو غارق في ظلمة حالكة
بحيث ال يستطيع رؤية يده إن أفردها أمامه ..فجأة ظهر أمامه رجل يشع منه نور بدد الظلمة
ثوبا أبيض وعمامة الحالكة التي تحيط باملكان! تقدم الرجل املبارك نحو رحمة ..كان يرتدي ً
بيضاء ،له لحية وضيئة تحيط بها الهيبة ويعلوها البهاء ..ذو وجه باسم لم ير رحمة مثله من قبل
وداّ :
(ردد الشهادتين)! في الجمال واإلشراق ..خاطبه الرجل املبارك وقال له بصوت محبب يمتلئ ًّ
ً
مستفسرا( :وما الشهادتان؟) فقال له الرجل( :قل :أشهد أن ال إله إال هللا وأشهد أن سأله رحمة
ّ ً
وفي الرؤيا هداية
محمدا رسول هللا) ..نطق رحمة بما أمره به الرجل بل كرره وراءه ثالث مرات ..غادر الرجل
املكان وترك وراءه رحمة كمن يعيش في حلم باهر داخل حلمه الجميل.
مبهورا بما رأى وسمع وقد وجد جسمه ً في صبيحة اليوم التالي استيقظ رحمة من نومه
ً
مبلل بالعرق ..سأل أول صديق مسلم قابله في ذلك الصباح( :ما هي الشهادتان ،وما قيمتهما في
اإلسالم؟) ،فقال( :الشهادتان هما الركن األول في اإلسالم ،ما أن ينطقهما الرجل حتى يصبح
مسلما) ،بعدها استفسر منه عن معناهما ..شرح له املسلم معنى الشهادتين ..فكر للحظات ً
ثم تساءل عن الرجل الذي رآه في املنام ،وهو يتذكر بوضوح شديد تفاصيل مالمحه ..هتف
محم ًدا -صلى
صديقه املسلم حاملا سمع منه الوصف وقال له في حماسة( :لقد رأيت الرسول َّ
ّ
هللا عليه وسلم.)-
اغرورقت عينا رحمة بالدموع! الرجل الذي طاملا وصفوه له منذ صغره بصفات تشمئز منها
اآلذان أتاه بنفسه ليهديه إلى طريق الحق! شكر هللا تعالى الذي هداه إلى ما كان يبحث عنه السنين
خير زوجته بين اإلسالم واملسيحية ،فاختارت اإلسالم ،وكذلك الطوال ،ومن دون أي تردد ّ
الحال مع أبنائه الذين اعتنقوا اإلسالم عن قناعة تامة..
ّ فطوبى ملن أسلم على يدي سيد الخلق ُم َّ
حمد -صلى هللا عليه وسلم -في اليقظة أو في املنام..
والرؤيا جزء من ستة وأربعين ً
جزءا من النبوة!
371 بطل قصتنا املنتصر على املتجبرين ..ولد في مدينة روما وعلى مرمى حجر من بابا الفاتيكان،
وألبوين كاثوليكيين شديدي التعصب ملذهبهما كان انتماؤه ..نفوره الفطري من الطقوس
روحيا ًّ
ًّ ً
حادا الكنسية الوثنية التي تقوم على االعتقاد في الصور والتماثيل تركت في نفسه فراغا
جعله شديد التعطش لعقيدة تمأل هذا الفراغ .إنه أندريه روماني بطل هذه القصة الذي هداه
هللا تعالى إلى اتباع الحنيفية السمحة فألحق به أهله األذى واالضطهاد حتى هجر موطنه كما كان
الحال مع املسلمين األوائل.
ندعوكم اآلن إلى ّ
التعرف إلى الرحلة الباهرة التي قطعها أندريه من الضالل إلى الهدى.
ولد أندريه روماني في مدينة روما معقل الفاتيكان ألبوين كاثوليكيين شديدي التعصب
التاريخ يعيد نفسه
ملذهبهما الكاثوليكي ..أجبرته أسرته في طفولته وصباه على االلتزام التام بالواجبات والطقوس
حتمت عليه الركوع علىالتردد على الكنيسة كل يوم أحد ،بل ّ
الكاثوليكية ،كما فرضت عليه ّ
ركبتيه أمام تماثيل وثنية نفرت منها فطرته السليمة ،وأمام قساوسة ّ
حرفوا املسيحية لينفعوه
ويمنحوه بركاتهم وهو الذي لم يشعر ً
يوما بنفعهم وبركاتهم.
في حديثه عن كيفية اعتناقه اإلسالم يقول الدكتور أندريه روماني :كنت أشعر ً
دائما بنفور
وكراهية شديدين لبعض الطقوس القائمة ً
أساسا على االعتقاد في الصور والتماثيل وهي طقوس
روحيا شديد ّ
الحدة ،كما جعلتني أشعر ً ًّ ً
دائما بعدم الرضا ،بيد أنني كنت تركت في نف�سي فراغا
غير قادر على أن أجهر أو أبوح ألحد بما يمور ويعتمل داخل صدري ،فقد كنت ً
طالبا في حاجة إلى
ً ّ
دعم أهلي لي حتى أتمكن من إكمال تعليمي ،فضل عن ذلك فقد كنت أعلم علم اليقين أنني سوف
تفوهت بما يعتمل فيومتعصبي الكاثوليك لو ّ
ّ ّ
أتعرض لألذى املريع من قبل القساوسة والرهبان
عقلي من رفض للنصرانية.
ولكي أهرب من الفراغ الروحي الذي كنت أعانيه ُم ّر املعاناة ،انكببت على دراساتي ّ
بشدة
فحصلت على درجتين للدكتوراه األولى في الطب والثانية في علم النفس ..عقب ذلك بدأت أسعى
إلى القراءة الناقدة الفاحصة ملختلف الكتب التي تتناول عقيدة التثليث ،وكنت أسعى من وراء
ذلك إلى البحث عن الحقيقة بين صفحات الكتب ،ومن أوائل الكتب التي قرأتها ما كتبه «توما
اإلكويني» عن عقيدة التثليث على املذهب الكاثوليكي ..ما أصابني بالدهشة أن املتناقضات التي
حوتها الكتابات التي قرأتها دفعتني ً
دفعا إلى اإليمان بوحدانية هللا تعالى ،ونبذ عقيدة التثليث التي
يأباها العقل واملنطق السليمان.
أقر الوحدانيةّ ،
فنزه خالق الكون عقب ذلك بدأت خطواتي األولى نحو الدين اإلسالمي الذي ّ
عن الشريك ..ساعدتني في ذلك ً
كثيرا قراءاتي ملا كتبه بعض املفكرين األوروبيين الذين أنكروا
فكرة التثليث ،وهاجموا مذهب الصور والتماثيل الذي يعلي الوثنية تحت راية النصرانية ،ومن 372
بين أولئك املفكرين «سوشينوداسينيا» و«سيرفيتو» و«بيت�شي ديال ميراندوال» وغيرهم.
القراءات السابق ذكرها أعادت إلى ذاكرة أندريه روماني تلك الدروس التي كان يتابعها في
متعمقة ّ
تعرف الجامعة للمفكر «الدوبراندينو» أستاذ الشريعة والتاريخ اإلسالمي ،وهي دروس ّ
عبرها إلى الكثير من ّ
مقومات شريعة اإلسالم.
وبعد ذلك بدأ أندريه ينهل بنهم من معين الكتب التي تعينه على االستزادة في معرفة اإلسالم،
فانبهر بما فيه من بساطة تفوق الوصف ووضوح عقيدة ال يكتنفها أقل قدر من الغموض ،ما
تامة مفادها أن اإلسالم هو الدين الحق وأن ما عليه قومه هو الباطل جعله يصل إلى قناعة ّ
ً
وعنيفا. ً
شديدا رد فعل أقاربه والكنيسة على ذلك والضالل فبادر إلى إشهار إسالمه ،فكان ّ
تعرض أندريه عقب إشهاره إلسالمه ألصناف شتى من التعذيب واالضطهاد والتنكيل، لقد ّ
ً
تماما كما ّ
تعرض لذلك املسلمون األوائل ،ما اضطرهم إلى الهجرة إلى أرض الحبشة حتى أعز هللا
دينه ونصر نبيه ..فقد اضطر روماني ً
أيضا إلى أن يترك بلدته بعد أن أذاقه أهلها الويل والثبور
وعاش في الصومال حيث تزوج واستقر في ربوعها ..وهكذا يعيد التاريخ نفسه.
هذا ما دفع أندريه روماني للمقارنة بين سماحة املسلمين حين يكتب لهم النصر والتمكين،
سجله التاريخ من وحشية النصارى في الحروب الصليبية وخالل فترات االستعمار الذي ّ
حل وما ّ
بكثير من بالد املسلمين حقبة من الزمن.
ويضيف أندريه :في أوروبا يتحدث الناس ّ
عما يسمونه التعصب اإلسالمي ،وينسون أن يقولوا
إن النصارى قد استطاعوا الحياة بين املسلمين في بالدهم ،في حين لم يقدر املسلمون قط على
ًّ
أن ينالوا حظا من ذلك في بالد النصارى ،ولنفكر فقط فيما حدث للمسلمين في إسبانيا وصقلية
عما بقي كله.. ولنصمت ّ
بطل قصتنا ..ولد ألبوين فقيرين يدينان بالبوذية ..ومنذ صغره كان ينفر من التماثيل التي
يعبدها قومه ..مال في شبابه إلى قراءة الكتب اإلسالمية ..قارن بين اإلسالم وتعاليمه وممارسات
374
قومه التي تأباها النفس السوية ..النتيجة التي ّ
توصل إليها قادته إلى اعتناق اإلسالم وتحول من
راهب بوذي متزمت إلى داعية إسالمي متسامح ..إنه الراهب البوذي والزعيم السيا�سي التاميلي
«ساندراموتي» بطل هذه القصة.
ولد «ساندراموتي» في إحدى قرى سيريالنكا ..كان أبواه ينتميان إلى طائفة «التاميل» وكانا
كبوذيين يداومان على طقوس العبادة أمام اآللهة املزعومة ..بل أمام التماثيل الجامدة ذات
األشكال البشعة التي وظفها الكهان لكي يسيطروا على عقول البسطاء ويبتزوهم ليثروا هم ً
ثراء
ً
فاحشا مقابل فقر مدقع يعيشه ضحاياهم من املستضعفين.
ً
واضحا تجاه تلك التماثيل أو الحجارة البليدة الصماء منذ صغره اتخذ ساندراموتي له ً
موقفا
التي صنعها بنو جلدته ثم أمعنوا في إجاللها وتوقيرها؛ فهو لم يقتنع ً
يوما بأنها قادرة على أن تنفع
تضره ..وعندما نضج عقله بدأ يقارن بين تعدد عبادات البوذيين وأشكال تماثيلهم من ً
أحدا أو ّ
جهة وما سمع املسلمون يرددونه عن إلههم الواحد الذي ليس كمثله �شيء من جهة أخرى.
رجل ً ً
زاهدا وتحدث ساندراموتي إلى نفسه فيما يشبه الهمس :نعم يمكن لبوذا أن يكون
ً
وصاحب تعاليم صالحة ،ولكن يستحيل له أن يرقى إلى درجة اإلله ،ألن الكون كان موجودا قبل
وجوده ،وما زال ً
باقيا بعد رحيله!!
أفكار كثيرة وأسئلة محيرة كانت تدور في عقل ساندراموتي ما جعله صاحب نفس قلقة تواقة
للبحث عن الحقيقة ..وما أن بلغ الثالثة والعشرين من عمره حتى كان قد اطلع على العديد من
ّ كتب الفكر ..وفي الفترة ذاتها اطلع ساندراموتي على سيرة الرسول ُم َّ
حمد -صلى هللا عليه وسلم-
ما دفعه إلى قراءة العديد من الكتب اإلسالمية التي َّ
ألم عبرها بحقيقة العقيدة اإلسالمية وبكونها
ً
شريعة شاملة أرسلت للناس كافة ،فضل عن أنها صالحة لكل زمان ومكان.
وأخذ ساندراموتي يقارن بين ما قرأه عن اإلسالم وسيرة رسول هللا ُم َّ
حمد -صلى هللا عليه
ّ
وسلم -واملمارسات الوثنية للبوذيين وغرق الواحد منهم في الفواحش من شعر رأسه حتى أخمص
قدميه ..بل انبهر ً
كثيرا بما يتميز به اإلسالم من تنظيم محكم ودقيق لعالقة العبد بأخيه ،وعالقة
العبد بربه ،تلك العالقة املباشرة التي تتميز عن بقية الديانات السماوية وغير السماوية بخلوها
التام من أي وساطة أو كهانة تقف بين العبد وربه ..كما أدهشته املساواة بين مختلف شرائح
املجتمع التي ينفرد بها اإلسالم حيث ال يتميز أحد عن غيره إال بمدى تقواه وإخالصه لربه.
ولم يمض وقت طويل حتى أشهر ساندراموتي إسالمه وهو في الرابعة والثالثين من عمره وقد
أضاف إلى اسمه اسمين وضيئين خالدين في ذاكرة كل مسلم ،إذ تسمى باسم «ساندراموتي ُم َّ
حمد
أبو بكر» ..وهنا تجدر اإلشارة إلى أن أهالي سيريالنكا ال يقبلون أن يحتفظ شخص باسمه القديم
375 إذا ما فكر في اتخاذ اسم جديد ،بيد أن ساندراموتي كسر هذه القاعدة واحتفظ باسميه البوذي
واإلسالمي حتى يخدم اإلسالم ويعرف به -كما يقول -ألن االسم البوذي مع شخص مسلم يثير
الكثير من التساؤالت عن األسباب التي دعت أحد البوذيين إلى اعتناق اإلسالم.
وما أن أشهر إسالمه حتى تحول ساندراموتي إلى داعية فاعل بدأ بعشيرته األقربين حيث أخذ
يحدث أسرته وأقاربه وأصدقاءه عن اإلسالم وفضائله ..ولم يمض وقت طويل حتى استطاع
سببا في إسالم شقيقه وشقيقته ،ثم والديه ،وتالهم والد زوجته ،وجدته ،وزوجته أن يكون ً
يأب اإلسالم من أفراد عائلته إال شقيقين له بقيا بوذيين ألنهما عضوان في ً
جميعا ..ولم َ وأبناؤه
«حركة نمور التاميل».
الراهب البوذي
نعم خيركم في الجاهلية خيركم في اإلسالم ..لم يكتف ساندراموتي باعتناقه لإلسالم،
إذ دفعته مشاعره املتأججة إلى أن يسهم في إنشاء «حزب املؤتمر اإلسالمي» ،وهو أول حزب
إسالمي في بالده ،ليس هذا فحسب ،بل قام بتأسيس منظمتين اجتماعيتين لخدمة اإلسالم
واملسلمين ..أكثر من هذا أذهل ساندراموتي الجميع بفوزه الساحق في االنتخابات البرملانية ليكون
ً ً ًّ ً
برملانيا فاعل يسعى لرفع الغبن والظلم عن مسلمي سيريالنكا ،فضل عن تبنيه لقضايا عضوا
املسلمين وغيرهم من األقليات املستضعفة املقهورة التي ال بواكي لها وليس لها أحد يتحدث عنها
ويدافع عن حقوقها املسلوبة.
وهكذا أصبح ساندراموتي داعية إسالمي ال يخ�شى في قول الحق لومة الئم إذ وضع على عاتقه
مهام الدعوة اإلسالمية التي من أهمها التصدي ألساليب التنصير التي يقوم بها املنصرون بين
أوساط املسلمين في بالده ،مستغلين عاملي الفقر والجهل ،ولهذا السبب يدعو ساندراموتي إلى
زيادة عدد املراكز اإلسالمية املوجودة في بالده عامة ،وفي سيريالنكا خاصة التي يظن أنها وبحكم
موقعها ستصبح مصدر إشعاع للدعوة اإلسالمية في منطقتها ..ومن جهة ثانية يدعو ساندراموتي
إلى ترجمة الكتب اإلسالمية إلى اللغتين السيريالنكية واإلنجليزية ،كما يدعو إلى التوسع في برامج
تعليم اللغة العربية ملسلمي بالده كي يصبحوا بدورهم دعاة يشرحون مبادئ اإلسالم لقومهم.
ومن األمور املهمة التي طالب بها ساندراموتي ضرورة مساعدة حديثي العهد باإلسالم ألن
هؤالء يتعرضون لضغط هائل من أجل ارتدادهم عن اإلسالم ،كفقدان مورد رزقهم بطردهم
من العمل ،خاصة أن البوذيين يسيطرون على كل األنشطة االقتصادية وعلى كافة مناحي
الحياة .وهنا يتساءل ساندراموتي والعبرة تخنقه :إذا كان أثرياء النصارى يدعمون الكنائس
وحركات التنصير باملبالغ الطائلة ،فما بالهم أثرياء املسلمين يتقاعسون عن القيام بواجبهم
تجاه الدعوة اإلسالمية؟!
بوذيا يعمل قومه جاهدين على قطع شأفة املسلمين راهبا ًّ
سبحان هللا!! من كان يظن أن ً
يتحول بفضل هللا سبحانه وتعالى إلى داعية همام ينافح في شراسة لنصرة هؤالء املسلمين 376
ضد بني جلدته؟!! بل يتحول إلى سيا�سي كبير يثق به املسلمون فيمنحونه أصواتهم ليدخل البرملان
مدافعا عن قضاياهم ومصالحهم في وجه البوذيين؟!ً
عثرة في حفرة ارتقت ببطل قصتنا من درك مادي سحيق إلى فلك نوراني شفيف..
تفوقت حفرة صغيرة على منطق الكتب واملراجع وتراكم الخبرة والتجارب لتكون ً
سببا لقد ّ
في تغيير مسار حياة بطل قصتنا هذه!!
377 إنه مارك شليفر أستاذ علم الصحافة األمريكي بجامعة نيويورك.
ملتزما بدين ّ
معين ..ففي ً على الرغم من انتمائه إلى أسرة مسيحية كاثوليكية ،فإنه لم يكن
ً
فترة من فترات حياته كان يعمل في املغرب مراسل لإلذاعة األمريكية ،ولعدد من املجالت في
ّ
سخر له هللا تعالى حفرة هناك كانت ً
سببا في إسالمه.. نيويورك..
قد يبدو األمر في غاية الغرابة لكن يجب أال نن�سى أن هللا تعالى يضع ّ
سره في أضعف خلقه..
ويهدي إليه من يشاء كيف يشاء سبحانه.
تحدث مارك عن ذلك في إطار حديثه عن إقامته في املغرب فقال« :الفترة التي قضيتها في املغرب
ً
مفتاح السعادة
موقفا حدث له في املغرب عندما كانً استرسل مارك في حديثه وهو يذكر -في إعجاب-
ّ ّ
مرة بعلة ألزمتني الفراش ..انبهرت آنذاك بمقدم يرقد طريح فراش املرض فقال :أصبت ذات
ً
العشرات من الجيران واملعارف لزيارتي واالطمئنان على صحتي ..كان كل منهم يحاول جاهدا وفي
منتهى الصدق واإلخالص أن يصنع لي ً
شيئا ..حقيقة أنستني الدهشة مرارة املرض ..كيف ال وقد
فوجئت بسلوك إنساني نبيل لم أجد له ً
نظيرا في بلدي األم ،حيث الجميع يهتمون فقط بأنفسهم،
إذ إن الطابع املادي البحت للحياة هناك صبغ الناس بصبغة أنانية شرسة جعلتهم ّ
مجرد آالت
باردة خالية من املشاعر ،ما جعلهم ال يكترثون ألبتة بما يصيب اآلخرين ..فهناك -في الواليات
ً
املتحدة -يكون املرء محظوظا للغاية إذا حظي بمساعدة من أحد أو إذا زاره أهله خالل فترة
مرضه ،أو حتى إذا سألوا عنه مجرد سؤال ..وكانت دهشتي الكبيرة حينما سمعت إجابتهم عن
سؤالي لهم عن الدافع الذي حملهم على ما فعلوه من أجلي دون مقابل؟!
ً
جميعا :إننا لم نفعل إال ما فرضه علينا ديننا اإلسالمي الحنيف ،وما أمرنا به رسولنا فأجابوا
ّ
الكريم سيدنا محمد -صلى هللا عليه وسلم.-
أضاف مارك في مزيد من اإلعجاب إلى املوقف السابق ً
موقفا آخر تعرض له في املغرب فقال:
«وأنا باملغرب خرجت ّ
ألول مرة إلى سوق شعبي بمدينة الرباط ..تعثرت قدمي في حفرة صغيرة
ّ
فسقطت على األرض ..في اللحظة ذاتها التي ارتطم فيها جسدي باألرض تدافع نحوي عدد من
املغاربة وهم ينشدون مساعدتي على النهوض ..كانوا يسألونني في لهفة وإشفاق -وقد ارتسمت
على وجوههم دالئل القلقّ -
عما إذا كنت قد أصبت بسوء!!».
قائل« :بعد هذا املوقف الذي ًّ 378
تعرضت له دخلت في مناقشات طويلة استطرد مارك في حديثه
ّ
وواسعة مع العشرات من علماء اإلسالم ..تعلمت من تلك املناقشات الكثير من أمور اإلسالم ما
لًّ ً يوما بعد يومً ..جعل إعجابي به يزداد ً
فشيئا ومع مرور الوقت وجدت ك من عقلي وقلبي شيئا
بعدئذ أدرس في شغف ترجمة ملعاني القرآن الكريم..ٍ يكادان يفيضان بعقيدة التوحيد ..انكببت
وما أن استوعبت ً
بعضا من معاني اآليات القرآنية الكريمة حتى وجدت نف�سي تتوجه إلى هللا تعالى
عز ّ
وجل الهداية إلى الطريق املستقيم». راجية منه ّ
بعيدا ثم أضاف وهو يهز رأسه في ثقة ممزوجة بسرور من صمت مارك هنيهة وسرح ببصره ً
ّ
حصل على أعظم جائزة في حياته قال :وبينما أنا أقلب في خشوع صفحات القرآن الكريم إذ بي
ً
أجد نف�سي مستغرقا في قراءة تفسير اآليتين الكريمتين التاليتين:
َُ َ ُ ُ ُ َ ُ َ ُ َ ُ ُ َ َ َ ُ َ َّ ُ َ
جاءكم َبصا ِئ ُر ِمن الخ ُ
بير )103( قد درك األبصار وهو اللطيف دركه األبصار وهو ي «ال ت ِ
َ َ َ ِ َ َ َ ََ َ َ ََ ُ َُّ ََ َ ََ َ َ
فيظ (( »)104األنعام).
فس ِه ومن ع ِمي فعليها وما أنا عليكم ِبح ٍ ر ِبكم فمن أبصر ف ِلن ِ
ً
وما أن أكملت قراءتي لتفسير اآليتين السابقتين حتى وجدت نف�سي غارقا وسط فيوض من
الدموع ..نعم كانت الدموع تنهمر من عيني بال توقف ..أيقنت حينذاك أن هذه إشارة صريحة
ّ عز ّمن هللا ّ
وجل ترشدني إلى أن أسرع الخطى نحو الدخول في دينه الحنيف ،واللحاق بركب
ً
سريعا للنداء؛ فحزمت حقائبي على الفور ثم سافرت إلى أمريكا حيث املوحدين ..استجبت
أشهرت إسالمي أنا وزوجتي وولدي باملسجد الكبير في نيويورك.
في خاتمة هذه القصة ال نملك إال أن نردد بقلوبنا قبل ألسنتنا ..سبحان هللا!!
سبحان هللا تعالى الذي قيض لبطل قصتنا مارك شليفر حفرة صغيرة انتشلته من حفرة املادة
اآلسنة وسمت به ًّ
عاليا ليدور في فلك نوراني شفيف..
حفرة تعثر فيها بغتة وسقط على األرض فعثر عبرها على جوهرة الحق التي سمت بنفسه ًّ
عاليا
ّ
لتحلق بها إلى ما وراء الغيوم..
فحينما يشير إليك هللا بالنور ..اتبعه ..ولو بخطوة واحدة..
حينما يضع في طريقك عالمة ..اتبعها ..اغتنمها..
خطوة واحدة منك نحو هللا ..ستتبعها خطوات من هللا إليك..
اسأل هللا الهداية ..فباهلل نهتدي إلى هللا.
379
العظماء كلهم بحثوا فلم يجدوا إال هللا ..تركوا امللذات كلها ..تركوا األوهام كلها ..نهلوا بعد
ًّ
إنجليزيا ذائع ً
بارونا العطش حتى ارتووا من اإلسالم ..هاهو واحد منهم ..يخبرك بنفسه ..كان
380
الصيت ..تخرج في جامعة أوكسفورد ...يمتلك شعبية كبيرة ويحظى بسمعة عريضة ..تربى تحت
تأثير أبوين مسيحيين ..اهتم في صغره بعلم الالهوت ،كما اهتم ً
الحقا بالعمل التبشيري ..رغبته في
الخضوع لإلله الحق وعبادته ،وما وجده من تناقض وتحريف في املذاهب املسيحية دفعاه إلى أن
كرس وقته لدراسة اإلسالم؛ فوجد الجوهرة الثمينة يبدأ رحلته الحقيقية في البحث عن الحقّ ..
التي ظل يبحث عنها لسنوات طويلة..
إنه اللورد جالل الدين برانتون بطل هذه القصة الذي يحدثنا عن قصة إسالمه فيقول :منذ
سنوات ليست بالكثيرة انصب اهتمامي على عقيدة (العذاب األبدي) لكل البشرية باستثناء بعض
املختارين ..دراستي لهذه العقيدة جعلتني أمقتها بشدة كما أدخلت الشك إلى نف�سي ..تفكيري
املنطقي أوصلني إلى حقيقة مغايرة مفادها أن اإلله الذي يستخدم قدرته لخلق الكائنات البشرية
محبا -تعالى هللا عما يصفون ًّ
علوا حكيما أو ًّ
ً بحيث يجعلها معذبة لألبد يستحيل أن يكون ً
إلها
كبيرا -إذ إن مستواه -لو كانت هذه صفاته -ال ّبد من أن يكون أقل من الكثير من البشر الذين
ً
يتسمون ولو بقدر يسير من الحكمة ..وعلى الرغم من هذه الوساوس لم أترك اعتقادي بوجود
هللا تعالى ..كنت ً
نافرا من قبول الفهم السائد للتعاليم التي تقوم بالوحي اإللهي للرجال ..تركت
املسيحية ً
جانبا وحولت اهتمامي للتحقيق في األديان األخرى.
فشيئا كبرت في داخلي الرغبة الصادقة في الخضوع لإلله الحق وعبادته ..وعلى الرغم منشيئا ًً
ً ُ
فضل ّ
عما أن املذاهب املسيحية جميعها تدعي أنها أ ِ ّسست على اإلنجيل فإنني وجدتها متناقضة
يكتنفها من التحريف ،ولهذا السبب قررت دراسة اإلنجيل بصورة عميقة وموضوعية ..شعرت
ناقصا ..صممت على إكمال ذلك النقص بنف�سي ،بغض شيئا ًمن خالل دراستي لإلنجيل بأن هناك ً
النظر عن مذاهب البشر ..بدأت أتعلم بأن الناس يمتلكون «الروح» وأنهم يستحوذون على «قوة
ما غير مرئية» وهي قوة خالدة ،كما بدأت أتعلم حقيقة أن اآلثام لن تذهب هباء وأن هللا تعالى
سيعاقب عليها في هذا العالم وفي العالم اآلخر ،كما توصلت إلى حقيقة جلية مفادها أن هللا تعالى
ً
نصوحا خالصة. الغفور الرحيم سيغفر ذنوبنا -برحمته وإحسانه -إذا ما تبنا إليه توبة
قائل :ما توصلت له ً ً
سابقا من نتائج دفعني إلى إجراء املزيد وأضاف اللورد جالل الدين
كرست وقتي لدراسة من الدراسات العميقة ..وفي إطار بحثي املضني عن «الجوهرة الثمينة»ّ ،
اإلسالم؛ ففي ذلك الوقت شدني �شيء إليه ..في مكان مغمور من قرية «إتشرا» بدأت أكرس وقتي
لعبادة هللا العظيم وسط أدنى طبقات املجتمع ،مع رغبتي الصادقة في رفعهم إلى مستوى معرفة
اإلله الحق والواحد ،إضافة إلى حر�صي على أن أغرس في نفوسهم الشعور باألخوة والطهارة.
ً
وأضاف اللورد جالل الدين قائل في تواضع :ال أود الحديث عن كيفية عملي بين أولئك الناس،
381 وال الحديث عن التضحيات التي قدمتها لهم أو املصاعب الكثيرة التي مررت بها ..كل ما يمكنني
قوله -ببساطة ودونما تعقيد -هو أنني واصلت العمل بينهم من أجل تحقيق هدف واحد ،هو
ًّ
ومعنويا. خدمة تلك الطبقات البسيطة ًّ
ماديا
ّ ً
وأخيرا بدأت خطوتي نحو الهدي اإللهي بدراسة حياة النبي محمد -صلى هللا عليه وسلم..-
فيما م�ضى لم أكن أعرف إال القليل مما فعله ،مقابل معارف مغلوطة كثيرة تشتمل على إدانة
املسيحيين ملجده وتشويه لصورته ..قررت حينها أن أنظر في املسألة بصورة موضوعية محايدة
بعيدا عن روح الحقد والتعصب ..وبعد مرور وقت ليس بالطويل توصلت إلى استحالة وجود ً
ّ
شك في جدية بحث النبي محمد -صلى هللا عليه وسلم -عن الحق وعن هللا تعالى.
العذاب األبدي
ّ
وعقب قراءتي عن اإلنجازات التي حققها النبي محمد -صلى هللا عليه وسلم -للبشرية أدركت
غير قومه نحو األفضل أيما كم هي خاطئة ومجحفة إدانة املسيحيين لهذا الرجل ّ
املقدس ..لقد َّ
تغيير؛ إذ غرس فيهم مكارم األخالق ..فبينما كانوا في الجاهلية يعبدون األصنام ،ويعيشون على
الجريمة ،ويتمرغون في أوحال القذارة والعري ،حطم أصنامهم وجعلهم يعبدون هللا تعالى اإلله
ّ
الحق ..علمهم كيف يلبسون ..استبدل طهارة طيبة بقذارتهم القبيحة ،وأكسبهم كرامة شخصية
ذاتيا ..أصبح كرم الضيافة عندهم ً
واجبا ًّ
دينيا ..بل أصبحت األمة اإلسالمية هي املجتمع ً
واحتراما ًّ
الشامل القوي واألكثر منعة في العالم ..لقد أنجزت هذه األمة الكثير من األعمال ّ
الخيرة الجليلة
التي هي من الكثرة بمكان بحيث ال يمكننا ذكرها هنا.
مشوهة عن رسول هللا محمد واستنكر اللورد ما فعله املسيحيون في صناعتهم لصورة ذهنية ّ
ّ
-صلى هللا عليه وسلم -فقال« :كم هو محزن أمام كل هذه العبقرية الباهرة تكريس املسيحيين
ّ
وسلم ..-استحوذ ّ
علي حينذاك تفكير الجهد للحط من قدر هذا الرسول الكريم -صلى هللا عليه
ّ
عميق ..في أثناء تأمالتي تلك زارني سيد هندي اسمه «معين أمير الدين» ..لقد سخره هللا تعالى ليهب
ً
اشتعال ..تأملت األمر بشكل أكثر ً
عمقا ..بدأت الهواء على جذوة النار التي تتأجج بداخلي لتزداد
ً
منتقدا الدين املسيحي املعاصر ،ومناصرا لإلسالم الذي اقتنعتً أقدم الحجج واحدة تلو األخرى
تمام االقتناع بأنه دين الحق ،واليسر ،والتسامح ،واإلخالص ،واألخوة».
اعتنقت اإلسالم وقلت في نف�سي لم يتبق لي من العمر الكثير ألعيشه على ظهر هذه األرض،
وبالتالي أريد أن ّ
أكرس كل ما بقي لي منه في خدمة اإلسالم..
نختتم قصة اللورد جالل الدين بالتأكيد أن لصاحب الفطرة السوية ً
نفسا طيبة ال تخلد إلى
االنشغال بملذات الدنيا التي وفرها املجتمع املادي لصاحبها ،إذ سيظل يعيش في حالة أرق وقلق
ً ّ
شخصا يشكل في حياته عالمة فارقة كما دائمين يبحث عن الحقيقة إلى أن يسخر له هللا تعالى
ّ
سخر لبطل قصتنا هذا صديقه الهندي الذي نفخ في جذوة نار الهدى التي تعتمل داخل قلبه هبة
ً 382
من هواء زادتها اشتعال ليتحول من مسيحي رضع الكره لإلسالم إلى داعية مثابر يدعو بني قومه
وغيرهم إلى حبه والدخول في رحابه..
383
بحثت عنه ..فبحث عنها..
مولدها كان في مدينة ليون الفرنسية ..ترعرعت في كنف أسرة كاثوليكية شديدة الثراء
وعريقة األصل ..جدها هو شاعر فرنسا الكبير «المارتين» الذي طبقت شهرته اآلفاق ..اتجهت
إلى الكتابة منذ نعومة أظفارها ..فشل زيجتيها االثنتين دفعها إلى التفرغ للكتابة والرسم ..صدمت
بشدة في الحرب العاملية حينما اكتشفت وحشية اإلنسان األوروبي املسيحي وبشاعته الذي
يرتدي مسوح الرهبان..
رحلت إلى الشرق فانبهرت بوجود حياة روحية لم تعرفها في بالدها ..دخلت اإلسالم وأصبحت
من دعاته ومناصريه ..إنها الكاتبة الفرنسية فالنتين دي سان بطلة هذه القصة.
القناع الزائف
تزوجت فالنتين في وقت باكر من مدرس في املرحلة الثانوية ..لم تكن سعيدة بزواجها ألن
زوجها لم يكن ذلك الرجل الذي يستطيع أن يستوعب امرأة تتمتع بذكاء متفرد واطالع واسع
وطموح جامح ..على الرغم من حياتها الزوجية التي تفتقر إلى السعادة ظلت وفية لزوجها حتى
توفي ،بينما لم يحل زواجها املتعثر السابق ذكره دون أن تصبح كاتبة مشهورة يشار إليها بالبنان.
تزوجت بعد ذلك بأحد الوزراء الفرنسيين «شارل ديمون» ،وظنت أنه سيكون الزواج األمثل
مقارنة بسابقه ..أصابتها الحسرة حينما اكتشفت بعد الزواج أن بريق الشهرة كان يخفي وراءه
جوانب معتمة من زوجها الثاني ..عقب مرورها بقدر من املشاكل واملنغصات في حياتها الزوجية
الثانية حصلت على الطالق وتفرغت بعد ذلك للكتابة والرسم.
عندما قامت الحرب العاملية األولى كشفت القناع الزائف عن الوجه األوروبي البشع الذي كان
يبدو لها فيما م�ضى وجه حمل وديع مسالم ..صدمت بشدة حينما شاهدت الناس يتحولون إلى
ذئاب بشرية ضارية يتعاركون داخل مجتمع مادي ال يرحم ،بل وسط غابة من الفو�ضى نظريتها
املثلى املذهب امليكافيللي «الغاية تبرر الوسيلة» بينما قانونها الوحيد املستمد من الفكر الدارويني
هو «البقاء لألقوى».
ً
تحديدا إلى املغرب لم تحتمل روحها الشفيفة الحقيقة ّ
املرة ،فغادرت أوروبا إلى شمال أفريقيا
ومن ثم إلى مصر ..أعجبت فالنتين بطبيعة الحياة في موطنها الجديد ..وجدت الحياة الروحية
التي لم تعرفها من قبل ولم تتذوق طعمها في بالدها ..اندهشت ملرأى أهل الشرق من املسلمين..
ً
كانت تظنهم -كما وصفهم مواطنوها -مثال للتخلف ،والهمجية والرجعية ..انبهرت بطبيعة الحياة
الجديدة التي تسودها قيم التماسك والتعاطف ،والتكافل املجتمعي ،واملودة والتراحم ،والتعاون
على عمل الخير ..نعم من خالل أهل الشرق رأت اإلسالم في صورته الحقيقية ..على العكس من
الصورة الذهنية التي غرسها في عقلها بنو قومها منذ نعومة أظفارها ..عبرت عن ذلك بقولها:
« لقد رأيت ّ
-وألول مرة -اإلسالم على حقيقته ،وليس كما صورته لي الكنيسة والقساوسة..
384
رأيت املسلمين وهم ينطلقون إلى املساجد كلما انطلق صوت املؤذن للصالة ..وعدت بذاكرتي إلى
الوراء ،إلى أيام طفولتي ،حينما كنت أذهب ً
قسرا إلى الكنيسة ألستمع إلى ترهات القساوسة ،في
حين تتبادل الفتيات والسيدات مع الشباب نظرات ال تخفى وقاحتها على أحد».
ثم تستطرد قائلة« :لقد عرفت الفرق بين ما يدعو إليه الغرب املادي من مثالية زائفة ال تطبق،
وما يمارسه الشرق اإلسالمي من سلوكيات حية تترجم فيها قيم اإلسالم ومبادئه ..فأيقنت أن
ّ
العبرة تعود إلى الحافز الروحي الذي يتحكم في النفوس ويوجه اإلنسان إلى الخير أو الشر ..لقد
قارنت بين ما شاهدته من قيم اإلسالم وما لقنوه لي من تعاليم املسيحية ،فأدركت بح�سي عظمة
اإلسالم ،وكونه الدين الوحيد الذي ينظم عالقة العبد بربه ،وعالقة اإلنسان بأخيه اإلنسان،
دون حاجة إلى وساطة القساوسة ،أو طالسم الرهبان وأكاذيبهم».
باإلضافة إلى ما سبق ذكره كانت هناك أسباب أخرى حببت اإلسالم إلى «فالنتين» ..من بين هذه
األسباب تحطم الصورة النرجسية املثالية لإلنسان األوروبي في داخلها ..تلك الصورة الزائفة التي
تصور اإلنسان األوروبي املسيحي كمالك حارس لحقوق اإلنسان ،وكحارس أمين لحماية القيم
وكراع مخلص لإلنسانية املعذبة من آالمها الدفينة ..نعم تفاجأت برؤية الوجه األوروبي
ٍ النبيلة،
ً
الحقيقي البشع متمثل فيما كان يفعله مواطنوها الفرنسيون بالشعوب الضعيفة املسلوبة
أيضا رأت وجه أوروبا املسيحية القبيح اإلرادة التي تعيش في بعض الدول العربية اإلسالميةً ..
فيما كان يمارسه اإليطاليون من وحشية مريرة في ليبيا ..كما رأته فيما قام به اإلنجليز من مذابح
في دنشواي بمصر ..وعن كل ذلك تقول الكاتبة فالنتين:
«لقد تحطمت الصورة املثالية لإلنسان األوروبي في داخلي بعد أن أدركت كيف يستغل قومي
املسيحية واسم املسيح -عليه السالم -من أجل غايات ومصالح شخصية ،ولذلك لم يطل بي
الوقت ألعلن كفري بما يدينون به ،وأشهر إسالمي بعد أن أدركت أنه دين الحق».
وما أن دخلت فالنتين اإلسالم حتى نذرت حياتها للدفاع عنه وللدعوة إليه إذ وجدت فيه
روحانية غريبة لم تتذوق حالوتها منذ أن ولدت ،وهذا ما دفعها إلى أن تطلق على نفسها
اسم «روحية نور الدين».
أوقفت «روحية» مهاراتها في مجال الكتابة للدفاع عن حرية الشعوب العربية املسلمة
ووظفتها للتنديد باالستعمار الفرن�سي والبريطاني البغيضين ،ما دفع سلطات االحتالل
اإلنجليزي إلى املطالبة بطردها من مصر ،غير أن آمال املحتلين تحطمت على صخور شهامة
رجال مصر الوطنيين ،ساعدها على ذلك تعرفها الرموز الوطنية والفكرية في مصر وفي غيرها
385
من البالد العربية.
وإلذكاء الروح الوطنية في نفوس العرب واملسلمين ملقاومة االحتالل خصصت الكاتبة
«روحية» صفحات في مجلتها «فوتيكس» للتعريف بالوطنيين العرب ،وتقديم نماذج لقادة
املسلمين األكفاء ،كامللك عبدالعزيز -رحمه هللا -الذي أكدت أنه نموذج للقائد العربي املسلم
املؤهل لقيادة العرب واملسلمين على هدى كتاب هللا الكريم وسنة نبيه األمين -عليه أفضل
الصالة وأتم التسليم.-
ليس هذا فحسب بل استطاعت الكاتبة روحية أن تفضح االحتالل الفرن�سي بتسليطها الضوء
القناع الزائف
على ممارساته الوحشية التي نفذها ضد الشعب العربي السوري وذلك في كتابها «الحقيقة
عن سورية».
وكنتيجة طبيعية ملواقفها الشجاعة في الدفاع عن اإلسالم واملسلمين شنت الحرب على روحية
حتى وصل بها األمر إلى إغالق مجلتها ،فاعتكفت في منزلها بأحد أحياء القاهرة تتعبد هللا سبحانه
وتعالى في وحدة اختارتها بنفسها لكي تكون في معية هللا تعالى بعد أن رفضت العديد من عروض
الزواج .وظلت هذه حالها إلى أن انتقلت إلى رحاب هللا تعالى عن عمر يناهز ً 78
عاما حافل بالعطاء
الصادق لخدمة اإلسالم واملسلمين.
انتقل جسد روحية نور الدين إلى الدار العامرة ولكن ظلت ذكراها باقية في قلوب من
عاصروها ،وحية في عقول كل األجيال الالحقة وذلك من خالل أعمالها الكبيرة وكتاباتها الجليلة
التي دافعت عبرها عن اإلسالم واملسلمين دون أن تخ�شى في قول الحق لومة الئم ودون أن
تندم على نعيم دنيوي زائل عاشته في النصف األول من عمرها ثم ركلته عندما أنار هللا تعالى
قلبها وعقلها بنور اإليمان..
386
املقارنة العجيبة
السعادة ..كلمة السر في حياة اإلنسان..
الكنز املفقود الذي يبحث عنه الجميع ..برغم وضوحه التام..
لذا تجد املؤمنين يعرفون طريقه ومصدره ..يرونه ًّ
جليا ..يملكونه بالفعل..
بينما غير املؤمنين يتخبطون ..فال يجدونه ًأبدا ..ألنهم يبحثون في املكان الخطأ..
إنه اإليمان ..وحده سر السعادة..
اإلسالم ..وكفى به نعمة من هللا..
بطل قصتنا اكتشف ذلك بعد أن عاش مقارنة عجيبة ..حيث نشأ في بيئة مسيحية بروتستانتية..
ّ
تأثره بالفلسفة الوجودية جعله ينظر إلى األديان كمعتقدات خرافية ..عمله بالصحافة مكنه من
ً
زيارة العديد من البلدان ..سافر إلى السويد في نهاية الحرب العاملية الثانية وعمل بها مراسل
387 صحفيا ألكثر من خمس سنوات ..الحظ تعاسة الناس هناك برغم رفاهيتهم املترفة ..سافر ًّ
إلى بعض البلدان اإلسالمية ..وجد املسلمين يعيشون في سعادة وهناء على الرغم من فقرهم
املدقع ..تساءل في دهشة :ملاذا يشعر املسلمون بالسعادة الغامرة في بلدانهم على الرغم من مظاهر
الضنك والفقر والتخلف الشديد التي تتسم بها حياتهم؟! وملاذا يشعر السويديون بالتعاسة
والضيق برغم سعة العيش والرفاهية والتقدم الذي يعيشون فيه؟! هذان السؤاالن دفعاه
إلى دراسة اإلسالم بعمق ..فانتهى به األمر إلى اعتناقه ..إنه املفكر السويسري روجيه دوباكييه
بطل هذه القصة.
املقارنة العجيبة بين مستوى السعادة في كل من السويد والدول اإلسالمية التي زارها بطل
املقارنة العجيبة
قصتنا جعلته يفكر بعمق في معنى الحياة ،كما دفعته إلى تأملها من خالل النموذجين السابق
ذكرهما ..فقال في ذلك« :كنت أسأل نف�سي :ملاذا يشعر املسلمون بالسعادة الغامرة في حياتهم على
الرغم من أنهم يرزحون تحت نير الفقر والتخلف؟! في املقابل ملاذا يشعر السويديون بالتعاسة
والضيق على الرغم من سعة العيش والرفاهية التي يعيشون فيها؟! ليس في السويد فحسب بل
حتى في بلدي (سويسرا) كنت أشعر بنفس التعاسة التي يشعر بها السويديون ،على الرغم من أن
سويسرا بلد تتميز فيه الحياة بالرخاء ،ومستوى املعيشة مرتفع!».
ً
أضاف روجيه قائل« :ما سبق ذكره دفعني إلى أن أدرس وأبحث في ديانات الشرق ..بدأت بحثي
بدراسة الديانة الهندوكية فلم أجد فيها ما يقنعني ..تحولت إلى دراسة الدين اإلسالمي ..شدتني
إليه حقيقة أنه ال يتعارض مع الديانات األخرى ،وال يعمل على إقصائها ،وإنما يتسع لها جميعها..
وال غرابة فهو خاتم األديان ..نعم إنها حقيقة ظللت أزداد ً
يقينا بصحتها كلما توسعت في قراءاتي..
تماما عقب اطالعي على مؤلفات الفيلسوف الفرن�سي املعاصر رسخت تلك الحقيقة في ذهني ً
«رينيه جينو» الذي اعتنق اإلسالم ..الحقيقة وكما هو الحال مع الكثيرين ممن تأثروا بكتابات
ًّ
حقيقيا للحياة، هذا الفيلسوف الفرن�سي واعتنقوا اإلسالم ،اكتشفت أن اإلسالم يعطي ً
معنى
على عكس الحضارة الغربية التي تسيطر عليها املادية ..فهذه األخيرة ال تؤمن بالحياة اآلخرة،
وإنما تؤمن فقط بهذه الدنيا».
وهكذا نجد أن «روجيه دوباكييه» تأثر بفكر الفيلسوف الفرن�سي «رينيه جينو» الذي اعتنق
اإلسالم ،كتأثره السابق بالسعادة التي وجد املسلمين يعيشون في كنفها عند زيارته للدول
اإلسالمية ..لقد وجد املسلمين كما سبق ذكره يعيشون سعداء برغم الظروف املادية السيئة
التي يعيشون في ظلها ..انبهر بشدة عندما وجد نفوسهم تتمتع بقدر كبير من اإليمان الراسخ ..بل
اندهش عندما وجدهم ال يعانون األزمات األخالقية التي يعانيها أهل الغرب ،تلك األزمات التي
جعلت ً
كثيرا من الشباب يهربون من الحياة باالنتحار أو بتعاطي املخدرات ،األمر الذي يعني أن
الحياة في نظرهم ليس لها معنى أو قيمة.
388
وصل املفكر السويسري روجيه دوباكييه إلى نتيجة يعبر عنها بقوله« :لقد اتضح لي أن اإلسالم
بمبادئه القويمة يبسط السكينة في النفس ..على عكس الحضارة الغربية املادية التي تقود
أصحابها إلى اليأس نتيجة للخواء الروحي ألنهم ال يؤمنون بأي �شيء ..كما اتضح لي أن األوروبيين
لم يدركوا حقيقة اإلسالم ،ال ل�شيء إال ألنهم يحكمون عليه بمقاييسهم املادية».
وعندما سئل روجيه دوباكييه عن ال�شيء الذي جذبه نحو اإلسالم قال« :في البدء ،جذبتني
ً
محمدا رسول هللا ..إذ اكتشفت أن اإلسالم دين متكامل إلى اإلسالم شهادة أن ال إله إال هللا ،وأن
ليس به فراغ ،وأن كل �شيء فيه مرتبط ومحكوم بالقرآن والسنة ..وحسب اعتقادي أن بإمكان
اإلنسان التأمل في هذه الشهادة طوال حياته».
فمن ناحية تقول الشهادة :ال إله إال هللا ..وهذا يعني أنه ليس هناك حقيقة نهائية ودائمة سوى
هللا ..في املقابل تقول الفلسفة الحديثة -الفلسفة الوجودية وغيرها -إنه ليس هناك حقيقة سوى
هذه الدنيا ..وقد أصبت بالدهشة عندما وجدت أن اإلسالم يعبر عن الحقيقة التي تناساها كل
من العلم والفلسفة الحديثة».
بعد لحظات من التأمل استطرد روجيه دوباكييه يقول« :لقد تأثرت ً
كثيرا بالقرآن الكريم
عندما بدأت أدرسه ،وتعلمت وحفظت بعض آياته الكريمة ..والحمد هلل أستطيع اآلن أن أقرأ
ْ ً ََ ْ َ َ ََْ ََْ ْ َ
ال ْسل ِم ِدينا فلن ُيق َب َل ِمن ُه ً
باللغة العربيةْ :وتستوقفني كثيرا اآلية الكريمة« :ومن يبت ِغ غير ِ فيه
َ َ ُ َ ْ َ َ َ
اس ِرين» (آل عمران.)85 :
وهو ِفي ال ِخر ِة ِمن الخ ِ
ً
ويضيف املفكر السويسري روجيه دوباكييه قائل وقد غمرته السعادة« :قرأت السنة النبوية
الشريفة كذلك ،وتأثرت بما ورد فيها من حكم وبيان دقيق».
لقد أعلن «روجيه دوباكييه» إسالمه أمام املأل ،إذ وجد أنه ليس هناك مبرر إلخفائه ،وكان
قبل إشهاره إلسالمه نشر مقاالت كثيرة عن اإلسالم في صحف غير إسالمية مثل صحيفة
«جورنال دي جنيف» ،وصحيفة «جازيت دي لوزان» ..وقد دافع في تلك املقاالت عن قضايا
اإلسالم كمسلم مخلص متحمس وجد نفسه في دين اإلسالم.
ّ
وعبر روجيه عن رأيه في املكابرين الذين ينتقدون اإلسالم ويتهمونه بالتخلف ،في ثبات الواثق
تقدم اإلسالم ُّ
تقدم برأيه مقابل رأي يراه مدعاة للسخرية بل ويحمد هللا سبحانه وتعالى على أن ُّ
التقدم املادي املزيف الذي يعيشه أهل الغرب والذي يقودهم إلى هاوية ُّ حقيقي ال يشبه ذلك
ُّ ُّ
سحيقة ..ويشير إلى أن تقدم اإلسالم لو كان يشبه التقدم املادي الذي يقصدونه ملا أثار انتباهه
وال انتباه العديد من املفكرين الذين وجدوا فيه الخير والسعادة للبشرية.
389
ففي رأيه أن اإلسالم يعبر عن �شيء خالد ال يحده زمان وال مكان ،وبالتالي فإن وصفه
نوعا من السخف ودليل على جهل أو مكابرة قائله ..فالتقدم الذي يتشدق بالتخلف ال يعدو كونه ً
به الغربيون لم يقدهم إال إلى اليأس والضياع الناتجين من الفراغ الروحي ..فالحضارة واملدنية
ً
مدمرا بين اإلنسان من جهة واملادة والحياة من جهة أخرى ،أما صراعا ًّ
حادا ً الحديثة تمثالن
اإلسالم فهو يعبر عن التقدم الحقيقي وعن الحقيقة املطلقة التي فيها نفع خالد لبني البشر،
بالتالي لو سلك اإلسالم طريق التقدم بفهمهم القاصر للتقدم والرقي النتهى به املطاف إلى عاصفة
هوجاء من الفو�ضى والدمار واليأس وكل املهلكات التي وصلت لها حياة أهل الغرب.
املقارنة العجيبة
لدي صديق يدعى «محمد أسعد» ترك اليهودية واعتنق اإلسالم وهو في السادسة والعشرين ّ
من عمره ..أصبح محمد أسعد من علماء اإلسالم ،وله مؤلفات كثيرة من بينها كتاب يحمل
عنوان «الطريق إلى مكة» ...قابلته في باكستان حيث يعيش هناك وسألته نفس هذا السؤال :هل
ّ ً
علي قائل :نحن لم نعتنق اإلسالم بسبب هناك فرق بين اإلسالم كدين واملسلمين كأشخاص؟ رد
املسلمين ،وإنما ألن اإلسالم يعتبر حقيقة ال ينكرها أحد.
ً
تدهورا في حال املسلمين ولكن تبقى الحقيقة أن التدهور عند نعم صحيح ما يقال إن هناك
أصحاب األديان األخرى أكثر مما هو عليه وسط املسلمين ..حتى لو كان املسلمون في حالة تدهور
فإن دينهم مؤهل وقادر على منحهم السكينة واالطمئنان والحياة السعيدة التي تعينهم على التغلب
على تلك األزمات األخالقية التي يعيشها الغرب.
وعن تفسيره لظاهرة اإلقبال امللحوظ على اعتناق اإلسالم من قبل األوروبيين أرجع السبب
إلى األزمة التي يعيشها األوروبيون نتيجة للنهج املادي األعمى الذي تسير عليه الحضارة واملدنية
الحديثة ..لقد وجد األوروبيون أنفسهم يعيشون في حالة خواء روحي مريع ويأس مدمر ّ
جراء
افتقارهم إلى اإليمان بأي �شيء سوى املادة ،ما جعلهم يتيهون حيارى في أغوار أنفسهم وفيما
ً
حولهم بحثا عن معنى حقيقي لحياتهم ..وعندما وجدوا ضالتهم املنشودة في اإلسالم أقبلوا عليه
دونما تردد..
تناهى إلى مسامعها أن الدين «املحمدي» هو آخر األديان ..سمعت بما وصفه به املستشرقون
بأنه دين ال يصلح إال للشعوب الهمجية املتأخرة ..ولكن على الرغم من ذلك سعت إلى دراسته
ّ
بجدية فوجدت فيه ضالتها املنشودة ..إنها بطلة هذه القصة الكاتبة اإليطالية املعروفة إيبيانك
مودواودي التي أنقذتها فطرتها السليمة من ظلمات الطقوس ّ
امليتة الباردة إلى قمة فضاء نوراني
حليب العذراء
نصيحة صديقي الغالية أوصلتني إلى يقين مريح مربح مفاده أن الكنيسة تحرص على أن يظل
التامة ،ويظلون بعيدين كل البعد عن الدراسات العلميةمريدوها يعيشون في حالة من الجهالة ّ
وإنارة العقول ..نعم كم من املرات صرحت الكنيسة -بلسان الحال أو املقال -بأنها عدوة للعلوم
شاهدا على ذلك حادثة حرق مؤلفات «جاليليو» التي تظهر عداء ً والعقول املستنيرة ويكفي
الكنيسة للعلم والحقيقة.
ثم تنتقد الكاتبة الكنيسة قائلة :تقديس اآلثار املقدسة التي هي من تركة القديسين لم تكن
سوى عادة جارية منذ القدم ،تبنتها الكنيسة بشكل مختلف ..هناك الكثير من اآلثار واملتروكات
392
املقدسة التي يرجعها املسيحيون للسيد املسيح ..فهناك نجد املسامير التي ساعدت على صلبه،
والتي لم تظهر قدسيتها قبل القرن الثاني ،كما نجد األلبسة واألزياء التي تعود له (أي للسيد
ً
املسيح) فضل عن اآلالت الصليبية ..ويتمثل األكثر غرابة في أنهم اجتهدوا حتى في تصوير عرق
املسيح ،وفي الحصول على كميات كبيرة من حليب العذراء!! بل خيل للكنيسة أن األخشاب التي
صلب عليها املسيح ال تزال باقية على حالها.
ُ
أوردت الكاتبة كذلك أنها وجدت تصورات عن طبيعة القديسين ذكرها الك ّتاب املسيحيون
األقدمون تشير إلى أن للقديسين عدة رؤوس وأقدام ،بل وصل بهم الحال أن وصفوا كل قديس
على حدة بعدد ما يملكه من رؤوس وأقدام! فعلى سبيل املثال ذكروا أن للقديس «سان جورج»
دينيا -عشرة جسما كما أن للقديس «سان جان باتيست» -الذي كان بعرف الكنيسة ً
رمزا ًّ ثالثين ً
جسما وستة وعشرين ً
رأسا ،وإلى غير ذلك من ً رؤوس ،كما ذكروا أن للقديس جوليان عشرين
األقدام املقدسة والقديسين متعددي الرؤوس!!
ثم أضافت الكاتبة ما يفيد أن الكنيسة منحت أسماء جديدة للعديد من القديسينّ ،
فسمتهم
بأسماء األمكنة األثرية ونسبت إلى تلك األمكنة شرف املعجزات واألحداث السالفة التي حدثت
لألقدمين ..فهناك على سبيل املثال املياه املعدنية التي ينسبون أصلها الخرافي للقديس رومان وإلى
غير ذلك من املفاهيم الغامضة والخرافات التي يرفضها العقل السليم.
أمام كل ما يعتري املسيحية من غموض وما يجول بعقل بطلة قصتنا من شكوك ،شعرت
األخيرة بأنها في حاجة إلى دراسة الدين اإلسالمي بعد أن سمعت عنه بأنه آخر األديان ..بيد أنها
ًّ
شرقيا ال يتفق مع العقلية الغربية وال يتسق مع حضاراتها ..كرس في تصورته -في بادئ األمرً -
دينا
عقلها هذا الفهم الخاطئ عن اإلسالم ما ذكره املستشرقون عن املسلمين حيث وصفوهم بأنهم
قوم متأخرون ،وجاهلون ،وهمجيون ..كما وصفوا اإلسالم بأنه ال يصلح إال للشعوب املتخلفة
الهمجية ..وعلى الرغم من االفتراءات الكثيرة التي سمعتها عن اإلسالم واملسلمين فإنها وجدت في
اإلسالم ضالتها املنشودة التي كانت تبحث عنها منذ أن استوى وعيها ونضج فكرها.
393
تقول الكاتبة عن اإلسالم إنه جاء بأكبر الحقائق عن هللا بصورة واضحة مختصرة في شهادة
عظيمة مفادها «ال إله إال هللا» ،وتضيف بأن هذه الشهادة عبارة عن نظرية حقة جاء بها اإلسالم
ليعلمنا أن هللا واحد ،حي ،صمدي ،أزلي ،حاضر في كل زمان ومكان.
وأفادت الكاتبة أن اإلسالم يختلف عن املسيحية في أن العلماء املسلمين ال يملكون إال صفة
الدين والتشريع ،على عكس حال الرهبان في الديانة املسيحية الذين يدعون ألوهية املسيح وقد
ينسبها بعضهم لنفسه.
ّ ً
محمدا -صلى هللا عليه وسلم -أبى ثم أردفت قائلة إن نفسها اطمأنت حينما علمت أن سيدنا
«ق ْل إ َّن َما َأ َنا َب َش ٌر ّم ْث ُل ُك ْم ُي َ
وحى إ َل َّي َأ َّنماَ ُ ً أن ينسب إليه ً
حليب العذراء
وتحدثت بطلة قصتنا عن التعاليم األخالقية التي تميز اإلسالم عن غيره من األديان من منطلق
أنه غير منفصل عن األخالق البشرية واآلداب اإلنسانية ،كما أشارت إلى تطبيقه الحقيقي -في
شريعته -للعدالة االجتماعية والديمقراطية التي سعى الغرب لتطبيقها منذ عدة قرون دون أن
ّ
ينجح في تطبيقها بالصورة املثلى التي يريدها منظروه ..كما أشارت إلى الزكاة التي فرضها اإلسالم
على كل مسلم مقتدر والتي تسهم في حل مشاكل الفقراء واملحتاجين ..أما الصالة فقد تحدثت عنها
الكاتبة كحلقة من االتصال بين العبد وربه ،كما قارنت بينها وبين صالة الكنيسة الترتيلية التي
تعتمد على مجرد الكالم األجوف واألناشيد الصاخبة ..ولم تغفل الكاتبة في كتاباتها الحديث عن
معان خاصة في حياة املسلمين.
شعيرتي الصوم والحج بمنافعهما الكثيرة العميقة وبما لهما من ٍ
ومن األشياء املهمة التي تحدثت عنها الكاتبة -حديث العارف واملجرب -إمكانية استفادة
الغرب من اإلسالم وحل كل مشاكله املستفحلة عبر تعاليمه وتشريعاته وذلك بقولها« :ليس في
العالم سوى دين واحد يقوم بحاجات البشر كاملة ،ويقود البشرية إلى أرقى مجاالت العمران
والتقدم ،ويهذب األفكار ..وهذا الدين هو اإلسالم ..ملاذا ال يكون هذا الدين ..الدين املتين األوحد 394
للحلول املنظور فيها؟ وملاذا ال تتخذ التعاليم القرآنية كتعاليم عاملية ،وقد أتى القرآن ً
رافعا منارة
الحقائق اإلنسانية؟ إن اإلسالم بتعاليمه اإلنسانية الشاملة لهو دين العالم املتمدن الحديث ..وال
يزال اإلسالم املخرج الوحيد ألوروبا من مأزقها الحرج».
وقرؤوا عنه نتيجة الفضول الذي أوصلهم إليه ذلك السعي الحثيث من أعداء اإلسالم
لتشويهه والتخويف منه!! أعماهم هللا عن االنتباه ملا يثيرونه من فضول كبير لدى من ال يعرفون
ً
شيئا عن اإلسالم ..وما أكثرهم..
فتمدد اإلسالم واتساع رقعته بمعدل يفوق معدالت انتشار األديان األخرى مجتمعة ،وازدياد ُّ
معتنقيه بوتيرة متسارعة أكثر من أي وقت م�ضى ،أخاف وسائل اإلعالم الغربية فأصبح شغلها
ً
الشاغل تشويه صورته أمل في أن يتوقف هذا املد اإلسالمي الباهر ،ولكن فات عليهم أنهم بذلك
يدفعون ببعض بني جلدتهم للقراءة عن اإلسالم ،ما يجعلهم يكتشفون ضالل تلك األكاذيب
أفواجا ..ومن هؤالء بطلة قصتنا هذه الفرنسية إلودي ً
سابقا وتسنيم اآلن.. ً ويدخلون في دين هللا
395
تحكي تسنيم قصة اعتناقها اإلسالم فتقول :تم تعميدي في الكنيسة بوساطة عائلتي ،كما
أديت مناولتي ،بيد أن تربيتي لم تكن تتسق مع املبادئ املسيحية على اإلطالق ..لقد فعلت ما سبق
ذكره ليس عن اقتناع ،وال رغبة في اتباع تقليد ديني ،وإنما فعلت ذلك رغبة مني في تلقي الهدايا.
كانت حياتي تخلو من التفكر في كيفية خلق العالم الذي أعيش فيه ،بل لم أكن أطرح على
نف�سي أي سؤال ..وحتى ما تعلمته من مبادئ املسيحية كنت أؤمن بأهميته دون أن أنسجم معه..
ً ً
تفكيرا وسلوكا -مئة وثمانين درجة ..نعم تحولت من فتاة بيد أن لحظة فارقة في حياتي حولتني -
مستهترة لعوب تم�ضي أمسياتها في املراقص الليلية برفقة كل من يصاحبها ،إلى أخرى مهذبة رزينة
لحظة فارقة
تفضل البقاء في املنزل على مراقص اللهو العامرة بكل �شيء إال الحياء.
ًّ
جذريا منذ أن بدأت االهتمام باإلسالم ..وهو اهتمام يعزى إلى ما بدأت حياتي تشهد ً
تغييرا
كنت أسمعه في وسائل اإلعالم من ربطها لإلسالم بكل أمر سيئ مثل «اإلرهاب» و«التطرف»
و«العنف» و«املجازر» ..الحقيقة ما تبثه وسائل اإلعالم عن اإلسالم أثار فضولي؛ إذ استغربت
ًّ
همجيا إلى هذا الحد ..دفعني ذلك إلى أن أبحث عن أن يكون دين واسع االنتشار مثل اإلسالم
ً
الحقيقة بنف�سي بدل من تلقيها من وسائل اإلعالم.
وتمثلت البداية في ذهابي إلى إحدى املكتبات ،حيث اشتريت ترجمة للقرآن ..وما أن بدأت
قراءة القرآن حتى تغيرت الصورة الذهنية التي غرستها في نف�سي وسائل اإلعالم عن اإلسالم بل
تالشت كل أحكامي املسبقة عن هذا الدين العظيم ..وأصبحت بعد ذلك أقرأ القرآن بشغف ومن
ثم اكتشفت أن نور اإليمان بدأ ينساب إلى دواخلي في عفوية شديدة.
انتابني حينها إحساس جديد ،إذ كلما ازدادت قراءتي للقرآن ازداد شعوري بالخوف من ارتكاب
جدا ..الحقيقة انتابني اإلحساس بعض األمور السيئة مثل التدخين ،وارتداء املالبس الضيقة ًّ
تغيرت نظرتي للحياة ً
تماما بقدر ما تعني هذه العبارة تماما عن نف�سي! لقد ّ
بأنني أصبحت غريبة ً
من معنى! بل بدأت تترسخ في أعماقي مبادئ وقيم لم أكن أكترث لها من قبل مجرد االكتراث..
بدأت هذه القيم واملبادئ تؤثر في طريقتي في التفكير وفي سلوكي في الحياة..
في البدء كنت أتوجس من الدين مخافة أن أضحي بالكثير من ملذات الحياة التي اعتدت عليها،
بيد أني وجدت نف�سي وبصورة تلقائية أقاطع املراقص الليلية ،وأقلع عن املخدرات وعن كل
األفعال املنكرة املشينة ..اندهش الجميع واستنكروا التغير الكبير بل االنقالب الذي حدث في
حياتي ..لم أكن آبه لدهشتهم واستنكارهم ألنني بالفعل لم أعد أرغب في تلك األمور.
واصلت قراءتي للقرآن الكريم ..أحسست بأنني بحاجة إلى تعميق معرفتي باإلسالم فعدت مرة
396
أخرى إلى املكتبة وقمت بشراء كتب إسالمية أساسية ..وبعد شهرين من القراءة ،أعقبهما تفكير
متأن عميق قررت اعتناق اإلسالم فنطقت بالشهادتين ،حيث رددت« :أشهد أن ال إله إال هللا وأن
ٍ
ً
محمدا رسول هللا» ومن ثم أصبحت مسلمة.
وتختتم إلودي قصتها وهي تقول في مرارة منتقدة قومها القدامى« :إن فتاة ترتدي مالبس
قصيرة ًّ
جدا ال تزعجهم ألبتة ..لكن حشمة الحجاب تؤذي بعضهم بل باألحرى تؤذي الكثيرين!».
املصدر)10( :
املشهد الباهر
الصدفة ..حدث يحسبه البشر كذلك..
الحقيقة ..ال صدفة في كون هللا!!..
إنها إرادة هللا املدبرة لكل صغيرة وكبيرة في حياة اإلنسان..
هو الذي «يدبر» لإلنسان «الصدفة» التي تقوده من حياة إلى حياة..
فقط أروا هللا منكم ً
خيرا ..ابحثوا عنه ..سيهديكم..
هذا وعد هللا لكل من أقبل على دراسة اإلسالم بتجرد ودون تعصب مسبق ملذهب أو دين..
سيصل في نهاية الطريق إلى الحقائق الكونية املتعلقة باإلله والوحدانية والخلق والبعث ،وغير
ذلك من القضايا التي يتساءل عنها كل إنسان..
397 بطل قصتنا ..توماس كاليتون ..غربي قح ولد ونشأ في بيئة نصرانية بيد أنه ومنذ نعومة
أظفاره ظل يشعر بأنه غريب عن تلك البيئة بقدر إحساسه بأنها غريبة عنه ..لفترة تراوحت بين
طقوسا معقدة وتحشو رأسهً ست وسبع من السنوات ظلت الكنيسة األسقفية في إنجلترا تلقنه
ّ
بتعاليم غامضة عصية على الفهم وجامدة تتكسر دونها معاول املناقشة ..توصل إلى حقيقة جلية
مفادها أن النصرانية جعلت منه آلة صماء تنفذ وال تفكر فبدأ يبحث عن البديل.
غير حياته ً
رأسا على عقب ..عثر في مكتبة في أحد األيام وبمحض املصادفة حدث له أمر باهر َّ
أحد أصدقائه على مؤلف للكاتب اإلنجليزي النصراني «جورج سيل» يحوي ترجمة ملعاني القرآن
الكريم باللغة اإلنجليزية ..انفرد بنفسه وبدأ يقرأ الكتاب في شغف شديد ..على الرغم من أن
املشهد الباهر
الكتاب كان يغص بانتقادات مجحفة كان يهيلها مؤلفه «جورج سيل» لإلسالم ورسوله الكريم،
فإن معاني القرآن الكريم دخلت عقله وقلبه من أوسع األبواب.
ّ
عقب تلك املصادفة الباهرة التي شكلت عالمة فارقة في حياته بدأ كاليتون يقرأ كل ما تقع
عليه يده من املؤلفات اإلسالمية ..توصل عبر تلك القراءات إلى حقائق مهمة ..فبرغم احتواء تلك
الكتب على قدر كبير من الزيف والتشويه ،ألن مؤلفيها كانوا يرمون إلى أن يبعدوا الناس عن فهم
اإلسالم وحبه ،فإنها تشتمل على مقدار من الحق ..وبذلك أحس بطل هذه القصة وبحكمته أن
األمر ليس كما قرأه ،ما جعله يشعر بمزيد من الحب لإلسالم وتعاليمه.
لم يمر على قراءاته تلك زمن طويل حتى قدر لتوماس كاليتون أن يحضر املهرجان الكشفي
العالمي الذي أقيم في مدينة مويسون الفرنسية في صيف عام 1947م .شارك في ذلك املهرجان
أربعون ألف شاب كانوا يمثلون اثنين وأربعين ً
بلدا من بالد العالم .التقى كاليتون في ذلك
املهرجان بكشاف جزائري مسلم يدعى «مجدي جمال» أحبه من كل قلبه بل ظل صديقه الوفي..
ً
كان جمال في نظر كاليتون مثال للشاب املسلم الصادق الذي يعتبر قدوة صالحة لنظرائه من فئة
الشباب ..ويصرح بطل قصتنا بأنه استفاد ً
كثيرا من صحبة ذلك الشاب.
إلى جانب ما حصل عليه في املهرجان من معلومات عن اإلسالم وجدها في بعض الكتب الغربية،
ومهما من املعرفة اإلسالمية يتمثل في السلوك الحسن لبعض من نوعا آخر ًّاكتسب كاليتون ً
التقاهم من املسلمين ومن بينهم صديقه الجزائري ،حينها فقط أدرك أنه ال ّبد له من معرفة
املزيد عن اإلسالم والقيم واملبادئ التي يدعو إليها.
عندما عاد إلى بالده عقب انتهاء املهرجان عقد كاليتون عزمه على أن يقرأ عن اإلسالم من
مصادره ومراجعه األصلية ،فبدأ رحلة جادة من البحث تمكن عبرها من العثور على عنوان
لجمعية إسالمية تدعى «جمعية نشر الدعوة اإلسالمية» في الهور بباكستان .راسل تلك الجمعية
فأرسلت له مؤلفات ثمينة تعرض اإلسالم في صورته الحقيقية النقية ..تواصل بعدها مع داعية
ً
أمريكي مسلم وجد فيه مثال للمسلم الصالح امللتزم بتعاليم دينه فوقر اإليمان في قلبه. 398
في أحد األيام التي ال تن�سى وبينما كانت الشمس تميل عن كبد السماء سمع بطل قصتنا
عذبا خاله غناء ولم يفهم معناه ..عندما تجاوز الطريق ودخل تحت مجموعة من األشجار ً
صوتا ً
رجل ًّ ً
عربيا أعمى ،يرتدي األبيض من املالبس الوارفة الظالل وقع بصره على مشهد باهر!! رأى
عال ..صوته الساحر الدفيء النقية ويعتمر عمامة على رأسه ..كان الرجل يقف على برج خشبي ٍ
كان يتسامى في فضاء املنطقة وكأنه يقرع قبة السماء :هللا أكبر! هللا أكبر! ال إله إال هللا!
كلمات كالدرر لم يفهم كاليتون معناها بيد أن سحرها املدهش انساب إلى سويداء قلبه حتى
خالها دخلته قبل أن تمر عبر أذنيه!
ً
أعدادا كبيرة من الناس يتجمعون.. عقب ذلك ازدادت دهشة كاليتون ومن معه عندما رأوا
ّ
يختلفون في األعمار والسحنات واملالبس ويتفقون في انكسارهم الواضح الذي ينم عن الخشوع،
إنهم أناس من مختلف األعمار يرتدون ً
ألوانا شتى من املالبس ،ويمثلون قطاعات الحياة كافة..
الحظ كاليتون الجميع وهم يخلعون أحذيتهم وينتظمون في صفوف طويلة منتظمة ومتراصة ال
تمييز فيها ألحد على أحد بغض النظر عن اختالف األلوان واملراكز االجتماعية سواء باملال أو
العلم أو الحسب أو النسب ..ال فرق بين غني وفقير وال بين أبيض وأسود وال بين عامل ووزير وال
بين تاجر ومتسول ..الجميع متباينون في األعمار واملراكز االجتماعية لكنهم متفقون في وحدة
الصف وفي التزام العيون املنكسرة بموقع معين ال تملك مغادرته قيد أنملة أال وهو الحصير
املفروش أمام أصحابها.
ُ ُ
ذلك املشهد الذي تجلت فيه روح األخوة في أسمى معانيها نحت في ذاكرة كاليتون ونقش في
قلبه بمداد من نور يصعب محوه بمرور السنين ،كيف ال وقد كان ً
سببا في دخوله اإلسالم!!
ولد في فترة استثنائية كانت فيها أوروبا مضعضعة بسبب ويالت الحرب العاملية األولى ..تلك
الحرب املريعة التي تزامن انتهاؤها مع مولده مخلفة وراءها الدمار والخراب في نفوس الناس
قبل املعمار ..نشأ كغيره من أفراد جيله بنفسية مشوهة تميل إلى العداء بسبب ما رأته عيناه من
فظائع الحرب ..لكن وكما نور الشمس ينبعث من بين ثنايا ظلمة الليل هداه هللا تعالى إلى اإلسالم 400
عبر بوابة اللغة العربية لغة القرآن الكريم ..إنه املستشرق األسكتلندي داوود كاون الداعية
اإلسالمي املعروف بطل هذه القصة.
ً
ق�ضى بطل قصتنا سنوات عمره األولى في ظل تلك األجواء الكئيبة محاول التخلص من
ذكريات الحرب البغيضة التي قتلت في نفسه كل جميل ..انتماؤه ألسرة نصرانية جعله ال يعرف
عن اإلسالم إال معلومات شحيحة ومشوهة.
كانت نفسه تهفو إلى تعلم لغات جديدة تثري معارفه ،وتربطه بإخوانه من بني البشر الذين
ال يتحدثون لغته اإلنجليزية ..هذه امليول واالهتمامات جعلته يداوم على ارتياد مكتبة مدينته
ً
إعالنا عن دورة دراسية في األسكتلندية ..وفي عام 1932م وفي إحدى زياراته للمكتبة شاهد
باريس لتعليم اللغة العربية ..قرر دخول الدورة دونما تفكير طويل ،دفعه إلى ذلك اطالعه
على مجلة تهتم بالعالم اإلسالمي إذ حفزته موضوعات تلك املجلة على تعلم اللغة العربية حتى
يتعرف إلى أبناء ذلك العالم الق�صي الذي لم يكن يعرف عنه الكثير سوى قصص ألف ليلة وليلة
األسطورية التي ال يعرف الغربيون غيرها عن الشرق والتي جعلتهم يتكئون على حائط من الجهل
وهم يتأملون شاطئ قصصها األسطورية دون أن يغوصوا في أعماق بحر املعرفة الحقيقية
لإلسالم واملسلمين.
شكلت دورة تعليم اللغة العربية التي تلقاها داوود كاون في باريس نقطة تحول كبرى في حياته،
استيعابا للقرآن الكريم ،حيث اكتشف ً
الحقا أن ما تلقاه في تلك الدورة ليس ً إذ جعلته أكثر
سوى اللهجة العامية الجزائرية ،لكن لم يصبه اكتشافه املتأخر ذاك باإلحباط وإنما دفعه إلى أن
يلتحق بمعهد الدراسات الشرقية واألفريقية في جامعة لندن لدراسة اللغة العربية الفصحى..
عاما يدرس اللغة العربية في ذلك املعهد فخرج بقناعة تامة مفادها أن عليه دراسة ق�ضى كاون ً
هذه اللغة التي عشقها في أحد مواطنها ..فكر في الذهاب إلى األزهر باعتباره من القالع املهمة التي
تدافع عن اإلسالم واللغة العربية ..في عام 1933م خاطب الشيخ الواحلي إمام األزهر آنذاك
وأعرب له عن رغبته في دراسة اللغة العربية ..رحب الشيخ بطلبه ،بل أرسل له مع رده هدية
قيمة هي نسخة من كتاب تفسير القرآن الكريم للبيضاوي.
ّ
دراسة كاون السابقة للغة العربية مكنته من االطالع على الكثير من مبادئ اإلسالم وقيمه
ً
السمحة األمر الذي جعله متعطشا ملعرفة املزيد عن هذا الدين العالمي الذي يتسق مع الفطرة
السليمة والذي أحبه بعمق حتى أن الكثيرين يقولون إنه أسلم بالفعل قبل وصوله إلى القاهرة..
عندما بدأ كاون دراسته باألزهر شعر بالراحة التامة لقرار اعتناق اإلسالم ،ألن وجوده باألزهر
التعرف إلى مسلمين يختلفون في جنسياتهم ولغاتهم وأعراقهم وقاراتهم ،لكنهم يتفقون أتاح له ّ
ً ّ
في حبهم الخالص هلل تعالى ولرسوله الكريم -صلى هللا عليه وسلم -فضل عن الرغبة الصادقة في
401 تلقي املزيد من العلم ..نعم لقاؤه بهذه الكوكبة املميزة من املسلمين جعله يشعر بعاملية اإلسالم
وبحقيقة الطابع اإلنساني للثقافة اإلسالمية.
مكث داوود كاون في مصر قرابة العام ونصف العام ،وهي فترة مهمة في حياته قضاها في
ّ
للتشبع حي الحلمية الجديدة مع مجموعة من الطالب الصينيين املسلمين الذين جاؤوا إلى مصر
باملعارف الشرعية والدينية اإلسالمية ،ومن ثم العودة إلى بالدهم للعمل في مجال الدعوة إلى هللا
تعالى وإلى دينه الحنيف .وخالل فترة وجوده بمصر شعر داوود كاون بالفرق الشاسع بين البلدان
اإلسالمية والبلدان األوروبية ،فبينما يجعل أسلوب الحياة املادي املرء في البلدان األوروبية
يحس باالغتراب برغم وجوده وسط أهله ،ال يشعر املغترب الغربي في بالد اإلسالم باالغتراب
في رحاب األزهر
والوحدة وذلك بما تملكه هذه البلدان من قيم سمحة وأخالق كريمة ،فهي ال تنسيه فقط مرارة
الغربة وإنما تشفيه من أمراض الحضارة الغربية بما تجود به عليه من عاطفة جياشة وطاقة
روحية ال تتوافران إال في الدين اإلسالمي.
عقب إكمال دراسته في األزهر ،عاد داوود كاون إلى بالده ليكمل دراساته في جامعة لندن،
بقلب مملوء باإليمان وعقل معمور بالثقافة اإلسالمية األصيلة ..وما أن تخرج في جامعة لندن
ثقافيا في السفارة البريطانية في القاهرةّ ،
وقدر حتى تم تعيينه عقب الحرب العاملية الثانية ً
ملحقا ًّ
له حينها أن تزوج زوجته األولى املصرية التي أنجبت له ابنه «عادل» وابنته «منى».
ً ً
مدرسا وأستاذا للغة عندما انتهت فترة عمله بالقاهرة عاد داوود كاون إلى بريطانيا حيث عمل
العربية واألدب العربي في معهد الدراسات الشرقية واألفريقية بجامعة لندن ،وهو الصرح ذاته
الذي شهد بداية حبه وتعلقه وإيمانه باإلسالم.
وخالل فترة عمله بهذا املعهد أثرى كاون مكتبة الدراسات العربية واإلسالمية بمجموعة
كبيرة ومميزة من املؤلفات التي تتصدى لكتابات املستشرقين السلبية التي تعمل على تشويه
صورة اإلسالم واملسلمين ،ولعل من أشهر هذه املؤلفات وأكثرها ً
تأثيرا كتابه القيم «مقدمة للغة
ُ
العربية األدبية املعاصرة» الذي ترجم إلى عدة لغات .حبه للعلم جعله يتعلم خمس عشرة لغة،
ّ
كان يتحدثها بطالقة وقد كانت له بمنزلة املفاتيح التي مكنته كداعية من نشر رسالة اإلسالم إلى
أق�صى مدى وفقه هللا تعالى لبلوغه.
وفي عام 2004م انتقل الدكتور كاون إلى رحاب هللا تعالى وحتى لحظة انتقاله ظل يتواصل مع
التراث العربي واإلسالمي الذي أحبه ً
كثيرا ،كما ظل يداوم على قراءة كتاب «إحياء علوم الدين»
ً
لإلمام أبي حامد الغزالي ،فضل عن مطالعته كتب التراث العربي واإلسالمي وكان ال يفتأ يردد
كلمات صادقة يؤكد عبرها أن اللغة العربية بحر عميق وعريض ال ساحل له وال قرار ،وأن
الغربيين عجزوا عن فهمها ،كعجزهم عن استيعاب أسرار القرآن الكريم ومعجزاته الباهرة
معاد يشوهه عن قصد..فانقسموا إلى فريقين :فريق محايد يشوه اإلسالم عن جهل وآخر ٍ 402
يشعلها الشيطان في قلوب غير املسلمين وعقولهم ملا يعلمه من الخير الذي ينتظرهم في اإلسالم..
يصدهم عن سبيل هللا ..ويغريهم بأن يكونوا أعوانه في صد غيرهم!!
َ
تسلموا فتسلموا؟!
فهل تطيعون الشيطان؟! أم ِ
اسألوا هللا الهداية ..فباهلل نهتدي إلى هللا.
املخرج الكبير هو بطل قصتنا ..إنه املخرج السينمائي العالمي ركس إنجرام الذي فاجأ نبأ
إسالمه األوساط الفنية في (هوليوود) ،كما فاجأ الجميع في مختلف دول العالم ..فما هي قصة
ً
هذا النجم العالمي الذي كان آفل فتألق باعتناقه اإلسالم؟
َ
ولد ركس -بحسب القصة التي رواها بلسانه -في أسكتلندا ألب وأم إنجليزيين ..لم يحظ برؤية
403 ً ً
صغيرا ..ظلت أسرته تعيش في أبيه ألنه قتل في حرب البوير املشهورة وما زال ابنه ركس طفل
رغد من العيش حتى قامت الحرب العاملية األولى فتطوع للعمل في الجيش ..انضم في فرنسا إلى
فرقة الفرسان ..وبعد م�ضي أربع سنوات قضاها في أتون املعارك الحربية عاد إلى مسقط رأسه
ففجع بوفاة أمه وبمقتل إخوته الثالثة في الحرب ..هام على وجهه ال يلوي على �شيء ..تنقل بين
العديد من دول العالم (الهند ،الصين ،اليابان ،سوريا ،مصر ...إلخ) ..وحتى يخفف من آالمه
الدفينة شغل نفسه بدراسة اللغات والديانات ..في سوريا تعلم اللغة العربية ..درس مختلف
األديان بيد أنه لم يجد الطمأنينة إال حينما بدأ في مطالعة القرآن الكريم ..طالع ركس القرآن
مرارا ّ
وتمعن في معانيه بعمق ..رأى فيه من العذوبة والروعة ما جعله يتلو آياته في كل يوم حتى ً
ّ
ركس إنجرام
تحول إلى حروف من ضوء تتجمع للمرة الثانية عمود الدخان وقد ّ مرة أخرى ورأى ّ نام ركس ّ
لتكون كلمة (اإلسالم) ..استيقظ من نومه وقد أيقن أن هللا اختار له اإلسالم ً
دينا ..شعر براحة ّ
لم يذقها منذ خروجه من بطن أمه إلى الدنيا ..شعر بنعمة اإليمان تنساب إلى دواخله في نعومة
ويسر ..وفي املقابل أحس بالمباالة تجاه املؤثرات املادية بكل لذتها وأملها.
ً
وتحدث ركس يصف دواعي دخوله اإلسالم قائل« :أنا لم أقدم على التغيير الذي أحدثته في
حياتي ملجرد نزوة وقتية ،وإنما درست الدين اإلسالمي بعمق لعدة سنين ،ولم أعتنقه إال بعد 404
غيرت ديانتي بغرض الحصول على الراحة من ضجيج بحث قلبي عميق ،وتحليل نف�سي طويل ..فأنا ّ
الحياة الجنوني ،وبهدف أن أنعم بالسكينة والطمأنينة في ظل الهدوء والتأمل ً
بعيدا عن املتاعب
املرهقة التي يسببها التكالب على الكسب واللهاث وراء املال ،وحتى أخلص نف�سي من براثن األغراء
واإلغواء بأنواعها املختلفة ..باختصار اعتنقت اإلسالم لكي أنقذ نف�سي من الهدم والتدمير».
ً
عظيما في نفسه فقال« :أذكر ذات مرة، مؤثرا أحدث ً
أثرا ً
موقفا ً وأضاف ركس وهو يذكر
ًّ ً َّ
سينمائيا لرجل عربي مهيب أن عملي كمخرج سينمائي فوتوغرافي تطلب مني أن ألتقط شريطا
طويل القامة يقف في رأس مئذنة ويؤذن للصالة ..وأنا أقف إلى جانبه وأعمل على تصويره هزني
بشدة صوته الذي كان بارتفاعه وانخفاضه ينفذ إلى أعماق قلبي».
أردف ركس وهو يتنهد بعمق« :حاملا انتهينا من التصوير وجهت دعوة إلى ذلك العربي
ليزورني في مكتبي ،وعندما ّلبى دعوتي أخذت أسأله عن دقائق الديانة اإلسالمية ..تأثرت ً
كثيرا
بإجاباته املقنعة واعتنقت اإلسالم بعد ذلك ..بل أخذت أصلي معه ..الحقيقة شعرت بقناعة
رويدا ً
رويدا ،كما بدأت أشعر بالسعادة وأكره كل الرغبات املادية التي نفسية مريحة تغمرني ً
كانت تأسر نف�سي».
مريعا إذ وجد نفسه يقف ً
تائها ً
حائرا في نفسيا ً ًّ ً
صراعا وعقب إعالنه إلسالمه عانى ركس
مفترق طرق بين خيارين اثنين ال ثالث لهما :التمسك بديانته اإلسالمية أو الحفاظ على عمله
السينمائي ..هكذا بقي يسهر الليالي الطوال يرقد في فراشه مفتوح العينين حتى الصباح وهو
ّ
يفكر في إيجاد حل لهذه املشكلة حتى جاءه الرد من هللا تعالى كما قال.
ففي ليلة من ليالي (نيس) التي زارها لتصوير شريط سينمائي قام يصلي ملدة طويلة فزادت
واشتدت عزيمته ..وفي اليوم التالي أدار ظهره لعمله السينمائي ليهب جسمه ونفسه وحياته لإلسالم.
ً
واختتم ركس حديثه قائل في فرح طفولي« :أنا اليوم ابن اإلسالم أشعر بالسعادة أكثر مما
شعرت بها في أي يوم من أيام حياتي ..أنا اآلن أعيش في مدينتي الغربية وأرتدي ثيابي الغربية بينما
أدين بدين اإلسالم الخالد الذي هو أكمل دين سماوي ارتضاه هللا تعالى للبشرية».
وبقي أن نقول :أكبر مخرج سينمائي فوتوغرافي في العالم كما وصفته جريدة السياسة
األسبوعية التي صدرت في 13فبراير 1988يركل املجد والشهرة والثراء ويهجر هوليوود بكل ما
فيها من شهرة صاخبة وأضواء براقة مقابل أن يدخل اإلسالم.
َ َ َ َ َْ ْ ُ ْ َ ْ َّ
ض ِل الل ِه َو ِب َر ْح َم ِت ِه ف ِبذ ِل َك فل َيف َر ُحوا ُه َو خ ْي ٌر ِم َّما َي ْج َم ُعون» (يونس.)58 : «قل ِبف
405
نعم ..هو خير مما يجمعون..
هل ستصل في مجال عملك إلى النجاح الباهر الذي حققه ركس؟!!
قلة هم أولئك الباهرون..
وتخيل أنك وصلت إلى ما وصل إليه في الدنيا..
أيضا إلى ما حرص على الوصول إليه في اآلخرة؟!! لم ال تصل ً
َ
ولد بيجي في بيت إنجليزي متمسك بالتعاليم املسيحية خالل فترة االستعمار البريطاني للهند..
تلقى تعليمه الباكر في إحدى املدارس التبشيرية املسيحية ..أعجبته في البدء قصة السيد املسيح،
توصل لها مفادها أن تعاليم األناجيل ال ّ
تمت إلى الصحة الحقا بحقيقة مريرة ّ بيد أنه اصطدم ً
والصدق بصلة ..وهنا يشير بيجي إلى بعض األمثلة من تعاليم اإلنجيل :من األقوال املنسوبة
للمسيح التي توجب كراهية األقرباء« :إن كان أحد يأتي ّ
إلي وال يبغض أباه وأمه ،وامرأته وأوالده،
ً وإخوته وأخواته ،حتى نفسه ً
أيضا ،فال يقدر أن يكون تلميذا لي»! (إنجيل لوقا .)26 /14
تحرض على العنف وسفك الدماء« :ال تظنوا أني جئت ومن األقوال املنسوبة للمسيح التي ّ
ّ ً ً ً
سالما بل سيفا»! (متى .)34 /10 سالما على األرض ..ما جئت أللقي أللقي
ّ يشير هنا بيجي رودريك إلى أن السيد املسيح ،كما ورد في مختلف األناجيل ّ
املحرفة ،لم يعلم
أتباعه الطريقة الصحيحة الستخدام السيف ..األمر الذي جعلهم يسيئون استخدامه فقد
استخدمه الصليبيون باسم املسيح والنصرانية في ذبح املدنيين األبرياء وتقتيلهم في الكثير من
األقطار غير املسيحية ،كما استخدمته الدول االستعمارية وبتأييد ومباركة من الكنيسة في قهر
الشعوب اآلسيوية واإلفريقية واستغاللها ،وفي محو سكان نيوزيلندا األصليين ً
تماما ،وهو ذات
األمر الذي فعلته في كل من أستراليا وأمريكا الشمالية ..بل لم يتوقف استخدام السيف في ذبح
أعداء املسيحية فحسب ،إذ استخدمته الطوائف املسيحية لقتال بعضها ً
بعضا.
ً ً لقد كانت الحروب التي قادها املسيحيون هي األكثر ً
عنفا ودموية واألشد فتكا وتنكيل باألعداء
ّ
واألبرياء عبر التاريخ كله؟! في دراسة حديثة لجامعة متشيجن األمريكية بلغ عدد ضحايا الحروب
ّ
املسلحة التي ّ
شنها املسيحيون خالل القرن املا�ضي وحده نحو 100مليون قتيل والنزاعات
ّ
معظمهم من املدنيين األبرياء! بمعدل مليون قتيل في السنة الواحدة!
صدم بيجي رودريك بشدة في عام 1945عندما أسقط األمريكيون القنابل الذرية على
اليابانيين في نجازاكي وهيروشيما ،بل كاد يموت من الرعب والفزع عندما قرأ عن الوفاة املروعة
للماليين من البشر األبرياء من رجال ونساء وأطفال ..وفي املنحى ذاته استنكر قيام جيش عظيم
من املبشرين النصارى بدخول الجزر اليابانية الستعباد أرواح اليابانيين تحت غطاء التنصير
واستخدامهم ملساندة الرأسماليين من سادتهم البيض ضد أهلهم وبني جنسهم!!
في البدء كان رودريك يرى ويوهم اآلخرين بأن أي إنسان غير نصراني فهو وثني لكنه حينما
التقى في الكلية مجموعة من الرجال والنساء الذين ينتمون إلى عقائد مختلفة ،وأتيحت له
407
الفرصة ملعرفتهم عن قرب وفهمهم بدأ يحترم «الوثنيين» وأتباع الديانات األخرى ،إذ وجد
تسامحا ورحمة لم يجدهما بين النصارى ..ميوله الجديدة جعلته يصبح أكثر ً
قربا من ً بينهم
ً
أتباع الديانات األخرى خاصة املسلمين الذين اتخذ منهم صديقا أخذ يشرح له مبادئ اإلسالم..
من خالل هذا الصديق املسلم اقتنع رودريك بأن اإلسالم أكثر صالحية لبني البشر من الديانة
النصرانية بل ومن كل األديان ،إذ وجد أن اإليمان بوحدانية هللا تعالى في اإلسالم هي األقرب
إلى العقل السوي واملنطق السليم من مبدأ التثليث النصراني الذي وجده في النصرانية ..من
ناحية ثانية وجد رودريك أن وجهة النظر اإلسالمية التي ترجع جميع الديانات الكبرى في
العالم إلى أصل سماوي واحد ،هي األقرب إلى املنطق من وجهة النظر النصرانية التي تصف كل
الحقيقة املريرة
الديانات ،باستثناء الديانة النصرانية ،بالوثنية!! وإن كانت النصرانية نفسها هي األقرب إلى
الوثنية من كل الديانات!
ّ وجد بطل قصتنا في اإلسالم ً
دينا ً
قويما يجمع بين املثالية والواقعية حيث يمكن اإلنسان من
أن يصبح ًّ
ربانيا دون أن يتخلى عن نشاطاته اليومية ،وأن يعمل لدنياه دون أن ين�سى آخرته ..ويرى
رودريك أن عقيدة اإلسالم ال تعرف أمراض العقائد املحرفة السائدة اآلن من ظلم واستعمار
ورأسمالية وتفريق عنصري وصراع طبقي وحروب جائرة ..بل حتى إن اضطر املسلمون إلى
الحرب فإن اإلسالم قد وضع لهم ضوابط ال يتجاوزونها وهي قوانين إنسانية تضمن السالمة
الكاملة للنساء واألطفال وللجميع من غير املحاربين ..كما أنها تنطبق على املحاربين أنفسهم إذ
ال تمثل بالقتيل وال تعذب األسير .بعكس العقيدة النصرانية ً
تماما ،حيث يعد الكتاب املقدس
املوجود بين أيدي النصارى اليوم هو أكثر الكتب دعوة للعنف واإلرهاب ،وهو الكتاب الوحيد
الذي يأمر بقتل األطفال والنساء والشيوخ والبهائم والتحريض على اإلبادة الجماعية وشق
بطون الحوامل وقتل الرضع وفضح النساء ونهب البيوت!!
تتعجبوا من ذلك ،فسوف أورد لكم بعض النصوص من الكتاب ّ
املقدس لتتأكدوا بأنفسكم: ّ ال
«وقال ألولئك في سمعي :اعبروا في املدينة وراءه واضربوا .ال تشفق أعينكم وال تعفوا .الشيخ
والشاب والعذراء والطفل والنساء ،اقتلوا للهالك .وال تقربوا من إنسان عليه السمة،
وابتدئوا من مقد�سي .فابتدأوا بالرجال الشيوخ الذين أمام البيت .وقال لهم :نجسوا البيت،
وامألوا الدور قتلى .اخرجوا .فخرجوا وقتلوا في املدينة» (سفر حزقيال .)7 -5 :9
ونختتم هذه القصة بما أورده بيجي رودريك من أن اإلسالم هو الدين الوحيد الذي استطاع
أن يحقق مبدأ األخوة الحقيقية التي تشمل بني اإلنسان كافة بصرف النظر عن اللون أو
العنصر أو االعتقاد ..فاإلسالم هو الدين الوحيد الذي استطاع أن يحقق هذا املبدأ في عالم
الواقع ..فجميع الناس في نظر هذا الدين متساوون ،واألخوة اإلسالمية عاملية ،وقد أفلح اإلسالم
تفرق بين الناس ،والجميع في نظره متساوون وال تفاضل بينهم في إزالة الحواجز كافة التي ّ
408
سوى بالتقوى والصالح..
إال أن واحدة من ابتالءات اإلسالم واملسلمين العظيمة هي الترجمة املسمومة وغير األمينة
ملعاني القرآن الكريم من قبل معظم املستشرقين الذين يكنون العداوة لإلسالم ،أو في أحسن
األحوال من قبل بعض أولئك الذين يفسدون هذه املعاني دون قصد منهم ونتيجة لجهل مركب.
409
في وسط هذا الواقع املؤلم البعيد عن العدل قيض هللا لإلسالم من يترجم معاني كتابه الكريم
ترجمة صحيحة ال تدليس فيها وال تحريف عبر عالم مسلم أخرجه هللا برحمته من ظلمات
الضالل إلى نور اإلسالم ..إنه محمد مارمادوك ابن القس البريطاني الشهير تشارلز بكثال أحد
القساوسة التابعين لكنيسة كانتربري.
متشددة ،وقد حرص والده على تربيته تربية نصرانية صارمةّ ولد مارمادوك ألسرة نصرانية
ً ً
وقادرا على محاربة اإلسالم ..عندما بلغ النصراني حتى يصبح مؤهل للدفاع عن النصرانية
الصغير سن املدرسة ألحقه والده بذات املدرسة الشهيرة التي تخرج فيها السيا�سي البريطاني
الترجمة الفريدة
وعندما انتهى مارمادوك من دراسته الثانوية وجد فرصة لاللتحاق بجامعة أكسفورد لتلقي
تعليمه الجامعي ،ولكن شخصية مارمادوك املتفردة على غيرها واملتمردة على املنطق الظاهري
جعلته يشيح بوجهه عن جامعة أكسفورد حلم الكثيرين ،ويقبل دعوة عرضت عليه من صديقه
دولنج املوظف بالسفارة البريطانية لزيارة فلسطين.
عشق مارمادوك لتعلم اللغات دفعه إلى تعلم اللغتين الفرنسية واإليطالية وإجادتهما إلى جانب
لغته األم اإلنجليزية ..عقب ذلك أكمل بطل قصتنا العقد اللغوي بتعلمه العربية التي استنفدت
ً
منه سنوات طويلة قضاها متنقل ما بين فلسطين ومصر وسوريا.
أمرا أكثر أهمية من تعلم العربية إذ مكنه من مالحظة أهل تنقله بين الدول العربية أضاف له ً
تلك الدول وهم يمارسون شعائر دينهم اإلسالمي ..تملكته حينها الرغبة في التعرف إلى اإلسالم
الذي لم يكن يعرف عنه سوى النزر اليسير ..أعانه على تنفيذ رغبته دروس اللغة العربية التي كان
يتلقاها من إمام املسجد األق�صى في القدس الشريف ..موقف باهر من إمام املسجد األق�صى زاد
من قناعة مارمادوك باإلسالم!! حدث ذلك عندما صارح األخير األول برغبته في اعتناق اإلسالم..
إذ طلب اإلمام من بكثال التروي وبحث األمر مع والديه خشية أن تكون رغبته في اعتناق اإلسالم
مجرد فورة شباب عاطفية.
تفاجأ مارمادوك ً
كثيرا من نصيحة اإلمام إذ طاملا سمع أن املسلمين يلهثون ويكدون في سبيل
ً
إقناع اآلخرين بدخول اإلسالم ،هذا فضل عما كان يعرفه من طرق ملتوية يستخدمها بنو
جلدته في عمليات التنصير.
ضاعفت نصيحة إمام املسجد األق�صى رغبة مارمادوك في دراسة اإلسالم ،فانكب على دراسة
الكتب اإلسالمية في شغف غير محدود.
410
سافر مارمادوك إلى تركيا حيث أسس عالقات طيبة مع مجموعة من املسلمين األتراك..
بهرته الروح اإلسالمية الطيبة التي رآها تسري وتنساب وسط املسلمين األتراك فعقد العزم
على دخول اإلسالم ..أخبر صديقه التركي طلعت باشا ّ
بنيته الصادقة في إشهار إسالمه ،بيد
أن األخير نصحه بضرورة أن يقدم على خطوته تلك في لندن حتى ال يدخل تركيا في مشكالت
دولية تخشاها بشدة.
ً
عمل بنصيحة صديقه طلعت باشا ووسط حيرة الجميع أشهر مارمادوك إسالمه فور وصوله
إلى لندن مع بداية إرهاصات الحرب العاملية األولى ،وتسمى بأفضل األسماء حيث أطلق على نفسه
ّ اسم محمد ً
تيمنا بالرسول -صلى هللا عليه وسلم.-
وما أن أشهر محمد مارمادوك إسالمه حتى تفرغ للدعوة اإلسالمية؛ وبجانب إمامته املصلين
في صالة الجمعة والعيدين والتراويح ،تولى مسؤولية اإلعداد لطباعة مجلة Islamic Review
إحدى أشهر املجالت اإلسالمية في لندن ،كما تعاون مع «معهد اإلعالم اإلسالمي» الذي تتمثل
رسالته في التعريف بقيم اإلسالم وشرح مبادئه وقيمه النبيلة.
في عام 1920م غادر محمد مارمادوك بريطانيا إلى الهند ،استجابة لدعوة من العالم املسلم
مديرا ملدرسة قرآنية في بومباي ،وهو منصب ظل فيه موالي عمر سبحاني ،حيث عمل هناك ً
مديرا ملدرسة شادرغوث العليا.. حتى عام 1924م إذ تم استدعاؤه إلى حيدر آباد ،حيث عين ً
وظف محمد مارمادوك وجوده هناك في خدمة الدعوة اإلسالمية حيث أصدر مجلة الثقافة
اإلسالمية Islamic Cultureباللغة اإلنجليزية والتي كان يهدف من ورائها إلى تعريف العالم غير
املسلم بثقافة اإلسالم واملسلمين ،كما أسهم في حل العديد من مشكالت املسلمين خاصة مسلمي
الهند وتركيا ،بيد أن أبرز أعماله تتمثل في ترجمته ملعاني القرآن الكريم إلى اللغة اإلنجليزية التي
بدأها في حيدر آباد ،واستكملها في مصر بالتعاون مع بعض علماء األزهر ،وهي ترجمة أمينة ملعاني
كتاب هللا تعالى كان يهدف من ورائها إلى إيصال معاني القرآن الصحيحة إلى القارئ األوروبي..
ظهرت هذه الترجمة للمرة األولى في الواليات املتحدة األمريكية عام ،1930وأشيد بها في ملحق
التايمز األدبي ،ووصفت بأنها إنجاز أدبي بال نظير ..ومما يحمد لهذه الترجمة ً
أيضا أنها أول ترجمة
ملعاني القرآن الكريم يكتبها باإلنجليزية مسلم ،وتتضح أهميتها بصورة أكبر حينما نستصحب
حقيقة أن كل نظيراتها السابقة كانت من صنع املستشرقين أو القساوسة الذين كان التحريف
العمد يمثل شغلهم الشاغل.
وإضافة إلى ما سبق تجدر اإلشارة إلى أن إملام محمد مارمادوك بكثال باللغة العربية ساعده
كثيرا على إيجاد أقرب املعاني للنص القرآني ،كما أسهمت ميوله األدبية والثقافية في إكسابً
411 ترجمته لغة إبداعية تؤثر في القارئ ،ولهذا السبب صدرت ترجماته في أكثر من طبعة كما وجدت
ً
ورواجا ً ً ً
كبيرا في أوروبا وأمريكا. واسعا قبول
أكثر من هذا تمثل ترجمات بكثال خير معين لترجمات مماثلة أتت بعدها قام بها علماء
مسلمون إذ استفاد أولئك من هذه التجربة الرائدة األمر الذي أسهم في إنجاح ترجماتهم
وأكسبها الرضا والقبول.
في عام 1935م عاد محمد مارمادوك إلى موطنه بريطانيا ليستقر في لندن ،ويمارس نشاطه
َ
الدعوي دون التزام بمنصب ،فعمل بالوعظ الديني واعتلى املنابر وأ َّم الناس في الصلوات ..ومما
ً
الترجمة الفريدة
يجدر ذكره هنا أن مجلة الثقافة اإلسالمية Islamic Cultureانتشرت في لندن والقت إقبال من
قبل غير املسلمين الراغبين في التعرف إلى ثقافة اإلسالم وحضارته ،كما تجدر اإلشارة إلى أن
بكثال أنشأ لجنة خاصة للدعوة اإلسالمية حرص عبرها وعبر جميع أنشطته على اإلسهام في
مد جسر ثقافي بين أوروبا والعالم اإلسالمي ،وقد أسهم عبر محاضراته في هداية الكثيرين إلى
ً
الصراط املستقيم ،ساعده على ذلك الشخصية الفذة املؤثرة التي يتمتع بها ،فضل عن لجوئه إلى
الحوار الهادئ الذي يستند إلى املنطق السليم واألدلة القوية.
في صبيحة اليوم التاسع عشر من مايو 1936م انتقل محمد مارمادوك بكثال إلى رحاب هللا
تعالى بعد أن فارق الحياة إثر نوبة أملت بقلبه املعمور بحب القرآن واإلسالم ،وكان آخر ما خطه
َ ََ َ َّ َ َ َ
بيده حسب شهادة زوجته قوله تعالىَ :بلى َم ْن أ ْسل َم َو ْج َه ُه ِلل ِه َو ُه َو ُم ْح ِس ٌن فل ُه أ ْج ُر ُه ِعند َر ِّب ِه
ُ َ َ َ َ ٌ َ
َوال خ ْوف َعل ْي ِه ْم َوال ُه ْم َي ْح َزنون ( )112البقرة.
دفن هذا العالم الفذ في مقابر املسلمين في لندن وهو لم يتجاوز الثامنة والخمسين من عمره..
لقد رحل عن هذه الدنيا الفانية بجسده ،بينما بقيت روحه الطاهرة بيننا وذكراه العطرة التي
خلدتها أعماله العظيمة التي أفاد عبرها وال يزال املاليين من املسلمين وغير املسلمين في أوروبا وفي
العديد من قارات العالم..
لذا ..يحق للمرء أن يتساءل ..ألم يأن ملن يربون أبناءهم من غير املسلمين على كراهية اإلسالم..
جنودا في جيوش تشويه اإلسالم ..أن يدركوا حجم الوهم الذي يعيشون فيه؟!!.. ً وعلى أن يكونوا
أن يدركوا ضعف البشرية جمعاء في سبيل تحقيق ذلك الهدف املوهوم؟!!..
أيها السادة ..إنه دين هللا الذي ال يقبل سواه..
اسألوا هللا الهداية ..فباهلل نهتدي إلى هللا.
412
وعلما ُينتفع به من بعد وفاتهم ..فيكون صدقة جارية وأقل القليل منهم من يترك وراءه ً
كتبا ً
تسهم بإذن هللا في الدعوة إلى اإلسالم والدفاع عنه وتصحيح املفاهيم املغلوطة عنه وإنقاذ
غيرهم من النار بإذن هللا..
عوامل عديدة تضافرت في إخالص لكي تجعله يحظى بطفولة هانئة سعيدة ومركز اجتماعي
ً
مميز ..نشأ في بيت جمع بين حسنات العلم والحسب والنسب والشهرة ،فضل عن الحنان الزائد
الذي خصته به أسرته بحسبانه االبن الذكر الوحيد بين مجموعة من األخوات اإلناث ..إنه رالف
413 ابن البارون كريتسيان إهرينفلز مؤسس التركيبة الحديثة في مدرسة الجشطالت في علم النفس
بالنمسا ،وأخ الشاعرة املرهفة املعروفة إيما إهرينفلز.
دون أن يعلم السر وجد رالف نفسه ومنذ بواكير صباه يشعر بانجذاب عجيب نحو الشرق
بصورة عامة ،ونحو الشرق اإلسالمي وأهله على وجه الخصوص ..لم تحل دون ذلك االنجذاب
يوما وال حتى في أحالمهّ ..
فسر الوالد البارون كريتسيان انجذاب ابنه حقيقة أنه لم ير الشرق ً
العجيب بتأثره بالحكايات الشرقية املدهشة التي كان جميعهم يسمعونها والتي من بينها حكايات
ألف ليلة وليلة.
عندما شب رالف عن الطوق توسعت دائرة مداركه وتبعتها دائرة تحركاته التي شملت العديد
املسيح اآلن
من بلدان العالم ..في عنفوان شبابه سافر إلى تركيا ودول البلقان ،واختلط بمسلمين ينتمون إلى
جنسيات متعددة (أتراك وألبان وبوسنيين ..إلخ) فأعجب بهم غاية اإلعجاب ..كان يجد نفسه
وكأن قوة مغناطيسية خفية تجذبه ليسير وراء الجموع التي تقصد املسجد في أوقات الصالة ..بل
كان يصلي معهم في الخفاء دون أن يتخلى عن نصرانيته ..ظن الكثيرون أنه مسلم ،أما القلة الذين
كانوا يعلمون بنصرانيته فآثروا الصمت وعدم البوح بها آملين من هللا تعالى أن يهديه إلى اإلسالم.
املقابلة الحسنة التي وجدها من املسلمين الذين رحبوا به برغم علمهم بنصرانيته جعلته يعيد
النظر في الكثير من أمور عقيدته النصرانية ..تنهد بعمق حينما تأمل وقائع هذه العقيدة املزيفة،
وازدرد ريقه بمرارة حينما تكشف أمامه ضالل معتقداتها املحرفة الفاسدة ..بل تنهد في حسرة
حينما تراءى أمامه البون الشاسع الذي يفصل تلك العقيدة عن كل ما هو إنساني بتقتيلها ألبناء
الشعوب األخرى واستغاللها ملواردها ومقدراتها باسم املسيح الذي تنادي تعاليمه الحقيقية
غير املحرفة بعكس ما يفعلونه ..بل لو ُبعث املسيح -عليه السالم -اآلن ّ
لتبرأ منهم واتبع الديانة
اإلسالمية التي يحاربونها في شراسة ويقتلون أبناءها باسمه!
وقد ثبت بالفعل أن املسيح عي�سى -عليه السالم -سوف ينزل في آخر الزمان فيكسر الصليب
ويقتل الخنزير وال يقبل من النصارى إال اإلسالم ،وقد دلت على هذا مجموعة من النصوص
الشرعية املتعددة.
التنامي املتصاعد لشكوكه في صحة عقيدته النصرانية تبعه اهتمام متزايد باإلسالم ،األمر
الذي دفعه إلى دراسة هذا الدين العظيم حتى يكتشف حقيقته ويعلم جوهره ..أوصلته دراسته
لإلسالم إلى حقائق باهرة وردت في القرآن الكريم ،مفادها أن الرساالت السماوية جميعها أتت
من مصدر واحد ،وأنها كلها تدعو إلى ما يدعو إليه اإلسالم من عبادة هللا الواحد األحد الذي
ال شريك له في ملكوته ..حينها فقط أدرك -وللمرة األولى في حياته -واستوعب ً
تماما أن لفظة
«إسالم» تعني التسليم بوحدانية هللا تعالى ،وعبادته بإخالص في السر والعلن. 414
شدته بقوة روح األخوة اإلنسانية السمحة التي نادى بها اإلسالم حينما من ناحية أخرى ّ
ساوى بين األفراد دونما تفريق إال بتقوى هللا تعالى وكذلك الحال مع األمم التي لم يميز بينها إال
بالصالح ونفع العباد ..نعم انبهر بقوة ملوقف اإلسالم الذي يرفض كل أشكال التمييز العرقي أو
ً
مقتصرا على التقوى التي ما التزمها االجتماعي أو الحضاري ويجعل معيار املفاضلة بين الناس
أحد حتى سلم الناس من شره وأذاه وحظوا بخيره وحبه.
أكثر من هذا كله ،ساعدته دراسته في علم اإلنسان (األنثروبولوجيا) على ّ
التعرف إلى العديد
من محاسن اإلسالم ،األمر الذي جعل اإليمان يتسرب في نعومة إلى سويداء قلبه وتالفيف
ّ
دماغه خاصة عندما قرأ سيرة سيد املرسلين محمد بن عبدهللا -صلى هللا عليه وسلم.-
وما أن حل عام 1927م حتى أضيف لألمة اإلسالمية فاروق جديد قلبه مملوء بحب اإلسالم،
إذ اعتنق رالف إهرينفلز اإلسالم ،واختار لنفسه اسم «عمر» ً
تيمنا بالخليفة الثاني الفاروق
عمر بن الخطاب -ر�ضي هللا عنه ..-وعقب إسالمه ازداد حبه لإلسالم وازداد ارتباطه باملسلمين،
ً ً
مهموما بقضايا األمة اإلسالمية التي صار واحدا منها ..في عام 1932م زار البارون كما أصبح
ً
عمر شبه القارة الهندية واضعا نصب عينيه ما يشيعه أعداء اإلسالم عن مكانة املرأة ووضعها
ً
مؤكدا في موضوعية املكاسب العظيمة في اإلسالم ،فدافع عن ذلك في جسارة فارس مغوار،
ّ
التي نالتها املرأة في ظل اإلسالم والتي لم تحظ بها حتى في أكثر دول الغرب تحض ًرا ..وضح في
جالء ما أعطته الشريعة اإلسالمية السمحة للنساء من حقوق وردت في القرآن الكريم وفي
السنة النبوية املطهرة.
غيرت الصورة السلبية التي اهتمام البارون عمر باملشكالت الحضارية للمرأة املسلمة ّ
رسمتها الكنيسة في أذهان الغربيين ،حيث أوضحت دراساته للرأي العام الغربي حقائق كثيرة
أكدت لهم أن املرأة في اإلسالم نالت من الحقوق واالحترام ما لم تنله نظيراتها في الديانتين
النصرانية واليهودية.
عقب عودته إلى النمسا تخصص عمر إهرينفلز في دراسة املشكالت األنثروبولوجية للثقافات
ً
ورواجا ً ً ً
كبيرا في أوساط املثقفين ،الذين واسعا األموية في الهند ،حيث وجدت كتاباته قبول
ً أعجبوا ً
كثيرا بالثقافة الهندية دون أن يدركوا أن لها أصول إسالمية ..إثر هذا الرواج الكبير
ملؤلفاته حول هذا الجانب قامت جامعة أكسفورد بنشر كتابه األول في هذا املجال كواحد من
سلسلة إصدارات الجامعة العثمانية بحيدر آباد.
في نهاية ثالثينيات القرن العشرين سافر عمر إهرينفلز إلى الهند مرة ثانية استجابة لدعوة
415
من السير أكبر حيدري ،وذلك عقب اجتياح القوات النازية للنمسا في عام 1938م ..في رحلته
الثانية إلى الهند ركز البارون عمر على الجنوب الهندي حيث أجرى دراسات ميدانية في
مجال األنثروبولوجيا ..وتوثقت صلته أكثر فأكثر بالهند التي أحبها من كل قلبه ،فترأس قسم
األنثروبولوجيا في جامعة مدراس.
ما يحمد للبارون عمر إهرينفلز الدور الكبير الذي لعبه عبر دراساته العلمية في توضيح
الكثير من األمور املهمة التي كانت خافية على األوروبيين حول اإلسالم واملسلمين ،إذ كشفت
تلك الدراسات الكثير من أفضال اإلسالم واملسلمين على العالم ،حيث ّبينت حقيقة أن البالد
ً
اإلسالمية كانت مشعل للحضارة في وقت رزحت فيه أوروبا تحت نير الحكم الكن�سي املتعصب
املسيح اآلن
الذي أصابها بالتخلف والجمود نتيجة ملحاربته العلم وممارسته الدجل والتضليل بغرض
ّ
استغالل موارد العباد ..وإلى جانب دراساته ومؤلفاته تمكن عمر إهرينفلز عبر مناقشاته العلمية
من توضيح الكثير من الجوانب املضيئة في تاريخ اإلسالم الحضاري ،أسهمت تلك املناقشات في
تعديل الصورة الذهنية السلبية التي كانت تعشعش في أذهان املثقفين الغربيين عن ذلك التاريخ
ومن بين هؤالء أخته الشاعرة إيما ،التي أصبحت بسبب دراساته ومؤلفاته ومحاضراته شغوفة
بالحضارة اإلسالمية ،حيث بدأت تهتم ً
كثيرا باألدب اإلسالمي وتسهم بفعالية في إبرازه.
وحتى لحظة انتقاله إلى رحاب هللا تعالى كان البارون عمر يحرص على التأكيد -لكل من يلقاه-
قصب السبق الذي ّ
تفردت به الحضارة اإلسالمية في كل املجاالت ،وعلى عاملية رسالة اإلسالم
الخالدة خاتمة الرساالت ..ولم يتوقف هذا التأكيد إذ استمر حتى عقب وفاته ألن مؤلفاته
اإلسالمية والعلمية اضطلعت بالدور ذاته الذي كان يقوم به في حياته..
ويعتم عليها الغربيون في إعالمهم بشدةالجلية التي يحفظها التاريخ في أرشيفه بأمانة ّ
الحقيقة ّ
ِ
سببا في إسالم بطل قصتنا هذه ..تتمثل هذه الحقيقة في أن كشف عنها فيلسوف غربي فكانت ً
417
الحضارة الغربية قامت على أكتاف الحضارة اإلسالمية والتي لوالها لظلت أوروبا حتى اآلن تغط
في سبات عميق ..إنه الفيلسوف بوخاردت السويسري الجنسية األملاني األصل ،اإليطالي املولد.
ولد بطل قصتنا في عام 1908م بمدينة فلورنسا اإليطالية ألبوين نصرانيين أطلقا عليه اسم
ً
منجذبا إلى دراسة العلوم امليتافيزيقية، تيتوس بوخاردت ،وحينما شب عن الطوق وجد نفسه
وإلى الغوص والتعمق في البحث عن كل ما يحيط بالديانات السماوية ..ميول بوخاردت هذه
صادفت انتشار نظريات املذهب الوجودي في أوروبا حيث هيمنت أفكاره على عقول شبابها بينما
اصطدمت ذات األفكار بفطرة بوخاردت السليمة.
الحضارة األم
في تلك املرحلة املفصلية من حياته وقف تيتوس يتأمل بعمق النظريات الفلسفية التي انتشرت
آنذاك وشغلت العالم بأفكارها الجديدة ..وجد تيتوس أن معظم تلك النظريات الفلسفية يعتنق
ً
الفردية ويعتمد على مناهج تجريبية لم يثبت نجاحها بعد ..في البدء وجد نفسه غارقا في بحور من
الحيرة وهو يبحث عن بديل يتسق مع فطرته السليمة ،بيد أنه سرعان ما شعر بالفرح وأحس
بالراحة النفسية عندما وجد ضالته املنشودة في كتابات الفيلسوف رينيه جينو ،ذلك املستشرق
املعروف الذي أسلم عام 1912م وتسمى باسم عبدالواحد يحيى.
بدأ تيتوس بوخاردت يقرأ في شغف كتب جينو التي اكتسبت شهرة واسعة وتميزت بالدفاع
عن اإلسالم في وجه حمالت التشويه التي كان يشنها أعداؤه ضده ،وهو دفاع مستميت يؤكد
مدى إيمان جينو العميق باإلسالم وعشقه الصادق لقيمه وتعاليمه.
في البدء لم يكن بوخاردت يدري اعتناق جينو لإلسالم ،وإنما كان يقرأ كتبه باعتبارها
طيبا لدراسات علمية لفيلسوف متخصص في الدراسات اإلسالمية ..أوضحت مؤلفات ً
نتاجا ً
جينو لبوخاردت حقائق كثيرة كانت خافية عنه وكشفت له عن مدى تأثر الغرب بالثقافة
اإلسالمية ..وعندما علم بوخاردت تلك الحقائق حزت في نفسه ً
كثيرا حقيقة إنكار معاهد الغرب
ً
ومثقفيه لهذا التأثير وتزييفهم الصارخ للتاريخ خوفا من أن يعلم الناشئة حقيقة أن حضارة
أوروبا لم تقم إال على أكتاف العلماء املسلمين ،والتي لوالهم لكانت أوروبا تعيش في سبات
جهلها العميق حتى اآلن.
تطابق أفكار جينو الراجحة مع قناعات تيتوس الراسخة جعلته يعتنقها دونما حاجة إلى
تفكير عميق ،إذ إنهما ينتميان إلى املدرسة الكالسيكية ،كما أن لديهما اهتمام شديد باالنحراف
الحضاري الحديث الذي تعيشه أوروبا ،وبسبب ما سبق ذكره وجد تيتوس بوخاردت في نفسه
رغبة شديدة في اعتناق اإلسالم فأشهر إسالمه عن قناعة تامة مفادها أنه هو دين هللا القويم
وأن ما سواه ال يعدو كونه أباطيل من صنع البشر ..عقب إسالمه أطلق بوخاردت على نفسه اسم
تيمنا بالشيخ إبراهيم الطبيب والرحالة السويسري الذي سبقه إلى اإلسالم بما يزيد إبراهيم ً
418
على القرن والذي مات ودفن في القاهرة.
وللتعمق أكثر في الشريعة والحضارة اإلسالمية ،انتقل إبراهيم بوخاردت في ثالثينيات القرن
ً
وتحديدا إلى مدينة فاس املغربية حيث ق�ضى فترة ثرية تعتبر املرحلة العشرين إلى العالم العربي
تأثيرا في نفسه إذ تركت بصماتها واضحة في منهاجه الفكري وإنتاجه العلمي ،حيث استقى األكثر ً
عبر إبراهيم بوخاردت عن امتنانهوردا للجميل ّ
من العلماء املغاربة الكثير من ثقافته اإلسالميةًّ ،
قيم تحدث فيه عن معالم املدينة ملدينة فاس وألبنائها ولعلمائها بأن ّ
خصها بتأليفه لكتاب ّ
الفريدة ،وأشار إلى موقعها املميز كما وصفها بأنها منارة سامقة من منارات الفكر اإلسالمي.
وتجدر اإلشارة هنا إلى أن مؤلفات الفيلسوف واملفكر اإلسالمي إبراهيم بوخاردت تتميز
بدقتها الشديدة وبتعريفها الشمولي لإلرث الحضاري اإلسالمي الفريد ،وما ميزها عن نظيراتها من
املؤلفات حقيقة أن رسالتها موجهة إلى مثقفي الغرب وناشئته باعتبار أنهم مضللون ال يعلمون
ً ّ عن حضارة اإلسالم إال معلومات ّ
واملنصرون خوفا من أن يكتشف محرفة صاغها القساوسة
بنو جلدتهم فضل الحضارة اإلسالمية على اإلنسانية بعامة وعلى أوروبا على وجه الخصوص.
بذل إبراهيم بوخاردت مجهودات كبيرة حاول من خاللها تعريف الغرب بالقيم النبيلة والفنون
الراقية الجميلة التي تتميز بها الحضارة اإلسالمية عن غيرها من الحضارات ،باعتبار أنها الحضارة
ً اإلنسانية الوحيدة التي خلقت ً
توازنا مذهل بين مطالب اإلنسان املادية وحاجته الروحية.
وتعد مؤلفات إبراهيم بوخاردت عن حضارة اإلسالم من أهم وأبرز الكتب التي تدرس في ّ
العديد من الجامعات األوروبية وما أكسبها هذه املكانة حقيقة أنها وليدة إخالص فيلسوف
ّ
أوروبي مسلم متمكن استطاع أن يمد القارئ والدارس غير املسلم بمؤلفات منهجية ثمينة وكتب
حبلى بأفكار رصينة تتحدث عن تقدم الحضارة اإلسالمية ورقيهاّ ،
قدمها إلى العالم الحديث
بأسلوب ممتع وباهر ال يملك أمامه القارئ إال أن يتفاعل مع كاتبه الذي يمتلك إلى جانب ناصية
املعرفة الحقة رشاقة التعبير املتفرد واملفردة األنيقة.
وفي عام 1984م رسم املوت املشهد الختامي لحياة املستشرق السويسري املسلم
والعالمة البارع إبراهيم بوخاردت ..توفي بطل قصتنا في مدينة لوزان السويسرية عن عمر
معر ًفا بأحكامه وفنونه ،عبر كتب ّ
قيمة ً
مدافعا عن اإلسالم ّ عاما ق�ضى معظمهاتجاوز ً 76
ّ معينا ً ّ
ومحاضرات ثمينة ومقاالت متنوعة شكلت كلها ً
التعرف إلى اإلسالم أمينا لكل راغب في
وحضارته بصدق وموضوعية ال مكان فيهما للتدليس الذي هو ديدن الفريق اآلخر املعادي
للحق ولإلسالم واملسلمين..
419
أسلم روحه هلل بعد أن اجتهد في الحصول على رضا هللا..
بعد أن اجتهد في الدفاع عن اإلسالم ..دين الحق الذي آمن به ووصل إليه بعد طول بحث..
فهل ستحتاج مثله إلى طول بحث وسنوات معاناة حتى تصل إلى ما وصل إليه في النهاية؟!!
ملاذا؟! أال يستفيد العاقل األريب مما انتهى إليه اآلخرون فال يضيع عمره في تجريب املجرب
وبحث املبحوث؟!
اغتنم عمرك في طاعة هللا ..ال في الشكوك واملعاناة..
اسألوا هللا الهداية ..فباهلل نهتدي إلى هللا.
الحضارة األم
لكن شاءت إرادة هللا سبحانه وتعالى أن ينقلب السحر على الساحر ،وأن يتحول صاحبنا من 420
همه إفساد اآلخرين إلى مصلح شغله الشاغل هداية املفسدين.. مخرب كان ّ
ّ
إنه املستشرق الهولندي املعروف الدكتور ميليما الذي عمل في الخمسينيات من القرن املا�ضي
ً
رئيسا للقسم اإلسالمي في املتحف االستوائي في أمستردام والذي كان إسالمه بمنزلة الضربة
القاضية في وجه املنصرين.
درس الدكتور ميليما اللغات الشرقية في جامعة ليدن عام 1919م حيث تعلم اللغة العربية
وأجادها ..قرأ تفسير البيضاوي للقرآن الكريم ،كما اطلع على ّ
تأمالت اإلمام أبي حامد الغزالي..
ً وفي عام 1921م مكث في القاهرة ً
شهرا كامل حيث زار األزهر ..وإلى جانب اللغة العربية أجاد
الدكتور ميليما لغات أخرى مثل اللغة السنسكريتية ولغتي املاليو وأهل جاوة ..وقد تخصص في
هذه األخيرة بعد أن درسها دراسة مكثفة استغرقت خمسة عشر ً
عاما.
بدأت قصة الدكتور ميليما مع اإلسالم إبان الحرب العاملية الثانية وفي منتصف أربعينيات
القرن العشرين ..لقد عاد آنذاك من األسر بعد أن تم تحريره من القوات اليابانية ..طلب منه
املعهد امللكي االستوائي في ذلك الوقت إعداد دراسة موجزة عن اإلسالم في جاوة ،حيث كان
ذلك املعهد يهدف إلى توظيفها في عمليات التنصير التي كان االستعمار الهولندي يخطط لها في
أندونيسيا ..كانت تلك هي بداية ّ
تعرفه الحقيقي إلى اإلسالم ،إذ إنه وعلى الرغم من إجادته للغات
املسلمين ،لم تكن لديه معلومات حقيقية ووافية عن العقيدة اإلسالمية ،ألن تركيزه فيما م�ضى
ًّ
منصبا على الناحيتين الثقافية والتاريخية لإلسالم. كان
ّ
لقد أحدث تكليف املعهد امللكي االستوائي نقلة كبرى في حياة الدكتور ميليما إذ تمكن عبره
من معرفة اإلسالم بصورة صحيحة غيرت ً
كثيرا من فهمه الخطأ له والناتج إما من معلومات من
عمدا بهدف تشويه صورة اإلسالم ،وإما حرفت عن غير قصد نتيجة مصادر أوروبية حرفت ً
لقلة معلومات كاتبيها عن حقيقة اإلسالم أو جهلهم به.
وكانت البداية التي أحدثت هذا التغيير في نظرته لإلسالم هي دراسته للدولة اإلسالمية
الجديدة التي أقامها في باكستان محمد علي جناح ..هذه الدراسة التي قام بها عند زيارته لباكستان
في شتاء 1955/54م.
جلية كانت خافية عنه السنين ما أصاب الدكتور ميليما بالدهشة اكتشافه املـتأخر حقائق ّ
الطوال ،التي من بينها ّ
تعرفه حقيقة أن اإلسالم يضع الفضائل الخلقية في املرتبة األولى ،بل ال
يكتمل إيمان املسلم إال إذا تحلى بها ،إلى جانب تعرفه حقيقة أن العبادات في اإلسالم ليست
غاية في حد ذاتها وإنما هي وسيلة للتمسك بالفضائل واألخالق الكريمة ونبذ املنكرات وكل أنواع
421
السيئات ..بل تعلم من سلوك الشعب الباكستاني املسلم أن كل ما أمرت به الشريعة اإلسالمية
فيه صالح بني البشر وأن كل ما نهت عنه فيه هالكهم.
توصل الدكتور ميليما كذلك إلى كذب الدعايات املغرضة املضللة التي تصور املسلمين على
ّ ً
محمدا -صلى هللا عليه وسلم ..-لقد انبهر حينما وجدهم يختلفون تمام أنهم شعب وثني يعبد
ً ً
االختالف عن الصورة التي غرسها أعداؤهم في ذهنه ،فهم يعبدون إلها واحدا ينزهونه عن
الشرك ،كما أنهم يؤمنون بجميع الرسل ..وأكثر من هذا وجد أنهم لم يختلفوا على النبي -صلى
ّ
هللا عليه وسلم -بعد مماته كما فعل النصارى بعد رفع عي�سى -عليه السالم ،-ولم يغيروا من دينه
وفقا ألهوائهم كما فعل النصارى واليهود بديانتيهما ،بل ظل كتابهم املقدس «القرآن الكريم»ً
يوم املنبر
ً
محفوظا -برغم مرور القرون -دون أن يبدل فيه أو يحور حرف واحد منه.
كل ما الحظه عن اإلسالم واملسلمين دفعه إلى أن يسأل أصدقاءه من مسلمي باكستان عن
كل ما غمض عليه من شؤون اإلسالم ..وجد مساعدتهم له ال تقتصر فقط على مجرد الشرح
الشفهي ،وإنما امتدت لتشمل إرشاده إلى كل ما يعينه من الكتب على تعرف تفاصيل اإلسالم.
ما عرفه الدكتور ميليما عن اإلسالم من خالل قراءاته حوله لم يغير فقط نظرته السابقة
له وإنما أصبح يشعر بنوع من الود واالحترام لإلسالم واملسلمين ..لقد وصل به األمر أن طلب
من أصدقائه املسلمين ً
يوما أن يشاركهم أداء صالة الجمعة في املسجد! وبالفعل كان له ما أراد في
أول جمعة تلت تصريحه برغبته ..في ذلك اليوم املشهود وما أن دخل املسجد وأحاطت به جموع
املصلين حتى عقد العزم على اعتناق اإلسالم ..لقد انبهر باستقبال املسلمين له في املسجد ..لقد
أشعروه بأنه واحد منهم ..أخ لهم في اإلنسانية.
الجياشة التي تأججت داخله يومذاك في مقال له نشرته مجلة روى الدكتور ميليما املشاعر ّ
باكستان الفصلية عام 1955م ..تحدث في ذلك املقال عن الترحاب العفوي الدافئ الصادق الذي
استقبله به املصلون ،كما أشار إلى تطعيم اإلمام خطبته ببعض الكلمات اإلنجليزية من أجل
أن يتمكن هو من فهم واستيعاب الخطبة التي ألقيت باللغة األوردية ..بل ذكر أن اإلمام دعاه
عقب انتهاء الصالة إللقاء كلمة أمام جموع املصلين ..استجاب ساعتها الدكتور ميليما لدعوة
اإلمام وألقى كلمة قصيرة شكر فيها الحضور على إكرامهم له وأكد لهم أنه سيحدث الناس في
بالده عن الحفاوة البالغة التي أحاطوه بها ..ما ال يمكن لبطل قصتنا أن ينساه ما حدث له عقب
نزوله من املنبر!!
لقد ذهل ً
تماما باأليدي التي تسابقت في حماسة إلى مصافحته ..امتألت نفسه بالغبطة والسرور
حينما تسرب إليها ذلك الشعور الدافئ باألخوة الصادقة التي غمروه بها ..نعم كانت تلك الجمعة
راض
تمثل نقطة التحول الحقيقية في حياته إذ اعتنق بعدها اإلسالم وتحول إلى شخص آخر ٍ 422
ً
تماما عن نفسه تغمره السكينة وتحيط به الطمأنينة.
احترام اإلسالم للديانات األخرى ،وحرصه على عدم مس عقائد اآلخرين بما يؤذيهم ،ومنحه
ً تطبيقا لقوله تعالى في القرآن الكريم«َ :ل إ ْك َر َاه في ّ
الد ِين» ،فضل عن إلزام ً الجميع حرية العبادة
ِ ِ ِ
املسلمين بتوقير سيدنا عي�سى -عليه السالم -وأمه مريم العذراء ..وما أصاب الدكتور ميليما
بالدهشة هنا حقيقة أن توقير املسلمين لعي�سى وأمه هو جزء من دينهم ،ألن اإلسالم جعل اإليمان
برسل هللا جميعهم هو ركن من أركانه ..بيد أن أكثر ما لفت نظر الدكتور ميليما لإلسالم هو
تقرير الشريعة اإلسالمية للعالقة املباشرة بين العبد وربه دونما حاجة إلى وسيط كما هو الحال
في ديانته القديمة ،وقاده هذا بدوره إلى مقارنة فكرة الفداء في النصرانية ،وبين رفض اإلسالم
تكفيرا عن خطايا قومه. ً مبدأ معاقبة أحد بوزر غيره ،أو أن يضحي أحدهم
وما أصاب الدكتور ميليما بالدهشة والذهول اكتشافه أن اإلسالم سبق ما أطلق عليه
الغربيون «اإلعالن العالمي لحقوق اإلنسان» بأربعة عشر ً
قرنا من الزمان إذ نادى باملساواة
ّ
الكاملة بين البشر على لسان رسول هللا -صلى هللا عليه وسلم -في حديثه الشريف« :كلكم آلدم
وآدم من تراب» ،وهو ذات ما يتجسد في شعيرة الحج حيث يأتي املسلمون من مختلف بقاع الكرة
لباسا ً
واحدا ،ال فرق بين غنيهم وفقيرهم إال بالتقوى وهو ما األرضية إلى بيت هللا الحرام يرتدون ً
ّ َّ َ ْ َ َ ُ ْ ْ َ َّ َ ْ َ ُْ ذكره هللا تعالى في القرآن الكريم بقوله ّ
عز وجل«ِ :إن أكرمكم ِعند الل ِه أتقاكم».
حريصا على أن يوضح ملعارفه وأقاربه وأصدقائه ً عندما عاد الدكتور ميليما إلى بالده كان
مبي ًنا محاسنه ،كما تحدث إليهم عن موقف اإلسالم من مختلف القضايا حقيقة اإلسالم ّ
املعاصرة التي تؤرق بني البشر والتي على رأسها «أم الخبائث» ذلك الداء العضال الذي يفتك
ً
مشيرا إلى أن املؤتمرات العديدة بعقول الرجال والنساء في املجتمعات األوروبية والغربية،
والكبيرة التي تعقد للبحث عن وسيلة لعالج مدمني الخمور واملخدرات ال طائل من ورائها ،ألنها
تعالج املصيبة بعد وقوعها ،وأن الحل الجذري في اإلسالم الذي يعالج املشكلة قبل حدوثها حيث
يجعل من ضمير املسلم نفسه -قبل القانونً -
رقيبا ًّ
ذاتيا يحول بينه وبين املنكرات.
في خاتمة هذه القصة نشير إلى حقيقة جلية مفادها أن ما يحول دون إسالم الكثيرين من غير
املسلمين هو جهلهم باإلسالم وفهمهم الخطأ له الناتج من تضليلهم من قبل أعدائه من املنصرين..
وهؤالء أنفسهم ُ
ضللوا من قبل سلفهم الطالح ..بالتالي لو قرأ أعتى عتاة املنصرين عن اإلسالم
بحياد وموضوعية سوف يجد نفسه وقد تحول إلى اإلسالم..
423
ولكن ..من يحصل على هذه الفرصة؟ ..فرصة االطالع على اإلسالم بحيادية؟!
هي نعمة من هللا ..جائزة ..لن يحصل عليها إال أصحاب الفطرة السليمة ..الباحثون عن الحق بصدق..
فاجتهدوا في الطلب ..نقوا قلوبكم واقرؤوا بأنفسكم..
فمن داوم على طرق الباب يوشك أن ُيفتح له..
اسألوا هللا الهداية ..فباهلل نهتدي إلى هللا.
يوم املنبر
ولد بطل قصتنا في إحدى ضواحي باريس ألبوين نصرانيين متزمتين ..نشأ على املذهب
الكاثوليكي ..شغف بالرسم والشعر ودراسة الالهوت فجمع بين ثالثية الفكر والفن والدين..
424
ً
متعصبا بيد أن األناجيل ًّ
نصرانيا شجعه والداه على قراءة األناجيل ودراستها ليصبح مثلهما
قادته إلى التحول من النصرانية إلى اإلسالم!! إنه الفنان واملفكر واملستشرق الفرن�سي ألفونس
إتيان دانيه الذي ندعوكم للتعرف إلى قصة إسالمه.
في الثامن عشر من عمره التحق ألفونس بإحدى مدارس الفنون والرسم الفرنسية في باريس
األمر الذي أدى إلى تنمية شخصيته الذاتية ،واالرتقاء بقدراته العقلية ،بينما أسهم حبه للشعر
في إكسابه رهافة الحس ورقة املشاعر ..كان ً
كاتبا ينفذ قلمه إلى أعماق النفس البشرية ،وكان
تشكيليا يلتمس حياة الناس البسطاء ،ويصور همومهم ،فتجرد قلمه كما تجردت ريشته من ًّ
ً
ملونات االستشراق التي كانت واضحة في أعمال غيره من املستشرقين.
هذه التغييرات التي حدثت لكيميائية نفسه جعلته يشك في صحة ما تتحدث عنه األناجيل
فيما يتعلق بالكثير من املسائل الالهوتية ،إذ رأى فيها تناقضات كثيرة ،لم يجد لها عند القساوسة
تبريرا يتسق مع املنطق ،ما دفعه إلى خوض غمار رحلة طويلة من البحث ً
تفسيرا يحترم العقل أو ً
والتق�صي عن الحقيقة ،بدأها عندما بلغ الرابعة والثالثين من عمره.
ما أن بلغت سنه األربعين حتى أصبح بطل قصتنا ً
علما على رأسه نار ..لقد تحققت له شهرة
واسعة كفنان تشكيلي صاحب أعمال مميزة وكشاعر متفرد صاحب حس مرهف ..أصدر
حينذاك ثالثة دواوين من الشعر ومجموعة لوحات شديدة التميز أشهرها اللوحة التي حملت
اسم «رمضان في الجزائر» ..حتى تلك اللحظة ظل ألفونس على نصرانيته برغم الشكوك التي
كانت تساوره حولها كدين سماوي يحترم العقل والعلم.
بدأ بطل قصتنا رحلة طويلة من الشك إلى اليقين استغرقت زهاء ستة عشر ً
عاما من التفكير
والتق�صي ..عقب مرور 9سنوات من بداية رحلته املصيرية سافر ألفونس إلى الجزائر ّ والبحث
ً
حيث اختلط هناك باملسلمين ..شغلته آنذاك كثيرا وحيرته مقوالت األناجيل التي لم يستوعبها
عقله املتفتح مثل مقولتهم بأن هلل ثالثة أقانيم (األب واالبن والروح القدس) ،كما أنه لم يستسغ
فكرة «الصلب»!! كانت حيرته تزداد كلما اطلع على األناجيل ،بل زادت من شكوكه حقيقة أن
األناجيل األربعة قد اعتمدت من بين عشرات األناجيل التي ال يعرف عنها بسطاء النصرانية
بعضا ..بعد تفكير عميق وبحث مجهد توصل إلى قناعة تامة مفادها شيئا ،والتي يناقض بعضها ًً
أن األناجيل املوجودة ًّ
حاليا ليست هي التي أوحى بها هللا تعالى إلى نبيه عي�سى -عليه السالم -وأنها
اعتمدت على نسخ مكتوبة باللغة اليونانية القديمة وهي لغة تختلف عن لغة املسيح -عليه
السالم ،-األمر الذي يعني أن آخرين ليسوا من حواريي املسيح -عليه السالم -هم الذين كتبوا
وحرفوها بعد أن طمسوا النسخ األصلية إلنجيل املسيح. هذه األناجيل ّ
425 عند مقارنته لتناقضات األناجيل املحرفة بما يتمتع به القرآن الكريم من صدق اقتنع
ألفونس بأن القرآن ال يمكن له أن يكون كالم بشر ،وإنما هو كالم هللا تعالى خالق الكون والبشر
ً
وخالق كل �شيء ..كما ملس ألفونس في القرآن الكريم الثبات في روايته فضل عن املبادئ والقيم
النبيلة التي تفتقر إليها األناجيل وغيرها من الكتب التي تقصها بعض الشعوب ..أكثر من هذا
انبهر ألفونس بعظمة اإلسالم الذي حرر اإلنسان وجعل عالقته بربه عالقة مباشرة ال مكان فيها
افتراء «كر�سي االعتراف» أو «صكوك الغفران».ً لكاهن أو قسيس أو بابا يبتزه بما أطلقوا عليه
وفي إطار مقارنته القرآن الكريم باألناجيل املحرفة وبقية الكتب ّ
شده ما رآه في آياته من دعوة
إلى املساواة بين البشر ،وما وجده فيه من تشجيع على طلب العلم والحث عليه ،وما ملسه في
ً قويا ً أحكامه من عدالة تجعل منه ً
منهجا ًّ
املقارنات األمينة
املقارنات السابقة بين اإلسالم والنصرانية من جهة وبين السيرة املزيفة للرسول -صلى هللا
ّ
عليه وسلم -التي غرسها في ذهنه أعداؤه والصورة الحقيقية التي تعلمها من املسلمين من جهة
أخرى ،كل هذه املقارنات دفعت ألفونس إلى إشهار إسالمه وتغيير اسمه إلى «ناصر الدين».
الصورة املزيفة التي رسمتها الكنيسة ونشرها املستشرقون في أذهان غير املسلمين عن
اإلسالم ورسولهم الكريم لم يقتصر تأثيرها فقط في دفع «ناصر الدين» إلى اعتناق اإلسالم وإنما
دفعته عقب إشهاره إلسالمه إلى الدفاع عن اإلسالم وتقديمه في صورته الحقيقية لآلخرين..
إجادته للغة العربية ساعدته على االطالع على سيرة السلف الصالح من املسلمين وعلومهم،
ّ
األمر الذي مكنه من أن يثري املكتبة اإلنسانية بمجموعة من املؤلفات واألبحاث القيمة التي
تتناول اإلسالم واملسلمين ،وتوضح أفضال هذه الشريعة الخالدة على البشرية جمعاء من خالل
إبراز ما قدمته لها من خدمات جليلة.
426
من أبرز كتب ناصر الدين كتاب «الشرق كما يراه الغرب» ،وكتاب «تاريخ حياة سيدنا محمد
ّ
-صلى هللا عليه وسلم »-الذي كتبه باللغة الفرنسية بمشاركة صديقه الجزائري «سليمان بن
ّ قيمة ّ فضل عن دراسة ّ ً
أعدها بعنوان «أشعة خاصة بنور اإلسالم» ،سلط إبراهيم الجزائري»،
عبرها الضوء على الكثير من املعاني الروحية التي دعا إليها اإلسالم وما زال يدعو لها.
ويبقى أن نقول هنا إن كتب «ناصر صالح الدين» التي سبق ذكرها تتميز عن غيرها من الكتب
بدحضها لألباطيل واالتهامات املغرضة التي يروج لها أعداء اإلسالم وقد أفادته في هذا الجانب
ّ
دراساته «الالهوتية» السابقة إذ مكنته من كشف زيف األناجيل املحرفة ،بل تحدى في تلك
الكتب علماء النصرانية من قساوسة ورهبان ومستشرقين أن يأتوا برسالة شاملة شمولية
الدين اإلسالمي ،كما قارن في تلك الكتب بين مفهوم العبادات في الديانتين اإلسالمية واملسيحية
مؤكدا حقيقة أن الصالة في اإلسالم صالة صافية بالطمأنينة والسكينة والخشوع ،وتخلو من ً
األمور الشائنة التي توجد في صالة النصارى التي تغص بالصور الرخيصة والتماثيل الجامدة
وتعج بالترانيم الجوفاء واملوسيقى الصاخبة.
من جهة ثانية أشار ناصر الدين في كتبه إلى حقيقة أن اإلسالم حرر البشرية من وساطات
الكهنة واستغاللهم املريع ،إذ يجعل العالقة بين العبد وربه عالقة مباشرة ،األمر الذي دفع
القساوسة إلى محاربة الدين اإلسالمي في استماتة ألنه يهدد مصالحهم الدنيوية تلك املصالح
الضيقة التي تستند إلى جهل بني جلدتهم والناتج من التحريف في أناجيلهم..
لكن وعلى الرغم من كل صنوف األذى التي لقيها ناصر الدين من القساوسة واملستشرقين
استمر يدافع عن اإلسالم في شجاعة تستند إلى إيمان صادق ال يتزعزع وعزيمة مؤمن قوية ال
تتضعضع إذ لم يوقفه عن أداء رسالته تهديد أو مرض حتى رجعت نفسه املطمئنة إلى ربها راضية
ّ ّ
مرضية في شهر ديسمبر عام ،1929فصلى عليه كثير من الشخصيات اإلسالمية ،وممثلون عن
الحكومة الفرنسية في مسجد باريس الكبير ،ثم تولت السلطات الفرنسية نقل جثمانه -حسب
وصيته -إلى الجزائر ،ودفن في مقبرة «الدشرة القبلية» في بوسعادة في ضريحه الذي بناه لنفسه.
فسبحان القادر على تحويل إنسان منعم في دين إلى إنسان مضطهد لدخوله ً
دينا آخر ..وبرغم
ذلك يجاهد ويقاوم في سبيل هذا الدين املضطهد بسببه!!
ً ُ
إنسانا يقوم بذلك ويتحمل هذا العذاب؟!! ترى ..ما الذي يجعل
أليس ألنه تأكد من أنه الحق؟! أليس ألنه تأكد من أنه من عند هللا؟!
ً
جميعا لن ينفعوه لو كفر وكذب بهذا الدين الحق؟! أليس ألنه علم ً
يقينا أن البشر
427
ببساطة ..هو دين هللا ..وكفى!!
اسألوا هللا الهداية ..فباهلل نهتدي إلى هللا.
الشهرة الغامرة واألضواء الباهرة كان القلق وعدم االستقرار يخنقان أعماقها املهترئة ..فعلى
شيئا ما ينقصها ..للحصول الرغم من حياتها املثقلة بالترف والرفاه املاديين كانت تحس بأن ً
على الطمأنينة وهدوء البال بدأت تبحث عن حياة أخرى فكان لها ما أرادت وزيادة ..إنها الفنانة
غيرت «كاروال» اسمها إلى «سكينة» ..هذا هو ما حدث لبطلة قصتنا.. األملانية الشهيرة «كاروال»َّ ..
أما كيف فهذا هو ما سوف ّ
نتعرف إليه من خالل هذه القصة.
في أحد األيام وبينما كانت النجمة كاروال تجلس في فيلتها التي تقع في ضواحي برلين أخذت تفكر
يمدها رفاهها املادي بقطرة بل بذرة من سعادة ظلت تبحث عنها في الحياة التي تعيشها ،حيث لم ّ
منذ نعومة أظافرها ..عندما اكتشفت أن املتاع املادي ليس هو السبيل إلى السعادة ،عزمت على
أن تبحث عنها -أي السعادة -عن طريق آخر ..نعم قررت كاروال هجر حياتها الخاوية برغم رفاهها
ّ
املادي ففكرت في االبتعاد عن املجتمع األملاني وزيارة بلدان أخرى علها تجد في معايشة سكانها
ضالتها املنشودة ..غادرت كاروال أملانيا في عام 1934بمساعدة من أحد معارفها الذي يعمل في
الحكومة ،إذ كان هتلر -حاكم أملانيا أنذاكّ -
يحرم على األملان مغادرة وطنهم األم قيد أنملة ..وبعد
رحلة طويلة استمرت عدة أشهر استقر بها املقام ً
أخيرا في مصر.
ً ً
هدوءا وجمال تتحدث كاروال عن مصر وهي تجتر ذكريات املا�ضي قائلة« :كانت مصر أكثر
من اآلن ..كنت أتجول في شوارعها فتأخذني مناظر املساجد بمآذنها املرتفعة ..وفي أحد األيام
ً وبينما أنا أتجول في خان الخليلي سمعت ً
صوتا ً
عاليا يردد جمل جميلة طربت لها أذناي ..اقتربت
من مكان مصدر الصوت ..اندهشت حينما الحظت أن الناس يسرعون مهرولين إلى داخل مبنى
عرفت فيما بعد أنه املسجد ،كما عرفت أنهم يدخلونه ألداء الصالة بعد أن يسمعوا هذا النداء
الذي عرفت أنه األذان».
ً
أشخاصا مختلفين في وهنا قالت كاروال وهي تصف في إعجاب حال رواد املسجد« :كنت أرى
أشكالهم ومتميزين في مالبسهم يجلسون في حلقات وهم يحيطون بشيخ مسن يجلس على كر�سي
عاليا في املسجد يسمى «املئذنة» -كما عرفتها ً
الحقا- عريض ..وبعد ساعات يعتلي شخص ً
مكانا ً
شدت انتباهي حينما سمعتها من قبل ..عقب ذلك يقف أولئك وينادي بالعبارات التي سبق أن ّ
متكررة عرفت ً
الحقا أنها الصالة ..اجتذبني هذا األشخاص في صفوف منتظمة ليؤدوا حركات ّ
املنظر بشدة فكنت أزور ذات املكان وأق�ضي فيه عدة ساعات ملشاهدته.»..
واسترسلت كاروال في حديثها بعد لحظات قليلة من الصمت قالت« :لقد شدتني حركات أولئك
األشخاص ،كما بهرني نظامهم في الصالة ،وسكونهم فيها ..فبدأت أعمل على تقليدهم من بعيد..
نعم كنت أشعر بالراحة والطمأنينة لهذه الصالة على الرغم من أنني لم أكن أعرف كنهها أو أفهم
429 ما يقال فيها ..إنه الشعور ذاته الذي ظللت أحس به كلما دخلت ذلك املكان».
تنهدت كاروال بعمق ثم أردفت قائلة« :عرفت ً
الحقا أن أولئك األشخاص يطلق عليهم املسلمون
ويدينون بدين يسمى اإلسالم وهو دين لم أسمع به من قبل ..سيطرت ّ
علي الرغبة في أن أعرف
املزيد عن هذا ّ
الدين الذي خفقت له جوارحي وأحببته بشدة دون أن أعرف عنه الكثير ..بل
شعرت بنف�سي وكأنني ولدت من جديد».
عبرت عنها حرارة الكلمات« :صممت على أن أعيش حياة املسلمين.. أردفت كاروال في حماسة ّ
وقفت وجلة أمام شيخ يحيط به الناس في حلقات ..الحظ خيوط الحيرة املتشابكة التي انتقب
ردد أمامي كلمات،جانبا ،وكان قد فرغ لتوه من جلسته اليومية مع الناسّ ..
بها وجهي ..انتحى بي ً
الهبوط إلى أعلى!
وطلب مني أن ّ
أكررها وراءه ..لم أنس تلك الكلمات حتى اليوم ..رددت وراءه الشهادتين :أشهد أن
حم ًدا رسول هللا ..وهكذا أعلنت إسالمي وقد بلغت بي السعادة درجةال إله إال هللا وأشهد أن ُم َّ
يصعب وصفها بالكلمات».
ً
أخيرا حصلت السيدة األملانية على ضالتها املنشودة التي ظلت تبحث عنها السنين الطوال ..لقد
شعرت بالطمأنينة التي افتقدتها في مسقط رأسها ..وحتى تن�سى حياتها األولى وتنعم بالسكينة ً
قلبا
غيرت اسمها إلى سكينة وصارت تعتز بكونها مسلمة. وقالبا ّ
ً
حينما تسترجع سكينة -كاروال ً
سابقا -ذكريات تلك األيام التي عاشتها قبل أن تولد من جديد
تندهش للفرق بين حياتين متناقضتين في كل �شيء :حياة الناس في مجتمعها الغربي القديم التي
تفتقر إلى السعادة على الرغم من توافر وسائل الراحة واملتعة ،وحياة أهلها الجدد في املجتمع
الشرقي املتخمة بالسعادة برغم أنف الفقر والحاجة ألبسط مقومات الحياة ..ملعرفة سر
ًّ
ظاهريا -قالت التناقض العجيب بين حياتي أهل الغرب وأهل الشرق -الذي يبدو غير منطقي
سكينة« :لكي أعرف السر الكامن وراء سعادة املسلمين أخذت أقترب منهم أكثر وأكثر ..وجدت
أنهم يعيشون في معية هللا تعالى على الدوام ..يجتمعون عند الصالة ..يؤدون شعائر دينهم في منتهى
الرضا واالقتناع ..يتوكلون على هللا تعالى في تسيير أمورهم بعد أن يؤدوا ما عليهم من واجبات.»..
وعند مقارنتها لحياة أهلها الجدد -املسلمين -مع حياة أهل الغرب -أهلها القدامى -تقول سكينة:
ً
جسدا يفتقر «في الغرب طغى سلطان املادة على كل �شيء حتى أصبح كل الناس -وأنا من بينهم-
إلى الروح ..نعم كنت في حياتي السابقة -التي تخلو من كل قيمة وتفتقر إلى أبسط املعاني -أعيش
جد مختلف إذ أصبحت لحياتي قيمة ومعنى». جسدا بال روح ،أما اآلن فاألمر ّ
ً
سبحان هللا! ..بمقياس أهل املادة شديدة الخواء هبطت بطلة قصتنا -في نظر املاليين من بني
قمة املجد والشهرة لتعيش مع قوم يفتقرون إلى أبسط مقومات الحياة.. جنسها -من ّ
أما بمقياس أهل اإليمان فقد سمت وارتقت بروحها إلى فلك نوراني شفيف ما يجعل هبوطها
ً
-لو مزجنا بين املقياسين -هبوطا إلى أعلى بكل ما تعني هذه العبارة من معنى..
إنها سكينة القلب ..لذا فإن السكينة هو االسم الذي اختارته بطلة قصتنا لنفسها بعد إسالمها..
لقد وجدت السكينة ..وجدت السعادة..
فابحثوا عنهما في املكان الصحيح ..واسألوا هللا الهداية ..فباهلل نهتدي إلى هللا.
في حديثه عن رحلته من ظلمات الكفر إلى نور اإليمان ،يقول آرشيبالد هاملتون:
جمال اإلسالم الو�ضيء ونقاؤه البسيط ظال يشدانني إليه على الدوام منذ أن بلغت سن
الرشد ..وعلى الرغم من والدتي ونشأتي في بيئة نصرانية ّ
قحة ،لم أؤمن ً
يوما بالجانب التعسفي
شيئا ً
فشيئا املجردً .. من الكنيسة ،ألنني كنت على الدوام ّ
أقدم املنطق والعقل على اإليمان األعمى ّ
وبمرور الوقت أصبحت أتمنى العيش بسالم مع خالقي ..وفي املقابل أيقنت ً
تماما أنه ال فائدة
لي أرجوها وانتظرها سواء من الكنيسة اإلنجليزية ،أو حتى من كنيسة روما بالفاتيكان أولى
الطبقات الثالث
يقول آرشيبالد هاملتون :يعترف اإلسالم بالعبقرية ويحتفي بالنبوغ والتميز الشخ�صي..
فاإلسالم دين بناء وعمارة وليس دين دمار وتخريب ..فهو -أي اإلسالم -يحظر على معتنقيه
يحرم عليهم كل أنواع املشروبات لعب امليسر واالنخراط في مختلف صفقات اليانصيب ،كما ّ
الكحولية وكذلك الحال مع الربا السبب الرئي�سي في الكثير من حاالت األ�سى والشقاء التي عاناها
بنو البشر على مر التاريخ وفي مختلف األمكنة ..نعم يمنع اإلسالم أي نوع من االستغالل الدنيء
الذي قد يقترفه بعضهم ضد آخرين.
ً
ويسترسل السيد عبدهللا آرشيبالد هاملتون قائل :نحن املسلمين ال نؤمن بالقدرية والجبرية
أمرا ًّ
وهميا ال وجود له ألبتة، وإنما نؤمن بالقضاء والقدر ،وبالنسبة إلينا ّ
تعد العقيدة بال عمل ً
ألنه ال فائدة للعقيدة إذا لم نسع إلى تطبيقها على أرض واقع حياتنا ..وأكثر من هذا نحن نؤمن
بأننا محاسبون على أعمالنا في الحياة الدنيا واآلخرة ..كما أن على كل واحد منا ُّ
تحمل أعبائه؛
حيث ال تزر وازرة وزر أخرى. 432
ً
قائل :إن اإلنسان ً
-وفقا للفهم اإلسالمي للطبيعة البشرية- وأضاف عبدهللا آرشيبالد هاملتون
ُّ ًّ
مبرأ من أي ذنب ،كما أشار إلى أن اإلسالم يقر بحقيقة أن الرجل واملرأة يولد على الفطرة
َّ ّ ّ
ينحدران من نفس واحدة وجوهر واحد ،وأن هللا عز وجل من عليهما بمقدرات متساوية في
جوانب الفكر والروح والخلق.
ويقول :أنا لست في حاجة إلى أن أتحدث بإسهاب عن مبدأ األخوة العاملية بين البشر في
ّ
اإلسالم ،ألنها حقيقة مسلم بها ،إذ إن الجميع -أميرهم وحقيرهم وغنيهم وفقيرهم -سواسية
كأسنان املشط ..وقد ملست هذه الروح الكريمة الطيبة بين إخوتي املسلمين.
وفي خاتمة حديثه ذكر عبدهللا آرشيبالد هاملتون ما معناه :بينما يعبد املسلمون هللا تعالى
يخصصون بقية ُّ
ويوادون عبادته في كل لحظة ،فإن النصارى يتعبدون في أيام اآلحاد فقط ،بينما ّ
ِ
أيام األسبوع الفتراس عباده ومخلوقاته.
حوله من سيا�سي إنجليزي معروف وقائد بل رجل سعيد الحظ أنعم هللا تعالى عليه بأن َّ
لسالح الدفاع امللكي البريطاني إلى داعية إسالمي همام ،ومدافع صادق عن اإلسالم ال يخ�شى في
قول الحق لومة الئم..
433
إنه رسام عالمي تحتشد متاحف العالم الكبيرة بلوحاته وتحتفي بها ..شكوكه الكثيرة في 434
ً
طقوس الديانة املسيحية وتعاليمها جعلته غارقا وسط طوفان من القلق وأمواج من الحيرة..
بحوثه املضنية في الديانة املسيحية ومناظراته الحادة مع قساوستها جعلته يرفض املسيحية
املحرف الحالي ويتيقن ً
تماما أنها ليست املسيحية التي أنزلت على نبي هللا عي�سى -عليه بشكلها ّ
يتعرض ألي تحريف أو السالم .-بحث في اإلسالم فتيقن تمام اليقين أنه الدين الحق الذي لم ّ
ً
وضيئا مع نفسه ومع العالم.. ً
تسامحا تبديل منذ أن أوحي به ،فاعتنقه ووجد فيه
إنه الرسام واملفكر الفرن�سي املعروف إتييان دينيه بطل هذه القصة.
ولد إتييان دينيه في العاصمة الفرنسية «باريس» عام 1861م ..إلى جانب ُّ
تميزه بلوحاته
املشهورة التي تتصدر صاالت العديد من متاحف العالمُ ،عرف إتييان دينيه بحبه لحياة العرب
وهو حب انتهى بدفن جثمانه -بعد حياة حافلة باإلنجازات الفكرية والفنية -في أرض عربية
بادله أهلها ًّ
حبا بحب.
اشتهر إتييان دينيه بمقدرته الفنية الكبيرة في الرسم والتصوير والتي نتج منها لوحات ّ
متفردة
أشاد بها النقاد ..وتتصدر صاالت متحف باريس العديد من لوحاته الشهيرة التي من بينها لوحة
تحمل اسم «غداة رمضان» ،كما أن له لوحات أخرى عديدة في متاحف «لوكسمبرج» و«سدني»
وفي غيرها من متاحف العالم.
طبيعة عمله الفني أكسبته نزعة دينية عميقة ..امتزاج االثنين -أي الفن والدين -مع بعضهما
ً
بعضا جعل منه خير مثال لإلنسان امللهم الشفيف رقيق املشاعر ..عقله املتفتح ونزعته الدينية
املتعمقة وواقع الديانة املسيحية في مجتمعه شديد التناقض ،هذه كلها عوامل جعلته ً
حائرا في
معتقداته الدينية ً
وقلقا على مصيره بعد املوت.
ّ تأمله في النصوص ّ
املقدسةّ ، ّ
وتدبره في العقائد التي يدين بها من حوله جعاله يفكر بعمق
في بعض املفاهيم الدينية السائدة من حوله مثل :املسيحية والكنيسة والبابا املعصوم
وعقيدة التثليث والصلب والفداء والغفران ،وإلى غير ذلك من املفاهيم والتعاليم التي لم
يشعر حيالها بالراحة.
ّ ً
أعاد قراءة األناجيل قراءة ناقدة فاحصة آمل أن يجد فيها سمة صدق تخلصه من قلقه
وتزيل حيرته حتى يؤمن من داخل أعماقه بفكرة املسيح ابن هللا ..أوصلته قراءاته املوضوعية
هذه إلى نتائج مغايرة ..فوجد في األناجيل ما يتنافى مع الصورة املثلى لإلنسان الكامل التي يجب
ً
أن يشخصها الدين القويم ..قرأ في األناجيل أقوال عجيبة نسبت للمسيح ال تتسق مع الفطرة
السليمة ،ومن بين تلك األقوال ذكر لنا ما يلي:
435
«في اليوم الثالث كان عرس في قانا الجليل ،كانت أم يسوع هناك ،ودعا يسوع تالميذه
إلى العرس وملا فرغت الخمر قالت أم يسوع له :ليس لهم خمر ..قال يسوع :ما لي وما لك يا
امرأة!» (إنجيل يوحنا -اإلصحاح الثاني عشر).
«وأما ذلك اليوم وتلك الساعة فال يعلم بها أحد ،وال املالئكة الذين في السماء ،وال االبن إال
األب» (إنجيل مرقص -اإلصحاح الثالث عشر).
وإلى غير ذلك من النصوص الغريبة التي جعلته يشك في صحة األناجيل التي اطلع عليها ..واألمر
الوحيد الذي لم يراوده فيه شك حقيقة أن هللا تعالى أنزل اإلنجيل على عي�سى -عليه السالم -بلغته
وحرف واندثرت تعاليمه األصلية، ولغة قومه ،بيد أن اإلنجيل الحقيقي الذي أنزل عليه ضاع ّ
ً حيث تم استبدال أربعة أناجيل ّ
مهجنة ومشكوك في أمرها به ،ويكفي دليل على تحريفها حقيقة
أنها مكتوبة باللغة اليونانية ،وهي لغة غريبة عن لغة عي�سى -عليه السالم -األصلية التي أنزل بها
اإلنجيل وهي لغة سامية ال عالقة لها باللغة اليونانية.
ُ سؤال كبير ًّ
جدا يطرح نفسه هنا :كيف كتب اإلنجيل باليونانية برغم أن املسيح كان يتكلم اآلرامية؟
سؤال آخر :هل اإلنجيل األصلي الذي باللغة اآلرامية موجود في هذا الزمان؟
ّ
هذا يعني أن كل من يقرأ اإلنجيل إنما يقلد املترجم ،واملترجم ال علم له ،إذ لم يطلع على
معصوما من الخطأ والتحريف ًً ُ ْ
عمدا. واملترجم ليس
ِ الحقيقة ،لكنه أخ ِبر ب�شيء فصدقه،
قراءاته الكثيرة وبحوثه املضنية ومناظراته الطويلة مع قساوسة الكنيسة أوصلته- كما
تماما إذ وصل إلى يقين صادق مفاده أنسبق ذكره في مقدمة هذه القصة -إلى رفض املسيحية ً
املسيحية الحالية ليست هي املسيحية األصيلة التي أنزلها هللا تعالى على عي�سى -عليه السالم -بل
ال يربط بين االثنتين سوى االسم فقط.
تامة توصل لها مفادها أن املسيحية بتحريفها ال تشبع غريزته الدينية رأى عقب قناعة ّ
ً ّ
عاجزا عن تلبية أشواقه «دينيه» أن يتجه إلى عقله عله يهديه سواء السبيل بيد أنه وجد األخير
436
املتمثلة في إشباع هذه الغريزة.
ّ
فكر في االستفادة من تجارب اآلخرين الذين توصلوا إلى ما توصل إليه من تحريف مروع
حل باملسيحية .وسأل نفسه :ماذا فعل هؤالء؟! رأى أن معظمهم وجد ضالته في اإلسالم ما جعله يتجه
إليه ليستكشف كنهه.
بعد دراسات استكشافية توصل إلى أن القرآن الكريم هو الكتاب الوحيد الذي حفظه هللا
تعالى من التحريف والتبديل ..تتعدد الطوائف اإلسالمية وتتنوع إلى عشرات الفرق ولكن القرآن
الذي يؤمنون به واحد ليس فيه أي اختالف ،ولم يحدث فيه أي تغيير منذ أن أوحي به حتى اآلن!
عقب ذلك وفي سبيل االستزادة بمعرفة اإلسالم قرأ بعمق العديد من الكتب فعرف الكثير عن
اإلسالم ساعدته في ذلك معايشته للبيئة اإلسالمية.
تمخضت قراءات إتييان دينيه السابق ذكرها إلى اعتناقه اإلسالم ..وقد أحدث إسالمه ضجة
في أوساط الطبقة الفنية في فرنسا فاتهموه بالخيانة ،ولكنه لم يعبأ بالكالم الذي حيك عنه ،ذلك
دينا عن قناعة تامة وهو األمر الذي أكسبه القوة في مواجهة اآلخرين..أنه اتخذ اإلسالم ً
ليس هذا فحسب بل تحول إلى داعية مخلص صادق رفد الدعوة اإلسالمية بالعديد من
املؤلفات القيمة مثل «محمد رسول هللا» و«أشعة خاصة بنور اإلسالم» و«الحج إلى بيت هللا
الحرام» ..و«الشرق في نظر الغرب» وغيرها من الدرر النفيسة التي تفتقت عنها عبقرية إتييان
دينيه قبل أن تفارق روحه الطيبة الدنيا الزائلة إلى دار الخلود.
عندما بلغ السبعين من عمره توفي إتييان دينيه بعد حياة حافلة بالبذل والعطاء اختتمها
بمسك ختام تمثل في الدعوة إلى هللا تعالى ..ووري جثمانه الثرى بمدينة «بوسعادة» بالجزائر ً
بناء
ّ
املشيعين ضم عامة الناس ،وكبار املسؤولين وعارفي فضله. على وصيته وسط حشد كبير من
ضيفنا هذا هو أبو محمد عبدهللا بن عبدهللا الترجمان ،وقد كان يدعى قبل إسالمه «أنسلم
ٌ
تورميدا» وينسب إلى بلده «ميورقا» وهي جزيرة تقع في الطرف الجنوبي الشرقي من إسبانيا -بالد
سابقا -عاش في القرن التاسع ،تعلم في صغره علوم الكهنوت في دير بوبليت ثم أخذ األندلس ً
يتنقل في البالد يتعلم املسيحية حتى استقر به املقام في إيطاليا في مدينة بولونيا التي كانت عاصمة
علم عند النصارى فتعلم على قس من كبار علماء النصارى في زمانه فتلقى منه العلم خالل عشر
سنوات أقامها عنده .وألهمية قصة إسالمه فقد أثبتها لنا في مقدمة كتابه «تحفة األريب في الرد
بتصرف بين ّ
طيات هذا املقال.. ّ على أهل الصليب» ،التي سوف نختصرها لكم
في سياق حديثه عن نفسه يقول صاحب «تحفة األريب» :سكنت في كنيسة لقسيس كبير السن
عندهم كبير القدر اسمه« :نقالومرتيل» وكانت منزلته فيهم بالعلم والدين والزهد رفيعة ًّ
جدا
انفرد بها في زمنه عن جميع أهل دين النصرانية فكانت األسئلة في دينهم ترد عليه من اآلفاق من
جهة امللوك وغيرهم فقرأت على هذا القسيس علم أصول النصرانية وأحكامه ولم أزل أتقرب
إلي مفاتيح مسكنه وخزائن مأكله ومشربه ّ
وصير جميع إليه بخدمتي له وتقربي منه إلى أن دفع ّ
ّ
439 ذلك كله على يدي ،ولم يستثن من ذلك سوى مفتاح بيت صغير بداخل مسكنه كان يخلو فيه
بنفسه ،والظاهر أنه بيت خزانة أمواله التي كانت تهدى إليه ،وهللا أعلم.
يقول عبدهللا امليورقي :فالزمت هذا القسيس من القراءة عليه والخدمة له عشر سنين ثم
ّ أصابه مرض ً
يوما من الدهر ،فتخلف عن حضور مجلس أقرانه ،وانتظره أهل املجلس وهم
عز ّ
وجل على لسان نبيه عي�سى يتذاكرون مسائل من العلوم ،إلى أن أف�ضى بهم الكالم إلى قول هللا ّ
في اإلنجيل« :أنه يأتي من بعده نبي اسمه البارقليط» ..فبحثوا في تعيين هذا النبي من هو من
األنبياء ،وقال كل واحد منهم بحسب علمه وفهمه ،فعظم بينهم في ذلك مقالهم وكثر جدالهم ثم
انصرفوا من غير تحصيل فائدة في تلك املسألة.
رأس كل خطيئة
يقول :فأتيت مسكن القسيس صاحب الدرس املذكور ،فقال لي :ما الذي كان عندكم اليوم من
البحث في غيبتي عنكم؟ فأخبرته باختالف القوم في اسم «البارقليط» وأن ً
فالنا قد أجاب بكذا
ً
وفالنا قد أجاب بكذا ..وسردت له أجوبتهم فقال لي :وبماذا أجبت أنت؟ فقلت :بجواب القا�ضي
فالن في تفسيره اإلنجيل ،فقال لي :ما قصرت ،وقربت ،فالن أخطأ ،وكاد أن يقارب ،ولكن الحق
خالف هذا كله ألن تفسير هذا االسم الشريف من العلم القليل ،فبادرت إلى قدميه أقبلهما،
وقلت له :يا سيدي قد علمت أني ارتحلت إليك من بلد بعيد ولي في خدمتك عشر سنينّ ،
حصلت
عنك فيها من العلوم جملة ال أحصيها ،فلعل من جميل إحسانكم أن تمنوا ّ
علي بمعرفة هذا
كثيرا من أجل خدمتك لي وانقطاعكعلي ً االسم ..فبكى القسيس وقال لي :يا ولدي ..وهللا أنت ّ
لتعز ّ
إلي ..وفي معرفة هذا االسم الشريف فائدة عظيمة ،لكني أخاف عليك أن يظهر ذلك عليك فتقتلك ّ
عامة النصارى في الحين ،فقلت له :يا سيدي وهللا العظيم وحق اإلنجيل ومن جاء به ال أتكلم
علي عن بلدك وهلعلي إال عن أمرك .فقال لي :يا ولدي إني سألتك في أول قدومك ّ
تسره ّ ب�شيء مما ّ
هو قريب من املسلمين؟ وهل يغزونكم أو تغزونهم ألختبر ما عندك من املنافرة لإلسالم ،فاعلم
ّ
يا ولدي أن «البارقليط» هو اسم من أسماء نبيهم محمد -صلى هللا عليه وسلم -نزل الكتاب الرابع
املذكور على لسان دانيال -عليه السالم -وأخبر أنه سينزل هذا الكتاب عليه ،وأن دينه هو دين
ّ ّ
الحق ،وملته هي امللة البيضاء املذكورة في اإلنجيل.
البارقليط أو الفارقليط تعريب لكلمة «بيريكلتوس» ومعناها (الذي له حمد كثير) وهو ما
حمد ..وهذه الكلمة كانت موجودة في نسخ إنجيل يوحنا إصحاحيوافق أفعل التفضيل من َ
وأيضا في بعض الطبعات القديمة مثل طبعة لندن سنة 1821وسنة 1831وسنةً 15عدد ،26
ُ
،1844لكنها حرفت في الطبعات الحديثة إلى كلمة «املعزي» وهذا نص ما تم تحريفه( :ومتى
جاء املعزي الذي أرسله أنا إليكم من األب روح الحق الذي من عند األب).
يقول عبدهللا امليورقي :قلت له يا سيدي وما تقول في دين هؤالء النصارى؟ فقال لي :يا ولدي
لو أن النصارى أقاموا على دين عي�سى األول لكانوا على دين هللا ألن عي�سى وجميع األنبياء دينهم 440
دين هللا ..ولكن بدلوا وكفروا .فقلت له :يا سيدي «وكيف الخالص» من هذا األمر؟ فقال :يا
ولدي بالدخول في دين اإلسالم .قلت له :وهل ينجو الداخل منه؟ قال لي :نعم ينجو في الدنيا
واآلخرة ..فقلت :يا سيدي إن العاقل ال يختار لنفسه إال أفضل ما يعلم فإذا علمت فضل دين
اإلسالم فما يمنعك منه؟ فقال لي :يا ولدي إن هللا تعالى لم يطلعني على حقيقة ما أخبرتك به من
فضل اإلسالم وشرف نبي أهل اإلسالم إال بعد كبر سني ووهن جسمي وال عذر لنا فيه ،بل هو
حجة هللا علينا قائمة ولو هداني وأنا في سنك لتركت كل �شيء ودخلت في دين الحق ،وحب الدنيا ّ
رأس كل خطيئة ،وأنت ترى ما أنا فيه عند النصارى من رفعة الجاه والعز والترف وكثرة عرض
علي �شيء من امليل إلى دين اإلسالم لقتلتني العامة في أسرع وقت ..وهب أنيالدنيا ،ولو أني ظهر ّ
مسلما ،فيقولون لي :قد نفعت نفسكً نجوت منهم ،وخلصت إلى املسلمين فأقول لهم :إني جئتكم
تمن علينا بدخولك في دين خلصت به نفسك من عذاب هللا بنفسك بالدخول في دين الحق فال ّ
كبيرا ً
شيخا ًً
فقيرا ابن تسعين سنة ال أفقه لسانهم وال يعرفون حقي فأموت بينهم فأبقى بينهم
ً
جوعا وأنا والحمد هلل على دين عي�سى وعلى ما جاء به ،يعلم هللا ذلك مني.
يقول عبدهللا امليورقي :فقلت له يا سيدي أفتدلني أن أم�شي إلى بالد املسلمين وأدخل في دينهم؟
عاقل ًً
طالبا للنجاة فبادر إلى ذلك تحصل لك الدنيا واآلخرة ،ولكن يا ولدي فقال لي :إن كنت
هذا أمر لم يحضره أحد معنا اآلن فاكتمه بغاية جهدك ،وإن ظهر عليك �شيء منه قتلتك العامة
لحينك ،وال أقدر على نفعك وال ينفعك أن تنقل ذلك عني فإني أجحده ،وقولي مصدق عليك
وقولك غير مصدق علي ،وأنا بريء من ذلك إن فهت ب�شيء من هذا .فقلت :يا سيدي أعوذ باهلل
من سريان الوهم لهذا وعاهدته بما يرضيه.
دينارا ً
ذهبا ثم أخذت في أسباب الرحلة ّ
وودعته فدعا لي عند الوداع بخير ،وزودني بخمسين ً
ً
منصرفا إلى بلدي مدينة ميورقة فأقمت بها خمسة أشهر وأنا أنتظر ً
مركبا يتوجه وركبت البحر
إلى أرض املسلمين ..فحضر مركب يسافر إلى مدينة تونس فسافرت فيه من صقلية وأقلعنا عنها
قرب مغيب الشفق فوردنا مر�سى تونس قرب الزوال.
فلما نزلت بديوان تونس وسمع بي الذين بها من أحبار النصارى أمروا بمركب وحملوني
أيضا بتونس فأقمت عندهم في ضيافتهممعهم إلى ديارهم ،وصحبت بعض التجار الساكنين ً
على أرغد عيش أربعة أشهر ،وبعد ذلك سألتهم هل بدار السلطان أحد يحفظ لسان النصارى،
وكان السلطان آنذاك موالنا أبا العباس أحمد ،فذكر لي النصارى أن بدار السلطان املذكور
ً ً
رجل فاضل من أكبر خدامه اسمه يوسف الطبيب وكان طبيبه ومن خواصه ففرحت
ً
شديدا. بذلك ً
فرحا
سألت عن مسكن هذا الرجل الطبيب فدللت عليه واجتمعت به وذكرت له شرح حالي وسبب
441 ً ً
عظيما بأن يكون تمام هذا الخير على يديه، سرورا قدومي للدخول في اإلسالم ،فسر الرجل بذلك
ثم ركب فرسه وحملني معه لدار السلطان ودخل عليه فأخبره بحديثي واستأذنه لي فأذن لي.
فأول ما سألني السلطان عن عمري فقلت له :خمسة وثالثون ً
عاما ،ثم سألني فمثلت بين يديه ّ
عما قرأت من العلوم فأخبرته ،فقال لي قدمت قدوم خير ،فأسلم على بركة هللا ،فقلت للترجمان
-وهو الطبيب املذكور :-قل ملوالنا السلطان إنه ال يخرج أحد من دين إال ويكثر أهله القول فيه
والطعن فيه فأرغب في إحسانكم أن تبعثوا إلى الذين بحضرتكم من تجار النصارى وأحبارهم
وتسألوهم عني وتسمعوا ما يقولون في جنابي وحينئذ أسلم إن شاء هللا تعالى ،فقال لي بواسطة
ّ
الترجمان :أنت طلبت ما طلب عبدهللا بن سالم من النبي -صلى هللا عليه وسلم -حين أسلم.
رأس كل خطيئة
ثم أرسل إلى أحبار النصارى وبعض تجارهم ،وأدخلني في بيت قريب من مجلسه فلما دخل
النصارى عليه ،قال لهم :ما تقولون في القسيس الجديد الذي قدم في هذا املركب؟ قالوا له:
يا موالنا هذا عالم كبير في ديننا ،وقال علماؤنا إنهم ما رأوا أعلى من درجته في العلم والدين،
فقال لهم :وما تقولون فيه لو أسلم؟ قالوا :نعوذ باهلل من ذلك هو ما يسلم ً
أبدا ..فلما سمع
إلي فحضرت بين يديه وشهدت شهادتي الحق بمحضر النصارى ما عند النصارى بعث ّ
فصلبوا على وجوههم وقالوا ما حمله على ذلك إال حب التزويج فإن القسيس عندنا ال يتزوج
وخرجوا مكروبين محزونين!
من عجائب النصارى أن القس ال يتزوج ويرون أن الزواج نقيصة في حقه ،وفي الوقت نفسه
ينسبون الولد والزوجة إلى هللا سبحانه وتعالى!
سبحان هللا!!..
ّ
من يهده هللا فال مضل له ومن يضلل فال هادي له ..كم هو محظوظ بطل قصتنا الذي سخر له
هللا تعالى أحد كبار القساوسة املسيحيين ليهديه إلى طريق اإلسالم إذ تحول مرة واحدة في نهاية
عمره من أحد املنصرين الذين يبشرون بتعاليم املسيحية إلى داعية ّ
قدر له هللا أن يهدي أحد
تالميذه إلى دخول اإلسالم وإن عجز هو عن فعل ذلك.
املصدر)13( :
أنين ..وحنين!
ً ُ
ال ـلك ليس مرادفا للنعيم والرفاه..
َ
ال ـ ِلك الحق هو من يحافظ بالحكمة والقوة على شعبه وبلده ودينه..
ُ ً ً َ
صغيرا في كل �شيء ..يضيع ال ـلك!! صغيرا.. ولكن ..عندما يكون ال ـ ِلك
يعيش الناس على أنين العذاب ..والحنين إلى امللك املغتصب ..والدين املسلوب..
سري عقده أبو عبدهللا الصغير ،آخر ملوك األندلس املسلمين ،مع ملكبدأت القصة باتفاق ّ
إسبانيا فرديناند يقت�ضي بتسليمه غرناطة ،مقابل أن يأمن املسلمون على أنفسهم وأموالهم
ودينهم ،ولكن ما أن استقر له الحكم نكث فرديناند بالعهد ّ
وخير املسلمين :إما اعتناق املسيحية
خيرت أهل وإما مغادرة األندلس ،ثم بدأت محاكم التفتيش في التعذيب والقتل والنفي حيث ّ
األندلس من املسلمين بين التنصير واملوت ..تمسك بعضهم باإلسالم ورفضوا االندماج مع املجتمع
النصراني ومن بين هؤالء والد بطل قصتنا الذي ولد ابنه في هذا التوقيت العصيب ونشأ كطفل
443 صغير ال يعرف ً
شيئا عن ما�ضي األجداد فكاد يقع فريسة ولقمة سائغة في شباك النصرانية إلى
أن حرره والده من بين براثن التنصير بعد أن أدخله غرفة سرية كان االبن منذ نعومة أظفاره
يتمنى أن يدخلها ليرى ما فيها فكيف أنقذه والده وماذا كان يوجد داخل تلك الغرفة السرية هذا
ما سوف نعرفه في هذه القصة.
عقب سقوط مدينة غرناطة في الثاني من يناير عام 1492م سقطت بالد األندلس ،وهو ما
ً
كاسحا للنصرانية ،وضربة موجعة موجهة إلى اإلسالم ..بعد سنوات ً
انتصارا اعتبره املؤرخون
محدودة من سقوط بالد األندلس أصبح جميع املسلمين في إسبانيا يخضعون ملحاكم التفتيش
الجائرة التي تبحث بشكل مهووس عن كل مسلم لتقدمه ملحاكمات غير عادلة وعقوبات وحشية
أنين ..وحنين!
تصل عقوبتها إلى املوت تحت التعذيب ،األمر الذي أجبر الكثيرين من ضعاف املسلمين على
التنصر ،كما تم تحويل جميع مساجد املسلمين إلى كنائس.
ً
صغيرا ،وال في تلك الفترة الرهيبة وذلك الجو الدموي املرعب ولد بطل قصتنا الذي كان
يدري بما يدور حوله ..كان يزعجه بشدة حال أبيه عندما يعود هو من املدرسة ويتلو عليه في
فخر ما حفظه من «الكتاب املقدس» وما تعلمه من اللغة اإلسبانية ..اضطراب أبيه امللحوظ لم
يكن ليخفى عليه وكذلك الحال مع لونه املصفر ..ما يؤكد إحساسه بعظم اضطراب أبيه تركه
له بعد ذلك وانزواؤه في غرفة سرية تقع في أق�صى الدار ،دخولها محرم على الجميع ..كان أبوه
يغلق عليه باب الغرفة الساعات الطوال ثم يخرج منها محمر العينين ،في هيئة من لم يتوقف
لساعات عن البكاء املرير.
كان يؤمله منظر أبيه ً
أياما وهو ينظر إليه بلهفة وحزن ،ثم يحرك شفتيه وكأنه يود أن يتحدث
إليه بأمر ما ،ولكن ما أن يقف ليصغي إلى حديث يتوقع سماعه حتى يوليه أبوه ظهره وينصرف
دون أن ينبس ولو بكلمة واحدة ..الحظ االبن كذلك أنه ال يفتأ يغادر املنزل في طريقه إلى
املدرسة حتى يالحظ أباه يشيعه بنظرات دامعة حزينة وكذلك الحال مع أمه التي كانت تحتضنه
وتقبله باكية ..بل كانت تستقبله عند عودته من املدرسة بلهفة وشوق وكأنها لم تره منذ عشر
سنوات ..لم تمر على بطل قصتنا لحظة دون أن يفكر في تعجب من تصرفات والديه التي لم
ً
تفسيرا. يجد لها ً
مبررا أو
ومن األشياء التي أثارت فضوله أن والديه كانا يبتعدان عنه ويتحدثان ً
همسا بلغة غير اللغة
اإلسبانية ..لغة غريبة ال يعرفها وال يفهمها كما الحظهما يقطعان حديثهما ويتحدثان في أمر عادي
ً باللغة اإلسبانية حاملا يقترب منهما ..التصرف الغريب لوالديه أثر فيه ً
تأثيرا بالغا حتى انتابه
اإلحساس بأنه ليس ابنهما ،وإنما هو لقيط عثرا عليه في قارعة الطريق.
عندما يصل بطل قصتنا إلى هذه املرحلة من التفكير كان ينزوي ً
بعيدا عن والديه ليبكي بحرقة
444
ً
مختلفا عن أنداده من األطفال إذ تميز بأنه طفل في أحد أركان املنزل ..لكل ما سبق ذكره أصبح
ً ً
انطوائي معزول ال يشارك أقرانه اللهو واللعب بل كان يجلس بعيدا عنهم واضعا كفيه على رأسه
ً وكأنه رجل كبير يحمل ً
قدرا مهول من الهموم ..ويظل في هذا الوضع إلى أن يجذبه الخوري من
كم قميصه ،لكي يذهب إلى الصالة في الكنيسة.
ً ً
موقف آخر زاد من حيرته! عندما ولدت أمه طفل جميل وما أن بشرت أباه بمقدمه حتى ظهر
ً
الحزن على وجهه بدل من أن يبتهج ،وذهب إلى الخوري ودعاه ليعمد الطفل ،وأقبل يم�شي وراءه،
وهو مطرق برأسه إلى األرض ،وعلى وجهه عالمات الحزن املبرح ،واليأس القاتل ،حتى جاء به
رد فعل أمه الغريب عندما دخل عليها والده إلى الدار ودخل به على أمه ..الحظ بطل قصتنا ّ
شحوبا على شحوبه وشخصت عيناها نحو مكان ً بالخوري لتعميد القادم الجديد!! ازداد وجهها
افترا�ضي بعيد ثم سلمت الطفل إلى الخوري خائفة حذرة قبل أن تغمض عينيها في جزع من ترى
طفلها يذبح أمام عينيها ..ازدادت حينها حيرة بطل قصتنا إذ خاب تفسيره األول كما تضاعف أمله
بسبب املوقف األخير.
في ليلة عيد الفصح ،وغرناطة غارقة في دوامة من طقوس التآمر الخبيثة ،بينما أضواء
املشاعل وبريق الصلبان يومضان على شرفات املدينة الذبيحة ومآذنها ،دعاه أبوه في جوف
الليل ليتبعه ،وأفراد األسرة يغطون في نوم عميق ..قاده في صمت مهيب إلى غرفة األسرار التي
لم يسمح له بدخولها منذ أن ولد ..خفق قلبه بشدة حتى شعر بدقاته تزلزل األرض املظلمة
تحت قدميه الراجفتين ..تماسك بعد جهد جهيد برغم اضطرابه الشديد ..ما أن وصل به والده
منتصف الغرفة حتى أغلق الباب وراءهما في إحكام ،ثم أخذ يبحث عن السراج ..وقف لحظات في
صغيرا حتى استشرت الدهشة في جسمه ً ً
سراجا الظالم بدت له كأنها أعوام ..ما أن أشعل والده
من شعر رأسه حتى أخمص قدميه!! كانت الغرفة خالية من العجائب والغرائب التي ظل يتخيلها
منذ نعومة أظفاره!! لم يكن فيها سوى بساط متواضع وكتاب متوسط الحجم موضوع على رف،
وسيف قديم معلق بالجدار ..أجلسه أبوه على البساط ،وأخذ ينظر إليه نظرات عميقة تشع منها
الغرابة ..انتاب بطل قصتنا إحساس من انتقل إلى عالم افترا�ضي ال عالقة له بدنياهم التي تقبع
خلف الباب ..أمسك والده بيديه في حنو وعطف ،ثم تحدث إليه بصوت هامس عميق:
ً
«يا بني ،إنك اآلن في العاشرة من عمرك ،وقد صرت رجل ،وإني سأطلعك على السر الذي طاملا
كتمته عنك ،فهل تستطيع أن تحتفظ به في صدرك ،وتحبسه عن أمك وأهلك وأصحابك والناس
أجمعين؟ إن إشارة منك واحدة إلى هذا السر تعرض جسم أبيك إلى عذاب الجالدين من رجال
ديوان التفتيش».
445
ً
صغيرا ما أن التقطت أذنا الصبي اسم «ديوان التفتيش» حتى ارتجف في خوف ..نعم كان
ولكنه يعرف ً
تماما ما هو ديوان التفتيش ،ألنه كان يرى ضحاياه في كل يوم ،بينما هو ذاهب إلى
املدرسة ،أو عائد منها ..كم رأى من رجال يصلبون وآخرون يحرقون ،وكم أبصر بنساء يعلقن
من شعورهن حتى يمتن ،أو تبقر بطونهن فتخرج أحشاؤهن بل وأجنة الحوامل منهن!! صمت
االبن وكأن على رأسه الطير ولم يرد على أبيه.
أبت.
مصغ يا ِ
فاقترب االبن من أبيه وقال له :إني ٍ
فأشار األب إلى الكتاب الذي كان على الرف ،وقال :هل تعرف هذا الكتاب يا بني؟
رد االبن :ال..
فقال األب :هذا كتاب هللا تعالى.
تساءل االبن في براءة :الكتاب املقدس الذي جاء به يسوع ابن هللا.
ً
منزعجا« :كال ،هذا هو القرآن الذي أنزله هللا ،الواحد األحد ،الفرد اضطرب األب وقال
ً
الصمد ،الذي لم يلد ولم يولد ،ولم يكن له كفوا أحد ،على أفضل خلقه ،وسيد أنبيائه ،سيدنا
محمد بن عبدهللا النبي العربي -صلى هللا عليه وسلم.»-
ً
مندهشا ولم يفهم ً
شيئا.. فتح الصبي عيناه على آخرهما
ً
محمدا إلى الناس ً
موضحا« :هذا كتاب اإلسالم ،اإلسالم الذي بعث هللا به شرح له أبوه األمر
كافة ..فظهر هناك ..وراء البحار والبوادي ..في الصحراء البعيدة القاحلة ..في مكة في قوم بداة،
مشركين ،جاهلين ،فهداهم به إلى التوحيد ،وأعطاهم به االتحاد ،والقوة ،والعلم والحضارة،
فخرجوا يفتحون به املشرق واملغرب ،حتى وصلوا إلى هذه الجزيرة ،إلى إسبانيا ،فعدلوا بين
الناس ،وأحسنوا إليهم ،وأمنوهم على أرواحهم وأموالهم ،ولبثوا فيها ثمانمئة سنة ..ثمانمئة
سنة ،جعلوها فيها أرقى وأجمل بالد الدنيا».
صمت األب للحظات ثم أضاف في فخر :نعم يا بني نحن العرب املسلمون..
446
لم يملك االبن لسانه من الدهشة والعجب والخوف ،وصاح:
ماذا؟ نحن؟ العرب املسلمون!
قال األب :نعم يا بني ..هذا هو السر الذي سأف�ضي به إليك.
صمت األب للحظات حاملا استجمع أنفاسه ثم استرسل في حديثه:
«نعم نحن ..نحن أصحاب هذه البالد ،نحن بنينا هذه القصور ،التي كانت لنا فصارت لعدونا،
نحن رفعنا هذه املآذن التي كان يرن فيها صوت املؤذن ،فصار يقرع فيها الناقوس ،نحن أنشأنا
هذه املساجد ،التي كان يقوم فيها املسلمون ًّ
صفا بين يدي هللا ،وأمامهم األئمة ،يتلون في املحاريب
كالم هللا ،فصارت كنائس يقوم فيها القساوسة والرهبان ،يرتلون فيها اإلنجيل .نعم يا بني ..نحن
العرب املسلمون ،لنا في كل بقعة من بقاع إسبانيا أثر ،وتحت كل شبر منها رفات جد من أجدادنا،
أو شهيد من شهدائنا .نعم ..نحن بنينا هذه املدن ،نحن أنشأنا هذه الجسور ،نحن مهدنا هذه
الطرق ،نحن شققنا هذه الترع ،نحن زرعنا هذه األشجار.
ولكن منذ أربعين سنة ..أسامع أنت؟ منذ أربعين سنة خدع امللك البائس أبو عبدهللا الصغير،
آخر ملوكنا في هذه الديار ،بوعود اإلسبان وعهودهم ،فسلمهم مفاتيح غرناطة ،وأباحهم
ً
شريدا وحيدا ً
فريدا، ً حمى أمته ،ومدافن أجداده ،وأخذ طريقه إلى بر املغرب ،ليموت هناك
ً
طريدا وكانوا قد تعهدوا لنا بالحرية والعدل واالستقالل ..فلما ملكوا خانوا عهودهم كلها،
ً
إجبارا ،وأخذ فأنشؤوا ديوان التفتيش ،فأدخلنا في النصرانية ً
قسرا ،وأجبرنا على ترك لغتنا
منا أوالدنا ،لينشئهم ،على النصرانية ،فذلك سر ما ترى من استخفائنا بالعبادة ،وحزننا على
ما نرى من امتهان ديننا ،وتكفير أوالدنا ..أربعون سنة يا بني ،ونحن صابرون على هذا العذاب،
الذي ال تحمله جالميد الصخر ،ننتظر فرج هللا ،ال نيأس ألن اليأس محرم في ديننا ،دين
القوة والصبر والجهاد».
أطنانا من الحديد وطلب من ابنه عدم البوح بالسر ألن ً ّ
تنهد األب كمن أنزل من على كتفه
حياته معلقة بشفتيه إن نطقتا بالسر الخطير ،ثم أبان له أنه ال يخ�شى املوت وال يكره لقاء هللا،
حيا ،ليعلمه لغة قومه وتعاليم دينه حتى ينقذه من ظلمات الكفر الحالكة إلى ولكنه يحب أن يبقى ًّ
نور اإليمان الشفيف ،ثم طلب منه بعد ذلك في حنو أن يذهب إلى فراشه.
منذ تلك الليلة صار بطل قصتنا ال يرى شرف الحمراء أو مآذن غرناطة حتى تعتريه هزة
عنيفة ،وتغمر فؤاده الكثير من املشاعر املتناقضة من شوق وحنين وحزن وبغض وحب ..بل
ً
معاتبا: كان ً
كثيرا ما كان يقف أمام الحمراء ويخاطبها
«أيتها الحمراء ..أيتها الحبيبة الهاجرة ،أنسيت ُبناتك ،وأصحابك الذين غزوك بأرواحهم
447
ومهجهم ،وسقوك دماءهم ودموعهم ،فتجاهلت عهدهم ،وأنكرت ودهم؟ أنسيت امللوك الصيد،
الذين كانوا يجولون في أبهائك ،ويتكئون على أساطينك ،ويفيضون عليك ،ما شئت من املجد
والجالل ،واألبهة والجمال ،أولئك األعزة الكرام ،الذين إن قالوا أصغت الدنيا ،وإن أمروا لبى
الدهر ..أألفت النواقيس بعد األذان؟ أرضيت بعد األئمة بالرهبان؟».
بعدها يخاف أن يسمعه بعض جواسيس الديوان ،فيسرع إلى أبيه ليحفظ الدروس العربية،
كما يتعلم منه القرآن الكريم وأساسيات العلوم اإلسالمية ،وبعدها يتوضأ ليصلي خلفه
خفية في غرفتهم السرية.
أنين ..وحنين!
فتقول له :إن عندك نبأ مما يعلمك ،فال تكتمه عني.
فيرد عليها :إنه ال يعلمني ً
شيئا.
عندما تعلم بطل قصتنا العربية ،وفهم القرآن ،وعرف قواعد الدينّ ،
عرفه أبوه بأخ له في
هللا ،فأصبحوا يجتمعون الثالثة على أداء العبادات وقراءة القرآن.
اشتدت بعد ذلك قسوة ديوان التفتيش ،وارتفعت وتيرة تنكيله بمن تبقى من العرب املسلمين،
محر ًقا بالنار ًّ
حيا بل ال ً
مصلوبا ،أو ّ ففي كل يوم كان بطل قصتنا يجزع لرؤية عشرين أو ثالثين
يكاد يم�ضي يوم دون أن يسمع فيه باملئات يعذبون بصورة وحشية حيث تقلع أظافرهم ،وتكوى
أرجلهم وجنوبهم بالنار ،بل تقطع أصابعهم وتشوى ثم توضع في أفواههم ،كما يجلدون حتى
يتناثر لحمهم على األرض.
ً
إحساسا ينتابه استمرت حمالت ديوان التفتيش الوحشية لفترة طويلة ..حينها ذكر له أبوه بأن
مفاده أن أجله قد دنا وأنه يهوى الشهادة ويتمنى حصوله عليها على أيدي هؤالء املتوحشين ،لعل
وراض عن نفسه ألنه أدىٍ هللا يرزقه الجنة ،فيتحقق له الفوز العظيم ..وصرح له بأنه مطمئن
األمانة الكبرى التي كان يعيش من أجلها واملتمثلة في إخراجه من ظلمة الكفر إلى نور اإليمان ،ثم
طلب منه أن يطيع ّ
عمه وال يخالفه في �شيء.
عمه بأن يذهب معه ،فقد ّ
يسر بعد مرور أيام على حديث أبيه ،وفي ليلة شديدة الظلمة ،أمره ّ
هللا لهم سبيل الفرار إلى عدوة املغرب بلد املسلمين فسأله الغالم عن أبيه وأمهّ ..
فشده عمه
ً ّ من يده ّ
مكرها وما أن ابتعدا بقوة وذكره بطلب أبيه :ألم يأمرك أبوك بطاعتي؟ ..م�ضى معه
448
عن املدينة وشملهم الظالم حتى أخبره العم بأن هللا كتب السعادة لوالديه املؤمنين على يد
ديوان التفتيش!!
ّ
ترحم الغالم على والديه ..وركب السفينة وهو يبكي..
وأخيرا نجح في الوصول مع ّ
عمه إلى ّبر األمان.. ً
1010اللولو ،هالة صالح الدين ()2005؛ كيف أسلمت :وثائق وشهادات مترجمة؛ دمشق :دار الفكر.
1111املدرس ،عالء الدين شمس الدين ()2009؛ القرآن يقوم وحده؛ بغداد :مكتبة أنوار دجلة.
ّ 1212
املقدم ،محمد بن أحمد بن إسماعيل ()2004؛ علو الهمة؛ اإلسكندرية :دار اإليمان.
1313امليورقي ،أبو ُم َّ
حمد عبد هللا الترجمان ()1988؛ تحفة األريب في الرد على أهل الصليب؛ بيروت:
دار البشائر اإلسالمية.
1414برير ،الصادق أحمد عبد الرحمن ()2010؛ عظماء أسلموا؛ الرياض :دار الحضارة للنشر والتوزيع.
1515بوسكين ،إدريس ()2013؛ أوروبا والهجرة :اإلسالم في أوروبا؛ عمان :دار الحامد للنشر والتوزيع.
أهم املصادر
1616جمعية النجاة الخيرية؛ سلسلة قصص مشاهير املهتدين ( :)17ريتشارد فيرلي كبير مفت�شي
فرقة مكافحة اإلرهاب.
1717جمعية النجاة الخيرية؛ سلسلة قصص مشاهير املهتدين ( :)20القسيس سيلي من كبار
املنصرين في جنوب إفريقيا.
1818جمعية النجاة الخيرية؛ سلسلة قصص مشاهير املهتدين ( :)21العالم البريطاني أرثر أليسون.
1919جمعية النجاة الخيرية؛ سلسلة قصص مشاهير املهتدين ( :)22روبرت كرين ..كبير مستشاري
الرئيس األمريكي األسبق نيكسون.
2020جمعية النجاة الخيرية؛ سلسلة قصص مشاهير املهتدين ( :)29أستاذ الصحافة األمريكية..
عبد هللا شليفر.
2121جمعية النجاة الخيرية؛ سلسلة قصص مشاهير املهتدين ( :)34رئيس األساقفة التنزاني
أبوبكر موايبيو.
2222جمعية النجاة الخيرية؛ سلسلة قصص مشاهير املهتدين (ّ :)36
املعمرة البلجيكية ماري جوسيت.
2323جمعية النجاة الخيرية؛ سلسلة قصص مشاهير املهتدين ( :)37املصورة األمريكية نيكول كوين.
2424جمعية النجاة الخيرية؛ سلسلة قصص مشاهير املهتدين ( :)43البرملاني الهولندي فان دورن.
2525عبد الرحمن ،أحمد ()2009؛ ملاذا أسلم هؤالء؟ القاهرة :مكتبة وهبة.
2626عبد الصمد ،محمد كامل ()1995؛ الجانب الخفي وراء إسالم هؤالء (ثالثة أجزاء)؛ القاهرة:
الدار املصرية اللبنانية للنشر.
2727عثمان ،محمد عثمان ()2004؛ َ
لم أسلم هؤالء األجانب؟ (ثالثة أجزاء)؛ سوريا :حلب :دار الرضوان.
2828علي ،محمد عبد العظيم ()2003؛ سر إسالم األمريكيات؛ مصر -املنصورة :دار املنارة.
2929فارس ،نايف منير ()2010؛ علماء ومشاهير أسلموا؛ الكويت :دار ابن حزم. 452
3030محمود ،عبد الرحمن ()2005؛ رحلة إيمانية مع رجال ونساء أسلموا؛ املكتبة اإلسالمية الشاملة.
معدي ،الحسيني الحسيني ()2009؛ اإلنجيل قادني إلى اإلسالم؛ دمشق :دار الكتاب العربي. ّ 3131
ِ
معدي ،الحسيني الحسيني ()2006؛ قساوسة ومبشرون ومنصرون وأحبار أسلموا؛ حلب: ّ 3232
ِ
دار الكتاب العربي.
3333النج ،جيفري ()2013؛ حتى املالئكة تسأل ..رحلة إلى اإلسالم في أمريكا؛ ترجمة منذر العب�سي؛
دمشق :دار الفكر.
3434النج ،جيفري ()2000؛ الصراع من أجل اإليمان ..انطباعات أمريكي اعتنق اإلسالم؛ ترجمة
منذر العب�سي؛ دمشق :دار الفكر.
3535ويلدز ،ماري ()1990؛ رحلتي من الكنيسة إلى املسجد ملاذا؟ مكتبة املهتدين اإلسالمية.
3636يحيى ،محمد ()1990؛ رحلتي من الكفر إلى اإليمان :قصة إسالم الكاتبة األمريكية مريم جميلة؛
القاهرة :دار املختار اإلسالمي.
ّ ً
ثالثا :الصحف واملجلت:
3737صحيفة االتحاد اإلماراتية ( 1يوليو )2005؛ فخ التنصير.
3838صحيفة االتحاد اإلماراتية ( 7يونيو )2016؛ عمالق كرة السلة الشهير :من "فرديناند" إلى
كريـم عبد الجبار.
3939صحيفة األنباء الكويتية ( 13أغسطس )2010؛ ملاذا أسلموا :الدكتورة آن صوفي.
4040صحيفة األنباء الكويتية ( 2أغسطس )2011؛ جريميا :قرأت ترجمة للقرآن فشعرت بأنه يخاطبني.
4141صحيفة األنباء الكويتية ( 12أغسطس )2010؛ ملاذا أسلموا :عاملة الذرة الدكتورة كريستين
جاك هيلين.
4242صحيفة البيان اإلماراتية ( 11يونيو )2016؛ كريم عبد الجبار :اإلسالم نقلني مـ ـ ــن العبودية إلى الحرية.
4343صحيفة البيان اإلماراتية ( 21إبريل )2013؛ أرناود فان دورن يصلي بالروضة ويذرف الدموع.
4444صحيفة الخليج اإلماراتية ( 19نوفمبر )2010؛ ملحق الدين للحياة :ملاذا أسلمنا؟
4545صحيفة الخليج اإلماراتية ( 5نوفمبر )2010؛ ملحق الدين للحياة :ملاذا أسلمنا؟
4646صحيفة الشرق األوسط اللندنية ( 8نوفمبر )2011؛ حوار مع جمال زكريا إبراهيم.
4747صحيفة الشرق األوسط اللندنية ( 13فبراير )2010؛ حوار مع الضابط البريطاني ريتشارد فيرلي.
4848صحيفة الشروق التونسية ( 15مارس )2013؛ قالوا عن اإلسالم :ميليما (.)1
453
4949صحيفة الشروق الجزائرية ( 2إبريل )2015؛ حوار مع جمال زكريا إبراهيم.
5050صحيفة عكاظ السعودية ( 21يناير )2000؛ قصة إسالم غريبة ًّ
جدا.
5151مجلة البيان؛ أديوجو ،مسعود النرواجو :من تجربتي مع النصرانية :اكتشفت تناقضاتها وزيفها؛
العدد /87إبريل .1995
5252مجلة الفيصل؛ الداعية أحمد عبدهللا كوبسيل :نداء الحق لباه في تونس؛ العدد /231السنة 1416هـ.
5353مجلة الفيصل؛ جاكلين فيمات :طفل أرشدها إلى هللا؛ العدد /216السنة 1415هـ.
5454مجلة املجتمع الكويتية ،العدد /1644صادر بتاريخ 4ديسمبر .2004
أهم املصادر
5555مجلة الفيصل؛ البارون عمر أهرينفلز رباط خفي جذبه إلى اإلسالم؛ العدد /222السنة 1415هـ.
5656مجلة الفيصل؛ داود كاون :عالقته باإلسالم بدأت بعشق لغة القرآن؛ العدد /257السنة 1418هـ.
5757مجلة رابطة العالم اإلسالمي ( 3فبراير )2016؛ الصحفية البريطانية إيفون ريدلي تروي قصة
اعتناقها اإلسالم.
ً
رابعا :املواقع اإللكترونية:
5858ابن علي ،أبو إسالم أحمد ( 1429هـ)؛ عادوا إلى الفطرة 70 :قصة حقيقية مؤثرة؛ مكتبة صيد
الفوائدhttp://www.saaid.net :
5959ابن علي ،أبو إسالم أحمد ( 28مارس )2012؛ ألم ولدقرقس ..القس املتعصب؛ موقع قصة
اإلسالمwww.islamstory.com :
6060أبو املجد ،عبد الرحمن ( 4مايو )2011؛ حوار مع الدكتور جيرالد إف ديركس؛ استرجع بتاريخ
15أغسطس 2017من موقع األلوكة (.)http://www.alukah.net
6161البروفيسور إدريس توفيق؛ الصفحة الرئيسية على فيسبوكwww.facebook.com/IdrisTawfiq :
6262الزيدي ،مثنى علوان؛ مقال بعنوان :نظرة املستشرقين للعقيدة اإلسالمية؛ استرجع بتاريخ 17
يوليو ،2017من موقع صيد الفوائدhttps://saaid.net :
6363السنو�سي ،محمد السنو�سي؛ مقال بعنوان :أخالق اإلسالم في نظر الغربيين؛ استرجع بتاريخ 27
إبريل 2017من موقع الوعي اإلسالميhttp://alwaei.gov.kw :
6464الطويل ،محمد ناصر ( 1نوفمبر )2012؛ الحاخام بوالت ..يتحول إلى داعية لإلسالم؛ موقع
قصة اإلسالمwww.islamstory.com :
6565املراكبي ،عبد الرحمن ( 5مايو )2013؛ حوار مع البروفيسور إدريس توفيق ورحلته من
الفاتيكان إلى األزهر؛ موقع شبكة األلوكةhttp://www.alukah.net :
454
6666املوسوعة الحرة (إبراهيم بوخاردت)https://ar.wikipedia.org/wiki :
6767املوسوعة الحرة (أبو عبد هللا محمد الثاني عشر)https://ar.wikipedia.org/wiki :
6868املوسوعة الحرة (أرنود فان دورن)https://ar.wikipedia.org/wiki :
6969املوسوعة الحرة (إيفون ردلي)https://ar.wikipedia.org/wiki :
7070املوسوعة الحرة (زكي عريبي)https://ar.wikipedia.org/wiki :
7171املوسوعة الحرة (كريم عبد الجبار)https://ar.wikipedia.org/wiki :
7272املوسوعة الحرة (محمد ألكسندر رسل وب)https://ar.wikipedia.org/wiki :
7373املوسوعة الحرة (محمد مارمادوك بكتال)https://ar.wikipedia.org/wiki :
7474املوسوعة الحرة (ناصر الدين دينيه)https://ar.wikipedia.org/wiki :
7575املوسوعة الحرة (يوسف إستس)https://ar.wikipedia.org/wiki :
7676املوسوعة الحرة (يوسف إسالم)https://ar.wikipedia.org/wiki :
7777املوقع الرسمي للشيخ يوسف إستسhttp://yusufestes.com :
7878املوقع الشخ�صي للشيخ يوسف إستسhttp://www.islamtomorrow.com :
7979املوقع الشخ�صي للصحفية إيفون ريدليhttp://www.yvonneridley.org :
8080بابكر ،مصعب الطيب؛ مقال بعنوان :طوفان التنصير هل يهدد هوية السودان؟ استرجع بتاريخ
29إبريل 2017 ،من موقع املكتبة الشاملةhttp://sh.bib-alex.net :
َّ
للعربية أرشدني لإلسالم؛ موقع اإلسالم اليوم: 8181بيرنز ،كريمة ( 21أكتوبر )2010؛ ّ
حبي
ِ
www.islamtoday.net
8282حياة أوسمان ( 27يونيو )2016؛ مقال بعنوان :قصة إسالم حياة كولينز من التثليث إلى
التوحيد؛ استرجع بتاريخ 30مارس 2017من موقع "نساء من أجل فلسطين":
http://www.womenfpal.com
8383ربى قعوار؛ الصفحة الرئيسية على فيسبوك:
www.facebook.com/Ruba.Qewar.Kawar
8484فتح هللا ،جمعة مهدي ( 21فبراير )2016؛ ملاذا أسلمنا؟ موقع شبكة األلوكة:
http://www.alukah.net
8585قاطرجي ،نهى؛ مقال بعنوان :رواد وعلماء اختاروا اإلسالم؛ استرجع بتاريخ 17يوليو ،2017من
موقع صيد الفوائدhttps://saaid.net :
455 8686لقاء خاص مع "مطاع بيل" في تلفزيون العربية بتاريخ 6فبراير .2017
8787لقاء خاص مع "مطاع بيل" في تلفزيون إم بي �سي بتاريخ 14يناير .2017
8888مادة صوتية بعنوان" :رحلة نيكول كوين من املسرح إلى الحكمة"؛ استرجعت بتاريخ 9أغسطس
،2017من موقعhttps://jameelvoice.wordpress.com :
8989مادة صوتية بعنوان" :قصةإسالم القس السابق إدريس توفيق"؛ بثتها قناة الرحمة
الفضائية ،واسترجعت بتاريخ 9أغسطس 2017من موقع اليوتيوب:
www.youtube.com/watch?v=s2fVKGmvuIs
9090مادة صوتية بعنوان" :قصة إسالم يوسف إستس ..الخروج من الظلمات إلى النور"؛ استرجعت
بتاريخ 10أغسطس ،2017من موقع طريق اإلسالمwww.islamway.net :
أهم املصادر
9191مادة صوتية بعنوان" :أسباب تسلل الصحفية البريطانية إيفون ريدلي ألفغانستان"؛ قناة
الجزيرة الفضائية :برنامج لقاء اليوم 21 ،نوفمبر 2001م.
9292مارك وارد (يوليو )2013؛ ما مدى انتشار املواقع اإلباحية على شبكة اإلنترنت؟ استرجع بتاريخ 9
سبتمبر 2016من موقع بي بي �سي العربي (.)http://www.bbc.com/arabic
9393ماهر الشيال ( 17ديسمبر )2016؛ "محمد مارمادوك ..مترجم القرآن ..املتيم بالشرق"؛ موقع
البديلhttps://elbadil.com :
9494مصطفى مهدي ( 17يناير )2017؛ مقال بعنوان" :قصة إسالم األخت حياة كولينز من التثليث إلى
التوحيد"؛ استرجع بتاريخ 30مارس 2017من موقع شبكة األلوكةhttp://www.alukah.net :
9595مقال بعنوان" :إسالم الكاتب األمريكي دونالدس روكويل"؛ استرجع بتاريخ 14أغسطس ،2017
من موقع املستجيبين لدعوة الحقhttp://toislam.canalblog.com :
9696مقال بعنوان" :األسقف األمريكي مصطفى موالني" ،استرجع بتاريخ 5أغسطس ،2017من
موقع قصة اإلسالمwww.islamstory.com :
9797مقال بعنوان" :الدعوة الفردية"؛ استرجع بتاريخ 13يوليو ،2017من موقعwww.forsanhaq.com :
9898مقال بعنوان" :إيفون ريدلي" ،استرجع بتاريخ 10أغسطس ،2017من موقع قصة اإلسالم:
https://islamstory.com
9999مقال بعنوان" :حكاية إسالم جندي أمريكي" ،استرجع بتاريخ 5أغسطس ،2017من منتديات
عالم الرومانسية http://forums.roro44.net
10100مقال بعنوان" :رواد وعلماء اختاروا اإلسالم"؛ استرجع بتاريخ 17يوليو ،2017من موقع ستار
تايمزwww.startimes.com :
10101مقال بعنوان" :سر انتشار اإلسالم"؛ استرجع بتاريخ 30يونيو ،2017من موقع طريق اإلسالم:
www.islamway.net 456
10102مقال بعنوان" :سلسلة عظماء أسلموا"؛ استرجع بتاريخ 21يونيو ،2017من موقع:
http://defense-arab.com
10103مقال بعنوان" :فطرة اإلسالم"؛ استرجع بتاريخ 9يوليو ،2017من موقعwww.ghrib.net :
10104مقال بعنوان" :قصة إسالم ميليتش ياكوف"؛ استرجع بتاريخ 8أغسطس ،2017من موقع:
www.islamhouse.com
10105مقال بعنوان" :قصة إسالم الدكتورة آن صوفي السويدية"؛ استرجع بتاريخ 8يوليو ،2017من
موقعhttp://aliorffi.blogspot.ae :
10106مقال بعنوان" :كبير مفت�شي فرقة مكافحة اإلرهاب البريطانية ..مسلم"؛ استرجع بتاريخ 16
يونيو ،2017من موقع قناة العربيةhttp://www.alarabiya.net :
10107مقال بعنوان" :مبشرات في زمن الوهن"؛ استرجع بتاريخ 11أغسطس ،2017من موقع طريق
اإلسالمwww.islamway.net :
10108مقال بعنوان" :من الظلمات إلى النور :قصة إسالم قس نصراني"؛ استرجع بتاريخ 10أغسطس
،2017من موقعhttp://forum.7ail.net :
10109مقال بعنوان" :منصرون وقساوسة شرح هللا صدورهم لإلسالم"؛ استرجع بتاريخ 3يونيو ،2017
www.fin3go.com :من موقع الشبكة النسائية العاملية
،2017 أغسطس7 استرجع بتاريخ،" رحلة تختصر حياة.. حياة األوت لو: "نابليون:مقال بعنوان11110
http://www.alukah.net :من موقع األلوكة
: في صفحة "أقالم سلفية" على الفيسبوك2016 إبريل16 منشور بتاريخ11111
www.facebook.com/aklamsalafya
ً القس بيشوي،مؤمن إبراهيم11112
:سابقا؛ الصفحة الرئيسية على فيسبوك
www.facebook.com/momen.ibrahi
15 )؛ القس بيشوي ملك يكشف سر إسالمه؛ استرجع بتاريخ2012 نوفمبر13( هشام عبد املنعم11113
.)www.islamstory.com( من موقع قصة اإلسالم2017 أغسطس
ً
: املصادر األجنبية:خامسا
114. Abdulaziz, Manal (02 Jul 2007). Stories of New Muslims: Idris Tawfiq, Catholic Priest, UK.
Retrieved August 10, 2017, from: www.islamreligion.com.
115. Al Khattab, Yousef (14 May 2007). Stories of New Muslims: Yousef al Khattab, Ex-Jew, USA.
Retrieved August 25, 2017, from: www.islamreligion.com.
457
116. A Muslim in the Family. BBC News. 1 May 2004
117. Bakkar, Ammar (16 Jan 2006). Stories of New Muslims: Jeffrey Lang, Professor of
Mathematics and Writer, USA. Retrieved August 10, 2017, from:
www.islamreligion.com.
118. British Muslim Heritage. Marmaduke Pickthall: a brief biography.
www.masud.co.uk
119. Burns, Karima (17 May 2010). Stories of New Muslims: Karima Burns, Ex-Christian,
USA. Retrieved August 10, 2017, from: www.islamreligion.com.
أهم املصادر
120. Carlo, Shariffa (19 Nov 2007). Stories of New Muslims: Shariffa Carlo, Ex-Christian,
USA. Retrieved August 10, 2017, from: www.islamreligion.com.
121. Estes, Yusuf (16 Jan 2006). Stories of New Muslims: Yusuf Estes, Former Christian and
Federal Prison Chaplain, USA. Retrieved August 10, 2017, from:
www.islamreligion.com.
122. Yvonne Ridley (2001); In the Hands of the Taliban; Robs
458
ضال يسعى إلى الهداية ..وإلى كل حزين يبحث عن السعادة ..وإلى كل تائه ّ
ضل طريق الحق.. إلى كل ّ
ٍ
وإلى كل غافل يعيش على معتقدات فاسدة ..في هذا الكتاب كل ما تبحثون عنه وأكثر..
مشوق ..شهادات صادقةيقدمها املؤلف بأسلوب أدبي ّ قصص واقعية لكنها أغرب من الخيالّ ،
من أناس عاشوا الكفر بكل ما فيه ..ثم أراد هللا الهداية لقلوبهم الحائرة فغمرها بنوره فأبصروا..
هذا الكتاب ليس مجرد سرد لقصص بعض املهتدين إلى دين الحق ،وإنما هو رصد أمين لنماذج
إنسانية رائعة أراد أصحابها أن ينقلوا للناس تجاربهم الشخصية في التفكير الواعي والبحث
فتجردوا من التعصب ملعتقداتهمّ ،
وحرروا عقولهم ّ العميق عن الحقيقة دون قيود أو حدود،
من أي مفاهيم سابقة أو أحكام مسبقة ،حتى ال يميلوا بأفكارهم في اتجاه معين ،ودرسوا العقائد
واألديان بحياد تام ومنهجية علمية ّ
حرة ،انتهت بهم إلى الحقيقة التي يبحثون عنها ،فتنازلوا عن
معتقداتهم الباطلة وأعلنوا إسالمهم هلل رب العاملين.
وإن األمر ليزداد أهمية وروعة وعظمة عندما يكون معظم هذه النماذج من علماء النصارى
459 والقسيسين واملبشرين ممن شنوا حمالت التضليل والتشكيك في دين اإلسالم ،وحملوا على
عواتقهم عبء الدعوة إلى النصرانية ،وبعد تفكير عميق ،ومراجعة واعية ملعتقداتهم ،توصلوا
إلى حقيقة أن الدين عند هللا هو اإلسالم ،الدين الحق الذي يروي ظمأ األسئلة الخالدة في حياة
اإلنسان :من أين أتيت؟ وملاذا أعيش؟ وإلى أين أذهب بعد املوت؟ هذه األسئلة الكبرى التي تسكن
في أعماق كل إنسان ،وال مفر من مواجهتها.
ولعل في اطالع غير املسلمين على هذه النماذج الصادقة ما ينبههم على ما ينبغي أن يكون عليه
ً ّ اإلنسان من صدق ّ
وتجرد وشجاعة وبعد نظر حينما يتجلى الحق ماثل بين يديه ..فكل كافر بدين
اإلسالم ال محالة سوف يندم غاية الندم لحظة موته ويوم القيامة حيث ال ينفعه الندم ..وإن دين
اإلسالم خيار وقت وليس خيار قبول أو رفض ..واإلنسان ّ
مخير بين أمرين :إما أن يؤمن ويسلم
وجهه هلل في هذه الدنيا اآلن ،وإما أن يؤمن عند الغرغرة في لحظة املوت وفي اآلخرة بعد فوات
األوان ..الكل سوف يؤمن باهلل وحده ودينه الحق ال شك في ذلك ..الخيار الحقيقي ،ليس بين أن
ّ
تؤمن وأل تؤمن ،الخيار متى تؤمن؟! والعاقل من يدرك نفسه اآلن قبل فوات األوان.