المرأة في المخيال الذكوري- قراءة في الهيمنة الذكورية لبيير بورديو

You might also like

Download as pdf or txt
Download as pdf or txt
You are on page 1of 9

‫المرأة في المخيال الذكوري‪.

‬‬
‫(قراءة في "الهيمنة الذكورية" لبيير بورديو)‪.‬‬

‫د‪ .‬آمال عالوشيش‬


‫جامعة الجزائر (‪)2‬‬

‫ملخص‪:‬‬
‫تشكل الهيمنة مفهوما ً محوريا ً في التحليل االجتماعي‪ ،‬هذا المقال هو قراءة تحاول تتبع‬
‫مختلف المعاني التي أخدها المفهوم من قبيل الطاعة والعبودية عند بيير بورديو من خالل‬
‫كتابه الموسوم‪ :‬الهيمنة الذكورية‪.‬‬
‫الكلمات المفتاحية‪ :‬الهيمنة ‪-‬علم االجتماع‪ -‬الطاعة‪ -‬العبودية‪...‬‬
‫‪Abstract :‬‬
‫‪Domination is a central concept of sociological analysis. So much so that a‬‬
‫‪sociology of domination has made it the master word of his explanations. This‬‬
‫‪article is a reading that traces the different acceptances of this concept such as‬‬
‫‪servitude and obedience in Pierre Bourdieu through his book entitled masculine‬‬
‫‪domination.‬‬
‫…‪Keywords: Domination- sociology- servitude- obedience‬‬

‫مقدمة‪:‬‬
‫الظواهر الّتي أثارت انتباهي منذ الطفولة حتّى قبل أن أفقه معنى للفروقات الجنسيّة‬ ‫من ّ‬
‫ي‬ ‫وما يترتّب عنها‪ ،‬تلك المعاملة المتميّزة الّتي كان يحظى بها الذّكر في محيطنا االجتماع ّ‬
‫استقر في وعيي‬‫ّ‬ ‫دونا ً عن األنثى‪ ،‬سواء في ذلك الطفل أو ّ‬
‫الرجل أعني البالغ‪ ،‬إلى درجة أن‬
‫ت ازداد‬ ‫ومتفوق بال منازع‪ ،‬وهو ذات الوعي الّذي ولّد تساؤال ٍ‬
‫ّ‬ ‫ٌ‬
‫ممتاز‬ ‫جنس‬
‫ٌ‬ ‫الطفولي ّ‬
‫أن الذكر‬
‫لتتحول إلى شبه معاناةٍ يومي ٍة تجلّت في ظواهر عديدةٍ كالعنف ضد المرأة‬ ‫ّ‬ ‫حجمها مع ّ‬
‫الزمن‬
‫بشتّى أشكاله‪ ،‬وتفضيل الذّكر على األنثى ومنحه مراكز ّ‬
‫الريادة وغيرها‪.‬‬
‫إنّه اإلطار العام الّذي ينصبّ فيه موضوع هذا المقال الّذي يندرج في ميدان النّقد‬
‫ي(‪ ،)sociocritique‬ويعدّ بذلك مجاالً واسعا ً ومتشعّبا ً ضمن الدّراسات السّوسيولوجية‪،‬‬ ‫االجتماع ّ‬
‫وسيعتمد باألساس على قراءةٍ متم ّعن ٍة لكتاب الهيمنة الذّكورية (‪ )Domination masculine‬لعالم‬
‫ي المعاصر بيير بورديو(‪ )1930-2002‬بما أحدثه من ثورةٍ رمزي ٍة في مجال‬ ‫االجتماع الفرنس ّ‬
‫العلوم االجتماعيّة‪ .‬هذا األخير الّذي يقوم مؤلّفه على أطروح ٍة أساسي ٍة يمكننا إجمالها فيما‬
‫صية كونية متجذّرة في الوعي األفراد ذكوراً كانوا أو إناثاً‪،‬‬ ‫إن ال ّهيمنة الذّكورية خا ّ‬ ‫يلي‪ّ :‬‬
‫وبالرغم من أنّها ال تعلن عن نفسها باعتبارها معطى طبيعيا ً فإ ّنها تظ ّل في األصل بنا ًء‬ ‫ّ‬
‫آن معا ً تعيد مجموعة من المؤسّسات إنتاجه وتكريسه‪.‬‬ ‫تاريخيا ً واجتماعيا ً وثقافيا ً في ٍ‬
‫عرض‪:‬‬
‫يبدأ بورديو كتابه بنظرية "مفارقة المعتقد" (‪ ،)paradoxe de la doxa‬والمعتقد عند بورديو‬
‫أن "العالم أو نظام‬ ‫الرأي السّائد والمشترك الّذي يخفي حقيقة األشياء والوقائع‪ ،‬ومفاده ّ‬ ‫هو ّ‬

‫‪1‬‬
‫ّ‬
‫وكأن ك ّل‬ ‫الكون بمختلف تناقضات أو انتهاكاته وانقالباته وجنوحاته يعدّ مقبوالً ومحترما ً‬
‫شيءٍ فيه مقبول كما هو المحالة‪ ،1"...‬وال يمكن عدّه مصدراً للمعرفة العملية بقدر ما هو‬
‫كبير من‬ ‫ٍ‬ ‫الرأي للممارسات السّائدة وهو بذلك يقترب بشك ٍل‬ ‫شرعنة ال واعية في مستوى ّ‬
‫فإن ح ّل إشكالية الهيمنة الذكورية‬ ‫مفهوم العائق اإلبستمولوجي بالمفهوم الباشالري‪ ،‬ولذلك ّ‬
‫مبررا ً عمليا ً ألن‬
‫هو في إرجاع المعتقد إلى سمته المفارقة (‪ )paradoxal‬بأن يثبت أنّه ليس ّ‬
‫ليبرر هيمنته‪ ،‬وكذلك من‬ ‫الطرف المهيمن ّ‬ ‫يحدث ما يحدث‪ ،‬إنّما هو – المعتقد‪ -‬من صنيع ّ‬
‫تحول التّاريخ إلى "طبيعة" وتحويل‬ ‫ّ‬ ‫صيرورات التّاريخية المسئولة عن‬ ‫خالل تفكيك ال ّ‬
‫االعتباطيّة الثّقافية بأن تكون طبيعية‪.‬‬
‫في هذا السّياق يعتمد المؤلّف أداتين منهجيتن أساسيتين في نظرنا هما‪ :‬أوالً‪ :‬المالحظة‬
‫بالمشاركة (‪ )observation participative‬باعتبار معايشته للمجتمع القبايلي بالجزائر من خالل‬
‫دراس ٍة إثنوغرافية (‪ )étude éthnographique‬له في السّنوات ‪ 1958‬و‪.1964‬وثانياً‪ :‬تحليل‬
‫المحتوى(‪ )analyse du contenu‬باالعتماد على مضمون رواية فرجينيا وولف ‪Virginia‬‬
‫‪ 2)1941-1882(Woolf‬الموسومة‪ ،la promenade au phare)1927( :‬كما أنّنا سوف نعتمد‬
‫صورة المض ّخمة‪،‬‬ ‫الخطوات التّالية بحسب فصول كتابه الثالثة‪ :‬الهيمنة الذكورية‪ ،‬وهي‪ :‬ال ّ‬
‫الثّوابت المخفية‪ ،‬أوجه الدّوام والتّغير‪.‬‬
‫‪-‬أوالً‪ :‬الجسد باعتباره موضعا ً لفرض الهيمنة‪.‬‬
‫الرجل‬‫تشترك مجتمعات البحر األبيض المتوسّط في النّظرة إلى الجنسين‪ ،‬جاعلةً من ّ‬
‫ص ٍة في مجتمع برير القبائل الجزائري حيث تبلغ درجاتها وأشكالها‬ ‫مركز ك ّل شيءٍ بخا ّ‬
‫القصوى‪ ،‬وذلك عبر ما يس ّميه بورديو بالنظرة الفالونرجسية (‪)phallonarcissique‬أو‬
‫األندرومركزية (‪3)androcentrique‬حيث يعمل هذا المجتمع التّقليدي المحافظ والمتماسك على‬
‫الطبيعة واألصل‪ ،‬وهو في نظر بورديو‬ ‫المحافظة على الهيمنة الذّكورية وتعزيزها باعتبارها ّ‬
‫يش ّكل نموذجا ً للتّقليد الثّقافي المتوسّطي‪ ،4‬حيث تتقاسم هذه المجتمعات تلك النّظرة وإن‬
‫صورة المثلى أي الهيمنة في صورتها‬ ‫أن المجتمع القبائلي يعكس ال ّ‬ ‫اختلفت في درجاتها‪ ،‬إالّ ّ‬
‫أن هذا النّظام الّذي يبدو لهم طبيعيا ً هو في واقع األمر‬ ‫المثلى‪ ،‬ويرى بورديو في مقاربته له ّ‬
‫ي يعمل على تأسيس وكذا المحافظة على الهيمنة الذكورية‪ ،‬لتقي‬ ‫وفي األصل بناء اجتماع ّ‬
‫إن قوة النّظام الذّكوري تتراءى‬ ‫شر التّشكيك والمساءلة‪ .‬وفي هذا السّياق يقول‪ّ ":‬‬ ‫نفسها بذلك ّ‬
‫الرؤية مركزية الذكورة تفرض نفسها كأنّها محايدة‪،‬‬ ‫أن ّ‬‫فيه أمراً يستغني عن التّبرير‪ ،‬ذلك ّ‬
‫ب تهدف إلى شرعنتها‪ ،‬والنّظام االجتماعي‬ ‫وإنّها ليسن بحاج ٍة إلى أن تعلن عن نفسها في خط ٍ‬
‫يشتغل باعتباره آلة رمزية هائلة تصبو إلى المصادقة على الهيمنة الذكورية الّتي يتأسّس‬
‫أن هناك مؤسّسات وإن كانت ال تعلن عن نفسها بشك ٍل صريح هي‬ ‫عليها‪ ،5"...‬ومعنى ذلك ّ‬
‫الّتي تعمل على تكريس هذا التّمييز والهيمنة ويضرب بورديو مثاالً بالعائلة والمدرسة‬
‫صحافة‪.6‬‬ ‫والكنيسة والدولة وال ّ‬
‫بعد ذلك ينتقل إلى مقاربة الجسد الّتي تعكس الهيمنة ذاتها من خالل االختالفات‬
‫الفيزيولوجيّة المالحظة بين الجنسين‪ ،‬لتوضع بعدها تصنيفات تعسّفية مجحفة توسّع الفوارق‬
‫بين الذّكور واإلناث‪ ،‬وتتجلّى في نوعٍ من الهرمية أو التّراتبية (‪ )hiérarchie‬الّتي تعتمد‬
‫ي أي الحسّي بك ّل‬ ‫وتفوق الذّكر عليها‪ ،‬وذلك من خالل ارتباطها الجسد ّ‬ ‫اإلقرار بدونية األنثى ّ‬
‫ي (‪ )négatif‬على عكسه هو‪ ،‬ويخضع الجسد بذلك إلى نوعٍ من التّرويض ليكتسب‬ ‫ما هو سلب ّ‬
‫هوية جنسية باعتباره المنطقة األبرز للفروقات الجنسية وهو ما يظهر بجالءٍ من خالل‬
‫‪2‬‬
‫(جاف‪-‬رطب)‪،‬‬ ‫ّ‬ ‫مقوس)‪،‬‬ ‫الثّنائيات‪( :‬أعلى‪-‬أسفل)‪( ،‬أمام‪-‬وراء)‪( ،‬يمين‪-‬شمال)‪( ،‬مستقيم‪ّ -‬‬
‫(صلب‪-‬رخو)‪( ،‬صعود‪-‬نزول)‪( ،‬خارج‪-‬داخل)‪ ...‬وغيرها‪.7‬وعلى هذا األساس يت ّم تقسيم‬
‫للرجال والمنزل للنّساء‪ ،‬الموقد‬ ‫والزمن واألدوات (السّوق ّ‬ ‫ّ‬ ‫النّشاط أي العمل‪ ،‬والمكان‬
‫والزربية‪ ،‬فترة الحمل الطويلة والسّنة الزراعيّة) ‪.‬‬
‫‪8‬‬ ‫ّ‬
‫أن الجسد حسب بورديو يخضع لنوعٍ من التّرويض حتّى يكتسب في نهاية‬ ‫يتّضح م ّما تقدّم ّ‬
‫المطاف هويّة جنسيّة‪ ،‬فيكون الجسد بذلك بنا ًء اجتماعيا ً مهيكالً ناتجا ً عن تنشئ ٍة اجتماعيّة‬
‫لألول‪ ،‬وهو ما‬ ‫تنعكس بدورها على الحياة الجنسيّة للرجل والمرأة لتكون األه ّمية والهيمنة ّ‬
‫إن الجسد بوصفه يعبّر‬ ‫يظهر في الوضعية الجنسية أثناء الممارسة ذاتها (وضع الفوقية)‪ ،‬بل ّ‬
‫خاص االختالف‬ ‫ّ‬ ‫ت بيولوجية بين الجنسين‪ ،‬وبشك ٍل‬ ‫يقرر من اختالفا ٍ‬ ‫عن حقيق ٍة بيولوجي ٍة وبما ّ‬
‫ّ‬
‫التّشريحي بين األعضاء التّناسلية "يبدو وكأنّه التّبرير الطبيعي لالختالف المبني اجتماعيا ً‬
‫بين النّوعين (‪.9")genres‬‬
‫جذور عند الفالسفة عموما ً ولدى أرسطو(‪ )384-322‬ق‪.‬م الفيلسوف اليوناني‬ ‫ٌ‬ ‫هذه الفكرة لها‬
‫الرجل عليها وبالتّالي تسلّطه وانقيادها واعتبر‬ ‫وتفوق ّ‬‫أقر بانحطاط المرأة ّ‬ ‫خاص‪ ،‬حيث ّ‬ ‫ّ‬ ‫بشك ٍل‬
‫ي أنّها نظرة أنطولوجيّة دونيّة خالصة‪ ،‬فالمرأة في اعتقاده هي‬ ‫ذلك فرقا ً طبيعيا ً ‪ ،‬ومن الجل ّ‬
‫‪10‬‬

‫ألن األصل في تكوين المولود هو النّطفة أي الحيوان المنوي أو‬ ‫ب مستقب ٍل‪ّ ،‬‬ ‫مجرد وعاء سال ٍ‬ ‫ّ‬
‫ّ‬
‫شكل دون المضمون من خالل ما توفره له من مادّةٍ‬ ‫الرجل‪ ،‬فال تمنحه األنثى سوى ال ّ‬ ‫بذرة ّ‬
‫غذائيةٍ‪.‬‬
‫الرجل كالسيّد من العبد بل وأقّل‪ ،‬فهي ناقصة وتقف‬ ‫إنّها –المرأة‪ -‬كما يضيف أرسطو من ّ‬
‫مكان لها هو‬ ‫ٍ‬ ‫في أدنى المراتب حيث تقترب من الطفل أو الغالم وكذلك الحيوان‪ ،‬وأفضل‬
‫شؤون‬ ‫الحياة البيتية الهادئة الّتي تملك من خاللها السّيادة المنزليّة‪،‬بينما يتح ّكم الرجل في ال ّ‬
‫الخارجيّة وكذلك في شؤونها‪ ،‬والمعنى زيادة الفوارق بينهما‪.‬‬
‫ألن جنس الذّكور‬ ‫مجرد االنقياد أي الطاعة لقيادة رج ٍل أي ذكر‪ّ ،‬‬ ‫ّ‬ ‫إن شجاعتها إنّما تكمن في‬ ‫ّ‬
‫فالرجل يتمتّع بنسبة‬ ‫للرئاسة من جنس اإلناث ما لم يكن التّركيب مخالفا ً للطبيعة‪ّ ،11‬‬ ‫أصلح ّ‬
‫ذكاءٍ أعلى وعالقته بأنثاه هي عالقة تبعيّة (‪ )subordination‬شبيهة بعالقاته بخدمه وأنعامه أي‬
‫تزوده باليد العاملة أي بالجهد العضلي الّذي يستنكف عن‬ ‫حيواناته المنزليّة الّتي يملك والّتي ّ‬
‫بالطبيعة من هو مؤ ّه ٌل‬ ‫ّ‬ ‫أن منَ النّاس‬‫ي من ّ‬ ‫بذله‪ ،‬وبذلك يظ ّل أرسطو وفيّا ً لمنطلقه الفلسف ّ‬
‫أن المرأة‬ ‫شك فيه ّ‬ ‫والطاعة‪ ،‬وم ّما ال ّ‬ ‫ّ‬ ‫للسّيادة أو القيادة‪ ،‬بينما البعض اآلخر مؤ ّه ٌل للعبوديّة‬
‫الرأي الّذي سينحدر إلى المسيحيين في العصر الوسيط‪ ،‬ورأي‬ ‫صنف الثّاني وهو ّ‬ ‫تنتمي لل ّ‬
‫شبيه سنجده عند الفالسفة أمثال جون جاك روسو(‪ )1712-1788‬وفردريك نيتشه (‪-1844‬‬
‫‪.)1900‬‬
‫الرجل والمرأة على حدّ‬ ‫أن المجتمع ينتج ّ‬ ‫إذن يمكننا أن نستخلص م ّما تقدّم مع بورديو ّ‬
‫سواء ويضع لك ّل منهما الحدود الّتي يسير بداخلها وال يتعدّاها‪ ،‬من خالل االمتثال لجمل ٍة من‬
‫صراع والمنافسة لينتزع‬ ‫فالرجل عليه أن يتميّز بالفحولة (‪ )virilté‬وال ّ‬ ‫األفعال والسّلوكيات‪ّ ،‬‬
‫تتحول إلى شريكٍ في‬ ‫ّ‬ ‫االعتراف‪ ،‬بينما المرأة فعليها الخنوع والخضوع‪ ،‬وبذلك فهي‬
‫المحافظة على هذه الهيمنة وإعادة إنتاجها‪ .‬إنّها تستدمج بطريق ٍة غير واعي ٍة من خالل التّنشئة‬
‫ي على‬ ‫االجتماعيّة الّتي تعمل على ترويض جسدها وانفعاالتها حيث يعمل النظام االجتماع ّ‬
‫فرض وترسيخ االستعدادات لديها‪ ،‬ولع ّل هذا ما يبدو وبجالءٍ في التّقسيم الجنسي للعمل‪،‬‬
‫فللرجل توكل مه ّمات الذّبح والزرع والحصاد‪ ،‬وللنّساء مه ّمات رعاية األطفال والحيوان‬ ‫ّ‬
‫‪3‬‬
‫الرجل بينما يقوم هو على إسقاط حبّاته‬ ‫ونقل سمادها والتقاط الزيتون أثناء القطاف عند قدمي ّ‬
‫بواسطة عصا‪ ،‬وهو سلوكٌ ذو دالل ٍة رمزي ٍة على الهيمنة الذكورية ‪.‬‬
‫‪12‬‬

‫ويكون لديها انتقاصأ ذاتيا ً أي "هوية‬ ‫ّ‬ ‫إن هذا التّرويض للجسد يخلق مهي َمنا ً عليه هو المرأة‬ ‫ّ‬
‫منتقصة" وهو ما يجعلها تريد االرتباط برج ٍل أقصر منها أو أصغر منها سنّاً‪ ،‬ولإلشارة‬ ‫‪13‬‬

‫فإن بورديو في دراسته لعادات وسلوكيات س ّكان منطقة القبائل بالجزائر يحدّد بعض مظاهر‬ ‫ّ‬
‫التّمييز االجتماعي غير الجنسيّة‪ ،‬كأن يوضع المولود الذّكر على يمين أ ّمه لتوضع بينهما‬
‫ين كب ٍير أو واحد ٍة من حجارة المنزل‪ ،‬بينما توضع األنثى على‬ ‫أغراض ذكورية بامتياز كس ّك ٍ‬
‫يسارها‪ .‬وال يتوقف فعل التّرجيل (‪ )virilisation‬أي تجريدهم من ك ّل ما هو أنثوي عند هذا‬
‫شعر عالمة أنثوية‪ -‬يقوم به‬ ‫للمرة األولى – علما ً ّ‬
‫أن ال ّ‬ ‫قص شعر الطفل ّ‬ ‫الحدّ‪ ،‬بل يتعدّاه إلى ّ‬
‫للرجال‪ -‬يلبّس‬‫األب‪ ،‬وفي ّأول دخو ٍل له إلى السّوق بين السّادسة والعاشرة ‪ -‬والسّوق مكان ّ‬
‫حرير ويتلقى خنجرا ً وقفالً ومرآةً‪ ،‬بينما‬ ‫ٍ‬ ‫زام من‬
‫الطفل الجديد ويغطى كما يقول بورديو بح ٍ‬
‫تضع أمه بيضةً في طاقية البرنس الّتي يتو ّجب عليها كسرها عند مدخل السّوق ويقوم بفتح‬
‫لفض البكار‪ ،‬ويعمل األب إلى إرشاده‬ ‫ّ‬ ‫القفل‪ ،‬وهي في حقيقة األمر تعبّر عن أفعا ٍل رجوليّة‬
‫الرجال اآلخرين‪ ،‬وفي طريق العودة‬ ‫ي‪ ،‬ويقدّمه إلى ّ‬ ‫ي حصر ّ‬ ‫في السّوق الّذي هو عال ٌم ذكور ّ‬
‫شرف (‪.14)nif‬‬ ‫ي‪ ،‬بسبب قرونه‪ ،‬ويرتبط بال ّ‬ ‫يقومان بشراء رأس عج ٍل‪ ،‬وهو ٌ‬
‫رمز قضيب ّ‬
‫ص ٍة على جسدها‬ ‫أ ّما عن عملية تطبيع األنثى وتأنيثها فيتل ّخص في فرض حدو ٍد عليها وبخا ّ‬
‫ت دائم ٍة من اإلمساك‬ ‫صل في شكل حاال ٍ‬ ‫وحركاتها من أجل منحها هويّة أنثوية‪ ،‬وهي تتأ ّ‬
‫ومحرم‪ ..‬وهكذا تتعلّم المرأة القبائلية الشابّة المبادئ‬ ‫ّ‬ ‫أن الجسد مقدّس‬ ‫بالجسد والتّمالك‪ ،‬بما ّ‬
‫لفن العيش أنثوياً‪ ،‬وللهيئة الحسنة جسديا ً وأخالقياً‪ ،‬وتعلّم اختيار لباسها باختالف‬ ‫الجوهريّة ّ‬
‫وضعياتها أو حاالتها المتعاقبة‪ :‬طفلة صغيرة‪ ،‬وعذراء بالغة‪ ،‬وزوجة وربّة عائلة وأن تكسب‬
‫وتحرك أو تتبث هذا‬ ‫ّ‬ ‫الطاعة العلنية كيف تربط شعرها‬ ‫شيئا ً فشيئا ً بالمحاكاة الالّواعية أو ّ‬
‫الجزء أو ذاك من جسدها في السّر أو عرض الوجه أو تصويب النّظر على حدّ سواء‪.15‬‬
‫ي وترجمته في مفاهيم االنحدار والتذلّل‬ ‫إنّها التّربية الّتي تسعى إلى إظهار الخضوع األنثو ّ‬
‫المقوسة المتحفّظة‪ ،‬بينما وضعية االسترخاء –‬ ‫ّ‬ ‫والطأطأة واالمتثال والوداعة والوضعيات‬
‫للرجل ألنّها تعبّر عن الثّقة‬ ‫الرجلين على المكتب‪ ،‬التّأرجح على المقعد‪ -..‬فهي ّ‬ ‫وضع ّ‬
‫أن استعماالت الجسد األنثوي كما هو في الدّعاية‬ ‫والسّلطة‪ ،‬وفي السّياق ذاته يؤ ّكد بورديو ّ‬
‫نظر ذكوريّة‪ .16‬إنّه وض ٌع يتّسم بنوعٍ من العنف النّاعم‬ ‫اليوم إنّما هو تاب ٌع بوضوحٍ لوجهة ٍ‬
‫الّذي تخلقه ذهنية الحكم السّلبي المسبق ضدّ المؤنّث‪ ،‬والّذي تدعّمه النّساء وتؤ ّكدنه بفعل‬
‫التّربية والتّطبيع‪.‬‬
‫الرمزي أو العنف النّاعم الالّمحسوس‪.‬‬ ‫‪-‬ثانياً‪ :‬العنف ّ‬
‫ويش ّكل قضيّةً محوريّة في أعمال بورديو‪ ،‬وهو "يتمأسس بواسطة االنتساب الّذي ال يستطيع‬
‫للمهيمن‪ ،‬وذلك عندما ال يحظى المهي َمن عليه –ألجل التّفكير بذلك‪ ،‬أو‬ ‫ِ‬ ‫المهي َمن عليه إالّ منحه‬
‫يمن‪ -‬إالّ بأدوات المعرفة المشتركة‬ ‫التّفكير بنفسه‪ ،‬أو خيرا ً من ذلك التّفكير بعالقته مع المه ِ‬
‫شكل المستدمج لعالقة الهيمنة الّتي تظهر هذه العالقة على أنّها‬ ‫بينهما‪ ،‬والّتي ليست سوى ال ّ‬
‫ي تسلّم بتبعيتها‬ ‫أن المرأة من دون أن تشعر ولكن بشك ٍل طوع ّ‬ ‫طبيعيّة‪ ،17"..‬ومعنى ذلك ّ‬
‫للرجل األطول واألكبر سنّا ً كما سبقت اإلشارة إلى ذلك‪ ،‬وبهيمنته‪ ،‬هذا االستعداد الّذي في‬ ‫ّ‬
‫النّساء ما هو في واقع األمر إالّ نتيجة ذلك الحكم السّلبي المسبق ضدّ ك ّل ما هو مؤنّث‬
‫والمؤسّس في نظام األشياء ذاتها‪.‬‬
‫‪4‬‬
‫الرمزية كما يضيف بورديو هي أوالً شك ٌل للسّلطة تمارس على األجساد مباشرةً‬ ‫هذه القوة ّ‬
‫خارج ك ّل إكرا ٍه جسدي‪ ..‬فتعمل على إثارة االستعدادات الّتي أودعها عمل التّلقين واالستدماج‬
‫المحركات‬
‫ّ‬ ‫في الّذي أو اللّواتي‪ ،‬بفعل ذلك منحوه قوة‪ ،18"...‬واالستعدادات هنا تقوم بعمل‬
‫الرجال والنّساء على حدّ سواء مع مراعاة‬ ‫ي يستهدف ضبط ّ‬ ‫وبالتّالي فإن النّظام االجتماع ّ‬
‫التّفاوت في مستوى الضّبط بينهما‪.‬‬
‫إن "أفعال المعرفة" هذه تشير ال محالة إلى أن المهي َمن عليهم يساهمون من دون علمهم‬ ‫ّ‬
‫غالباً‪ ،‬وضدّ مشيئتهم أحياناً‪ ،‬في تمرير الهيمنة عليهم عبر قبولهم الضّمني بالحدود‬
‫المفروضة (عيب‪ ،‬خجل‪ ،‬قلق أو حبّ ‪ ،‬إعجاب‪ ،19)..‬هذه األخيرة قد تتّخذ لها مظهرا ً‬
‫فيزيولوجيا ً فاضحا ً كاالحمرار والتّلعثم واالرتجاف‪ ،‬وهي في حقيقة األمر أساليب للخضوع‬
‫تصدر عن المهي َمن عليه رغما ً عنه‪ ،‬وتبرز بجالءٍ ذلك االنشطار الدّاخلي الّذي يصيب األنا‬
‫إن العنف‬ ‫الرقابة االجتماعيّة‪ّ .20‬‬ ‫في صراعها بين توجيهات الوعي واإلرادة وما تفرضه ّ‬
‫صل في األجساد على شكل استعدادات‪.‬‬ ‫الرمزي يتأ ّ‬ ‫ّ‬
‫يتحول المهي َمن عليه‬ ‫ّ‬ ‫كرسه هذا األسلوب الماكر في فرض الهيمنة بحيث‬ ‫ّ‬
‫هذا الوضع الذي ّ‬
‫ذاته إلى أداةٍ لتكريسها‪ ،‬يجعل المرأة تلجأ إلى ممارسة اإلقصاء الذاتي بدالً عن اإلقصاء‬
‫الحريات كالتّعليم أو غيرهن وهو ما يتجلّى لديها في رهاب‬ ‫ّ‬ ‫صريح في حال منحت بعض‬ ‫ال ّ‬
‫الرجال‪ ،‬وهو ما‬ ‫األمكنة أو الفضاءات المفتوحة أو العموميّة الّتي هي في األصل حكراً على ّ‬
‫الرمزية أن تمارس من دون مساهمة‬ ‫يدعوه بورديو "رهاب األمكنة"‪ .21‬ال يمكن لهذه السّلطة ّ‬
‫مخرج من هذا الوضع‬ ‫ٍ‬ ‫فإن لنا أن نتساءل‪ :‬هل للنّساء من‬ ‫أولئك الّذين تصيبهم‪ ،‬ولهذا ّ‬
‫الطوعي الّذي اندمجن فيه؟‬ ‫االضطهادي وشبه ّ‬
‫إن الثّورة الّتي حاولت الحركة النّسائية القيام بها عبر المناداة بتحرير الضّمائر واإلرادات‪،‬‬ ‫ّ‬
‫شروط‬ ‫ي لتلك ال ّ‬ ‫تغيير وتحوي ٍل جذر ّ‬ ‫ٍ‬ ‫ال يكفي فيه الجهد التّنويري بقدر ما يحتاج إلى‬
‫االجتماع ّية الّتي تنتج االستعدادات لدى الم َهي َمن عليهم‪ ،22‬والمقصود أنّه من الضّروري‬
‫الرمزي الّذي تعامل فيه النّساء‬ ‫ص ٍة ما يس ّميه بورديو سوق المتاع ّ‬ ‫تحويل البنى بخا ّ‬
‫كأشياء(‪.23)objets‬‬
‫أن مبدأ الدّونية واالستبعاد الممارس على المرأة والّذي تغذّيه تلك‬ ‫يتبيّن م ّما تقدّم ّ‬
‫الزواج‪ ،‬حيث تظهر المرأة‬ ‫وبوضوح في مؤسّسة ّ‬
‫ٍ‬ ‫الطقوسية‪ ،‬من شأنه أن يتجلّى‬ ‫الممارسات ّ‬
‫ي يت ّم تبادله‬ ‫الرجل وتختزل مكانتها بذلك إلى رأسما ٍل رمز ّ‬ ‫باعتبارها شيئا ً أي رمزا ً يمسك به ّ‬
‫ّ‬
‫بارهن‬ ‫ومقايضته ربّما بما أنّها سلعة متبادلة‪ ،‬ومنه فداخل اقتصاد الممتلكات الرمزية يت ّم اعت‬
‫شرف والسّلطة‪ ،‬بل‬ ‫ت للتّواصل بين القبائل وطريقة يكسب بها ّ‬
‫الرجال ال ّ‬ ‫ت للتّبادل وقنوا ٍ‬ ‫هبا ٍ‬
‫ي‬
‫ت من شأنها أن تنتج تحالفاتٍ‪ ..‬أي رأسما ٍل اجتماع ّ‬ ‫قد " توظف بعض النّساء في مبادال ٍ‬ ‫ّ‬
‫ي"‪.24‬‬‫ورمز ّ‬
‫الرجل ليس طرفا ً مستفيداً دائماً‪ ،‬بل‬ ‫أن ّ‬ ‫في هذا السّياق تجدر اإلشارة إلى نقط ٍة مه ّم ٍة وهي ّ‬
‫الرجال هم أيضا ً سجناء وضحايا بتكتّم للتمثّل المهيمن‪ ..‬فممارسة الهيمنة ليست مس ّجلة‬ ‫"إن ّ‬ ‫ّ‬
‫والرجولة بهذا المعنى‬ ‫ي طويل‪ّ ، "..‬‬
‫‪25‬‬
‫تطبيع اجتماع ّ‬
‫ٍ‬ ‫في طبيع ٍة ما‪ ،‬ويتو ّجب بناؤها عبر عمل‬
‫فالرجولة المتّفق على أنّها قدرة معيدة لإلنتاج‪ :‬جنسيّة‬ ‫ّ‬ ‫القوة والعنف أيضاً‪.."،‬‬ ‫ترادف ّ‬
‫صراع وممارسة العنف (في الثّأر تحديداً)‪،26"..‬‬ ‫واجتماعيّة‪ ،‬لكن أيضا ً على أنّها قابلة لل ّ‬
‫الرجل هو‬ ‫ي يمكن خسارته والدّفاع عنه (عذرية وإخالص)‪ ،‬بينما شرف ّ‬ ‫فشرف المرأة سلب ّ‬
‫أن‬ ‫نستشف ّ‬
‫ّ‬ ‫في البحث عن المجد والتميّز في المجال العا ّم‪ ،‬ومن هذا التّصيف يمكن أن‬
‫‪5‬‬
‫الرجولة كما نرى‬ ‫إن ّ‬ ‫صدد يقول بورديو‪ّ ":‬‬ ‫االمتياز الذّكوري قد يكون ف ًّخا أيضاً‪ .‬في هذ ال ّ‬
‫الرجال اآلخرين ومن أجلهم‪ ،‬وضدّ األنوثة‪ ،‬على شكل‬ ‫مقولة عالئقية للغاية‪ ،‬شيّدت قبالة ّ‬
‫خوفٍ من المؤنّث‪ ،‬وداخل النّفس ذاتها"‪.27‬‬
‫‪-‬ثالثاً‪ :‬الذّكورة بوصفها نبًالة‪.‬‬
‫ينظر النّظام االجتماعي للذّكورة على أنّها نبالةٌ وشرف وهو ما يالحظ بجالءٍ في التّراتب‬
‫المراعى في إسناد مناصب العمل‪ ،‬وذلك بسبب منطق المعيار المزدوج‪ ،28‬هذا األخير الّذي‬
‫شطة والسّكرتيرة‬ ‫بمقتضاه توكل إلى المرأة أعماالً سفلية أو دنيا من قبيل عمل المضيفة والمن ّ‬
‫والممرضة‪ ،‬أي أنّها في حياتها المهنيّة تو ّجه نحو وظائف تكون فيها بمنزلة التّابع‪ ،‬بينما‬ ‫ّ‬
‫إن المه ّمات ذاتها‬ ‫الطبيب والمدير‪ ،‬بل " ّ‬ ‫الرجال المناصب القيادية والتّوجيهية‪ ،‬فهو ّ‬ ‫يحت ّل ّ‬
‫الرجال تكون نبيلة وصعبة في حين هي تافهة‪ ،‬ال معنى لها وسهلة عندما تقوم‬ ‫عندما يقوم بها ّ‬
‫الطاهي أقوى نموذج (‪. )le chef‬‬
‫‪29‬‬ ‫بها النّساء‪ ،‬ولعل مثال ّ‬
‫أن ك ّل األعمال ذات القيمة المجتمع ّية‪ ،‬من حيث الحظوة أومن حيث‬ ‫والمعنى م ّما تقدّم ّ‬
‫الرجال بينما ال تشغل النّساء سوى المناصب البسيطة‪ ،‬الّتي تكون‬ ‫التّعويض‪ ،‬تبقى من نصيب ّ‬
‫فإن بعض المهن‬ ‫في غالبية األوقات تابعة لسلط ٍة عليا ذكورية‪ .‬وكما سبقت اإلشارة إلى ذلك ّ‬
‫الرجال‬‫التي كانت تمتهنها النّساء لم يكن ينظر لها باعتبارها عمالً وفنّا ً إال بعدما تعاطاها ّ‬
‫والرجل داخله فشيء آخر‬ ‫ّ‬ ‫ي‪ ،‬بينما‬‫أمر طبيع ّ‬‫ومارسوها‪ ،‬إذ وجود المرأة داخل المطبخ ٌ‬
‫تماما ً‪ ...‬إنّه يعمل ويبدع‪.‬‬
‫أن المرأة تستبعد بشك ٍل متع ّم ٍد من مراكز السّلطة "وتختزل مطالبها إلى‬ ‫من الواضح ّ‬
‫ث تخفيفي‪ ،‬أو بالتّربيت على الخدّ‪ ..‬ولع ّل هذا ما يفسّر الضّعف‬ ‫ت يمكن تبريرها بحدي ٍ‬ ‫نزوا ٍ‬
‫الكبير في تمثيل النّساء في مراكز السّلطة‪ ،‬وال سيما االقتصاديّة والسّياسية" ‪ ،‬وهذا في‬
‫‪30‬‬

‫ي‬
‫صة للمهيمنين بوصفهم قادرين على جعل أسلوب وجودهم الخصوص ّ‬ ‫الواقع ليس سوى "خا ّ‬
‫‪31‬‬
‫ي (‪"...)universel‬‬‫أسلوب كون ّ‬
‫ٌ‬ ‫في الوجود معترفا ً به على أنّه‬
‫صة عندما يتعلّق األمر‬ ‫صغر وبخا ّ‬ ‫ي قديم ألفناه منذ ال ّ‬ ‫الرجل ال يعيبه شيء هو مث ٌل شعب ّ‬ ‫إن ّ‬ ‫ّ‬
‫بزوج مستقبلي‪ ،‬في حين ينظر إلى (األنثى‪-‬الجسد) الخاضع للهيمنة الذّكورية باعتباره في‬ ‫ٍ‬
‫الرمزية‪ :‬إنّهن‬ ‫ّ‬ ‫بعية‬ ‫ّ‬ ‫ت‬ ‫ال‬ ‫من‬ ‫ل‬‫ٍ‬ ‫"حا‬ ‫في‬ ‫بورديو‬ ‫يقول‬ ‫كما‬ ‫أو‬ ‫‪،‬‬ ‫ي‬
‫ّ‬ ‫الجسد‬ ‫األمان‬ ‫عدم‬ ‫من‬ ‫حال ٍة‬
‫ت مضيافة‪ ،‬جذّابة‬ ‫موجوداتٌ بواسطة‪ ،‬ومن أجل نظرة اآلخرين‪ ،‬أي بمثابة موضوعا ٍ‬
‫يكن متحفّظات وحتّى منزويات‪.32"..‬‬ ‫وجاهزة وننتظر منهن أن ّ‬
‫من المسائل الخطيرة الّتي تترتّب ع ّما سلف هي وجود النّساء في وضعٍ من اإلكراه‬
‫كالرجال قوبلن باالستنكار ألنّهم بذلك يزاحمونهم على مراكز‬ ‫ّ‬ ‫تصرفن‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬
‫إنهن‬ ‫المزدوج‪،‬‬
‫ت مع الوضع‪ ،‬فإ ّما التفتّح أو‬ ‫ت وغير متكيّفا ٍ‬ ‫تصرفن بضعفٍ ظهرن عاجزا ٍ‬ ‫ّ‬ ‫السّلطة‪ ،‬وإن هن‬
‫االنغالق‪ ،‬أو التحفّظ واإلغراء‪ ،‬وربّما يبقى الجمال (‪ )la beauté‬األنثوي أحد أه ّم األسلحة‬
‫ّ‬
‫توظفه‬ ‫الفتّاكة‪ ،‬فموادّ التّجميل تميل إلى تمجيد الجسد وجعله لغة إغراء‪ ،‬ويظهر ذلك فيما‬
‫ت وما ٍل وجه ٍد لتجميله‪.33‬‬ ‫النّساء من وق ٍ‬
‫الرؤية األنثويّة‬ ‫ربّما بوسعنا وصوالً إلى هذه المرحلة من التّحليل أن نطرح السّؤال عن ّ‬
‫للمركزية الذّكورية‪ ،‬وهنا يلج بنا بورديو إلى عالم فرجييا وولف في روايتها نزهة في‬ ‫ّ‬
‫الفنارة‪ ،‬فالسيّد رامسي هو نموذ ٌج للذكر ربّ العائلة اآلمر النّاهي الّذي ال يخطأ أبداً والّذي‬
‫ج ال محالة ألنّه‬ ‫ي من حيث لم يكن يتوقع ذلك‪ ،‬وهو وض ٌع حر ٌ‬ ‫ب صبيان ّ‬ ‫يفاجأ في وضعية لع ٍ‬
‫تتصرف تجاه هذا السّلوك بحكم ٍة وعاطف ٍة أموي ٍة وكأنّها‬ ‫ّ‬ ‫ي‪ ،‬بينما السّيدة رامسي‬ ‫وض ٌع طفول ّ‬
‫‪6‬‬
‫تجد نفسها عبر زوجها‪ ،‬ألنّها تشارك في السّلطة من خالله‪ "،‬وبما أنّهن‪-‬النّساء‪ -‬مبعداتٌ عن‬
‫ألعاب السّلطة‪ ،‬فإنّهن مه ّيئاتٌ للمشاركة فيها بواسطة رجا ٍل منخرطين فيها‪ ،‬سواء تعلّق األمر‬
‫بالزوج أو اإلبن‪ .34"...‬إنّه يعكس نوعا ً من الحبّ القدَري الّذي ليس في هذه الحالة سوى حبّ‬ ‫ّ‬
‫المهيمن وحبّ هيمنته‪.‬‬ ‫ِ‬
‫تحول عالقات الهيمنة‪.‬‬ ‫‪-‬رابعاً‪ّ :‬‬
‫أن ك ّل شيء يتغيّر في المجتمع باستثناء البنيات الجنسيّة الّتي تبقى‬ ‫يذهب بورديو إلى ّ‬
‫بنظام طبيعي ٍ جام ٍد ال يمكن‬ ‫ٍ‬ ‫محافظة على استقرارها واستمرارها‪ .‬هذه الديمومة‪ ،‬لها عالقة‬
‫مستمر لبنيات الهيمنة الذّكورية‪ ،‬الّتي تساهم مجموعة من‬ ‫ّ‬ ‫تغييره لكنها ثمرة بناءٍ وإعادة بناءٍ‬
‫سسات االجتماعيّة في استمرارها عن طريق إعادة إنتاجها‪ ،‬هذه المؤسّسات هي الكنيسة‬ ‫المؤ ّ‬
‫والدولة والمدرسة‪ ، ...‬فاألسرة تر ّجح كفّة األطفال الذّكور عند تقسيم العمل بين الجنسين ‪،‬‬
‫‪36‬‬ ‫‪35‬‬

‫الحق اإللهي القائمة على سلطة‬ ‫ّ‬ ‫والكنيسة تؤ ّكد على قوامتهم وعلى القيم البطريكية ومملكة‬
‫األب‪،37‬أ ّما الدولة فتمركز ك ّل سياساتها حولهم ألنّها تصادق على سياسة الكنيسة وتؤيّد‬
‫للرجال‪.38‬‬‫التفوق المطلق ّ‬ ‫نظرتها باعتبار ّ‬
‫مكوناته على إنتاج وضمان استمرار الهيمنة الذّكورية‪،‬‬ ‫إن المجتمع تتضافر ك ّل ّ‬ ‫ومنه ف ّ‬
‫صة ٍفي سياسات الدولة الحديثة والمعاصرة تجاه المرأة‪ ،‬حيث تعيد إنتاج‬ ‫وهو ما يتجلّى بخا ّ‬
‫ط بالدّولة‬‫التقسيم المتقادم بين المذ ّكر والمؤنّث في بنيتها ذاتها‪ ...‬فيكون للنّساء فيها جزء ٌ مرتب ٌ‬
‫بوصفهن متلقّيات مميّزات لرعايتها وخدماتها‪.39...‬‬ ‫ّ‬ ‫االجتماعيّة‬
‫تكف عن‬ ‫وعلى هذا األساس كان لزاما ً على الحركات النّسوية أن تنتبه لك ّل هذه البنيات و ّ‬
‫سسة األسرة باعتباره االبنية االجتماعيّة الوحيدة التي تنتج وتعيد إنتاج هذه‬ ‫التّركيز على مؤ ّ‬
‫ي يتّخذ من اإلصالحات الحقوقيّة هدفا ً‬ ‫الهيمنة‪ .‬هذا الوضع لن يستقيم إالّ بفعل مقاوم ٍة جماع ّ‬
‫ويهز المؤسّسات الّتي تدعّمه وتؤيّده وهو ما يدعو إليه‬ ‫ّ‬ ‫له‪ ،‬ويقوم على نبذ التّمييزات الجنسيّة‬
‫تبرأ منه‪ ،‬ولع ّل‬‫الظاهرة شيئا ً يجب ي ّ‬ ‫بورديو ذاته‪ ،‬عبر الحركة النّسوية الّتي جعلت من هذه ّ‬
‫بلوغهن مرحلة التّعليم الثّانوي‬ ‫ّ‬ ‫من أبرز العوامل الّتي أحدث التغيّر في وضعية النّساء هو‬
‫صحافة والتّلفزيون‬ ‫والعالي‪ ،‬وما أعقبه من تمثيل النّساء في المهن الفكريّة أو في اإلدارة وال ّ‬
‫ص ٍة في االقتصاد‬ ‫والسّينما والعالقات العامةّ ‪ ....‬رغم بقائهن مستبعدات من مراكز النّفوذ بخا ّ‬
‫والمالية والسّياسة‪.40‬‬
‫فإن مبدأ التّقسيم الذّكوري ال زال يطبّق داخل االختصاصات الجامعيّة وأيضا ً‬ ‫برغم ذلك ّ‬
‫أن المساواة الّتي تحقّقت بمعية الحركة النّسوية هي‬ ‫في مسألة بلوغ مختلف المهن‪ ..‬وخالصتها ّ‬
‫شة‬ ‫الرجال‪ .‬إنّها مواقع وضيعة وه ّ‬ ‫ألن النّساء يشغلن دائما ً مواقع أق ّل حظوةً من ّ‬ ‫مساواة ٌ شكليّة ّ‬
‫الرجال بذلك مسيطرين على الفضاء العا ّم ‪L’ESPACE‬‬ ‫وأق ّل رفعة كقطاع الخدماتية‪ ،‬ليبقى ّ‬
‫الرجالي يظ ّل قائماً‪.‬‬ ‫أن فعل المقاومة ّ‬ ‫)‪ 41)PUBLIC‬وعلى حقل السّلطة‪ ،‬ومعنى ذلك ّ‬
‫في األخير يشير بوديو إلى مسألة أساسيّة تقلب عالقة السّيطرة رأسا ً على عقب‪ ،‬فالحبّ هو‬
‫ومعترف بها عملياً‪ ،‬في الهوى السّعيد أو البائس‪،42"...‬‬ ‫ٌ‬ ‫هيمنةٌ مقبولةٌ مجهولةٌ بصفتها كذلك‪،‬‬
‫الطرفين وهي عالقاتٌ سحرية‪ ،‬قلبا ً لعالقة الهيمنة لتبدو‬ ‫حيث تحدث العالقات الحميمة بين ّ‬
‫الهيمنة مهي َم ٌن عليها‪ ،‬وهو كما يس ّميه المف ّكر هدنة إعجازيّة‪ ،‬ليكون الحبّ بذلك عالقة تجمع‬
‫إن عالقة الحبّ هي عالقة‬ ‫وتحط من قدرها‪ّ .43‬‬‫ّ‬ ‫الرجل والمرأة من غير أن تعلي من شأنه‬ ‫بين ّ‬
‫اعترافٍ متباد ٍل قد تخلو من طابع الهيمنة‪ ،‬ألنّها تمنح المرأة مكانتها الحقيقيّة وتغيّر نظرة‬
‫ت تبادلية كاملة‪.‬‬ ‫الرجل إليها‪ .‬إنّه عالم الالّعنف الّذي يسمح بإرساء عالقا ٍ‬ ‫ّ‬
‫‪7‬‬
‫خاتمة‪:‬‬
‫بأن التّحوالت التّاريخية الّتي عرفتها وال تزال تعرفها‬ ‫بنا ًء على سلف يمكننا أن نقول ّ‬
‫ت كانت خامدة ومه ّمشة‪ ،‬راحت تطالب‬ ‫ت جديدةٍ بأصوا ٍ‬‫المجتمعات المعاصرة‪ ،‬أبرزت ثورا ٍ‬
‫بحقوقها وهويّتها‪ ،‬والنّسوية هي إحداها‪ .‬هذه الحركة الّتي راحت تسعى بك ّل ما أوتيت من قوة‬
‫إلى الكشف عن المكنون وهدم التّصورات القاتمة‪ ،‬من خالل النّقد الثّقافي لواقع الهيمنة‬
‫الذّكورية‪ ،‬الّذي يستهدف إقرار نوعٍ ٍٍ من القوانين االجتماعيّة واإليديولوجيات الجديدة‬
‫الرجل على جميع‬ ‫والثّقافات الكونيّة الّتي تعترف بالمرأة وحقّها في الحياة بمساوا ٍة مع ّ‬
‫األبوة المستغلّة‬
‫ّ‬ ‫صعد‪ ،‬وبالتّالي تأسيس خطوةٍ خارج النّسق الذّكوري بدءا ً بإسقاط قوانين‬ ‫ال ّ‬
‫والمتح ّكمة بها‪.‬‬

‫‪1‬بيار بورديو‪ ،‬الهيمنة الذكورية‪ ،‬ترجمة‪ :‬سليمان فعفراني‪ ،‬مراجعة‪ :‬ماهر تريمش‪( ،‬بيروت‪ :‬المنظمة العربية للترجمة‪،‬‬
‫‪ ،)2009‬ط‪ ،1‬ص ص(‪.)15-16‬‬
‫‪2‬هي اديلين فيرجينيا وولف أديبة إنجليزية روائية ومن كتّاب المقاالت‪ ،‬اشتهرت برواياتها التي تمتاز بإيقاظ الضمير‬
‫اإلنساني‪ ،‬وتعد واحدة من أهم الرموز األدبية في القرن العشرين‪ .‬كانت روايتها األولى ذات طابع تقليدي مثل رواية " الليل‬
‫والنهار" ‪ 1919‬واتخذت فيما بعد المنهج المعروف بمجرى الوعي أو تيار الشعور‪ ،‬كما في "غرفة يعقوب" ‪ ،1922‬و"‬
‫السيدة دالواي" ‪ 1925‬و" إلى المنارة " ‪ ،1927‬و"األمواج" ‪ ،1931‬ولها روايات أخرى ذات طابع تعبيري‪ ،‬منها رواية‬
‫«أورالندو» ‪ 1928‬و" األعوام"‪.‬‬
‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬
‫‪3‬رغم عدم وجودها في المعجم الفرنسي إال أنها تعني تلك النظرة التي تختصر العالم في قطب واحد هو الذكر وتنحاز إليه‪،‬‬
‫أي تلك النظرة المتمركزة ذكورياً‪.‬‬
‫‪4‬بورديو‪ ،‬الهيمنة الذكورية‪ ،‬ص ‪.22‬‬
‫‪5‬بورديو‪ ،‬الهيمنة الذكورية‪ ،‬ص‪.27‬‬
‫‪6‬المرجع نفسه‪ ،‬ص ‪.12‬‬
‫‪7‬المرجع نفسه‪ ،‬ص‪.25‬‬
‫‪8‬المرجع نفسه‪ ،‬ص‪.28‬‬
‫‪ 9‬المرجع نفسه‪ ،‬ص ‪.28‬‬
‫الروائع‪ ،)1980 ،‬الباب‬‫‪10‬أرسطو‪ ،‬في السياسة‪ ،‬ترجمة‪ :‬األب أغسطين بربارة البولسي‪( ،‬بيروت‪ :‬اللجنة الدولية لترجمة ّ‬
‫‪،1‬الفصل ‪ ،2‬فقرة ‪ ،12‬ص ‪.15‬‬
‫‪11‬المرجع نفسه‪ ،‬فصل ‪ ،5‬فقرة ‪ ،1‬ص ‪.37‬‬
‫‪ 12‬بيار بورديو‪ ،‬الهيمنة الذكورية‪ ،‬ص ‪.47‬‬
‫‪13‬المرجع نفسه‪ ،‬ص ‪.56‬‬
‫‪14‬المرجع نفسه‪ ،‬ص ‪.50‬‬
‫‪15‬المرجع نفسه‪ ،‬ص ‪.51‬‬
‫‪16‬المرجع نفسه‪ ،‬ص ‪.54‬‬
‫‪17‬المرجع نفسه‪ ،‬ص ‪.62‬‬
‫‪18‬المرجع نفسه‪ ،‬ص ص (‪.)66-67‬‬
‫‪19‬المرجع نفسه‪ ،‬ص ‪.67‬‬
‫‪20‬المرجع نفسه‪ ،‬الصفحة نفسها‪.‬‬
‫‪21‬المرجع نفسه‪ ،‬ص ‪.68‬‬
‫‪22‬المرجع نفسه‪ ،‬ص ‪.71‬‬
‫‪23‬المرجع نفسه‪ ،‬ص ‪.72‬‬
‫‪24‬المرجع نفسه‪ ،‬ص ‪.76‬‬
‫‪25‬المرجع نفسه‪ ،‬ص ‪.82‬‬
‫‪26‬المرجع نفسه‪ ،‬ص ‪.84‬‬
‫‪27‬المرجع نفسه‪ ،‬ص ‪.86‬‬
‫‪28‬المرجع نفسه‪ ،‬ص‪.94‬‬

‫‪8‬‬
‫‪29‬المرجع نفسه‪ ،‬ص ‪.95‬‬
‫‪ 30‬المرجع نفسه‪ ،‬ص ‪.94‬‬
‫‪31‬المرجع نفسه‪ ،‬ص ‪.98‬‬
‫‪32‬المرجع نفسه ص ‪.103‬‬
‫‪33‬المرجع نفسه‪ ،‬ص ‪.148‬‬
‫‪34‬المرجع نفسه‪ ،‬ص ‪.121‬‬
‫‪35‬المرجع نفسه‪ ،‬ص ‪.127‬‬
‫‪36‬المرجع نفسه‪ ،‬ص ‪.130‬‬
‫‪37‬المرجع نفسه‪ ،‬الصفحة نفسها‬
‫‪38‬المرجع نفسه‪ ،‬ص ‪.132‬‬
‫‪39‬المرجع نفسه‪ ،‬ص ‪.133‬‬
‫‪40‬المرجع نفسه‪ ،‬ص ‪.136‬‬
‫‪41‬المرجع نفسه ‪ ،‬ص ‪.141‬‬
‫‪42‬المرجع نفسه‪ ،‬ص ‪.162‬‬
‫‪43‬المرجع نفسه‪.‬‬
‫المراجع‪:‬‬
‫‪ -‬بيير بورديو‪ ،‬الهيمنة الذكورية ‪ ،‬ترجمة‪:‬سليمان فعفراني‪ ،‬مراجعة‪ :‬ماهر تريمش‪( ،‬بيروت‪:‬‬
‫المنظمة العربية للترجمة‪ ،)2009 ،‬ط‪.1‬‬
‫‪ -‬أرسطو‪ ،‬في السياسة‪ ،‬ترجمة‪ :‬األب أغسطين بربارة البولسي‪( ،‬بيروت‪ :‬اللجنة الدولية لترجمة‬
‫الروائع‪.)1980 ،‬‬
‫ّ‬

‫‪9‬‬

You might also like