Download as pdf or txt
Download as pdf or txt
You are on page 1of 27

‫الفصل الثاين‬

‫يف مقدمــة هــذا التخطيــط ضــان مــكان للعيــش فيــه‪ .‬ومتــى‬ ‫ســركز يف هــذا الفصــل عــى تأثــر الرشيعــة يف منــاذج‬
‫اســتقر الفــرد كغــره مــن األفــراد اســتقر املجتمــع وازدهــر‬ ‫املســؤولية يف البيئــة التقليديــة باســتثناء مبــدأ الــرر الــذي‬
‫لفاعليــة أفــراده يف بنــاء املجتمــع يف شــتى املجــاالت االقتصاديــة‬ ‫ســ ُيرشح يف الفصــل الســادس والســابع‪ ،‬وباســتثناء الوراثــة‬
‫ال مــن بنــاء جمتمــع مشــلول‬ ‫والصناعيــة والعمرانيــة بــد ً‬ ‫والشــفعة واللتــان ســترشحان يف الفصــل الثامــن إن شــاء اللــه‪.‬‬
‫األطــراف‪ .‬ومــن جهــة ثانيــة‪ ،‬فــإن اهتــام النــاس مبــا ميلكــون‬ ‫واملقصــود بالبيئــة التقليديــة يف هــذا الكتــاب هــي البيئــة التــي‬
‫ــدون‬ ‫ال يقــارن باهتاممهــم مبــا ال ميلكــون‪ ،‬فتجــد النــاس ِ‬
‫جي ّ‬ ‫ُبنيــت بالرجــوع إىل الرشيعــة اإلســامية واألعــراف املحليــة‪.‬‬
‫يف صيانــة منازهلــم وطرقهــم وحمالهتــم أكــر مــن اهتاممهــم‬ ‫ومل أســتخدم عبــارة البيئــة اإلســامية حتــى ال يفهــم منهــا أن‬
‫بأمــاك الغــر‪ ،‬وهلــذا فشــلت االشــراكية‪ ،‬فهــي افرتضــت أن‬ ‫البيئــة املعــارصة غــر إســامية‪ .‬وســرون كيــف أن الرشيعــة‬
‫إقنــاع وإرغــام النــاس عــى تقديــم التكافــل االجتامعــي عــى‬ ‫وضعــت األعيــان بــكل الوســائل يف اإلذعــاين املتحــد‪ ،‬وإن مل‬
‫مصلحــة ومصــر الفــرد أمــر ممكــن التطبيــق يف كل مســتويات‬ ‫تفعــل فقــد دفعتــه إىل ذلــك بتوحيــد املســؤولية بطريقــة أو‬
‫املجتمــع‪ .‬لذلــك‪ ،‬إذا كانــت معظــم أعيــان البيئــة يف اإلذعــاين‬ ‫أخــرى يف الفريــق املســتخدم أو املســيطر أو املالــك‪.‬‬
‫املتحــد فنتوقــع أن تكــون البيئــة يف أفضــل وضــع ممكــن هلــا‬
‫مــن حيــث اهتــام النــاس هبــا‪ ،‬وبذلــك تقــل نفقــات املجتمــع‬
‫عــى صيانــة أعيانــه وادخــار تلــك النفقــات يف بنــاء أعيــان‬ ‫النموذج اإلذعاين املتحد‬
‫أخــرى‪ .‬ومــن جهــة ثالثــة‪ ،‬فــإن وضــع األعيــان يف منــاذج غــر‬ ‫لعلكــم تســألون‪ :‬ملــاذا تدفــع الرشيعــة األعيــان لإلذعــاين‬
‫اإلذعــاين املتحــد يتطلــب الكثــر مــن اجلهــد والتنســيق بــن‬ ‫املتحــد؟ واإلجابــة ســهلة ومنطقيــة‪ ،‬فــكل مــا عليــك فعلــه هــو‬
‫الفــرق‪ ،‬فتصــوري أختــي القارئــة وأخــي القــارئ أنــك تســكن‬ ‫ســؤال نفســك‪ ،‬ملــاذا حيــاول النــاس امتــاك منــزل خــاص هبــم؟‬
‫ا‪ ،‬فــإذا أردت فعــل أي‬ ‫يف منــزل متلكــه مؤسســة حكوميــة مث ـ ً‬ ‫فتكــون اإلجابــة‪ :‬ليســتقروا ولريتــاح باهلــم مــن خطــر بقائهــم‬
‫يشء يف املنــزل عليــك أن تأخــذ موافقــة تلــك املؤسســة والتــي‬ ‫وأبنائهــم مــن غــر ســقف جيمعهــم‪ ،‬وهبــذا يأمنــون عــى‬
‫قــد ترفــض طلبــك‪ ،‬هــذا إذا مل تصــدر لــك املؤسســة أنظمــة‬ ‫أنفســهم‪ .‬فاالســتقرار واألمــن مهــا مــن أساســيات احلضــارة‪.‬‬
‫لتتبعهــا‪ ،‬وهبــذا قــد ال جتــد راحــة يف العيــش حتــت ظــل‬ ‫فعمــوم النــاس خيططــون ملســتقبلهم ومســتقبل أبنائهــم‪ ،‬ويــأيت‬

‫‪63‬‬
‫ال يبــاع»‪ 8.‬وقــد‬ ‫هــو حــق متعلــق باهلــواء‪ ،‬وليــس اهلــواء مــا ً‬ ‫لو كمثال‬
‫ملكية ال ُع ّ‬ ‫شــبكة ألجــل الصيــد ‪ )2‬النقــل بعــد ثبــوت امللكيــة‪ :‬مثــل البيــع‬ ‫تلــك األنظمــة‪ ،‬وهــذا قــد يضطــر بعــض الســكان ملخالفتــه‪،‬‬
‫وافقهــم يف ذلــك الشــافعية‪ ،‬ففــي الفــروق للجرجــاين (ت ‪:)482‬‬ ‫واهلبــة ‪ )3‬اإلبقــاء‪ :‬مثــل الوراثــة‪ 2.‬ومــن هــذه اآلراء يتضــح أن‬ ‫ويضطــر املؤسســة إلجيــاد جهــاز ملراقبــة أولئــك الســكان‪ .‬أي‬
‫لنأخــذ اآلن ملكيــة العلــو كمثــال لتوضيــح أمهيــة هاتــن‬
‫«إذا نشــزت أغصــان شــجرة يف داره إىل دار جــاره كان جلــاره‬ ‫الطريقــة الثانيــة والثالثــة تــأيت بعــد األوىل‪ ،‬وهــي االســتيالء أو‬ ‫متــى خرجــت األعيــان عــن اإلذعــاين املتحــد كــرت املعامــات‬
‫القاعدتــن وكيفيــة اســتخدامهام مــن قبــل العلــاء لتحديــد مــا‬
‫منعــه منهــا‪ ،‬فــإن صاحلــه عنهــا بعــوض عــى أن يرتكهــا يف هــواء‬ ‫اإلثبــات‪ ،‬لذلــك ســركز عليهــا‪.‬‬ ‫الورقيــة‪ ،‬والشــكاوي واملرافعــات وقضايــا املحاكــم ومــا إىل‬
‫ـداء‪ .‬ولنبــدأ باحلاجــة‪ :‬هنــاك خــاف يف‬ ‫ُيــرع فيــه امللــك إبتـ ً‬
‫داره‪ ،‬مل جيــز‪ ،‬ألنــه أخــذ العــوض عــن جمــرد اهلــواء‪ ،‬وذلــك ال‬ ‫ذلــك مــن مســائل جتلــب الضغينــة وتضيــع الكثــر مــن املــال‬
‫حكــم مــن ميلــك أرض ـاً أو مبــى هــل ميلــك مــا حتتهــا؟ يقــول‬ ‫ماهــي القواعــد التــي حتكــم امللكيــة؟ إن موضــوع‬
‫جيــوز»‪ .‬وجــاء يف املحــى يف املذهــب الظاهــري‪« :‬وال حيــل بيــع‬ ‫ا‪ .‬وهــذا‬‫واملجهــود والوقــت يف مســائل مل تكــن لتوجــد أصــ ً‬
‫القــرايف (ت‪ )684‬إن فقهــاء املذهــب املالــي مل خيتلفــوا يف ملــك‬ ‫امللكيــة متشــعب يف الرشيعــة اإلســامية واجتهــادات العلــاء‬
‫ا‪ ،‬كمــن بــاع مــا عــى ســقفه وجدرانــه للبنــاء عــى‬ ‫اهلــواء أصـ ً‬ ‫املثــل ال ينطبــق عــى املنــزل فقــط‪ ،‬ولكــن عــى مجيــع أماكــن‬
‫مــا فــوق البنــاء مــن اهلــواء ولكــن يف الســفل؛ وحلاجــة النــاس‬ ‫أدت إىل آراء خمتلفــة ومتعارضــة أحيان ـاً يف بعــض االجتهــادات‪،‬‬
‫ذلــك‪ ،‬فهــذا باطــل مــردود أبــدا‪ ،‬ألن اهلــواء ال يســتقر فيضبــط‬ ‫وخطــط وأعيــان البيئــة‪ .‬ولقــد اكتفيــت هنــا بذكر مثــال املنزل‬
‫للعلــو يف األبنيــة لالســترساف والنظــر إىل املواضــع البعيــدة مــن‬ ‫ولكــن برغــم اختــاف هــذه اآلراء إال أهنــا مجيعــاً تــؤدي إىل‬
‫مبلــك أبــدا‪ ،‬إمنــا هــو متمــوج ميــي منــه يشء ويــأيت آخــر‬ ‫لوضوحــه مقارنــة باألمثلــة األخــرى كــا ســرى بإذنــه تعــاىل‪.‬‬
‫األهنــار ومواضــع الفــرح والتنــزه‪ ،‬وحلاجــة النــاس لالحتجــاب‬ ‫النمــوذج اإلذعــاين املتحــد‪ .‬ولتوضيــح ذلــك ســنأخذ قاعدتــن‬
‫أبــدا‪ .‬فــكان بيعــه أكل مــال بالباطــل‪ ،‬ألنــه بــاع مــا ال ميلــك‬ ‫هــذه بعــض مزايــا اإلذعــاين املتحــد‪ ،‬وســنمر عــى الكثــر منهــا‬
‫عــن غريهــم بعلــو بنائهــم‪ ،‬وغــر ذلــك مــن املقاصــد التــي ال‬ ‫رئيســتني إلثبــات امللكيــة‪ ،‬وكلتامهــا خالفيتــن يف نتائجهــا بــن‬
‫وال يقــدر عــى إمســاكه‪ ،‬فهــو بيــع غــرر‪ ،‬وبيــع مــا ال ميلــك‪،‬‬ ‫التــي يصعــب رشحهــا اآلن بإذنــه تعــاىل‪.‬‬
‫تتوفــر دواعيهــم يف بطــن األرض عــى أكــر ممــا يستمســك بــه‬ ‫الفقهــاء‪ :‬األوىل هــي احلاجــة‪ ،‬والثانيــة هــي الســيطرة‪.‬‬
‫وبيــع جمهــول‪ .‬فــإن قيــل‪ :‬إمنــا بيــع املــكان ال اهلــواء‪ ،‬قلنــا‪ :‬ليس‬
‫البنــاء مــن األساســات‪ ،‬وحيــث إن الــرع لــه قاعــدة «وهــو‬ ‫عنــد دراســة النــاذج اإلذعانيــة ملعرفــة حالــة العــن‪،‬‬
‫ا غــر اهلــواء‪ ،‬فلــو كان مــا قلتــم لــكان مل‬ ‫هنــاك مــكان أص ـ ً‬ ‫بالنســبة للحاجــة‪ :‬يقــول القــرايف رمحــه اللــه (ت‪)684‬‬
‫إمنــا ميلــك ألجــل احلاجــة‪ ،‬ومــا ال حاجــة فيــه ال يــرع فيــه‬ ‫نركــز يف العــادة عــى العالقــات بــن الفــرق املشــركة يف‬
‫ا‪ ،‬ألنــه عــدم‪ ،‬فهــو آكل مــال بالباطــل حقــا‪ .‬فان‬ ‫يبــع شــيئا أصـ ً‬ ‫أن «الــرع لــه قاعــدة وهــو إمنــا ميلــك ألجــل احلاجــة‪ ،‬ومــا‬
‫امللــك‪ ،‬فلذلــك مل ُيلــك مــا حتــت األبنيــة مــن ختــوم األرض‬ ‫مســؤولية تلــك العــن‪ .‬ولكــن هــذا ال ينطبــق عــى النمــوذج‬
‫قيــل‪ :‬إمنــا بــاع ســطح ســقفه وجدرانــه‪ ،‬قلنــا‪ :‬هــذا باطــل هــو‬ ‫ال حاجــة فيــه ال يــرع فيــه امللــك»‪ ،‬فاجلنــن ملــا كان ميتــاً‬ ‫ِ‬
‫بخــاف اهلــواء إىل عنــان الســاء»‪ .‬وقــد رد ابــن الشــاط (ت‬ ‫ـرق مشــركة يف العــن؛‬ ‫اإلذعــاين املتحــد‪ ،‬وذلــك لعــدم وجــود فـ َ‬
‫أيض ـاً‪ ،‬ألنــه رشط ليــس يف كتــاب اللــه تعــاىل فهــو باطــل»‪9.‬‬ ‫رشع ـاً‪ ،‬وهــو بصــدد احلاجــة العامــة يف حياتــه ملــك األمــوال‬
‫‪ )723‬بقولــه‪« :‬إذا كانــت القاعــدة الرشعيــة أن ال ميلــك إال مــا‬ ‫إمنــا هــو فريــق واحــد ميلــك ويســيطر ويســتخدم‪ .‬لذلــك‪،‬‬
‫أمــا املالكيــة ومجهــور احلنابلــة فقــد أجــازوا بيــع اهلــواء ملــن‬ ‫باإلمجــاع‪ ،‬وامليــت بعــد احليــاة مل تبــق لــه حاجــة عامــة فلــم‬
‫فيــه احلاجــة‪ ،‬وأي حاجــة يف البلــوغ إىل عنــان الســاء؛ وإذا‬ ‫عنــد دراســة اإلذعــاين املتحــد ســركز عــى عالقــة هــذا الفريق‬
‫ينتفــع بــه؛ ففــي هتذيــب الفــروق‪« :‬وأمــا األهويــة فقــد اتفقــوا‬ ‫ميلــك‪ 3.‬وقاعــدة احلاجــة هــذه جيــب أن ال تتعــارض مــع حديــث‬
‫كانــت القاعــدة أنــه ميلــك ممــا فيــه احلاجــة‪ ،‬فــا املانــع مــن‬ ‫الرســول صــى اللــه عليــه وســلم «ال رضر وال رضار»‪4.‬‬ ‫ا‪،‬‬
‫الواحــد مــع الفــرق األخــرى لألعيــان املجــاورة‪ .‬فمثــ ً‬
‫(أي فقهــاء املالكيــة) فيهــا عــى قاعــدة أن حكمهــا تابــع حلكــم‬
‫ملــك مــا حتــت البنــاء حلفــر بــر يعمقهــا حافرهــا مــا شــاء»‪.‬‬ ‫الســاكن يف منزلــه ليســت لــه عالقــة مــع فــرق أخــرى يف نفــس‬
‫األبنيــة‪ ،‬فهــواء الوقــف وقــف‪ ،‬وهــواء الطلــق طلــق‪ ،‬وهــواء‬ ‫والقاعــدة الثانيــة هــي الســيطرة‪ :‬فالرشيعــة تســتثمر‬
‫ويشــر ابــن الشــاط أن «مــن أراد أن حيفــر مطمــورة حتــت‬ ‫العقــار ولكــن مــع جريانــه واملجتمــع ككل‪ ،‬وســيناقش هــذا يف‬
‫املــوات مــوات‪ ،‬وهــواء اململــوك مملــوك ‪ ...‬بــل قــد نــص‬ ‫الســيطرة يف املالــك‪ .‬فاألعيــان إذا مل ُينتفــع هبــا بــأن ُتصــان‬
‫ملــك غــره يتوصــل إليهــا مــن ملــك نفســه مينــع مــن ذلــك بــا‬ ‫فصــول قادمــة‪ 1.‬أمــا يف هــذا الفصــل فســنعرض املبــادئ التــي‬
‫أصحابنــا عــى بيــع اهلــواء ملــن ينتفــع بــه»‪10.‬‬
‫وتــدم‪ ،‬فلــن تكــون مفيــدة ملســتخدميها‪ .‬أي أن‬ ‫ُوتعــدل وتبــى ُ‬ ‫ســاعدت عــى انتشــار األعيــان يف اإلذعــاين املتحــد يف البيئــة‬
‫ريــب»‪ 6.‬وجــاء يف القواعــد للزركــي (ت ‪ )794‬مــن املذهــب‬ ‫ِ‬
‫ولقــد اتفقــت آراء مجيــع املذاهــب أن بإمــكان املالــك أن‬ ‫أي عــن البــد وأن ُيســيطر عليهــا فريــق لــه االنتفــاع والترصف‬ ‫ّ‬ ‫التقليديــة‪ .‬فأغلــب عنــارص البيئــة التقليديــة وفراغاهتــا‪ ،‬مثــل‬
‫الشــافعي بأنــه «ينبغــي أن ال ميلــك (أي األرض) مــن قــراره إال‬
‫يبيــع أي جــزء مــن مبنــاه كالــدور الثــاين إذا كان مبنيـاً‪ ،‬حيــث‬ ‫الســائغ رشع ـاً ال ينازعــه فيــه منــازع ألن االنتفــاع ال يكتمــل‬ ‫الطــرق النافــذة وغــر النافــذة والســاحات واألفنيــة‪ ،‬وضعــت‬
‫مــا تدعــوا احلاجــة إليــه دون مــا ســفل إىل ســبع أرضــن‪ ،‬إذ ال‬
‫إن هــذا اجلــزء حمــدد ومعلــوم‪ ،‬أي مســيطر عليــه‪ ،‬لذلــك فهــم‬ ‫بالتنــازع بــن النــاس‪ .‬ومعظــم تعاريــف امللكيــة‪ ،‬تذكــر‬ ‫يف اإلذعــاين املتحــد‪ ،‬هــذا يف املناطــق العامــة (وهــو موضــوع‬
‫حاجــة لــه ‪ 7.»..‬إن هــذه األمثلــة الســابقة مــا هــي إال إشــارة‬
‫يقــرون مــا هــو معــروف مبلكيــة الطبقــات‪ .‬وإذا اهنــدم العلــو‬ ‫الســيطرة أو حــق التــرف أو املقــدرة عــى التــرف كــرط‬ ‫الفصــل الســابع)‪ ،‬أمــا بالنســبة للعقــارات اخلاصــة كاملنــازل‬
‫لتوضيــح دور احلاجــة يف حتديــد امللكيــة‪.‬‬
‫فــإن صاحبــه يظــل مالــكاً هلوائــه‪ ،‬ويف هــذا يقــول ابــن رجــب‬ ‫للملكيــة‪ .‬فقــد عــرف ابــن تيميــة (ت ‪ )728‬مــن املذهــب‬ ‫والشــوارع‪ :‬فــإن مبــادئ الرشيعــة اإلســامية أدت إىل كــرة‬
‫أمــا بالنســبة للســيطرة لتحديــد مــا يــرع فيــه امللــك‪،‬‬ ‫احلنبــي امللكيــة بقولــه‪« :‬هــو القــدرة الرشعيــة عــى التــرف‬
‫احلنبــي (ت ‪ ) 795‬يف قواعــده‪« :‬إن صاحــب الســفل ال جيــر عىل‬ ‫العقــارات يف اإلذعــاين املتحــد‪ .‬للوصــول هلــذه النتيجــة‪ ،‬البــد‬
‫فــا خــاف هنــاك يف أحقيــة مالــك األرض أو املبــى يف تعليــة أو‬ ‫يف الرقبــة»‪ ،‬وعرفــه القــايض حســن بــن حممــد املــروذي (ت‬
‫البنــاء ألجــل صاحــب العلــو‪ ،‬لكــن صاحــب العلــو لــه أن يبــي‬ ‫مــن توضيــح العالقــة بــن بعــض قواعــد امللكيــة ونظــام إحيــاء‬
‫تعميــق مبنــاه ألنــه سيســيطر عــى مــا ســيبنيه‪ .‬ولكــن اختلــف‬ ‫‪ )462‬مــن املذهــب الشــافعي بأنــه «اختصــاص يقتــي إطــاق‬
‫احليطــان ويســقف عليهــا ومينــع صاحــب الســفل مــن االنتفــاع‬ ‫األرض واإلقطــاع يف الرشيعــة‪.‬‬
‫الفقهــاء يف جــواز بيــع الفــراغ فــوق ســطح املبــى‪ ،‬أو جــواز بيع‬ ‫االنتفــاع والتــرف»‪ ،‬وعرفــه ابــن اهلــام (ت ‪ )861‬مــن‬
‫بــه حتــى يعطيــه مــا بــى بــه الســفل»‪ 11.‬بينــا يقــول الشــافعي‬
‫حــق التعــي ألن هــذا الفــراغ ال يســيطر عليــه املالــك‪ .‬فذهــب‬
‫(ت ‪« :)204‬وإن ســقط البيــت مل جيــر صاحــب الســفل عــى‬ ‫املذهــب احلنفــي بقولــه‪« :‬امللــك هــو قــدرة يثبتهــا الشــارع‬ ‫امل ِ ِ‬
‫لك ّية‬
‫احلنفيــة بعــدم اجلــواز‪ ،‬فيقــول ابــن عابديــن (ت ‪ )1252‬بأنــه‬ ‫ـداء عــى التــرف»‪ .‬ومــن هــذا يســتنتج العلــاء أن هنــاك‬ ‫ابتـ ً‬
‫البنــاء‪ ،‬وإن تطــوع صاحــب العلــو بــأن يبــي الســفل كــا كان‪،‬‬
‫«إذا كان الســفل لرجــل وعلــوه آلخــر فســقطا أو ســقط العلــو‬ ‫أشــياء ال متلــك الســتحالة الســيطرة عليهــا‪ ،‬مثــل أشــعة الشــمس‬ ‫لقــد وحــدت الرشيعــة املســؤولية يف فريــق واحــد‬
‫ويبــي علــوه كــا كان‪ ،‬فذلــك لــه وليــس لــه أن مينــع صاحــب‬
‫وحــده فبــاع صاحــب العلــو علــوه مل جيــز‪ ،‬ألن املبيــع حينئــذ‬ ‫وطبقــات اهلــواء؛ وأشــياء ال متلــك لصعوبــة الســيطرة عليهــا‪،‬‬ ‫وذلــك باســتثامر الســيطرة وامللكيــة يف املســتخدم؛ فكيــف تــم‬
‫الســفل مــن ســكنه ونقــض اجلــدران لــه متــى شــاء أن هيدمهــا‪،‬‬
‫ليــس إال حــق التعــي‪ ،‬وحــق التعــي ليــس مبــال‪ ،‬ألن املــال عــن‬ ‫مثــل الســمك يف البحــر‪ 5.‬أي أن قاعــديت احلاجــة والســيطرة دون‬ ‫هــذا؟ إن مجهــور الفقهــاء يــرون أن امللكيــة تــأيت مــن ثــاث‬
‫ومتــى جــاءه صاحــب الســفل بقيمــة بنائــه كان لــه أن يأخــذه‬
‫ميكــن إحرازهــا وإمســاكها‪ ،‬وال هــو حــق متعلــق باملــال‪ ،‬بــل‬ ‫اإلرضار باآلخريــن مهــا مدخــان البتــداء امللكيــة‪.‬‬ ‫طــرق‪ )1 :‬االســتيالء أو اإلثبــات‪ :‬مثــل إحيــاء األرض أو وضــع‬
‫منــه ويصــر البنــاء لصاحــب الســفل‪ ،‬إال أن خيتــار الــذي بــى‬

‫‪65‬‬ ‫‪64‬‬
‫‪1.2‬‬ ‫لقـد كــان اإلحيـاء مـن أهم الـوســائل البتـداء املـلكيـة يف الرشيعـة‬ ‫تطلــب اتســاع رقعتهــا‪ .‬لذلــك‪ ،‬فقــد حظــي موضــوع إحيــاء‬ ‫أن هيــدم بنــاءه فيكــون ذلــك لــه‪ 12.»...‬ومــن البدهــي أن هذين‬
‫اإلسالمية‪ .‬ففي الصورة اجلـوية رقم ‪ 2.1‬من ‪ Google Earth‬خارج مكة‬ ‫الرأيــن هلــا تأثــران خمتلفــان عــى البيئــة‪13.‬‬
‫األرض باهتــام كبــر ودراســة مســتفيضة مــن العلــاء؛ وكانــت‬
‫املكرمـة نرى قيام السكان بإحياء األرايض رغم أن ذلك خمـالف لألنـظمـة‪.‬‬
‫األرايض غــر اململوكــة وغــر املســتخدمة تســمى باملــوات‪ .‬كام‬
‫ال ثـم بنـوا الغـرف‬ ‫الحظ كيف ٔان معظم النـاس سـوروا أراضيهم ٔاو ً‬ ‫أختــي القارئــة وأخــي القــارئ‪ :‬إذا قــرأت مــا ذكرتــه‬
‫والـبيــوت داخلهـا بطريقة كانت فيها املساحات املسـورة أكرب مما حيتـاجه‬ ‫كانــت هنــاك مبــادئ وأعــراف متبعــة المتــاك هــذه األرايض‬
‫هنــا عــن ملكيــة العلــو واضعــاً يف ذهنــك مبــدأي احلاجــة‬
‫السكان وذلـك حتسبـاً للمـستقبل إذ أن لألرض قيـمة رشائية مرتفعة يف‬ ‫ا بحديــث الرســول صــى اللــه عليــه وســلم‪« :‬مــن أحيــا‬ ‫عم ـ ً‬
‫أيـامنـا هذه‪ ،‬وهـذا مل يكن احلـال يف البيئة التقلـيديـة كام سرنى إن شاء‬ ‫والســيطرة يف حتديــد امللكيــة فســتدرك دورمهــا لتحديــد مــا‬
‫أرض ـاً موات ـاً فهــي لــه»‪.‬‬
‫الله ذلك أن اإلحياء حيارب االحتكار ما يزيد التنمية‪.‬‬ ‫يصــح لألفــراد أن يتملكــوه‪ .‬وهنــاك اســتنتاجات أخــرى كثــرة‬
‫هنــاك خــاف بــن املذاهــب يف تعريــف األرض املــوات‬ ‫لتأثريمهــا عــى البيئــة‪ ،‬وقــد اســتخدمت ملكيــة العلــو كمثــال‬
‫وهــذا االســتنتاج مهــم للنمــوذج اإلذعــاين املتحــد كــا ســيتضح‬ ‫وبالتــايل يف احلكــم عليهــا‪ .‬فلقــد عرفهــا احلنفيــة أهنــا األرض‬ ‫توضيحــي فقــط‪ .‬ومــن هــذا املثــال ميكــن القيــاس والقــول‬
‫بإذنــه تعــاىل‪.‬‬ ‫التــي مل يكــن فيهــا أثــر زراعــة‪ ،‬وال بنــاء ألحــد‪ ،‬وليســت‬ ‫بــأن األرايض غــر اململوكــة كالصحــاري واملــوات ليســت‬
‫ملــكا ألحــد‪ ،‬ومل تكــن مــن مرافــق البلــد كأن تكــون حمتطبـاً‬ ‫ملــكاً ألحــد؛ وهــذا االســتنتاج ناتــج عــن ســؤالني‪ .‬األول‪ :‬هــل‬
‫وأمهيــة موضــوع اإلحيــاء بالنســبة لنــا هــو يف أن الســيطرة‬
‫ألهــل قريــة مــا أو مرعــى دواهبــم ومــا شــابه ذلــك‪ ،‬وأن‬ ‫بإمــكان أحــد الســيطرة عــى الصحــراء؟ والثــاين‪ :‬هــل حيتــاج‬
‫كانــت الدولــة تعــرف مبلكيــة أولئــك الذيــن أحيــوا املــوات‪.‬‬ ‫عــى األرض املوات واســتخدامها أدت إىل ملكيــة األرض للفريق‬
‫تكــون خارجــة عــن البلــد بحيــث إذا وقــف عــى أدناهــا مــن‬ ‫إليهــا هــذا الــذي حيــاول الســيطرة عليهــا كائنـاً مــن كان؟ فــإذا‬
‫ففــي كتــاب األمــوال أن حكيــم بــن رزيــق قــال ‪ :‬قــرأت‬ ‫الــذي اســتخدمها وســيطر عليهــا‪ .‬أي أن األرايض املحيــاة كانت‬ ‫العامــر منـ ٍ‬
‫ـاد بأعــى صوتــه مل يســمعه أقــرب النــاس إليهــا مــن‬ ‫اســتخدمنا قاعــديت احلاجــة والســيطرة لتحديــد امللــك‪ ،‬نصــل‬
‫كتــاب عمــر بــن عبــد العزيــز إىل أيب (يأمــره) «إن مــن أحيــا‬ ‫يف النمــوذج اإلذعــاين املتحــد؛ فهنــاك الكثــر مــن األدلــة مــن‬
‫العامــر‪ 14.‬ومــن الواضــح أن هــذا التعريف خيــرج كل األرايض‬ ‫إىل نتيجــة أساســية وهــي أن األرايض غــر اململوكــة كاملــوات‬
‫أرضــاً ميتــة ببنيــان أو حــرث‪ ،‬مــا مل تكــن مــن أمــوال قــوم‬ ‫أفعــال الرســول صــى اللــه عليــه وســلم واخللفــاء وبعــض‬
‫ابتاعوهــا مــن أمواهلــم‪ ،‬أو أحيــوا بعضـاً وتركــوا بعضـاً‪ِ ،‬‬ ‫املحيطــة بالعامــر مــن اإلحيــاء ألهنــا ال تعتــر مواتـاً يف املذهــب‬ ‫ليســت ملــكاً ألحــد‪ ،‬وال حتــى الدولــة‪ .‬لقــد تناقشــت مــع زميــل‬
‫فأجــز‬ ‫احلــكام وآراء الفقهــاء التــي تؤكــد أن زراعــة أو بنــاء األرض‬
‫احلنفــي‪ ،‬فــاألرايض املتامخــة ألرض معمــورة كمزرعــة ال ميكــن‬ ‫يل وقلــت لــه‪ :‬إن أي دولــة أو مؤسســة ال ميكــن هلــا أن متتلــك‬
‫للقــوم إحياءهــم الــذي أحيــوا ببنيــان أو حــرث»‪ .‬وذكــر ابــن‬ ‫جلبــت امللكيــة ملحيــي األرض املــوات‪.‬‬
‫إحياؤهــا‪ ،‬وكذلــك األرايض التــي هــي خــارج أســوار املــدن‬ ‫ـاء عــى قاعــديت احلاجــة والســيطرة‪،‬‬ ‫األرايض غــر اململوكــة بنـ ً‬
‫قدامــة (ت ‪ )620‬بــأن عــروة قــال‪« :‬قــى بذلــك (يعــي اإلحياء)‬ ‫قــال الرســول صــى اللــه عليــه وســلم‪« :‬العبــاد عبــاد اللــه‪،‬‬ ‫ا‪ .‬ويقــول املــاوردي يف هــذا منتقــداً (ت‪ )450‬رأي املذهــب‬ ‫مثـ ً‬ ‫ولكــن عليهــا محايــة هــذه األرايض مــن األعــداء‪ .‬فأجــاب‪ :‬إن‬
‫عمــر بــن اخلطــاب يف خالفتــه وعامــة فقهــاء األمصــار عــى أن‬ ‫والبــاد بــاد اللــه‪ ،‬ومــن أحيــا أرضــاً ميتــة فهــي لــه»؛ ويف‬ ‫احلنفــي‪« :‬وهــذان القــوالن (يعــي قــول أيب حنيفــة وأيب يوســف‪،‬‬ ‫الدولــة متثــل عمــوم املســلمني‪ ،‬كــا أن أي دولــة البــد وأن حتتاج‬
‫املــوات ميلــك باإلحيــاء وإن اختلفــوا يف رشوطــه»‪ 19.‬ومــا ذكــر‬ ‫حديــث آخــر يف املوطــأ قــال صــى اللــه عليــه وســلم‪« :‬مــن أحيا‬ ‫ت ‪ )182‬خيرجــان عــن املعهــود يف اتصــال العامرات ويســتوي يف‬ ‫ا‪.‬‬
‫ال كبنــاء مطــار مث ـ ً‬
‫إىل الكثــر مــن األرايض ملنشــآهتا مســتقب ً‬
‫ســابقاً مــا هــو إال القليــل للتأكيــد عــى أن أولئــك الذيــن أحيــوا‬ ‫أرضــاً فهــي لــه‪ ،‬وليــس لعــرق ظــامل حــق»‪ ،‬وأضــاف مالــك‬ ‫إحيــاء املــوات جريانــه واألباعــد»‪ .‬فكــا تعلــم أخــي القــارئ‬ ‫قلــت‪ :‬يف تلــك احلالــة عــى الدولــة أن حتــدد بعــض املناطــق‬
‫املــوات أصبحــوا مــاكاً هلــا‪.‬‬ ‫(ت ‪« :)179‬وعــى ذلــك األمــر عندنــا»‪ .‬ويف حديــث ثالــث‬ ‫فــإن مبــاين وعقــارات البيئــة التقليديــة متالصقــة‪ .‬فكيــف‬ ‫ال لتمتلكهــا؛ فــاألرض ملــك لعموم‬ ‫التــي قــد حتتــاج إليهــا مســتقب ً‬
‫واآلن ســأذكر بعــض مبــادئ اإلحيــاء التــي قــد ال تبــدو‬ ‫ام (ت ‪)224‬‬ ‫ذكــره اإلمــام احلافــظ أيب عبيــد القاســم بــن ســ ّ‬ ‫تكــون متالصقــة إذا مل تكــن أراضيهــا مواتــاً ثــم أحييــت؟‬ ‫ا‪ :‬ولكــن مــن يعلــم‬‫املســلمني كــا هــو معــروف‪ .‬فأجــاب قائـ ً‬
‫متعلقــة مبوضوعنــا (اإلذعــاين املتحــد)‪ ،‬ولكــن ســتظهر العالقــة‬ ‫قــال صلــوات اللــه وســامه عليــه‪« :‬مــن أحيــا أرضـاً ميتــة فهــي‬ ‫وهــذا مــا قصــده املــاوردي‪ ،‬واللــه أعلــم‪ ،‬بقولــه «خيرجــان عــن‬ ‫أيــن ومتــى ســتقرر الدولــة إنشــاء مطــار أو مدينــة حديثــة أو‬
‫عنــد التعليــق عليهــا جمتمعــة فيــا بعــد‪.‬‬ ‫لــه‪ .‬ومــا أكلــت العافيــة منهــا فهــي لــه صدقــة»‪ .‬ويف صحيــح‬ ‫املعهــود يف اتصــال العــارات»‪ .‬أمــا املذاهــب الثالثــة األخــرى‬ ‫مينــاء بحــري؟ وهنــا رشحــت لــه اآليت مــن إحيــاء املــوات‪.‬‬
‫البخــاري أن الرســول صــى اللــه عليــه وســلم قــال‪« :‬مــن أعمــر‬ ‫فــا تتفــق مــع املذهــب احلنفــي يف اشــراط ال ُبعــد عــن العامــر‪.‬‬
‫يتفــق الفقهــاء يف أن األرايض اململوكــة وغــر العامــرة ال‬
‫أرضـاً ليســت ألحــد فهــو أحــق»‪ 17.‬ويف الواقــع‪ ،‬فــإن أحاديــث‬ ‫فاملــوات عنــد الشــافعية كــا عرفــه املــاوردي‪ :‬هــو كل مــا مل‬
‫متلــك باإلحيــاء؛ ولكــن االختــاف يف مــا كان عامــراً مــن أرايض‬ ‫اإلحياء‬
‫اإلحيــاء كثــرة جــد ًا ومرويــة بطــرق خمتلفــة ومثبتــة األســانيد‪.‬‬ ‫ا بعامــر‪ .‬وقــال‬ ‫يكــن عامــراً وال حرمي ـاً لعامــر وإن كان متص ـ ً‬
‫ا عــى ثالثــة أقــوال‪:‬‬ ‫املســلمني فخــرب وصــار مواتــاً عاطــ ً‬
‫فعــى ســبيل املثــال ال احلــر‪ ،‬ذكرهــا محيــد بــن زنجويــه (ت‬ ‫الشــافعي رمحــه اللــه (ت‪« :)204‬بــاد املســلمني شــيئان‪ :‬عامــر‬ ‫إن اإلحيــاء هــو البــذرة التــي جعلــت مــن املدينــة‬
‫قــال مالــك‪ :‬ميلــك باإلحيــاء ســواء ُعــرف أربابــه أو مل يعرفــوا‪،‬‬
‫‪ )125‬يف كتــاب األمــوال ســت مــرات‪ ،‬وذكرهــا حييــى بــن آدم‬ ‫ومــوات‪ ،‬فالعامــر ألهلــه كل مــا صلــح بــه العامــر إن كان‬ ‫التقليديــة حديقــة تعــج باألعيــان ذات اإلذعــاين املتحــد‪.‬‬
‫ألن أصــل هــذه األرض مبــاح‪ ،‬فــإذا تركــت حتــى تصــر موات ـاً‬
‫القــريش (ت ‪ )203‬يف كتــاب اخلــراج أكــر مــن ثــاث عــرة‬ ‫مرفقــاً ألهلــه مــن طريــق وفنــاء ومســيل مــاء أو غــره فهــو‬ ‫ولعــل قــراءة الصفحــات التاليــة قــد تكــون مملــة بعــض الــيء‬
‫مــاء مــن هنــر ورده فيــه‪.‬‬
‫ً‬ ‫عــادت إىل اإلباحــة‪ ،‬كمــن أخــذ‬
‫مــرة وبأســانيد وألفــاظ خمتلفــة داللــة عــى تأكيــد تطبيقاهتــا‪.‬‬ ‫كالعامــر يف أن ال ميلــك عــى أهلــه إال بإذهنــم‪ ،‬اهـــ‪ .‬واملــوات‬ ‫ملصطلحاهتــا الفقهيــة‪ ،‬ولكــن البــد لنــا مــن ذلــك لنــدرك غــرس‬
‫وقــال الشــافعي بأنــه ال ميلــك باإلحيــاء ســواء ُعــرف أربابــه أو‬
‫ا‪ ،‬قــال صــى اللــه عليــه وســلم‪« :‬مــن أحــاط حائط ـاً عــى‬ ‫مث ـ ً‬ ‫هــو األرض اخلــراب الدارســة ‪ 15.»...‬وعنــد املالكيــة املــوات‬ ‫الرشيعــة لبــذرة اإلحيــاء يف البيئــة التقليديــة‪ .‬ولعــل اإلحيــاء‬
‫مل يعرفــوا‪ .‬أمــا أبــو حنيفــة فقــال إن ُعــرف أربابــه مل ميلــك‬
‫وتمــع‬‫باإلحيــاء‪ ،‬وإن مل يعرفــوا ملــك باإلحيــاء بــإذن اإلمــام‪ُ .‬‬
‫ا‬
‫وي مــن أن رجـ ً‬ ‫يشء فهــو لــه»‪ 18.‬ومــن هــذه التطبيقــات مــا ُر َ‬ ‫هــو األرض التــي ال مالــك هلــا وال ينتفــع هبــا‪ .‬وعرفهــا احلنابلــة‪:‬‬ ‫هــو أهــم مــا مييــز املدينــة التقليديــة عــن غريهــا مــن املــدن‪.‬‬
‫جــاء إىل عــي ريض اللــه عنــه فقــال‪« :‬أتيــت ارضـاً قــد خربــت‬ ‫بأهنــا كل أرض بائــرة مل يعلــم أهنــا ملكــت أو ملكهــا مــن ال‬
‫املذاهــب األربعــة أن مــا كان عامــراً مــن أرايض غــر املســلمني‬ ‫إن االســتيالء عــى األرايض كان أمــراً شــائعاً يف القــرون‬
‫وعجــز عنهــا أهلهــا‪ ،‬فكريــت أهنــار ًا وزرعتهــا‪ .‬قــال ‪ :‬كل‬ ‫عصمــة لــه‪ 16.‬وكــا هــو مالحــظ فــإن مجيــع هــذه التعاريــف‬
‫ا فهــي كاملــوات‪ ،‬كالــذي مل يثبــت‬ ‫فخــرب وصــار مواتـاً عاطـ ً‬ ‫األوىل لإلســام‪ ،‬حيــث أنشــئت املــدن يف املناطــق املفتوحــة أو‬
‫فيــه عــارة‪ ،‬فيجــوز إحيــاؤه‪20.‬‬ ‫هنيئ ـاً وأنــت مصلــح غــر مفســد‪ ،‬معمــر غــر خمــرب»‪ .‬ولقــد‬ ‫وغريهــا ال تقحــم احلاكــم أو الدولــة كاملــك لــأرض املــوات‪،‬‬
‫التــي أســلم أهلهــا وعاشــت هــذه املــدن ازدهــارا مفاجئ ـاً ممــا‬

‫‪67‬‬ ‫‪66‬‬
‫ديــوان اجليــش‪ .‬أمــا األرايض املعطــاة لبيــت املــال مــن النــاس‪،‬‬ ‫املدينــة صنفــن أحدمهــا معمــور ببنــاء وحفــر وغــراس وزرع‪،‬‬ ‫واآلجــر والطــن واجلــص إن كانــت عادهتــم ذلــك‪ ،‬أو القصــب‬ ‫ولكــن ماهــي األعــال املطلوبــة لإلحيــاء واملؤديــة‬
‫فكــا حــدث يف املدينــة عندمــا أعطــى األنصــار األرايض التــي‬ ‫واآلخــر خــارج مــن ذلــك‪ ،‬فأقطــع رســول اللــه صــى اللــه‬ ‫أو اخلشــب إن كانــت عادهتــم ذلــك‪ ،‬ويســقف وينصــب عليــه‬ ‫مللكيــة األرض؟ هــي كل مــا لــزم مــن األعــال للوظيفــة املحيــاة‬
‫مل يتمكنــوا مــن اســتصالحها إىل رســول اللــه صــى اللــه عليــه‬ ‫عليــه وســلم اخلــارج مــن ذلــك مــن الصحــراء اســتدللنا عــى أن‬ ‫البــاب ألنــه ال يصلــح للســكىن مبــا دون ذلــك‪ ،‬فــإن أراد مراحـاً‬ ‫بنــاء عــى عــرف أهــل املنطقــة التــي هبــا‬
‫ً‬ ‫مــن أجلهــا األرض‬
‫وســلم‪ 27.‬ومــن هــذا يتضــح بــأن أكــر اإلقطاعــات البــد وأن‬ ‫الصحــراء وإن كانــت منســوبة إىل حــي بأعياهنــم ليســت ملــكا‬ ‫للغنــم أو احلظــرة للشــوك واحلطــب بــى احلائــط ونصــب عليــه‬ ‫األرض املــوات‪ .‬ويف هــذا يقــول املــاوردى‪« :‬وصفــة اإلحيــاء‬
‫تكــون مــن األرايض املــوات‪ ،‬والقليــل جــداً مــن بيــت مــال‬ ‫هلــم كملــك مــا أحيــوا ‪ .»...‬فــإذا ُملكــت األرايض املــوات‬ ‫البــاب‪ ،‬ألنــه ال يصــر مراح ـاً وحظــرة مبــا دون ذلــك ‪21.»...‬‬ ‫معتــرة بالعــرف فيــا يــراد لــه اإلحيــاء‪ ،‬ألن رســول اللــه صــى‬
‫املســلمني إذا مــا قورنــت باملــوات‪.‬‬ ‫لبيــت املــال‪ ،‬لــكان التــرف هبــا يف أيــدي احلــكام وأهوائهــم‪،‬‬ ‫ومــن هــذا يتضــح أن األعــراف هــي التــي حتــدد معــى اإلحيــاء‪.‬‬ ‫اللــه عليــه وســلم أطلــق ذكــره إحالــة عــى العــرف املعهــود‬
‫وهــذه كارثــة كــا ســرى‪ .‬ويقــول اإلمــام حممــد أبــو زهــرة يف‬ ‫وســنعلق عــى اإلحيــاء بعــد توضيــح اإلقطــاع الشــراكهام يف‬ ‫فيــه‪ ،‬فــإن أراد إحيــاء املــوات للســكىن كان إحيــاؤه بالبنــاء‬
‫ثــم يــأيت الســؤال‪ :‬إذا كان للنــاس إحيــاء املــوات دون‬
‫أهــواء احلــكام‪« :‬وقــد رأينــا بعــض الذيــن يكتبــون يف املســائل‬ ‫بعــض اخلصائــص‪.‬‬ ‫والتســقيف‪ ،‬ألنــه أول كــال العــارة التــي ميكــن ســكناها»‪.‬‬
‫إذن اإلمــام؛ فلــاذا اإلقطــاع مــن األرايض املــوات؟ أي إذا كان‬
‫اإلســامية يقــول‪ :‬إن امللكيــة وظيفــة اجتامعيــة وال نــرى‬ ‫ويظهــر أنــه الختــاف األعــراف مــن منطقــة إىل أخــرى‬
‫للنــاس اإلحيــاء مــن املــوات‪ ،‬فلــاذا يذهبــون للســلطان أو‬
‫مانعـاً مــن اســتعامل هــذا التعبــر‪ ،‬ولكــن جيــب أن يعــرف أهنــا‬ ‫ا‪،‬‬‫اختلفــت آراء الفقهــاء يف حتديــد املطلــوب لإلحيــاء‪ .‬فمثــ ً‬
‫ينتظرونــه ليقطعهــم؟ فبإمكاهنــم اإلحيــاء ! واإلجابــة هــي أن‬
‫بتوظيــف اللــه تعــاىل ال بتوظيــف احلــكام؛ ألن احلــكام ليســوا‬
‫اإلقطاع‬ ‫ال يشــرط أبــو يعــى احلنبــي (ت ‪ )458‬التســقيف لإلحيــاء‬
‫اســتخدام اإلقطــاع تركــز أكــر يف حالــة بنــاء املــدن اجلديــدة‬
‫دامئــا عادلــن‪ ،‬فلــو كانــوا عادلــن دامئــا كعمــر بــن اخلطــاب أو‬ ‫املســ َت ْقطَع (أي‬
‫اإلقطــاع هــو إقطــاع اإلمــام (احلاكــم) ْ‬ ‫للســكىن مثــل املــاوردي‪ ،‬فيقــول‪« :‬وصفــة اإلحيــاء فيــا يــراد‬
‫كبغــداد‪ .‬وهــذا واضــح مــن كــرة مــا ُد ّون مــن اإلقطاعــات يف‬
‫عثــان بــن عفــان أو الصديــق أو عــي أو عمــر بــن عبــد العزيز‬ ‫الشــخص الــذي ســيأخذ األرض) قــدر مــا يته َّيــأ لــه عامرتــه‪،‬‬ ‫للســكىن حيازهتــا ببنــاء حائــط‪ ،‬وال يشــرط فيــه تســقيف‬
‫ا يف‬‫كتــب التاريــخ‪ .‬فلقــد اســتخدمها البــاذري (ت ‪ )279‬مث ـ ً‬
‫لقلنــا‪ :‬إن التوظيــف منهــم ســيكون دامئـاً يف دائــرة العــدل واحلق‬ ‫كأن يعطــي احلاكــم أرض ـاً لرجــل يف منطقــة مــا ليعمرهــا كــا‬ ‫البنــاء»؛ أمــا بالنســبة للزراعــة فيقــول‪« :‬وفيــا يــراد للــزرع‬
‫كتابــه فتــوح البلــدان يف أكــر مــن مخســن موضعـاً‪ .‬ويف أحــد‬
‫ال فســنجد غــره‬ ‫ومــا رشعــه اللــه تعــاىل‪ ،‬ولكــن إذا صادفنــا عــاد ً‬ ‫هــو احلــال يف أيامنــا هــذه‪ ،‬وهــي مــا تعــرف بـــ «أرايض املنــح»‬ ‫والغــرس أحــد شــيئني‪ :‬إمــا حيازهتــا بحائــط‪ ،‬أو ســوق املــاء‬
‫هــذه املواضــع يقــول‪« :‬ثــم اســتخلف أمــر املؤمنــن جعفــر‬
‫املتــوكل عــى اللــه‪ ،‬رمحــه اللــه‪ ،‬يف ذي احلجــة ســنة إثنــن‬
‫مــراراً ‪ .»...‬ويقــول ابــن رجــب احلنبــي يف اســتيالء امللــوك‬ ‫يف بــاد احلرمــن‪ 22.‬وبالطبــع ال يكــون للســلطان إقطــاع مــا‬ ‫إليهــا إن كانــت يبســاً‪ ،‬أو حبســه عنهــا إن كانــت بطائــح (‬
‫عــى ســواد العــراق واســتقطاعهم واســتصفاؤهم ألنفســهم‬ ‫كان مملــوكاً ألحــد‪ ،‬ولكــن لــه أن يقطــع مــن املــوات‪ ،‬أو ممــا‬ ‫ســاحل البطيحــة وهــي األرض ذات املــاء املســتنقع)‪ ،‬ألن إحيــاء‬
‫ـاء كثــر ًا وأقطــع‬
‫وثالثــن ومائتــن‪ ،‬فأقــام باهلــاروين وبــى بنـ ً‬
‫وأعواهنــم‪« :‬وهلــذا كان أهــل الــورع الدقيــق مــن العلــاء‬ ‫متلكــه الدولــة (بيــت املــال)‪ .‬واإلقطــاع نوعــان‪ :‬إقطــاع متليــك‬ ‫اليبــس بســوق املــاء إليــه‪ ،‬وإحيــاء البطائــح بحبــس املــاء عنهــا‬
‫النــاس يف ظهــر رس مــن رأى باحلائــر الــذي كان املعتصــم‬
‫باللــه احتجــره هبــا قطائــع‪ ،‬فاتســعوا هبــا وبــى مســجداً جامعـاً‬
‫كابــن ســرين والثــوري وأمحــد يتشــددون يف قطائــع األمــراء‬ ‫الـــم ْقطَ َعة إىل‬
‫ُ‬ ‫وإقطــاع اســتغالل‪ .‬وقــد قســم العلــاء األرض‬ ‫حتــى ميكــن زرعهــا وغرســها»‪ .‬وإحيــاء قريــة يف الصحــراء‬
‫كبــراً وأعظــم النفقــة عليــه وأمــر برفــع منارتــه لتعلــو أصــوات‬
‫وصوافهــم ألنفســهم وأعواهنــم‪ ،‬وال يــرون الســكىن فيهــا وال‬ ‫ثالثــة أقســام‪ :‬مــوات وعامــر ومعــادن‪ 23.‬وســركز هنــا عــى‬ ‫يكــون‪ ،‬كــا يقــول الشــيخ حممــد ابــو زهــرة «بتســوية أرضهــا‪،‬‬
‫األكل مــن زرعهــا ألهنــا يف أيدهيــم كالغصــب‪ ،‬ألهنــا مــن مــال‬ ‫املــوات والــذي ق ُّســم أيضـاً إىل نوعــن‪ :‬األول هــي األرض التــي‬ ‫وبنــاء جــدر حوهلــا وتقســيمها بيوتــاً ودوراً وحوانيتــاً ونحــو‬
‫املؤذنــن فيهــا حتــى نظــر إليهــا مــن فراســخ‪ ،‬فجمــع النــاس‬
‫الفــيء‪ ،‬وهــم مســتولون عليهــا بغــر حــق وال يعطــون املســلمني‬ ‫كانــت وال تــزال موات ـاً‪ ،‬ملــا روى وائــل بــن حجــر «أن رســول‬ ‫ذلــك»‪ .‬وال يشــرط مللكيــة األرض املحيــاة بــأن تســكن أو‬
‫فيــه وتركــوا املســجد األول‪ ،‬ثــم أنــه أحــدث مدينــة ســاها‬
‫بخــراج وال غــره»‪26.‬‬ ‫اللــه صــى اللــه عليــه وســلم أقطعــه أرضــاً فأرســل معاويــة‬ ‫تــزرع‪ ،‬إمنــا هتيئتهــا فقــط للزراعــة أو الســكن‪ .‬ويف هــذا‬
‫املتوكليــة وعمرهــا وأقــام هبــا وأقطــع النــاس القطائــع»‪28.‬‬

‫وإذا مل تكــن األرايض غــر اململوكــة ملــكاً لبيــت مــال‬ ‫أن أعطــه إيــاه أو أعلمــه إيــاه»‪ 24.‬والنــوع الثــاين هــي األرض‬ ‫يقــول املــاوردي (وهــو شــافعي املذهــب)‪« :‬وغلــط بعــض‬
‫وكل مــا أريــد أن أخلــص إليــه مــن الســابق‪ ،‬هــو أن‬ ‫التــي كانــت عامــرة وخربــت فصــارت مواتــاً‪ .‬وهــذا النــوع‬ ‫أصحــاب الشــافعي فقــال‪ :‬ال ميلكــه (أي األرض املحيــاة) حتــى‬
‫املســلمني‪ ،‬فالســؤال يف هــذه احلالــة هــو‪ :‬ماهــي األرايض‬
‫األرايض غــر العامــرة مل تكــن مملوكــة ال ألفــراد وال لبيــت مــال‬ ‫جيــوز للحاكــم إقطــاع مــا كان معمــور ًا منــه بغــر املســلمني‪،‬‬ ‫يزرعــه أو يغرســه‪ ،‬وهــذا فاســد ألنــه مبنزلــة الســكىن التــي ال‬
‫العامــرة والتــي ميلكهــا بيــت املــال‪ ،‬و ُي ْق ِطــع منهــا الســلطان‬
‫املســلمني‪ ،‬وأن هــذه األرايض كانــت تعتــر مواتـاً‪ ،‬وأن اإلحيــاء‬ ‫واختلــف الفقهــاء يف حكــم مــا إذا كانــت بيــد املســلمني قبل أن‬ ‫تعتــر يف متلــك املســكون»‪ .‬ويف توضيــح صفــة احلائــط املــراد‬
‫لألفــراد إضافــة إىل األرايض املــوات؟ وال أقصــد يف هــذا الســؤال‬
‫واإلقطــاع مهــا الوســيلتان األساســيتان البتــداء امللكيــة يف أي‬ ‫تصــر خرابـاً؛ وأقواهلــم هــي نفــس األقــوال بشــأن اإلحيــاء‪25.‬‬ ‫حتويــط األرض هبــا إلحيــاء األرض يقــول ابــن قدامــة‪« :‬والبــد‬
‫األرايض التــي هبــا املعــادن‪ ،‬ولكــن األرايض الصاحلــة لإلعــار‬
‫منطقــة عامــرة‪ .‬وأن إقطــاع األرايض كان أمــر ًا شــائعاً وعمــل به‬ ‫أن يكــون احلائــط منيع ـاً مينــع مــا وراءه ويكــون ممــا جــرت‬
‫مــن ســكن أو زرع أو اســتثامر للــال أو املجهــود مثــل إنشــاء‬ ‫ولكــن تذكــر أخــي القــارئ أنــه اســتناد ًا إىل مــا ُشح يف‬
‫الكثــر مــن احلــكام؛ وهذا معنــاه أن األرايض املــوات يف الغالب‪،‬‬ ‫العــادة مبثلــه وخيتلــف باختــاف البلــدان فلــو كان ممــا جــرت‬
‫مصنــع أو مزرعــة‪ .‬ويف هــذا نحتــاج إىل بحــث شــامل لتحديــد‬ ‫امللكيــة عــن احلاجــة والســيطرة‪ ،‬فــإن بيــت مــال املســلمني ال‬
‫واألرايض اململوكــة لبيــت املــال أحيان ـاً‪ ،‬متلــك باإلحيــاء (كــا‬ ‫عادهتــم باحلجــارة وحدهــا كأهــل حــوران وفلســطني أو بالطــن‬
‫طــرق ورود األرايض العامــرة لبيــت مــال املســلمني‪ .‬والظاهر يل‬ ‫ميلــك األرض غــر اململوكة ســواء كانــت لألفــراد أو للجامعات‪،‬‬
‫ســرى يف الفصــل اخلامــس)‪ .‬أي أنــه مل يكــن هنــاك أي عائــق‬ ‫كالفطائــر ألهــل غوطــة دمشــق أو باخلشــب أو بالقصــب‬
‫اآلن هــو أن مــن أهــم هــذه الطــرق‪ :‬الصــوايف واألرايض املعطــاة‬ ‫أي أن الدولــة ال متلــك األرض غــر اململوكــة كاملــوات؛ وهــذا‬
‫أمــام مــن أراد أن يعمــل ليمتلــك قطعــة مــن األرض؛ والــكل‬ ‫كأهــل الغــور كان ذلــك إحيــاء»‪ .‬ويف املجمــوع‪« :‬واإلحيــاء‬
‫يعلــم أن هــذه هــي العقبــة األوىل يف أيامنــا هــذه‪ .‬والســؤال‬
‫لبيــت املــال مــن النــاس والغنائــم‪ .‬وكل هــذه املصــادر نــادرة يف‬ ‫مــن ِحكْمــة الشــارع‪ :‬فــاألرض أرض اللــه والعبــاد عبــاد اللــه‪.‬‬
‫الــذي ميلــك بــه أن يعمــر األرض ملــا يريــده‪ ،‬ويرجــع يف ذلــك‬
‫أيامنــا هــذه‪ .‬فالصــوايف هــي مــا أصطفــاه اإلمــام لبيت املــال من‬ ‫ويف هــذا يقــول الشــافعي بعــد ذكــر حديثــن لإلحيــاء‪« :‬ففــي‬
‫ل ال يتنافــس األفــراد‪ ،‬وبالــذات‬ ‫البدهــي يف هــذه احلالــة هــو‪َ ِ :‬‬ ‫إىل العــرف‪ ،‬ألن النبــي صــى اللــه عليــه وســلم أطلــق اإلحيــاء‬
‫فتــوح البــاد‪ :‬كأمــوال احلــكام وأهليهــم أو أمــوال رجــل قتــل‬ ‫هذيــن احلديثــن وغريمهــا الداللــة عــى أن املــوات ليــس ملــكا‬
‫املحتاجــون منهــم‪ ،‬يف إحيــاء األرض وإعامرهــا إذا علمــوا أن‬ ‫ومل يبــن فحمــل عــى املتعــارف‪ ،‬فــإن كان يريــده للســكىن‬
‫يف احلــرب أو مــا هــرب عنــه أربابــه‪ ،‬ومثــال لذلــك مــا أصطفــاه‬ ‫ألحــد بعينــه ‪ ...‬واملدينــة بــن البتــن تنســب إىل أهلهــا مــن‬
‫كل أرض مــوات متلــك بالعمــل‪ ،‬وأن أي قطعــة أرض ال مالــك‬ ‫فــأن (كــذا‪ ،‬وقــد تكــون كأن) يبــي ســور الــدار مــن اللــن‬
‫عمــر بــن اخلطــاب ريض اللــه عنــه مــن أرض الســواد ووضــع‬ ‫األوس واخلــزرج ومــن فيــه مــن العــرب والعجــم‪ ،‬فلــا كانــت‬
‫هلــا تعتــر موات ـاً ؟ ألــف نعــم‪ :‬ســيعملون وحييــون املــوات‪.‬‬

‫‪69‬‬ ‫‪68‬‬
‫أيضـاً عــى الظاهــر مــن املذهــب الشــافعي‪ ،‬وجــوزه كثــر مــن‬ ‫ففــي حاشــية الباجــوري (ت ‪« :)1277‬فــإن طالــت عرفــا مــدة‬
‫استثامر املجهودات‬ ‫أصحــاب الشــافعي‪ .‬ولقــد كان بعــض احلــكام يأخــذون األرض‬ ‫حتجــره بــا عــذر قــال لــه اإلمــام‪ :‬احيــي أو اتــرك»‪ 32.‬ومــن‬ ‫قواعد اإلحياء واإلقطاع‬
‫التــي ِ‬
‫عجــز عــن عامرهتــا امل ُ ْقطَــع لــه لتعطــى لغــره‪ .‬فيذكــر‬ ‫كل هــذا يتضــح أن األرض املحتجــره ال تعتــر مملوكــة عــى رأي‬
‫كــا الحظنــا فالبــد للمحيــي أو املقطعــة لــه األرض مــن‬ ‫البــاذري بــأن زيــاداً «كان يقطــع الرجــل القطيعــة ويدعــه‬ ‫أكــر الفقهــاء‪ ،‬وال جيــوز بيعهــا إذا مل حتيــى‪ :‬ويف هــذا يقــول‬ ‫ليســت مبــادئ امللكيــة (الســيطرة واالســتخدام) هــي‬
‫وضــع بعــض املجهــود مــن عــارة أو زراعــة ليمتلــك األرض‪.‬‬ ‫ســنتني فــإن عمرهــا وإال أخذهــا منــه‪ ،‬فكانــت اجلمــوم أليب‬ ‫أبــو يعــى احلنبــي‪« :‬فلــو أراد املحتجــر عــى األرض بيعهــا قبــل‬ ‫التــي حثــت النــاس عــى العمــل إلمتــاك عقــار فقــط‪ ،‬بــل‬
‫وحتــى لإلحتجــار‪ ،‬فالبــد للشــخص مــن بــذل بعــض املجهــود‬ ‫بكــر ثــم صــارت لعبــد الرمحــن ابــن أيب بكــرة ‪ 33.»...‬ويظهــر‬ ‫إحيائهــا مل جيــز عــى ظاهــر كالم أمحــد ‪» ...‬؛ ومل جيــز بيعهــا‬ ‫أغلــب قواعــد اإلحيــاء واإلقطــاع‪ ،‬إن مل تكــن مجيعهــا‪،‬‬
‫ا‪ .‬أي أن‬ ‫للحصــول عــى حــق االختصــاص مثــل بنــاء حائــط مثـ ً‬ ‫أن مبــدأ اســرجاع األرض املقطعــة ممــن ال يقــدر عــى إحيائهــا‬ ‫شــجعت األفــراد ودفعتهــم للمبــادرة والعمــل المتــاك أرض‬ ‫َّ‬
‫مبــدأ امللكيــة باســتثامر بعــض املــال أو املجهــود قــد يــؤدي إىل‬ ‫بــدأت بفعــل عمــر بــن اخلطــاب ريض اللــه عنــه عندمــا أخــذ مــا‬ ‫ووضعهــا يف اإلذعــاين املتحــد‪ ،‬وســأذكر بعــض هــذه القواعــد‬
‫‪2.2‬‬
‫التشــاح (النــزاع) بــن النــاس‪ .‬فقــد يقــوم شــخص مــا بإحيــاء‬ ‫مل يتمكــن بــال بــن احلــارث مــن إحيائــه مــن األرض املقطعــة‬ ‫(االحتجــار واإلمهــال واســتثامر املجهــودات وإذن اإلمــام أو‬
‫أرض ميلكهــا آخــر ظنــاً منــه أهنــا مــوات‪ ،‬أو حتــى عمــد ًا‬ ‫ٍ‬ ‫لــه مــن رســول اللــه صــى اللــه عليــه وســلم‪34.‬‬ ‫الســلطات) ثــم أعلــق عليهــا جمتمعــة‪.‬‬
‫لــإرضار بــه‪ .‬ويف هــذه احلالــة‪ ،‬فــإن جمهــودات هــذا الــذي‬
‫اســتثمر يف أرض غــره ال تضيــع‪ .‬فكيــف هــذا؟‬
‫اإلمهال‬ ‫االحتجار‬
‫قــال صلــوات اللــه وســامه عليــه‪« :‬مــن زرع يف أرض‬
‫قــوم بغــر إذهنــم فلــه نفقتــه‪ ،‬وليــس لــه مــن الــزرع يشء»‪.‬‬ ‫لقــد قــال مجهــور الفقهــاء إن امللــك ال يكــون مرهونــاً‬ ‫االحتجــار هــو تعليــم األرض املــوات أو األرض امل ُ ْقطعــة‬
‫ا أحيــا أرض ـاً موات ـاً؟ فغــرس فيهــا‪ ،‬وعمــر‪،‬‬ ‫بوقــت معــن عنــد ثبوتــه‪ ،‬أي ال يكــون كملكيــة املنافــع لفــرة‬ ‫ُبغيــة البــدء يف إحيائهــا؛ وقــد يكــون التعليــم بوضــع عالمــات‬
‫وقــد ورد أن «رج ـ ً‬
‫فأقــام رجــل البينــة أهنــا لــه‪ ،‬فاختصــا إىل عمــر بــن اخلطــاب‪،‬‬ ‫معلومــة مثــل املســتأجر للمنــزل أو احلانــوت أو كملكيــة‬ ‫مــن احلجــارة أو الــراب أو غــرس أخشــاب أو تســوير األرض‬
‫‪3.2‬‬ ‫بحائــط أو شــوك أو ماشــابه ذلــك‪ ،‬ل ُيســتدل عــى حدودهــا‬
‫قومنــا عليــك مــا أحــدث‬ ‫فقــال لصاحــب األرض‪ :‬إن شــئت ّ‬ ‫شــخص لــدار أو مزرعــة لفــرة طويلــة معلومة كتســع وتســعني‬
‫هــذا‪ ،‬فأعطيتــه إيــاه‪ ،‬وإن شــئت أن يعطيــك قيمــة أرضــك‬ ‫ســنة‪ .‬بــل إن ملكيــة األعيــان يف الرشيعــة هــي ملكيــة مؤبــدة‬ ‫(الصورتــان ‪ 2.2‬و ‪ .)3.2‬وقــد ورد أن رســول اللــه صــى اللــه‬
‫أعطــاك»‪ 38.‬أمــا إذا أىب صاحــب األرض أن يعطــي العامــر قيمــة‬ ‫مــا مل يكــن هنــاك ســبب ناقــل للملــك مثــل البيــع‪ .‬لذلــك‬ ‫ـادي األرض للــه وللرســول ثــم لكــم مــن‬
‫عليــه وســلم قــال‪« :‬عـ ّ‬
‫عامرتــه‪ ،‬فيقــول ابــن الرامــي (وهــو ب ّنــاء وفقيــه مــن املذهــب‬ ‫يــأيت الســؤال ‪ :‬هــل يــزول امللــك باإلعــراض عــن اململــوك أو‬ ‫بعــد‪ ،‬فمــن أحيــا أرض ـاً ميتــة فهــي لــه‪ ،‬وليــس ملحتجــر حــق‬
‫املالــي وتــويف يف منتصــف القــرن الثامــن اهلجــري)‪« :‬تكــون‬ ‫ــك مــن األعيــان‬ ‫إمهالــه؟ اتفــق مجهــور الفقهــاء بــأن مــا ام ُتلِ َ‬ ‫بعــد ثــاث ســنني»‪ ،‬وقــال عمــر بــن اخلطــاب ريض اللــه عنــه‪:‬‬
‫(أي األرض) رشكــة بينهــا‪ ،‬رب األرض بقيمــة أرضــه براحــاً‪،‬‬ ‫ال يقبــل اإلســقاط؛ كمــن أطلــق دابتــه وأخذهــا آخــر‪ ،‬فــإن‬ ‫«مــن أحيــا أرض ـاً ميتــة فهــي لــه‪ ،‬وليــس ملحتجــر حــق بعــد‬
‫والعامــر بقيمــة عامرتــه‪ ،‬وال جيــر العامــر أن يعطــي لــرب‬ ‫اآلخــر ال ميلكهــا؛ وكذلــك األرض املشــراه أو املعطــاه‪ ،‬ال‬ ‫ال كانــوا حيتجــرون مــن األرض‬ ‫ثــاث ســنني»‪ ،‬وذلــك ألن رجــا ً‬
‫األرض قيمــة أرضــه وخيرجــه منهــا»‪ 39.‬ويف كتــاب األمــوال‪:‬‬ ‫تــزول ملكيتهــا بإمهــال مالكهــا حتــى وإن صــارت خراب ـاً‪35.‬‬ ‫مــا ال يعملــون فيهــا‪ .‬ويضيــف ابــو يوســف (ت ‪« :)182‬فــإن مل‬
‫«مــن ابتــى يف أرض قــوم‪ ،‬وهــم شــهود‪ ،‬فــإن مل ينكــروا فهــم‬ ‫ولكــن هنــاك اســتثناءات هلــذه القاعــدة‪36.‬‬ ‫حيييهــا (أي املحتجــر) بعــد ثــاث ســنني فهــو يف ذلــك والنــاس‬
‫ضامنــون لقيمــة بنائــه‪ .‬وإن هــم أنكــروا فلــه نقضــه‪ ،‬وعليــه‬ ‫رشع واحــد‪ ،‬فــا يكــون أحــق بــه بعــد ثــاث ســنني»‪ 29.‬وأمــا‬
‫ومــاذا عــن األرض املحيــاة‪ ،‬هــل تســقط ملكيتهــا‬
‫مــا أحــدث يف أرضهــم»‪ 40.‬كــا أن هنــاك مبــدأ مأخــوذاً بــه يف‬
‫الشكل‬ ‫بالنســبة لالحتجــار كخطــوة أوىل لإلحيــاء فــإن املذهــب احلنفي‬
‫باإلمهــال؟ هنــاك قــول بــأن مــا ُملــك باإلحيــاء ثــم تــرك حتــى‬ ‫‪1.2‬‬
‫أكــر األقــوال وهــو أن املحيــي أحــق مــن املتحجــر‪ ،‬أي أنــه‬ ‫يعتــر املحتجــر «أحــق بــاألرض مــن غــره حتــى مل يكــن‬
‫عــاد موات ـاً فهــو كالــذي قبلــه ســواء‪ .‬فقــال مالــك (ت ‪:)179‬‬
‫إذا حتجــر شــخص أرضـاً فعطلهــا فجــاء آخــر فعمرهــا فاملحيــي‬ ‫لغــره أن يزعجــه ألنــه ســبقت يــده إليــه والســبق مــن أســباب‬
‫«ميلــك هــذا لعمــوم قولــه‪ :‬مــن أحيــا أرضــاً ميتــة فهــي لــه‪،‬‬
‫أحــق هبــا‪ 41.‬وأخــراً‪ ،‬هنــاك الكثــر مــن النــوازل (احلــاالت‬ ‫الرتجيــح ‪ ...‬وال يقطعهــا اإلمــام غــره»‪ 30.‬ويعتــر الشــافعية‬
‫وألن أصــل هــذه األرض مبــاح‪ ،‬فــإذا تركــت حتــى تصــر مواتـاً‬
‫القضائيــة) املدونــة مــن القــرن األول والتــي يتضــح فيهــا بجــاء‬ ‫املحتجــر أحــق مــن غــره اختصاصــاً ال ملــكاً‪ .‬ففــي هنايــة‬
‫ـاء مــن هنــر ثــم رده فيــه»‪.‬‬
‫عــادت إىل اإلباحــة كمــن أخــذ مـ ً‬
‫تصــادم املجهــودات‪ ،‬ومجيــع هــذه النــوازل‪ ،‬والتــي اســتخدمها‬ ‫املحتــاج‪« :‬مــن رشع يف عمــل إحيــاء مل يتمــه كحفــر األســاس‬
‫وذهــب بعــض احلنفيــة إىل قــول مشــابه‪ ،‬ألهنــم اعتــروا اإلحياء‬
‫ضيــع جمهــود مــن عمــل يف‬ ‫الفقهــاء الســتنباط األحــكام‪ ،‬ال ُت‬ ‫إن فكـرة اإلحيـاء بعـد االحتجـار ال تزال متـارس يف بعض‬ ‫أو علــم عــى بقعــة بنصــب أحجــار ‪ ...‬فمتحجــر عليــه‪ ،‬أي‬
‫ُ‬ ‫إثبــات مللــك االســتغالل وليــس الرقبــة‪ .‬ولكــن هــذا الــرأي‬
‫املواقع من العـامل اإلسالمي والتي مل تـصل إليها الـسلطات‬ ‫مانــع لغــره منــه مبــا فعلــه‪ ،‬وحينئــذ هــو أحــق بــه مــن غــره‪،‬‬
‫األرض إال إذا كان متعديـاً؛ ويف هــذه احلالــة فللمتعــدي مــا بــذل‬ ‫خيالفــه مجهــور احلنفيــة والشــافعية واحلنابلــة‪ ،‬فيقــول ابــن‬ ‫بعد‪ .‬فـالصورة ‪ 2.2‬من هجـرة الدغيميـة برشق بالد احلرمني‬ ‫اختصاصــاً ال ملــكاً»‪31.‬‬
‫يف األرض منقوضــاً‪42.‬‬
‫قدامــة‪« :‬ولنــا‪ :‬أن هــذه األرض (يعــي األرض املحيــاة) يعــرف‬ ‫تريك احتجـار أرض بـأعمـدة خـشبيــة ثم البــدء يف البنـاء‪.‬‬
‫مالكهــا‪ ،‬فلــم متلــك باإلحيــاء كالتــي ملكــت بــراء أو عطيــة‬ ‫بـينام تــوضح الـصــورة ‪ 3.2‬أرض حمـتجــرة بـــأعمــدة‬ ‫وقــد تــرك بعــض فقهــاء الشــافعية واحلنابلــة مــدة‬
‫ٕ‬
‫‪ ...‬وألن ســائر األمــوال ال يــزول امللــك عنهــا بالــرك ‪37.»...‬‬ ‫حياوها‪ .‬الحظ مواقع األعمدة يف الشكل ‪1.2‬‬ ‫وقـــد تم ا ٔ‬ ‫االحتجــار لــرأي اإلمــام وللعــرف ومل يقيدوهــا بثــاث ســنني‪،‬‬

‫‪71‬‬ ‫‪70‬‬
‫حتــى إذا توفــرت لــك قطعــة مــن األرض فمــن أيــن لــك املــال‬ ‫الفريــق أن األرض التــي وهبــت لــه كإقطــاع إذا مل ُتع ّمــر يف‬ ‫ثــم التفــت إىل عــروة بــن الزبــر قــال فقــال‪ :‬مــا تقــول؟ قــال‪:‬‬
‫لبنــاء املنــزل؟» فأجاب‪«:‬ســأبدأ ببنــاء غرفــة مــن أي مــواد‬ ‫فــرة معلومــة (ثــاث ســنوات يف الغالــب) فسـ ُتأخذ منــه فالبــد‬ ‫أقــول إن أبعــد الثالثــة مــن هــذه األرض أمــر املؤمنــن‪ ،‬قــال‪:‬‬ ‫إذن اإلمام أو السلطات‬
‫بنائيــة أجدهــا ملقــاة خــارج أحــد املبــاين مــن طــوب أو آجــر‬ ‫لــه مــن العمــل‪ .‬وإذا علــم الفريــق بــأن األرض التــي احتجرهــا‬ ‫ومل؟ قــال‪ :‬ألن رســول اللــه صــى اللــه عليــه وســلم قــال‪« :‬العباد‬
‫أو خشــب أو صفائــح معدنيــة‪ ،‬ويف كل ســنة ســأضيف غرفــة‬ ‫أو التــي أخذهــا كإقطــاع ال تعتــر ملــكاً لــه‪ ،‬وقــد حيييهــا‬ ‫عبــاد اللــه والبــاد بــاد اللــه ومــن أحيــا أرضـاً ميتــة فهــي لــه»‪.‬‬ ‫هنــاك خــاف بــن الفقهــاء يف احلاجــة إىل إذن اإلمــام‬
‫أو حتــى حائط ـاً» قلــت لــه‪« :‬ولكــن منظــر املدينــة ســيكون‬ ‫آخــرون ويأخذوهنــا منــه‪ ،‬ألن املحيــي أحــق مــن املحتجــر يف‬ ‫قــال فقــال عبــد امللــك‪ :‬أنظــروا إىل هــذا يشــهد عــى رســول‬ ‫لإلحيــاء‪ ،‬فجمهــور العلــاء باســتثناء اإلمــام أيب حنيفــة وبعــض‬
‫قبيحــا هبــذه الطريقــة !» فأجــاب‪« :‬أهيــا أهــم‪ :‬منظــر املدينــة‬ ‫ملكيــة األرض‪ ،‬فســيثابر للعمــل إلثبــات إعامرهــا ليمتلكهــا‪.‬‬ ‫اللــه صــى اللــه عليــه وســلم مبــا مل يســمع منــه‪ .‬قــال عــروة‪:‬‬ ‫فقهــاء املذهــب احلنفــي قالــوا إن مــن أحيــى مواتــاً ملكــه‬
‫بالنســبة لــك أم ســر أهــي؟ ومــن قــال لــك أنــي لــن أقــوم‬ ‫ـان أو غــرس يضعــه‬ ‫وإذا علــم فريــق مــا أن أي اســتثامر مــن مبـ ٍ‬ ‫أفأُ ك ّفــر أو أكــذّ ب ممــا مل أســمع منــه‪ ،‬أســمعته يقــول‪ :‬الظهــر‬ ‫حتــى وإن كان ذلــك مــن غــر إذن اإلمــام‪ 43.‬والظاهــر هــو‬
‫بتشــطيب ودهــان املنــزل مســتقبال؟ ولكــن هنــاك أولويــات‪،‬‬ ‫يف أرض مــوات ثــم يتضــح بأهنــا مملوكــة لقــوم آخريــن‪ ،‬فــإن‬ ‫أربــع والعــر كــذا واملغــرب كــذا‪ ،‬إن الذيــن جاؤنــا هبــذا هــم‬ ‫أن هــذا اخلــاف نتــج مــن عــدة أمــور منهــا‪ :‬حماولــة جتنيــب‬
‫النــاس التشــاح وهــو ســبب اشــراط أيب حنيفــة إلذن اإلمــام‪44،‬‬
‫فبعــد بنــاء املنــزل مــن الداخــل ســأقوم بالدهــان اخلارجــي‪ .‬يــا‬ ‫ـاء بــل سـ ُي ْدف َُع لــه مــا بذلــه يف األرض أو‬ ‫جاؤنــا هبــذا»‪49.‬‬
‫اســتثامره لــن يضيــع هبـ ً‬
‫حــرة املهنــدس‪ :‬حــاول أن تفهــم بأنــي مــن غــر دار أمتلكهــا‬ ‫يصبــح رشيــكاً ملالــك األرض فإنــه بالتأكيــد ســيفكر يف العمــل‪.‬‬ ‫ومنهــا الرجــوع إىل حديــث الرســول صــى اللــه عليــه وســلم‪:‬‬
‫فأنــا مهمــوم وكأنــي عضــو مشــلول يف هــذا املجتمــع‪ ،‬ولقــد‬ ‫«ليــس ألحــد إال مــا طابــت بــه نفــس إمامــه»‪ 45،‬ومنهــا األخــذ‬
‫ســمعت عــن الكثــر مــن الشــباب الذيــن قبلــوا الرشــاوي‬
‫أرأيتــم كيــف أن الرشيعــة دفعــت النــاس للعمــل‬ ‫احلث عىل العمل‬ ‫بحديــث اإلحيــاء نفســه‪ ،‬هــل قالــه الرســول صــى اللــه عليــه‬
‫وامتــاك األرض دون أي عقبــة‪ .‬فــإذا قــرأت مــا كتبتــه ســابقاً‬ ‫وســلم باعتبــاره إمام ـاً حاك ـاً أو مرشع ـاً‪ 46.‬وقــد فــرق اإلمــام‬
‫وتنازلــوا عــن مبادئهــم ال لــيء إال حلاجتهــم للمســكن‪،‬‬ ‫واآلن لنلخــص قواعــد اإلحيــاء واإلقطــاع ومــا تعنيــه‬
‫عــن اإلحيــاء واإلقطــاع ورشوطهــا وقواعدمهــا فســتدرك أن‬ ‫مالــك بــن األرايض املجــاورة للعامــر واألرايض البعيــدة عنــه‪،‬‬
‫حــاول أن تفهــم بــأن املجتمــع لــن يســر قدم ـاً وفيــه أعضــاء‬ ‫هــذه القواعــد لألفــراد‪ .‬مــن كل مــا ســبق تتضــح لنــا حقيقــة‬
‫هــدف الرشيعــة هــو إزالــة العقبــات أمــام مــن أراد العمــل‬ ‫واشــرط إذن اإلمــام للمجــاور للعامــر‪ .47‬غــر أن الــذي‬
‫مشــلولون مثــي ومثــل أولئــك املرتشــن»‪ .‬فقلــت يف نفــي‪ :‬يــا‬ ‫ثابتــة وهــي أن األرض مل تكــن هلــا قيمــة رشائيــة‪ ،‬ومل تقــم‬
‫ومــن ثــم امتــاك األرض‪ .‬وهنــاك نتيجــة هامــة‪ :‬وهــي أن حــق‬ ‫طبــق يف البيئــة التقليديــة يف الغالــب هــو رأي مجهــور األمئــة‬
‫حلكمــة الرشيعــة‪ .‬وأذكــرك مــرة أخــرى أخــي القــارئ‪ ،‬فــإذا‬ ‫الدولــة قــط أو أي مؤسســة حكوميــة ببيعهــا‪ ،‬ولكــن كانــت‬
‫االســتخدام وحــق الســيطرة معـاً جيلبــان للفريــق العامــل حــق‬ ‫مثــل الشــافعي وأمحــد بــن حنبــل وأيب يوســف وغريهــم (كــا‬
‫ا‬
‫قــرأت مــا ذكرتــه عــن اإلحيــاء واإلقطــاع مــرة أخــرى متأمـ ً‬ ‫امللكيــة؛ وهبــذا تتحــول األرايض املــوات إىل ٍ‬ ‫مــن نصيــب أولئــك الذيــن يعملــون هبــا مقابــل إعامرهــا‪ .‬وهــذه‬
‫أراض عامــرة يف‬ ‫ســيتضح يف الفصــل اخلامــس) ألهنــم رأو أن أحاديــث اإلحيــاء‬
‫النقــاط التــي أرشت إليهــا يف «احلــث عــى العمــل» فســتدرك‬ ‫احلقيقــة‪ ،‬وبرغــم بســاطتها‪ ،‬تعــي الكثــر بالنســبة للبيئــة‪:‬‬
‫ـاء عليــه فــإن غالبيــة العقــارات اململوكــة‬
‫اإلذعــاين املتحــد‪ .‬وبنـ ً‬ ‫واضحــة وجيــب أن ال ُيشــرط إذن اإلمــام المتــاك األرض‬
‫عظــم الرشيعــة يف تســهيل أمــور مــن أراد إعــار األرض برغــم‬ ‫ــرق وحثهــم عــى العمــل‪ .‬أي أن‬ ‫ِ‬
‫يف البيئــة التقليديــة يف اإلذعــاين املتحــد‪ .‬والنتيجــة األخــرى‬ ‫ال حتفيــز الف َ‬
‫فهــي تعــي أو ً‬
‫اختــاف الفقهــاء‪.‬‬ ‫قــوي للشــافعي عــى أولئــك الذيــن‬ ‫ُ‬ ‫املحيــاة‪ .‬ويف «األم» رد‬
‫هــي أن األرايض غــر العامــرة ليســت ذات قيمــة رشائيــة ألهنــا‬ ‫ـداء مــن الرشيعــة للفــرق املســتخدمة لــي تســتخدم‬ ‫هنــاك نـ ً‬
‫قالــوا بــرورة إذن اإلمــام وقــد وضعتــه يف احلاشــية‪ 48.‬ورغــم‬
‫لقــد صــدق يف كل مــا قالــه هــذا املســكني يف مــر‪ :‬إن‬ ‫يف متنــاول اجلميــع كاملــاء يف النهــر‪ ،‬فبإمــكان اجلميــع األخــذ‬ ‫األرض غــر اململوكــة لتســيطر عليهــا وبالتــايل متتلكهــا‪ .‬فــإذا‬
‫أن أكــر احلــكام أخــذوا بــرأي اإلمــام أيب حنيفــة إال أنــه مل‬
‫ـل‬ ‫تيقــن أي فريــق أن بإمكانــه امتــاك أرض دون إذن احلاكــم‪،‬‬
‫مــن أكــر العقبــات التــي تعيــق املجتمــع عــن املــي قدمـاً َشـ ُّ‬ ‫مــن مــاء النهــر‪ ،‬وكذلــك األرض‪ ،‬فبإمــكان مــن أراد الســكن أو‬ ‫تكــن لدهيــم املقــدرة اإلداريــة عــى تنفيــذ ذلــك لعــدم وجــود‬
‫أفــراده بالوقــوف أمامهــم إليــواء أنفســهم‪ .‬هــل علمــت أن بعض‬ ‫االســتثامر األخــذ منهــا ألهنــا ليســت ملــكاً لكائــن مــن كان‪.‬‬ ‫فإنــه بالتأكيــد ســيحيي األرض التــي ســيحتاج إليهــا وخاصــة إذا‬
‫جهــات تنظيميــة كالبلديــات يف أيامنــا هــذه يف ذلــك الوقــت‬
‫املحتاجــن اضطــروا للســكىن يف املقابــر؟ هــذا مــا حــدث‬ ‫أمــا األرايض العامــرة فقيمتهــا تكمــن فيــا عليهــا مــن أعيــان‬ ‫كان مــن الفقــراء أو املســتثمرين‪ .‬وإذا تيقــن املؤمــن املحتــاج‬
‫لتمنــع النــاس مــن اإلحيــاء‪ .‬إي أن رأي اجلمهــور هــو الــذي‬
‫ا (الصورتــان ‪ 4.2‬و ‪ .)5.2‬وللرشيعــة حكمــة‬ ‫بــأن إحيــاءه لــأرض ال يــؤدي إىل امتالكــه لــأرض فقــط‪،‬‬
‫يف القاهــرة مثــ ً‬ ‫كاملبــاين والنخــل ومــا شــابه‪ ،‬وهــذا االســتنتاج منطقــي إال إذا‬ ‫طبــق يف البيئــة باســتثناء بعــض املــدن الرئيســية‪ ،‬وســنفصل هــذا‬
‫كبــرة يف مســألة اإلحيــاء‪ :‬فهنــاك غريــزة قويــة لــدى البــر مل‬ ‫أصبحــت األرض بفعــل منــو املدينــة يف موقــع مرغــوب فيــه‪،‬‬ ‫ولكــن أيض ـاً إىل نيــل الثــواب مــن اللــه عــز وجــل لقولــه صــى‬
‫يف حينــه‪.‬‬
‫يــدرك أمهيتهــا املخططــون ومتخــذو القــرارات‪ :‬وهــي املثابــرة‬ ‫بذلــك تكــون هلــا قيمــة رشائيــة‪ ،‬وهــذا مل حيــدث إال نــادراً يف‬ ‫اللــه عليــه وســلم‪« :‬مــن أحيــا أرضــاً ميتــة فلــه فيهــا أجــر‪،‬‬
‫والعمــل اجلــاد الســتصالح مــا ميلكــون ال لســبب إال ألنــه هلــم‪،‬‬ ‫البيئــة التقليديــة‪ .‬وهــذا معاكــس حلالنــا اليــوم‪ ،‬فــاألرض ذات‬ ‫ومــا أكلــه العــوايف منهــا فهــو لــه صدقــة»‪ 50،‬فإنــه ســيعمل‬ ‫وليــس للمســلم اإلحيــاء مــن غــر إذن اإلمــام فقــط‪ ،‬ولكن‬
‫وألبنائهــم مــن بعدهــم‪ .‬فبإمــكان أي فــرد البنــاء إذا توفــرت‬ ‫قيمــة رشائيــة مرتفعــة (ســنوضح هــذا يف الفصل التاســع إن شــاء‬ ‫ال حمالــة‪ .‬وإذا علــم املســلم بــأن األرايض غــر العامــرة تعتــر‬ ‫عــى اإلمــام أيضـاً التســليم بحــق امللكيــة ملــن أحيــا أرضـاً مواتاً‬
‫لــه قطعــة األرض حتــى وإن كان معدمــاً‪ .‬فالعقبــة األوىل‬ ‫اللــه)‪.‬‬ ‫مواتــاً بالنســبة لبعــض املذاهــب‪ ،‬أو تعتــر موافقــة مبدئيــة‬ ‫مــن غــر إذنــه‪ .‬ويف هــذا يقــول أبــو األعــى املــودودي رمحــه‬
‫والكــرى هــي قطعــة األرض‪ ،‬والعقبــة الثانيــة واألســهل هــي‬ ‫بنــاء‬
‫ً‬ ‫بعــد‬
‫مــن أصحاهبــا إلحيائهــا ألن أصحاهبــا مل ميتلكوهــا ُ‬ ‫اللــه‪« :‬فــا يتوقــف حــق العامــل يف ملكيــة أرضــه عــى إذن‬
‫لقــد قــال يل أحــد الفقــراء املحتاجــون إىل قطعــة أرض‬ ‫عــى رأي بعــض املذاهــب األخــرى‪ ،‬فإنــه ســيعمل‪ .‬وإذا علــم‬ ‫احلكومــة‪ ،‬وهــو يصبــح مالــكاً ألرضــه عــى مــا قــد خولــه اللــه‬
‫بنــاء الغرفــة األوىل‪ ،‬ويتــم ذلــك بطــرق عــدة بقــدر إمكانيــة‬
‫يبــي عليهــا ولــو غرفــة واحــدة إليــواء أهلــه بــدل أن يدفــع‬ ‫فريــق أن األرض املحيــاة التــي أمهلهــا ُميوهــا ســتعود مواتــاً‬ ‫ورسـوله مــن احلــق‪ .‬وللحكومــة أن تســلم بحقــه وتقــره عليــه إذا‬
‫الســاكن‪ :‬فمنهــم مــن يتمكــن مــن بنــاء الغرفــة فقــط ودورة‬
‫قســطاً كبــراً مــن دخلــه كإجيــار‪« :‬ليــس هنــاك ظلــم يقرتفــه‬ ‫يف رأي بعــض املذاهــب‪ ،‬وإنــه ســيمتلكها بإعامرهــا‪ ،‬فســيفكر‬ ‫ُرفــع إليهــا األمــر عنــد النــزاع»‪ .‬وذكــر حيــى بــن آدم القــريش‬
‫امليــاه‪ ،‬وهــم األكــر؛ ومنهــم مــن ال ميتلــك حتــى قيمــة طوبــة‬
‫جمتمــع عــى الفــرد أشــنع عــى وجــه األرض مــن منــع مســلم‬ ‫بالتأكيــد بالعمــل‪ .‬وإذا أدرك الفريــق املحيــي لــأرض أن أرضــه‬ ‫ا حتجــر عــى أرض ثــم‬ ‫(ت ‪ )224‬يف كتابــه اخلــراج‪« :‬أن رجــ ً‬
‫واحــدة‪ ،‬وهــم نــادرون‪ .‬وهــذا املعــدم ســيقوم بالتقــاط بعــض‬
‫أراد ســر أهلــه واســتقرارهم يف دار ميتلكوهنــا؛ هــا هــي ذي‬ ‫التــي أحياهــا إذا مل يســتمر يف إعامرهــا قــد تعــود موات ـاً ومــن‬ ‫عطلهــا‪ ،‬فجــاء آخــر فأحياهــا‪ ،‬فأختصــا إىل عبــد امللــك‪،‬‬
‫احلجــارة والطــوب واخلشــب مــن فضــات املبــاين األخــرى‪،‬‬
‫الصحــاري غــر املســتغلة يف بــادي التــي متنعــي مــن البنــاء‪،‬‬ ‫ثــم قــد حيييهــا اآلخــرون فإنــه ســيجد بالعمــل‪ .‬وإذا علــم‬ ‫فقــال‪ :‬مــا أرى أحــداً أحــق هبــذه األرض مــن أمــر املؤمنــن‪.‬‬
‫وإحضارهــا ملوقــع بنائــه‪ ،‬أو قــد يقــوم بالتقاطهــا مــن مناطــق‬
‫لقــد ضاقــت علينــا األرض مبــا رحبــت !»‪ .‬قلــت لــه‪« :‬ولكــن‬

‫‪73‬‬ ‫‪72‬‬
‫إال فائــض عــن حاجــة اآلخريــن‪ ،‬وهــذا ال ينطبــق فقــط عــى‬ ‫بعيــدة وخيزهنــا عنــد أحــد معارفــه يف تلــك املنطقــة‪ ،‬ثــم يقنــع‬ ‫‪4.2‬‬
‫األحجــار والطــوب ولكــن عــى األثــاث واألبــواب ومــا شــابه‬ ‫ال ثم بـناء‬
‫ونرى يف الصورتني ‪ 7.2‬و ‪ 8.2‬شخصني قاما ببناء سور خارجي أو ً‬ ‫صديقــه مثــا مبعاونتــه وحتميــل هــذه املــواد عــى عربتــه‬
‫ذلــك‪ ،‬أي أن هنــاك إعــادة الســتخدام مــوارد األمــة بــدل أن‬ ‫املنزل من الـداخل‪ ،‬فحال هذان الشخصان أفضل اقتـصادياً من حال بـاين‬ ‫وإحضــار مــا قــد مجعــه مــن مــواد بنــاء مقابــل خدمــة يقدمهــا‬
‫تلقــى (الصــور ‪ 18.2‬إىل ‪.)24.2‬‬ ‫الغرفة يف الصورة ‪ 6.2‬الحـظ أن السـور يف الصــورة ‪ 7.2‬يكلف القلـيل من‬ ‫لــه كأن يســاعده يف حتميــل عربتــه يومـاً آخــر وهكــذا‪ .‬وهنــاك‬
‫املـال ألنه صـنع من بــراميل زيـت تم فـردهـا وحلـامهـا مع بـعضهـا‪ .‬فهـذه‬
‫الكثــر مــن القصــص عــن تبــادل الفقــراء املســاعدات فيــا‬
‫وممــا ســاعد هــؤالء الفقــراء عــى احلصــول عــى حاجتهــم‬ ‫الربامـيل متـوفــرة بكثـرة يف مـدينــة ابقيق رشق بالد احلرمني بــالقــرب‬
‫بينهــم إلنجــاز أعــال بعضهــم البعــض دون مــا حتصيــل مــادي‪.‬‬
‫مــن مــواد البنــاء بالتقاطهــا مــن أماكــن متعــددة وجتميعهــا لبنــاء‬ ‫ال‬
‫من مــوقع هــذا املنــزل (هجـرة الدغيمـية)‪ .‬وترون يف الصورة ‪ 9.2‬منـز ً‬
‫خلف السور وقد بين من مواد بنـاء بالية‪ .‬فاملـك هذه الدار بدأ بـسور بسيط‬ ‫وهكــذا‪ ،‬حتــى بنــاء الغرفــة األوىل‪ ،‬وعندهــا ينتقــل إليهــا هــذا‬
‫منــزل متواضــع يف البيئــة التقليديــة هــو‪ ،‬واللــه أعلــم‪ ،‬مبــدأ‬
‫متـاماً كام بدأ صاحب الـدار يف الصورة ‪ ، 8.2‬وبالتدريج إىل أن بنـى داره‪،‬‬ ‫املعــدم ويكــون قــد ارتــاح نفســياً واكتســب خــرة بنائيــة‬
‫اللقطــة يف الرشيعــة‪ .‬ويف هــذا نحتــاج إىل بحــث مســتفيض‪،‬‬ ‫ولـديه اآلن سيـارة تـراهـا واقفـة أمـام داره‪ .‬الحظ اهتاممه بسيارته املغطـاة‬
‫متكنــه مــن مواصلــة املســر وإكــال املنــزل (الصــور ‪ 6.2‬إىل‬
‫فأيــن هــم علــاء الرشيعــة؟ فعــى العمــوم‪ ،‬وكــا ذكــرت ســابقاً‬ ‫ليحميها من أشعة الشمس‪.‬‬
‫‪5.2‬‬
‫‪ .)17.2‬وقــد تكــون هــذه الغرفــة غــر الئقــة معامريــاً وهبــا‬
‫أن هنــاك اســتثناءات لقاعــدة مــا أمتلــك مــن األعيــان وال يقبــل‬
‫بعــض املســاوئ مثــل تــرب ميــاه األمطــار إىل داخلهــا‪ ،‬ولكــن‬
‫اإلســقاط باإلمهــال أو األعــراض‪ :‬ومــن هــذه االســتثناءات‬ ‫‪7.2‬‬
‫ُ‬ ‫كــا أثبتــت الدراســات‪ ،‬فــإن هــذا أمــر مقبــول ألي إنســان‬
‫يكــر‬ ‫املحقــرات وهــي مــا يغلــب الظــن عــى أن فاقــده ال‬
‫حمتــاج ألن هــذه الغرفــة ملــكاً لــه‪ ،‬فهــو متيقــن بأنــه ســيتغلب‬
‫أســفه عــى مــا فقــد مثــل كــرة اخلبــز‪ .‬وهــذه املحقــرات‬
‫عــى مثــل هــذه املســاوئ يومــا مــا‪ ،‬فــا هــي إال مســألة وقــت‬
‫جيــوز التقاطهــا وملكيتهــا‪ 52.‬أمــا مــا كانــت ذات قيمــة فتملــك‬
‫بالنســبة لــه‪51.‬‬
‫بعــد تعريفهــا ســنة يف أكــر أقــوال الفقهــاء لقولــه صــى اللــه‬
‫عليــه وســلم يف اللقطــة (وهــي املــال الضائــع مــن ربــه يلتقطــه‬ ‫فاألمــل بــأن يكــون لذلــك الفقــر أو أي إنســان مســكن‬
‫غــره)‪« :‬أعــرف عفاصهــا ووكاءهــا ثــم عرفهــا ســنة فــإن جــاء‬ ‫خــاص بــه جيعلــه يتحمــل مجيــع املصاعــب ويدفعــه إىل املثابــرة‬
‫خــص لنــا‬ ‫صاحبهــا وإال فشــأنك هبــا»‪ 53.‬وعــن جابــر قــال‪« :‬ر ّ‬ ‫والبنــاء‪ .‬أي واللــه‪ ،‬إنــه األمــل الــذي لــواله مــا غــرس غــارس‬
‫والســوط واحلبــل‬‫رســول اللــه صــى اللــه عليــه وســلم يف العصــا ّ‬ ‫شــجرة وال أرضعــت أم ولدهــا‪ ،‬إنــه األمــل الــذي وضعــه اللــه‬ ‫‪6.2‬‬
‫وأشــباهه يلتقطــه الرجــل ينتفــع بــه»‪ 54.‬واملهــم بالنســبة لنــا‬ ‫ســبحانه وتعــاىل فينــا ووضــع معهــا الطريــق الســتثامر ذلــك‬
‫‪8.2‬‬
‫هــو مــواد البنــاء‪ :‬فمــن ذلــك اعتبــار احلجــارة امللقــاة بــن‬ ‫األمــل ليصبــح احللــم حقيقــة‪ .‬حقيقــة بنــاء فــرد ميتلــك عقــار ًا‬
‫األزقــة لقطــة‪ .‬أمــا إذا تســاقطت مــن مبــى مــا‪ ،‬ومل يعلــم هبــا‬ ‫ٍ‬
‫إجيــار فيــا إذا كان هــذا‬ ‫يأويــه ويــأوي أهلــه بــدل دفــع‬
‫املالــك فــا حيــل أخذهــا؛ وكذلــك إذا كانــت مــن ملــك يتيــم‬ ‫الفقــر مســتأجراً‪ .‬فبعــد بنائــه للغرفــة التــي ميتلكهــا سيســتثمر‬
‫أو وقــف‪ 55.‬والظاهــر هــو أن النــاس كانــوا يلتقطــون مــا هيمــل‬ ‫يف عقــاره ببنــاء منزلــه غرفــة تلــو األخــرى حتــى يكتمــل‬
‫لفــرة طويلــة مــن مــواد البنــاء حلاجتهــم إليهــا واســتفادهتم‬ ‫املنــزل‪ ،‬ثــم يبــدأ يف تشــطيبه ودهانــه‪ .‬وهنــا مســألتان هامتــان‪:‬‬
‫منهــا؛ ويتعاملــون معهــا وكأهنــا لقطــة دون الرجــوع إىل الفقهاء‬ ‫األوىل نفســية والثانيــة اقتصاديــة‪ .‬فمــن الناحيــة النفســية‪:‬‬
‫أحيان ـاً‪ .‬ومثــال ذلــك هــو ماذكــره البــاذري بــأن زيــاداً ابتــى‬ ‫فــإن شــعور هــذا املالــك بالعــزة والفخــر مبــا قــام بــه بــدل أن‬
‫دار اإلمــارة بالبــرة‪ ،‬فــأراد أن يزيــل إســمه عنهــا؛ ويظهــر أن‬ ‫ا يف جمتمعــه فقــراً يف كيانــه منحطــاً يف نفســيته‪،‬‬ ‫يكــون ذليــ ً‬
‫ـم ببنائهــا‬
‫املبــى كان قــد عــرف بــدار زيــاد أو مبــى زيــاد «فهـ ّ‬ ‫ال منتج ـاً ملجتمعــه‪ .‬فكــا‬ ‫فاإلحيــاء ســيجعل منــه عضــو ًا ف ّعــا ً‬ ‫الـصورتـان ‪ 4.2‬و ‪ 5.2‬من القـاهرة وتـشريان إىل التـكدس السكـاين‪ .‬فرتى‬
‫‪9.2‬‬
‫بجــص وآجــر فقيــل لــه إمنــا تزيــد اســمه ثباتـاً وتوكــداً‪ ،‬فهدمها‬ ‫متكــن مــن بنــاء املنــزل ســيتمكن مــن بنــاء أرستــه ويســاهم يف‬ ‫يف الصـورة ‪ 4.2‬عائلة قد سكـنت يف أحد القـبور‪ .‬الحـظ املنطقـة املرتفعـة‬
‫خلف العمـود‪ ،‬فرتى عىل ميني العمود بجانـب احلائط رأس القرب‪ .‬وترى يف‬
‫وتركهــا‪ ،‬فبنيــت عامــة الــدور حوهلــا مــن طينهــا ولبنهــا وأبواهبا‬ ‫بنــاء جمتمعــه الــذي يعيــش فيــه‪ .‬وشــتان بــن جمتمعــن أحدمهــا‬
‫الصورة ‪ 5.2‬عـائلـة تــسكن يف سـطح أحــد املنـازل‪ ،‬وهـذا مـنظـر مألوف‬
‫‪ ،»...‬وهنــاك أمثلــة أخــرى‪ .‬وحتــى إذا اغتصــب شــخص قطعــة‬ ‫أفــراده أعــزاء واآلخــر أذالء‪ُ .‬تــذل الشــعوب مبذلــة أفرادهــا‬ ‫جداً لكرثته‪ .‬إن الصور ‪ 6.2‬إىل ‪( 11.2‬من رشق بالد احلرمني) تـريك منـو‬
‫واســتخدمها يف بنائــه‪ ،‬واســتناد ًا للقاعــدة الرشعيــة «الــرر ال‬ ‫وترتفــع مكانتهــا بــن األمــم بعــزة أفرادهــا‪ .‬وقــد تقــول أخــي‬ ‫املنـزل من ال يشء إىل دار مـكتملـة‪ .‬دققوا يف الصـورة ‪ 6.2‬فـسـتلحظون أن‬
‫يــزال بالــرر» يقــول ابــن نجيــم‪« :‬لــو غصــب ســاجة‪ ،‬أي‬ ‫املهنــدس واملخطــط‪ :‬ولكــن ســتصبح البيئــة فــوىض إذا قــام كل‬ ‫الذي بنـاها بذل أقـىص ما بـوسعه بجمع ما ألـقاه اآلخرون من حـبال وأقمشـة‬
‫وألواح خشبـية وما شـابه ذلك من مواد بنـاء وذلك لفقـره‪ ،‬أي أنه بنـى غرفـة‬
‫خشــبة‪ ،‬وأدخلهــا يف بنائــه‪ ،‬فــإن كانــت قيمــة البنــاء أكــر‬ ‫شــخص بإحيــاء مــا يناســبه ! أقــول‪ :‬ال‪ ،‬وســأوضح لــك هــذا يف‬ ‫من ال يشء‪ .‬فهو هبذا قبل أن يبىن مسكنا بىن نفسه كإنسان عزيز‪.‬‬
‫ميلكهــا صاحبــه بالقيمــة‪ .‬وإن كانــت قيمتهــا أكــر مــن قيمتــه‪،‬‬ ‫الفصلــن اخلامــس والتاســع‪ .‬أمــا مــن الناحيــة االقتصاديــة‪ :‬فــإن‬
‫مل ينقطــع حــق املالــك عنهــا»‪ .‬كــا أن الرشيعــة تراعــي‬ ‫مــا مجعــه هــذا املحتــاج واســتخدمه يف مبنــاه مــا هــو يف الواقــع‬

‫‪75‬‬ ‫‪74‬‬
‫‪10.2‬‬

‫‪17.2‬‬ ‫‪16.2‬‬

‫‪13.2‬‬

‫الصـورتان ‪ 12.2‬أسفل الصفحة والصورة ‪ 13.2‬يف األعىل من القـاهرة وتريك‬


‫استخـدام الناس ملواد بنــائية قـد مجعـت من أمـاكـن شتـى‪ .‬الحـظ أن البـاين‬
‫ٕ‬ ‫يف الصورة ‪ 12.2‬قد استخدم الطوب يف الغرفة العلوية اليمىن واآلجر يف الغـرفة‬
‫تودي‬
‫أما الـصور األربـع (من ‪14.2‬اىل ‪ )17.2‬فهي مثـال لطـريقة مجع النـاس ألحد مـواد البـناء واسـتخدامه بـطريقـة ٔ‬
‫العلـوية اليـرسى‪ .‬فلقد قـام بجعهام من ٔامـاكن خمتلفـة وبأسعـار زهيدة‪ٔ .‬امـا‬
‫الغـــرض‪ ،‬وهـــو الــبالط‪ .‬فـرتى يف الــصـــورة ‪ 14.2‬يف الصفحة السابقة مـن اخلرب رشقي بالد احلرمني رجل قـد بنـى‬
‫الصـورة ‪ 13.2‬فرتيك اليشء ذاته ولكنها عامرة سكنية ذات أدوار متعددة‪.‬‬
‫درج منـزله من مـواد مجعهـا من أماكن خمتلفـة وعىل مراحل خمتلفـة‪ .‬الحظ وجود البالط املخــزون عىل ميـني الصـورة‬
‫ليـستخـدمه يف مكـان آخـر‪ .‬أما الصورة ‪ 15.2‬فهي ملدخل منزل بأصيلة يف املغـرب‪ :‬الحـظ أن البالطـات جممعـة من‬
‫أمـاكن خمـتلفـة‪ .‬وتـرى يف الصـورة ‪ 16.2‬يف هذه الصفحة من أصيلـة بـاملغـرب أيضا درج مـدخل منزل باستخـدام بالطات‬ ‫‪14.2‬‬ ‫‪11.2‬‬
‫خمتلفة وبطريـقة مجيلة بعد دهان أطرافهـا‪ .‬والصـورة ‪17.2‬من سـيدي بـو سعيـد من تـونس تـريك اليشء ذاته‪ ،‬الحظ‬ ‫ال كان صــاحبه قـد بنـاه من‬ ‫ويف الصـورة ‪ 10.2‬من قـرية الـدغيميـة نرى منـز ً‬
‫ٕ‬
‫مـواد بنـاء مهملة كخـشب قـديم وصفائح معـدنية (يف السقـف)‪ ،‬فسكن فيه اىل‬
‫طريقـة صف البالطات املختلفة بطريقة جذابة‪ .‬وهــذا املثـال (للـبالط) دليـل عىل مثـابــرة النـاس للوصول ألفضل حل‬
‫يف حدود طاقاهتم وبأدىن تكلفة‪ .‬هكذا يتمكن أفراد املجتمع بأقل القليل‪.‬‬ ‫ٔان متكن من بـناء الغـرفة األوىل من الـطابـوقات اخلـرسانيـة‪ ،‬ثم الثـانية والثالثة‪،‬‬
‫هذا باإلضـافة إىل متكنه من تسوير أرضه‪ .‬فعندما متـر بالطريق ال تدرك كيف‬
‫بـدأ هذا الرجل بناء داره‪ .‬فهو قد مر بنـفس املراحل التي بـدأها األول يف الصورة‬
‫حجــارة هــذه اآلثــار وحتــى يف املســاجد (الصورتــان ‪ 25.2‬و‬ ‫مواطــن الــرورة أو شــدة احلاجــة‪ .‬فقــد جــاء يف مذهــب‬
‫‪ 6.2‬إىل أن تكـتمل الدار‪ .‬ويف الـصورة ‪ 11.2‬من نفـس القريـة نرى ثالث غرف‬
‫‪ .)26.2‬ومل أجــد مــن قــراءايت مــا يشــر إىل اعــراض العلــاء‬ ‫اإلمــام أمحــد كــا حيكيــه ابــن القيــم «أن قومـاً إذا اضطــروا إىل‬ ‫بنيت بالرتتيب‪ ،‬فكلام اجتمع لدى املالك مبلغ مـن املال قـام ببـناء غـرفة ٔاو مـرفق‪،‬‬
‫عــى إعــادة اســتخدام هــذه احلجــارة مــن مبــاين غــر املســلمني‬ ‫الســكىن يف بيــت إنســان ال جيــدون ســواه‪ ،‬أو النــزول يف خــان‬ ‫هـوالء من البناء ألهنـم يف مناطق مل تصل‬‫وهكـذا حتـى تكتمل الـدار‪ .‬وقد متكن ٔ‬
‫ملســاجد املســلمني‪ .‬أي أن إعــادة اســتخدام مــواد البنــاء مــرات‬ ‫مملــوك‪ ،‬أو اســتعارة ثيــاب يســتدفؤن هبــا‪ ،‬أو رحــى للطحــن‪ ،‬أو‬ ‫إليها الـسلطات بعد باستثنـاء الغرفة يف الـصورة ‪ 6.2‬والتي قامت السلطات بازالتها‪.‬‬
‫ٕ‬
‫‪12.2‬‬
‫ومــرات يف مبــاين خمتلفــة هلــو دليــل عــى االســتغالل التــام‬ ‫دلــو لنــزع املــاء‪ ،‬أو قــدر‪ ،‬أو فــأس‪ ،‬أو غــر ذلــك‪ ،‬وجــب عــى‬
‫‪15.2‬‬
‫ملــوارد املســلمني‪.‬‬ ‫صاحبــه بذلــه بــا نــزاع‪ .‬ولكــن هــل لــه أن يأخــذ عليــه أجــر ًا؟‬
‫فيــه قــوالن للعلــاء»‪ 56.‬باختصــار‪ ،‬إذا كان املنــزل يســكن يف‬
‫‪18.2‬‬
‫حالــة الــرورة‪ ،‬فــا بالــك بالتقــاط مــواد البنــاء املهملــة‪ ،‬ومــا‬
‫أكرثهــا يف بيئتنــا احلاليــة‪.‬‬
‫ويظهــر أن مبــدأ التقــاط مــا ال مالــك لــه مــن مــواد‬
‫البنــاء‪ ،‬قــد طبــق الســتغالل مــواد بنــاء املبــاين األثريــة مثــل‬
‫الرومانيــة والفرعونيــة‪ .‬فلــم يكتــف املســلمون بإحيــاء مــا كان‬
‫ا مــن أرايض غــر املســلمني ولكنهــم أخــذوا مواد‬ ‫خربـاً وعاطـ ً‬
‫بنائهــم أيضـاً؛ فهنــاك الكثــر مــن املبــاين التــي بنيــت باســتخدام‬

‫‪77‬‬ ‫‪76‬‬
‫هريــرة عــن النبــي صــى اللــه عليــه وســلم أنــه قــال‪« :‬ملعــون‬ ‫‪25.2‬‬ ‫‪20.2‬‬ ‫‪19.2‬‬
‫مــن غــر حــدود األرض ملعــون مــن تــوىل غــر مواليــه»‪57.‬‬

‫ويف الواقــع‪ ،‬إذا أعدنــا النظــر يف قواعــد امللكيــة يف الرشيعــة‬


‫ــرق ســتحاول التوســع‪ ،‬فســنالحظ‬ ‫ِ‬
‫آخذيــن يف االعتبــار أن الف َ‬
‫أن أكــر هــذه القواعــد وضعــت للحــد مــن هــذه التوســعات‪،‬‬
‫وأهنــا تعالــج اخلالفــات بــن هــذه الفــرق التــي حتــاول التوســع‪،‬‬
‫وســرى يف الفصلــن الســادس والســابع حكمــة الرشيعــة يف‬
‫ذلــك‪.‬‬
‫فــإذا كانــت الرغبــة يف التوســع تــؤدي إىل اخلالفــات بــن‬
‫الفــرق‪ ،‬فالبــد مــن وســيلة تعــرف هبــا احلــدود بــن العقــارات‬ ‫تـرينـا الصـورتـان ‪ 25.2‬و ‪ 26.2‬أخـذ املسـلمني ملـواد بنـاء املباين‬
‫‪22.2‬‬ ‫‪21.2‬‬
‫األثرية لتستخدم يف مبانيهم‪ .‬فالصورة ‪ 25.2‬من اجلم بتــونس تـرينـا‬
‫وإال اختلطــت األمــور بــن النــاس والعقــارات‪ ،‬فقــد يدعــي‬
‫مبـان قـد بـنيت بـاستخـدام بـعض حجـارة املـرسح الروماين الـظاهر‬
‫البعــض ملكيــة عقــارات اآلخريــن‪ ،‬فالبــد إذاً مــن وســيلة‪:‬‬ ‫آخـر الطريق‪ .‬أمـا الصورة ‪ 26.2‬فهي ملـدخل مدرسة الـسلطان صـالح‬
‫هــذه الوســيلة هــي االتفاقــات بــن الفــرق املتجــاورة‪ .‬فقــد‬ ‫نجم الدين بـالقاهرة‪ .‬الحـظ أن عتبـة املـدخل قـد أ ِخـذت من أحـد‬
‫يتعــدى فــرد عــى جــاره بأخــذ جــزء مــن أرضــه أو مــن طريقــه‬ ‫املبـاين الفـرعونيـة كام هو واضح مـن الرسمـة عىل العتبـة‪ .‬وهذا‬
‫ينطبق عىل الكثري من املساجد‪.‬‬
‫وخيتلفــان ثــم يتفقــان بالصلــح أو بتدخــل اجلــران أو بحكــم‬
‫القــايض‪ .‬أي أن هــذه االتفاقــات مــا هــي إال نتيجــة حتميــة‬ ‫‪26.2‬‬
‫للحــوار أو النقــاش بــن األطــراف املتنازعــة‪ ،‬أو الفــرد وأفــراد‬
‫قريتــه أو مجاعتــه أو جريانــه‪ .‬وإذا مل يصــل املتنازعــون إىل‬
‫اتفــاق فــإن اخلــاف ســيحل بطــرق رشعيــة أو عرفيــة‪ ،‬مثــل‬
‫الذهــاب إىل القــايض أو رئيــس القبيلــة‪ ،‬وهكــذا‪ .‬ومبعــى‬ ‫‪24.2‬‬ ‫‪23.2‬‬
‫آخــر‪ ،‬ينــدر اســتخدام املدونــات الورقيــة مثــل الصكــوك ومــا‬
‫شــابه مــن متطلبــات املحاكــم ومؤسســات الســجل العقــاري أو‬
‫الشــهر العقــاري يف أيامنــا هــذه (إال يف األوقــاف)‪ .‬فغالبيــة البيئة‬
‫التقليديــة كانــت تعتمــد عــى األعــراف بــن ســكان نفــس‬
‫املنطقــة يف حتديــد امللكيــات‪ ،‬ومل تعتمــد عــى الدواويــن إال يف‬
‫ا‪ ،‬يذكــر لنــا اليعقــويب أن‬‫النــادر ويف العصــور املتأخــرة‪ .‬فمث ـ ً‬
‫عمــر بــن اخلطــاب ريض اللــه عنــه هــو أول مــن كتــب النــاس‬ ‫احلوار واألعراف‬
‫عــى منازهلــم وصــك وختــم أســفل الصــكاك‪ .‬ولكــن باملقابــل‬
‫هنــاك الكثــر مــن الروايــات التــي تؤكــد دور األعــراف‬ ‫لعــدم وجــود جهــة مســيطرة مســؤولة كالدولــة أو مــن‬
‫النـافذة اخلشبية قد صنعت هلا‪ٔ .‬امـا الصورة ‪ 21.2‬فرتينـا باباً تـم صنعه‬ ‫سـيـــودي إىل إعـــادة‬
‫ٔ‬ ‫إن دفع األعـيـــان لإلذعـــاين املـتحـــد‬
‫واالســتغناء عــن الصــكاك‪ .‬فعندمــا قــام امللــك الظاهــر بيــرس‬ ‫ميثلهــا كالبلديــة أو األمانــة كأيامنــا هــذه‪ ،‬فمــن البدهــي أن‬ ‫من األلواح اخلـشبية للصنـاديق‪ .‬فهذا البـاب بعد طالئه سيـظهر مبظهـر‬ ‫استخــدامهـا مـرات ومـرات حلــرص النـاس‪ ،‬وبـالـذات املعـدمـني‬
‫مبطالبــة ذوي العقــارات مبســتندات تشــهد هلــم بامللــك‪ ،‬وإال‬ ‫حتــاول بعــض الفــرق حتســن عقارهــا ليــويف باحتياجاهتــا‬ ‫مقبول‪ .‬والصـورة ‪ 22.2‬من أصيلة باملـغرب ترينا طـريقة استخدام بـرميل‬ ‫منهـم وذلك لالستفــادة القصــوى منهـا بــأقل تكلفـة‪ .‬فـالصـورة ‪18.2‬‬

‫انتزعهــا مــن أيدهيــم‪ ،‬قــال ابــن عابديــن‪« :‬فقــام عليــه (أي‬ ‫املتزايــدة بزيــادة مســاحة أرضهــا كمحاولــة األخــذ مــن‬ ‫قديم بعـد قصه وطالئه ليقوم مقام اجلدار لـبرئ املاء‪ .‬والصورتان األخريتان‬ ‫(يف الصفحة السابقة) تـرينـا رجل من املـغرب يـبيع أدوات معـدنيـة‬
‫تريـنا منظر ًا مألوفاً يف ٔاكرث املناطق وهـو استخدام النـاس لألرشعة يف‬ ‫قديـمة كـاألقفـال ومقـابض األبـواب‪ ،‬وكـان قــد مجعهــا ليــشرتهيــا‬
‫عــى الظاهــر بيــرس) شــيخ اإلســام اإلمــام النــووي (ت ‪)676‬‬ ‫ا‪ .‬وعندهــا تتصــادم الفــرق‬ ‫اجلــار أو مــن الطريــق العــام مث ـ ً‬
‫املـوقتة‪ .‬ففي الصـورة ‪ 23.2‬من القـاهـرة نـرى تغـطيـة سـوق‬ ‫الـوظائف ٔ‬ ‫النــاس ويعيـدوا استخـدامها يف مبانيهم ومعـداهتم‪ .‬أما الصور الثالث يف‬
‫رمحــه اللــه تعــاىل‪ ،‬وأعلمــه بــأن ذلــك غايــة اجلهــل والعنــاد وأنه‬ ‫مــع بعضهــا البعــض‪ ،‬فقــد خيتلــف اجلــاران يف أحقيــة قطعــة‬ ‫بـمختلف األرشعة‪ ،‬فقد قام كل بائع بـتغطية مكانه‪ .‬والصورة ‪24.2‬‬ ‫هذه الصفحة (‪19.2‬إىل ‪ )21.2‬من أفغـانـستـان فرتينـا إعـادة استخـدام‬
‫ال حيــل عنــد أحــد مــن علــاء املســلمني‪ ،‬بــل مــن يف يــده يشء‬ ‫أرض واقعــة بينهــا‪ .‬وهلــذا قــال رســول اللــه صــى اللــه عليــه‬ ‫من دكا ببنجالدش تريـنا مطعامً مفتـوحاً عىل الطريـق‪ .‬الحظ طريقة‬ ‫األلـواح اخلـشـبيـة لـصنــاديق األسلحــة‪ .‬فنـرى يف الـصـورة ‪19.2‬‬

‫فهــو ملكــه‪ ،‬ال حيــل ألحــد االعــراض عليــه‪ ،‬وال يكلــف إثباتــه‬ ‫ســف بــه‬
‫َ‬ ‫خ‬
‫وســلم‪« :‬مــن أخــذ مــن األرض شــيئاً بغــر حقــه ُ‬ ‫استخدام األرشعة البالية وباقي األعيان األخرى‪.‬‬ ‫الصنـاديق الفارغـة املكومـة‪ ،‬ويف الصورة ‪ 20.2‬نـرى ٔاحد الصنـاديق وقد‬
‫اسـتخدم كنـافذة‪ .‬فبعـد تطيني هـذه الكوة من مجيع اجلهات ستبدو وكأن‬
‫ببينــة؛ وال زال النــووي رمحــه اللــه تعــاىل يشــنع عــى الســلطان‪،‬‬ ‫يــوم القيامــة إىل ســبع أرضــن»‪ .‬وأخــرج البيهقــي عــن أيب‬

‫‪79‬‬ ‫‪78‬‬
‫‪27.2‬‬ ‫مــكان آلخــر باجتــاه واحــد‪ ،‬مثــل شــبكات امليــاه والــرف‬ ‫ويعظــه إىل أن كــف عــن ذلــك‪ ،‬فهــذا احلــر الــذي اتفقــت‬
‫الصحــي‪ .‬فالفريــق املســيطر عــى الطــرف األعــى ســيهيمن عىل‬ ‫النموذج اإلذعاين الرتخييص‬ ‫علــاء املذاهــب عــى قبــول نقلــه واالعــراف بتحقيقــه وفضلــه‬
‫الفريــق املســيطر عــى الطــرف األدىن كــا يف املــزارع إذ أن‬ ‫ا باليــد الظاهــر‬ ‫نقــل العلــاء عــى عــدم املطالبــة مبســتند عم ـ ً‬
‫ال قــد هييمــن عــى جريانــه‬ ‫البــد يل هنــا مــن التوقــف قبــل رشح اإلذعــاين الرتخيــي‬ ‫فيهــا أهنــا وضعــت بحــق»‪ 58.‬ولقــد كان العــرف مرجع ـاً أيض ـاً‬
‫الفريــق الــذي متــر املــاء يف أرضــه أو ً‬
‫إذا مــا قــرر إيقــاف املــاء عنهــم (الصــور ‪ 27.2‬إىل ‪ .)29.2‬كــا‬ ‫وتوضيــح خاصيــة بيئيــة سأســتخدمها مــراراً يف هــذا الكتــاب‬ ‫يف اخلالفــات بــن اجلــران يف حالــة غيــاب البينــة‪ .‬فيقــول‬
‫أن املصلحــة املســؤولة عــن توزيــع امليــاه يف مدننــا املعــارصة‬ ‫وستســهم يف فهــم حركيــة البيئــة‪ ،‬وهــي خاصيــة «املســتويات‬ ‫عــز الديــن بــن عبــد الســام (ت ‪ )660‬يف قواعــد األحــكام‪:‬‬
‫هتيمــن عــى املســتهلكني‪ ،‬فــإذا قــررت املصلحــة تغيــر موضــع‬ ‫يف البيئــة العمرانيــة»‪ .‬فمــن خــال ظاهــرة التغـ ّـر التــي حتدثنــا‬ ‫«وجــود األجنحــة املرشعــة املطلــة عــى ملــك اجلــار وعــى‬
‫قنواهتــا فــإن ذلــك قــد يؤثــر عــى املســتهلكني‪ ،‬والعكــس‬ ‫عنهــا يف املقدمــة ميكننــا التمييــز بــن «املســتويات املختلفــة»‬ ‫الــدروب املشــركة فإهنــا دالــة عــى أهنــا وضعــت باســتحقاق‪،‬‬
‫غــر صحيــح‪ .‬ومتــى تقــرر إصــاح شــبكة الــرف الصحــي‬ ‫يف بيئتنــا العمرانيــة‪ .‬فاحلائــط كعــن يف «مســتوى أعــى» مــن‬ ‫وكذلــك القنــوات املدفونــة حتــت األمــاك واجلــداول واألهنــار‬
‫تأثــر أولئــك الذيــن يرصفــون فضالهتــم مــن خــال الشــبكة‪،‬‬ ‫األثــاث‪ ،‬وذلــك ألن تغيــر موضــع األثــاث بنقلــه مــن مــكان‬ ‫اجلاريــة يف أمــاك النــاس دالــة عــى اســتحقاقها ألربــاب امليــاه‬
‫والعكــس أيض ـاً غــر صحيــح‪.‬‬ ‫آلخــر داخــل الغرفــة لــن يؤثــر عــى حوائــط الغرفــة‪ ،‬أمــا تغيري‬ ‫ألن صورهــا دالــة عــى أهنــا وضعــت باســتحقاق»‪ 59.‬وعــى‬
‫إن من أهم مــا مييـز الـبيئـة الـتقليـديـة تـواجـد عقـاراهتـا الـواحدة‬
‫تلو األخـرى بطريقة قـد ال تبدو منظـمة للباحث العابر كام سـرنى‬ ‫موضــع أي حائــط فالبــد وأن يؤثــر عــى توزيــع األثــاث‪ .‬لذلك‬ ‫ذلــك‪ ،‬فيمكننــا القــول بــأن تدخــل الدولــة كان نــادراً يف تعليــم‬
‫إن شاء الله ألهنـا نتـجت من اإلحيـاء‪ ،‬أي أهنا مل ختطط‪ .‬فقد ميـر ماء‬
‫أي أن االحتــواء واجلــذب واالنســياب خــواص البــد وأن‬ ‫نقــول بــأن احلائــط يف مســتوى أعــى‪ .‬وإذا مــا ســيطر عــى‬ ‫حــدود العقــارات‪ ،‬وأن هــذه احلــدود تكونــت بفعــل املحاورات‬
‫مزرعة يف عـدة مزارع أخرى قبل أن يصل إليهـا‪ ،‬وهو مـا يعرف بحق‬ ‫تــؤدي إىل هيمنــة فريــق يف البيئــة عــى آخــر إذا مــا اتصلــت‬ ‫كل مــن احلوائــط واألثــاث فريقــان خمتلفــان‪ ،‬كــا حيــدث يف‬ ‫وبالتــايل االتفاقــات بــن ِ‬
‫الفــرق املالكــة‪ ،‬وهــذا أدى إىل ظهــور‬
‫املجـرى وهو أحـد أنواع حقوق االرتفـاق‪ .‬ففي الصورتني ‪ 27.2‬و ‪28.2‬‬ ‫أعياهنــم‪ .‬ومجيــع العالقــات بــن فــرق األعيــان واألمكنــة‬ ‫ا أو الشــقق املؤجــرة‪ ،‬فــإن الفريــق املســيطر عىل‬ ‫الــوكاالت مثـ ً‬
‫من بسكرة باجلزائر ترى املاء جيري يف قنوات يف الطريق ويدخل منه‬ ‫وهيمنــة األعــراف يف حتديــد امللكيــات‪ .‬أمــا يف البيئــة املعارصة‪،‬‬
‫املتداخلــة يف البيئــة البــد وأن تكــون مــن خــال واحــدة أو‬ ‫احلوائــط البــد وأن هييمــن عــى الفريــق املســيطر عــى األثاث‪،‬‬
‫إىل مزارع لـيسقيـها ثم قـد يذهـب بعد ذلك ملـزارع خلفها ليسقيها‪.‬‬ ‫فلقــد تدخلــت الســلطات وظهــر مــا يســمى بالشــهر العقــاري‬
‫ال بعض‬‫وهـذا الوضع قد يعطي أصحاب املزارع التي مير فيها املـاء أو ً‬
‫أكــر مــن هــذه العالقــات الثــاث‪ .‬وعندهــا نقــول أن األعيــان‬ ‫وذلــك ألن احلوائــط حتيــط أو حتــوي األثــاث؛ ولنســمي هــذه‬ ‫وتعقــدت األمــور وســاءت (وســنوضحه يف الفصــل الثالــث)‪.‬‬
‫اهليمـنة عىل أولئك الذين مـن بعدهم‪ ،‬وهلـذا وجدت حـقوق االرتـفاق‪.‬‬ ‫(مثــل احلائــط واألثــاث) أو األماكــن (مثــل املنــزل والطريــق)‬ ‫اخلاصيــة بـــ «االحتوائيــة»‪ .‬فالفريــق املســيطر عــى األعيــان‬ ‫هــذه النتيجــة (وهــي دور املحــاورات واألعــراف يف حتديــد‬
‫وهـذا ينطـبق ٔايضـاً عىل الـطريق‪ .‬فقـد يكون لـرجل املرور بـأرض‬ ‫يف مســتويات خمتلفــة‪ .‬أمــا بالنســبة لعينــن ال تربطهــا عالقــة‬ ‫احلاويــة هــو املهيمــن يف الغالــب‪ .‬ومــن أمثلــة ذلــك املنــزل‬
‫غريه للـوصول ملــزرعته‪ ،‬فـرتى يف الصـورة ‪ 29.2‬طـريقــاً للمـشـاة‬ ‫امللكيــات) ذات أمهيــة كــرى بالنســبة لنــا يف تأثــر املســؤولية‬
‫بنائيــة كمنزلــن متجاوريــن‪ ،‬فنقــول بأهنــا يف نفــس املســتوى‪.‬‬ ‫والطريــق‪ :‬فالفريــق املســيطر عــى الطريــق كاملســؤولني‬
‫بـأحـد املواقع بشامل أفريقية وحياذيه جمرى املاء‪.‬‬ ‫عــى حالــة العنــر أو النــاذج اإلذعانيــة كــا ســنوضح بإذنــه‬
‫ومتــى كانــت هنــاك حاجــة إىل أيــة عالقــة بــن عنرصيــن‬ ‫يف البلديــة هييمنــون عــى أولئــك املســيطرين عــى العقــارات‬ ‫تعــاىل يف الفصــل التاســع‪.‬‬
‫املحويــة مثــل املنــازل واملــدارس‪ ،‬وذلــك ألســباب كثــرة منهــا‬
‫‪29.2‬‬ ‫‪28.2‬‬ ‫ا أهنــم إذا َمنعــوا دخــول أي يشء إىل املناطــق العامة فســتمنع‬‫مثـ ً‬ ‫لقــد حتدثنــا عــن األرايض‪ ،‬ولكــن مــاذا عــن األعيــان‬
‫بالتــايل يف املناطــق املحويــة‪ ،‬وهكــذا‪ .‬ولقــد اســتخدمت كلمــة‬ ‫األخــرى كاألشــجار والبنيــان؟ أقــول‪ ،‬إن األرض هــي البــذرة‪،‬‬
‫«هيمنــة» ألميزهــا عــن «ســيطرة»‪ .‬فالســيطرة هــي عالقــة بــن‬ ‫والشــجرة تتبــع البــذرة يف خصائصهــا‪ .‬فــإذا كانــت األرض يف‬
‫فريــق وعــن‪ ،‬أمــا اهليمنــة فهــي عالقــة بــن فريقــن يســيطران‬ ‫اإلذعــاين املتحــد‪ ،‬فقــد تبعتهــا األعيــان األخــرى‪ .‬فــإذا أدى‬
‫عــى عينــن يف مســتويني خمتلفــن‪.‬‬ ‫اإلحيــاء واإلقطــاع إىل أمــاك أو أراض يف اإلذعــاين املتحــد‪،‬‬
‫فمــن املنطــق أن تكــون األعيــان التــي عــى تلــك األرايض‪،‬‬
‫باإلضافــة إىل االحتوائيــة‪ ،‬وهــي عالقــة فراغيــة‪ ،‬فهنــاك‬ ‫كاحلوائــط واألثــاث والشــجر‪ ،‬يف اإلذعــاين املتحــد أيضــاً‪،‬‬
‫خاصيتــان أخريتــان ليســتا فراغيتــن وتؤديــان إىل ظاهــرة‬ ‫وذلــك ألن مالــك األرض غالبـاً مــا ميلــك مــا عليهــا مــن أعيــان؛‬
‫اهليمنــة بــن فــرق املســتويات املختلفــة لألعيــان‪ .‬أحدامهــا‬ ‫وبذلــك فأغلــب األعيــان يف البيئــة التقليديــة يف اإلذعــاين‬
‫«اجلاذبيــة»‪ :‬وأبســط مثــال لذلــك الشــجرة‪ ،‬فالفريــق املســيطر‬ ‫املتحــد‪ .‬ولكــن مــاذا حيــدث إذا أجــر مالــك مــا داره لشــخص‬
‫عــى جــذع الشــجرة ســيهيمن عــى الفريــق الــذي يســيطر‬ ‫آخر؟اإلجابــة هــي أن الفريــق املســتخدم ســيكون غــر‬
‫عــى األغصــان‪ ،‬وذلــك ألن اجلــذوع حتمــل األغصــان‪ .‬وباملثــل‪،‬‬ ‫الفريــق املالــك‪ ،‬وبذلــك ختــرج العــن مــن اإلذعــاين املتحــد‬
‫الفريــق املســيطر عــى أعمــدة الــدور األول البــد وأن هييمــن‬ ‫إىل اإلذعــاين الرتخيــي‪ ،‬وهــو موضوعنــا القــادم‪ .‬ولكــن تذكــر‬
‫عــى الفريــق الــذي يســيطر عــى الــدور الثــاين يف عــارة‬ ‫أخــي القــارئ أن القواعــد الســابقة أعطــت مجيــع الســكان‬
‫ســكنية‪ ،‬وهكــذا‪ .‬وأمــا اخلاصيــة األخــرة فهــي «االنســيابية»‪:‬‬ ‫فرصــة اإلعــار‪ ،‬وبذلــك تقــل العقــارات املؤجــرة التــي تنقــل‬
‫فمــن املعــروف أن الســوائل والغــازات والكهربــاء تنســاب مــن‬ ‫األعيــان إىل اإلذعــاين الرتخيــي‪.‬‬

‫‪81‬‬ ‫‪80‬‬
‫الشكل‬ ‫املســتأجر‪ ،‬أو الطريــق الــذي يرتفــق اجلــار بــه‪ ،‬أو كاملــكان‬ ‫ا‪ ،‬فــإن الوضــع‬‫مــن نفــس املســتوى كاملنزلــن املتجاوريــن مثـ ً‬
‫‪2.2‬‬ ‫يف املســجد‪ .‬وقــد تكــون العــن صغــرة يف مســاحتها كبقعــة‬ ‫ســيكون حساسـاً النعــدام اهليمنــة؛ وهنــا قــد يتدخــل القانــون‬
‫‪30.2‬‬ ‫يف احلائــط املشــرك حيــث ير ِ‬
‫ـز أحــد اجلاريــن خشــبه عــى‬ ‫كـ ُ‬ ‫ُ‬ ‫ا لتنظيــم العالقة‪ ،‬أو ســيتم‬ ‫كــا حيــدث يف حقــوق االرتفــاق مثـ ً‬
‫حائــط جــاره‪ ،‬أو قــد تكــون كبــرة كالعــارة املؤجــرة‪ .‬وقــد‬ ‫إجيــاد عنــر ذي مســتوى أعــى كاحلائــط املشــرك الســتحداث‬
‫تكــون العــن آلــة مثــل املنشــار املعــار أو قــد تكــون موقعــاً‬ ‫عالقــة اهليمنــة‪ .‬ففــي احلائــط املشــرك يف ملكيتــه بــن اجلارين‬
‫كالغرفــة يف الفنــدق‪ .‬أي أن بإمــكان أي شــخص تقســيم هــذا‬ ‫ا عالقــة هيمنــة‪ ،‬وهــي أن احلائــط املشــرك يف مســتوى‬ ‫مثــ ً‬
‫النمــوذج (والنــاذج األخــرى) إىل أنــواع خمتلفــة حســب‬ ‫ا‬
‫أعــى‪ .‬فــا يســتطيع أحــد اجلاريــن تغيــر موقــع احلائــط مث ـ ً‬
‫اهتاممــه‪ .‬ولكــن برغــم هــذه التنوعــات مــن حيــث األعيــان‬ ‫ـون اجلــاران‬
‫أو هدمــه دون موافقــة جــاره‪ ،‬ويف هــذه احلالــة ُيكـ ّ‬
‫يف اإلذعــاين الرتخيــي‪ ،‬إال أن هنــاك شــقني أساســيني كان‬ ‫معــاً فريقــاً واحــداً يســيطر عــى احلائــط املشــرك‪ ،‬وبذلــك‬
‫الشكل ‪ 2.2‬مـن تونـس العتيقـة وهو مـسقط أفقـي للدور األريض‬ ‫هلــا تأثــر كبــر يف حالــة األعيــان يف البيئــة التقليديــة‪ ،‬ومهــا‬ ‫هييمــن اجلــاران مع ـاً كفريــق واحــد عــى نفســيهام كفريقــن‬
‫لعـدة منـازل‪ .‬الحـظ أن عىل سكـان الـدار (ب) أن ميـروا خالل‬ ‫االرتفــاق واإلجــارة‪.‬‬ ‫متجاوريــن‪ ،‬أي نفســيهام منفرديــن‪60.‬‬

‫‪31.2‬‬ ‫الـدار (أ) لـيصلـوا إىل دارهم‪( .‬أعيدت الرسمة من خرائط مركـز‬
‫احلفاظ عىل املـدينـة بتـونس‪ ،‬وقـد رفعت سنة ‪1968‬م)‪.‬‬ ‫وظاهــرة اهليمنــة هــذه هــي الوضــع الســائد يف البيئــة‬
‫االرتفاق‬ ‫احلاليــة‪ .‬فأينــا نظــرت جتــد هــذه العالقــة‪ :‬فالبلديــة التــي‬
‫تســيطر عــى الشــارع الــذي حيــوي املنــازل هتيمــن عــى‬
‫‪32.2‬‬ ‫إن غالبيــة عقــارات املــدن والقــرى يف العــامل اإلســامي‬ ‫أصحــاب املنــازل مــن خــال خاصيــة االحتوائيــة‪ ،‬لذلــك‬
‫متالصقــة‪ ،‬أي أن ملكيــات الفــرق متجــاورة بطريقــة متالصقــة‬ ‫جتدهــا تصــدر القوانــن‪ .‬واملؤسســات التــي تغــذي املنــازل‬
‫مــع بعضهــا البعــض مــع قلــة يف املناطــق العامــة كالشــوارع‬ ‫باملــاء وتســيطر عــى شــبكاته يف املدينــة هتيمــن عــى الســكان‬
‫مقارنــة باملــدن احلديثــة‪ .‬وإذا مــا كانــت هــذه األمــاك مبنيــة‬ ‫مــن خــال خاصيــة االنســيابية‪ .‬كــا أن هنــاك عالقــات هيمنــة‬
‫فــإن الناتــج هــو بيئــة متالصقــة بنائيـاً ‪( compact‬أنظــر للصــور‬ ‫بــن املؤسســات نفســها‪ ،‬فاملؤسســة التــي تســيطر عــى الطريــق‬
‫‪ 40‬و ‪ 41‬و ‪ 84‬إىل ‪ 88‬يف املقدمــة)‪ .‬وهــذا معنــاه وجــود بعــض‬ ‫(البلديــة) هتيمــن عــى املؤسســات التــي تســيطر عــى شــبكات‬
‫العقــارات التــي يصعــب الوصــول إليهــا مــن الطريــق العــام‪،‬‬ ‫الكهربــاء واهلاتــف اآليل‪ ،‬وهكــذا‪ .‬فــا يوجــد فريــق يف‬
‫‪33.2‬‬
‫والتــي ال ميكــن الوصــول إليهــا إال مــن خــال املــرور يف أمــاك‬ ‫البيئــة املعــارصة إال وهنــاك عــرات الفــرق التــي هتيمــن عليــه‬
‫الغــر (شــكل ‪ ،)2.2‬أي الوصــول إليهــا مــن عقــارات يف نفــس‬ ‫هبــذه اخلــواص‪ .‬فطبيعــة وجــود األعيــان واألماكــن تفــرض‬
‫املســتوى‪ .‬ويف مثــل هــذه احلــاالت تتبلــور احلاجــة إىل نظــام‬ ‫هــذه اهليمنــة‪ .‬وســرى يف الفصــل الســابع والتاســع كيــف أن‬
‫يســمح ألولئــك الســاكنني يف العقــارات الداخليــة للمــرور‬ ‫الرشيعــة متكنــت مــن حتويــل هــذه اهليمنــة التــي البد منهــا إىل‬
‫خــال العقــارات اخلارجيــة لتخفيــف هيمنــة مــن هــم يف‬ ‫عالقــات إنســانية ُتــري البيئــة‪ ،‬هــذا إن وجــدت؛ ويف الوقــت‬
‫ـرق؛ ألن اهليمنــة هنــا بــن فريقــن لعقاريــن‬ ‫ِ‬
‫اخلــارج مــن الفـ َ‬ ‫ذاتــه أنتجــت الرشيعــة بيئــة تقــل فيهــا عالقــات اهليمنــة بــن‬
‫ا‪ ،‬قــد يكــون هنــاك حــق لســكان‬ ‫مــن نفــس املســتوى‪ .‬فمث ـ ً‬ ‫الفــرق لدرجــة ال ميكــن ألي خمطــط أو مهنــدس القيــام بذلــك‬
‫دار يف املــرور مــن خــال املنــزل املجــاور لدارهــم‪ ،‬أو أن‬ ‫إال باتبــاع الرشيعــة‪ .‬فإزالــة العالقــات ذات اهليمنــة بــن الفــرق‬
‫لســكان منــزل مــا حــق مســيل ميــاه األمطــار خــال دار اجلــار‬ ‫مســألة مهمــة إذا مل يكــن هلــا داع‪ ،‬ألن هــذه العالقــات تعطــي‬
‫(الصــور ‪ 30.2‬إىل ‪ .)33.2‬أي أن أجــزاء بعــض املبــاين يشــرك‬ ‫بعــض أفــراد املجتمــع الســلطان لالســتبداد بالبعــض اآلخــر‪،‬‬
‫حق إجراء ماء الفضالت مثل ماء الغسيل والطبخ (أي املياه غري النجسة)‪.‬‬ ‫إن مسيل املاء هو أحد حقوق االرتفاق يف املدينة التقليـدية للتعامل مع‬ ‫يف االســتفادة منهــا أكــر مــن فريــق‪ .‬والعالقــة هنــا أدت إىل‬ ‫وهبــذا تظهــر الكثــر مــن األمــراض بــن الفــرق كالرشــاوي‬
‫فرتى يف الصورة ‪ 32.2‬من كواالالمبور مباليزيا‪ ،‬ويف الـصــورة ‪ 33.2‬من‬ ‫ترصيف مياه األمطـار‪ .‬فقد كان الغيث يسيل من سطح مبىن آلخر‪.‬‬ ‫هيمنــة أحدهــم عــى اآلخــر بحكــم خاصيتــي االنســيابية‬
‫دكــا ببـنجـالدش قنـاتـان لـلامء يف الطـريق والتي تصب فيهام قنوات‬ ‫فرتى يف الصورتني ‪ 30.2‬و ‪ 31.2‬من تـونس قنـوات انسـياب امليـاه‪ .‬الحظ‬ ‫والظلــم والشــكاوي واملحاكــم والقوانــن شــاغلة بذلــك‬
‫واالحتوائيــة أو إحدامهــا‪.‬‬ ‫ـداء‪ .‬واآلن لنعــد إىل اإلذعــاين‬
‫املـباين‪ .‬فقد مير ماء دار يف قناة خالل دار أخـرى قبل أن يصـل هلذه القنـاة‬ ‫األنبـوبة التي تأيت من الدور الثاين يف الـصورة ‪ 30.2‬ليصب املاء منها عىل‬ ‫املســلمني فيــا ميكــن جتنبــه ابتـ ً‬
‫يودي إيل هيـمنة الفـريق اخلارجي عىل‬ ‫التي عىل الطـريق‪ ،‬وهذا قـد ٔ‬ ‫سـطح الــدور األول ومن ثـم ينـســاب من الـفتحـة إىل املبـىن املجـاور‪.‬‬ ‫ولكــن كيــف نشــأت هــذه التداخــات بــن العقــارات‬ ‫الرتخيــي‪.‬‬
‫الفريق الداخيل إذا ما حاول إيقاف املاء‪ .‬هلذا حولت الرشيعة هذه اهليمنة‬ ‫مـاوها خالل دار أخرى يقال إن هلا‬ ‫فمـتى كـان لدار احلق يف أن يـسيل ٔ‬
‫املحتملة إىل حقوق‪ .‬لكن لنتذكر أن ما نراه من بؤس اآلن كام يف بنجالدش‬ ‫حق املسيل‪ .‬وترى يف الصورة ‪ 31.2‬ثـالثة مواقع ينـساب منها املـاء من‬
‫التــي هــي مــن نفــس املســتوى؟ اإلجابــة مــن خــال ثــاث‬ ‫يشــرك يف هــذا النمــوذج مــن املســؤولية فريقــان يف‬
‫هو بسبب فقدان السكان حلق السيطرة يف وضع حمتكر حمليا ودوليا‪.‬‬ ‫تودي إىل هيمنـة فريق عىل آخر‬ ‫سطح آلخر‪ .‬ومن احلقوق أيضاً التـي قد ٔ‬ ‫طــرق هــي‪ :‬التقســيم والنمــو واملعاوضــات‪ .‬فــاألوىل هــي‬ ‫العــن‪ ،‬أحدمهــا ميلــك ويســيطر واآلخــر يســتخدم‪ :‬كاملنــزل‬

‫‪83‬‬ ‫‪82‬‬
‫املناطــق العامــة هبــا حتــى ال تتبــدد ثــروات املســلمني يف صيانــة‬ ‫التقســيم‪ :‬وتنتــج عــن اهلبــة أو الوراثــة أو بيــع جــزء مــن‬
‫ـداء‪ .‬ومــن جهــة‬
‫ورصــف وإضــاءة مناطــق مل يكــن هلــا داع ابتـ ً‬ ‫الشكل‬ ‫ا بحيــث‬ ‫املنــزل ومــا شــابه‪ .‬فقــد يقســم عقــار بــن الورثــة مثـ ً‬
‫الشكل‬
‫أخــرى فــإن أعيــان حقــوق االرتفــاق تــكاد تكــون األعيــان‬ ‫‪4.2‬‬ ‫إن عــى ســكان جــزء مــن العقــار أن ميــروا مــن خــال جــزء‬
‫‪3.2‬‬
‫الوحيــدة يف البيئــة التقليديــة التــي تــؤدي إىل اهليمنــة املتوقعــة‬ ‫آخــر للوصــول إىل الطريــق العــام‪ .‬وهــذا التقســيم قــد يــؤدي‬
‫بــن عقاريــن‪ ،‬وقــد عاجلتهــا الرشيعــة بحكمــة‪ ،‬أمــا البيئــة‬ ‫إىل النــزاع بــن الورثــة‪ .‬ولــرب مثــل لذلــك‪ :‬فقــد ســئل الفقيــه‬
‫املعــارصة‪ ،‬فكــا قلنــا‪ :‬مليئــة هبــذه العالقــات والتــي ختبطــت‬ ‫املالــي إبراهيــم بــن عبــد اللــه اليزناســي عــن أخويــن اقتســا‬
‫فيهــا األنظمــة املعــارصة‪.‬‬ ‫أرضـاً ورثاهــا عــن أبيهــا (شــكل ‪ )3.2‬ولــأرض طريــق قديــم‬
‫متصــل هبــا فصــار يف نصيــب أحدمهــا (النصيــب أ) القســمة‬
‫باختصــار‪ ،‬إن االنســيابية واالحتوائيــة واجلاذبيــة التــي‬
‫املتصلــة بالطريــق‪ ،‬وأمــا القســمة األخــرى (ب) فــا مدخــل‬
‫تــؤدي إىل هيمنــة فريــق عــى اآلخــر دفعــت املجتمعــات‬
‫ال مــن قســمة أخيــه املتصلــة بالطريــق‪ .‬ومل يذكــرا حــن‬ ‫هلــا إ ّ‬
‫املعــارصة إىل تركيبــة بيئيــة تالفــت فيهــا هــذه املجتمعــات‬
‫القســم أن ميــر األخ يف قســمة أخيــه وال منعــه مــن ذلــك‪ .‬وعندما‬
‫هــذه العالقــة بزيــادة مســاحة األماكــن العامــة‪ ،‬وبزيــادة هــذه‬
‫أراد صاحــب القســمة التــي ال مدخــل هلــا (ب) املرور يف قســمة‬
‫ا‪ ،‬بينام‬
‫املســاحة ظهــرت عالقــات هيمنــة أخــرى مل توجد أصـ ً‬
‫أخيــه منعــه مــن ذلــك أخــوه‪ .‬فهــل يصــح القســم ويكــون لــه‬
‫عاجلــت الرشيعــة هــذه املســألة بحكمــة‪ .‬فكيــف تــم ذلــك؟‬
‫املــرور يف قســمة أخيــه أم لــه منعــه حتــى يعــاد القســم؟ وهناك‬
‫لقــد قســم الفقهــاء امللــك إىل تــام وناقــص‪ .‬وامللــك الناقص‬ ‫الشكل‬ ‫إجابــات متعــددة هلــذه النازلــة (يف الفصــل الثامــن ســركز‬
‫كــا عرفــه أمحــد إبراهيــم (أحــد علــاء مــر هــذا القــرن ت‬ ‫‪5.2‬‬ ‫عــى التقســيم وتأثــره يف منــاذج املســؤولية) ومجيعهــا تــؤدي إىل‬
‫‪« :)1364‬هــو عبــارة عــن بعــض مــا يقبلــه املــال مــن احلقــوق‬ ‫رضورة االتفــاق بــن الطرفــن‪ .‬وإذا مل يتــم ذلــك فــإن احلــل‬
‫اجلائــزة رشعــاً‪ ،‬وهــو إمــا أن يكــون قــارصاً عــى الرقبــة‪ ،‬أو‬ ‫ســيفرض عليهــا بحيــث أن لصاحــب القســمة الداخلــة املــرور‬
‫قــارصاً عــى املنفعــة‪ .‬وملــك املنفعــة أو حــق االنتفاع ينقســم إىل‬ ‫يف القســمة اخلارجــة للوصــول إىل الطريــق العــام تالفيـاً للــرر‬
‫قســمني‪ :‬شــخيص وعيــي‪ .‬فــاألول يتعلــق بالشــخص‪ ،‬ويســمى‬ ‫بصاحــب القســمة الداخلــة‪61.‬‬
‫حــق انتفــاع أو ملــك منفعــة‪ ،‬والثــاين يتعلــق بالعــن العقاريــة‬
‫الطريقــة الثانيــة لنشــوء هــذه التداخــات بــن العقــارات‬
‫ويســمى حــق ارتفــاق»‪ 62.‬ولقــد عــرف الشــيخ مصطفــى‬
‫هــي النمــو املســتمر ‪ incremental growth‬مثــل اإلحيــاء‪ .‬فبعــد‬
‫أمحــد الزرقــاء حــق االرتفــاق بأنــه «منفعــة مقــررة لعقــار عــى‬
‫إحيــاء قطعــة مــن األرض ســيكون هلــذه األرض حريــم مثــل‬
‫عقــار آخــر مملــوك لغــر األول كالــرب واملســيل لــأرايض‪،‬‬
‫الطريــق املــؤدي إليهــا ومســيل مائهــا‪ ،‬فيرتتــب عــى أولئــك‬
‫وكاملــرور والتعــي‪ .‬وحــق االرتفــاق يف نظــر الفقهــاء مــن قبيــل‬
‫الذيــن ســيحيون األرايض املجــاورة احــرام طريــق ومســيل‬
‫ملــك املنفعــة‪ .‬وهــي منفعــة بــن عقاريــن تابعــة هلــا عــى‬
‫مــاء األرض األوىل (وســنناقش هــذا يف الفصــل اخلامــس إن شــاء‬
‫الــدوام مهــا انتقلــت ملكيتهــا‪ ،‬وأن مالــك هــذه املنفعــة هــو‬
‫مســاحة العقــارات اخلاصــة‪ ،‬وهــذا معنــاه تقليــل تكلفــة إنشــاء‬ ‫مــن ميزانيــة مرصوفــات البلديــات أو أمانــات املــدن‪ .‬ولكــن‬ ‫اللــه)‪ .‬وأمــا الطريقــة الثالثــة فهــي املعاوضــات‪ :‬فقــد يقــوم فرد‬
‫مالــك العقــار املنتفــع ‪ ...‬وحــق االرتفــاق هــذا هــو يف احلقيقــة‬
‫ال إذا مــا طبقــت‬‫وصيانــة املناطــق العامــة يف املدينــة إمجــا ً‬ ‫املدينــة أيضـاً بحاجــة إىل هــذه املناطــق العامــة لتســهيل حركــة‬ ‫ببيــع حــق املــرور يف عقــاره جلــاره‪ .‬وهــذه الطــرق الثــاث أدت‬
‫منفعــة منتقصــة مــن ملكيــة العقــار املرتفــق بــه (اخلــادم)‬
‫الفكــرة يف املدينــة ككل‪ ،‬باإلضافــة إىل أبعــاد اجتامعيــة إجيابية‬ ‫مــرور الســاكنني‪ .‬فهــل هنــاك وســيلة للتقليــل مــن مســاحات‬ ‫إىل مــا هــو معــروف يف الرشيعــة والقانــون بحقــوق االرتفــاق‪.‬‬
‫ملصلحــة العقــار املرتفــق (املخــدوم)‪ .‬وبســبب هــذه التبعيــة‬
‫ال حــر هلــا مــن إجيــاد التعــارف والتداخــل بــن اجلــران‬ ‫املناطــق العامــة دون التأثــر عــى حركــة املــرور؟ إن حقــوق‬ ‫ودراســة هــذه احلقــوق ونوازهلــا ستســاعدنا عــى فهــم املدينــة‬
‫العقاريــة فيهــا مل تكــن مؤقتــة بوقــت حمــدود كغريهــا مــن‬
‫(والتــي ســتناقش يف الفصــل التاســع)‪ .‬ولكــن قــد تظهــر هنــا‬ ‫االرتفــاق هــي أحــد هــذه الوســائل‪ .‬ففــي الشــكل ‪ 4.2‬املنطقــة‬ ‫اإلســامية مــن حيــث الرتكيــب اخلطــي ‪.territorial structure‬‬
‫منافــع‪ ،‬بــل تبقــى مــا بقــي العقــار إىل أن يتنــازل عنهــا املالــك‬
‫بطريــق مــروع»‪63.‬‬ ‫مشــكلة‪ :‬وهــي أن مــاك العقــارات اخلارجيــة قــد هييمنــون‬ ‫(أ) حتولــت مــن شــارع عــام إىل منــازل ســكنية يف الشــكل ‪.5.2‬‬ ‫وهــو مــا ســنتطرق إليــه يف الفصــل التاســع‪ .‬ولكــن ميكــن أن‬
‫عــى ســكان العقــارات الداخليــة‪ ،‬فالفريــق «ن» قــد هييمــن‬ ‫ولكــن عــى ســكان املنــازل الداخليــة (ب‪ ،‬ج‪ ،‬د) يف الشــكل‬ ‫نكتفــي هنــا بالقــول أن كــرة املناطــق العامــة كالشــوارع‬
‫وينــدرج حتــت حــق االرتفــاق حــق املجــرى واملســيل‬ ‫والســاحات يف أي مدينــة تــؤدي إىل اســتنزاف مــوارد األمــة‪ ،‬ألن‬
‫عــى الفريــق «ب» يف الشــكل ‪ 5.2‬ألنــه حيويــه أو حائــل بينــه‬ ‫‪ 5.2‬املــرور يف أمــاك جرياهنــم للوصــول إىل الطريــق العــام‬
‫واملــرور‪ .‬والفــرق بــن حــق املجــرى واملســيل هــو أن يف حــق‬ ‫إنشــاء وصيانــة املناطــق العامــة تكلــف الكثــر مقارنــة باملناطق‬
‫وبــن الطريــق العــام‪ ،‬وهنــا تظهــر حكمــة الرشيعــة يف التعامل‬ ‫كاملــرور يف حديقــة اجلــار أو كبنــاء ممــر يف العقــار اخلارجــي‬
‫املجــرى يكــون لإلنســان إجــراء املــاء يف ملــك جــاره مللــك‬ ‫اخلاصــة‪ .‬فهــي حتتــاج ملــن يزرعهــا ويرصفهــا ويضيؤهــا‬
‫مــع هــذه املســألة حتــى تتــاىش هــذه اهليمنــة‪ ،‬لذلــك انتــرت‬ ‫ليتمكــن ســكان العقــار الداخــي مــن املــرور‪ .‬والــذي حــدث‬
‫نفســه‪ .‬أمــا حــق املســيل فهــو حــق ترصيــف امليــاه الزائــدة‬ ‫وينظفهــا ومــا إىل ذلــك مــن مصاريــف باهظــة‪ .‬وهــذا واضــح‬
‫فكــرة تداخــل العقــارات يف املدينــة التقليديــة لتنخفــض نســبة‬ ‫يف الشــكل ‪ 5.2‬هــو تقليــل مســاحة األماكــن العامــة مــع زيــادة‬

‫‪85‬‬ ‫‪84‬‬
‫بالنســبة حلــق االرتفــاق املثبــت ســلفاً والناتــج عــن اإلحيــاء أو‬ ‫ا بيــع حــق اســتخدام جــزء مــن عقــاره إىل جــاره‬ ‫املالــك مثــ ً‬ ‫اخلــادم‪ .‬يقــول ابــن الرامــي إنــه عندمــا ســئل مالــك «عمــن لــه‬ ‫مــن ملكــه خــال ملــك جــاره‪ .‬وتعاريــف حقــوق االرتفــاق‬
‫ال مــن الفريقني ســيحاول‬ ‫ا‪ .‬ومــن البدهــي‪ ،‬فــإن ك ً‬‫التقســيم مثـ ً‬ ‫ليســتخدمه كطريــق‪ ،‬أو إلمــرار مائــه‪ ،‬أو حتــى ســاقية‬ ‫ممــر يف حائــط (مزرعــة) إىل ملــك لــه وراء ذلــك احلائــط ومل‬ ‫تشــر إىل حقيقــة حتميــة يف البيئــة‪ :‬وهــي أن حــق االرتفــاق‬
‫تــايف التدخــل اخلارجــي‪ .‬فالفريــق املهيمــن يعلــم متام ـاً بــأن‬ ‫مــاء مــن خــال مزرعتــه طاملــا اتفــق الطرفــان عــى موقــع‬ ‫يكــن حمظــوراً (أي ال جــدار حولــه)‪ ،‬فــأراد صاحــب احلائــط‬ ‫ال يكــون إال بوجــود ثــاث مناطــق‪ :‬األوىل هــي العقــار‬
‫الرشيعــة ســتقف مــع صاحــب حــق االرتفــاق إن هــو حــاول‬ ‫املمــر وســعته ومــا إىل ذلــك‪ .‬العكــس أيض ـاً جائــز‪ .‬فبإمــكان‬ ‫أن حيظــر حائطــه وجيعــل عليــه بابــا؟»‪ ،‬قــال مالــك‪« :‬ال أرى‬ ‫الــذي حيتـــاج إىل االرتفــاق أو العقــار املخــدوم‪ .‬والثانيــة هــي‬
‫منعــه مــن املــرور‪ .‬بينــا خيــاف الفريــق املالــك حلــق االرتفــاق‬ ‫املالــك بيــع ممــر يف داره (رقبــة الطريــق) جلــاره‪ ،‬بينــا حيتفــظ‬ ‫ذلــك لــه إال أن يــرىض الــذي لــه املمــر يف احلائــط‪ ،‬ألنــه إذا‬ ‫املر َت َفــق بــه أو العقــار اخلــادم؛ والثالثــة هــي املنطقــة‬
‫العقـــار ْ‬
‫مــن املضايقــات التــي قــد حيدثهــا الفريــق املهيمــن مــن قفــل‬ ‫لنفســه بحــق املــرور‪ 68.‬ولكــن هنــاك اختــاف بــن املذاهــب‬ ‫كان حمظــور ًا مل ميكــن أن يدخــل الــذي لــه املمــر يف احلائــط‬ ‫املشــركة بــن العقاريــن مــن حيــث املســؤولية والتــي ختضــع‬
‫البــاب أو حتويــل جمــرى املــاء أو تضييقــه ومــا إىل ذلــك‪ .‬أي‬ ‫يف إمكانيــة بيــع حــق االرتفــاق لفريــق آخــر ثالــث‪ ،‬وذلــك‬ ‫ا فــا يفتــح لــه ويقــال لــه‪:‬‬‫متــى شــاء‪ ،‬ويوشــك أن يــأيت لي ـ ً‬ ‫لإلذعــاين الرتخيــي‪ .‬وحيــث إن مالــي العقاريــن املتجاوريــن‬
‫أن الفريقــن بحاجــة إىل االتفــاق يف حقــوق االرتفــاق إذا كان‬ ‫الختالفهــم يف ماليــة حقــوق االرتفــاق‪ .‬فــإذا كان للفريــق (أ)‬ ‫مثــل هــذه الســاعة ال يفتــح ألحــد‪ .‬قيــل لــه‪ :‬أرأيــت إن حظــر‬ ‫يف الغالــب فريقــان خمتلفــان يف نفــس املســتوى‪ ،‬فــإن العالقــة‬
‫العقــاران يف نفــس املســتوى‪ .‬واالتفــاق يف صالــح العنــر‪ ،‬ألنــه‬ ‫ا حــق املــرور يف عقــار الفريــق (ب)‪ ،‬فهــل حيــق للفريــق‬ ‫مث ـ ً‬ ‫ومل جيعــل عــى احلائــط باب ـاً‪ ،‬قــال‪ :‬يوشــك أن يــأيت مــن يريــد‬ ‫بينهــا قــد متيــل إىل نــوع مــن اهليمنــة‪ .‬فالفريــق اخلــادم قــد‬
‫كلــا ازداد االتفــاق بــن الطرفــن كلــا أمكــن اعتبارمهــا فريق‬ ‫ا وليــس (ب)؟‬ ‫(أ) بيــع حــق املــرور لفريــق خارجــي (ج) مث ـ ً‬ ‫املــرور إىل حائــط هــذا الــذي لــه املمــر ممــن كان ميــر فيــه‬ ‫مينــع الفريــق الداخــل مــن املــرور أو قــد مينعــه مــن اســتخدام‬
‫واحــد‪ ،‬وبالــذات إذا كانــت مصاحلهــم مشــركة‪ .‬فقــد يتفــق‬ ‫يســتنتج العبــادي (أحــد الفقهــاء املعارصيــن الذيــن كتبــوا‬ ‫ويأتيــه منــه‪ ،‬فــإذا رأى احلائــط حمظــوراً مل جيــز‪ ،‬ويوشــك‬ ‫مســيل املــاء‪ .‬وهنــاك الكثــر مــن األمثلــة عــى ذلــك يف البيئــة‪.‬‬
‫طرفــان ولكــن دون اشــراكهام يف املصلحــة‪ ،‬وهــذا أفضــل مــن‬ ‫يف امللكيــة) فيقــول‪« :‬ذهــب احلنفيــة والزيديــة إىل أن هــذه‬ ‫أن يطــول ذلــك فيســتحق هــذا وجيعــل عليــه بابــاً‪ ،‬ويقــال‬ ‫فالونرشيــي (فقيــه مالــي مجــع الكثــر مــن النــوازل يف كتابــه‬
‫االختــاف ولكنــه ليــس كاشــراك املصلحــة‪ .‬وعنــد اشــراك‬ ‫احلقــوق ليســت مبــال‪ ،‬ألهنــا أمــور ال ميكــن حيازهتــا‪ .‬وبنــوا‬ ‫للــذي لــه املمــر قــد جــاز عليــك»‪ 66.‬وعندمــا ســأل ســحنون‬ ‫ت ‪ )914‬يذكــر نازلــة يف رجــل ميلــك داراً وســطحها وجمــرى‬
‫املصلحــة ســيقوم الطرفــان باالهتــام بالعــن وصيانتهــا وصيانــة‬ ‫ال‪،‬‬
‫عــى ذلــك أن هــذه احلقــوق ال جيــوز بيعهــا وهبتهــا اســتقال ً‬ ‫(ت ‪ )240‬الفقيــه ابــن القاســم‪« :‬فلــو أن دار ًا يف جــوف دار‪،‬‬ ‫مائهــا لناحيــة‪ ،‬وال جمــرى هلــا إال مــن تلــك الناحيــة؛ فبــاع‬
‫مــا هبــا مــن أعيــان أخــرى أصغــر منهــا كبــاب الطريــق ولياســة‬ ‫ال‪ ،‬ولكــن جيــوز‬ ‫ألن حمــل البيــع واهلبــة جيــب أن يكــون مــا ً‬ ‫الــدار الداخلــة لقــوم واخلارجــة لقــوم آخريــن‪ ،‬وألهــل الــدار‬ ‫صاحــب الــدار الناحيــة التــي عليهــا املجــرى‪ ،‬فمنعــه املشــري‬
‫املجــرى‪ .‬أمــا إذا تشاكســا فســيهمالن العــن وسيســوء حاهلــا‪.‬‬ ‫بيعهــا تبعــاً لألمــوال التــي تتعلــق هبــا‪ ،‬كبيــع الــدار واألرض‪،‬‬ ‫الداخلــة املمــر يف اخلارجــة‪ ،‬فــأراد أهــل اخلارجــة أن حيولــوا‬ ‫فحكــم فيهــا أنــه‬
‫مــن جــري املــاء عليــه‪ .‬وال بيــان يف التبايــع‪ُ .‬‬
‫أي أن األعيــان اخلاضعــة حلــق االرتفــاق يف الرشيعــة اإلســامية‬ ‫مــع مــا يتعلــق هبــا مــن حقــوق‪ ،‬مثــل حــق املــرور وحــق‬ ‫باهبــم يف موضــع ســوى املوضــع الــذي كان فيــه‪ ،‬وأىب عليهــم‬ ‫ال تلــك الناحيــة واملشــري عــامل بذلــك‬ ‫إن كان ال مصــب هلــا إ ّ‬
‫ــت لإلذعــاين املتحــد برغــم وجودهــا يف اإلذعــاين‬ ‫ِ‬ ‫قبــل البيــع فــا مقــال لــه‪ ،‬وإال فلــه الــرد ألنــه عيــب‪64.‬‬
‫قــد ُدف َع ْ‬ ‫املســيل وحــق الــرب ‪ ...‬وذهــب مجهــور الفقهــاء (املالكيــة‬ ‫أهــل الــدار الداخلــة ذلــك‪ ،‬أيكــون ذلــك هلــم؟» أجــاب ابــن‬ ‫ّ‬
‫الرتخيــي نتيجــة لالتفــاق بــن الفــرق‪ .‬وهــذا يف صالــح حالــة‬ ‫والشــافعية واحلنابلــة واإلماميــة) إىل أن هــذه احلقــوق تعتــر‬ ‫القاســم‪« :‬ال أحفــظ مــن مالــك يف هــذا شــيئاً‪ ،‬وأرى إن كانــوا‬
‫والبــد لنــا هنــا مــن التمييــز بــن حالتــن خمتلفتــن متام ـاً‪.‬‬
‫األعيــان وبالتــايل البيئــة‪ .‬وهــذه هــي النتيجــة املهمــة بالنســبة‬ ‫مــن قبيــل األمــوال‪ ،‬لذلــك جــاز عندهــم بيعهــا وهبتهــا»‪69.‬‬ ‫أرادوا أن حيولــوه إىل جنــب بــاب الــدار الــذي كان‪ ،‬وليــس يف‬
‫فقــد يكــون لشــخص مــا حــق املــرور يف ملــك جــاره دون‬
‫ملوضوعنــا‪.‬‬ ‫وبالطبــع فــإن الرأيــن هلــا تأثرييــن خمتلفــن يف البيئــة (كــا‬ ‫ذلــك رضر عــى أهــل الــدار الداخلــة‪ ،‬رأيــت أن ال مينعــوا مــن‬
‫أن ميلــك رقبــة الطريــق‪ ،‬وهــذه مــن حقــوق االرتفــاق‪ ،‬وهــي‬
‫ســرى بــإذن اللــه)‪.‬‬ ‫ذلــك؛ وإن أرادوا أن حيولــوا باهبــم إىل ناحيــة مــن الــدار ليــس‬
‫ختتلــف عــا إذا ملــك هــذا اإلنســان رقبــة الطريــق وكان هــو‬
‫يف قــرب املوضــع الــذي كان فيــه بــاب الــدار‪ ،‬فليــس هلــم ذلــك‬
‫اإلجارة‬ ‫واملهــم هنــا هــو أن مجيــع حقــوق االرتفــاق املســتحدثة‬
‫إن أىب عليهــم أهــل الــدار الداخلــة»‪67.‬‬
‫نفســه املســتخدم الوحيــد‪ ،‬فعندهــا يكــون الطريــق يف اإلذعاين‬
‫ال تتــم إال مبوافقــة املالــك‪ .‬ففــي نازلــة ذكرهــا الونرشيــي يف‬ ‫املتحــد‪ ،‬أي أن الطريــق ليــس إال عقــاراً وجــد يف أمــاك الغــر‪.‬‬
‫أمــا الشــق الثــاين مــن اإلذعــاين الرتخيــي‪ ،‬والــذي أثّــر‬ ‫«قــوم فســد عليهــم جمــرى مائهــم ومل يقــدروا عــى إجرائــه‬ ‫أخــي القــارئ‪ ،‬إن مــا ذكرتــه ســابقاً دليــل عــى أن أي تغيري‬ ‫أمــا إذا اشــرك اجلــار يف الســيطرة عــى الطريــق فســيكون‬
‫يف حالــة األعيــان يف البيئــة التقليديــة‪ ،‬فهــو اإلجــارة والتــي‬ ‫وأرادوا جــري املــاء يف أرض جــار هلــم بثمــن أو بغــر مثــن‪،‬‬ ‫يف العقــار اخلــادم ال ميكــن أن يتــم إال مبوافقــة املســتخدمني‬ ‫الطريــق يف منــوذج إذعــاين خمتلــف‪ ،‬وســيناقش يف حينــه‪.‬‬
‫تتميــز عــن االرتفــاق بأهنــا مؤقتــة بزمــن معلــوم وليســت أبديــة‬ ‫هــل هلــم ذلــك؟» فــكان الــرد‪« :‬ليــس هلــم ذلــك إال بــإذن‬ ‫للمنطقــة التــي تشــرك فيهــا املســؤولية بــن مالــي العقاريــن‬
‫كاالرتفــاق‪ ،‬وأهنــا حــق شــخيص يســتفيد منــه اإلنســان‪ ،‬وأمــا‬ ‫وحيــث أن الفريقــن املشــركني يف حقــوق االرتفــاق‬
‫صاحــب املوضــع وإن مل يــأذن فيــه مل جيــر عليــه ‪ .»...‬أمــا‬ ‫(اخلــادم واملخــدوم)‪ .‬وهــذا معنــاه أن اهليمنــة املتوقعــة بــن‬
‫حــق االرتفــاق فهــو حــق عيــي مقــرر لعقــار معــن بــرف‬ ‫يف نفــس املســتوى وأحدمهــا (وهــو مالــك العقــار اخلــادم)‬
‫نازلــة الضحــاك والتــي ذكرهتــا ســابقاً فــإن للضحــاك‪ ،‬وكــا‬ ‫خ ّففــت‪ ،‬هــذا إذا مل‬
‫فريقــي مكانــن مــن نفــس املســتوى قــد ُ‬
‫النظــر عــن مالكهــا‪ ،‬لذلــك فــإن للفريــق املســتخدم يف اإلجــارة‬ ‫أصبــح مهيمنـاً بحكــم موقعــه‪ ،‬فــا غرابــة يف اعتبــار الرشيعــة‬
‫يقــول الشــافعية‪ ،‬حــق املــرور يف أرض مســلمة وهــو وضــع‬ ‫تنعــدم‪ ،‬ممــا جيلــب االســتقرار لفريــق العقــار املخــدوم‪.‬‬
‫مســتوى أقــل (مثــل األثــاث)‬ ‫احلــق يف أن حيــر أدوات ذات‬ ‫لإلرتفــاق حــق لصالــح العقــار املخــدوم لتخفيــف أو إلغــاء‬
‫ً‬ ‫خمتلــف‪ .‬ومل يأخــذ اإلمــام مالــك هبــذه النازلــة‪ 70.‬أي أن حــق‬
‫عــن مســتوى العــن املســتأجرة (مثــل املنــزل) ليســتخدمها‪.‬‬ ‫ومــن جهــة ثانيــة‪ :‬حيــث أن البيئــة متغــرة‪ ،‬فالبــد مــن‬ ‫ا الضحــاك‬ ‫هــذه اهليمنــة الالمنطقيــة‪ .‬فعندمــا حــاول مثــ ً‬
‫االرتفــاق املســتحدث هــو أساسـاً إتفــاق بــن الطرفــن (اخلــادم‬
‫وللرشيعــة فلســفة واضحــة يف اإلجــارة ميكــن توضيحهــا يف‬ ‫طريقــة لتبــادل حقــوق االرتفــاق بــن األفــراد‪ .‬فقــد يقــوم‬ ‫بــن خليفــة إمــرار مــاء مــن خــال أرض جــاره حممــد بــن‬
‫واملخــدوم)‪ .‬فالفريــق املحتــاج حلــق املــرور عليــه أن يتفــق مع‬
‫إنــاء معدنيــاً واشــرط‬ ‫شــخص ببنــاء أرضــه الداخلــة التــي ال طريــق هلــا إال مــن ملــك‬ ‫مســلمة‪ ،‬ودون اإلرضار بــه‪ ،‬ومنعــه مــن ذلــك حممــد وكلــم‬
‫املثــال التــايل‪ :‬إذا اســتأجر شــخص مــا ً‬ ‫الفريــق املهيمــن حلاجتــه للمــرور يف العقــار اخلــادم‪ .‬وعنــد‬
‫املالــك أن ال يســتخدم املســتأجر اإلنــاء إال يف أوقــات معينــة‬ ‫جريانــه كعــارة ســكنية لعــدة أدوار‪ ،‬وحيتــاج إلمــرار ســكان‬ ‫فيــه الضحــاك عمــر بــن اخلطــاب ريض اللــه عنــه‪ ،‬أمــر عمــر‬
‫ثبــوت حــق االرتفــاق فــإن عــى الفريــق املهيمــن أن يســمح‬
‫ولــرب املــاء وبنفســه فقــط‪ ،‬فــإن االســتفادة مــن هــذا اإلنــاء‬ ‫عامرتــه املســتحدثة خــال عقــار أحــد جريانــه‪ .‬لذلــك فــإن‬ ‫أن ميــر خليــج الضحــاك يف أرض حممــد بــن مســلمة وقــال‬
‫للفريــق املرتفــق باملــرور رغـاً عنــه‪ ،‬ألن حــق االرتفــاق حــق‬
‫ســتكون حمــدودة جــداً‪ .‬وأمــا إن قيــل هلــذا املســتأجر بأنــك‬ ‫مجيــع املذاهــب جتيــز إهــداء أو بيــع أو إجيــار حــق االرتفــاق‬ ‫ـر ّن بــه ولــو عــى بطنــك»‪ 65.‬ويف‬
‫مجلتــه املعروفــة‪« :‬واللــه لي ُمـ ّ‬
‫تقــره الرشيعــة‪ .‬أي أن عــى الفريقــن االتفــاق‪ .‬ونفــس الــيء‬
‫إىل الطريــق العــام (وليــس إىل طريــق غــر نافــذ)‪ .‬فيســتطيع‬ ‫بعــض األحيــان فــإن العقــار املخــدوم يكــون عبئـاً عــى العقــار‬

‫‪87‬‬ ‫‪86‬‬
‫قــال ابــن القاســم‪ :‬إن طينــه رب البيــت فالكــراء لــك الزم‪ ،‬وإن‬ ‫فســقية (نافــورة) احلديقــة وســخانة املــاء يف أيامنــا هــذه فــا‬ ‫ذمــي باســتئجار دار مــن مســلم ويتخذهــا مصــى للعامــة‪ ،‬أو‬ ‫أنــت املالــك هلــذا اإلنــاء ملــدة عقــد اإلجــارة‪ ،‬ولــك مطلــق‬
‫أىب أن يطينــه كان لــك أن ختــرج إذا كان هطلــه رضر ًا بينـاً‪ ،‬وال‬ ‫مســؤولية فيهــا لــكال الفريقــن‪ .‬وكل مــا خــرج عــن هــذا‬ ‫ـل حائطــه خــارج داره آلخــر لالســتظالل‬ ‫يؤجــر شــخص مــا ِظـ ّ‬ ‫التــرف يف اإلنــاء عــى أن ال تــر بــه‪ ،‬فــإن املســتأجر قــد‬
‫جيــر رب الــدار عــى أن يطينــه إال أن يشــاء»‪79.‬‬ ‫التقســيم (كل مــا هــو رضوري وكل مــا هــو مكمــل لالنتفــاع)‬ ‫هبــا‪ .‬وفيــا عــدا مثل هــذه املســائل فــإن أهم مــا يف عقــد اإلجارة‬ ‫يســتخدم اإلنــاء لــرب املــاء البــارد أو الشــاي الســاخن أو‬
‫ا هنــاك اختــاف يف‬ ‫كان موضــع خــاف بــن الفقهــاء‪ .‬فمثــ ً‬ ‫ا يقــول‬‫هــو اتفــاق الطرفــن وتــايف العقــد عــى املجهــول‪ .‬فمثـ ً‬ ‫لصنــع الثلــج بتجميــد املــاء فيــه أو كمكيــال لغــرف احلبــوب‬
‫إن التمييــز املذكــور ســابقاً (أي مــا هــو رضوري لالنتفاع‬
‫اآلراء حــول الصيانــة املســتمرة ملــا جيعــل املبــى صاحلـاً لالنتفاع‬ ‫ابــن قدامــة يف مــدة العقــد‪« :‬وإن جعــا املــدة ســنة روميــة أو‬ ‫ومــا إىل ذلــك مــن اســتخدامات عديــدة‪ .‬أي أن هــذا املســتأجر‬
‫ومــا هــو مكمــل لــه) ذو عالقــة واضحــة باملســتويات املختلفــة‬
‫لألعيــان‪ .‬فاملالــك مســؤول عــن أعيــان ذات مسـ ٍ‬ ‫مثــل تنظيــف البالوعــة؛ فيقــول ابــن قدامــة‪« :‬وإن امتــأت‬ ‫شمســية أو فارســية أو قبطيــة وكانــا يعلــان ذلــك جــاز ‪ ...‬وإن‬ ‫اســتفاد مــن اإلنــاء اســتفادة قصــوى دون أن يــر بــه‪ .‬وهــذا‬
‫ـتو أعــى مــن‬
‫(يعــي البالوعــة) بفعــل املكــري فعليــه تفريقهــا‪ ،‬وهــذا قــول‬ ‫كان أحدمهــا جيهــل ذلــك مل يصــح»‪ 74.‬ومــن مراجعــة مســائل‬ ‫نتــج مــن إعطــاء مزيــد مــن احلريــة يف التــرف للفريــق‬
‫ي ِضهــا املســتأجر‪ .‬فاملالــك مســؤول عــن‬ ‫األعيــان التــي ُ ْ‬
‫الشــافعي‪ ،‬وقــال أبــو ثــور‪ :‬هــو عــى رب الــدار ألن بــه يتمكــن‬ ‫اإلجــارة ميكننــا االســتنتاج أن الفريــق املســتخدم له احلــق رشعاً‬ ‫املســتخدم‪ ،‬وذلــك بدفــع العــن املســتأجرة إىل اإلذعــاين املتحــد‬
‫ســامة احلوائــط واألســقف والتــي ميكــن إضافــة أنابيــب‬
‫مــن االنتفــاع فأشــبه مــا لــو اكــرى وهــي مــآى‪ .‬وقــال أبــو‬ ‫يف اســتخدام العقــار كاملالــك‪ .‬ولكــن مــا هــي حــدود املســؤولية‬ ‫فــرة اإلجــارة‪ .‬وهــذا مــا فعلتــه الرشيعــة‪ ،‬فكيــف تــم هــذا؟‬
‫الــرف إليهــا ومــا شــاهبها يف أيامنــا هــذه‪ ،‬واملســتأجر مســؤول‬
‫حنيفــة‪ :‬القيــاس أنــه عــى املكــري واالستحســان أنــه عــى‬ ‫بــن الطرفــن (املالــك واملســتأجر) يف هــذه احلالــة؟ ومــا هــي‬
‫عــن اســتخدام هــذه العنــارص وصيانتهــا‪ 80.‬ومــن مزايــا هــذا‬ ‫أســاس اإلجــارة يف الرشيعــة هــي أن املالــك يســمح‬
‫رب الــدار ألن عــادة النــاس ذلــك»‪ 77.‬وذكــر ابــن الرامــي مــن‬ ‫حــدود املســتخدم يف التــرف (الســيطرة)؟فهل للمســتأجر‬
‫الربــط بــن املســؤولية ومســتويات األعيــان هــو وضــوح‬ ‫للمســتأجر أن يســتخدم عقــاره (العــن التــي ميلكهــا) مقابــل‬
‫املذهــب املالــي‪« :‬ومــن اكــرى داراً فوجــد قناهتــا مملــوءة‬ ‫ـتأجر إن أراد ذلــك؟‬
‫ا هــدم حائــط يف املنــزل املسـ َ‬ ‫مثـ ً‬
‫حــدود مســؤولية كل فريــق عنــد أي منازعــة‪ .‬فعنــد انتهــاء‬ ‫فائــدة معينــة مبنيــة عــى اتفــاق الطرفــن‪ .‬واإلجــارة معروفــة‬
‫بالثقــل والغســاالت (الفضــات الصلبــة) فنقــول‪ :‬ال خيلــو إمــا‬
‫العقــد قــد يدعــي املســتأجر بأنــه أضــاف إىل املبــى بعــض‬ ‫مــن مراجعــة أقــوال الفقهــاء ميكننــا االســتنتاج عمومــاً‬ ‫يف الرشيعــة بتمليــك املنفعــة‪ .‬ففــي هتذيــب الفــروق‪« :‬متليــك‬
‫أن يكــون ســد هــذه القنــاة ممــا هــو متقــدم قبــل العقــد أو بعــد‬
‫البنيــان وأن لــه نقضــه‪ ،‬وقــد ينكــر ذلــك املالــك ويزعــم أن‬ ‫أن مســؤولية املالــك عنــد تأجــر املبــى هــي توفــر كل مــا‬ ‫املنفعــة عبــارة عــن اإلذن للشــخص يف أن يبــارش هــو بنفســه‬
‫مــا ســكن املكــري‪ ،‬فــإن كان ســدها قبــل العقــد كان كنــس‬
‫ذلــك كلــه كان يف العقــار يــوم اســتأجرها املســتأجر‪ .‬فيقــول‬ ‫هــو رضوري لالنتفــاع باملبــى كاحلوائــط واألبــواب؛ ألن‬ ‫أو ميكــن غــره مــن االنتفــاع بعــوض كاإلجــارة وبغــر عــوض‬
‫مــا يف القنــاة عــى صاحــب الــدار بــا خــاف‪ .‬وإن كانــت ال‬
‫ابــن الرامــي بــأن‪« :‬القــول قــول رب الــدار (أي املالــك) فيــا‬ ‫هــذه تعتــر مــن الرضوريــات األساســية للســكىن‪ .‬كــا أن‬ ‫كالعاريــة؛ كمــن اســتأجر داراً أو اســتعارها فلــه أن يؤاجرهــا‬
‫تصلــح الســكىن إال بإزالتــه أجــر صاحــب الــدار عــى إزالتــه‪،‬‬
‫كان مبنيــاً فيهــا ومبنيــاً يف قاعتهــا وجذورهــا مــن صخــرة أو‬ ‫عــى املالــك صيانــة هــذه الرضوريــات أثنــاء العقــد؛ فــإذا‬ ‫مــن غــره أو ُيســكنه بغــر عــوض‪ ،‬وأن يتــرف يف هــذه املنفعة‬
‫وإن كان ســدها مــن بعــد العقــد وســكىن املكــري فقــد اختلف‬
‫خشــبة أو غــر ذلــك مــع ميينــه‪ ،‬ومــا كان فيهــا مطروحــاً‬ ‫انقطــع املــاء مــن البــر‪ ،‬أو تغــر لونــه أو طعمــه بحيــث ميتنــع‬ ‫تــرف املــاك يف أمالكهــم عــى جــري العــادة عــى الوجــه‬
‫يف ذلــك قــول ابــن القاســم‪ ،‬فقــال يف املدونــة‪ :‬كنــس الكنيــف‬ ‫الــذي ملكــه ‪ ...‬ويكــون متليــك املنفعــة كتمليــك الرقــاب»‪71.‬‬
‫وموضوع ـاً مــن صخــرة ملقــاة يف صحــن الــدار أو عمــد ملقــى‬ ‫الــرب والوضــوء منــه‪ ،‬أو خيــف مــن ســقوط احلائــط‪ ،‬فــإن‬
‫(أي املرحــاض أو مــكان جتمــع فضالهتــا) وإصــاح مــا هبــا‬
‫أو خشــبة أو آجــور أو لــن موضــوع بعضــه عــى بعــض أو بــاب‬ ‫عــى املالــك إصــاح ذلــك‪ ،‬ألن االنتفــاع ال يتــم مــن غريمهــا‪.‬‬ ‫ويظهــر مــن هــذا التعريــف لتمليــك املنفعــة‪ ،‬وبالــذات‬
‫مــن اجلــدار عــى صاحــب الــدار ‪ ...‬وروى ابــن حبيــب يف‬
‫ملقــى يف صحــن ومــا أشــبه ذلــك‪ ،‬فالقــول قــول املكــري مــع‬ ‫فعندمــا ســقطت قطــة يف بــر دار مكــراه بقرطبــة‪ ،‬حكــم بــأن‬ ‫مــن عبــارة «ويكــون متليــك املنفعــة كتمليــك الرقــاب»‪ ،‬أن‬
‫الواضحــة عــن ابــن القاســم قــال‪ :‬كناســة الــدار واملرحــاض‬
‫ميينــه»‪ 81.‬أرأيــت احلكمــة أخــي القــارئ يف هــذا الربــط بــن‬ ‫«عــى رب الــدار إخراجهــا‪ ،‬الن البــر (كــذا) مــن منافــع الــدار‬ ‫املســتأجر ُيعتــر مالــكاً لفــرة حمــددة‪ .‬فلقــد اعتــر الفقهــاء عقد‬
‫عــى املكــري‪ ،‬إشــرطه عليــه أو مل يشــرطه‪ .‬قــال ابــن حبيــب‪:‬‬
‫املســؤولية ومســتويات األعيــان‪.‬‬ ‫فعليــه تنقيتــه‪ ،‬فــإن بقيــت يف البــر أيام ـاً ســقط مــن املكــري‬ ‫اإلجــارة كعقــد البيــع‪ ،‬ولكــن بيــع للمنفعــة وليــس بيــع للعــن‪.‬‬
‫قــال مطــرف وابــن املاجشــون‪ :‬حيمــان يف ذلــك عــى عــادة‬
‫مقــدار مــا فاتــه مــن االنتفــاع مــن البــر»‪ 75.‬وقــد يدخــل التيــار‬ ‫فيقــول القــرايف بــأن متليــك املنفعــة هــو «متليــك مطلــق يف زمــن‬
‫ومــن مزايــا الربــط أيضــاً بــن املســؤولية ومســتويات‬ ‫البلــد وهــو أحــب إيل‪ .‬قــال عبــد امللــك‪ :‬وعــادة البلــد عندنــا‬
‫الكهربــايئ يف أيامنــا هــذه يف رضوريــات االنتفــاع‪ .‬واجلديــر‬ ‫خــاص حســبام تناولــه عقــد اإلجــارة»‪ 72.‬ويوضــح ابــن قدامــة‬
‫األعيــان هــي إعطــاء الفريــق املســتخدم حريــة أكــر مــن‬ ‫باألندلــس أن كناســة الــدار عــى املكــري وكناســة املرحــاض‬
‫تعــرض العقــار املؤجــر لكشــف العــورة‬ ‫ُّ‬ ‫بالذكــر هــو أن‬ ‫اإلجــارة بقولــه‪« :‬ومجلتــه أن املســتأجر ميلــك املنافــع بالعقــد‬
‫االســتفادة مــن العقــار املســتأجر‪ .‬وتــم هــذا يف الرشيعــة‬ ‫عــى رب الــدار»‪78.‬‬
‫(اخلصوصيــة) يعــد ممــا يــر االنتفــاع‪ .‬يقــول ابــن الرامــي‪:‬‬ ‫كــا ميلــك املشــري املبيــع بالبيــع‪ ،‬ويــزول ملــك املؤجــر عنهــا‬
‫بطريقتــن‪ ،‬األوىل‪ :‬هــي أن حالــة أعيــان العقــار املســتأجر‬
‫وللتلخيــص أقــول إن الظاهــر هــو أن العلــاء جلــأوا إىل‬ ‫«ومــن الطــرر (اســم كتــاب) البــن عــات (ت ‪ )609‬قــال‪ :‬فــإن‬ ‫كــا يــزول ملــك البائــع عــن املبيــع‪ ،‬فــا جيــوز لــه التــرف‬
‫ا أن عــى‬ ‫تقــدم عــى رشوط املالــك‪ .‬فــإذا اشــرط املالــك مث ـ ً‬
‫عــرف أهــل املنطقــة يف حالــة النــزاع بــن املالــك واملســتأجر‬ ‫كانــت الــدار مكــراه فبــى رجــل غرفــة وفتــح كــوة يكشــف‬ ‫فيهــا ألهنــا صــارت مملوكــة لغــره كــا ال ميلــك البائــع التــرف‬
‫املســتأجر أن يســكن بنفســه فقــط‪ ،‬فــإن هــذا الــرط ال يؤخــذ‬
‫يف فســخ العقــد يف كل مــا مل يكــن واضحـاً مــن حيــث التمييــز‬ ‫منهــا عــى صاحــب الــدار‪ ،‬فقــال املكــري لرهبــا خاصــم عــي‪،‬‬ ‫يف املبيــع»‪73.‬‬
‫بــه إذا مل يثبــت الــرر عــى البنيــان‪ .‬فلقــد ســأل ســحنون‪:‬‬
‫املذكــور ســابقاً (مــا هــو رضوري لالنتفــاع ومــا هــو مكمــل‬ ‫وقــال رهبــا ليــس ذلــك عــي‪ ،‬قــال‪ :‬عــى رب الــدار املكــراة‬
‫«أرأيــت إن اكرتيــت بيتــي مــن رجــل ورشطــت عليــه أن ال‬ ‫وحيــث أن األســاس يف عقــد البيــع االتفــاق بــن الطرفــن‪،‬‬
‫ي ِ‬ ‫لالنتفــاع)‪ .‬ويف العمــوم‪ ،‬فــإن املالــك غــر جمــر عــى إزالــة‬ ‫قطــع الــرر‪ ،‬فــإن أىب كان للمكــري فســخ الكــراء إن أحــب‪،‬‬
‫ســكن معــه أحــد ًا فتــزوج واشــرى رقيقــاً‪ ،‬أيكــون لــه أن‬ ‫ُ‬ ‫وألن اإلجــارة تعتــر بيــع للمنفعــة لوقــت معلــوم‪ ،‬فــإن الفقهــاء‬
‫الــرر‪ ،‬ولكــن إن مل يفعــل ذلــك فقــد يفقــد املســتأجر الــذي‬ ‫كــا لــو اهنــدم منهــا مــا يــره وأىب رهبــا مــن بنيانــه»‪76.‬‬
‫يســكنهم معــه إذا أىب عليــه رب البيــت ذلــك؟ قــال ابــن القاســم‪:‬‬ ‫اشــرطوا وضــوح مجيــع بنــود العقــد لــكال الطرفــن مــع تــايف‬
‫قــد يقــرر فســخ العقــد‪ .‬فاإلجــارة عقــد ال جيــوز ألحــد الطرفني‬ ‫أمــا مــا ُيَ ّ‬
‫ينظــر يف ذلــك‪ ،‬فــإن كان ال رضر عــى رب البيــت يف ســكىن‬ ‫كــن املســتأجر مــن اســتكامل املنافــع (أو مــا‬ ‫العقــد عــى املجهــول ألهنــا قــد تــؤدي إىل املنازعــة؛ كأن يكــون‬
‫فســخه إال إذا كان هنــاك مــرر‪ .‬فلقــد ســأل ســحنون‪« :‬أرأيــت‬
‫هــؤالء معــه فــا يكــون لــه أن مينعــه‪ ،‬وإن كان يكــون يف‬ ‫ُيك ِّمــل االنتفــاع) بالعقــار كاألثــاث وحبــل ودلــو بــر املــاء‪،‬‬ ‫املعقــود عليــه شــائعاً‪ ،‬أو يقــوم املســتأجر بإحــداث رضر غــر‬
‫إن تكاريــت بيتــاً مــن رجــل فهطــل عــي البيــت يف الشــتاء‪،‬‬
‫ذلــك عــى رب البيــت رضر فليــس لــه أن يدخلهــم عليــه‪ ،‬وقــد‬ ‫واملصابيــح يف أيامنــا هــذه فهــي مســؤولية املســتأجر‪ .‬وبالنســبة‬ ‫ال‪.‬‬
‫معلــوم بعمــل حمــل لدباغــة اجللــود يف منــزل معــد للســكىن مث ً‬
‫أيكــون يل أن أخــرج أم جيــر رب الــدار عــى تطيــن البيــت؟‬
‫يكــون الرجــل يكــري الرجــل الغرفــة وحــده ويشــرط عليــه‬ ‫لألعيــان الرتفيهيــة (أي غــر الرضوريــة) أو الكامليــات مثــل‬ ‫كــا أن الفقهــاء مل جييــزوا اإلجــارة ملــا هــو حمظــور كأن يقــوم‬

‫‪89‬‬ ‫‪88‬‬
‫‪34.2‬‬ ‫وهــذا الوضــع مرهــق للمجتمــع اقتصاديـاً ألن هلــؤالء املوظفــن‬ ‫يف البيئــة التقليديــة إىل وظائــف أخــرى كمحــات للقصاريــن‬ ‫أن ال يســكنها معــه أحــد لضعــف خشــبه التــي حتــت الغرفــة‪،‬‬
‫الذيــن يراقبــون الســكان مصاريــف كرواتبهــم ومكاتبهــم‬ ‫والندافــن (نــادف القطــن أو القطــان) واحلداديــن والنجاريــن‪.‬‬ ‫فــإن أدخــل عليــه غــره خــي رب الغرفــة أن تنهــدم الغرفــة‬
‫ونحــوه؛ هــذا باإلضافــة إىل مرتتبــات أخــرى (وســنتعرض هلــا يف‬ ‫أي أن عطــاء البيئــة التقليديــة كان أكــر‪ ،‬وســنفصل هــذا يف‬ ‫فهــذا ومــا أشــبهه ينظــر يف ذلــك»‪ 82.‬ويقــول ابــن قدامــة‪« :‬وال‬
‫الفصــل التاســع)‪ .‬ونظــراً ألن حــق الســيطرة يف البيئــة التقليديــة‬ ‫الفصــل التاســع‪.‬‬ ‫ا فــوق ســقف‬ ‫جيــوز (أي للمســتأجر) أن جيعــل فيهــا شــيئاً ثقيـ ً‬
‫كان مــع الفريــق املالــك أو كان مــع الفريــق املســتخدم‪،‬‬ ‫ألنــه يثقلــه ويكــر خشــبه وال جيعــل فيهــا شــيئاً يــر هبــا إال‬
‫وأخــر ًا‪ ،‬وكــا رأينــا‪ ،‬فــإن العالقــة بــن املالك واملســتأجر‬
‫ـل وجــوده يف البيئــة‬ ‫فــإن هــذا النمــوذج اإلذعــاين (املؤقــت) قـ ّ‬ ‫أن يشــرط ذلــك‪ ،‬وهبــذا قــال الشــافعي وأصحــاب الــرأي وال‬
‫ُبنيــت عــى االتفــاق‪ .‬فــكال الفريقــن حــر يف قبــول أو رفــض‬
‫التقليديــة‪ .‬ومتــى وجــد فرسعــان مــا تنتقــل العــن منــه إىل‬ ‫نعلــم فيــه خمالفــاً ‪83.»...‬‬
‫أي بنــد مــن بنــود العقــد يف بدايتــه‪ .‬فاملالــك بحاجــة اىل نقــود‬
‫منــوذج إذعــاين آخــر وذلــك بــأن تعــود الســيطرة إىل املالــك‪ ،‬أو‬
‫املســتأجر‪ ،‬بينــا حيتــاج املســتأجر عقــار املالــك للســكىن أو‬ ‫ومــن قــول ابــن قدامــة «إال أن يشــرط ذلــك» نســتنتج‬
‫أن الفريــق املســيطر يصبــح مالــكا أو مســتخدماً‪ ،‬أو أن ملكيــة‬
‫العمــل‪ .‬ولتحقيــق أهدافهــم املختلفــة فســيتفقان معــاً‪ .‬وكــا‬ ‫نتيجــة أخــرى يتفــق عليهــا مجهــور العلــاء وهــي أن اشــراط‬
‫‪35.2‬‬ ‫العــن تنتقــل إىل فريــق آخــر وينتقــل معهــا حــق الســيطرة‬
‫ذكرنــا ســابقاً‪ ،‬فــإن االتفــاق مــن صالــح العــن املؤجــرة‪ ،‬وهــذا‬ ‫املســتأجر يف بدايــة العقــد تقــدم عــى رضر البنيــان (األعيــان)‪،‬‬
‫إىل املالــك اجلديــد‪ ،‬وهكــذا‪ .‬وهــذه االنتقاليــة ميــزة عظمــى‬
‫يف احلقيقــة اســتبقاء للعــن يف اإلذعــاين املتحــد‪ .‬أي أن مجيــع‬ ‫وهــي الطريقــة الثانيــة إلعطــاء الفريــق املســتخدم حريــة‬
‫ألي بيئــة‪ .‬باختصــار‪ ،‬فــإن األعيــان يف البيئــة التقليديــة يف‬
‫مبــادئ الرشيعــة يف اإلجــارة تنتهــي بإبقــاء العــن يف اإلذعــاين‬ ‫ا أن يســتخدم املبــى كمحــل‬ ‫أكــر‪ .‬فبإمــكان املســتأجر مثــ ً‬
‫هــذا النمــوذج كانــت نــادرة‪ ،‬ونتجــت مــن احلَ ْجــر والرهــن يف‬
‫املتحــد برغــم وجودهــا يف اإلذعــاين الرتخيــي لتغــر الفريــق‬ ‫للحــدادة أو النجــارة طاملــا اشــرط ذلــك يف العقــد‪ ،‬وحتــى إن‬
‫الرشيعــة‪ .‬ومتــى وضعــت األعيــان يف هــذا النمــوذج انتقلــت‬
‫املســتخدم‪ .‬وهــذا االســتنتاج ينطبــق عــى مجيــع احلــاالت التــي‬ ‫كان هنــاك رضر عــى املــكان املســتأجر‪ .‬فيقــول ابــن القاســم‪:‬‬
‫منــه إىل منــوذج آخــر‪.‬‬
‫ختضــع فيــه العــن لفريقــن‪ ،‬أحدمهــا ميلــك ويســيطر واآلخــر‬ ‫«‪ ...‬وإن كان قــد اشــرط املتــكاري عــى رب احلانــوت أن يعمل‬
‫احلجــر يف الرشيعــة هــو «منــع اإلنســان مــن التــرف‬ ‫ـواء كانــت مــن حقــوق االرتفــاق أو اإلجــارة أو‬ ‫يســتخدم‪ ،‬سـ ً‬ ‫يف احلانــوت قصــاراً (مبيــض الثيــاب) أو حــداداً أو طحانــاً‪،‬‬
‫يف مالــه»‪ 86.‬وصــور احلجــر يف الرشيعــة كثــرة أوصلهــا بعــض‬ ‫غــر ذلــك‪ .‬وســرى يف الفصــل الثالــث أخــي القــارئ كيــف أن‬ ‫وكان ذلــك رضر ًا عــى البنيــان فلــه أن يعمــل ذلــك يف احلانــوت‪،‬‬
‫الفقهــاء إىل الســبعني‪ .‬ولكــن ميكــن تقســيمها عمومـاً إىل نوعــن‪:‬‬ ‫هــذه املبــادئ تغــرت بفعــل القوانــن املعــارصة وكيــف أثــر‬ ‫وليــس لــرب الــدار حجــة مــن قبــل أنــه قــد أكراهــا منــه وقــد‬
‫األول حجــر ملصلحــة املحجــور عليــه كالصبــي واملجنــون‬ ‫ذلــك ســلبياً يف حــاالت األعيــان املؤجــرة مقللــة بذلــك مــن‬ ‫ســمى لــه املتــكاري مــا يعمــل فيــه وقــد ريض بذلــك»‪ 84.‬وهنــاك‬
‫ترينا الصــورة ‪ 34.2‬من الـريـاض عـدة ارتــدادات عن‬
‫الطريق لعدة منازل‪ .‬فالطريق يقع عىل ميني الصورة خلف‬ ‫والســفيه فــا ُيضيعــون أمواهلــم ويعبثــون هبــا‪ 87،‬فبالنســبة‬ ‫عطــاء البيئــة‪.‬‬ ‫طريقــة أخــرى وهــي العــرف أو العــادة‪ .‬فبإمكان املســتأجر أن‬
‫السور‪ .‬أما الصـورة ‪ 35.2‬من الطـائف ببالد احلرمني فرتينـا‬ ‫للصغــر واملجنــون فــإن الرشيعــة متنعهــا مــن التــرف يف‬ ‫يســتخدم العقــار كمحــل حــدادة إذا كان املــكان املؤجــر بــن‬
‫البـناء دون ترك أي ارتدادات‪.‬‬ ‫ماهلــا وذلــك محايــة ملصلحتهــا إذ أهنــا ال حيســنان التــرف‪،‬‬ ‫حداديــن‪ .‬ففــي البدائــع‪« :‬والظاهــر أن احلانــوت الــذي يكــون‬
‫كــا وضعــت الرشيعــة قواعــد لتضمــن هلــا حقوقهــا‪88.‬‬ ‫النموذج اإلذعاين املؤقت‬ ‫يف صــف البزازيــن أنــه ال يؤاجــر لعمــل احلــداد والقصــار‬
‫والنــوع الثــاين مــن احلجــر هــو احلجــر عــى الفــرد حلــق‬
‫ولكــن هنــاك خــاف بــن الفقهــاء يف حتديــد مــا هــو الســفه‪:‬‬ ‫يكــر هــذا النمــط مــن املســؤولية يف أيامنــا هــذه بينــا‬ ‫والطحــان‪ ،‬فــا ينــرف مطلــق العقــد إليــه‪ ،‬إذ املطلــق حممــول‬
‫غــره‪ :‬كاحلجــر عــى املفلــس ملصلحــة غرمائــه‪ ،‬أو الراهــن‬
‫هــل هــو التبذيــر فيــا ال ينبغــي كالنفقــة يف معصيــة؟ أو هــو‬ ‫ينــدر يف البيئــة التقليديــة‪ .‬وخــر مثــال لــه االرتــدادات التــي‬ ‫عــى العــادة‪ ،‬فــا يدخــل غــره يف العقــد إال بالتســمية أو بالرضا‪،‬‬
‫يف املرهــون‪ ،‬أو املريــض مــرض املــوت ملصلحــة الدائنــن‬
‫اإلرساف فيــا ينبغــي كبنــاء مســجد ببــذخ مثــا؟‪ 89‬وبالتــايل‬ ‫تفرضهــا الســلطات عــى النــاس‪ .‬فــإذا أراد شــخص مــا البنــاء يف‬ ‫حتــى لــو آجــر حانوت ـاً يف صــف احلداديــن مــن حــداد يدخــل‬
‫والورثــة‪ 93.‬وإذا اســتخدم املالــك العقــار يف كلتــا احلالتــن‪ ،‬فــإن‬
‫فهنــاك خــاف يف احلجــر عــى الســفيه بعــد البلــوغ‪ .‬فــرى‬ ‫بعــض املناطــق فــإن عليــه أن يــرك مســافة معلومــة مــن أرضــه‬ ‫عمــل احلــدادة فيــه مــن غــر تســمية للعــادة»‪85.‬‬
‫أعيــان العقــار ســتكون يف اإلذعــاين املؤقــت وذلــك ألن الــويص‬
‫أبــو حنيفــة بأنــه ال حيجــر عليــه وإن كان مبــذراً‪ 90.‬ويســتدل‬ ‫مــن غــر بنــاء؛ وهبــذا يصبــح املنــزل مرتــداً عــن الطريــق‬
‫هــو املســيطر‪ 94.‬وال أريــد أن أطيــل يف هــذا النمــوذج لقلتــه يف‬ ‫ومــن كل مــا ســبق نخلــص إىل أن مبــادئ الرشيعــة‬
‫البيئــة التقليديــة‪ ،‬ولكــن أُذ ّ‬ ‫مجهــور الفقهــاء بجملــة أدلــة تــدل عــى أنــه حيجــر عــى‬ ‫العــام؛ وتســمى تلــك املنطقــة ارتــداد ًا (الصورتــان ‪ 34.2‬و‬
‫كــر بــأن هــذا النمــوذج مؤقــت يف‬ ‫باعتبــار عقــد اإلجــارة كعقــد بيــع ولكــن للمنفعــة وليــس‬
‫ويرجــح العبــادي رأي مجهــور العلــاء‬ ‫الســفيه بعــد البلــوغ‪91.‬‬ ‫‪ .)35.2‬أي أن هــذه املنطقــة غــر املبنيــة هــي ملــك لصاحــب‬
‫طبيعتــه‪ :‬فالعقــار البــد وأن ينتقــل منــه إىل منــوذج إذعــاين آخــر‪،‬‬ ‫ّ‬ ‫للعقــار‪ ،‬باإلضافــة إىل جتاهــل رشط املالــك مــا مل يكــن هنــاك‬
‫ويقــول‪« :‬كــا أن احلجــر دفــع الــرر عــن أهــل اإلســام؛‬ ‫البنــاء‪ ،‬فهــو يســتخدمها ولكــن ال ميكنــه البنــاء عليهــا مــن غــر‬
‫فالصبــي ســيكرب يومــاً مــا‪ ،‬واملفلــس ســيخرج مــن مأزقــه أو‬ ‫رضر عــى البنيــان‪ ،‬واعتبــار رشط املســتأجر حتــى وإن أرض‬
‫فــإن الســفيه بإتالفــه وإرسافــه يصــر مطيــة لديــون النــاس‪،‬‬ ‫إذن الســلطات‪ .‬فهــو (املالــك) والســلطات التــي فرضــت هــذه‬
‫يفقــد عقــاره لفريــق آخــر‪.‬‬ ‫بالبنيــان‪ ،‬كل هــذه املبــادئ دفعــت األعيــان املؤجــرة اىل‬
‫ومظنــة لوجــوب النفقــة عليــه مــن بيــت مــال املســلمني؛ فــإن‬ ‫القوانــن معــاً كفريــق واحــد يســيطران عــى تلــك املنطقــة‬ ‫اإلذعــاين املتحــد‪ .‬متامــاً كاإلنــاء الــذي اســتخدمته كمثــال يف‬
‫ومــن الطبيعــي أن تتســم العالقــة بــن الفريقــن بنــوع مــن‬ ‫الســفهاء إذا مل حيجــروا وأرسفــوا‪ ،‬تركبهــم الديــون وتضيــع‬ ‫املرتــدة‪ .‬أي أن فريقــن يشــركان يف العــن‪ :‬أحدمهــا ميلــك‬ ‫الســابق‪ .‬وإذا مــا قيــس مثــال اإلنــاء عــى األعيــان األخــرى‬
‫احلــذر‪ .‬فالفريــق املالــك املســتخدم ســيحاول إرجــاع الســيطرة‬ ‫ال‪،‬‬
‫أمــوال املســلمني يف ذممهــم‪ ،‬ويصــرون عــى املســلمني وبــا ً‬ ‫ويســتخدم املنطقــة املرتــدة واآلخــر يســيطر عليهــا‪ ،‬وهــو‬ ‫يف البيئــة فيمكننــا القــول أن اســتفادة املســلمني مــن األعيــان‬
‫لنفســه‪ ،‬وقــد حيــاول الفريــق املســيطر أن يطيــل فــرة ســيطرته‬ ‫ال»‪92.‬‬
‫وعــى بيــت ماهلــم عيــا ً‬ ‫وضــع غريــب وغــر مســتقر‪ .‬فقــد حيــاول املــاك البنــاء عــى‬ ‫املؤجــرة يف البيئــة التقليديــة أكــر منهــا يف أي بيئــة أخــرى دون‬
‫وبالــذات إذا كان مــن املســتفيدين مــن هــذه الســيطرة‪ .‬فالــويص‬ ‫هــذه االرتــدادات‪ ،‬وعــى الســلطات دوام مراقبتهــم ملنعهــم‪،‬‬ ‫اإلرضار باألعيــان‪ .‬فهنــاك الكثــر مــن املنــازل التــي حولــت‬

‫‪91‬‬ ‫‪90‬‬
‫‪36.2‬‬ ‫إال أن هــذا النمــوذج مــن املســؤولية مل ينتــر بــن ســكان‬ ‫األمرييــة‪ .‬ولكــن عندمــا ُتطابِــق ترصفــات الفريــق املســيطر‬ ‫عــى الســفيه قــد حيــاول متديــد فــرة ســيطرته إال أن الســفيه‬
‫املدينــة التقليديــة إال يف األماكــن والعقــارات التــي ملكتهــا‬ ‫رغبــات الفريــق املالــك‪ ،‬وهــذا نــادر ًا مــا حيــدث‪ ،‬فيمكننــا‬ ‫يراقــب الــويص وينتظــر عودة الســيطرة إلىــه‪ 95.‬وهنــا مالحظة‪:‬‬
‫الدولــة والتــي اع ُتــرت ُم ّثلــة لعمــوم املســلمني‪ ،‬كاألرايض‬ ‫القــول أن الفريقــن يف هــذه احلالــة (املالك واملســيطر) ليســا إال‬ ‫وهــي أن األعيــان يف النــاذج األخــرى قــد تنتقــل منــه لنمــوذج‬
‫الزراعيــة اخلراجيــة حيــث إن املزارعــن متتعــوا بحقــوق‬ ‫فريق ـاً واحــداً‪ .‬وهــذا معنــاه أن هــذه العــن ال تنتمــي إىل هــذا‬ ‫آخــر‪ ،‬فاملنــزل قــد خيــرج مــن اإلذعــاين املتحــد إىل الرتخيــي‬
‫الســيطرة‪ ،‬أو مقاعــد األســواق ألن الباعــة ســيطروا عــى تلــك‬ ‫النمــوذج اإلذعــاين‪.‬‬ ‫أو املشــتت‪ ،‬ولكــن هــذه ليســت خاصيــة حتميــة‪ ،‬لذلــك ال‬
‫املقاعــد‪ ،‬هــذا باإلضافــة إىل املناجــم‪ .‬وســركز هنــا عــى مقاعــد‬ ‫نقــول أن النــاذج األخــرى أيضــاً مؤقتــة‪ ،‬فاألعيــان يف مجيــع‬
‫أي أن مــا مييــز هــذا النمــوذج اإلذعــاين عــن غــره مــن‬
‫األســواق واألرايض الزراعيــة فقــط‪ .‬فهــا اللــذان أثــرا يف البيئة‬ ‫النــاذج (باســتثناء املؤقــت) مســتقرة برغــم ســوء حاهلــا يف‬
‫النــاذج هــو العالقــة املتســمة بإصــدار املــاك للقوانــن‪ .‬وال‬
‫العمرانيــة التقليديــة‪.‬‬ ‫بعــض األحيــان (كــا يف املشــتت)‪ ،‬غــر أن العــن يف اإلذعــاين‬
‫أقصــد هنــا أن الفريقــن املشــركني يف حتمــل املســؤولية يف هــذا‬
‫‪37.2‬‬ ‫املؤقــت حتميــة يف انتقاهلــا منــه إىل منــوذج آخــر ألن الســيطرة‬
‫النمــوذج لــن يتفقــا أبــد ًا‪ .‬ولكــن االتفــاق بينهــا لــن يؤثــر عــى‬
‫مؤقتــة بيــد الفريــق املســيطر‪.‬‬
‫مقاعد األسواق‬ ‫حالــة العــن كتأثــر القوانــن‪ .‬ومــن املنطقــي أن يكــون املــاك‬
‫ـن مالــك‪ .‬فاملســؤول يف البلديــة‬ ‫مق ِّننــن‪ ،‬ولكــن ليــس كل مق ّنـ ٍ‬
‫الظاهــر هــو أن هنــاك عرفــاً يف البيئــة التقليديــة أن‬
‫يقــوم الباعــة بحيــازة مــكان مــا لوقــت معلــوم يف األســواق أو‬
‫يصــدر القوانــن ولكنــه ال ميلــك‪.‬‬ ‫النموذج اإلذعاين احليازي‬
‫الســاحات العامــة أو الطــرق الواســعة للبيــع‪ .‬فهــؤالء الباعــة‬ ‫هنــاك فــرق أســايس بــن اإلذعــاين احليــازي واإلذعــاين‬ ‫جــرت العــادة أن يكــون الفريــق املالــك هــو املســيطر‪.‬‬
‫يســيطرون عــى املــكان ويســتخدمونه بإحضــار قطــع مــن‬ ‫الرتخيــي مــن حيــث طريقــة االتفــاق‪ .‬ففــي اإلذعــاين‬ ‫ولكــن إذا كان املالــك غــر قــادر عــى الســيطرة أو ممنوعـاً منهــا‬
‫األثــاث لوضــع ســلعهم عليهــا أو فقــط بتعليمــه بحوائجهــم‪،‬‬ ‫الرتخيــي (كاإلجــارة) نلحــظ أن االتفــاق هــو أســاس العالقــة‬ ‫أو غــر مهتــم بحقوقــه يف الســيطرة عــى العــن‪ ،‬فــإن الســيطرة‬
‫ولكنهــم ال ميلكــون ذلــك املــكان (الصــور ‪ 36.2‬إىل ‪.)43.2‬‬ ‫بــن مالــك العقــار والفريــق املســتخدم؛ ويف هــذه احلالــة‪ ،‬ال‬ ‫قــد تتحــول إىل الفريــق املســتخدم‪ .‬أي سيشــرك فريقــان يف‬
‫‪38.2‬‬ ‫فالشــافعي رمحــه اللــه يقــول‪« :‬فمــن قعــد يف موضــع منهــا لبيــع‬ ‫يتمتــع الفريــق املســتخدم بأيــة عالقــة مــع جريانــه عــدا مــا‬ ‫حتديــد حالــة العــن يف اإلذعــاين احليــازي‪ ،‬أحدمهــا يســيطر‬
‫كان أحــق بــه بقــدر مــا يصلــح لــه‪ ،‬ومتــى قــام عنــه مل يكــن‬ ‫تنــص عليــه الرشيعــة واألعــراف مــن حســن اجلــوار وحقوقهــا‬ ‫ويســتخدم واآلخــر ميلــك‪ .‬ولــرب مثــل معــارص نجــد يف‬
‫لــه أن مينعــه مــن غــره ‪ ...‬واملقاعــد بالســوق ليــس بإحيــاء‬ ‫مــن معامــات ونحــوه‪ .‬فاملالــك هــو املســؤول عــن االتفــاق‬ ‫ا أن البائــع يســتخدم ويســيطر عــى املوضــع‬ ‫ســوق اخلضــار مثـ ً‬
‫يعرفــون هــذا املبــدأ باالختصــاص‬ ‫مــع اجلــران يف كل مــا هــو متعلــق باألمــور البيئيــة كاحلائــط‬
‫مــوات»‪ .‬ومجهــور الفقهــاء ّ‬ ‫الــذي هــو فيــه ولكــن الســلطة متلــك ذلــك املوقــع‪.‬‬
‫يعرفونــه بتمليــك‬ ‫‪96‬‬ ‫املشــرك ومســيل املــاء والســاباط‪ ،‬وذلــك ألن املالــك هــو الــذي‬
‫أو حــق االختصــاص‪ .‬وبعــض الفقهــاء ّ‬ ‫وتعتــر األنظمــة والقوانــن مــن أبــرز ســات هــذا‬
‫االنتفــاع وهــو خمتلــف عــن متليــك املنفعــة‪ .‬والفــرق بينهــا‬ ‫يســيطر عــى العقــار وبالتــايل عــى حــدوده اخلارجيــة‪ .‬أمــا‬
‫ــرق‬ ‫ِ‬
‫يف اإلذعــاين احليــازي‪ ،‬وألن الفريــق املســتخدم هــو املســيطر‬ ‫النمــوذج اإلذعــاين‪ .‬فعــدم ســيطرة املــاك ال تعطــي الف َ‬
‫هــو أن متليــك االنتفــاع يؤهــل الشــخص الســتخدام املــكان‬
‫عــى احلــدود اخلارجيــة‪ ،‬فــإن عــى هــذا الفريــق املســتخدم أن‬ ‫املســتخدمة التــي تســيطر مطلــق احلريــة‪ ،‬بــل نجــد أن‬
‫بنفســه مثــل ســكىن املــدارس والربــط واملجالــس يف اجلوامــع‬
‫ا‪ ،‬قــد يكــون عــى بائــع اخلــرة الــذي‬ ‫املــاك ُيظهــرون وجودهــم مــن خــال مــا يصدرونــه مــن‬
‫واملســاجد ومقاعــد األســواق‪ ،‬أمــا متليــك املنفعــة فيؤهــل‬ ‫يتفــق مــع جريانــه‪ .‬فمثـ ً‬ ‫ِ‬
‫يأخــذ مكانـاً مــن الســاحة ليبيــع فيــه منتجاتــه أن حيــر معــه‬ ‫ـرق املســتخدمة للحــد مــن‬ ‫أنظمــة وقوانــن يفرضوهنــا عــى الفـ َ‬
‫الشــخص الســتخدام املــكان باإلضافــة إىل متكــن غــره مــن‬ ‫ِ‬
‫كل مــا حيتاجــه مــن أثــاث الســتخدام املــكان‪ ،‬فهــو قــد ميلــك‬ ‫ـرق‪ .‬وهــذه القوانــن التــي يصدرهــا الفريــق‬ ‫ســيطرة هــذه الفـ َ‬
‫لقـد اعـطت الـرشيعــة احلق ملن أراد الـبيـع يف الطـرقـات الــواسعــة أن‬ ‫االنتفــاع بــه‪ ،‬بعــوض كاإلجــارة أو بغــر عــوض كالعاريــة‪.‬‬
‫يفـعل ذلك دون اإلرضار بــاملــارة‪ ،‬وهــو مــا يعـرف بحق االخـتصـاص‪،‬‬ ‫ويســيطر وبالطبــع يســتخدم أثاثــه‪ ،‬باإلضافــة إىل اســتخدامه‬ ‫املالــك (ليتبعهــا الفريــق املســيطر املســتخدم) مــا هــي إال‬
‫ولكــن يف كال احلالتــن ال يسيـــطر املســتخدم عــى احلوائــط‬
‫وهـذه إحـدى ميـزات املـدينـة التقليـدية‪ .‬فرتى يف الصورة ‪ 36.2‬من‬ ‫وســيطرته عــى املــكان؛ أي أن بائــع اخلــرة يعتــر كاملســتأجر‬ ‫دليــل عــى وجــود نــوع مــن التضــاد يف املصالــح‪ .‬فــإذا كان‬
‫اخلارجيـــة لســكىن الربــط ولكــن يســيطر عــى املــكان فقــط‪.‬‬
‫بـنزرت بتونس بعض باعـة األواين الفخاريـة يف الطـريق عىل الشـاطئ‪.‬‬
‫الــذي حيــر أثاثه ويســتخدم املنــزل‪ .‬واألعيــان التــي أحرضها‬ ‫تــرف املســتخدمني يتمــى مــع مصالــح املــاك‪ ،‬ملــا أصــدر‬
‫وترى يف الرسمة ‪ 37.2‬شـارعاً من شوارع مدينـة أدرنا برتكيا (رسم الـرسـام‬ ‫أي أن احلــدود اخلارجيــة للمــكان (احلوائــط) يف اإلذعــاين‬
‫املســتخدم يف كلتــا احلالتــن (املنــزل واملــكان يف الســاحة) مــن‬ ‫ا‪ .‬فــكل قانــون أصــدره املالــك‬ ‫املــاك هــذه القوانــن أصــ ً‬
‫لـيتـش) وقـد جلـس البعـض يف الطـريق وفـردوا متاعهم وذلك ٔايـام اخلالفة‬ ‫الرتخيــي أو املشــتت‪ .‬أمــا مقاعــد األســواق فإهنــا يف اإلذعــاين‬
‫العثامنية‪ .‬أما الصورة ‪ 38.2‬فهي من أحد شوارع اجلزائر‪ .‬الحظ جتـول‬ ‫نفــس املســتوى‪ ،‬ولكــن الفــرق هــو أن عــى املســتخدم يف املنزل‬ ‫لــه قصــة تعكــس قيــام املســتخدم بترصفــات اعتربهــا املالــك‬
‫احليــازي يف حالــة عــدم وجــود حوائــط خارجيــة‪97.‬‬
‫املشرتين بني الباعة يف الطـريق‪ .‬والصورة ‪ 39.2‬يف الصفحة التالية هي من‬ ‫(إذا كان يف اإلذعــاين الرتخيــي) أن يتفــق مــع املالــك وليــس‬ ‫خمالفــة ملصاحلــه‪ .‬أي أن العالقــة بــن الفريــق املالــك والفريــق‬
‫طـنجة وهي منظـر مألوف حتـى يف أيـامنـا هـذه وهي خـروج التجـار‬ ‫وكــا ذكــرت فــإن الفــرق بــن اإلذعــاين احليــازي‬ ‫اجلــران‪ ،‬ولكــن عــى البائــع (إذا كان يف اإلذعــاين احليــازي) أن‬ ‫«شــد‬
‫ّ‬ ‫املســتخدم الــذي يســيطر هــي عالقــة مشــاهبة لِلعبــة‬
‫بـبضــائعهم إىل الطـريق ٔاو إىل ٔافـنيتـهم كام يف الـشكل ‪ٔ 6.2‬امـا الصـورة‬
‫والرتخيــي هــو القوانــن أو إطاعــة الفريــق املســتخدم‬ ‫يطيــع املالــك وأن يتفــق مــع اجلــران يف األمــور البيئيــة‪.‬‬ ‫احلبــل» مــن حيــث الســيطرة‪ .‬وتــزداد قــوة الشــد بــن الطرفــن‬
‫‪ 40.2‬يف الصفحة التالية أيضا فهي مـن آسفي بـاملغـرب فـرتينـا بعـض‬
‫البـاعـة لألواين يف الـطــريق وقــد نـصبــوا خـيامً هلـم‪ ،‬ومل تعـرتض عىل‬ ‫للاملــك؛ فعــى املستخـــدم أن يطيــع القاعــدة التــي ال تبيــح‬ ‫إذا كان الفريــق املســتخدم مشاكســاً أو كان الفريــق املالــك‬
‫ذلك الرشيعة طاملا اتفق الباعة فيام بينهم‪.‬‬ ‫لــه أن يكــري أو أن يبيــع املــكان‪ ،‬كــا أن عليــه أن يطيـــع‬ ‫مــن البدهــي بــأن أي عني قــد توضــع يف اإلذعــاين احليازي‪.‬‬ ‫بعيــد ًا عــن العــن‪ ،‬كــا هــو احلــال يف األرايض الزراعيــة‬

‫‪93‬‬ ‫‪92‬‬
‫أمــا األماكــن املحاذيــة للدكاكــن أو األفنيــة يف األســواق‬ ‫ا‪ ،‬حيــق‬ ‫األنظمــة التــي حتكــم استخـــدام ذلــك املــكان‪ .‬فمث ـ ً‬ ‫‪40.2‬‬ ‫‪39.2‬‬
‫وأفنيــة املســاجد وأفنيــة املبــاين العامــة كمداخــل املدينــة‬ ‫لــه أن ُيظَلّــل املــكان لنفســه باســتخدام األرشعــة طاملــا أنــه‬
‫وأســوارها هــي أيض ـاً أماكــن يف اإلذعــاين احليــازي ويســيطر‬ ‫مل يــر باآلخريــن؛ ولكــن ال حيــق لــه أن يبــي أي منشــأ مــن‬
‫عليهــا املســتخدمون‪ 99.‬وبذلــك فعليهــم اتبــاع القوانــن‪.‬‬ ‫ا‪ .‬ففــي املغــي‪« :‬ومــا‬ ‫شــأنه أن يضيــق الطريــق كالدكــة مث ـ ً‬
‫ا مينعــون مــن زراعــة تلــك األفنيــة وبنــاء املظــات‬ ‫فمثــ ً‬ ‫كان مــن الشــوارع والطرقــات والرحــاب بــن العمــران فليــس‬
‫والفواصــل واألجنحــة هبــا إذا كان الطريــق ضيقــاً‪ .‬فكتــب‬ ‫وســواء ضيــق‬
‫ً‬ ‫ســواء كان واســعاً أو ضيقــاً‪،‬‬
‫ً‬ ‫ألحــد إحيــاؤه‬
‫احلســبة التــي ألفهــا املحتســبون مثــل الســقطي (تــوىل احلســبة‬ ‫عــى النــاس أو مل يضيــق‪ ،‬ألن ذلــك يشــرك فيــه املســلمون‬
‫يف أواخــر القــرن احلــادي عــر أو أوائــل القــرن الثــاين عــر‬ ‫وتتعلــق بــه مصلحتهــم‪ ،‬فأشــبه مســاجدهم؛ وجيــوز االرتفــاق‬
‫للميــاد) تعــج مبثــل هــذه األنظمــة التــي حتــد مــن ســيطرة‬ ‫بالقعــود يف الواســـع مــن ذلــك للبيــع والــراء عــى وجــه ال‬
‫املســتخدمني‪100.‬‬ ‫يضيــق عــى أحــد‪ ،‬وال يــر باملــارة التفــاق أهــل األمصــار يف‬ ‫إن إبـاحـة الـرشيعـة للنـاس الـبيع لـيسـت يف الطــرق فقط ولكنها يف‬
‫مجيــع األعصــار عــى إقــرار النــاس عــى ذلــك مــن غــر إنــكار‬ ‫السـاحات أيضاً وعىل نـطاق أوسع‪ ،‬فلهم إحضار سـلع أثقل للساحة وخزن‬
‫«قــال أمحــد يف الســابق إىل دكاكــن الســوق غــدوة فهــو‬
‫(الصــور ‪ 44.2‬إىل ‪ ،)46.2‬وألنــه ارتفــاق مبــاح مــن غــر إرضار‬ ‫بعضهـا لوقت أطول أو عمل بعض الصـناعـات اخلفيفـة التي ال حتتـاج ملنـشأة‬
‫لــه إىل الليــل‪ ،‬وكان هــذا يف ســوق املدينــة فيــا مــى ‪101.»...‬‬
‫فلــم مينــع منــه كاالجتيــاز»‪98.‬‬ ‫تعـيق املارة ويـمكن نقلها من الساحة‪ .‬ففـي الصورة ‪ 41.2‬من قسنطينة‬ ‫الشكل‬
‫ويقــول البــاذري (ت ‪ )279‬يف حديثــه عــن عبــد الرمحــن بــن‬ ‫بـاجلـزائر تـرون سـاحـة وقــد وضع النــاس فيهــا متــاعهم وتركوه ورمبا‬ ‫‪6.2‬‬
‫ذهبوا للصالة أو الراحة‪ ،‬فبعض األمتعـة ملقاة وال مالك بجـانبها كام هو‬
‫‪45.2‬‬ ‫‪44.2‬‬ ‫مـوضح يف الـشكل ‪ 7.2‬ويف الصورة ‪ 42.2‬من سـاحة مبدينـة بسكرة بـاجلزائر‬
‫ترون عـن قرب بـعض األمتـعة كأكياس الفحم ونحوه‪ .‬والـصـورة (‪ )43.2‬لـ‬
‫«يين جامع» أو اجلامع اجلـديد بـاسطنبول (رسم الـرسام بارتليت) ترينا جلوس‬
‫النـاس يف الساحـة وتـشييـد بعـض املظالت أيـام اخلالفة العثامنية‪ .‬ومجيع هذه‬
‫الصور مؤرشات عىل متكني الرشيعة للناس ليضمحل الفقر‪ .‬وبالتدريج تزداد‬
‫األمة عزة فريتقي العمران بتمكن الناس‪.‬‬
‫‪41.2‬‬

‫الشكل‬
‫‪7.2‬‬

‫إذا ما بنيت املـباين وعرفت حـدود الطرق فـال جيوز إحياء الـطرق وال اجللـوس‬
‫فيهـا بإحـضار أمـتعة ثقـيلة ألهنـا ملك يشرتك فـيه املسلـمون وتـتعلق به‬
‫مصـلحتهم‪ ،‬ولكـن جيوز للناس القعـود فيها لوقت قصري‪ .‬فرتى يف الصورة ‪44.2‬‬
‫من مـراكش جلـوس بعض البـاعة يف الـطريق كام هـو موضح بـالـرسم يف‬
‫الـشكل ‪ 8.2‬والـرسمتـان ‪ 45.2‬و ‪( 46.2‬رسم كـل من الــرســامني بــارتلـيت‬
‫وألــوم عىل الـرتتيـب) من اسطنبول مها لنفس املـوقع‪ ،‬ولكن يف وقتني خمتلفني‬
‫وتريانا تغري االستخـدام للسـاحة والـطريـق وذلك يف عهد اخلالفة العثامنية‪.‬‬
‫‪43.2‬‬ ‫‪42.2‬‬
‫‪46.2‬‬
‫الشكل‬
‫‪8.2‬‬

‫‪95‬‬ ‫‪94‬‬
‫ـرق املتجــاورة املتنازعــة والتــي أدت بدورهــا‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫إىل احلــوار بــن الفـ َ‬ ‫مناســباً‪ .‬فــإذا أراد شــخص مــا تعليــة بنيانــه فعليــه أن يأخــذ‬ ‫ا‪،‬‬ ‫ــرق عــن التعــدي‪ .‬مثــ ً‬
‫األعــراف واللجــوء إليهــا لكــف الف َ‬ ‫عبيــد عــن أبيــه أنه قــال‪« :‬كنــا نغــدو إىل الســوق يف زمــن املغرية‬
‫ـرق تلــك األماكــن‪ .‬أو أهنــا أدت اىل تدخــل‬ ‫ِ‬ ‫قــال مالــك‪« :‬إذا ُع ِ‬
‫إىل االتفاقــات بــن فـ َ‬ ‫موافقــة جريانــه‪ ،‬وليــس موافقــة الســلطة‪ ،‬ألن جريانــه هــم‬ ‫ــرف أحدهــم مبــكان وصــار بــه مشــهور ًا‬ ‫بــن شــعبة (ت ‪ ،50‬وقــد تــوىل إمــارة الكوفــة مرتــن)‪ ،‬فمــن‬
‫اآلخريــن كاجلــران أو مــن هــم مــن نفــس املهنــة أو املحتســب‬ ‫الذيــن ســيترضرون‪.‬‬ ‫كان أحــق بــه مــن غــره قطعـاً للتنــازع وحسـاً للتشــاجر»‪105.‬‬ ‫قعــد يف موضــع كان أحــق بــه إىل الليــل‪ ،‬فلــا كان زيــاد قــال‪:‬‬
‫أو الســلطة‪ .‬ويف كلتــا احلالتــن فــإن االتفاقــات بكرثهتــا بلورت‬ ‫مــن قعــد يف موضــع كان أحــق بــه مــا دام فيــه»‪ 102.‬وأغلــب‬
‫ونعــود اآلن ملقاعــد األســواق‪ :‬إن مبــدأ األســبقية‪،‬‬ ‫مــن الواضــح أن مبــدأ األســبقية هــذا كان خــر حافــز‬
‫األعــراف كمدبــر ألمورهــم‪.‬‬ ‫ِ‬ ‫تعريفــات الفقهــاء حلــق االختصــاص تفيــد أن الســابق إىل مكان‬
‫ـرق‪ ،‬أدى إىل إثــارة ســؤال فقهــي عــن‬ ‫وبســبب التنافــس بــن الفـ َ‬ ‫ألولئــك الذيــن يبحثــون عــن عمــل بتوفــر مــكان هلــم يف‬
‫مــا أحــق بــه مــن غــره‪ .‬ولنســمي هــذا املبــدأ باألســبقية‪ .‬أي أن‬
‫ـي إثباتــه اآلن‪ ،‬ولكــن أطلــب‬ ‫وهــذا االســتنتاج يصعــب عـ ّ‬ ‫مــدى األحقيــة للســلطة يف التدخــل‪ .‬هــل للحاكــم التدخــل‬ ‫البيئــة للعمــل وحتفيزهــم عــى حماولــة حيــازة (الســيطرة عــى)‬
‫ِ‬ ‫هنــاك منافســة بــن عــدة فــرق عــى نفــس املــكان؛ ويف مثــل‬
‫منــك أخــي القــارئ أن تربــط يف ذهنــك عالقــة ســتتكرر‬ ‫ــرق املتنافســة عــى مقاعــد األســواق بإقطاعهــم‬ ‫وتنظيــم الف َ‬ ‫تلــك األمكنــة التــي يعملــون هبــا وذلــك بتكــرار اســتخدامهم‬
‫هــذه احلــاالت قــد حيــدث نــوع مــن التشــاح بــن املتنافســن‬
‫مــراراً يف البيئــة التقليديــة‪ :‬وهــي أن الالمركزيــة قــد تــؤدي‬ ‫إياهــا؟ هنــاك اختــاف بــن الفقهــاء يف تدخــل احلاكــم يف‬ ‫للمــكان ذاتــه‪ .‬فلــم تقــف الرشيعــة حاجــزاً أمــام مــن أراد‬
‫ِ‬ ‫عــى نفــس املوضــع‪ ،‬أو قــد حيــدث خــاف يف االتفــاق عــى‬
‫ــرق‪ ،‬وهــذا ليــس عيبــاً بــل ميــزة ألنــه‬
‫إىل اخلالفــات بــن الف َ‬ ‫أفنيــة الشــوارع والطــرق‪ ،‬فيقــول املــاوردي‪« :‬ويف حكــم نظــره‬ ‫أن ينتــج ويبــادر للعمــل‪ .‬بالتأكيــد ســيكون هلــذا املبــدأ آثــار ًا‬
‫احلــدود التــي بينهــم‪ .‬ومــن الواضــح أن هــذه اخلالفــات ليســت‬
‫البــد هلــذه اخلالفــات مــن حــل واتفــاق‪ ،‬وإال ع ّمــت البيئــة‬ ‫(أي الســلطان) وجهــان‪ :‬أحدمهــا أن نظــره فيــه مقصــور عــى‬ ‫ا (وســنتطرق هلــا يف‬ ‫اقتصاديــة كبــرة يف تــدين األســعار مثــ ً‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ــرق‬
‫ــرق التــي تشــرك يف عــن واحــدة ولكنهــا بــن ف َ‬ ‫بــن الف َ‬
‫الفــوىض‪ .‬والذيــن يأتــون بأفضــل احللــول البيئيــة هــم يف العــادة‬ ‫كفهــم عــن التعــدي ومنعهــم مــن اإلرضار واإلصــاح بينهــم‬ ‫الفصــل التاســع)‪ .‬وهنــا فائــدة عمرانيــة أخــرى وهــي أن نســبة‬
‫األماكــن املتجــاورة‪ .‬وألن الســلطة نــادراً مــا تدخلــت بــن‬
‫املســتخدمون للموقــع ألهنــم أدرى مبشــاكله مــن اآلخريــن‬ ‫عنــد التشــاجر‪ ،‬وليــس لــه أن يقيــم جالسـاً وال أن يقــدم مؤخــراً‬ ‫املســيطرين عددي ـاً يف البيئــة ســيزداد‪ ،‬وذلــك ألن بعــض أفــراد‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ــرق‬‫ــرق يف حــل هــذه اخلالفــات‪ ،‬كان عــى هــذه الف َ‬ ‫هــذه الف َ‬
‫وســيأتون باحللــول مــن خــال االتفاقــات فيــا بينهــم‪ ،‬ثــم‬ ‫ويكــون الســابق إىل املــكان أحــق بــه مــن املســبوق‪ .‬والوجــه‬ ‫ال مــن اســتخدام مــكان مــا مــن غــر ســيطرة‬ ‫املجتمــع بــد ً‬
‫أن تتحــدث إىل بعضهــا البعــض للوصــول إىل اتفــاق وإال ع ّمــت‬
‫تتحــول االتفاقــات إىل أعــراف‪ ،‬وهــذه ميــزة للبيئــة (كــا‬ ‫الثــاين أن نظــره فيــه نظــر جمتهــد فيــا يــراه صالحـاً يف إجــاس‬ ‫باســتئجاره‪ ،‬أصبحــوا أفــراداً مســيطرين‪ ،‬وهبــذا يــزداد عــدد‬
‫الفــوىض‪ ،‬وهــذا بالتــايل أدى إىل إثــارة عــدة أســئلة فقهيــة‪ .‬ومــن‬
‫ســنوضح الحقــاً)‪ .‬وهــذا مــا حــدث يف الطرقــات الواســعة‬ ‫مــن جيلســه ومنــع مــن مينعــه وتقديــم مــن يقدمــه كــا جيتهــد‬ ‫األفــراد املســيطرين يف البيئــة‪ ،‬وســنعلق عــى هــذه الفائــدة يف‬
‫هــذه األســئلة‪ :‬هــل حيــق لفريــق مــا أن يتنــازل عــن حــق‬
‫والســاحات املســتخدمة كاألســواق‪.‬‬ ‫يف أمــوال بيــت املــال وإقطــاع املــوات ‪ ...‬وإذا تركهــم عــى‬ ‫الفصــل الرابــع‪.‬‬
‫االختصــاص لفريــق آخــر؟‪ 103‬وهــل حــق االختصــاص يســقط‬
‫الــرايض كان الســابق منهــا إىل املــكان أحــق بــه مــن املســبوق‪،‬‬
‫ورغــم أن الرســول صــى اللــه عليــه وســلم منــع بنــاء‬ ‫وهنــا البــد يل مــن توضيــح مصطلــح ســيتكرر اســتخدامه‬ ‫بانتهــاء النهــار أم أنــه يســتمر حتــى يرفــع الفريــق املســتخدم‬
‫فــإذا انــرف عنــه كان هــو وغــره مــن الغــد فيــه ســواء‬
‫وكــراء مقاعــد األســواق باملدينــة املنــورة‪ ،‬إال أن األســواق بنيت‬ ‫مــراراً وهــو «املركزيــة» وعكســها «الالمركزيــة»‪ .‬فعنــد‬ ‫متاعــه؟ ‪ 104‬اإلجابــة عــى مثــل هــذه األســئلة أدت إىل ظهــور‬
‫يراعــى فيــه الســابق إليــه»‪ .‬وحيــث إن اإلقطــاع مــن الشــارع‬
‫تدخــل الســلطة أو احلاكــم أو مــن ينــوب عنــه مثــل موظــف‬
‫ال يــؤدي إىل امللــك‪ ،‬فــإن هنــاك رأي ـاً ينــص عــى أنــه ال معــى‬
‫‪49.2‬‬ ‫البلديــة يف األمــور البيئيــة‪ :‬نقــول بــأن هنــاك نــوع مــن‬
‫لإلقطــاع يف الشــارع وال حيــق للحاكــم ذلــك بخــاف املــوات‪.‬‬ ‫‪47.2‬‬
‫املركزيــة‪ .‬وهــذا حيــدث عندمــا تقــوم الســلطة املركزيــة بتنفيذ‬
‫أي أن هنــاك اختالفـاً كبــراً بــن آراء الفقهــاء يف هــذه املســألة‪،‬‬
‫أو اإلرشاف عــى تنفيــذ املشــاريع البيئيــة مثــل إنشــاء شــبكات‬
‫وبدراســتها ميكننــا االســتنتاج أن تدخــل الســلطة يف هــذه‬
‫امليــاه‪ ،‬أو عندمــا تنفــذ الســلطة املركزيــة االقرتاحــات املقدمــة‬
‫املســألة كان يف حــدود ضيقــة معقولــة ومرشوطــة مــن ِق َبــل‬
‫الفقهــاء ُت ْشـ ِ‬ ‫مــن املخططــن للمشــاكل البيئيــة‪ .‬أمــا الالمركزيــة فتعــي أن‬
‫ـع ُر بأهنــا أمــور تنظيميــة؛ وأفضــل مثــل عــى ذلــك‬
‫املســائل البيئيــة مرتوكــة للســاكنني أو أصحــاب الشــأن مثــل‬
‫مقالــة الســيوطي (ت ‪ )911‬يف «البــارع يف إقطــاع الشــارع»‪،‬‬
‫اجلــران أو مــن ميثلوهنــم وعليهــم القيــام بذلــك كــا يرونــه‬
‫وخالصتهــا أن تدخــل احلاكــم مــا هــو إال لفــض النزاعــات بــن‬
‫ـرق‪ 106.‬ولكــن هنــاك رأي مفــاده أن مبــادرة األفــراد تقــدم‬ ‫ِ‬
‫الفـ َ‬ ‫لقد استمـرت ظاهرة حـيازة جزء مـن الطريق أو الـساحة للبيـع يف أكرث املـدن‬
‫يف أيامنـا هذه وبـالذات يف املـدن التي تسـاهـلت فيهـا الـسلطـات مع البـاعـة‬
‫عــى املركزيــة؛ فيقــول الســبيك (ت ‪« :)771‬وأمــا إذا ســبق‬
‫أو األمـاكـن التي مل تسيطر علـيها السلطات بعـد كساحات القـرى‪ .‬فالسلطات‬
‫‪50.2‬‬ ‫واحــد قبــل اإلقطــاع فينبغــي أن ميتنــع اإلقطــاع لغــره مــادام‬ ‫كام سنـرى يف الفصـول القـادمة إن شاء الله حـاولت تـنظيـم األسواق فمـنعت‬ ‫‪48.2‬‬
‫حقــه باقيـاً وال يــأيت فيــه خــاف لقولــه صــى اللــه عليــه وســلم‪:‬‬ ‫هـوالء البـاعــة من البـيع يف الطــرق والسـاحـات‪ ،‬وطالبـتهم باحلصـول عىل‬‫ٔ‬
‫«مــن ســبق إىل مــا مل يســبق إليــه فهــو أحــق بــه»‪ ،‬وحاصلــه أن‬ ‫تراخيص للـبيع ووضعت رشوطاً للحصول عىل هذه الرتاخيص‪ .‬وهذا يؤدي لقفل‬
‫أبواب التمكني أمام الكثري فـالصورتان ‪ 47.2‬و ‪ 48.2‬من فـاس باملغـرب تريـانا‬
‫الســبق موجــب لألحقيــة قطع ـاً باحلديــث‪ ،‬واإلقطــاع موجــب‬
‫حيـازة الباعـة لكل من الطريق والساحة للبـيع رغم حمـاولـة السلطـات ملنعهـم‬
‫لألحقيــة عــى الصحيــح؛ فــإن تعارضــا قــدم األقــدم تارخيــاً‪.‬‬ ‫إال أهنم يفعلـون ذلك‪ ،‬وعندما تـأيت السلطات يرفعون أمتعتهم بـرسعـة عجيبة‬
‫ولــو فرضنــا أهنــا حصــا يف وقــت واحــد فينبغــي تقديــم‬ ‫(انظر الصور ‪ 60.9‬إىل ‪ 62.9‬صـ ‪ .)342‬وتـرينا الصـورة ‪ 49.2‬يف الصفحة املقابلة‬
‫الســبق ألنــه ثابــت بالنــص‪ ،‬وإمنــا مل نقدمــه بعــد اإلقطــاع ألنّــا‬ ‫ساحة خمـصصة للبـيع ولتجمع الناس لعرض مهـاراهتم مبراكـش‪ .‬والصورة األخرية‬
‫(‪ )50.2‬من أصيلـة بـاملغـرب تـرينـا امـرأة مـسنـة وقـد وضعـت بعض األقمشة‬
‫نجعــل اإلقطــاع ســبقاً»‪ 107.‬باختصــار‪ ،‬فــإن مبدأ األســبقية أدى‬ ‫لتظلل بضاعتها عند مدخل السوق‪.‬‬

‫‪97‬‬ ‫‪96‬‬
‫‪53.2‬‬ ‫‪51.2‬‬ ‫األيــام يف ســاحات القــرى والقليــل مــن املــدن (الصــور ‪47.2‬‬ ‫وأجــرت يف العصــور الالحقــة‪ .‬ففــي وفــاء الوفا للســمهودي (ت‬ ‫ّ‬
‫إىل ‪ 50.2‬يف الصفحتــن الســابقتني)‪.‬‬ ‫‪ )911‬الكثــر مــن الروايــات عــن اختيــار موقــع ســوق املدينــة‬
‫املنــورة إال أهنــا مجيعهــا تؤكــد عــى هنيــه صــى اللــه عليــه وســلم‬
‫ومــن كل هــذا نخلــص إىل أن أول تدخل للســلطة املركزية‬
‫عــن بنــاء الســوق وتأجــره‪ .‬فقــد رضب الرســول صــى اللــه‬
‫يف العــامل اإلســامي يف شــؤون البيئــة كان يف األســواق‪ ،‬وهــو‬
‫عليــه وســلم برجلــه أرض ســوق املدينــة وقــال‪« :‬هــذا ســوقكم؛‬
‫أول خــروج عــن الســنة النبويــة يف مســائل العمران‪ .‬وقد تســأل‬
‫يرضبــن عليــه خــراج»‪ 108.‬ولكــن ممــا‬
‫ّ‬ ‫فــا ينقــص منــه‪ ،‬وال‬
‫أخــي القــارئ‪ :‬ولكــن هــل ميكــن لألســواق أن تكــون مــن غــر‬
‫قالــه البــاذري مــن قــول أبــو عبيــد‪« :‬كنــا نغــدو إىل الســوق‬
‫بنــاء أو إجيــار كــا أراده رســول اللــه صــى اللــه عليــه وســلم‬
‫‪52.2‬‬ ‫يف زمــن املغــرة بــن شــعبة‪ ،‬فمــن قعــد يف موضــع كان أحــق بــه‬
‫لســوق املدينــة املنــورة وبالــذات يف أيامنــا هــذه التــي نحتــاج‬
‫إىل الليــل ‪ »..‬ميكــن االســتدالل عــى أن هــذه ليســت هــي حــال‬
‫فيهــا إىل الــرادات الكبــرة واملخــازن الضخمــة ومواقــف‬
‫األســواق يف الكوفــة يف حيــاة البــاذري (ت ‪ .)279‬وهي ليســت‬
‫الســيارات ومــا إىل ذلــك مــن متطلبــات عرصيــة؟ اإلجابــة هــي‪:‬‬
‫أيض ـاً كذلــك يف حيــاة ابــن قدامــة (ت‪ )620‬مــن قولــه‪« :‬قــال‬
‫لقـد شـكلت األرايض الــزراعيـة جـزءاً كـبرياً مـن البـيئية الـتقليديـة وكانـت غالبـاً ما حتـيط‬ ‫نعــم‪ .‬ســأحاول توضيــح ذلــك يف الفصــل التاســع‪.‬‬
‫املـسوولـية‪ .‬كام أن منو املدن‬
‫ٔ‬ ‫باملـدن وتتخللهـا‪ ،‬وهذا يعطيـها أمهيـة خاصـة يف دراسة مناذج‬ ‫أمحــد يف الســابق إىل دكاكــن الســوق فهــو لــه إىل الليــل وكان‬
‫ٕ‬
‫كان عىل حساب هذه املزارع ألن السكان كانوا يبنون عليها املـباين حمولينها بذلك اىل أراض‬ ‫هــذا يف ســوق املدينــة فيــا مــى»‪ 109.‬ثــم بعــد ذلــك بنيــت‬
‫بنائية‪ .‬فرتى يف الصورتـني القدميتني ‪ 51.2‬و ‪ 52.2‬إحـاطة املزارع بـمدينة فاس بـاملغرب‪ .‬وتـرى‬
‫يف الصـورة ‪ 53.2‬نفس املـدينـة قبل أكثـر مـن مثانـني سنـة‪ ،‬ثم تــرى يف الصـورة ‪ 56.2‬مـنظـراً‬
‫األرايض الزراعية‬ ‫األســواق يف الفســطاط يف عهــد عبــد امللــك (ت ‪ .)68‬ويف بغــداد‬
‫حـديثـاً هلـا ُصـور من فــوق نفس املـرتفع تقـريبـاً‪ .‬الحظ الفرق يف املساحة البنائية وحتول‬ ‫(أو املدينــة املــدورة) يذكــر لنــا البــاذري أن املنصــور (ت‬
‫‪54.2‬‬ ‫إن لدراســة األرايض الزراعيــة أمهيــة ملوضوعنــا وذلــك‬
‫املزارع إىل أراض بنائية‪ .‬أمــا الصـورتــان ‪ 54.2‬و‪ 55.2‬فهام مـن املنـطقـة الـرشقيـة ببالد احلرمني‬ ‫‪ )158‬جعــل األســواق بالكــرخ بعــد أن كانــت داخــل املدينــة‬
‫ألن اهتاممنــا يركــز عــى حــاالت األعيــان يف البيئــة وأماكــن‬
‫وترى يف األوىل تسـوية أرض كانـت مزروعة بـالنخل لـتستثمر كأرض بـنائية ! والـصورة ‪55.2‬‬ ‫املــدورة «وأمــر التجــار فابتنــوا احلوانيــت وألزمهــم الغلــة»‪.‬‬
‫تـريك أطالل أرض زراعية‪ ،‬فرتى وجود النخل املهمل ميوت بني املباين املستحدثة !‬ ‫تواجدهــا‪ ،‬فاألشــجار واملبــاين التــي عــى األرايض الزراعيــة‬
‫ويف عهــد املهــدي (ت ‪ُ )169‬جبيــت أســواق بغــداد‪ 110.‬وهكــذا‬
‫تشــكل جــزءاً كبــراً مــن تركيــب البيئــة‪ .‬فقــد بــدأت‬
‫‪56.2‬‬ ‫تطــورت األمــور إىل أن ملــك األفــراد األســواق‪ .‬فيذكــر لنــا‬
‫احلضــارات والبيئــات العمرانيــة بالتشــكل مــع اســتقرار‬
‫املســترشق البيــدوس مــن دراســته للعــر اململــويك بــأن الكثــر‬
‫اإلنســان يف األماكــن الصاحلــة للزراعــة‪ .‬أي ميكننــا القــول‬
‫مــن األســواق كانــت ملــكاً للطبقــة احلاكمــة مــن املامليــك يف‬
‫أن معظــم املــدن التقليديــة نشــأت بعــارة األرايض الزراعيــة‪.‬‬
‫ذلــك الوقــت‪111.‬‬
‫ومــن جهــة ثانيــة‪ ،‬ونظــراً للزيــادة املســتمرة يف تعــداد ســكان‬
‫‪55.2‬‬ ‫املــدن‪ ،‬فــإن معظــم األرايض الزراعيــة املالصقــة للعامــر مــن‬ ‫ومــن جهــة أخــرى‪ ،‬مل يكــن دور املحتســب متبلــوراً يف‬
‫املبــاين حتولــت تدرجييــاً إىل أراض بنائيــة بإقامــة املنشــآت‬ ‫العصــور األوىل كمراقــب لألســواق‪ .‬فــكان مهــدي بــن عبــد‬
‫عليهــا (الصــور ‪ 51.2‬إىل ‪ .)56.2‬وبالتــايل فقــد تأخــذ األرض‬ ‫الرمحــن أول مــن محــل لقــب حمتســب يف واســط ســنة ‪103‬‬
‫البنائيــة نفــس النمــوذج اإلذعــاين التــي كانــت فيــه وهــي أرض‬ ‫بالتقريــب‪ 112.‬ولكــن رسعــان مــا تبلــور دور املحتســب يف‬
‫زراعيــة‪ .‬ومــن جهــة ثالثــة‪ ،‬ونظــراً ألن دخــل معظــم الســلطات‬ ‫األســواق وكتبــت كتــب احلســبة التــي اهتمــت مبراقبــة التجــار‬
‫يف البيئــات التقليديــة كان مــن خــراج األرايض الزراعيــة‪،‬‬ ‫والصنــاع وتنظيــم أســواقهم‪ 113.‬فاألســواق إذاً كعنــر عمراين‬
‫فهنــاك إمكانيــة لقيــاس املســؤولية هبــا ألن الســلطات كانــت‬ ‫مــن حيــث املســؤولية مــرت بعــدة منــاذج إذعانيــة‪ ،‬مــن احليازي‬
‫تراقــب زيــادة ونقــص إنتاجهــا‪ ،‬وبالــذات يف البيئــة املعــارصة‬ ‫إىل الرتخيــي وانتهــت باإلذعــاين املشــتت‪ .‬ولكــن برغــم كل‬
‫ا فيهــا كــا يف املســاقاة‪ .‬وال يســيطر‬
‫مســتصلح األرض عامــ ً‬
‫الفريــق املســتخدم يف املســاقاة عــى األرض وبالتايل فــإن األرض‬
‫‪ )1‬األرايض التي ميتلكها أفراد‬ ‫مــع ظهــور القوانــن الوضعيــة‪ .‬فهــذه األســباب الثالثــة أعطــت‬ ‫هــذا فالظاهــر هــو أن ظاهــرة حيــازة جــزء مــن الطريــق‬
‫األرايض الزراعيــة أمهيــة خاصــة لدراســتها‪ .‬وميكــن تقســيم‬ ‫للبيــع‪ ،‬وبالــذات يف الواســع منــه أو يف األســواق غــر املبينــة‪،‬‬
‫أقــرب لإلذعــاين الرتخيــي منهــا إىل احليــازي‪ 115.‬واملســاقاة‬ ‫هــذا القســم مــن األرايض هــو عقــد بــن مالــك األرض‬ ‫األرايض الزراعيــة التــي كانــت يف اإلذعــاين احليــازي مــن‬ ‫كانــت مســتمرة حتــى العصــور املتأخــرة‪ ،‬وميكــن اســتنتاج‬
‫جائــزة‪ ،‬واألصــل يف جوازهــا الســنة واإلمجــاع‪116.‬‬ ‫ومــن أراد اســتصالحها‪ .‬و ُت ْعــرف يف الرشيعــة بأنــواع كاملزارعــة‬ ‫حيــث امللكيــة إىل قســمني رئيســيني مهــا‪ :‬أرايض ميتلكهـــا أفراد‬ ‫اســتمرارية هــذه الظاهــرة يف الطــرق الواســعة والســاحات‬
‫أمــا بالنســبة للمزارعــة ومــا شــاهبها مــن عقــود كاملخابــرة‬ ‫واملغارســة واملخابــرة واملحاقلــة واملزابنــة واملســاقاة‪ .‬ومــدى‬ ‫وأراض لبيــت املــال‪.‬‬ ‫(وليــس أســواق املــدن) مــن نقــل ابــن قدامــة (ت ‪ )620‬لقــول‬
‫والتــي تــؤدي بــاألرايض الزراعيــة إىل اإلذعــاين احليــازي فقــد‬ ‫ســيطرة مســتصلح األرض (املســتخدم) ختتلــف حســب العقــد‬ ‫أمحــد بــن حنبــل‪« :‬مــا كان ينبغــي لنــا أن نشــري مــن هــؤالء‬
‫كانــت هــذه العقــود مســألة خالفيــة بــن الفقهــاء وذلــك ألن‬ ‫مــن ســيطرة قصــوى كــا يف املزارعــة إىل جمــرد أن يكــون‬ ‫الذيــن يبيعــون عــى الطريــق»‪ 114،‬وهــذا مــا نشــاهده هــذه‬

‫‪99‬‬ ‫‪98‬‬
‫اللــه عنــه بقولــه‪« :‬دعهــم يكونــون مــادة للمســلمني»؛ وأشــار‬ ‫الصلــح فــإن أرضيهــم بقيــت ملــكاً هلــم كــا حــدث مــع أهــل‬ ‫أحدمهــا والبــذور وآالت احلــرث مــن اآلخــر ومــا إىل ذلــك مــن‬ ‫املشــاركة يف املزارعــة بــن الفريقــن (املالــك واملســتخدم) قــد‬
‫عليــه معــاذ بــن جبــل بــأن قــال‪« :‬واللــه إذن ليكونــن مــا تكــره‪،‬‬ ‫نجــران‪ ،‬وكان عليهــم دفــع اجلزيــة واخلــراج وإيفــاء مــا كان‬ ‫تفاصيــل‪122.‬‬ ‫تتخللهــا خماطــرة مســتصلح األرض بوضــع جمهــود دون ربــح‬
‫إنــك إن قســمتها صــار الّريــع العظيــم يف أيــدي القــوم‪ ،‬ثــم‬ ‫قــد صاحلهــم عليــه املســلمون مــن رشوط‪ 125.‬ويف هاتــن‬ ‫ا‪ .‬وكــا هــو معلــوم فــإن الربــا حمــرم‬ ‫إذا هلــك الــزرع مثــ ً‬
‫ولكــن املهــم بالنســبة ملوضوعنــا (حالــة العــن)‪ ،‬هــو أن‬ ‫يف الرشيعــة ِ‬
‫يبيــدون‪ ،‬فيصــر ذلــك إىل الرجــل الواحــد أو املــرأة‪ ،‬ثــم يــأيت‬ ‫احلالتــن‪ ،‬فــإن األرايض الزراعيــة كانــت ملــكاً ألصحاهبــا؛ أي‬ ‫ِ‬ ‫ك ـ ٍم كثــرة منهــا أن املســتثمر قــد حيصــل عــى‬ ‫حل َ‬
‫كال الرأيــن الســابقني يف صالــح العــن وبالتــايل يف مصلحــة‬
‫يســدون مــن اإلســام مســداً‪ ،‬وهــم ال جيــدون‬ ‫مــن بعدهــم قــوم ُ‬ ‫ليســت ملــكاً للدولــة وليســت بالتــايل يف اإلذعــاين احليــازي‪.‬‬ ‫أربــاح دومنــا أدىن خماطــرة‪ ،‬هلــذا كانــت املزارعــة مســألة‬
‫البيئــة العمرانيــة‪ .‬فنســتنتج مــن اآلراء التــي ال جتيــز املزارعــة‬
‫شــيئاً‪ ،‬فأنظــر أمــر ًا يســع أوهلــم وآخرهــم»‪ .‬وكان ممــن طالــب‬ ‫أمــا إذا اختــار غــر املســلمني احلــرب ومل يذعنــوا إال مكرهــن‬ ‫خالفيــة‪ 117.‬فهنــاك أحاديــث مفادهــا أن الرســول صــى اللــه‬
‫أن االســتثامر مقصــور عــى مقــدار مــا يســتطيعه الفــرد مــن‬
‫بالقســمة بــال بــن ربــاح وعبــد الرمحــن بــن عــوف‪ ،‬فــكان رد‬ ‫فإهنــم عوملــوا عــى ثــاث طــرق‪ :‬الطريقــة األوىل هــي مــا‬ ‫عليــه وســلم هنــى عــن املحاقلــة واملزابنــة واملخابــرة واملزارعــة‪.‬‬
‫عمــل‪ .‬وهــذا معنــاه أن األرايض الزائــدة عــن مقــدرة املــاك‬
‫عمــر عندمــا طالبــه املســلمون الذيــن فتحــوا الســواد بالقســمة‪:‬‬ ‫قــام بــه الرســول صــى اللــه عليــه وســلم يف مكــة‪ ،‬وهــو تركــه‬ ‫عــن العمــل تــوزع عــى أولئــك الذيــن ال ميلكــون ٍ‬ ‫والــرأي الــذي ال جييــز املخابــرة يعتمــد عــى هــذه األحاديــث‬
‫أراض للعمــل‬
‫«فــا ملــن جــاء بعدكــم مــن املســلمني؟ وأخــاف إن قســمته أن‬ ‫صــى اللــه عليــه وســلم ألهــل مكــة أمواهلــم وبذلــك صــارت‬ ‫ومنهــا قــول رافــع بــن خديــج‪« :‬كنـاّ نُخابــر عــى عهــد رســول‬
‫ا بــدل أن يســيطر فــرد عــى ثــاث أراض ميلكهــا‬ ‫هبــا‪ .‬فمثــ ً‬
‫تفاســدوا بينكــم يف امليــاه»‪ .‬وبذلــك أقــر عمــر ريض اللــه عنــه‬ ‫أرضوهــم بعــد إســامهم عرشيــة وليســت ملــكاً لبيت املــال‪126.‬‬ ‫اللــه صــى اللــه عليــه وســلم‪ ،‬فذكــر أن بعــض عمومتــه أتــاه‬
‫فإنــه سيســيطر عــى اثنتــن منهــا‪ ،‬بينــا يســيطر مســلم آخــر‬
‫أهــل الســواد عــى أرضيهــم ورضب عــى رؤوســهم اجلزيــة‬ ‫والثانيــة هــي مــا فعلــه صــى اللــه عليــه وســلم يف خيــر‪ ،‬وهــو‬ ‫ِ‬ ‫فقــال‪ :‬هنــى رســول اللــه صــى اللــه عليــه وســلم عــن أمــر كان‬
‫ـرق‬‫عــى األرض الثالثــة التــي ميلكهــا األول‪ .‬فهنــا زاد عــدد الفـ َ‬ ‫ِ‬
‫وعــى أرضيهــم اخلــراج‪128.‬‬ ‫تقســيم أربعــة أمخــاس الغنائــم بــن الذيــن افتتحوهــا فكانــت‬ ‫وطواعيــة اللــه ورسـوله أنفــع لنــا وأنفــع‪ .‬قــال‪ :‬قلنــا‪:‬‬ ‫لنــا نافعـاً‪،‬‬
‫املســيطرة مــن فريــق واحــد إىل فريقــن وذلــك بوضــع إحــدى‬
‫ملــكاً هلــم‪ ،‬وهبــذا ُو ِضعــت هــذه األرايض يف اإلذعــاين املتحــد‬ ‫ومــا ذاك؟ قــال‪ :‬قــال رســول اللــه صــى اللــه عليــه وســلم‪ :‬مــن‬
‫ا‬
‫وهــذه املبــادرة لعمــر ريض اللــه عنــه أصبحــت مثــ ً‬ ‫األرايض الثــاث يف اإلذعــاين احليــازي‪ .‬وهكــذا مــع باقــي‬
‫حيتــذى بــه لبعــض املناطــق األخــرى التــي فتحــت عنــوة‪129.‬‬ ‫أو احليــازي‪ ،‬ومتــى كانــت يف احليــازي فــإن الفــرق املالكــة هــم‬ ‫زرعهــا أخــاه وال يكارهيــا‬ ‫كانــت لــه أرض فليزر ْعهــا أو فل ُي ِ‬
‫األرايض يف البيئــة‪ ،‬وهبــذا تزيــد نســبة الفــرق املســيطرة يف‬
‫األفــراد الفاحتــون وليــس بيــت املــال‪ .‬وأمــا اخلمــس األخــر‬ ‫بثلــث وال بربــع وال بطعــام مســمى»‪ .‬وعــن جابــر بــن عبــد اللــه‬
‫والــذي قصــده عمــر هبــذا االجتهــاد هــو أن تعــم االســتفادة‬ ‫البيئــة‪.‬‬
‫فقــد بقــي يف أيــدي أهــل خيــر يعملــون هبــا ولكنهــا ملــكاً‬ ‫قــال‪« :‬ســمعت رســول اللــه صــى اللــه عليــه وســلم يقــول‪ :‬مــن‬
‫مــن دخــل اخلــراج عمــوم املســلمني لفــرة أطــول‪ ،‬حيــث إن‬
‫للمســلمني عــى أن يكــون مثرهــا بينهــم وبــن املســلمني‪ ،‬وهــذا‬ ‫ونســتنتج مــن اآلراء التــي جتيــز املزارعــة أن الفريــق‬ ‫مل يــذر املخابــرة فليــأذن بحــرب مــن اللــه ورسـوله»‪ 118.‬وهناك‬
‫الدولــة اإلســامية كانــت بحاجــة إىل األمــوال لتنظيــم العســكر‬
‫اخلمــس هــو الــذي َملكــه بيــت مــال املســلمني وهــو قليــل‬ ‫املســتخدم واملالــك معـاً كفريــق واحــد يســيطران عــى األرض‪.‬‬ ‫أحاديــث أخــرى تفيــد أن الرســول صــى اللــه عليه وســلم أوىص‬
‫وبنــاء القناطــر ومــا شــابه‪ .‬ويف هــذا يقــول املــودودي‪« :‬فكانت‬
‫جــداً إذا مــا قــورن مبــا ذكرتــه ســابقاً‪ ،‬فهــذا فعلــه صلــوات اللــه‬ ‫أي أن مبــدأ املشــاركة يف الربــح مــن اخلــارج مــن األرض‬ ‫بــأن مــن كانــت لــه أرض فليزرعهــا بنفســه أو ليمنحهــا أخــاه‬
‫النظريــة األساســية هلــذا النظــام اجلديــد أن املســلمني هــم‬
‫وســامه عليــه‪ 127.‬أمــا الطريقــة الثالثــة فهــي مــا اختــاره عمــر‬ ‫ـد الفريقــن (املالــك واملســتخدم) للحــوار واالتفــاق ألن‬ ‫سيشـ ّ‬
‫ُ‬ ‫املســلم ليزرعهــا‪ .‬فعــن أيب هريــرة قــال‪ :‬قــال رســول اللــه صــى‬
‫املالكــون احلقيقيــون لــأرايض‪ ،‬وليــس ألصحاهبــا الســابقني‬
‫بــن اخلطــاب ريض اللــه عنــه يف ســواد العــراق إذ وضعــت فيهــا‬ ‫اهتامماهتــا ســتكون مشــركة‪ ،‬وهبــذا تقــل ســيطرة املالــك‬ ‫اللــه عليــه وســلم‪« :‬مــن كانــت لــه أرض فليزرعهــا أو ل ُي ِ‬
‫حرثهــا‬
‫مــن منزلــة فيهــا كمنزلــة املزارعــن‪ ،‬وإمنــا تعاملهــم احلكومــة‬
‫األرايض الزراعيــة يف اإلذعــاين احليــازي وذلــك المتــاك بيــت‬ ‫وتــزداد ســيطرة املســتخدم أو مســتصلح األرض‪ .‬وهــذا يــؤدي‬ ‫أخــاه فــإن أىب فليمســك أرضــه»‪119.‬‬
‫بالنيابــة عــن املســلمني»‪ 130.‬ولقــد لقــي اجتهــاد عمــر ردود‬
‫مــال املســلمني هلــا‪ .‬ونظــراً ألمهيــة مــا حــدث يف ســواد العــراق‪،‬‬ ‫إىل زيــادة عــدد األفــراد املســيطرين يف البيئــة وذلــك ألن‬
‫فعــل خمتلفــة مــن الفقهــاء خلصهــا الشــوكاين (ت ‪ )1250‬يف نيــل‬ ‫أمــا الــرأي الــذي جييــز املزارعــة فيعتمــد عــى فعــل‬
‫ســأبني آراء الفقهــاء املختلفــة حوهلــا وتأثــر ذلــك عــى حالــة‬ ‫املســتخدم أصبــح مشــاركاً يف الفريــق املســيطر‪ .‬أي أن الرأيــن‬
‫األوطــار بــأن قــال‪« :‬وقــد اختلــف يف األرض التــي يفتتحهــا‬ ‫الرســول صــى اللــه عليــه وســلم وفعــل خلفائــه وصحابتــه‪.‬‬
‫ا حيتــذى بــه‪.‬‬
‫األرايض الزراعيــة ألن أرض الســواد أصبحــت مثـ ً‬ ‫املتناقضــن يؤديــان إىل زيــادة نســبة املســيطرين يف البيئــة‪.‬‬
‫املســلمون عنــوة‪ .‬قــال ابــن املنــذر‪ :‬ذهــب الشــافعي إىل أن عمــر‬ ‫فجمهــور الفقهــاء يرجحــون فعــل الرســول صــى اللــه عليــه‬
‫وهلــذه النتيجــة تأثــرات إجيابيــة كبــرة يف البيئــة ســنتطرق هلــا‬
‫اســتطاب أنفــس الغامنــن الذيــن افتتحــوا أرض الســواد‪ ،‬وأن‬ ‫ام (ت ‪ )224‬يف األرض‬ ‫يقــول أبــو عبيــد القاســم بــن ســ ّ‬ ‫وســلم ويب ّينــون أن هــذه الروايــات عــن النهــي عــن املزارعــة‬
‫يف الفصــول القادمــة‪.‬‬
‫احلكــم يف أرض العنــوة أن تقســم كــا قســم النبــي صــى اللــه‬ ‫التــي أخــذت عنــوة كســواد العــراق (تعريــف الســواد يف‬ ‫مــا هــي إال نصائــح منــه صلــوات اللــه وســامه عليــه‪ .‬فقــد‬
‫عليــه وســلم خيــر ‪ ...‬وقــد اختلــف يف األرض الــذي أبقاهــا‬ ‫احلــوايش)‪« :‬فهــي التــي اختلــف فيهــا املســلمون‪ ،‬فقــال‬ ‫روى البخــاري عــن ابــن عبــاس ريض اللــه عنهــا «أن النبــي‬
‫عمــر بغــر قســمة‪ :‬فذهــب اجلمهــور إىل أنــه وقفهــا لنوائــب‬ ‫بعضهــم‪ :‬ســبيلها ســبيل الغنيمــة‪ ،‬فتخ ّمــس وتقســم‪ ،‬فيكــون‬ ‫‪ )2‬ملكية بيت املال‬ ‫صــى اللــه عليــه وســلم خــرج إىل أرض هتتــز زرعـاً‪ ،‬فقــال‪ :‬ملــن‬
‫املســلمني‪ ،‬وأجــرى فيهــا اخلــراج ومنــع بيعهــا‪ ،‬وقــال بعــض‬ ‫أربعــة أمخاســها ِخطَطـاً بــن الذيــن افتتحوهــا خاصــة‪ ،‬ويكون‬ ‫هــذه؟ فقالــوا‪ :‬اكرتاهــا فــان‪ .‬فقــال‪ :‬أمــا إنــه لــو منحهــا إيــاه‬
‫بالنســبة لــأرايض التــي متلكهــا الدولــة فــإن أول ســؤال‬
‫الكوفيــن أبقاهــا ملــكاً ملــن كان هبا مــن الكفــرة ورضب عليهم‬ ‫اخلمــس الباقــي ملــن س ـ ّمى اللــه تبــارك وتعــاىل‪ .‬وقــال بعضهــم‪:‬‬ ‫كان خــراً لــه مــن أن يأخــذ عليهــا أجــراً معلوم ـاً»‪ 120.‬وعــن‬
‫يتبــادر إىل األذهــان هــو كيــف ملكــت الدولــة اإلســامية أو‬
‫اخلــراج ‪ ...‬وقــد ذهــب مالــك إىل أن األرض املغنومــة ال تقســم‪،‬‬ ‫بــل حكمهــا والنظــر فيهــا إىل اإلمــام‪ :‬إن رآى أن جيعلهــا غنيمــة‪،‬‬ ‫حديــث رافــع بــن خديــج يقــول زيــد بــن ثابــت‪« :‬أنــا أعلــم‬
‫بيــت مــال املســلمني األرايض الزراعيــة؟ واإلجابــة هــي عــن‬
‫بــل تكــون وقفــاً يقســم خراجهــا يف مصالــح املســلمني مــن‬ ‫فيخمســها ويقســمها‪ ،‬كــا فعــل رســول اللــه صــى اللــه عليــه‬ ‫بذلــك منــه (أي مــن رافــع بــن خديــج)‪ ،‬وإمنــا ســمع النبــي‬
‫طريــق الفتوحــات‪ 123.‬فعنــد بــدء الدعــوة اإلســامية‪ ،‬وكــا‬
‫أرزاق املقاتلــة وبنــاء القناطــر واملســاجد وغــر ذلــك مــن ســبل‬ ‫وســلم بخيــر‪ :‬فذلــك لــه‪ ،‬وإن رآى أن جيعلهــا فيئـاً فــا خيمســها‬ ‫صــى اللــه عليــه وســلم رجلــن قــد اقتتــا فقــال‪ :‬إن كان هــذا‬
‫هــو معــروف‪ ،‬كانــت شــعوب األمــم األخــرى ُتدعــى إىل‬
‫اخلــر‪ ،‬إال أن يــرى اإلمــام يف وقــت مــن األوقــات أن املصلحــة‬ ‫وال يقســمها‪ ،‬ولكــن تكــون موقوفــة عــى املســلمني عامــة مــا‬ ‫شــأنكم فــا تكــروا املــزارع»‪ 121.‬والظاهــر هــو أن االختالف‬
‫اإلســام ِســلامً‪ .‬فــإن هــم اســتجابوا فــإن األرايض التــي أســلموا‬
‫تقتــي القســمة‪ ،‬فــإن لــه أن يقســم األرض‪ ،‬وحــى هــذا‬ ‫بقــوا‪ ،‬كــا صنــع عمــر بالســواد»‪ .‬وقــد كان فعــل عمــر ريض‬ ‫عليهــا كانــت تعتــر أرايض عـ ْ ٍ‬ ‫بــن املذاهــب األربعــة يف املزارعــة هــو يف صــوره املختلفــة‬
‫ـر وتبقــى ملــكاً ألصحاهبــا كــا‬
‫القــول ابــن القيــم عــن مجهــور الصحابــة ورجحــه ‪ ...‬فظاهــر‬ ‫اللــه عنــه بعــد استشــارة الصحابــة‪ .‬فقــد أشــار عليــه عــي ريض‬ ‫كطريقــة املشــاركة بــن الفريقــن كأن تكــون األرض مــن‬
‫حــدث يف املدينــة والطائــف‪ 124.‬أمــا مــن مل يســلموا وأرادوا‬

‫‪101‬‬ ‫‪100‬‬
‫هبــا والوقــوع يف اإلثــم‪ ،‬لذلــك نتوقــع أن يكــون أكــر عــال‬ ‫ويزيــد عــى الكثــر الــذي قــد ينقطــع‪ .‬ولكــن مــا حــدث‬ ‫بــن اخلطــاب وبعــده مبــارشة النشــغاهلم باجلهــاد ونــر تعاليــم‬ ‫مذهــب أمحــد وأكــر نصوصــه عــى أن اإلمــام خمــر فيهــا ختيــر‬
‫اخلــراج مــن ذوي الذمــم الواســعة يف العصــور املتأخــرة‪ ،‬واللــه‬ ‫يف ســواد العــراق هــو وضــع األرايض الزراعيــة يف اإلذعــاين‬ ‫اإلســام يف املناطــق املفتوحــة الشاســعة‪ ،‬فعــدد املســلمني مل‬ ‫مصلحــة ال ختيــر شــهوة‪ ،‬فــإن كان األصلــح للمســلمني قســمتها‬
‫أعلــم مبــا يف نفوســهم‪ ،‬فقــد يقــوم عامــل اخلــراج بالضغــط‬ ‫احليــازي واحلصــول بذلــك عــى اخلــراج الــذي يفــوق الــزكاة‬ ‫يكــن كافيــاً يف بــادئ األمــر للعمــل يف هــذه األرايض التــي‬ ‫قســمها‪ ،‬وإن كان األصلــح أن يقفهــا عــى مجاعتهــم وقفهــا‪ ،‬وإن‬
‫عــى أهــل اخلــراج ليأخــذ جــزءاً منهــا لنفســه‪ .‬والســبب الثــاين‬ ‫ا‪ ،‬ممــا زاد مــن دخــل بيت مــال املســلمني يف الســنني األوىل‪،‬‬
‫دخـ ً‬ ‫بلغــت مســاحتها يف الســواد عــى حــد قــول أحــد الروايــات‬ ‫كان األصلــح قســمة البعــض ووقــف البعــض َف َعلــه‪ ،‬فــإن رســول‬
‫لفقــدان أهــل اخلــراج االهتــام بــاألرض هــو تقديــر اخلــراج‪:‬‬ ‫أمــا عــى األمــد البعيــد فقــد حــدث العكــس‪ :‬فهنــاك الكثري من‬ ‫إثنــن وثالثــن ألــف ألــف جريــب (ومســاحة اجلريــب‬ ‫اللــه صــى اللــه عليــه وســلم فعــل األقســام الثالثــة»‪ 131.‬ويف‬
‫فعنــد تقديــر اخلــراج عــى األرض روعيــت معايــر كثــرة‪ :‬منهــا‬ ‫الروايــات التــي تشــر إىل أن خــراج الســواد كان يعتمــد عــى‬ ‫الواحــد ثالثــة آالف وســتامئة ذراع ـاً مربع ـاً)‪ 134.‬فــإن نقــص‬ ‫األمــوال أليب عبيــد‪« :‬وليــس فعــل النبــي صــى اللــه عليــه وســلم‬
‫جــودة األرض ورداءهتــا وطريقــة الــري هل هــي مباء الســاء أو‬ ‫اهتــام أهــل اخلــراج بــاألرض‪ ،‬وهــذا االهتــام تأثــر مبعاملــة‬ ‫عــدد املســلمني معنــاه غياهبــم عــن معظــم تلــك األرايض‪ ،‬وهــذا‬ ‫بــراد لفعــل عمــر‪ ،‬ولكنــه صــى اللــه عليــه وســلم ا ّتبــع آيــةً مــن‬
‫مبــاء األبــار أو العيــون ونوعيــة الثــار وقــرب األرض اخلراجيــة‬ ‫حمصــي اخلــراج ألهــل اخلــراج‪ ،‬وأن اخلــراج كان يف تناقــص‬ ‫متتــع أكــر يف حــق‬
‫ٌ‬ ‫معنــاه حريــة أكــر ألهــل اخلــراج؛ أي‬ ‫اللــه تبــارك وتعــاىل فعمــل هبــا َ (يقصــد آيــة الغنيمــة‪:‬‬ ‫كتــاب‬
‫ُُ َ ُ‬ ‫َ ْ َ َّ‬ ‫ِّ‬ ‫ُ‬ ‫ْ‬ ‫َ ْ َ ُ َ َّ َ َ‬
‫مــن املــدن وبعدهــا ومــا يصيــب أصحــاب األرض مــن نوائــب‬ ‫مســتمر وذلــك لفقــدان أهــل اخلــراج االهتــام بــاألرض‪ .‬فقــد‬ ‫الســيطرة للســكان‪ ،‬وهبــذا وضعــت تلــك األرايض يف اإلذعــاين‬ ‫واعلمــوا أنمــا غ ِنمتــم مــن ش ٍء فــأن ِل خســه ‪ ...‬اآليــة‬
‫وملــات ومجيــع هــذه املعايــر قابلــة للنقــاش واألخــذ والرفــض‬ ‫«روى عبــاد بــن كثــر عــن قحــزم قــال‪ :‬جبــى عمــر العــراق‬ ‫احليــازي‪ .‬وبرغــم ســيطرة أهــل اخلــراج عــى األرض إال أن‬ ‫ـرى فعمــل هبــا‬‫َ‬ ‫‪ 41‬مــن ســورة األنفــال)‪ َ،‬واتبــع عمــر آيــة أخـ‬
‫ْ‬
‫ألهنــا غــر حمــددة وبالتــايل قابلــة لالختــاف يف الــرأي‪ .‬وهــذا‬ ‫مائــة ألــف ألــف وســبعة وثالثــن ألــف ألــف‪ ،‬وجباهــا‬ ‫العالقــة بــن الفريــق املالــك (عمــوم املســلمني ممثلــة يف بيــت‬ ‫ى‬
‫ُ‬
‫ِ‬
‫ْ‬
‫ـن أهــل الق َر ٰ‬ ‫ِِ ِ‬ ‫ـاء اهلل َ ٰ‬
‫لع َر ُســول مـ ْ‬ ‫(يقصــد آيــة الفــيء‪َ :‬مــا أفَـ َ‬
‫قــد يــؤدي إىل نــوع مــن املشــادة يف تفســر احلقــوق‪ ،‬ومــن‬ ‫عمــر بــن عبــد العزيــز مائــة ألــف وأربعــة وعــرون (كــذا‬ ‫املــال) والفريــق املســتخدم املســيطر (أهــل اخلــراج) كانــت‬ ‫‪...‬اآليــة ‪ 7‬مــن ســورة احلــر)‪ ،‬ومهــا آيتــان حمكمتــان فيــا ينال‬
‫ثــم التنافــر بــن املحصلــن للخــراج والعاملــن يف األرض‪ ،‬ممــا‬ ‫واألصــح‪ :‬عرشيــن) ألــف ألــف‪ ،‬وجباهــا احلجــاج مثانيــة عــر‬ ‫تســودها القوانــن التــي كانــت هتــدف أساس ـاً للحفــاظ عــى‬ ‫املســلمون مــن أمــوال املرشكــن‪ ،‬فيصــر غنيمــة أو فيئ ـاً»‪132.‬‬

‫يؤثــر عــى حالــة األرايض الزراعيــة برغــم توصيــة احلــكام‪،‬‬ ‫ألــف ألــف»‪ 136.‬ومــن نصيحــة أليب يوســف (ت ‪ )182‬موجهــة‬ ‫ا‪ ،‬رأي‬ ‫ثــروات املســلمني مــن اخلــراج‪ .‬مــن هــذه القوانــن مث ـ ً‬ ‫وهــذا االختــاف أدى إىل اختــاف آخــر بــن الفقهــاء‬
‫وعــى رأســهم عمــر بــن اخلطــاب ريض اللــه عنــه‪ ،‬بــأن ال ُي ّمــل‬ ‫للخليفــة هــارون الرشــيد‪ ،‬نالحــظ أنه يشــر إىل نقصــان اخلراج‬ ‫مجهــور الفقهــاء أن األرض اخلراجيــة تبقــى عــى حاهلــا حتــى‬
‫الختــاف الروايــات عــن ملكيــة األرض‪ :‬هــل أرض الســواد‬
‫العاملــن يف األرض مــا ال يطيقــون‪ 138.‬وهــذا التنافــر قــد يــؤدي‬ ‫يف أيامــه عــن أيــام عمــر ريض اللــه عنــه فيقــول‪« :‬هــذا عمــر بن‬ ‫إذا أســلم مــن كان يعمــل هبــا أو انتقلــت ملكيتهــا إىل أي مســلم‪.‬‬
‫ملــك لعمــوم املســلمني وخراجهــا وقــف عــى مصاحلهــم‪ ،‬أم‬
‫إىل رفــض أهــل اخلــراج دفــع مــا هــو مطلــوب منهــم‪ .‬فقــد كتب‬ ‫اخلطــاب ريض اللــه تعــاىل عنــه كان جيبــي الســواد مــع عدلــه‬ ‫هــذا‪ ،‬وقــد أثــرت أســئلة فقهيــة كثــرة تشــر إىل تقنــن األرض‬
‫أهنــا ملــك ألصحاهبــا عــى أن يدفعــوا اخلــراج؟ ففــي املجمــوع‪:‬‬
‫عــدي بــن أرطــأة عامــل اخلليفــة عمــر بــن عبــد العزيــز إليــه‪:‬‬ ‫يف أهــل اخلــراج وإنصافــه هلــم ورفعــه الظلــم عنهــم مائــة‬ ‫اخلراجيــة مثــل‪ :‬هــل يــرب عــى األرض اخلراجيــة اخلــراج إذا‬
‫«واختلــف أصحابنــا فيــا فعــل عمــر ريض اللــه عنــه فيــا فُتــح‬
‫«أمــا بعــد فــإن أناس ـاً قبلنــا ال يــؤدون مــا عليهــم مــن اخلــراج‬ ‫ألــف ألــف‪ ،‬والدرهــم إذ ذاك وزنــه وزن مثقــال»‪ .‬ويف موضــع‬ ‫قــام ســاكنها ببنائهــا أم ال‪ ،‬إذ أهنــا مل تعــد أرض ـاً زراعيــة؟ ‪135‬‬
‫مــن أرض الســواد‪ ،‬فقــال أبــو العبــاس وأبــو إســحاق‪ :‬باعهــا مــن‬
‫حتــى ميســهم يشء مــن العــذاب»‪ .‬فكتــب إليــه عمــر‪« :‬أمــا‬ ‫آخــر يذكــر أبــو يوســف بــأن الســبب يف هــذا النقصــان هــو‬
‫وال أدري مــا أقــول يف ســواد العــراق‪ .‬فلقــد رأيــت‬ ‫أهلهــا ومــا يؤخــذ مــن اخلــراج مثــن‪ ،‬والدليــل عليــه أن مــن لــدن‬
‫بعــد‪ ،‬فالعجــب كل العجــب مــن اســتئذانك إيــاي يف عــذاب‬ ‫أن العامــر مــن األرضــن كان كثــراً‪ ،‬والعاطــل منــه كان يســراً‬ ‫إعجــاز ًا كبــر ًا يف الرشيعــة اإلســامية يف كل مــا يتعلــق بأمــور‬ ‫عمــر إىل يومنــا هــذا تبــاع وتبتــاع مــن غــر إنــكار‪ .‬وقــال أبــو‬
‫البــر‪ ،‬كأين جنــة لــك مــن عــذاب اللــه‪ ،‬وكأن رضــاي ينجيــك‬ ‫يف أيــام عمــر ريض اللــه عنــه‪ ،‬عــى نقيــض أيامــه هــو‪ ،‬أي أيــام‬
‫البيئــة مــن مســائل يقــف اإلنســان عاجــزاً عــن التعبــر عــن‬ ‫ســعيد االصطخــري وقفهــا عمــر ريض اللــه عنــه عــى املســلمني‬
‫مــن ســخط اللــه‪ .‬إذا أتــاك كتــايب هــذا فمــن أعطــاك مــا ِقبلــه‬ ‫هــارون الرشــيد (ت ‪137.)193‬‬
‫عظمــة الرشيعــة يف حكمتهــا العمرانيــة‪ ،‬وحتــى إذا اختلفــت‬ ‫فــا جيــوز بيعهــا وال رشاؤهــا وال هبتهــا وال رهنهــا‪ ،‬وإمنــا تنقــل‬
‫ايل‬
‫عفــواً وإال فأحلفــه‪ ،‬فواللــه ألن يلقــوا اللــه بجنياهتــم أحــب ّ‬ ‫ملــاذا فقــد إذاً أهــل اخلــراج االهتــام بــاألرض؟ ألهنــم ال‬ ‫اجتهــادات العلــاء وتضــادت‪ ،‬فهــي اختالفــات يف الفــروع‪،‬‬ ‫مــن يــد إىل يــد‪ ،‬ومــا يؤخــذ مــن اخلــراج فهــو أجــرة وعليــه نص‬
‫مــن أن ألقــاه بعذاهبــم‪ .‬والســام»‪ .‬ويشــر أبــو يوســف إىل هذه‬
‫ميلكوهنــا‪ ،‬وألن جــزء ًا ممــا خــرج منهــا ذهــب لغريهــم‪ .‬وهلــذا‬ ‫إال مســألتني توقفــت عندمهــا كثــر ًا‪ :‬ومهــا الوقــف وســواد‬ ‫يف ســر الواقــدي‪ ،‬والدليــل عليــه مــا روى بكــر بــن عامــر عــن‬
‫املعاملــة ألهــل اخلــراج يف رســالته هلــارون الرشــيد فيقــول‪« :‬وال‬
‫فقــد مياطلــون يف دفــع اخلــراج أو قــد ينقصونــه‪ ،‬وهــذا قــد‬ ‫العــراق‪ .‬وتــرددت كثــراً يف طرحهــا‪ ،‬ولكــن كان البــد يل مــن‬ ‫عامــر قــال‪ :‬اشــرى عقبــة بــن فرقــد أرض ـاً مــن أرض اخلــراج‪،‬‬
‫ـن رجــل يف دراهــم خــراج‪ ،‬وال يقــام عــى رجلــه‪ ،‬فإنــه‬ ‫يرضبـ َّ‬ ‫يــؤدي إىل ســوء معاملــة عــال اخلــراج هلــم‪ .‬فهنــاك طريقتــان‬ ‫ذلــك‪ .‬وأرجــوا اللــه أن يغفــر يل مــا ســأقول إن أخطــأت أو مل‬ ‫فــأىت عمــر فأخــره‪ ،‬فقــال‪ :‬ممــن اشــريتها؟ قــال‪ :‬مــن أهلهــا‪.‬‬
‫بلغــي أهنــم يقيمــون أهــل اخلــراج يف الشــمس ويرضبوهنــم‬
‫يف اســتيفاء اخلــراج‪ :‬األوىل هــي العاملــة عــى اخلــراج‪ ،‬والثانيــة‬ ‫أخطــئ‪ .‬فقــراءايت الفقهيــة حمــدودة‪ ،‬وذلــك ألنــي الحظــت أن‬ ‫قــال‪ :‬فهــؤالء أهلهــا املســلمون‪ ،‬أبعتمــوه شــيئاً؟ قالــوا‪ :‬ال‪ .‬قــال‪:‬‬
‫الــرب الشــديد ويعلقــون عليهــم اجلــرار ويقيدوهنــم مبــا‬ ‫فاذهــب فاطلــب مالــك ‪133.»...‬‬
‫هــي التضمــن‪ .‬بالنســبة للعاملــة فهنــاك ســببان أثــرا عــى فقدان‬ ‫املعلومــات قــد بــدأت بالتكــرار فتوقفــت عــن االســتزادة يف‬
‫مينعهــم مــن الصــاة‪ ،‬وهــذا عظيم عنــد الله شــنيع يف اإلســام»‪.‬‬
‫أهــل اخلــراج االهتــام بــاألرض‪ .‬الســبب األول هــو أن هنــاك‬ ‫املراجــع‪ .‬لذلــك فقــد يكــون هنــاك دليــل قــد فاتــي وأكــون‬
‫ويــويص أبــو يوســف اخلليفــة هــارون الرشــيد مبتابعــة مــا يقــوم‬ ‫ولكــن مــن دراســة القيــود التــي حتــدد اســتخدام األرض‬
‫رشوطـاً كثــرة لتعيــن عامــل اخلــراج كأن يكــون مســلامً وحــراً‬ ‫خمطئــاً‪.‬‬
‫ميكننــا االســتنتاج أن ملكيــة األرايض اخلراجيــة عموم ـاً أقــرب‬
‫بــه عــال اخلــراج والتأكــد مــن أمانتهــم فيقــول‪« :‬وأنــا أرى أن‬
‫وأمينــاً ومكتفي ـاً ومــن أهــل العلــم والفقــه بأحــكام اخلــراج؛‬
‫تبعــث قومــاً مــن أهــل الصــاح والعفــاف ممــن يوثــق بدينــه‬ ‫إذا ق ُّســمت أرض الســواد بــن الغامنــن كــا فعــل الرســول‬ ‫لبيــت مــال املســلمني منهــا إىل ملكيــة مــن يعمــل هبــا مــن أهــل‬
‫وهنــاك صفــات أيضــاً البــد وأن يتحــى هبــا عامــل اخلــراج‬
‫وأمانتــه يســألون عــن ســرة العــال ومــا عملــوا بــه يف البــاد‪،‬‬ ‫صــى اللــه عليــه وســلم يف خيــر‪ ،‬فــإن مــا ق ُّســم مــن أراض‬ ‫اخلــراج‪ .‬كــا أن الســيطرة عــى هــذه األرايض كانــت بأيــدي‬
‫وهــي العفــة والعــدل واإلنصــاف والرفــق بأهــل اخلــراج‪.‬‬
‫وكيــف جبــوا اخلــراج عــى مــا أمــروا بــه وعــى مــا وظــف‬ ‫ســيدفع إىل اإلذعــاين الرتخيــي أو املتحــد‪ .‬وهــذا معنــاه اهتــام‬ ‫املســتخدمني الســاكنني ألهنــم هــم الذيــن كانــوا يعملــون يف‬
‫ومــن املنطــق أن هــذه الصفــات قــد ال تتوفــر يف مجيــع النــاس‪،‬‬
‫عــى أهــل اخلــراج واســتقر‪ ،‬فــإذا ثبــت ذلــك عنــدك وصــح‬ ‫الغامنــن بأمالكهــم وحرصهــم عــى إعــار أرضهــم وزيــادة‬ ‫األرض ويترصفــون هبــا‪ ،‬بدليــل أنــه كان هلــم مطلــق التــرف‬
‫وبالــذات األمانــة‪ ،‬أمــا مــن توفــرت فيــه هــذه الصفــات فمــن‬
‫أخــذوا مبــا اســتفضلوا مــن ذلــك أشــد األخــذ حتــى يــؤدوه بعــد‬ ‫دخلهــم منهــا‪ ،‬وبالتــايل زيــادة زكاة األرض واســتمرارية هــذه‬ ‫حتــى يف البنــاء عــى األرض اخلراجيــة‪ .‬فهــذا واضــح مــن‬
‫املنطــق أن يبتعــد عــن مثــل هــذه املناصــب خوفـاً مــن االفتتــان‬
‫الــزكاة إىل مــا شــاء اللــه‪ .‬أي أن القليــل املســتمر قــد ينمــو‬ ‫النقــص الشــديد يف األيــدي العاملــة لــدى املســلمني أيــام عمــر‬

‫‪103‬‬ ‫‪102‬‬
‫غــر ذلــك‪ .‬ونــوازل الوقــف كثــرة يف الرشيعــة اإلســامية‪.‬‬ ‫ذكرنــا‪ ،‬ولكــن متــى وضعــت فيه أصبــح الغامنــون هــم املالكون‬ ‫اخلــراج يف الســواد يف عهــد عمــر عــى املســاحة‪ ،‬ثــم تغــر‬ ‫العقوبــة املوجعــة والنــكال‪ ،‬حتــى ال يتعــدوا مــا أمــروا بــه‬
‫وهــذا غــر مســتغرب إذا مــا علمنــا أن ثالثــة أربــاع األرايض‬ ‫وليــس الدولــة‪ ،‬وشــتان بــن احلالــن‪ :‬فملكيــة األفــراد لــأرض‬ ‫إىل املقاســمة لســوء األحــوال‪ .‬فيقــول املــاوردي (ت ‪:)450‬‬ ‫ومــا عهــد اليهــم فيــه‪ ،‬فــإن كل مــا عمــل بــه وايل اخلــراج مــن‬
‫املزروعــة يف تركيــا كانــت موقوفــة حتــى عــام ‪1925‬م‪ ،‬وثلــث‬ ‫الزراعيــة أفضــل بكثــر حلالــة العــن مــن ملكيــة الدولــة‬ ‫«ومل يــزل الســواد عــى املســاحة واخلــراج إىل أن عــدل هبــم‬ ‫يمــل عــى أنــه قــد أُ ِمــر بــه‪ ،‬وقــد أُ ِمــر‬
‫الظلــم والعســف فإمنــا ُ ْ‬
‫األرايض يف تونــس ومثنهــا يف مــر حتــى هنايــة القــرن التاســع‬ ‫(وســنوضح الفــرق بــن ملكيــة الدولــة أو الفــرد للعــن وتأثــر‬ ‫املنصــور رمحــه اللــه (ت ‪ )158‬يف الدولــة العباســية عــن اخلــراج‬ ‫بغــره‪ ،‬وإن أحللــت بواحــد منهــم العقوبــة املوجعــة انتهــى‬
‫عــر امليــادي‪ 149.‬وهــذه النســب املرتفعــة نتجــت‪ ،‬واللــه‬ ‫ذلــك عــى حالــة العــن يف الفصلــن الرابــع والثامــن)‪ .‬فهنــاك‬ ‫إىل املقاســمة‪ ،‬ألن الســعر نقــص فلــم تــف الغــات بخراجهــا‪،‬‬ ‫غــره واتقــى وخــاف‪ ،‬وإن مل تفعــل هــذا هبــم تعــدوا عــى أهــل‬
‫أعلــم‪ ،‬ألســباب (قــد ال تكــون دينيــة أحيان ـاً) دفعــت النــاس‬ ‫حديــث أخرجــه أبــو داود عــن أيب هريــرة عــن رســول اللــه‬ ‫وخــرب الســواد فجعلــه (أي املنصــور) مقاســمة ‪143.»...‬‬ ‫اخلــراج واجــرؤا عــى ظلمهــم وتعســفهم وأخذهــم مبــا ال جيــب‬
‫لوقــف أراضيهــم (وســنتطرق هلــذه األســباب يف الفصــل الثالــث‬ ‫«أيــا قريــة أتيتموهــا وأقمتــم‬‫صــى اللــه عليــه وســلم أنــه قــال‪ُّ :‬‬ ‫عليهــم»‪139.‬‬
‫هــذه الرتاكــات أدت إىل نــزوح بعــض أهــل اخلــراج عــن‬
‫إن شــاء اللــه)‪ .‬وممــا جيــدر ذكــره هــو أن العقــارات املوقوفــة‬ ‫فيهــا فســهمكم فيهــا‪ ،‬وأميــا قريــة عصــت اللــه ورس ـوله فــإن‬
‫ال فقهيـاً‪ :‬إذا رحــل الفــاح‬
‫األرايض اخلراجيــة مثــرة بذلــك ســؤا ً‬ ‫أمــا بالنســبة للطريقــة الثانيــة يف اســتيفاء اخلــراج وهــي‬
‫هــي األعيــان الوحيــدة يف البيئــة التقليديــة يف اإلذعاين املشــتت‪،‬‬ ‫مخســها للــه وللرســول ثــم هــي لكــم»‪ 146.‬قــال الشــافعي‪« :‬وكل‬
‫عــن األرض‪ ،‬هــل جيــر عــى العــود؟ عــى األصــح ال‪ .‬وأدرج‬ ‫التضمــن أو نظــام التقبيــل‪ ،‬وهــي أن يتكفــل شــخص بتحصيــل‬
‫كــا أن نســبتها ضئيلــة جــد ًا إذا مــا قورنــت باألعيــان ذات‬ ‫مــا وصفــت أنــه جيــب قســمه فــإن تركــه اإلمــام ومل يقســمه‬
‫هنــا مــا ورد يف حاشــية ابــن عابديــن كمثــال‪« :‬قــال اخلــر‬ ‫اخلــراج وأخــذه لنفســه مقابــل قــدر حمــدود يدفعــه لبيــت‬
‫املســؤولية املشــتتة يف البيئــة احلاليــة‪ .‬وســركز هنــا عــى الوقــف‬ ‫فوقفــه املســلمون أو تركــه ألهلــه‪ُ ،‬ر ّد حكــم اإلمــام فيــه ألنــه‬
‫الرمــي (ت ‪ )1080‬يف حاشــية البحــر أقــول‪ :‬رأيــت بعــض أهــل‬ ‫املــال‪ :‬فــإن هــذا النظــام الــذي بــدأ يف العــر األمــوي وانتــر‬
‫لتوضيــح تأثــر العالقــة بــن الفــرق الثالثــة عــى حالــة العــن‪.‬‬ ‫خمالــف للكتــاب ثــم الســنة معـاً‪ ،‬فــإن قيــل‪ :‬فأيــن ذكــر ذلــك يف‬
‫ّ‬ ‫ْ‬ ‫العلــم أفتــى بأنــه إذا رحــل الفــاح مــن قريتــه ولــزم خــراب‬ ‫يف العــر العبــايس أدى أيض ـاً إىل ســوء معاملــة أهــل اخلــراج‪.‬‬
‫لمــوا أنمــا غ ِن ْمتُــم‬
‫«واع ُ‬ ‫الكتــاب؟ قيــل‪ :‬قــال اللــه عــز وجــل‪:‬‬
‫إن بإمــكان املســلم أن يوقــف أي عــن ميلكهــا كمنــزل أو‬ ‫مــن يش ٍء فــأن هلل ُ ُ‬ ‫القريــة برحيلــه أنــه جيــر عــى العــود ورمبــا اغــر بــه بعــض‬ ‫ا ألن حكمــه‬ ‫ومل يــرض كثــر مــن العلــاء عنــه واعتــروه باطـ ً‬
‫‪150‬‬ ‫خ َســه ‪ ..... »...‬فــإن ظهــر اإلمــام عــى‬ ‫ِ‬
‫ـرف ابــن قدامــة الوقــف‬ ‫مدرســة أو حديقــة أو دكان‪ .‬و ُيعـ ِّ‬ ‫اجلهلــة‪ ،‬وهــو حممــول عــى مــا إذا رحــل ال عــن ظلــم وجــور‬ ‫حكــم الربــا‪ 140.‬فقــد حــذر أبــو يوســف اخلليفــة هــارون‬
‫بــاد عنــوة فخمســها‪ ،‬ثــم ســأل أهــل األربعــة األمخــاس تــرك‬
‫كغــره مــن الفقهــاء بأنــه‪« :‬حتبيــس األصــل وتســبيل الثمــرة»‪.‬‬ ‫وال عــن رضورة بــل تعنتـاً‪ ،‬وأمــر الســلطان بإعادتــه للمصلحــة‬ ‫الرشــيد مــن تطبيــق هــذا النظــام بــأن قــال‪« :‬ورأيــت أن ال ُتق ِّبل‬
‫حقوقهــم منهــا فأعطــوه ذلــك طيبــة بــه أنفســهم‪ ،‬فلــه قبولــه إن‬
‫والوقــف عنــد أيب حنيفــة‪« :‬حبــس العــن عــى ملــك الواقــف‬ ‫وهــي صيانــة القريــة عــن اخلــراب‪ ،‬وال رضر عليــه يف العــود‪،‬‬ ‫شــيئاً مــن الســواد وال غــر الســواد مــن البــاد‪ ،‬فــإن املتقبــل إذا‬
‫أعطــوه إيــاه يضعــه حيــث يــرى‪ ،‬فــإن تركــوه كالوقــف عــى‬
‫والتصــدق مبنفعتهــا»‪ 151.‬ومــن تعريفــات أخــرى ميكننــا القــول‬ ‫وأمــا مــا يفعلــه الظلمــة اآلن مــن اإللــزام بالــرد إىل القريــة‬ ‫كان يف قبالتــه فضــل عــن اخلــراج عســف أهــل اخلــراج ومحــل‬
‫املســلمني فــا بــأس أن يقبلــه مــن أهلــه وغــر أهلــه مبــا جيــوز‬
‫أن الوقــف عمومـاً هــو حتديــد منفعــة العــن جلهــة معينــة؛ كأن‬ ‫مــع التكاليــف الشــاقة واجلــور املفــرط فــا يقــول بــه مســلم‬ ‫عليهــم مــا ال جيــب عليهــم‪ ،‬وظلمهــم وأخذهــم مبــا جيحــف‬
‫للرجــل أن يقبــل بــه أرضــه‪ ،‬وأحســب عمــر بــن اخلطــاب إن‬
‫يقــوم شــخص ببنــاء مســكن إلمــام مســجد‪ ،‬أو ربــاط لأليتــام‪،‬‬ ‫‪ .»...‬وممــا ســاعد عــى خــراب الســواد تــردد املســلمني يف رشاء‬ ‫هبــم ليســلم ممــا دخــل فيــه‪ .‬ويف ذلــك وأمثالــه خــراب البــاد‬
‫كان صنــع هــذا يف يشء مــن بــاد العنــوة‪ ،‬إمنــا اســتطاب أنفــس‬
‫أو خــان للمســافرين‪ ،‬أو ســقاية للمجتازيــن‪ ،‬أو وضــع كتــب‬ ‫أرضهــا‪« .‬قــال أمحــد يف روايــة حنبــل‪ :‬ال تشــري الضيــاع‬ ‫وهــاك الرعيــة‪ .‬واملتقبــل ال يبــايل هبالكهــم بصــاح أمــره يف‬
‫أهلهــا عنهــا فصنــع مــا وصفــت فيهــا»‪ 147.‬وهنــاك شــواهد عــى‬
‫يف مكتبــة للقــراءة‪ ،‬أو أن يوقــف الواقــف ريــع مزرعــة لورثتــه‬ ‫بالســواد يــؤدي اخلــراج هــو مــن الصغــار‪ .‬وقــال يف روايــة‬ ‫قبالتــه‪ ،‬ولعلــه أن يســتفضل بعــد مــا يتقبــل بــه فضــا كثــر ًا‪،‬‬
‫أن عمــر ريض اللــه عنــه كان قــد اســتطاب أنفــس الغامنــن‪148.‬‬
‫ومــن بعدهــم عىل أوالدهــم وأوالد أوالدهــم‪ ،‬أو حتــى أن يتصدق‬ ‫حــرب‪ - :‬يف املســلم يشــري مــن أرض اخلــراج ويــؤدي اخلــراج‬ ‫وليــس ميكنــه ذلــك إال بشــدة منــه عــى الرعيــة ورضب هلــم‬
‫ـزء مــن دخــل عقـ ٍ‬
‫ـار موقــوف لطائفــة معينــة كالفقــراء أو‬ ‫بجـ ٍ‬ ‫وبرغــم مــا رأينــا مــن تدهــور يف حالــة العــن يف اإلذعــاين‬ ‫‪ -‬قــال‪ :‬مكــروه»‪144.‬‬ ‫شــديد وإقامتــه هلــم يف الشــمس وتعليــق احلجــارة يف األعنــاق‪،‬‬
‫األيتــام (الصــور ‪ 57.2‬إىل ‪ .)59.2‬ومــن هــذه األمثلــة نالحــظ أن‬ ‫احليــازي عنــد اشــتداد الشــد بــن الفريقــن‪ ،‬فــإن حالــة تلــك‬ ‫وعــذاب عظيــم ينــال أهــل اخلــراج ممــا ليــس جيــب عليهــم مــن‬
‫ومــن هــذا العــرض نســتخلص أن حالــة العــن قــد تــزداد‬
‫أســاس الوقــف هــو أن يكــون الفريــق املســتفيد غــر الفريــق‬ ‫األعيــان كانــت أفضــل بكثــر مــن األعيــان التــي هــي يف‬ ‫الفســاد الــذي هنــى اللــه عنــه‪ .‬إمنــا أكــره القبالــة ألن ال آمــن أن‬
‫ســوءاً متــى ســاءت العالقــة بــن الفريــق املالــك والفريــق‬
‫املالــك‪152.‬‬ ‫اإلذعــاين املشــتت‪ ،‬وهــو مــا بقــي لنــا يف هــذا الفصــل‪.‬‬ ‫حيمــل هــذا التقبــل عــى أهــل اخلــراج مــا ليــس جيــب عليهــم‬
‫املســتخدم الــذي يســيطر‪ .‬ولكــن هــذا الــذي حــدث يف الســواد‬
‫فيعاملهــم مبــا وصفــت لــك‪ ،‬فيــر ذلــك هبــم فيخربــوا مــا‬
‫ولكــن هــل تــزول ملكيــة املوقــوف مــن الواقــف‪،‬‬ ‫نتــج عــن حتميــة النفــس البرشيــة األ ّمــارة بالســوء‪ .‬فتــرف‬
‫عمــروا ويدعــوه فينكــر اخلــراج‪ .‬وليــس يبقــى عــى الفســاد‬
‫وهــل ميلــك املوقــوف عليهــم رقبــة الوقــف أم ال؟ يقــول ابــن‬ ‫النموذج اإلذعاين املشتت‬ ‫عمــر ريض اللــه عنــه كان اجتهــاد ًا منــه جللــب اخلــر لعمــوم‬
‫يشء وان يقــل مــع الصــاح يشء ‪141.»...‬‬
‫رجــب‪« :‬املوقــوف عليــه هــل ميلــك رقبــة الوقــف أم ال؟ يف‬ ‫املســلمني ال خروجـاً عــى ســنة الرســول صــى اللــه عليه وســلم‪.‬‬
‫املســألة روايتــان معروفتــان أشــهرمها أنــه ملــك للموقــوف‬ ‫ثــاث فــرق تشــرك يف حتديــد حالــة العــن يف هــذا‬ ‫فقــد ُر ِو َي أن عمــر ريض اللــه عنــه قــال‪« :‬ألن عشــت إىل هــذا‬ ‫وهنــاك نوعــان مــن اخلــراج‪ :‬خــراج املقاســمة وخــراج‬
‫عليــه‪ .‬والثانيــة ال‪ ،‬فعــى هــذه هــل هــو ملــك للواقــف أو للــه‬ ‫النمــوذج‪ :‬أحدهــم يســتخدمه والثــاين يســيطر عليــه والثالــث‬ ‫العــام املقبــل‪ ،‬ال تفتــح للنــاس قريــة إال قســمتها بينهــم كــا‬ ‫املســاحة‪ .‬ويســمى خــراج املســاحة بخــراج املقاطعــة أو‬
‫تعــاىل؟ فيــه خــاف أيض ـاً ‪ .»...‬ويقــول ابــن قدامــة‪ ...« :‬إن‬ ‫ميلكــه‪ .‬ولقــد كان الوقــف مــن أهــم األعيــان يف هــذا النمــوذج‬ ‫قســم رســول اللــه صــى اللــه عليــه وســلم خيــر»‪ 145.‬فالســنة‬ ‫خــراج الوظيفــة‪ ،‬وفيــه جيــب اخلــراج عــى مــن يعمــل يف األرض‬
‫الوقــف إذا صــح زال بــه ملــك الواقــف عنــه يف الصحيــح مــن‬ ‫ألنــه كثــر ًا مــا ُدفــع إليــه‪ .‬والوقــف رضورة للمدينــة التقليديــة‬ ‫املطهــرة كــا بينهــا اإلمــام الشــافعي تنــص عــى تقســيم أرض‬ ‫حتــى وإن مل يزرعهــا‪ ،‬ألنــه هــو الــذي قــر يف حتصيلــه‪،‬‬
‫املذهــب‪ ،‬وهــو املشــهور مــن مذهــب الشــافعي ومذهــب أيب‬ ‫ألنــه وفــر هلــا خدماهتــا األساســية كاملــدارس واملستشــفيات‬ ‫ــرق الغامنــة وتوضــع‬ ‫ِ‬
‫العنــوة‪ ،‬وبذلــك ترتكــز املســؤولية يف الف َ‬ ‫فعليــه أن يتحمــل نتيجــة تقصــره‪ .‬أمــا يف خــراج املقاســمة‪،‬‬
‫حنيفــة‪ ،‬وعــن أمحــد ال يــزول ملكــه وهــو قــول مالــك ‪ ...‬ولنــا‬ ‫والســقايات واملســاجد‪ .‬ولقــد احــرت يف أمــره كثــراً‪ .‬فهــو‬ ‫األعيــان يف اإلذعــاين املتحــد إذا زرعهــا الغامنــون‪ ،‬أو توضــع يف‬ ‫فــا جيــب اخلــراج عــى أهــل اخلــراج إذا عطلــوا األرض‪ ،‬وذلــك‬
‫أنــه ســبب يزيــل التــرف يف الرقبــة واملنفعــة فــأزال امللــك‬ ‫رمحــة للمســلمني إن هــم اتقــوا اللــه عــز وجــل وفيــه خــر‬ ‫اإلذعــاين الرتخيــي إذا اســتأجروا مــن يعمــل هلــم فيهــا‪ .‬وقــد‬ ‫ألن اخلــراج جــزء شــائع مــن اخلــارج مــن األرض كالربــع‬
‫كالعتــق ‪ 153.»...‬وقــول هذيــن الفقيهــن يدلنــا عــى أن هنــاك‬ ‫كثــر إن حكمــوا بالرشيعــة‪ ،‬لكنــه وبــال عليهــم إن هــم كانــوا‬ ‫توضــع األرض يف اإلذعــاين احليــازي يف بعــض األحيــان كــا‬ ‫واخلمــس‪ .‬وهــذا متعلــق بالتمكــن مــن األرض‪ 142.‬وقــد كان‬

‫‪105‬‬ ‫‪104‬‬
‫‪60.2‬‬ ‫حدثــت يل قصــة لفتــت نظــري إىل تدهــور حــال الوقــف‪.‬‬ ‫‪59.2‬‬ ‫‪57.2‬‬
‫فلقــد زرت وقفـاً مبكــة املكرمــة ُبــي يف عــام ‪1353‬؛ وكان رباطـاً‬
‫مكونــاً مــن أربعــة طوابــق مشــيدة حــول صحــن مفتــوح‪،‬‬ ‫‪58.2‬‬

‫وبــكل طابــق عــرون غرفــة‪ ،‬وبعــض غرفــه خمصصــة لســكىن‬


‫كبــار الســن مــن اجلاليــة البخاريــة‪ ،‬عــى أن تؤجــر الغــرف‬
‫األخــرى ويــرف منهــا عــى صيانــة املبــى باإلضافــة إىل نفقــة‬
‫تكفــي الوريــث الوحيــد للواقــف ومــن ثــم أبنــاؤه وورثتهــم‬
‫مــن الذكــور مــن بعدهــم‪ .‬وكان مــن الواضــح أن مــن قــام‬
‫ببنــاء هــذا الوقــف كان حريصـاً يف تشــييده‪ :‬فاحلوائط ســميكة‬
‫من أشهر األمـثلة عىل األوقـاف «سبيل املـاء»‪ .‬ولقد‬
‫والكمــرات حديديــة واألرضيــات مــن احلجــارة اجليــدة‪ .‬فــكان‬ ‫تفـاىن الـواقفـون يف بنـاء الـسبيـل رمبا ظنـاً مـنهم ٔان‬
‫‪61.2‬‬
‫ظاهــراً أن الواقــف اســتثمر أجــود مــواد البنــاء يف زمنــه وأمهــر‬ ‫مجــال البنـاء وكثـرة اإلنفاق عليه سيـزيد األجر‪.‬‬
‫البنائــن يف هــذا املبــى‪ .‬ولكــن مــا يثــر االنتبــاه هــو ســوء‬ ‫فالـصورة ‪ 57.2‬لسبيل مبـدينـة فـاس‪ ،‬والصـورة ‪58.2‬‬
‫لـسبـيل مبـدينــة مكنـاس باملغرب‪ ،‬والـرسمة ‪59.2‬‬
‫صيانتــه‪ .‬فبقليــل مــن املــال واملجهــود ســيصبح هــذا املبــى يف‬
‫لـسبيل باسـطنبول (رسـم الرسام بارليت)‪ .‬الحـظوا ٔاهنا‬
‫حــال أفضــل بكثــر (الصــور ‪ 60.2‬إىل ‪ .)62.2‬فســألت جــدي‬ ‫مجيعاً متتـاز بكرثة النقش والـزخرفة عىل احلوائط‪.‬‬
‫ألمــي (عصــام الديــن بخــاري وهــو ابــن الواقــف)‪« 157:‬ملــاذا ال‬
‫ت ّســن هــذا املبــى؟»‪ ،‬فأجــاب رمحــه اللــه وهــو يف الســبعني من‬ ‫َُ‬ ‫احتــال وارد أكــر يف هــذا النمــوذج مــن النــاذج األخــرى‪،‬‬ ‫خالفـاً واضحـاً يف ملكيــة الوقــف بــن العلــاء‪ ،‬ولكــن الظاهــر‬
‫عمــره‪« :‬كــا تــرى فأنــا أعيــش يف الطائــف وهــذا يصعــب عيل‪،‬‬ ‫وألنــه منــوذج مطلــوب للخدمــات واملرافــق ذلــك أن الدولــة‬ ‫هــو أن الوقــف ال يبــاع وال يوهــب وال يــورث اســتناداً إىل مــا‬
‫لذلــك فقــد تركــت ذلــك للســيد فــان»‪ ،‬فســألت‪« :‬وملــاذا ال‬ ‫مل يكــن وجيــب أال يكــون لدهيــا املــال لإلنفــاق عــى هــذه‬ ‫رواه عبــد اللــه بــن عمــر حيــث قــال‪ :‬قــال رســول اللــه صــى‬
‫يقــوم الســيد فــان بذلــك؟»‪ ،‬فأجــاب‪« :‬أنــت ال تعــي املســألة‪،‬‬ ‫املرافــق (كــا هــو موضــح يف كتــاب «قــص احلــق»‪ ،‬فقــد‬ ‫اللــه عليــه وســلم لعمــر عندمــا أصــاب أرضــاً بخيــر‪« :‬إن‬
‫‪62.2‬‬ ‫فهــذا وقــف‪ ،‬فالســيد فــان يؤجــر بعــض الطوابــق للمطــوف‪،‬‬ ‫وضعتــه الرشيعــة بطريقــة حتفــظ اهنيــاره املحتمــل بطبيعــة‬ ‫شــئت حبســت أصلهــا وتصدقــت هبــا غــر أنــه ال يبــاع أصلهــا‬
‫والــذي بــدوره يؤجــر الغــرف للحجــاج وعليــه صيانتــه»‪ .‬ويف‬ ‫تكوينــه‪ .‬فالذيــن درســوا األوقــاف يعــزون ســوء حــال الوقــف‬ ‫وال يبتــاع وال يوهــب وال يــورث»‪ 154.‬أي أن امللكيــة مقيــدة أو‬
‫صيــف عــام ‪1983‬م ذهبــت مــع أخــي لنأخــذ مــن الســيد فــان‬ ‫ألســباب منهــا‪ :‬ضغــط املســتفيدين مــن الوقــف كورثــة الواقف‬ ‫جممــدة‪ .‬أمــا الســيطرة فهــي بيــد مــن يديــر الوقــف كاملتــويل أو‬
‫مــا بقــي جلــدي مــن كــراء تلــك الســنة‪ .‬وكان هــذا يف العــر‬ ‫للحصــول عــى دخــل أكــر‪ ،‬ومنهــا دور الناظــر الــذي مل يكــن‬ ‫الناظــر‪ ،‬وهــو ليــس باملالــك وال باملســتخدم‪ .‬ومــن هــذا نخلــص‬
‫األواخــر مــن رمضــان‪ .‬ووجــدت أن الســيد فــان قــد أجــر‬ ‫لــه اهتــام كبــر بالوقــف‪ ،‬ومنهــا تقييــد ملكيــة الوقــف‪ .‬فقلــة‬ ‫إىل أن ثــاث فــرق تشــرك يف الوقــف‪ ،‬أو فريقــان مــع جتميــد‬
‫مخس ـاً وثالثــن غرفــة ملعتمريــن مــن املغــرب بســعر يــراوح‬ ‫االهتــام لعــدم وجــود احلوافــز الدنيويــة لــدى املســتفيدين‬ ‫امللكيــة‪.‬‬
‫مــا بــن مثانيــة إىل عــرة آالف ريــال لــكل غرفــة لفــرة العــر‬ ‫مــن الوقــف ومــن يصونونــه باإلضافــة إىل التنــازع بينهــم أدى‬
‫األواخــر مــن رمضــان؛ وكل غرفــة تؤجــر ملــا بــن ثالثــة إىل‬ ‫ولكــن مــا هــي نتائــج اشــراك الفــرق الثالثــة يف العــن؟‬
‫إىل هــذا االهنيــار‪155.‬‬
‫مخســة معتمريــن‪ .‬وكان الســيد فــان قــد اســتأجر الغرفــة‬ ‫باختصــار‪ :‬إن حالــة العــن إذا مــا ُو ِقفــت آلــت إىل وضــع‬
‫مــن جــدي بثالثــة أالف ريــال يف الســنة عــى أن يقــوم هــو‬ ‫وإذا نظرنــا إىل ســوء حــال الوقــف باســتخدام النــاذج‬ ‫يسء يف أكــر احلــاالت ألســباب كثــرة مــن أمههــا مــرور‬
‫بصيانــة املبــى وتوصيــل املــاء ومــا إىل ذلــك مــن متطلبــات‪.‬‬ ‫اإلذعانيــة‪ ،‬نجــد أن العــن املوقوفــة قــد مزقــت بــن الفــرق‬ ‫الزمــن واختــاف الفــرق‪ .‬فالعقــارات املوقوفــة كــرت عــر‬
‫الصـورة ‪ 60.2‬هي ألحد األوقـاف يف مكـة املكـرمة‪ ،‬وقـد تم إعـادة‬ ‫وعندمــا طالبنــاه مبــا بقــي مــن اإلجيــار‪ ،‬قــال بأنــه قــد رصف‬ ‫املشــركة فيــه‪ ،‬كأي عنرص يف اإلذعاين املشــتت‪ 156.‬فاملســتخدم‬ ‫الزمــن وتراكمــت احتياجاهتــا للصيانــة دون مــا إدارة فعالــة‬
‫املسوول عن‬
‫ٔ‬ ‫طالئه من اخلـارج بأمـر من وزارة احلج ال رغبـة من‬
‫املبلــغ يف تبليــط حوائــط دورات امليــاه وطــاء املبــى مــن‬ ‫غالبـاً مــا كان فقــر ًا ومل يســتثمر يف صيانــة الوقــف؛ وحتــى إن‬ ‫مؤديــة بذلــك إىل الرشــوة يف مجيــع املســتويات‪ .‬فقــد تداعــت‬
‫املسوول طالءه بأقل جودة ممكنـة من الـدهـان‬‫ٔ‬ ‫املبىن‪ ،‬وقد حاول‬
‫اخلــارج والداخــل وذلــك ألن منــدوب وزارة احلــج واألوقــاف‬ ‫كان متمكنــاً فلــاذا يصــون يشء ال ميلكــه إذا مل يتــق اللــه؟‬ ‫وتدهــورت أحــوال األعيــان املوقوفــة ألن املســؤولني عــن‬
‫وبـأعىل سعـر ممكـن بحثـاً عن الـربح‪ .‬والصورة ‪ 61.2‬للمبىن من‬
‫الداخل‪ ،‬الحظ اإلمهال يف وضع األمتعـة‪ .‬والصـورة الثـالثـة (‪)62.2‬‬ ‫قــد أمرهــم بذلــك‪ .‬وعندمــا قارنــت مــا طلبــه املنــدوب مبــا قــام‬ ‫هــذا إذا مل يــيء اســتخدام الوقــف كــا قــد حيــدث‪ .‬أمــا‬ ‫صيانتهــا مل يقومــوا بواجبهــم خــر قيــام‪ .‬وأفضــل شــاهد عــى‬
‫لسـقف أحد املـمرات‪ .‬الحظ التشققـات‪ ،‬فبقليل من الصيـانة‬ ‫بــه الســيد فــان وجــدت أنــه قــد بلــط حوائــط دورات ميــاه‬ ‫الناظــر‪ ،‬فلــاذا هيتــم بــيء ال ميلكــه وال يســتفيد منــه اســتفادة‬ ‫الــراع بــن الفــرق املشــركة يف الوقــف ومــا نتــج عنــه مــن‬
‫يصبح هـذا املبىن يف حال أفضل‪ .‬فربغم أن الواقف حاول إنشاء مبىن‬
‫الــدور األريض وطــاء املبــى مــن اخلــارج فقــط ! ومــع ذلــك‬ ‫دنيويــة بصيانتــه إذا مل يتــق اللــه؟ هــذا إذا مل يغــن مــن الوقــف‬ ‫ســوء أحوالــه كــرة الوثائــق والنــوازل والفتــاوى التــي تعــج هبــا‬
‫متقن‪ ،‬لكن مع الزمن بدأ يتدهور بسبب اإلمهال‪.‬‬
‫فلــم يقــدم لنــا إال فاتــورة واحــدة بأربعــة أالف ريــال ! ‪158‬‬ ‫مدعي ـاً أنــه رصف بعــض املــال عــى صيانتــه‪.‬‬ ‫وزارات األوقــاف‪ .‬وهنــا ملحوظــة مهمــة‪ ،‬أال وهــي أن األوقــاف‬
‫ليســت دامئــا ســيئة‪ ،‬بــل إن اختلفــت وتنازعــت الفــرق‪ ،‬وهــو‬

‫‪107‬‬ ‫‪106‬‬
‫الرشعيــة عــى مــا رشط الواقــف»‪ .‬أي أن للناظــر حريــة يف‬ ‫املــدة الســابقة التــي شــغلوا فيهــا تلــك األوقــاف‪ ،‬ومــا حــدث‬ ‫عــن مســجد بإزائــه دار حمبســة خربــت وصــارت تلقــى فيهــا‬ ‫إن تضــارب املصالــح تتضــح يف هــذا املبــى‪ :‬فلــم يقــم‬
‫التــرف ضمــن رشوط الواقــف إذا كانــت معتــرة رشعـاً‪ .‬فلــه‬ ‫هــذا إال بإمهــال النظــار‪162.‬‬ ‫األزبــال (الصــور ‪ 63،2‬إىل ‪ ،)66،2‬فاحتســب مــن رفــع إىل‬ ‫املعتمــرون بصيانتــه ألهنــم يقطنونــه مؤقتــا‪ ،‬وكذلــك الســاكنون‬
‫أن يزيــد أو ينقــص مــن مرتبــات العاملــن ويوظــف ويفصــل‬ ‫القــايض أن ذلــك يــر بحيطــان املســجد‪ ،‬ورغــب يف توطيتهــا‬ ‫مــن كبــار الســن لعلمهــم بأهنــم مؤقتــون يف ســكناهم أو لعــدم‬
‫ولكــن ملــاذا هيمــل املتولــون الوقــف؟ لإلجابــة عــى ذلــك‬
‫مــن أراد‪ .‬ولــه أن يتــرف يف أرض الوقــف كأن يزرعهــا أو‬ ‫وبنــاء حائــط عليهــا‪ ،‬وجيعــل صحنـاً بجمــع مــا فيهــا يف ماجلهــا‬ ‫امتالكهــم للوقــف؛ أمــا الناظــر فــكان غائبــاً ملرضــه وكــر‬
‫البــد مــن إعطــاء فكــرة رسيعــة عــن دور الناظــر أو املتــويل‪.‬‬
‫يؤجرهــا باســتثناء الرهــن‪ .‬أي أن هنــاك فرصــة كبــرة للناظــر‬ ‫(املاجــل هــو مــكان مجــع مــاء املطــر) ويــرف مثنــه يف منافــع‬ ‫ســنه؛ وأمــا مــن ينــوب عنــه فقــد حــاول االســتفادة ماليــا مــن‬
‫فالواليــة عــى الوقــف كــا يقــول الشــيخ أمحــد إبراهيــم‪ :‬هــي‬
‫ليســتغل الوقــف لنفســه عــى حســاب املســتفيدين مــن الوقــف‬ ‫املســجد‪ .‬فأجــاب‪ :‬هلــم ذلــك ‪161.»...‬‬ ‫ريــع املبــى وذلــك بالقيــام بأقــل مــا ميكــن مــن صيانــة‪ .‬وبرغــم‬
‫«القيــام مبصاحلــه واالعتنــاء بأمــوره مــن إجــارة مســتغالته‬
‫إن مل يتــق اللــه‪ .‬ومــن ناحيــة أخــرى‪ ،‬فــإن دخــل الناظــر‬ ‫حماولــة الواقــف بنــاء مبــى جيــد لكســب األجــر مــن اللــه عــز‬
‫وحتصيــل أجــوره وغالتــه ورصف مــا اجتمــع منهــا يف مصارفــه‬ ‫أمــا عــدم اهتــام النظــار باألوقــاف فواضــح ممــا قــام بــه‬
‫حمــدد مــن الوقــف‪ .‬فالظاهــر هــو أن للناظــر أجــرة معينــة يف‬ ‫وجــل‪ ،‬إال أن حــال املبــى يف تدهــور مســتمر ألن مســؤولية‬
‫الســلطان اململــويك تنكــز عــام ‪ 727‬بعــد مراجعتــه لألوقــاف‪.‬‬
‫الشــهر أو الســنة مقابــل مــا يقــوم بــه‪ ،‬أو مقــدار نســبي ممــا‬ ‫‪65.2‬‬ ‫صيانتــه مشــتتة‪ .‬وباملثــل يف األوقــاف املشــاهبة‪ :‬فيمكــن القــول‬
‫فقــد تبــن لــه أن هنــاك الكثرييــن ممــن يســكنون بطريقــة‬
‫ُي ّصلــه مــن غالتــه كالعــر إذا اشــرط الواقــف ذلــك‪ .‬ففــي‬ ‫أن امللكيــة مقيــدة‪ ،‬والناظــر قــد جتذبــه املطامــع الدنيويــة‬
‫غــر مرشوعــة يف املــدارس املوقوفــة يف دمشــق ويســتخدموهنا‬
‫هــذه احلــاالت يكــون الســؤال‪ :‬أال يقــوم الناظــر باالختــاس‬ ‫عــن طلــب األجــر‪ ،‬أمــا املســتخدم فيســتهلك فقــط ودومنــا أي‬
‫كمخــازن جتاريــة‪ ،‬فأخرجهــم منهــا وأجربهــم عــى دفــع إجيــار‬
‫مــن الوقــف عــى حســاب صيانتــه إن مل يتــق اللــه؟ ولكــن‬ ‫صيانــة إن عدمــت التقــوى‪ .‬فــا غرابــة إذا مــا تدهــور حــال‬
‫أال حياســب الناظــر؟ ومــن الــذي يقــوم بذلــك؟ يلخــص أمحــد‬ ‫‪63.2‬‬ ‫الوقــف مــع الزمــن‪ .‬أي أن الفــرق الثالثــة قــد ال تلتقــي يف‬
‫ال معروفـاً‬‫إبراهيــم هــذه املســألة فيقــول‪« :‬إن كان الناظــر عــد ً‬ ‫املصلحــة‪.‬‬
‫باألمانــة اكتفــى منــه القــايض بتقديــم احلســاب اإلمجــايل إذا‬
‫وهــذا نفــس مــا حــدث لبعــض األرايض الزراعيــة املوقوفة‬
‫تعــذر عليــه بيــان جهــات الــرف واإلنفــاق بالتفصيــل‪ .‬ثــم إن‬
‫ا‪ .‬يقــول أحــد الدارســن‪« :‬األرض الزراعيــة‬ ‫يف اهلنــد مثــ ً‬
‫ادعــى إعطاءهــا للمســتحقني ومل يصدقــوه فالقــول لــه بيمينــه‬
‫تتدهــور عــر الزمــن‪ ،‬فــا هيتــم أحــد بحفظهــا بحــال جيــدة‪،‬‬
‫‪ ...‬وإن كان الناظــر مته ـاً فــا يكتفــي القــايض منــه بتقديــم‬
‫الغلــة تقــل وتقــل‪ ... ،‬فقــد ُعرضــت حــاالت ســوء إدارة‬
‫احلســاب اإلمجــايل بــل جيــره عــى التفصيــل‪ ،‬لكــن ال حيبســه؛‬
‫األوقــاف يف اهلنــد وكذلــك إمهــال املتولــن (النظــار) واهنيــار‬
‫فــإن مل يبــن اكتفــى منــه باليمــن‪ ،‬هكــذا قالــوا‪ .‬وإن ادعــى‬
‫عقــارات األوقــاف عــى املحاكــم مــراراً‪ .‬وباعتبــار كل هــذه‬
‫هــذا الناظــر رصف الغلــة للمســتحقني أو ألربــاب الوظائف ومل‬
‫األمــور ميكــن القــول بــكل حــال مــن األحــوال بــأن األوقــاف‬
‫يصدقــوه فــا يقبــل قولــه إال بالبينــة عــى مــا اســتقر عليــه الرأي‬ ‫إن يف بعض النوازل الفقهية إشارة لسوء حال املباين نتيجة‬
‫بجملتهــا مــا هــي إال مأســاة لألمــة»‪159.‬‬
‫إلمهال الفرق املـسيطرة‪ .‬والصور ‪ 63.2‬إىل ‪ 66.2‬أمثلة عىل‬
‫أخــراً‪ ،‬وياليــت احلكــم يف ذلــك يعــم كل ناظــر لتغيــر أحــوال‬
‫ذلك عموماً وليس بالرضورة يف األوقاف‪ .‬فرتى يف الـصــورة‬
‫النــاس‪ ،‬فــا يعتــر قــول أي ناظــر إال بالبينــة ‪ .»...‬ومــن هــذا‬ ‫وهنــاك الكثــر مــن النــوازل التــي تشــر إىل مــدى‬
‫‪ 63.2‬من تـازة‪ ،‬والـصـورة ‪ 64.2‬مـن القـاهـرة يف الصفحة‬
‫القــول تتضــح لنــا مــدى صعوبــة إثبــات التهمــة عــى الناظــر‪.‬‬ ‫السابقة‪ ،‬والصـورة ‪ 65.2‬مـن فيقـيق رشقي املغــرب تــداعـي‬ ‫اســتهالكية الفريــق املســتخدم دومنــا صيانــة مالمئــة‪ ،‬وأذكــر‬
‫فمهنــا حاولــت املجتمعــات مــن اثبــات رسقــة الناظــر مثــا‪،‬‬ ‫حــوائط املـبــاين‪ .‬أمــا الـصــورة ‪ 66.2‬من الـطائف‪ ،‬فهي‬ ‫‪64.2‬‬ ‫منهــا هــذه الفتــوى‪« :‬ســئل الفقيــه ســيدي عيــى بــن عــال‬
‫منظـر مألوف يف كل املـدن املعارصة يف العامل اإلسالمي وهي‬ ‫(وكان إمام ـاً بجامــع القرويــن وقاضي ـاً بفــاس‪ ،‬ت ‪ )823‬رمحــه‬
‫فاملخــارج للناظــر املتالعــب كثــرة ألنــه يعــرف كل مداخــل‬ ‫حتول األرض التي هيملها صاحبها إىل جممع لنفايات اجلريان‪.‬‬
‫الوقــف التــي ال حييــط هبــا موظفــوا جهــات الوقــف‪ ،‬وهــذا‬ ‫اللــه عــن دار حبســت عــى مــؤذن يــؤذن يف الثلــث األخــر‬
‫بالطبــع لــن يقــع مــن املالــك لعقــاره‪ .‬ولكــن أال يعــزل الناظــر‬ ‫‪66.2‬‬ ‫مــن الليــل حــن ينــام املؤذّنــون‪ ،‬وأخــرى حمبســة عــى مــن‬
‫ا أو غــر أمــن؟ وهــذه أيضــاً مســألة صعبــة‪،‬‬ ‫إذا كان مهمــ ً‬ ‫يكنــس مبســجد آخــر ويغلــق ويفتــح‪ ،‬ثــم إن املحبــس عليهــا‬
‫فليــس للقــايض أن ُيعــزل الناظــر الــذي ُويل مــن قبــل الواقــف‬ ‫املذكوريــن مل يــزاال يســتغال الداريــن املذكورتــن حتــى‬
‫إال إذا ثبــت بالطريــق الرشعــي مــا يوجــب عزلــه‪163.‬‬ ‫هتدمتــا هتدمـاً فاحشـاً حمتاجـاً إلصــاح كثــر‪ ،‬فانظــروا ســيدي‬
‫عــى مــن هــو اإلصــاح‪ ،‬هــل مــن احلبــس؟ أعــي مــن حبــس‬
‫ومــن األســباب التــي ســاعدت عــى إمهــال الوقــف هــو‬
‫كل مســجد أم يلــزم املؤذنــن بنــاء ذلــك مــن ماهلــا؟ لكوهنــا‬
‫حتديــد الواقــف للمســتفيدين مــن الوقــف بجهــة متزايــدة يف‬
‫تســ ّببا يف هــدم ذلــك‪ ،‬وبطلــت نيــة املحبــس الــذي حبــس‬
‫عددهــا‪ ،‬كأن يكــون ريــع الوقــف خمصــص للورثــة مــن األبنــاء‬
‫ذلــك‪ ،‬ولــكل واحــد مــن املؤذنــن مــدة مــن أربــع وعرشيــن‬
‫وأبنــاء األبنــاء‪ 164.‬ففــي هــذه احلالــة‪ ،‬فــإن عــدد املســتفيدين‬
‫ســنة‪ ،‬بينــوا لنــا‪ .‬فأجــاب‪ :‬املؤذنــان أوىل بإصــاح الــذي‬
‫ا بعــد جيــل مــا يــؤدي إىل نقصــان نصيــب كل فــرد‬
‫ســيزداد جيـ ً‬ ‫هتــدم مــن الــدور ‪ 160.»...‬ويف نازلــة أخــرى «ســئل الربجيــي‬

‫‪109‬‬ ‫‪108‬‬
‫‪67.2‬‬ ‫مــن ناظــر الوقــف وقــد يتقاعــس عــن ذلــك‪ .‬وكــا ذكــرت يف‬ ‫ذلــك أم ال؟ فأجــاب‪ :‬أمــا توســيع املســجد بإدخــال املواضــع‬ ‫منهــم وبالتــايل إىل عــدم اهتاممهــم مبــا جيــري للوقــف ومتابعــة‬
‫املقدمــة يف ظاهــرة النمــو والتغـ ّـر‪ ،‬فــإن البيئــة تتغــر‪ ،‬وكذلــك‬ ‫احلبســة فيــه فجائــز‪ ،‬وال يفتقــر يف ذلــك إىل تعويــض عــن‬ ‫الناظــر‪ ،‬وهــذا ســيؤدي إىل اهنيــاره‪ .‬ومبســألة حســابية بســيطة‬
‫الظــروف املحيطــة بالعــن املوقوفــة تتغــر؛ وهــذا يعــي احلاجة‬ ‫احلبــس‪ ،‬إال أن يكــون احلبــس عــى قــوم معينــن‪ ،‬فــا يؤخــذ‬ ‫ميكــن اســتنتاج ذلــك‪ :‬فــإذا كان للواقــف ابنــان وخلّــف كل‬
‫املســتمرة الختــاذ القــرارات التــي تالئــم هــذه التغــرات البيئيــة‪،‬‬ ‫منهــم إال بالثمــن‪ ،‬وإمنــا اختلفــوا يف غــر اجلامــع‪ ،‬فأكــر‬ ‫ابــن منهــم ابنــن وهكــذا‪ ،‬وإذا كان الوقــف مقصــوراً عــى‬
‫والتــي ســتحتاج للفتــاوى باســتمرار ال ســيام إذا مــا أخذنــا يف‬ ‫املتأخريــن عــى جــوازه كاملســجد اجلامــع ســواء‪ ،‬وخالــف يف‬ ‫الذكــورة مــن األحفــاد‪ ،‬ففــي خــال مخســة أجيــال قــد يصــل‬
‫االعتبــار أن الوقــف عــن أزليــة يف ُحكْمهــا وعمرها‪ ،‬فــا بد وأن‬ ‫ذلــك أبــو عبــد اللــه بــن عــات وابــن العــايص‪ ،‬قــاال‪ :‬ال يصــح‬ ‫عــدد املســتفيدين األحيــاء إىل أكــر مــن مثانيــة وأربعــن فــرد ًا‪،‬‬
‫يــأيت يــوم ألي عــن موقفــة وحتتــاج فيــه للتغيــر خــال مئــات‬ ‫أن يؤخــذ احلبــس إال للمســجد اجلامــع خاصــة إذا ضــاق»‪167.‬‬ ‫علـاً أن هــذا الرقــم قــد يتضاعــف مــع كل جيــل‪ .‬لقــد ذكــر يل‬
‫الســنني مــن عمرهــا‪ .‬ويف هــذه احلــاالت فــإن تقييــد تــرف‬ ‫وبالطبــع فــإن هــذا الــردد ســيؤدي إىل تقييــد حريــة الناظــر‪.‬‬ ‫أحــد التالميــذ أن نصيبــه مــن أوقــاف هلــم يف مكــة املكرمــة مل‬
‫الناظــر مــن خــال الفتــاوي قــد يؤثــر عــى حــال الوقــف‪.‬‬ ‫ال ســعودياً يف الســنة املاضيــة‪ ،‬وذلــك‬‫يتجــاوز ســتة عــر ريــا ً‬
‫أمــا يف األحــوال التــي يكــون فيهــا الــرر واضح ـاً فقــد‬
‫لكــرة املســتفيدين مــن الوقــف‪.‬‬
‫‪68.2‬‬ ‫وقــد تســألون‪ :‬ولكــن تقييــد حريــة الناظــر رضورة‬ ‫أفتــى الفقهــاء بجــواز أو حتــى رضورة التــرف يف الوقــف‪.‬‬
‫أحيانــاً ملصلحــة املســتفيدين واملســتخدمني للوقــف؛ فقــد‬ ‫فلقــد ســئل الفقيــه مــوىس العبــدويس «عــن ميضــات (أماكــن‬ ‫أمــا إذا كان املســتفيدون مــن الوقــف هــم جهــة ثابتــة‬
‫يتــرف الناظــر بطريقــة يســتفيد هــو فيهــا مــن الوقــف عــى‬ ‫الوضــوء) بنيــت حــول املســجد اجلامــع‪ ،‬ومل يزل اإلمهــال يكرث‬ ‫كعمــوم املســلمني أو الفقــراء أو حمــددة حتديــدا دقيقــاً جــداً‬
‫حســاب املوقــوف عليهــم كالفقــراء‪ ،‬لذلــك جيــب مراقبتــه؟‬ ‫فيهــا حتــى تــرك الوضــوء بــه لضيقه وكــرة ظلمتــه‪ ،‬وصــار مجلة‬ ‫(كالوقــف الــذي خصــص دخلــه ملــن يقــوم عــى الدابــة‬
‫أقــول‪ :‬هــذا صحيــح؛ ولكــن هــذه املراقبــة املســتمرة للمتولــن‬ ‫النــاس يتغوطــون فيــه‪ ،‬فينجــس بذلــك املــاء اجلــاري فيــه لبــاب‬ ‫ا)‪ 165،‬فــإن‬‫التــي تنقــل رئيــس اجلامــع األزهــر بالقاهــرة مثــ ً‬
‫أو النظــار شــبه مســتحيلة عــى املجتمــع‪ ،‬وذلــك ألن الناظــر‬ ‫احلفــاة يف غالــب األمــر‪ ،‬وتتطــرق النجاســة إىل مســجد اجلامــع‬ ‫الــذي ســيؤثر عــى حــال الوقــف هــو دور الناظــر (الفريــق‬
‫دائــم الوجــود بجانــب العــن املوقوفــة وليــس كاملجتمــع بعيــد‬ ‫صح ِنــه ليصــي‬
‫بســبب ذلــك‪ ،‬وتــؤذي رائحتــه مــن جيلــس يف ْ‬ ‫املســيطر)‪ ،‬وذلــك ألن أي تغيري أســايس ســيحتاجه الوقــف وأراد‬
‫عنهــا‪ ،‬فالناظــر هــو املتمكــن‪ ،‬وبالتــايل فهنــاك أحــد ثالثــة‬ ‫فيــه يــوم اجلمعــة‪ ،‬أو يف أيــام احلــر‪ ،‬وآل أمــره إىل أن أغلــق‬ ‫الناظــر القيــام بــه وكان خارجــاً عــن الــروط التــي وضعهــا‬
‫احتــاالت‪ :‬األول هــو أن النــر حليــف الناظــر لعــدم متكــن‬ ‫‪ ...‬فهــل يســوغ تغيــره حوانيــت تلحــق بأحبــاس املســجد‬ ‫الواقــف ســتحتاج إىل فتــوى رشعيــة‪ .‬والفتــوى هنــا معناهــا‬
‫املجتمــع مــن مراقبتــه الدامئــة والســيطرة عليــه؛ الثــاين هــو‬ ‫اجلامــع‪ ،‬وينتفــع بخراجهــا‪ ،‬وال خيــرج املوضــع املذكــور عــن‬ ‫تقييــد حركــة الفريــق املســيطر أو الناظــر‪ ،‬وهــذه قــد تــؤدي‬
‫اعتـمدت املديـنة التقليـدية عىل األوقـاف يف أكرث مـرافقها من‬ ‫ازديــاد الشــد بــن الناظــر واملجتمــع عــى حســاب الوقــف‬ ‫معــى التحبيــس عــن اجلامــع املذكــور مــع احتياجــه لذلــك‬ ‫إىل تأخــر عمليــة التغيــر وبالتــايل إىل ضعــف حــال الوقــف‪.‬‬
‫مدارس ومصحـات ومكتبات وقناطـر و‪ ...‬و‪ ....‬فالرسمة ‪67.2‬‬ ‫وبالتــايل ســوء حالــه؛ الثالــث هــو إرهــاق املجتمــع باملراقبــة‬ ‫‪ ...‬فأجــاب‪ ... :‬أن بنيــان احلوانيــت يف املوضــع الــذي ذكرتــم‬ ‫ا‪ ،‬يف نازلــة «ســئل الشــيخ الفقيــه اإلمــام أبــو القاســم‬ ‫فمثــ ً‬
‫تـرينـا قـنطـرة (جـرس ذا عقـود) خـارج مـدينـة بـورصـة‪،‬‬
‫املســتمرة والتــي تتطلــب الكثــر مــن املــال واملجهــود‪ ،‬إال إذا‬ ‫جائــز‪ ،‬بــل هــو مــن قبيــل املنــدوب املحتســب وإزاحــة الرضر‬ ‫التازغــدري رمحــه اللــه عــن مســألة تعويــض دار ابــن بشــر‬
‫والــرسمـة ‪ 68.2‬تــرينـا عىل يـمني الــرسمـة سـبيل مـاء يف‬
‫كانــت هنــاك مراقبــة ذاتيــة مســتمرة كمخافــة الناظــر مــن‬ ‫والنــن مــن املوضــع املذكــور واجــب ‪168.»...‬‬ ‫اخلربــة بــدرب ابــن حيــون مــن فــاس املحبســة عــى جامــع‬
‫الطـريق خارج مـدينـة بورصـة أيضـاً برتكيـا أيام اخلالفة‬
‫العثامنية (الرسمتان للرسام ألوم)‪ .‬وهنا مسألة مهمة جدا‪ ،‬أال‬ ‫اللــه عــز وجــل‪ .‬ويف هــذه احلالــة األخــرة‪ ،‬فــإن الوقــف نعمــة‬ ‫القرويــن‪ .‬فأجــاب بــأن قــال‪ :‬بيــع الــدار املذكــورة وتعويضهــا‬
‫مــن هــذه النــوازل نالحــظ مســألة وهــي أنــه ال بــد مــن‬
‫وهي كيف جتعل الرشيعة مسألة املرافق يف وضع إذعاين مشتت؟‬ ‫عــى املســلمني‪ .‬أي أن الوقــف مل يكــن دامئــاً يف حــال يسء‪.‬‬ ‫ال يصــح ألمــور ثالثــة‪ :‬أحدهــا أن بيــع احلبــس وتعويضــه‬
‫واإلجابة هي أن طبيعة بعض اخلدمات تتطلب هذا التداخل بني‬ ‫إثبــات الــرر الناجــم عــن وضــع الوقــف احلــايل حتــى يتمكــن‬
‫فالتاريــخ يذكــر لنــا أن أكــر املســاجد واملــدارس واملصحــات‬ ‫بغــره عنــد مــن أجــازه‪ ،‬إمنــا هــو إذا انقطعــت منفعتــه مجلــة‪،‬‬
‫الفرق املسيطرة واملستخدمة‪ ،‬فال مفر أحيانا من هذا التداخل إال‬ ‫الناظــر مــن التــرف‪ .‬ففــي نازلــة ســئل «ســيدي أبــو عبــد اللــه‬
‫إن كانت النظام رأسامليا بحيث أن مجيع املرافق واخلدمات تكون‬ ‫واملكتبــات واخلانــات واألربطــة والقناطــر وأســوار املــدن‬ ‫وهــذه الــدار مل تنقطــع منفعتهــا‪ ،‬ألنــه ممــا ميكــن كراؤهــا عــى‬
‫احلفــار مــن أعــام حــارضة غرناطــة عــن فــدان حبــس عــى‬
‫سلعا‪ ،‬مثل أن يكون التعليم سلعة فيحرم منه الفقراء‪ ،‬ويكون‬ ‫وجــدت عــن طريــق األوقــاف (الصورتــان ‪ 67.2‬و ‪ .)68.2‬فلــم‬ ‫مــا هــي عليــه ملــن ينتفــع هبــا مــن احــراز مــا ميكــن احــرازه‬
‫مــرف مــن مصــارف الــر ال منفعــة فيــه‪ ،‬هــل يبــاع ويشــرى‬
‫التطبيب سلعة‪ ،‬وهكذا‪ ،‬هنا كانت حكمة الرشيعة بجعل هذه‬ ‫تكــن هنــاك وزارات للتعليــم والصحــة واملواصــات يف الــدول‬ ‫هبــا ‪ 166.»...‬أي أن الفتــوى يف هــذه النازلــة قــد قيــدت حريــة‬
‫املرافق كأوقاف ولكن باستقاللية عالية ودومنا بريوقراطية تشبه‬ ‫بثمنــه مــا يكــون بــه منفعــة؟ فأجــاب‪ :‬إذا كان الفــدان الــذي‬
‫اإلســامية األوىل مبفهومهــا احلــايل وتتــوىل مســؤولية التدريــس‬ ‫الناظــر‪ .‬فقــد تكــون املنطقــة التــي هبــا الــدار قــد حتولــت‬
‫بريوقراطيات احلكومات ما يؤدي لتنمية جمتمعية أفضل كام هو‬ ‫حبــس ال منفعــة فيــه فإنــه جيــوز أن يبــاع ويشــرى بثمنــه فدان‬
‫موضح يف النص‪.‬‬ ‫وبنــاء املستشــفيات وصيانــة املســاجد وتعبيــد الطــرق‪ .‬بينــا‬ ‫تدرجييــا ملنطقــة صناعيــة مــا يتطلــب بيعهــا لصعوبــة الســكىن‬
‫آخــر بحبــس‪ ،‬وتــرف غلتــه يف املــرف الــذي حبــس عليــه‬
‫ازدهــرت العصــور األوىل مــن اإلســام هبــذه اخلدمــات‪ .‬فلقــد‬ ‫فيهــا إال بأجــر منخفــض‪.‬‬
‫األول عــى مــا أفتــى بــه كثــر مــن العلــاء يف هــذا النــوع‪ ،‬فقــد‬
‫إىل مدرســيهم مــع ســكناهم وتغذيتهــم‪ 170.‬فلــاذا إذ ًا حــال‬ ‫ا بتأمــن الطريــق‬ ‫قامــت زبيــدة زوجــة هــارون الرشــيد مث ـ ً‬ ‫أفتــى ابــن رشــد (ت ‪ )450‬رمحــه اللــه يف أرض حمبســة عدمــت‬ ‫ويف بعــض األحــوال التــي يكــون الصالــح العــام فيهــا‬
‫األوقــاف يف هــذا التناقــض؟ اإلجابــة هــي يف خمافــة اللــه‪.‬‬ ‫بــن بغــداد ومكــة مــع كل مســتلزماته‪ .‬وكان هنــاك أكــر مــن‬
‫منفعتهــا بســبب رض جــران أن تبــاع‪ ،‬ويعــاوض بثمنهــا مــا فيــه‬ ‫واضحـاً‪ ،‬كان هنــاك نــوع مــن الــردد يف فتــاوي الفقهــاء‪ .‬ففــي‬
‫وللتوضيــح البــد لنــا مــن توضيــح أصــل الوقــف ورشوطــه‪.‬‬ ‫ثالمثائــة مدرســة ابتدائيــة يف القاهــرة عندمــا احتلهــا الفرنســيون‬
‫منفعــة عــى مــا قالــه مجاعــة مــن العلــاء يف الربــع املحبــس إذا‬ ‫نازلــة ســئل فقيــه «عــن حبــس ملســجد بــإزاء مســجد ع ّينــه‬
‫هنــاك نــوع مــن اخللــط بــن الوقــف والصدقــة‪ ،‬فكثــر‬ ‫يف هنايــة القــرن الثامــن عــر امليــادي؛ وكانــت إحــدى هــذه‬
‫خــرب‪ ،‬ويكــون ذلــك بحكــم القــايض بعــد أن يثبــت فيــه أنــه‬ ‫صاحبــه لكــون فائــده يــرف يف املســجد يف البنــاء وغــره‬
‫مــن كتــب الفقــه تــدرج الوقــف والعطايــا أو الوقــف والصدقــة‬ ‫املــدارس تســع أربعامئــة طالبــاً وأربعامئــة طالبــة‪ ،‬باإلضافــة‬
‫ال منفعــة فيــه»‪ 169.‬ومراحــل اإلثبــات هــذه تتطلــب جهــوداً‬ ‫ولإلمــام‪ ،‬هــل جيــوز إدخالــه يف توســيع املســجد إذا أراد أهلــه‬

‫‪111‬‬ ‫‪110‬‬
‫معنــاه أن هــذه األوقــاف ليســت يف اإلذعــاين املشــتت‪ ،‬وذلك ألن‬ ‫هــي أحــد املراجــع املهمــة يف اســتقاء أحــكام الوقــف‪ .‬فريجــع‬ ‫اللــه بــن هليعــة أن الرســول صــى اللــه عليــه وســلم قــال بعــد‬ ‫يف بــاب واحــد‪ .‬فلقــد ســمعت وقــرأت للكثــر مــن املتحدثــن‬
‫فريقــن يشــركان يف العــن‪ ،‬فهــي يف اإلذعــاين الرتخيــي‪182.‬‬ ‫الشــوكاين إليهــا فيقــول‪(« :‬قولــه أن يــأكل منهــا باملعــروف) ‪...‬‬ ‫مــا فرضــت الفرائــض يف ســورة النســاء‪« :‬ال حبــس (أي وقــف)‬ ‫والكتــاب الذيــن يســتخدمون األحاديــث واآليــات التــي حتــث‬
‫أمــا يف احلالــة التــي ال خيــاف فيهــا الناظــر اللــه يف ترصفاتــه‪،‬‬ ‫قــال القرطبــي جــرت العــادة أن العامــل يــأكل مــن مثــرة الوقــف‬ ‫بعــد ســورة النســاء»‪ 174،‬ولقــد أخــذ أبــو حنيفــة هبــذا احلديــث‪.‬‬ ‫عــى الصدقــة لالســتدالل هبــا يف احلــث عــى الوقــف كحديــث‬
‫َ ْ َ َ ُ ْ َّ َ َّ ٰ ُ ْ ُ‬
‫فهــو بذلــك فريــق ثالــث‪ ،‬والشــد واالختــاف بــن الناظــر‬ ‫قبح ذلــك‬
‫حتــى لــو اشــرط الواقــف أن العامــل ال يــأكل الس ـ ُت َ‬ ‫يقــول الكاســاين يف البدائــع‪« :‬وأليب حنيفــة عليه الرمحــة ما روي‬ ‫ـى تن ِفقــوا‬ ‫ـر حـ‬ ‫صحيـ ُـح البخــاري‪« :‬ملّــا نزلــت‪ :‬لــن تنالــوا الـ ِ‬
‫َ‬
‫واملســتخدم مــع جتميــد امللكيــة أو إعطاءهــا لفريــق ثالــث‬ ‫منــه‪ ،‬واملــراد باملعــروف القــدر الــذي جــرت بــه العــادة‪ ،‬وقيــل‬ ‫عــن عبــد اللــه بــن عبــاس ريض اللــه عنهــا أنــه قــال ملــا نزلــت‬ ‫ت ُّبــون (آل عمــران‪ :‬األيــة ‪ -)92‬جــاء أبو طلحة إىل رســول‬ ‫َّ‬
‫ِممــا ِ‬
‫مشــاكس ســيؤدي إىل تدهــور الوقــف‪ ،‬وهــذا هــو اإلذعــاين‬ ‫القــدر الــذي يدفــع الشــهوة‪ ،‬وقيــل املــراد أن يأخــذ منــه بقــدر‬ ‫ســورة النســاء وفرضــت فيهــا الفرائــض‪ :‬قــال رســول اللــه صــى‬ ‫اللــه صــى اللــه عليــه وســلم فقــال‪ :‬يــا رســول اللــه‪ ،‬يقــول اللــه‬
‫ْ َّ َ َّ ٰ ُ ْ ُ‬ ‫َ ْ ََ ُ‬
‫املشــتت‪ .‬وهــذه النتيجــة مهمــة لنــا يف التعامــل مــع البيئــة‬ ‫ال أي‬
‫عملــه ‪( ...‬قولــه غــر متمــول) أي غــر متخــذ منهــا مــا ً‬ ‫اللــه عليــه وســلم‪ :‬ال حبــس عــن فرائــض اللــه تعــاىل‪ .‬أي ال مال‬ ‫ـى تن ِفقــوا ِم َّمــا‬ ‫ـر حـ‬ ‫ُتبــارك وتعــاىل يف كتابــه‪ :‬لــن تنالــوا الـ ِ‬
‫َ‬
‫املعــارصة‪ .‬انظــر وصــف القــرآن هلــذه احلالــة يف قولــه تعــاىل‪:‬‬ ‫ملــكاً ‪179.»...‬‬ ‫حيبــس بعــد مــوت صاحبــه عــن القســمة بــن ورثتــه‪ ،‬والوقــف‬ ‫ت ُّبــون‪ ،‬وإن أحــب أمــوايل إيل بريحــاء‪ ،‬قــال‪ :‬وكانــت حديقــة‬ ‫ِ‬
‫ً‬ ‫ُ ََ ُ َُ َ ُ َ‬ ‫ََ ً َ ُ ً‬
‫ــون َو َر ُجــا‬ ‫س‬ ‫ك‬
‫ِ‬ ‫ا‬ ‫ش‬ ‫ت‬ ‫م‬ ‫ء‬ ‫ك‬‫ش‬ ‫ه‬
‫ِ‬ ‫يــ‬ ‫ف‬
‫ِ‬ ‫ــا‬ ‫«ض َب اهلل مثــا رج‬ ‫َ َ‬ ‫حبــس عــن فرائــض اللــه تعــاىل عــز شــأنه‪ ،‬فــكان منفيـاً رشعـاً‬ ‫كان رســول اللــه صــى اللــه عليــه وســلم يدخلهــا ويســتظل‬
‫َ‬
‫َ ْ َُْ ُ ْ َ‬ ‫َ ْ َْ َ َ ََ ً ْ‬
‫ال َ ْمـ ُ‬ ‫َســلَ ًما ل َر ُ‬ ‫ومــن مراجعــة أقــوال الفقهــاء املســتقاة مــن مثــل هــذه‬
‫ـم ل‬ ‫ـد ِل بــل أكثهـ‬ ‫ان مثــا‬‫ـل هــل يســت ِوي ِ‬
‫ٍ‬ ‫ـ‬ ‫ج‬ ‫ِ‬ ‫‪( ...‬وأمــا) أوقــاف الصحابــة ريض اللــه عنهــم فــا كان منهــا يف‬ ‫فيهــا ويــرب مــن مائهــا فهــي إىل اللــه وإىل رســوله صــى‬
‫ََُْ َ‬ ‫األوقــاف (كقــول الشــوكاين) نخــرج بنتيجتــن هامتــن ومهــا‪:‬‬
‫يعلمــون ‪ ...‬األيــة ‪ ،29‬الزمــر»‪.‬‬ ‫زمــن رســول اللــه صــى اللــه عليــه وســلم احتمــل أهنــا كانــت‬ ‫اللــه عليــه وســلم‪ ،‬أرجــو بــره وذخــره‪ ،‬فضعهــا أي رســول اللــه‬
‫أن للناظــر أن يــأكل مــن الوقــف قــدر حاجتــه‪ ،‬وأنــه مل تكــن‬
‫قبــل نــزول ســورة النســاء‪ ،‬فلــم تقــع حبسـاً عــن فرائــض اللــه‬ ‫حيــث أراك اللــه‪ ،‬فقــال رســول اللــه صــى اللــه عليــه وســلم‪ :‬بخ‬
‫هنــاك رشوط مشــددة يف الوقــف غــر الــرط الــذي يقيــد‬
‫تعــاىل‪ ،‬ومــا كان بعــد وفاتــه عليــه الصــاة والســام فاحتمــل‬ ‫يــا أبــا طلحــة‪ ،‬ذلــك مــال رابــح‪ ،‬قبلنــاه منــك ورددنــاه عليــك‪،‬‬
‫تذكري مهم‬ ‫ملكيــة الوقــف كــا رأينــا ســابقاً‪ 180.‬ولكــن الــذي حــدث هــو‬
‫أن ورثتهــم أمضوهــا باإلجــازة‪ ،‬وهــذا هــو الظاهــر وال كالم‬ ‫فاجعلــه يف األقربــن‪ :‬فتصــدق بــه أبــو طلحــة عــى ذوي رمحــه‬
‫أن بعــض الواقفــن ابتدعــوا الكثــر مــن الــروط‪ ،‬فمنهــا مــا‬
‫وأخــرا‪ ،‬ليتكــم تلتفتــون لــآيت ألمهيــة‪ ،‬فقــد وقــع لبــس‬ ‫فيــه ‪ 175.»...‬واحتــج قليــل مــن الفقهــاء بعــدم جــواز الوقــف‬ ‫‪ .»...‬إال أن مــا وىص بــه صــى اللــه عليــه وســلم هــو التصــدق‬
‫ا‪ ،‬وقــد فصلهــا الشــيخ ابــن‬ ‫هــو باطــل فاســد يف الــرع أص ـ ً‬
‫كبــر يف فهــم األوقــاف‪ .‬فكــا وضحــت مــرارا‪ ،‬فقــد قامــت‬ ‫مبــا روي أن عبــد اللــه بــن زيــد عندمــا جعــل حائطــه صدقــة‬ ‫وليــس وقــف بريحــاء‪ .‬وهــو وضــع خمتلــف متام ـاً ألن الصدقــة‬
‫تيميــة رمحــه اللــه‪ 181.‬ومنهــم مــن متــادى يف رشوطــه لضــان‬
‫األوقــاف مبعظــم اخلدمــات التــي حيتاجهــا املجتمــع املســلم‬ ‫وجعلــه إىل رســول اللــه صــى اللــه عليــه وســلم‪« ،‬فجــاء أبــواه‬ ‫تــؤدي إىل اإلذعــاين املتحــد حيــث أن املـــ َت َص ّدق عليــه هــو‬
‫أكــر فائــدة ممكنــة للمســتفيدين مــن الوقــف (كطــاب العلــم‬
‫كاملــدارس واملصحــات‪ ،‬وهــذا بســبب تطبيــق الرشيعــة‬ ‫إىل رســول اللــه صــى اللــه عليــه وســلم فقــاال‪ :‬يــا رســول اللــه مل‬ ‫املالــك اجلديــد‪ ،‬بدليــل أن أحدهــم بــاع نصيبــه‪ .‬فتكملــة مــا‬
‫واأليتــام) اعتقــاداً منهــم أن ذلــك فيــه زيــادة يف األجــر مــن‬
‫وبالــذات يف العصــور األوىل يف احلقــوق‪ ،‬فقــد كانــت اخلالفــة‬ ‫يكــن لنــا عيــش إال هــذا احلائــط‪ ،‬فــرده رســول اللــه صــى اللــه‬ ‫جــاء يف صحيــح البخــاري هــو‪« :‬فتصــدق بــه أبــو طلحــة عــى‬
‫املــوىل عــز وجــل‪ .‬فلقــد قــرأت صــكاً لربــاط لطائفــة معينــة‬
‫ذوي رمحــه‪ ،‬قــال‪ :‬وكان منهــم أُ ّ‬
‫األمويــة أقــرب للرشيعــة منهــا مــن العباســية‪ ،‬والعباســية أفضل‬ ‫عليــه وســلم‪ ،‬ثــم ماتــا فورثهــا»‪176.‬‬ ‫يب وحســان‪ ،‬قــال‪ :‬وبــاع حســان‬
‫يف املدينــة املنــورة وبــه كل مــا خيطــر عــى بالــك مــن رشوط‪:‬‬
‫مــن العثامنيــة حتــى وصلنــا إىل عرصنــا احلــايل الــذي مل تطبــق‬ ‫حصتــه منــه مــن معاويــة‪ ،‬فقيــل لــه تبيــع صدقــة أيب طلحــة؟‬
‫كأن يقــوم الناظــر بكنــس املبــى مــرة يف اليــوم‪ ،‬وغســله مــرة‬ ‫كــا أن أغلــب أحاديــث الرســول صــى اللــه عليــه وســلم‬
‫فيــه احلكومــات اإلســام إال يف العبــادات كالصــاة والصيــام‬ ‫فقــال‪ :‬أال أبيــع صاع ـاً مــن متــر بصــاع مــن دراهــم؟ ‪171.»...‬‬
‫ا بعــدد كــذا وكــذا مــن املصابيــح‪،‬‬ ‫كل يومــن‪ ،‬وإضاءتــه لي ـ ً‬ ‫حتــث عــى الصدقــة وليــس الوقــف‪ .‬فعندمــا حــاول ســعد بن أيب‬
‫وليــس احلقــوق‪ .‬هلــذا‪ ،‬فقــد كانــت اخلالفــات اإلســامية‬ ‫وعليــه أن يوفــر املــاء للنــزالء ومــا إىل ذلــك مــن رشوط تشــعر‬ ‫ا أن يــويص مبالــه كلــه وكانــت عنــده ابنــة واحــدة‪،‬‬ ‫وقــاص مثـ ً‬ ‫وحيــث أن الصدقــة ختتلــف عــن الوقــف‪ ،‬فهنــاك الكثــر‬
‫ال النتشــار اإلذعــاين املتحــد‬
‫مقارنــة بالشــعوب هــي األقــل مــا ً‬ ‫النــزالء بــأن الناظــر مــا وجــد إال خلدمتهــم‪ .‬ودراســة صكــوك‬ ‫قــال لــه رســول اللــه صــى اللــه عليــه وســلم قولتــه املعروفــة‪:‬‬ ‫مــن اآليــات القرآنيــة التــي حتــث عــى الصدقــة‪ ،‬ومل أجــد أي‬
‫يف العمــران وبالتــايل زيــادة نســبة املــاك والنطــاق النــاس‬ ‫األوقــاف هــذه تعطينــا فكــرة عــن كــرة وقســوة الــروط‬ ‫«فالثلــث والثلــث كثــر‪ ،‬إنــك إن تــدع ورثتــك أغنيــاء خــر من‬ ‫آيــة حتــث عــى الوقــف‪ .‬أمــا بالنســبة للحديــث فهنــاك حديــث‬
‫ا مــن أراد بنــاء‬
‫يف العطــاء بســبب التمكــن‪ .‬فلــم يأخــذ مثــ ً‬ ‫التــي وضعهــا بعــض الواقفــن والتــي أدت إىل الشــد ثــم التنافــر‬ ‫أن تدعهــم عالــة يتكففــون النــاس يف أيدهيــم ‪ 177.»...‬والظاهــر‬ ‫واحــد رواه اجلامعــة إال البخــاري وابــن ماجــة وهــو أســاس‬
‫مصنــع موافقــة الســلطات إال يف فــرات متأخــرة مــن اخلالفــة‬ ‫بــن املســتخدمني والناظــر‪ .‬فمعرفــة املســتخدمني بواجــب‬ ‫هــو أن الــذي أكــد الوقــف بــن الفقهــاء هــو فعــل الصحابــة‬ ‫الوقــف باإلضافــة إىل فعــل الصحابــة‪ .‬فعــن أيب هريــرة أن النبــي‬
‫العثامنيــة‪ ،‬بــل كان مبــدأ الــرر هــو احلاكــم كــا ســيأيت يف‬ ‫الناظــر يــؤدي إىل طلــب حقوقهــم منــه والضغــط عليــه‪ .‬وأمــا‬ ‫رضــوان اللــه عليهــم‪ ،‬وبذلــك أصبــح إمجاعـاً‪ .‬فمــن أوائــل هــذه‬ ‫صــى اللــه عليــه وســلم قــال‪« :‬إذا مــات اإلنســان انقطــع عملــه‬
‫فصــل «احلريــة والــرر» إن شــاء اللــه‪ .‬وألنــه ال موافقــات‬ ‫الناظــر فإنــه إن مل يتــق اللــه‪ ،‬وبالــذات إذا مل يكــن لــه احلــق‬ ‫األوقــاف وأمههــا مــا أوقفــه عمــر بــن اخلطــاب‪ .‬ففــي صحيــح‬ ‫إال مــن ثالثــة أشــياء‪ :‬صدقــة جاريــة‪ ،‬أو علــم ينتفــع بــه‪ ،‬أو‬
‫مــن الســلطات‪ ،‬فقــد انحــرت االحتــكارات‪ ،‬وبالتــايل كان‬ ‫يف االســتفادة مــن الوقــف‪ ،‬وكانــت لــه مطامــع دنيويــة‪ ،‬فإنــه‬ ‫البخــاري‪« :‬عــن ابــن عمــر ريض اللــه عنهــا قــال‪ :‬أصــاب عمــر‬ ‫ولــد صالــح يدعــو لــه»‪ 172.‬ولقــد حــث هــذا احلديــث الكثــر‬
‫التوزيــع للــروات أكــر عــدال‪ ،‬وهكــذا انتــر الــراء‪ .‬ولــراء‬ ‫ســيهمل الوقــف ألنــه عــبء عليــه‪ ،‬أو ســيقوم باالختــاس عــى‬ ‫بخيــر أرضـاً‪ ،‬فــأىت النبــي صــى اللــه عليــه وســلم فقــال‪ :‬أصبــت‬ ‫مــن الصحابــة عــى الوقــف‪ .‬فيقــول ابــن قدامــة‪« :‬وأكــر أهــل‬
‫النــاس‪ ،‬فقــد اســتطاعوا املســامهة ببنــاء وتوفــر هــذه املرافــق‬ ‫حســاب الوقــف‪ .‬وبالنقيــض‪ ،‬إذا كان الذيــن يســيطرون عــى‬ ‫ال قــط أنفــس منــه فكيــف تأمــرين بــه؟‬ ‫أرضــاً مل أصــب مــا ً‬ ‫العلــم مــن الســلف ومــن بعدهــم عــى القــول بصحــة الوقــف‪.‬‬
‫التــي حيتاجهــا املجتمــع مــن خــال األوقــاف‪ ،‬وهبــذا وبرغــم‬ ‫الوقــف ممــن يتقــون اللــه ويســعون لألجــر فإهنــم ســيترصفون‬ ‫قــال‪ :‬إن شــئت ح ّبســت أصلهــا وتصدقــت هبــا‪ .‬فتصــدق عمــر‬ ‫قــال جابــر‪ :‬مل يكــن أحــد مــن أصحــاب النبــي صــى اللــه عليه‬
‫أهنــا يف اإلذعــاين املشــتت‪ ،‬لكنهــا متتعــت باســتقاللية عاليــة‬ ‫وكأهنــم مــاك لــه‪ ،‬فيهتمــون بــه ويصونونــه‪ .‬أي أن الناظــر‬ ‫مثــرة‬
‫أنــه ال يبــاع أصلهــا وال يوهــب وال يــورث ولكــن ينفــق ّ‬ ‫وســلم ذو مقــدرة إال وقــف‪ .‬ومل يــر رشيــح الوقــف وقــال‪ :‬ال‬
‫ألن احلكومــات مل تســتطع التدخــل يف مســارها مــا جعلهــا‬ ‫يتــرف حســب أهــواء املالــك‪ ،‬أي وكأنــه موظــف عنــد‬ ‫يف الفقــراء والقــرىب والرقــاب ويف ســبيل اللــه والضيــف وابــن‬ ‫حبــس عــن فرائــض اللــه‪ ،‬قــال أمحــد‪ :‬وهــذا مذهــب أهــل‬
‫تتمتــع مبرونــة أكــر مقارنــة باملؤسســات احلكوميــة آنــذاك‪.‬‬ ‫ا فــإن املســاجد‬ ‫الكوفــة ‪ 173.»...‬ولكــن يف املقابــل‪ ،‬هنــاك حديــث ضعيــف‬
‫املالــك‪ .‬ففــي حالــة املســاجد املوقوفــة مثــ ً‬ ‫ـن ول ّيهــا أن يــأكل منهــا باملعــروف‪ ،‬أو‬
‫الســبيل‪ ،‬ال جنــاح عــى مـ ْ‬
‫فهــذه األوقــاف بالطبــع ليســت مبرونــة القطــاع اخلــاص‪ ،‬لكــن‬ ‫للــه‪ ،‬وبذلــك فــإن تــرف النظــار يكــون يف خمافــة اللــه‪ ،‬وهــذا‬ ‫‪178‬‬
‫ـول فيــه»‪ .‬ويظهــر أن هــذه احلادثة‬ ‫يطعــم صديقـاً‪ ،‬غــر ُم َتمـ ّ‬ ‫أخرجــه الطحــاوي والطــراين والبيهقــي مــن طريــق عبــد‬

‫‪113‬‬ ‫‪112‬‬
‫العــن وحجــم الفريــق والــذي وضحتــه يف الفصلــن الرابــع‬ ‫مقارنــة مبؤسســات احلكومــات املعــارصة بالــذات‪ ،‬فهــي متتعــت‬
‫والثامــن بتوفيــق اللــه‪.‬‬ ‫باســتقاللية ومرونــة عاليتــن مــا جعلهــا تغطــي حاجــات‬
‫بنــاء‬ ‫وعليــه فــإن الوقــف قــد يكــون يف منــاذج خمتلفــة‬ ‫املجتمــع بكفــاءة أعــى‪ .‬فالفســاد فيهــا ال يقــارن بالفســاد‬
‫ً‬
‫عــى تقــوى الناظــر واملســتخدمني كــا ذكــرت مــرارا‪ .‬فــإذا‬ ‫الــذي يقــع يف مؤسســات احلكومــات‪ .‬فجامعــة الســلطان حممــد‬
‫اتقــى النــاس اللــه عــز وجــل فــإن الوقــف نعمــة عليهــم‪ ،‬وذلــك‬ ‫الفاتــح الوقفيــة مثــا يف اســطنبول اآلن‪ ،‬برغــم أهنــا وقفيــة‪ ،‬إال‬
‫ألن األوقــاف تكفــل كل مــا حتتاجــه املدينــة مــن خدمــات‪ .‬أمــا‬ ‫أن اســتقالليتها ومرونتهــا جتعلهــا يف وضــع أفضــل مــن اجلامعات‬
‫إذا ســعى النــاس إىل أهوائهــم ومطامعهــم كــا هــو الغالــب‪،‬‬ ‫احلكوميــة‪ .‬فمعظــم جامعــات العــامل القوية هي مؤسســات غري‬
‫ال‬
‫فــإن الوقــف ســيوضع يف اإلذعــاين املشــتت وســيكون وبــا ً‬ ‫ربحيــة وتنفــق عــى نفســها مــن اهلبــات والتربعــات وال ختضــع‬
‫عليهــم‪.‬‬ ‫للســلطات يف قراراهتــا‪ .‬ولعلكــم تســألون‪ :‬لكــن هــل هــذا يعــي‬
‫وعــى كل حــال‪ ،‬فــإن حــال األوقــاف يف اإلذعــاين‬ ‫أن القطــاع اخلــاص هــو األفضــل يف توفــر اخلدمــات؟ تصعــب‬
‫املشــتت يف البيئــة التقليديــة أفضــل بكثــر مــن حــال األعيان يف‬ ‫اإلجابــة هنــا ألهنــا ليســت مســألة معامريــة‪ ،‬بــل هــي مســألة‬
‫بيئتنــا املعــارصة‪ ،‬وذلــك ألن األعيــان حتولــت إىل منــاذج تشــتتت‬ ‫اقتصاديــة أجبــت عليهــا يف كتــاب «قــص احلــق» بحمــد اللــه‬
‫وتبعــرت فيهــا املســؤوليات مــا أثــر عــى مجيــع أعيــان العمــران‬ ‫وتوفيقــه‪ .‬فهــذه الفقــرة بعنــوان‪« :‬تذكــر مهــم»‪ ،‬أضفتهــا هلــذه‬
‫مــن ســوء تنفيــذ إىل رسقــات يف التنفيــذ وإمهــال املســتخدمني‪،‬‬ ‫الطبعــة امللونــة لظهــور اللبــس لــدى الكثــر مــن نقــد النــاذج‬
‫وهــو موضــوع الفصــل القــادم‪ ،‬أي‪« :‬ضيــاع املســؤولية»‪.‬‬ ‫اإلذعانيــة لألوقــاف‪ ،‬ذلــك أهنــم مل يركــزوا عــى مســألة حجــم‬

‫كم هي تكلفة هذه الواجهة؟ فهل تصميم هذا املبىن ذوق سقيم أم إبداع‬
‫بإرساف يف غري مكانه؟‬

‫‪114‬‬

You might also like