Download as rtf, pdf, or txt
Download as rtf, pdf, or txt
You are on page 1of 60

‫جامعة الدول العربية‬

‫المنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم‬


‫معهد البحوث والدراسات العربية‬
‫قسم الدراسات السياسية‬

‫بحث الدبلوم‬

‫تحوالت السياسة الخارجية التركية تجاه العالم العربي‬


‫(‪)2002 - 2007‬‬

‫بحث مقدم من‬


‫الطالب‪ /‬عبد العظيم إسماعيل عبد العظيم األنصاري‬

‫تحت إشراف‬

‫أ‪.‬د‪ /‬إبراهيم البيومي غانم‬


‫تقسيم البحث‬

‫المقدمة‬ ‫‪1‬‬

‫أوالً‪ :‬محددات السياسة الخارجية التركية تجاه العالم العربي منذ نشأة الجمهورية‬ ‫‪2‬‬

‫ثانيا ً‪ :‬السياسة الخارجية التركية تجاه العراق‪.‬‬ ‫‪3‬‬

‫ثالثا ً‪ :‬السياسة الخارجية التركية تجاه سوريا‪.‬‬ ‫‪4‬‬

‫رابعا ً‪ :‬السياسة الخارجية التركية تجاه الصراع العربي – اإلسرائيلي‪.‬‬ ‫‪5‬‬

‫خامسا ً‪ :‬السياسة الخارجية التركية تجاه مصر‪.‬‬ ‫‪6‬‬


‫المقدمة‬
‫أثار نجاح حزب العدالة والتنمية في االنتخابات التشريعية التركية في نهاية العام ‪ 2002‬جدالً‬
‫واسعا ً حول أهدافه وإن كان له برنامج سري يسعى إلى تطبيقه في غفلة من العلمانيين؛ ويرجع ذلك‬
‫إلى أنه منبثق عن التيار اإلسالمي حيث انسلخ الحزب عن حزب السعادة بقيادة نجم الدين أربكان‬
‫وقامت فكرته األساسية التي صاغها كل من عبد هللا جول ورجب طيب أردوغان على تجنب‬
‫األخطاء التي وقعت فيها أحزاب التيار اإلسالمي من قبل وذلك عن طريق إعطاء البراجماتية وزنا ً‬
‫أ‪:‬بر من األيديولوجية في ميزان السياسة الداخلية والخارجية على السواء؛ وكان لوصول حزب‬
‫العدالة والتنمية إلى الحكم منفرداً وبأغلبية مريحة في البرلمان أثر بالغ على الساحة الداخلية حيث أن‬
‫هذا األمر لم تعهده تركيا منذ رئاسة تورجوت أوزال في أوائل التسعينات من القرن الماضي ولكن‬
‫الستقرار السياسي المنتظر من جراء هذا األمر اصطدم بالتطورات اإلقليمية المتمثلة في االستعدادات‬
‫األمريكية لبدء العمليات العسكرية ضد العراق وبانشغال البرلمان بالتصويت مرتين على مذكرة‬
‫الحكومة الخاصة بمشاركة تركيا في الحرب األمريكية ثم تلك الخاصة بالسماح للقوات األمريكية‬
‫بالعبور إلى العراق عبر األراضي التركية ثم بتقديم خدمات لوجستية للقوات األمريكية وفي هذا‬
‫السياق كان على تركيا أن تحدد سياستها ومواقفها تجاه العديد من القضايا الكبرى السيما التكيف مع‬
‫المعايير األوروبية ونتائج الحرب في العراق وكيفية إدارة عالقاتها المتوترة مع الواليات المتحدة‬
‫ومراعاة مطالب الرأي العام التركي بشأن االستقرار االقتصادي‪ ،‬وطبيعة العالقة مع العالم العربي‬
‫ومنطقة الشرق األوسط في ظل هذه التطورات المتسارعة‪.‬‬

‫فما هي طبيعة العالقات التركية العربية بوجه عام؟ وهل تغيرت وجهة السياسة الخارجية‬
‫التركية تجاه العالم العربي بعد العام ‪2002‬؟ وإن كانت تغيرت فما هو مدى هذا التغير؟‬
‫أوالً‪ :‬محددات السياسة الخارجية التركية تجاه العالم العربي منذ نشأة‬
‫الجمهورية وحزب العدالة والتنمية‬
‫ثمة لغز يصادف الباحث عن محددات للسياسة التركية سواء السياسة الداخلية أم الخارجية‬
‫ينبغ هذا اللغز من شدة التناقضات التركية على جُل المستويات فهي أشبه بجسر يربط بين الشرق‬
‫والغرب بحمل كل التناقضات بينهما في آن معا ً‪.‬‬

‫أما عالقة تركيا بالعالم العربي فهي عالقة شديدة الخصوصية وتنطلق خصوصيتها هذه أيضا ً‬
‫من التناقض التركي ذاته فهناك من ينظر إلى العالم العربي باعتباره امتداداً جغرافيا ً وتاريخيا ً وثقافيا ً‬
‫إسالمياً؛ بينما يرى آخرون إال خيانة العرب لتركيا في الحرب العالمية األولى والعداء بين القومية‬
‫العربية والقومية الطورانية ويرون أن العالم العربي مستودع لتصدير األفكار الرجعية الدينية التي‬
‫تتناقض مع مبادئ أتاتورك‪.‬‬

‫حتى الحرب الباردة لم يكن لتركيا سياسة خاصة تجاه العرب؛ قد يكون ذلك صحيحا ً تجاه‬
‫كتلة إسالمية أوسع كون تركيا عضواً في منظمة المؤتمر اإلسالمي؛ أما حيال العرب فقد كانت هناك‬
‫سياسات مع دول وليس مع كتلة؛ في األساس لم يكن العرب أنفسهم جسما ً أو صوتا ً واحداً ولم تكن‬
‫لهم رغم رابطة جامعة الدول العربية سياسة واحدة مشتركة التجاه تركيا والتجاه إيران وال أي‬
‫طرف إقليمي آخر؛ وفي كل األحوال كانت النظرة التركية تحكمها العضوية في المعسكر األطلسي‬
‫وكذلك طبيعة الطبقة الحاكمة في أنقرة والتي كان يتحكم في ذهنيتها من تعقيدات التاريخ مع العرب‬
‫وضد اإلسالم ما يكفي لكي ال تستقيم أي عالقة باستثناء بعض الهوامش البسيطة‪.‬‬

‫وقد ترتب على انتهاء الحرب الباردة معطيات وتوازنات جديدة ووجدت تركيا نفسها أمام‬
‫مجموعة من التحديات والتهديدات التي تالمس هواجس تاريخية وجغرافية تتقاطع أو تفترق مع‬
‫سياسات غربية أساسية تجاه تركيا ومحيطها اإلقليمي‪.‬‬

‫بعد عام ‪ ،1995‬لم يعد الشرق األوسط والعالم العربي بالنسبة لتركيا كما كان خالل الحرب‬
‫الباردة‪ ،‬طرفا ً بمعنى "اآلخر"؛ بينما تركيا هي الطرف المقابل‪ .‬ولم تعد سياسة تركيا تجاه الشرق‬
‫األوسط واحدة‪ :‬استجالب واشنطن لإلسالم عدواً بديالً عن الشيوعية وإطالق شعارات حقوق‬
‫األقليات الدينية والقومية التي انفجرت في البلقان وآسيا الوسطى والقوقاز والشرق األوسط ونقل‬
‫التحديات إلى البيئة الداخلية واإلقليمية لتركيا‪.‬‬

‫وال يمكن فهم العناصر المحددة للسياسة الخارجية التركية في الشرق األوسط وتجاه العالم‬
‫العربي من دون تقديم العامل األمني المتصل بوحدة األراضي التركية على العوامل األخرى وعلى‬
‫أهمية هذه العوامل‪.‬‬

‫وتتجسد هذه األولوية في طبيعة العالقة التركية مع دول المنطقة‪ .‬فحزب العمال الكردستاني‬
‫الذي كان ينشط ضد الدولة التركية‪ ،‬كان في أساس التحالف التركي مع إسرائيل والسيما مع توقيع‬
‫اتفاق التعاون والتدريب العسكري بين تل أبيب وأنقره في حرب فبراير سنة ‪1996‬؛ وهذه القضية‬
‫كانت في أساس الخالف التركي مع سوريا وصول العالقات بينهما إلى حافة الحرب في نهاية صيف‬
‫سنة ‪1998‬؛ وحيث طويت مشكلة حزب العمال الكردستاني مع اتفاقية "أضنة" في ‪ 20‬أكتوبر من‬
‫العام نفسه‪ ،‬كانت العالقت التركية – السورية تبدأ مسيرة انفتاح غير مسبوقة‪ ،‬توجت في مشاركة‬
‫الرئيس التركي أحمد مجدت سيزر الذي كان قد انتخب للتو في جنازة الرئيس الراحل حافظ األسد في‬
‫يونيو من عام ‪.2000‬‬

‫والمشكلة الكردية في شمال العراق كانت في أساس التعاون بين نظام صدام حسين وتركيا‬
‫التي كانت قواتها تصول وتجول بحرية في العمق الكردي‪ ،‬مشكلة راعيا ً وناظما ً لخالفات البرزاني‬
‫مع طالباني وممسكة بالوضع األمني والسياسي أيضا ً هناك على امتداد التسعينيات‪.‬‬

‫خالل التسعينيات يمكن القول أن السياسة الخارجية التركية في الشرق األوسط لم تخرج‬
‫كثيراً عن سقوف سياسات الغرب والواليات المتحدة خصوصاً‪ ،‬لكنها كانت تشهد بداية اهتزاز جدي‬
‫في النظرة المشتركة بين أنقرة وحلفائها الغربيين إلى بعض األمور‪ ،‬والسيما بالنسبة للوضع في‬
‫شمال العراق ونشاطات حزب العمال الكردستاني والعالقة مع سوريا‪ ،‬والسيما بعد اغتيال رئيس‬
‫الحكومة اللبناني األسبق رفيق الحريري في ‪ 14‬فبراير ‪.)(2005‬‬

‫وهناك متغيرات أساسية طرأت على الساحة السياسية الدولية واإلقليمية والمحلية كان لها‬
‫بالغ األثر على السياسة الخارجية التركية تجاه محيطها اإلقليمي والقوى الدولية وتجاه العالم العربي؛‬
‫وتتمثل هذه المتغيرات في أحداث ‪ 11‬سبتمبر ‪ 2001‬واحتالل العراق ‪ 2003‬ووصول حزب العدالة‬
‫والتنمية إلى السلطة في خريف ‪.2002‬‬
‫وضعت أحداث ‪ 11‬سبتمبر تركيا من جديد أمام تحدي سياسات جورج بوش ونقله المعركة‬
‫إلى داخل العالم اإلسالمي بذريعة مكافحة اإلرهاب؛ ولم تنجح تركيا من تأثيرات هذه السياسة عبر‬
‫التفجيرات التي طالتها في خريف ‪ ،2004‬غير أن مشروع الشرق األوسط الجديد بعناوين‬
‫الديمقراطية وحقوق اإلنسان‪ ،‬كان يلحظ النموذج التركي في الديمقراطية في بلد مسلمة‪ ،‬لذا كان‬
‫االحتضان األمريكي والغربي لحزب العدالة والتنمية باعتباره مثاالً تطبيقيا لما تقول أمريكا عن‬
‫اإلسالم السياسي في لحظة تبرير غزو العراق والتهويل على األنظمة العربية بتغييرها إن لم تنسجم‬
‫بشكل كامل مع المشروع األمريكي في العراق والشرق األوسط ومنعا ً لاللتباس في معنى هذا الكالم‬
‫عن االحتضان األمريكي لحزب العدالة والتنمية فهو ال يأتي بمعنى والء مقابل لحزب العدالة والتنمية‬
‫تجاه واشنطن بل إن مواقف الطرفين تتباين في عدد كبير جداً من القضايا الحساسة لتركيا‪.‬‬

‫غير أنه من سوء حظ تركيا أن يتزامن وصول العدالة والتنمية إلى السلطة مع االحتالل‬
‫األمريكي للعراق الذي أصاب – مقتالً وتغييراً – كل االستراتيجية التركية في العراق‪.‬‬

‫وقد بذلت تركيا جهداً كبيراً لمنع نشوب الحرب وبالتالي لمنع تغيير "الستاتيكو" القائم الذي‬
‫كان ينسجم مع المصالح التركية؛ وفي هذا اإلطار كان رفض البرلمان التركي في األول من مارس‬
‫‪ 2003‬لمذكرة الحكومة الموافقة على فتح األراضي التركية للعساكر األمريكيين‪ ،‬لكن الرهان التركي‬
‫على عدم إمكانية نشوب حرب من دون تركيا سقط وسقطت معه أو على األقل أصيبت برضوض‬
‫شديدة العالقات االستراتيجية بين أنقرة وواشنطن وبالتحديد بين المؤسسة العسكرية التركية‬
‫والبنتاجون وضربت االستراتيجية التركية في العراق من بيت أبيها()‪.‬‬

‫ويبدو من الواضع أنه منذ أن جاء حزب العدالة والتنمية إلى السلطة في أعقاب فوزه‬
‫المشهود في انتخابات ‪ 11‬نوفمبر ‪ 2002‬تعيش تركيا في خضم إعادة صياغة لمسارها الجيوسياسي‬
‫وفق ما تراه يحقق مصالحها القومية وتشعر أنقرة بأن الوقت قد حان لكي تسير تركيا في مسار تحدده‬
‫مصالحها الوطنية الخاصة بغض النظر عن مدى مالءمتها أو مخالفتها ألهداف قوة أخرى؛ فهي قد‬
‫لعبت اللعبة األمريكية لمصلحة األمريكان وليس لمصلحتها لسنوات طويلة وحان الوقت إلعادة‬
‫صياغة مسارها الجيوسياسي وأولوياتها الجيوسياسية وفق مصالحها هي باألساس بغض النظر عن‬
‫مخالفة ذلك ألهداف الواليات المتحدة األمريكية()‪.‬‬
‫غير أن هذا االتجاه في السياسة التركية لم يكن منبعه في األساس حزب العدالة والتنمية‬
‫منفردا وإنما كذلك نبع في التيار القومي اليساري العلماني في تركيا‪.‬‬

‫فيرى جناح من المثقفين األتراك أنه لو كان مصطفى كمال أتاتورك على قيد الحياة لما كانت‬
‫تركيا لتلهث وراء أوروبا هكذا بصرف النظر عن كل شيء‪ ،‬بل وما كانت لتضع مقدراتها في أيدي‬
‫الواليات المتحدة بالطريقة التي حدثت‪.‬‬

‫يحلو لهؤالء وصف أنفسهم باليساريين القوميين الملتزمين بالتحديث الغربي ولكن دون‬
‫التفريط في مصالح الدولة القومية التركية وهم يرون أن مشكلة البالد تكمن في النخب المسيطرة على‬
‫الدولة وطبيعة انتماءاتها الفكرية واالقتصادية وتحالفاتها المستقرة بقمة هرم السلطة‪.‬‬

‫يتحرك هذا النجاح ضمن عدد من تنظيمات المجتمع المدني والجمعيات الفكرية والثقافية‬
‫ويفكر في إعادة كتابة تاريخ تركيا الحديث وتاريخ الثورة الكمالية لتوعية األجيال الجديدة بجوهر‬
‫مبادئها الحقيقية التي انزوت مع الزمن وخاصة مسألة التحرر الوطني واإلرادة المستقلة وعلى الرغم‬
‫من عدم توغل هؤالء بعمق في قواعد المجتمع التركي في القرى والبلدات على امتداد األناضول‬
‫فإنهم يسعون إلى التأثير في طبقة شباب المثقفين واألجيال الناشئة الجديدة‪.‬‬

‫األهم أن بينهم من يقول أنه على الرغم مما يبدو من انفتاح وعلمانية النخبة الحاكمة في تركيا‬
‫فإنها رسمت مساراً للبالد‪ ،‬وضعها خارج سياقها الطبيعي جغرافيا ً وسياسيا ً وحضاريا ً في حين أن‬
‫مكانها يوجد في إقليمها بالشرق األوسط الذي يمثل محور تفاعالتها وأ‪،‬ه لم يكن هناك ما يدعو‬
‫إلتباعها سياسات عدائية مع جاراتها بالمنطقة‪ ،‬أو رهن حركتها اإلقليمية بإمالءات في غير صالحها‬
‫مفروضة عليها بدعوى "التزامات التحالف الغربي"‪ ..‬ومع اإلقرار بأن صوت هؤالء ال يزال خافتا ً‬
‫– فمما ال شك فيه أن البعض يتفق في الرأي العام‪ ،‬مع هذا الطرح السيما من المؤمنين بأنه تركيا‬
‫الكمالية مضت لثمانين عاما ً بإمالءات    الجغرافيا وحدها دون حقائق التاريخ‪.‬‬

‫وربما هناك ما يشير إلى إدراك السياسة التركية والنخبة والرأي العام لحقائق من هذا النوع‬
‫ولو دون أي رد فعل لذلك؛ في السنوات األخيرة أجرت أنقرة تناوالً به قدر من " الموضوعية" للكثير‬
‫من القضايا السياسية؛ عندما تم طرح مشروع القرار الذي أدان إسرائيل بالجمعية العامة لألمم‬
‫المتحدة؛ بسبب بناء الجدار العازل في األراضي الفلسطينية كانت تركيا من الدول التي صوتت‬
‫لصالحه إلى جانب العديد من الدول اإلسالمية‪ ،‬على الرغم من أن دول االتحاد األوروبي امتنعت عن‬
‫التصويت‪ ،‬كما وصف رئيس الوزراء أردوغان العملية التي اغتالت بها إسرائيل الشيخ أحمد ياسين‬
‫زعيم حركة حماس بأنه "عمل إرهابي"‪ ،‬وتحدث وزير الخارجية جول عن أن استمرار إسرائيل في‬
‫هذه األعمال قد يؤثر على العالقات بينها وبين تركيا؛ كذلك وصف عديد من الصحف التركية‬
‫العمليات العسكرية التي تقوم بها إسرائيل ضد الفلسطينيين بأنه "إرهاب دولة"‪ ،‬بل أصبحت تحفل‬
‫بمقاالت وآراء تتحدث عن "إسرائيل صنيع الواليات المتحدة‪ ،‬التي تمارس حرب إبادة ضد‬
‫الفلسطينيين"‪.‬‬

‫إن هذه اآلراء لم يكن من الممكن تصور ظهورها في تركيا "الغربية" قبل ذلك بخمس‬
‫سنوات فقط‪.‬‬

‫وبسبب ما يعتقده كثيرون بتركيا عن وجود سباق بين أوروبا وأمريكا على وطنهم ألهميته‬
‫االستراتيجية ودوره في صياغة شكل المنطقة المحيطة به‪ ،‬يرى البعض أن على البالد بدالً من‬
‫االنجذاب إلى هذا أو ذاك‪ ،‬التقدم للعب دور مستقل في المنطقة لحساب تركيا والمنطقة ذاتها‪ ،‬ويرون‬
‫أنه يلزم لنجاح هذا الدور أن يكون مقبوالً من دول المنطقة؛ خاصة العبيها الرئيسيين‪.‬‬

‫يطرح بعض هؤالء التحرك بمقدمات ثقافية لهذا الدور‪ ،‬يتعين ضمنها فض إشكاليات‬
‫تاريخية ال تزال تداعياتها قائمة بين العرب واألتراك على األقل من الناحية النفسية تدور حول‬
‫مقوالت "خيانة العرب لألتراك في الحرب العالمية األولى"‪ ..‬فيما ثمة قسم ال ينشغل بالبحث في‬
‫قضايا تاريخية عفا عليها الزمن ويطرح تصوراً لمستقبل يلتقي فيه الجانبان على أسس مصلحية‬
‫بحتة‪.‬‬

‫ال يبدو من السهل تجاوز مشاهد ترسخت لدى النخب التركية عن العرب دون الخوض في‬
‫التاريخ وإعادة قراءته‪ ،‬كما ال يبدو استكشاف آفاق مشتركة للمستقبل مجدياً‪ ،‬قبل التحرر من قيود هذه‬
‫المشاهد ومثلما قال أحد الساسة األتراك إن ملفات الحرب العالمية األولى ال تزال مفتوحة بل وعلى‬
‫مصراعيها‪ ،‬وتحتاج بعد ثمانين عاما ً إلى جهد من الطرفين العربي والتركي إلغالقها مما يعد مهمة‬
‫صعبة للغاية‪.‬‬

‫تبدو قضايا مثل العراق واألكراد والشرق األوسط الكبير والجديد وأوروبا األوسع وقبرص‬
‫والسياسة األمنية والدفاعية األوروبية والناتو وعالقة اإلسالم بالغرب تتقاطع كلها بشكل مثير في‬
‫تركيا وفي السياسة التركية كل يوم؛ ويتعين على صانع القرار التركي أن يأخذ في اعتباره هذه‬
‫الحقيقة وأن يعمل على إخراج تركيا من هذا التقاطع دون خسائر فادحة‪ ،‬وليس كل شيء بأي ثمن‬
‫ولن يكون هكذا بالنسبة لتركيا‪.‬‬

‫في تركيا تبدو النخبة منقسمة بين من يرون مصالح البالد في الخيار األمريكي ومن يرونها‬
‫في الخيار األوروبي‪ ..‬ولكن من المفارقات أن الطرفين األمريكي واألوروبي يتفقان على حد أدنى‬
‫من أسلوب التعامل مع تركيا يقف عند خط أحمر أسمه "وجهة البالد الغربية"‪ ،‬وهناك من يرى تقبل‬
‫األوروبيين لإلصالحات التي أجرتها تركيا من أجل عضوية االتحاد األوروبي مرتبطا ً بتصدع‬
‫العالقة التركية األمريكية ويستدلون على ذلك باإلشارة إلى أن البرلمان الذي رفض االنصياع‬
‫للواليات المتحدة حليف تركيا االستراتيجي في الشأن العراقي هو ذاته البرلمان الذي انصاع‬
‫لألوروبيين وأجاز تعديالت بالدستور التركي لتوفيق أوضاع البالد وفق معايير كوبنهاجن‪.‬‬

‫إن مقارنة كهذه توضح بجالء أن المرونة مع األوروبيين الصعبة بطبيعتها على األتراك‬
‫تتعلق بمصير تركيا ونخبتها الكمالية فيها تظل أي مرونة مع األمريكيين محدودة األثر على تركيا‬
‫بالمدى القريب وال ترتبط بمقولة انتمائها الغربي‪.‬‬

‫يبدو الحسم بين الواليات المتحدة وأوروبا يمثل فرضية قائمة بشواهد كثيرة ولكن ليس هناك‬
‫ما يدعو لالعتقاد في أنه سيعني أكثر من مجرد انحناء بسيط ومؤقت في الطريق ذاته الذي تسلكه‬
‫تركيا نحو " الغرب"؛ ومع كل ما يقال عن تعارض أو تقاطع أو تناقض المصالح األمريكية في تركيا‬
‫والمنطقة مع المصالح األوروبية فالشاهد أن اتفاق الجانبين األمريكي واألوروبي ليس متعذاً حتى‬
‫حول أكثر القضايا " خالفية"‪.‬‬

‫بالنسبة لواشنطن يعد حفاظها على عالقات "التحالف االستراتيجي" مع تركيا هاما ً بدرجة‬
‫أكبر مما سبق؛ خاصة إذا " تهاون" األوروبيون في إدراك ما قد تعنيه خسارة الغرب لها‪.‬‬

‫قد يتضح لألتراك في خطاهم نحو االتحاد األوروبي إدراك حقيقة تقول إن الفكرة األوروبية‬
‫ذاتها تطورت عبر فترة زمنية ممتدة ومرت بمراحل نظرية وعملية متعاقبة‪ ،‬أسهمت كل منها في‬
‫تشكيل وتأصيل هذه الفكرة بدءاً من الحضارة اليونانية والرومانية الغربية مروراً بعصر النهضة‬
‫والتنوير فالثورة الصناعية التي أفرزت التقدم العلمي‪ ..‬الخ‪ ،‬فيما لم تمر القومية التركية حديثة العهد‬
‫وال حتى األتراك العثمانيين بأي من هذه المراحل التي كانت المسيحية والكنيسة في قلبها دائما؛ إن‬
‫المسألة ترتبط بتراث روما وبيزنطة وال تنحصر ببساطة في تلبية معايير كوبنهاجن()‪.‬‬

‫ومما سبق نستنتج أن ثمة اتجاه عام في تركيا نحو االستقالل بالقرار السياسي وسواء كان‬
‫السعي التركي يتجه إلى الواليات المتحدة أو إلى أوروبا أو إلى الجمهوريات التركية أو إلى العالم‬
‫اإلسالمي أو إلى إسرائيل أحيانا ً وسواء كانت النخبة الحاكمة من القوميين العلمانيين الموالين‬
‫للمؤسسة العسكرية أو القوميين العلمانيين اليساريين أو هؤالء الخارجين من تحت العباءة اإلسالمية‬
‫فعلى ما يبدو يحكم السياسية الخارجية التركية في القرن الجديد معيار أساسي هو الحفاظ بشتى السبل‬
‫على أمن تركيا القومي واستقاللها‪.‬‬

‫في بدايات العقد األول من القرن الحادي والعشرين تبدو تركيا تتحلل من كثير من المواريث‬
‫التي كانت ثمنا ً تعين عليها دفعه للوصول إلى حالة االستقرار السياسي التي تعرفها اليوم؛ أصبح‬
‫يحكم البالد حكومة حزب واحد يمضي لتنفيذ مشروع واقعي للدولة والمجتمع والسياسة ويجتهد في‬
‫اإلنصات للمطالب الحقيقية والملحة للماليين من أبناء هذا الوطن ويحقق نجاحات اقتصادية وسياسية‬
‫كبيرة دون وصفها بالتحوالت الجذرية مثلما دأب اآلخرون على االدعاء‪.‬‬

‫بالنسبة للكثيرين من نخبة البالد العلمانية تكمن المشكلة أو المأساة في أن حزبا ً يمينيا محافظا ً‬
‫أصبح يتبنى ويعمل من أجل انضمام تركيا لالتحاد األوروبي الهدف الذي وضعته النخبة العلمانية‬
‫للبالد ويقر األوروبيون أن ما حققه على هذا الصعيد في عامين يماثل ما حققته تركيا قبله على مدى‬
‫عشرين عاما ً ويتقدمون للتفاوض معه على انضمامها‪ ،‬يمثل األمر انقالبا ً في السياسة التركية وأحد‬
‫أكبر المآزق التي تعيشها حين أصبح التحديث الحقيقي يُجري على يد قوى سياسية واجتماعية‬
‫محافظة ثم وصمها من قبل في خانة رفض الجمهورية ورفض وجهتها الغربية‪ ..‬إن نجاح حزب‬
‫العدالة والتنمية في مشروعه وفي تحقيق اإلنجازات خالل توليه السلطة سيمثل وال شك ضربة‬
‫موجعة لكل من قوى اليسار الموغل في علمانيته والقوى اليمينية الموغلة في قوميتها‪.‬‬

‫ومع كل المسيرة يظل السؤال األزلي المثار حول تركيا خاصة من جانب الغربيين يدور‬
‫حول مخاطر تحولها لتصبح دولة إسالمية صرفة‪ ..‬الذي يبدو يصدر بتأثير الخوف المتأثر بتجربة‬
‫إيران؛ وعلى الرغم من كافة التقديرات التي تشير بإمكانية ذلك‪ ،‬فإن المجتمع التركي ال يحمل بذور‬
‫مثل هذا التحول على األقل في المستقبل القريب والمتوسط‪.‬‬

‫فمن غير المقبول إغفال األثر الذي أحدثته ثمانية عقود من العلمانية حتى ولو كانت في نظر‬
‫الكثيرين متعسفة وظالمة على تركيب المجتمع والدولة والعالقة فيما بينهما وبين األفراد كما من غير‬
‫اليسير تصور ذلك اليوم الذي تغيب فيه عصا الجيش من الجميع‪.‬‬

‫كما أن اإلسالم في تركيا متأثرا بتراث صوفي مترسخ في وجدان األتراك والذي يحمل قدراً‬
‫ال بأس به من التسامح والوسطية وتقبل اآلخر‪.‬‬

‫وبصرف النظر عما سبق فالشاهد أن ما حدث في تركيا بعد الثالث من نوفمبر ‪ 2002‬يفتح‬
‫صفحة جديدة ليس فقط في السياسة الداخلية والخارجية للبالد وإنما أيضا ً وهو األهم في إسالم‬
‫األتراك تستلهم حقائق دينية منسية وتستشرف إمكاناتها للعمل في المجال السياسي سواء داخل تركيا‬
‫أو في سياساتها الخارجية‪.‬‬

‫بالفعل طرح حزب العدالة والتنمية مفهوما ً جديداً لتوصيف نفسه وتأصيل سياساته في الحكم‬
‫باسم "الديمقراطية المحافظة"‪ ،‬التي ال يفتأ يتحدث عنها في كل مناسبة وعلى مستويات قيادية‪،‬‬
‫كحزب يؤمن بالمبادئ الديمقراطية العالمية دون التضحية بالقيم المحافظة للسكان‪.‬‬

‫حسب تعريف أردوغان نفسه يعد المفهوم وثيق الصلة بالحالة التركية بجغرافيتها وتاريخها‬
‫ونظامها السياسي وأهدافها‪ ،‬فقال "إن ميراث األتراك التاريخي وقيمهم الذاتية ورغبتهم في استيعاب‬
‫وتقبل القيم المعاصرة يعد أساس مفهوم الديمقراطية المحافظة"‪ .‬وإذ ال يقبل عالم اليوم الحدود‬
‫الفاصلة بين األفكار والمعتقدات واأليديولوجيات على طريقة األبيض واألسود وإنما يشهد تجارب‬
‫تمتزج فيها وتتداخل مختلف المراجع األيديولوجية والفكرية فإنه يرى أنه يتعين على تركيا تجديد‬
‫وتدعيم نظامها السياسي وفلسفته من خالل هذا المفهوم‪.‬‬

‫والحق أن مقدمات ذلك الطرح السياسية وليس الفكرية تمثلت في حقيقة إطالق الحزب‬
‫بمؤسسين من غير أعضاء الفضيلة الذين كانوا من حيث الشكل والمضمون امتداداً لحزب الرفاه؛‬
‫وفي إعالنه أن هويته تقع على يمين الوسط في السياسة التركية‪ ..‬ثم في قبول شخصيات من أحزاب‬
‫يمين الوسط التقليدية ضمن صفوفه قبل انتخابات ‪ 2002‬ووضعها في مناصب قيادية بالحزب‬
‫والسلطة بعد االنتخابات‪ ،‬ثم بخطوات وإيحاءات ذات أغراض سياسية‪ ،‬كان منها تلك الزيارة التي قام‬
‫بها زعيم الحزب أردوغان بعد الفوز في االنتخابات لريس الجمهورية السابق ديميريل الزعيم‬
‫المخضرم لتيار يمين الوسط ليستمع لنصائحه مثلما قال وهو يخرج من عنده‪ ،‬وليس للزعيم السابق‬
‫للتيار الذي انتمى إليه‪ ،‬وهو نجم الدين أربكان‪ ..‬وبعد توليه رئاسة الوزراء بدأ أردوغان بالتحدث في‬
‫جرأة أكبر عن المفهوم على المستوى المحلي والدولي ومن الناحيتين األكاديمية والسياسية في آن()‪.‬‬

‫وقد أثار تعريف حزب العدالة كثيراً من التعليقات المبهمة وهذا االرتباك والتردد إزاء تحديد‬
‫سمات الحزب الجديد ظهرا بوضوح في التحليالت األولى غداة االنتخابات؛ فقد تجنبت معظم وسائل‬
‫اإلعالم استخدام لفظ "اإلسالميين" عموما ً وفضلت عليه في أغلب األحيان كلمة "اإلسالميين‬
‫المعتدلين" أو "اإلسالميين الديمقراطيين"‪ ،‬وتحدثت بعض الصحف كجريدة "لوموند" الفرنسية عن‬
‫انتصار حزب "إسالمي"‪ ،‬إذ كان من الصعب بالتأكيد أن تشرح في برقية قصيرة أو حتى في مقال‬
‫من مقاالت الرأي أن "اإلسالميين" الذين تولوا الحكم في تركيا قبلوا أن يلعبوا لعبة الديمقراطية‪.‬‬

‫يرفض الصحفي روشين تشاكير استخدام لفظ "اإلسالميين الديمقراطيين" ويفضل وصف‬
‫أعضاء حزب العدالة والتنمية بـ"إسالميين سابقين" ‪ Ex-islamistes‬كما كان يقال منذ حوالي عشر‬
‫سنوات "الشيوعيين السابقون" ‪ ex-communistes‬في بلدان الشرق بعد سقوط حائط برلين إشارة‬
‫إلى الكوادر الشيوعية السابقة التي سرعان ما انتقلت إلى التنظيمات الحزبية التي تشكلت في‬
‫الديمقراطيات الحديثة على أنقاض الشيوعية؛ ومن وجهة نظر روشين تشاكير يجب الحذر من تشبيه‬
‫حزب العدالة بالديمقراطية المسيحية دون تريث إذ أن هذه المقارنة من قبيل البرهان بالمماثلة أكثر‬
‫منه تحليالً فكريا ً ألن هذه الفئة السياسية الغربية‪ ،‬وإن كانت ذات حساسية دينية فهي ال تنتمي إلى‬
‫التيارات الدينية األصولية الراديكالية ولذلك قبل اتهام حزب العدالة وزعيمه رجب طيبي أردوغان‬
‫"بالشيطنة" يجدر بنا أن نبني حكمنا على أعمالهم‪.‬‬

‫ووفقا ً لتحليل يستند أكثر إلى الجانب االجتماعي يرى بعض المراقبين مثل فرحات كنتيل أن‬
‫استخدام لفظ "اإلسالميين" في الكالم عن حزب العدالة أصبح اآلن ال معنى له؛ وإذ يشير بوجه‬
‫خاص إلى أن كل الدراسات االجتماعية الجادة التي أجريت في تركيا تبين بوضوح أن نسبة أنصار‬
‫التطبيق الصارم ألكثر مبادئ اإلسالم تشددا السيما إخضاع المجتمع التركي ألحكام الشريعة‬
‫اإلسالمية‪ ،‬هذه النسبة لم تتغير وهي تتراوح بين ‪ 5‬و‪ - %7‬كما يستنتج كنتيل – وإن حزب مثل‬
‫حزب العدالة لم يسع إلى اكتساب مزيد من األصوات بين هؤالء لتحقيق النصر؛ وفي نظره يعد‬
‫تصاعد قوة حزب العدالة بمثابة إحياء وتجديد حقيقي للسياسة في بلد أصبح ال يبالي باللعبة السياسية‬
‫التقليدية كما حدث إلى حد ما في غالبية دول أوروبا الغربية قبل ذلك‪ ،‬صحيح أننا رأينا في تركيا‬
‫خالل العقد األخير‪ ،‬وبالتوازي مع توجه الحياة السياسية نحو االحتراف والتعددية الحزبية تزايد‬
‫"الالمباالة في السياسة" واتساع الهوة بين الرأي العام والزعماء السياسيين؛ ومنذ ذلك الوقت – وفقا ً‬
‫لفرحات كنتيل – ومع تولي حزب العدالة الحكم أصبح هناك شعور بأن السلطة أصبحت في يد حركة‬
‫سياسية تمثل القاعدة أو على أية حال تعبر عن جذور الشعب التركي وهوياته المتعددة وتطلعاته‬
‫المعاصرة وهذه الحركة تبدو قادرة – على األقل في الوقت الحالي – على إعادة الحوار بين القمة‬
‫والقاعدة وبين الرأي العام والحكومة‪.‬‬

‫أما المفكرون العلمانيون والموالون ألوروبا امثال دنيز فاردار فتحليلهم يختلف تماما ً وهو‬
‫قائم أساسا ً على علم السياسة ومراقبة التغيرات التي حدثت مؤخراً في التنظيمات الحزبية التركية‪،‬‬
‫وبالنظر إلى ذلك يعد حزب العدالة والتنمية حزبا ً محافظا ً أساسا ً يتكون من كوادر من اليمين‬
‫المتطرف الشعبوي الراديكالي سلكوا طريقهم إلى الوسط بتحولهم إلى الديمقراطية‪ ،‬ويوضح دنيز‬
‫فاردار أن "هذا التقدم البطيء انطلق أصالً من حزب السالمة الوطني في السبعينيات وصوالً إلى‬
‫حزب العدالة ومروراً بحزب الرفاه وحزب الفضيلة وحزب السعادة وبقبوله الديمقراطية نهجا ً له‬
‫نجح هذا الحزب في توسيع قاعدته االنتخابية كما أنه انضم إلى االنتهازيين من أحزاب اليمين الوسط‬
‫مثل حزب الوطن األم وحزب الشروق الجديد بل وأحزاب اليمين القومي المتطرف مثل حزب‬
‫الحركة القومية أو أحزاب اليسار"؛ إضافة إلى ذلك أتم اإلسالميون القدامى مشروعهم الخاص‬
‫باكتساب االحترام وذلك باختيارهم أوروبا وبالفعل هذا االختيار وألسباب سياسية وثقافية معا ً دخلوا‬
‫بكل قوتهم في النظام()‪.‬‬

‫ويمكننا أن نحكم على حزب العدالة والتنمية بشكل أكثر موضوعية من خالل أفعاله وأقواله‬
‫عن نفسه؛ وباإلطالع على الالئحة الداخلية للحزب نجد أهدافه كما يلي‪:‬‬

‫تحقيق السيادة وبدون أي قيد أو شرط للشعب التركي على الجمهورية القانونية التي تعتبر‬ ‫‪)1‬‬

‫القوة التي تراعي مصالح الفرد والمؤسسات‪.‬‬


‫الحفاظ على وحدة الدولة التركية‪.‬‬ ‫‪)2‬‬

‫الحفاظ على القيم واألخالق التي تعد بمثابة تراث للشعب التركي‪.‬‬ ‫‪)3‬‬

‫تحقيق الحضارة والمدنية المعاصرة في تركيا وفقا ً للطريق الذي رسمه مصطفى كمال‬ ‫‪)4‬‬

‫أتاتورك‪.‬‬

‫تأمين الرفاه واألمن واالستقرار للشعب التركي‪.‬‬ ‫‪)5‬‬

‫تحقيق مفهوم الدولة االجتماعية التي تتيح لألفراد العيش بالشكل االجتماعي المطلوب‪.‬‬ ‫‪)6‬‬

‫تحقيق العدالة بين األتراك والتوزيع العادل للدخل القومي‪.‬‬ ‫‪)7‬‬

‫ويختصر برنامج الحزب في اآلتي‪ :‬الدمقرطة‪ ،‬التنمية‪ ،‬النهوض فوق مستوى الحضارة‬ ‫‪)8‬‬

‫المعاصرة()‪.‬‬

‫وبعد النجاح الساحق للحزب في انتخابات ‪ 2007‬بدا رجب طيب أردوغان    وصديقه عبدهللا‬
‫جول وحزبهما في حالة أقوى بكثير من ذي قبل سواء على المستوى الداخلي أو الخارجي؛ وصار‬
‫الصديقان الذين وصاال إلى أعلى قمم األناضول أكثر جرأة رغم محافظتهم دائما ً على عدم إغضاب‬
‫العسكر المتربصين؛ ويبدو هنا أردوغان وصحبه في موقف أشد صعوبة مما كان عليه آخر الخلفاء‬
‫المسلمين السلطان عبد الحميد الثاني على نفس األرض وتحت نفس السماء قبل ‪ 99‬عاما ً وحيداً في‬
‫قصره الذي بناه على أنقاض مقبرة لليهود على أطراف اسطنبول "يلدز" قبيل دخول قره صو‬
‫اليهودي أحد رجال انقالب سنة ‪ 1908‬عليه لتبليغه بإزاحته عن منصبه فماذا يستطيع العثمانيون‬
‫الجدد فعله من خالل ممارسة فن الممكن واالنطالق من أرض الواقع؟‬

‫بالنسبة للسياسة الخارجية يعلن الحزب عن تبنيه سياسة خارجية "واقعية" تتسق مع تاريخ‬
‫تركيا وموقعها الجغرافي خالية من األفكار المسبقة أو التعسفية على أن تقوم على مبدأ المصالح‬
‫المتبادلة ويلتزم الحزب في ذلك اإلطار بإعادة تعريف أولويات سياسة تركيا الخارجية في مواجهة‬
‫الحقائق اإلقليمية والدولية المتغيرة وبخلق توازن جديد بين هذه الحقائق والمصالح الوطنية؛ كما يؤكد‬
‫الحزب على قيامه بمبادرات إليجاد حلول عادلة للمشكالت القائمة مع الجيران‪ ،‬وبأن يضع مزايا‬
‫تركيا الناجمة عن موقعها االستراتيجي تحت تصرف المجتمع الدولي من أجل مساهمة أفضل في‬
‫السالم الدولي والرخاء‪ .‬أما القضية الكردية فإن الحزب يرى أن هناك ضرورة لالعتراف بالقضايا‬
‫السلبية التي خلقتها هذه المشكلة في الحياة االجتماعية التركية ويتعهد الحزب بإتباع سياسات تحقق‬
‫السعادة والرفاه والحقوق والحريات لكافة سكان اإلقليم بطريقة ال تخلق ضعفا ً وال تهدد وحدة‬
‫األراضي التركية()‪.‬‬

‫وأيا ً ما كان ال يمكن للسياسة الخارجية التركية إغفال العوامل اآلتية‪:‬‬

‫ليس هناك من إجماع داخلي على السياسات الخارجية لسلطة حزب العدالة والتنمية سواء في‬ ‫‪)2‬‬

‫الشرق األوسط والعالم اإلسالمي أو تجاه العالم العربي أو تجاه االتحاد األوروبي والواليت المتحدة‪،‬‬
‫وقد برز تأثير العامل الداخلي جليا ً في التطورات التي شهدتها تركيا – وال تزال – على صعيد‬
‫الصراع بين القوى الداخلية والسيما بين المتشددين من العلمانيين والعسكر من جهة وحزب العدالة‬
‫والتنمية من جهة أخرى‪.‬‬

‫إن الخيار االستراتيجي ألنقره هو االتحاد األوروبي وهو في مفاوضات عضوية معه‬ ‫‪)3‬‬

‫وبالتالي فإن أي تحسن في العالقات التركية – العربية ليس بديالً عن الخيار األوروبي بل هو عامل‬
‫مكمل ومقو لخيار أنقره األوروبي‪.‬‬

‫إن تركيا عضو في حلف شمال األطلسي (ناتو) وهي مرتبطة بالسقوف التي يحددها الحلف‪.‬‬ ‫‪)4‬‬

‫لتركيا عالقات حيوية مع إسرائيل تتصل بحاجة تركيا للوبي اليهودي في الواليت المتحدة في‬ ‫‪)5‬‬

‫مواجهة اللوبيات األرمنية واليونانية كما بحاجة تركيا لتكنولوجيا متطورة‪.‬‬

‫إن الدور التركي تبعا ً لسياسة تعدد البعد يمتلك القدرة على التواصل مع كل األطراف في‬ ‫‪)6‬‬

‫الشرق األوسط‪ ،‬وتركيا هي الدولة الوحيدة التي لها عالقات جيدة مع الجميع دون استثناء وهو ما‬
‫يعطيها ميزة مهمة()‪.‬‬

‫ومن خالل ما سبق يمكننا تفسير تحوالت السياسة الخارجية التركية تجاه العالم العربي بعد‬
‫سنة ‪ 2002‬وحتى اآلن‪ ،‬وفيما يلي عرض لنماذج تطبيقه للسياسة الخارجية التركية تجاه كل من‬
‫العراق وسوريا ومواقفها تجاه الصراع العربي اإلسرائيلي مع احتفاظها بعالقات استراتيجية مع‬
‫إسرائيل وكذلك عرض للعالقات التركية المصرية في ظل تحوالت السياسة التركية فيما بعد تولي‬
‫حزب العدالة والتنمية الحكم‪.‬‬
‫ثانيا ً‪ :‬السياسة الخارجية التركية تجاه العراق‬
‫ارتكزت العالقات التركية العراقية على ثالثة ركائز أساسية هي المسألة الكردية‪ ،‬مشكلة‬
‫تقسيم مياه نهري دجلة والفرات‪ ،‬التعاون االقتصادي واالستفادة التركية من البترول العراقي‪.‬‬

‫شهدت العالقات التركية العراقية تقدما ً ملحوظا ً من منتصف السبعينات حتى نهاية الثمانينات‬
‫على المستويين االقتصادي والسياسي فرغم صدمة تركية بارتفاع أسعار النفط مرتين في سنة ‪1973‬‬
‫وبعدها مما أثقل كاهلها بمدفوعاتها مقابل النفط العراقي‪ ،‬إال أن هذه الفترة قد شهدت أيضا ً زيادة‬
‫ملحوظة في الواردات العراقية من تركيا التي بلغت في النصف األول من الثمانينات بليون دوالر‬
‫وهكذا احتلت العراق المرتبة الثانية بعد ألمانيا في التجارة الخارجية لتركيا‪.‬‬

‫وفي ‪ 1977‬استكمل أول خط ألنابيب البترول يصل بين كركوك في العراق ويومرطالق في‬
‫تركيا‪ ،‬وافتتح الخط الثاني سنة ‪ ،1986‬وبذلك بلغت طاقة ضخ البترول العراقي عبر األنابيب ‪1.6‬‬
‫مليون برميل يومياً‪ ،‬وصار نصف واردات تركيا من النفط ويقدر بعشرين مليونا ً يأتي من العراق‬
‫وكانت تركيا تحصل على ‪ 280‬مليون دوالر سنويا ً مقابل نقل النفط خالل هذه األنابيب‪ .‬وبعد غزو‬
‫العراق للكويت في ‪ 2‬أغسطس ‪ 1990‬التزمت تركيا بقرارات األمم المتحدة بفرض الحظر على‬
‫العراق فتم إغالق هذه األنابيب على أن المنشآت الخاصة بنفط كركوك وخط األنابيب العراقي‬
‫التركي لم تمس بسوء أثناء حرب الخليج‪.‬‬

‫وقد ظلت العالقات السياسية بين البلدين طيبة لفترة‪ ،‬ففي الحرب اإليرانية العراقية ما بين‬
‫‪ 1980‬و ‪ 1988‬وقفت تركيا على الحياد ولم يكن لدى العراق ما يشكو منه من الموقف التركي بل‬
‫على العكس فإن تركيا ظلت طيلة الحرب تزود العراق بالكثير من السلع االستهالكية‪ ،‬وبذلك قدمت‬
‫تركيا للعراق ميزان استراتيجية مهمة وقت الشدة؛ وفي أثناء الحرب اإليرانية العراقية هبت انتفاضة‬
‫كردية في شمال العراق وازدادت حدتها بوجه خاص سنة ‪ ،1986‬وقد قامت الحكومة العراقية بقمع‬
‫هذه االنتفاضة‪ ،‬األمر الذي أدى إلى زحف ما يقرب من ‪ 70.000‬من األكراد الجئين إلى تركيا‪ ،‬ولقد‬
‫بذلت تركيا قصارى جهدها لتزويد هؤالء الالجئين بالملجأ الالزم وبعد ذلك عاد هؤالء األكراد إلى‬
‫العراق بينما تحرك النصف الباقي إلى بلدان أخرى‪.‬‬

‫وفي سنة ‪ 1984‬وافق العراق على أن تستخدم تركيا حقها فيما عرف باسم "المطاردة‬
‫الساخنة" في تعقب أعضاء حزب العمال الكردي إلى مسافة عشرة كيلومترات داخل األراضي‬
‫العراقية؛ وذلك رداً على األعمال اإلرهابية التي كان يشنها هذا الحزب ضد تركيا؛ وبمقتضى هذا‬
‫االتفاق أجرت القوات التركية مناورات على الحدود بادئ األمر‪ ،‬ثم قامت في أغسطس ‪ 1986‬بشن‬
‫غارات جوية على معسكرات المنظمات اإلرهابية في الجانب العراقي من الحدود‪.‬‬

‫على أنه في سنة ‪ 1989‬تكدرت العالقات بين تركيا والعراق ألن العراق لم يسدد بليونا من‬
‫الدوالرات المستحقة عليه كما أن صدام حسين أعلن إصراره على تقسيم مياه الفرات بين تركيا‬
‫وسوريا والعراق وال يمكن لتركيا أن تقر بمبدأ التقسيم دون األخذ في االعتبار متطلباتها للري في‬
‫مشروع األناضول الجنوبي الشرقي وفي غضون ذلك وافقت تركيا على أن تطلق قدراً كافيا ً من مياه‬
‫الفرات (‪ 500‬متر مكعب) حتى تتوصل األطراف المعنية إلى حل معقول يقوم على العدالة بين تركيا‬
‫وجاراتها العربية إلى الجنوب()؛ والجدير بالذكر أن موقف تركيا الثابت دائما ً بشأن المياه أن هذه‬
‫المياه مياه تركية وال حق ألحد في تقاسمها معها‪.‬‬

‫والواقع أنه بمرور السنوات تتناقص حصة العراق من مياه دجلة والفرات في ظل القسمة‬
‫غير العادلة بين الدول المشتركة معه في هذين النهرين (سوريا وتركيا) اللذان سعيا إلنشاء السدود‬
‫والخزانات لتحقيق األمن المائي لهما ما أثر سلبيا ً على نصيب العراق من المياه وخسارته لجزء كبير‬
‫من موارده المائية‪.‬‬

‫إن موارد العراق المائية تأتي غالبيتها من خارج حدوده فقد كان معدل الوارد المائي السنوي‬
‫من نهر الفرات للعراق خالل الفترة (‪ )1990 – 1930‬ما مقداره (‪ 27.4‬مليار متر مكعب)‪%88 ،‬‬
‫منه من تركيا و‪ %3‬من سوريا والبقية من سيول الوديان داخل الحدود العراقية إال أن تركيا وسوريا‬
‫قبل إبرام أي اتفاق مع العراق على قسمة عادلة لمياه الفرات سارعتا في إنشاء سدود وخزانات مائية‬
‫عمالقة فقد أنشأت تركيا سدي كيبمان وأتاتورك حيث تبلغ طاقة سد كيبان الخزنية (‪ 3.6‬مليار متر‬
‫مكعب)؛ وقد تأخر العراق في إنشاء سد حديثة على الفرات الذي تبلغ طاقته الخزنية (‪ 8.24‬مليار‬
‫متر مكعب) حتى عام ‪ 1985‬بعد أن أكملت سوريا وتركيا سدودهما وإمالء خزاناتهما المائية وبهذا‬
‫التأخير فقد العراق فرصة استغالل حقه الذي تضمنه المواثيق الدولية وقد عقدت سوريا وتركيا اتفاقا ً‬
‫عام ‪ 1987‬تعهدت بموجبه تركيا بإمرار (‪ 500‬متر مكعب‪/‬ثانية) في الفرات إلى سوريا وبموجب‬
‫االتفاق بين العراق وسوريا عام ‪ 1990‬تعهدت سوريا بإمرار (‪ 290‬متراً مكعبا‪/‬ثانية) إلى العراق‬
‫من الفرات()‪.‬‬

‫ويعد مشروع جدنوب شرق األناضول من أخطر المشروعات التركية التي تهدد األمن‬
‫القومي العراقي في الصميم؛ وقد اكتسب أهمية كبرى من إنجاز سد أتاتورك في العام ‪ 1992‬ويعد‬
‫هذا السد جزءاً من مشروع جنوب شرق األناضول ‪ Projesi Güneydoğu Aadolu‬الذي سيتم‬
‫فيه تغيير كل أشكال توزيع المياه في المنطقة حيث يشكل نهر الفرات الجزء األهم في هذا المشروع‪.‬‬

‫يتعيّن في هذا المشروع الذي بُدئ العمل فيه في العام ‪ 1983‬والذي يفترض إتمامه في العام‬
‫‪ 2010‬بناء ‪ 22‬سداً و‪ 19‬محطة لتوليد الطاقة الكهربائية بالماء‪ ،‬فمن المقرر أن يتم ر ّ‬
‫ي ‪ 1.7‬مليون‬
‫هكتار من األراضي‪.‬‬

‫كما يفترض في المستقبل أن تغطي الطاقة الكهربائية المولدة بواسطة هذه السدود ما نسبته‬
‫‪ %22‬من االحتياج اإلجمالي المتوقع في تركيا‪.‬‬

‫وسوف ينخفض من خالل نظام الر ّ‬


‫ي هذا منسوب المياه الجارية في نهر الفرات بنسبة‬
‫تساوي ‪ %90‬مما سيعود بعواقب سلبية على قطاع الزراعة في البلدين الواقعين على الفرات سوريا‬
‫والعراق‪.‬‬

‫على الجانب اآلخر يوجد مشروع بديل طرحه الرئيس التركي السابق تورجوت أوزال في‬
‫بداية التسعينيات فيما عرف باسم (مشروع خط أنابيب السالم لنقل الماء) وذلك من أجل التخفيف من‬
‫حدة الموقف المتوتر‪ ،‬إذا كان ينوي في ذلك نقل الماء من النهرين التركيين "سيحان وجيجان" في‬
‫أنبوبين إلى شبه الجزيرة العربية ودول الخليج العربي‪.‬‬

‫كان من المفترض مد خط أنابيب لنقل الماء بطول ‪ 2650‬كيلومتر يمر عبر سوريا مع فرع‬
‫يتفرع عنه إلى إسرائيل واألردن حتى يصل إلى مكة ومد خط آخر يبلغ طوله حوالي أربعة آالف‬
‫كيلو متر يمر عبر الكويت والبحرين وقطر واإلمارات العربية المتحدة وعمان حتى يصل إلى مسقط‪.‬‬

‫لم يتحقق هذا المشروع حتى اآلن بسبب ريبة وشك الدول العربية التي لم تكن تريد إدخال‬
‫نفسها في تبعية لتركيا ومختلف الدول التي يعبرها خط األنابيب هذا مثل إسرائيل‪.‬‬

‫تقوم تركيا بغض النظر عن "خط أنابيب السالم" الذي لم يتحقق حتى اآلن باستغالل‬
‫مخزوناتها المائية من أجل تعزيز عالقاتها مع إسرائيل‪ ..‬قامت إسرائيل التي مرت من العام ‪1998‬‬
‫حتى العام ‪ 2001‬بجفاف وقحط بالتوقيع في العام ‪ 2004‬بعد مفاوضات استمرت طيلة سنين على‬
‫معاهدة مع تركيا تنص على شراء إسرائيل من تركيا طيلة عشرين عاما ً خمسين مليون متر مكعب‬
‫من مياه الشرب في كل عام()‪.‬‬

‫ويبدو أن االستراتيجية التركية تجاه مسألة المياه لم تتغير بمتغير الحكومات حتى ولو كانت‬
‫حكومة حزب العدالة والتنمية ذات التوجه اإلسالمي وفي هذا الصدد قدم األمين العام األسبق لألمم‬
‫المتحدة بطرس بطرس غالي في الثمانينات طرح يقول بأن "نار الحرب القادمة في الشرق األدنى لن‬
‫تندلع بسبب السياسة وإنما من أجل المياه"‪ ...‬تسود حالة نقص المياه في أكثر من ثمانين دولة في‬
‫العالم غير أن هذه الحالة سوف تتفاقم حتى العام ‪ 2025‬بشكل مأساوي خاصة في دول الشرق‬
‫األدنى‪.‬‬

‫وفي ذلك يلعب التوزيع الجغرافي للمياه دوراً سياسيا ً مهماً؛ تحظى تركيا التي تقع فيها منابع‬
‫النهرين األكثر غنى بالمياه في الشرق األدنى – دجلة والفرات – بموقع يمكنها من احتكار المياه في‬
‫المنطقة – فال تزال كميات كبيرة من هذه المياه تجري من جبال طوروس إلى البحر من دون‬
‫استغاللها‪.‬‬

‫وفي المقابل تمتاز شبه الجزيرة العربية بمناخ صحراوي قاحل وجاف خال من الرطوبة مما‬
‫يعني أن كميات المياه التي تتبخر في هذه المنطقة الصحراوي تزيد – عما هي عليه الحال في‬
‫المناطق المعتدلة أي تزيد عن كميات مياه األمطار الهاطلة؛ لهذا السبب يعتمد أكثر من خمسين‬
‫بالمائة من السكان هناك على تحلية مياه البحر وعلى أنهار تجري في عدة دول أو على مصادر المياه‬
‫الجوفية()‪.‬‬

‫وهذا ما يمكن أن تستخدمه تركيا حزب العدالة والتنمية تبعا ً لخلفية الحزب الفكرية‬
‫األيديولوجية في السعي الستعادة القيادة التركية للمنطقة العربية العالم اإلسالمي باعتبارها قادرة على‬
‫سد حاجة الدول العربية من المياه وهذا التفكير جزء مما يمكن أن نسميه العثمانية الجديدة ولم يكن‬
‫منبعه داخل التيار المحافظ في تركيا وإنما كذلك هو جزء من حلم تركي إمبراطوري ولكن على‬
‫الشاكلة العلمانية ومن منطلق اإلعالء من روح القومية التركية لدى التيارات القومية العلمانية‬
‫المتشددة أيضاً؛ وهنا يتضح أن السياسة التي تمارس على أرض الواقع ومن الناحية الفعلية تكاد تكون‬
‫واحدة بغض النظر عن التنظير األيديلوجي لهذه السياسة أو تلك؛ وفي النهاية تبقى المسألة منصبة‬
‫أساسً على ما تمليه مصلحة األمن القومي للدولة التركية وهو في هذه الحالة االستحواذ على ما يمكن‬
‫االستحواذ عليه من مصادر المياه وسط مخاوف من نشوب حروب في المستقبل بسبب المياه‪.‬‬

‫ومن أهم وأخطر الملفات في العالقة التركية العراقية قضية األكراد فمنذ قيام الجمهورية‬
‫التركية منذ أكثر من ثمانين عاما ً والقضية الكردية هي الشاغل الرئيسي للحكومات التركية المتعاقبة‬
‫بالرغم من أن العالقة بين الجانبين شهدت فترات من الهدوء النسبي‪ ،‬بدأ الصراع عندما رفض‬
‫مصطفى كمال أتاتورك احترام معاهدة " سيفر" لعام ‪ 1920‬بين الحلفاء والدولة العثمانية‪.‬‬

‫وتعزز ذلك بمعاهدة "لوزان" لعام ‪ 1923‬التي لم تشر إلى مسألة إقامة دولة كردية‪.‬‬

‫وهكذا سعت النخبة التركية الكمالية منذ البداية إلى طمس الهوية الكردية واستبدالها بهوية‬
‫تركية وطنية فكان يطلق على األكراد اسم "أتراك الجبال"‪.‬‬

‫ولتحقيق ذلك الهدف استخدام القادة األتراك شتى أنواع القمع ضد األقلية الكردية بتركيا‪.‬‬

‫ويعيش في تركيا حاليا ً حوالي ‪ 15‬مليون كردي يتركز أغلبهم جنوب شرق البالد ويشكلون‬
‫‪ %20‬من تعداد السكان‪.‬‬

‫ومنذ إعالن قيام حزب العمال الكردستاني ‪ PKK‬عام ‪ 1979‬الذي اتخذ النضال المسلح‬
‫سبيالً لتحقيق هدفه بقيام دولة كردية في جنوب شرق تركيا منذ ذلك الحين والقضية الكردية هي أحد‬
‫أبرز المحددات الرئيسية لسياسة تركيا الخارجية والداخلية على حد سواء‪.‬‬

‫ففي عام ‪ 1980‬قام الجيش التركي بانقالب عسكري وكان فشل الحكومة في احتواء العنف‬
‫وتصاعد العمليات المسلحة الكردية أحد أهم أسباب االنقالب‪.‬‬

‫كما كان ألوضاع األكراد في دول الجوار والتغييرات التي طرأت عليها أثراً مباشراً على‬
‫الدولة التركية ففي ‪ 1979‬قام أكراد إيران بثورة تزامنت مع الثورة اإلسالمية ضد الشاه وأدى ذلك‬
‫إلى رفع سقف طموحات أكراد تركيا وحدوث اضطرابات على المناطق الحدودية بين الجانبين‪.‬‬

‫ومنذ منتصف السبعينات منحت العراق لألكراد الذين يعيشون على أرضها حقوقا ً اجتماعية‬
‫وثقافية ال يتمتع بها أكراد تركيا وال أي من أكراد دول الجوار وكانت نتيجة ذلك أن طالب األكراد‬
‫أنقرة بمنحهم مزيداً من حقوقهم المهدرة أسوة بإخوانهم في العراق‪.‬‬

‫وقد حاولت تركيا احتواء المشكلة الكردية من خالل تنسيق مواقفها مع دول الجوار التي‬
‫تعاني من نفس المشكلة‪ ،‬ففي عام ‪ 1979‬قام رئيس أركان الجيش التركي الجنرال كنعان أفرن بزيارة‬
‫لبغداد أفضت إلى توقيع اتفاق بين الجانبين على قمع حركات التمرد الكردية‪.‬‬

‫وفي مرحلة ما بعد حرب تحرير الكويت عام ‪ 1991‬واجهت تركيا أزمة جديدة فقد حاولت‬
‫بغداد استرداد سيطرتها على مناطق الشمال فقامت بعدة عمليات عسكرية أدت إلى نزوح مئات‬
‫اآلالف من األكراد العراقيين إلى الحدود مع تركيا وهو ما لم ترحب به أنقرة نتيجة المشاكل‬
‫واالضطرابات التي سببها هؤالء النازحون‪.‬‬

‫وكان حل هذه المشكلة هو أن قامت كل من واشنطن ولندن بفرض مناطق "آمنة" ‪Safe‬‬
‫‪ Haven‬يحظر على القوات العراقية الدخول إليها‪ ،‬ومن المفارقات أن هذا الوضع الجديد أنشأ مشكلة‬
‫أخرى بل وأكبر حجما ً ألنقرة فقد أدى انسحاب القوات العراقية من المنطقة وغياب سلطة فعلية من‬
‫بغداد إلى حدوث فراغ سياسي لم يمتلئ إال من قبل األكراد أنفسهم‪ ،‬وهكذا قام األكراد العراقيون‬
‫بإنشاء أول مجلس تشريعي لهم في مدينة أربيل؛ وكان تخوف الدولة التركية أن يكون هذا المجلس‬
‫نواة لدولة كردية؛ أضف إلى ذلك عدم اكتراث األكراد العراقيون لحقيقة قيام مقاتلي حزب العمال‬
‫بعمليات ضد تركيا انطالقا من األرضي القابعة تحت سيطرتهم‪.‬‬

‫وقامت تركيا بعدد من العمليات العسكرية في شمال العراق بهدف القضاء على مقاتلي حزب‬
‫العمال الكردستاني‪ ،‬ويمكن اإلشارة إلى أنه بغض النظر عن تغيير صانعي السياسة في تركيا‬
‫واختالف االئتالفات الحاكمة وتوجهاتها األيديولوجية فإن هذه العمليات شكلت سياسة مستمرة‬
‫وواضحة ألنقرة‪.‬‬

‫كما حاولت تركيا أن تربط أكراد العراق بمصالح اقتصادية معها وذلك الحتواء حزب العمال‬
‫الكردستاني بالمنطقة ويلخص الدكتور عبد هللا معوض دور تركيا تجاه األكراد في فترة التسعينيات‬
‫بأ‪،‬ه دور ذو أبعاد ثالثة "الحامي لألكراد العراقيين والوسيط بينهم والغازي أو المتحرك بإرادته‬
‫المنفردة في المنطقة دون اهتمام بأي قوانين دولية‪."..‬‬

‫كما تواجه الدولة التركية مشكلة أخرى ال تقل أهمية فهي تعتبر أن االقتصاد الكردي‬
‫بكردستان العراق أصبح يشكل تهديداً أكبر من قدرات األكراد العسكرية وذلك بعد أن أصبح األكراد‬
‫يحصلون على نسبة ‪ %13‬من قيمة صادرات النفط العراقية وفقا ً التفاقية النفط مقابل الغذاء مما قد‬
‫يدفعهم للسيطرة على مزيد من حقول النفط العراقية بالشمال عند اندالع الحرب‪.‬‬

‫لذلك فقد أكدت الحكومات التركية أن النفط العراقي هو ملك لدولة العراق وال يمكن أن تنتفع‬
‫منه جماعة معينة دونا عن باقي الشعب‪.‬‬

‫ويرى بعض المحللين أن تركيا ما تزال متمسكة بمطالبها في شمالي العراق خاصة مدينتي‬
‫الموصل وكركوك الغنيتين بالنفط واللتين كانتا تحت سيادة اإلمبراطورية العثمانية قبل تفككها؛ فعلى‬
‫سبيل المثال أعلن مسؤول تركي في يناير ‪ 2003‬أن تركيا قد تحاول استعادة هذه األراضي بالوسائل‬
‫القانونية لكن المسؤولين األتراك أكدوا في أكثر من مناسبة أن تركيا ليس لها أية مطالب في العراق‬
‫وهناك مخاوف كردية من أن تقوم القوات التركية بغزو لشمال العراق متذرعة بحماية األقلية‬
‫التركمانية التي ترتبط معها بروابط ثقافية وتاريخية؛ وقد أعلنت أنقرة موقفها بهذا إذا ما حاول‬
‫األكراد بسط نفوذهم على هذه المدينة أو غيرها من مدن الشمال العراقي‪.‬‬

‫وهكذا يمكن تلخيص سياسة تركيا تجاه العراق بعد حرب الخليج الثانية على النحو التالي‪:‬‬

‫الرفض القاطع ألي محاولة إلعادة تقسيم المنطقة جغرافيا ً انطالقا ً من مبدأ أن الوضع القائم‬ ‫‪2003‬‬

‫بالرغم من سلبياته يبقى أفضل من االنعكاسات األمنية والسياسية الخطيرة الناتجة عن عملية إعادة‬
‫التقسيم‪ ،‬لذلك أكدت الحكومات التركية في كل مناسبة أنها ملتزمة بوحدة العراق واستقالله وسيادته‬
‫على كامل أراضيه‪.‬‬

‫استمرار سيادة الخيار األمني العسكري على تعاطي أنقرة مع القضية الكردية‪.‬‬ ‫‪2004‬‬

‫أن تركيا طالما أظهرت قلقا ً كبيراً تجاه أي تحوالت في العالقة بين األقلية الكردية في الدول‬ ‫‪2005‬‬

‫المجاورة خاصة العراق – وحكومات هذه الدول السيما إذا ما أفضت هذه التحوالت إلى مزيد من‬
‫االستقاللية لألكراد وذلك تخوفا ً من قيام األقلية الكردية بتركيا بالمطالبة بنفس القدر من الحرية بل‬
‫ومحاولة االنفصال وإعالن دولة كردية في جنوب شرق البالد()‪.‬‬

‫وكما يبدو فإن سياسة تركيا تجاه العراق بعد حرب الخليج الثالثة أيضا ً لم تخرج عن النقاط‬
‫السابقة مما يثبت لنا أن المصلحة التركية واحدة وما يختلف فقط هو تبرير هذه المصلحة وتوفيقها مع‬
‫األيديولوجية التي يرتديها من يحكم؛ وما يتميز به حزب العدالة والتنمية أنه وصل إلى سدة الحكم‬
‫ونجح نجاحا ً استثنائيا ً على الساحة السياسية التركية ليس ألنه متمسك بأيديولوجية ما بقدر ما هو‬
‫متمسك بالبرامجاتية كأساس لتحركاته داخليا ً وخارجيا ً في محاوالت توفيقية أثبتت نجاحها على أرض‬
‫بين بين‪ ...‬علي أرض تتجلى فيها كل التوفيقيات بين جل المتناقضات على الجسر الذي يربط الشرق‬
‫بالغرب وتتقاطع عليه كل تناقضاتهما‪.‬‬

‫فالسياسة التركية واضحة بالنسبة للعراق حيث يجب الحفاظ على سيادته ووحدة أراضيه‪.‬‬

‫وهكذا بدى الموقف التركي في بدايته رافضا ً ألي عمل عسكري يفتقر للشرعية الدولية‪،‬‬
‫فالحكومة التركية كانت تأمل من خال ذلك أن تساعد في ثني الواليت المتحدة عن خوض حرب ضد‬
‫العراق‪.‬‬

‫لكن إصرار واشنطن ولندن على الخيار العسكري حتى بدون قرار جديد من مجلس األمن‬
‫يمنحهم هذا الحق أفضى إلى ضغوط شديدة على أنقرة‪.‬‬

‫فقد اكتشفت الحكومة التركية أنها لن تتمكن من إقناع واشنطن بالعدول عن قرارها بالحرب‪،‬‬
‫وهكذا اضطرت أنقرة لتغيير خطابها السياسي؛ ففي الحرب كما قال عبدهللا جول رئيس الوزراء في‬
‫حينها ووزير الخارجية ورئيس الجمهورية التركية حاليا ً "أنه تماشيا ً مع مصلحتنا الوطنية فإن تركيا‬
‫ستقف بجانب الواليات المتحدة حليفنا االستراتيجي"‪.‬‬

‫ويرى بعض المحللين أن الحكومة التركية كان عليها أن تختار بين رفض التعاون مع‬
‫واشنطن تحت مظلة االنصياع للشرعية الدولية وهذا يعني تعريض مصالح تركيا االقتصادية‬
‫وعالقتها االستراتيجية مع واشنطن والقضية القبرصية وقضية االنضمام لالتحاد األوروبي للخطر‪...‬‬
‫أو المضي في مغامرة محفوفة بالمخاطر مع الحليف األمريكي بالمشاركة في حرب ال تخدم المصالح‬
‫التركية‪ ..‬وضد الرأي العام التركي والعالمي وهذا يعني تعريض الحكومة والحزب الحاكم حزب‬
‫العدالة والتنمية لمأزق سياسي خطير"()‪.‬‬

‫كما أن الضرر االقتصادي البالغ الذي لحق بتركيا جراء حرب الخليج الثانية والذي يقدر‬
‫بنحو ‪ 40‬مليار دوالر نتيجة توقف معامالتها التجارية مع العراق جعل تركيا تدرك أن أي حرب‬
‫أخرى بالمنطقة لن تؤدي إال لتكبين أنقرة مزيداً من الخسائر االقتصادية؛ فمن المتوقع أن يتضرر‬
‫قطاع السياحة بشدة وأن تشهد تركيا هروبا ً لرؤوس األموال واالستثمارات إلى    الخارج باإلضافة‬
‫إلى احتمالية ارتفاع أسعار النفط التي سيكون لها تأثيرات مدمرة على االقتصاد التركي الذي لم‬
‫يتعافى بعد()‪.‬‬

‫وهكذا دخلت أنقرة في مفاوضات شاقة مع "حليفتها" واشنطن من أجل التوصل التفاق حول‬
‫قيمة المساعدات االقتصادية ودور تركيا في الحرب وما بعدها‪.‬‬

‫وقد شملت هذه المفاوضات مواضيع عدة إلى حد أن المفاوضين األتراك طلبوا من واشنطن‬
‫أن تراقب أنقرة عملية توزيع األسلحة على المقاتلين األكراد وسحبها منهم بعد أن تضع الحرب‬
‫أوزارها‪.‬‬

‫فما الذي حدث إذا في ‪ 1‬مارس خلف األبواب المغلقة للبرلمان التركي وبينما تظاهر في ذلك‬
‫اليوم مئات األلوف من األتراك في شوارعها ومدنها ضد الحرب صوت البرلمان التركي بـ ‪264‬‬
‫صوتا لصالح نشر ‪ 62‬ألف جندي أمريكي ومعارضة ‪ 251‬نائبا ً وامتناع ‪ 19‬نائبا ً عن التصويت؛‬
‫وهكذا لم تتمكن الحكومة من تمرير القرار الذي كان يحتاج إلى أغلبية مطلقة وفقا ً للدستور التركي‬
‫من أجل نشر قوات أجنبية على أراضي تركيا‪ ،‬وفي ذلك اليوم وبعد سماعهم الخبر خرج اآلالف إلى‬
‫الشوارع ليحتفلوا باالنتصار!‬

‫وقد يرى البعض أن تركيا فوتت فرصة ذهبية من أجل ملء خزائنها الخاوية من خالل‬
‫الحصول على أكبر قدر من المساعدات االقتصادية من واشنطن وتوقيعها على اتفاق تتمكن بمقتضاه‬
‫من الدخول إلى األراضي العراقية وتعزيز أهميتها الجيوسياسية كحليف استراتيجي للواليات المتحدة‬
‫باإلضافة إلى دعم واشنطن لسعيها االنضمام إلى االتحاد األوروبي‪.‬‬

‫بينما قد يرى آخرون أن تركيا اتخذت أفضل الخيارات الذي يخدم مصلحتها الوطنية وذلك‬
‫برفضها انتشار القوات األمريكية دون تحقيق ألكبر مكاسب سياسية واقتصادية ممكنة بما فيها عدم‬
‫تخلي أنقرة عن مبلغ ‪ 30‬مليار دوالر كدعم مالي نظير دورها في الحرب‪.‬‬

‫وحقيقة األمر أن الموقف التركي ال يمكن تفسيره من زاوية عقالنية القرار التركي برفضها‬
‫التنازل عن مصالحها الوطنية وال أيضا ً من زاوية سوء إدارة تركيا لمفاوضاتها مع واشنطن التي‬
‫أدت لتفويت هذه الفرصة النادرة‪.‬‬
‫فالبرلمان التركي كان له رأي آخر مختلف عن الحكومة‪ ،‬فقد رأى بعض الساسة أن تأييد‬
‫تركيا لواشنطن بل وحتى إرسال قوات تركية إلى العراق يعد بمثابة توريط تركيا في حرب ال ناقة‬
‫لها فيها وال جمل‪.‬‬

‫وأكد هذا المعنى السيد "أمن سيرين" عضو البرلمان التركي عن حزب العدالة والتنمية‬
‫ونائب رئيس لجنة الشؤون الخارجية بالبرلمان حيث أكد أنه صوت ضد طلب الحكومة للسماح بنشر‬
‫قوات أمريكية ألن دخول تركيا الحرب قد يؤدي الضطرابات داخلية وربما حرب أهلية تركية‪،‬‬
‫وأضاف قائالً "إن هذه الحرب ليست حربنا لذلك علينا أال نتورط فيها‪ ..‬إنني أقول ال وبشدة وسأشجع‬
‫الباقين على الثبات على موقفهم" وتساءل سيرين عما قد يلحق بتركيا إذا ما قامت بغزو شمال العراق‬
‫"إذا عبرت تركيا الحدود وقتل العديد من األكراد فإن ما قد يحدث بعد ذلك سيكون أمراً مروعا ً"‪.‬‬

‫وبقدر ما يعكس هذا الموقف تخوف بعض الساسة األتراك من الحرب فإنه يعكس كذلك‬
‫موقف الرأي العام الرافض وبشدة لنشر قوات أمريكية على أراضي تركيا؛ حيث أشارت‬
‫استطالعات الرأي المتواصلة في الفترة ما بين أكتوبر ‪ 2002‬وحتى مارس ‪ 2003‬أن أكثر من‬
‫‪ %90‬من األتراك يرفضون الحرب‪ ،‬وأكد هذا لمعنى "مراد مركان" نائب رئيس حزب العدالة‬
‫والتنمية حيث أشار أن الحكومة على دراية تامة بحالة الشارع التركي الذي يرفض وبشدة الحرب‬
‫على العراق‪.‬‬

‫وعقب قرار البرلمان خرجت صحيفة "وول ستريت جورنال" بافتتاحية انتقدت فيها فشل‬
‫أنقرة في إقناع رأيها العام والبرلمان بأهمية التصويت لصالح القرار معددة الفوائد التي كانت ستجنيها‬
‫تركيا من هذه الصفقة؛ وأضافت الصحيفة "اآلن يجب على األتراك أال يتوهموا أنهم سيحصلوا على‬
‫حصة من النفط العراقي بعد الحرب"‪.‬‬

‫لكن هناك من يرى أن مماطلة الحكومة التركية ليست نابعة من الضغوطات الداخلية التي‬
‫تواجهها أو حتى من حسابات المكسب والخسارة بل انطالقا ً من موقف أيديولوجي للحكومة الحالية‬
‫وعلى رأسها أردوغان؛ أي أن هناك "بوادر لعودة تركيا إلى الشرق على عكس إرادة النخبة المهيمنة‬
‫وعلى رأسها العسكر"‪.‬‬

‫وقد يجانب هذا الرأي التوفيق لعدة أسباب فالموقف الحرج الذي واجهته تركيا كان يستدعي‬
‫التعامل معه بمرونة وبراجماتية حتى لو كان خيار العودة إلى الهوية اإلسالمية هو ما ترمي إليه‬
‫الحكومة على المدى البعيد؛ وفي جميع األحوال فإن الحكومة التركية لم يكن موقفها من الثبات إزاء‬
‫األزمة العراقية بحيث يمكن القول أنه يستند إلى معايير أيديولوجية()‪ ،‬وإنها كان موقفها يتأرجح بين‬
‫هذه الخلفية األيديولوجية والبراجماتية والتي ال تعني بالضرورة التعاون مع الغزو األمريكي‬
‫فالمصلحة تختلف باختالف التوجهات أيضا ً‪.‬‬

‫أما بالنسبة للجنراالت فقد التزم مجلس األمن القومي الصمت في البداية ربما ألنه ال يريد أن‬
‫يكون في واجهة التأييد للواليات المتحدة‪.‬‬

‫لكن الجنراالت خرجوا عن صمتهم عقب تصويت البرلمان ضد قرار نشر القوات األمريكية‬
‫مؤكدين أن مصلحة تركيا هي مع واشنطن فالمؤسسة العسكرية ترى أنه ال مناص من دخول القوات‬
‫التركية شمالي العراق من أجل منع قيام دولة كردية بالمنطقة وهكذا فإن على تركيا أن تنحاز‬
‫لواشنطن كي تضمن اتفاق معها بهذا الشأن؛ وأعلن الجنرال حلمي أزكوك القائد الرئيسي للجيش في‬
‫الخامس من مارس ‪ 2003‬أنه يقف بجانبه طلب واشنطن بنشر قواتها في تركيا وأن يتم فتح جبهة‬
‫شمالية ضد العراق انطالقا ً من األراضي التركية‪.‬‬

‫لكن الموقف التركي لم يغير من عزيمة واشنطن لخوض الحرب وفقا ً لجدولها الزمني‬
‫فأعلنت صراحة أنه حتى لو لم توافق تركيا على فتح أراضيها فإن توقيت الحرب لن يتغير – وبالفعل‬
‫لم يتغير ‪.-‬‬

‫وفي ‪ 19‬مارس ‪ 2003‬أعلن كولن باول أن حزمة المساعدات المالية المباشرة لتركيا وهي‬
‫حوالي ‪ 6‬مليار دوالر قد تم سحبها من على الطاولة‪.‬‬

‫ويبدو أن إصرار واشنطن على الحرب وتخوف األتراك من إغضابها دفع البرلمان إلى‬
‫محاولة استرضاء األمريكيين بأي شكل وإعادة تقييم موقفهم السابق المتعلق بمسألة نشر القوات‬
‫األمريكية على األراضي التركية؛ ففي ‪ 21‬مارس ‪ 2003‬صوت البرلمان بأغلبية ‪ 332‬صوتا ً مقابل‬
‫‪ 202‬على فتح المجال الجوي التركي أمام المقاتالت األمريكية‪ ،‬وكان واضحا ً دور رئيس الوزراء‬
‫رجب طيب أردوغان في حث البرلمان على الموافقة عل الطلب األمريكي فقد جاء التصويت في‬
‫أعقاب مناقشات "مطولة" بينه وبين أعضاء حزبه في البرلمان‪.‬‬
‫وقد عقب وزير الدفاع (وجدي جونول) على ذلك قائالً "إن المصلحة التركية تقتضي ذلك‬
‫وإن رئيس الوزراء رجب طيب أردوغان أبلغ وزير الخارجية األمريكي كولن باول قرار الحكومة‬
‫التركية"‪.‬‬

‫وبالرغم من أن البرلمان التركي وافق على فتح المجال الجوي التركي للمقاتالت والصواريخ‬
‫األمريكية فإنه أقر قانونا ً يسمح بإرسال قوات تركية إلى شمال العراق األمر الذي يعكس توجس أنقرة‬
‫بمختلف أطياف ساستها وقلقهم على مصير الشمال العراقي‪.‬‬

‫وفي ‪ 24‬مارس ‪ 2003‬أعلن الدبلوماسيون األتراك واألمريكيون عن عدم تمكنهم من‬


‫التوصل إلى اتفاق على المطالب التركية بنشر قوات لها شمالي العراق‪ .‬لكن موفد الواليات المتحدة‬
‫لدى المعارضة العراقية خليل زاده أكد أن الجانبين اتفقا ً على استكمال المحادثات بينهما في وقت‬
‫الحق‪.‬‬

‫وهكذا جاءت زيارة باول مطلع أبريل ألنقرة في توقيت مفاجئ حتى بالنسبة لألتراك أنفسهم‪.‬‬

‫وربما يكون أحد أسباب تمكن أنقرة من تسويق ذلك االتفاق هو تقليل الساسة األتراك من شأن‬
‫التسهيالت العسكرية التي قدمتها لواشنطن والتأكيد أن أنقرة لم ولن تسمح بنشر قوات أمريكية على‬
‫أراضيها طالما رفض البرلمان ذلك؛ فقد أعلن مستشار الشؤون الخارجية في الحكومة التركية عقب‬
‫محادثات باول وجول أن تركيا أكدت على موقفها الرافض لتقسيم العراق وأشار إلى أن الواليت‬
‫المتحدة تشارك تركيا هذا الرأي‪.‬‬

‫وأكد عبد هللا جول في حديث له أن تركيا " ال تشارك في الحرب لكنها "تتعاون مع حلفائها"‬
‫وأضاف أن الحكومة ملتزمة بقرار البرلمان مشيراً إلى أن الشاحنات التي عبرت تركيا إلى الشمال‬
‫العراقي ال تحمل معدات عسكرية بل غذاء ووقود‪ ،‬كما أكد جول أن بالده لن تسمح لألكراد بالسيطرة‬
‫على مناطق شمالي العراق وأن القوات التركية قد تضطر للتدخل إذا ما حدث نزوح لالجئين‪.‬‬

‫وهكذا يمكن القول أن أنقرة لم تنتهج سياسة ثابتة تجاه "األزمة العراقية" رغم ثبات موقفها‬
‫تجاه مسألة تقسيم العراق فاضطرت إلى تعديل موقفها أكثر من مرة وفقا ً للظروف وللتطورات‬
‫الداخلية والخارجية()‪.‬‬

‫وسقطت بغداد العاشر من أبريل ‪ ،2003‬ومع االحتالل األمريكي للعراق كانت ترتسم‬
‫المتغيرات التالية‪:‬‬

‫انتقال العراق من الصيغة الوحدوية إلى الصيغة الفيدرالية‪.‬‬ ‫‪2006‬‬

‫ظهور كيان كردي بكل ما تعنيه الكلمة‪.‬‬ ‫‪2007‬‬

‫تمركز مسلحي حزب العمال الكردستاني في شمال العراق‪.‬‬ ‫‪2008‬‬

‫تسجيل األكراد نقاط تقدم مهمة في مسألة كركوك‪.‬‬ ‫‪2009‬‬

‫ارتفاع منسوب التضامن واألخوة بين أكراد العراق وأكراد تركيا‪.‬‬ ‫‪2010‬‬

‫خرجت تركيا من التأثير في المعادلة العراقية من الداخل إذا افتقدت أوراق التأثير المباشر‪،‬‬
‫كما افتقدت القدرة على القيام بتحريك عساكرها عبر الحدود في ظل الفيتو األمريكي على ذلك()‪ ،‬رغم‬
‫قيامها مؤخراً بقصف شمال العراق بالمدفعية والصواريخ إلرجاع حزب العمال الكردستاني عن‬
‫األعمال التخريبية واالنفجارات داخل األراضي التركية وتهديد العديد من المسؤولين األتراك سواء‬
‫من الحكومة أو المؤسسة العسكرية بتوجيه ضربة عسكرية قاسمة لألكراد في شمال العراق أو الغزو‬
‫الكامل لشمال العراق مما ألهب طاولة الشطرنج بين أنقرة وواشنطن‪.‬‬

‫هذه النتائج السلبية للغزو األمريكي للعراق على المصالح التركية كانت في المقابل عامالً‬
‫لمزيد من التقارب التركي مع العالم العربي‪ ،‬فالقناعة السائدة في العالم العربي أن وحدة العراق في‬
‫خطر وأن تقسيم العراق يشكل خطراً على األمن القومي العربي؛ هنا يتالقى المزاج العربي مع‬
‫الموقف التركي الرسمي والشعبي حول أهمية بقاء العراق موحداً ومعارضة كل أشكال التقسيم‪ ،‬من‬
‫هنا كانت الفكرة التركية حول مؤتمر لدول الجوار العراقي لتشكيل حالة ضاغطة تحول دون استفراد‬
‫بعض العراقيين واألمريكيين بتقرير مستقبل العراق خصوصا ً في ظل الرغبة الجامحة ألكراد‬
‫العراق في االستقالل وبدعم إسرائيلي مطلق()‪.‬‬

‫ووفق الرؤية التركية فإن ما يجري في العراق حاليا ً يقرب ما بين تركيا والدول العربية حيث‬
‫أن هناك أهدافا ً مشتركة للطرفين تتمثل في التالي‪:‬‬

‫الحفاظ على وحدة وسيادة أراضي العراق ومنع تجزئته‪.‬‬ ‫‪2011‬‬

‫تجنب قيام حرب أهلية هناك بسبب اختالف موازين القوى بين أعراقه وطوائفه‪.‬‬ ‫‪2012‬‬
‫ضمان التوزيع العادل للثروة النفطية على جميع العراقيين()‪.‬‬ ‫‪2013‬‬
‫ثالثا ً‪ :‬السياسة الخارجية التركية تجاه سوريا‬
‫من دمشق نستطيع أن نرى من زاوية أوضح حقيقة العالقة بين تركيا والعالم العربي؛ فنرى‬
‫أولى نقاط العداء عند لواء اإلسكندرونة وأولى نقاط التقارب في الجانب اآلخر من الحدود السورية‬
‫التركية عند كردستان‪ ،‬نرى ذلك بالمرور على الثورة العربية ضد األتراك والتي استعرت نارها في‬
‫سوريا ومآذن دمشق واسطنبول وهي تعانق سماء واحدة‪ ،‬من هنا نرى تناقضات السياسة بين التاريخ‬
‫والمستقبل بين حلف وارسو وحلف الناتو بين فتوحات اإلسالم والثورات القومية بين التحالف مع‬
‫إسرائيل ومقاومة االحتالل؛ وهنا ترتسم لنا بشكل أوضح طبيعة السياسة الخارجية التركية تجاه العالم‬
‫العربي‪.‬‬

‫بعد توقيع حلف بغداد ‪ ،1955‬حذت سوريا حذو مصر وراحت تتبنى سياسة التعاون مع‬
‫االتحاد السوفيتي وفي سنة ‪ 1956‬بدأ السوفيتيين في تزويد سوريا بالسالح وفي العام التالي في ظل‬
‫معاهدة التعاون االقتصادي قام الخبراء السوفيتيين بتشييد عدد من المنشآت في سوريا؛ وفي حرب‬
‫‪ 1967‬بين العرب وإسرائيل استولت إسرائيل على مرتفعات الجوالن ومنذ ذلك الوقت صار هدف‬
‫سوريا استعادة األرض المحتلة لكن المحاولة العسكرية لتحقيق الهدف قد فشلت في حرب ‪.1973‬‬

‫ولقد شهدت العالقات التركية السورية بعض التقلبات بين التحسن والتدهور أثناء حكم حافظ‬
‫األسد؛ ولكي يخرج من عزلته عمل على تجنب إثارة توتر ما مع تركيا وأبدى مرونة في موقفه‪.‬‬

‫إن جوهر العقبات التي تحول دون تحسن حقيقي في العالقات بين البلدين يكمن دون شك في‬
‫تشعب ارتباطات كل من البلدين‪ ،‬فما زالت ترسبات الحرب الباردة لم تبرح مكانها بعد بين سوريا‬
‫الحليف الوثيق لالتحاد السوفيتي السابق وتركيا عضو حلف الناتو‪.‬‬

‫أما مشكلة لواء (سنجق) اإلسكندرونة‪ ،‬فإنه لم يكن من الوجهة العامة موضوعا ً مثاراً من قبل‬
‫سوريا؛ ولكن عندما يأتي ذكره في الصحافة السورية فإن هذا يقابل عند الرأي العام التركي بردود‬
‫فعل عنيفة‪.‬‬

‫هذا وقد ظل األمر الذي يثير حفيظة تركيا لسنين طوال هو فتح سوريا أبوابها لعناصر‬
‫الفوضويين خالل فترة السبعينات وقيامها بتدريبهم وتسليحهم ثم تسريبهم إلى داخل األراضي‬
‫التركية‪ ،‬هذا إلى جانب مساعدة سوريا لإلرهابيين األرمن‪ ،‬ويضاف إلى ذلك تلك الشكوك التي‬
‫حامت حول السلطات السورية في مساندتها لإلرهابيين األكراد األتراك خالل الثمانينات وكانت‬
‫سوريا مسؤولة بوجه خاص عن نقل مقر عبد هللا أوجالن من البقاع إلى دمشق‪.‬‬

‫في الثمانينات دأب أوجالن على دس إرهابيين أكراد داخل مناطق الجنوب الشرقي‬
‫لألناضول بعد أن تم تدريبهم في وادي البقاع اللبناني والذي كان تحت سيطرة سوريا‪.‬‬

‫وقد أنكرت سوريا ما نسب إليها من تدريب وتسليح لهؤالء اإلرهابيين أو تقديم تسهيالت لهم‪،‬‬
‫ولكن أنقرة كانت متيقنة من عكس ما يقوله السوريون‪.‬‬

‫ورغم ما سبق إال أن االتصاالت الرسمية بين البلدين لم تنقطع بما في ذلك مناقشة بعض‬
‫القضايا ومن أهمها مشكلة اإلرهاب ففي ‪ 1972‬قام وزير الخارجية التركي "خلوق باي أولكن"‬
‫بزيارة دمشق وفي العام التالي قام نظيره السوري خدام برد الزيارة ألنقرة وفي ‪ 1979‬و‪ 1983‬تبادل‬
‫وزيرا الخارجية الزيارة أيضاً‪ ،‬وفي مارس ‪ 1987‬قام رئيس الوزراء التركي أوزال بزيارة إلى‬
‫دمشق وبعدها بشهرين قدم قدورة نائب رئيس الوزراء السوري في زيارة لتركيا؛ وفي هذه اللقاءات‬
‫المتكررة طرحت بعض القضايا المشتركة من قبيل مشاكل التهريب والهاربين عبر الحدود ومشاكل‬
‫االتجار عبر الحدود وسبل تنمية التجارة بين البلدين كما حظيت مسألة تنظيم تقسيم مياه الفرات‬
‫باهتمام خاص()‪.‬‬

‫وبالنسبة لمشكلة تقاسم المياه بين تركيا وسوريا فقد مرت بأطوار عدة بين التأزم واالنفراج؛‬
‫فال يقدم القانون الدولي المتعلق بالمياه جوابا ً واضحا ً على السؤال عن ماهية الحقوق في الماء التي‬
‫يمكن أن تطالب بها الدول التي يقع فيها المجرى العلوي والمجرى السفلي لنهر ما؛ لقد تم فقط تطوير‬
‫مبادئ يمكن أن تشير إلى اإلجابة عن هذا السؤال‪ ،‬بيد أن هذه المبادئ ال تشكل حتى اآلن آية‬
‫التزامات قانونية‪.‬‬

‫وقدِّرت في مارس ‪ 2004‬فرص التعاون ما بين تركيا وسوريا على أنها جيدة جداً‪ ،‬في‬
‫ورشة عمل عقدها بعض الخبراء في مركز أبحاث التنمية في بون حول موضوع الماء والتنمية‬
‫والعمل المشترك‪ ،‬ويكمن سبب ذلك – حسب الخبراء المشاركين في الورشة – في أن تركيا التي‬
‫تسعى إلى إظهار وزنها في المنطقة وتسعى لزيادة جاذبيتها بالنسبة لالتحاد األوروبي قد أبدت‬
‫استعداداً كبيراً للحوار‪.‬‬
‫لقد ثبتت صحة هذا التقدير مع التوقيع على معاهدة للتجارة الحرة بين سوريا وتركيا في‬
‫ديسمبر ‪2004‬؛ فثمة خطوات أولى قد قطعت في طريق العمل المشترك‪ ،‬لكن المشكلة ال تزال قائمة‬
‫حيث أن سوريا والعراق ال يزاال يشعران بالظلم باإلضافة إلى أن تركيا نفسها تعاني النقص في المياه‬
‫في المناطق ذات الكثافة السكانية فوق المتوسطة مثل منطقة اسطنبول الكبرى()‪.‬‬

‫وفي سنة ‪ 1987‬توصلت الدولتان إلى معاهدة حول قواعد الترحيل وفي أثناء زيارة أوزال‬
‫إلى دمشق في يوليو من نفس العام وقع الطرفان بروتوكول التعاون في القضايا األمنية وقد نص على‬
‫منع ومراقبة تهريب البضائع واألفراد واالتجار عند الحدود بعملة مزيفة واتفق أيضا ً على ترحيل‬
‫الهاربين إلى أوطانهم مع اتخاذ اإلجراءات الكفيلة للحيلولة دون أنشطة الجماعات واألفراد الذي‬
‫يضمرون نية التخريب ضد أمن واستقرار البلدين المعنيين‪ ،‬كماأتفق الطرفان على مواصلة اللقاءات‬
‫سنويا ً لمعالجة كل هذه القضايا‪.‬‬

‫على أن تدخل سوريا في لبنان سنة ‪ 1976‬أحدث ردود فعل سلبية في تركيا كما أن مساندة‬
‫سوريا إليران أثناء حربها مع العراق كان متعارضا ً مع الموقف المحايد الذي اتخذته أنقرة‪ ،‬إذ كانت‬
‫تتحسب كثيراً من هذا الموقف السوري الذي يزيد من مضاعفات األمور في المنطقة ويجعلها أكثر‬
‫تعقيداً‪.‬‬

‫لقد كان لألحداث التي وقعت في ‪ 1989/1990‬داخل البلدان الشيوعية في شرق أوروبا ثم‬
‫انزواء االتحاد السوفيتي داخل قوقعته نتيجة لهذه التطورات‪ ،‬كان لهذا كله أبعد اآلثار المقلقة بالنسبة‬
‫لسوريا‪ ،‬ولعل أشد ما بات يشغل دمشق في السنوات األخيرة أمر تخفيض كم السالح الذي كان‬
‫االتحاد السوفيتي يمد به سوريا إلى جانب السماح لليهود السوفيتي بالهجرة إلى إسرائيل‪ ،‬وأمام هذه‬
‫المتغيرات عندما اندلعت الحرب عقب غزو العراق للكويت في ‪ 2‬أغسطس ‪ 1990‬تحركت سوريا‬
‫مقتربة من الموقف المصري إلى جانب الغرب أثناء الحرب‪.‬‬

‫وعندما قام وزير الخارجية السوري فاروق الشرع بزيارة رسمية لتركيا يونيو ‪1990‬‬
‫طُرحت القضيتان األساسيتان وهما المياه واألكراد‪ ،‬وصرح الشرع أن سوريا جادة في إرساء قواعد‬
‫الصداقة والتفهم مع تركيا وبأن حكومته عازمة على التعاون مع تركيا على مختلف األصعدة مع‬
‫اهتمام خاص من الجانب السوري بمسألة مياه الفرات والتي ينبغي على حكومة أنقرة أن تنظر إليها‬
‫بتفهم أرحب‪ ،‬وأثناء زيارته التالية السطنبول في أغسطس ‪ 1991‬للمشاركة في اجتماع منظمة‬
‫المؤتمر اإلسالمي العشرين على مستوى وزراء الخارجية لفتت تركيا نظر الشرع إلى مسألة إرهاب‬
‫األكراد وإلى األعمال التي ارتكبوها‪ ،‬األمر الذي استتبع قيام تركيا بعملية عسكرية على الحدود أثناء‬
‫زيارة الشرع‪ ،‬وقد رد الشرع على مطلب تركيا بضرورة أن تتخذ سوريا إجراءات وقائية ضد قواعد‬
‫األكراد في سوريا بقوله إن وادي البقاع وإن كان يقع تحت رقابة عسكرية سورية إال أن القوات‬
‫العسكرية السورية ال يمكنها أن تتدخل في شؤون سلطات األمن في المنطقة وبأي حال لم تكن هذه‬
‫الحجج السورية مقنعة لتركيا‪.‬‬

‫وقد شكل اتساع نطاق التدخل التركي في شمال العراق خصوصا ً إبان عملية "فوالذ ‪– "97‬‬
‫التي قامت بها القوات التركية في شمال العراق – وفي إطار تنامي التحالف التركي – اإلسرائيلي‬
‫مصدراً رئيسيا ً لتوتر العالقت السورية – التركية ومن أبرز الوقائع الدالة على ذلك إدعاء أرول‬
‫أوغسناك أمين عام رئاسة األركان التركية في ‪ 6/6/1997‬بعد إسقاط حزب العمال الكردستاني‬
‫‪ PKK‬طائرتي هليكوبتر تركيتين في شمال العراق إبان هذه العملية باستخدام صواريخ سام ‪ 7‬مما‬
‫أدى إلى مصرع ‪ 13‬ضابطا ً وجنديا ً‪" :‬أن ست دول تتصدرها سوريا ثم إيران واليونان وصربيا‬
‫وقبرص اليونانية وأرمينيا قامت بتزويد متمردي الـ ‪ PKK‬بهذه الصواريخ وتدريبهم على‬
‫استخدامها"‪.‬‬

‫ومن جانبها جددت سوريا رفضها لهذه االتهامات على أساس أن المشكلة األساسية لألكراد‬
‫داخل تركيا ويجب أن تعالج داخلها وأال يُلقى اللوم على اآلخرين وأن سوريا يهمها وحدة تركيا‬
‫وسالمة أراضيها وال مصلحة لها في غير ذلك ولكن هناك من يحرك المؤسسة العسكرية التركية‬
‫(إسرائيل) لتوتير األجواء مع سوريا دون مبرر وفقا ً لتصريحات وزير خارجيتها فاروق الشرع في‬
‫‪ 21/6/1997‬و‪13/7/1997‬؛ كذلك فقد اتسع النطاق الجغرافي لعملية "فوالذ ‪ "97‬إلى قرب الحدود‬
‫السورية العراقية حيث شهدت تلك العملية خصوصا ً في الفترة من ‪ 28/5/1997-18‬تحركات برية‬
‫وقصفا ً جويا ً تركيا قرب هذه الحدود بحجة منع حزب العمال الكردستاني ‪ PKK‬من تحريك‬
‫تعزيزات من قواعده داخل سوريا؛ وعلى الرغم من أن سوريا لم ترد على هذه التحرشات بحشود‬
‫عسكرية على حدودها مع تركيا إال أن ضخامة حجم القوات التركية المشاركة في هذه العملية‬
‫وتوغلها في الشمال العراقي قرب مشارف أربيل والموصل وتعاونها مع البارزاني وعدم انسحابها‬
‫بالكامل في ‪ 21/6/1997‬والتأييد األمريكي واإلسرائيلي للعملية وزيادة احتماالت تحركها إلقامة‬
‫منطقة عازلة وهو ما تحقق الحقا ً في ‪ 22/10/1997‬أثار مخاوف سوريا وقلقها من أن تكون هذه‬
‫العملية بداية تحرك تركي مدعوم إسرائيليا ً وأمريكيا ً لتقسيم العراق ومن بعده دول عربية أخرى‪،‬‬
‫ولزيادة الضغط عليها عبر تطويقها من الشمال بتركيا ومن الجنوب بإسرائيل ومن الشمال الشرقي‬
‫بمنطقة أمنية تركية أو قوات مشتركة تركية – كردية من حزب البازاني فضالً عن مخاوفها من أن‬
‫تشكل هذه العملية خطوة على طريق مشروع صهيوني قديم يثار من وقت آلخر بشأن توطين‬
‫الفلسطينيين في شمال العراق()‪.‬‬

‫فبرغم حرص سوريا على مصالح العالقات التاريخية بين شعبي تركيا وسوريا بما ينسجم‬
‫مع روح التضامن ويخدم مصالح الشعبين؛ إال أن مجلس الوزراء السوري أكد في سبتمبر ‪ 1998‬أن‬
‫أي تحالف عسكري مع إسرائيل يعتبر مساندة الستمرار احتالل إسرائيل للقدس الشريف ولبقية‬
‫األراضي العربية وتعطيالً إلقامة السالم العادل والشامل في المنطقة‪ ،‬واعتبر أن التحالف العسكري‬
‫التركي اإلسرائيلي يشكل خطراً على أمن المنطقة واستقرارها وعلى المصالح العربية التركية‬
‫المشتركة‪.‬‬

‫وحذر ناصر قدور وزير الدولة السوري للشؤون الخارجية آنذاك من أن التحالف التركي‬
‫اإلسرائيلي أخطر من األحالف السابقة في المنطقة ألن إسرائيل محوره وهي دولة توسعية عدوانية‬
‫وأكد أن مصلحة تركيا مع الدول العربية؛ وأكدت صحيفة "البعث" الناطقة بلسان الحكومة أن التعاون‬
‫العسكري التركي اإلسرائيلي يعتبر استبداالً للسالم بـ"األحالف العدوانية المشبوهة" وأن هذا لحلف‬
‫سوف يوتر األوضاع في المنطقة ولن يتسبب في الضغط على العرب وتحديداً سوريا‪.‬‬

‫والمعروف أن العالقات التركية السورية يشوبها بعض التوتر بسبب اتهام أنقرة لدمشق بدعم‬
‫حزب العمال الكردستاني باإلضافة إلى الخالف حول حصص مياه نهر الفرات وتخشى سوريا من‬
‫أن يؤدي هذا التحالف إلى الضغط عسكريا عليها عن طريق مراقبتها بواسطة أجهزة تنصت توضع‬
‫على الحدود التركية باإلضافة إلى إتاحة مجال عمل وعمق أكبر للقوات الجوية اإلسرائيلية‪.‬‬

‫وقد شكل التعاون العسكري التركي اإلسرائيلي واحدة من أسباب التوتر بين تركيا وسوريا‪،‬‬
‫وأبدت دمشق قلقا ً شديداً من المناورات المشتركة التركية اإلسرائيلية حيث اعتبرتها سوريا تهديداً‬
‫مباشراً لها وشككت في طابعها السلمي؛ وقال وزير الخارجية السوري فاروق الشرع في‬
‫‪" 18/9/1997‬إن هذه المناورات يمكن أن تعتبر من أجل االرتقاء واألبحاث لكنها يمكن أن تتحول‬
‫إلى عملية عسكرية تهدد أمن المنطقة وتهدد أطرافها في أية لحظة مناسبة"‪ ،‬وأضاف الشرع أن هذه‬
‫المناورات "تشكل تهديداً لألمن القومي العربي"()‪.‬‬

‫وقبيل الغزو األمريكي للعراق وبعده وبعد صعود حزب العدالة والتنمية إلى السلطة‬
‫والموقف التركي من حرب الخليج الثالثة كل ذلك بدى وكأنه يقرب ما بين تركيا وسوريا على وجه‬
‫الخصوص وبقية العالم العربي بوجه عام‪.‬‬

‫فكانت سوريا تشاطر تركيا قلقها من تقسيم العراق حيث أنها تعاني أيضا ً من مشكلة األكراد‬
‫حيث يقطن بها ما يربو على المليون والنصف مليون نسمة من األكراد يعانون من االضطهاد ولهم‬
‫نزعات انفصالية وهذا ما يفسر عدم تردي العالقات التركية – السورية رغم الضغوط األمريكية‬
‫والعربية بعد اغتيال رفيق الحريري لوقف التحسن المطرد بين البلدين‪.‬‬

‫ولكن ال تزال توجد قضايا خالفية عالقة بين البلدين حيث تريد تركيا من سوريا اعترافا ً‬
‫بسيادتها على لواء اإلسكندرونة أو إعادة ترسيم الحدود وبذريعة‪ ،‬أنه مع تطوير العالقات مع سوريا‬
‫بصفتها جاراً يجب على كل جار أن يعرف حدوده أوالً؛ وكذلك موقف تركيا من مسألة الفرات ودجلة‬
‫حيث أكدت تركيا على أن لها السيادة على النهرين واالستفادة القصوى من مياه أنهارها الوطنية حتى‬
‫آخر نقطة حدودية ورفض وصف النهرين بأنهما مشتركان مع الدول العربية التي يمران بها‪ ،‬إال أن‬
‫الهم الكردي قرَّب من مواقف تركيا مع سوريا وإيران رغم عدم موافقة الواليات المتحدة األمريكية‬
‫على ذلك حيث ّ‬
‫حذر ريتشارد بيرل تركيا من إقدامها على آراء مخالفة لدواعي القلق األمريكي من‬
‫إيران وسوريا()‪.‬‬

‫وعلى صعيد آخر فقد حملت حرب تموز يوليو ‪ 2006‬من ضمن ما حملت في جعبتها قضية‬
‫تماس أخرى هذه المرة في لبنان عندما عرضت تركيا المشاركة في قوات حفظ السالم الدولية‬
‫(اليونيفيل) بلبنان؛ ولم يستطع إجماع األنظمة العربية على محاولة عزل سوريا وكسر حزب هللا أن‬
‫يشكل حافزاً لتركيا لقراءة خادعة لحقائق الواقع اللبناني والقفز عن العامل السوري في المعادلة‬
‫اللبنانية وإن زيارة عبد هللا جول وزير الخارجية التركي إلى دمشق ‪ 22‬أغسطس ‪ 2006‬مؤشر‬
‫إيجابي إلى واقعية في السياسة الخارجية التركية‪ ،‬إن التنسيق الكامل بين تركيا وسوريا في المسألة‬
‫اللبنانية أكثر من ضروري لتجنب أي تدهور في العالقات العربية – التركية‪ ،‬التي تبعا ً للحقائق‬
‫الجغرافية تشكل سوريا بوابتها الحتمية()‪.‬‬
‫رابعا ً‪ :‬السياسة الخارجية التركية‬
‫تجاه الصراع العربي – اإلسرائيلي‬
‫كانت ومازالت القضية الفلسطينية عامالً حاسما ً في عالقات تركيا بالعالم العربي الذي كان‬
‫يقيّم عالقاته مع تركيا ومع سائر الدول األخرى من زاوية العامل الفلسطيني اإلسرائيلي؛ وال يمكن‬
‫القول أن هذا التقييم قد أثر كثيراً على تركيا‪ ،‬ألن موقف تركيا تجاه العالم العربي حتى الستينات من‬
‫القرن الماضي وقع تحت تأثير عالقات تركيا بالغرب‪ ،‬هذا وال يمكن االدعاء أن سياسة تركيا تجاه‬
‫إسرائيل قد وقعت برمتها تحت تأثير هذا االتجاه‪ ،‬أي أن موقف تركيا نحو إسرائيل قد انفصل من‬
‫حين آلخر عن هذا العامل الغربي الذي لعب دوراً مهما ً في سياسة تركيا الخارجية‪.‬‬

‫من جهة أخرى فقد رغبت تركيا ابتدا ًء من أوائل الخمسينات في القيام بدور مهم في الشرق‬
‫األوسط وبذلت جهدها لتأسيس نظام أمني في المنطقة موجها ً أصالً إلى العالم العربي فجعل ذلك من‬
‫غير الممكن إعطاء تركيا إلسرائيل أهمية كبيرة ألنها تشكل عامل تفرقة بين تركيا والعالم العربي‪،‬‬
‫وأصبح ذلك واضحا ً في حلف بغداد ‪ ،1955‬فلم تتردد تركيا في تبني القضية العربية تجاه إسرائيل‬
‫وأبدت بعد ذلك مزيداً من الحذر والدقة في عالقاتها مع إسرائيل والسيما من حيث ردود فعل الدول‬
‫العربية‪.‬‬

‫وبالرغم من ذلك ال يمكن القول أن سياسة تركيا نحو إسرائيل كانت مستقلة تماما ً عن‬
‫الغرب‪ ،‬فقد كانت الواليات المتحدة خاصة ذات تأثير واضح على موقف تركيا نحو إسرائيل‪ ،‬وظلت‬
‫تركيا مجبرة على إتباع الحذر في سياستها نحو إسرائيل ويعود ذلك إلى العالقات التركية –‬
‫األمريكية التي ظلت قوية واتصفت بالتعاون خاصة في المجال العسكري‪ ،‬ونخص بالذكر ارتباط‬
‫المساعدات األمريكية بالكونجرس األمريكي وضرورة موافقته عليها باستمرار وكانت تركيا تبدي‬
‫رد فعل واضح عندما ترتكب إسرائيل أفعاالً أو اعتداءات تسبب ظهور رد فعل قوي في الرأي العام‬
‫العالمي‪ ،‬لكنها دائما ً تجنبت الوصول إلى حد القطيعة في عالقاتها بإسرائيل؛ لذا قامت تركيا بتخفيض‬
‫مستوى عالقاتها مع إسرائيل بالتدريج منذ ‪ - 1956‬كرد فعل على العدوان على مصر ‪-‬؛ ولكنها لم‬
‫تفكر قط في قطع عالقاتها الدبلوماسية معها‪ ،‬وال يمكن إنكار فعالية العامل األمريكي في هذا المجال‪.‬‬

‫بالمقابل ال يمكن إنكار دور القضية القبرصية في العالقات التركية العربية والسياسية التركية‬
‫تجاه القضية الفلسطينية حيث أن قضية قبرص بالنسبة لتركيا والشعب التركي مهمة بقدر أهمية‬
‫قضية فلسطين بالنسبة للعرب؛ هذا وقد أصيب الشعب التركي بخيبة أمل مستمرة بسبب عدم دعم‬
‫العالم العربي لتركيا في هذه القضية؛ ال بل ودعمه للقبارصة اليونانيين "المسيحيين" ضد األتراك‬
‫"المسلمين"‪ ،‬وفي المجتمع التركي يحدث أن ينتقد مؤيد والعالم العربي سياسة تركيا نحو إسرائيل‬
‫فيبني الفريق اآلخر مقارنة بين القضية الفلسطينية والقضية القبرصية‪ ،‬ويضع موقف العرب نحو‬
‫القضية القبرصية جوابا ً على ذلك االنتقاد‪ ،‬والحقيقة أن دعم تركيا للقضية الفلسطينية فاق كثيراً الدعم‬
‫العربي للقضية القبرصية()‪.‬‬

‫وبوجه عام فإن السياسة التركية بعد احتالل األراضي العربية ‪ 1967‬انصبَّت في النقاط‬
‫التالية‪:‬‬

‫عدم اكتساب األراضي باستعمال القوة‪.‬‬ ‫‪)1‬‬

‫عدم تأمين السمعة السياسية أو المزايا أو المنافع السياسية بنفس الشكل‪.‬‬ ‫‪)2‬‬

‫وجوب انسحاب إسرائيل من األراضي التي احتلتها‪.‬‬ ‫‪)3‬‬

‫وجوب تطبيق جميع قرارات األمم المتحدة بشأن القدس‪.‬‬ ‫‪)4‬‬

‫عدم استخدام مسألة االستيالء على األراضي لفرض حل من جانب واحد‪.‬‬ ‫‪)5‬‬

‫ومع ذلك فقد ظلت العالقات التركية اإلسرائيلية عالقات وثيقة فتركيا هي أول دولة إسالمية‬
‫تعترف بدولة إسرائيل ومنذ ‪ 1958‬أقامت تركيا وإسرائيل نوعا ً من التحالف العسكري تحت ما سُمي‬
‫"االتفاق اإلطاري" في أعقاب قيام الوحدة بين مصر وسوريا؛ تضمن بنوداً للتعاون العسكري وتبادل‬
‫المعلومات والتدريب المشترك بجانب مساهمة اإلسرائيليين في بناء بعض المطارات في تركيا‬
‫وتضمن تعهدات إسرائيلية لدعم المطالب التركية المتعلقة بقبرص؛ وفي نفس العام أيضا ً وقعت‬
‫الدولتان اتفاقا ً سريا ً يكفل تعاون في المجاالت العسكرية واالستخباراتية‪ .‬وفي العام نفسه وقعت اتفاقية‬
‫للتعاون األمني بين تركيا وإسرائيل وإيران (الشاه) سميت "الرمح الثالثي" نصت على تبادل‬
‫المعلومات األمنية وعقد اجتماعات دورية بين رؤساء األجهزة االستخباراتية الثالث وبموجبها أسس‬
‫"الموساد" مركزاً استخباراتيا ً في تركيا مقابل التقنية االستخباراتية التي قدمتها إسرائيل لتركيا‪.‬‬

‫وفي عام ‪ 1982‬وبعد الغزو اإلسرائيلي للبنان جرى تعاون أمنى بين إسرائيل وتركيا حيث‬
‫أهدت إسرائيل تركيا وثائق تم الحصول عليها من بعض المواقع الفلسطينية وكانت تحوي أسرار عن‬
‫العالقات بين منظمات فلسطينية وجماعات تركية يسارية وأرمينية وكردية‪ ،‬وذلك باإلضافة إلى‬
‫تسليم تركيا لـ ‪ 290‬تركيا تم القبض عليهم أثناء عملية "سالم الجليل"‪.‬‬

‫واستمر التعاون بين إسرائيل وتركيا في الثمانينات بينما أرسيت في التسعينات أسس التعاون‬
‫األمني والعسكري بين إسرائيل وتركيا‪ ،‬فعندما بدأت عملية السالم في مدريد ‪ 1991‬تم تشكيل‬
‫مجموعة العمل التركية اإلسرائيلية هناك والتي قامت بإعداد برنامج التعاون المشترك‪.‬‬

‫وإزاء ذلك قام قائد سالح الجو اإلسرائيلي هرتسل بردينفر بزيارة رسمية لتركيا بحث خاللها‬
‫مع نظيره التركي إمكانية التعاون في الحرب ضد "اإلرهاب"‪ ،‬إضافة للصناعات األمنية ومساهمة‬
‫إسرائيل في تحديث سالح الجو التركي‪.‬‬

‫وفي عام ‪ 1994‬أقدمت تانسو تشيللر رئيسة الوزراء التركية بالتعاون مع إسرائيل باإلعداد‬
‫لتنفيذ عملية اغتيال عبد هللا أوجالن في البقاع اللبناني لكن العملية ُألغيت نتيجة خالفات داخلية في‬
‫الحكومة التركية وفي ‪ 31‬مارس من نفس العام وقعُت البلدين "اتفاقية األمن والسرية" والتي تعتبر‬
‫وليد جهازي المخابرات في البلدين ثم بدأت المناورات المشتركة بين البلدين وتزويد تركيا بوسائل‬
‫عسكرية من صناعة إسرائيلية وتوصلت البلدان التفاق بإجراء تدريبات في األراضي التركية واتفاق‬
‫آخر ينص على تعاون وثيق بين سالحي الجو في البلدين؛ وذلك كان يدخل حسب ما أعلنه مدير معهد‬
‫الدراسات االستراتيجية في تل أبيب "مارتن جرامر" في إطار استراتيجية إقليمية وقائمة تمثلها‬
‫إسرائيل لمواجهة التهديدات المحتملة‪ ،‬وأيضا ً اعتبر اسحاق موردخاي وزير الدفاع اإلسرائيلي آنذاك‬
‫أن التعاون العسكري بين إسرائيل وتركيا يمكن أن يكون بمثابة "قوة ردع" لمواجهة أي هجوم قد‬
‫تفكر بشنه دولة مثل إيران أو العراق أو سوريا()‪.‬‬

‫وفي ‪ 1996‬وقع البلدان أخطر اتفاق للتعاون العسكري وعلى رغم أن االتفاق التركية كافة‬
‫يتعين عرضها على لجنة الشؤون الخارجية بالبرلمان طبقا ً للدستور إال أن هذا االتفاق بالذات ثم‬
‫توقيعه خفية عن هذه اللجنة احتماء بإجراءات أمنية تشمل االتفاقات العسكرية لحماية أمن البالد‬
‫واستقرارها؛ وبالنظر إلى الثقل الخاص للجيش في تركيا‪ ،‬فقد مرت المسألة في هدوء دون إحاطة‬
‫البرلمان بشيء مما حدث وحظي هذا االتفاق منذ البداية بتأييد رئاستي الجمهورية والحكومة‪.‬‬
‫ولم يتم اإلعالن عن هذا االتفاق إال بعد زيارة الرئيس ديميريل إلسرائيل في مارس ‪1996‬‬
‫وال يزال الغموض يكتنف هذا االتفاق نتيجة عدم وضوح التفسيرات التركية الرسمية المقدمة حتى‬
‫اآلن للبلدان العربية وغيرها (إيران) بشأن هذا االتفاق وما تبعه من توقيع اتفاق الحق في عهد‬
‫حكومة أربكان بشأن تحديث طائرات حربية تركية في إسرائيل‪ ،‬فضالً عن التضارب في تقدير‬
‫طبيعة هذا االتفاق وأهدافه حتى من جانب المسؤولين األتراك‪ ..‬بيد أن هذا الغموض قد يشكل على‬
‫األرجح ما يسمى "بالغموض البناء" والهادف إلى "تشتيت انتباه الجانب العربي أو امتصاص ردود‬
‫فعله األولية" كما أن التطمينات التركية الرسمية للبلدان العربية بشأن طبيعة هذا االتفاق ال تنفي‬
‫حقيقة ما ينطوي عليه األخير من مخاطر وتهديدات لألمن القومي العربي عموما ً وأمن بلدان عربية‬
‫معينة كسوريا والعراق خصوصاً‪ ،‬وال سيما في ظل ما واكب إعالن هذا االتفاق وما تبعه مباشرة من‬
‫تحرك السياسة األمريكية على صعيد إقامة تحالفات جديدة مع إسرائيل واألردن‪ ،‬مما قد يعني أن هذا‬
‫االتفاق يشكل مقدمة إلعادة المنطقة العربية إلى معاناة تجربة األحالف العسكرية والتحالفات اإلقليمية‬
‫"بمشروعات الدفاع عن الشرق األوسط" التي عاشتها في الخمسينيات‪ ،‬مع مراعاة أن التجربة‬
‫الجديدة في حالة اكتمال فصولها ستكون أشد وطأة على العالم العربي نتيجة التغيرات واالختالالت‬
‫في توازنات القوى اإلقليمية والدولية()‪.‬‬

‫وعندما تولى نجم الدين أربكان رئاسة الحكومة في تركيا أقر في ‪ 1/12/1996‬اتفاقا ً مع‬
‫إسرائيل بقيمة ‪ 600‬مليون دوالر لتطوير طائرات ‪ F4‬تابعة لسالح الجو التركي؛ ثم قام وزير الدفاع‬
‫"تورهان تابان" بزيارة إلى إسرائيل ثم تبعه رئيس األركان العامة التركية بزيارة مماثلة على رأس‬
‫وفد يتألف من ‪ 20‬من كبار الضباط وذلك لمناقشة اتفاق التدريب العسكري بين البلدين إلقرار خطط‬
‫عام ‪ 1997‬وتفاصيل المناورات المقررة وتحديث طائرات سالح الجو التركي ودبابات ‪M60‬‬
‫التركية وإعادة تجهيز ‪ 48‬طائرة مقاتلة تركية‪ ،‬وكذلك موضوع الطائرة "فالكون" اإلسرائيلية لإلنذار‬
‫والمبكر‪.‬‬

‫وفي مايو عام ‪ 1997‬انخرطت الواليات المتحدة للمرة األولى بشكل مباشر في جلسات‬
‫الحوار االستراتيجي اإلسرائيلي التركي بمشاركة ضباط أمريكيين في المحادثات بين وزير الدفاع‬
‫اإلسرائيلي ونائب رئيس هيئة األركان التركي‪ ،‬وتم االتفاق خالل هذه الزيارة على إنتاج مشترك‬
‫لصواريخ جو أرض من طراز بوباي ح وفي ‪ 13‬أكتوبر ‪ 1997‬زار رئيس أركان الجيش‬
‫اإلسرائيلي الجنرال أمنون شاحاك تركيا لمدة أربعة أيام بدعوة من نظيره التركي إسماعيل قارداي‬
‫وذلك لبحث جميع المسائل المتعلقة بالحلف العسكري االستراتيجي بين إسرائيل وتركيا ومناقشة‬
‫المناورات المشتركة بينهما‪ ،‬ثم أعقب ذلك قيام إسرائيل بنصب محطات تصنت قرب حدود إيران ثم‬
‫تعهد القادة العسكريون اإلسرائيليون لنظرائهم األتراك بدراسة طلب مساعدة أنقرة في مجال الصناعة‬
‫النووية العسكرية بما في ذلك إنشاء مفاعل نووي وأثناء زيارة وزير الدفاع اإلسرائيلي إلى تركيا في‬
‫أواخر ‪ 1997‬تناول مسائل تتعلق بإقامة قاعدة لالستخبارات اإلسرائيلية "الموساد" في اسطنبول‪.‬‬

‫وتم أيضا ً خالل هذه الزيارة بحث التعاون في مجال الفضاء بحيث تحصل تركيا على صور‬
‫من األقمار الصناعية اإلسرائيلية لمناطق في الدول المجاورة بجانب إطالق قمراً صناعيا ً مشتركا ً‬
‫لألغراض العسكرية ومراقبة األجواء السورية واإليرانية والعراقية‪.‬‬

‫وفي بداية عام ‪ 1998‬وصلت سفن حربية أمريكية وتركية إلى ميناء حيفا استعداداً‬
‫للمناورات المشتركة حيث بدأت مناورات "الحورية المتمكنة" بين إسرائيل وتركيا بمشاركة‬
‫الواليات المتحدة واألردن والتي أعلنت أن هدفها التدريب على التعاون المشترك في مجاالت اإلنقاذ‬
‫البحري‪ ،‬في حين اعترف الجانب اإلسرائيلي بالطابع األمني واالستراتيجي لهذه المناورات؛ وجاءت‬
‫هذه المناورات للتأكيد على إقامة محور أنقرة – تل أبيب الذي يشكل أساس الترتيبات األمنية‬
‫المطلوبة أمريكيا ً في الشرق األوسط في إطار السعي لتغيير موازين القوى لصالح هذا المحور‬
‫وممارسة المزيد من الضغوط ضد سوريا وإيران ثم تعاقبت على ذلك المساعدة اإلسرائيلية لتحديث‬
‫القوات البحرية التركية ثم زيارات متتالية لمسئولين عسكريين في البلدين لبحث سبل تعزيز التعاون‬
‫العسكري في شتى المجاالت ثم بدأت بين البلدين في أبريل ‪ 1998‬مناورات جوية عسكرية في أجواء‬
‫فلسطين المحتلة تنفيذاً لالتفاق العسكري التركي اإلسرائيلي ثم كانت زيارة الجنرال شفيق بير لتل‬
‫أبيب لبحث إمكانية التعاون في مجال إنتاج صاروخ متوسط المدى‪ ،‬وفي يوليو من نفس العام أكدت‬
‫مصادر أمريكية على وجود اتفاق سري إسرائيلي تركي بإقامة قاعدة جوية إسرائيلية شرق تركيا‬
‫بالقرب من الحدود السورية العراقية لتسهيل التجسس على البلدين وقصف مواقع منهما إذا دعت‬
‫الحاجة لذلك مستقبالً وفي سبتمبر ‪ 1998‬وقعت شركة صناعة الطائرات اإلسرائيلية المملوكة للدولة‬
‫مع القوات الجوية التركية على اتفاقيات نهائية لتطوير مقاتلة من طراز ‪ F55‬بمبلغ ‪ 75‬مليون دوالر‪.‬‬

‫وفي أثناء نشوب أزمة بين تركيا وسوريا وتوتر األجواء بين البلدين إثر االتهامات المتبادلة‬
‫بينهما فيما يتعلق بدعم سوريا لحزب العمال الكردستاني‪ ،‬لم يكن خافيا ً الدور اإلسرائيلي الذي قام به‬
‫الخبراء العسكريون مع القوات المحتشدة على الحدود السورية التركية‪ ،‬فقد أرسل وزير الدفاع‬
‫اإلسرائيلي إسحاق موردخاي إلى أنقرة مسئوالً عسكريا ً تابعا ً للمخابرات العسكرية اإلسرائيلية‬
‫"أمان" حامالً صوراً حديثة التقطها القمر الصناعي اإلسرائيلي "أفق ‪ "4‬تعطي صوراً واضحة‬
‫للجيش التركي عن القوات السورية الموجودة على الحدود وصوراً أخرى عن الوضع العسكري العام‬
‫في األراضي السورية بجانب معلومات حديثة عن الجيش السوري‪ ،‬وكان مدير عام وزارة الدفاع‬
‫اإلسرائيلية قد زار أنقرة قبل أسبوعين من اندالع األزمة للتنسيق مع األتراك حيال السوريين()‪ .‬إال أن‬
‫رياح التغيير العاتية التي هبت على الشرق األوسط منذ ‪ 11‬سبتمبر ‪ 2001‬مروراً بفوز حزب العدالة‬
‫والتنمية في انتخابت تركيا التشريعية ‪ 2002‬ثم الغزو األمريكي للعراق ‪ 2003‬والحرب السادسة في‬
‫مسلسل الحروب العربية اإلسرائيلية صيف ‪ 2006‬أتت هذه الرياح بما ال تشتهيه السفن اإلسرائيلية‬
‫فيما يخص العالقات التركية العربية واإلسالمية عموما ً والتركية السورية خصوصا ً وأصيبت‬
‫العالقات التركية اإلسرائيلية بشرخ ما يبدو أنه كان له وجود منذ بداية العالقة بين البلدين وكان‬
‫مستعداً لإلنشقاق في اللحظة المناسبة يكمن هذا الشرخ أساسا ً في التناقض الحضاري بين تركيا التي‬
‫يمثل المسلمون بها ما يقرب من ‪ %99‬من سكانها والتي كانت حاضرة الخالفة اإلسالمية وبين‬
‫إسرائيل التي تنتمي حضاريا ً للغرب وقد امتصت منه كل ما حوى من ثقافة عنصرية واستعمارية‬
‫وزادت‪.‬‬

‫بدأت ما يمكن وصفها بأزمة بين تركيا وإسرائيل عقب الهجوم اإلسرائيلي على غزة ورفح‬
‫أواخر مايو ‪ 2004‬عندما أعلن رئيس الوزراء التركي رجب طيب أردوغان في الثاني من يونيو من‬
‫نفس العام أمام مؤتمر دولي تنظمه الرابطة العالمية للصحف في اسطنبول أن شارون قد دفن‬
‫عروض تركيا للوساطة بين إسرائيل والفلسطينيين بسياسة االغتياالت والهجمات التي لم تترك مجاالً‬
‫لجهود السالم التي تبذلها تركيا‪.‬‬

‫وفي مقابلة مع صحيفة هآرتس اإلسرائيلية في اليوم التالي جدد أردوغان انتقاداته إلسرائيل‬
‫واصفا ً الحملة اإلسرائيلية على مخيم رفح بأنها "إرهاب دولة" وشبّه أردوغان معاملة إسرائيل‬
‫للفلسطينيين بما تعرض له اليهود في إسبانيا في عهد "محاكم التفتيش" من تعذيب وطرد من ديارهم‬
‫وقال‪" :‬كان اليهود في ذلك العهد مضطهدين‪ ..‬واليوم مع األسف أصبح الفلسطينيون مضطهدين‪،‬‬
‫وشعب إسرائيل يعامل الفلسطينيين كما عومل هو منذ ‪ 500‬عام"‪.‬‬

‫وكان أردوغان قد أدان من قبل قيام إسرائيل باغتيال الشيخ أحمد ياسين مؤسس "حماس"‬
‫وزعيمها الروحي في ‪ 22‬مارس ‪ 2004‬ووصف العملية بأنها عمل إرهابي وشجب تعهد إسرائيل‬
‫بمواصلة سياسة اغتيال قادة حماس؛ وعقب اغتيال الدكتور عبد العزيز الرنتيسي في ‪ 27‬أبريل‬
‫‪ 2007‬رفض أردوغان مقابلة وفد رجال أعمال إسرائيليين يقومون بزيارة أنقرة والمقرر أن يقوم بها‬
‫إلى إسرائيل خالل نفس العام‪.‬‬

‫لكن الذي أثار أنقرة أكثر من الالزم هو ما الحظه بعض مسئوليها األمنيين في شمال العراق‬
‫من وجود مجموعة صغيرة من الضباط اإلسرائيليين يشرفون على تدريبات عسكرية هناك‪ ،‬فاتصل‬
‫مكتب وزير الخارجية التركي عبد هللا جول بالصحفي األمريكي سيمورهيرش ودعوه لتناول اإلفطار‬
‫مع الوزير في ‪ 27‬مايو ‪ 2004‬وهكذا صدرت مجلة نيويوركر في نهاية يونيو ‪ 2004‬وفيها تفاصيل‬
‫التحركات اإلسرائيلية في شمال العراق ورغم أن إسرائيل نفت الخبر إال أنها لم تستطع أن تخفف من‬
‫القلق التركي تجاه النشاط اإلسرائيلي – الكردي في شمال العراق‪.‬‬

‫وفي منتصف يوليو ‪ 2004‬وصل إيهود أولمرت وكان ال يزال نائبا ً لشارون إلى أنقرة في‬
‫زيارة مؤجلة من شهر مايو من نفس العام ورفض أردوغان استقباله منذ رعا ً بقضاء عطلة قصيرة‬
‫في حين بادر إلى استقبال ناجي عطري رئيس الوزراء السوري الذي تزامنت زيارته ألنقرة مع‬
‫زيارة أولمرت‪ ،‬وقال أردوغان في مؤتمر صحفي مشترك مع عطري‪ :‬إن حالً عادالً للصراع‬
‫الفلسطيني اإلسرائيلي هو الشرط األساسي للسالم في الشرق األوسط‪.‬‬

‫غير أن أولمرت لم يستطع أن يهضم هذه المعاملة‪ ،‬فصرح قبل مغادرته أنقرة بأنه ليس في‬
‫استطاعة تركيا أو أي دولة أخرى في هذه المرحلة أن تساهم في رعاية السالم ما بين إسرائيل‬
‫وجيرانها في الشرق األوسط "ألن تل أبيب ليست بصدد التفاوض مع الفلسطينيين وال ترى أن‬
‫خالفها مع سوريا يحتل أولوية في اهتماماتها"؛ ثم دافع أولمرت عن بناء الجدار العازل الذي انتقدته‬
‫تركيا وقال‪ :‬إن قرار محكمة العدل الدولية كان "نصيحة سيئة" قررت إسرائيل عدم األخذ بها()‪.‬‬

‫ونستطيع القول أن هناك مستجدات طرأت بالفعل على العالقات التركية اإلسرائيلية؛ هذه‬
‫المستجدات ساهمت في تحوالت السياسة الخارجية التركية بوجه عام وتجاه العالم العربي واإلسالمي‬
‫بوجه خاص ومن ثم أثرت سلبا ً على العالقة االستراتيجية مع إسرائيل التي تعتبر أن المحيط العربي‬
‫اإلسالمي الذي تعيش وسطه ما هو إال محيط معاد ويشكل في كل وقت وفي أي مكان منه خطراً‬
‫حقيقيا ً على األمن القومي اإلسرائيلي بشكل مباشر‪ ،‬كما يقول شمعون بيريس أن "أمن إسرائيل‬
‫القومي يمتد من باكستان حتى المغرب"‪.‬‬

‫ونستطيع حصر هذه التحويالت التي أثرت على السياسة الخارجية التركية تجاه إسرائيل‬
‫وبالتالي أثرها على القضية الفلسطينية والصراع العربي اإلسرائيلي بوجه عام في النقاط التالية‪:‬‬

‫تعاني تركيا من هاجس فقدان األهمية االستراتيجية وهو الهاجس الذي بدأ بعد نهاية الحرب‬ ‫‪3‬‬

‫الباردة وانهيار االتحاد السوفيتي السابق وتعزز بعد توسع حلف الناتو إلى دول أوروبا الشرقية‬
‫وتكرس بعد االحتالل األمريكي للعراق لذلك راح التفكير التركي البرجماتي يقلب األوراق جيداً بعد‬
‫قراءة متأنية للواقع اإلقليمي والدولي وانكشاف عوالم جديدة في أسيا الوسطى والقوقاز والبلقان‬
‫والشرق األوسط‪ ،‬فما كان من أنقرة إال أن حثت الخطى باتجاه االستفادة من عوامل القوة لديها‬
‫الجغرافية والسياسية واالقتصادية‪ ،‬وفي هذا اإلطار فإن االستراتيجية التركية تحاول أن تقيم توازنا ً‬
‫دقيقا ً بين مختلف التيارات والمصالح واالتجاهات األمريكية واألوروبية والعربية واإلسالمية عبر‬
‫إقامة عالقات جيدة مع الجميع؛ بحيث تخرج تركيا من أن تكون طرفا ً في سياسة محاور لتكون على‬
‫مسافة واحدة من الجميع وهو ما يعبر عنه بأن تكون تركيا بلداً محوريا ً قادراً على التأثير في‬
‫مجريات األحداث ال مجرد شاهد أو ُمتل ٍّ‬
‫ق لها‪.‬‬

‫وانطالقا ً من هذه االستراتيجية الجديدة كان االنفتاح التركي على سوريا وإيران والعالم‬
‫اإلسالمي‪ ،‬كما على أوروبا واليونان وروسيا وتأييد خطة األمم المتحدة في قبرص بصورة فاجأت‬
‫العالم()؛ وموقفها األخير من حرب يوليو ‪ 2006‬وإدانتها للعدوان اإلسرائيلي على لبنان من أبرز‬
‫األمثلة مع وجود فاروق محوري وهو أن الطرف األساسي في الصراع هو حزب لبناني ُذو‬
‫انتماءات مذهبية شيعية‪ ،‬بخالف طبيعة حزب العدالة والتنمية السُنية‪ ،‬ويعكس توجهات أصولية‬
‫(بالمفهوم التركي التقليدي) تواجه في تركيا حمالت شديدة من جانب القوى المتشددة‪ ،‬وهي التوجهات‬
‫النقيض للصورة المعتدلة التي يحاول حزب العدالة والتنمية تقديم نفسه فيها‪.‬‬

‫إن النظام في تركيا في ظل حزب العدالة والتنمية يبقى جزءاً من النظام العام في العالم‬
‫اإلسالمي الذي يعتمد في صوغ توجهاته األساسية على المقاربة السعودية لألمور كون الرياض هي‬
‫صاحبة الكلمة األولى في منظمة المؤتمر اإلسالمي‪ ،‬لذا فإن زيارة مثل التي قام بها الملك عبد هللا بن‬
‫عبد العزيز آل سعود إلى أنقرة في ذروة العدوان اإلسرائيلي على لبنان ال تنفصل عن سياسة‬
‫المحاور التي يراد أن تتشكل في المرحلة المقبلة على ُأسس مذهبية والتي هيّأ لها بعض العرب‬
‫األرضية النفسية والمادية من خالل الحديث عن هالل شيعي وعدم انتماء الشيعة إلى أوطانهم ومن ثم‬
‫تحميل حزب هللا مسؤولية العدوان اإلسرائيلي على لبنان وعدم السعي الجدي لدى جامعة الدول‬
‫العربية ومنظمة المؤتمر اإلسالمي إلى وقف العدوان الذي طال لمدة ‪ 33‬يوما ً ولم تتوقف بعد أشكاله‬
‫األخرى‪ ،‬وترتفع التساؤالت بالنسبة إلى تركيا مع تولي شخصية تركية األمانة العامة لمنظمة المؤتمر‬
‫اإلسالمي (أكمل الدين إحسان أوغلو)‪.‬‬

‫ذكرت صحف تركية أن الهدف األساسي الذي جاء من أجله الملك عبد هللا إلى أنقرة هو‬
‫إقامة تحالف سُني في مواجهة حزب هللا وإيران (الشيعة)‪ ،‬وهذا ما يتناقض بشكل كامل مع الدعم‬
‫الشعبي في الشارع العربي السني لحزب هللا الذي أقام األفراح النتصار حزب هللا العربي المسلم –‬
‫بغض النظر عن المذاهب – على إسرائيل عدو العرب والمسلمين الحقيقي واعتبر البعض أن السيد‬
‫حسن نصر هللا جمال عبد الناصر الجديد باعتباره عربيا ً بغض النظر حتى عن الدين فقد ناصره‬
‫الكثير من المسيحيين في جميع أنحاء العالم العربي وداخل لبنان؛ إن تركيا من هذه الزاوية تقف على‬
‫طرفي نقيض مع مزاج ومواقف الشارع العربي()؛ وال يخفى أن تقسيم المنطقة إلى محاور بين السنة‬
‫والشيعة ما هو إال مخطط صهيوني أمريكي لضرب المنطقة بعضها ببعض من خالل الضغط على‬
‫األنظمة العربية التي ال تعمل في األسس إال لمصلحة الكراسي والعروس وزرع الخوف الشديد من‬
‫هو أحس بعضها حقيقي عن الخطر اإليراني على العرب لتشكيل محورين األول المحور الشيعي‬
‫ويتشكل من (إيران‪ ،‬سوريا‪ ،‬حزب هللا‪ ،‬ثم حركة المقاومة اإلسالمية في فلسطين حماس‪ ،‬باإلضافة‬
‫إلى مليشيات الشيعة في العراق التابعة إليران)؛ أما المحور الثاني وهو المحور السني ويتشكل من‬
‫(دول مجلس التعاون الخليجي وعلى رأسها السعودية‪ ،‬مصر‪ ،‬األردن‪ ،‬وبالطبع في حالة حدوث‬
‫التصادم سوف تساهم إسرائيل بكل ما يلزم هذا المعسكر الذي يعترف بإسرائيل رسميا ً أو ضمنيا ً‬
‫ويبادر إلى السالم في كل وقت)‪.‬‬

‫وقد نُظر إلى السعي التركي للمشاركة في القوة الدولية لحفظ السالم بجنوب لبنان بشكل يهز‬
‫الصورة التركية أمام الشارع العربي باعتبار أن هذه القوة الدولية مشكوك في حقيقة مهمتها أهي حقا ً‬
‫لتحقيق السالم أم لنزع سالح حزب هللا‪ ،‬لكن وبوجه عام كانت السياسة التركية تجاه حرب يوليو‬
‫‪ 2006‬تتصف باالتزان وإدانة العدوان وبلورة موقف يستقل وينأى بنفسه عن االستراتيجية األمريكية‬
‫والسياسية العربية كما أ‪،‬ه ال يتحيز بشكل تام ألي من األطراف الفاعلة؛ وقد اكتفت تركيا الرسمية‬
‫بعد عدة أيام على بدء العدوان باستنكار أعمال استهداف المدنيين من جانب إسرائيل‪...‬‬

‫والتوتر في العالقات مع إسرائيل ما هو إال نتيجة طبيعية للسياسة التركية الجديدة‪ ،‬ألن هذه‬
‫العالقات كانت متضخمة وأقرب إلى التحالف منها إلى أي شيء آخر‪ ،‬مما كان يفضي إلى توترات‬
‫وشكوك بالنيات التركية تجاه كل المحيط العربي واإلسالمي المعادي إلسرائيل وإخضاع هذا الجسم‬
‫لعملية "ريجيم" قاسية حتى تستقيم االستراتيجية الجديدة‪.‬‬

‫هناك ترابط كامل بين درجة حرارة العالقات التركية األمريكية ودرجة حرارة العالقات التركية‬ ‫‪4‬‬

‫– اإلسرائيلية ولهذا السبب فإن اضطراب العالقات بين واشنطن وأنقرة بسبب ملف العراق تواكب‬
‫معه تدهور في العالقات التركية – اإلسرائيلية بعدما اتخذت تركيا موقفا ً عنيفا ً ضد إسرائيل وناقداً‬
‫لسياساتها في مواجهة الفلسطينيين‪.‬‬

‫هذا الموقف التركي أثار دهشة كبرى في العالم العربي‪ ،‬ألنه بالمقارنة بمواقف الحكومات‬
‫العربية وبسياق المجرى العادي للعالقات التركية – اإلسرائيلية يلفت االنتباه‪ ،‬وبدون التقليل من‬
‫أهمية هذا الموقف‪ ،‬إال أنه اتخذ في وقت ظهر فيه رئيس الوزراء التركي شخصيا ً في وسائل اإلعالم‬
‫العربية يدعو إلى انتخاب المرشح التركي أمينا ً عاما ً لمنظمة المؤتمر اإلسالمي خالل اجتماع وزراء‬
‫خارجيتها باسطنبول في منتصف يونيو ‪2004‬؛ وهو ما أدى إلى تفسير الموقف التركي في العالم‬
‫العربي على أنه مغازلة للحكومات العربية حتى تؤيد هذا الترشيح‪ ،‬باعتبار أ‪ ،‬المجموعة العربية‬
‫تشكل أقوى المجموعات الثالث في المنظمة إلى جانب المجموعة اإلفريقية واآلسيوية‪.‬‬

‫التدهور العربي الحاصل منذ انتهاء الحرب الباردة وحرب الخليج الثانية وانهيار االتحاد‬ ‫‪14‬‬

‫السوفيتي السابق وأخيراً الغزو األمريكي للعراق الذي كان يشكل أحد أقوى دعائم النظام العربي‬
‫واألمن القومي العربي؛ مما أفضى إلى حدوث نوع من الفراغ الجيو‪-‬استراتيجي في منطقة الشرق‬
‫األوسط؛ وهنا تبدو تركيا وإسرائيل من أكثر القوى مالحظة لهذا التطور الفارق رغبة في التحرك‬
‫لالستفادة منه وتوجيهه لمصلحتهما‪ .‬فالوضع اإلقليمي بعد غزو العراق وتداعياته‪ ،‬معطوفا ً على‬
‫حديث الشرق األوسط الكبير‪ ،‬أفضى إلى إفراز ما يمكن تسميته بصراع "الريادة أو القيادة أو‬
‫المكانة" بين أنقرة وتل أبيب على المنطقة‪ .‬ويمكن التمثيل لهذا الصراع أو التدافع على المستوى‬
‫الجزئي في كردستان العراق‪ ،‬إن عين أنقرة ال يمكن أن تغفل عن تعدي تل أبيب للخطوط الحمراء‬
‫في تحركاتها مع الدائرة الكردية في هذه المنطقة المجاورة بينما ترى تل أبيب أن توثيق الصالت بهذه‬
‫الدائرة أ÷م مكاسب فوضى العراق بعد الغزو األمريكي فمن المعروف أن المشروع اإلسرائيلي في‬
‫المنطقة يستهدف تفتيت الدول الكبيرة التي تتمتع بسلطة مركزية قوية ليسهل بعد ذلك تحويل المنطقة‬
‫برمتها إلى دويالت صغيرة تقوم على طائفية أو عرقية أو دينية تبدو إسرائيل وسطها دولة طبيعية –‬
‫بل وأقوى دولة بل ودولة مركز في محيط متخلف يغوص في الفوضى – فهذا التفتيت هو‪ ..‬وهو‬
‫وحده الكفيل بتحقيق األمن اإلسرائيلي بمعناه المطلق‪ ،‬وذلك لسبب بسيط‪ ،‬هو أن التفوق العسكري‬
‫الكاسح إلسرائيل على باقي الدول العربية مجتمعة والمنطقة بأ‪:‬ملها لن يدوم إلى األبد()‪ ،‬خوصا ً مع‬
‫وجود دول مركزية تسعى المتالك القوة ومع التطور التكنولوجي العسكري خاصة فيما يخص‬
‫الصواريخ متوسطة وبعيدة المدى "الباليستية" والتي ال تعترف بالحدود الجيوسياسية وقد جربت‬
‫إسرائيل هذه االستراتيجية في لبنان في بداية الثمانينات وفشلت بعد أن انتهت الحرب األهلية وتم‬
‫توقيع اتفاق الطائف ومازالت إسرائيل تسعى إلى إسقاط لبنان في الفخ ثانية بشكل واضح منذ اغتيال‬
‫رفيق الحريري وسلسلة األعمال التخريبية واالغتياالت وحرب يوليو ‪ 2006‬لكنها فشلت حتى اآلن‪،‬‬
‫ويبدو أن العراق سقط بسهولة في نفس الفخ؛ بينما ال يمكن لتركيا أن تتسامح مع هذا التوجه وفي‬
‫العراق تحديداً؛ فهذه نقطة خالف ساخنة تبرز الحذر التركي من السياسة اإلسرائيلية في العراق‪ ،‬عبر‬
‫األكراد‪ ،‬وتذكر تل أبيب بأن لدى أنقرة ما تؤلم به الشريك اإلسرائيلي المشاكس من المدخل العربي‬
‫والفلسطيني()؛ وهذا ما حدث بالفعل في أكثر من مناسبة ويكفي استقبال خالد مشعل رئيس المكتب‬
‫الخارجي لحركة حماس واالعتراف بحكومة حماس التي ال تعترف بإسرائيل بل والوقوف بجانبها‬
‫في أكثر من مرة والتصريح بعدم الرضا عن الخالفات بين فتح وحماس‪ ..‬الخ‪.‬‬

‫على أن قضية التدافع أو التنافس المفترضة بين أنقرة وتل أبيب تتجلى أكثر على المستوى‬
‫اإلقليمي العام؛ الرسالة التركية في هذا الخصوص أنه إذا كانت إسرائيل تأنس في نفسها إمكانية‬
‫تطبيق النزوع القديم لزعامة الشرق األوسط الجديد أو الكبير بعد زعزعة أركان النظام العربي‬
‫المتداعي أو تقويضه بالكامل فإن تركيا ربما كانت أولى بهذا األمر‪ ،‬المسوغات المؤهلة الحافزة على‬
‫هذا التفكير كثيرة وبكل المعاني المحتملة جغرافيا ً وتاريخيا ً وثقافيا ً وكذلك أفضلية النظام السياسية‬
‫المتداولة في أروقة دول الشرق األوسط‪.‬‬

‫تركيا تحت نموذج حكم حزب العدالة والتنمية بالذات تستطيع االدعاء بأحقية أن تُحتذى‬
‫ويُهتدى بتجربتها القائمة على التوفيق بين األصالة والمعاصرة بين العلمانية واإلسالم؛ أما إسرائيل‬
‫بمحتواها الديني اليهودي الفائض حاليا ً فال تملك ذلك عالوة على أن درجة قبولها إقليميا ً تبقى بكل‬
‫المعاني ومن األصل محالً للشك()‪.‬‬
‫خامسا ً‪ :‬السياسة الخارجية التركية تجاه مصر‬
‫تتسم العالقات التركية – المصرية بالنديّة‪ ،‬فالسلطان سليم األول الذي توجه إلى القاهرة‬
‫غازيا ً ما اضطر إلى ذلك إال لمنافسة الدولة المصرية المملوكية للدولة العثمانية على زعامة العالم‬
‫اإلسالمي (السني) وفي ظل الحكم العثماني تبلورت في مصر دولة شبه مستقلة قامت على األسس‬
‫الحديثة لبناء الدولة أثناء حكم محمد علي الذي أعلن تمرده على الباب العالي وهدد بإسقاط الدولة‬
‫العثمانية؛ كما توسعت الدولة المصرية في عهده وعهد الخديو إسماعيل حتى وصلت حدود الحبشة‬
‫وبحيرة فيكتوريا فكانت مصر إمبراطورية تعيش اسميا ً تحت كنف إمبراطورية أخرى‪ ،‬كما أن‬
‫البناءين والصنُاع المهرة الذين شيدوا و شكلوا مآذن اسطنبول الشامخة جُلبوا من قاهرة المعز‪.‬‬

‫بعد سقوط الدولة العثمانية وما استتبعه من سقوط الخالفة اإلسالمية كمرجعية سياسية للعالم‬
‫اإلسالمي ‪ 1924‬كان من أبرز ردود الفعل قيام حركة اإلخوان المسلمين في مصر ‪ 1928‬إلقامة‬
‫الخالفة اإلسالمية‪ ،‬واستعادة القاهرة لزعامة العالم اإلسالمي؛ وبوصول كمال أتاتورك إلى سدة‬
‫الحكم في تركيا ابتعدت تركيا تماما ً عن العالم العربي واإلسالمي الذي أصبحت تنظر إليه باعتباره‬
‫عالم متخلف‪.‬‬

‫وقد بدأ الحوار بين تركيا ومصر بالزيارة التي قام بها وزير الخارجية التركي إحسان‬
‫صبري جاغليان كيل إلى القاهرة سنة ‪ 1970‬وبزيارة نظيره المصري محمود رياض ألنقر في العام‬
‫التالي؛ وكانت هذه أول زيارة رسمية متبادلة لرجال السياسة بين البلدين منذ ‪1920‬؛ وفي ذلك الحين‬
‫كانت كل من مصر وتركيا تتبعان مسارات سياسية متباعدة فمصر كانت من الدول الرائدة لحركة‬
‫عدم االنحياز‪ ،‬وكانت تعتمد أساسا ً في تسليحها واقتصادها على االتحاد السوفيتي‪ ،‬كما أ‪ ،‬مصر‬
‫اتبعت آنذاك خطا ً سياسيا ً عرف "باالشتراكية العربية" والذي كانت الدولة بمقتضاه تهيمن على جميع‬
‫الجوانب االجتماعية واالقتصادية()‪.‬‬

‫وقد كانت مصر وال تزال دولة أفراد ال دولة مؤسسات فالحاكم في مصر هو الدولة ظل ذلك‬
‫كل من الملك فاروق والرئيس جمال‬
‫منذ بداية تبلور الكيان المصري الشبه مستقل والمستقل في عهد ٍ‬
‫عبد الناصر والسادات ومبارك‪.‬‬

‫أما تركيا فلم تختلف كثيراً عن مصر في هذه النقطة األخيرة خاصة في بداية مرحلة تكوّن‬
‫الجمهورية التركية الحديثة على يد أتاتورك الذي كان شخصه يُمثل الدولة التركية الحديثة بكل ما‬
‫فيها ومع ازدياد العشق التركي ألوروبا تحولت الدولة بشكل تدريجي حذر إلى الديمقراطية التي‬
‫كانت نتيجتها معاكسة دائما ً لألسس األتاتوركية بفوز اإلسالميين مجدداً أو العثمانيين الجدد في شكل‬
‫حزب العدالة والتنمية‪.‬‬

‫تركيا في شكلها الخارجي دولة عضو في حلف الناتو لها عالقات متميزة مع الواليات‬
‫المتحدة خاصة في فترة الحرب الباردة حيث كانت على خط المواجهة ضد المد الشيوعي السوفيتي؛‬
‫ومن هنا كان اختالف السياسة الخارجية لدولتين في الخمسينيات والستينيات منبعا ً لخالفت حقيقية؛‬
‫ولكن لم يعن هذا استحالة قيام التعاون بينهما؛ ولقد كان من مصلحة الطرفين أن يحل التعاون بينهما‬
‫بدالً من المواجهة ولم يكن هذا يتطلب أكثر من النوايا الحسنة والتفكير السديد لبلورة هذا التعاون؛ وقد‬
‫وضحت ثمار محاوالت التقارب المصرية التركية حتى قبل نهاية عهد عبد الناصر‪ ،‬ففي أثناء‬
‫وأعقاب حرب ‪( 1967‬الحرب الثالثة في الصراع العربي اإلسرائيلي) والتي كانت كارثة عظمى‬
‫على مصر؛ أعلنت تركيا صراحة تأييدها للعرب؛ وفي ‪ 10‬يونيو ‪ 1967‬صرح وزير الخارجية‬
‫التركي أن بالده تعارض االستيالء على األرض أو كسب المغانم السياسية عن طريق استخدام القوة‬
‫وقوبل هذا الموقف بالترحيب من كافة العرب ومصر‪ ،‬ويعتبر هذا التاريخ عالمة فارقة في السياسة‬
‫التركية تجاه العالم العربي وقضاياه فمنذ ذلك التاريخ وتركيا تساند القضاي العربية في المحافل‬
‫الدولية؛ وفي هذا المناخ الودي تمت الزيارات المتبادلة لوزيري الخارجية المصري والتركي ألنقرة‬
‫والقاهرة تباعاً‪ ،‬ويالحظ أن مصر قد عدلت إلى حد ما من موقفها المساند لمكاريوس واليونان بالنسبة‬
‫لمشكلة قبرص‪ ،‬فلقد أدلت مصر وقتها بتصريحات تعارض فيها حركة أنوسس‪ ،‬وطالبت باالعتراف‬
‫بحقوق المواطنين األتراك في جزيرة قبرص وإن كانت مصر قد ظلت في األمم المتحدة تؤيد جميع‬
‫القرارات ارصادرة في صف مكاريوس()‪.‬‬

‫توفى جمال عبد الناصر ‪ 1970‬وخلفه محمد أنور السادات الذي قام في العام الثاني لحكمه‬
‫بتصفية التسهيالت العسكرية السوفيتية ثم قام بطرد الخبراء السوفييت‪ ،‬ولقد قوبلت هذه الخطوات‬
‫بالترحيب في المعسكر الغربي فقام بذلك بتقريب العالقات المصرية مع تركيا وسول المعسكر‬
‫الغربي في الشرق‪.‬‬

‫وعلى أثر ذلك قام وزير الخارجية التركي خلوق باي أولكن بزيارة لمصر والسادات في‬
‫سبتمبر ‪ 1973‬وسط جو من الود والصداقة وجاء الرد على هذه الزيارة بزيارة محمود رياض وزير‬
‫الدولة للشؤون الخارجية إلى تركيا في مايو ‪ 1976‬عند انعقاد منظمة المؤتمر اإلسالمي على مستوى‬
‫وزراء الخارجية في اسطنبول‪.‬‬

‫وقد كان النتصار مصر في حرب أكتوبر ‪( 1973‬الحرب الرابعة في الصراع العربي‬
‫اإلسرائيلي) أثراً كبيراً في استعادة مصر لقدر من مكانتها من جديد ولقد ساندت تركيا العرب أثناء‬
‫هذه الحرب بأن حالت دون استخدام الواليات المتحدة لقواعد حلف األطلنطي (ناتو) في أطنة‪ ،‬وفي‬
‫نفس الوقت سمحت للطائرات السوفيتية التي كانت تحمل اإلمدادات للعرب بالتحليق في األجواء‬
‫التركية‪ ،‬وبعد وقف إطالق النار وفقا ً لقرار مجلس األمن رقم ‪ 338‬الصادر في ‪ 22‬أكتوبر ‪1973‬‬
‫عقد مؤتمر للسالم في جنيف في ‪ 21‬ديسمبر تحت إشراف الواليات المتحدة واالتحاد السوفيتي‬
‫بحضور ممثلين عن األطراف المعنية (إسرائيل ومصر واألردن بينما رفضت سوريا الحضور) إلى‬
‫جانب ممثل عن األمم المتحدة وكان المؤتمر بداية لنشاط دبلوماسي بقصد إيجاد حل عادل ودائم‬
‫واستمرت الجهود حتى توقيع اتفاق كامب ديفيد سنة ‪ 1978‬بين مصر وإسرائيل‪ ،‬وكانت تركيا قد‬
‫أيدت قرار مجلس األمن رقم ‪ 242‬منذ البداية (والذي لم يُنفذ حتى اآلن وال تزال تركيا كذلك تؤيده)‬
‫كما أيدت القرار رقم ‪ 338‬الذي أعاد تأكيد القرار السابق ووضع األسس لمؤتمر جنيف وتم إبرام‬
‫اتفاق السالم المصري اإلسرائيلي ‪ 26‬مارس ‪ 1979‬وبعدها بشهور تبادلت مصر وإسرائيل العالقات‬
‫الدبلوماسية‪.‬‬

‫وبينما رحب الغرب بهذا االتفاق؛ أصيب العالم العربي بحالة من التمزق الشديد‪ ،‬فلقد قطعت‬
‫الدول العربية – ما عدا السودان وعمان – عالقاتها الدبلوماسية مع مصر‪ ،‬كما علقت عضويتها في‬
‫جامعة الدول العربية وتم نقل مقر الجامعة من القاهرة إلى تونس تأسست جبهة ضد مصر سميت بـ‬
‫"جبهة الرفض" من سوريا والعراق وليبيا واليمن الجنوبي والجزائر ومنظمة التحرير الفلسطينية‬
‫يساندها في ذلك غالبية الدول األعضاء في جامعة الدول العربية وكان هدفها الوقوف ضد أية مبادرة‬
‫سالم أخرى مع إسرائيل؛ وتم تعليق عضوية مصر في منظمة المؤتمر اإلسالمي‪.‬‬

‫في خالل ذلك كانت العالقات التركية المصرية آخذة في التطور إلى األفضل‪ ،‬وكان موقف‬
‫تركيا محايداًَ بالنسبة لتطور العالقات المصرية اإلسرائيلية واتفاق كامب ديفيد؛ إذ انتظرت الحكومة‬
‫التركية لترقب تطور األحداث قبل أن تفصح عن رأيها في مبادرة مصر للسالم؛ وقد عبر وزير‬
‫الخارجية التركي أوكشون في حكومة بولند أجاويد التي كانت تتولى زمام الحكم آنذاك في خطابه‬
‫أمام الجمعية العامة لألمم المتحدة في ‪ 3‬أكتوبر ‪ 1978‬عن ذلك بقوله‪" :‬إن الوقت ال يزال مبكراً‬
‫لتقييم اتفاق كامب ديفيد‪ ،‬والمهم هو أن تنسحب إسرائيل إلى حدود ‪ 1967‬وأنه ال يمكن تصور حل‬
‫معقول في المفاوضات مادامت منظمة التحرير الفلسطينية غير ممثلة"‪.‬‬

‫وأصدرت الحكومة التركية في اليوم التالي لتوقيع اتفاق واشنطن بيانا ً يقول "ينبغي أن تحل‬
‫مشكلة الشرق األوسط بالوسائل السلمية وللوصول إلى حل شامل البد من إيجاد اتفاق دائم ولتحقيق‬
‫ذلك يتحتم على إسرائيل أن تجلو عن األراضي العربية والقطاع العربي من القدس المحتل مع‬
‫االعتراف بالحقوق المشروعة للفلسطينيين بما في ذلك حقهم في إقامة دولة لهم"()‪.‬‬

‫ولم تقدم تركيا بحال على إدانة مصر‪ ،‬وبعد اعتراف مصر بإسرائيل لم تعد تركيا هي الدولة‬
‫اإلسالمية الوحيدة التي تعترف بإسرائيل وصارت مصر شريكا ً لها في (العار المشين) تحمل أعباء‬
‫االنتقادات عبر العالم اإلسالمي؛ ومع توجه مصر صوب الغرب تولدت العالقات المصرية التركية‬
‫أكثر فأكثر‪.‬‬

‫اغتيل السادات ‪ 1981‬وخلفه محمد حسني مبارك الذي عمل على إرساء السالم والحفاظ‬
‫على االستقرار في منطقة الشرق األوسط وتجنب الحروب والتقى في ذلك مع المصالح التركية التي‬
‫تتطلب ذلك للمحافظة على أمنها القومي باعتبارها من أكبر دول المنطقة‪.‬‬

‫وفي نوفمبر ‪ 1982‬قام نائب رئيس الوزراء ووزير الخارجية المصري كمال حسن علي‬
‫بزيارة لتركيا أسفرت عن فتح مجاالت عديدة للتعاون بين البلدين ولقد كان للجهود الدبلوماسية التي‬
‫بذلها الرئيس التركي كنعان أفرين في قمة المؤتمر اإلسالمي المنعقدة بالدار البيضاء في يناير ‪1984‬‬
‫السترداد مصر لعضويتها في منظمة المؤتمر اإلسالمي أطيب اآلثار في نفوس المصريين؛ أما زيارة‬
‫مبارك لتركيا فكانت األولى من نوعها لرئيس مصري وكانت بهذا المعنى نقطة تحول مهمة في‬
‫العالقات التركية المصرية وقام أفرين بزيارة مصر في العام التالي؛ ثم تبع ذلك سلسلة من الزيارات‬
‫المتبادلة على مستوى الوزراء لتنسيق التعاون بين البلدين في شتى المجاالت وفي أثناء زيارة الرئيس‬
‫مبارك لتركيا أدلى الدكتور الباز مستشار الرئيس للشؤون السياسية بتصريح هام للغاية نستطيع من‬
‫خالله فهم التوجهات التركية نحو العالم العربي واإلسالمي بوجه عام ومصر على وجه الخصوص‬
‫حيث قال‪" :‬إن اهتمامات تركيا بالشرق األوسط والعالم اإلسالمي قد أخذت في االزدياد الملحوظ إن‬
‫هي قورنت بالماضي؛ إن التوجه األوروبي لتركيا ليس موضع تساؤل‪ ،‬ولكننا نرغب في التنبيه إلى‬
‫أبعاد جديدة لها األولوية في تقديرنا؛ لقد بدأت تركيا تضطلع بدور أكثر فاعلية في العالم اإلسالمي‬
‫ولقد كان للمتغيرات الجديدة أثرها في هذا التحول وال يمكن مقارنة المتغيرات التي جدت على الساحة‬
‫بالسياسات الجامدة التي كانت ترتكز على فروض بالية وعتيقة‪ ،‬نحن نعلم أن تركيا مرتبطة بالغرب‪،‬‬
‫أما نحن فلسنا مرتبطين بالقرب‪ ،‬إذ أننا نعتقد أن استقاللية مصر تحفظ لها دوراً حراً تتحرك من‬
‫خالله بعيداً عن استقطاب القوى العظمى‪ ،‬إن موقعنا االستراتيجي والجغرافي مختلف عن موقعكم في‬
‫تركيا‪ ،‬ولكننا ندرك تماما ً أن دور تركيا ومصر في المنطقة ينبغي أن ينأى عن خلق تكتالت جديدة‬
‫وعليه فإن دورنا معا ً ينبغي أن يتركز على دعم االستقرار وحل مشكالت المنطقة‪ ،‬ولهذا السبب فإننا‬
‫نرحب بعين الرضا بكل جهد تبذله تركيا لمساعدتنا في حل مشاكلنا‪ ،‬ونحن نعتقد أيضا ً أنت تخفيف‬
‫حدة التوتر في المنطقا سوف يخدم المصالح التركية وعلى هذا فإن تعاوننا يجب أال يكون تكتالً ضد‬
‫طرف ثالث وإنما هدفنا ببساطة هو أن يعين كل منا اآلخر‪ ،‬وأن نعمل معا ً من أجل تدعيم قواعد‬
‫السالم واالستقرار في المنطقة وأ‪ ،‬نوثق الروابط بين بلدينا المسلمين‪ ،‬ولكي نحقق هذا المقصد يجب‬
‫أن ننطلق من مفهوم جديد وفعّال يرتكز على المصلحة الوطنية بعيداً عن اإليديولوجيات الجامدة"‪.‬‬

‫في أثناء ذلك عندما تبادلت مصر وإسرائيل السفراء في تل أبيب والقاهرة أوفدت الحكومة‬
‫التركية وزيراً مفوضا ً إلى إسرائيل رافعة بذلك تمثيلها الدبلوماسي من سكرتير ثان إلى قائم باألعمال‬
‫س‪.1986 ’،‬‬

‫ولما انفجرت أزمة الخليج في ‪( 1991 – 1990‬حرب الخليج الثانية) استمرت االتصاالت‬
‫بين البلدين على مختلف المستويات وكان واضحا ً أن الخط السياسي الذي سبق شرحه ظل هو المرشد‬
‫للدولتين()‪.‬‬

‫وقد كان لمصر موقفا ً واضحا ً من التحالف العسكري التركي اإلسرائيلي فمع القيام بأول‬
‫مناورة جوية مشتركة بين إسرائيل وتركيا من ‪ 13‬إلى ‪ 18‬سبتمبر ‪ 1998‬وجهت الدعوة لمصر‬
‫للمشاركة فيها لكن مصر رفضت المشاركة في هذه المناورات‪.‬‬

‫وأكد عمرو موسى وزير الخارجية المصري آنذاك خطورة سياسة األحالف والمحاور على‬
‫أ‪/‬ن المنطقة وأضاف أن مصر لن تشارك في المناورات المشتركة التي تثير عالمة استفهام كبيرة‬
‫حول المغزى من إجرائها بهذه الصورة التي تؤثر سلبيا ً على المصالح العربية التركية‪.‬‬

‫وأكد التقرير االستراتيجي العربي الصادر عن مركز الدراسات السياسية واالستراتيجية‬


‫باألهرام أن هذا التعاون سيؤدي إلى اختالل موازين القوى في المنطقة ويضغط على أطراف عربية‬
‫وغير عربية‪.‬‬

‫وبصرف النظر عن توصيف هذه العالقات تعاون أو تحالف فإن مصر تبدو أيضا ً مستهدفة‬
‫وليس سوريا والعراق فحسب وإنما يستهدف أيضا ً تضيّق الخناق على مصر بحكم امتدادها التاريخي‬
‫ماديا ً ومعنويا ً وسياسيا ً واقتصاديا ً وثقافيا ً وعسكريا ً جهة الشرق وذلك بالرغم من معاهدة السالم بين‬
‫مصر وإسرائيل وعالقات مصر السياسية واالقتصادية الطيّبة مع تركيا()‪.‬‬

‫وفي ظل توجهات حزب العدالة والتنمية نحو العالم العربي والعالم اإلسالمي خاصة‬
‫والتغيرات التي تشهدها المنطقة منذ سقوط بغداد؛ تسعى تركيا إلى التنسيق مع مصر حيث أ‪،‬ها‬
‫وتركيا من أ‪:‬بر دول منطقة الشوق خاصة مع الواليات المتحدة األمريكية مع اختالف درجة هذه‬
‫الخصوصية؛ تتفق مصر وتركيا في ناحية أخرى أساسية فرضتها عوامل متعددة تتصدرها‬
‫خصوصية الوضع الجيوبولتيكي لكل منها؛ ويقصد بذلك تعدد دوائر اهتمامات السياسة الخارجية‬
‫وتحركاتها مع اختالف أولوية هذه الدوائر من منظور صانعي القرار في كل من البلدين في حالة‬
‫تركيا الدوائر األوروبية والغربية األطلسية والشرق أوسطية واآلسيوية (أسيا الوسطى والقوقاز)‬
‫واإلسالمية والبحر األسود والبلقان وفي حالة مصر الدوائر العربية واألفريقية واإلسالمية‬
‫واألوسطية والمتوسطية والعالم الثالث؛ وقد اكتسبت زيارة مبارك ألنقرة في ‪ 11‬فبراير ‪2004‬‬
‫أهميتها مع البيئة االستراتيجية الجديدة في الشرق األوسط التي فرضها االحتالل األمريكي للعراق‬
‫وتداعيات ذلك على أمن المنطقة واستقرارها‪ ،‬فالدولتان حاولتا مع دول الجوار للعراق منع الحرب –‬
‫ك ٌل على طريقته – واستمرتا في التنسيق عبر اجتماعات استمرت بعد االحتالل‪.‬‬

‫أما الهدف المشترك الذي يجمعهما اآلن هو المحافظة على وحدة العراق وسالمته اإلقليمية‬
‫ورفض تقسيمه والدولتان عضوان في مجموعة الثماني الكبار اإلسالمية للتنمية التي تضم باإلضافة‬
‫إليهما إيران وباكستان وبنجالديش وأندونيسيا وماليزيا ونيجيريا؛ وقد انعقدت قمتها األولى التأسيسية‬
‫في اسطنبول في ‪ 15‬يونيو ‪ 1997‬واستضافتها مصر في بدايات ‪2001‬؛ وقد أشار مبارك إلى دعم‬
‫مصر لهذه المجموعة التي تتصف بسمات تميزها عن سائر تجمعات العالم الثالث وبتراث مشترك‬
‫يربط بين دولها التي تتمتع بآفاق كبيرة للتعاون في المجاالت االقتصادية بما يؤهل المجموعة ألن‬
‫تكون بداية تعاون أشمل في المستقبل إليجاد تجمع اقتصادي أكبر مع عدم تعارض آلية التعاون بين‬
‫هذه الدول مع أي ترتيبات إقليمية وثنائية أخرى تشارك فيها مصر()‪.‬‬

‫ومما سبق نلحظ أن العالقات المصرية التركية تسير في منحنى تصاعدي منذ سنة ‪1970‬‬
‫وحتى اآلن حيث تجتذب مصر المستثمرين األتراك وتزداد العالقات االقتصادية وثوقاً؛ وقد ازداد‬
‫هذا المنحنى الصاعد صعوداً منذ وصول حزب العدالة والتنمية إلى السلطة والظروف اإلقليمية التي‬
‫صاحبت ذلك وأبرزها على اإلطالق سقوط بغداد تحت االحتالل األمريكي وما صاحبه من تهديد‬
‫ألمن المنطقة بأكملها‪.‬‬
‫الخاتمة‬
‫نستطيع التأكيد اآلن على وجود دعائم أساسية تقوم عليها السياسة الخارجية التركية بصفة‬
‫عامة كانت موجودة وظلت قبل وبعد وصول حزب العدالة والتنمية إلى السلطة في العام ‪2002‬؛ مثل‬
‫السعي الدائم لالنضمام إلى االتحاد األوروبي والتودد إلى الواليات المتحدة والتقارب من إسرائيل‬
‫واإلتكاء على التراث والتاريخ المشترك عند التعامل مع العالم العربي واإلسالمي وسعي ضمير‬
‫الدولة التركية لبناء شخصية مستقلة وأجندة خاصة ليس من حق أحد اإلطالع عليها تتعلق هذه‬
‫األجندة تحديداً بمستقبل عالقة تركيا بأوروبا من جهة ومن جهة أخرى تتعلق بعالقة تركيا بالعالم‬
‫العربي والشرق األوسط‪.‬‬

‫لكن ما حدث من تغير في السياسة الخارجية التركية خاصة تجاه العالم العربي بعد وصول‬
‫حزب العدالة والتنمية إلى سدة الحكم في تركيا؛ هو فقط توظيف كل ما سبق بشكل براجماتي ونجاح‬
‫الحزب في خلق توفيقية جديدة استطاع من خاللها أن يقترب من الجميع دون أن يبتعد عن أحد‪ ..‬وهذه‬
‫التوفيقية الجديدة كما ُأسميّها هي التي جعلت من هذا الحزب نقطة ّ‬
‫جذابة للكثير من الباحثين والعاملين‬
‫بالحقل السياسي؛ فاختلفت حوله اآلراء بين العلمانيين واإلسالميين والعالم العربي وإسرائيل وإيران‬
‫والواليات المتحدة وهذا هو أقوى األدلة على نجاحه الذي برز جليا ً داخليا ً وخارجيا ً خاصة بعد‬
‫انتصار عبد هللا جول بالرئاسة التركية وكذلك فقد جاء الحزب بعد فترة ساكنة في تركيا لم يكن‬
‫مطروحا ً على الساحة خاللها سوى بعض الساسة المعروفون بفسادهم بشكل أو بأخر وغرق البالد‬
‫في األزمات االقتصادية‪.‬‬

‫وبهذا كان حزب العدالة والتنمية األفضل في التوظيف والتوفيق‪.‬‬


‫المراجع‬
‫أوالً‪ :‬الكتب‪-:‬‬

‫أ‪.‬د‪ /‬أكمل الدين إحسان أوغلو‪ ،‬د‪ /‬صالح سعداوي‪" :‬العالقات العربية التركية فمن منظور‬ ‫‪5‬‬

‫تركي"‪ ،‬الجزء الثاني‪ ،‬معهد البحوث والدراسات العربية – مركز األبحاث للتاريخ والفنون والثقافة‬
‫اإلسالمية باسطنبول‪.1993 ،‬‬

‫د‪ /‬جالل عبد هللا معوض‪" :‬صناعة القرار في تركيا والعالقات العربية التركية"‪ ،‬مركز دراسات‬ ‫‪6‬‬

‫الوحدة العربية‪.2006 ،‬‬

‫د‪ /‬عمرو الشوبكي‪ ،‬د‪ /‬جان ماركو‪" :‬إسالميون وديمقراطيون إشكاليات بناء تيار إسالمي‬ ‫‪7‬‬

‫ديمقراطي"‪ ،‬مركز الدراسات السياسية واالستراتيجية باألهرام‪ ،‬القاهرة‪.2006 ،‬‬

‫ياسر أحمد حسن‪" :‬تركيا‪ ..‬البحث عن مستقبل"‪ ،‬سلسلة العلوم االجتماعية‪ ،‬الهيئة المصرية‬ ‫‪8‬‬

‫العامة للكتاب‪ ،‬القاهرة‪.2006 ،‬‬

‫‪" 9‬دليل الحركات اإلسالمية في العالم"‪ ،‬مركز األهرام للدراسات السياسية واالستراتيجية‪،‬‬
‫القاهرة‪ ،‬مارس ‪.2006‬‬

‫ثانيا ً‪ :‬الدوريات العلمية المح ّكمة‪-:‬‬

‫أحمد دياب‪" :‬تركيا وإسرائيل‪ ..‬أزمة عابرة أم منافسة قادمة؟"‪ ،‬مجلة السياسة الدولية‪ ،‬العدد رقم‬ ‫‪4‬‬

‫‪ ،158‬أكتوبر ‪.2004‬‬

‫د‪ /‬جهاد عودة‪" :‬التحالف العسكري التركي – اإلسرائيلي"‪ ،‬مجلة السياسة الدولية‪ ،‬العدد رقم‬ ‫‪5‬‬

‫‪ ،153‬يوليو ‪.2003‬‬

‫عبد العظيم محمود حنفي‪" :‬اتجاهات جديدة في السياسة الخارجية التركية"‪ ،‬مجلة السياسة‬ ‫‪6‬‬

‫الدولية‪ ،‬العدد رقم ‪ ،156‬أبريل ‪.2004‬‬

‫د‪ /‬محمد نور الدين‪" :‬التداعيات اإلقليمية‪ ..‬تركيا"‪ ،‬مجلة المستقبل العربي‪ ،‬العدد رقم ‪،653‬‬ ‫‪7‬‬

‫أغسطس ‪.2006‬‬
‫د‪ /‬محمد نور الدين‪" :‬تركيا والعالم العربي‪ ..‬عالقات محسوبة"‪ ،‬مجلة السياسة الدولية‪ ،‬العدد رقم‬ ‫‪8‬‬

‫‪ ،169‬يوليو ‪.2007‬‬

‫هاني عادل ديمتري‪" :‬معضالت سياسة تركيا الخارجية تجاه األزمة العراقية"‪ ،‬مجلة السياسة‬ ‫‪9‬‬

‫الدولية‪ ،‬العدد رقم ‪ ،152‬أبريل ‪.2003‬‬

‫ثالثا ً‪ :‬شبكة المعلومات الدولية (اإلنترنت)‪-:‬‬

‫عواطف مدلول‪" :‬متى يحصل العراق على حقه التاريخي في دجلة والفرات؟"‪ ،‬جريدة الصباح‬ ‫‪3‬‬

‫العراقية‪ 29 ،‬يوليو ‪.2007‬‬

‫‪www.alsabaah.com‬‬

‫كالوديا موالور‪ ،‬ترجمة‪ /‬رائد الباس‪" :‬سوريا والعراق في مواجهة تركيا صراح على مياه دجلة‬ ‫‪6‬‬

‫والفرات"‪ ،‬قنطرة حوار مع العالم اإلسالمي‪.‬‬

‫‪www.qantara.delweb.com‬‬
‫الفهرس‬

‫الصفحة‬ ‫الموضوع‬

‫تقسيم البحث ‪1 .....................................................................................‬‬

‫المقدمة ‪2 ...........................................................................................‬‬

‫‪ :‬محددات السياسة الخارجية التركية تجاه العالم العربي منذ نشأة الجمهورية‬
‫وحزب العدالة والتنمية ‪3 ........................................................................‬‬

‫‪ :‬السياسة الخارجية التركية تجاه العراق ‪15 ........................................................‬‬

‫‪ :‬السياسة الخارجية التركية تجاه سوريا ‪29 .........................................................‬‬

‫‪ :‬السياسة الخارجية التركية تجاه الصراع العربي ‪ -‬اإلسرائيلي ‪36 ...........................‬‬

‫خامسا ً‪ :‬السياسة الخارجية التركية تجاه مصر ‪48 .......................................................‬‬

‫الخاتمة ‪55 .....................................................................................................‬‬

‫المراجع ‪56 ....................................................................................................‬‬

You might also like