Professional Documents
Culture Documents
دراســة الصفات الإلهية في الأروقة الحنبلية عرض وتعريف
دراســة الصفات الإلهية في الأروقة الحنبلية عرض وتعريف
ال شك أننا يف زمن احتدم فيه الصراع السلفي األشعري ،وهذا الصراع وإن كان قديما
منحصرا يف األروقة العلمية واملصنفات العقدية ،إال أنه مع ظهور السوشيال ميداي واملواقع
م
اإللكرتونية واالنفتاح الذي أدى إىل طرح اإلشكاالت العلمية على مرأى ومسمع من الناس،
مع تفاوت العقول وتفاضل األفهام ،ووجود من ل يتأسس يف مباحث االعتقاد ،خرج جيل
يتكلم بغري فهم ،وحيكم بغري عدل ،فاحتدم الصراع وكثر اجلدل العقدي يف مجلة من القضااي
اليت حتتاج إىل حترير ،ومنها قضية اعتقاد احلنابلة واألثرية ،ال سيما يف مبحث األمساء والصفات
صحيحا ،وبيان جذورها
م تصويرا
م وما تفرع منها من مسائل ،وحترير حمل النزاع فيها ،وتصويرها
بعيدا عن الشطط أو اإلفراط والتفريط.
املعرفية ،م
صحيحا ،من
م تصويرا
م فجاء هذا الكتاب ،ليحرر مجلة من هذه املصطلحات ،وتصويرها
خالل منهج علمي رصني ،قام على التتبع واالستقراء ،مع تفكيك هذه املصطلحات وإرجاعها
إىل أصلها ،مث إعادة تركيبها مرة أخرى.
وعلما يف هذا الرواق القضائي والنزاع السلفي
رمزا موملا كان شيخ اإلسالم ابن تيمية م
حكما وال قاضيما ،إمنا
األشعري كان ال بد من حضوره يف هذا السياق ،لكن املؤلف ل جيعله م
ومشاهدا أخرى ،مث ترك احلكم لصاحل ابن تيمية أو عليه
م ومدافعا اترة،
م شاهدا اترة،
م جعله
للقارئ الكرمي ليصل لنتيجة هذا النزاع بنفسه.
املعلومات الفنية للكتاب:
عنوان الكتاب :دراسة الصفات اإلهلية يف األروقة احلنبلية والكالم حول اإلثبات
والتفويض وحلول احلوادث.
اسم املؤلف :عالء حسن إمساعيل.
دار الطباعة :تبصري للنشر والتوزيع ،القليوبية ،مجهورية مصر العربية.
رقم الطبعة واترخيها :الطَّبعة ى
األوىل ،عام 1443هـ2022 /م.
حجم الكتاب :يبلغ عدد صفحاته ( )368صفحة ،يف جملد واحد.
أمهية البحث وأسباب الكتابة فيه:
تكمن قيمة هذا البحث يف كون املؤلف ِّ
يؤرخ للفكر العقدي وتطوره داخل الرواق احلنبلي
من جانب ،ومن جانب آخر يقوم بتفكيك التصورات املغلوطة عن علماء احلنابلة اليت تضعهم
يفكك تلك الصورة ابستمرار كلهم يف بوتقة واحدة يف مقابل شيخ اإلسالم ابن تيمية ،فهو ِّ
وفصال بعد فصل؛ لتظهر لك الصورة العقدية
طوال الكتاب ،مث يُعيد تركيبها مبحثما بعد مبحث م
لعلماء احلنابلة مبختىلف طبقاهتم واضحة.
أوال ،مث معرفة السياق
ال شك أنَّه ال يكن احلكم على األفكار قبل التثبت من النقل م
احلجاجي الذي نشأ من خالله هذا الفكر ،مث القضية اخلطرية وهي قضية "املصطلح" أي:
حتمله من مضامني؟ هذا األمر لهكيف مت التعبري عن ذلك الفكر؟ وما مصطلحاته؟ وما ِّ
حضور كبري يف تلك الدراسة اليت تلِّج إىل عمق املذهب احلنبلي العقدي ،ال بوصف احلق
كامن يف ذلك املذهب ،ولكن بوصف احلالة السجالية العقدية اليت أحدثها املذهب احلنبلي
العقدي أمام األطروحة اجلهمية واألشعرية ،ال سيما بعد مرحلة شيخ اإلسالم ابن تيمية
واستعماله ملفردات كان منها ما هو غريب عن الوسط احلنبلي العقدي ،وإن كانت مضامني
تلك املفردات موجودة يف املذهب احلنبلي كما أثبت املؤلف.
فتأيت أمهية هذا الكتاب بوصفه حائ ى
ط صد أمام االستدعاء املعاصر -من بعض احلنابلة-
بديال مناسبما لألطروحة التيمية
ملذهب متأخري احلنابلة كالقاضي أيب يعلى الذي وجدوا فيه م
واألشعرية على السواء.
خمصصا للحنابلة ،إال أنه ل يغفل أقوال أهل
م مع األخذ يف االعتبار أن البحث وإن كان
احلديث واألثرية ،وإن كانوا من مذاهب فقهية أخرى ،أمثال السجزي وابن خزية وابن قتيبة
وابن عبد الرب وغريهم كثري يف أثناء البحث.
موضوع البحث:
هذا البحث خمصص ملبحث "الصفات اإلهلية" وإشكاالهتا ،استطاع املؤلف حترير الكثري
من املصطلحات اليت دار اخلالف حوهلا ،كقضية التفويض ،واألفعال االختيارية ،وحلول
احلوادث.
عرض جممل ملا اشتمل عليه الكتاب:
قسم الكتاب إىل ثالثة أبواب:
الباب األول :اإلثبات عند احلنابلة ،وفيه أربعة فصول:
الفصل األول :حترير مسألة التفويض:
بدأ املصنف يف هذا الفصل بقضية مركزية يف مصنفه ،وهي حترير املصطلحات مع تفكيكه
ملسألة التفويضُ ،مبينا اخلطأ الذي كان حيصل يف املسألة نتيجة تناوهلا جمملة من غري تفصيل،
وإظهار إشكالية مهمة وهي ورود ألفاظ توهم التفويض ممن تُعلم عقيدته السلفية ،ومثَّل ابلشيخ
حممد بن عبد الوهاب وولده عبد للا والشيخ حممود شكري اآللوسي وغريهم.
وأرجع املؤلف السبب يف ذلك إىل أن مسألة التفويض اليت يتجاذهبا طلبة العلم ل تكن
مطروحة ومشتهرة عند األثرية هبذه الصورة إال بعد االعتناء مبصنفات شيخ اإلسالم ابن تيمية
يف القرن املاضي .وإن كان األشاعرة استخدموا التفويض استخداما كالميا.
اشتهارا ِّ
وهنا يؤكد الباحث على اعتبار العامل الزمن وأتثريه على املصطلحات دقةم وخفاء و م
انداثرا ،وهي ال شك اعتبارية مهمة يف البحث العقدي املعاصر.
و م
الفصل الثاين :حترير التفويض املذموم:
يف هذا الفصل يبدأ الباحث يف حترير مفهوم التفويض ،ويايز بينه وبني التفويض املذموم،
مث تستمر إشكالية املصطلحات لبعض أقوال احلنابلة الذين يعدون فيها الصفات من املتشابه،
أو قول بعضهم عن آايت الصفات( :بال معىن) أو (بال تفسري) ،لنجد َّ
أن األمر أوسع مما
أن قصدهم له تعلق مبنع الكيفية يف فهم الصفات ،ومن هنا يبدأ الكتاب يتبادر إىل الذهن ،و َّ
يف توضيح الفروق الدقيقة بني تفويض األشاعرة وتفويض احلنابلة.
الفصل الثالث :مسألة القدر املشرتك:
حمضا ،وليس القصد منه مماثلة
تعطيال م
القدر املشرتك هو القدر الذي إذا نُفي كان األمر م
اخلالق للمخلوق ،وهذا القدر املشرتك البد منه؛ ففي أحيان كثرية ال يعرف اإلنسان القول
الصحيح ومآالته إال إذا عرف املذهب املقابل له.
مستدال
م وهنا بني الباحث خطأ الكثري من املعاصرين يف ختطئة ابن تيمية يف هذه املسألة
على ذلك بكالم الكثري من أئمة األشاعرة واحلنابلة ونظارهم ممن يثبتون هذا القدر املشرتك
ويؤصلون له ويقررونه ،مبينما معايري معرفة السلف وأئمة احلديث مبعاين الصفات.
الفصل الرابع :إشكالية املصطلحات:
أييت هذا الفصل ليبني فيه املؤلف بوضوح مصدر اخللل الذي أدى إىل سوء الفهم ،وهو أن
مثة قناعة غري صحيحة ِّشبه متعارف عليها عند كثري من طلبة العلم املعاصرين ،وهي الظن أن
تقريرات ابن تىيميَّة العقدية وتقسيماته االصطالحية هي تقسيمات مستقرة ومطردة منذ عصور
ما قبل التقعيد العلمي (عصور أهل احلديث األوىل ومن بعدهم يف الطبقات الوسطى)
كمصطلح صفات الفعل وصفات الذات ،والقدمي واحلادث ،واملعىن والكيف وغري ذلك ،وأن
أئمة أهل اإلثبات احملض تتفق طريقتهم وعباراهتم مع طريقة وعبارات ابن تىيميَّة أو أهنم يلتزمون
هبا.
وبناء على هذا الظن -غري الدقيق -يقوم املعاصر بتقييم العلماء -قبل وبعد ابن تىيميَّة-
ُ
وحماكمتهم بظواهر كالم ابن تىيميَّة ،وهو ما يُؤدي إىل كوارث يصعب حصرها داخل يف الرواق
العلمي.
والصواب -كما يقول املؤلف -أن تقسيمات ابن تىيميَّة وحتريراته العقدية هي تقسيمات
استقرائية ألحوال السلف وأئمة احلديث وتصرفاهتم -خالل عصور خمتلفة -مع تفاضل عبارات
هؤالء األئمة من حيث جودة العبارة ،ومدى دقتها يف الداللة ،واختالفاهتم يف جزئيات غري
مطردة.
وُيكن متثيلها بتحريرات الشافعي األصولية ،وهي قولبة لطريقة فقه الصحابة والتابعني
وفقهاء األمصار ،وال يلزم أن أفراد الفقهاء من الصحابة والتابعني -ممن سبقوا الشافعي-
يلتزمون بنفس مصطلحات الشافعي أو يلتزمون بذكر نفس املصطلح األصويل عند املتأخرين يف
كل حال ،على الرغم من أن ُكنه مذاهبهم تدور حول تلك التأصيالت األصولية بال شك،
حىت ولو خالف آحاد الفقهاء يف آحاد املسائل فهي خمالفات غري مطردة.
ويرجع املؤلف بعض التصورات املغلوطة إىل أن املخالف يفهم ابن تيمية من خالل السلفي
فهما دقيقا ،فينتج من ذلك غلط على غلط.
الذي هو بدوره قد ال يكون قد فهم ابن تيمية م
يف هذا الفصل أجاد املؤلف يف التمثيل ببعض األخطاء املنهجية يف قضية املصطلحات
مثل( :خطأ التالزم بني نفي التفسري والتفويض) و(املتشابه والتفويض) و(وصف األفعال
ابلقدية أو صفة الذات ،ونفي األفعال).
وقد أجاد الرد على دعوى أن معىن اليد يف اللغة هي اجلارحة ،مبينا زيف تلك الدعوى من
كالم أئمة اللغة الذين صرحوا أن اجلارحة قيلت على سبيل اجملاز وليست هي حقيقة اليد.
مث جاء أبمثلة على من وصف األفعال أبهنا قدية ،مثل الدارمي املعروف عنه إثبات
األفعال االختيارية ،ومع ذلك وصف األفعال بصفة الذات القدية ،مما يدل أنه ال تالزم بني
استخدام مصطلح القدمي وبني نفي الفعل االختياري ابلضرورة.
والسبب يف ذلك -كما يرى املؤلف -أن بعض أهل احلديث استخدموا مصطلح (القدمي
وصفة الذات) ،وقصدوا هبا أن األفعال غري منفصلة عن الذات كنوع من الرد على اجلهمية
الذين جيعلوهنا خملوقة منفصلة عن الذات.
فعدم إدراك مقاصد العلماء ودراسة التاريخ العقدي االصطالحي هو السبب الرئيس يف
وقوع اإلشكاالت املعاصرة.
الباب الثاين :حلول احلوادث واألفعال االختيارية ،وفيه تسعة فصول:
الفصل األول :طرائق املذاهب ف الفعل االختياري:
يؤكد املؤلف أن نصوص الوحي ِّمن أوهلا إىل آخرها متضمنة أن للا يفعل يف وقت دون
وقت ،ويتكلم يف حني دون حني؛ فكلَّم آدم بعد أن خلقه ول يكلِّمه قبل ذلك ،وكلَّم موسى
عباده املتقني يوم القيامة. ِّ عندما جاء ميقات ربه ،وكلَّم م
حممدا ليلة املعراج ،وسيكلم ى
ويف حديث الشفاعة الطويل حينما يهرع الناس يوم القيامة إىل األنبياء يقول كل نيب« :إن
ريب قد غضب اليوم غضبًا مل يغضب قبله ،ولن يغضب بعده مثله».
واملذاهب الرئيسة هي:
-1مذهب األشعرية :أن فعل للا خملوق منفصل عنه.
-2مذهب الكالبية والساملية وبعض احلنابلة :أن األفعال قدية ال تتعلق ابملشيئة.
-3املذهب الصحيح (السلف ومجهور أهل احلديث) :أن أفعال للا متجددة غري خملوقة.
وهنا ملحظ لطيف ،وهو أن بعضهم يستخدم مصطلح القدمي وينفي احلدوث كاحلسن بن
كدا
حامد ،وبعضهم ال جيد غضاضة من وصف األفعال ابحلدوث مثل الكرجي القصاب ،مؤ م
فكرته برسم جدول مقارنة بني هذين اإلمامني ليؤكد الفكرة لدى القارئ.
الفصل الثاين :التفرقة بني احلادث واملخلوق:
بني الباحث يف هذا الفصل أن ابن تيمية ل يكن هو أول من فرق بني احلادث واملخلوق،
بل سبقه الكثري من أئمة السلف يف ذلك أمثال :اإلمام حممد بن إمساعيل البخاري ،وابن قتيبة
الدينوري ،واإلمام الكرجي القصاب ،واإلمام أيب نصر السجزي الوائلي ،رمحة للا على اجلميع.
الفصل الثالث :موقف األشاعرة من صفات األفعال:
األشاعرة ينفون الصفات االختيارية ،وهنا وقعوا يف إشكالية أبن قالوا :إن اخللق هو
املخلوق ،والفعل هو املفعول ،فقالوا عن حروف القرآن :خملوقة ،ومعىن ذلك أن صفة الفعل ال
تقوم ابهلل تعاىل.
وهذا أوقعهم يف التناقض والسفسطة ،ورجع قوهلم إىل قول اجلهمية كما قال ذلك البخاري
يف (خلق أفعال العباد) ،ورد عليهم السجزي ،وتسبب ذلك يف حرية الرازي.
الفصل الرابع :مصطلح حلول احلوادث عند ابن تيمية:
فند الباحث مقولة من ينسب إىل شيخ اإلسالم ابن تيمية أنه يقول بقول الكرامية يف
مسألة حلول احلوادث ،مبينما أن شيخ اإلسالم يعترب هذه املصطلحات من املصطلحات
قائال بشكل صريح" :وال ريب أن أهل السنة واحلديث ال يطلقون عليه أنه
الكالمية املبتدعة ،م
حمل للحوادث ،وال حمل لألعراض وحنو ذلك من األلفاظ املبتدعة".
الفصل اخلامس :إشكالية صفة الكالم عند احلنبلية بعد القرن الرابع:
ويف هذا الفصل وهو األكثر دقة وحساسية ،وهو الفصل اخلاص ابخلالف احلنبلي احلنبلي
يف صفة الكالم ،حاكيما حدوث نزاعات اترخيية ،قام برصدها وحتليلها.
الفصل السادس :ردود بعض احلنابلة على القاضي أيب يعلى.
الفصل السابع :قدم أصوات القارئني للقرآن:
تعرض املؤلف إىل دعوى خمالفة ابن تيمية للمتقدمني يف قِّدم القرآن ،وهو اخلالف األكثر
يهاب ولوجه لدقته ،إال أن املؤلف جتاسر
حساسية يف الرواق العقدي ،وكثري من الباحثني ُ
وكسر حاجز اخلوف ،وأجاد فيه إجادة قوية ،وأجاب بوجوه كثرية جدا إىل احلد الذي يروي
ظمأ من يريد الوقوف على حقيقة األمر.
مث عرج على فساد قول مدرسة القاضي يف صفة الكالم ،والغلو الذي قادهم إىل القول أبن
صوت القارئ هو صوت للا تعاىل.
الفصل الثامن :مىت ظهرت بدعة نفي الكالم ابملشيئة؟
ساق املؤلف بعض النزاعات اليت حدثت يف صفة الكالم ،ومن أهم تلك النزاعات التارخيية
ما حصل بني ابن خزية وتالميذه يف صفة الكالم .وأيضا ما حكاه غالم اخلالل عن خالف
أصحاب أمحد يف هذه املسألة الدقيقة.
كان املؤلف ُمنص مفا يف نقل اخلالف ،إذ ل يستبعد أن حيصل اخلالف يف الطبقة األوىل من
أصحاب أمحد؛ ألن اهلدف من الكتاب كما يرى هو بيان احلقائق كما هي بعدل وإنصاف.
وأن حدوث اخلالف ال يُعد شبهة ،وذلك ألن ابن خزية أسبق اترخيا من غالم اخلالل،
وقد حدث يف زمنه تنازع أيضا.
الفصل التاسع :إشكالية تعاقب احلروف:
إشكالية تعاقب احلروف اليت ظهرت بعد القرن الرابع اهلجري انقشها بعض العلماء
كالسجزي وابن عقيل ،ومن الواضح أن ابن عقيل -بعد عودته إىل السنة -قد ُوفق إىل حد
كبري للجواب عن تلك الشبهة ،بعكس السجزي الذي التزم نفي تعاقب احلروف ولو على
سبيل احملاججة.
أبدا بني نفي تعاقب احلروف وبني نفي األفعال ابلضرورة ،فابن
ويوضح املؤلف أنه ال تالزم م
تيمية يعترب السجزي ممن يثبتون األفعال االختيارية .ودعم املؤلف وجهة نظره بكالم للشيخ
أاببطني النجدي يف نفي التعاقب أيضا .واستدل املؤلف بذلك على غلط من قرن بني األمرين،
وال تالزم بينهما.
الباب الثالث :عقائد احلنابلة وفق طبقاهتم:
أما الباب الثالث واألخري فهو يقارب نصف الكتاب تقريبما ،مما يعن أن البابني األول
عن بطبقات احلنابلة
والثاين يتقامسان النصف األول .وال غرابة يف ذلك ،فالباب الثالث ىم ي
وعقائدهم ،وهو األمر الذي حيتاج إىل شرح وبيان.
وقد قسمهم إىل ثالث طبقات:
طبقة املتقدمني :بداية من اإلمام أمحد وينتهون إىل احلسن بن حامد.
طبقة املتوسطني :بداية من القاضي أيب يعلى إىل ما قبل املرداوي.
طبقة املتأخرين :بداية من املرداوي إىل عصران.
وجميبما
فيبدأ ابلطبقة األوىل مبتدئ ابإلمام أمحد وبيان طريقته يف حتقيق معاين الصفاتُ ،
على رواية( :ال كيف وال معىن) اليت تلوكها ألسنة املعاصرين دون مجع رواايته يف الباب.
مث خيتار بعض النماذج من املتقدمني كحرب الكرماين وعبد الوهاب الوراق ،مث ابن بطة
وابن شاقال واحلسن بن حامد.
وهذه الطبقة ل ينقل عنهم خمالفات يف العقيدة إال شيء من الزايدة يف اإلثبات عند
بعضهم كإثبات احلركة واالنتقال واملماسة.
أما الطبقة الثانية -ويبدؤون من القاضي أيب يعلى -فيُبدع املؤلف يف الكالم عنهاُ ،مزي مفا
الظن الشائع الذي يقول أبن هذه الطبقة كلهم من املفوضة ،وأييت أبدلة كثرية على وجود اجلرأة
يف اإلثبات حىت عند أتباع مدرسة القاضي.
وقد أفرد مبحثا للقاضي وحده جلاللته يف املذهب ،وهو ما يزيد هذا الكتاب أمهية ،حيث
تتبع املؤلف شخصية القاضي ابلتحرير والتحليل ،وذكر تراجعاته وتناقضاته يف الباب ،مث ختم
جبدول مقارنة بني القاضي وابن تيمية.
أما اخلط األثري مثل ابن منده واهلروي وابن عبد الغن وابن قدامة فقد أفردهم يف فصل
كامل ،وأهم ما ييز هذا الفصل هو مبحث الشيخ املوفق ابن قدامة ،فقد تناول موقف املوفق
من األفعال االختيارية واستخدام املوفق لفظة (القدمي) يف وصف احلروف ونفي تعاقب
احلروف ،وكذا موقف ابن تيمية من املوفق ،كل هذا انقشه املؤلف مناقشة ُموسعة جدا ،إىل
احلد الذي يُشبع فيه من أراد الوقوف على احلقيقة دون اجتزاء.
وأرجع الباحث تضارب األقوال يف ابن قدامة إىل اخلطأ الشهري يف األوساط املعاصرة الذي
ذكره يف الباب األول ،وهو حماكمة العلماء مبصطلحات شيخ اإلسالم ابن تيمية ،واليت هي
مصطلحات حتقيقية لبيان االشتباه عند املتكلمني ،وال يلزم أن األثرية ممن سبقوا ابن تيمية
يلتزمون هبا .وإمنا يُعرف مذهبهم جبملة أحواهلم وتصرفاهتم يف الباب.
أما احلنابلة املتأخرون -ويبدؤون من اإلمام املرداوي -فقد غلب عليهم الطابع الفقهي،
عارضا؛ ألسباب كثرية منها السجن والتنكيل ،واالنشغال بتحرير
أمرا م وأصبح اجلانب العقدي م
ظاهرا لديهم بنسب خمتلفة.
املذهب الفقهي ،وإن كان التأثري التيمي م
حىت جاء علماء اجلزيرة العربية بعد القرن الثالث عشر اهلجري ،فأخرجوا تراث شيخ
اإلسالم ابن تيمية ،وانتفع الناس بتحقيقهم الرتاثي وإخراجهم لكتب أهل احلديث.
وساق بعض األمثلة ليثبت التأثري العقدي التيمي يف متأخري احلنابلة ،فذكر الرحلة
العياشية؛ ليثبت أن رسائل ابن تيمية يف العقيدة معتمدة عند املتأخرين من احلنابلة ،مث ذكر
تقريرات متأخري املذهب مثل عالء الدين املرداوي ،ومجال الدين بن املربد ،وابن النجار
الفتوحي ،وأمحد البعلي ،وابن بلبان ،ومرعي الكرمي ،وعثمان النجدي ،والسفارين.
مث ساق بعض األسئلة املنتشرة يف الرواق احلنبلي ،وأجاب عنها ،مثل:
هل يوجد معتمد عقدي عند احلنابلة؟
ملاذا خالف املتأخرون ابن تيمية يف بعض املسائل؟
كيف يتعامل احلنابلة مع فكرة املعتمد؟
مميزات الكتاب:
ىسواء اتفقت مع رؤية املؤلف أو اختلفت معه ،فالكتاب يعترب نقلة نوعية يف اجلدل
العقدي املعاصر ،ليس على منوال كثري من الكتب املعاصرة اليت ترتكز يف أحباثها على شيخ
ُ
اإلسالم ابن تيمية.
ومن تلك األمور الت ممتيز الكتاب:
بعيدا عن اجلمود والتقليد احلاصلني يف
صحيحا ،م
م تصويرا
م -1حترير املصطلحات وتصويرها
خطاابت املوافقني واملخالفني.
-2مراعاة البعد الزمن واملكاين عند حترير هذه املصطلحات ،وأتثريه على املصطلحات
اشتهارا وانداثرا.
دقةم وخفاء و م
-3تذليل املسائل العقدية الصعبة وتسهيلها ليفهمها القارئ ،ليتدرج به شيئا فشيئا إىل ما
هو أعلى ،فامتاز املؤلف بسهولة العبارة والتدرج حىت يفهم املسائل الصعبة بغري إخالل
ابملقصود .كذلك تفكيك املسائل وحترير حمل النزاع وجرد شامل لألوهام اليت تقع يف هذه
املسائل.
أصال
حكما على غريه ،أو م
-4إثبات احلق يف املسائل املُشكلة دون جعل ابن تيمية م
ُحيتكم إليه ،بل حضور ابن تيمية يف هذا الكتاب كان كحضور الشاهد ال كحضور القاضي.
-5اإلشارة إىل أمهية دراسة التاريخ العقدي وتطور الفكر اجلديل عند أهل احلديث مما
خلال فيما بعد.
يُسهل توضيح الصورة كاملة لطالب العلم ،دون اجتزاء يُسبب م
-6قضية املصطلحات قضية مركزية للكتاب والتطور التارخيي للمصطلح ،فقد يؤثر العامل
اشتهارا وانداثرا.
م الزمن على املصطلح دقةم وخفاء،
-7أشار املؤلف إىل أمهية معرفة مراتب اخلالف العقدي ،وأن العقيدة تنقسم إىل أصول
وفروع ،أو كما قال ابن تيمية :األصول الكبار ،واملسائل الدقيقة .فاملسائل الكبار ال خالف
ضمنة يف املختصرات العقدية ،وأما املسائل الدقيقة فحصل فيها
فيها بني أهل احلديث ،وهي ُم َّ
نوع خالف بعد القرن الرابع اهلجري ،وإن كانت هذه املسائل احلق فيها واحد وال يسوغ فيها
اخلالف ،إال أن اخلطأ فيها وارد ،وال يوجب املفارقة العقدية ابلضرورة.
ُ
خلال عند بعض طلبة العلم ،حيث ينظر الطالب إىل وغياب هذا التأصيل كان يُسبب م
العقيدة على أهنا قالب واحد ال يتجزأ ،وإذا وجد عاملا من العلماء خيالف ابن تيمية يف مسألة
دقيقة حيصل له نوع ُشبهة ،ويظن أن ابن تيمية خيالف أهل احلديث من جهة ،أو يبدع هذا
اإلمام الذي خالف احلق من جهة أخرى.
واخللل هنا يكمن يف عدم إدراك مراتب مسائل االعتقاد والظن أهنا يف رتبة واحدة.
ابلنهاية هذا الكتاب من الدراسات املتميزة اليت تعتىن بتحرير املسائل ،وكذا كثرة النقل من
كتب احلنابلة واألثرية ،ويرصد بدقة حتوالت احلنابلة يف دقيق املسائل العقدية ،ومن اجلميل يف
الكتاب عمل جداول مقارانت عقدية مفيدة بني أعالم املذهب احلنبلي واختياراهتم العقدية
حىت ال ينفرط عقد انتباه القارئ.
واحلمد هلل رب العاملني.