إنسانية محمد

You might also like

Download as pdf or txt
Download as pdf or txt
You are on page 1of 214

‫د‪ .

‬حسين صبري‬ ‫إنسانية محمد‬

‫ﷺ‬
‫الدكتور‬
‫حسين صبري‬

‫جامعة زايد‬
‫دولة اإلمارات العربية املتحدة‬
‫إنسانية محمد‪ :‬د‪ .‬حسني صربي‬
‫اإليداع‪2020/14844 :‬‬
‫ردمك‪978-977-6820-97-5 :‬‬

‫إن منصة كتبنا للنرش الشخيص غري مسئولة عن آراء املؤلف وأفكاره‪ ،‬وتعرب اآلراء الواردة يف‬
‫هذا الكتاب عن آراء املؤلف وال تعرب بالرضورة عن آراء املنصة والعاملني فيها‪.‬‬

‫فريق العمل عىل الكتاب‪:‬‬


‫تنسيق وإخراج فني‪ :‬محمود املنياوي‬
‫تصميم الغالف‪ :‬أسامة عالم‬

‫وسائل التواصل مع الدار‪:‬‬

‫اإلمييل ‪info@kotobna.net‬‬

‫املوقع ‪https://kotobna.net/en‬‬
‫الفيسبوك‬
‫‪https://www.facebook.com/kotobnabooks/‬‬
‫د‪ .‬حسين صبري‬ ‫إنسانية محمد‬

‫اإلهداء‬

‫‪2‬‬
‫د‪ .‬حسين صبري‬ ‫إنسانية محمد‬

‫ُُ‬ ‫نك ُ‬ ‫اللهم إ َ‬


‫تعلم أن دراستي في "إنسانية محمد" كانت لي حلما‪،‬‬
‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬
‫وأمنية كبرى‪ ،‬رجوت َك أن تتحقق‪ ،‬وسعيت لها‪ ،‬وأخذت بأسبابها‪.‬‬

‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬


‫وتعلم أني وبدءا من اللحظة األولى؛ و أنا أخطط إلنجازها‪ ،‬وتجهيز‬
‫ُ‬
‫مادتها العلمية وكتابتها‪ ،‬حتى املسودة األولى‪ ،‬فالنسخة النهائية؛‬
‫ُ‬
‫وملتزما رو َح‬
‫تحريا الحق‪ُ ،‬‬
‫كنت ياهللا؛ مخلصا صادقا نزيها ُم ّ‬
‫وحدس املخلصين في البحث‪.‬‬‫َ‬ ‫العلم‪،‬‬

‫دم في بدني‪ ،‬وبكل‬


‫خلية من خالياي‪ ،‬وبكل قطرة ٍ‬
‫وتعلم أني وبكل ٍ‬
‫َْ ُ ّ ُ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ُّ‬
‫نبضة َيرف بها قلبي؛ أهدي دراستي – جهد املقل املقصر– إلى نور‬
‫ّ‬
‫ٍ‬
‫َ‬
‫عيني في الدنيا واآلخرة‪ ،‬ختام األنقياء‪ ،‬محمد بن عبد هللا‪ ،‬أكمل‬
‫من أيقن إنسانيته من الناس؛ في بشريته ونبوته وتفرده في رحمته‪.‬‬

‫وأسلم و أبارك؛ أفضل صالة وأزكى سالم وأطيب و أتمّ‬ ‫ّ‬


‫ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫وأصلي‬
‫الح ْسن في الوجه والروح والقلب واللسان‪،‬‬ ‫البركات؛ على جامع ُ‬
‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫ْ ُ ُُُ َ‬
‫من َب ْعث ُه وخلق ُه وكل َم ُه وسيرت ُه ورسالت ُه؛ ُه ُم غاية الكمال‬
‫واالتقان في "اإلنسان"‪.‬‬

‫‪3‬‬
‫د‪ .‬حسين صبري‬ ‫إنسانية محمد‬

‫مقدمة الدراسة‬

‫‪4‬‬
‫د‪ .‬حسين صبري‬ ‫إنسانية محمد‬

‫َ‬ ‫ئ ُ‬
‫صور‪ ،‬الذي خلق "اإلنسان" ووهبه ما‬ ‫بسم هللا الخالق البار امل ِّ‬
‫إنسانا ويسمو في إنسانيته‪ ،‬فال يكون له بعدها عند‬ ‫يقدر أن يكون به ً‬
‫ُ ٌ‬ ‫هللا – إن َّ‬
‫ضيع – حجة أو برهان‪.‬‬
‫كرم اإلنسان تمي ًزا عن سائر مخلوقاته‪ ،‬وأنعم عليه‬ ‫وأحمده تعالى أن َّ‬
‫"اإلنسانية" وأقدره على إنفاذها‪ ،‬فإن ُمراد الرحمن أن يترقى ُّ‬
‫كل واحد‬
‫من البشر إلى ُ‬
‫العلى من مراتبها‪.‬‬
‫ُ‬
‫ساالت السماء وتجارُ‬ ‫َّ‬
‫الفطر السوية‬ ‫ِّ‬ ‫أن‬ ‫اإلنسانية؛‬ ‫نا‬ ‫ب‬ ‫ر‬ ‫متنا‬ ‫عل‬ ‫فقد‬
‫ميز التخريب عن العمران‪ ،‬والقتل عن اإلحياء‪ ،‬واالستخفاف عن‬ ‫ُت ُ‬
‫االتقان‪ ،‬واإلفساد عن اإلصالح‪ ،‬وجميعها في مقدور اإلنسان‪ ،‬ومن‬
‫ِّنع ِّم الخالق على اإلنسانية أن جعل في الناس نماذج لالختالف‬
‫"لنفهم"‪ ،‬فباملثال يكون االعتبار ُّ‬
‫ويتم اإليضاح‪.‬‬
‫ُ‬
‫والباحثون في ساحات العلم؛ ينفعلون باألحداث املعبرة عن‬
‫اإلنسانية‪ ،‬يشاركون الناس شجونهم وقضاياهم‪ ،‬لكنهم مختلفون في‬
‫رؤاهم‪ ،‬منظوراتهم‪ ،‬مناهجهم‪ ،‬إجراءاتهم‪ ،‬تحليالتهم‪ ،‬أدلتهم‪،‬‬
‫غاياتهم‪ ،‬وأحكامهم‪.‬‬
‫ُ‬
‫وقد أثيرت منذ انطلقت دعوة اإلسالم في ربوع الجزيرة العربية‪،‬‬
‫ٌ‬
‫وأحكام تم ُّ‬ ‫ٌ‬ ‫ُ‬
‫س إنسانية‬ ‫مسائل‬ ‫والزالت تثار إلى اليوم؛ من حين آلخر؛‬
‫‪5‬‬
‫د‪ .‬حسين صبري‬ ‫إنسانية محمد‬

‫يطرحها الباحثون من شتى البيئات‬ ‫ُ‬ ‫النبي "محمد" عليه السالم‪،‬‬


‫واألعراق والثقافات والديانات‪ ،‬يختلف تناولهم وتتباين أحكامهم‪،‬‬
‫ُ‬ ‫ُ‬
‫التباين حول إنسانية محمد – في نبوته‬ ‫فكان هذا االختالف وذاك‬
‫ُُ‬ ‫ُ‬
‫ل‬
‫والوحي الذي أنز عليه وخلقه وسيرته وسنته ورسالته ‪ -‬هو دافعنا‬
‫موضوعا للدراسة‪ ،‬الستقراء وتحليل‬‫ً‬ ‫األول الختيار "إنسانية محمد"‬
‫وتفنيد هذه األحكام بمنهج علمي‪ ،‬وإلقرار معايير "املفاضلة" بين‬
‫الناس‪ ،‬ولبيان ملاذا حازت إنسانية محمد ‪ -‬بهذه املعايير ‪ -‬رتبة الكمال‬
‫ٌ‬ ‫ى‬ ‫والتفرد‪ ،‬ولقد َّ‬
‫موجهة‬
‫ِّ‬ ‫فرضيات‬ ‫هي‬ ‫‪،‬‬‫أسباب‬ ‫االختيار؛‬ ‫هذا‬ ‫قو‬
‫للبحث‪ ،‬وهي باألساس أسئلة تقتض ي اإلجابة‪ ،‬فإن كل إجراء بحثي‬
‫له َمهمتان‪:‬‬
‫• املهمة األولى؛ فحص فرضياته وتوكيد صحتها‪.‬‬
‫ٌ‬
‫و‬
‫• واملهمة الثانية؛ موازية لها وال تقل عنها ضر رة؛ هي طرح‬
‫أسئلة "بحثية" تصلح ألن تكون محفزات للبحث‪.‬‬
‫وأهم هذه األسباب "الفرضيات" التي وجهتنا الختيار "إنسانية‬
‫محمد" موضوعا للدراسة‪ ،‬هي‪:‬‬
‫‪ .1‬االستدالل على أسباب االختالف حد التناقض في أحكام‬
‫الباحثين حول "إنسانية محمد"‪ ،‬بين املسلمين واملستشرقين‬

‫‪6‬‬
‫د‪ .‬حسين صبري‬ ‫إنسانية محمد‬

‫والعلماء واملؤرخين واألدباء واملفكرين على اختالف طوائفهم‬


‫وانتماءاتهم‪.‬‬
‫‪ .2‬التحليل املنهجي للوقوف على محددات هذه األحكام من حيث‪:‬‬
‫الصحة والبطالن‪.‬‬
‫‪ .3‬استقراء نماذج هذه األحكام‪ ،‬لتفنيد املسارات التي أوصلت ً‬
‫بعضا‬
‫ً‬
‫ونفسيا‪.‬‬ ‫ً‬
‫معرفيا‪،‬‬ ‫ً‬
‫منهجيا‪،‬‬ ‫منها إلى الخلل؛‬
‫‪ .4‬التحليل العلمي لدالالت ومظاهر وآثار ومقومات "التفاضل" في‬
‫اإلنسانية‪ ،‬التي استحوذت عليها "إنسانية" محمد‪ ،‬والبرهنة على‬
‫صحة ودقة وعلمية معايير املفاضلة‪.‬‬
‫ْ‬
‫‪ .5‬غياب "القدوة" في الحضارة اإلنسانية املعاصرة‪ ،‬وتبدل املعايير‬
‫التي تطمئن إليها األفهام عبر جهود الفكر العلمي والفلسفي‪ ،‬إذ‬
‫تحولت القدوة من الرسل واملصلحين والعظماء ُ‬
‫وصناع التاريخ‪ ،‬إلى‬
‫ٌ‬
‫نماذج أخرى‪ ،‬ليس لها أدنى حظ من اإلصالح أو العظمة أو الرقي‪.‬‬
‫البعد اإلنساني" عن كثير من أنماط حياتنا اليومية‬ ‫‪ .6‬انسحاب " ُ‬
‫والعلمية واالجتماعية التي تسود بين الناس؛ في أدائهم‪ ،‬قناعاتهم‪،‬‬
‫وعالقاتهم‪ ،‬قيمهم‪ ،‬معامالتهم‪ ،‬وحتى في نواياهم‪.‬‬
‫‪" .7‬الوهن" غير املبرر في "االنتماء" اإلنساني‪ ،‬وفي "االلتزام" القيمي‪،‬‬
‫عبر الجهد البحثي في العلوم والفلسفات على حد السواء‪.‬‬

‫‪7‬‬
‫د‪ .‬حسين صبري‬ ‫إنسانية محمد‬

‫‪ .8‬سيادة "النفعية" في أحكام الباحثين‪ ،‬وتراخي الروح العلمية في‬


‫أوساط العلماء وهم النموذج في هذا؛ حتى تحول أمر الناس إلى‬
‫التفتيش عن اإلنسانية في غير محلها ً‬
‫بعيدا عن اإلنسان‪.‬‬
‫ظنا أن فيها الخالص‬‫‪ .9‬االندفاع الشديد نحو "ما بعد اإلنسانية"‪ً ،‬‬
‫من ُمحصلة الثورات‪ :‬املعرفية التكنولوجية البيولوجية‪ ،‬التي أنهكت‬
‫قوى اإلنسان‪ ،‬وقوت مطامعه في الحياة‪.‬‬
‫‪ .10‬التوسع العريض لتيارات "اإللحاد واالنحراف والشذوذ"‪،‬‬
‫وتنامي نزعات الفردية واألنانية والهروب واالنسحاب االجتماعي‬
‫والنفس ي‪ ،‬واتساع نطاقات التبرير‪ ،‬وتسمية األمور بغير مسمياتها‪.‬‬
‫‪ .11‬تمدد "الطموح العلمي" على يد فريق من العلماء والباحثين؛‬
‫بدعوى إصالح وتيسير حياة اإلنسان‪ ،‬حتى ما عادت لكرامة اإلنسان‬
‫ُ‬
‫قيمتها؛ إال بدرجة ما تفيد البحث العلمي داخل مختبرات العلماء‪.‬‬
‫ُ‬
‫‪" .12‬سيطرة العلم املادي" في الحياة املعاصرة‪ ،‬دون ضابط أخالقي‬
‫يقنن تطوره السريع‪ ،‬ما أدى إلى كثير من ردود األفعال غير منطقية‪،‬‬
‫كالتطرف‪ ،‬واحتكار الدين‪ ،‬واإلفراط في ادعاء التدين‪ ،‬وإنكار النبوات‬
‫والشرائع السماوية‪ ،‬وتفش ي موجات التحرر‪ ،‬والربط التعسفي بين‬
‫اإليمان والتخلف‪.‬‬

‫‪8‬‬
‫د‪ .‬حسين صبري‬ ‫إنسانية محمد‬

‫منهج الدراسة‪:‬‬
‫سوف تتبع الدراسة لتوكيد غاياتها العلمية؛ منهجا استرداديا‬
‫استقرائيا استنباطيا مقارنا ونقديا‪ ،‬حيث‪:‬‬

‫تصل بنبي اإلسالم‪ ،‬وهو حدث تاريخي‪،‬‬‫‪ -‬إن موضوع الدراسة ُم ٌ‬


‫علوم وطر ٌ‬
‫ائق‬ ‫تضمن مواقف وظواهر وأشخاص‪ ،‬ونشأت له ٌ‬
‫ووثائق‪ ،‬والزمته أدلة ورؤى وأحكام‪ ،‬فوجب التوليف بينها من‬
‫خالل منهج تاريخي‪ ،‬الستكمال املقاربات واملقارنات والوقوف‬
‫على سياقاتها التاريخية لتحديد‪ :‬أصولها‪ ،‬جذورها‪ ،‬وآثارها في‬
‫بناء إنسانية محمد في صدق مفرداتها‪ ،‬وكفاية حقائقها‪.‬‬
‫‪ -‬إن فرضيات الدراسة وهي تسير في اتجاهين‪ :‬أولهما؛ تحليل‬
‫شواهد األفضلية في إنسانية محمد وثانيهما؛ تحليل أحكام‬
‫نهج استقرائي د ٌ‬ ‫ً‬
‫اما أن يكون لها ٌ‬
‫قيق‬ ‫الباحثين بشأنها‪ ،‬كان لز‬
‫لفحص حاالت االتفاق على األفضلية ومعاييرها‪.‬‬
‫‪ -‬إن ربط األصول التاريخية بأحكام الباحثين في إنسانية محمد؛‬
‫يقتض ي استخدام االستنباط في التمييز بين الحقائق واآلراء‬
‫الستخالص النتائج وإثبات االتساق بين الفرضيات والنتائج‪.‬‬

‫‪9‬‬
‫د‪ .‬حسين صبري‬ ‫إنسانية محمد‬

‫‪ -‬إن كفاية النقد في دراستنا يقتض ي التوفيق بين أشراط‬


‫املوضوعية في كفاية الحقائق واألدلة وأشراط الذاتية في‬
‫النزاهة والحيادية‪ ،‬فالنقد املنهجي وسيلة تحقق من صحة‬
‫األدلة واألسانيد‪ ،‬ومعيار لكشف املغالطات‪.‬‬
‫‪ -‬إن املقارنة طريقة منهجية لبحث وتدقيق الشواهد والحقائق‬
‫واألحكام واألدلة‪ ،‬وهي أداة إقناع علمي إلثبات صحة‬
‫الفرضيات املوجهة للدراسة‪.‬‬
‫وسوف يأتي توظيف هذه املناهج بشكل متقاطع وتكاملي‪ ،‬لضبط‬
‫إجراءات البحث‪ ،‬وطرح فرضياته‪ ،‬والتحقق منها‪.‬‬

‫‪10‬‬
‫د‪ .‬حسين صبري‬ ‫إنسانية محمد‬

‫تراكمي وصوال إلى نتائجه ‪ -‬من‬


‫ٍ‬ ‫بحثي‬
‫ٍ‬ ‫بناء‬
‫تتألف الدراسة ‪ -‬في ٍ‬
‫مكوناتها التالية‪:‬‬
‫التمهيد‪:‬‬
‫لتحليل جذر مفردة "اإلنسان"‪ ،‬وما تشير إليه من دالالت لغوية‬
‫واصطالحية‪ ،‬أعطت "التميز" لجنس البشر كاإلدراك والعلم‬
‫واليقين‪ ،‬لتوكيد أن اإلنسان ليس بماديته وجسمه وإنما ُبرقي ذهنه‬
‫ن ُ‬
‫وخلقه‪ ،‬ويوضح التمهيد أن العلم اإلنساني إن لم يقتر بخلق؛ أفلت‬
‫من سلطة العقل‪ ،‬وهذا ما أصاب الحضارة املعاصرة‪ ،‬إذ ظهرت‬
‫نزعات "اإلنسانية" و"ما بعد اإلنسانية" وتسارعت الثورات‪:‬‬
‫املعرفية‪ ،‬واالتصاالتية‪ ،‬والتكنولوجية‪ ،‬والبيولوجية‪ ،‬التي أفرزت‬
‫أفكا ًرا أفقدت اإلنسانية جوهرها‪ ،‬من مثل‪" :‬إلغاء الدين" و"إنكار‬
‫النبوات" و"التفلسف املادي بكل أطيافه"‪ ،‬ما أدى إلى شيوع الطلب‬
‫املتزايد للحرية املطلقة‪ ،‬التي أنتجت العلمانية واإللحاد واالنحراف‬
‫والشذوذ واألنانية‪ ،‬وينتهي التمهيد إلى ضرورة تقنين العلم بضابط‬
‫إيماني ال يستقيم إال عبر الشرائع املنزلة‪.‬‬

‫‪11‬‬
‫د‪ .‬حسين صبري‬ ‫إنسانية محمد‬

‫القسم األول‪:‬‬
‫يركز على فحص "إنسانية محمد" بين مفهومي‪ :‬االتساق والتمايز‪،‬‬
‫ويقدم نماذج للبرهنة على التالزم بينهما‪ ،‬كالتمايز واالتساق بين‬
‫ُ‬
‫"محمد" و "الوحي"‪ ،‬ويبرهن على ما أعطيه النبي من طاقات البشرية‬
‫وطاقات النبوة‪ ،‬وينتقل لتحليل واستقراء دالالت لفظة "اإلنسان" في‬
‫آيات الوحي عبر السياقات القرآنية‪ ،‬للوصول إلى العنصر الرئيس في‬
‫هذا القسم وهو قيمة "املفاضلة" بين محمد وسائر البشر‪ ،‬ليحلل‬
‫معاييراملفاضلة وشواهدها من تاريخ الفكر اإلنساني‪ ،‬وهي شواهد‪:‬‬
‫الرحمة‪ ،‬الصحبة‪ ،‬الفطرة‪ ،‬النصفة‪ ،‬الذوات السوية‪ ،‬واإلجماع‬
‫العلمي‪ ،‬ويتفحص املعايير التي تمايز بها نبي اإلسالم وتفرد‪ ،‬في الثبات‬
‫على املبدأ‪ ،‬اإلخالص‪ ،‬املسئولية‪ ،‬والتوسط الخلقي‪ ،‬ويقدم في هذا‬
‫الفحص األدلة على الكمال اإلنساني لدى النبي محمد‪ ،‬في مقدرات‬
‫بشريته ومعطيات النبوة‪.‬‬
‫القسم الثاني‪:‬‬
‫يركز على تأكيد التالزم بين املوضوعية والذاتية كضرورة إجرائية في‬
‫العمل البحثي‪ ،‬ويؤكد هذا القسم أن الربط بين الذاتية وعدم‬
‫املنهجية هو ربط غير علمي‪ ،‬ويثبت أن الذاتية كاملوضوعية‪ ،‬هي‬
‫ٌ‬
‫معيار أساس ٌي في إقرار الروح العلمية‪ ،‬وأن للذاتية – في العمل البحثي‬
‫‪12‬‬
‫د‪ .‬حسين صبري‬ ‫إنسانية محمد‬

‫‪ -‬إرادتين‪ :‬السوية واملتطرفة‪ ،‬بهما يتوصل البحث إلى أحكام صحيحة‬


‫أو باطلة‪ ،‬وينتقل القسم إلى بيان مقدمات الكتابة في السيرة النبوية‪،‬‬
‫ومنهجية الكتابة‪ ،‬وقواعد هذه املنهجية‪ ،‬ويفحص كيف سادت‬
‫ً‬
‫"الروح النقدية" في تدوين السيرة التي أسسها املسلمون علما ألول‬
‫مرة في تاريخ الكتابة اإلنسانية‪ ،‬ويحلل معاييرها من الصدق‪،‬‬
‫الوضوح‪ ،‬الصحة‪ ،‬الدقة‪ ،‬اإلسناد‪ ،‬التوثيق‪ ،‬والروح العلمية‪ ،‬ثم‬
‫يفصل القسم في تحليل مقدمات الخلل في أحكام الباحثين من‬
‫ويفند محددات‬‫املستشرقين ومن املسلمين حول إنسانية محمد‪ِّ ،‬‬
‫هذا الخلل من التعسف في الحكم‪ ،‬إنكار الحقائق‪ ،‬عدم التمييز بين‬
‫الحقائق‪ ،‬االستنتاج القسري‪ ،‬القصور في الرؤية‪ ،‬والضبابية في‬
‫الحكم‪ ،‬وتؤكد الدراسة على الربط املحكم بين هذه املحددات‬
‫ونفسيا‪ ،‬وأن صحة الحكم تقتض ي‬‫ً‬ ‫ً‬
‫ومعرفيا‪،‬‬ ‫ً‬
‫منهجيا‪،‬‬ ‫ووجود الخلل‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫موضوعيا وذاتية سوية؛ لفهم الحقائق املعبرة‬ ‫قراءة دقيقة وتحليال‬
‫عن إنسانية خاتم املرسلين ﷺ‪.‬‬
‫الدراسات السابقة ملوضوع "إنسانية محمد"‪:‬‬
‫موضوع دراستنا "إنسانية" محمد ﷺ عبر التدوين الشفهي‬ ‫ُ‬ ‫لقد ورد‬
‫للسيرة العطرة وعبر رواية السنة الشريفة بين الصحابة‪ ،‬حيث‬
‫تواصل حفظهم لها ونقلهم إياها وعملهم بها‪ ،‬وانتقل الحفظ إلى جيل‬
‫‪13‬‬
‫د‪ .‬حسين صبري‬ ‫إنسانية محمد‬

‫َّ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫ً‬ ‫التابعين ليدونوه ً‬


‫ل‬
‫مكتوبا على يد كتاب السيرة األو من مثل‪:‬‬ ‫علما‬
‫عروة بن الزبير وابن شهاب الزهري وموس ى بن عقبة‪ ،‬ليصل إلى جيل‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫نال قدرة أكبر ومنهجية أدق في توثيق وتدوين مجريات السيرة على يد‬
‫ابن إسحاق‪ ،‬فابن هشام والواقدي وابن سعد‪ ،‬الذين أسسوا من‬
‫ٌ‬
‫منهج وأصو ٌل وضوابط‪ ،‬ونجحوا في بناء علوم أخرى‬‫علما له ٌ‬
‫السيرة ً‬
‫تسانده كالجرح والتعديل واإلسناد‪ ،‬وظلت "إنسانية محمد" جز ًءا‬
‫ً‬
‫ضمنيا وبشكل عرض ي في عامة الدراسات التي صارت بعدها – في كل‬
‫جيل دون توقف – ضمن البحث املتعلق بتاريخ اإلسالم ومغازي‬
‫الرسول وما صاحب دعوته من تفاصيل وأحداث وأشخاص‬
‫يخل ٌ‬
‫جيل من املفكرين في تاريخ اإلسالم ومن شتى‬ ‫ومواقف‪ ،‬ولم ْ‬
‫الثقافات األخرى من الكتابة في هذه املوضوعات‪ ،‬وإن ركز بعض‬
‫عرضيا على "اإلنسانية" من جهة صفات النبي وأخالقه‬ ‫ً‬ ‫املحدثين‬
‫وأثرها ونماذجها‪ ،‬ولكن من غير‪:‬‬
‫تحليل لقضية التالزم بين "االتساق" و "التمايز" في إنسانية‬
‫ٍ‬ ‫‪‬‬
‫محمد‬
‫‪ ‬واستقراء شواهد األفضلية في أحكام املنصفين إلنسانية‬
‫محمد وتدقيق معاييرها‬

‫‪14‬‬
‫د‪ .‬حسين صبري‬ ‫إنسانية محمد‬

‫‪ ‬وضبط أسس وأصول "الروح النقدية" في منهجية تدوين‬


‫السيرة‬
‫‪ ‬وتأكيد الربط العلمي بين "املوضوعية" و "الذاتية" في بناء‬
‫أحكام املتعصبين في أحكامهم‬
‫‪ ‬وتحليل نقدي ملحددات الخلل (املنهجي‪ ،‬املعرفي‪ ،‬والنفس ي)‬
‫في هذه األحكام‬
‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫ٌ‬ ‫ٌ‬
‫إذ لم تركز دراسة سابقة – قدر ما توصل إليه علمنا وبحثنا – على‬
‫فحص وتحليل ل ـ "إنسانية محمد" بشكل تفصيلي ومستقل عبر هذه‬
‫تحديدا‪ ،‬فكانت دراستنا لسد تلك الفجوة‪،‬‬ ‫ً‬ ‫األبعاد وعبر هذا املنظور‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫أرجو هللا الكريم املجيب أن يتقبلها قبوال حسنا‪ ،‬ويجعل لها في الناس‬
‫وأثرا‪ ،‬ويجعل من إخالص ي فيها؛ ز ًادا لي في دنياي وآخرتي‪ ،‬و ً‬
‫خيرا‬ ‫ً‬
‫نفعا ً‬
‫لإلسالم واملسلمين واإلنسانية‪ ،‬إنه هو ولي ذلك والقادر عليه‪.‬‬

‫مؤلف الكتاب‬
‫د‪ .‬حسين صبري‬
‫أبو ظبي‬
‫في أغسطس ‪2020‬‬

‫‪15‬‬
‫د‪ .‬حسين صبري‬ ‫إنسانية محمد‬

‫التمهيد‬
‫ملاذا اإلنسانية ‪......‬؟‬
‫د‪ .‬حسين صبري‬ ‫إنسانية محمد‬

‫تقودنا الحروف األصلية الثالثة ملفردة "اإلنسان" وهي‪ :‬الهمزة والنون‬


‫والسين‪ ،‬إلى اشتقاقات عديدة‪ ،‬يبدو للوهلة األولى أن هناك فيما‬
‫اختالف لغو ٌي ٌ‬ ‫ٌ‬ ‫بينهما ً‬
‫ناتج عن االشتقاق‪ ،‬أما دالالتها‬ ‫تباعدا‪ ،‬غير أنه‬
‫ً‬ ‫ً‬ ‫ً‬
‫في االصطالح؛ فإن بينها رابطا دقيقا واحدا‪ ،‬ال يمس انتظامها‪ ،‬لتؤدي‬
‫جامعا يسري على كل ما ُيشتق من هذه الحروف الثالثة‪.‬‬ ‫ً‬ ‫ً‬
‫معنى‬
‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫ْ‬ ‫ُ‬ ‫ُْ‬ ‫شتق منها؛ مفردات "األن ُ‬ ‫فقد ا ُ‬
‫"اإلنس" التي توظف‬ ‫ِّ‬ ‫و‬ ‫"‬‫س‬ ‫ن‬ ‫"األ‬ ‫و‬ ‫"‬ ‫س‬
‫تارة كأسماء وتارة كصفات في اإلشارة إلى الطمأنينة والسكن وذهاب‬
‫الوحشة‪ ،‬واشتق منها "أنس" و "أ ِّنس" و "آنس" في الداللة على أفعال‬ ‫ُ‬
‫عدة‪ ،‬هي‪ :‬أحس‪ ،‬سمع‪ ،‬أي‪ ،‬أبصر‪ ،‬نظر‪ ،‬علم‪ ،‬واطمأن‪ُ ،‬‬
‫واشتق منها‬ ‫ِّ‬ ‫ر‬
‫ي‬ ‫ٌ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬
‫استعملت (‪ ،)1‬وكلها دالة على تكامل عضو عصبي‬ ‫"استأنست" أي‬
‫ُ‬
‫دائما بامل ْد ِّرك وهو‬
‫ً‬ ‫نفس ي ألداء فعل "اإلدراك" الذي يقترن‬
‫تم الفهم ويحصل التمييز‪ ،‬ربما لهذا‬ ‫“اإلنسان"‪ ،‬بهذا التكامل ي ُّ‬
‫ُ‬ ‫السبب ُ‬
‫اشتق من هذه الحروف لفظة "اإليناس" التي فيها "الداللة‬
‫على اليقين"(‪ ،)2‬ما يعني أننا بإدراكاتنا نستطيع الفهم والتمييز بين‬
‫الظواهر واألفكار واآلراء والحقائق واالنطباعات‪ ،‬لنصل إلى اليقين‪،‬‬
‫أيضا كاإلدراك؛ هما من أفعال "اإلنسان"‪.‬‬ ‫فاليقين ً‬

‫هذه الدالالت تلتقي في أن من تمام الفعل "اإلنساني" هو اإلشباع‬


‫الذي يمأل العقل والروح‪ ،‬لهذا تتفق اللغة واالصطالح في أن‬

‫‪17‬‬
‫د‪ .‬حسين صبري‬ ‫إنسانية محمد‬

‫ُُ‬ ‫ذهنا ً‬‫"اإلنسان" هو "الراقي ً‬


‫وخلقا" (‪ ،)3‬فاإلنسان بعقله وخلقه وليس‬
‫بجسمه وماديته‪ ،‬ألن حقيقته "مغايرة للسطح واللون وكل ما هو‬
‫ٌ‬ ‫ٌ ٌ‬
‫كائنات حية دقيقة ال حصر لها وال نراها بعيوننا‬ ‫مرئي" (‪ ،)4‬فهناك‬
‫املجردة‪ ،‬وهناك حيوانات غيرها نعلمها‪ ،‬لها من الحواس والقوى‬
‫والنفوذ ما تقهر بها اإلنسان وتتفوق عليه‪ ،‬ويتغلب عليها اإلنسان‪،‬‬
‫ولكن بصفات مغايرة‪ ،‬تفرد بها وحده‪ ،‬هي "خصائص تميز الجنس‬
‫البشري" (‪ ،)5‬ويمكن حصرها في اثنتين‪ ،‬هما‪:‬‬
‫‪ ‬عقله؛ وما يبذله من علم‬
‫‪ ‬وخلقه؛ وما يبدع من خير‬
‫ً‬
‫متروكا له ُ‬
‫أمر عقله‬ ‫ولم يقرر الجنس البشري تميزه بنفسه‪ ،‬وليس‬
‫ُُ‬
‫على إطالقه‪ ،‬وال أمر خلقه على إطالقه‪ ،‬فال بد من ضابط لهما‬
‫محدد‪ ،‬هذا الضابط هو من أراد لإلنسان التميز‪َّ ،‬‬
‫وقدر ُه له‪.‬‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َْ‬
‫لهذا لو قلنا "أنسن اإلنسان" علمنا أنه "ارتقى بعقله وهذبه" ‪،‬‬
‫)‬‫‪6‬‬ ‫(‬

‫فليست العبرة بالعقل مجردا و إنما بالعقل مهذبا‪.‬‬


‫ً‬
‫فهل هذا يعني أن اإلنسان في حاجة إلى "أنسنة" ليصير إنسانا؟‬
‫إن صح هذا؛ فكيف يكون حكمنا على هذا املخلوق قبل أن يؤنسن؟‬

‫‪18‬‬
‫د‪ .‬حسين صبري‬ ‫إنسانية محمد‬

‫إن "األنسنة" ال تستقيم إال بنهج موصول من السماء‪ ،‬يصير به‬


‫ً‬ ‫ُ ً‬ ‫ً‬ ‫ُ‬
‫إنسانا‪ ،‬فال ترتقي أكثر الحيوانات ألفة أو ذكاء باألنسنة‪،‬‬ ‫اإلنسان‬
‫حيث ال يكون لها ذاك التميز اإليماني الذي يكون لإلنسان‪ ،‬وينفعل‬
‫ُُ‬
‫به عقله وخلقه‪.‬‬
‫فهل هذا يمنحنا الحق في أن نتساءل‪:‬‬
‫ُ‬
‫‪ ‬أيهما أسبق في الداللة إلى اآلخر‪ :‬اإلنسان‪ ،‬أم إنسانيته؟‬
‫رغم فلسفية السؤال‪ ،‬وما ينطوي عليه من أبعاد وجودية وعلمية‬
‫ومنطقية؛ فإن جدلية العالقة بين "اإلنسان" و"إنسانيته" تزيد‬
‫غموضا وصعوبة وتقطع رجاءنا في اإلجابة عنه‪ ،‬ألن تصور‬ ‫ً‬ ‫السؤال‬
‫شاق‪ ،‬ألن الذي يتصور هو "اإلنسان"‪ ،‬وتصور الش يء‬‫أمر ٌ‬ ‫اإلنسانية ٌ‬
‫فرعا عن تصوره‪.‬‬‫واقعا‪ ،‬ندركه‪ ،‬ونفهمه‪ ،‬ليكون الحكم ً‬‫يحتم وجوده ً‬
‫ً‬
‫أحيانا؛ نحكم على نماذج من "اإلنسان" أو من "أفعال" اإلنسان بأنها‬
‫وأحيانا؛ نحكم على نماذج أخرى غيرها بأنها "دون‬ ‫ً‬ ‫"إنسانية"‪،‬‬
‫اإلنسانية"‪ ،‬بل ربما تتناقض أحكامنا على اإلنسان نفسه أو على‬
‫الفعل نفسه‪ ،‬فهل هذه األحكام هي أحكام صحيحة وواقعية‪ ،‬أم هي‬
‫على سبيل املجاز والكناية؟‬

‫‪19‬‬
‫د‪ .‬حسين صبري‬ ‫إنسانية محمد‬

‫اعتقاد قو ٌي أن هناك "مراتب" في اإلنسانية‪ ،‬وأن فيها‬ ‫ٌ‬ ‫يوجد‬


‫"تفاضال" أقرته الشرائع السماوية وتحكمه أعراف الناس ويؤكده‬
‫العلم ويبني املعاير لقياسه وتقديره وإلجراء املفاضلة بين الناس‪.‬‬
‫ُ‬
‫علماء‬ ‫فريق من املفكرين يدعمهم‬ ‫ً‬
‫مستهجنا أن يؤسس ٌ‬ ‫لهذا لم يكن‬
‫ل ـ ـ "ما بعد اإلنسانية"‪ ،‬يحدوهم رغبة في املزيد من السيطرة‪ ،‬يراودهم‬
‫تجنب األلم واملرض والضعف واملوت‪ ،‬ويطمعون في الخلود‬
‫والطاقات والقدرات أضعاف ما بين أيديهم اآلن‪ ،‬هم يبصرون آثار‬
‫َّ‬
‫ز‬
‫العلم اإلنساني يترقى كل ساعة حتى تجاو ت نطاق األرض ودقائقها‪،‬‬
‫فعل العلم عبر مجالين من اآلفاق‪ ،‬متقابلين‪ ،‬لعلهما‬ ‫فانطلق ُ‬
‫يتكامالن أو يلتقيان‪:‬‬
‫‪ ‬شمولي؛ يمتد إلى الكون والكائنات واألعماق الحية والجامدة‪،‬‬
‫والفضاءات‪ ،‬وكل ما تطاله آلة اإلنسان‪.‬‬
‫‪ ‬وداخلي؛ ينفذ إلى أعماق اإلنسان‪ ،‬في خالياه‪ ،‬أنسجته‪ ،‬وظائفها‬
‫الحيوية والنفسية‪ ،‬جيناته‪ ،‬هندسته الوراثية‪ ،‬ومستودع أسرار‬
‫ً‬
‫عقله الباطن الذي ال يزال مجهوال‪.‬‬
‫باديا من‬ ‫مستمر‪ ،‬والتغيير متوال‪ ،‬سريع وشامل‪ ،‬وليس ً‬ ‫ٌ‬ ‫والبحث‬
‫قريب أو من بعيد أن هناك ما أو من سيوقفه‪ ،‬واإلنسان ُم ْحد ُثه‪ُ،‬‬
‫ِّ‬
‫ٌ‬
‫وأو ُل عناصره‪ ،‬وغاية كبرى من غاياته‪ ،‬إذ "ال يمكن فصل العالم‬
‫‪20‬‬
‫د‪ .‬حسين صبري‬ ‫إنسانية محمد‬

‫بصورة كاملة عن إدراكنا له‪ ،‬فهو يتبدل تحت أنظارنا" (‪ ،)7‬وليس‬


‫أثر من الفكر‪،‬‬ ‫ً‬
‫محددا حتى اآلن‪ :‬هل هذا التبدل ‪ -‬الذي ندركه ‪ -‬هو ٌ‬
‫ُْ‬
‫أو الحلم‪ ،‬أو من فورة النفس‪ ،‬أو بعض شطحات العلم والعلماء؟‬
‫ً‬
‫فاألحداث املرتبطة بالبيولوجيا تبدو متالحقة "إلى الحد الذي يصعب‬
‫ً‬
‫جميعا قيد‬ ‫معه تسجيل كل الوقائع املرتبطة به"(‪ ،)8‬وليست‬
‫قريبا سيتمكن العلم من تحديد الجين الخاص‬ ‫ُ‬
‫ولعله ً‬ ‫السيطرة‪،‬‬
‫بصفة مثل الذكاء‪ ،‬والطول‪ ،‬ولون الشعر‪ ،‬والعدوانية‪ ،‬أو احترام‬
‫الذات‪ ،‬لكي "يستخدموا هذه املعرفة لصنع نسخة "أفضل" من‬
‫اإلنسان"(‪ ،)9‬ضمن ترتيبات العلم ملا بعد اإلنسانية‪ ،‬بعد أن تمكن‬
‫جيل ٌ‬
‫سابق من املفكرين من بناء "مذهب" في "اإلنسانية"‪ُ ،‬يكتفى به‬ ‫ٌ‬
‫َّ‬
‫وامتد املذهب‪،‬‬ ‫عما سواه من الدين والسلطة والدولة واملجتمع‪،‬‬
‫وأعلن عن نفسه‪ ،‬حتى صار «فلسفة» أخالقها "لصالح البشر في‬
‫الدنيا واستبعاد كل االعتبارات األخرى املستمدة من اإليمان باهلل"‬
‫(‪ ،)10‬وارتبط هذا التفلسف بالتنوير َّ‬
‫وتدين بالعلمانية‪.‬‬

‫‪ -‬فهل كان إسباغ مفهوم "التنوير" مضادا للدين‪ ،‬هل كان هذا‬
‫مقصودا؟‬
‫لعل من احتكروا سلطة الدين في أوروبا – لصالحهم ‪ -‬هم ٌ‬
‫سبب‬
‫ر ٌ‬
‫ئيس في هذا القصد‪ ،‬ما يثير الدهشة أن جوهر التنوير أصبح لهذا‬
‫‪21‬‬
‫د‪ .‬حسين صبري‬ ‫إنسانية محمد‬

‫ً‬ ‫ُ َّ‬
‫السبب األوروبي البحت‪ ،‬مركزا في إلغاء "فكرة الدين"‪ ،‬بحجة "أن‬
‫الدين يحد انطالق العقل"(‪ ،)11‬بل ظهر من يرى في "اإللحاد" و "إنكار‬
‫ممتدا من السوفسطائية إلى أوروبا‬ ‫ً‬ ‫ً‬
‫تنويريا‬ ‫ً‬
‫منحنى‬‫النبوات" أنه "‬
‫ً‬
‫الحديثة" (‪ ،)12‬واملفارقة أن في نسيج التنوير أطيافا‪ ،‬من أنصارها‬
‫متدينون‪ ،‬ويحظى امللحدون بجرأة إلى جرأتهم في خضم هذا النسيج‪،‬‬
‫ً‬
‫إلى أن أصبح "اإللحاد" مشتمال ما هو أكثر من اإللحاد نفسه‪ ،‬حيث‬
‫يراه أصحابه "موضع اجتماع القوة وتسلطها" (‪ ،)13‬وملا قوى هذا‬
‫املوضع واشتد بأس مؤيديه‪ ،‬أنتجوا من بينهم من يؤمن بأن كل‬
‫شخص هو له‪ ،‬إذ "ليس هناك نمط كلي عام لبشرية أصلية يمكن‬
‫أن يفرض على الجميع" (‪ ،)14‬في دعوة لتكريس «الفردية» بحجة إقرار‬
‫حرية كل فرد ألقص ى ما يستطيع‪ ،‬حتى صار االنتحار قرا ًرا َّ‬
‫مقد ًرا‪،‬‬
‫وهناك ما يبرره ومن يدافع عنه ُويشرع له‪ ،‬إلى الدرجة التي أدمن فيها‬
‫اإلنسان "إنسانيته" حتى فقد إحساسه بها‪ ،‬وبدأ يسعى في تجاوزها‬
‫إلى ما بعدها‪.‬‬
‫يبدو أن اإلنسان يجرف إنسانيته بيد من العلم من جهة‪ ،‬وهو يعطل‬
‫في نفسه يد التمييز من جهة أخرى‪ ،‬عبر تاريخ ممتد‪ ،‬في ثورة إثر ثورة‪،‬‬
‫ُ‬
‫حتى أنه ما عاد يميز بين ثورة تبنيه وأخرى تفسده‪ ،‬بد ًءا من انفعاله‬
‫الفطري األول ليبقى على األرض‪ ،‬إلى ثورته في بناء التحضر‪ ،‬فثورته‬

‫‪22‬‬
‫د‪ .‬حسين صبري‬ ‫إنسانية محمد‬

‫الفلسفية‪ ،‬إلى تدوين العلم‪ ،‬وتطبيقات العلوم‪ ،‬إلى النهضة‪،‬‬


‫فالحداثة والتنوير‪ ،‬فالثورة على الدين‪ ،‬فالثورات املادية املتوالية‬
‫ً‬
‫الكبرى‪ ،‬فالثورة املعرفية‪ ،‬فالتكنولوجية‪ ،‬فثورة االتصاالت‪ ،‬توقا إلى‬
‫الثورة البيولوجية‪ ،‬إلى االنشغال بثورة «البطش» باإلنسان‬
‫واستباحة كرامته ودمه ووجوده‪ ،‬بدعاوى ال تنقض ي‪ً ،‬‬
‫شغفا إلنجاز‬
‫فاقدا ألخص‬ ‫"ما بعد اإلنسانية"‪ ،‬حتى لو سار في هذا اإلنجاز ً‬
‫خصائص العلم وهو "التنبؤ"‪.‬‬
‫هناك طرح فلسفي؛ للخروج من املأزق‪ ،‬حيث قيل إن الفلسفة‬
‫باستطاعتها "أن تنقي العلوم من نتائجها غير العلمية" (‪ ،)15‬وأن يجب‬
‫على اإلنسان أن يتحلى بصفة "العلمية"‪ ،‬فهي التي "ستوفر ق ً‬
‫يدا‬
‫لتحجيم األهداف الخبيثة" (‪ ،)16‬من غير أن يدلنا هذا الطرح على‬
‫آليات تحويل الصفة إلى واقع‪.‬‬
‫وطرح نفس ي؛ يذهب إلى ضرورة تغيير الشخصية اإلنسانية "من‬
‫نمط التملك إلى نمط الكينونة" (‪ ،)17‬فانحاز الطرح إلى التفلسف‪،‬‬
‫فيما ذهب آخرون ضمن هذا الطرح إلى البناء على خاصية مشتركة‬
‫بين البشر وهي "رفض التناقضات الصريحة والنزوع إلى االستقامة"‬
‫ٌ‬ ‫ً‬
‫واضحا؛ أتلك رغبة في حل نفس ي أم مجرد عملية تنظير‬ ‫(‪ ،)18‬فلم يعد‬
‫فلسفي ليس إال ؟!‬

‫‪23‬‬
‫د‪ .‬حسين صبري‬ ‫إنسانية محمد‬

‫وطرح أخالقي؛ يرى مفكروه أن أصحاب الحضارات املعاصرة "لم‬


‫يدركوا أنهم يستطيعون أن يعتدوا على قوانين الطبيعة من غير أن‬
‫ويعول آخرون على املساحة الجوانية لإلنسان‪،‬‬ ‫يالقوا جزائهم" (‪َّ ،)19‬‬
‫ألنه "قادر على أبشع أنواع الجرائم وعلى أنبل التضحيات" (‪ ،)20‬فيما‬
‫يق آخر تلك املواجهة األخالقية في ضرورة "حدوث تغيير‬ ‫يحسم فر ٌ‬
‫عميق في الضمير اإلنساني" (‪ ،)21‬غير أن الخطاب األخالقي هكذا‬
‫غالبا "املثال الحي" الذي يحتاجه إنسان اليوم أكثر من حاجته‬ ‫يعوزه ً‬
‫لوعظ نظري‪.‬‬
‫ٌ‬
‫وطرح سياس ي؛ يلجأ إليه صنف من املفكرين‪ ،‬اعتقدوا أن ما يمكنه‬
‫التحكم في التقنيات الحديثة هو املجتمع املشكل ديموقر ً‬
‫اطيا‪ ،‬ألن‬
‫أحد على ردعها" (‪ ،)22‬دون أن يقدم هذا الطرح‬ ‫"له سلطة ال يقدر ٌ‬
‫ُ‬ ‫ً‬ ‫ً‬
‫ضمانا ً‬
‫نهج العلماء في استعجال "ما‬
‫ِّ‬ ‫الساسة‬ ‫ينتهج‬ ‫أال‬ ‫؛‬ ‫معقوال‬ ‫ا‬‫واحد‬
‫ً‬
‫بعد اإلنسانية"‪ ،‬فضال عن أن هذا الطرح يتوجه ملعالجة عوارض‬
‫املأزق دون أن ينفذ إلى علته الحقيقية‪.‬‬
‫لسنا في هذا التمهيد معنيين بالدرجة األولى‪ ،‬بتقييم محاوالت‬
‫اإلنسان املعاصر في التصدي ملا بعد اإلنسانية‪ ،‬ما يعني البحث؛ هو‬
‫الوعي بالنتائج في واقع اإلنسان املعاصر‪ ،‬وباندفاعات اإلنسان‬
‫ً‬
‫لتمكين املأزق من حياتنا‪ ،‬ثم السعي حثيثا ملواجهته‪ ،‬كاألم الولهى على‬

‫‪24‬‬
‫د‪ .‬حسين صبري‬ ‫إنسانية محمد‬

‫وليدها الذي فقدته في الزحام‪ ،‬فانطلقت تفتش عنه في أرجاء األرض‬


‫وهي تحمله بين ذراعيها‪.‬‬
‫اإلنسانية "صفات"‪ ،‬لكنها ً‬
‫أيضا وفي الوقت ذاته "قيم"‪ ،‬وال ُيتصور‬
‫أن تتضاد القيم‪ ،‬فإن قانون األخالق اإلنسانية أال تتصارع في حلبته‬
‫ْ‬ ‫ٌ‬
‫إيمان بأن للخل ِّق‬ ‫قيمتان كالعلم والخيرية‪ ،‬فإن ما يقرر توافقهما‪،‬‬
‫ٌ‬
‫نماذج تجسدهما وا ً‬
‫قعا في أروقة العلم‬ ‫ً‬
‫خالقا‪ ،‬وما يقرر توافقهما هي‬
‫والفلسفة‪ ،‬ونماذج األنبياء واملرسلين الذين ربطوا األرض بالسماء‪،‬‬
‫وختامها؛ نموذج "محمد"‪ ،‬الذي يقدم ألول مرة في تاريخ الفكر‬
‫اإلنساني‪ ،‬في "إنسانيته" وفي "سيرته"‪ ،‬نوعين من الصدق‪ :‬صدق‬
‫ً‬
‫ومنهجا‪ ،‬ودراستنا ستتناول‬ ‫محمد وصدق من أسسوا من سيرته ً‬
‫علما‬
‫"إنسانية محمد" عبر مسارين متتابعين‪:‬‬
‫‪ ‬مسارالتالزم بين االتساق والتمايز‬
‫‪ ‬مسارالربط املنهجي بين املوضوعية والذاتية‬
‫عبر إجراءات بحثية‪ ،‬غايتها التحقق من صحة فرضية؛ أن اإلنسان‬
‫املعاصر ليس بحاجة إلى "ما بعد اإلنسانية"‪ ،‬إنما حاجته إلى نموذج‬
‫حي عاشه الناس كافة‪ ،‬عاينوه بأبصارهم وأفهامهم‪ ،‬وعلموا أثره في‬
‫س الحاجة ألن يعود ‪ -‬كما ينبغي أن‬ ‫اإلنسان‪ ،‬الذي هو اآلن في أم ِّ‬
‫ً‬
‫إنسانا‪.‬‬ ‫يكون ‪-‬‬
‫‪25‬‬
‫د‪ .‬حسين صبري‬ ‫إنسانية محمد‬

‫هوامش التمهيد‪:‬‬
‫(‪ )1‬ابن منظور‪ :‬لسان العرب‪ ،‬تحقيق‪ :‬عبد اهلل على الكثير وآخرون‪ ،‬دار المعارف‪ ،‬القاهرة‪ ،‬المجلد‬
‫األول‪ ،‬ص ‪ 147:150‬والرازي‪ :‬مختار الصحاح‪ ،‬مكتبة لبنان‪ ،‬بيروت‪ ،‬ط ‪ ،1986 ،1‬ص ‪11‬‬
‫(‪ )2‬ابن منظور‪ :‬لسان العرب‪ ،‬المجلد األول‪ ،‬ص ‪15‬‬
‫(‪ )3‬شوقي ضيف وآخرون‪ :‬المعجم الوسيط‪ ،‬الشروق الدولية‪ ،‬القاهرة‪ ،‬ط ‪ ،2004 ،4‬ص ‪29‬‬
‫(‪ )4‬التهانوي‪ :‬كشاف اصطالحات الفنون‪ ،‬تحقيق‪ :‬علي دحروج‪ ،‬مكتبة لبنان‪ ،‬بيروت‪ ،‬جـ ‪ ،1‬ص‬
‫‪278‬‬
‫(‪ )5‬إبراهيم مدكور‪ :‬المعجم الفلسفي‪ ،‬الهيئة العامة لشئون المطابع األميرية‪ ،‬القاهرة‪ ،‬ط ‪،1983‬‬
‫ص ‪25‬‬
‫(‪ )6‬أحمد مختار عمر‪ :‬معجم اللغة العربية المعاصرة‪ ،‬عالم الكتب‪ ،‬القاهرة‪ ،‬ط ‪ ،2008 ،1‬المجلد‬
‫األول‪ ،‬ص ‪129‬‬
‫(‪ )7‬برونوفسكي‪ :‬ارتقاء اإلنسان‪ ،‬ترجمة‪ :‬موفق شخاشيرو‪ ،‬المجلس الوطني للثقافة والفنون واآلداب‪،‬‬
‫الكويت‪ ،‬سلسلة عالم المعرفة‪ ،‬العدد رقم ‪ ،39‬مارس ‪ ،1981‬الكويت‪ ،‬ص ‪247‬‬
‫(‪ )8‬ناهد البقصمي‪ :‬الهندسة الوراثية واألخالق‪ ،‬المجلس الوطني للثقافة والفنون واآلداب‪ ،‬الكويت‪،‬‬
‫سلسلة عالم المعرفة‪ ،‬العدد رقم ‪ ،174‬يونيو ‪ ،1993‬ص ‪71‬‬
‫(‪ )9‬فرنسيس فوكوياما‪ :‬مستقبلنا بعد البشري‪ :‬ترجمة‪ :‬إيهاب عبد الرحيم محمد‪ ،‬مركز اإلمارات‬
‫للدراسات والبحوث االستراتيجية‪ ،‬أبو ظبي‪ ،‬ط ‪ ،2006 ،1‬ص ‪101‬‬
‫(‪ )10‬إسماعيل عبد الفتاح عبد الكافي‪ :‬معجم مصطلحات العولمة‪ ،‬نسخة إليكترونية‪ ،‬ص‬
‫‪330:331‬‬
‫(‪ )11‬محمد متولي الشعراوي‪ :‬رداً على المالحدة والعلمانيين‪ ،‬إعداد‪ :‬عطية الدسوقي عمر ومحمد‬
‫عبد اهلل بدر‪ ،‬دار الطباعة الحديثة‪ ،‬القاهرة‪ ،‬ط‪ ،19995‬ص‪16‬‬

‫‪26‬‬
‫د‪ .‬حسين صبري‬ ‫إنسانية محمد‬

‫(‪ )12‬عبد الرحمن بدوي‪ :‬من تاريخ اإللحاد في اإلسالم‪ ،‬سينا للنشر‪ ،‬القاهرة‪ ،‬ط ‪ ،1993 ،2‬ص‬
‫‪263‬‬
‫(‪ )13‬ديفيد بيرلنسكي‪ :‬اإللحاد ومزاعمه‪ ،‬ترجمة‪ :‬عبد اهلل الشهري‪ :‬مركز دالئل‪ ،‬الرياض‪ ،‬ط ‪1437‬‬
‫ه‪ ،‬ص ‪33‬‬
‫(‪ )14‬جون ماكوري‪ :‬الوجودية‪ ،‬ترجمة‪ :‬إمام عبد الفتاح إمام‪ ،‬المجلس الوطني للثقافة والفنون‬
‫واآلداب‪ ،‬الكويت‪ ،‬سلسلة عالم المعرفة‪ ،‬العدد رقم ‪ ،58‬أكتوبر ‪ ،1982‬ص ‪228‬‬
‫(‪ )15‬راتسينغر‪ :‬جدلية العلمنة‪ ،‬تعريب‪ :‬حميد لشهب‪ ،‬جداول للنشر والترجمة والتوزيع‪ ،‬بيروت‪ ،‬ط‬
‫‪ ،2013 ،1‬ص ‪68‬‬
‫(‪ )16‬تشارلز باسترناك‪ :‬جوهر اإلنسانية‪ ،‬زينب عاطف‪ ،‬مؤسسة هنداوي‪ ،‬المملكة المتحدة‪ ،‬ص‬
‫‪395‬‬
‫(‪ )17‬إريك فورم‪ :‬اإلنسان بين الجوهر والمظهر‪ ،‬ترجمة‪ :‬سعد زهران‪ ،‬المجلس الوطني للثقافة والفنون‬
‫واآلداب‪ ،‬الكويت‪ ،‬سلسلة عالم المعرفة‪ ،‬العدد ‪ ،140‬أغسطس ‪ ،1989‬ص ‪159‬‬
‫(‪ )18‬سعيد الحفار‪ :‬البيولوجيا ومصير اإلنسان‪ ،‬المجلس الوطني للثقافة والفنون واآلداب‪ ،‬الكويت‪،‬‬
‫سلسلة عالم المعرفة‪ ،‬العدد ‪ ،38‬نوفمبر ‪ ،1984‬ص ‪186‬‬
‫(‪ )19‬ألكسيس كاريل‪ :‬اإلنسان ذلك المجهول‪ ،‬ترجمة‪ :‬عادل شفيق‪ ،‬الدار القومية للطباعة والنشر‪،‬‬
‫ص‪8‬‬
‫(‪ )20‬علي عزت بيجوفيتش‪ :‬اإلسالم بين الشرق والغرب‪ ،‬ترجمة‪ :‬محمد يوسف عدس‪ ،‬مؤسسة‬
‫بافاريا للنشر‪ ،‬ألمانيا‪ ،‬ط ‪ ،1997 ،2‬ص ‪185‬‬
‫(‪ )21‬إيريك فروم‪ :‬اإلنسان بين الجوهر والمظهر‪ ،‬ص ‪125‬‬
‫(‪ )22‬فوكوياما‪ :‬مستقبلنا بعد البشري‪ ،‬ص ‪228:229‬‬

‫‪27‬‬
‫د‪ .‬حسين صبري‬ ‫إنسانية محمد‬

‫القسم األول‬
‫إنسانية محمد بين "االتساق والتمايز"‬

‫‪ ‬تمهيد‬
‫‪ ‬التالزم بين االتساق والتمايز‬
‫‪" ‬اإلنسان" من منظور قرآني‬
‫‪" ‬املفاضلة" بين الناس‬
‫‪" ‬الشواهد الستة" في أفضلية محمد "اإلنسانية"‬
‫د‪ .‬حسين صبري‬ ‫إنسانية محمد‬

‫تمـ ـهيد‪:‬‬
‫صا باسم "محمد"‪ ،‬في أربعة‬‫الخطاب اإللهي لنبي اإلسالم مخص ً‬
‫ُ‬ ‫ورد‬
‫مواضع من آيات القرآن الكريم‪ ،‬وورد في مواضع أخرى‪ ،‬بصفة من‬
‫صفات محمد‪ ،‬من مثل‪:‬‬
‫‪ -‬النبي‪ ،‬الرسول‪ ،‬الشاهد‪ ،‬املبشر‪ ،‬النذير‪ ،‬الداعي‪ ،‬الرؤوف‪،‬‬
‫الرحيم‪ ،‬األمي‪ ،‬النور‪ ،‬املُذكر‪َّ ،‬‬
‫املزمل‪َّ ،‬‬
‫املدثر‪ ،‬الحق‪ ،‬الكريم‪،‬‬ ‫ِّ‬
‫والولي‪.‬‬
‫عاما‪ ،‬دون تخصيص باسم أو صفة‪.‬‬ ‫وورد الخطاب ً‬
‫وفوق ما يحمل الخطاب القرآني من أمر ونهي وه ْدي وتشريع وإخبار‬
‫وعظات وعبادات وعقائد وأحكام وأخالق ومعرفة وعلم؛‬ ‫وقصص ِّ‬
‫فإن الخطاب يؤكد على قضية محورية في سياق الوحي القرآني‪ ،‬هي‬
‫قضية "التالزم" بين أمرين في غاية األهمية‪ ،‬هما‪:‬‬
‫• األمراألول‪ :‬هو التآلف والتكامل واالنسجام‪ ،‬وسوف ندل إليه‬
‫بمفهوم "االتساق"‪.‬‬
‫• واألمر الثاني‪ :‬هو التغاير والتقابل واالنفصال واالستقالل‬
‫أحيانا‪ ،‬وسوف ندل إليه بمفهوم "التمايز"‪.‬‬ ‫وربما التناقض ً‬
‫وكأن االتساق والتمايز وما بينهما من تالزم؛ يمثل ال ِّعقد الذي فيه وبه‬
‫تنتظم العناصر املحددة للوجود في شتى صوره‪ ،‬وللمخلوقات‬

‫‪29‬‬
‫د‪ .‬حسين صبري‬ ‫إنسانية محمد‬

‫املحدد لجوهر اإلنسانية‬ ‫ُ‬ ‫بأنواعها‪ ،‬وللبشر على اختالفهم‪ ،‬وهي‬


‫وامل ُ‬‫ُ‬
‫حدد لجوهر "إنسانية محمد"‪.‬‬ ‫بمادتها وروحها‪،‬‬
‫جليا هذا التالزم بين االتساق‬ ‫إذ باستقراء اآليات القرآنية‪ ،‬يتضح ً‬
‫والتمايز من زوايا عدة‪ ،‬ومن جهات عدة‪ ،‬وألغراض عدة‪ ،‬نهتدي إليها‬
‫ً‬
‫حينا بعد حين‪.‬‬
‫فمن جهة أولى‪ ،‬نجد‪:‬‬
‫محمدا – كرسول ‪ -‬له من االتساق مع كافة الرسل الذين‬ ‫ً‬ ‫‪ ‬أن‬
‫سبقوه "ال نفرق بين أحد من رسله" في حمل أمانة السماء من‬
‫الدين لهداية اإلنسان‪ ،‬وله من التمايز ما ليس لرسول منهم‪ ،‬هي‬
‫"الخاتمية"‪ ،‬وعلى يديه كان "كمال الدين"‪ ،‬وأن النداء اإللهي لم‬
‫مجردا‪ ،‬وإنما بوصف النبوة‬ ‫ً‬ ‫يأت في سياق الوحي القرآني باسمه‬
‫أو الرسالة‪.‬‬
‫سواء بسواء مع‬ ‫محمدا – كإنسان ‪ -‬له من االتساق ما يجعله ً‬ ‫ً‬ ‫‪ ‬وأن‬
‫املؤمنين‪ ،‬في الرحمة فيما بينهم والشدة على الكفار‪ ،‬وله من‬
‫التمايز ما ليس ألحد منهم‪ ،‬وهو حمل تبعات البالغ بالرسالة ﴿و ِّإ ْن‬
‫َّ ْ‬
‫ل ْم ت ْفع ْل فما بلغت ِّرسالت ُه﴾ املائدة ‪.67 /‬‬
‫ومن جهة ثانية؛ نجد أن اآليات القرآنية تقبض على هذا التالزم بين‬
‫االتساق والتمايز في "إنسانية محمد" حيث إنها‪:‬‬

‫‪30‬‬
‫د‪ .‬حسين صبري‬ ‫إنسانية محمد‬

‫‪ ‬تؤكد على "بشرية محمد"‪ ،‬كقوله تعالى ﴿لق ْد م َّن َّ ُ‬


‫ّللا على‬
‫ْ‬ ‫ْ ُ ً ْ َْ ُ‬ ‫ْ‬ ‫ُْْ‬
‫املؤ ِّم ِّنين ِّإذ بعث ِّف ِّيهم رسوال من أنفسهم يتلو عليهم آياته ويزكيهم‬
‫ويعلمهم الكتاب والحكمة وإن كانوا من قبل لفي ضالل مبين﴾ آل‬
‫عمران ‪.164 /‬‬
‫ْ‬
‫‪ ‬وتؤكد على "نبوة محمد"‪ ،‬كقوله تعالى ﴿يا أ ُّيها النب ُّي ِّإ َّنا أ ْرسلناك‬
‫ش ِّاه ًدا و ُمب ِّش ًرا ون ِّذ ًيرا﴾ األحزاب‪.45 /‬‬
‫وبهذين التوكيدين تثبت اآليات التمايز بين "البشرية" و "النبوة"‪،‬‬
‫لكنها ال تقف عند حد إثبات التمايز‪ ،‬وإنما تمض ي اآليات إلى تقرير‬
‫خاصية االتساق بينهما‪ ،‬والتالزم في هذا االتساق‪ ،‬حيث‪:‬‬
‫‪ -‬تؤكد أن ال انفصال بين "البشرية" و "النبوة" في إنسانية "محمد"‪،‬‬
‫ُْ ُ‬ ‫ُ‬
‫كقوله تعالى ﴿ق ْل ِّإ َّنما أنا بش ٌر ِّمثلك ْم يوحى ِّإل َّي أنما إلهكم إله‬
‫واحد﴾ الكهف ‪.110 /‬‬
‫ولسنا بصدد البحث في الفروق بين "النبوة" و "الرسالة" وال في‬
‫املشترك بينهما‪ ،‬إنما غايتنا هنا أن نستنبط من آيات الوحي؛ االتساق‬
‫والتمايز اللذين كانا سائدين‪ ،‬مقترنين‪ ،‬متالزمين‪ُ ،‬ومعبرين عن التفرد‬
‫واحد من الناس مثله أو حتى‬ ‫في إنسانية واحد من اإلنسان‪ ،‬ليس ٌ‬
‫قريبا منه في إنسانيته‪.‬‬ ‫ً‬

‫‪31‬‬
‫د‪ .‬حسين صبري‬ ‫إنسانية محمد‬

‫واحد من أسرار‬‫وكأنهما؛ االتساق والتمايز وما بينهما من تالزم‪ ،‬هما ٌ‬


‫هللا تعالى في إنسانية محمد‪ ،‬ينبغي السعي إلى إدراك أبعاده ودالالته‬
‫ً‬
‫وآثاره‪ ،‬إضافة وترسيخا لرصيدنا اإليماني واملعرفي‪.‬‬
‫فبقدر ما نجد التمايز في إنسانية محمد‪ ،‬وفي نبوة محمد‪ ،‬وفي إيمان‬
‫محمد‪ ،‬عمن سواه‪ ،‬فإننا نجد االتساق بين محمد والذين آمنوا معه‬
‫حتى يشملهم وصف هللا عز وجل لهم بالرحماء‪ ،‬واالتساق بين محمد‬
‫وكافة رسل هللا في إقرار الوحدانية املطلقة‪ ،‬لنصل إلى درجة االتساق‬
‫بين محمد ووحي السماء‪ ،‬حيث "يمتزج الرسول بالقرآن رو ًحا‪ً ،‬‬
‫وقلبا‪،‬‬
‫ً‬ ‫ً‬ ‫وج ً‬
‫سما‪ ،‬ويمتزج القرآن به عقيدة وأخالقا وتشريعا" ‪ ،‬فال نقرأ‬
‫)‬‫‪1‬‬ ‫(‬
‫ُ‬
‫نموذج‬ ‫القرآن ونتدبر آياته إال ويمأل عقولنا وإدراكاتنا ‪ -‬عند التدبر‪-‬‬
‫محمدا في فعله وقوله وتقريره‬ ‫ً‬ ‫"محمد" النبي اإلنسان‪ ،‬وال نقرأ‬
‫ومناقبه إال ويمأل أفئدتنا وجوارحنا ‪ -‬عند تأملها‪ -‬أسر ُار الوحي‬
‫القرآني‪.‬‬
‫محمدا والوحي ‪ -‬رغم تمايزهما ‪ -‬متسقان في الداللة على دين‬ ‫ً‬ ‫فإن‬
‫ً‬
‫هللا‪ ،‬اتساقا يدفعنا إلى تفحص واعتبار وجوه اإلعجاز في هذا‬
‫االتساق‪ ،‬كما يدفعنا للتحري والبحث‪ ،‬لفهم واستيعاب إمكانية‬
‫عطى إنسان‪:‬‬‫أن ُي َ‬
‫ً‬
‫‪ ‬من طاقات البشرية؛ ما يؤهله ليكون داال بخلقه كله على وحي‬
‫السماء‪.‬‬
‫‪32‬‬
‫د‪ .‬حسين صبري‬ ‫إنسانية محمد‬

‫ً‬
‫‪ ‬ومن طاقات النبوة؛ ما يمكنه من تمثل الوحي بين الناس‪ ،‬قوال‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫وتقريرا‪.‬‬ ‫وفعال‬
‫ولعل هذا هو ما دعا زوجات النبي والصحابة أول عهد اإلسالم‪ ،‬ثم‬
‫املتأملين حال اإلسالم ونبي اإلسالم‪ ،‬والباحثين واملفكرين عبر القرون‬
‫من مختلف البيئات والثقافات والديانات‪ ،‬أن ينتبهوا لهذا االتساق‬
‫العجيب بين محمد والوحي‪ ،‬لكي يدركوا أن في استطاعة اإلنسان أن‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫يصير خليفة هلل في أرضه كما أردا له الخالق سبحانه‪ ،‬ساعيا بين‬
‫الناس بخلق اإليمان واإلصالح‪ ،‬ال بفوض ى الدم والخراب والفساد‪.‬‬
‫ُسئلت عائشة رض ي هللا عنها‪ :‬يا أم املؤمنين‪ ،‬أنبئيني عن خلق رسول‬
‫ُ‬
‫هللا‪ ،‬قالت‪ :‬ألست تقرأ القرآن؟ قلت‪ :‬بلى‪ .‬قالت‪ :‬فإن خلق نبي هللا ﷺ‬
‫أخالق محمد آيات الوحي‪ ،‬يظل الوحي‬ ‫ُ‬ ‫جسدت‬ ‫كان القرآن (‪ ،)2‬فكما َّ‬
‫عبرا عن أبعاد إنسانية محمد في بشريته ونبوته‪ُ ،‬ومو ِّث ًقا لسيرته‬‫ُم ً‬
‫كلها‪ ،‬حتى يرى البعض "أن القرآن هو املصدر األول الذي نقتفي منه‬
‫أثر محمد‪ ،‬وفيه أهم وسائلنا ملعرفته" (‪ ،)3‬في تعبير دقيق يركز في‬
‫محمد على أثر صفاته وسيرته وخلقه‪ ،‬فليس هناك في أثر اإلنسان؛‬
‫ُُ‬
‫أعظم من خلق يتسق – هذا االتساق ‪ -‬مع وحي السماء‪.‬‬
‫بعضا من‬ ‫ففي االتساق والتمايز داللة على أن هللا تعالى اختص ً‬
‫بعضا من رسله بعطاءات‪ ،‬واختص‬ ‫عباده بالنبوة والرسالة‪ ،‬واختص ً‬
‫محمدا بما ليس لغيره‬ ‫ً‬ ‫كل إنسان بما ليس في غيره من الناس‪ ،‬واختص‬
‫‪33‬‬
‫د‪ .‬حسين صبري‬ ‫إنسانية محمد‬

‫من الناس والرسل‪ ،‬هذا االختصاص لم يمس إنسانية محمد بنقص‪،‬‬


‫فقد أبقى على إنسانيته وزادها نوعين من الكماالت‪ :‬كماالت بشريته‬
‫ُ‬
‫التمايز في إنسانيته‪،‬‬ ‫وكماالت نبوته‪ ،‬فصار له من اتساق الكماالت‪،‬‬
‫ً‬
‫موضوعا‬ ‫عماد سيرته‪ ،‬وتظل سيرته‬ ‫ُ‬ ‫وتظل "إنسانية محمد" هي‬
‫للبحث في العلم بين العلماء‪ ،‬مادته األولى ما جاء في آيات الوحي‬
‫القرآني وفصلته كتب السنة والسيرة واملغازي والشمائل والتاريخ‪،‬‬
‫وتنبيها ً‬
‫ً‬ ‫ً‬ ‫ويظل االتساق والتمايز يمثالن ً‬
‫مهما؛ أن هذا‬ ‫معا "قيمة"‪،‬‬
‫عد من مقومات "إنسانية" اإلنسان وقيام الكون وبقاء‬ ‫األمر ُي ُّ‬
‫ٌ‬
‫الوجود‪ ،‬وال يمكن إلغاؤه أو رفضه‪ ،‬وفي هذا األمر رسالة؛ أن علينا‬
‫قبول التمايز والسعي لالتساق‪ ،‬فقد حول النبي محمد ﷺ التمايز‬
‫إلى تطبيق فعلي في صحابته وأزواجه وأساليب دعوته وطرائق‬
‫عبادته‪ ،‬ولكن في إطار متفرد من االتساق اإلنساني‪.‬‬
‫نص لغوي‪ ،‬يمكننا‬ ‫إن الوحي القرآني املصدر األول لسيرة محمد‪ ،‬هو ٌ‬
‫نصا محور ًيا في تاريخ ثقافتنا" (‪ ،)4‬هذا النص‬ ‫أن نصفه بأنه يمثل " ً‬
‫وآيات ومفردات‪ ،‬وله من روحها ٌ‬
‫آفاق‬ ‫ٌ‬ ‫اإللهي له من مادة اللغة سو ٌر‬
‫وعطاءات ودالالت‪ ،‬وعلى قدر التمايز بين مادة اللغة وروحها؛ فإن‬ ‫ٌ‬
‫ي‬ ‫ً‬
‫بينهما اتساقا‪ ،‬له داللته على تمام البناء الفكر للوحي‪ ،‬وعلى تعاضد‬
‫آياته وخلوها من االختالف‪ ،‬ما جعل للوحي نوعين من التعلق‪:‬‬
‫‪ o‬تعلق إلهي‪ :‬في نظمه ودالالته وإعجازه و ُرقيه‪.‬‬
‫‪34‬‬
‫د‪ .‬حسين صبري‬ ‫إنسانية محمد‬

‫‪ o‬وتعلق بشري‪ :‬علينا أن نجتهد لتحصيله‪ ،‬في مقاصده وغاياته‪.‬‬


‫وقولنا بتعلق بشري للوحي؛ ال ينبغي أن يتجاوز حقيقة أن العقل‬
‫كل عقل‬ ‫البشري املُتقد هو امل ْع ٌني بالوحي وتلقيه واعتباره‪ ،‬فليس ُ‬
‫قاد ًرا على االعتبار الصحيح‪ ،‬ألن الوحي "ال يعني تراجع العقل‪ ،‬لكنه‬
‫العقل وقد تزايدت سرعته" (‪ ،)5‬وسرعة العقل اإلنساني تكمن في‬
‫محمد أعظم من وحي‬ ‫ٌ‬ ‫استعداده للفهم وفي تحصيله لليقين‪ ،‬فلم ْ‬
‫ينل‬
‫السماء‪ ،‬فاعتبر وامتثل وتيقن‪ ،‬وتغير‪ ،‬ثم غير‪ ،‬إذ إن "من أسباب‬
‫ً‬
‫حصريا من‬ ‫التغيير الذي أحدثه النبي محمد هو القرآن الذي يتكون‬
‫الوحي" (‪ ،)6‬فإن أجل وأبلغ تغيير يسعى إليه دين هللا في بني اإلنسان‪،‬‬
‫محمدا الرسول‬ ‫ً‬ ‫هو أن ُيمكن في كل واحد منهم إلنسانيته‪ ،‬ألن‬
‫الخاتم‪ ،‬عندما غير‪ ،‬كان هو اإلنسان الذي يستفيق وينهض خار ًجا‬
‫دما دون‬ ‫عن ربقة املوروث مما درج عليه عرب الجزيرة‪ ،‬ثم يمض ي ُق ً‬
‫راحة ودون توقف‪ ،‬ينادي اآلخرين حتى يوقظهم من سباتهم العميق‪،‬‬
‫فهكذا تاريخ البشرية "يتوقف على الرجال الذين يتمكنون في‬
‫اللحظات الحاسمة من تغيير صفحات التاريخ" (‪ ،)7‬لهذا السبب‬
‫ً‬
‫معتبرا في آيات هللا تعالى البينات‪ ،‬ومسارنا األول‬ ‫تحتل اإلنسانية ً‬
‫حيزا‬
‫تحليل أبعاد ومرامي لفظة "اإلنسان"‬ ‫ُ‬ ‫في هذا الجزء من الدراسة هو‬
‫ضمن سياقات النص القرآني‪.‬‬

‫‪35‬‬
‫د‪ .‬حسين صبري‬ ‫إنسانية محمد‬

‫اإلنسان من منظور قرآني‪:‬‬


‫ٌ‬
‫لكل لفظ ورد في سياق اآليات القرآنية دالالت‪ ،‬ولكل لفظ وظيفة‪،‬‬
‫وغايات‪.‬‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫فإذا ما ورد اللفظ مرة واحدة في مواضع عدة‪ ،‬وألكثر من مرة في‬
‫مواضع أخرى‪ ،‬تعاظمت دالالته وتجلت وظيفته‪ ،‬ودلنا هذا على أثره‪،‬‬
‫ووجهنا إلى اعتباره‪ ،‬خاصة إذا وردت له اشتقاقات‪ ،‬وكانت له مع‬
‫عالقات ترادف وتفصيل وتوضيح وتداخل‬ ‫ُ‬ ‫ألفاظ أخرى من جنسه‪،‬‬
‫"اإلنسان"‬
‫ِّ‬ ‫وتعميم وتخصيص وتناقض وتضاد‪ ،‬فقد احتل لفظ‬
‫حيزا ً‬
‫ملفتا في آيات هللا تعالى البينات‪،‬‬ ‫دليلنا األول إلى "اإلنسانية" ً‬
‫ً‬
‫وقريبا منه‪ ،‬أو متداخال معه‪ ،‬أو مؤد ًيا إليه‪ ،‬وردت املفردات التالية‪:‬‬
‫ً‬
‫ُ‬
‫البشر‪ ،‬الناس‪ ،‬و "بنو آدم"‪.‬‬ ‫‪ ‬ا ُ‬
‫إلنس‪،‬‬
‫لكي تضيف إلى "اإلنسان" دالالت أخرى‪ ،‬ومساحات أكبر المتداد‬
‫الفهم واالعتبار‪.‬‬
‫سابقا ‪ -‬هو‬‫وال عجب‪ ،‬فالوحي القرآني ‪ -‬وله تعلق بشري أشرنا إليه ً‬
‫ٌ‬
‫حد ٌد لصور اإلنسانية‪ ،‬ومؤسس لسماتها ونوازعها وطاقاتها‪ ،‬هادف‬ ‫ُم ِّ‬
‫ً‬
‫ألن تكون "اإلنسانية" في الناس كما أرادها هللا عز وجل‪ ،‬إنسانية‬
‫إلسعاد اإلنسان‪.‬‬
‫ٌ‬
‫قواعد وأصول في‬ ‫ومؤكد أن العالقات بين هذه املفردات واآليات‪ ،‬لها‬
‫استنباط الدالالت واستنتاج الغايات‪ ،‬وذلك يحتاج لبحث ال يتوقف‬
‫‪36‬‬
‫د‪ .‬حسين صبري‬ ‫إنسانية محمد‬

‫عند حدود اإلعجاز العددي أو اللغوي أو البياني أو العلمي‪ ،‬وإنما‬


‫ينطلق في ساحات أرحب إلعمال عقولنا في فهم أبعاد "اإلنسانية"‪.‬‬
‫جردة عن‬ ‫تركيزنا سينصب على مفردة "اإلنسان" التي وردت ُم َّ‬
‫الزيادات‪ ،‬ووردت مزيدة بالم الجر‪ ،‬ووردت بصيغة املفرد والجمع‪،‬‬
‫ً‬
‫فضال عن ورودها في عديد من السور القرآنية‪ ،‬فقد وردت سبع‬
‫مرات في "اإلسراء" وست مرات في "القيامة" وثالثة مرات في "العلق"‪،‬‬
‫ووردت مرتين‪ ،‬ومرة واحدة‪ ،‬ووردت بها سورة كاملة هي سورة‬
‫"اإلنسان" التي عرفت بين املفسرين بسورة "الدهر" و "األبرار" و‬
‫"األمشاج" و "هل أتى" (‪ ،)8‬ومؤكد أن هناك دالالت بعينها هي التي‬
‫حفزتهم للوقوف عند هذه املفردات التي وردت في السورة‪ ،‬وأن لهذه‬
‫وتقاطعات مع ما يحمل لفظ "اإلنسان" من‬ ‫ٌ‬ ‫ٌ‬
‫عالقات‬ ‫املفردات‬
‫مقاصد ودالالت‪.‬‬
‫وباستقراء املواضع القرآنية التي وردت فيها لفظة "اإلنسان"؛ نجد‬
‫أن سياقاتها تدور حول‪:‬‬
‫َْ‬
‫‪ -‬خلق اإلنسان – أي جنس اإلنسان ‪ -‬في أحسن تقويم‪ ،‬هذا هو‬
‫األساس الذي بنى عليه الوحي القرآني تصوره في خلق اإلنسان‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫تكريما وتفضيال‪ ،‬في الهيئة‬ ‫للداللة على اعتالئه أعلى درجات الخلق‬
‫واالستقامة والتناسق واالعتدال البدني والرقي العقلي في الفهم‬
‫واإلدراك‪ ،‬والتمايز الخلقي‪ ،‬وفي اليقين‪.‬‬
‫‪37‬‬
‫د‪ .‬حسين صبري‬ ‫إنسانية محمد‬

‫ن‬ ‫َ‬
‫‪ -‬الخلق املادي لإلنسان من‪ :‬حمـأ مسنو ‪ ،‬نطفة‪ ،‬ساللة من طين‪،‬‬
‫صلصال كالفخار‪ ،‬نطفة أمشاج‪ ،‬علق‪ ،‬وهي صور من املادة‪،‬‬
‫متوالية‪ ،‬أو متداخلة‪ ،‬أو متحولة‪ ،‬أو متغيرة‪ ،‬أو مؤثرة في بعضها‪ ،‬أو‬
‫جميع ذلك كله‪ ،‬في داللة على قهر "النزوع املادي" في اإلنسان‪ ،‬وفي‬
‫إشارة إلى أن أعظم االبتالءات التي تترصد اإلنسان على األرض إنما‬
‫َّ‬ ‫ْ‬
‫مصدرها هذا النزوع املادي من ِّخلقته الذي يشده لألدنى في‬
‫إنسانيته‪.‬‬
‫‪ -‬تقرير لصفات اإلنسان من أنه‪ :‬ضعيف‪ ،‬لئيم ينس ى اإلحسان‪،‬‬
‫جحود‪ ،‬يئوس‪ ،‬كفور‪ ،‬ظلوم‪ ،‬خصيم‪ ،‬عجول‪ ،‬مجادل ُيكذب‬
‫بالبعث‪ ،‬جهول‪ ،‬قنوط‪ ،‬موسوس‪ ،‬هلوع‪ ،‬مشرك‪ ،‬يطغى‪ ،‬وفي خسر‪،‬‬
‫وتقديرنا أنها صفات كل "متطرف" خارج عن مرادات هللا في اإلنسان‪.‬‬
‫‪ -‬الخلق النفس ي لإلنسان في كبد‪ ،‬فلن تنقطع معاناته ما دام ً‬
‫حيا‪،‬‬
‫في لفتة قرآنية بديعة‪ ،‬تدعو إلى التحمل والصبر واملكابدة والجهد‬
‫ً‬ ‫ً‬ ‫ً‬
‫والسعي بالخير‪ ،‬نية وأداء‪ ،‬انتظارا للجزاء األوفى يوم الحساب‪.‬‬
‫ُ‬
‫الخالق في ذكره الحكيم‪،‬‬ ‫‪ -‬توصية لإلنسان بوالديه‪ ،‬حيث أفرد لها‬
‫أكثر من موضع‪ ،‬وأكثر من سياق‪ ،‬وأكثر من داللة‪ ،‬حتى قرنها سبحانه‬
‫بأخص درجات اإليمان وهي توحيده تعالى‪.‬‬
‫ِّ‬
‫‪ -‬أوامر إلهية لإلنسان من مثل‪ :‬أن ينظر مم خلق‪ ،‬وأن ينظر إلى‬
‫طعامه‪ ،‬وفي كل هذه األمور ٌ‬
‫محل للتدبر واالعتبار‪.‬‬
‫‪38‬‬
‫د‪ .‬حسين صبري‬ ‫إنسانية محمد‬

‫‪ -‬الكالم في قدراإلنسان أن كل إنسان ألزمه الخالق عز وجل طائره‬


‫في عنقه‪ ،‬مقرو ًنا بيوم الحساب الذي ُيخرج له فيه كتاب أعماله‬
‫حيا‪ ،‬ليراه بعينيه‪ ،‬وليقرأه‪ ،‬وهذا ليفهم أنه حتماً‬ ‫حاضرا‪ً ،‬‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫مفصال‪،‬‬
‫يوما ما‪ ،‬ليكون ذلك حجة عليه‪ ،‬أنه قد سبق وع ِّلم وأدرك‬ ‫محاسب ً‬
‫ٌ‬
‫قبل أن يفعل وأن يختار‪ ،‬وهكذا يكون قانون "االستحقاق" في‬
‫الجزاء‪.‬‬
‫‪ -‬أسئلة استفهامية استنكارية لإلنسان عامة‪ ،‬وللمنخدعين‬
‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫َّ‬
‫بغرورهم وضاللهم على وجه الخصوص‪ ،‬كقوله تعالى ﴿ألن نجمع‬
‫ٌ‬ ‫ْ‬
‫ِّعظام ُه﴾‪ ،‬وقوله تعالى ﴿ما غ َّرك ِّبرِّبك الك ِّر ِّيم﴾‪ ،‬وهي أسئلة؛ غاية‬
‫االستفهام فيها هو التقرير وليس االستعالم‪.‬‬
‫وباستقراء اآليات املتضمنة لفظة «اإلنسان» نجد‪:‬‬
‫• أن أكثر اآليات التي ورد فيها لفظ "اإلنسان" تركز على وصف هذا‬
‫املخلوق‪.‬‬
‫• وأن أغلب الوصف يتركز في الصفات السلبية املؤثرة‪ ،‬ألنها الدالة‬
‫على مفاتيح "التطرف" في ذات اإلنسان‪ ،‬وهي التي تأخذ به إلى‬
‫متاهات الضالل واالستخفاف‪ ،‬وتوصله إلى ساحات اإلفساد في‬
‫األرض‪.‬‬

‫‪39‬‬
‫د‪ .‬حسين صبري‬ ‫إنسانية محمد‬

‫• وأن اآليات تحث على عدم االغترار وعدم االنخداع‪ ،‬وتدفع إلى‬
‫اليقظة واالنتباه إلى ما في طاقات اإلنسان من نزوعات سلبية‬
‫يمكنها أن تهلكه‪.‬‬
‫• وأن أشد ما يعانيه اإلنسان‪ ،‬إنما هو من نفسه‪ ،‬وليس خار ًجا‬
‫عنها‪ ،‬وكل ما هو خارج عنها‪ ،‬إنما هو تحفيز ملا في النفس من‬
‫ٌ‬
‫ذاهب إلى العقل لالعتبار‪،‬‬ ‫ً‬
‫تحديدا‬ ‫طاقات وغرائز‪ ،‬هذا الخطاب‬
‫فيه يكتمل لإلنسانية بناؤها‪ ،‬لعله لهذا يلفتنا النبي الكريم أن‬
‫الجهاد األشق هو "جهاد النفس"‪ ،‬يروي األلباني في سلسلته‬
‫الصحيحة من حديث أبي ذر حين سأل رسول هللا ﷺ‪ :‬أي الجهاد‬
‫أفضل؟‬
‫قال‪ :‬أفضل الجهاد أن تجاهد نفسك وهواك في ذات هللا عز وجل (‪)9‬‬

‫فلم يهدأ املفكرون منذ بدايات الفكر عن الوقوف عند النفس‬


‫لإلحاطة بها واستجالء أسرارها‪ ،‬من ذلك أن سقراط الحكيم قد‬
‫البعد‪ ،‬فلم يضع ً‬
‫أساسا لتصوره الفلسفي عن اإلنسان إال‬ ‫أدرك هذا ُ‬
‫طريق للكشف عن أبعادها‬ ‫ٌ‬ ‫"اعرف نفسك"‪ ،‬ألن معرفة النفس هي‬
‫ُ‬
‫وخبايا إنسانيتها‪ ،‬فليست اإلنسانية في بني اإلنسان إال طبقات‪ ،‬ولكل‬
‫ً‬
‫طبقة مراتبها‪ ،‬ووفقا لهذه الطبقات واملراتب تكون املفاضلة بين‬
‫إنسان وإنسان‪.‬‬

‫‪40‬‬
‫د‪ .‬حسين صبري‬ ‫إنسانية محمد‬

‫املفاضلة بين الناس‪:‬‬


‫إن الناس ليسوا سواء‪ ،‬وكما أن تصنيفهم ضرور ٌة حياتية‪ ،‬فإنه أ ً‬
‫يضا‬
‫ٌ‬
‫ضرورة بحثية‪ ،‬وأساس تصنيفهم هو املفاضلة فيما بينهم‪ ،‬ومعايير‬
‫"التفاضل" يصعب حصرها‪ ،‬وأعظمها "اإلنسانية" التي تستحق‬
‫بالفعل أن تكون األعظم‪ ،‬فهي األعم‪ ،‬واألبقى‪ ،‬واألوقع ً‬
‫أثرا‪ ،‬إذ ربما‬
‫كانت املفاضلة عند بعض الناس في‪ :‬الجسم‪ ،‬العلم‪ ،‬القوة‪ ،‬املال‪،‬‬
‫ُُ‬
‫الفطنة‪ ،‬وأمثال‬‫ِّ‬ ‫الخيرية‪،‬‬ ‫اإلضافة‬ ‫ق‪،‬‬ ‫ل‬‫الذكاء‪ ،‬البنين‪ ،‬العقل‪ ،‬الخ‬
‫هذه املعايير‪.‬‬
‫وربما أراد البعض املفاضلة بين الناس بمعايير أخرى‪ ،‬كالسطوة‪،‬‬
‫الجاه‪ ،‬الغلبة في الرأي‪ ،‬القدرة على القهر‪ ،‬القدرة على التكاثر في‬
‫املال‪ ،‬القدرة على اإلقناع بقوة‪ ،‬القدرة على إسكات اآلخرين‪ ،‬القدرة‬
‫على تعطيل األدلة وقلب الحقائق‪ ،‬والقدرة على التأثير في النساء‬
‫والل ِّعب بقلوبهن‪.‬‬
‫ً‬ ‫ُّ‬ ‫ُ‬
‫إن أمثال هذه املعايير ال تعد أساسا للمفاضلة في اإلنسانية‪ ،‬إنما‬
‫التفاضل بالرفعة ال باالنحطاط والسفه‪ ،‬والتفاضل بالفهم والوعي‬
‫والعلم واإلنجاز والرقي‪ ،‬ال بالوقيعة بين الناس‪ ،‬أو قهرهم‪ ،‬أو دحر‬
‫كرامتهم‪.‬‬
‫ْ‬ ‫ُ‬
‫فاإلنسانية درجة ُعليا من الخلق‪ ،‬وهي خالف البهيمة‪ ،‬وفي اإلنسانية‬
‫مراقي‪ ،‬حيث تدل مفردة "اإلنسان" ‪ -‬وهي اسم جنس ‪ -‬إلى كل كائن حي‬
‫‪41‬‬
‫د‪ .‬حسين صبري‬ ‫إنسانية محمد‬

‫مفكر قادر على الكالم املفصل واالستنباط واالستدالل العقلي‪ ،‬ويقع‬


‫على الذكر واألنثى من بني آدم‪ ،‬ويطلق على املفرد والجمع (‪ ،)10‬وهذه‬
‫الداللة تقودنا إلى مجموعة املزايا التي يشترك فيها الناس‪ ،‬وتحدد‬
‫التباين النوعي لهذا الجنس مقابلة مع األجناس القريبة (‪ ،)11‬غير أن‬
‫هذه الدالالت االشتقاقية تضع أسس التمايز بين اإلنسان وغير‬
‫اإلنسان‪ ،‬بينما غرضنا في دراستنا؛ هو فهم التمايز بين اإلنسان‬
‫واإلنسان‪ ،‬فكما أن هناك "العادي" هناك "املثالي" الذي يفوق‬
‫العادي بقوى يكتسبها بالتطور(‪ ،)12‬هكذا تحدد دالالت اللغة أن‬
‫التفاضل في سلم اإلنسانية؛ طبقاتها ومراتبها‪ ،‬إنما يكون اكتس ًابا‪،‬‬
‫ً‬
‫حتى لو توهم البعض أن هناك من الناس من يولد مفضال بغير‬
‫اكتساب أتاه وبغير جهد أداه‪ ،‬يرى ابن خلدون أنه على قدر حصول‬
‫األسباب واملسببات في الفكر تكون إنسانيته‪ ،‬بل إنه يقرر أن "من‬
‫تتوالى له السببية مرات أكثر‪ ،‬فإن إنسانيته تكون أعلى" (‪ ،)13‬فقرن‬
‫االرتقاء في اإلنسانية بأمرين متوالين مرتبطين‪ ،‬هما‪:‬‬
‫ً‬
‫• الفكر؛ أوال‪.‬‬
‫• وإعمال هذا الفكر؛ في قدرته على تصور توالي املسببات في حياة‬
‫اإلنسان‪ ،‬حتى يصل عبر هذا التوالي إلى املسبب األول‪.‬‬

‫‪42‬‬
‫د‪ .‬حسين صبري‬ ‫إنسانية محمد‬

‫وتلك زاوية فيها ِّجدة‪ ،‬وتفرد‪ ،‬جعلها ابن خلدون معيا ًرا لقياس قيمة‬
‫وقدر “اإلنسانية"‪ ،‬فهناك من العلماء من وسع النظر‪ ،‬وعدد الزوايا‬
‫واملعايير‪ ،‬حيث يرى "اإلنسان" أبعد من أن يكون ذلك الجسد‬
‫الجامد‪ ،‬فهو‪:‬‬
‫• الجثة التي شرحها البيولوجيون‬
‫• والشعور الذي الحظه علماء النفس‬
‫• والشخصية التي أظهرها التأمل الباطني‬
‫• واملواد الكيماوية التي تؤلف األنسجة وأخالط أجسامنا‬
‫• والجمهرة املذهلة من الخاليا والعصارات املغذية التي درس‬
‫الفيسيولوجيون قوانينها‬
‫• واملركب من األنسجة والشعور الذي يحاول العلماء أن يقودوه إلى‬
‫الدرجات العليا في أثناء نموه مع الزمن‬
‫• وذلك الكائن الحي العاملي‬
‫• إنه ليس فقط ذلك املخلوق الشديد التعقيد الذي تحلله فنوننا‬
‫ً‬
‫العلمية‪ ،‬ولكنه أيضا تلك امليول والتكهنات وكل ما تنشده‬
‫اإلنسانية من طموح‪)14( .‬‬

‫زاوية عجيبة أخرى؛ تقيس إنسانية اإلنسان بالقدر الذي يساهم به‬
‫في تحقيق طموح اإلنسانية كلها‪.‬‬
‫‪43‬‬
‫د‪ .‬حسين صبري‬ ‫إنسانية محمد‬

‫ً‬
‫مستغربا أن تنال حقيقة "اإلنسان" في القرآن الكريم هذا‬ ‫لهذا ليس‬
‫القدر من االهتمام‪ ،‬إلى درجة اعتقاد البعض "أن اإلنسان بطبيعته‬
‫ً‬
‫مركزيا في الفكر‬ ‫ً‬
‫اهتماما‬ ‫وسلوكه ونفسيته وواجباته ومصيره‪ ،‬ينال‬
‫القرآني‪ ،‬بالقدر الذي تنال مسألة "هللا" ذاته" (‪ ،)15‬حيث يتساوى‬
‫ويتوازى تعلق الوحي القرآني باإلنسان مع تعلق الوحي القرآني باهلل‬
‫عز وجل‪ ،‬لعله لذلك كان الجهد اإلنساني عبر الديانات والعصور‬
‫وبين األمم‪ ،‬يسيرفي اتجاهين متوازيين‪ ،‬ال ينفصالن‪:‬‬
‫• أولهما‪ :‬فهم الخالق‬
‫• وثانيهما‪ :‬فهم املخلوق‪ ،‬وتحديدا؛ اإلنسان‬
‫ودراستنا تنصب بشكل مباشر وأساس ي في اتجاه فهم "اإلنسان"‬
‫وقياس قدر "إنسانيته"‪ ،‬لالهتداء إلى معايير املفاضلة بين الناس‪،‬‬
‫ولتحديد‪:‬‬
‫‪ -‬هل تقع هذه املعايير ضمن منظومة التالزم بين االتساق والتمايز؟‬
‫أمر؛ إنما ال تكون إال بمعاييرها‪.‬‬
‫ألن املفاضلة في أي ٍ‬
‫وتأسيس وتصنيف ثم توظيف وتطبيق املعايير‪ ،‬ال يتم وفق األهواء‬
‫الخاصة واالنحيازات الضيقة‪ ،‬كما ال يتم التفاضل استفزا ًزا أو‬
‫ً‬
‫استعالء‪ ،‬وإنما إقرا ًرا لقانون "االستحقاق"‪.‬‬

‫‪44‬‬
‫د‪ .‬حسين صبري‬ ‫إنسانية محمد‬

‫فاملفاضلة؛ هي ثمرة الفهم واليقين‪:‬‬


‫ُ‬
‫• الفهم؛ الذي نستمده من تجاربنا وقدر ما ِّ‬
‫حصل من العلم‪ ،‬ومن‬ ‫ن‬
‫غراس بيئاتنا فينا‪ ،‬وإعمال أدمغتنا‪ ،‬ويدعمه املنطق والدليل‪.‬‬
‫• واليقين؛ الذي يستشرفه الوجدان‪ ،‬ونستمده من انسانيتنا‪،‬‬
‫ً‬
‫حكيما‪ ،‬هو من يدبر‬ ‫ويؤيده احتياجنا الفطري أن هناك ً‬
‫خالقا‬
‫األمر كله‪.‬‬
‫عمل بالفكر‪ ،‬واليقين ٌ‬
‫عمل بالوجدان‪ ،‬وهما متمايزان‪،‬‬ ‫فإن الفهم ٌ‬
‫ً‬
‫وعلى قدر تمايزهما‪ ،‬فإن بينهما اتساقا ال ينفصم‪ ،‬وإن ضمان التالزم‬
‫بين االتساق والتمايز إنما نستجليه في شواهد الفكر اإلنساني‪ ،‬فمن‬
‫هذا الفكر‪:‬‬

‫‪ o‬ما يضرب جذوره متصال بدين منزل من السماء‪ ،‬ومنه ما ال‬


‫يستند إلى دين‪.‬‬
‫ّ‬
‫‪ o‬ما هو تقليدي ينتمي إلى عصور ولت بظرفها الزماني املكاني‬
‫واإلنساني‪ ،‬وما هو معاصرونتلمس آثاره في حياتنا‪.‬‬
‫‪ o‬ما صدرعن عقو ٍل عايش أصحابها محمدا وآمنوا بدعوته‪ ،‬وما‬
‫صدرعمن عرفوا محمدا ولم يؤمنوا‪.‬‬

‫‪45‬‬
‫د‪ .‬حسين صبري‬ ‫إنسانية محمد‬

‫‪ o‬ما يلتزم فيه أصحابه مسارالعلمي الطبيعي التجريبي‪ ،‬وما يلتزم‬


‫املساراإلنساني‪.‬‬

‫كل هذا التنوع من الفكر؛ يضعنا في مواجهة شاقة مع السؤال‬


‫التالي‪:‬‬
‫‪ -‬هل يمكن أن يؤدي التمايز في الفكر‪ ،‬إلى االتساق في بناء معايير‬
‫املفاضلة‪ ،‬وفي الحكم على "إنسانية محمد"‪ ،‬أم أن هذا التنوع في‬
‫ً‬ ‫الفكر يفرض بالضرورة ً‬
‫تمايزا في املعايير‪ ،‬وبالتالي اختالفا في الحكم؟‬
‫لعل املسألة ال يجب صياغتها بهذا الشكل‪ ،‬حيث ال تضارب بين‬
‫"التمايز في الفكر" و "االتساق في الحكم " ‪ -‬أو هكذا يجب أن يكون ‪-‬‬
‫كما أنه ال مسوغ لصحة حكم من األحكام‪ ،‬إال بما اعتمد هذا الحكم‬
‫ٌ‬ ‫ٌ‬ ‫ٌ‬
‫من حقائق‪ ،‬وسلك من مناهج‪ ،‬وأقرته ذاتية باحثة سوية ومنصفة‪.‬‬

‫شواهد األفضلية في إنسانية محمد ﷺ‪:‬‬


‫ُ‬
‫شواهد التاريخ منذ مولد النبي‬ ‫إن ما يوثق لنا إجابة هذا السؤال؛ هي‬
‫محمد وإلى اآلن‪ ،‬نتفحصها‪ ،‬فهي قب ٌ‬
‫سات من الفكر اإلنساني‪ ،‬تمكننا‬
‫من قياس وتقدير رتبة املفاضلة التي حازتها‪ ،‬وتستحقها "إنسانية"؛‬
‫لها ٌ‬
‫تفرد بين سائر البشر"‪ ،‬وهذه هي الشواهد‪:‬‬

‫‪46‬‬
‫د‪ .‬حسين صبري‬ ‫إنسانية محمد‬

‫ُ‬
‫شاهد الرحمة‪:‬‬
‫ٌ‬
‫دالالت على إنسانية‬ ‫هو شاهد له خصوصيته‪ ،‬تتعهده "املرأة"‪ ،‬وفيه‬
‫محمد‪ ،‬ما بين لحظتي الوالدة بين يديها والوفاة بين ذراعيها‪.‬‬
‫اتصال بيولوجي نفس ي عصبي‬ ‫ٌ‬ ‫تشهد أول إنسان كان بينها وبين محمد‬
‫وإنساني؛ آمنة بنت وهب‪ ،‬عندما صارحتها مرضعة محمد "حليمة"‬
‫بحادثة شق صدره‪ ،‬حيث أجابت‪ :‬أخشيتما عليه الشيطان‪ ،‬كال وهللا‬
‫ما للشيطان عليه سبيل‪ ،‬وإنه لكائن البني هذا شأن‪)16( .‬‬

‫إجابة تدعمها ثقة تامة؛ ال يفصح عنها بتلك القوة إال من امتلك‬
‫إنسانا قدر ما تعرف‪،‬‬ ‫ً‬ ‫ٌ‬
‫إنسان‬ ‫أدواتها وحقها‪َّ ،‬‬
‫أسرت بها الذي ال يعرف‬
‫أمه؛ التي به حلمت‪ ،‬وتمنت‪ ،‬حملت‪ ،‬وراقبت‪ ،‬سمعت‪ ،‬وأدركت‪،‬‬
‫علمت فحازت الفهم وتيقنت واستقر بجوارحها اليقين‪ ،‬لذلك لم‬
‫سر الحياة التي كانت "بنت‬ ‫ذكرها في نفسه‪ ،‬حيث يغذيه ُ‬ ‫ينقطع ُ‬
‫سببا لتهبه إياه‪ ،‬حتى صار له الشأن الذي فهمته وتيقنته‪ ،‬فلما‬ ‫وهب" ً‬
‫ُ‬
‫مر في عمرة الحديبية باألبواء‪ ،‬أذن له في زيارة قبر أمه‪ ،‬فأتاه‪،‬‬
‫فأصلحه وبكى عنده‪ ،‬وبكى املسلمون لبكائه‪ ،‬فقيل له‪ ،‬فقال‪:‬‬
‫‪ -‬أدركتني رحمتها فبكيت‪)17( .‬‬

‫فكان أو ُل معايير إنسانية محمد؛ ذلك املعيار الذي تجسده آيات‬


‫العرفان‪ ،‬في صيانة الرحم ألهله‪ ،‬وبذل الرحمة ملن رحم‪ ،‬ويظل‬
‫ً‬
‫نموذجا للرحمة في البشر كافة وهي "األم"‪.‬‬
‫‪47‬‬
‫د‪ .‬حسين صبري‬ ‫إنسانية محمد‬

‫كما تشهد من استحقت بنسبها ومالها وبصيرتها وكمال خلقها‪ ،‬أن‬


‫كثير من سادة قريش‬ ‫تكون من أفضل نساء العاملين‪ ،‬التي أرادها ٌ‬
‫محمدا‪ ،‬املرأة التي عركت الحياة والنفوس‬‫ً‬ ‫للزواج‪ ،‬فأبت واختارت‬
‫وتمييزا للناس‪ ،‬اختارت محم ًدا إلدارة‬
‫ً‬ ‫والحوادث‪ ،‬فما زادها إال حكمة‬
‫تجارتها‪ ،‬ثم أسرت إليه‪:‬‬
‫‪ -‬يا بن عم‪ ،‬إني قد رغبت فيك لقرابتك‪ ،‬وسطتك في قومك‪،‬‬
‫وأمانتك‪ ،‬وحسن خلقك‪ ،‬وصدق حديثك‪)18( .‬‬
‫ً‬ ‫وكانت يومئذ أوسط نساء قريش ً‬
‫نسبا‪ ،‬وأعظمهن شرفا‪ ،‬وأكثرهن‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫ماال‪ ،‬ومن هذه أوصافها‪ ،‬ال تترك رجال هذا وصفه‪ ،‬فأرسلت إليه بعد‬
‫أن رجع في عيرها من الشام‪.‬‬
‫قالت له‪ :‬يا محمد ما يمنعك أن تزوج؟‬
‫فقال‪ :‬ما بيدي ما أتزوج به‪.‬‬
‫ُ‬
‫قالت‪ :‬فإن كفيت ذلك ودعيت إلى الجمال واملال والشرف والكفاءة‪،‬‬
‫أال تجيب؟‬
‫قال‪ :‬فمن هي؟‬
‫قالت‪ :‬خديجة‪)19( .‬‬

‫امرأة فوق ما تزينت بأكرم ما تزينت به أخالق النساء؛ فإنها تتحف‬


‫ساحة "املفاضلة" بين الناس بثالثة أصناف من املعايير‪ ،‬في‪:‬‬

‫‪48‬‬
‫د‪ .‬حسين صبري‬ ‫إنسانية محمد‬

‫• اختيارالزوج‬
‫• وصالح املرأة‬
‫• و إنسانية محمد‬
‫ُ‬ ‫ُ‬
‫خديجة الطاهرة‪ ،‬املقدمة األولى في إنسانية محمد‪ ،‬املرأة السند‪،‬‬
‫ُ‬
‫حتى قبل الرؤيا الصادقة‪ ،‬وقبل الخلوة‪ ،‬املرأة التي تثق وتتيقن وتف ِّرج‬
‫ُوت ْفرح وتثبت وتخفف وتهون على نصيف حياتها‪ ،‬وما كان مح ٌ‬
‫مد‬
‫ليجد كل هذا منها إال ملا أسبغ على بيته وأهله من ود وإخالص‪ ،‬وبذل‬
‫س من دروس النبوة ُيجلى في ضمائرنا كيف‬ ‫من مسئولية‪ ،‬وهذا در ٌ‬
‫تكون الشراكة بين الرجل واملرأة‪ ،‬وكيف يكون الوفاء؟‬
‫احتواء رجل‬‫ُ‬ ‫فاملرأة ال تسعها الدنيا ‪ -‬على رحابتها ‪ -‬قدر ما يسعها‬
‫مسئول‪ ،‬ال يمسها ً‬
‫يوما بسوء أو إهانة‪.‬‬
‫كانت خديجة "أول من آمن باهلل ورسوله وصدق ما جاء به‪ ،‬فخفف‬
‫شيئا يكرهه من رد عليه وتكذيب له‬ ‫بذلك عن سول هللا‪ ،‬ال يسمع ً‬
‫ر‬
‫وقفا على‬ ‫فرج هللا عنه بها" (‪ ،)20‬ولم يكن عونها ملحمد ً‬‫فيحزنه ذلك إال َّ‬
‫حفظ العشرة وأسرار النبوة‪ ،‬وإنما يمتد لتدلنا على معالم مبهرة من‬
‫إنسانيته‪ ،‬إذ تقول ملحمد أول نزول الوحي‪:‬‬
‫‪ -‬وهللا إنك لتصل الرحم‪ ،‬وتصدق الحديث‪ ،‬وتحمل الكل‪ ،‬وتكسب‬
‫املعدوم‪ ،‬وتقري الضيف‪ ،‬وتعين على نوائب الحق‪)21( .‬‬

‫‪49‬‬
‫د‪ .‬حسين صبري‬ ‫إنسانية محمد‬

‫ً‬ ‫ٌ‬
‫توصيف ملن فهمت و أيقنت أبعاد إنسانية من اختارته زوجا‪ ،‬فاملرأة‬
‫حين تدقق في اختيار رجلها‪ ،‬تملك حكمة االختيار‪ ،‬وتحبه‪ ،‬وتأمن‬
‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫صحبته‪ ،‬وال يمأل عينيها ٌ‬
‫أحد سواه‪ ،‬فتسعده‪ ،‬وت ُمده بروحها‪ ،‬وال‬
‫ُ‬
‫تصفه إال بحق‪.‬‬
‫كما تشهد من مال قلب محمد لها فعدل فيما سواه بين نسائه‬
‫واستحوذت وحدها عليه‪ ،‬وقد سألت الرسول ً‬
‫يوما‪:‬‬
‫‪ -‬بأبي أنت وأمي يا رسول هللا‪ ،‬ادع هللا أن يغفر لي ما تقدم من ذنبي‬
‫وما تأخر‪ .‬فدعا لها بما أرادت‪ ،‬وعلم قدر فرحها بدعوته‪ ،‬فقال لها‪:‬‬
‫‪ -‬أما والذي بعثني بالحق‪ ،‬ما خصصتك بها من بين أمتي‪ ،‬وإنها‬
‫لصلواتي ألمتي في الليل والنهار‪ ،‬فيمن مض ى منهم‪ ،‬ومن بقي‪ ،‬ومن هو‬
‫آت إلى يوم القيامة‪ ،‬وأنا أدعو لهم واملالئكة يؤمنون على دعائي‪)22( .‬‬

‫إنسانية متفردة؛ تتجاوز األنا‪ ،‬وتتخطى الفردية‪ ،‬وتسمو على‬


‫العصبيات املغرضة والنعرات الضيقة‪ ،‬وتكرس الروح الجماعية‪،‬‬
‫ُ‬
‫حيث النظر إلى األمة‪ ،‬في تعبير بليغ عن خصوصية طبعت عليها‬
‫إنسانية محمد‪ ،‬ورتبة عليا وسمة راقية ال ينالها إال عظيم‪ ،‬أدركتها‬
‫عائشة‪ ،‬فلم يغضبها أن شملت دعوة النبي لها أمة املسلمين جمي ًعا‪،‬‬
‫كثيرا من آثارها‪ ،‬إذ تروي كتب‬‫فقد خبرت إنسانيته وتيقنتها وروت ً‬
‫ِّ‬
‫الصحاح عن عائشة‪ ،‬أنها قالت‪:‬‬

‫‪50‬‬
‫د‪ .‬حسين صبري‬ ‫إنسانية محمد‬

‫‪ -‬ما ُخير رسول هللا بين أمرين إال أخذ أيسرهما ما لم يكن ً‬
‫إثما‪ ،‬فإن‬
‫إثما كان أبعد الناس منه‪ ،‬وما انتقم رسول هللا ﷺ لنفسه‪ ،‬إال‬ ‫كان ً‬
‫أن تنتهك حرمة هللا عز وجل‪)23( .‬‬
‫ٌ‬
‫معايير‪ ،‬ربما تبدو عند البعض‬ ‫فيدلنا الوصف على قواعد للعمل‪ ،‬هي‬
‫ٌ‬ ‫ُ‬
‫توجيه للعقل واإلرادة على‬ ‫متباعدة‪ ،‬لكنها محكمة االتصال‪ ،‬وفيها‬
‫يض للنفس على تنقية إيمانها‪ ،‬كما أنها‬ ‫إرادة "االختيار"‪ ،‬وفيها ترو ٌ‬
‫موجهات لإلنسان عند الفعل؛ أن‪:‬‬
‫• يتأمل خياراته‬
‫• ويتبين أفضلها خيرية‬
‫• ويثق باختياره بوعي ور ّوية‬
‫• ويحسم إرادته‬
‫سرورهق‬ ‫• ويتجنب ما ينطوي على ُ‬
‫ع‬
‫ٍ‬
‫• وال ينتقم إال هلل تعالى‬
‫فالدين الحق ال يصطدم مع نوازع النفس اإلنسانية على طول‬
‫الخط‪ ،‬ألن النفس لها أن تغضب وتنتقم كما لها أن ترض ى‪ ،‬إذ ربما‬
‫كان الغضب واالنتقام من ظالم أو متعد أو غاصب دون أن يخالط‬
‫ن ُ ُ‬ ‫ذلك ٌ‬
‫إثم أو تعد على ما شرعه الدين والقانو وعرف األسوياء‪ ،‬ربما‬
‫ً‬
‫كان ذلك إنفاذا ملقاصد الشرع‪.‬‬
‫‪51‬‬
‫د‪ .‬حسين صبري‬ ‫إنسانية محمد‬

‫ُ‬ ‫ْ‬ ‫ُ‬


‫وتع ِّلمنا أم املؤمنين عائشة بالرتبة العليا في إنسانية "الغضب"‪ ،‬حين‬
‫ُسئلت عن خلق محمد ﷺ‪ ،‬فقالت‪:‬‬
‫‪ -‬كان ال ينتقم لنفسه وال يغضب لها‪ ،‬إال أن تنتهك حرمات هللا‬
‫فيكون هلل تعالى ينتقم‪)24( .‬‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫‪ -‬لم يكن رسول هللا فاحشا وال متفحشا‪ ،‬وال صخ ًابا في األسواق‪،‬‬
‫وال يجزي بالسيئة السيئة‪ ،‬ولكن يعفو ويصفح‪)25(.‬‬

‫لنتبين أن معيارالتمكين للعفو بين الناس‪ ،‬يتجلى في‪:‬‬


‫ُ‬ ‫َّ‬
‫‪ -‬أن نعف اللسان عن فحش الكالم‬
‫‪ -‬وأن نحفظ للناس وقارهم في مجتمعاتهم وبين أقرانهم‪.‬‬
‫ألن أقل درجات التمكين في العفو؛ هو الصفح وتجاوز رد السيئة‬
‫بمثلها‪.‬‬
‫إن ما حازت عليه عائشة من فطنة واستنباط؛ مكناها ليس فقط‬
‫من تأسيس وتصنيف املعايير في إنسانية محمد‪ ،‬وإنما في تعليلها‬
‫أيضا‪ ،‬يروي لنا البخاري في صحيحه ما ذكرته عائشة عن النبي من‬ ‫ً‬
‫"حبب إليه الخالء" (‪ ،)26‬فما كانت إنسانية محمد لتميل إلى‬ ‫أنه ُ‬
‫الوحدة واالنفصال عن أهله ودعوته ومجتمعه وما يحدث فيها‪،‬‬
‫وتأمل وتحفيزٌ‬
‫ٌ‬ ‫ٌ‬
‫فالوحدة داء والخالء دواء‪ ،‬وفي الخالء محاسبة‬
‫وإضمار للكراهية وتكر ٌ‬‫ٌ‬ ‫ٌ‬
‫يس‬ ‫للنفس إلى الخير‪ ،‬وفي الوحدة عزلة‬

‫‪52‬‬
‫د‪ .‬حسين صبري‬ ‫إنسانية محمد‬

‫ً‬
‫متسقا معهم‬ ‫محمد ً‬
‫أبدا بين الناس إال‬ ‫ٌ‬ ‫لألحقاد واالستعالء‪ ،‬وما عا‬
‫تمام االتساق‪ ،‬رغم تمايزه عنهم‪.‬‬

‫الص ْحبة‪:‬‬
‫شاهد ُ‬ ‫ُ‬
‫ً‬
‫محمدا في حياته‪ ،‬وآمن بدعوته‪،‬‬ ‫في هذا الشاهد؛ شهادة من صحب‬
‫حيث يمدنا هذا الشاهد بكشف ألبعاد جديدة في إنسانية محمد‪،‬‬
‫وقائع‪ ،‬جاءتنا في نصوص متواترة‪ ،‬اتفقت في روايتها ُ‬
‫كتب‬ ‫تدل عليه ٌ‬
‫السيرة مما وصف به ر ُ‬
‫بيب محمد "هند بن أبي هالة" شمائل النبي‪ ،‬إذ‬
‫ينقل منها صاحب الشفا‪ ،‬أن منطقه كان‪:‬‬
‫‪ -‬دائم الفكرة‪ ،‬ليست له راحة‪ ،‬وال يتكلم في غير حاجة‪ ،‬طويل‬
‫السكوت‪ ،‬يفتتح الكالم ويختمه بأشداقه ويتكلم بجوامع الكلم‪،‬‬
‫ً‬
‫ل‬
‫فضال‪ ،‬ال فضو فيه وال تقصير‪) ( .‬‬
‫‪27‬‬

‫وينقل منها صاحب عيون األثر‪ ،‬أن سكوته كان‪:‬‬


‫‪ -‬على أربع‪ :‬الحلم والحذر والتقدير والتفكر‪ ،‬فأما تقديره ففي‬
‫تسوية النظر واالستماع إلى الناس‪ ،‬وأما تفكره ففيما يبقى ويفنى‪،‬‬
‫وجمع له الحلم في الصبر‪ ،‬فكان ال يغضبه ش يء يستفزه‪ ،‬وجمع له في‬
‫الحذر أر ٌبع‪ :‬أخذه بالحسن ليقتدى به وتركه القبيح ُلينتهى عنه‪،‬‬
‫واجتهاد الرأي بما أصلح أمته‪ ،‬والقيام لهم بما جمع لهم أمر الدنيا‬
‫واآلخرة‪)28( .‬‬

‫‪53‬‬
‫د‪ .‬حسين صبري‬ ‫إنسانية محمد‬

‫فحق لنا أن نتدبر إنسانية إنسان هذا هو حال منطقه وهذا هو حال‬ ‫ُ‬
‫سكوته‪ ،‬إذا اجتمعا في واحد ممن يسوس الناس اليوم‪ ،‬أو يدير ً‬
‫شأنا‬
‫من شئونهم؛ كمؤسسة أو مهنة أو أسرة‪ ،‬كيف يكون نتا ُج هذا الرجل‬
‫ومن معه‪ ،‬وكيف يكون تحضرهم وعملهم وأخالقهم وخططهم‬
‫وعالقاتهم وإنسانيتهم‪ ،‬فرادى أو مجتمعين؟‬
‫إن تحليل حالي املنطق والسكوت يدلنا على التمايز الحادث بينهما‪،‬‬
‫أيضا على اتساقهما‪ ،‬ويجمعهما تالز ٌم في صفة عظمى لم يؤدها‬ ‫ويدلنا ً‬
‫ً‬ ‫ُ‬ ‫بحقها ٌ‬
‫الناس له طواعية‬ ‫أحد‪ ،‬درجة ما أداها محمد‪ ،‬إال الن‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫وخضعوا ورضوا‪ ،‬حيث يجدون فيه انشغاال دائما بهم وبحوائجهم‪،‬‬
‫مثلما يجدون إخالصه وتقديره إلنسانيتهم‪ ،‬ذلك التقدير الذي يدلنا‬
‫عليه ما شهد به صحابته‪ ،‬يقول أبو هريرة‪:‬‬
‫أحدا أكثر مشورة ألصحابه من رسول هللا ﷺ‪)29( .‬‬ ‫‪ -‬ما رأيت ً‬
‫ويحدثنا ابن هشام أن الحباب بن املنذر قال قبل موقعة بدر‪:‬‬
‫ً‬
‫‪ -‬يا رسول هللا‪ ،‬أرأيت هذا املنزل‪ ،‬أمنزال أنزلكه هللا ليس لنا أن‬
‫نتقدمه‪ ،‬وال نتأخر عنه‪ ،‬أم هو الرأي والحرب واملكيدة؟‬
‫قال‪ :‬بل هو الرأي والحرب واملكيدة‪.‬‬
‫فقال‪ :‬يا رسول هللا‪ ،‬فإن هذا ليس بمنزل‪ ،‬فانهض بالناس حتى نأتي‬
‫ُ‬
‫أدنى ماء من القوم‪ ،‬فننزله‪ ،‬ثم نغور ما وراءه من القلب‪ ،‬ثم نبني عليه‬
‫ً‬
‫حوضا فنملؤه ماء‪ ،‬ثم نقاتل القوم‪ ،‬فنشرب وال يشربون‪.‬‬
‫‪54‬‬
‫د‪ .‬حسين صبري‬ ‫إنسانية محمد‬

‫فقال رسول هللا ﷺ‪ :‬لقد أشرت بالرأي‪)30( .‬‬

‫فإن إبداعات الناس في الرأي والفكر واألداء تتجلى وتصدق وتبدع‪،‬‬


‫ويوقر مبدعيها‪ ،‬حتى يملك بسعة‬‫متى كان هناك من ييهئ لها أسبابها‪ِّ ،‬‬
‫صدره شغاف قلوبهم‪ ،‬لذا فإن سعد بن معاذ ملا رأى كثرة استشارة‬
‫النبي أصحابه قبل يوم بدر‪ ،‬يوثق والءه للنبي وهو يعبر عن حال‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫جميعا‪ ،‬فيرجوه قائال‪:‬‬ ‫األنصار‬
‫‪ -‬صل حبل من شئت واقطع حبل من شئت‪ ،‬وخذ من أموالنا ما‬
‫شئت‪ ،‬وأعطنا ما شئت‪ ،‬وما أخذته منا أحب إلينا مما تركت‬
‫علينا‪ ،‬وما ائتمرت من أمر فأمرنا ألمرك فيه تبع‪)31( .‬‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫فكان رجاؤه طاعة ال تشوبها شائبة ضعف أو هوان أو انكسار‪ ،‬طاعة‬
‫إنسان‪ ،‬تسري إنسانيته بين جنده‬ ‫ٌ‬ ‫ال يستحقها بهذا القدر إال ٌ‬
‫قائد‬
‫فكثيرا ما أسس كثير من قادة‬ ‫ً‬ ‫بالرحمة ال بالشدة والبطش‪،‬‬
‫الجماعات والتنظيمات ألفكار ‪ -‬دينية أو سياسية ‪ -‬وكانت غايتهم أن‬
‫يستحوذوا على طاعة مريديهم من الناس‪ ،‬لكنهم بعد زمن أضاعوا ما‬
‫أسسوا له‪ ،‬ألنهم شيدوه ‪ -‬وهم يقصدون ‪ -‬على الكذب والخديعة‪.‬‬
‫هكذا تدلنا هذه الوقائع على حقيقة مؤكدة‪ ،‬أن الطاعة ال تكتمل‬
‫بحق في أمر من األمور؛ إال إذا انبنت على الصدق‪ ،‬وقد تجسدت هذه‬
‫الداللة في صدق محمد؛ كنبي‪ ،‬قائد‪ ،‬معلم‪ ،‬والد‪ ،‬زوج‪ ،‬أخ‪ ،‬صديق‪،‬‬
‫ٌ‬
‫وإنسان له رسالة ُعظمى‪.‬‬
‫‪55‬‬
‫د‪ .‬حسين صبري‬ ‫إنسانية محمد‬

‫جاءت وفادات القبائل من أنحاء الجزيرة العربية تستوضح رسالة‬


‫الدين الذي أتى به محمد‪ ،‬ومنها وفادة بني سعد بن بكر بن هوازن‪،‬‬
‫وافدا يستخبر عن الدين الجديد‪ ،‬حتى‬‫أ سلوا منهم "ضمام بن ثعلبة" ً‬
‫ر‬
‫ً‬
‫محمدا‪ ،‬قال‪:‬‬ ‫إذا لقى‬
‫فمشدد عليك في املسألة‪ ،‬فال تجد علي في نفسك‬‫ٌ‬ ‫‪ -‬إني سائلك‬
‫فقال‪ :‬سل عما بدا لك‬
‫فقال‪ :‬أسألك بربك ورب من قبلك‪ ،‬آهلل أرسلك إلى الناس كلهم؟‬
‫فقال‪ :‬اللهم نعم‬
‫قال‪ :‬أنشدك باهلل‪ ،‬آهلل أمرك أن نصلي الصلوات الخمس في اليوم‬
‫والليلة؟‬
‫قال‪ :‬اللهم نعم‬
‫ً‬
‫ثم جعل يذكر فرائض اإلسالم‪ ،‬فريضة فريضة‪ ،‬وهو ينشده في كل‬
‫واحدة منها كما ينشده في التي قبلها‪ ،‬فقال الرجل‪:‬‬
‫‪ -‬آمنت بما جئت به‪ ،‬وأنا رسول من ورائي من قومي‪)32( .‬‬

‫هكذا؛ حيثما يكون الصدق‪ ،‬تكون الطمأنينة‪ ،‬ويستقر اإليمان في‬


‫دأب كل من استيقن الصدق في دعوة محمد‪،‬‬ ‫النفس‪ ،‬وكان ذلك ُ‬
‫فآمن بهما‪.‬‬

‫‪56‬‬
‫د‪ .‬حسين صبري‬ ‫إنسانية محمد‬

‫يحكي لنا موس ى بن عقبة في «املغازي» على لسان جعفر بن أبي طالب‬
‫فيما قال عن اإلسالم ونبي اإلسالم‪ ،‬أمام النجاش ي‪ ،‬في أصعب لحظة‬
‫يكون فيها اإلنسان إلى املوت هو أقرب ما يكون منه إلى النجاة‪:‬‬
‫جل من أنفسنا قد عرفنا وجهه ونسبه‪ ،‬بعثه هللا إلينا‬ ‫‪ -‬جاءنا به ر ٌ‬
‫كما بعث الرسل إلى من قبلنا‪ ،‬فأمرنا بالبر والصدق والوفاء وأداء‬
‫األمانة‪ ،‬ونهانا أن نعبد األوثان‪ ،‬وأمرنا أن نعبد هللا وحده ال نشرك به‪.‬‬
‫(‪)33‬‬

‫في إقرار حاسم ينطق بما تحمله أفئدة وعقول جمع املهاجرين معه‬
‫إلى الحبشة‪ ،‬فإن ِّص ْدق الرسو ِّل ص َّدق الرسالة‪ ،‬حتى لم يعد لغير‬
‫سبيل في ساحة اإليمان بين محمد ومن اهتدى بهديه‬ ‫ٌ‬ ‫الصدق‬
‫ورسالته‪.‬‬
‫يقول كعب بن مالك بعد حادثة تخلفه عن غزوة تبوك‪ ،‬ثم توبة هللا‬
‫عليه‪:‬‬
‫‪ -‬وهللا ما أنعم هللا علي من نعمة قط بعد أن هداني لإلسالم أعظم‬
‫في نفس ي صدقي لرسول هللا ﷺ‪ ،‬أال أكون كذبته فأهلك كما يهلك‬
‫الذين كذبوا‪)34( .‬‬

‫أثر صدق محمد في الناس‪ُ ،‬يروى عن أبي سفيان بعد إسالمه‬ ‫هكذا ُ‬
‫أنه قال حين حضرته الوفاة‪:‬‬
‫‪ -‬ال تبكوا علي فإني لم أتنظف – أتلطخ ‪ -‬بخطيئة منذ أسلمت‪)35( .‬‬

‫‪57‬‬
‫د‪ .‬حسين صبري‬ ‫إنسانية محمد‬

‫وفي عبارته داللتان‪:‬‬


‫الداللة األولى‪ :‬راجعة إلى أثر النبي في كل من آمن بصدق دعوته‬
‫والداللة الثانية‪ :‬راجعة إلى أثر اإلسالم فيمن استقر هذا اإليمان في‬
‫قلبه‬
‫واألثران متمايزان‪ ،‬ومتسقان‪ ،‬وداالن على معيار الصدق في الرسالة‬
‫ً‬ ‫ً‬ ‫َّ‬
‫وفيمن حملها إلى الناس‪ ،‬ذلك الصدق الذي كان جبلة وطبعا أصيال‬
‫يؤسس إلنسانية محمد‪ ،‬فامتدت آثار هذا الصدق في جميع أخالقه‪،‬‬
‫حيث تتبدل املواقف واألشخاص وال يتغير صدقه‪ ،‬مهما اختلفت‬
‫األحوال واملواقف‪ ،‬حتى وهو يرد أذى املشركين عن الضعفاء من‬
‫صحابته‪ ،‬وحين يحمل حفيدته على عاتقه‪ ،‬ومع أهل بيته‪ ،‬ومع‬
‫خدمه‪ ،‬يقول أنس بن مالك‪:‬‬
‫نحوا من عشر سنين‪ ،‬فوهللا ما صحبته في سفر وال حضر‬ ‫‪ -‬خدمته ً‬
‫ألخدمه إال وكانت خدمته لي أكثر من خدمتي له‪)36( .‬‬

‫ويروي ابن سعد في طبقاته عن أبي قتادة‪ ،‬أن رسول هللا ﷺ كان‬
‫يصلي وأمامة بنت أبي العاص ‪ -‬ابنة زينب بنت رسول هللا – على‬
‫عاتقه‪ ،‬فإذا ركع وضعها‪ ،‬وإذا قام حملها (‪ ،)37‬ويسجل البيهقي على‬
‫أحدا كان أرحم بالعيال من رسول هللا"‬‫لسان أنس بن مالك "ما أيت ً‬
‫ر‬
‫ٌ‬ ‫ٌ‬
‫(‪ ،)38‬فليست هناك عالمة فارقة في إنسانية إنسان قدر ما يدل عليها‬
‫فعله ورحمته بصغاره‪ ،‬ففي "الرحمة بالصغير" تتجلى كماالت‬
‫‪58‬‬
‫د‪ .‬حسين صبري‬ ‫إنسانية محمد‬

‫اإلنسانية‪ ،‬فهي اللبنة األولى لصناعة شاب يكبر وهو يستشعر آالم‬
‫الناس ويقدر مواجعهم‪ ،‬وال تغيب عن نفسه لحظة أنه مسئول‪ ،‬حتى‬
‫اعيا لبيت وزوج وصغار‪ ،‬أدى فيهم ما ُيرض ي هللا‬
‫إذا كبر وتزوج وصار ر ً‬
‫ورسوله‪ ،‬بعد أن صرنا نسمع ونشاهد اآلباء الذين يلحقون بأوالدهم‬
‫العاهات‪ ،‬وربما املوت‪ ،‬ألتفه األسباب‪ ،‬بل ومن غير سبب‪ ،‬وآخرين‬
‫ال يملك أحدهم أقل تبعات املسئولية في بيته‪ ،‬بل ويكيد بأهله‪،‬‬
‫صاحب القوامة‪ ،‬وهو ال يملك – بفعله ‪ً -‬أيا‬
‫ُ‬ ‫ُ‬
‫"الرجل"‬ ‫بدعوى أنه‬
‫منهما؛ ال الرجولة وال القوامة‪.‬‬

‫ْ‬ ‫ُ‬
‫شاهد الفطرة‪:‬‬
‫هذا الشاهد يستحق التوقف عنده مرتين اثنتين‪:‬‬
‫األولى؛ وقفة بحثية؛ نتفحص فيها بروية‪ ،‬األبعاد الجديدة التي‬
‫سيضيفها هذا الشاهد إلى معايير تقدير إنسانية محمد‪.‬‬
‫والثانية؛ وقفة تأملية؛ تضيف إلى األولى وال تنتقص منها‪ ،‬ألن في هذا‬
‫ً‬
‫محمدا ولم يؤمن بنبوته وال بدعوة‬ ‫الشاهد نتتبع شهادات من عرف‬
‫اإلسالم‪.‬‬
‫فليس هناك أعظم من شهادة إنصاف تأتيك من ُمبغض كاره‬
‫ُ‬
‫لنجاحك‪ ،‬أو تميزك‪ ،‬أو خلقك‪ ،‬أو إيمانك‪ ،‬أو تفردك‪ ،‬إنها تساوي ‪-‬‬
‫قدرها وأثرها ‪ -‬أضعاف شهادة من أحبك‪ ،‬إنها تعني أن من قالها؛‬ ‫في ْ‬
‫‪59‬‬
‫د‪ .‬حسين صبري‬ ‫إنسانية محمد‬

‫البغض‪ ،‬فما واتته االستطاعة أن يدعي‬ ‫ما وجد فيك ما يستحق ُ‬


‫الحق على لسانه بدافع من فطرته‬ ‫ُ‬ ‫عليك ما ليس فيك‪ ،‬فجرى‬
‫اإلنسانية دون أن يتعمد هذه الشهادة‪.‬‬
‫السطراألول؛ في هذه الشهادة يأتينا ممن تربى محمد على يديه‪ ،‬ونال‬
‫حبا فاق حبه ألوالده‪ ،‬إنه عمه أبو طالب الذي ما تواني عن‬ ‫منه ً‬
‫حمايته‪ ،‬رغم أنه لم يؤمن بدعوة محمد‪ ،‬وذلك حين سعى إلى نقض‬
‫صحيفة املقاطعة التي تعاهد عليها كفار قريش في حصار بني هاشم‪،‬‬
‫ً‬
‫محمدا أخبره أن األرضة أكلت ما‬ ‫فذهب إلى سادة قريش ُي ْعلمهم أن‬
‫اسم هللا عز وجل‪ ،‬ويحسم شهادته في‬ ‫يبق فيها إال ُ‬‫في الصحيفة ولم ْ‬
‫ً‬
‫محمد قائال‪:‬‬
‫‪ -‬إن ابن أخي قد أخبرني ولم يكذبني أن هللا عز وجل برئ من هذه‬
‫الصحيفة التي في أيديكم‪)39( .‬‬

‫يؤكد أبو طالب وقد عا محمد ﷺ في كنفه ورعايته سنوات طوال؛‬


‫ما اتفقت عليه مصادر السيرة كافة‪ ،‬أن املعيار األول لصحة النبوة‪،‬‬
‫هو الصدق‪ ،‬الذي استحق محمد أن ُيعرف به في مكة حتى قبل بدء‬
‫تكليفه بالرسالة‪.‬‬
‫والسطرالثاني؛ ما شهد به أبو سفيان ‪ -‬قبل إسالمه ‪ -‬يوم فتح مكة‪،‬‬
‫حين توالت أمامه جموع القبائل من املسلمين‪ ،‬فقال للعباس عم‬
‫الرسول‪:‬‬
‫‪60‬‬
‫د‪ .‬حسين صبري‬ ‫إنسانية محمد‬

‫ً‬
‫عظيما‬ ‫‪ -‬يا أبا الفضل لقد أصبح ُ‬
‫ملك ابن أخيك الغداة‬
‫قال العباس‪:‬‬
‫‪ -‬يا أبا سفيان إنها النبوة‬
‫قال‪:‬‬
‫إذا‪)40( .‬‬‫ً‬
‫‪ -‬فنعم‬
‫والسطر الثالث؛ يأتينا مما ترويه املصادر فيما وقع بين أبي سفيان‬
‫وهرقل عظيم الروم‪ ،‬وعلينا أن نتأمل عبارات هرقل وهي‬
‫"استنتاجات" من أقوال أبي سفيان وهي "حقائق" فال نجد إال‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫اتساقا متينا بين الحقائق "املقدمات" واالستنتاجات "النتيجة"‪ ،‬في‬
‫ٌ‬
‫هذه الحجة املنطقية تصنيف ُمبهر ملعايير إنسانية محمد‪ ،‬تنساب في‬
‫حوار بين اثنين‪ ،‬لكل منهما ٌ‬
‫شأن في قومه‪ ،‬األول وهو السائل يدين‬
‫"باملسيحية" ويدافع عنها‪ ،‬والثاني وهو املجيب "وثني" يعبد األصنام‪،‬‬
‫وكان هذا هو حوارهما كما يرويه البخاري‪:‬‬
‫• كيف نسبه فيكم؟ ‪ ...‬هو فينا ذو نسب‬
‫• فهل قال هذا القول منكم أحد قط قبله؟ ‪ ...‬ال‬
‫• فهل كان من آبائه من ملك؟ ‪ ...‬ال‬
‫ُ‬
‫• فأشراف الناس يتبعونه أم ضعفاؤهم؟ ‪ ...‬بل ضعفائهم‬
‫• أيزيدون أم ينقصون؟ ‪ ...‬يزيدون‬

‫‪61‬‬
‫د‪ .‬حسين صبري‬ ‫إنسانية محمد‬

‫أحد منهم لسخطه لدينه بعد أن يدخل فيه؟ ‪ ...‬ال‬ ‫• فهل يرتد ٌ‬
‫• فهل كنتم تتهمونه بالكذب قبل أن يقول ما قال؟ ‪ ...‬ال‬
‫• فهل يغدر؟ ‪ ...‬ال‬
‫• فهل قاتلتموه؟ ‪ ...‬نعم‬
‫• فكيف كان قتالكم إياه؟ ‪ ...‬الحرب بيننا سجال‪ ،‬ينال منا وننال‬
‫منه‬
‫• ماذا يأمركم؟ ‪ ...‬يقول اعبدوا هللا وحده وال تشركوا بيه ً‬
‫شيئا‪،‬‬
‫واتركوا ما يقول آباؤكم‪ .‬ويأمرنا بالصالة والصدق والعفاف‬
‫والصلة‪)41( .‬‬
‫فور أن ينتهي الحوار‪ ،‬يصدر قيصر الروم الحكم "النتيجة" في‬
‫معا‪ ،‬إذ يقول‪:‬‬ ‫إنسانية محمد‪ ،‬وهو يعبر عن نبوته وبشريته ً‬
‫‪ -‬لم يكن ليذر الكذب على الناس ويكذب على هللا تعالى‪)42( .‬‬

‫حوار بليغ‪ ،‬لتواتره‪ ،‬ومنطقيته‪ ،‬ليس فيه تهوين أو تعظيم‪ ،‬ويدل‬ ‫ٌ‬
‫على‪:‬‬
‫‪ o‬اهتمام عظيم الروم آنذاك بأمر الرسول والدين الجديد‪ ،‬فليس‬
‫مستبعدا أن هرقل قد اطلع على نصوص اإلنجيل التي تبشر‬ ‫ً‬
‫بمجيئ محمد‪ ،‬أو سمعه من أحد القساوسة املخلصين‪ ،‬وإال‬
‫كيف نفسر اهتمامه وطلب السؤال عن محمد؟!‬

‫‪62‬‬
‫د‪ .‬حسين صبري‬ ‫إنسانية محمد‬

‫‪ o‬إن هذا الحوار قد جاءنا عن ابن عباس؛ الذي أخذه مباشرة عن‬
‫أبي سفيان بعد اسالمه‪ ،‬فلم يلجأ أبو سفيان في رواية هذا الخبر‬
‫ً‬
‫إلى التلفيق أو الكذب‪ ،‬في مناسبتين‪ :‬األولى أمام هرقل خوفا من‬
‫بطشه إن اكتشف كذبه إن كذب عليه‪ ،‬والثانية أمام ابن عباس‬
‫لحسن إسالمه‪.‬‬
‫يفصح عن تسلسل وترابط منطقي‪ ،‬إذ من غير‬ ‫ُ‬ ‫‪ o‬إن هذا الحوار‬
‫املعقول أن يكون نتيجة لحظة اللقاء وعفوية الحوار‪ ،‬ما يدل على‬
‫ً‬
‫أن هناك تشاو ًرا وتباحثا جد ًيا قد حدثا قبل أن يصير الحوار‪،‬‬
‫ً‬ ‫ً‬ ‫ً‬
‫فضال عن أن مجريات هذا الحوار تحمل في طياتها؛ إجماال بديعا‬
‫ٌ‬
‫لنظرة اإلسالم في بناء العقيدة واألخالق‪ ،‬وفيها كشف عن مصير‬
‫اإلنسان وسعادته‪ ،‬مما يدفعنا إلى التساؤل‪:‬‬
‫‪ -‬هل أضافت جهود األفراد املعنيين واملؤسسات والدول الحديثة‬
‫منذ نشأتها في حفظ كرامة اإلنسان؛ من التشريعات والقوانين فوق‬
‫ما يعطينا هذا الحوار؟‬
‫في السطر الرابع؛ ينقل لنا السيوطي ما ذكرته كتب السيرة من‬
‫شهادة الوليد بن املغيرة‪ ،‬وكان من ُعتاة املشركين الكارهين لإلسالم‬
‫ونبي اإلسالم‪ ،‬إذ أتته قريش ترجوه أن يقول في محمد ما يدل على أنه‬
‫منكر له وكاره‪ ،‬بعد أن رق حين سمع القرآن من فم النبي محمد‪،‬‬ ‫ٌ‬

‫‪63‬‬
‫د‪ .‬حسين صبري‬ ‫إنسانية محمد‬

‫فأقسم لهم باهلل أن ما سمعه ليس شي ًئا من الكهانة وال الجنون وال‬
‫الشعر وال السحر‪ ،‬وليس منهم من هو أعلم منه بهذا كله‪ ،‬ثم قال‪:‬‬
‫‪ -‬وهللا إن لقوله الذي يقول حالوة‪ ،‬وإن عليه لطالوة‪ ،‬و إنه ملثمر‬
‫أعاله‪ ،‬ومغدق أسفله‪ ،‬و إنه ليعلو وما ُيعلى عليه‪)43( .‬‬

‫في شهادة الوليد – وهو عدو لدود – أن محمدا‪:‬‬


‫• ال يكذب‬
‫• وال ّيدعي‬
‫• وما يتلوه من قرآن‪ ،‬هو فوق إبداع البشر‪ ،‬وما هو إال من عند‬
‫هللا‬
‫ما يدفعنا إلى أن نتساءل‪:‬‬
‫‪ -‬كيف نحكم على من شهد ملحمد وما يتلو من القرآن هذه‬
‫الشهادة؛ ولم يؤمن؟!‬
‫هل هناك إجابة تبرر هذا التساؤل أوفى لعقولنا من "أثر الجاهلية"‬
‫التي ال عالقة لها بجهل ‪ -‬كما يتوهم البعض‪ -‬وإنما بعقل يعرف الحق‬
‫تعلم الصدق وتراوغ وتناور‪ ،‬فليست الجاهلية‬‫ويعاند ويكابر‪ ،‬ونفس ُ‬
‫ً‬
‫أشخاصا بعينهم أو بيئة بعينها‪ ،‬إنما هي "منظومة من‬ ‫منا بعينه أو‬ ‫ً‬
‫ز‬
‫ُ‬
‫الصفات" متى اجتمعت كانت الجاهلية‪ ،‬وبان أهلها‪ ،‬فأو ُل أمرها‬
‫ُ‬ ‫ٌ‬ ‫ٌ‬
‫مستكبرة‪ ،‬يقويها الحقد‪ ،‬ثم غلبة األنا واتباع الهوى‪ ،‬والسعي‬
‫ِّ‬ ‫عصبية‬

‫‪64‬‬
‫د‪ .‬حسين صبري‬ ‫إنسانية محمد‬

‫ملنافع خاصة‪ ،‬وإنكار الحق‪ ،‬وختامها في العزة باإلثم‪ ،‬فال تفيض‬


‫ً‬ ‫نفوس أصحابها إال ً‬‫ُ‬
‫ظلما وباطال‪.‬‬
‫ٌ‬ ‫ٌ‬
‫إن أخطر ما في الجاهلية أن تتعهدها فئة قادرة غادرة‪ ،‬فلم يكن‬
‫وحيدا في جاهليته‪ ،‬فقد أورد ابن هشام في سيرته‬ ‫ً‬ ‫الوليد بن املغيرة‬
‫ً‬
‫ساحرا وال‬ ‫عن النضر بن الحارث‪ ،‬أنه أنكر أن يكون الرسول ﷺ‬
‫ً‬
‫مجنونا ‪ -‬كما ادعت قريش ‪ -‬وقال لهم‪:‬‬ ‫ً‬
‫شاعرا وال‬ ‫ً‬
‫كاهنا وال‬
‫‪ -‬انظروا في شأنكم‪ ،‬فإنه وهللا قد نزل بكم ٌ‬
‫أمر عظيم‪)44( .‬‬

‫يلج اإليمان ويستقر ً‬


‫يوما‬ ‫هي دعوة للتدبر‪ ،‬لكنها وجلة‪ ،‬مترددة‪ ،‬وال ُ‬
‫ٌ‬
‫في ضمائر غير مطمئنة‪ ،‬غير أن في هذه الدعوة داللة وعظة‪ ،‬أن‬
‫أثرا من اإلنصاف بحق النبي‬ ‫هناك ً‬
‫دائما ‪ -‬مع غلبة املنكرين للحق ‪ً -‬‬
‫محمد‪ُ ،‬يجريه هللا على لسان أحدهم‪ ،‬فإلى مثل هذا دعا عتبة بن‬
‫سيدا في قريش‪ ،‬حين قال‪:‬‬‫بيعة‪ ،‬وكان ً‬
‫ر‬
‫‪ -‬يا معشر قريش‪ ،‬أطيعوني واجعلوها بي‪ ،‬وخلوا بين الرجل وبين ما‬
‫هو فيه‪ ،‬فاعتزلوه‪.‬‬
‫ثم يقرر نتيجة محددة‪:‬‬
‫ٌ‬
‫‪ -‬فوهللا ليكونن لقوله الذي سمعت منه نبأ عظيم‬
‫ثم عاد يرجوهم‪:‬‬
‫‪ -‬فإن تصبه العرب فقد كفيتموه بغيركم‪ ،‬وإن يظهر على العرب‬
‫فملكه ملككم‪ ،‬وعزه عزكم‪ ،‬وكنتم أسعد الناس به‪.‬‬
‫‪65‬‬
‫د‪ .‬حسين صبري‬ ‫إنسانية محمد‬

‫ً‬
‫فكان جواب قريش الذي ما كان إال إنفاذا لجاهليتهم‪:‬‬
‫‪ -‬سحرك وهللا يا أبا الوليد بلسانه‪)45( .‬‬

‫حكرا على ُعباد األصنام‪ ،‬بل امتدت‬ ‫ولم تكن أخالق الجاهلية هذه ً‬
‫بعضا من أهل الكتاب من يهود املدينة‪ ،‬إذ يروي موس ى‬ ‫حتى شملت ً‬
‫بن عقبة في "املغازي" ما قاله أبو ياسر بن أخطب من اليهود ‪ -‬وهو‬
‫عم صفية زوج النبي محمد ‪ -‬عندما سمع من محمد وحادثه ثم رجع‬
‫إلى قومه‪ ،‬وقال لهم‪:‬‬
‫‪ -‬يا قوم أطيعوني فإن هللا عز وجل قد جاءكم بالذي كنتم‬
‫تنظرون‪ ،‬فاتبعوه وال تخالفوه‪)46( .‬‬
‫َّ‬ ‫ُ‬
‫هكذا تكون سوءات الجاهلية ‪ -‬وهي فوق ما تحص ى‪ -‬أقلها أن تدفع‬
‫ً‬
‫صاحبها إلى رهان زائغ بدال عن اإلذعان للحق‪ ،‬إذ لو ترك أحدهم األمر‬
‫ألقر هذا الحق دونما ارتباك أو تردد‪ ،‬وليس هذا ببعيد‪ ،‬فقد‬ ‫لفطرته َّ‬
‫ُ‬ ‫ً‬
‫واضحا فيما قالت أم معبد الخزامية ‪ -‬قبل أن ت ْس ِّلم ‪ -‬حين مر‬ ‫تجلى‬
‫بها النبي محمد في طريق هجرته إلى يثرب‪ ،‬يستقي منها املاء واللبن‪،‬‬
‫فوصفته بأنه‪:‬‬
‫‪ -‬أجمل الناس من بعيد‪ ،‬وأحاله وأحسنه من قريب‪)47( .‬‬

‫في تعبير فصيح عن التالزم بين الجمال والحالوة والحسن‪ ،‬رغم‬


‫وانسجام واتس ٌ‬
‫اق‬ ‫ٌ‬ ‫التمايز بين األوصاف الثالثة‪ ،‬وقد جمع بينها تالز ٌم‬

‫‪66‬‬
‫د‪ .‬حسين صبري‬ ‫إنسانية محمد‬

‫ٌ‬ ‫ُُ‬
‫دقيق‪ ،‬في ال ِّخلقة والخلق‪ ،‬وهذا واحد من تجليات اإلنسانية في‬
‫محمد‪.‬‬

‫ُ َ ََ‬
‫شاهد النصفة‪:‬‬
‫ننتقل مع هذا الشاهد إلى رؤية عصرية صادرة عن توجهات متباينة‬
‫بين أصحابها‪ ،‬لتمدنا بنماذج من املعايير لقياس قدر املفاضلة في‬
‫إنسانية محمد عمن سواه من البشر‪ ،‬لكن من منظور آخر‪ ،‬أثقلته‬
‫التجربة‪ ،‬وأسعفته الدقة والتصنيف‪ ،‬وارتقى به العلم‪ ،‬وحصنته‬
‫تطبيقات العلم‪ ،‬نماذج يسودها التمايزبين أصحابها من حيث‪:‬‬
‫‪ -‬خلفياتهم العلمية‪ ،‬تخصصاتهم الدقيقة‪ ،‬طرائقهم البحثية‪،‬‬
‫بيئاتهم‪ ،‬تنشئتهم‪ ،‬رصيدهم النفس ي‪ ،‬حصيلتهم األخالقية‪ ،‬وزادهم‬
‫اإليماني‪.‬‬
‫لنرى‪ :‬هل يوصل هذا التمايزالحادث بينهم‪ ،‬إلى اتساقهم في الحكم‬
‫على إنسانية محمد؟‬
‫تبدأ سطور هذا الشاهد بتأسيس متفرد ملعايير إنسانية محمد‪ ،‬من‬
‫ً‬ ‫ً‬ ‫ٌ‬ ‫مفكر له ر ٌ‬
‫أي حر‪ ،‬وله موقف‪ ،‬ارتض ى العلم مقياسا ومنهجا‪،‬‬
‫واإلنصاف غاية‪ ،‬نال من التفلسف ‪ -‬بالدرس والتحليل واملمارسة ‪-‬‬
‫ً‬
‫درجاته العلى‪ ،‬فما زاده التفلسف إال بغضا للتعصب‪ ،‬يجأر‬

‫‪67‬‬
‫د‪ .‬حسين صبري‬ ‫إنسانية محمد‬

‫بمسيحيته ويقرر‪ :‬لن أنحاز عنها لسواها‪ ،‬لم ُيصدر حكمه في إنسانية‬
‫محمد إال بعد فحص وترو وتدقيق‪ ،‬وهو ينظربعينين‪:‬‬
‫األولى؛ لحقائق التاريخ ومصادر السيرة وآيات القرآن الكريم‬
‫والثانية؛ لواقع األحكام غير املنصفة لدى كثير من املستشرقين في‬
‫عموما‪ُ .‬يصر هذا الباحث على‬‫ً‬ ‫الغرب تجاه نبي اإلسالم واإلسالم‬
‫سيجر إليه وعليه هذا الحكم‪ ،‬لكنها‬ ‫ُّ‬ ‫حكمه‪ ،‬وهو يعلم ً‬
‫جيدا ماذا‬
‫ُ‬
‫نقاوة اإليمان الصحيح باهلل الواحد إذا ما تمكنت من شغاف القلب‪،‬‬
‫حبا في هللا ودينه‪ ،‬ليصغر في عينيه ما سيعاني ويكابد‪.‬‬ ‫مألته ً‬
‫نظمي لوقا؛ الباحث الفلسفي األديب‪ ،‬الذي كبر على الصغائر‪ ،‬وآثر‬
‫ً‬
‫كلمة الصدق‪ ،‬فما قال إال ما علم‪ ،‬وقال كثيرا‪ ،‬وقد أدركه ببحث‬
‫ً‬ ‫وعلم‪ ،‬وكلما مر عليه ز ٌ‬
‫من زاد تشبثا بما قال‪ ،‬وفهم وأيقن‪ ،‬فانتهى إلى‬
‫أحكامه في محمد‪ ،‬وفي التوحيد‪ ،‬وفي جوهر العقيدة اإلسالمية‪ ،‬وكان‬
‫كبيرا في دراسة آيات القرآن من أخالق وعقائد وأبعاد إنسانية‪،‬‬ ‫تركيزه ً‬
‫مكن لنفسه‪ ،‬وال لذويه‪ ،‬وكانت لذويه بحكم‬ ‫ي‬ ‫لم‬ ‫ا‬ ‫ً‬
‫محمد‬ ‫إنه يؤمن "أن‬
‫ِّ‬
‫فسوى ذلك كله باألرض" (‪ ،)48‬فمن‬ ‫الجاهلية صدارة غير مدفوعة‪َّ ،‬‬
‫أجل مراتب اإلنسانية أن تسمو روح اإلنسان وفعله وخلقه‬
‫ومعامالته‪ ،‬فوق فرديته‪ ،‬وفوق خاصته من الناس واملصالح‪ ،‬وفوق‬
‫ذويه وصحبه‪ ،‬من أجل التمكين لكرامة الناس كافة‪ ،‬دونما تمييز‪.‬‬

‫‪68‬‬
‫د‪ .‬حسين صبري‬ ‫إنسانية محمد‬

‫ويأتينا السطر الثاني في هذا الشاهد ممن يجمعهم االتساق في‬


‫ً‬
‫اجتماعيا‪،‬‬ ‫ً‬
‫فكريا‪،‬‬ ‫اإليمان بمحمد ورسالته‪ ،‬ويتمايزون‪ً :‬‬
‫بيئيا‪،‬‬
‫وثقافيا‪.‬‬
‫إذ يرى الفيلسوف الفرنس ي جارودي؛ الذي تقلب بين املسيحية‬
‫محمدا يمثل الخاتمية في دين هللا‬ ‫ً‬ ‫والشيوعية ثم اعتنق اإلسالم؛ أن‬
‫على األرض‪ ،‬ألنه لم َّيد ِّع أ ًبدا أنه يجيء بدين جديد‪ ،‬وإنما "يواصل‬
‫ويجدد ويتمم العقيدة األصلية التي كان يجد لها في عقيدة إبراهيم‬
‫التعبير األمثل" (‪ ،)49‬وكأنما أراد جارودي أن يوجه إلى أن الخاتمية ال‬
‫تقتصر على العقيدة وحسب وإنما تؤسس لألخوة في اإلنسانية‬
‫والوحدة في القيم؛ بين كل الناس‪.‬‬
‫ويؤمن املستشرق البريطاني بودلي بأهمية النموذج في الدين‪ ،‬حيث‬
‫محمد نفسه‪ ،‬ألنه هو "من جاء‬‫ٌ‬ ‫إن ما ال يجب أن ننساه في اإلسالم هو‬
‫باإلسالم‪ ،‬وأمده بقوته الدافعة‪ ،‬وجعله يزدهر وينمو خالل الثالثة‬
‫عشر قرًنا‪ ،‬منذ أن عرضه أول مرة على العرب" (‪ ،)50‬إنه يعتقد أن من‬
‫محمدا أصبح النموذج‪:‬‬‫ً‬ ‫أبرز معايير تقدير إنسانية محمد هو أن‬
‫املثال‪ ،‬وكيف تصير القدوة هما‬ ‫ُ‬ ‫ً‬
‫وتطبيقا‪ ،‬ليرينا كيف يكون‬ ‫ً‬
‫إيمانا‬
‫الضامن بين الناس إلحياء الدين‪ ،‬وبعث أحكامه وأخالقه وعباداته‬
‫وإبداعاته في حياة الناس‪ ،‬لعله لهذا السبب وثق كث ٌير من الناس في‬
‫اإلسالم‪ ،‬ألن "عمل الخير أصبح امليزة األعظم في مجتمع املدينة بعد‬
‫‪69‬‬
‫د‪ .‬حسين صبري‬ ‫إنسانية محمد‬

‫هجرة النبي محمد إليه‪ ،‬حيث ال جشع أو أنانية‪ ،‬بل التعاطف‬


‫واالهتمام بكل ما هو حي" (‪ ،)51‬ولعل ذلك كان هو الدافع الذي حفز‬
‫ً‬
‫الباحث املسلم "ديدات"؛ الذي أثمر جهده وعمره بحثا في مقارنة‬
‫األديان‪ ،‬ليقرر أن اإلسالم وحده هو "الذي يستطيع أن يوحد بين‬
‫اليهود واملسيحيين واملسلمين ويجدوا فيه التوافق واملالئمة"‪)52( .‬‬

‫نصل إلى ختام هذا الشاهد في إنسانية محمد مع من جمعهم في‬


‫عالء لقيمة اإلنسان‪ ،‬حيث يقول إقبال‪ :‬الدين ال يقبل‬ ‫تقديرها إ ُ‬
‫ً‬ ‫ً‬ ‫ً‬
‫مجردا‪ ،‬إنه تعبيرٌ‬ ‫مجردا وال فعال‬ ‫كرا وال شعو ًرا‬
‫التجزئة‪ ،‬فهو ليس ف ً‬
‫ً‬ ‫ٌ‬ ‫ٌ‬
‫عن اإلنسان بكليته"(‪ ،)53‬وفي تعبيره دقة بالغة ألنه انتبه جيدا إلى‬
‫التطابق واالنسجام بين الدين واإلنسان‪ ،‬فما جاء الدين إال‬
‫دين وال ضاع بين الناس إال بفعل إنساني‪ ،‬وال‬ ‫لإلنسان‪ ،‬وما استقر ٌ‬
‫اإلنسان إنس ًانا بحق إال بدين من السماء‪.‬‬
‫ُ‬ ‫يكون‬
‫إن الدين الحق هو الذي يمهد لإلنسانية مواضعها بين الناس على‬
‫محمدا قد "ارتفع باإلنسانية إلى أسمى قمة تحلم‬ ‫ً‬ ‫األرض‪ ،‬لذلك فإن‬
‫بها‪ ،‬حتى إنه لو لم يوجد الضطر املؤرخون إلى القول بأنه لم يوجد‬
‫إنسان من هذا الطراز ولن يوجد" (‪ ،)54‬هذا ما أكده صاحب "اإلسالم‬
‫يتحدى"‪ ،‬إنه يجزم بتفرد نموذج إنسانية محمد وبأنه ٌ‬
‫مثال هو‬
‫األكمل الذي يستطيع العقل البشري أن يتصور وجوده بالفعل‪ ،‬ألن‬
‫هذا املثال قد صار وأدرك من حوله بال استثناء أبعاد إنسانيته‪ ،‬فقد‬
‫‪70‬‬
‫د‪ .‬حسين صبري‬ ‫إنسانية محمد‬

‫كان "ال يشعر بالراحة إال بعد أن يتأكد من راحة الجميع‪ ،‬وكان‬
‫يتوقف في الطرقات ليستمع إلى أحزان ومآس ي الفقراء والضعفاء‬
‫واملنكوبين‪ ،‬وكان يقصد منازل أشد أتباعه ً‬
‫فقرا‪ ،‬ليخفف عنهم‪،‬‬
‫ويريح قلوبهم" (‪ ،)55‬فهل يمكن أن يكون هناك في رحمة اإلنسان‬
‫باإلنسان؛ أبعد وأرقى وأنبل ممن ينصت إلي الناس؛ يستشعر وجعهم‬
‫ويواسيهم؟!‬

‫ُ‬
‫شاهد الذوات السوية‪:‬‬
‫ٌ‬
‫يجمع أصحاب هذا الشاهد ذاتية علمية سوية من التقدير لنموذج‬
‫اإلنسان الذي ُيمثله محمد‪ ،‬هم في هذا متسقون غاية االتساق‪ ،‬ال‬
‫ٌ‬
‫تمس هذه الذاتية حياديتهم في الحكم‪ ،‬ألنها ذاتية "غير متطرفة"‪،‬‬
‫ٌ‬ ‫وحكمها في إنسانية محمد ٌ‬
‫مبني على حقائق وأدلة‪ ،‬ومستنبط‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫منهجيا‪ ،‬كما أنهم متسقون في االنتماء لدين محمد‪ ،‬وفي‬ ‫استنباطا‬
‫االنتماء نفسه لألرض واللسان والدم والتاريخ‪ ،‬غير أنهم متمايزون في‪:‬‬
‫أنماطهم الفكرية‪ ،‬ميولهم العلمية‪ ،‬مشاربهم التربوية‪ ،‬ومهاراتهم في‬
‫تحليل الخيوط الدقيقة التي شكلت نسيج إنسانية محمد‪.‬‬
‫ُ‬
‫أفعال‬ ‫يرى املؤرخ حسين مؤنس؛ أن قيمة املساواة ‪ -‬كما جسدتها‬
‫محمد ‪ -‬كانت األساس األول في بناء إنسانيته‪ ،‬إذ " لم يرض رسول هللا‬
‫لصحابته إال املساواة بنفسه الكريمة‪ ،‬برغم أنه كان نبيهم وهاديهم‬
‫‪71‬‬
‫د‪ .‬حسين صبري‬ ‫إنسانية محمد‬

‫ورائدهم‪ ،‬ولو شاء أن يكون أميرهم أو سيدهم لكان" (‪ ،)56‬فاملساواة‬


‫فعل‪ُ ،‬يبطل ‪ -‬دون عناء ‪ -‬نوازع اإلنسان للسيادة‬ ‫عند محمد هي ٌ‬
‫أداء و ٌ‬
‫ٌ‬
‫محمد بين الناس إال بأخالقه‪ ،‬حيث‬ ‫والسيطرة والنفوذ‪ ،‬ولم يحققها‬
‫إن من أعظم الخوارق التي كانت ملحمد ﷺ أخالقه‪ ،‬رغم أنه من بشر‬
‫من لحم ودم وأعصاب (‪ ،)57‬لكن بشريته لم تتعارض لحظة مع نبوته‪،‬‬
‫ٌ‬
‫وتناغم إلى درجة التمام‪ ،‬وما شابها نقص أو عيب‬ ‫إذ كان بينهما ا ٌ‬
‫تساق‬
‫في تفعيل املساواة بين الناس‪ ،‬وكان هذا شأن أخالقه كلها‪ ،‬فإننا في‬
‫كريما غاية اإلكرام نكتشف أنه دون ذلك في‬ ‫واقع حياتنا؛ إن نجد ً‬
‫محمدا في عامة صفاته‪ ،‬نال‬‫ً‬ ‫ِّخصلة أخرى‪ ،‬وهكذا الناس‪ ،‬لكن‬
‫ُُ‬
‫الكمال بشقيه البشري والنبوي‪ ،‬وتأسست نموذجية الخلق عنده‬
‫عبر محددات؛ هي معايير‪ ،‬يأتي من بينها "االتساق" الذي ساد بين‬
‫ظاهره وباطنه‪ ،‬فالوجه هو التصوير الحقيقي لباطن اإلنسان‪ ،‬وقد‬
‫ً‬
‫ظاهرا ويعرفه الناظر ألول وهلة"‬ ‫كان "صفاء نفس النبي على وجهه‬
‫(‪ ،)58‬مما دعا باحثا معاصرا أن يعلن‪:‬‬
‫عظيما جرؤ أن يغامر فيقول للناس " هاكم سيرتي كلها‪،‬‬ ‫ً‬ ‫‪ -‬أروني‬
‫جميعا‪ ،‬فاطلعوا عليها وأرووها للصديق والعدو‪ ،‬وليجد من‬ ‫ً‬ ‫وأفعالي‬
‫ً‬
‫مطعنا عليها"‪)59( .‬‬ ‫شاء‬
‫ولم يكن السبيل إلى امتالك نموذج الكمال اإلنساني في خلق محمد‬
‫إال عبر مجاهدات أفاضت بها على نفسه الشريفة كماالت نبوته‪ ،‬كان‬
‫‪72‬‬
‫د‪ .‬حسين صبري‬ ‫إنسانية محمد‬

‫أولها في مجاهدته لنفسه‪ ،‬ثم مع جفاء العقول التي سادت مكة‬


‫وجزيرة العرب آنذاك‪ ،‬وكان تمامها في الوفاء بمقتضيات األمانة في‬
‫تبليغ الدعوة‪ ،‬ومن أدوات تلك املجاهدة‪:‬‬
‫‪ ‬إرهاف السمع إلى الكون‪ ،‬وتجريد قلبه من الشواغل‪ ،‬وتخليص‬
‫همته من التشتت في توافه األمور‪ ،‬والخروج بنفسه من شد‬
‫ً‬
‫وجذب الرغبات والنزوات والشهوات (‪ ، )60‬فإن للكون لغة؛ ال يعيها‬
‫إال من صفا قلبه وسما عن صغائر الدنيا‪.‬‬
‫‪ ‬قلة الكالم‪ ،‬وطول اإلنصات‪ ،‬وامليل إلى الجد من القول (‪ ،)61‬هذه‬
‫األداة إن تمكن منها إنسان؛ فإنها تعبر به خارج حدود فرديته‪،‬‬
‫ً‬
‫جميعا‪ ،‬فكث ٌير من‬ ‫حيث يتطلع إلى آفاق الناس من حوله‪ ،‬والناس‬
‫قدر عال من‬ ‫الفضائل بين البشر إنما يكون وراءها ودافعها؛ ٌ‬
‫ُحسن اإلنصات لآلخرين‪.‬‬
‫‪ ‬كراهية سفك الدماء ولو بالحق (‪ ،)62‬فكيف إذا كان هذا الدم‬
‫ُيسفك لباطل؟!‪ ،‬إذ نشهد اليوم استهانة بدم الناس وأعراضهم‬
‫ٌ‬ ‫ُّ‬ ‫ُ‬ ‫ً‬ ‫ً‬
‫محمدا ُي ُّ‬
‫قر قاعدة لم يقرها أحد قبله "أن‬ ‫وكرامتهم دون حق‪ ،‬إن‬
‫للدم حرمة"‪َّ ،‬‬
‫أقرها في خطبة الوداع فيما رواه كبار الصحابة‪ :‬إن‬
‫دماءكم وأموالكم وأعرضكم حرام كحرمة يومكم هذا‪ ،‬في بلدكم‬
‫هذا‪ ،‬في شهركم هذا (‪" ، )63‬فحرمة الدم" ال ُمسوغ للتعدي عليها‪،‬‬

‫‪73‬‬
‫د‪ .‬حسين صبري‬ ‫إنسانية محمد‬

‫حيث أصبح لسفك الدم – دون حق ‪ -‬أكثر من مسمى وأكثر من‬


‫بب لتعليله وتبريره‪ ،‬أسوأ ما في هذا التعليل أن ُيقال أنه " ٌ‬
‫جهاد"‬ ‫س ٌ‬
‫ٌ‬
‫محمد ﷺ في حياته‪ ،‬وما كان‬ ‫"دفاع" عن الدين‪ ،‬ولم يفعله‬‫ٌ‬ ‫و‬
‫يغضب كغضبته لهذا اإلثم‪ ،‬الذي يتفش ى اليوم بين الناس‪،‬‬
‫ً‬
‫وتظهر له نماذج لم تشهدها أخس املجتمعات انحالال فيما‬
‫مض ى‪ ،‬فصار ُ‬
‫الولد يذبح أبيه أو أمه‪ ،‬واألخ يسفك دم أخيه أو‬
‫ُ‬
‫أخته‪ ،‬واألم تنهي حياة رجلها أو تخنق ولدها‪ ،‬من أجل كبيرة من‬
‫الكبائر‪.‬‬
‫‪ ‬تعقب قسوة القلب أينما كانت‪ ،‬إذ كان محمد يؤمن "أن قساوة‬
‫القلب هي املسئولة عن الخوف الذي يسلطه بعض الناس على‬
‫بعض" (‪ ،)64‬فقد عرف محمد الداء وشخص العلة‪ ،‬وتتبع أثرها‬
‫ليداويها‪ ،‬ببذل الرحمة‪.‬‬
‫‪ ‬حب املرأة‪ ،‬ومصارحتها بحبه ُم ً‬
‫عبرا عن عاطفة خيرة (‪ ،)65‬ألنه‬
‫ٌ‬
‫كمال لها‪ ،‬وأن الكلمة‬ ‫ٌ‬
‫كمال للرجل‪ ،‬مثلما هو‬ ‫أدرك أن املرأة‬
‫سياج ر ٌ‬
‫ٌ‬ ‫ُ‬
‫قيق إلنسانيتها‪ ،‬فكان‬ ‫ترويها‪ ،‬واملودة تحييها‪ ،‬والرحمة‬
‫يؤدي حق ذلك كله دونما توقف أو ملل‪ ،‬وظل تواصله اإلنساني‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫نموذجيا؛ أما‪ ،‬زوجا‪ ،‬ابنة‪ ،‬وأختا‪ ،‬فما كان‬ ‫قدا ُم ْعل ًنا‬
‫مع املرأة مت ً‬
‫ً‬ ‫ُ ً ُ ْ‬ ‫ُ‬ ‫ٌ‬
‫اإلنسان" للمرأة "اإلنسان"؛ إال م ِّقدرا ومك ِّرما‪.‬‬ ‫محمد "‬

‫‪74‬‬
‫د‪ .‬حسين صبري‬ ‫إنسانية محمد‬

‫وتحقق ملحمد اإلنسان بمجاهداته‪ ،‬السمو عن نطاقه الفردي‪،‬‬


‫ً‬ ‫ليشغله ُّ‬
‫هم األمة‪ ،‬وكان حرصه في كل حال موجها المتالك "املعية‬
‫اإللهية"‪ ،‬فلم تشغله الدعوة إلى تقليد حضارتي الفرس والروم‬
‫ً‬
‫متوجها إلى‬ ‫العظيمتين وإلى استنساخ أنماطهما‪ ،‬بل كان انشغاله‬
‫"تجديد عقيدة العرب وتصفية سريرتهم وتسوية خلقهم‪ ،‬حتى إذا‬
‫استقامت لهم هذه املزايا‪ ،‬دعاهم إلى تحصيل العدة ملضاهاة الفرس‬
‫والروم " (‪ ،)66‬ما يدلنا على أن بناء التحضر ً‬
‫حتما البد أن تكون بدايته‬
‫في "بناء النفس"‪ ،‬فهي املدخل األصوب للتميز على املستويين‪ :‬الفردي‬
‫والجماعي‪ ،‬حيث التركيز ينصب على "العمل"‪ ،‬لهذا كانت نموذجية‬
‫التميز في إنسانية محمد تتجلى في أنه " أو ُل مشرع في التاريخ قديمة‬
‫ووسيطة وحديثة جاء ‪ -‬من عند هللا ‪ -‬بالنظرية وقام بعد ذلك‬
‫بالتطبيق" (‪ ،)67‬لذلك يؤكد السياق القرآني في عديد من آياته على‬
‫قضية في غاية األهمية إلنفاذ دين هللا في الناس؛ هي الربط بين‬
‫اإليمان والعمل‪ ،‬إذ هو السبيل إلى وجود نماذج يقتدي بها الناس في‬
‫املجتمع املسلم‪ ،‬فإن أثر القدوة يغلب العقل قبل أثر العقيدة‪،‬‬
‫وينفذ إلى النفس قبل اإليمان‪ ،‬ويشغل الوجدان بمحبة القدوة‪ ،‬إذ‬
‫ٌ‬
‫كانت "محبة الناس ملحمد واطمئنانهم إليه‪ ،‬سابقة في قلوبهم‬
‫وأرواحهم لحب العقيدة واإليمان" (‪ ،)68‬وفي هذا داللة؛ أن الناس في‬
‫كل زمان‪ ،‬وكل نظام‪ ،‬وكل فكر‪ ،‬وكل عقيدة‪ ،‬تثق في القدوة قبل‬
‫‪75‬‬
‫د‪ .‬حسين صبري‬ ‫إنسانية محمد‬

‫ّ‬ ‫َُْ‬
‫الفكرة‪ ،‬وتميل بطبعها إلى اإلخالص واملخلصين‪ ،‬وتنفر ممن يدعي‬
‫اإلخالص‪ ،‬بينما الخيانة تموج في قلبه وينضح بها وجهه ولسانه‪.‬‬

‫ُ‬
‫شاهد اإلجماع العلمي‪:‬‬
‫ما كانت عملية تحليل املعايير للحكم على إنسانية محمد؛ ِّحك ًرا على‬
‫ُ‬
‫من آمن بدعوة اإلسالم عبر العصور‪ ،‬بل شغلت املسألة املفكرين‬
‫والساسة والقادة واألدباء واملؤرخين والحكماء والعلماء في أرجاء‬
‫األرض‪ ،‬ممن قرأ اإلسالم وعرف تاريخه‪ ،‬أو اطلع سيرة محمد‪ ،‬أو تأمل‬
‫أثر اإلسالم في أخالق املسلمين املخلصين‪ ،‬أو استوعب حضارة‬
‫اإلسالم وقدر إبداعاتها وإنجازات علمائها وتاريخ الفكر ومدارسه في‬
‫اإلسالم‪ ،‬وأيقن أثر الوحي القرآني في الفكر بين املسلمين‪ ،‬لذلك فإن‬
‫عجبا‪ ،‬إذ يصدر‬ ‫تفرد عجيب‪ ،‬ويمدنا بدالالت أكثر ً‬‫هذا الشاهد له ٌ‬
‫هذا الشاهد ممن يسودهم التمايزفي‪:‬‬
‫‪ -‬النطاق الجغرافي‪ ،‬الحضاري‪ ،‬الزمني‪ ،‬التنشئة‪ ،‬البيئة‪ ،‬املوروث‪،‬‬
‫الثقافة‪ ،‬امليول الفكرية والعلمية‪ ،‬والوجهة الدينية‪.‬‬
‫ويجمعهم االتساق في‪:‬‬
‫‪ -‬إيجابية الحكم على إنسانية محمد‪ ،‬رغم اختالف املنظور الذي‬
‫من خالله نظر كل واحد منهم لتحليل وفهم وتقدير هذه‬
‫اإلنسانية‪.‬‬
‫‪76‬‬
‫د‪ .‬حسين صبري‬ ‫إنسانية محمد‬

‫ً‬
‫فهل الحكم الذي سينتهي إليه هذا الشاهد؛ ينال درجة أعلى في‬
‫صحته من األحكام التي قدمتها الشواهد الخمسة األولى؟‬
‫ليست هكذا تكون املسألة‪ ،‬إنما الشواهد ال تقدم للحكم ً‬
‫مزيدا من‬
‫الصحة‪ ،‬وإنما تضيف إلى حيثيات الحكم املزيد من التوكيد والنقاء‬
‫والبيان‪.‬‬
‫محمدا ولم يؤمن‬‫ً‬ ‫فقد تتبعنا في الشاهد الثالث شهادات من عرف‬
‫منكر وكار ٌه لدين محمد‪ ،‬رغم ذلك لم يستطع‬ ‫بنبوته‪ ،‬وكان بعضهم ٌ‬
‫حد ممن أوردناهم في هذا الشاهد أال ينطق في إنسانية محمد إال‬ ‫وا ٌ‬
‫الحق‪.‬‬
‫ٌ‬ ‫ٌ‬
‫إن إصدار الحكم في إنسانية محمد هي عملية مستقلة عن "التمايز"‬
‫ً‬ ‫ً‬ ‫ٌ‬
‫الحاصل بين أصحاب الحكم‪ ،‬ألنها عملية تستلزم صحوة موضوعية‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫وصحوة ذاتية‪ ،‬بدونهما معا‪ ،‬لن نجد الصحة التي يطمئن إليها العقل‬
‫البحثي‪.‬‬
‫نبدأ هذا الشاهد بنوع من اإلجماع العلمي‪ ،‬وال نعني باإلجماع هنا‬
‫بالعصبة الصامدة حين تتوافق على حكم‬ ‫الداللة على الكثرة‪ ،‬وإنما ُ‬
‫ٌ‬ ‫ٌ‬ ‫واحد وإن َّ‬
‫قل عددها‪ ،‬في هذا اإلجماع درجة فائقة من االتساق الدال‬
‫على التئام صحوة املوضوعية بصحوة الذاتية‪ ،‬في قراءة وفهم‬
‫واستنتاج املعايير التي وضعت "حجر األساس األول" في انسانية‬
‫محمد‪ ،‬وهو "التوحيد"‪ ،‬إذ يرى العالم الياباني "إيزوتسو" الذي أتقن‬
‫‪77‬‬
‫د‪ .‬حسين صبري‬ ‫إنسانية محمد‬

‫ً‬
‫محمدا والدين الذي‬ ‫العربية وترجم معاني القرآن إلى اليابانية‪ ،‬أن‬
‫جاء به ال يناقض بحال كل دين جاء من السماء‪ ،‬فاإلسالم ً‬
‫وفقا ملا‬
‫يبينه القرآن هو "حركة إلزالة االنحرافات الدينية بقصد أن يعيد‬
‫بناء التوحيد الحقيقي في شكله الخالص األصيل" (‪ ،)69‬أراد هذا‬
‫الباحث أن يؤكد قيمة االتساق بين رساالت السماء في إقرار التوحيد‬
‫نقيا‪ ،‬وفي االتجاه نفسه يؤمن املؤرخ الفرنس ي جوستاف‬ ‫ً‬
‫خالصا ً‬
‫لوبون؛ أن اإلسالم عن طريق التوحيد جمع بين متمايزين في اتساق‬
‫عجيب‪ ،‬حيث "تشتق سهولة اإلسالم العظيمة من التوحيد املحض‪،‬‬
‫وفي هذه السهولة سر قوته" (‪ ،)70‬لقد فهم لوبون أن عظمة اإلسالم‬
‫محمدا بعقيدته في التوحيد الذي أصر عليه منذ‬ ‫ً‬ ‫في "التوحيد"‪ ،‬وأن‬
‫اللحظة األولى في نبوته‪ ،‬يجمع بين متمايزين‪ :‬هما اليسر والقوة‪.‬‬
‫ويؤكد مارسيل بوازار؛ أن التوحيد يضفي على اإلسالم أكثر صفاته‬
‫ً‬
‫تأصال‪ ،‬هي أنه "دين املطلق" (‪ ،)71‬به تستقيم حياة اإلنسان "املتغير"‪،‬‬
‫فال يفقد هذا اإلنسان راحته وال يضل مسعاه في األرض‪ ،‬إال في‬
‫اللحظة التي يغادره فيها يقينه بالتوحيد الذي هو أخص خصائص‬
‫الدين الحق‪.‬‬
‫ُ‬
‫ويرى ه‪ .‬ج‪ .‬ولز؛ أن التوحيد هو فضيلة اإلسالم الكبر ‪ ،‬وكأنه يريد‬
‫ى‬
‫اإلشارة إلى تركيز اإلسالم على الربط املتين بين االعتقاد والعمل‪ ،‬إذ‬
‫يقول أن التوحيد ليس الفضيلة الكبرى الوحيدة في اإلسالم‪ ،‬إنما‬
‫‪78‬‬
‫د‪ .‬حسين صبري‬ ‫إنسانية محمد‬

‫يعادله فضيلة كبرى أخرى هي "تبادل الرفق والرعاية بين الناس في‬
‫الحياة اليومية" (‪ ،)72‬ألن التوحيد يؤلف النوايا واألعمال والقيم‬
‫والرؤى واللسان والجوارح ويجمعها في رباط وثيق مع هللا الواحد‪ ،‬مما‬
‫دائما بأن معه الخالق‪ ،‬يسمع ويرى‪،‬‬ ‫يجعل في اإلنسان شعو ًرا ً‬
‫ويدفعه إلفشاء الرحمة والسالم بين الناس كلها‪ ،‬وقد فهمت كارين‬
‫أرمسترونج؛ املعنى نفسه حين تقول " لم يكن التوحيد مجرد تأكيد‬
‫عيني ملا فوق الطبيعة عن وحدانية املقدس‪ ،‬وإنما هو مثل كل تعاليم‬
‫ٌ‬ ‫ٌ‬
‫القرآن دعوة للعمل" (‪ ،)73‬فالتوحيد رغم أنه ‪ -‬في األساس ‪ -‬عقيدة‬
‫ٌ‬ ‫ٌ‬
‫موجهة للسلوك والخلق ومحد ِّدة إلنسانية من يؤمن بها‬‫قلبية‪ ،‬لكنها ِّ‬
‫ٌ‬
‫عظيم‪ ،‬وأنه‬ ‫مخلصا‪ ،‬لهذا يعتبر جاك ريسلر؛ أن التوحيد ٌ‬
‫عمل‬ ‫ً‬
‫"حقق في أقصر أجل أعظم أمل لحياة إنسانية" (‪ ،)74‬ويمض ي‬
‫بوسورث سميث؛ ألبعد من هذا الحد‪ ،‬حيث يؤمن أن جوهر اعتقاد‬
‫محمد والذي جعله اإلنسان النموذج ومنح دينه حيويته التي ال‬
‫تنضب هو " االعتقاد الذي يسمو فوق كافة االعتقادات بأن هللا‬
‫واحد" (‪ ،)75‬ألنه ليس ضرورًيا إلقرار اإليمان في النفس وحسب‪ ،‬وإنما‬
‫يمنح هذا االعتقاد مع اإليمان "القوة والثقة والسمو فوق زالت‬
‫التحيز والتورط" (‪ ،)76‬لهذا السبب فإن املؤمن املوحد هلل تعالى دون‬
‫أن تشوب توحيده شائبة؛ يتحلى بالنزاهة والحيدة ويتالفى شبهات‬
‫التحيز واندفاعات الهوى‪ ،‬ألنه يتعالى باإلنسان إلى مراتب اإلحسان‪،‬‬
‫‪79‬‬
‫د‪ .‬حسين صبري‬ ‫إنسانية محمد‬

‫جيدا أن هللا يسمع ويرى‬ ‫يفعل أو يقو ُل ً‬


‫شيئا إال وهو يد ك ً‬ ‫حيث ال ُ‬
‫ر‬
‫ما يقول وما يفعل‪.‬‬
‫ينتقل بنا هذا الشاهد عبر جهد منهجي تحليلي‪ ،‬يؤسس لتصنيف آخر‬
‫ُيضاف إلى ما سبقه من معايير‪ ،‬امللفت أن هذا الجهد يمثل إجما ًعا‬
‫تقر‬‫آخر اتسقت فيه تحليالت علماء متمايزين‪ ،‬على معيارية إنسانية ُّ‬
‫بالكمال العقلي النفس ي االجتماعي واألخالقي في إنسانية واحد من‬
‫الناس‪ ،‬وفي صورة لم تتوفر ألحد من قبل‪.‬‬
‫من أبرز ما تضمنه هذا االجماع من معايير‪ ،‬ما يلي‪:‬‬
‫الثبات على املبدأ‪:‬‬
‫فلم يؤخذ على محمد التقلب املزاجي‪ ،‬أو االنفعال السريع‪ ،‬أو التغير‬
‫ً‬ ‫بأغيار الناس وتقلباتهم وتباين أحوالهم‪ ،‬فلم ْ‬
‫يغب عن خاطره لحظة‬
‫ً‬
‫واحدة ما عليه من واجب البالغ‪ ،‬لهذا فإنه "تبني موقفه مرة واحدة‬
‫وإلى األبد" (‪ ،)77‬رغم أنه وحتى الساعات األخيرة في حياته قد واجه‬
‫صعوبات جمة‪ ،‬لكنه لم يدع هذا املبدأ ينفلت من عقاله مرة من‬
‫املرات‪ ،‬وهو "إبالغ رسالة هللا إلى الناس بكل ما يملك من قوة" (‪،)78‬‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫ويدل ذلك داللة واضحة أن الدنيا بكافة مغرياتها ما كانت في قلبه‪،‬‬
‫وذاك "أعظم دليل على تجرده من عرض الدنيا" (‪ ،)79‬وليعطي مبدأه‬
‫ً‬
‫ومقنعا " كان أول‬ ‫ومؤث ًرا‬ ‫ا‬ ‫ً‬
‫مشاهد‬ ‫رو ًحا تحييه بين الناس وتجعله‬
‫ِّ‬
‫املؤمنين ثم أهل بيته‪ ،‬وكان يشعر بالرضا التام عن هذا التحول إلى‬
‫‪80‬‬
‫د‪ .‬حسين صبري‬ ‫إنسانية محمد‬

‫اإليمان الخالص" (‪ ،)80‬حيث أسس املبدأ ثم طبقه قبل أن يبل ُ‬


‫غه‬
‫للناس‪ ،‬في ترجمة حقيقية لقاعدة "ابدأ بنفسك"‪ ،‬وهكذا هم‬
‫ُ‬ ‫ُ‬
‫الناس إليهم وهم يرونهم يفعلون‪ ،‬ما يأمرون‬ ‫الصادقون‪ ،‬يطمئن‬
‫به الناس‪.‬‬
‫اإلخالص‪:‬‬
‫يصف توماس كارليل في كتابه "محمد املثل األعلى" إخالص محمد‪،‬‬
‫عميق كبير‪ ،‬ويعتبر هذا اإلخالص " أول خواص الرجل‬ ‫ٌ‬ ‫بأنه ٌ‬
‫حر‬
‫العظيم" (‪ ،)81‬ولعل األسباب التي أوصلت فهم الناس لحقيقة‬
‫اإلخالص في إنسانية محمد إلى هذا الحد‪ ،‬وهذا الوصف‪ ،‬لم تكن‬
‫ُ‬ ‫ً‬
‫مقصورة على واحد من علماء الغرب‪ ،‬وإنما أدركها عامة املنصفين‬
‫منهم وغير املنصفين‪ ،‬يقرر نيكلسون " أنا أشعر ومقتنع ً‬
‫تماما ‪-‬‬
‫ً‬
‫مفسدا وال عصابياً‬ ‫ً‬ ‫ً‬
‫محمدا لم يكن محتاال وال‬ ‫وجداني وعقلي ‪ -‬بأن‬
‫ً‬
‫اجتماعيا"‪ ،‬إلى أن يصل بهذا الشعور وذاك االقتناع إلى‬ ‫ً‬
‫مصلحا‬ ‫وال‬
‫محمدا كان منذ اللحظة األولى وفي جميع األحوال " ً‬
‫مؤمنا مخلصا‬ ‫ً‬ ‫أن‬
‫نزل عليه الوحي‪ ،‬شأنه شأن كل األنبياء"(‪ )82‬إنه يرى "النبوة" تتحقق‬
‫بثالثة أشراط مجتمعة‪ ،‬وقد نالها محمد ﷺ‪ ،‬في‪:‬‬
‫‪ -‬اإليمان الذي ال ينقطع أو يفتر برسالته‬
‫‪ -‬واإلخالص‬
‫‪ -‬والتأييد بوحي السماء‬
‫‪81‬‬
‫د‪ .‬حسين صبري‬ ‫إنسانية محمد‬

‫املسئولية‪:‬‬
‫لقد استطاع محمد أن يحول املسئولية من فكرة وقيمة وغاية إلى‬
‫"ممارسة"‪ ،‬حتى صار لها معيارية في الحكم على األفعال واملواقف‬
‫ً‬
‫والناس‪ ،‬فانتقاها الباحثون معيارا للحكم على إنسانية أعظم‬
‫البشر‪ ،‬يعتبر مايكل هارت أن مسئولية محمد لم تكن عن نفسه‬
‫وأهل بيته وعشيرته أو دولته‪ ،‬وإنما عن دين وإنسانية‪ ،‬الدين الذي‬
‫ختم به هللا تعالى رسالة األنبياء‪ ،‬واإلنسانية في الناس كافة‪ ،‬حيث "‬
‫إن القرآن الكريم قد نزل عليه وحده" (‪ ،)83‬فكان املسئول األول‬
‫واألوحد عن دين اإلسالم‪ ،‬وعن أصول املعاملة بين الناس‪ ،‬لذا كان‬
‫محمد يطلب من املسلمين " أن يظلوا على وعي دائم بوجود هللا‬
‫وخشية الحساب بعد املوت" (‪ ،)84‬فإن ً‬
‫كثيرا من موبقات هذا العصر؛‬
‫إنما سببها األكبر هو غياب الوعي بما سيصير إليه اإلنسان بعد‬
‫املوت‪ ،‬يبدو أن "الثورة املعرفية الهائلة" والتطور املعلوماتي‬
‫لحظيا وبسرعة مخيفة‪ ،‬يبدو أن هذا كله‬‫ً‬ ‫والتكنولوجي الذي يزداد‬
‫قد غيب ‪ -‬على عكس ما يريد العقالء ‪ -‬قدرات اإلنسان في التأمل‬
‫واملحاسبة واملراجعة‪ ،‬فغاب معها شعوره بمسئوليته‪ ،‬حتى أن‬
‫اجا بين الناس‪ ،‬ربما بالقدر الذي تتطور‬‫اإلفساد صار هو األكثر رو ً‬
‫تتقدم التكنولوجيا‪ ،‬بل أصبح هناك ما يمكن تسميته‬ ‫به املعرفة و َّ‬
‫بظاهرة "استحسان الفساد" والتباهي بفعله وتبريره‪ ،‬وتغير مفهوم‬
‫‪82‬‬
‫د‪ .‬حسين صبري‬ ‫إنسانية محمد‬

‫"اإلتقان" في العمل إلى مسارات أخرى غير ما يجب أن يكون عليه‪،‬‬


‫نتيجة لذلك غاب عن اإلنسان؛ وعيه بإنسانيته وانشغاله بمصيره‪،‬‬
‫ٌ‬ ‫لهذا ُتبص ُرنا شر ُ‬
‫ائع السماء كلها " أن مصير اإلنسان النهائي متوقف‬ ‫ِّ‬
‫على اإلنسان نفسه" (‪ ،)85‬فليس هناك ما يحدد لإلنسان مصيره إال‬
‫نواياه وفعله وسعيه وأثره في الناس‪ ،‬وليس في هذا مخالفة إلرادة هللا‪،‬‬
‫بل فيه داللة على "تطابق اإلرادة اإلنسانية مع إرادة الخالق" (‪،)86‬‬
‫فمسئولية كل إنسان هي نتاج طبيعي إلراداته‪.‬‬
‫التوسط الخلقي‪:‬‬
‫قليل من البشر؛ من يستطيعون الجمع بيسر بين املتمايزين حد‬ ‫ٌ‬
‫التناقض؛ في الرؤى واألفعال والصفات واألخالق‪ ،‬حتى يوجدوا بينهما‬
‫انسجاما يحقق أعلى درجات االتساق‪ ،‬من ذلك ما يحدث من تصارع‬ ‫ً‬
‫املثالية والواقعية في السياسة والفلسفة واألدب وسائر مجاالت‬
‫وجود ملثل هذه‬ ‫ٌ‬ ‫الفكر‪ ،‬ولم يكن هناك في سيرة محمد كلها‬
‫سانيا في اإليمان‬ ‫ً‬
‫نموذجا إن ً‬ ‫التصارعات‪ ،‬إذ كان طموحه أن يوجد‬
‫بعض قصيري النظر أن يعتقدوا أن‬ ‫تفرد ٌ‬
‫وتميز‪ ،‬ما دفع ُ‬ ‫والعمل‪ ،‬له ٌ‬
‫ً‬
‫محمدا لم يجنح إلى املثالية‬ ‫ً‬
‫محمدا يميل إلى املثالية‪ ،‬والحقيقة أن‬
‫تماما حتى يستغرقه الخيال وينفصل عن واقعه في وجود افتراض ي ال‬ ‫ً‬
‫عالقة له بحياة الناس وأحوالهم‪ ،‬ولم يجنح إلى الواقعية ً‬
‫تماما حتى‬
‫تستغرقه تفاصيل األحداث فيفقد القدرة على الرؤية والضبط‬
‫‪83‬‬
‫د‪ .‬حسين صبري‬ ‫إنسانية محمد‬

‫والتقييم‪ ،‬فإن دينه قد "ارتفع شأنه على النحو الذي بلغه‪ ،‬ولو كان‬
‫ً‬
‫خياال ملحمد وصحابته وأتباعه ملا تحقق له ما تحقق حتى اآلن" (‪،)87‬‬
‫وكان همه منصبا نحو "تجديد الثقافة الزائفة والباطل والغرور" (‪،)88‬‬
‫ٌ‬
‫إنجاز‬ ‫التي سادت جزيرة العرب والعالم‪ ،‬وتحقق له في مدى قصير‬
‫كبير؛ هو التوسط بين املثالية والواقعية‪ ،‬أو لنقل الجمع بينهما في‬
‫محمد في اقتالع الزيف والباطل والغرور‪،‬‬ ‫ٌ‬ ‫امتزاج فريد‪ ،‬نجح فيه‬
‫وتوكيد اإليمان واإلخالص والخيرية في نفوس من آمنوا برسالته‪،‬‬
‫منا بعد زمن‪ ،‬ولم يتراجع‪ ،‬بل يمتد ً‬
‫يوما‬ ‫سببا في امتداد دينه ً‬ ‫فكان ً‬
‫ز‬
‫بعد يوم‪.‬‬
‫صنع محمد في "التوسط الخلقي" الذي اتخذه مسا ًرا لدعوته‪ ،‬جملة‬
‫من األسس‪ ،‬هي "معايير" تزن قدر إنسانيته‪ ،‬وهي أكثر من أن‬
‫نحصيها‪ ،‬ظلت موضع اهتمام الباحثين واستحوذت على اهتمامات‬
‫املستشرقين ممن أنصفوا‪ ،‬في هذه املعايير؛ املدخل اآلمن الذي‬
‫مضيئا إلنفاذ رسالته وهو مدخل‬ ‫ً‬ ‫ارتضاه محمد لنفسه م ْعب ًرا‬
‫"الصدق"‪ ،‬الذي استعصم به حتى وثق كل من تعامل معه أو اتبع‬
‫ً‬
‫دعوته من صدقه‪ ،‬لهذا نجد توماس كارليل يطرح مستنكرا؛ ليدلل‬
‫على صدق محمد‪:‬‬
‫كاذبا يستطيع أن يوجد ً‬ ‫جال ً‬ ‫ً‬
‫دينا وينشره (‪ )89‬؟!‬ ‫‪ -‬هل رأيتم قط أن ر‬

‫‪84‬‬
‫د‪ .‬حسين صبري‬ ‫إنسانية محمد‬

‫في هذه املعايير؛ ما يرويه "ليمان" ما أجمع عليه مؤرخو السيرة في‬
‫نشأة النبي وتربيته وميله للخلوة والتأمل وتدبر أحوال الناس‬
‫ٌ‬ ‫َّ‬
‫والكون‪ ،‬فيقرر أن آيات القرآن التي بلغها محمد "تنتقد التكبر‬
‫واألنانية" (‪ ،)90‬في إشارة إلى ما اتصف به خلق محمد من تواضع لم‬
‫ُ‬ ‫ُ‬
‫واالمتثال اللذين وجدهما بين جموع من آمن به‪.‬‬ ‫تغيره الطاعة‬
‫في هذه املعايير؛ ما يقرره املستشرق ه‪ .‬ج‪ .‬ولز‪ ،‬أن تعاليم محمد‬
‫أسست في العالم تقاليد عظيمة للمعاملة الكريمة بين الناس‪ ،‬حيث‬
‫إنها "تنفخ في الناس روح الكرم والسماحة‪ ،‬كما أنها إنسانية السمة‬
‫مجتمعا أكثر تحر ًرا من أي مجتمع آخر‬
‫ً‬ ‫ممكنة التنفيذ‪ ،‬وقد أنشأت‬
‫سبقه" (‪ ،)91‬فما كان لهذا املجتمع أن يبلغ تلك املرتبة من التحرر‬
‫اإلنساني لوال ما كان عليه محمد من حماس وإيجابية‪ ،‬حتى أنه "ما‬
‫وعرف عنه نقاؤه‬ ‫يوما من طفولته إلى أن القى ربه" (‪ُ ،)92‬‬
‫عرف الكسل ً‬
‫إلى الدرجة التي كان فيها الباطن عنده أهم من الظاهر والخفي أفضل‬
‫من املرئي‪ ،‬ويعلل "إميل درمنجهم" هذا املعيار بمسببات أخرى أدت‬
‫محمدا " كان ذا قلب خال من الكذب والغش والغرور‬ ‫ً‬ ‫إليه‪ ،‬هي أن‬
‫ولم يترك العروة الوثقى بعد أن استمسك بها" (‪ ،)93‬وظل هذا النقاء‬
‫سببا في أن ال ينفصل عن حياة الناس‬ ‫قلب محمد ً‬ ‫الذي أوتيه ُ‬
‫واحدا منهم‪ ،‬يفرحه ما يفرحهم‬ ‫وأفراحهم وأتراحهم‪ ،‬بل جعله هذا ً‬
‫ويؤمله ما يؤملهم‪ ،‬وكان "يقدر الفجيعة‪ ،‬ويستشعر وحشة اليتم" (‪،)94‬‬
‫‪85‬‬
‫د‪ .‬حسين صبري‬ ‫إنسانية محمد‬

‫ألن اليتم الذي عاشه منذ مولده‪ ،‬أمده بإحساس مرهف بآالم الناس‬
‫ّ‬ ‫ً‬
‫وأوجاعهم‪ ،‬وغالبا فإن الوجع يصهرصاحبه وينقيه ويكشف له ما‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫ال ينكشف لغيره‪ ،‬بل يهبه عقال متوقدا بالذكاء منشغال باملعرفة‪،‬‬
‫وهذا مما جعل سعيه المتالك املعرفة ال يفارقه‪ ،‬فقد تيقن أن إيمانه‬
‫يشتد وينمو ويزيد بنمو معرفته‪ ،‬فهي ما تنير من أمامه "درب اإليمان"‬
‫(‪ ،)95‬لهذا تمحورت جميع أفكاره وأفعاله صوب وجهة واحدة هي‪:‬‬
‫"اإلصالح الديني" (‪ ،)96‬ورغم ما انزلق إليه بعض املستشرقين من‬
‫ً‬
‫نموذجا من نماذج اإلصالح الديني‪ ،‬كالتي‬ ‫خطأ اعتبار النبي محمد‬
‫ً‬
‫عرفتها أوروبا‪ ،‬رغم ذلك‪ ،‬لم تكن عنايته باإلصالح إال ألن فكرة قد‬
‫استحوذت على همته‪ ،‬هي أن يتم هذا اإلصالح من أجل "إنهاء هذا‬
‫الوجود املؤلم للغاية املليء بالحيرة‪ ،‬الذي كان فيه العرب" (‪ ،)97‬فقد‬
‫تيقن أن اإلنسان بقدر ما يبتعد عن إيمانه السوي باهلل‪ ،‬بقدر ما‬
‫ّ‬
‫ُي ْس ِّلم عقله لسيطرة الخرافة‪ ،‬فال تنمو الخر افات أو تتخلق‪ ،‬إال‬
‫عاية من عقو ٍل فقدت يقينها باهلل‪.‬‬
‫بر ٍ‬
‫إن ما يثير االنتباه لدى كثير من مستشرقي الغرب‪ ،‬أن هذه الصفات‬
‫"املعايير" لم ينقطع أثرها بين الناس إلى اليوم‪ ،‬من آمن بدعوة محمد‬
‫ومن لم يؤمن‪ ،‬ربما لذلك يقول رودينسون‪:‬‬
‫‪ -‬كانت حياة محمد قد انتهت في الوقت الذي كانت عظمته تبدأ‪)98( .‬‬

‫‪86‬‬
‫د‪ .‬حسين صبري‬ ‫إنسانية محمد‬

‫ورغم تحفظنا على محدودية التصور والتعبير في تلك العبارة‪ ،‬ألن‬


‫عظمة محمد ما فارقته منذ مولده‪ ،‬لكن رب أن ما قصد صاحب‬
‫العبارة من عبارته إال "األثر"‪ٌ ،‬‬
‫وكثير ممن يفاضل في اإلنسانية بين‬
‫الناس‪ ،‬يقيم املفاضلة وفق هذا املعيار‪ ،‬لهذا يقول ديور انت‪:‬‬
‫ً‬
‫محمدا‬ ‫‪ -‬إذا ما حكمنا بما كان للعظيم من أثر في الناس‪ ،‬قلنا إن‬
‫كان من أعظم عظماء التاريخ‪)99( .‬‬
‫ُ‬
‫هذا مما اتفق عليه باحثون كثر من الغرب‪ ،‬ألن عظمة محمد بلغت‬
‫درجة الكمال اإلنساني في كل صفة "منفردة" من صفاتها‪ ،‬ويتضاعف‬
‫اإلعجاز والتفرد في هذا الكمال‪ ،‬وداللته على االتساق املدهش‪،‬‬
‫ولعله التوسط بين صفات هي "معايير" في حكم املتقابالت‬
‫املتمايزات‪ ،‬كالرضا والغضب‪ ،‬والرحمة والشدة‪ ،‬والقدوة والعفو‪،‬‬
‫والخلوة واملشاركة‪ ،‬وغيرها من أوجه التمايز‪ ،‬لذلك يقول الصوفي‬
‫الهندي راما كريشنا‪:‬‬
‫‪ -‬إن من الصعوبة بمكان أن تلم بالحقائق املكونة لشخصية‬
‫محمد‪ ،‬ما نقدر عليه أن نمسك ببعض ملحاتها‪ ،‬يا له من تعاقب‬
‫للسمات املكونة لتلك الشخصية‪ ،‬إذ نجد محمد الرسول‪ ،‬محمد‬
‫املحارب‪ ،‬محمد اإلداري‪ ،‬محمد رجل الدولة‪ ،‬محمد املفوه‪ ،‬محمد‬
‫ُ‬
‫املصلح‪ ،‬محمد ملجأ اليتامى‪ ،‬محمد حامي العبيد‪ ،‬محمد محرر‬
‫املرأة‪ ،‬محمد القاض ي‪ ،‬محمد العابد‪ ،)100( .‬فحيثما تكون هذه‬
‫‪87‬‬
‫د‪ .‬حسين صبري‬ ‫إنسانية محمد‬

‫ً‬
‫الصفات مجتمعة متسقة متناغمة متجسدة في إنسان واحد‪ ،‬حتما‬
‫والبد أن يكون " ٌ‬
‫محمد" هو املقصود‪ ،‬ال أحد سواه‪.‬‬

‫•‬ ‫•‬ ‫•‬ ‫•‬


‫بنظرة فاحصة؛ نجد أن هذه الشواهد‪ ،‬التي هي على سبيل املثال ال‬
‫تصدت لبحث سيرة‬ ‫الحصر‪ ،‬تم انتقاؤها من جملة الدراسات التي َّ‬
‫النبي‪ ،‬وكان االنتقاء بقدر ما توفر للبحث من مصادر ومراجع‪ ،‬عربية‬
‫وأجنبية‪.‬‬
‫إذ نالحظ أن هذه الشواهد يسودها التمايزمن حيث‪:‬‬
‫‪ ‬أصحابها‪ ،‬أزمانهم‪ ،‬بيئاتهم‪ ،‬ثقافاتهم‪ ،‬دياناتهم‪ ،‬وتوجهاتهم‬
‫الفكرية‪.‬‬
‫ويسودها االتساق في‪:‬‬
‫‪ ‬منهجها‪ ،‬غايتها‪ ،‬وإيجابية حكمها في تقدير إنسانية محمد‪.‬‬
‫كما نالحظ ونفهم أن هذه الشواهد تصنف الصفات "املعايير" املعبرة‬
‫ً‬
‫واجتماعيا‪ ،‬بحيث‬ ‫نفسيا‪ً ،‬‬
‫عقليا‪،‬‬ ‫ً‬ ‫عن إنسانية محمد ﷺ؛ ُخ ً‬
‫لقيا‪،‬‬
‫يصعب أن نجد معيا ً ا ً‬
‫واحدا منها ال يستوعب هذه األبعاد األربعة‬ ‫ر‬
‫مجتمعة في نسق إنساني واحد‪ ،‬له تميزه عن كل أفراد اإلنسان‪.‬‬
‫•‬ ‫•‬ ‫•‬ ‫•‬

‫‪88‬‬
‫د‪ .‬حسين صبري‬ ‫إنسانية محمد‬

‫ً‬
‫عند هذه النقطة من الدراسة‪ ،‬ووفقا ملقتضيات البحث العلمي‪،‬‬
‫يتبادر إلى الذهن‪ ،‬السؤال املنطقي التالي‪:‬‬

‫‪ -‬كيف ومع هذه الدرجة من االتساق في الحكم بأفضلية محمد‬


‫دون سواه من الناس؛ نجد ُحكما آخرمخالفا له‪ ،‬بل ومناقضا كل‬
‫طائفة من الباحثين‪ ،‬على مستوى عموم الحكم‪،‬‬
‫ٍ‬ ‫التناقض‪ ،‬لدى‬
‫أو على مستوى جزئياته؟‬

‫‪ o‬فما الذي يمكن أن يوصل البحث والباحثين إلى مثل هذا‬


‫التناقض في الحكم؟‬
‫‪ o‬وهل يعود هذا التناقص إلى "موضوع الحكم" وهو سيرة النبي في‬
‫مادتها ومصادرها العلمية والتاريخية ودقتها وإسنادها وصحتها‬
‫ومنهجيتها‪ ،‬أم يعود إلى "الباحثين" أصحاب هذه األحكام من‬
‫تصدوا لفحص وتدقيق وفهم موضوع‬ ‫العلماء واملفكرين الذين َّ‬
‫الحكم وهو "إنسانية محمد"؟‬

‫إجابة هذا السؤال؛ هو ما سيتعهد به القسم التالي من دراستنا‪،‬‬


‫لفحصه وتحليله‪.‬‬

‫‪89‬‬
‫د‪ .‬حسين صبري‬ ‫إنسانية محمد‬

‫هوامش القسم األول‪:‬‬


‫(‪ )1‬عبد الحليم محمود‪ :‬القرآن والنبي‪ ،‬دار المعارف‪ ،‬القاهرة‪ ،‬ط ‪ ،2002 ،4‬ص ‪195:196‬‬
‫(‪ )2‬مسلم بن الحجاج النيسابوري‪ :‬صحيح مسلم‪ ،‬تحقيق‪ :‬أبو صهيب الكرمي‪ ،‬بيت األفكار الدولية‬
‫للنشر والتوزيع‪ ،‬الرياض‪،‬‬
‫ط ‪ ،1998‬كتاب الصالة‪ ،‬باب جامع صالة الليل‪ ،‬حديث رقم ‪ ،746‬ص ‪293‬‬
‫‪(3) Willim Muir: Life of Mahomet, Smith, Elder and Co., 65. Cornhill,‬‬
‫‪London, 1861, Volum 1, P. ii.‬‬
‫ومحمد حسين هيكل‪ :‬حياة محمد‪ ،‬دار المعارف‪ ،‬القاهرة‪ ،‬ط ‪ ،14‬ص ‪37‬‬
‫ووحيد الدين خان‪ :‬اإلسالم يتحدى‪ ،‬ترجمة‪ :‬ظفر الدين خان‪ ،‬مكتبة الرسالة‪ ،‬ص ‪161‬‬
‫)‪ (4‬نصر حامد أبو زيد‪ :‬مفهوم النص «دراسة في علوم القرآن»‪ ،‬المركز الثقافي العربي‪ ،‬الدار‬
‫البيضاء‪ ،‬ط ‪ ،2014 ،1‬ص ‪9‬‬
‫)‪ )5‬كارين أرمسترونج‪ :‬سيرة النبي محمد‪ ،‬ترجمة‪ :‬فاطمة نصر ومحمد عناني‪ ،‬شركة سطور‪،‬‬
‫القاهرة‪ ،‬ط ‪ ،1998 ،2‬ص ‪132‬‬
‫‪(6) Reynold A. Nicholson: A Literary history of the Arabs, London, T. Fisher‬‬
‫‪Unwin, Adelphi Terrace, 1907, P 141‬‬
‫‪(7) Emile Dermengham: The Life of Mahomet, George Routledge & Sons,‬‬
‫‪LTD, London, 1930, P. 246‬‬
‫(‪ )8‬األلوسي ‪ :‬روح المعاني‪ ،‬تحيق‪ :‬إدارة المطابع األميرية‪ ،‬دار إحياء التراث العربي‪ ،‬بيروت‪ ،‬حـ‬
‫‪ ،29‬ص ‪150‬‬
‫(‪ )9‬محمد ناصر الدين األلباني‪ :‬سلسلة األحاديث الصحيحة‪ ،‬مكتبة المعارف للنشر والتوزيع‪،‬‬
‫الرياض‪ ،‬ط ‪ ،1995‬المجلد الثالث‪ ،‬حديث رقم ‪ ،1496‬ص ‪483‬‬

‫‪90‬‬
‫د‪ .‬حسين صبري‬ ‫إنسانية محمد‬

‫(‪ )10‬أحمد مختار عمر‪ :‬معجم اللغة العربية المعاصرة‪ ،‬عالم الكتب‪ ،‬القاهرة‪ ،‬ط ‪ ،2008 ،1‬ص‬
‫‪130‬‬
‫(‪ )11‬إبراهيم مدكور‪ :‬المعجم الفلسفي‪ ،‬الهيئة العامة لشئون المطابع األميرية‪ ،‬القاهرة‪ ،‬ط ‪،1983‬‬
‫ص ‪25‬‬
‫وأندريه الالند‪ :‬الموسوعة الفلسفية‪ ،‬تعريب‪ :‬خليل أحمد خليل‪ ،‬منشورات عويدات‪ ،‬بيروت‪ ،‬ط ‪،2‬‬
‫‪ ،2001‬ص ‪570‬‬
‫(‪ )12‬شوقي ضيف وآخرون‪ :‬المعجم الوسيط‪ ،‬مكتبة الشروق الدولية‪ ،‬القاهرة‪ ،‬ط ‪ ،2000 ،4‬باب‬
‫األلف‪ ،‬ص ‪30‬‬
‫(‪ )13‬ابن خلدون‪ :‬المقدمة‪ ،‬تحقيق‪ :‬عبد اهلل محمد الدرويش‪ ،‬دار يعرب‪ ،‬دمشق‪ ،‬ط ‪ ،2004 ،1‬جـ‬
‫‪ ،2‬ص ‪158‬‬
‫(‪ )14‬الكسيس كاربل‪ :‬اإلنسان ذلك المجهول‪ ،‬ترجمة‪ :‬عادل شفيق‪ ،‬الدار القومية للطباعة والنشر‪،‬‬
‫ص ‪13‬‬
‫(‪ )15‬توشيهيكو إيزوتسو‪ :‬اهلل واإلنسان في القرآن‪ ،‬ترجمة‪ :‬هالل محمد الجهاد‪ ،‬مركز دراسات‬
‫الوحدة العربية‪ ،‬بيروت‪ ،‬ط ‪ ،2007 ،1‬ص ‪128‬‬
‫(‪ )16‬ابن إسحاق‪ :‬السيرة النبوية‪ ،‬تحقيق‪ :‬أحمد فريد المزيدي‪ ،‬دار الكتب العلمية‪ ،‬بيروت‪ ،‬ط ‪،1‬‬
‫‪ ،2004‬جـ ‪ ،1‬ص ‪102‬‬
‫(‪ )17‬ابن سعد‪ :‬الطبقات الكبير‪ :‬تحقيق‪ :‬علي محمد عمر‪ :‬مكتبة الخانجي‪ :‬القاهرة‪ ،‬ط ‪،2001 ،1‬‬
‫جـ ‪ ،1‬ص ‪95‬‬
‫(‪ )18‬ابن هشام‪ :‬السيرة النبوية‪ ،‬تحقيق‪ :‬مصطفى السقا وآخرون‪ ،‬دار إحياء التراث العربي‪ ،‬بيروت‪،‬‬
‫جـ ‪ ،1‬ص ‪200:201‬‬
‫(‪ )19‬ابن سعد‪ :‬الطبقات الكبرى‪ ،‬جـ ‪ ،1‬ص ‪109‬‬
‫(‪ )20‬ابن إسحاق‪ :‬كتاب السير والمغازي‪ ،‬تحقيق‪ :‬سهيل زكار‪ ،‬دار الفكر‪ ،‬دمشق‪ ،‬ط ‪،1978 ،1‬‬
‫ص ‪132‬‬
‫‪91‬‬
‫د‪ .‬حسين صبري‬ ‫إنسانية محمد‬

‫(‪ )21‬البخاري‪ :‬الجامع الصحيح‪ ،‬المجلد الثالث‪ ،‬حديث رقم ‪ ،4953‬ص ‪327‬‬
‫وابن عبد البر‪ :‬الدرر في اختصاص المغازي والسير‪ ،‬تحقيق‪ :‬شوقي ضيف‪ ،‬دار المعارف‪ ،‬القاهرة‪،‬‬
‫طـ ‪ ،1991 ،3‬ص ‪32‬‬
‫(‪ )22‬محب الدين الطبري‪ :‬خالصة سيد البشر‪ ،‬تحقيق‪ :‬محمد عبد الغفار خان‪ ،‬مطبوعات دائرة‬
‫المعارف العثمانية‪ ،‬ط ‪ ،2005‬ص ‪106:107‬‬
‫(‪ )23‬مسلم‪ :‬صحيح مسلم‪ ،‬كتاب الفضائل‪ ،‬حديث رقم ‪ ،2327 / 77‬ص ‪950‬‬
‫واألصبهاني‪ :‬أخالق النبي‪ ،‬تحقيق‪ :‬صالح بن محمد الونيان‪ ،‬دار المسلم للنشر والتوزيع‪ ،‬الرياض‪،‬‬
‫السعودية‪ ،‬ط ‪ ،1998 ،1‬ص ‪34‬‬
‫(‪ )24‬محب الدين الطبري‪ :‬خالصة سيد البشر‪ ،‬ص ‪64:65‬‬
‫(‪ )25‬الترمذي‪ :‬الشمائل المحمدية‪ ،‬تحقيقك محمد عبد العزيز الخالدي‪ ،‬دار الكتب العلمية‪ ،‬بيروت‪،‬‬
‫ط ‪ ،2006 ،3‬حديث رقم ‪ ،348‬ص ‪157:158‬‬
‫(‪ )26‬البخاري‪ :‬الجامع الصحيح‪ ،‬جـ ا‪ ،‬كتاب «بدء الوحي» حديث رقم ‪ ،3‬ص ‪14‬‬
‫(‪ )27‬أبو الفضيل عياض‪ :‬الشفا‪ ،‬تحقيق‪ :‬عبده علي كوشك‪ ،‬جائزة دبي الدولية للقرآن الكريم‪ ،‬دولة‬
‫اإلمارات العربية المتحدة‪ ،‬ط ‪ ،2013 ،1‬ص ‪203‬‬
‫(‪ )28‬ابن سيد الناس‪ :‬عيون األثر‪ ،‬تحقيق‪ :‬محمد العيد الخطراوي ومحي الدين متو‪ ،‬مكتبة دار‬
‫التراث‪ ،‬المدينة المنورة‪ ،‬جـ ‪ ،2‬ص ‪427‬‬
‫(‪ )29‬الزهري‪ :‬كتاب المغازي‪ ،‬تحقيق‪ :‬سهيل زكار‪ ،‬دار الفكر‪ ،‬دمشق‪ ،‬ط‪ ،1981 ،1‬ص ‪51‬‬
‫(‪ )30‬ابن هشام‪ :‬السيرة النبوية‪ ،‬جـ ‪ ،2‬ص ‪272‬‬
‫(‪ )31‬موسى بن عقبة‪ :‬المغازي‪ ،‬تحقيق‪ :‬محمد باقشيش أبو مالك‪ ،‬كلية اآلداب والعلوم اإلنسانية‪،‬‬
‫جامعة ابن زهير‪ ،‬أغادير‪ ،‬المملكة المغربية‪ ،‬ط ‪ ،1994‬ص ‪128‬‬
‫(‪ )32‬البخاري‪ :‬الجامع الصحيح‪ ،‬المجلد األول‪ ،‬باب «ما جاء في العلم»‪ ،‬حديث رقم ‪ ،63‬ص ‪39‬‬
‫(‪ )33‬موسى بن عقبة‪ :‬المغازي‪ ،‬ص ‪71‬‬

‫‪92‬‬
‫د‪ .‬حسين صبري‬ ‫إنسانية محمد‬

‫(‪ )34‬محمد بن محمد العواجي‪ :‬مرويات اإلمام الزهري‪ ،‬عمادة البحث العلمي‪ ،‬الجامعة اإلسالمية‪،‬‬
‫المدينة المنورة‪ ،‬و ازرة التعليم العالي‪ ،‬السعودية‪ ،‬رقم اإلصدار ‪ ،64‬ط ‪ ،2004 ،1‬جـ ‪ ،2‬ص ‪820‬‬
‫(‪ )35‬ابن سيد الناس‪ :‬عيون األثر‪ ،‬جـ ‪ ،2‬ص ‪228‬‬
‫(‪ )36‬محب الدين الطبري‪ :‬خالصة سيد البشر‪ ،‬ص ‪75‬‬
‫(‪ )37‬ابن سعد‪ :‬الطبقات الكبير‪ ،‬جـ ‪ ،15‬ص ‪39‬‬
‫(‪ )38‬البيهقي‪ :‬دالئل النبوة‪ ،‬تحقيق‪ :‬عبد المعطي قلعجي‪ ،‬دار الريان للتراث‪ ،‬القاهرة‪ ،‬ط ‪،1988 ،1‬‬
‫ص ‪330‬‬
‫(‪ )39‬موسى بن عقبة‪ :‬المغازي‪ ،‬ص ‪83‬‬
‫(‪ )40‬محمد بن محمد العواجي‪ :‬مرويات اإلمام الزهي‪ ،‬ص ‪717:718‬‬
‫(‪ )41‬البخاري‪ :‬الجامع الصحيح‪ ،‬المجلد األول‪ ،‬كتاب الوحي‪ ،‬حديث رقم ‪ ،6‬ص ‪16‬‬
‫(‪ )42‬ابن الجوزي‪ :‬الوفا بأحوال المصطفى‪ ،‬تحقيق‪ :‬محمد زهري النجار‪ ،‬المؤسسة السعيدية‪،‬‬
‫الرياض‪ ،‬جـ ‪ ،1‬ص ‪412‬‬
‫(‪ )43‬جالل الدين السيوطي‪ :‬الخصائص النبوية الكبرى‪ ،‬تحقيق‪ :‬عبد اهلل التليدي‪ ،‬دار البشائر‬
‫اإلسالمية‪ ،‬بيروت‪ ،‬ط ‪ 1410 ،2‬ه‪ ،‬جـ ‪ ،1‬ص ‪280‬‬
‫(‪ )44‬ابن هشام‪ :‬السيرة النبوية‪ ،‬جـ ‪ ،1‬ص ‪320‬‬
‫(‪ )45‬ابن هشام‪ :‬السيرة النبوية‪ ،‬جـ ‪ ،1‬ص ‪313:314‬‬
‫(‪ )46‬موسى بن عقبة‪ :‬المغازي‪ ،‬ص ‪141‬‬
‫(‪ )47‬أبو الفضل عياض‪ :‬الشفا‪ ،‬ص ‪104‬‬
‫(‪ )48‬نظمي لوقا‪ :‬محمد الرسالة والرسول‪ ،‬دار الكتاب العربي‪ ،‬القاهرة‪ ،‬ط ‪ ،1959 ،2‬ص‬
‫‪190:191‬‬
‫(‪ )49‬جارودي‪ :‬وعود اإلسالم‪ ،‬ترجمة‪ :‬ذوقان قرقوط‪ ،‬مكتبة مدبولي‪ ،‬القاهرة‪ ،‬ط ‪ ،1985 ،2‬ص‬
‫‪25‬‬

‫‪93‬‬
‫د‪ .‬حسين صبري‬ ‫إنسانية محمد‬

‫(‪ )50‬بودلي‪ :‬الرسول؛ حياة محمد‪ ،‬ترجمة‪ :‬محمد محمد فرج وعبد الحميد جورة السحار‪ ،‬مكتبة‬
‫مصر‪ ،‬القاهرة‪ ،‬ص ‪100‬‬
‫& ‪(51) Yusef Islam: The Life of the Last Prophetm Darussalam Publishers‬‬
‫‪Distributors, Riyadh, Saudi Arabi, P. 23‬‬
‫(‪ )52‬أحمد ديدات‪ :‬محمد الخليفة الطبيعي للمسيح‪ ،‬ترجمة‪ :‬رمضان الصفتاوي‪ ،‬دار النهضة للطباعة‬
‫اإلسالمية‪ ،‬القاهرة‪ ،1991 ،‬ص ‪65‬‬
‫(‪ )53‬محمد إقبال‪ :‬تجديد الفكر الديني‪ ،‬ترجمة‪ :‬محمد يوسف عدس‪ ،‬دار الكتاب المصري‪ ،‬القاهرة‪،‬‬
‫ط ‪ ،2011‬ص ‪15‬‬
‫(‪ )54‬وحيد الدين خان‪ :‬اإلسالم يتحدى‪ ،‬ترجمة‪ :‬ظفر الدين خان‪ ،‬مكتبة الرسالة‪ ،‬ص ‪160‬‬
‫‪(55) Ameer Ali Syed: The Spirit of Islam, Christophers, London, P. 112‬‬
‫(‪ )56‬حسين مؤنس‪ :‬تاريخ موجز للفكر العربي‪ ،‬دار الرشاد‪ ،‬القاهرة‪ ،‬ط ‪ ،1996 ،1‬ص ‪13‬‬
‫(‪ )57‬محمد أبو زهرة‪ :‬خاتم النبيين‪ ،‬دار الفكر العربي‪ ،‬ط ‪ ،2012‬ص ‪177‬‬
‫وعبد الرحمن الشرقاوي‪ :‬محمد رسول الحرية‪ ،‬دار الشروق‪ ،‬القاهرة‪ ،‬ط ‪ ،1990 ،1‬ص ‪356‬‬
‫(‪ )58‬محمد رأفت سعيد‪ :‬الرسول المعلم‪ ،‬دار الوفاة‪ ،‬المنصورة (مصر)‪ ،‬ط ‪ ،2002 ،1‬ص ‪40‬‬
‫(‪ )59‬على الطنطاوي‪ :‬سيد رجال التاريخ‪ ،‬دار المنارة للنشر والتوزيع‪ ،‬السعودية‪ ،‬ط ‪ ،2004‬ص‬
‫‪14‬‬
‫(‪ )60‬مصطفى محمود‪ :‬محمد‪ ،‬دار المعارف‪ ،‬القاهرة‪ ،‬ط ‪ ،1977 ،10‬ص ‪11‬‬
‫(‪ )61‬محمد حسين هيكل‪ :‬حياة محمد‪ ،‬دار المعارف‪ ،‬القاهرة‪ ،‬ط ‪ ،14‬ص ‪140‬‬
‫(‪ )62‬محمد رشيد رضا‪ :‬الوحي المحمدي‪ ،‬مؤسسة عز الدين للطباعة والنشر‪ ،‬بيروت‪ ،‬ط‪140 ،3‬‬
‫ه‪ ،‬ص ‪159‬‬
‫(‪ )63‬البخاري‪ :‬الجامع الصحيح‪ ،‬حديث رقم ‪ ،4406‬ص ‪ 174‬ومسلم‪ :‬صحيح مسلم حديث رقم‬
‫‪ ،1679‬ص ‪695‬‬
‫(‪ )64‬خالد محمد خالد‪ :‬إنسانيات محمد‪ ،‬المقطم للنشر والتوزيع‪ ،‬القاهرة‪ ،2004 ،‬ص ‪46‬‬
‫‪94‬‬
‫د‪ .‬حسين صبري‬ ‫إنسانية محمد‬

‫(‪ )65‬أكرم ضياء العمري‪ :‬الرسالة والرسول‪ ،‬ط ‪ ،1990 ،1‬ص ‪99‬‬
‫(‪ ) 66‬طه عبد الرحمن‪ ،‬سؤال األخالق‪ ،‬المركز الثقافي العربي‪ ،‬الدار البيضاء‪ ،‬المغرب‪ ،‬ط ‪،1‬‬
‫‪ 2000‬م‪ ،‬ص ‪197‬‬
‫(‪ )67‬سهيل زكار‪ :‬من مقدمة تحقيق كتاب المغازي للزهري‪ ،‬دار الفكر‪ ،‬دمشق‪ ،‬ط ‪ ،1981‬ص‬
‫‪17‬‬
‫(‪ )68‬عباس محمود العقاد‪ :‬عبقرية محمد‪ ،‬نهضة مصر للطباعة والنشر والتوزيع‪ ،‬القاهرة‪ ،‬ص ‪81‬‬
‫‪(69) Washington Irving: Lives of Mohamet, Baudry’s Avropean Library,‬‬
‫‪Paris, 1850, P. 21‬‬
‫وتوشيهيكو إيزوتسو‪ :‬اهلل واإلنسان في القرآن‪ ،‬ص ‪136‬‬
‫(‪ )70‬جوستاف لوبون‪ :‬حضارة العرب‪ ،‬ترجمة‪ :‬عادل زعيتر‪ ،‬مؤسسة هنداوي للتعليم والثقافة‪،‬‬
‫القاهرة‪ ،‬ص ‪132‬‬
‫(‪ )71‬مارسيل بوازار‪ :‬إنسانية اإلسالم‪ ،‬ترجمة‪ :‬عفيف دمشقية‪ ،‬منشورات دار اآلداب‪ ،‬بيروت‪ ،‬ط‬
‫‪ ،1980 ،1‬ص ‪48‬‬
‫(‪ )72‬ه‪ .‬ج‪ .‬ولز‪ :‬معالم تاريخ اإلنسانية‪ ،‬ترجمة‪ :‬عبد العزيز توفيق جاويد‪ ،‬الهيئة المصرية العامة‬
‫للكتاب‪ ،‬القاهرة‪ ،‬ط ‪ ،1965 ،2‬جـ ‪ ،3‬ص ‪104‬‬
‫ودرمنغم‪ :‬الشخصية المحمدية‪ ،‬ص ‪109‬‬
‫(‪ )73‬كارين أرمسترونج‪ :‬محمد نبي زماننا‪ ،‬ترجم‪ :‬فاتن الزلباني‪ ،‬مكتبة الشروق الدولية‪ ،‬القاهرة‪ ،‬ط‬
‫‪ ،2008 ،1‬ص ‪67‬‬
‫(‪ )74‬جاك ريسلر‪ :‬تاريخ الحضارة العربية‪ ،‬ترجمة‪ :‬غنيم عبدون‪ ،‬الدار المصرية للتأليف والترجمة‪،‬‬
‫القاهرة‪ ،‬ص ‪37‬‬
‫‪(75) Bosworth Smith: Mohammed and Mohammedanism, Smith Elder, Co.,‬‬
‫‪15 Waterloo Place, London, 1874, 166‬‬

‫‪95‬‬
‫ حسين صبري‬.‫د‬ ‫إنسانية محمد‬

(76) Theodor Noldeke: Sketches from Eastern History, Translated by: John
Sutherland Black, Adam and Charles Black, London, 1982, P. 60:61
(77) Emil Dermengham: The Life of Mohamet, George Routledge & Sons,
LTD, London, 1930, P. 72
(78) Bosworth Smith: Mohammed and Mohamedanism, P.105:106
81 ‫ ص‬،‫ حياة محمد‬:‫) بودلي‬79(
(80) Lamartine: History of Turkish, D. Appleton & Company, New York,
1885, Vol. 1, P. 69
‫ ط‬،‫ القاهرة‬،‫ مكتبة اآلداب‬،‫ محمد السباعي‬:‫ ترجمة‬،‫ محمد المثل األعلى‬:‫) توماس كارليل‬81(
12:13 ‫ ص‬،1993
(82) Reynold A. Nicholson: A Literary History of the Arabs, T. Fisher Unwin,
Adelphi Terrace, London, 1907, P. 179
‫ ص‬،‫ القاهرة‬،‫ المكتب المصري الحديث‬،‫ أنيس منصور‬:‫ ترجمة‬،‫ الخالدون مائة‬:‫) مايكل هارت‬83(
17
(84) Theodor Noldeke: Sketches from Eastern History, P. 64
،3 ‫ ط‬،‫ القاهرة‬،‫ مصرية للنشر والتوزيع‬،‫ سليم قبعين‬:‫ ترجمة‬،‫ حكم النبي محمد‬:‫) تولستوي‬85(
9 ‫ ص‬،1987
(86) Lamartine: History of Turkich, P. 69
(87) Bosworth Smith: Mohammed and Mohaedanism, P. 82
(88) Emil Demengham: The Life of Mohamet, P. 72
55 ‫ ص‬،‫ األبطال‬:‫) توماس كارليل‬89(
45 ‫ ص‬،13 ‫ جـ‬،‫ بيروت‬،‫ دار الجيل‬،‫ محمد بدران‬:‫ ترجمة‬،‫ قصة الحضارة‬:‫) ول ديورانت‬90(

96
‫ حسين صبري‬.‫د‬ ‫إنسانية محمد‬

And, Oliver Leaman: An Introduction To Classical Islamic Philosophy,


Cambridge University Press, UK, 2004, P.1
103 ‫ ص‬،3 ‫ جـ‬،‫ معالم تاريخ اإلنسانية‬:‫ ولز‬.‫ ج‬.‫) هـ‬91(
52 ‫ ص‬،‫ حياة محمد‬:‫) بودلي‬92(
(93) Emil Dermengham, The Life of Mohamet, P. 85
(94) William Mouir: Life of Mohamet, Smith Elder and Co., 65 Cornhill,
London, 1861, Vol. 1, P. 27
‫ دار‬،‫ فاروق بيضون وكمال دسوقي‬:‫ ترجمة‬،‫ شمس العرب تسطع على الغرب‬:‫) زيجريد هونكه‬95(
369 ‫ ص‬،1993 ،8 ‫ ط‬،‫ بيروت‬،‫الجيل ودار اآلفاق الجديدة‬
(96) Washington Irving: Lives of Mohamed, P. 21
(97) Arther Wallaston: The Sward of Islam, EP. Dutton and Company, New
Yourk, 1905, p. 41
(98) Macim Rodinson: Muhammad, Tauris Parke Paper backs, London,
2002, P. 293
47 ‫ ص‬،13 ‫ جـ‬،‫ قصة الحضارة‬:‫) ول ديورانت‬99(
(100) K. S. Rama Krishna: Muhammad The Prophet of Islam, World
Assembly of Muslim Youth (WAMY), Riyadh, Saudi Arabia, 1989, P. 20

97
‫د‪ .‬حسين صبري‬ ‫إنسانية محمد‬

‫القسم الثاني‬
‫إنسانية محمد بين املوضوعية والذاتية‬

‫‪ ‬تمهيد‬
‫‪ ‬التالزم بين املوضوعية والذاتية‬
‫‪ ‬مقدمات الكتابة في السيرة النبوية‬
‫‪ ‬منهجية الكتابة‬
‫‪ ‬سيادة الروح النقدية‬
‫‪ ‬مقدمات الخلل في الحكم على إنسانية محمد‬
‫‪ ‬محددات الخلل‬

‫‪98‬‬
‫د‪ .‬حسين صبري‬ ‫إنسانية محمد‬

‫تمهيد‪:‬‬
‫ً‬ ‫ُ‬ ‫سيرة محمد ﷺ موض ً‬ ‫ُ‬
‫موضوعها هدفا‬ ‫وعا للبحث‪ ،‬ويبقى‬ ‫تظل‬
‫للباحثين‪.‬‬
‫ٌ‬ ‫ٌ‬
‫عصر‪ ،‬وما خلت أمة من أثر البحث فيه‪ ،‬ومن عمل‬ ‫فما خال‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫وبشرا ُيوحى إليه‪.‬‬
‫إنسانا‪ً ،‬‬ ‫الباحثين‪ ،‬منذ بعثته للناس كافة؛ رسوال‬
‫املصادر األولى واألهم للمادة التاريخية والعلمية ملوضوع‬ ‫ُ‬ ‫وتظل‬
‫ً‬
‫البحث في سيرته؛ متضمنة في آيات الوحي القرآني‪ ،‬وما فصلته كتب‬
‫السنة والسيرة واملغازي والشمائل والتاريخ‪ ،‬ويبقى لتلك املادة‬
‫وجودها املستقل في مصادرها‪ ،‬وزم ًنا بعد زمن طالها التفصيل‬ ‫ُ‬
‫والتحليل والتصنيف واإلضافة‪ ،‬وتلك قضايا بحثية أخرى‪ ،‬ال‬
‫تتوقف عند حد‪ ،‬وال تنتهي عند غاية بعينها‪.‬‬
‫والباحثون في السيرة النبوية يختلفون؛ في مناهجهم ورؤاهم ومناهل‬
‫وأخيرا يختلفون في أحكامهم‪ ،‬و"اختالف‬ ‫ً‬ ‫مادتهم العلمية وأدواتهم‪،‬‬
‫ُ‬ ‫ُ‬
‫ى‬
‫األحكام" هذا موضع بحث علمي له األولوية القصو ‪ ،‬إذ تبقى سيرة‬
‫ُ‬
‫محمد هي املدخل األعظم لفهم اإلسالم‪ ،‬وتظل إنسانية محمد مكو ًنا‬
‫ئيسا في فهم‬ ‫مكونا ر ً‬‫ئيسا في فهم سيرته العطرة‪ ،‬وتظل تلك اإلنسانية ً‬ ‫ر ً‬
‫الدين‪ ،‬ألنها تجمع بين عنصرين غاية في االتساق وفي التمايز‪ ،‬هما‪:‬‬
‫ُ‬
‫البشرية والنبوة‪ ،‬لذا تظل داللة صحتها هي الداللة الكبرى على صحة‬
‫اإلسالم برمته‪.‬‬
‫‪99‬‬
‫د‪ .‬حسين صبري‬ ‫إنسانية محمد‬

‫وقضية الصحة في كافة موضوعات البحث كقضية البطالن‪ ،‬هي‬


‫ٌ‬
‫قضية منهجية باألساس‪ ،‬وتوكيد الصحة في الحكم العلمي نات ٌج عن‬
‫بحث علمي؛ يستلزم توافر مجموعتين من الضوابط‪ ،‬ال يفترقان‪:‬‬
‫الضابط املوضوعي والضابط الذاتي‪ ،‬حيث يتصل الضابط‬
‫املوضوعي باملادة العلمية ملوضوع البحث من حقائق ومعلومات‬
‫ومعطيات وأدلة‪ ،‬ويعبر الضابط الذاتي عن رؤى الباحثين في‬
‫املوضوع ودوافعهم البحثية وميولهم وثقافاتهم‪ ،‬وبالجملة كل‬
‫الجزيئات املكونة لذات الباحث‪.‬‬
‫التالزم بين املوضوعية والذاتية‪:‬‬
‫إن السؤال املنهجي الذي يفرض نفسه‪ :‬هو‪:‬‬
‫‪ ‬أي موضوعية ‪ ...‬وأي ذاتية؟‬
‫فقد ارتبطت املوضوعية في أوساط العلماء وعامة الناس بالداللة‬
‫على الدقة واملنهجية‪ ،‬بالضبط مثلما ارتبطت الذاتية بالداللة على‬
‫َّ‬
‫واستقر هذان املفهومان‬ ‫نقيض ذلك‪ ،‬أي بغياب الدقة واملنهجية‪،‬‬
‫بهكذا تصور في األفهام‪ ،‬على اعتبار أن الذاتية "نزعة ترمي إلى تحكيم‬
‫الذات أو تكوين اآلراء واالنطباعات" (‪ ،)1‬وبالتالي فالذاتية وفق هذا‬
‫تكون ر ًأيا‬
‫التحديد االشتقاقي ال توصل إلى حقائق‪ ،‬وغاية مسعاها أن ِّ‬
‫حكما ً‬
‫علميا‬ ‫أبدا أن نصدر ً‬ ‫انطباعا‪ ،‬وأن ليس في استطاعتنا ً‬‫ً‬ ‫أو‬
‫واحدا إال "باملوضوعية"‪ ،‬وبها وحدها‪ ،‬ألن فيها وبشكل حاسم "غياب‬ ‫ً‬
‫‪100‬‬
‫د‪ .‬حسين صبري‬ ‫إنسانية محمد‬

‫ٌ‬
‫لكل عوامل التحيز وكف لتأثيرها" ‪ ،‬وانتقلت هذه الداللة من اللغة‬
‫)‬‫‪2‬‬ ‫(‬

‫إلى االصطالح في واقع الناس وفي إجراءات البحث‪ ،‬وتم تداولها عبر‬
‫العصور والتطبيقات والتخصصات والعقول حتى صار لها قوة‬
‫أحد من الناس أو العلماء في حيواتهم اليومية‬ ‫الحقيقة‪ ،‬وما عاد ٌ‬
‫والعلمية يسلم بدقة إجراء أو صحة حكم إال إذا اتصف بـ‬
‫"املوضوعية" وفق هذه الداللة‪ ،‬وإال إذا كان نق ًيا من كل أثر للذاتية‪،‬‬
‫مع أن كافة اإلجراءات العلمية وأحكام وقوانين العلم التي أنجزها‬
‫أبدا‬‫العلماء عبر العصور هي نتاج إنساني‪ ،‬أي ال تنفصل وال تعدم ً‬
‫أثر الذاتية في صناعتها وإنجازها‪.‬‬
‫فكيف ألحد أن يتصور إمكانية الفصل بين الناتج اإلنساني في البحث‬
‫وذاتية الباحث "اإلنسان"‪ ،‬بدعوى التزام املوضوعية‪ ،‬وكيف يمكن‬
‫ٌ‬
‫نقيض‬ ‫نقيض للموضوعية‪ ،‬وبالتالي فهي‬ ‫ٌ‬ ‫النظر للذاتية على أنها‬
‫مضاد للعلم والدقة واملنهجية؟‬
‫فإن من يبحث ويمنهج ويحلل ويستنبط ويتحرى ويكتشف ويضيف‬
‫ويحكم ويقيم هو "إنسان"‪ ،‬أي "ذاتية" هذا اإلنسان "الباحث"‪.‬‬
‫فاملوضوعية التي عن طريق ضوابطها يتم الفحص الدقيق للمادة‬
‫العلمية ملوضوع البحث‪ ،‬ما كان لها أن تتشكل وتوجد إال عبر "ذاتية‬
‫إنسانية"‪.‬‬

‫‪101‬‬
‫د‪ .‬حسين صبري‬ ‫إنسانية محمد‬

‫ُ‬
‫فهل من اإلنصاف – في مجال البحث العلمي‪ -‬أن يظل االرتباط في‬
‫قائما بين الذاتية والبعد عن الدقة واالنفصال عن املنهجية؟‬ ‫الداللة ً‬
‫ٌ‬
‫إن "الذاتية" مكون بشري في اإلنسان الباحث‪ ،‬وهو محور العمليات‬
‫العقلية والنفسية التي بمقتضاها يبني الباحث أحكامه‪ ،‬وفي‬
‫استطاعة هذا املكون البشري املهم أن‪:‬‬
‫‪ ‬يتعالى على فردتيه الضيقة‪ ،‬أو يسقط فيها‬
‫‪ُ ‬يخلص في إجراءاته العلمية‪ ،‬أو ينتقص منها‬
‫‪ ‬يتأنى في فهمه ويدقق‪ ،‬أو يتسرع‬
‫ُ‬
‫‪ ‬يستعصم بالحيادية‪ ،‬أو تسيره قناعاته الخاصة وأحكامه املسبقة‬
‫‪ ‬يستقيم في نتائجه ويستوي‪ ،‬أو يتطرف‬
‫شرا كلها‪ ،‬كما أنها ليست ً‬
‫خيرا كلها‪.‬‬ ‫فالذاتية ليست ً‬
‫وصحة األحكام البحثية من إعمال الذاتية‪ ،‬بالضبط مثلما هو‬
‫بطالنها‪.‬‬
‫عموما‪ ،‬تتجمع حول‬‫ً‬ ‫ألن كل التحديات في البحث‪ ،‬وفي الفكر‬
‫عنصرين اثنين‪ :‬املوضوع والذات‪.‬‬
‫حيث صار ما يرتبط مباشرة باملوضوع‪ ،‬هو ما نطلق عليه‬
‫"املوضوعية"‪ ،‬وصار ما يرتبط مباشرة بالباحث‪ ،‬هو ما نطلق عليه‬
‫"الذاتية"‪.‬‬

‫‪102‬‬
‫د‪ .‬حسين صبري‬ ‫إنسانية محمد‬

‫فاملوضوعية والذاتية من جهة ما بينهما من فروق وتمايز‪ ،‬وما بينهما‬


‫واحد من األطباء الجراحين؛ أراد أن‬ ‫ٍ‬ ‫من عالقات واتساق؛ كمثل‬
‫ً‬
‫يجري ألحد مرضاه عملية جراحية‪ ،‬فيها شفاؤه وبقاء حياته‬
‫وسالمته‪ ،‬تتمثل الضوابط املوضوعية عند إجراء العملية الجراحية‬
‫في جودة األجهزة الطبية ونوع التخدير وجرعته ونقاوته ودقة مراقبته‬
‫وغرفة العمليات وتجهيزاتها واألدوات الطبية وأجهزة املتابعة وأدوات‬
‫الجراحة واملواد الطبية األولية والثانوية وكافة العناصر املادية التي‬
‫تمكن الجراح من تنفيذ العملية من لحظة ابتدائها إلى تمامها‪ ،‬وتتركز‬
‫الضوابط الذاتية في الطبيب الجراح الذي سيتولى الجراحة ويكون‬
‫ً‬
‫مسئوال عن كل عناصر تنفيذ العملية بما فيها الضوابط املوضوعية‪،‬‬
‫فهو الذي سيحدد لإلجراء الجراحي زمنه‪ ،‬مكانه‪ ،‬أدواته‪ ،‬التخدير‪،‬‬
‫ً‬
‫ونفسيا‪ ،‬وينسق ويرتب‬ ‫ً‬
‫عضويا‬ ‫التمريض‪ ،‬وهو الذي يجهز املريض‬
‫ويدير ويشرف ويراقب ويالحظ ويتابع ويسجل‪ ،‬وال يتوقف‪ ،‬وال‬
‫تكتمل مسئوليته إال مع انتهاء كافة اإلجراءات‪.‬‬
‫ونجاح أو فشل هذه العملية الجراحية؛ يعود إلى درجة التكامل‬ ‫ُ‬
‫والتناغم واالنسجام بين هاتين املجموعتين من الضوابط‪ ،‬هناك‬
‫نوعي كبير بينهما‪ ،‬لكن نجاح العمل وتحقيق الغاية‬ ‫فار ٌق وتمايز ٌ‬
‫وإنفاذ النتيجة الصحيحة املرجوة؛ ال يتحقق إال بقدر التوافق بينهما‪.‬‬

‫‪103‬‬
‫د‪ .‬حسين صبري‬ ‫إنسانية محمد‬

‫وكذلك البحث العلمي في اإلنسانيات‪ ،‬والطبيعيات‪ ،‬ال يتحقق إال‬


‫بتضافر ضوابطه املوضوعية والذاتية ً‬
‫معا‪ ،‬وتكون النتائج ومن ثم‬
‫األحكام صحيحة أو باطلة حسب دقة وكفاية الضوابط املوضوعية‬
‫ودرجة االستواء في ذاتية الباحث‪ ،‬أي بقدر النزاهة والحيادية‬
‫واإلخالص في إجراءاته البحثية‪.‬‬
‫هذا األمر في العلم وفي حياتنا اإلنسانية‪ ،‬يوجب التمييز بين "ذاتية"‬
‫و "ذاتية" أخرى مغايرة لها ً‬
‫تماما‪ ،‬ومناقضة‪ ،‬إذ هناك‪:‬‬
‫‪ ‬الذاتية املتطرفة‪:‬‬
‫التي ينتفي في أحكامها؛ كلها أو بعضها‪ُ ،‬‬
‫أثر اإلنصاف‪ ،‬لذلك فإن‬
‫أحكامها في الغالب األعم‪ ،‬هي مضادة ملقتضيات العلم‪ ،‬بل وهادمة‬
‫لها‪.‬‬
‫‪ ‬والذاتية السوية‪:‬‬
‫عمادها اإلنصاف في الحكم‪ ،‬والتخلي عن التحيز املجحف‪ ،‬وهي‬ ‫والتي ُ‬
‫ما ُيعول عليها في العلم والعمل البحثي في شتى مجاالته‪ ،‬إقرا ًرا للنزاهة‬
‫ً‬
‫والحيادية‪ ،‬وترسيخا لقيمة الصحة في الحكم‪.‬‬
‫ركين في البحث وفي الحكم‪ ،‬كونها تتنزه عن‬ ‫ركن ٌ‬ ‫فالذاتية السوية ٌ‬
‫األهواء وامليول‪ ،‬وتتعالى عن عصبيات الدين والعرق واللون واللغة‪،‬‬
‫ً‬
‫وال تكون خالصة في سعيها البحثي إال للعلم وحده‪.‬‬

‫‪104‬‬
‫د‪ .‬حسين صبري‬ ‫إنسانية محمد‬

‫فمن مقتضيات املنهج في البحث العلمي‪:‬‬


‫‪ ‬التحقق من مصادر املادة العلمية‬
‫‪ ‬التنقيب عن الحقائق الدالة على املوضوع‬
‫‪ ‬الفصل الحاسم بين الحقائق‪ ،‬اآلراء‪ ،‬واالنطباعات‬
‫‪ ‬فحص املعلومات واألدلة وتوثيقها‬
‫‪ ‬حضانة املعلومات بضوابطها‬
‫‪ ‬تحليل املعلومات‪ ،‬والربط بين عناصرها بوعي‬
‫‪ ‬استنتاج ما بينها من عالقات‪ ،‬مقارنات‪ ،‬ومقاربات‬
‫‪ ‬والبناء عليها‪ ،‬وإصدار األحكام‬
‫أبدا عن هذه املقتضيات "العمليات‬ ‫إن أثر الذاتية ال يغيب ً‬
‫ٌ‬ ‫ً‬
‫ر‬
‫جميعا متصلة بموضوع البحث‪ ،‬لكن و اء كل‬ ‫البحثية"‪ ،‬رغم أنها‬
‫ذاتي" ً‬
‫أيضا‬ ‫إنساني" بالدرجة األولى‪ ،‬و" ٌ‬
‫ٌ‬ ‫عملية منها وضابطها األول هو "‬
‫بالدرجة األولى‪ ،‬لذلك فال أحد يمكنه الجزم أن "الذاتية" تقف دا ًئما‬
‫في تضاد أو تناقض مع "املوضوعية"‪ ،‬إنما يتكامالن‪ ،‬فالذاتية السوية‬
‫أيضا ضرورة‬ ‫في البحث العلمي "ليست ضرورة تقنية فحسب‪ ،‬ولكنها ً‬
‫إيمانية" (‪ ،)3‬ورغم أن ضبط األحكام وتقرير النتائج النهائية في البحث‬
‫صعب وشاق‪ ،‬لكننا‬ ‫ٌ‬ ‫وفق الضوابط املوضوعية والذاتية‪ ،‬هو ٌ‬
‫أمر‬
‫نستطيعه‪ ،‬لتحقيق أعلى رتبة من انضباط الروح العلمية في البحث‪،‬‬

‫‪105‬‬
‫د‪ .‬حسين صبري‬ ‫إنسانية محمد‬

‫حيث يكون "طلب الحقيقة بدون تأثر برأي أو عاطفة سابقة" (‪ ،)4‬مما‬
‫مطلقا عن املعايير املوضوعية‪ ،‬بالضبط‬ ‫ً‬ ‫يعني أن الذاتية ال تنتفي‬
‫مثلما ال تنفصل أ ًبدا أو ً‬
‫تماما عن املعايير الذاتية‪ ،‬إذ هناك من يرى‬
‫"أن فكرة املوضوعية الكاملة في االنفصال الكامل للذات املدركة عن‬
‫ُ‬
‫املوضوع امل ْدرك مجرد أو أوهام" (‪ ،)5‬وفي رأي آخر يدعمه ويؤيده‪،‬‬
‫يقول البعض "إن الزعم بموضوعية مطلقة حتى في العلوم الطبيعية‬
‫الغيا" (‪ ،)6‬لهذا يصبح اعتبار املوضوعية هي الصحة‬ ‫وهما ً‬
‫قد أصبح ً‬
‫والصحة ال غيرها‪ ،‬ال قبلها وال بعدها‪ ،‬يصبح من ِّقبل الكالم الذي‬
‫يفقد دقته ويخرج عن أطر البحث العلمي ومعقوليته‪ ،‬ألن‬
‫ٌ‬ ‫ٌ‬
‫للموضوعية مساحة ممتدة كما للذاتية مساحة ممتدة‪ ،‬وفي كل‬
‫منهما تتراوح أحكام العلماء ما بين درجتي‪ :‬الصحة التامة والبطالن‬
‫التام‪.‬‬
‫ُ‬ ‫لهذا ُ‬
‫فغير علمي أن تذكر املوضوعية في أي بحث علمي وكأنها وحدها‬
‫ُ‬
‫هي الصحة‪ ،‬وغير علمي أن تذكر الذاتية في أي بحث علمي وكأنها‬
‫وحدها هي البطالن‪.‬‬
‫فالذاتية؛ في إجراءاتنا البحثية وفي أحكامنا‪ ،‬هي املنطلق الذي يمهد‬
‫ٌ‬
‫"إنساني" متعلق‬ ‫للموضوعية ويقدم لها‪ ،‬وألن موضوع دراستنا‬
‫بعظيم أجمع العقالء على عظمته‪ ،‬حيث فيه تحققت الكماالت تامة‬
‫غير منقوصة ‪-‬كما تبين في املبحث األول من الدراسة ‪ً -‬‬
‫بدءا من‬
‫‪106‬‬
‫د‪ .‬حسين صبري‬ ‫إنسانية محمد‬

‫الكمال البشري إلى كماالت النبوة‪ ،‬فإن هذه الرتبة ُ‬


‫العليا من‬
‫الكماالت‪ ،‬هي أول ما تلفت الباحث‪ ،‬حيث تلفت "ذاتيته"‪ ،‬تشده‪،‬‬
‫ُ‬
‫تشغله‪ ،‬تشبع ‪ -‬بحقائقها وأدلتها وكفايتها وصدقها ‪ -‬عقله البحثي‪،‬‬
‫فتدفعه إلى إعمال املعايير املوضوعية‪ ،‬ولكن من خالل ذاتية سوية‬
‫متجردة‪ ،‬فال يدرك وهو يحكم بموضوعية إال وهو في أتم حاالت‬
‫الذاتية من الحيدة والوضوح والنقاء‪ ،‬وال يشعر وهو في غاية ذاتيته‬
‫إال وهو يقبض على ضوابط املوضوعية بأدق وأرتب ما تكون‪.‬‬
‫ٌ‬
‫فالبحث في "إنسانية محمد"؛ عماده موضوعية علمية‪ ،‬ال تعدم في‬
‫كافة لحظاتها أسس التقدير والتقديس والتبجيل كأوفى ما تكون‪ ،‬كما‬
‫ال تفتقد ذاتيتها السوية التي تلتزم أقص ى درجات التحليل والبرهنة‪.‬‬
‫وهذه غاية ُعليا في البحث وبناء األحكام في العلم‪.‬‬
‫ُ‬
‫يستدل على كماالت البشرية وكماالت النبوة‬ ‫إذ كيف وبأي املعايير؛‬
‫ً‬
‫من ال يقر بوجودهما أصال؟‬
‫وكيف وبأي املعايير؛ يضمن صحة حكمه في أفضلية إنسانية محمد‪،‬‬
‫تكبل عقله البحثي بموروث من تصورات باطلة وأحكام مسبقة‪،‬‬ ‫من َّ‬
‫استطاعت أن تقهر قدراته في الفهم والتحليل؟‬
‫وكيف وبأي املعايير‪ ،‬يملك الحيدة واإلنصاف‪ ،‬من َّ‬
‫تحجر وجدانه في‬
‫أغالل ثقافية‪ ،‬تؤسس لكراهية إنسان نبي‪ ،‬تمثلت في إنسانيته أرقى‬
‫رتب الكمال اإلنساني؟‬
‫‪107‬‬
‫د‪ .‬حسين صبري‬ ‫إنسانية محمد‬

‫ُ‬
‫وبأي الضوابط؛ ُيقيم الباحث إنسانية محمد‪ ،‬حين تروي لنا أم‬
‫املؤمنين عائشة‪:‬‬
‫‪ -‬كنت أشرب وانا حائض‪ ،‬فأناوله النبي ﷺ فيضع فاه على موضع‬
‫في‪ ،‬فيشربه (‪ )7‬؟‬
‫إن تشريعات حقوق املرأة التي فاقت الحصر‪ ،‬والقابعة في مجلداتها‬
‫في أكوام املحاضر والجلسات والدراسات والتنظيرات واالستبانات‪،‬‬
‫التي تطالعنا صباح مساء في إكرام املرأة‪ ،‬لتتضاءل أمام فعل واحد‬
‫كمال الرجولة‪ ،‬كمال املحبة‪ ،‬كمال التكريم‪،‬‬‫ُ‬ ‫كهذا الفعل‪ ،‬فيه‬
‫وكمال اإلنسانية‪.‬‬
‫ُ‬
‫وبأي معيارية‪ ،‬وبأي ضوابطها من التجرد‪ ،‬يمكن أن يسبر البحث‬
‫العلمي حقائق إنسانية محمد حين َّأمن قومه بعد أن آذوه وسبوه‬
‫وحاصروه وأخرجوه من أحب البالد إلى قلبه‪ ،‬حتى إذا عاد إليها‬
‫منتصرا قاد ًرا على القصاص‪ ،‬فإذا به ‪ -‬نصره لدينه ال لنفسه ‪-‬‬ ‫ً‬
‫يبسطها لهم بكمال حلمه وكمال رحمته‪:‬‬
‫‪ -‬اذهبوا فأنتم الطلقاء؟‬
‫وبأي درجة من الدقة في الضبط املوضوعي والذاتي؛ نستطيع تقدير‬
‫كماالت اإلنسانية في نبي هللا محمد‪ ،‬وهو ُيصر على املض ي في رسالته‬
‫نفر قليل ممن آمن‪ ،‬وقريش تمأل الدنيا بجبروتها‬ ‫وليس معه إال ٌ‬

‫‪108‬‬
‫د‪ .‬حسين صبري‬ ‫إنسانية محمد‬

‫وسطوتها وسادتها وإغراءاتها باملال والسلطة‪ ،‬فيقولها حاسمة لعمه‬


‫الذي يمنعه من قريش ويخالفه وهو َّ‬
‫يحبه ويجله‪:‬‬
‫‪ -‬وهللا يا عم لو وضعوا الشمس في يميني والقمر في يساري على أن‬
‫أترك هذا األمر‪ ،‬ما تركته حتى يظهره هللا أو أهلك دونه؟‬
‫كلمات معدودات فيها الداللة على وضوح الرؤية‪ ،‬واإليمان بالهدف‪،‬‬
‫والوسيلة‪ ،‬والرسالة‪ ،‬وإرادة الفعل‪ ،‬وأدب الخطاب‪.‬‬
‫إن املوضوعية والذاتية جناحان لبدن واحد‪ ،‬إما أن َّ‬
‫يصح أو يعتل‪،‬‬
‫ُ‬
‫الصحة وال يكون االعتالل إال بهما ً‬
‫معا‪ ،‬بالتساوي والتوازي‪،‬‬ ‫فال تكون‬
‫والتالزم في االتساق والتمايز‪ ،‬فلماذا إصر ُار الخطاب بين العلماء على‬
‫الربط التعسفي بين املوضوعية والصحة‪ ،‬وبين الذاتية والبطالن؟!‬
‫ً‬ ‫ُ‬
‫لقد أصبح هذا الربط مشكلة معوقة للبحث وللباحثين‪ ،‬ألن الفصل‬
‫غير ممكن‪ ،‬ال على املستوى النظري وال على‬ ‫بين املوضوعية والذاتية ُ‬
‫املستوى التطبيقي‪ ،‬ألن "املستويان متداخالن تداخل العالقات التي‬
‫تنسج كال منهما"(‪ ،)8‬والتداخل ال يعني ذوبان أحدهما في اآلخر‪ ،‬فلكل‬
‫وجود مستقل‪ ،‬يمكن حصرهما في مفهومين‬ ‫ٌ‬ ‫من املوضوعية والذاتية‬
‫متمايزين متكاملين‪:‬‬
‫‪ ‬املفهوم األول‪ :‬النزاهة؛ في تجرد الباحث عن األهواء وامليول‬
‫والرغبات واستبعاد املصالح الذاتية‪.‬‬

‫‪109‬‬
‫د‪ .‬حسين صبري‬ ‫إنسانية محمد‬

‫‪ ‬واملفهوم الثاني‪ :‬املوضوعية؛ في الحرص على معرفة الوقائع‬


‫كما هي في الواقع ‪ ...‬ألن العلم قوامه وصف األشياء وتقرير‬
‫ٌ‬
‫مركب من "تجرد"‬ ‫حالتها‪ ،)9( .‬فالحكم العلمي بهذا الحصر‪ ،‬هو‬
‫و "معرفة"‪.‬‬
‫مقدمات الكتابة في السيرة النبوية‪:‬‬
‫لم ينشغل املسلمون بكتابة السيرة حين كان الرسول عليه السالم‬
‫ً‬ ‫ً‬ ‫ً‬
‫حيا بينهم‪ ،‬إذ كانت أمورها ودقائقها ماثلة في قلوبهم‪ ،‬فاعلة في‬
‫ً‬
‫حياتهم‪ ،‬يتعايشون معها‪ ،‬يتناقلونها‪ ،‬حتى صارت دما يجر في‬
‫ي‬
‫ُ‬
‫عروقهم‪ ،‬وتنتقش آثارها في ذاكرتهم‪ ،‬فلما توفي محمد؛ توجه‬
‫االهتمام إلى تسجيلها‪ ،‬حتى ما لبث أن تحول إلى منهجية للتدوين‪،‬‬
‫ُ‬ ‫علما‪ ،‬وتفصيل هذا التحول ُم ٌ‬ ‫فصارت ً‬
‫دقق في مواضعه بين كتاب‬
‫السيرة‪.‬‬
‫ظلت حياة محمد ﷺ‪ ،‬وجوامع كلمه‪ ،‬حركاته وسكناته‪ ،‬صفاته‪،‬‬
‫وأفعاله‪ ،‬هي الشغل الشاغل بين من اتبعوه‪ ،‬بل وعند من لم يؤمنوا‬
‫ئيسا في أيام العرب‪،‬‬ ‫ً‬
‫نسيجا ر ً‬ ‫بدعوته‪ ،‬حتى غدت هذه التفاصيل‬
‫وانشغلت بها األمم األخرى بعد الفتوحات اإلسالمية‪ ،‬وامتد البحث‬
‫إلى ما كان قبل مبعثه‪ ،‬والتأريخ لحياته منذ مولده‪ ،‬ونسبه ألمه وأبيه‪،‬‬
‫قبيلته‪ ،‬مكة‪ ،‬عرب الجزيرة‪ ،‬وتسلسل الرسل واألنبياء‪ ،‬إلى أن‬

‫‪110‬‬
‫د‪ .‬حسين صبري‬ ‫إنسانية محمد‬

‫أسست هذه املوضوعات ً‬


‫علما للسيرة بين املسلمين‪ ،‬وقبل أن ينقض ي‬
‫جال أخذوا عن بعض الصحابة‬ ‫القرن األول من الهجرة؛ نهض ر ٌ‬
‫والتابعين‪ ،‬غايتهم حفظ السيرة الشريفة‪ ،‬أبرزهم عروة بن الزبير‪،‬‬
‫منهج‪ ،‬أداء‪ ،‬ورسالة‪ ،‬ثم ما قام به الزهري الذي " أعطى‬ ‫وكان لهم ٌ‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫محددا‪ ،‬ورسم خطوطها بجالء ووضوح" (‪،)10‬‬ ‫السيرة النبوية هيكال‬
‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫ً‬
‫فاجتمعت لهما معا؛ دقة التسجيل وكفاية الحقائق‪ ،‬وانتقلت‬
‫الكتابة في السيرة من طبقة ألخرى ظهر فيها ابن إسحاق الذي " اتفق‬
‫الباحثون على أن ما كتبه يعد من أوثق ما كتب في السيرة" (‪،)11‬‬
‫فانضبطت به أشراط ٌاملوضوعية في التسجيل ومنهجية الترتيب مع‬
‫ً‬
‫أمانة النقل للتفاصيل في املتون واألسانيد‪ ،‬فضال عما كان لديه من‬
‫اإلخالص ونزاهة الرصد ألحداث السيرة‪ ،‬ألنه "أثبت تقري ًبا جميع‬
‫املادة اإلخبارية التي كان املسلمون جمعوها عن النبي محمد ﷺ خالل‬
‫ً‬
‫منصفا‬ ‫القرن الهجري األول" (‪ ،)12‬فحازت منهجيته في التدوين ً‬
‫حكما‬
‫بدقتها وصحتها وأمانتها عند األعم األغلب من الباحثين عبر العصور‪،‬‬
‫بل وعند من يناصب اإلسالم ونبي اإلسالم العداء‪ ،‬يذكر القس‬
‫جورج بوش في منتصف القرن التاسع عشر امليالدي‪:‬‬
‫‪ -‬تم اطالع العالم على جميع الحقائق التي يمكن الوصول إليها عن‬
‫حياة النبي العربي ومناقبه‪.‬‬

‫‪111‬‬
‫د‪ .‬حسين صبري‬ ‫إنسانية محمد‬

‫لكنه يرى أن النظريات والتنظيرات التي تستند إلى هذه الحقائق قلما‬
‫تأتي بجديد أو تصنيف‪ ،‬ما أدى به إلى أن يدعو الختيار وتنظيم‬
‫واستثمار لبعض التفاصيل البارزة في تاريخ محمد على النحو الذي‬
‫ينقلها للقارئ الغربي بشكل صحيح ومركز‪)13( .‬‬

‫ورغم غموض دعوته وقصده منها‪ ،‬لكنه وهو يقر بأن ما اطلعنا عليه‬
‫من حياة محمد وما ُعرف به‪ ،‬إنما هي حقائق؛ فإنه يوجه ً‬
‫اتهاما‬
‫ضمنيا للمسلمين بالتقصير في اإلضافة لهذا الرصيد‪ ،‬في قراءتها ثم‬‫ً‬
‫االختيار والتنظيم واالستثمار فيها‪ ،‬إلعادة تشكيل وعي الغرب بها‪.‬‬
‫إن سيرة النبي محمد وهي تنتقل من املعايشة إلى الحفظ الشفهي‬
‫والنقل واإلخبار‪ ،‬ثم إلى التدوين في مصادرها األولى؛ كان لها تواز ٌن‬
‫نقدي على غير مثال سابق في التأريخ ألشخاص الرسل‬ ‫وتحليل ٌ‬
‫ٌ‬ ‫ٌ‬
‫منهجي‬
‫واألنبياء واملفكرين والحكماء عبر التاريخ‪ ،‬ولكن املسألة لم ْ‬
‫تخل ‪-‬‬
‫أحيانا درجة‬‫ً‬ ‫لدى البعض ‪ -‬من املزيد من اإلضافات والتفاصيل‪،‬‬
‫املبالغة‪ ،‬وربما درجة التلفيق‪ ،‬عن طيب نية أو سوء قصد أو ضعف‬
‫تبصر بالنتائج‪ ،‬خاصة لدى بعض املتأخرين ممن تصدوا للكتابة في‬
‫السيرة‪ ،‬حيث حاد بعضهم عن الدقة في النقل واألمانة في التدوين‪،‬‬
‫مما أدى إلى أن تجنح كتاباتهم عن غاية العلم في تحليل سيرة محمد‪،‬‬
‫ُ‬
‫ودفع هذا إلى التشكيك في حقائق السيرة‪ ،‬والسنة‪ ،‬والطعن في كتابها‪،‬‬
‫إلى درجة املطالبة باالكتفاء بالتنزيل القرآني‪ ،‬بسبب "الحرص على‬
‫‪112‬‬
‫د‪ .‬حسين صبري‬ ‫إنسانية محمد‬

‫ً‬
‫تسلسل األسانيد وصحتها من دون التحرز من كونها مخالفة للكتاب‬
‫متنا" (‪ ،)14‬ولم ينتبه أصحاب هذا التشكيك ‪ -‬وربما انتبهوا ‪ -‬إلى‬ ‫املنزل ً‬
‫ُ‬ ‫ً‬
‫صحيحا ً‬
‫تاما كما أنزل على قلب محمد‬ ‫أن النص القرآني قد صار إلينا‬
‫بنفس هذا الحرص على التسلسل من األسانيد‪ ،‬وفاتهم أن يدركوا أن‬
‫ً‬
‫سطحيا‬ ‫ً‬
‫ساذجا أو‬ ‫العقل الجمعي املسلم الذي وثق هذا النقل ما كان‬
‫للدرجة التي يصب همه كله في األسانيد من غير التحقق من متونها‪،‬‬
‫أو للحد الذي ينشغل فيه "بما يسمع" دون أن يتأكد "ممن يسمع"‪،‬‬
‫ُ‬
‫فقد أسس كتاب السيرة منذ البدء؛ منهجية التحري عن نصوص‬
‫سواء بسواء‪ ،‬لكن هذا التشكيك لن يختفي‬ ‫ً‬ ‫املتون وقواعد السند‬
‫وسيطل من حين آلخر تحت دعاوى ال تنتهي‪ ،‬يريد أصحابه ‪ -‬بدعوى‬ ‫ُ‬
‫النقد املوضوعي‪ -‬القفز على حقائق السيرة وكفاية الحقائق عند‬
‫َّ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬
‫ي‬ ‫و‬
‫كتابها األو مثل عر ة بن الزبير والزهر وموس ى بن عقبة وابن‬ ‫ل‬
‫إسحاق وابن هشام‪ ،‬والتركيز فقط على قليل من مصادر السيرة‬
‫مقصودا‪ ،‬إلصدار أحكام مبتسرة بعيدة عن التجرد‬ ‫ً‬ ‫املتأخرة‪ ،‬تركي ًزا‬
‫واملوضوعية‪ ،‬ومضادة للتواتر التاريخي‪.‬‬

‫منهجية الكتابة‪:‬‬
‫ُ‬ ‫ٌ‬
‫لقد صار للسيرة في عناية علمائها؛ لغة مشتركة متداولة‪ ،‬تحفظ عن‬
‫َّ‬ ‫ظهر قلب‪ ،‬ما جعلها تبلغ ً‬
‫حدا من التواتر مكنها من "املحافظة على‬
‫‪113‬‬
‫د‪ .‬حسين صبري‬ ‫إنسانية محمد‬

‫التزام الرواية فيها باللفظ‪ ،‬وتجنب االقتصار على املعنى" (‪ ،)15‬وظل‬


‫السمت الغالب رغم اختالف املنهج من زمن آلخر‪ ،‬فبينما‬ ‫ُ‬ ‫هذا هو‬
‫دأب املؤرخون القدامى على "حشد اآلثار‪ ،‬وتمحيص األسانيد‪،‬‬
‫املحدثون إلى "التعليل‬ ‫وتسجيل ما دق وجل من الوقائع"‪ ،‬مال ْ‬
‫واملوازنة وربط األحداث املختلفة في سياق متماسك" (‪ ،)16‬وأدى هذا‬
‫التنوع في املناهج املتبعة إلى التكامل في اإلجراءات البحثية‪ ،‬فكان‬
‫إضافة معتبرة‪ ،‬ألن كل منهج هو "طريقة يختارها الباحث أو املجتهد"‬
‫ُ‬ ‫ُ‬
‫(‪ ،)17‬إذ يشير لفظ "طريقة" إلى املوضوعية‪ ،‬بينما يشير لفظ‬
‫"يختارها" إلى الذاتية‪ ،‬وبهذا يحصل التكامل بين املوضوعي والذاتي‬
‫الذي "يحد من تسلط االنطباعية في األحكام" (‪.)18‬‬
‫لم ينشغل املسلمون في كتابة السيرة بش يء مثلما انشغلوا بالدقة في‬
‫ٌ‬
‫إثبات تفاصيلها؛ متونها ورواتها‪ ،‬فلم تعرف أمة في التاريخ ما عرفوا‬
‫ُ‬ ‫ٌ‬
‫من "اإلسناد"‪ ،‬وهو مستنبط من م َّزية ُجبلت عليها أمة العرب في‬
‫ُ‬
‫كراهية الكذب وكراهية من يكذب‪ ،‬وكانت غاية اإلسناد هو توكيد‬
‫بديعا أسماه "سلسلة‬‫تعبيرا ً‬ ‫صحة الوقائع‪ ،‬وقد أطلق عليه درمنجهم ً‬
‫علما‪ ،‬وأقاموا معه علو ًما‬ ‫األدلة"(‪ ،)19‬ابتدعها املسلمون وأسسوا منها ً‬
‫أخرى‪ ،‬كالجرح والتعديل والتراجم والطبقات والتاريخ‪ ،‬حتى صار هذا‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫اإلسناد "خصيصة فاضلة ألمة املسلمين ليس ألحد من األمم كلها‪،‬‬
‫اإلسناد إال على ضوابط موضوعية‬ ‫ُ‬ ‫قديمها وحديثها"(‪ ،)20‬ولم يتأسس‬
‫‪114‬‬
‫د‪ .‬حسين صبري‬ ‫إنسانية محمد‬

‫ً‬
‫في التدوين لحظة بلحظة وبروايات متقاربة‪ ،‬وعلى ضوابط ذاتية في‬
‫ُ‬
‫أمانة النقل‪ ،‬ألن "الصحة في اإلسناد ال تعرف إال برواية الثقة والعدل‬
‫عن العدل" (‪ ،)21‬هذه األمانة وإن تبدو للوهلة األولى معيا ًرا‬
‫ً ُ ٌ‬ ‫ً‬
‫موضوعيا‪ ،‬لكنها أيضا معبرة عن الذاتية السوية‪ ،‬حيث "تتعلق‬
‫أساسا بالضمير العلمي‪ ،‬والقيم الذاتية للباحث" (‪ ،)22‬ألجل ذلك؛‬ ‫ً‬
‫فإن القول بموضوعية منفصلة عن ذاتية الباحث في أي إجراء بحثي‪،‬‬
‫إنما هو من قبيل الخطأ الذي ليس له مسوغ لصحته سوى أنه شاع‬
‫بين أوساط الباحثين‪.‬‬
‫قديما‪ ،‬نت ً‬
‫سير مصلحيهم‬ ‫ِّ‬ ‫في‬ ‫الكتابة‬ ‫من‬ ‫ا‬ ‫ف‬ ‫عرفت البشرية مع اإلغريق ً ِّ‬
‫وعلمائهم وفالسفتهم وقادتهم‪ ،‬لكنها ما أوصلتهم إلى بناء منهجية لها‬
‫ٌ‬
‫شفهي‬ ‫ٌ‬
‫تدوين‬ ‫قواعد وأصو ٌل وتطبيق‪ ،‬وكان للعرب في الجاهلية‬ ‫ٌ‬
‫لقصصهم وأيامهم وأمثالهم‪ ،‬برعوا في حفظها وتناقلها من جيل آلخر‬
‫نص‬ ‫واالستشهاد بها في سائر أحوالهم‪ ،‬فلما كان اإلسالم؛ صنع ال ُ‬
‫ً‬ ‫ً‬ ‫القر ُ‬
‫آني في أفهام العرب ملكة جديدة في الحفظ والتدوين والتطبيق‬
‫العملي لآليات القرآنية في مواقفهم وأحداث حياتهم‪ ،‬خاصة بعدما‬
‫أدركوا قيمة الربط الذي ينشده القرآن بين اإليمان والعمل‪ ،‬فمما‬
‫الر ُسو ُل ف ُخ ُذ ُوه وما نه ُاك ْم ع ْنهُ‬
‫ورد في الوحي القرآني أن ﴿وما آت ُاك ُم َّ‬
‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫ْ‬
‫فانت ُهوا﴾ الحشر‪ ،7 /‬فكانت اللفتة املنهجية من النص القرآني‬
‫املحكم‪ ،‬أن التالزم بين الرسول والرسالة ال ينفصم‪ .‬وظلت هذه من‬
‫‪115‬‬
‫د‪ .‬حسين صبري‬ ‫إنسانية محمد‬

‫مقتضيات اإليمان في اإلسالم‪ ،‬فإنهم يتلقون الرسالة من محمد‪،‬‬


‫ً‬ ‫ً‬ ‫ً‬
‫وهو الذي يجسد للوعي اإلنساني الرسالة أفعاال‪ ،‬وأقواال‪ ،‬وأخالقا‪،‬‬
‫ومعاملة‪ ،‬فنما هذا الوعي حتى صار للمسلمين في بناء سيرة النبي‬
‫ُ‬ ‫محمد ٌ‬
‫ى‬
‫علم ومنهج‪ ،‬وكان الحفظة‪ ،‬وكان الجذر األحق واألقو في هذا‬
‫العلم؛ أن ال يتواطئوا على كذب‪ ،‬ال في حق الرسالة وال في حق‬
‫الرسول‪ ،‬وامتد هذا الجذر مع امتداد اإلسالم وف ِّهم ُه غير املسلمين‬
‫ممن أدركوا عالقة الرسالة ‪ -‬متمثلة في القرآن الكريم ‪ -‬بالرسول ‪-‬‬
‫ً‬
‫متمثال في محمد ‪ -‬حتى أصبح االتساق بين آيات الوحي وإنسانية‬
‫محمد من الحقائق اليقينية التي شهد بها ولها املسلمون وغير‬
‫املسلمين‪ ،‬لهذا يقول نيكلسون "إن صدق هذا الكتاب فوق مستوى‬
‫الشبهات" ألنه "يعكس كل مرحلة من مراحل شخصية محمد‬
‫ومواقفه وعالقاته الوثيقة بكل حدث من أحداث حياته‪ ،‬بحيث‬
‫أصبح لدينا مواد فريدة ذات قوة ال تقبل الجدل" (‪ ،)23‬لهذا السبب‬
‫نالت حقائق السيرة النبوية هذا املستوى من التوثيق التاريخي الذي‬
‫سما بها فوق الجدل واالرتياب‪ ،‬لصدقها وتفصيلها ومنهجيتها‬
‫ً‬
‫وإسنادها والروح العلمية اإليمانية التي كانت دائما وراء حفظها‬
‫أمرا يخص النبي إال ع ِّلموه‬ ‫وإثباتها وتدوينها‪ ،‬فلم يترك املسلمون ً‬
‫وأيقنته بصائرهم قبل أبصارهم‪ ،‬وأفهامهم قبل ألسنتهم‪ ،‬واستفادت‬
‫ُ‬
‫السيرة مثلما استفادت السنة من املرويات املتعلقة بحياة محمد حتى‬
‫‪116‬‬
‫د‪ .‬حسين صبري‬ ‫إنسانية محمد‬

‫جهدا وحر ً‬
‫صا‬ ‫لزما‪ ،‬وبذل املسلمون في جمعها ونقلها ً‬
‫"صارت معيا ًرا ُم ً‬
‫بالغين" (‪ ،)24‬فقد علموا وأدركوا وأحبوا فعل النبي ﷺ‪ ،‬قوله‪ ،‬تقريره‪،‬‬
‫صفته‪ ،‬نومه‪ ،‬يقظته‪ ،‬حله‪ ،‬ترحاله‪ ،‬صومه‪ ،‬صالته‪ ،‬غسله‪،‬‬
‫وضوءه‪ ،‬ذكره‪ ،‬قيامه‪ ،‬دعاءه‪ ،‬اتصاله بالوحي‪ ،‬صفة بدنه‪ ،‬تفاصيل‬
‫ِّخلقته‪ ،‬شعر رأسه ولحيته‪ ،‬وصف صدره‪ ،‬مشيته‪ ،‬كتفيه‪ ،‬هيئته‪،‬‬
‫كفيه‪ ،‬أصابعه‪ ،‬وقاره‪ ،‬رداءه‪ ،‬بصره‪ ،‬مصافحته‪ ،‬نبرة صوته‪،‬‬
‫ضبته‪ ،‬رحمته‪ ،‬بكاءه‪ِّ ،‬حلمه‪ ،‬عفوه‪ ،‬سماحته‪ ،‬هيبته‪ ،‬أكله‪،‬‬ ‫غ ْ‬
‫مشربه‪ ،‬صدقه‪ ،‬أمانته‪ ،‬طهارته‪ ،‬حكمته‪ ،‬تأمله‪ ،‬خلوته‪ ،‬صمته‪،‬‬
‫منطقه‪ ،‬فضله‪ ،‬تصدقه‪ ،‬عدله‪ ،‬إحسانه‪ ،‬بره‪ُ ،‬وده‪ ،‬إكرامه‪،‬‬
‫معاناته‪ ،‬رعيه للغنم‪ ،‬تجارته‪ ،‬إسراءه‪ ،‬معراجه إلى السماء‪ ،‬طفولته‪،‬‬
‫شبابه‪ ،‬أزواجه‪ ،‬بناته‪ ،‬أوالده‪ ،‬عماته‪ ،‬أعمامه‪ ،‬خاالته‪ ،‬أخواله‪،‬‬
‫أجداده‪ ،‬وامتد االهتمام حتى درسوا مكة وطرقاتها ودورها والكعبة‪،‬‬
‫بيته ومرقده ومقامه فيها‪ ،‬يثرب وطرقاتها ودورها ومسجده وغرف‬
‫أزواجه‪ ،‬متاعه وزهده‪ ،‬سعيه وبأسه‪ ،‬شجاعته‪ ،‬قتاله‪ ،‬حجة‬
‫وعمرته‪ ،‬صحابته‪ ،‬وصف صحابته‪ ،‬ألقابهم‪ ،‬مكانتهم‪ ،‬فرسه‪،‬‬
‫عصاه‪ ،‬ناقته‪ ،‬عمامته‪ ،‬آنيته‪ ،‬خاتمه‪ ،‬غزواته وسراياه‪ ،‬وفادات‬
‫ٌ‬
‫متعلق به إال ع ِّلموه‪،‬‬ ‫العرب إليه‪ ،‬عطاياه‪ ،‬حتى لم يبق هناك ش ٌيء‬
‫فقد صدقوا‪ ،‬وأدركوا أن اإليمان الحق بمحمد هو نصيف ينضاف‬
‫أحد على الرسول‬ ‫إلى نصفه اآلخر وهو اإليمان بالرسالة‪ ،‬ولم ينكر ٌ‬
‫‪117‬‬
‫د‪ .‬حسين صبري‬ ‫إنسانية محمد‬

‫ما عرفوه من تفاصيل حياته‪ ،‬فزادهم ً‬


‫إيمانا‪ ،‬إذ "ال يمكن ألي شخص‬
‫أن يدحض شي ًئا وهو يجهله ً‬
‫تماما" (‪ ،)25‬ومن األمور العجيبة أنه رغم‬
‫املنزلة التي حازها محمد في نفوس املسلمين وفي ضمائرهم‪ ،‬ورغم‬
‫مقامه الكريم بين الرسل واألنبياء‪ ،‬ورغم النزوع اإليماني املتنامي‬
‫والقوى – في كل عصر‪ -‬ملعرفة تفاصيل حياته‪ ،‬رغم هذا كله‪ ،‬لم ْ‬
‫تغب‬
‫ٌ‬
‫بشريته بين الناس أ ًبدا‪ ،‬وال ذهبت طوائف في حبه إلى درجة‬
‫ٌ‬
‫"التأليه"‪ ،‬أو ادعاء ألوهيته‪ ،‬مثلما ذهبت طوائف وأمم ٌأخرى مع‬
‫أنبيائهم وحكمائهم ومصلحيهم‪ ،‬إلى الحد الذي تجاوزوا فيه حدود‬
‫ُ‬
‫املنطق والعقل والعلم‪ ،‬من جهة ثانية؛ لم توقف رغبة املسلمين‬
‫ُ‬
‫العارمة في معرفة نبيهم؛ سعيهم وجهدهم البحثي في الدرس‬
‫والتمحيص والتدقيق لتفاصيل سيرته العطرة وسنته الشريفة‪ ،‬إذ‬
‫تفكيرا سل ًيما في موضوع ما‪ ،‬دون‬
‫"ليس من املتيسر لإلنسان أن يفكر ً‬
‫أن تكون لديه البيانات الكافية واملعلومات الضرورية املتعلقة‬
‫ً‬
‫تحديدا كانت‬ ‫باملوضوع الذي يفكر فيه" (‪ ،)26‬ولعل هذه املسألة‬
‫َّ‬
‫األشد بين املسلمين إليجاد منهجية التدوين في سيرة محمد‪،‬‬ ‫الدافع‬
‫الغياب ا ُ‬
‫لتام‬ ‫ُ‬ ‫نعني "كفاية املعلومات"‪ ،‬حيث نشأ عن هذه املنهجية؛‬
‫حتى اليوم ألي محاولة فردية أو جماعية‪ ،‬إلضفاء صفات إلهية على‬
‫شخص محمد‪ ،‬لتظل "إنسانيته" هي الفاعل األكبر في فهم املسلمين‬
‫ومقام كريم‪ ،‬وهذا يدعو للعجب من‬‫ٌ‬ ‫ٌ‬
‫وتفرد‬ ‫لقدره كرسول‪ ،‬له ٌ‬
‫تميز‬ ‫ْ‬
‫ِّ‬
‫‪118‬‬
‫د‪ .‬حسين صبري‬ ‫إنسانية محمد‬

‫هؤالء املغالين من طوائف الشيعة‪ ،‬ومن املندسين على مذاهب‬


‫الصوفية‪ ،‬الذين صنعوا مذاهب شتى في تقديس وتأليه األولياء‬
‫واألئمة‪.‬‬
‫ٌ‬
‫متواصل لهذا التيار؛ إذ تسعى‬ ‫ٌ‬
‫امتداد‬ ‫ولعل ما نشهده منذ عقود‪ ،‬هو‬
‫أعداد من الذين أسسوا جماعات وأحزاب ومذاهب‪ ،‬إلى تقديس‬ ‫ٌ‬
‫زعمائهم ومنظريهم ومرشديهم‪ ،‬حتى تعالوا ببعضهم إلى فوق رتب‬
‫األنبياء وأصحاب الرساالت السماوية‪ ،‬يبدو أن السبب األول في ذلك‪،‬‬
‫هو عدم "كفاية املعلومات والحقائق"‪ ،‬حول ِّسير تلك الزعامات‪،‬‬
‫واالضطراب املعرفي في وعي تابعيهم‪ ،‬والجهل بجوهر اإليمان في‬
‫اإلسالم‪ ،‬وربما كان لغرض سياس ي ليس له من سماحة الدين‬
‫نصيب‪ ،‬هذا ال يقدح في "الصالحين" من األولياء واألئمة؛ وإنما فيمن‬
‫يضعهم فوق منازل األنبياء واملرسلين‪.‬‬
‫يبدو أن "الفراغ" في أي أمر من أمور حياتنا‪ ،‬من جهة وفرة الحقائق‬
‫معلوما للناس؛ يوصل إلى مثل هذه الجهاالت‪ ،‬ألن‬ ‫ً‬ ‫التي تجعله‬
‫"الفراغ" إن لم يجد ما يس ُّده‪ ،‬تكالبت عليه الخرافة لتمأل مكانه‪،‬‬
‫ُ‬ ‫ُ‬
‫فاملعلم إن لم يشغل فراغ الوقت املخصص ملهمته التربوية‪ ،‬نهضت‬
‫أساليب التخريب والشطط‪ ،‬وكذا الطبيب‪ ،‬واملهندس‪،‬‬ ‫ُ‬ ‫بين طالبه‬
‫وكل صاحب صنعة أو مسئولية‪ ،‬حتى الرجل في بيته واملرأة في بيتها‪،‬‬

‫‪119‬‬
‫د‪ .‬حسين صبري‬ ‫إنسانية محمد‬

‫تسد الباب في وجه كل تطرف‪ ،‬وتوصد مسارات‬ ‫فإن كفاية الحقائق؛ ُّ‬
‫االنحراف‪.‬‬
‫ذبا وزو ًرا – الخطاب باسم‬
‫وهذه رسالة؛ ملن يثق فيمن يحتكر – ك ً‬
‫الدين‪ ،‬ليمأل فراغ العامة من حقائق اإلسالم بأباطيل وضالالت‪ ،‬من‬
‫وتلقبوا بأسماء وصفات وادعوا شعارات‪ ،‬هي ُمكو ٌن ٌ‬
‫حق من‬ ‫تكنوا َّ‬
‫َّ‬
‫ِّ‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫إفسادا للدين‪ ،‬ومسخا ألثر اإليمان‬ ‫موروثنا‪ ،‬لكنهم ما فعلوا ذلك إال‬
‫ً‬
‫وتشويها لحقائق اإلسالم النقية‪.‬‬ ‫في النفوس‪،‬‬

‫سيادة الروح النقدية‪:‬‬


‫لم يكن ُ‬
‫علم السيرة النبوية هو املورد األصيل ملعرفة نبي اإلسالم‬
‫وحسب‪ ،‬وإنما للبحث في مسيرة اإلسالم كله‪ ،‬فالتاريخ قد حقق ما‬
‫جاءت به املخطوطات املعبرة عن اإلسالم طوال أ بعة عشر ً‬
‫قرنا والتي‬ ‫ر‬
‫اب عاشوا في بلدان متفرقة‪ ،‬ولم تتح الظروف‬ ‫اشتركت في إنتاجها كت ٌ‬
‫ً‬
‫"تجانسا في التفكير‬ ‫ألي منهم أن يتعرف باآلخرين‪ ،‬مع ذلك تجد بينهم‬
‫ً‬
‫ووحدة واتفاقا في الغاية‪ ،‬مما يدل على صدقها" (‪ ،)27‬فصار "الصدق"‬
‫طابعا ً‬
‫علميا فوق كونه "األصل‬ ‫في حقائق اإلسالم وحقائق سيرة النبي ً‬
‫األخالقي" الذي لم يكن له شبيه في أمة سابقة (‪ ،)28‬إذ من خالله‬
‫انطلقت "الروح النقدية" في كتابة أحداث السيرة‪ ،‬وانضاف إليه‬
‫بعدت الكتابة عن الغموض والرموز والتعقيدات‬ ‫"الوضوح" حيث ُ‬
‫‪120‬‬
‫د‪ .‬حسين صبري‬ ‫إنسانية محمد‬

‫التي ال تخلوا منها مادة تاريخية في شتى الحضارات السابقة على‬


‫اإلسالم‪ ،‬يقول بودلي في تقديمه لكتابه عن الرسول‪:‬‬
‫‪ -‬إننا نجد أن قصة محمد واضحة كل الوضوح‪)29( .‬‬
‫هذا الباحث وهو يقرر هذه النتيجة‪ ،‬يشير إلى أسبابها في صدق‬
‫ووضوح الرواية والسند‪ ،‬وقد أسبغ التناغم بين "الصدق والوضوح"‬
‫ُ‬ ‫ً ً‬
‫معيارا ثالثا هو "الصحة" حتى اعتبرت كتب السيرة األولى وأبرزها‬
‫سيرة ابن إسحاق من أفضل وأقدم السير‪ ،‬وروايته فيها "صحيحة إلى‬
‫حد كبير" (‪ ،)30‬وتكاملت للسيرة روحها النقدية بمعيار رابع هو‬
‫«الدقة» التي حرص عليها املؤرخون ‪ -‬قدامى ومحدثون ‪ -‬فاعتبرها‬
‫البعض؛ املرة األولى في الحضارة العاملية التي "يكتب فيها رج ٌل ترجمة‬
‫ً‬
‫حياة بهذا التفصيل وهذه الدقة" (‪ ،)31‬ونتيجة لتكامل هذه املعايير‬
‫األربعة؛ الصدق‪ ،‬الوضوح‪ ،‬الصحة‪ ،‬والدقة‪ ،‬في تسجيل هذا النص‬
‫التاريخي؛ سادت الروح النقدية في إثبات حقائق السيرة النبوية‪،‬‬
‫وإثبات واقعيتها‪ ،‬اتساقها‪ ،‬ترابط تفاصيلها‪ُ ،‬وبعدها عن التضارب‬
‫والتناقضات‪ ،‬فلم يعتمد املؤرخون في بناء فصولها على ذاكرتهم‬
‫وانطباعاتهم‪ ،‬وإنما حاولوا "هيكلة بناء تاريخي‪ ،‬ورجعوا إلى وثائق‬
‫وكتابات سابقة في رواياتهم‪ ،‬وأسندوا الروايات الشفوية إلى مصادرها‬
‫جوهريا‪ ،‬بل ومعيا ًرا ُيضاف‬
‫ً‬ ‫األصلية" (‪ ،)32‬مما جعل "التوثيق" ً‬
‫ركنا‬
‫إلى معايير "الروح النقدية" في كتابة السيرة‪ ،‬فإن عروة بن الزبير وهو‬
‫‪121‬‬
‫د‪ .‬حسين صبري‬ ‫إنسانية محمد‬

‫أول من صنف في املغازي والسير على اإلطالق؛ يعتني بالتوثيق‪ ،‬وفي‬


‫أقدم نص موجود اآلن بين أيدينا عن مدى الدقة التي تحلى بها‬
‫التابعون في التحري عند الكتابة في السيرة‪ ،‬أن عروة كانت لديه كتب‪،‬‬
‫وكان يأمر أبناءه بنسخها ثم مقابلتها على األصل املنقول عنه‪ ،‬فقال‬
‫مرة البنه هشام‪:‬‬
‫‪ -‬كتبت؟‬
‫‪ -‬قال‪ :‬نعم‬
‫‪ -‬قال‪ :‬عارضت‬
‫‪ -‬قال‪ :‬ال‬
‫‪ -‬قال عروة‪ :‬لم تكتب‪)33( .‬‬

‫وكان حرص الذين تصدوا لتوثيق حقائق السيرة هو الدافع لنشأة‬


‫"الجرح والتعديل" حتى صار ً‬
‫علما في نقد النقل والرواية‪ ،‬إذ بموجبه‬
‫ميز الكتاب بين "عدول الناقلة والرواة وثقاتهم وأهل الحفظ‬
‫واإلتقان منهم‪ ،‬وبين أهل الغفلة والوهم وسوء الحفظ والكذب‬
‫ُ‬
‫واختراع األحاديث الكاذبة" (‪ ،)34‬مما يدل على امتالك هؤالء الك َّتاب‬
‫القدرة على تحديد الضوابط املوضوعية في النقل والرواية‪ ،‬من مثل‪:‬‬
‫العدل‪ ،‬الثقة‪ ،‬الحفظ‪ ،‬الثبت‪ ،‬واإلتقان‪ ،‬ومقابلتها بموجهات الذاتية‬
‫املتطرفة التي أوقعت الباحثين في أحكامهم الباطلة‪ ،‬من مثل‪ :‬الغفلة‪،‬‬
‫الوهم‪ ،‬النسيان‪ ،‬الكذب‪ ،‬واالختالق‪.‬‬
‫‪122‬‬
‫د‪ .‬حسين صبري‬ ‫إنسانية محمد‬

‫وقد تكاملت السيادة للروح النقدية في كتابة السيرة باإلسناد‪ ،‬ألن‬


‫ُ‬
‫كتابها اعتبروا " أن األخبار إذا تعرت عن وجود األسانيد فيها كانت‬
‫بترا" (‪ ،)35‬حيث إنه "إذا ضاعت األصول ضاع معها التاريخ" (‪،)36‬‬ ‫ً‬
‫َّ‬ ‫ُ‬
‫واملرجح أن وراء نشأة هذا الفهم بين كتاب السيرة‪ ،‬هو ما استشعر ه‬
‫و‬
‫من النص القرآني من الحرص على التثبت من الخبر‪ ،‬والحرص على‬
‫نقاوة كل ما يعبر عن نبي اإلسالم‪ ،‬فمن الواضح أنهم رغم محبتهم‬
‫وتوقيرهم ملحمد إلى هذا الحد‪ ،‬لكنهم " لم يتجنبوا النقد والتمحيص‬
‫في عملهم‪ ،‬ولحد كبير‪ ،‬كنتيجة ملجهوداتهم‪ ،‬أصبحنا نعرف عن‬
‫محمد أكثر مما نعرف عن مؤسس ي الديانات الرئيسية" (‪ ،)37‬فقد‬
‫"وضعوا الضوابط العقلية لنقد املتن ليواكب ضوابط نقد السند"‬
‫(‪ ،)38‬وتجاوزوا في تقدهم هذا حدود التنظير حتى جعلوه ممارسة‬
‫ً‬
‫وتطبيقا‪ ،‬لكي "يتسم املنهج النقدي اإلسالمي بالطابع العلمي" (‪،)39‬‬
‫ً‬ ‫متفردا ً‬
‫ائدا مستنبطا من نصوص الوحي‪،‬‬ ‫ً ر‬ ‫نقدا متم ًيزا‬
‫فكان نقدهم ً‬
‫متشبعا بروح إيمانية خالصة‪ ،‬ال تعرف املهادنة أو السهو أو‬ ‫ً‬
‫منهجا ً‬
‫نقديا‬ ‫التغافل‪ ،‬حتى أنه يمكننا القول‪ :‬إن املسلمين قد أسسوا ً‬
‫ً‬
‫للنصوص واألحداث قبل أن تكون له هيئته التي ُعرف بها حديثا في‬
‫أوروبا‪ ،‬وكان له السبق على الفلسفات النقدية الحديثة التي هي في‬
‫صميمها "رو ٌح ومنهج" (‪ ،)40‬لهذا يظل سؤالنا ‪ -‬الذي ُيعد من‬
‫الفرضيات األولى املوجهة لدراستنا ‪ -‬في حاجة إلى إجابة‪ ،‬وهو‪:‬‬
‫‪123‬‬
‫د‪ .‬حسين صبري‬ ‫إنسانية محمد‬

‫‪ -‬من أين يأتي الخلل‪ ،‬وملاذا‪ ،‬في كثيرمن األحكام الصادرة عن نبي‬
‫اإلسالم محمد؛ بشرا نبيا‪ ،‬سيرة وسنة؟‬
‫مقدمات الخلل في الحكم على إنسانية محمد‪:‬‬
‫ً‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫بعد أن قهر اإلسالم أوروبا ً‬
‫و‬
‫غربا وشرقا و ضع له فيها قدما راسخة‬
‫ُ‬
‫انتباه األوربيين إلى‬ ‫بقوة الفتح الديني‪ ،‬والعلمي‪ ،‬واألخالقي؛ تحول‬
‫اإلسالم ونبي اإلسالم‪ ،‬وطوال القرون التي تلت هذا الوجود؛ صدرت‬
‫أحكام عدة‪ ،‬تصدى إلقرارها بعض الذين كانت لهم مكانتهم الدينية‬ ‫ٌ‬
‫ً‬
‫وأحيانا العلمية‪ ،‬كانت في أغلبها مضادة للحقائق املتواترة‬ ‫والسياسية‬
‫عموما‪ ،‬ومضادة لصحة إسنادها وكفايتها‬‫في سيرة محمد وفي اإلسالم ً‬
‫ودقة إثباتها‪ ،‬أطلقها أصحابها بدعوى التجرد واملوضوعية‪ ،‬الغريب‬
‫أن هذه األحكام قد صار لها نفوذها فانتقلت من جيل إلى جيل‪ ،‬ومن‬
‫جزءا من موروثهم الفكري‪ ،‬مع أن‬‫بقعة ألخرى‪ ،‬حتى كادت أن تصبح ً‬
‫املوضوعية في بحث وتحليل سيرة محمد عليه السالم‪ ،‬ليست في‬
‫االنفصال عن األهواء وامليول والعصبيات الضيقة‪ ،‬وليست في‬
‫الثقافات السائدة وأنماط النشأة والتربية‪ ،‬وإنما في كفاية الحقائق‬
‫واتساقها وحجيتها‪ ،‬أما ادعاء التجرد واملوضوعية فهو من قبيل‬
‫ً‬ ‫ُ‬
‫"الحق الذي أريد به باطال"‪ ،‬فحقيقته راجعة إلى ذوات أصحاب هذه‬
‫األحكام التي تطرفت في حكمها على اإلسالم وعلى نبي اإلسالم بأثر من‬

‫‪124‬‬
‫د‪ .‬حسين صبري‬ ‫إنسانية محمد‬

‫أفكار مسبقة من التراث الفكري والديني اللذين كانت لهما السيادة‬


‫آنذاك في أوروبا‪.‬‬
‫وأدبيا ً‬
‫وفنيا منذ‬ ‫وفلسفيا ً‬
‫ً‬ ‫ورغم التطور الذي صنعته أوروبا ً‬
‫علميا‬
‫بدء عصر النهضة‪ ،‬ورغم التوافق بين العلم والفلسفة واألدب‪،‬‬
‫وإضاءات الوعي واإلصالح والتنوير‪ ،‬وممارسات التجريب وثورة‬
‫الفكر العلمي عند بيكون ثم ديكارت‪ ،‬ودقة النقد وتتابع نظرياته‪،‬‬
‫رغم هذا كله راجت في ثقافتهم هذه األحكام وانسلخت ‪ -‬هي وحدها‬
‫دونا عن بقية األحكام ‪ -‬عن جادة النقد واستواء النفس‪ ،‬إلى أن‬ ‫ً‬
‫تملكت وجدانهم واستقرت لديهم في الدرك األعلى من االستهواء من‬
‫غير دليل‪.‬‬
‫وقفا على نطاقها‬ ‫تبق ً‬ ‫ما حدث أن هذه األحكام املضادة للعلم؛ لم ْ‬
‫األوروبي الذي ُولدت فيه ونمت‪ ،‬وإنما عبرت إلى الشرق كغيرها من‬
‫أفكار ونظريات‪ ،‬فتلقفها بعضنا فتبنوها وتنافسوا في التدليل على‬
‫تطورها‪ ،‬إلى أن أصبح هؤالء يشكلون تيا ًرا يدعي الحداثة‪ ،‬ال هو دين ٌي‪،‬‬
‫وال هو سياس ٌي‪ ،‬ومن حين آلخر ينشط هذا التيار تحت دعاوى كثيرة‬
‫وغايات أكثر‪ ،‬أقلها الطعن في مصادر السيرة النبوية؛ محتواها‬
‫وكتابها‪ ،‬وأعظمها إنكار نبوة محمد ﷺ‪ ،‬وهم يعلمون أن هناك‬
‫أحكاما ونظريات صدرت منذ قدماء اليونان على لسان فالسفة‬ ‫ً‬
‫ً‬
‫طويال ً‬
‫إيمانا مطل ًقا ولم يجرؤ أحد على‬ ‫وعلماء‪ ،‬وآمن بها الناس‬
‫‪125‬‬
‫د‪ .‬حسين صبري‬ ‫إنسانية محمد‬

‫مخالفتها‪ ،‬حيث اعتقدوا صحتها واستقرت في ذاكرتهم الجماعية‪،‬‬


‫وجاء العلم بعدها بمعطيات وأدلة يقينية تثبت أن تلك األحكام‬
‫والنظريات قد تشكلت وعاشت وهي باطلة‪ ،‬وهذا معناه أن مراجعات‬
‫العلماء لتحليالتهم ونظرياتهم هو "واجب علمي" وأن نقدهم‬
‫ألحكامهم هو "ضرورة أولى" من ضرورة التحري والبحث عن‬
‫الحقيقة‪.‬‬
‫يبدو أن هذا التيار يمثل امتدا ًدا ملا صاحب اإلسالم بعد انطالقته‬
‫األولى خارج الجزيرة العربية‪ ،‬إذ "ظلت العقيدة راسخة في يقين‬
‫املسلمين ما استقرت في وجدانهم‪ ،‬فلما عظمت الفتوحات وتناحرت‬
‫الثقافات وازدحمت الساحة بأجناس شتى وملل متباينة‪ ،‬تنازعت‬
‫العقيدة خصومات وشبهات عدة" (‪ ،)41‬طالت النبوة والرسالة‬
‫ً‬
‫ظاهريا ‪ -‬عن‬ ‫والوحي‪ ،‬ولعل وراءها عصبيات الذين تخلوا –‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫تحسرا على ما فقدوه من‬ ‫معتقداتهم رهبة من قوة املسلمين وقتها‪ ،‬أو‬
‫السلطة والنفوذ‪ ،‬لسنا مع أو ضد "نظرية املؤامرة" لتناقضها مع‬
‫العلم وإجراءات البحث‪ ،‬نحن مع حقيقة "املغالبة" في الوجود بين‬
‫األفراد واألمم والفلسفات واألفكار والنظريات‪ ،‬لكن أسوأ ما في‬
‫ً‬
‫املغالبة أن تفقد هذه املغالبة أخالقها‪ ،‬فبدال من اللجوء إلى جهد‬
‫الباحثين العلمي؛ يتحول املغالب إلى "رسم صورة محددة قائمة في‬
‫نفسه‪ ،‬منصوبة لعينيه‪ ،‬يرسمها لهدف معين مقصود لذاته" (‪،)42‬‬
‫‪126‬‬
‫د‪ .‬حسين صبري‬ ‫إنسانية محمد‬

‫وتلك هي املغالبة بالعصبية كالتي آمن بها ابن خلدون عندما قرر بأن‬
‫"الغلب إنما يكون بالعصبية" (‪ ،)43‬لكننا نعني املغالبة بالعلم وحيادية‬
‫البحث ونزاهة األحكام‪.‬‬
‫أيضا مع الجنوح للمجاملة أو املواربة‪ ،‬بنفس القدر الذي نريد‬ ‫ولسنا ً‬
‫به الكشف عن أساليب اإلجحاف في هذه األحكام‪ ،‬فما نسعى إليه‬
‫هو الحرص على التئام الضوابط املوضوعية والذاتية في تقرير أي‬
‫حكم يمس إنسانية محمد عليه السالم‪.‬‬
‫ُ‬ ‫ٌ‬
‫هناك مساحة تتقاطع فيها املوضوعية والذاتية‪ ،‬ال ترى ويصعب‬
‫ٌ‬
‫تقديرها أو تحديدها‪ ،‬هي مساحة إيمانية‪ ،‬تدعو الباحث في العلم أن‬
‫يفسح املجال لبصيرته لتحري الحق وبناء ُحكمه‪ ،‬بقوة العلم ال بقوة‬
‫املوروث من األفكار والتربية‪ ،‬فلعل جوهر اإلشكالية في هذا اإلطار‬
‫اجع إلى أن أغلب الجهد بين العلماء في أوروبا منذ بدء النهضة‪ ،‬قد‬ ‫ر ٌ‬
‫ضيق الخناق على البصيرة لحساب البصر والحس املادي‪ ،‬حتى كانت‬
‫السطوة لهذا املادي فوق ما يملك العلماء من حدس‪ ،‬ومقتضيات‬
‫ُ‬
‫العلم تأبى أن تتضخم ثقة العلماء إلى هذا الحد بما هو مادي‪ ،‬كما ال‬
‫ٌ‬
‫وجود في العلم ملا يسمى بفكرة "العزة باإلثم"‪،‬‬ ‫ينبغي أن يكون هناك‬
‫فالعزة في العلم ال تؤخذ إال بعلم وليس بالجرأة على العلم وضوابط‬
‫البحث‪ ،‬إن من يتجرأ على كفاية النص التاريخي وصحة سنده وقوة‬
‫حجته‪ ،‬ال يؤسس جرأته على حق‪ ،‬إنما يؤسسها على مغالطة‪ ،‬ويلجأ‬
‫‪127‬‬
‫د‪ .‬حسين صبري‬ ‫إنسانية محمد‬

‫إلى اإلنكار والتبرير واالستيالء على أدمغة الناس ومشاعرهم‬


‫باالنتقائية واالستنتاج القسري‪ ،‬وباقتالع تفاصيل التفاصيل الواردة‬
‫ً‬
‫تعسفيا‪.‬‬ ‫ً‬
‫استخالصا‬ ‫ضمن النصوص والوقائع‪ ،‬الستخالص ما يريد‪،‬‬
‫الجرأة" على العلم والبحث العلمي؛ أن‬ ‫وأخطر ما يمكن أن تأتي به " َ‬
‫ٌ‬
‫تتعهدها أنظمة ومؤسسات تدعي النزاهة والحيادية‪ ،‬ألنها تستبدل‬
‫قوة العلم بقوى أخرى ال عالقة لها بالعلم‪ ،‬وهذا يوصل إلى " اختالل‬
‫موازين العقل أو موازين الوجدان" (‪ ،)44‬ويوجه البحث لكي " ُيستخدم‬
‫لتبديد اتجاهاتنا وتعصباتنا" (‪ ،)45‬مما يسلب العلم هيبته ويبدد‬
‫الرصيد اإلنساني للباحث ويدفعه إلى استنباط أحكام بغير حق على‬
‫نبي اإلسالم‪ ،‬حيث تعلو في ذوات العلماء الباحثين قوة التطرف فوق‬
‫قيم االعتدال‪ ،‬فيضطرون إلى تفسير ما "ال يملكون حتى إطا ًرا لهذا‬
‫التفسير"(‪ ،)46‬فتغيب معه قدراتهم على نقد أنفسهم وموضوعاتهم‬
‫وأحكامهم‪ ،‬وهذه من أوليات اإلجراءات البحثية‪ ،‬ألن الناقد "يجب أن‬
‫يكون ذا حظ كبير من العقل‪ ،‬وحظ كبير من الذوق" (‪ُ ،)47‬ليفعل‬
‫ٌ‬
‫أدوات الضبط املوضوعي والذاتي في عمله البحثي‪ ،‬إذ هناك أنماط‬
‫ٌ‬
‫عدوات غير مبررة عن أي فكر‬ ‫من الباحثين املستشرقين الذين لديهم‬
‫ض غريبة‬ ‫ُيعبر عن سيرة أو إنسانية أو أخالق محمد‪ ،‬تصيبهم عوار ٌ‬
‫إذا وقعت عيونهم ‪ -‬فيما يقرأون‪ -‬على وصفه وفعله ورسالته‪،‬‬
‫تعويضا عن إحساسهم‬ ‫ً‬ ‫فيتوجهون بالكلية إلى "تشويه صورة اإلسالم‬
‫‪128‬‬
‫د‪ .‬حسين صبري‬ ‫إنسانية محمد‬

‫بالنقص" (‪ ،)48‬عن طريق إصدار أحكام مبنية على الطعن في محمد‬


‫ً‬
‫أو في القرآن‪ ،‬فتكون أحكامهم معبرة عن "تعصب ديني أعمى أو جهل‬
‫أحمق" (‪ ،)49‬وكل حكم هذا حاله؛ ينبغي معالجته وتحليله بروية‪،‬‬
‫الستجالء ما يحمل من محددات "الخلل"‪ ،‬وهذا هو املوضوع الذي‬
‫سنتمم به دراستنا في هذا الجزء من "إنسانية محمد"‪.‬‬

‫محددات الخلل‪:‬‬
‫إن الخلل الحاصل في أحكام العلماء حول "محمد"؛ ال يخرج عن‬
‫محددات ثالثة‪:‬‬
‫‪ o‬األول؛ مبعثه هو "الخلل النفس ي" الذي يعطل الضوابط‬
‫الذاتية ويؤثر في مداخل العلماء لفهم موضوع البحث‬
‫ومصادر املعلومات ووقائعها الدالة عليها‪ ،‬هذه الضوابط‬
‫الذاتية لها ٌ‬
‫أبعاد عدة‪ ،‬من مثل‪ :‬األمانة‪ ،‬التواضع‪ ،‬اإلخالص‪،‬‬
‫والتقدير كأبعاد أخالقية‪ ،‬والثقة‪ ،‬والرغبة كأبعاد نفسية‪،‬‬
‫والنشأة والقناعات واملوجهات كأبعاد تربوية‪ ،‬إضافة إلى‬
‫القدرة ببعديها العلمي واللغوي‪ ،‬وهذه األبعاد تتصل‬
‫بالباحث "اإلنسان"‪ ،‬ولها استقاللها عن موضوع البحث‪،‬‬
‫لذلك فهي ذاتية‪ ،‬ويدلنا وجودها على درجة االستواء أو‬
‫التطرف في الحكم‪.‬‬
‫‪129‬‬
‫د‪ .‬حسين صبري‬ ‫إنسانية محمد‬

‫‪ o‬والثاني؛ مبعثه "الخلل املعرفي" الذي يعطل الضوابط‬


‫املوضوعية‪ ،‬من مثل‪ :‬القدرة على التحقق من موضوع البحث‪،‬‬
‫ودرجة الدقة في التنقيب عن حقائق هذا املوضوع‪ ،‬والقدرة‬
‫على الفصل بين الحقائق واالنطباعات الخاصة‪ ،‬وفحص‬
‫الحقائق وتوثيقها وتحليلها والربط بين عناصرها‪ ،‬وتحديد‬
‫صدقها وجديتها ودرجة اتساقها‪ ،‬واستنتاج ما بينها من‬
‫عالقات ومقارنات ومقاربات‪ ،‬ولها استقاللها عن ذات‬
‫الباحث‪ ،‬لذلك فهي موضوعية‪ ،‬ويدلنا وجودها على درجة‬
‫الكفاية من الحقائق واألدلة في موضوع البحث‪.‬‬
‫‪ o‬والثالث؛ مبعثه "الخلل املنهجي" الذي يعطل الضوابط‬
‫معا‪ ،‬حيث يمتد تأثيره للباحث وموضوع‬ ‫الذاتية واملوضوعية ً‬
‫بحثه‪ ،‬فيعطل مسارات العلم واجراءاته البحثية‪ ،‬ويصنع‬
‫الفروق الشاسعة بين الباحثين في أحكامهم على املوضوع‬
‫نفسه‪.‬‬
‫وفي تاريخ الفكر العديد من الشواهد الدالة على هذه املحددات‬
‫الثالثة من الخلل‪ ،‬إذ هي فوق الحصر‪ ،‬وتوجد متداخلة متشابكة‪،‬‬
‫حيث يصعب تحديد املؤثر النفس ي فيها أو فصله عن الخلقي أو‬
‫التربوي أو العلمي أو املعرفي أو املنهجي‪ ،‬وتشير إلى درجة التخبط في‬
‫فهم املادة التاريخية في سيرة محمد‪ ،‬وإلى أي مدى تتأثر أحكام‬
‫‪130‬‬
‫د‪ .‬حسين صبري‬ ‫إنسانية محمد‬

‫سلبيا مض ًادا ملقتضيات‬


‫تأثرا ً‬
‫الباحثين بموروثاتهم الفكرية والتربوية‪ً ،‬‬
‫املنهج العلمي‪ ،‬سواء أكان هؤالء الباحثين من املستشرقين أم من‬
‫املسلمين‪.‬‬
‫ل ُ‬
‫وسنحاو أن نخضع للتحليل والنقد‪ ،‬مجموعة الشواهد التي تم‬
‫اختيارها‪ ،‬للداللة على محددات الخلل الثالثة‪ ،‬ومن أبرزها‪:‬‬

‫(‪ )1‬التعسف في الحكم‪:‬‬


‫فالباحث له الحق في تحديد موضوع بحثه واختيار مصادره وترتيب‬
‫وتصنيف معلوماته وتقرير كفايته من الحقائق‪ ،‬وله الحق في الفهم‬
‫والتحليل والربط واالستنتاج والحكم‪ ،‬شريطة أال تخرج إجراءاته‬
‫هذه عن ضوابط املنهج‪ ،‬ألن "أشد ما يميز العلم هو املنهج" (‪ ،)50‬فإن‬
‫تجاوز املنهج أخذه البحث دون أن يدري إلى نوع من التعسف في‬
‫خلل م ٌ‬
‫نهجي‬ ‫الفهم الذي يوصله إلى التعسف في الحكم‪ ،‬والتعسف ٌ‬
‫ٌ‬ ‫ٌ‬
‫معرفي بالدرجة األولى‪ ،‬ال يعدم األثر النفس ي‪ ،‬وهو نقيصة في‬
‫عدد من‬‫إجراءات البحث‪ ،‬وأخطر ما في التعسف أن يجتمع عليه ٌ‬
‫الباحثين‪ ،‬كمن أنكروا األحداث املهمة التي عاشها النبي محمد قبل‬
‫بعثته‪ ،‬وكان لها أثرها‪ ،‬رغم تواتر خبرها وصحة إسنادها وإجماع‬
‫املصادر على ذكرها‪ ،‬يقول مرجليوث "ظل محمد لسنوات عديدة‬
‫عاديا‪ ،‬ال يعتريه ش يء استثنائي حتى بلغ سن‬‫تاجرا ً‬ ‫ً‬
‫محترما‪ً ،‬‬ ‫طنا‬‫موا ً‬
‫‪131‬‬
‫د‪ .‬حسين صبري‬ ‫إنسانية محمد‬

‫محمدا "لم يكن سوى رجل‬ ‫ً‬ ‫األربعين" (‪ ،)51‬يؤيده نيكلسون في أن‬
‫قرش ي عادي‪ ،‬وبالكاد يمكن اعتبار أي ش يء يتعلق به قبل ذلك‬
‫يخيا‪ ،‬باستثناء زواجه من السيدة خديجة"(‪ ،)52‬وسار‬ ‫الحدث تار ً‬
‫الباحث الفرنس ي جاك ريسلر في الوجهة نفسها حين يستنتج أننا "ال‬
‫نملك الكثير من الشواهد املؤكدة عن حياة محمد ط ًفال أو ً‬
‫شابا‪،‬‬
‫وكانت قبيلته تطلق عليه األمين" (‪ ،)53‬وبتحليل بسيط لهذا الحكم‬
‫الذي يحمل تناقضاته في طياته؛ ندرك قدر التعسف في الفهم الذي‬
‫ً‬
‫يقفز فوق الوقائع التي دونتها واتفقت عليها مصادر السيرة‪ ،‬بدءا من‬
‫والدة النبي‪ُ ،‬ي ْت ِّمه‪ ،‬رضاعته‪ ،‬ذهابه للبادية‪ ،‬تعففه عن عبادة‬
‫األصنام‪ ،‬رفضه اللهو والشراب الذين كانا من العادات األصيلة‬
‫لعامة قريش‪ ،‬احتكام سادة قريش إليه في وضع الحجر األسود‪ ،‬ثقة‬
‫ً‬
‫قريش في أمانته على ودائعهم‪ ،‬وصدقه فيهم ووصفه اتفاقا بينهم أنه‬
‫ً‬
‫"الصادق األمين"‪ ،‬كما تضمن هذا التعسف تجاوزا لحقائق مؤكدة‪،‬‬
‫شديدا في صنعه‪ ،‬يقول‬ ‫ً‬ ‫يبدو أن للموروث الفكري والتربوي ً‬
‫أثرا‬
‫لوبون في "حضارة العرب"‪ :‬إن التاريخ لم يخبرنا عن سيرة محمد في‬
‫السنين الخمس عشر التي انقضت بعد زواجه بخديجة‪ ،‬وبعدها‬
‫بسطر واحد يكمل بقوله " لم يتكلم محمد عن بعثته إال بعد بلوغه‬
‫قائما يتحنث على جبل حراء الذي‬ ‫األربعين من عمره‪ ،‬بعد أن كان ً‬
‫يبعد ثالثة أميال من مكلة‪ ،‬مثلما يفعل كل سنة" (‪ ،)54‬فهل تغافل ‪-‬‬
‫‪132‬‬
‫د‪ .‬حسين صبري‬ ‫إنسانية محمد‬

‫رغم ميله لإلنصاف ‪ -‬عن أن يعي أن نبوة محمد ليست من صنعه وال‬
‫محمدا ظل يتحنث طوال السنين التي انقضت بعد‬ ‫ً‬ ‫من ترتيبه‪ ،‬وأن‬
‫زواجه من خديجة حتى لحظة تكليفه بالرسالة ؟!‬
‫يخيا – بحكم ينطوي على كل هذا‬ ‫علميا وتار ً‬
‫فكيف يمكن الثقة – ً‬
‫التعسف في الفهم‪ ،‬وعلى تجاوز لحقائق‪ ،‬وإنكار ألخرى؟!‬

‫(‪ )2‬إنكارالحقائق‪:‬‬
‫من بديهيات البحث العلمي‪ ،‬أن يتخذ تفكير الباحث مسا ًرا عل ً‬
‫ميا "ال‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫قانونا أو نظرية‪ ،‬إذ ال بد أن تكون‬ ‫يكتفي باملالحظات ليصنع منها‬
‫ٌ‬ ‫ُ‬
‫الوقائع كافية" (‪ ،)55‬إن كفاية الحقائق مؤكدة ومبررة لصحة الحكم‪،‬‬
‫ٌ‬
‫هذه الكفاية هي ضابط موضوعي‪ ،‬فإذا ما صدر حكم ال تدعمه‬
‫الكفاية من الحقائق املعبرة عن وقائعه‪ ،‬فقد علميته وانقطع عن‬
‫أسانيد صحته‪ ،‬مثلما يحدث في ساحات القضاء حال عدم كفاية‬
‫األدلة‪.‬‬
‫ٌ‬ ‫ُ‬
‫ونبوة محمد حقيقة‪ ،‬وبكل املقاييس‪ ،‬مبينة على توثيق تاريخي وعلمي‪،‬‬
‫ُ‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫ً‬
‫ديني وأخالقي‪ ،‬وإنكارها – تجاهال أو تغافال‪ ،‬سهوا أو قصدا ‪ -‬يفقد‬
‫أي حكم يطال النبي محمد شروط صحته‪ ،‬ففي هذا اإلنكار ٌ‬
‫خلل‬
‫ٌ‬
‫وخلل معرفي‪،‬‬ ‫متكامل‪ ،‬نفس ٌي في املقام األول‪ ،‬يسانده ٌ‬
‫خلل منهجي‬
‫ات تدل عليه‪ ،‬يقول ول ديور انت‪:‬‬‫ولهذا اإلنكار إشا ٌ‬
‫ر‬
‫‪133‬‬
‫د‪ .‬حسين صبري‬ ‫إنسانية محمد‬

‫ً‬ ‫‪ -‬إن أمية محمد لم ْ‬


‫تحل بينه وبين قدرته على تعرف الناس تعرفا‬
‫قلما يصل إليه أرقى الناس ً‬
‫تعليما‪)56( .‬‬

‫هذا الحكم يشير إلى إغفال الباحث لعنصر جوهري من عناصر‬


‫إنكار لحقيقة مهمة ال تقل ً‬
‫أثرا في‬ ‫موضوع بحثه‪ ،‬هذا اإلغفال فيه ٌ‬
‫إنسانية محمد عن بشريته‪ ،‬هو نبوته‪.‬‬
‫يقر جورج بو بدهشته ‪ -‬وليس بالتحليل املنطقي‬ ‫وفي مثل آخر‪ُّ ،‬‬
‫والتاريخي ‪ -‬لقدرة اإلسالم على السيادة الدينية التي مكنته من النمو‬
‫السريع واالنتشار الواسع والبقاء الدائم‪ ،‬إذ يقول‪:‬‬
‫محمدا وضع أساس إمبراطورية تمكنت في غضون فترة قصيرة‬ ‫ً‬ ‫‪ -‬إن‬
‫عاما من بسط نفوذها على الكثير من املمالك‬ ‫ال تتجاوز الثمانين ً‬
‫والبلدان متجاوزة ما تمكنت روما من االستيالء عليه في ثمانمائة عام‪.‬‬
‫(‪)57‬‬

‫هذا الحكم؛ ارتكب كثيرا من مضادات العلم‪ ،‬هي‪:‬‬


‫‪ ‬إنكار الباحث – ً‬
‫عمدا ‪ -‬لحقيقة نبوة محمد ﷺ‪ ،‬وأثرها في نمو‬
‫اإلسالم‪.‬‬
‫‪ ‬وإنكاره لكثير من الحقائق األخرى املفسرة النتشار اإلسالم‪ ،‬من‬
‫مثل‪ :‬صدق الدعوة‪ ،‬صدق الرسول‪ ،‬الروح اإليمانية بين أصحاب‬
‫ً‬
‫سائدا في هذه‬ ‫الدعوة‪ ،‬شدة وطغيان الظلم السياس ي الذي كان‬

‫‪134‬‬
‫د‪ .‬حسين صبري‬ ‫إنسانية محمد‬

‫ُ‬
‫املمالك والبلدان‪ ،‬وكراهية الناس فيها ملعتقداتهم البالية التي أجبروا‬
‫على اعتناقها‪.‬‬
‫‪ ‬وعدم ضبط معايير املقارنة التاريخية بين امبراطوريتي الروم‬
‫واإلسالم‪ ،‬اللذين تزامنا لسنوات طوال‪ ،‬فقد توقف الباحث عند‬
‫"زمن" التأسيس والقوة في الحضارتين‪ ،‬وتجاهل بقية املقارنة في‬
‫"زمن" االستمرار والبقاء‪ ،‬إذا بينما ضعفت إمبراطورية الروم وتوارت‬
‫في مائة عام ألسباب عدة على رأسها االنحالل األخالقي‪ ،‬فإن الحضارة‬
‫اإلسالمية ‪ -‬ورغم عثراتها ‪ -‬لم ينقطع وجودها وأثرها ألكثر من أربعة‬
‫عشر ً‬
‫قرنا‪.‬‬
‫فهل لم تفصح تلك املقارنة للباحث عن ش يء؟‬
‫مجرد سؤال ‪ -‬تقتضيه ضرورة العمل البحثي ‪ُ -‬‬
‫الظن أنه من قبيل‬
‫األسئلة التي تحمل في طياتها إجاباتها‪.‬‬
‫دليل على وجود الخلل في بحث ما؛ مثلما يدل عليه إنكار‬ ‫فليس هناك ٌ‬
‫كثير من الباحثين بإنكارهم نبوة‬‫حقائق جوهرية‪ ،‬كالتي وقع فيها ٌ‬
‫محمد‪ ،‬يتساءل فنسنك‪:‬‬
‫مستعدا الختصار اإلسالم إما في عبارة‬ ‫ً‬ ‫ٌ‬
‫محمد نفسه‬ ‫‪ -‬هل كان‬
‫موجزة أو في عقيدة ؟‪ ،‬لقد رأينا أنه على ما يبدو لم يكن يريد أن يفعل‬

‫‪135‬‬
‫د‪ .‬حسين صبري‬ ‫إنسانية محمد‬

‫ذلك‪ ،‬سواء في القرآن الكريم أو في وثائقه الدبلوماسية‪ ،‬أو كما يبدو‬


‫في أقواله‪ ،‬ويتفق ذلك ً‬
‫تماما مع شخصيته‪)58( .‬‬
‫ٌ‬
‫في هذا الحكم كشف بي ٌن عن نسيج متشابك من متالزمة "الخلل‬
‫ً‬
‫البحثي"‪ ،‬أوال في غموض العبارة؛ من حيث مفرداتها ودالالتها‪ ،‬وهو‬
‫إهمال اإلشارة لحقيقة نبوة محمد وهذا‬ ‫ُ‬ ‫خلل معرفي‪ُ ،‬يضاف إليه‬ ‫ٌ‬
‫خلل نفس ي‪ ،‬مع خلل منهجي في عدم بناء الحكم على مكون رئيس من‬ ‫ُ‬
‫موضوع البحث وهو "مقتضيات النبوة"‪ ،‬إضافة إلى عدم الربط بين‬
‫أخالق محمد في صدقه وإيمانه بدعوته مع ما يطرحه السؤال‪ ،‬وهذا‬
‫دال على خلل منهجي نفس ي‪.‬‬ ‫ٌ‬
‫هكذا يكون مجموع ما وقع فيه هذا الباحث من الغموض والغفلة‬
‫واإلهمال؛ هو ما يوضح بشكل حاسم إنكاره لحقائق مهمة أفقدته‬
‫متطلبات الصحة لحكمه‪.‬‬
‫ورغم صعوبة الجزم بوجود "سبق اإلصرار" في مثل هذا اإلنكار‪ ،‬وهذا‬
‫يعتبر حجر عثرة أمام املحققين ألحكام العلماء‪ ،‬لكننا ‪ -‬في دراستنا ‪-‬‬
‫أحكاما كلية على الباحث أو على‬‫ً‬ ‫ونحن نحلل هذه األحكام؛ ال نصدر‬
‫ً‬
‫جهده العلمي كامال‪ ،‬إنما ينحصر جهدنا في تحليل مواطن الخلل‪،‬‬
‫حكم ٌ‬
‫جزئي محدد مقدر بقدره‪.‬‬ ‫وبالتالي فحكمنا هو ٌ‬
‫ذهب بودلي إلى أنه‪:‬‬

‫‪136‬‬
‫د‪ .‬حسين صبري‬ ‫إنسانية محمد‬

‫‪ -‬من املؤلم ملحمد أن يرى فرعي التوحيد اللذين سبقاه في التاريخ‪،‬‬


‫ال يرغبان في الدخول معه في أي نوع من املساومة على عقائدهم‪ ،‬على‬
‫الرغم من تلك العواطف التي أبداها لليهود واملسيحيين‪)59( .‬‬

‫فانطوى هذا الحكم على إنكارلحقائق أساسية‪ ،‬هي‪:‬‬


‫‪ -‬نبوة محمد عليه السالم‬
‫‪ -‬وختامية اإلسالم لدين هللا في األرض‬
‫‪ -‬وأصول وقواعد الدعوة في شريعة اإلسالم‬
‫وكان نتيجة اإلنكار؛ أن الباحث قد افترض أن في أخالقيات محمد‬
‫ً‬
‫مساحة للمساومة على "عقيدة التوحيد" مع اليهود والنصارى‪ ،‬وهذا‬
‫أدى به إلى أن يبني حكمه على إنكار لحقائق أصيلة في موضوع بحثه‪،‬‬
‫فجانب الصواب والصحة ً‬
‫معا‪.‬‬
‫إن "إنكارالحقائق" إذا تسلل إلى عمل بحثي ال يتوقف عند حد‪ ،‬وهذا‬
‫دءا من‬‫ما حدث فيما يتصل بالبحث في موضوعات السيرة النبوية‪ ،‬ب ً‬
‫إنكار نبوة محمد‪ ،‬إلى إنكار أثر النبوة في فهم محمد للناس‪ ،‬إلى إنكار‬
‫أثر اإليمان في بناء قدرة املسلمين على السيادة في األرض‪ ،‬إلى إنكار‬
‫أثر أخالق محمد في ثباته وفي دعوته وعدم جنوحة للمساومة عليها‪،‬‬
‫ُ‬
‫حتى امتد اإلنكار إلى ما أنزل على محمد من وحي السماء‪ ،‬يقول أوليفر‬
‫ليمان‪:‬‬

‫‪137‬‬
‫د‪ .‬حسين صبري‬ ‫إنسانية محمد‬

‫‪ -‬ناد ًرا ما تتضمن النصوص القرآنية املصممة لتكون أساس‬


‫فلسفيا أو ً‬
‫علميا فيما يتعلق بخلق العالم‪)60( .‬‬ ‫ً‬ ‫اإليمان بيانات دقيقة‬
‫فأنكر هذا الباحث أن القرآن هو كتاب اإلسالم املنزل من عند هللا‬
‫فلسفيا أو كتاب علم طبيعي‪ ،‬وأنكر أن ً‬
‫كثيرا‬ ‫ً‬ ‫تعالى‪ ،‬وأنه ليس ً‬
‫كتابا‬
‫من اآليات القرآنية قد تحدثت عن الخلق في الكون‪ ،‬اإلنسان‪،‬‬
‫الحيوان‪ ،‬النبات‪ ،‬األرض‪ ،‬السماء‪ ،‬والظاهرات‪ ،‬دقيقها وعظيمها‪،‬‬
‫بتفصيل وصحة علمية أكدتهما إثباتات العلم التجريبي الحديث‬
‫آيات من الحكمة‬ ‫واملعاصر‪ ،‬وأنكر أن في سياق الوحي القرآني ٌ‬
‫واالعتبار والنظر في الوجود‪ ،‬فيها ما يفوق تفلسف الفالسفة وحكمة‬
‫العلماء‪ ،‬لكن هذه اآليات ال ينالها أو يلتفت إليها إال املوقن بصدقها‪،‬‬
‫ً‬
‫فأقام إنكاره جدا ًرا سميكا حجب عنه شروط الصحة لحكمه‪،‬‬
‫وأوقعه في متالزمة الخلل البحثي وفتح أمام العلم مدخ ًال عريضاً‬
‫للتشكيك في سالمة إجراءاته البحثية‪.‬‬

‫(‪ )3‬عدم التمييزبين الحقائق‪:‬‬


‫للنقد العلمي ضوابط‪ ،‬إذ ما توافرت مكنت الناقد "الباحث" من أن‬
‫يعزل ذاته عن النصوص والوقائع والظاهرات‪ ،‬بالدرجة التي تضمن‬
‫له عدم التطرف في فهمها والحكم فيها‪ ،‬ألن مهمة الناقد "يجب أن‬
‫تقوم على أساس موضوعي محايد‪ ،‬وأن تستخدم وسائل محايدة‪،‬‬
‫‪138‬‬
‫د‪ .‬حسين صبري‬ ‫إنسانية محمد‬

‫وهي التحليل واملقارنة" (‪ ،)61‬فالتحليل واملقارنة أداتان ضروريتان‬


‫للفهم‪ ،‬بدونهما تتشابك املفاهيم وتتداخل‪ ،‬ويتسرب ذلك إلى الحكم‪،‬‬
‫ويدل على وجود خلل مؤثر فيه‪ ،‬من ذلك؛ ما فهمه نولدكه أن "ليس‬
‫لإلسالم أي أسرار دينية باطنية‪ ،‬على الرغم من احتوائه على عدد من‬
‫العبادات الخارجية" (‪ ،)62‬فتخلى عن التحليل واملقارنة بين اإلسالم‬
‫من جهة‪ ،‬وأثر اإلسالم في املسلمين من جهة ثانية‪ ،‬فأصبح كل مفهوم‬
‫ٌ‬
‫منهجي‬ ‫منهما ‪ -‬في تصوره هو وحده ‪ -‬له نفس داللة اآلخر‪ ،‬وهذا ٌ‬
‫خلل‬
‫ٌ‬
‫ومعرفي في‬ ‫ٌ‬
‫منهجي في إهمال الباحث للمقارنة بين املفهومين‪،‬‬ ‫معرفي‪،‬‬
‫عدم كفاية الباحث من جمع وفحص الحقائق الدالة على كل‬
‫املفهومين‪ ،‬وقد وقع كثير من الباحثين من املستشرقين‪ ،‬بل ومن‬
‫ً‬
‫الباحثين العرب حديثا في هذا الخلل‪.‬‬
‫إن نولدكه لم يميز بين املفهوم الدال على دين "اإلسالم"‪ ،‬وبين‬
‫مفاهيم ما أنتجه املسلمون من علوم مثل مفهوم "التصوف"‪ ،‬ألن‬
‫جزءا من اإلسالم‪ ،‬إنما هو ٌ‬
‫نتاج‬ ‫التصوف ليس اإلسالم‪ ،‬وليس ً‬
‫إسالمي‪ ،‬نما وشاع بين املسلمين في سلوكياتهم وتجاربهم‪ ،‬وبرز بين‬
‫ٌ‬
‫معلوم أن لدى‬ ‫رجال الصوفية في مذاهب ونظريات وأقوال وأفعال‪ ،‬و‬
‫ً‬
‫املتصوفة في إطار التجربة الصوفية؛ تفرقة بين الظاهر والباطن في‬
‫التجربة الصوفية الذاتية الفردية املختلفة من صوفي آلخر‪ ،‬بينما في‬

‫‪139‬‬
‫د‪ .‬حسين صبري‬ ‫إنسانية محمد‬

‫جوهر اإلسالم ليس هناك إال التطابق والتالزم التام بين الظاهر‬
‫والباطن‪ ،‬رغم تمايزهما‪.‬‬
‫ومثلما يدل "عدم التمييز بين املفاهيم" على خلل منهجي معرفي‪ ،‬فإنه‬
‫ً‬
‫ل‬
‫يدل أيضا على خلل نفس ي‪ ،‬يقو نولدكه "إن فكرة محمد عن اإلله‬
‫هي في األساس تلك الفكرة املوجودة في العهد القديم" (‪ ،)63‬رغم أن‬
‫أحدا – لآلن ‪ -‬لم يأت بدليل واحد على هذا التصور الذي شاع بين‬ ‫ً‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫محمدا قد اطلع العهد القديم‪ ،‬فضال عن‬ ‫املستشرقين ويدعي أن‬
‫كافة األدلة التي توثق أمية النبي محمد‪ ،‬فإن املفهوم الدال على‬
‫"اإلله" في العهد القديم لم يبق على حاله كما تلقاه موس ى‪ ،‬ويوثق‬
‫علماء مقارنة األديان هذا االختالف‪ ،‬إضافة إلى أن األديان املنزلة‬
‫اتفقت وتطابقت في مفهوم "التوحيد" املنزه عن كل تمثيل أو تشبيه‬
‫أو تجسيم‪ ،‬وما تلقاه محمد عن هللا سبحانه لم يكن "فكرة"؛ وإنما‬
‫عقيدة تكاملت بشكل تجاوز كل ما ورد في األديان املنزلة السابقة على‬
‫محمد‪ ،‬ليؤكد ختامية الرسالة وختامية الرسل‪ ،‬وهذا ٌ‬
‫دال على أن‬
‫ٌ‬
‫هذا الباحث أصابه خلط شديد في دالالت املفاهيم‪ ،‬ما أدى به إلى‬
‫هذا الخلل النفس ي في الحكم‪.‬‬
‫وأحيانا تدفع قدرة الباحث املتدنية في التمييز بين املفاهيم‪ ،‬إلى‬‫ً‬
‫االدعاء بقدرته على الكشف عن مقاصد الناس ونواياهم وما يعتمل‬
‫ٌ‬
‫معطل للمنهجية ألنه‬ ‫في ضمائرهم‪ ،‬هذا الكشف وبهذه الطريقة "‬
‫‪140‬‬
‫د‪ .‬حسين صبري‬ ‫إنسانية محمد‬

‫يضع الدارس في نفس الحلبة مع كاتب من كتاب املاض ي‪ ،‬ثم يدعي أن‬
‫تلقائيا" (‪ ،)64‬من ذلك ما وثقه جورج بوش في شهادته‬‫ً‬ ‫ً‬
‫تفاهما‬ ‫بينهما‬
‫أن أتباع محمد كانوا ُيمجدون إحسانه وإنكاره لذاته ليصبح بذلك‬
‫ً‬ ‫ُ‬ ‫ً ً‬
‫ن‬
‫قدوة ومثال يحتذى به‪ ،‬ويقولو أنه نادرا ما كان يملك أي أموال في‬
‫كافيا إلعالة أسرته‪ ،‬ثم يعطي بو‬ ‫بيته ولم يحتفظ بأكثر مما كان ً‬
‫لنفسه "حق الكشف" ليس عن ضمائر كتاب السيرة وحسب‪ ،‬وإنما‬
‫عن ضمير النبي محمد صاحب السيرة‪ ،‬ليقرر أنه " قد يكون هذا‬
‫صحيحا‪ ،‬لكنه في تكوين حكمنا لعرض هذه السمات األخالقية‪ ،‬فال‬ ‫ً‬
‫ٌ‬ ‫ٌ‬ ‫ً‬
‫غايات خاصة يلبيها" ‪،‬‬
‫)‬‫‪65‬‬ ‫(‬ ‫محمدا كان لديه‬ ‫يمكننا أن نتناس ى أن‬
‫فأوصله هذا الحكم إلى خلط بين املفاهيم الدالة على صور اإلحسان‬
‫في اإلسالم‪ ،‬وخلط بين األسلوب التقريري بقوله " كان أتباع محمد‬
‫يمجدون إحسانه" واألسلوب التقديري في قوله " كانوا يقولون إنه‬
‫ناد ًرا ما كان يملك في بيته أي أموال"‪ ،‬وعدم التمييز بين "إحسان‬
‫محمد" و "الغايات الخاصة" التي أدعى وجودها ‪ -‬دون دليل‪ -‬حين‬
‫يقول " ال يمكننا أن نتناس ى أنه كان لديه غايات خاصة يلبيها"‪ ،‬فما‬
‫هي "الغايات الخاصة" تلك‪ ،‬وأين ما يؤكد وجودها‪ ،‬عند من يقض ي‬
‫وتقريرا‪ ،‬إيماناً‬
‫ً‬ ‫ً‬ ‫ً‬
‫عمره ‪ -‬دون هوادة ‪ -‬في إحسان ال ينقطع؛ قوال وفعال‬
‫وممارسة ؟!‬

‫‪141‬‬
‫د‪ .‬حسين صبري‬ ‫إنسانية محمد‬

‫(‪ )4‬االستنتاج القسري‪:‬‬


‫ُ‬ ‫ٌ‬
‫االستنتاج في البحث العلمي مهارة وفن‪ ،‬وأداة تنقيب في النصوص‬
‫واألفكار‪ ،‬نصل باستخدامه إلى نتائج وأحكام جديدة‪.‬‬
‫واالستنتاج بلغة املنطق‪ ،‬والتحليل الرياض ي‪ ،‬ومنهجية التجريب‪ ،‬له‬
‫ومبني على قواعد‪ ،‬بفضل تطبيقاته الدقيقة تتصف أحكامنا‬ ‫أصو ٌل‪ٌ ،‬‬
‫بالصحة‪.‬‬
‫يدل االستنتاج على مهارة االستنباط‪ ،‬فقد ورد في املعجم‬ ‫ً‬
‫وكثيرا ما ُّ‬
‫الوسيط أن "استنتج الش يء" أي حاول نتاجه‪ ،‬واستنبطه أي استنتج‬
‫الحكم من أدلته‪ )66( ،‬ولذلك تعد "األدلة" هي مناط عملية االستنتاج‪،‬‬
‫مثلما يرى الجرجاني في التعريفات أن االستنباط هو "استخراج‬
‫املعاني من النصوص بفرط الذهن" (‪ ،)67‬هكذا يكون االستنتاج‬
‫واالستنباط عمليتين عقليتين‪ ،‬ربما يتداخالن‪ ،‬أو يتتابعان في الداللة‬
‫االشتقاقية واالصطالحية‪ ،‬لكنهما أداتان للبحث نتمكن بهما من‬
‫إضافة أحكام إلى ما نملك من أحكام سابقة‪ ،‬ومن يتصدون لبحث‬
‫سيرة النبي محمد وتحليل إنسانيته‪ ،‬سيضطرون لتوظيف مهارتي‬
‫االستنتاج واالستنباط‪ ،‬لكن العبرة في هذا التوظيف تكمن في تدعيم‬
‫ما نستنتج بأدلة واقعية حقيقية وبراهين‪ ،‬لنضمن صحة أحكامنا‪،‬‬
‫ً‬
‫قسريا‪ ،‬كالذي‬ ‫فإذا فقدت األحكام كفايتها من األدلة صار االستنتاج‬
‫ذهب إليه استنتاج بعض الباحثين أن مهمة محمد في الناس ال‬
‫‪142‬‬
‫د‪ .‬حسين صبري‬ ‫إنسانية محمد‬

‫تتجاوز مهام املصلح الديني أو الواعظ أو ش يء من هذا القبيل‪ ،‬رغم‬


‫قر في مواضع أخرى ويؤكد نبوة محمد ﷺ‪ ،‬يقول‬ ‫أن من هؤالء من ُي ُّ‬
‫واشنطن إيرفنج‪:‬‬
‫‪ -‬تتحدث العديد من اآليات القرآنية عن تلك الفكرة التي ظهرت‬
‫كليا‪ ،‬حتى غدت تنغمس في أفكاره‬ ‫يجيا في ذهن محمد وتملكته ً‬ ‫تدر ً‬
‫وتؤثر في جميع أفعاله‪ ،‬أال وهي اإلصالح الديني‪)68( .‬‬

‫وقد تكرر نفس هذا االستنتاج القسري عند كثير من املستشرقين‪،‬‬


‫ً‬
‫متجاوزا األدلة التي تثبت تكامل الدين في رسالة اإلسالم‪ ،‬بأعظم‬
‫وأكبر وأشمل مما يعنيه "اإلصالح الديني"‪ ،‬هذا التكامل الذي فيه‬
‫الدليل على اختالف رسالة محمد النبي الخاتم عن‪:‬‬
‫• دعوات عرفتها العرب قبل بعثة محمد؛ إما ترفض الوثنية‬
‫العربية‪ ،‬أو تدعو للعودة إلى حنيفية إبراهيم‪ ،‬أو تبحث عن‬
‫ه ْدي جديد ورسول جديد آن أوانه‪.‬‬
‫• وعن نماذج املصلحين والوعاظ الذين تذخر بهم سجالت‬
‫ً‬
‫خالصا‪.‬‬ ‫األمم‪ ،‬وكانت دعواتهم ً‬
‫جهدا بشرًيا‬
‫ً‬
‫واجتماعيا‪ ،‬الذين عرفتهم أوروبا‬ ‫• وعن نماذج املصلحين؛ ً‬
‫دينيا‬
‫في العصور الوسطى‪.‬‬

‫‪143‬‬
‫د‪ .‬حسين صبري‬ ‫إنسانية محمد‬

‫كما يعتبر االنتقال ‪ -‬دون مسوغ منهجي ‪ -‬بحكم جزئي هو "اإلصالح‬


‫ً‬
‫جميعا؛ هو‬ ‫الديني" لتعميمه على غايات ومقاصد وكماالت اإلسالم‬
‫من قبيل االستنتاج القسري‪.‬‬
‫ً‬
‫قسريا من غير إشباع عقلي‪ ،‬ببناء‬ ‫في بعض األحيان؛ يتم االستنساخ‬
‫الحكم على ما هو ظني أو شعوري أو احتمالي‪ ،‬من ذلك ما أصدره‬
‫نيكلسون بقوله‪:‬‬
‫ً‬ ‫ً‬ ‫‪ -‬أنا أشعر ومقتنع ً‬
‫محمدا لم يكن محتاال متجر ًءا وال‬ ‫تماما بأن‬
‫اجتماعيا‪ ،‬بل لقد كان ومنذ اللحظة‬ ‫ً‬ ‫عصابيا وال ُم ً‬
‫صلحا‬ ‫ً‬ ‫ً‬
‫مفسدا‬
‫مخلصا‪ ،‬نزل عليه الوحي شأنه شأن‬ ‫ً‬ ‫األولى وفي جميع األحوال ً‬
‫مؤمنا‬
‫أي نبي من األنبياء(‪ ،)69‬وتصدير هذا الحكم باالعتماد على داللة‬
‫"شعور" الباحث بدون تقديم ما يؤكده؛ يقطع الرابط بين الباحث‬
‫وصحة استدالله‪ ،‬رغم أن هذا الحكم ‪ -‬نبوة محمد وإخالص محمد‬
‫– هما صحيحان ومؤكدان‪ ،‬بمعزل عن شعو ِّر هذا الباحث‪.‬‬

‫(‪ )5‬القصور في الرؤية‪:‬‬


‫في الغالب ال يوصل سوء الفهم ملوضوع ما؛ إال إلى حكم ناقص‬
‫ٌ‬
‫أسباب عديدة‪ ،‬منها‪:‬‬ ‫ومشوه‪ ،‬ولهذا السوء من الفهم‬

‫‪144‬‬
‫د‪ .‬حسين صبري‬ ‫إنسانية محمد‬

‫‪ -‬النظرة األحادية‪ ،‬التسرع‪ ،‬االندفاع‪ ،‬غياب املنهجية‪ ،‬التعصب‬


‫لفهم معين‪ ،‬والتركيز على جزئية أو جزئيات محددة في املوضوع‬
‫وإهمال األخرى‪.‬‬
‫هذا يؤدي إلى غياب النظرة الشمولية للموضوع لدى الباحث‪ ،‬ومن‬
‫ثم إلى القصور في رؤيته على نحو متكامل‪ ،‬هذا القصور هو ٌ‬
‫خلل في‬
‫الفهم‪ ،‬سيؤدي ال محالة لخلل في الحكم‪ ،‬ولم يتضرر ش ٌيء ‪ -‬من آثار‬
‫ُ‬
‫هذا القصور ‪ -‬كالذي ناله اإلسالم؛ في رسالته ونظمه وحضارته‪،‬‬
‫دونا عن سواه من‬ ‫حيث هناك "الكثير من سوء الفهم عن اإلسالم ً‬
‫كل أثر من سوء الفهم الذي ينبني‬ ‫طبيعي أن ُ‬
‫ٌ‬ ‫ديانات العالم" (‪ ،)70‬و‬
‫سيمتد لنبي اإلسالم‪ ،‬من ذلك ما فهم بعض الباحثين‬ ‫ُّ‬ ‫عن اإلسالم؛‬
‫محمدا كان عليه أن يهادن قومه من العرب لكي يضمن إقرار‬ ‫ً‬ ‫أن‬
‫رسالته‪ ،‬إذ يقول ال مارتين‪:‬‬
‫‪ -‬كان ينبغي لألفكار واملبادئ التي كان محمد ينوي إقرارها في جزيرة‬
‫العرب‪ ،‬أن تكون على صلة بما استقر في أعراف بني قومه‪ ،‬حتى‬
‫يقبلوها ويأخذوا بها‪)71( .‬‬
‫ُ‬
‫وهذا قصو ٌر في فهم جوهر اإلسالم وأخالق النبي‪ ،‬فليست الرسالة‬
‫ُ ُ‬
‫وما تحمل من وحي إلهي ونظم وعقيدة وعبادات ومعامالت‪ ،‬من صنع‬
‫محمد هو النموذج‬‫ٌ‬ ‫محمد ليوائم بينها وبين أعراف قومه‪ ،‬إنما يظل‬
‫اإلنساني الذي تكامل فيه وبه اإلسالم‪.‬‬
‫‪145‬‬
‫د‪ .‬حسين صبري‬ ‫إنسانية محمد‬

‫داء‪ ،‬يورث صاحبه ً‬


‫ضعفا في اإلدراك ملوضوع بحثه‬ ‫إن قصور الرؤية ٌ‬
‫ً‬
‫وتهاونا في اإلحاطة الواجبة بأبعاده‪ ،‬لهذا اعتقد المارتين أن غايات‬
‫النبي محمد كانت في بناء دولة "عربية" ودين "عربي" وقد أيد ماكسيم‬
‫رودنسون املؤرخ الفرنس ي املعاصر‪ ،‬هذا الفهم من هذا الحكم إذ‬
‫يقول‪:‬‬
‫‪ -‬لقد تمكن النبي محمد من بناء دولة عربية مستوحاة من دين‬
‫عربي‪ ،‬وبات من الجلي أن هذه الدولة كانت تقوم بتلبية أعمق‬
‫احتياجات جزيرة العرب‪)72( .‬‬

‫ما أوقعهما في "القصور" من الفهم الصحيح لنبي اإلسالم واإلسالم‪،‬‬


‫إنكار لحقيقة الخاتمية‪ ،‬وفيه تصو ٌر‬
‫إلى درجة الوصول إلى حكم فيه ٌ‬
‫ٌ‬
‫مغلوط يضع رسالة اإلسالم على قدم املساواة مع ثورات اإلصالح التي‬
‫عرقي صريح‪ ،‬أفقد‬‫ٌ‬ ‫ٌ‬
‫تعصب‬ ‫شهدتها أوروبا‪ ،‬وفوق هذا كله؛ فيه‬
‫الحكم اتزانه وصحته‪.‬‬
‫هكذا القصور في الرؤية يسوق صاحبه إلى اختالل في ضبط وترتيب‬
‫حقائق املوضوع‪ ،‬على النحو الذي يمكنه من ضبط الحكم‪ ،‬يرى‬
‫مرجليوث أنه‪:‬‬
‫‪ -‬لم يكن من املمكن ً‬
‫أبدا وجود أي التباس في القرآن الكريم بينما‬
‫كان الرسول ً‬
‫حيا‪)73( .‬‬

‫‪146‬‬
‫د‪ .‬حسين صبري‬ ‫إنسانية محمد‬

‫هذا الباحث لم يرد أن يستوعب أن نصوص الوحي اإللهي تمثل‬


‫تمام الدين من عند هللا سبحانه‪،‬‬‫"القرآن" كتاب اإلسالم‪ ،‬وفيه ُ‬
‫عصرا بعد عصر‪ً ،‬‬
‫وفهما بعد فهم‪ ،‬فقد كان اإليمان‬ ‫ً‬ ‫وتنجلي حقائقه‬
‫قلبيا تؤيده نموذجية الرسول في تجسيد اآليات‬ ‫عند بدء الدعوة ً‬
‫ُ‬
‫خ ًلقا ومعاملة بين املسلمين‪ ،‬ثم تحول أمر اإليمان بعدها إلى إعمال‬
‫كبير للعقل‪ ،‬لذلك فإن مواجهة االلتباس في آيات القرآن الكريم‬
‫ً‬ ‫ٌ‬
‫مرهون باالجتهاد في الفهم واإلخالص في التطبيق‪ ،‬فضال عن أن هذا‬
‫القصور في الرؤية قد أبعد مرجليوث عن أن يميز بين املحكم‬
‫واملتشابه من آيات القرآن‪ ،‬ولم يبذل ما ينبغي عليه من درس وفهم‬
‫للغة العرب؛ في مفرداتها وتراكيبها‪ ،‬مادتها وروحها‪ ،‬ما أوقعه في خلل‪،‬‬
‫ٌ‬
‫ومنهجي في آن‪.‬‬ ‫ٌ‬
‫معرفي‬ ‫هو بالدرجة األولى‬

‫(‪ )6‬الضبابية في الحكم‪:‬‬


‫إن أسوأ ما يمكن أن يصيب الحكم العلمي في مقتل؛ أن تجتمع فيه‬
‫نواقض املوضوعية والذاتية بشكل ال يخفى حتى على غير‬
‫املتخصص‪ ،‬وساعتها فإن هذا الحكم سينطوي على خلل منهجي‬
‫معرفي نفس ي في الوقت ذاته‪ ،‬وال يحدث هذا األمر إال مع باحث قد‬
‫تخلى عن تفعيل قدراته في الفهم والتحليل واالستنتاج‪ ،‬وفقد دقته‬
‫في النقد والتقييم‪ ،‬وهذا بالضبط ما عبر عنه كانط في توصيف‬
‫‪147‬‬
‫د‪ .‬حسين صبري‬ ‫إنسانية محمد‬

‫العقل النقدي حيث تكون أشق مهمة يمكن أن يضطلع بها هي‬
‫"فحص ذاته‪ ،‬وامتحان قواه الخاصة‪ ،‬والحكم على قدراته الذاتية"‬
‫(‪ ،)74‬لهذا يجب أال ننتظر من مثل هذا الباحث نتائج علمية ُيعتد بها‪،‬‬
‫وهو ال يستطيع فحص ذاته وقواه الخاصة‪ ،‬وال يستطيع تقييم‬
‫قدراته كما ينبغي‪ ،‬مما يوصله إلى حال من الضبابية في الفهم‪ ،‬من‬
‫ذلك ما اعتقده جورج بوش‪:‬‬
‫‪ -‬أن أسرة محمد كانت صاحبة الزعامة والسلطة في مكة‪ ،‬وموت‬
‫والده ويتمه حاال بينه وبين تلك الزعامة‪ ،‬لذلك كان عليه أن يختلق‬
‫األسباب ليتمكن من خالل ثروته وتأثيره اللذين نالهما بعد زواجه من‬
‫خديجة ليظل في مراتب الشرفاء‪ ،‬ويصل للزعامة التي فقدها‪.‬‬
‫ً‬
‫محمدا‪:‬‬ ‫ويرى أن‬
‫‪ -‬كان كثير السفر والترحال في بالده والبالد األجنبية‪ ،‬وقد كان من‬
‫شأن هذه األسفار‪ ،‬بطبيعة الحال‪ ،‬أن تطلعه على مبادئ مختلف‬
‫الطوائف في العالم الديني‪ ،‬السيما اليهود واملسيحيين‪.‬‬
‫وأنه‪:‬‬
‫حكيما ألحوال الرجال‪ ،‬وما كانت عينه الفاحصة‬ ‫ً‬ ‫‪ -‬كان مر ً‬
‫اقبا‬
‫لتفشل في إدراك الشتات الذي يعتري األديان املوجودة‪)75( .‬‬

‫وقد تجلت الضبابية في أحكام هذا الباحث‪ ،‬في‪:‬‬

‫‪148‬‬
‫د‪ .‬حسين صبري‬ ‫إنسانية محمد‬

‫‪ ‬ما افترضه؛ تو ً‬
‫هما‬
‫‪ ‬وما استنتجه؛ ابتسا ًرا‬
‫وتجلت في رفضه املطلق لحقائق تاريخية يقينية‪ ،‬هي‪:‬‬
‫‪ ‬تعدد الزعامات في قريش وتنوعها‬
‫‪ ‬رفض النبي محمد الزعامة حين ُعرضت عليه مقابل التخلي‬
‫عن دعوته‬
‫‪ ‬محدودية الرحالت التي قام بها النبي قبل بدء بعثته بالرسالة‬
‫وتجلت في غياب قدرة الباحث ‪ -‬وهذه نقيصة كبرى ‪ -‬على‪:‬‬
‫‪ ‬التفرقة بين الدين ومعتنقي هذا الدين‬
‫وتجلت في ترويجه لفكرة‪ ،‬لم يقدم على صدقها دليال واحدا‪ ،‬أن‪:‬‬
‫ً‬
‫‪ ‬محمدا استقى دينه من اليهود والنصارى‬
‫وتجلت في إصراره على ما استنتج وجدانه ‪ -‬بغضا ال تحليال علميا ‪-‬‬
‫في‪:‬‬
‫ً‬
‫محمدا نه ٌاز للفرص‪ ،‬تدفعه نوازع التملك وشهوة السلطة‪.‬‬ ‫‪ ‬أن‬
‫وتجلت في إنكاره ملا اجتمع عليه العقالء في كل عصر‪:‬‬
‫ُُ‬ ‫ً‬
‫محمدا ما تخلى في جميع أفعاله عن خلق الكرام الذي‬ ‫‪ ‬أن‬
‫والفطر السوية‪.‬‬
‫أقرته الشرائع املنزلة والفلسفات األصيلة ِّ‬

‫‪149‬‬
‫د‪ .‬حسين صبري‬ ‫إنسانية محمد‬

‫فاملالحظ أن القاسم املشترك في ضبابية الحكم؛ هو فقدان العنصر‬


‫األول واألهم والضابط الجوهري الحاكم إلجراءات البحث‪ ،‬وهو‬
‫الصدق‪ ،‬حيث إن التزام الصدق وطلب الحق أم ٌر نفس ي خلقي يقوم‬
‫ً‬
‫أحيانا‬ ‫ً‬
‫منهجيا فحسب" (‪ ،)76‬إذ‬ ‫أمرا ً‬
‫فكريا‬ ‫على التربية‪ ،‬فإنه " ليس ً‬
‫صنفا من الباحثين الذين يمتدحون املوضوعية والنزاهة‬ ‫نواجه ً‬
‫أثرا حقي ً‬
‫قيا ملا يمتدحون‪.‬‬ ‫بشدة‪ ،‬دون أن نرى في بحوثهم ً‬
‫مثل هؤالء يدعون تمسكهم وحرصهم على املنهجية في أدائهم البحثي‪،‬‬
‫ُ‬
‫وهم بعيدون عنه‪ ،‬تكاد تجتمع في إجراءاتهم أصناف املغالطات كلها؛‬
‫ً‬
‫املنطقية‪ ،‬التاريخية‪ ،‬واملنهجية‪ ،‬فضال عما يصيبهم من متالزمة‬
‫الخلل البحثي التي ورد بيانها في محددات الخلل‪ ،‬من أمثلة ذلك ما‬
‫أقره رينان في محاضرته التي ألقاها بالسوربون في ‪ 29‬مارس ‪1883‬‬
‫بأسلوبه الذي يتصف بالنفوذ والشاعرية والتأثير‪ ،‬أمام حشد من‬
‫الحضور‪ ،‬حيث قال‪:‬‬
‫‪ -‬أريد الحديث عن املحتوى امللتبس في الكلمات اآلتية‪:‬‬
‫العلم العربي‪ ،‬الفلسفة العربية‪ ،‬الفن العربي‪ ،‬العلم اإلسالمي‪،‬‬
‫الحضارة اإلسالمية‪.‬‬
‫واعتبر هذه الكلمات‪:‬‬
‫غامضة؛ ُيستنتج منها في هذه الحالة ٌ‬‫ً‬
‫كثير من األحكام‬ ‫‪ -‬أفكا ًرا‬
‫الخاطئة‪ ،‬بل وأخطاء علمية خطيرة في بعض األحيان‪.‬‬
‫‪150‬‬
‫د‪ .‬حسين صبري‬ ‫إنسانية محمد‬

‫ثم انتقل بعدها إلى القول‪:‬‬


‫‪ -‬إن أي شخص قليل العلم بأمور عصرنا‪ ،‬سيرى بوضوح التدني‬
‫الحالي للبلدان اإلسالمية‪ ،‬وتراجع الدول التي يحكمها اإلسالم‬
‫والعجز الفكري لألجناس التي تتمسك فقط بهذا الدين‪.‬‬
‫وفي الصفحة التالية لذلك أكمل ‪ -‬دون أي ربط منطقي مع ما سبق ‪-‬‬
‫قوله‪:‬‬
‫احتقار شديد العمق للمعارف‪ ،‬والعلم‪ ،‬ولكل ما‬ ‫ٌ‬ ‫‪ -‬لدى املسلم‬
‫يشكل العقل األوروبي‪.‬‬
‫وقدم تفسيره لوجود هذا االحتقار‪ ،‬في‪:‬‬
‫‪ -‬األثر الذي رسخته العقيدة اإلسالمية والذي هو شديد القوة‪)77( .‬‬
‫ُ‬
‫فاكتملت في أحكامه؛ أركان الضبابية كلها‪ ،‬ألنه‪:‬‬
‫‪ ‬ما وضع اعتبا ًرا للترابط املنطقي بين األسباب والنتيجة‪ ،‬وال ألسس‬
‫ُ‬
‫وقواعد ونظم اللغة في اصطالح العرب‪.‬‬
‫‪ ‬وتجاوز أصول التحليل املنطقي لعبارات اللغة‪ ،‬باعتباره‬
‫"الكلمات" أفكا ًرا غامضة‪ ،‬ولم يقدم ما يؤكد العالقات القائمة بين‬
‫الكلمات‪ ،‬وما مسوغاته في اعتبارها غامضة‪.‬‬

‫‪151‬‬
‫د‪ .‬حسين صبري‬ ‫إنسانية محمد‬

‫ً‬
‫آثما بين اإلسالم واملسلمين‪ ،‬ولم ُيرد أن يستوعب‬ ‫خلطا ً‬ ‫‪ ‬وخلط‬
‫تمايزهما‪ ،‬كما خلط بين العلم والفلسفة والفن والحضارة‪ ،‬ليس‬
‫لش يء إال الرتباط كل مفهوم منها بالعرب أو باإلسالم‪.‬‬
‫ً‬
‫صحيحا لدى أفراد من املسلمين ‪-‬‬ ‫‪ ‬وانتقل بحكم جزئي ‪ -‬ربما كان‬
‫وهو االحتقار الشديد للمعارف والعلم ولكل ما يشكل العقل‬
‫ً‬
‫قسريا تعميم هذا الحكم على جميع أفراد املسلمين‪،‬‬ ‫األوروبي؛ وأراد‬
‫مما أوقعه في نطاق التعميمات الساذجة‪ ،‬وأبعده عن أصول‬
‫االستقراء العلمي الصحيح‪.‬‬
‫‪ ‬وأراد أن يوهم سامعيه؛ أن ما ر َّسخ هذا األثر بين املسلمين هو‬
‫"العقيدة اإلسالمية"‪ ،‬من غير أن يؤكد املقومات التاريخية والعلمية‬
‫واملنطقية التي استند إليها في هذا الحكم‪.‬‬
‫ً‬
‫معتمدا على إثارة الحماسة بين‬ ‫‪ ‬وتطرف في اختالق أحكامه‬
‫سامعيه‪ ،‬فأهدر الضوابط الذاتية الواجبة لضمان صحة األحكام‪،‬‬
‫ً‬
‫واشتط متجاوزا مقتضيات النزاهة والحيادية‪ ،‬فعبر عن ذاتية‬
‫متطرفة‪ ،‬ال سوية فيها‪.‬‬
‫‪ ‬وأبان تحامله الشديد على اإلسالم واملسلمين عن خلل منهجي‬
‫ونفس ي؛ تمثل في تأثره بأفكاره املسبقة وما نشأ عليه‪ ،‬من غير أن يعزز‬
‫موقفه بدليل من العلم‪.‬‬

‫‪152‬‬
‫د‪ .‬حسين صبري‬ ‫إنسانية محمد‬

‫وفي نموذج آخر للضبابية في الحكم؛ سنجد صورة مغايرة للتخبط‬


‫واالضطراب وتلفيق االفتراضات‪ ،‬حتى أننا لن نعثر على سياق واحد‬
‫ً‬ ‫مكتوب‪ ،‬يتصف باالنسجام والترابط‪ ،‬بل سنواجه ً‬
‫كما هائال من‬
‫التضارب والتناقض‪ ،‬وسيعجز تركيزنا عن أن يقبض على أية فكرة؛‬
‫محورية أو فرعية‪ ،‬يمكن الوقوف عندها أو مناقشتها‪ ،‬وسنصطدم‬
‫في كل جزء من النص بأحكام متهالكة وأدلة باهتة‪ ،‬ال تراعي حقائق‬
‫التاريخ وال أصول املنطق وال ضوابط البحث املوضوعية والذاتية‪.‬‬
‫ُ‬
‫نموذج فيه إصر ٌار على مشروع محدد‪ ،‬ولكي ت ْن ِّفذ مشروعها؛‬
‫ٌ‬ ‫هو‬
‫اعتمدت املستشرقة باتريشيا كرون تلفيق بعض األحكام التي‬
‫"افترضتها" هي‪ ،‬وتفرغت في عملها البحثي املمتد لسنوات‪ ،‬للترويج ملا‬
‫زً‬ ‫ً‬
‫افترضت‪ ،‬ضاربة عرض الحائط بأصول البحث‪ ،‬متجاو ة منهجية‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫العلم‪ ،‬سائرة بمنطق "وضع العربة أمام الحصان"‪ ،‬متغافلة ‪ -‬مع‬
‫سبق اإلصرار‪ -‬عن وثائق التاريخ التي أجمع املؤرخون من كافة‬
‫األجناس والعصور على صحتها‪ ،‬وقد طال ما افترضته؛ اإلسالم‪،‬‬
‫مكة‪ ،‬القرآن الكريم‪ ،‬والنبي الكريم محمد ﷺ‪ ،‬إذ تقول فيه‪:‬‬
‫ً‬
‫‪ -‬كان محمد رسوال له مهمة سياسية‪ ،‬وليس كما ادعى أنه رسول‬
‫ُ‬
‫قدر له أن ينخرط في السياسة‪ ،‬إن التوحيد الذي دعا إليه أصبح له‬
‫برنامج سياس ي‪.‬‬
‫ً‬
‫ولتضفي على ما ادعته‪ ،‬مشروعية تاريخية ودينية‪ ،‬تقول‪:‬‬
‫‪153‬‬
‫د‪ .‬حسين صبري‬ ‫إنسانية محمد‬

‫ً‬
‫واضحا ليس من املصادر غير اإلسالمية فقط‬ ‫‪ -‬إن هذا األمر يبدو‬
‫ولكن مما ذكره ابن إسحاق‪ ،‬حيث أخبرنا أن نقطة التحول الكبرى في‬
‫حياة محمد جاءت عندما قام بمهاجمة آلهة أسالفه من قريش وشهر‬
‫بهم‪)78( .‬‬

‫محمدا بمهاجمته آلهة قريش‪ ،‬قد هاجم‬‫ً‬ ‫وتتصدى لتفسير ذلك بأن‬
‫أهم أسس وجود القبيلة‪ ،‬وليس بسبب الزعم بأن دعوته للتوحيد‬
‫كانت تهدد مكانة كعبة مكة أو تجارتها‪ ،‬دون أن تقدم نص ابن‬
‫إسحاق الصريح الذي يتضمن ادعاءها‪ ،‬ودون أن تدلنا إلى العالقة‬
‫بين ما قال ابن إسحاق وما تدعيه‪ ،‬إضافة إلى أن ما نسبته البن‬
‫ً‬ ‫ً‬ ‫ً‬
‫اقتباسا من مصدر ليس لها أصال‪ ،‬فضال عن ذلك كله؛‬ ‫إسحاق كان‬
‫ُ‬
‫فإن ما نسب البن إسحاق ليس فيه أي داللة على أن دعوة محمد هي‬
‫ٌ‬
‫برنامج سياس ٌي‪.‬‬
‫وقد تولت الباحثة آمال الروبي ‪ -‬التي اضطلعت بمهمة ترجمة كتاب‬
‫باتريشيا ‪ -‬عملية تفنيد افتراضات هذه املستشرقة بمنهج علمي‬
‫يستند إلى تخصص ومنطق وتوثيق تاريخي‪ ،‬تخبرنا في مقدمة عملها‬
‫أن "أسهل طريقة لتمرير أي قضية غير منطقية ليبتلعها القارئ أن‬
‫تبدأ بافتراض شكل منطقي له ومقنع من الخارج‪ ،‬وجوهرة في‬
‫الحقيقة باطل" (‪ ،)79‬مما يدلنا على نوع جديد من املغالطات في‬
‫الحكم‪ ،‬ال نجد له ً‬
‫نظيرا في البحث إال عندما يتعلق األمر باإلسالم‬
‫‪154‬‬
‫د‪ .‬حسين صبري‬ ‫إنسانية محمد‬

‫ونبي اإلسالم‪ ،‬وهنا تتجلي حقيقة الخلل النفس ي في مثل هذه‬


‫الضبابية‪ ،‬فوق ما يعتمل فيه من الخلل املنهجي واملعرفي‪ ،‬كما يدلنا‬
‫على أن مواجهة مثل هذه الضبابية تكون بضرورة التئام خطابنا‬
‫الديني ألنفسنا مع خطابنا الديني لآلخر‪ ،‬فعلينا "حين نناقش من ال‬
‫يؤمن بالجانب الديني‪ ،‬أن نناقشه بمنطقه‪ ،‬ال بمسلماتنا وعقائدنا"‬
‫(‪ ،)80‬هذا هو السبيل الذي ربما يحفظ ديننا ونبينا وقيمنا من انفالت‬
‫البحث ‪ -‬باسم العلم ‪ -‬من أية روح علمية‪.‬‬
‫أما النموذج األخير؛ الذي سنعرض له في الداللة على الضبابية‪،‬‬
‫ٌ‬ ‫ً‬
‫فسوف نواجه فيه مثاال له تفرد في الجرأة على العلم والبحث والتاريخ‬
‫واملنهج‪ ،‬ربما يدل هذا النموذج على صورة محددة بعينها للضبابية‪،‬‬
‫ويرتبط باسم محدد من الباحثين‪ ،‬لكنه ‪ -‬وهذا هو املهم ‪ -‬يشير إلى‬
‫حاالت أخرى شبيهة وتتزايد‪ ،‬وتظهر من وقت آلخر‪ ،‬تصدر عن باحثين‬
‫عرب ومسلمين‪ ،‬فال تتوقف حيل أصحابها عن الطعن في اإلسالم‬
‫والنبوة والسنة والسيرة باسم التطور والحداثة والتنوير‪ ،‬ربما‬
‫يستطيعون أن ينفذوا إلى عقول البعض من العامة ومحدودي الوعي‬
‫ُ ً‬
‫ومن في قلوبهم مرض‪ ،‬لديهم إصر ٌار على املض ي قدما إلنفاذ غاياتهم‪،‬‬
‫ال تنتهي حججهم‪ ،‬وال تتوقف أدلتهم الباطلة‪ ،‬يجدون من يدعمهم‬
‫ويمهد لرواج مآربهم بين الناس‪ ،‬ال يعدمون الذكاء والبراعة في‬
‫املغالطة‪ُ ،‬يص ِّدرون أحكامهم بفكرة صحيحة ‪ -‬هي فكرة جزئية‬
‫‪155‬‬
‫د‪ .‬حسين صبري‬ ‫إنسانية محمد‬

‫ً‬ ‫ً‬ ‫ً‬


‫أحكاما كلية باطلة‪ ،‬عبر استقراءات احتمالية‬ ‫ومحدودة ‪ -‬ليسوقوا‬
‫واهية ليس لها من الضبط العلمي ما يدعمها‪ ،‬وذلك لخلخة الثقة‬
‫بالدين‪ ،‬وتقديم اإلسالم ونبيه ورسالته وحضارته كما ُي ُّ‬
‫حب‬
‫املناهضون للدين والقيم واإلنسانية‪.‬‬
‫يقول صاحب هذا النموذج‪:‬‬
‫‪ -‬هناك ظاهرة "التوظيف االنتقائي" للحديث النبوي كسالح‬
‫يحسم النزاعات من خالل إثبات مزاعم أحد الطرفين وإسباغ غطاء‬
‫الشرعية عليها‪ ،‬بحيث إذا عارضها الطرف اآلخر كان كمن يعارض‬
‫السنة النبوية‪)81( .‬‬

‫دون أن يتساءل‪:‬‬
‫العيب في السنة‪ ،‬أم فيمن يوظف منهجه االنتقائي لالنتصار‬ ‫ُ‬ ‫‪ -‬هل‬
‫لرأي معين‪ :‬ديني أو سياس ي؟‬
‫ً‬
‫‪ -‬فضال عن أن هذا التوظيف ليس مقصو ًرا على الحديث وحده‪،‬‬
‫بل طال هذا األمر‪ ،‬اآليات القرآنية ومذاهب املفكرين املسلمين‬
‫ً‬
‫مستمرا إلى اليوم‪.‬‬ ‫ومناهجهم‪ ،‬والزال‬
‫فاملشكلة إذن؛ ليست في اآليات وال في األحاديث‪ ،‬وإنما في التوظيف‪،‬‬
‫وفي املنهج‪ ،‬وفي الذاتية التي يريد صاحبها أن يوهمنا بأن ما يفهمه –‬
‫هو وحده – هو الصحيح‪.‬‬
‫يواصل هذا الباحث أحكامه‪ ،‬فيقول‪:‬‬
‫‪156‬‬
‫د‪ .‬حسين صبري‬ ‫إنسانية محمد‬

‫‪ -‬إن األحاديث من نتاج عقول الرجال‪ ،‬وتابعة ألهوائهم وأغراضهم‬


‫وحرصهم كل الحرص على التدليل على أنها وحي‪ ،‬لخدمة مطامعهم‬
‫الشخصية ومصالحهم السياسية‪)82( .‬‬

‫وكانت منهجية التحليل العلمي تقتض ي منه أن يحدد‪:‬‬


‫‪ ‬أي األحاديث بالضبط‪ ،‬هي نتاج عقول الرجال‪ ،‬وأي الرجال؟‬
‫‪ ‬وهل هذا الناتج يمس متون األحاديث‪ ،‬أم أسانيدها؟‬
‫ُ‬
‫‪ ‬وهل كان ذلك بين كتاب الحديث وكتاب السيرة منذ الجيل األول‬
‫من الرواة؟‬
‫أسئلة عديدة كان على الباحث أن يطرحها كفرضيات موجهة لبحثة‪،‬‬
‫ولم يفعل‪ ،‬خشية أن يتكلف عناء الرجوع إلى منهج تحليلي دقيق‪،‬‬
‫ربما لو استخدمه لسقطت معه كافة طعونه في السنة وكتابها‪ ،‬وفي‬
‫السيرة وكتابها‪.‬‬
‫باحث يعتمد ً‬
‫منهجا ع ً‬ ‫ٌ‬
‫لميا‪ ،‬ينتقي ‪ -‬ولنتوقف جيدا عند‬ ‫وليوهمنا أنه‬
‫ً‬
‫متأخرا في السيرة‪ ،‬يقول فيه‪:‬‬ ‫هذا االنتقاء‪ً -‬‬
‫كتابا‬
‫‪ -‬إن "السيرة الحلبية" استندت في ذكر معجزات الرسول املادية إلى‬
‫كل التراكمات السابقة لترقى بعملية األسطرة للسيرة النبوية إلى‬
‫مستوى غير مسبوق‪)83( .‬‬

‫‪157‬‬
‫د‪ .‬حسين صبري‬ ‫إنسانية محمد‬

‫ويستدل ‪ -‬في اعتقاده ‪ -‬على هذا التراكم‪ ،‬بأن ابن هشام في سيرته لم‬
‫يذكر إال عشر معجزات‪ ،‬تضاعفت على يد املاوردي‪ ،‬ثم البيهقي‪ ،‬ثم‬
‫القاض ي عياض‪ ،‬الذي جعلها مائة وعشرين في "الشفاء"‪ ،‬ثم وصلت‬
‫إلى مرحلة خطيرة في القرن الحادي عشر الهجري في "السيرة‬
‫الحلبية"‪.‬‬
‫وقد فات هذا الباحث أن يوضح‪:‬‬
‫ُ‬
‫‪ -‬ملاذا تجاوز أجيال كتاب السيرة من جيلها األول فالذي يليه‪،‬‬
‫ً‬
‫تحديدا‪ ،‬وملاذا توقف عند مسألة‬ ‫ليتوقف عند "السيرة الحلبية"‬
‫"املعجزات املادية"‪ ،‬وملاذا تجاوز "معجزة القرآن" وما فيها من دالئل‬
‫باهرة على كل مستويات اإلعجاز‪ ،‬وملاذا تجاوز "معجزة النبوة"؟‬
‫أال تدل هذه األسئلة على أن هذا الباحث قد وقع في "الخلل املنهجي"‬
‫الذي يعيبه على اآلخرين‪ ،‬وهو التوظيف االنتقائي؟!‬
‫إنه ال يفرق بين السيرة والسنة‪ ،‬ويخلط ً‬
‫كثيرا بين العلمين‪ ،‬ويطعن ‪-‬‬ ‫ِّ‬
‫دون أن يصرح بذلك – في صاحب السيرة والسنة‪ ،‬النبي الكريم‬
‫محمد‪ ،‬ويتنقل هذا الباحث بين أحكامه‪ ،‬ومنها ما أطلق عليه‬
‫ٌ‬
‫"األحاديث الغيبية"‪ ،‬ويرى أنها في نظره مرفوضة؛ ملخالفتها القرآن‬
‫الكريم واملعارف اإلبستمولوجية التي بين أيدينا‪ ،‬ولو يكن القصد‬
‫منها أكثر من التفاخر بين الرواة في أيهم أكثر غزارة في الحفظ‪ ،‬ويعتقد‬
‫نوعا آخر من األحاديث‪ ،‬أخطر من األحاديث العينية‪ ،‬هو‪:‬‬ ‫أن هناك ً‬
‫‪158‬‬
‫د‪ .‬حسين صبري‬ ‫إنسانية محمد‬

‫‪ -‬ما يحمل في طياته الدسائس السياسية التي هيمنت على املنظومة‬


‫أسا‪ ،‬وهو ما‬ ‫املعرفية التراثية وطغت عليها‪ ،‬ولم تسمح لها بأن ترفع ر ً‬
‫يتعلق بالغيبيات السياسية‪)84( .‬‬

‫جيدا‪ ،‬كيف يتسرب التفسير‬ ‫ويواصل تسلسل أحكامه ‪ -‬ولنا أن نلمح ً‬


‫املادي في تحليالته لألحاديث ‪ -‬حيث يرى أن هذه الغيبيات قد أدت‬
‫إلى ضياع املشروع الحضاري لألمة اإلسالمية‪ ،‬ألن ذلك‪:‬‬
‫‪ -‬حولها إلى أمة على هامش التاريخ بسبب االنقطاع املعرفي الذي‬
‫ُ‬
‫أحدثته صناعة الحديث‪ ،‬والتشبث به كوحي حاكم عليه‪ ،‬وتقديس‬
‫حقبة تاريخية زمنية معينة بأسطرتها وجعلها املثال الذي يجب أن‬
‫تنشأ أو تسير عليه كل املجتمعات‪ ،‬ما دفع األمة إلى هاوية التخلف‬
‫والدوران حول الذات‪ ،‬وعدم القدرة على التفاهم مع اآلخر حضارًيا‬
‫ودينيا وحتى تار ً‬
‫يخيا‪.)85( .‬‬ ‫ومعرفيا ً‬
‫ً‬
‫هذا الباحث يعمد إلى إغراقنا في جملة من األحكام املتوالية وهو‬
‫ُ‬
‫يوهمنا في كل سطر فيها؛ أنه العارف بأسرار الدين‪ ،‬والكاشف‬
‫عنصرا‪ ،‬والفاهم لنتاجات املسلمين وحضارتهم‪ ،‬وما‬ ‫ً‬ ‫ً‬
‫عنصرا‬ ‫ملكوناته‬
‫ُ‬
‫والقادر الذي‬ ‫يدور في عقولهم وخبايا ضمائرهم‪ ،‬واملحدد لداءاتهم‪،‬‬
‫يعا‪ ،‬واملن َّزه عن‬
‫واملفسر األوحد آليات الوحي جم ً‬
‫ُ‬ ‫بيده وحده عالجاتها‪،‬‬
‫الخطأ والسهو والنسيان‪.‬‬

‫‪159‬‬
‫د‪ .‬حسين صبري‬ ‫إنسانية محمد‬

‫هذا التوصيف ّ‬
‫يؤصل تجذر وتسلط "الضبابية" في فهمه وتحليله‬
‫ونتائجه وأحكامه‪ ،‬ألنه‪:‬‬
‫‪ ‬يمارس "التوظيف االنتقائي" ملصادر معلوماته‪ ،‬إذ يقبل منها‬
‫ويهمل دون اعتبار تاريخي أو علمي‪ ،‬إنما العتبار وحيد؛ هو ما يؤكد‬
‫ويوافق مذهبه فقط‪.‬‬
‫‪ ‬يعمد إلى خطاب وعظي إنشائي مضاد للعلم واللغة وأصولها‪،‬‬
‫ويتغافل عن مقتضيات املنهج البحثي‪ ،‬ويركز على إثارة وجدان‬
‫القارئ‪ ،‬بما ليس له أي عالقة بإجراءات وضوابط التحقق في العلم‪.‬‬
‫ٌ‬
‫صحيح‪،‬‬ ‫‪ ‬يستغل ذكاءه في اصطياد فكرة أو حدث معين‪ ،‬هو‬
‫لينطلق منه في بناء تعميم كلي ساذج‪ ،‬وهو يقنعنا في كل كلمة يكتبها‬
‫ٌ‬
‫تعميم علمي مبني على "استقراء تام" لجميع حاالته‪.‬‬ ‫أنه‬
‫ً‬
‫‪ُ ‬يتقن مهارة متميزة في صياغة أحكام كلية تطال "الحديث"‬
‫و"السنة" و"تاريخ اإلسالم" و"حضارة اإلسالم"‪ ،‬ويوصف مشكالت‬
‫املسلمين الراهنة بـ "التخلف" و"الدوران حول الذات" و "عدم القدرة‬
‫على التفاهم مع اآلخر"‪.‬‬
‫‪ ‬يبتدع من غير تأصيل تاريخي أو علمي ملفاهيم غريبة‪ ،‬ليس لها‬
‫سابقة في تاريخ الفكر اإلسالمي‪ ،‬من مثل‪" :‬صناعة الحديث"‬
‫و"األحاديث الغيبية" و"األحاديث السياسية" و"املنظومة املعرفية‬

‫‪160‬‬
‫د‪ .‬حسين صبري‬ ‫إنسانية محمد‬

‫التراثية"‪ ،‬دون أن يحدد داللة كل مفهوم بشكل علمي دقيق يقبل‬


‫التحقق منه‪.‬‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫‪ ‬يخلط خلطا معيبا في كثير من أحكامه بين "السنة والسيرة"‬
‫و"الحاضر والتراث" و"كتب السيرة وكتب السنة" و "كتاب السيرة‬
‫وكتاب السنة»"‪ ،‬مما يوقع القارئ في التخبط‪.‬‬
‫‪ ‬يعطى لنفسه الحق‪ ،‬ليس في الحكم على املاض ي وكتب السنة‬
‫ُ‬
‫والسيرة وكتاب كل منهما وحسب‪ ،‬بل يذهب ألبعد من هذا‪ ،‬حيث‬
‫ُ‬
‫يحكم على نوايا الكتاب والحفظة‪ ،‬ويطعن فيها‪ ،‬فيزعم أن هؤالء ‪-‬‬
‫وهذا تعميم ساذج ‪ -‬في تدوينهم للحديث والسيرة ما كان مقصدهم ‪-‬‬
‫ً‬
‫وهذا تعميم ساذج آخر ‪ -‬أكثر من التفاخر أيهم أكثر حفظا‪.‬‬
‫‪ ‬يخلط في عمله البحثي فال يفرق بين الضوابط الذاتية‬
‫واملوضوعية‪ ،‬حتى أصابت أحكامه وتحليالته محددات الخلل‬
‫جميعا‪ ،‬من التعسف في الحكم‪ ،‬إنكار الحقائق‪ ،‬عدم التمييز بين‬ ‫ً‬
‫الحقائق‪ ،‬االستنتاج القسري‪ ،‬والقصور في الرؤية‪ ،‬فأدى به إلى أن‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫نموذجا متكامال للضبابية في الحكم‪.‬‬ ‫تكون أحكامه‬
‫‪ ‬يناور في تسريب أحكامه إلى العقل‪ ،‬فال يصرح بنواياه ومنطلقاته‪،‬‬
‫لكي تنطلي حجته على القارئ من أنه يمثل العلم املعاصر والفهم‬
‫املتطور‪ ،‬بينما تفحص أحكامه وتحليلها يفصح عما وراءها من أثر‬

‫‪161‬‬
‫د‪ .‬حسين صبري‬ ‫إنسانية محمد‬

‫التفسير املادي‪ ،‬وأثر ما يعتقد من أفكار شيعية مستهجنة‪ ،‬وأثر‬


‫ً‬
‫علماني‪ ،‬وقد صنع مثل هذا النموذج في تاريخنا الفكري املعاصر كثيرا‬
‫من اإلشكاليات البحثية‪ ،‬إما بتلقي نماذج غربية لها بيئاتها التي نشأت‬
‫جزءا من خطابنا ومناهجنا‪ ،‬وإما بتلقي‬ ‫فيها ثم اإليمان بها واعتبارها ً‬
‫نماذج أيدولوجية تدعي اإلسالمية في خطابها وشعاراتها ورموزها‪،‬‬
‫ُ‬
‫حيث تتجرأ على النص القرآني والنص النبوي وعلى كتاب السنة‬
‫والسيرة‪ ،‬يقتطعون من النصوص واألحداث والرموز؛ فقط ما يؤكد‬
‫مذاهبهم ويبرر مقاصدهم‪.‬‬
‫هذه النماذج تنبئنا عن حقيقة ربما غابت عن بعض املسلمين‪ ،‬أن‬
‫ُ‬
‫العلم والعلماء‪ ،‬في الغرب‪ ،‬قد أضطهدا وحوصرا مرتين باسم الدين‪،‬‬
‫كثير من األسس األخالقية التي ينبغي أن تقوم‬ ‫وفي املرتين تدمرت ٌ‬
‫عليها منهجية البحث وصحة األحكام‪:‬‬
‫‪ -‬األولى كانت ملصلحة رجال الكنيسة‬
‫‪ -‬والثانية ملصلحة العلمانية والعلمانيين‬
‫وأسفرت النتيجة في املرتين عن خسارة العلم في أوروبا لصدقية‬
‫ً‬
‫تابه ونبيه وحضارته‬ ‫أحكامه التي صدرت – باطال ‪ -‬بحق اإلسالم ِّوك ِّ‬
‫ُ‬
‫ن‬
‫ومفكريه‪ ،‬الكارثة أن بعض من يدعو اإلسالم واحتكروا حق‬
‫جرا‪ ،‬لنمض ي في الطريق الذي‬ ‫الخطاب باسم الدين؛ يجروننا اآلن ً‬

‫‪162‬‬
‫د‪ .‬حسين صبري‬ ‫إنسانية محمد‬

‫سلكته أوروبا منذ القرن الخامس امليالدي‪ ،‬ولم يضف لها إال‬
‫اغترابا عن الدين الصحيح‪.‬‬

‫‪163‬‬
‫د‪ .‬حسين صبري‬ ‫إنسانية محمد‬

‫هوامش القسم الثاني‪:‬‬


‫(‪ )1‬أحمد مختار عمر‪ :‬معجم اللغة العربية المعاصرة‪ ،‬عالم الكتب‪ ،‬القاهرة‪ ،‬ط ‪ ،2008 ،1‬المجلد‬
‫األول‪ ،‬ص ‪802‬‬
‫(‪ )2‬صالح قنصوه‪ :‬الموضوعية في العلوم اإلنسانية‪ ،‬دار التنوير للطباعة والنشر والتوزيع‪ ،‬بيروت‪،‬‬
‫ص ‪65‬‬
‫(‪ ) 3‬فريد األنصاري‪ :‬أبجديات البحث في العلوم الشرعية‪ ،‬منشورات الفرقان‪ ،‬الدار البيضاء‪ ،‬ط‬
‫‪ ،1997‬ص ‪41‬‬
‫(‪ )4‬علي سامي النشار‪ :‬مناهج البحث عند مفكري اإلسالم‪ ،‬دار النهضة العربية‪ ،‬بيروت‪ ،‬ط ‪،1984‬‬
‫ص ‪347‬‬
‫(‪ )5‬عبد الوهاب المسيري‪ :‬دراسات معرفية في الحداثة الغربية‪ ،‬نسخة إلكترونية‪ ،‬ص ‪366‬‬
‫(‪ )6‬سيد البحراوي‪ :‬البحث عن المنهج‪ ،‬دار شرقيات‪ ،‬القاهرة‪ ،‬ط ‪ ،1993 ،1‬ص ‪10‬‬
‫(‪ )7‬النسائي‪ :‬السنن الكبرى‪ ،‬تحقيق‪ :‬محمد ناصر األلباني‪ ،‬مكتبة المعارف للنشر والتوزيع‪ ،‬الرياض‪،‬‬
‫جـ ‪ ،1‬باب الطهارة‪ ،‬حديث رقم ‪ ،61‬ص ‪95‬‬
‫(‪ )8‬محمد عابد الجابري‪ :‬من موضوع «التراث ومشكلة المنهج» المنشور ضمن كتاب «المنهجية‬
‫في األدب والعلوم اإلنسانية»‪ ،‬دار توبقال‪ ،‬الدار البيضاء‪ ،‬ط ‪ ،3‬ص ‪84:85‬‬
‫(‪ )9‬رجاء دويدري‪ :‬البحث العلمي‪ ،‬دار الفكر المعاصر‪ ،‬بيروت‪ ،‬ط ‪ ،2000 ،1‬ص ‪32‬‬
‫(‪ )10‬سهيل زكار‪ :‬من مقدمة تحقيق كتاب «المغازي النبوية للزهري»‪ ،‬دار الفكر‪ ،‬دمشق‪ ،‬ط ‪،1‬‬
‫‪ ،1981‬ص ‪31‬‬
‫(‪ )11‬محمد سعيد البوطي‪ ،‬فقه السيرة النبوية‪ ،‬دار الفكر المعاصر‪ ،‬بيروت‪ ،‬ط ‪ ،1991 ،15‬ص‬
‫‪26‬‬
‫(‪ )12‬سهيل زكار‪ :‬من مقدمة تحقيق كتاب «سيرة ابن اسحاق»‪ ،‬دار الفكر‪ ،‬دمشق‪ ،‬ط ‪،1981 ،1‬‬
‫ص ‪31‬‬

‫‪164‬‬
‫د‪ .‬حسين صبري‬ ‫إنسانية محمد‬

‫‪(13) George Buch: The Life of Mohammed, J. Harper, 82 Cliff. ST., New‬‬
‫‪York, 1982, P. 4‬‬
‫(‪ )14‬محمد شحرور‪ :‬السنة الرسولية والسنة النبوية‪ ،‬دار الساقي‪ ،‬بيروت‪ ،‬ط ‪ ،2012 ،1‬ص ‪25‬‬
‫(‪ )15‬محمد العيد الخطراوي ومحب الدين متو‪ :‬من مقدمة تحقيق كتاب «الفصول في سيرة الرسول»‬
‫البن كثير‪ ،‬مؤسسة علوم القرآن‪ ،‬دمشق‪ ،‬ط ‪ 1403 ،3‬ه‪ ،‬ص ‪26‬‬
‫(‪ )16‬محمد الغزالي‪ :‬فقه السيرة‪ ،‬دار الكتب الحديثة‪ ،‬القاهرة‪ ،‬ط ‪ ،1965 ،6‬ص ‪4‬‬
‫(‪ )17‬محمد عابد الجابري‪ :‬الدين والدولة‪ ،‬مركز دراسات الوحدة العربية‪ ،‬بيروت‪ ،‬ط ‪،1996 ،1‬‬
‫ص ‪11‬‬
‫(‪ )18‬رشدي فكار‪ :‬لمحات عن منهجية الحوار والتحدي اإلعجازي لإلسالم‪ ،‬مكتبة وهبة‪ ،‬القاهرة‪،‬‬
‫ط ‪ ،1982 ،1‬ص ‪1‬‬
‫‪(19) Emile Dermengham: The Life of Mohamed P. viii‬‬
‫(‪ )20‬القسطالني‪ :‬لطائف اإلشارات‪ ،‬تحقيق‪ :‬عامر السيد عثمان وعبد الصبور شاهين‪ ،‬المجلس‬
‫األعلى للشئون اإلسالمية‪ ،‬القاهرة‪ ،‬جـ ‪ ،1‬ص ‪173‬‬
‫(‪ )21‬السمعاني‪ :‬أدب اإلمالء‪ ،‬تحقيق‪ :‬على زيعور‪ ،‬مؤسسة عز الدين للطباعة والنشر‪ ،‬ط ‪،1‬‬
‫‪ ،1993‬ص ‪78‬‬
‫(‪ ) 22‬عبد الفتاح خضر‪ :‬أزمة البحث العلمي‪ ،‬نسخة مكتبة الملك عبد العزيز العامة‪ ،‬الرياض‪ ،‬ط‬
‫‪ ،1992 ،3‬ص ‪26‬‬
‫‪(23) Reynold A. Nicholson: A Literary History of the Arabs, P. 143‬‬
‫(‪ )24‬مونتجمري وات‪ :‬فضل اإلسالم على الحضارة الغربية‪ ،‬ترجمة‪ :‬حسين أحمد أمين‪ ،‬مكتبة‬
‫مدبولي‪ ،‬القاهرة‪ ،‬ط ‪ ،1983 ،1‬ص ‪21‬‬
‫(‪ ) 25‬عبد الرحمن بدوي‪ :‬دفاع عن محمد‪ ،‬ترجمة‪ :‬كمال جاد اهلل‪ ،‬الدار العالمية للكتب والنشر‪،‬‬
‫ص ‪24‬‬
‫(‪ )26‬محمد عثمان بخاتي‪ :‬القرآن وعلم النفس‪ ،‬دار الشروق‪ ،‬القاهرة‪ ،‬ط ‪ ،2001 ،7‬ص ‪150‬‬
‫‪165‬‬
‫د‪ .‬حسين صبري‬ ‫إنسانية محمد‬

‫(‪ )27‬ألبرت ماكومب ونشستر‪ :‬موضوع «العلوم تدعم إيماني» المنشور ضمن كتاب «اهلل يتجلى‬
‫في عصر العلم»‪ ،‬ترجمة‪ :‬الدمرداش عبد المجيد سرحان‪ ،‬مراجعة‪ :‬محمد جمال الدين الفندي‪ ،‬دار‬
‫القلم‪ ،‬بيروت‪ ،‬ص ‪118‬‬
‫(‪ )28‬محمود شاكر‪ :‬رسالة في الطريق إلى ثقافتنا‪ ،‬الهيئة المصرية العامة للكتاب‪ ،‬القاهرة‪ ،‬ص ‪33‬‬
‫(‪ )29‬بودلي‪ :‬الرسول‪ ،‬ص ‪97‬‬
‫‪And K. S. Rama Krishnna: Muhammad Prophet of Islam, P. 7‬‬
‫‪(30) Nicholson: A Literary History of the Arabs, P. 146‬‬
‫(‪ )31‬حسين مؤنس‪ :‬تاريخ موجز للفكر العربي‪ ،‬دار الرشاد‪ ،‬القاهرة‪ ،‬ط ‪ ،1996 ،1‬ص ‪105‬‬
‫(‪ )32‬كارين أرمسترونج‪ :‬محمد نبي وماننا‪ ،‬ص ‪22‬‬
‫(‪ )33‬حاكم المطيري‪ :‬عروة بن الزبير وكتاب المغازي‪ ،‬دراسة محكمة في مجلة «كلية الدراسات‬
‫اإلسالمية والعربية»‪ ،‬جامعة األزهر‪ ،‬اإلسكندرية‪ ،‬العدد ‪ ،26‬ص ‪3‬‬
‫(‪ )34‬عبد الرحمن التميمي‪ :‬كتاب الجرح والتعديل‪ ،‬دار الكتب العلمية‪ ،‬بيروت‪ ،‬ط ‪ ،1953‬جـ ‪،1‬‬
‫ص‪5‬‬
‫(‪ )35‬الحاكم النيسابوري‪ :‬كتاب معرفة علوم الحديث‪ ،‬تحقيق‪ ،‬السيد معظم حسين‪ ،‬منشورات المكتبة‬
‫العلمية‪ ،‬المدينة المنورة‪ ،‬ط ‪ ،1977 ،2‬ص ‪6‬‬
‫(‪ )36‬أسد رستم‪ :‬مصطلح التاريخ‪ ،‬مركز تراث البحوث والدراسات‪ ،‬القاهرة‪ ،‬ط ‪ ،2015 ،1‬ص ‪53‬‬
‫(‪ )37‬كارين أرمسترونج‪ :‬محمد نبي زماننا‪ ،‬ص ‪22‬‬
‫(‪ ) 38‬أكرم ضياء العمري‪ :‬منهج النقد عند المحدثين‪ ،‬دار أشبيليا للنشر والتوزيع‪ ،‬الرياض‪ ،‬ط ‪،1‬‬
‫‪ ،1997‬ص ‪33‬‬
‫(‪ )39‬المرجع نفسه‪ ،‬ص ‪22‬‬
‫(‪ )40‬زكريا إبراهيم‪ :‬الفلسفة النقدية‪ :‬مكتبة مصر‪ :‬القاهرة‪ ،‬ط ‪ ،1972 ،2‬ص ‪230‬‬
‫رواد الشك المنهجي‪ ،‬دار الضياء‪ ،‬أبو ظبي‪ ،‬ط ‪ ،2011 ،1‬ص ‪59‬‬
‫(‪ )41‬حسين صبري‪ّ :‬‬
‫(‪ )42‬محمود شاكر‪ :‬رسالة في الطريق إلى ثقافتنا‪ ،‬ص ‪64‬‬
‫‪166‬‬
‫د‪ .‬حسين صبري‬ ‫إنسانية محمد‬

‫(‪ )43‬ابن خلدون‪ :‬المقدمة‪ ،‬تحقيق‪ :‬عبد اهلل محمد الدرويش‪ ،‬دار يعرب‪ ،‬دمشق‪ ،‬ط ‪ ،2004 ،1‬جـ‬
‫‪ ،1‬ص ‪261‬‬
‫(‪ )44‬نظمي لوقا‪ :‬محمد الرسالة والرسول‪ ،‬ص ‪25‬‬
‫(‪ )45‬عبد الستار إبراهيم‪ :‬اإلنسان وعلم النفس‪ ،‬من سلسلة «عالم المعرفة» إصدار المجلس الوطني‬
‫للثقافة والفنون واآلداب‪ ،‬الكويت‪ ،‬العدد رقم ‪ ،86‬فبراير ‪ ،1978‬ص ‪211‬‬
‫‪(46) Joseph Neisser: The Science of Subjectivity, Palgrave Macmillan, UK,‬‬
‫‪2015, P.14‬‬
‫(‪ )47‬أحمد أمين‪ :‬النقد األدبي‪ ،‬دار الكتاب العربي‪ ،‬بيروت‪ ،‬ط ‪ ،1967 ،4‬ص ‪9‬‬
‫(‪ )48‬زيجرد هونكه‪ :‬شمس العرب تسطع على الغرب‪ ،‬ص ‪9‬‬
‫(‪ )49‬مونتجمري وات‪ :‬فضل اإلسالم‪ ،‬ص ‪112‬‬
‫(‪ )50‬رجاء دويدري‪ :‬البحث العلمي‪ ،‬ص ‪24‬‬
‫‪(51) Margoliouth: Mohammed and the Rise of Islam, G.P. Putnam’s Sons,‬‬
‫‪New York, 1905, P.72‬‬
‫‪(52) Reynold A. Necholson: A literary of the Arabs, P. 148‬‬
‫(‪ )53‬جاك ريسلر‪ :‬الحضارة العربية‪ ،‬ترجمة‪ :‬غنيم عبدون‪ ،‬مراجعة‪ :‬أحمد فؤاد األهواتي‪ ،‬الدار‬
‫المصرية للتأليف والترجمة‪ ،‬القاهرة‪ ،‬ص ‪26‬‬
‫(‪ )54‬جوستاف لوبون‪ :‬حضارة العرب‪ ،‬ترجمة‪ :‬عادل زعيتر‪ ،‬مؤسسة هنداوي للتعليم والثقافة‪،‬‬
‫القاهرة‪ ،‬ص ‪108:109‬‬
‫(‪ )55‬عبد الستار ابراهيم‪ :‬أسس علم النفس‪ ،‬دار المريخ للنشر‪ ،‬الرياض‪ ،‬ط ‪ ،1987‬ص ‪32‬‬
‫(‪ )56‬ول ديورانت‪ :‬قصة الحضارة‪ ،‬جـ ‪ ،13‬ص ‪13‬‬
‫‪(57) George Buch: The Life of Mohammed, P. 156‬‬
‫‪(58) A. J. Wensinck: The Muslim Creed, Barnes & Noble, Inc., New York,‬‬
‫‪Second Edition, 1965, P.17‬‬
‫‪167‬‬
‫د‪ .‬حسين صبري‬ ‫إنسانية محمد‬

‫(‪ )59‬بودلي‪ :‬حياة محمد‪ ،‬ص ‪88‬‬


‫‪(60) Oliver Leaman: An Introduction to Classical Islamic Philosophy,‬‬
‫‪Cambridge University Press, UK, 2004, P. 41‬‬
‫(‪ )61‬نصر حامد أبو زيد‪ :‬إشكاليات القراءة وآليات التأويل‪ ،‬المركز الثقافي العربي‪ ،‬الدار البيضاء‪،‬‬
‫ط ‪ ،2014 ،1‬ص ‪19‬‬
‫‪(62) Theodor Noldeke: Sketches from Eastern History, Translated by: John‬‬
‫‪Sutherland Balck, Adam And Charles Black, London, 1892, P.65‬‬
‫‪(63) Theodor Noldeke: Sketches from Eastern History, P. 62‬‬
‫(‪ )64‬عبد اهلل العروي‪ :‬موضوع «المنهجية بين األبداع واألتباع» المنشور ضمن كتاب «المنهجية‬
‫في األدب والعلوم اإلنسانية»‪ ،‬دار توبقال للنشر‪ ،‬الدار البيضاء‪ ،‬ط ‪ ،2001 ،3‬ص ‪13‬‬
‫‪(65) George Bush: The life of Mohammed, P. 158‬‬
‫(‪ )66‬شوقي ضيف وآخرون‪ :‬المعجم الوسيط‪ ،‬مكتبة الشروق الدولية‪ ،‬القاهرة‪ ،‬ط ‪ ،2004 ،4‬ص‬
‫‪899‬‬
‫(‪ )67‬عبد القاهر الجرجاني‪ :‬معجم التعريفات‪ ،‬تحقيق‪ :‬محمد صديق المنشاوي‪ ،‬دار الفضيلة‪،‬‬
‫القاهرة‪ ،‬ص ‪22‬‬
‫‪(68) Washington Irving: Lives of Mohamet, Baudry’s European Library,‬‬
‫‪Paris, 1850, P. 21‬‬
‫‪(69) Reynold A. Necholson: A Literary History of The Arabs, P. 179‬‬
‫‪(70) Annie Besant: The Life And Teaching of Muhammad, Theosophical‬‬
‫‪Publishing House, Adyar, India, 1932, P. 1‬‬
‫(‪ )71‬ألفونس دي المارتين‪ :‬مختارات من كتاب «حياة محمد»‪ ،‬ترجمة‪ :‬محمد قوبعة‪ ،‬مؤسسة جائزة‬
‫عبد العزيز سعود البابطين لإلبداع الشعري‪ ،‬الكويت‪ ،‬ط ‪ ،2006 ،1‬ص ‪95‬‬

‫‪168‬‬
‫د‪ .‬حسين صبري‬ ‫إنسانية محمد‬

‫‪(72) Maxime Rodinson: Muhammad, Tauris Parke Paperbacks, London,‬‬


‫‪2002, P. 293‬‬
‫‪(73) Margoliouth: The Early Development of Mohammedanism, Charles‬‬
‫‪Scribner’s Sons, New yourk, 1914, P. 38‬‬
‫(‪ )74‬زكريا إبراهيم‪ :‬الفلسفة النقدية‪ ،‬مكتبة مصر‪ ،‬القاهرة‪ ،‬ط ‪ ،1972 ،2‬ص ‪231:232‬‬
‫‪(75) George Buch: The Life of Mohammed, P. 48‬‬
‫(‪ ) 76‬محمد بن صامل السلمي‪ :‬منهج كتابة التاريخ اإلسالمي‪ ،‬دار ابن الجوزي للنشر والتوزيع‪،‬‬
‫الرياض‪ ،‬ط ‪ 1429 ،1‬هـ‪ ،‬ص ‪93‬‬
‫(‪ )77‬رينان واألفغاني‪ :‬اإلسالم والعلم «مناظرة رينان واألفغاني»‪ ،‬ترجمة ودراسة‪ :‬مجدي عبد الحافظ‪،‬‬
‫المجلس األعلى للثقافة‪ ،‬مصر‪ ،‬ط ‪ ،2005‬ص ‪34:35‬‬
‫(‪ )78‬باتريشيا كرون‪ :‬تجارة مكة وظهور اإلسالم‪ ،‬ترجمة‪ :‬آمال محمد الروبي‪ ،‬المجلس األعلى‬
‫للثقافة‪ ،‬مصر‪ ،‬ط ‪ ،2005‬ص ‪403‬‬
‫(‪ )79‬آمال محمد الروبي‪ :‬الرد على كتاب باتريشيا كرون‪ ،‬نسخة إليكترونية‪ ،‬ص ‪3:4‬‬
‫(‪ )80‬عبد الرحمن الشرقاوي‪ :‬محمد رسول الحرية‪ ،‬ص ‪11‬‬
‫(‪ )81‬محمد شحرور‪ ،‬السنة الرسولية والسنة النبوية‪ ،‬ص ‪15‬‬
‫(‪ )82‬المرجع نفسه‪ ،‬ص ‪30‬‬
‫(‪ )83‬المرجع نفسه‪ ،‬ص ‪40‬‬
‫(‪ )84‬المرجع نفسه‪ ،‬ص ‪78‬‬
‫(‪ )85‬المرجع نفسه‪ ،‬ص ‪87‬‬

‫‪169‬‬
‫د‪ .‬حسين صبري‬ ‫إنسانية محمد‬

‫خاتمة الدراسة‬
‫النتائج والتوصيات‬

‫‪170‬‬
‫د‪ .‬حسين صبري‬ ‫إنسانية محمد‬

‫توصلت دراستنا في "إنسانية" محمد ﷺ إلى مجموعة من النتائج‪ ،‬هي‬


‫ً‬
‫مناظرة للنتائج التي يستخلصها الباحثون عند‬
‫قواعد يمكن اعتبارها ِّ‬
‫قل عنها درجة أو ضرورة أو‬‫دراسة الظواهر في العلم الطبيعي‪ ،‬فال ت ُّ‬
‫أثرا‪ ،‬هذه القواعد تحمل جملة من التوصيات؛ هي التي تجعل لهذه‬ ‫ً‬
‫القواعد قيمة عملية‪ ،‬وتمدنا بمقترحات من األفكار‪ ،‬يمكن أن‬
‫نستنبط منها فرضيات ينبني عليها ٌ‬
‫عمل بحثي جديد‪ ،‬وأبرزها‪:‬‬

‫قاعدة "التالزم"‪:‬‬
‫إن جوهر إنسانية محمد؛ يكمن في "التالزم" الذي يجمع بين‬
‫"االتساق" بين صفات بشريته وصفات نبوته‪ ،‬و"التمايز" لكل صفة‬
‫ُُ‬
‫أو خلق أو قدرة اتصف بها‪ ،‬إلى حد االنسجام التام بين االتساق‬
‫والتمايز في وحدة إنسانية ُمعبرة عن أكمل خلق هللا ﷺ‪ ،‬هذا التالزم‬
‫هو ُسنة كونية تحكم وجود الكائنات في األرض وأصناف الناس‪،‬‬
‫وألوان املشاعر‪ ،‬ومجموعات العمل‪ ،‬والدرس املستفاد أن ُس َّنة‬
‫هدما أو‬‫"التنوع" هي من إرادات هللا في الكون‪ ،‬ال ينبغي املساس بها ً‬
‫تحقيرا أو استهانة‪ ،‬وقد حرص النبي محمد على إنفاذ سنة‬ ‫ً‬ ‫ً‬
‫تخريبا أو‬
‫التنوع في شتى مناحي الحياة في املجتمع اإلسالمي‪ ،‬ومن وصاياه؛‬
‫تقدير قيمة التنوع‪ ،‬ألنه هو املوصل إلى التكامل‪.‬‬

‫‪171‬‬
‫د‪ .‬حسين صبري‬ ‫إنسانية محمد‬

‫قاعدة "املفاضلة"‪:‬‬
‫إن الذي يؤسس لتقييم األداء اإلنساني؛ هو اإلقرار باختالف الناس‬
‫في طاقاتهم ُومقدراتهم وأرزاقهم ومواهبهم ومجهوداتهم‪ ،‬والدرس‬
‫املستفاد أن املالحظة املباشرة وإن دلت على التفاوت بين الناس‪،‬‬
‫لكنهم متساوون في اإلنسانية والكرامة والخلقة واملواهب والحظوظ‬
‫ُ‬
‫وإن اختلفوا في نسبة ما أعطوا من كل عنصر منها‪ ،‬الدرس املستفاد‬
‫أن ما ُيمكن اإلنسان من حيازة "األفضلية" هو جهده‪ ،‬وما ُيخلص من‬
‫نوايا‪ ،‬وما يأخذ من أسباب الكسب والتدريب والتطوير وإعمال‬
‫العقل‪ ،‬وبسط املعروف في الناس‪.‬‬
‫وإن استقراء الشواهد على أفضلية محمد عليه السالم؛ استندت إلى‬
‫معايير مقننة هي "حيثيات"‪ ،‬ودراستنا حين عمدت إلى تحليل هذه‬
‫الشواهد‪ ،‬لم يكن إال لغرض بحثي بحت‪ ،‬فإن الشواهد ومعاييرها ال‬
‫تضيف للنبي الكريم محمد‪ ،‬وال توجد له ً‬
‫حقا ما كان ليأتيه لوالها‪،‬‬
‫ً‬
‫وضوحا إلشباع العقل البحثي‪ ،‬فإن من‬ ‫إنما هي من باب زيادة الواضح‬
‫مقتضيات "األفضلية" بين الناس‪ ،‬أال يكون انتزاعها عنوة‪ ،‬وإنما‬
‫ُ‬
‫بحقها من الخلق اإلنساني والجهد واألثر‪.‬‬

‫‪172‬‬
‫د‪ .‬حسين صبري‬ ‫إنسانية محمد‬

‫ضبط املفاهيم‪:‬‬
‫إن من ضرورات العلم؛ ضبط املفاهيم املستخدمة كمقدمة أولى في‬
‫أي إجراء بحثي‪ ،‬وقد كان سقراط يشترط ذلك الضبط قبل الشروع‬
‫في أي بناء فكري مع طالبه أو مع خصومه‪ ،‬والدرس املستفاد أن‬
‫نؤسس بشكل منهجي للمفاهيم التي يؤدي الخالف بشأنها إلى تضييع‬
‫جهدنا في الحوار والتواصل‪ ،‬من مثل‪ :‬اعتبار سب النبي محمد داللة‬
‫على التحرر‪ ،‬واعتبار الشذوذ واالنحراف واالنتحار داللة على الحق‬
‫ً‬
‫وضعفا داللة على الحداثة‬ ‫الوجودي لإلنسان‪ ،‬واعتبار اإليمان ً‬
‫تخلفا‬
‫والتنوير‪ ،‬لذلك توص ي الدراسة بإعادة تحديد مفهوم "التطرف"‬
‫الذي الزال يداور في دالالت بعينها‪ ،‬قصرها البعض على هذه الدالالت‬
‫عمدا – لإلساءة إلى اإلسالم‪ ،‬وتوص ي بضرورة فك‬ ‫دون غيرها – ً‬
‫الربط التعسفي بين الذاتية وغياب املنهجية‪ ،‬ألن للذاتية صورتان؛‬
‫السوية واملتطرفة ويتصالن بالباحث‪ ،‬وللموضوعية صورتان؛ كفاية‬
‫الحقائق واألدلة وعدم كفايتهما ويتصالن بموضوع البحث‪ ،‬وأي منهما‬
‫– الذاتية واملوضوعية ‪ -‬يمكن أن يقود أحكام الباحث إلى الصحة أو‬
‫إلى البطالن‪ ،‬وليس وجود الحكم العلمي الباطل ر ً‬
‫اجعا إلى الذاتية‬
‫وحسب‪ ،‬فقد يعود إلى املوضوعية في عدم كفاية الحقائق واألدلة‪.‬‬

‫‪173‬‬
‫د‪ .‬حسين صبري‬ ‫إنسانية محمد‬

‫صناعة اإلشكالية‪:‬‬
‫بعضا من مفكري اإلسالم قد جلبوا من الغرب نماذج من الفكر‬ ‫إن ً‬
‫والفلسفة والعلم وتقنيات العلوم‪ ،‬وأسسوا لها في مجتمعاتنا‬
‫اإلسالمية‪ ،‬على أنها قاطرتنا إلى التطوير‪ ،‬وملا رحنا نتعامل معها‬
‫ونوظفها بقيمها التي ُبنيت عليها؛ أفرز في واقعنا اإلسالمي؛ ً‬
‫عديدا من‬
‫اإلشكاليات‪ ،‬كالصراع بين األجيال‪ ،‬وشيوع النمط االستهالكي‪،‬‬
‫والعلمانية‪ ،‬والوجودية‪ ،‬والتفسيرات املادية‪ ،‬وملا زادت حدة هذه‬
‫ً‬ ‫اإلشكاليات ونغصت علينا‪ ،‬رحنا نسعي ً‬
‫سعيا حثيثا نفتش لها عن‬
‫حلول إسالمية‪ ،‬مع أن أساسها وحقيقتها ٌ‬
‫بعيد عن هويتنا وأخالقنا‬
‫ومقاصد ديننا الحنيف‪ ،‬الدرس املستفاد في بحوثنا العلمية‬
‫ومناهجنا التعليمية وخطابنا الديني واإلعالمي؛ هو بناء عقلية لديها‬
‫الثقة بما لديها من تاريخ وتراث ودين وقيم‪ ،‬وقدرة على التميز‬
‫الحضاري‪.‬‬
‫محدد "الخطر"‪:‬‬
‫إن تفحص واقعنا الفكري والديني – كما بينت تفاصيل دراستنا –‬
‫عبر القرون الثالثة األخيرة؛ يوضح أن مكامن الخطر على نبي اإلسالم‬
‫ورسالته وأمة املسلمين؛ ال يخرج عن مسارات ثالثة‪:‬‬

‫‪174‬‬
‫د‪ .‬حسين صبري‬ ‫إنسانية محمد‬

‫أولها‪ :‬املغاالة في التشيع‪ ،‬وتبني أفكار شيعية متطرفة‪ ،‬والدفاع عنها‬


‫واعتبارها من صحيح اإلسالم‪.‬‬
‫والثاني‪ :‬التفسير املادي؛ الذي نفذ إلى عقولنا تحت دعاوى‬
‫االشتراكية واملساواة والعدالة والكرامة اإلنسانية‪.‬‬
‫واألخير‪ :‬إنكار الدين و إنكار النبوات‪ ،‬وربط وجود التدين املتزن‬
‫بالتخلف والضعف واالنحطاط‪.‬‬
‫ٌ‬
‫مع مالحظة؛ أن التوظيف السياس ي الذي امتهنته فئة إسالمية‪ ،‬قبل‬
‫أن ينتصف القرن املاض ي وإلى اليوم‪ ،‬قد زادت حدته‪ ،‬والدرس‬
‫املستفاد هو االنتباه لهذه الفئة التي غايتها إرجاعنا للوراء نفتش في‬
‫تراثنا عن أسانيد صحة السنة والسيرة‪ ،‬وتقليب صفحات الدم‬
‫والفتن والصراع والتطاحن املذهبي‪ ،‬واالستغراق في اختالفاتنا في‬
‫الفروع‪ ،‬حيث إن ُمرادها أال نرى في تراثنا نقاط قوته املضيئة وهي‬
‫فوق الحصر‪.‬‬

‫أمانة التعميم‪:‬‬
‫هناك باحثون كانوا منصفين في كثير من أحكامهم على اإلسالم ونبي‬
‫اإلسالم والقرآن وحضارة املسلمين‪ ،‬غير أنه قد جانبهم الصواب في‬
‫طريقة تناولهم لجانب محدد او جزئية محددة‪ ،‬هذا ال يعطي‬
‫لدراستنا الحق في بناء تعميم كلي على جملة أعمال هذا الباحث‪،‬‬
‫‪175‬‬
‫د‪ .‬حسين صبري‬ ‫إنسانية محمد‬

‫فلم يسلم هؤالء من أثر ثقافاتهم وموروثاتهم وتنشئتهم‪ ،‬لهذا فمن‬


‫ضرورات البحث العلمي أن يوضع هذا الخلل في حجمه وفي إطاره‪،‬‬
‫لتصحيح الحقائق ولتصويب الخلل‪ ،‬والدرس املستفاد أن ً‬
‫كثيرا من‬
‫اإلشكاليات التي تعوق حوار املسلمين مع الغرب‪ ،‬سببها التعميمات‬
‫التي لم يتم بناؤها وفق استقراء علمي صحيح‪.‬‬

‫املشروع‪:‬‬
‫إن اإلساءة للدين والرسول والسنة والسيرة وكل رمز إسالمي؛ يعبر‬
‫عن مشروع واضح محدد ومتفق على إجراءاته وأهدافه وأدواته‪،‬‬
‫والدرس املستفاد أن يؤسس له مشروع مضاد‪ٌ ،‬‬
‫مبني على جهد علمي‬
‫مؤسس ي دائب ومتواصل‪ ،‬له آلياته ومراجعاته التي ال تنقطع وال‬
‫ُ‬
‫تتوقف‪ ،‬من إجراءاته تنقية كتب السيرة والسنة بضبط شرعي منهجي‬
‫ً‬
‫علمي ودقيق‪ ،‬هذا ما سيسجل لنا حق "اإلضافة" بديال عن النقد‬
‫السلبي واإلساءة لرموز الحضارة اإلسالمية‪ ،‬فإن من صنع هذا‬
‫التحضر من فكر وأدب وشعر وفقه وكالم وتفسير وسيرة وتصوف‬
‫وأخالق وعلم طبيعي وعلم إنساني وتطبيقات ومراصد ومعاجم‬
‫ُ‬
‫وقواميس وموسوعات وفهارس ونظم وقوانين وعمران وفنون‪ ،‬من‬
‫صنع هذا كله ولقرون ممتدة‪ ،‬سعى واجتهد وأعمل فكره ونقل وترجم‬
‫‪176‬‬
‫د‪ .‬حسين صبري‬ ‫إنسانية محمد‬

‫وفحص ودرس وهضم وشرح ونقد وفند وصحح وأبدع وأضاف ً‬


‫أثرا‬
‫وأعلى درجات في بناء الفكر اإلنساني‪ ،‬رغم ضعف هنا أو هناك‪ ،‬لكنه‬
‫ع ِّمل وأضاف‪ ،‬فإن جوهر هذه اإلساءة؛ يكمن فيمن ال يعمل وال‬
‫انضم في هذا التوجه – على‬ ‫َّ‬ ‫يضيف‪ ،‬إنما يتبجح ويقدح‪ ،‬حتى‬
‫اختالف أسمائهم ومداخلهم ودوافعهم – ٌ‬
‫عدد يتزايد ً‬
‫يوما بعد يوم‪،‬‬
‫ويمثل تيا ًرا يدعي تنقية الدين‪ ،‬وفي حقيقته ال يمثل إال تش ً‬
‫ويها للدين‪.‬‬

‫متالزمة "الخلل البحثي"‪:‬‬


‫إن صحة النتائج واألحكام في ساحات العلم؛ يتوقف على الحرص‬
‫على تمييز محددات بطالنها‪ ،‬بالضبط كالحرص على تمييز محددات‬
‫صحتها‪ ،‬ألن الخلل في أحكام العلماء‪ ،‬له مصادر ثالثة‪ ،‬هي‪:‬‬
‫‪ -‬الخلل النفس ي؛ الذي يعطل الضوابط الذاتية في إجراءات‬
‫البحث العلمي‬
‫‪ -‬والخلل املعرفي؛ الذي يعطل الضوابط املوضوعية‬
‫‪ -‬والخلل املنهجي؛ الذي يعطل النوعين من الضوابط‬

‫‪177‬‬
‫د‪ .‬حسين صبري‬ ‫إنسانية محمد‬

‫والدرس املستفاد؛ هو الوعي بأن من أصعب وأعقد مصادر الخلل‬


‫في البحث العلمي؛ في معرفته والكشف عنه‪ ،‬هو ذاك الخلل‬
‫النفس ي‪.‬‬
‫الرسالة‪:‬‬
‫إن هللا تعالى ال يترك الناس كافة‪ ،‬وال املؤمنين خاصة‪ ،‬دون أن يبعث‬
‫لهم من آن آلخر برسائله‪ ،‬على مستوى األمم‪ ،‬وعلى مستوى األفراد‪،‬‬
‫وعلينا أن نلتفت‪ ،‬ونفهم‪ ،‬ونفطن‪ ،‬ونراجع‪ ،‬ونصحح‪ ،‬وننطلق‪،‬‬
‫وننهض‪ ،‬فهذه من مقاصد الدين في اإلنسان‪ ،‬الدرس املستفاد أال‬
‫نترك "الفراغ" يوسع لنفسه في عقولنا وأنماط تفكيرنا وسلوكنا‪،‬‬
‫فهناك الكثير من الناس مستعدون في أي لحظة ألن يسدوا هذا‬
‫الفراغ بما يريدون هم‪.‬‬

‫قاعدة "االستحقاق"‪:‬‬
‫إن ما يقنن األمور ويصنع األحكام بين الناس في دوافعهم ومشاعرهم‬
‫وعالقاتهم‪ ،‬هو قانون االرتياح أو االرتياب؛ الذي له مقدماته وأسبابه‬
‫العقلية والوجدانية واملادية‪ ،‬فكيف وقد علمنا استحقاق نبينا‬
‫الكريم على كافة معايير "األفضلية" ونقبل تعطيل هذا القانون في‬

‫‪178‬‬
‫د‪ .‬حسين صبري‬ ‫إنسانية محمد‬

‫وجوب تقدير النبي الخاتم ﷺ‪ ،‬وكافة األنبياء واملرسلين واملصلحين‬


‫والحكماء؟‬
‫فالدرس املستفاد هو "تأكيد املؤكد" في أن يكون للنبي محمد ﷺ؛‬
‫الرتبة األعلى – التي هي له باألساس ‪ -‬في التقدير واالحتفاء واالقتداء‪،‬‬
‫ُ‬
‫الذي يليق بكرامة وقدر أكمل من خلق من "اإلنسان"‪.‬‬

‫‪179‬‬
‫د‪ .‬حسين صبري‬ ‫إنسانية محمد‬

‫املصادرواملراجع‬

‫‪180‬‬
‫د‪ .‬حسين صبري‬ ‫إنسانية محمد‬

‫املصادرواملراجع‬
‫أوال‪ :‬املصادرالعربية‬
‫ابن إسحاق‪ :‬السيرة النبوية‪ ،‬تحقيق‪ :‬أحمد فريد املزيدي‪ ،‬دار‬ ‫‪.1‬‬
‫الكتب العلمية‪ ،‬بيروت‪ ،‬ط ‪2004 ،1‬‬
‫ابن إسحاق‪ :‬كتاب السير واملغازي‪ ،‬تحقيق‪ :‬سهيل زكار‪ ،‬دار‬ ‫‪.2‬‬
‫الفكر‪ ،‬دمشق‪ ،‬ط ‪1978 ،1‬‬
‫ابن الجوزي‪ :‬الوفا بأحوال املصطفى‪ ،‬تحقيق‪ :‬محمد زهري‬ ‫‪.3‬‬
‫النجار‪ ،‬املؤسسة السعيدية‪ ،‬الرياض‬
‫ابن خلدون‪ :‬املقدمة‪ ،‬تحقيق‪ :‬عبد هللا محمد الدرويش‪ ،‬دار‬ ‫‪.4‬‬
‫يعرب‪ ،‬دمشق‪ ،‬ط ‪2004 ،1‬‬
‫ابن سعد‪ :‬الطبقات الكبير‪ :‬تحقيق‪ :‬علي محمد عمر‪ :‬مكتبة‬ ‫‪.5‬‬
‫الخانجي‪ :‬القاهرة‪ ،‬ط ‪2001 ،1‬‬
‫ابن سيد الناس‪ :‬عيون األثر‪ ،‬تحقيق‪ :‬محمد العيد الخطراوي‬ ‫‪.6‬‬
‫ومحي الدين متو‪ ،‬مكتبة دار التراث‪ ،‬املدينة املنورة‬
‫ابن عبد البر‪ :‬الدرر في اختصاص املغازي والسير‪ ،‬تحقيق‪:‬‬ ‫‪.7‬‬
‫شوقي ضيف‪ ،‬دار املعارف‪ ،‬القاهرة‪ ،‬طـ ‪1991 ،3‬‬
‫ابن منظور‪ :‬لسان العرب‪ ،‬تحقيق‪ :‬عبد هللا على الكثير‬ ‫‪.8‬‬
‫وآخرون‪ ،‬دار املعارف‪ ،‬القاهرة‬

‫‪181‬‬
‫د‪ .‬حسين صبري‬ ‫إنسانية محمد‬

‫‪ .9‬ابن هشام‪ :‬السيرة النبوية‪ ،‬تحقيق‪ :‬مصطفى السقا وآخرون‪،‬‬


‫دار إحياء التراث العربي‪ ،‬بيروت‬
‫‪ .10‬أبو الفضيل عياض‪ :‬الشفا‪ ،‬تحقيق‪ :‬عبده علي كوشك‪ ،‬جائزة‬
‫دبي الدولية للقرآن الكريم‪ ،‬دولة اإلمارات العربية املتحدة‪ ،‬ط ‪،1‬‬
‫‪2013‬‬
‫‪ .11‬األصبهاني‪ :‬أخالق النبي‪ ،‬تحقيق‪ :‬صالح بن محمد الونيان‪ ،‬دار‬
‫املسلم للنشر والتوزيع‪ ،‬الرياض‪ ،‬السعودية‪ ،‬ط ‪1998 ،1‬‬
‫‪ .12‬األلوس ي‪ :‬روح املعاني‪ ،‬تحيق‪ :‬إدارة املطابع األميرية‪ ،‬دار إحياء‬
‫التراث العربي‪ ،‬بيروت‬
‫‪ .13‬البخاري‪ :‬الجامع الصحيح‪ ،‬تحقيق‪ :‬محب الدين الخطيب‬
‫وآخرون‪ ،‬املطبعة السلفية‪ ،‬القاهرة‪ ،‬ط‪1400 ،1‬ه‬
‫‪ .14‬البيهقي‪ :‬دالئل النبوة‪ ،‬تحقيق‪ :‬عبد املعطي قلعجي‪ ،‬دار الريان‬
‫للتراث‪ ،‬القاهرة‪ ،‬ط ‪1988 ،1‬‬
‫‪ .15‬الترمذي‪ :‬الشمائل املحمدية‪ ،‬تحقيقك محمد عبد العزيز‬
‫الخالدي‪ ،‬دار الكتب العلمية‪ ،‬بيروت‪ ،‬ط ‪2006 ،3‬‬
‫‪ .16‬التهانوي‪ :‬كشاف اصطالحات الفنون‪ ،‬تحقيق‪ :‬علي دحروج‪،‬‬
‫مكتبة لبنان‪ ،‬بيروت‬
‫‪ .17‬جالل الدين السيوطي‪ :‬الخصائص النبوية الكبرى‪ ،‬تحقيق‪:‬‬
‫عبد هللا التليدي‪ ،‬دار البشائر اإلسالمية‪ ،‬بيروت‪ ،‬ط ‪ 1410 ،2‬ه‬
‫‪182‬‬
‫د‪ .‬حسين صبري‬ ‫إنسانية محمد‬

‫‪ .18‬حاكم املطيري‪ :‬عروة بن الزبير وكتاب املغازي‪ ،‬دراسة محكمة‬


‫في مجلة «كلية الدراسات اإلسالمية والعربية»‪ ،‬جامعة األزهر‪،‬‬
‫اإلسكندرية‪ ،‬العدد ‪26‬‬
‫‪ .19‬الحاكم النيسابوري‪ :‬كتاب معرفة علوم الحديث‪ ،‬تحقيق‪،‬‬
‫السيد معظم حسين‪ ،‬منشورات املكتبة العلمية‪ ،‬املدينة املنورة‪،‬‬
‫ط ‪1977 ،2‬‬
‫‪ .20‬الرازي‪ :‬مختار الصحاح‪ ،‬مكتبة لبنان‪ ،‬بيروت‪ ،‬ط ‪1986 ،1‬‬
‫‪ .21‬الزهري‪ :‬كتاب املغازي‪ ،‬تحقيق‪ :‬سهيل زكار‪ ،‬دار الفكر‪،‬‬
‫دمشق‪ ،‬ط‪1981 ،1‬‬
‫‪ .22‬السمعاني‪ :‬أدب اإلمالء‪ ،‬تحقيق‪ :‬على زيعور‪ ،‬مؤسسة عز‬
‫الدين للطباعة والنشر‪ ،‬ط ‪1993 ،1‬‬
‫‪ .23‬عبد الرحمن التميمي‪ :‬كتاب الجرح والتعديل‪ ،‬دار الكتب‬
‫العلمية‪ ،‬بيروت‪ ،‬ط ‪1953‬‬
‫‪ .24‬عبد القاهر الجرجاني‪ :‬معجم التعريفات‪ ،‬تحقيق‪ :‬محمد‬
‫صديق املنشاوي‪ ،‬دار الفضيلة‪ ،‬القاهرة‬
‫‪ .25‬القسطالني‪ :‬لطائف اإلشارات‪ ،‬تحقيق‪ :‬عامر السيد عثمان‬
‫وعبد الصبور شاهين‪ ،‬املجلس األعلى للشئون اإلسالمية‪ ،‬القاهرة‬
‫‪ .26‬محب الدين الطبري‪ :‬خالصة سيد البشر‪ ،‬تحقيق‪ :‬محمد عبد‬
‫الغفار خان‪ ،‬مطبوعات دائرة املعارف العثمانية‪ ،‬ط ‪2005‬‬
‫‪183‬‬
‫د‪ .‬حسين صبري‬ ‫إنسانية محمد‬

‫‪ .27‬مسلم بن الحجاج النيسابوري‪ :‬صحيح مسلم‪ ،‬تحقيق‪ :‬أبو‬


‫صهيب الكرمي‪ ،‬بيت األفكار الدولية للنشر والتوزيع‪ ،‬الرياض‪ ،‬ط‬
‫‪ ،1998‬كتاب الصالة‪ ،‬باب جامع صالة الليل‪ ،‬حديث رقم ‪،746‬‬
‫ص ‪293‬‬
‫‪ .28‬موس ى بن عقبة‪ :‬املغازي‪ ،‬تحقيق‪ :‬محمد باقشيش أبو مالك‪،‬‬
‫كلية اآلداب والعلوم اإلنسانية‪ ،‬جامعة ابن زهير‪ ،‬أغادير‪ ،‬اململكة‬
‫املغربية‪ ،‬ط ‪1994‬‬
‫‪ .29‬النسائي‪ :‬السنن الكبرى‪ ،‬تحقيق‪ :‬محمد ناصر األلباني‪ ،‬مكتبة‬
‫املعارف للنشر والتوزيع‪ ،‬الرياض‬

‫ثانيا‪ :‬املراجع العربية‬


‫‪ .1‬إبراهيم مدكور‪ :‬املعجم الفلسفي‪ ،‬الهيئة العامة لشئون‬
‫املطابع األميرية‪ ،‬القاهرة‪ ،‬ط ‪1983‬‬
‫‪ .2‬أحمد أمين‪ :‬النقد األدبي‪ ،‬دار الكتاب العربي‪ ،‬بيروت‪ ،‬ط ‪،4‬‬
‫‪1967‬‬
‫‪ .3‬أحمد مختار عمر‪ :‬معجم اللغة العربية املعاصرة‪ ،‬عالم‬
‫الكتب‪ ،‬القاهرة‪ ،‬ط ‪2008 ،1‬‬
‫‪ .4‬أسد رستم‪ :‬مصطلح التاريخ‪ ،‬مركز تراث البحوث والدراسات‪،‬‬
‫القاهرة‪ ،‬ط ‪2015 ،1‬‬
‫‪184‬‬
‫د‪ .‬حسين صبري‬ ‫إنسانية محمد‬

‫‪ .5‬إسماعيل عبد الفتاح عبد الكافي‪ :‬معجم مصطلحات العوملة‪،‬‬


‫نسخة إليكترونية‬
‫‪ .6‬أكرم ضياء العمري‪ :‬الرسالة والرسول‪ ،‬ط ‪1990 ،1‬‬
‫‪ .7‬أكرم ضياء العمري‪ :‬منهج النقد عند املحدثين‪ ،‬دار أشبيليا‬
‫للنشر والتوزيع‪ ،‬الرياض‪ ،‬ط ‪1997 ،1‬‬
‫‪ .8‬آمال محمد الروبي‪ :‬الرد على كتاب باتريشيا كرون‪ ،‬نسخة‬
‫إليكترونية‬
‫‪ .9‬حسين صبري‪ :‬رواد الشك املنهجي‪ ،‬دار الضياء‪ ،‬أبو ظبي‪ ،‬ط‬
‫‪2011 ،1‬‬
‫‪ .10‬حسين مؤنس‪ :‬تاريخ موجز للفكر العربي‪ ،‬دار الرشاد‪،‬‬
‫القاهرة‪ ،‬ط ‪1996 ،1‬‬
‫‪ .11‬خالد محمد خالد‪ :‬إنسانية محمد‪ ،‬املقطم للنشر والتوزيع‪،‬‬
‫القاهرة‪2004 ،‬‬
‫‪ .12‬رجاء دويدري‪ :‬البحث العلمي‪ ،‬دار الفكر املعاصر‪ ،‬بيروت‪،‬‬
‫ط‪200 ،1‬‬
‫‪ .13‬رشدي فكار‪ :‬ملحات عن منهجية الحوار والتحدي اإلعجازي‬
‫لإلسالم‪ ،‬مكتبة وهبة‪ ،‬القاهرة‪ ،‬ط ‪1982 ،1‬‬
‫‪ .14‬زكريا إبراهيم‪ :‬الفلسفة النقدية‪ ،‬مكتبة مصر‪ ،‬القاهرة‪ ،‬ط ‪،2‬‬
‫‪1972‬‬
‫‪185‬‬
‫د‪ .‬حسين صبري‬ ‫إنسانية محمد‬

‫‪ .15‬سعيد الحفار‪ :‬البيولوجيا ومصير اإلنسان‪ ،‬سلسلة عالم‬


‫املعرفة‪ ،‬العدد ‪ ،38‬نوفمبر ‪1984‬‬
‫‪ .16‬سهيل زكار‪ :‬تحقيق كتاب «املغازي النبوية للزهري»‪ ،‬دار‬
‫الفكر‪ ،‬دمشق‪ ،‬ط ‪1981 ،1‬‬
‫‪ .17‬سيد البحراوي‪ :‬البحث عن املنهج‪ ،‬دار شرقيات‪ ،‬القاهرة‪ ،‬ط‬
‫‪1993 ،1‬‬
‫‪ .18‬شوقي ضيف وآخرون‪ :‬املعجم الوسيط‪ ،‬مكتبة الشروق‬
‫الدولية‪ ،‬القاهرة‪ ،‬ط ‪2000 ،4‬‬
‫‪ .19‬صالح قنصوه‪ :‬املوضوعية في العلوم اإلنسانية‪ ،‬دار التنوير‬
‫للطباعة والنشر والتوزيع‪ ،‬بيروت‬
‫‪ .20‬طه عبد الرحمن‪ ،‬سؤال األخالق‪ ،‬املركز الثقافي العربي‪ ،‬الدار‬
‫البيضاء‪ ،‬املغرب‪ ،‬ط ‪ 2000 ،1‬م‬
‫‪ .21‬عباس محمود العقاد‪ :‬عبقرية محمد‪ ،‬نهضة مصر للطباعة‬
‫والنشر والتوزيع‪ ،‬القاهرة‬
‫‪ .22‬عبد الحليم محمود‪ :‬القرآن والنبي‪ ،‬دار املعارف‪ ،‬القاهرة‪ ،‬ط‬
‫‪2002 ،4‬‬
‫‪ .23‬عبد الرحمن الشرقاوي‪ :‬محمد رسول الحرية‪ ،‬دار الشروق‪،‬‬
‫القاهرة‪ ،‬ط ‪1990 ،1‬‬

‫‪186‬‬
‫د‪ .‬حسين صبري‬ ‫إنسانية محمد‬

‫‪ .24‬عبد الرحمن بدوي‪ :‬دفاع عن محمد‪ ،‬ترجمة‪ :‬كمال جاد هللا‪،‬‬


‫الدار العاملية للكتب والنشر‬
‫‪ .25‬عبد الرحمن بدوي‪ :‬من تاريخ اإللحاد في اإلسالم‪ ،‬سينا للنشر‪،‬‬
‫القاهرة‪ ،‬ط ‪1993 ،2‬‬
‫‪ .26‬عبد الستار إبراهيم‪ :‬اإلنسان وعلم النفس‪ ،‬من سلسلة‬
‫«عالم املعرفة»‪ ،‬املجلس الوطني للثقافة والفنون واآلداب‪،‬‬
‫الكويت‪ ،‬العدد رقم ‪ ،86‬فبراير ‪1978‬‬
‫‪ .27‬عبد الفتاح خضر‪ :‬أزمة البحث العلمي‪ ،‬نسخة مكتبة امللك‬
‫عبد العزيز العامة‪ ،‬الرياض‪ ،‬ط ‪1992 ،3‬‬
‫‪ .28‬عبد هللا العروي‪ :‬موضوع «املنهجية بين األبداع واألتباع»‬
‫املنشور ضمن كتاب «املنهجية في األدب والعلوم اإلنسانية»‪،‬‬
‫دار توبقال للنشر‪ ،‬الدار البيضاء‪ ،‬ط ‪2001 ،3‬‬
‫‪ .29‬عبد الوهاب املسيري‪ :‬دراسات معرفية في الحداثة الغربية‪،‬‬
‫نسخة إلكترونية‬
‫‪ .30‬على الطنطاوي‪ :‬سيد رجال التاريخ‪ ،‬دار املنارة للنشر‬
‫والتوزيع‪ ،‬السعودية‪ ،‬ط ‪2004‬‬
‫‪ .31‬علي سامي النشار‪ :‬مناهج البحث عند مفكري اإلسالم‪ ،‬دار‬
‫النهضة العربية‪ ،‬بيروت‪ ،‬ط ‪1984‬‬

‫‪187‬‬
‫د‪ .‬حسين صبري‬ ‫إنسانية محمد‬

‫‪ .32‬فريد األنصاري‪ :‬أبجديات البحث في العلوم الشرعية‪،‬‬


‫منشورات الفرقان‪ ،‬الدار البيضاء‪ ،‬ط ‪1997‬‬
‫‪ .33‬محمد أبو زهرة‪ :‬خاتم النبيين‪ ،‬دار الفكر العربي‪ ،‬ط ‪2012‬‬
‫‪ .34‬محمد العيد الخطراوي ومحب الدين متو‪ :‬تحقيق كتاب‬
‫«الفصول في سيرة الرسول» البن كثير‪ ،‬مؤسسة علوم القرآن‪،‬‬
‫دمشق‪ ،‬ط ‪ 1403 ،3‬ه‬
‫‪ .35‬محمد الغزالي‪ :‬فقه السيرة‪ ،‬دار الكتب الحديثة‪ ،‬القاهرة‪ ،‬ط‬
‫‪1965 ،6‬‬
‫‪ .36‬محمد بن صامل السلمي‪ :‬منهج كتابة التاريخ اإلسالمي‪ ،‬دار‬
‫ابن الجوزي للنشر والتوزيع‪ ،‬الرياض‪ ،‬ط ‪1429 ،1‬هـ‬
‫‪ .37‬رينان واألفغاني‪ :‬اإلسالم والعلم «مناظرة رينان واألفغاني»‪،‬‬
‫ترجمة ودراسة‪ :‬مجدي عبد الحافظ‪ ،‬املجلس األعلى للثقافة‪،‬‬
‫مصر‪ ،‬ط ‪2005‬‬
‫‪ .38‬محمد بن محمد العواجي‪ :‬مرويات اإلمام الزهري‪ ،‬عمادة‬
‫البحث العلمي‪ ،‬الجامعة اإلسالمية‪ ،‬املدينة املنورة‪ ،‬وزارة‬
‫التعليم العالي‪ ،‬السعودية‪ ،‬رقم اإلصدار ‪ ،64‬ط ‪2004 ،1‬‬
‫‪ .39‬محمد حسين هيكل‪ :‬حيازة محمد‪ ،‬دار املعارف‪ ،‬القاهرة‪ ،‬ط‬
‫‪14‬‬

‫‪188‬‬
‫د‪ .‬حسين صبري‬ ‫إنسانية محمد‬

‫‪ .40‬محمد رأفت سعيد‪ :‬الرسول املعلم‪ ،‬دار الوفاة‪ ،‬املنصورة‬


‫(مصر)‪ ،‬ط ‪2002 ،1‬‬
‫‪ .41‬محمد رشيد رضا‪ :‬الوحي املحمدي‪ ،‬مؤسسة عز الدين‬
‫للطباعة والنشر‪ ،‬بيروت‪ ،‬ط‪3‬‬
‫‪ .42‬محمد سعيد البوطي‪ ،‬فقه السيرة النبوية‪ ،‬دار الفكر‬
‫املعاصر‪ ،‬بيروت‪ ،‬ط ‪1991 ،15‬‬
‫‪ .43‬محمد شحرور‪ :‬السنة الرسولية والسنة النبوية‪ ،‬دار الساقي‪،‬‬
‫بيروت‪ ،‬ط ‪2012 ،1‬‬
‫‪ .44‬محمد عابد الجابري‪ :‬الدين والدولة‪ ،‬مركز دراسات الوحدة‬
‫العربية‪ ،‬بيروت‪ ،‬ط ‪1996 ،1‬‬
‫‪ .45‬محمد عابد الجابري‪ :‬موضوع "التراث ومشكلة املنهج"‪ ،‬ضمن‬
‫كتاب «املنهجية في األدب والعلوم اإلنسانية»‪ ،‬دار توبقال‪،‬‬
‫الدار البيضاء‪ ،‬ط ‪3‬‬
‫‪ .46‬محمد عثمان نجاتي‪ :‬القرآن وعلم النفس‪ ،‬دار الشروق‪،‬‬
‫القاهرة‪ ،‬ط ‪2001 ،7‬‬
‫ً‬
‫‪ .47‬محمد متولي الشعراوي‪ :‬ردا على املالحدة والعلمانيين‪ ،‬إعداد‪:‬‬
‫عطية الدسوقي عمر ومحمد عبد هللا بدر‪ ،‬دار الطباعة‬
‫الحديثة‪ ،‬القاهرة‪ ،‬ط ‪1999 ،5‬‬

‫‪189‬‬
‫د‪ .‬حسين صبري‬ ‫إنسانية محمد‬

‫‪ .48‬محمد ناصر الدين األلباني‪ :‬سلسلة األحاديث الصحيحة‪،‬‬


‫مكتبة املعارف للنشر والتوزيع‪ ،‬الرياض‪ ،‬ط ‪1995‬‬
‫‪ .49‬محمود محمد شاكر‪ :‬رسالة في الطريق إلى ثقافتنا‪ ،‬الهيئة‬
‫املصرية العامة للكتاب‪ ،‬القاهرة‬
‫‪ .50‬مصطفى محمود‪ :‬محمد‪ ،‬دار املعارف‪ ،‬القاهرة‪ ،‬ط ‪1977 ،10‬‬
‫‪ .51‬موس ى بن عقبة‪ :‬املغازي‪ ،‬تحقيق‪ :‬محمد باقشيش أبو مالك‪،‬‬
‫كلية اآلداب والعلوم اإلنسانية‪ ،‬جامعة ابن زهير‪ ،‬أغادير‪،‬‬
‫اململكة املغربية‪ ،‬ط ‪1994‬‬
‫‪ .52‬ناهد البقصمي‪ :‬الهندسة الوراثية واألخالق‪ ،‬سلسلة عالم‬
‫املعرفة‪ ،‬املجلس الوطني للثقافة والفنون واآلداب‪ ،‬الكويت‪،‬‬
‫العدد رقم ‪ ،174‬يونيو ‪1993‬‬
‫‪ .53‬نصر حامد أبو زيد‪ :‬إشكاليات القراءة وآليات التأويل‪ ،‬املركز‬
‫الثقافي العربي‪ ،‬الدار البيضاء‪ ،‬ط ‪2014 ،1‬‬
‫‪ .54‬نصر حامد أبو زيد‪ :‬مفهوم النص "دراسة في علوم القرآن"‪،‬‬
‫املركز الثقافي العربي‪ ،‬الدار البيضاء‪ ،‬ط ‪2014 ،1‬‬
‫‪ .55‬نظمي لوقا‪ :‬محمد الرسالة والرسول‪ ،‬دار الكتاب العربي‪،‬‬
‫القاهرة‪ ،‬ط ‪1959 ،2‬‬

‫‪190‬‬
‫د‪ .‬حسين صبري‬ ‫إنسانية محمد‬

‫ُ‬
‫ثالثا‪ :‬الكتب املترجمة‬
‫‪ .1‬أحمد ديدات‪ :‬محمد الخليفة الطبيعي للمسيح‪ ،‬ترجمة‪:‬‬
‫رمضان الصفتاوي‪ ،‬دار النهضة للطباعة اإلسالمية‪ ،‬القاهرة‪،‬‬
‫‪1991‬‬
‫‪ .2‬إريك فورم‪ :‬اإلنسان بين الجوهر واملظهر‪ ،‬ترجمة‪ :‬سعد‬
‫زهران‪ ،‬سلسلة عالم املعرفة‪ ،‬العدد ‪ ،140‬أغسطس ‪1989‬‬
‫‪ .3‬ألبرت ماكومب ونشستر‪ :‬موضوع «العلوم تدعم إيماني»‬
‫املنشور ضمن كتاب «هللا يتجلى في عصر العلم»‪ ،‬ترجمة‪:‬‬
‫الدمردا عبد املجيد سرحان‪ ،‬مراجعة‪ :‬محمد جمال الدين‬
‫الفندي‪ ،‬دار القلم‪ ،‬بيروت‬
‫‪ .4‬ألفونس دي المارتين‪ :‬مختارات من كتاب «حياة محمد»‪،‬‬
‫ترجمة‪ :‬محمد قوبعة‪ ،‬مؤسسة جائزة عبد العزيز سعود‬
‫البابطين لإلبداع الشعري‪ ،‬الكويت‪ ،‬ط ‪2006 ،1‬‬
‫‪ .5‬ألكسيس كاريل‪ :‬اإلنسان ذلك املجهول‪ ،‬ترجمة‪ :‬عادل شفيق‪،‬‬
‫الدار القومية للطباعة والنشر‬
‫‪ .6‬أندريه الالند‪ :‬املوسوعة الفلسفية‪ ،‬تعريب‪ :‬خليل أحمد‬
‫خليل‪ ،‬منشورات عويدات‪ ،‬بيروت‪ ،‬ط ‪2001 ،2‬‬
‫‪ .7‬باتريشيا كرون‪ :‬تجارة مكة وظهور اإلسالم‪ ،‬ترجمة‪ :‬آمال‬
‫محمد الروبي‪ ،‬املجلس األعلى للثقافة‪ ،‬مصر‪ ،‬ط ‪2005‬‬
‫‪191‬‬
‫د‪ .‬حسين صبري‬ ‫إنسانية محمد‬

‫‪ .8‬برونوفسكي‪ :‬ارتقاء اإلنسان‪ ،‬ترجمة‪ :‬موفق شخاشيرو‪،‬‬


‫سلسلة عالم املعرفة‪ ،‬العدد رقم ‪ ،39‬مارس ‪ ،1981‬املجلس‬
‫الوطني للثقافة واآلداب‪ ،‬الكويت‬
‫‪ .9‬بودلي‪ :‬الرسول؛ حياة محمد‪ ،‬ترجمة‪ :‬محمد محمد فرج وعبد‬
‫الحميد جورة السحار‪ ،‬مكتبة مصر‪ ،‬القاهرة‬
‫‪ .10‬تشارلز باسترناك‪ :‬جوهر اإلنسانية‪ ،‬زينب عاطف‪ ،‬مؤسسة‬
‫هنداوي‪ ،‬اململكة املتحدة‬
‫‪ .11‬توشيهيكو إيزوتسو‪ :‬هللا واإلنسان في القرآن‪ ،‬ترجمة‪ :‬هالل‬
‫محمد الجهاد‪ ،‬مركز دراسات الوحدة العربية‪ ،‬بيروت‪ ،‬ط ‪،1‬‬
‫‪2007‬‬
‫‪ .12‬تولستوي‪ :‬حكم النبي محمد‪ ،‬ترجمة‪ :‬سليم قبعين‪ ،‬مصرية‬
‫للنشر والتوزيع‪ ،‬القاهرة‪ ،‬ط ‪1987 ،3‬‬
‫‪ .13‬جارودي‪ :‬وعود اإلسالم‪ ،‬ترجمة‪ :‬ذوقان قرقوط‪ ،‬مكتبة‬
‫مدبولي‪ ،‬القاهرة‪ ،‬ط ‪1985 ،2‬‬
‫‪ .14‬جاك ريسلر‪ :‬الحضارة العربية‪ ،‬ترجمة‪ :‬غنيم عبدون‪،‬‬
‫مراجعة‪ :‬أحمد فؤاد األهواتي‪ ،‬الدار املصرية للتأليف‬
‫والترجمة‪ ،‬القاهرة‬
‫‪ .15‬جوستاف لوبون‪ :‬حضارة العرب‪ ،‬ترجمة‪ :‬عادل زعيتر‪،‬‬
‫مؤسسة هنداوي للتعليم والثقافة‪ ،‬القاهرة‬
‫‪192‬‬
‫د‪ .‬حسين صبري‬ ‫إنسانية محمد‬

‫‪ .16‬جون ماكوري‪ :‬الوجودية‪ ،‬ترجمة‪ :‬إمام عبد الفتاح إمام‪،‬‬


‫سلسلة عالم املعرفة‪ ،‬املجلس الوطني للثقافة والفنون‬
‫واآلداب‪ ،‬الكويت‪ ،‬العدد رقم ‪ ،58‬أكتوبر ‪1982‬‬
‫‪ .17‬درمنغم‪ :‬الشخصية املحمدية‪ ،‬ترجمة‪ :‬عادل زعيتر‪ ،‬الشعاع‬
‫للنشر والتوزيع‪ ،‬القاهرة‪ ،‬ط‪2005 ،3‬‬
‫‪ .18‬ديفيد بيرلنسكي‪ :‬اإللحاد ومزاعمه‪ ،‬ترجمة‪ :‬عبد هللا الشهري‪:‬‬
‫مركز دالئل‪ ،‬الرياض‪ ،‬ط ‪1437‬ه‬
‫‪ .19‬راتسينغر‪ :‬جدلية العلمنة‪ ،‬تعريب‪ :‬حميد لشهب‪ ،‬جداول‬
‫للنشر والترجمة والتوزيع‪ ،‬بيروت‪ ،‬ط ‪2013 ،1‬‬
‫‪ .20‬رينان واألفغاني‪ :‬اإلسالم والعلم «مناظرة رينان واألفغاني»‪،‬‬
‫ترجمة ودراسة‪ :‬مجدي عبد الحافظ‪ ،‬املجلس األعلى للثقافة‪،‬‬
‫مصر‪ ،‬ط ‪2005‬‬
‫‪ .21‬زيجريد هونكه‪ :‬شمس العرب تسطع على الغرب‪ ،‬ترجمة‪:‬‬
‫فاروق بيضون وكمال دسوقي‪ ،‬دار الجيل ودار اآلفاق الجديدة‪،‬‬
‫بيروت‪ ،‬ط ‪1993 ،8‬‬
‫‪ .22‬علي عزت بيجوفيتش‪ :‬اإلسالم بين الشرق والغرب‪ ،‬ترجمة‪:‬‬
‫محمد يوسف عدس‪ ،‬مؤسسة بافاريا للنشر‪ ،‬أملانيا‪ ،‬ط ‪،2‬‬
‫‪1997‬‬

‫‪193‬‬
‫د‪ .‬حسين صبري‬ ‫إنسانية محمد‬

‫‪ .23‬فرنسيس فوكوياما‪ :‬مستقبلنا بعد البشري‪ :‬ترجمة‪ :‬إيهاب عبد‬


‫الرحيم محمد‪ ،‬مركز اإلمارات للدراسات والبحوث‬
‫االستراتيجية‪ ،‬أبو ظبي‪ ،‬ط ‪2006 ،1‬‬
‫‪ .24‬كارين أرمسترونج‪ :‬سيرة النبي محمد‪ ،‬ترجمة‪ :‬فاطمة نصر‬
‫ومحمد عناني‪ ،‬شركة سطور‪ ،‬القاهرة‪ ،‬ط ‪1998 ،2‬‬
‫‪ .25‬كارين أرمسترونج‪ :‬محمد نبي زماننا‪ ،‬ترجم‪ :‬فاتن الزلباني‪،‬‬
‫مكتبة الشروق الدولية‪ ،‬القاهرة‪ ،‬ط ‪2008 ،1‬‬
‫‪ .26‬الكسيس كاربل‪ :‬اإلنسان ذلك املجهول‪ ،‬ترجمة‪ :‬عادل شفيق‪،‬‬
‫الدار القومية للطباعة والنشر‬
‫‪ .27‬مارسيل بوازار‪ :‬إنسانية اإلسالم‪ ،‬ترجمة‪ :‬عفيف دمشقية‪،‬‬
‫منشورات دار اآلداب‪ ،‬بيروت‪ ،‬ط ‪1980 ،1‬‬
‫‪ .28‬مايكل هارت‪ :‬الخالدون مائة‪ ،‬ترجمة‪ :‬أنيس منصور‪ ،‬املكتب‬
‫املصري الحديث‪ ،‬القاهرة‬
‫‪ .29‬محمد إقبال‪ :‬تجديد الفكر الديني‪ ،‬ترجمة‪ :‬محمد يوسف‬
‫عدس‪ ،‬دار الكتاب املصري‪ ،‬القاهرة‪ ،‬ط ‪2011‬‬
‫‪ .30‬مونتجمري وات‪ :‬فضل اإلسالم على الحضارة الغربية‪ ،‬ترجمة‪:‬‬
‫حسين أحمد أمين‪ ،‬مكتبة مدبولي‪ ،‬القاهرة‪ ،‬ط ‪1983 ،1‬‬
‫‪ .31‬ه‪ .‬ج‪ .‬ولز‪ :‬معالم تاريخ اإلنسانية‪ ،‬ترجمة‪ :‬عبد العزيز توفيق‬
‫جاويد‪ ،‬الهيئة املصرية العامة للكتاب‪ ،‬القاهرة‪ ،‬ط ‪1965 ،2‬‬
‫‪194‬‬
‫ حسين صبري‬.‫د‬ ‫إنسانية محمد‬

،‫ ظفر الدين خان‬:‫ ترجمة‬،‫ اإلسالم يتحدى‬:‫ وحيد الدين خان‬.32


‫مكتبة الرسالة‬
‫ دار‬،‫ محمد بدران‬:‫ ترجمة‬،‫ قصة الحضارة‬:‫ ول ديورانت‬.33
‫ بيروت‬،‫الجيل‬

‫ كتب باإلنجليزية‬:‫رابعا‬
1. J. Wensinck: The Muslim Creed, Barnes & Noble, Inc.,
New York, Second Edition, 1965
2. Ameer Ali Syed: The Spirit of Islam, Christophers,
London
3. Annie Besant: The Life and Teaching of Muhammad,
Theosophical Publishing House, Adyar, India, 1932
4. Arther Wallaston: The Sward of Islam, EP. Dutton and
Company, New Yourk, 1905
5. Bosworth Smith: Mohammed and Mohammedanism,
Smith Elder, Co., 15 Waterloo Place, London, 1874
6. Emil Dermengham: The Life of Mohamet, George
Routledge & Sons, LTD, London, 1930

195
‫ حسين صبري‬.‫د‬ ‫إنسانية محمد‬

7. George Buch: The Life of Mohammed, J. Harper, 82


Cliff. ST., New York, 1982
8. K. S. Rama Krishnna: Muhammad Prophet of Islam,
World Assembly of Muslim Youth, (WAMY), Riyadh,
Saudi Arabia, 1989
9. Lamartine: History of Turkish, D. Appleton &
Company, New York, 1885
10. Macim Rodinson: Muhammad, Tauris Parke Paper
backs, London, 2002
11. Margoliouth: Mohammed and the Rise of Islam, G.P.
Putnam’s Sons, New York, 1905
12. Margoliouth: The Early Development of
Mohammedanism, Charles Scribner’s Sons, New
yourk,1914
13. Maxime Rodinson: Muhammad, Tauris Parke
Paperbacks, London, 2002
14. Oliver Leaman: An Introduction to Classical Islamic
Philosophy, Cambridge University Press, UK, 2004

196
‫ حسين صبري‬.‫د‬ ‫إنسانية محمد‬

15. Reynold A. Necholson: A Literary History of The


Arabs, London, T. Fisher Unwin, Adelphi Terrace,
1907
16. Theodor Noldeke: Sketches from Eastern History,
Translated by: John Sutherland Balck, Adam And
Charles Black, London, 1892
17. Washington Irving: Lives of Mohamet, Baudry’s
Avropean Library, Paris, 1850
18. William Mouir: Life of Mohamet, Smith Elder and Co.,
65 Cornhill, London, 1861
19. Yusef Islam: The Life of the Last Prophet, Darussalam
Publishers & Distributors, Riyadh, Saudi Arabia, 1995

197
‫د‪ .‬حسين صبري‬ ‫إنسانية محمد‬

‫السيرة الذاتية للمؤلف‬

‫مع بيان بالدراسات والكتب املنشورة‬

‫‪198‬‬
‫د‪ .‬حسين صبري‬ ‫إنسانية محمد‬

‫الدكتور ‪ /‬حسين صبري‬


‫أستاذ الفلسفة اإلسالمية املشارك‬
‫كلية العلوم اإلنسانية واالجتماعية‬
‫جامعة زايد ‪ -‬أبو ظبي ‪ -‬دولة اإلمارات العربية املتحدة‬
‫البريد اإللكتروني‪:‬‬
‫‪dr.hussein.sabry@gmail.com‬‬
‫املهام الوظيفية‪:‬‬
‫تدريس مساقات الفكرالفلسفي اإلسالمي والحضارة‬ ‫‪‬‬
‫اإلسالمية لطالب البكالوريوس واملاجستير‬
‫تدريس مهارات التفكير الكبرى (الناقد‪ ،‬االبداعي‪ ،‬صناعة‬ ‫‪‬‬
‫القرار‪ ،‬وحل املشكالت)‬
‫تنفيذ دورات تدريبية وور عمل في تنمية اإلبداع والتنمية‬ ‫‪‬‬
‫البشرية‬
‫تنفيذ دورات تدريبية وور عمل إلتقان وتطبيق إجراءات‬ ‫‪‬‬
‫البحث العلمي‬
‫تنفيذ برامج توسيع اإلدراك ‪ CORT‬والبرمجة اللغوية العصبية‬ ‫‪‬‬
‫‪ NLP‬والعصف الذهني‬
‫‪199‬‬
‫د‪ .‬حسين صبري‬ ‫إنسانية محمد‬

‫املؤهالت العلمية‪:‬‬
‫دكتوراه اآلداب في الفكر الفلسفي اإلسالمي بمرتبة الشرف‬ ‫‪‬‬
‫األولى‪ ،‬جامعة بنها ‪ -‬مصر ‪2003 -‬‬
‫عن موضوع "رؤية هللا في االسالم بين علماء الكالم والفالسفة‬
‫واملتصوفة"‬
‫ماجستير اآلداب في الفكر الفلسفي اإلسالمي بدرجة امتياز‪،‬‬ ‫‪‬‬
‫جامعة الزقازيق – مصر‪1999-‬‬
‫عن موضوع "الشك وعالقته باليقين بين املعتزلة (مع املقارنة‬
‫مع بقية الفرق اإلسالمية)"‬
‫تمهيدي املاجستير في الفلسفة – جامعة الزقازيق – مصر‪.‬‬ ‫‪‬‬
‫ليسانس اآلداب في الدراسات الفلسفية واالجتماعية "شعبة‬ ‫‪‬‬
‫الفلسفة"‪ ،‬جامعة اإلسكندرية – مصر‪.‬‬
‫الخبرات العملية‪:‬‬
‫‪ ‬تدريس مساقات "الحضارة اإلسالمية"‪ ،‬جامعة زايد‪ ،‬أبو ظبي‪،‬‬
‫‪ 2009‬وحتى تاريخه‪.‬‬
‫‪ ‬تدريس مساق "الدراسات اإلمارتية"‪ ،‬جامعة زايد‪ ،‬أبو ظبي‪،‬‬
‫‪ 2009‬وحتى تاريخه‪.‬‬
‫‪200‬‬
‫د‪ .‬حسين صبري‬ ‫إنسانية محمد‬

‫‪ ‬تدريس مساق "حاضر العالم اإلسالمي"‪ ،‬جامعة زايد‪ ،‬أبو‬


‫ظبي‪ ،‬من ‪ 2012‬وحتى تاريخه‪.‬‬
‫‪ ‬تدريس مساق "املدارس الفكرية الكبرى في االسالم" لطالب‬
‫املاجستير بجامعة زايد‪.‬‬
‫‪ ‬تدريس مساق" املنطق والتفكير القانوني" لطالب املاجستير ‪-‬‬
‫أكاديمية الدراسات القضائية – أبو ظبي‪ ،‬دولة اإلمارات‬
‫العربية املتحدة‪.‬‬
‫‪ ‬تدريس الفكر الفلسفي واملوضوعات النفسية‪ ،‬وزارة التربية‪،‬‬
‫دولة اإلمارات‪ ،‬من العام الدراس ي ‪ 1982‬حتى تاريخ ‪2009‬‬
‫‪ ‬تأسيس أول مختبر نفس ي تعليمي إرشادي لتطبيق أفضل‬
‫طرائق التعلم وتقنياته وممارسة اإلرشاد النفس ي وتنفيذ‬
‫دورات تدريبية في التنمية البشرية للمعلمين واإلداريين‬
‫والطالب‪ ،‬منطقة أبو ظبي التعليمية ‪2002‬‬
‫‪ ‬تدريس موضوعات الفكر الفلسفي واملنطق لطالب‬
‫البكالوريا‪ ،‬دولة الجزائر‪ ،‬من العام الدراس ي ‪1977. 1982‬‬
‫‪ ‬تدريس املواد الفلسفية‪ ،‬وزارة التربية‪ ،‬مصر‪ ،‬من العام‬
‫الدراس ي ‪1975 - 1977‬‬
‫‪201‬‬
‫د‪ .‬حسين صبري‬ ‫إنسانية محمد‬

‫‪ ‬عضوية لجنة تأليف كتاب علم النفس للصف الثاني عشر‬


‫من املرحلة الثانوية بوزارة التربية والتعليم بدولة اإلمارات‬
‫للعام الدراس ي ‪2008 / 2009‬‬
‫‪ ‬عضوية لجنة تأليف كتاب علم االجتماع للصف الحادي‬
‫عشر من املرحلة الثانوية بوزارة التربية والتعليم بدولة‬
‫اإلمارات للعام الدراس ي ‪2008 / 2009‬‬
‫‪ ‬عضو الجمعية الفلسفية املصرية‪ ،‬القاهرة‪ ،‬جمهورية مصر‬
‫العربية‬
‫‪ ‬عضو الجمعية العربية للحضارة والفنون اإلسالمية‪،‬‬
‫القاهرة‪ ،‬جمهورية مصر العربية‬
‫‪ ‬تأليف كتاب دليل املعلم ملادة علم النفس للمرحلة النهائية‬
‫لطالب الثانوية العامة بوزارة التربية والتعليم بدولة اإلمارات‬
‫للعام الدراس ي ‪2008 / 2009.‬‬
‫‪ ‬إعداد وتصميم وتنفيذ دورات تدريبية في هندسة التفكير‪،‬‬
‫والبحث العلمي‪ ،‬والتنمية البشرية‪ ،‬ومهارات التفكير‬
‫والتواصل واإلبداع‪.‬‬

‫‪202‬‬
‫د‪ .‬حسين صبري‬ ‫إنسانية محمد‬

‫‪ ‬للمؤلف مشاركات عديدة في مؤتمرات علمية‪ ،‬في كثير من‬


‫الدول العربية واإلسالمية‪ ،‬من مثل‪ :‬مصر‪ ،‬اإلمارات‪ ،‬الجزائر‪،‬‬
‫املغرب‪ ،‬ماليزيا‪ ،‬وتركيا‪.‬‬
‫‪ ‬للمؤلف دراسات وبحوث محكمة‪ ،‬تم نشرها في مجالت علمية‬
‫متخصصة‪ ،‬في مجاالت الفلسفة اإلسالمية والتصوف‬
‫واألخالق والوقف واإلصالح والتجديد‪.‬‬
‫‪ ‬للمؤلف مقاالت منشورة في كثير من الصحف‪ ،‬في موضوعات‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫الفكر اإلسالمي‪ ،‬وفي مجاالت األدب؛ شعرا وقصصا قصيرة‪،‬‬
‫وفي النقد األدبي‪.‬‬

‫كتب منشورة للمؤلف‪:‬‬


‫مؤلفات في الفكر الفلسفي اإلسالمي‪:‬‬
‫ً‬
‫‪ -1‬من اإلرادة إلى اإلصالح "النظام الوقفي نموذجا"‪ ،‬مركز‬
‫اإلسكندرية للكتاب‪ ،‬الطبعة األولى‪ ،‬مصر‪2017 ،‬‬
‫‪ -2‬بناء الوعي‪ :‬قراءة تحليلية نقدية في تاريخ الفكر عند‬
‫املسلمين‪ ،‬الطبعة األولى‪ ،‬مركز اإلسكندرية للكتاب‪،‬‬
‫مصر‪2017 ،‬‬
‫‪203‬‬
‫د‪ .‬حسين صبري‬ ‫إنسانية محمد‬

‫‪ -3‬رؤية هللا في اإلسالم‪ ،‬طبعتان‪ :‬طبعة مصر ‪ ،2007‬وطبعة‬


‫االمارات ‪2011‬‬
‫‪ -4‬رواد الشك املنهجي‪ ،‬طبعتان‪ :‬طبعة مصر ‪ ،2007‬وطبعة‬
‫االمارات ‪2011‬‬
‫‪ -5‬إنسانية محمد‪ ،‬دار نشر كتبنا‪ ،‬الطبع األولى‪ ،‬جمهورية‬
‫مصر العربية‪2020 ،‬‬
‫مؤلفات في البحث العلمي‪:‬‬
‫‪ -1‬مهارة البحث العلمي‪ :‬دراسة في أصالة البحث العلمي عند‬
‫مفكري اإلسالم‬
‫(ثالث طبعات‪ :‬طبعة أولى في مصر‪ ،‬وطبعتان؛ ثانية وثالثة‬
‫في االمارات)‬
‫مؤلفات في األدب العربي‪:‬‬
‫‪ " -1‬األقنعة " مجموعة قصصية‪ ،‬طبعة أولى في اإلمارات‬
‫‪ " -2‬عناقيد السهر" مجموعة شعرية‪ ،‬طبعة أولى في‬
‫اإلمارات‬
‫مؤلفات في التنمية البشرية‪:‬‬

‫‪204‬‬
‫د‪ .‬حسين صبري‬ ‫إنسانية محمد‬

‫‪ - 1‬فن إدارة الوقت (طبعتان)‪ ،‬أبوطبي‪ :‬دار الضياء‪ ،‬وهماليل‬


‫للنشر‬
‫‪ - 2‬بتفكيري أنا إنسان (طبعتان)‪ ،‬طبعتان في مصر واإلمارات‬
‫‪ -3‬عتبات التميز (طبعتان)‪ ،‬طبعتان في مصر واإلمارات‬

‫أحدث دراسات املؤلف (مؤتمرات علمية‪ ،‬ومجالت محكمة)‪:‬‬


‫" آليات تطوير النظام الوقفي في ضوء مقاصد الشريعة‪ ،‬وفي‬ ‫‪‬‬

‫موجهة تحديات الواقع اإلسالمي املعاصر"‪ ،‬املؤتمر الدولي‪:‬‬


‫الوقف اإلسالمي‪ :‬أداة تمويل وتنمية‪ ،‬قسنطينة‪ ،‬الجزائر‪،‬‬
‫أبريل ‪2019‬‬
‫"ثنائية العالقة بين الدين والدولة في املجتمعات العربية‬ ‫‪‬‬

‫الراهنة ”اإلشكالية‪ :‬محدداتها‪ ،‬نتائجها‪ ،‬ومقاربة تحليلية‬


‫للمعالجة”‪ ،‬املؤتمر الدولي األول للقضايا املعاصرة ومقاصد‬
‫الشريعة‪ ،‬سنيبتاني‪ ،‬ماليزيا‪ ،‬ديسمبر ‪2018‬‬
‫" مقاربة تحليلية نقدية ملفهوم "اإلرادة" بين‪ :‬إشارات النص‬ ‫‪‬‬

‫القرآني ومناهج اللغويين واألصوليين وواقع املسلمين”‪ ،‬م ــؤتمر‬

‫‪205‬‬
‫د‪ .‬حسين صبري‬ ‫إنسانية محمد‬

‫“الخطاب النقدي واللساني في القرن العشرين وبداية األلفية‬


‫الثالثة الثابت واملتحول"‪ ،‬فاس – املغرب‪ ،‬أبريل ‪2018‬‬
‫"قراءة الوحي‪ :‬التكامل بين الروح االيمانية واملنهجية العلمية‬ ‫‪‬‬

‫في الوحي القرآني"‪ ،‬املقدمة في مؤتمر "قراءة التراث العربي‬


‫واإلسالمي بين املاض ي والحاضر"‪ ،‬جامعة قناة السويس‪،‬‬
‫جمهورية مصر العربية‪ ،‬في الفترة ما بين ‪ 26 – 27‬من فبراير‬
‫‪2017‬‬
‫"ثنائية العقل والنص في فهم الواقع االسالمي"‪ ،‬املنشورة في‬ ‫‪‬‬

‫مجلة كلية اآلداب‪ ،‬جامعة القاهرة‪ ،‬عدد أكتوبر ‪2016‬‬


‫"نحو تأسيس علم ومنهجية علمية للتجديد بين املسلمين"‪،‬‬ ‫‪‬‬

‫املنشورة في مجلة الدراسات االنسانية واألدبية‪ ،‬ج‪ ،2‬كلية‬


‫اآلداب‪ ،‬جامعة كفر الشيخ‪ ،‬عدد يناير ‪2015‬‬
‫"تصوف املسلمين‪ :‬بين أخالق االسالم وروحانيته"‪ ،‬املنشورة‬ ‫‪‬‬

‫في مجلة بحوث كلية اآلداب‪ ،‬جامعة املنوفية‪ ،‬عدد ‪.2015‬‬


‫"النظام الوقفي‪ :‬خصوصية النظرية والتطبيق في املجتمعات‬ ‫‪‬‬

‫االسالمية"‪ ،‬املنشورة في مجلة آفاق للعلوم االجتماعية‬


‫واالنسانية‪ ،‬جامعة االمارات العربية املتحدة‪2015 ،‬‬
‫‪206‬‬
‫د‪ .‬حسين صبري‬ ‫إنسانية محمد‬

‫"أثر العقيدة االسالمية في بناء الوعي الفلسفي بين املسلمين"‪،‬‬ ‫‪‬‬

‫املنشورة في مجلة علم النفس املعاصر والعلوم االنسانية‪،‬‬


‫كلية اآلداب‪ ،‬جامعة املنيا‪ ،‬عدد يناير ‪2014‬‬
‫جوائز وتكريم‪:‬‬
‫جائزة البحوث العلمية ‪ RIF‬بجامعة زايد‪ ،‬عن دراسة "بناء‬ ‫‪‬‬

‫الوعي باإلسالم"‪2015 ،‬‬


‫جائزة "التميز" من السيد‪ /‬مدير منطقة أبو ظبي‬ ‫‪‬‬

‫التعليمية ‪2005‬‬
‫جائزة "امللتقى التربوي الثالث" أبو ظبي‪ ،‬غرفة تجارة وصناعة‬ ‫‪‬‬

‫أبو ظبي ‪2003‬‬


‫جائزة " التميز" من السيد‪ /‬وزير التربية‪ ،‬دولة اإلمارات‪ ،‬أبو‬ ‫‪‬‬

‫ظبي‪1999 ،‬‬
‫جائزة "يوم الوفاء" من السيد‪ /‬وزير التربية‪ ،‬دولة اإلمارات‪،‬‬ ‫‪‬‬

‫أبو ظبي‪1994 ،‬‬


‫جائزة اتحاد كتـاب وأدبـاء اإلمـارات عـن القصـة القصيـرة فـي‬ ‫‪‬‬

‫دورتهـا لعام ‪1992‬‬

‫‪207‬‬
‫د‪ .‬حسين صبري‬ ‫إنسانية محمد‬

‫جائزة القصة القصيرة برعاية مجلة زهرة الخليج عن دورتها‬ ‫‪‬‬

‫لسنة ‪1988‬‬
‫إسهامات وشهادات تقدير‪:‬‬
‫ُ‬
‫للمؤلف مقاالت عدة في الفكر اإلسالمي‪ ،‬كما نشر له الكثير‬ ‫‪‬‬

‫من اإلبداعات األدبية في الشعر والقصة القصيرة والنقد‬


‫األدبي في كثير من الصحف واملجالت املصرية والخليجية؛‬
‫الورقية منها واإلليكترونية‪ ،‬من مثل‪ :‬صحف االتحاد والخليج‬
‫في اإلمارات‪ ،‬والدستور والوفد في مصر‪ ،‬والعربية دوت نت‪.‬‬
‫للباحث إسهامات في كثير من املؤتمرات العلمية املحكمة‬ ‫‪‬‬

‫والندوات املتخصصة‪ ،‬وفي اإلشراف والتحكيم على الرسائل‬


‫العلمية والدراسات الجامعية‪ ،‬وله العديد من الدراسات‬
‫املنشورة في املجالت املحكمة‪ ،‬في الكثير من الدول العربية‬
‫واإلسالمية‪ ،‬في موضوعات الفلسفة اإلسالمية‪ ،‬واملذاهب‬
‫والفرق‪ ،‬ومناهج البحث‪.‬‬
‫ُ‬
‫حصل املؤلف عبر مشواره املنهي في التدريس والتدريب؛ على‬ ‫‪‬‬

‫العديد من شهادات التقدير‪ ،‬ما بين التربوية‪ ،‬واألدبية‪،‬‬


‫وحصل على شهادات تكريم وتميز‪ ،‬من وزارات التربية التي‬
‫‪208‬‬
‫د‪ .‬حسين صبري‬ ‫إنسانية محمد‬

‫عمل بها ومن مؤسسات أكاديمية وجامعات ومراكز تدريبية‬


‫معتمدة‪.‬‬

‫‪209‬‬
‫د‪ .‬حسين صبري‬ ‫إنسانية محمد‬

‫فهـ ـ ـ ـ ــرس املوضوعات‬

‫‪210‬‬
‫د‪ .‬حسين صبري‬ ‫إنسانية محمد‬

‫فهرس المحتو يات‬


‫الإهداء ‪2.........................................................................................‬‬

‫مقدمة الدراسة ‪4..............................................................................‬‬

‫التمهيد‬

‫لماذا الإنسانية ‪......‬؟ ‪16 .................................................................‬‬

‫القسم الأول‬

‫إنسانية محمد بين "الاتساق والتمايز" ‪28 ................................................‬‬

‫القسم الثاني‬

‫إنسانية محمد بين الموضوعية والذاتية ‪98 .............................................‬‬

‫خاتمة الدراسة ‪170 .........................................................................‬‬

‫المصادر والمراجع‪180 .....................................................................‬‬

‫السيرة الذاتية للمؤلف ‪198 ...............................................................‬‬

‫فهــــــــــــــرس الموضوعات ‪210 ......................................................‬‬

‫‪211‬‬

You might also like