Professional Documents
Culture Documents
9 Maimunah
9 Maimunah
9 Maimunah
مقدمة البحث:
العلم هو السعي وراء املعرفة وفهم العامل الطبيعي وهو واالجتماعي تتبعه منهجية تستند إىل أدلة .نظام
اكتساب املعرفة قائمة على أساس التجريبية العلمية والتجريب .واملنهجية الطبيعية ،كذلك هيئة نظرة
عامة تنظيم املعرفة البشرية اكتسبت من هذه البحوث الكثري .ويؤكد العلماء أن التحقيق العلمي حيتاج
إىل االلتزام مالحظة املنهج علمي ،وهي عملية لتقييم املعرفة التجريبية اليت تفسر األحداث دون اللجوء
أمهية البحث:
جيمع املفكرون واملؤرخون أبن التفكري الفلسفي املنظم قد بدأ مع اليواننيني الـذين تناولوا قضااي الكـون
واإلنسان أبسلوب منطقي وعقالني ،هلذا أعربت الفلسفة اليواننية الصورة الكاملة األوىل للفكر الفلسفي
اإلنساين الذي أصبح املنبع األساسي الذي يغرتف منه كل الفالسفة الالحقني من أجل بلورة أفكارهم
وتصوراهتم ،هلذا وجب علينا أن نتساءل حول ما إذا كانت الفلسفة اإلسالمية جمرد استمرار لليوانن أم
أهنا إنتاج عقيل أصيل خاصة يف جمال تصنيف العلوم اليت بلغت أوجها مع الفالسفة اإلسالميني بداية
ابلكندي واملعلم الثاين الفارايب مرورا اببن الندمي إىل ابن خلدون آخر املفكرين العرب ،حبيث نرى أبن
هناك اهتمام كبى بعملية التصنيف إىل أننا جند هناك اختالف يف تقسيماهتم للعلوم وهذا ما يتضح
من خالل تصانيف كل من الفارايب والكندي وإخوان الصفا وابن الندمي وابن سينا وابن حزم وابن
خلدون ،حبيث جند هناك توافق وتكرار يف بعض العلوم وهناك اختالف ،وهذا الرأي هو ما يؤكده
»الغزايل« يف كتابه هتافت الفالسفة حيث يقول» :اعلم أن علومهم ابلنسبة إىل الغرض الذي نطلبه
ستة أقسام :رايضية ومنطقية وطبيعية وإهلية وسياسية وأخالقية ،أما الرايضية :فتتعلق بعلم احلساب
واهلندسة وعلم هيئة العامل ...وأما اإلهليات ففيها أكرث أغالطهم .فام قدروا على الوفاء ابلباهني
على ما شرطوه يف املنطق ولذلك كرث االختالف بينهم «.ويتضح من خالل هذا القول أن هناك
توضيح أنواع العلوم الفلسفية اليت تناوهلا الفالسفة اإلسالميني يف تصنيفاهتم ألنهم أتثروا ابلفكر الفلسفي
اليواننيني خاصة أفالطون وأرسطو من أجل أتسيس نسق فلسفي خاص هبم ،وهذا ما يؤكده» الفارايب«
يف كتابه اجلمع بين رأيي احلكيمني» :وكان هذان احلكيمان هام مبدعان للفلسفة ومنشئان أوائلها
وأصوهلا ومتممان أواخرها وفروعها ،وعليهما املعول يف قليلها وكثريها ،وإليهما املرجع يف سريها وخطريها
وما يصدر عنهما يف كل فن إمنا هو األصل املعتمد عليه خللوه من الشوائب والكدر
أهداف البحث:
ما هو تصنيف العلوم عند الفالسفة اإلسالميني وعلى أي أساس أقيم هذا التصنيف؟
إن الفلسفة املشرقية سامهت يف إثراء الثقافة العربية اإلسالمية سواء من بعيد أو من قريب فكانت املنبع
و املنهل ملفكرين العرب املسلمني و كذلك الغرب املسيحيني ،فاستفاد من فلسفته مفكرين أمثال :
واملفكرين. نصر الدين الطوسي ،عمر اخليام ،فخر الدين الرازي ،التفتازاين ...،وغريهم من الفالسفة
حمتوى البحث
يعتب ابن سينا موسوعة علمية شاملة ملختلف العلوم الطبيعية منها و الفلسفية و الدينية و املوسيقية ،
و مبعىن آخر فإن عبقريته ابن سينا الواسعة و املذهلة جعلت منه طبيبا و فيلسوفا و عامال و موسيقيا،
األمر الذي جعله حيتل مكانة رائعة يف سجل احلكماء العباقرة الذين تدين هلم اإلنسانية ابلشيء الكبري
"ولد حجة احلق ،وشرف امللك ،الشيخ الرئيس أبو علي احلسني بن عبد هلال بن حسن بن علي
بن سينا يف شهر صفر سنة 370ه و 980م يف بلدة أفشنه من منطقة خبارى قرب خرميثني من
أبوين إمساعيليني ،أبوه عبد هلال من كبار دعاة إالمساعيلية وأمه سارة من عائلة عريقة ابمساعلتها
وما ميز ابن سينا أنه مل يبلغ السابعة عشرة من عمره قد قرأ و أمل مبختلف علوم عصره كالفلك و
الفلسفة و الرايضيات و الطب" .لقد عمل ابن سينا جاهدا يف الدراسة والتطبيب والتصنيف حىت
اعتلت صحته من توايل الرحالت والغارات و السهر الطويل و العمل املستمر فوقع ضحية مرض الزحار
و كانت اصابته عام 425ه وقد عاجل ابن سينا نفسه ولكن انتكست حالته لظروف وملا شعر
ابقرتاب أجله استحم ونزر التوبة وأعتق عبيده و تصدق أبمواله وراح يقرأ القرآن وجيوده داعيا إىل هلال
اخلالص لنفسه وفارق احلياة يف سنة 428ه و 1037ه و قد دفن يف مهدان ،وقد شيدت احلكومة
1
ابمسه][1 اإليرانية و مجعية البناء املتحدة ضرحيا مهيبا و مكتبة ضخمة مسيت
آاثره العلمية:
يلي: "- تتعدد و تتنوع اآلاثر العلمية البن سينا ويظهر هذا من خالل كتبه ورسائله واليت تتمثل فيما
كتاب الشفاء كتاب القانون يف الطب كتاب علم النبات. -كتاب علم األخالق ،كتاب اإلشارات
والتنبيهات كتاب اهلداية. -كتاب يف املوسيقى ،كتاب احلاصل واحملصول -كتاب اإلنصاف ،كتاب
احلكمة . املختصر األوسط ،كتاب املبدأ و املعاد. -كتاب النجاة ،كتاب منطق املشرقيني ،كتاب عيون
وفيما خيص رسائله نذكر ما يلي: -الطبيعيات ،فاإلجرام العلوية ،القوى اإلنسانية وإدراكاهتا فيما يتعلق
العهد. ابحلواس والعقل ،احلدود ،إثبات النبوة ،يف علم األخالق ،يف
ما ميكن التنويه إليه ،أنه ميكننا متييز يف مؤلفات ابن سينا " مؤلفات يعرض فيها ما كان يعتقد يف
صحته من و علوم الفلسفة ،و مؤلفات خيصها آبرائه الشخصية دون التقيد ابلطريقة السائدة يف التفكري
2
][2 و التأليف
خالصة القول ،أن ابن سينا أشتهر يف عصره بعلمه وفلسفته وبطبه ،األمر الذي جعل الباحثني يطلقون
الشرقية' على ازدهار احلضارة اليت ميثلها ابسم ' النهضة اإلسالمية' أو 'النهضة
"الوجود" هو نقطة حمورية يف فلسفة ابن سينا " ،العلم ابلوجود مبا هو موجود" "عقلية يف أصوهلا و
مبادئها ،صوفية يف ألفاظها و تعبريها ،توفيقية يف غاايهتا " وعليه ،ففي تصنيفه للعلوم فهو ينطلق من
مفهومه للوجود ،حبيث جند أن ابن سينا يف عدة مواضع من كتبه اعتمد على تصنيفات عدة ،مبعىن
أنه مل يلتزم بتصنيف واحد للعلوم وذلك راجع االختالف يف جتربته الفلسفية و منو استقالله الذايت
،ففي كتابه" ' عيون احلكمة' يتبىن ابن سينا التصنيف االرسطاليسي الذي يقوم على التفرقة بني العلوم
بعدها . أ-علوم ال يصح أن جترى أحكامها الدهر كله بل يف طائفة من الزمان مث تسقط
ب -علوم متساوية النسب إىل مجيع أجزاء الدهر ،وهذه العلوم أوىل أبن تسمى حكمة
"و يف موضع آخر جنده) ابن سينا (يقسم العلوم إىل عشرة أقسام وهي كالتايل " :نظرية املعرفة -
املنطق -الواجب و املمكن -الفيض -الطبيعة -النفس -النبوة -التصوف -األخالق -السياسة
"
قسمني : ولكننا يف هذه املداخلة املتواضعة سنعتمد على التصنيف األول أي تقسيم املعرفة الفلسفية إىل
التصنيفات. علوم نظرية وعلوم عملية ،الن هذا التصنيف هو شامل وعام يعكس عموما
و غايتها هي إدراك احلقيقة "و تتجلى العلوم النظرية عند ابن سينا يف :العلم الطبيعي ،العلم الرايضي،
فالعلوم العملية "فتدرس من هذا الفعل ذاته -األشياء من حيث هي أفعالنا و أحوالنا ،لنعرف أصوب
وجوه .وقوعها منا ،وصدورها عنا ووجودها فينا ،وغايتها هو حتصيل اخلري "وهذه العلوم تشمل علم
إذن ،العلوم العملية هتدف إىل تطبيق تلك املعرفة وبعبارة أخرى العمل وفق تلك املعرفة .ومن خالل
ويشري ابن سينا ارتباط العلوم فيما بينها من خالل اشرتاكها يف املبادئ أو يف املوضوعات أويف املسائل،
مبعىن أن العلوم ترتبط مع بعضها البعض .واشرتاك العلوم يف موضوعاهتا يفرتض ارتباطا معينا فيما بينها،
حيث تستمد منه مبادئه وأصوله مثل علم النحو وعلم الكالم وظهور علم الرتمجة ....
3آرثور سعدييف .ترمجة :توفيق سلوم .ابن سينا -دراسات يف الفكر العريب -اإلسالمي .لبنان .بريوت .دار الفارايب .الطبعة األوىل19 .
أبو حامد حممد الغزايل الطوسي النيسابوري الصويف الشافعي األشعري ،أحد أعالم عصره وأحد أشهر
علماء املسلمني يف القرن اخلامس اهلجري 450( ،هـ 505 -هـ 1058 /م 1111 -م) .كان
يقة ،شافعي ِ
الفقه إذ مل يكن للشافعية يف آخر عصره مثلَه،. فقيهاً وأصولياً وفيلسوفاً ،وكان صويف الطر ِ
وكان على مذهب األشاعرة يف العقيدة ،وقد عُرف كأحد مؤسسي املدرسة األشعرية يف علم الكالم،
وأحد أصوهلا الثالثة بعد أيب احلسن األشعري( ،وكانوا الباقالين واجلويين والغزايل) .لُقب الغزايل أبلقاب
كثرية يف حياته ،أشهرها لقب "حجة اإلسالم" ،وله أيضاً ألقاب مثل :زين الدين ،وحمجة الدين،
والعامل األوحد ،ومفيت األمة ،وبركة األانم ،وإمام أئمة الدين ،وشرف األئمة.
أعماله:
أثر كبريٌ وبصمةٌ واضحةٌ يف عدة علوم مثل الفلسفة ،والفقه الشافعي ،وعلم الكالم ،والتصوف،
كان له ٌ
واملنطق ،وترك عدداَ من الكتب يف تلك اجملاالت .ولد وعاش يف طوس ،مث انتقل إىل نيسابور ليالزم
أاب املعايل اجلويين (امللقب إبمام احلرمني) ،فأخذ عنه معظم العلوم ،وملا بلغ عمره 34سنة ،رحل إىل
بغداد مدرساً يف املدرسة النظامية يف عهد الدولة العباسية بطلب من الوزير السلجوقي نظام امللك .يف
تلك الفرتة اشتُهر شهرةً واسعةً ،وصار مقصداً لطالب العلم الشرعي من مجيع البلدان ،حىت بلغ أنه
كان جيلس يف جملسه أكثر من 400من أفاضل الناس وعلمائهم يستمعون له ويكتبون عنه العلم.
وبعد 4سنوات من التدريس قرر اعتزال الناس والتفرغ للعبادة وتربية نفسه ،متأثراً بذلك ابلصوفية
وكتبهم ،فخرج من بغداد خفيةً يف رحلة طويلة بلغت 11سنة ،تنقل خالهلا بني دمشق والقدس
واخلليل ومكة واملدينة املنورة ،كتب خالهلا كتابه املشهور إحياء علوم الدين خالصةً لتجربته الروحية،
عاد بعدها إىل بلده طوس متخذاً جبوار بيته مدرسةً للفقهاء ،وخانقاه (مكان للتعبد والعزلة) للصوفية.
الغزايل والفلسفة:
كانت الفلسفة يف عصر أيب حامد الغزايل قد أثرت يف تفكري الكثريين من أذكاء عصره وسلوكهم،
وأدى ذلك إىل التشكيك يف الدين اإلسالمي واالحنالل يف األخالق ،واالضطراب يف السياسة ،والفساد
يف اجملتمع .فتصدى أبو حامد الغزايل هلم بعد أن عكف على دراسة الفلسفة ألكثر من سنتني ،حىت
استوعبها وفهمها ،وأصبح كواحد من كبار رجاهلا ،يقول عن نفسه« :مث إين ابتدأت بعد الفراغ من علم
الكالم بعلم الفلسفة ،وعلمت يقيناً أنه ال يقف على فساد نوع من العلوم ،من ال يقف على منتهى
ذلك العلم ،حىت يساوي أعلمهم يف أصل ذلك العلم ..فشمرت عن ساق اجلد يف حتصيل ذلك العلم
من الكتب ..مث مل أزل أواظب على التفكر فيه بعد فهمه قريباً من سنة أعاوده وأردده وأتفقد غوائله
وأغواره ،حىت اطَّلعت على ما فيه من خداع ،وتلبيس وحتقيق وختييل ،واطالعاً مل أشك فيه»44, ،ص
45–20وألف يف ذلك كتابه“ مقاصد الفالسفة ”مبيناً منهجهم .مث بعد ذلك وصل إىل نتيجته
واإلحلاد ،وإن كان بني القدماء منهم واألقدمني ،وبني األواخر منهم واألوائل ،تفاوت عظيم ،يف البعد
تناول الغزايل الفلسفة ابلتحليل التفصيلي ،وذكر أصنافهم وأقسامهم ،وما يستحقون به من التكفري
حبسب رأيه ،وما ليس من الدين ،بذلك اعتُب الغزايل أول عامل ديين يقوم هبذا التحليل العلمي للفلسفة،
وأول عامل ديين يصنف يف علومهم التجريبية النافعة ،ويعرتف بصحة بعضها .إذ قسم الغزايل علوم
فالسفة اليوانن إىل العلوم الرايضية ،واملنطقيات ،والطبيعيات ،واإلهليات ،والسياسات ،واألخالقيات،
وكان أكثر انتقاد الغزايل وهجومه على الفالسفة ما يتعلق ابإلهليات ،إذ كان فيها أكثر أغاليطهم
حبسب الغزايل ،وقد كفر الغزايل فالسفة اإلسالم املتأثرين ابلفلسفة اليواننية يف 3مسائل ،وبدعهم يف
17عشر مسألة ،وألف كتاابً خمصوصاً للرد عليهم يف هذه ال 20مسألة مساه“ هتافت الفالسفة “وفيه
هاجم الفالسفة بشكل عام والفالسفة املسلمون بشكل خاص ،وخاصة ابن سينا والفارايب فقد هامجهم
هجوماً شديداً ،ويُقال إنه قضى على الفلسفة العقالنية يف العامل العريب ،منذ ذلك الوقت ولعدة قرون
متواصلة .فجاء بعده ابن رشد فرد على الغزايل يف كتابني أساسيني مها “فصل املقال فيما بني احلكمة
وحبسب الباحثني أمثال يوسف القرضاوي وعباس حممود العقاد ،فإن الغزايل يُعد يف كثري من نظرايته
النفسية والرتبوية واالجتماعية صاحب فلسفة متميزة ،وهو يف بعض كتبه أقرب إىل متثيل فلسفة إسالمية،
وأنه فيلسوف ابلرغم من عدم كونه يريد ذلك5, 5،ص 220وهذا ما صرح به كثريون من العرب والغربيني،
حىت قال الفيلسوف املشهور رينان« :مل تنتج الفلسفة العربية فكراً مبتكراً كالغزايل»
كتابه املنقذ من الضالل ،فابتدأ مبرحلة الشك بشكل ال إرادي ،واليت شك خالهلا يف احلواس والعقل
ويف قدرهتما على حتصيل العلم اليقيين ،ودخل يف مرحلة من السفسطة غري املنطقية حىت ُشفي منها
بعد مدة شهرين تقريباً[6] 6.ليتفرغ بعدها لدراسة األفكار واملعتقدات السائدة يف وقته ،يقول« :وملا
شفاين هللا من هذا املرض بفضله وسعة جوده ،أحضرت أصناف الطالبني عندي يف أربع
فرق :املتكلمون :وهم يدعون أهنم أهل الرأي والنظر .والباطنية :وهم يزعمون أهنم أصحاب التعليم،
واملخصوصون ابالقتباس من اإلمام املعصوم .والفالسفة :وهم يزعمون أهنم أهل املنطق
والبهان .والصوفية :وهم يدعون أهنم خواص احلضرة ،وأهل املشاهدة واملكاشفة» ،ويتابع ويقول:
ومثلثاً بتعلم الباطنية ،ومربعاً بطريق الصوفية .فعكف على دراسة علم الكالم حىت أتقنه وصار أحد
كبار علمائهم ،وصنف فيه عدة من الكتب اليت أصبحت مرجعاً يف علم الكالم فيما بعد مثل كتاب
"االقتصاد يف االعتقاد" ،إال أنه مل جيد ضالته املنشودة يف علم الكالم ،ورآه غري واف مبقصوده ،يقول
عن نفسه« :فلم يكن الكالم (أي علم الكالم) يف حقي كافياً ،وال لدائي الذي كنت أشكوه شافياً».
بعد ذلك توجه لعلم الفلسفة ودرسها وفهمها ،مث نقدها بشدة بكتابه هتافت الفالسفة .مث درس
بعدها الباطنية فرد عليهم وهامجهم .ليستقر أمره على علم التصوف.
تنقل خالهلا بني دمشق والقدس واخلليل ومكة واملدينة املنورة ،كتب خالهلا كتابه املشهور يف
التصوف إحياء علوم الدين ،وكانت نتيجة رحلته الطويلة تلك أن قال :أبو حامد الغزايل..
((وانكشفت يل يف أثناء هذه اخللوات أمور ال ميكن إحصاؤها واستقصاؤها ،والقدر الذي
ت يقيناً أن الصوفية هم السالكون لطريق هللا تعاىل خاصة وأن سريهتم أحسن
أذكره لينتفع به أين علم ُ
السري ،وطريقهم أصوب الطرق ،وأخالقهم أزكى األخالق)).
الفارايب:
الفارايب وعُ ِرف أبيب نصر وامسه األساسي حممدُ ،ولد عام 260هـ (874م) ،يف فاراب يف
إقليم تركستان( كازاخستان حاليًا) وتُويف عام 339هـ(950م ) لُقب ابسم الفارايب نسبةً للمدينة اليت ولد
فيها وهي فاراب .يعُتب الفارايب فيلسوفاَ ومن أهم الشخصيات اإلسالمية اليت أتقنت العلوم بصورة
عاش الفارايب ُمدةً يف بغداد قبل أن ينتقل إىل دمشق ومنها انطلق يف جو ِلة بني البلدان قبل أن يعود
لدمشق ويستقر فيها حىت وفاته ،خالل وجوده يف سوراي قصد الفارايب حلب وأقام ببالط سيف الدولة
العلماء و ِ
األدابء والفالسفة .أطلق عليه معاصروه لقب املعلم الثاين ،نظراَ ِ احلمداين وتبوأ مكانةً عاليةً بني
عليها . الهتمامه مبؤلفات أرسطو املعروف ابملعلم األول ،وتفسريها وإضافة التعليقات
ال خالف بني املؤرخني على أن أيب نص ٍر الفارايب هو املؤسس األول للفلسفة اإلسالمية ،فقد أتثر ُّ
كل
درس الفارايب العديد من املذاهب الفلسفية لكن أكثر ما أتثر يفلسفه أرسطو وخاصةً ابملذهب األرسطي
احملدث املنتشر يف اإلسكندرية ،اتسم الفارايب بغزارة كتاابته ،ونُسب إليه أكثر من مئة كتاب
معتقداته:
الفصول اخلمسة
ايساغوجي
كتاب املقوالت
كتاب التحليل
مقاربة موضوع إحصاء العلوم والصناعات عند الفارايب ،مع ما يتيحه لنا ذلك من تعرف على مالمح
أبستمولوجيا العلوم العربية خالل العصر الوسيط ،كما شرع إليها املعلم الثاين وطفق يف عرض أبعادها
ومقاصدها بال هوادة .هبذا املعىن ،من الوجاهة مبكان ،التلميح إىل الفضاء اإلشكايل العام الذي تتنزل
ضمنه هكذا مسألة ،واملتعني تدقيقا ،يف تبني الطابع املركب لفلسفة الفارايب من خالل تنوع املباحث
اليت وجهت اهنمام فيلسوفنا ضمن مدونته الفلسفية برمتها ،أين يستجلي القارئ ،فعل التآلف العضوي
بني مؤلفاته ،سيما من جهة البنية واملضامني واملناهج ،أتكيدا للخاصية املوسوعية هلذا الفيلسوف العريب
املتعدد.
الكندي:
أبو يوسف يعقوب بن إسحاق الكندي (185هـ /805 - 256هـ )/873عالمة عريب مسلم ،برع
يف الفلك والفلسفة والكيمياء والفيزايء والطب والرايضيات واملوسيقى وعلم النفس واملنطق الذي كان
يعرف بعلم الكالم .يعرف عند الغرب ابسم( ابلالتينية ) ،: Alkindusويعد الكندي أول الفالسفة
املتجولني املسلمني ،كما اشتهر جبهوده يف تعريف العرب واملسلمني ابلفلسفة اليواننية
القدمية واهللنستية[8] ]5[.عاش يف البصرة يف مطلع حياته مث انتقل منها إىل بغداد حيث أقبل على
العلوم واملعارف لينهل من معينها ،وذلك يف فرتة اإلانرة العربية على عهد املأمون واملعتصم ،يف جو
مشحون ابلتوتر العقائدي بسبب مشكلة خلق القرآن وسيطرة مذهب االعتزال وذيوع التشيع ،وكان
القرن الثالث اهلجري ميوج أبلوان شىت من املعارف القدمية واحلديثة وذلك بتأثري حركة النقل والرتمجة،
فأكب الكندي على الفلسفة والعلوم القدمية حىت حذقها .أوكل إليه املأمون مهمة اإلشراف على ترمجة
األعمال الفلسفية والعلمية اليواننية إىل العربية يف بيت احلكمة ،وقد عده ابن أيب أصيبعة مع حنني بن
إسحق واثبت بن قرة وابن الفرخان الطبي حذاق الرتمجة املسلمني كان الطالعه على ما كان يسميه
علماء املسلمني آنذاك "ابلعلوم القدمية" أعظم األثر يف فكره ،حيث مكنه من كتابة أطروحات أصلية
أعماله:
كان الشاغل الذي شغل الكندي يف أعماله الفلسفية ،هو إجياد التوافق بني الفلسفة والعلوم اإلسالمية
األخرى ،وخاصة العلوم الدينية .تناول الكندي يف الكثري من أعماله مسائل فلسفية دينية مثل
طبيعة هللا والروح والوحي ]13[.لكن على الرغم من الدور املهم الذي قام به يف جعل الفلسفة يف متناول
املثقفني املسلمني آنذاك ،إال أن أعماله مل تعد ذات أمهية بعد ظهور علماء مثل الفارايب بعده ،ومل يبق
سوى عدد قليل ج ًدا من أعماله للعلماء املعاصرين لدراستها .ومع ذلك ،ال يزال الكندي يعد من
أعظم الفالسفة ذوي األصل العريب ،ملا لعبه من دور يف زمانه ،هلذا يلقب بـ "أبو الفلسفة العربية" أو
"فيلسوف العرب
إسهاماته العلمية
• علم الفلك
• الطب والكيمياء
• البصرايت
• الرايضيات
• التشفري
• قواعد املوسيقى
الفلسفة
مدرسته الفلسفية
oنظرية املعرفة
وضع ابن حزم تصنيفه يف العلوم على أساس التمييز بين العلوم النافعة احملمودة اليت تدخل يف
دائرة العقل والشرع ،والعلوم املذمومة اليت تقع خارج دائرة الشرع والعقل ،حبيث قام بتقسيم
العلوم إىل سبعة أنواع :وهي علم الشريعة ،علم اللغة ،علم األخبار ،علم النجوم ،علم العدد،
علم الطب ،علم الفلسفة ،مع العلم ،أن علم الشريعة يف كل أمة وعلم لغتها وعلم األخبار هي
علوم ختتلف من جمتمع آخر الختالف الثقافة بعناصرها املختلفة ،مث أتيت بعد ذلك أربعة
أقسام تتفق فيها مجيع األمم وهي :علم النجوم ،وعلم العدد ،وعلم الطب ،وعلم الفلسفة،
وحيتوي كل علم من هذه العلوم السبعة على تقسيمات وتفريعات ،فمثال: -علم الشريعة :علوم
القرآن ،احلديث ،الفقه ،الكالم -علم اللغة :النحو ،اللغة. -علم النجو :علم اهليئة. -علم الطب:
طب النفس ،طب اجلسم .ويف هذا الصدد يقول »ابن حزم«» :العلوم تتكامل مع بعضها
وكل منها حيتاج إىل اآلخر والفرق بينها من حيث اهلدف ،حيث أهنا مجيعا ـ كما سيتضح ـ
تسعى إىل سعادة املسلم يف دنياه ،وفوزه ابجلنة يف أخراه ،وحيث أهنا مجيعا تؤكد وجود اخلالق
سبحانه وتعاىل وتكشف عن بديع صنعه وعظيم خلقه « .ويقول ابن حزم يف نص آخر»:
العلوم اليت ذكران يتعلق بعضها ببعض وال يستغين منها علم عن غريه «.وهذا يؤكد لنا أبن ابن
حزم يرى أبنه ال ميكن الفصل بين هذه العلوم ألهنا مثل وحدة متكاملـة ومتناسقـة ومنتظمة
تساعـد اإلنسان فـي حياته مـن أجـل الكشف ومعرفـة احلقائـق الـمتواريـة واخلفية ،وذلك لبلوغ
وحتقيق غايته ،وهدفه يف هذه احلياة ،وما ميكن مالحظته واستنتاجه من تصنيف العلوم عند
ابـن حزم أنــه خمالف لسابقيه خاصـة فـي تـأكيده على علم الشريعة يف املرتبة األوىل وحاجة
العلوم األخرى ابلنسبة لإلنسان يف معرفة اخلالق ،كام أنه يصف بعض العلوم اليت يرى أبهنا
مذمومة كالسحر والطالسم والكيمياء فيقوم بذمها وإنكارها إال إهنا تساعد اإلنسان يف آخرته
يف الفوز ابجلنة ويف أتكيده على الشريعة اإلسالمية ،يقول » :كان الواحد منهم غائبا عن
علم الشريعة اليت معىن خلروجنا إىل هذا العامل غريها وال خالص لنا وال ساملة عند خروجنا
من الدنيا إال هبا ،وكان مبعزل عن علم احلقائق «.إن ابـن حزم يؤكـد على هذه العلوم فـي تـكاملها
مـن أجـل فهم اإلنسان لغايته اليت هو موجود عليها يف هذه الدنيا من أجل الفوز ابآلخرة.
يقول "إخوان الصفا" يف الرسالة السابعة من رسائلهم التعليمية يف فصل يف العلم والعلوم والتعلم أبن
العـلوم الـيت يتعاطـاها الـبشر ثالثـة أجـناس :فـمنها الرايضـة ومـنها الشرعية الوضعيـة ومنها الفلسفية
احلقيقية ... «.وما نالحظه يف هذا القول ،أن العلوم عندهم تنقسم إىل ثالثة أقسام ،وهي :العلوم
الرايضية اليت تدل على أهنا علم اآلداب اليت وضع أكثرها لطلب املعاش صاحل أمر حياة الدنيا ،وهي
تسعة»:
أما العلوم الشرعية فهي اليت وضعت لطاليب اآلخرة ،وهي ستة :علم التنزيل وأصحابه األنبياء ،علم
التأويل وأصحابـه خلفـاؤهم ،عـلم الرواايت» األخبار الشرعية» وأصحابه أهـل احلديث ،عـلم الفقـه
والسنن واألحكام وأصحابـه الفقهاء ،علم التذكار واملواعظ والتصوف وأصحابـه العـباد والزهـاد
وأما العلوم الفلسفية فهي أربعة أنواع منها الرايضيات ومنها املنطقيات ومنها الطبيعيات ومنها:
اإلهليات وما ميكن مالحظته يف تصنيفهم للعلوم مقارنة معاصريهم أو من سبقهم يف تقسيمهم للعلوم
أبن علم املنطق آلـة ،ولـيس جـزء مـن الفلسفة ،بـحيث يـقصدون رسالـة ايساغوجي فـي املنطق تـسديد
العـقل وتقوميه وتثقيفه حنو احلقائق ورده عن الزلل والغلط ،كام حيتاج إىل النحو لتسديد اللسان
وتقوميه حنو الصواب ورده عن اللحن ألن نسبة املنطق إىل املعقوالت كنسبة صناعة النحو من
األلفاظ «مع العلم أهنم كانوا متأثرين مبؤثرات متعددة يف تقسيمهم للعلوم إسالمية ويواننية ،وخصوصا
الفيثاغوريني من جهة وأرسطو ،واألفالطونية من جهة أخرى ،كام أهنم قاموا بتكرار حماولة الكندي يف
تقسيمه للعلوم إىل إنسانية عقلية ودينية شرعية ،لكن تقسيمهم أمشل وأوسع من سابقيهم ،مثال:
العلوم الشرعية تنقسم إىل قسمين :أحدامها خبي ليس لإلنسان فاعلية كسبه فهو وحي ،وهذا خاص
فيه. ابلقرآن والكتب املنزلة؛ ونوع آخر شرعي وضعي مثل الفقه واحلديث لإلنسان فاعلية
يعتب تصنيف العلوم عند ابن خلدون كحلقة من حلقات إجنازات وإسهامات الفالسفة املسلمني يف
احلضارة اإلسالمية بصفة خاصة واحلضارة اإلنسانية بصفة عامة ،حبيث إذا قاران تصنيف العلوم عنده
وعند الفالسفة السابقني أمثال الكندي والفارايب وإخوان الصفا وغريهم ،نالحظ أبن أراءه وأفكاره
تعتب ركيزة يف الفكر اإلنساين املعاصر نظرا االبتكارات وإبداعاته يف العديد من العلوم األخرى ،ألنه
الذي خصص له أكثر من مخسني فصال وما حتتويه من أقسام ومتطلبات وتعاريف ،وقد قسمها إىل
صنف طبيعي وهو العلوم الفلسفية والعلوم النقلية اليت يكون أصلها الكتاب والسنة ،وأصناف هذه
العلوم كثرية كعلم التفسري وعلم الفرائض وعلوم احلديث وعلم تفسريي الرؤاي والفقه ،إال أن ابن
خلدون يف تصنيفه للعلوم قام إببطال وإنكار بعض العلوم وهذا يؤكد لنا أنه حيذو حذو الغزايل يف
اخلالصة:
إذن ،يعتب تصنيف العلوم عند الفالسفة اإلسالميني من بين اإلسهامات واإلجنازات الفكرية واملعرفية
والعلمية اليت سامهت يف بناء احلضارة اإلنسانية ،أن قبل اإلسالم كانوا يهتمون ابجلانب الشعري األديب
وبعد اإلسالم ظهرت مبادرات كثرية من أجل االهتمام ابملعرفة والعلم خاصة ما عرف حبركة الرتمجة اليت
كانت بدايتها يف العهد األموي وأخذت تتطور أكرث يف عهد املأمون يف العصر العباسي حبيث نرى
أبن عملية التصنيف قد بدأت مع الكندي أول فيلسوف إسالمي ،حيث جند يف بداية األمر كان
االهتمام ابلطب وعلم الفلك لكن نظرا لتطور األمة اإلسالمية وازدهارها أصبحت احلاجة ماسة
للمعارف األخرى سواء علمية أو فلسفية فبدأت عملية الرتمجة من السراينية إىل العربية ومن اليواننية
إىل العربية مع حنين ابن إسحاق وغريهم من املرتمجني البارعني ويعتب كتاب الفهرست النب الندمي أفضل
منوذج يف دراسة تصنيف العلوم ،حبيث جند أن التقسيم الثنائي بدأ مع أفالطون ،حيث قسم املعرفة إىل
قسمني عامل احملسوس الذي يتضمن مجيع الصور احملسوسة من حيوان ونبات وطب ...اخل .وعامل
معقول الذي يتضمن املعارف العقلية كعلمي الرايضيات والالهبات يف حين جند تلميذه أرسطو الذي
رفض مذهب أستاذه يف تقسيمه للعلوم فقسمها إىل اثلثة أنواع وهي نظرية وعلمية وإنتاجية فقسم
األوىل إىل هندسة وفلك وموسيقى وحساب وميتافيزيقا ) الفلسفة االوىل ( والطبيعيات .والعملية إىل
املراجع العربية:
-مصطفى غالب .يف سبيل موسوعة فلسفية -ابن سينا .نفس املرجع .ص..25-24 : ][1
حممد عابد اجلابري .حنن والرتاث -قراءات معاصرة يف تراثنا الفلسفي .بريوت .املركز الثقايف العريب .الطبعة ][2
آرثور سعدييف .ترمجة :توفيق سلوم .ابن سينا -دراسات يف الفكر العريب -اإلسالمي .لبنان .بريوت. ][3
املنقذ من الضالل ،أبو حامد الغزايل ،ص ،118-112دار الكتب احلديثة. . ][6