Professional Documents
Culture Documents
نزع التجريم
نزع التجريم
تمهيد
أصبحت السياسة الجنائية في ظل املجتمعات الحديثة مرتكزة على مبادئ عامة ولعل أهمها هو مبدأ شرعبة التجريم والعقاب أو
ما يصطلح عليه "ال جريمة وال عقوبة إال بنص ،هذه السياسة التي تم نهجها في جل التش55ريعات الجنائي55ة ج55اءت من أج5ل التص55دي
للج55رائم بي55د أنه55ا لم تحق55ق الغاي55ة املنش55ودة منه55ا ،ونتيج55ة ل55ذلك أص55بحت السياس55ة الجنائي55ة املعاص55رة تتج55ه نح55و الترش55يد وع55دم
اإلس55راف في اس55تخدام قواع55د التج55ريم ويع55ود ظه55ور سياس55ة ن55زع التج55ريم أو كم55ا يص55طلح عليه55ا أيض55ا بسياس55ة الالتج55ریم،أو
الح 55د من التج 55ریم الى س 55نة 1970إثر إنعق 55اد املؤتمر الس 55ادس ل 55وزراء الع 55دل في أروب 55ا وأيض 55ا الن 55دوة العلمی 55ة الثالث 55ة للجمعی 55ات
الدولی 55ة املعنی 55ة ب 55العلوم الجنائی 55ة املنعق 55دة في ایطالی 55ا س 55نة ، 1973واملؤتمر ال 55دولي الخ 55امس ملكافح 55ة املج 55رمین في ج 55نیف ال 55ذي
عقدت 55ه األمم املتح 55دة س 55نة ،1975ھ 55ذه املؤتمرات رأت ب 55ان التج 55ریم لیس ھ 55و الح 55ل ملواجه 55ة الظ 55اهرة اإلجرامي 55ة ( )1حيث إعت 55بر
أعض55اء املؤتمر أن الض55رورة ال تت55وافر دائم55ا لإللتج55اء الى التج55ريم من أج55ل مواجه55ة اإلنح55راف اإلجتم55اعي وق55د إنعكس ذل55ك على
إلغاء تجريم بعض األفعال في فرنسا متل الزنا مند سنة 1975واإلجهاض في سنة )2( 1993فيعتبر ن5زع التج5ريم من اآللي5ات ال5تي
لجأت إليها بعض التشريعات الجنائية لخفض الكم الهائل من القضايا املعروضة على أنظار القضاء الجنائي.
وعلی5 5ه ف55 5ان ن55 5زع التج55 5ریم یتمث55 5ل في "إلغ55 5اء الوج55 5ود الق55 5انوني للقاع55 5دة الجنائی55 5ة ،على نح55 5و ی55 5ؤدي إلى ن55 5زع الص55 5فة الجرمی55 5ة عن
الس55لوك،وبالت55الي االع55تراف بمش5روعیتھ،وإب5احتھ جنائی55ا،م5ع إمكانی55ة اس5تمرار خض55وعھ لقاع5دة قانونی5ة أخ55رى غ55یر جنائی55ة،وذل5ك
ألسباب تستند إلى 5اعتبارات تملیھا السیاسة الجنائیة" (. )3
أهمية الدراسة :
م55ا يهمن55ا في ه55ذه الدراس55ة ه55و البحث في م55دى نجاع55ة سياس55ة ن55زع التج55ريم في عالج مس55اوئ التض55خم التش55ريعي الجن55ائي
واكتظاظ أروقة املحاكم بالكم الهائل من القضايا وهو ما من شأنه أن يثقل كاهل القضاء ويبطء التقاضي.
أهداف الدراسة:
تس55عى ه55ذه الدراس55ة إلى تحقي55ق ه55دف رئيسي يتمث55ل في بي55ان سياس55ة ن55زع التج55ريم ونط55اق تطبيقه55ا وع55رض مزاياه55ا وأهم العي55وب
التي تطرأ عند تنفيذها وعن مدى فاعليتها في تحقيق أغراض العدالة الجنائية.
إشكالية 5الدراسة5:
انطالقا مما سبق ف5إن إش5كالية ه5ذه الدراس5ة تتمح5ور ح5ول م5ا يطرح5ه موض5وع سياس5ة ن5زع التج5ريم من إش5كاالت قانوين5ة تتعل5ق
بمفهومه وبطبيعته وم5دى نجاعت5ه في تحقي5ق الغاي5ة من5ه من خالل نهج سياس5ة جنائي5ة معاص5رة في الح5د من الظ5اهرة اإلجرامي5ة في
إطار املالئمة بين املصلحة املتمثلة في تحقيق األمن واإلستقرار للبالد وعدم اإلسراف في التجريم؟
منهج الدراسة:
نظ55را لطبيع55ة اإلش55كالية املطروح55ة وتحقيق55ا لأله55داف املس55طرة فق55د رأين55ا أن55ه من األنس55ب له55ذه الدراس55ة ،االعتم55اد على املنهج
الوصفي لدراسة نشأة سياسة نزع التجريم ومفهومها واملنهج التحليلي لدراسة هذه اآللية في التشريعات املقارنة.
خطة الدراسة:
انس55جاما م55ع املنهج املعتم55د بالدراس55ة ،تب55دأ الدراس55ة بإيض55اح مفه55وم ن55زع التج55ريم وذل55ك من خالل تعريف55ه وتمي55يزه عن الح55د من
العق55اب واملص5طلحات املش55ابهة ل5ه وتحدي55د أهم األس5باب ال5تي ك5انت وراء ظه55ور فك55رة ن5زع التج5ريم واآلث55ار املترتب55ة عن55ه ،ل5ذلك فق55د
قمن 55ا بتقس 55يم ه 55ذه الدراس 55ة إلى 5مطل 55بين أساس 55ين وفق 55ا ملا يلي :سنخص 55ص املطلب األول ماهية ن 55زع التج 55ريم من خالل فق 55رتين
سنتناول في األولى نشأة سياسة نزع التجريم تعريفها وطبيعتها وفي الفقرة الثانية سنتحدث عن أوجه التشابه 5واإلختالف بين ن55زع
التج55 5ريم والح55 5د من العق55 5اب وتم55 5يزه عن املص55 5طلحات املش55 5ابهة ل55 5ه ،بينم55 5ا سنخص55 5ص املطلب الث55 5اني للوق55 5وف على ض55 5وابط ن55 5زع
التج55ريم من خالل فق55رتين في األولى منهم55ا س55نتطرق ملبررات ن55زع التج55ريم على أن نخص55ص الفق55رة الثاني55ة لتوض55يح نط55اق تط55بيق
مبدأ نزع التجريم واآلثار املترتبة عنه.
املطلب األول :مفهوم نزع التجريم5
الفقرة األولى :نزع التجريم نشأته تعريفه ،طبيعته
نتيج5ة لث5ورة اإلص5الحات ال5تي ش5هدتها معظم التش5ريعات الجنائي5ة الدولي5ة بع5د الح5رب العاملي5ة الثاني5ة ،ظه5ر فك5ر جدي5د ي5دعو إلى
ع55 5دم االعتم55 5اد على ق55 5انون العقوب55 5ات فق55 5ط لح55 5ل مش55 5كلة الجريم55 5ة ،واعتب55 5ار كاف55 5ة قطاع55 5ات املجتم55 5ع مس55 5ئولة عن التص55 5دي له55 5ا
ومكافحته55ا ،وال55دعوة إلى ع55دم اإلس55راف في اللج55وء إلى النظ55ام الجن55ائي فظه55رت سياس55ة ن55زع التج55ريم أوالح55د من التج55ریم أو كم55ا
یصطلح علیها أیضا بسیاسة الالتجریم،أو التراجع عن التجریم،الذي یجد ج5ذوره في أفك5ار مدرس5ة ال5دفاع االجتم5اعي فق5د ع5الج
م55ارك انس55ل سیاس55ة التج55ریم من خالل األداة املع55برة عنھ55ا إال وھي ق55انون العقوب55ات،ولق55د س55لم بوج55ود ح55ق الدول55ة في العق55اب و
ن55ادي بتطھ55یر ق55انون العقوب55ات من كاف55ة أش55كال الحی55ل وق55د ناقش55ت العدی55د من املؤتمرات الدولیة فك5رة ن55زع التج55ريم 17أو الح55د
من التج 55ريم في املؤتمر الس 55ادس ل 55وزراء الع 55دل في أوروب 55ا،والن 55دوة العلمی 55ة الثالث 55ة للجمعی 55ات الدولی 55ة املعنی 55ة ب 55العلوم الجنائی 55ة
املنعق55دة في ایطالی5ا س5نة ،1973واملؤتمر ال5دولي الخ5امس ملكافح5ة املج5رمین في ج55نیف ال55ذي عق5دتهم األمم املتح55دة س5نة ،1975ھ5ذه
املؤتمرات وغیرھا رأت بان التجریم لیس ھو الحل ملواجھة الظاھرة اإلجرامیة.
ع55رفت اللجن55ة األوربي55ة للمش55كالت الجنائي55ة الح55د من التج55ريم بقوله55ا "أن الح55د من التج55ريم الق55انوني يتمث55ل في س55حب اختص55اص
النظ55ام الجن55ائي بف55رض ج55زاءات في مواجه55ة بعض أش55كال الس55لوك وه55ذا يمكن أن يتم بواس55طة عم55ل تش55ريعي يتض55من االع55تراف
الكام55ل بمش55روعية س5لوك معين من الناحي55ة القانوني55ة كم55ا في بعض ال55دول األوربي55ة حيث تم إلغ55اء بعض ج55رائم األخالق من قبي55ل
الفساد(الزنا )أو االنحراف الجنسي ) (د .جالل محمود طه ،أصول التجريم والعقاب في السياسة الجنائية املعاصرة)
كم 55ا ع 55رفت لجن 55ة مراجع5 5ة 5الق 55انون البلجيكي لس 55نة 1979الح 55د من التج 55ريم بأن 55ه إلغ 55اء الص 55فة الجرمي 55ة للجريم 55ة وعرف 55ه كلين
G.KELLENSبأنه "تجريد الجريمة من صفتها الجرمية دون إلغاء الجزاء الذي يمكن أن يكون مقيدا لحقوق األفراد.
كم55ا عرف55ه آخ55رون بأن55ه " إلغ55اء تج55ريم س55لوك معين وبالت55الي االع55تراف بمش55روعية ه55ذا الس55لوك من الناحي55ة القانوني55ة على نح55و ال
يخض55ع مع55ه ألي ن55وع من أن55واع الج55زاءات الجنائي55ة وه55و م55ا س55لكه أح55د الفقه55اء حين ع55رف الح55د من التج55ريم بأن55ه إلغ55اء للوج55ود
القانوني للقاعدة الجنائية على نحو يؤدي الى نزع الصفة اإلجرامية 5عن السلوك وبالتالي االعتراف مشروعيته.
كم55ا عرف55ه األس55تاذ Leclercqبأن55ه :إلغ55اء التج55ريم وبالتبعي55ة إلغ55اء العقوب55ة أيض55ا ،ويب55دو أن ه55ذا التعري55ف على ج55انب من الدق55ة
والوضوح ،فهو تعريف الشيء بض5ده ف5إذا ك5ان التج5ريم ه5و إكس5اء الالمش5روعية على س5لوك م5ا ،ف5إن الح5د من التج5ريم ه5و إلغ5اء
لهذا التجريم ، ومع ذلك فه5و ال يخل5و من بعض الخل5ط فيم5ا بين الح5د من التج5ريم والح5د من العق5اب ،وه5ذا م5ا يتجلى من إق5رار
ص 55احبه ب 55أن ك 55ل ح 55د من التج 55ريم ه 55و ح 55د من العق 55اب tout décriminalisation est une dépénalisationبمع 55نى أن الح 55د من
التجريم هو صورة الحد من العقاب ([.)]13
يعتبر الحد من التجريم ذو طابع موضوعي بحث فهو ينظ5ر في إكس5اء 5ص5فة املش5روعية على أفع5ال ك5انت في م5ا س5بق تش5كل ج5رائم ،
بغض النظ55ر عن ص55فة م55رتكب الفع55ل س55واء ك55ان ف55اعال أص55ليا أم ش55ريكا ،وبغض النظ55ر ك55ذلك إذا م55ا ك55ان ش55روعا أو فعال ك55امال
وإنما يه5دف إلى ع5دم قي5ام املس5ؤولية الجنائي5ة تمام5ا ض5د أي ش5خص و اعتب5ار ارتكاب5ه بعض الج5رائم شيء مب5اح ال يق5ع تحت طائل5ة
القانون ،حتى وإن كان موضوع الح5د من التج5ريم في بعض األحي5ان يلقى اس5تهجان اجتماعي5ا وديني5ا ورفض مطلق5ا كم5ا ه5و الح5ال
في إلغاء تجريم بعض أفعال الزنا في الدول األوربية واملسلمة والتي تعتبر هذا الفعل حدا من حدود هللا وجب عدم االستهزاء به.
الفقرة الثانية :أوجه التشابه واإلختالف بين الحد من التجريم والحد من العقاب
يرتبط نزع التجريم بالفعل بغض النظر عن شخص5ية مرتكب5ه ك5ذلك الح5د من العق5اب يرتب5ط بالعقوب5ة فق5ط فيتش5ابهان في اآلث5ار
الناجم 55ة عن ك 55ل منهم 55ا ف 55نزع التج 55ريم مت 55ل الح 55د من العق 55اب ،اليع 55ني دائم 55ا تج 55رد الفع 55ل من لالمش 55روعية فق 55د يخ 55رج من دائ 55رة
الق55انون الجن5ائي إال أن55ه يبقى خاض5عا لق55انون آخ55ر غ55ير جن5ائي،كم5ا يش55تركان أيض5ا في أس55باب وج5ود ك55ل منه55ا وه5و ع55دم اإلس5راف في
إستخدام التجريم والتقليل من ظاهرة التضخم التشريعي الناتجة عن أزمة العدالة الجنائية.
أما نقاط اإلختالف بينهما فأولها أن نزع التج5ريم يتعل5ق بإلغ5اء الوج5ود الق5انوني للفع5ل ويتبع5ه رف5ع الج5زاء عن5ه فيش5مل ب5ذلك ك5ل
من التج5ريم والعق55اب بينم55ا الح5د م العق55اب يش5مل ج55انب العق5اب فق55ط إم55ا يخفف5ه أو يس5تبدله بج5زاء غ5ير جن55ائي م5ا يع55ني أن الح5د
من التج 55ريم أش 55مل من الح 55د من العق 55اب ف 55األول يض 55م الث 55اني ف 55إن ك 55انت غاي 55ة الح 55د من التج 55ريم ه 55و إخ 55راج الفع 55ل من دائ 55رة
التج55ريم الى 5اإلباح55ة دون نفي خض55وعها لج55زاءات غ55ير جنائي55ة ف55إن الح55د من العق55اب ي55روم إس55تبعاد الج55زاءات املتعلق55ة بالعقوب55ات
السالبة للحرية لحساب أنظمة عقابية أخرى .
ق 55د تق 55ترب سياس 55ة الح 55د من التج 55ريم أو من العق 55اب من بعض السياس 55ات الجنائي 55ة ال 55تي ينهجه 55ا املش 55رع مثل أس 55باب اإلباح 55ة أو
اإللغاء» مما يتعين بيان نقاط التمييز بينهما.
بشأن أسباب اإلباحة أو التبرير هي ح5االت خاص5ة تراف5ق ظ5روف معين5ة فع5ل إنس5ان مس5ؤول أم5ام الق5انون» لت5وافر أرك5ان الجرع5ة
في فعل55ه» فتع55ترض املس55ؤولية الجنائي55ة لتنفيه55ا نتيج55ة إخ55راج الفع55ل من نط55اق نص التج55ريم وتجعل55ه مباحا فهي أس55باب موض55وعية
أو واقعي55ة كائن55ة في الفع55ل ذات55ه خ55ارج ش55خص الفاع55ل» وال تتوق55ف على حالت55ه النفس55ية .مم55ا ي55ترتب على ذل55ك أن من ارتكب الفع55ل
الج55رمي» ومن س55اهم مع55ه» ال يلحق55ه العق55اب؛ ألن الفع55ل ذات55ه يب55اح في الظ55روف التيحص55ل فيه55اء فال يع55د إذن جرم55ةة .وال55بين من
توض55 5يح مع55 5نى أس55 5باب اإلباح55 5ة أو الت55 5برير أنم55 5ا تختل55 5ف عن الح55 5د من التجيم أو من العق55 5اب .إذ تعد األس55 5باب األولى ذات طبيع55 5ة
مزدوج 55ة؛ 5فهي من جه 55ة أس 55باب موض 55وعية تتعل 55ق بح 55االت نص عليه 55ا املش5 5رع في الفصل 124من ق ج كحال 55ة الض 55رورة أو حال 55ة
5انون أو أم 55ر ص 55ادر عن الس 55لطة الش 55رعية .ومن جه 55ة أخ 55رى هي أس 55باب
ال 55دفاع الش 55راع أو حال 55ة اإلك 55راه أو ك 55ان هن 55اك واجب 5ق ٍ 5
شخص55ية تتعل55ق بمن وج55د في تل55ك الظ5روف ليض55في على فعل55ه غ5ير املش5روع الص55فة الش5رعية فيص5بح مباح5ا 5.أم5ا الح55د من التج5ريم
أو من العق55اب فه55و ذو طبيع55ة موض55وعية مطلق55ة وال يختلط ب55اي عناص55ر شخص55ية؛ إذ تتحكم ظ55روف واعتب55ارات تمليه55ا املص55لحة
مح55ل الحماي55ة؛ ومق55دار الض55رر أو التهدي55د للمص55الح ال55تي يراه55ا املش55رع ج55ديرة بالحماي55ة" .ك55ذلك أن مص55در أس55باب اإلباح55ة يك55ون
كأصل عام هو النص الجن5ائي املكت5وب» لكن اس5تثناء ق5د يك5ون ه5ذا املص5در ه5و الع5رف مث5ل م5ا يتعل5ق بح5ق الت5أديب املح5ول لآلب5اء
على أبن55ائهم؛ أو ح55ق ممارسة األلع55اب الرياض55ية؛ واالعت55داد 5اس55تثناء برض55اء الض55حية ...في حين يك55ون مص55در الح55د من التج55ريم أو
العقاب هي النصوص.
وبش 55أن اإللغ 55اء فيتعل 55ق بح 55ذف املش 55رع لقاع 55دة الجنائي 55ة من وجوده 55ا الق 55انوني؛ وتك 55ون أس 55باب ذل 55ك مثال تعارض 55ها م 55ع قاع 55دة
دس 55تورية .أم 55ا األس 55باب املتعلق 55ة بالح 55د من التج 55ريم أو العق 55اب فتك 55ون موض 55وعية ترتب 55ط باملص 55لحة ال 55تي يس 55عى إليه 55ا املش 55رع في
سياس55ته الجنائي55ة تحقيق55ا ملص55الح متع55ددة س55واء قانوني55ة أو اقتص55ادية 5أو اجتماعي5ة 5كم55ا تق55دم .وي55ترتب عن ه55ذا التمي55يز أن اإللغ55اء
يرج 55ع للقض 55اء بتقري 55ر ع 55دم دس 55تورية النص الجن 55ائي؛ فه 55و ال 55ذي يمل 55ك ه 55ذه الص 55الحية أي رقابة م 55دى مش 55روعية النص وع 55دم
مخالفته ملقتضيات الدس5تور .بينم5ا الح5د من التجيم أو من العق5اب فيتوق5ف على موقف املش5رع في سياس5ته ال5تي ينهجه5ا وتحقيق5ا
للغايات التي يررمها.
يتشابه الحد من التجريم والعقاب مع اإللغاء لحد م5ا ألن كلهم5ا ي5در عن املش5رع وكالهم5ا ي5ؤدي إللغ5اء الص5فة الجرمي5ة عن الفع5ل
فاإللغاء هو إنهاء سريان القاعدة القانونية وتجريدها من قوتها اإللزامية ٠والحد من التجريم والعقاب كذلك وضع حد لس55ريان
قاع55 5دة قانوني55 5ة م55 5ا تتعل55 5ق بتج 55ريم س 55لوك معين والعق55 5اب علي55 5ه جنائي55 5ا رغم ذل55 5ك إال أن الف 55رق بينهم55 5ا موج55 5ود ويؤك55 5د الطبيع55 5ة
املوض55وعية للح55د من التج55ريم والعق55اب حيث أن اإللغ55اء س55بيه ق55د يك55ون التع55ارض م55ع النص الدس55توري أو ال55زوال بس55بب وج55ود
نص ق55انوني أخ55ر .تحكم اإللغ55اء قاع55دة ت55وازي األش55كال أي من ل55ه س55لطة الوض55ع ل55ه س55لطة اإللغ55اء .بينم55ا أس55باب وج55ود الح55د من
التجريم والعقاب هي مختلفة وذات بعد عاملي ودولي 5تكمن أساسا في محاولة تجنب املس5اوئ ال5تي خلفته5ا ك5ثرة النص55وص القانوني55ة
الجنائي 55ة املتض 55منة التج 55ريم والعق 55اب وتج 55اوز األض 55رار ال 55تي أح 55دثتها العقوب 55ات الجنائي 55ة بم 55ا فه 55ا العقوب 55ات الس 55البة للحري 55ة على
الصعيد النفسي واالجتماعي.
قب55ل وج55ود فك55رة الح55د من التج55ريم وج55د فق55ط التج55ريم .أي إدراج ك55ل فع55ل مخ55الف للنظ55ام االجتم55اعي في نص ق55انوني والعق55اب
علي 55ه م 55ا أدى بالنهاي 55ة إلى ك 55ثرة النص 55وص القانوني 55ة الجنائي 55ة وبالت 55الي ظه 55ور م 55ا يع 55رف بالتض 55خم التش 55ريعي وه 55و تف 55اقم القواعد
القانوني55ة الجنائي55ة بص55ورة ت55وحي بع55دم الق55درة على التحكم فه55ا من قب55ل املتخصص55ين وع55دم الق55درة على معرف55ة جميعه55ا من قب55ل
األف55 5راد الع55 5اديين 5ألن ك55 5ثرة النتص55 5وص القانوني55 5ة ال55 5تي تض55 5منها ق55 5انون العقوب55 5ات في التش55 5ريع الجزائ55 5ري أدت لتفرعه55 5ا لنص55 5وص
قانوني55 5ة خاص55 5ة تبع55 5ا لتع55 5دد وتن55 5وع املج55 5االت وب55 5ذلك ظه55 5ور العدي55 5د من الق55 5وانين املكملة لق55 5انون العقوب55 5ات .فظ55 5اهرة التض55 5خم
التش 55ريعي نتجت عن إف55راط املش55رع في اس 55تخدام الس 55الح العق55ابي معتق 55دا ب55أن الق55انون الجن55ائي بش 55قيه التج55ريم والعق 55اب الح 55ل
األمثل في مواجه 55ة الج 55رائم والتص 55دي ملرتكببه 55ا ألن الفع 55ل اإلج 55رامي بمفهوم 55ه التقلي 55دي هو مش 55كلة قانوني 55ة وليس اجتماعي 55ة م 55ا
يعني وجوب مواجهتها قانونيا بالتجريم والعقاب
ً ً
التقلي 55دي .كم 55ا ي 55ؤدي التض 55خم التش 55ريعي إلى اإلخالل بمب 55دا العلم بالق 55انون وض 55رب مص 55داقية مب 55دا ع 55دم ج 55واز االعت 55ذار بجه 55ل
ً
القانون ألن كثرة النصوص القانونية ٠تفرعها وتبعثره5ا بين العدي5د من الق5وانين العام5ة والخاص5ة يتع5ارض م5ع ه5ذا املب5دا وتق5ف
حاجزا أمام علم األفراد بها بل أكثر من ذلك توقع العلم بجميعها هو تكليف للناس فوق طاقتهم وقدراتهم. 5
العقوب55ات املعروف55ة بش55كل رئيسي في الق55انون الجن55ائي هي العقوب55ات الس55البة للحرية وبتع55دد الج55رائم وك55ثرة النص55وص القانوني55ة
تف55اقم ع55دد العقوب55ات الس55البة للحرية وأص55بح لك55ل فع55ل س55واء بس55يط أو جس55يم عقوب55ة س55البة للحري55ة .وانتش55رت بص55فة كب55يرة
العقوبات السالبة للحرية قصيرة املدة ما نتج عنها أضرار مس5ت املحك5وم عليه واملجتم5ع ش5ملت أض5رار اجتماعي5ة. 5مالي5ة .ونفس5ية
حيث اتض55ح أن إص5الح املحك5وم علي55ه داخ55ل املؤسس5ة العقابي55ة أم5ر يستص55عب تحقيق5ه ألن عزل5ه عن مجتمعه وإدماج5ه 5في مجتم5ع
يعم ب 55املجرمين يفق 55ده طبيعت 55ه االجتماعي 55ة وبش 55عره بالوح 55دة والعزل 55ة وب 55ذلك ين 55دمج أك 55ثر م 55ع ع 55الم اإلج 55رام ويكتس5 5ب 5خ 55برات
إجرامي55ة جدي55دة من ب55اقي املحك55وم علهم .م55ا يع55ني تح55ول العقوب55ة الجنائي55ة من ردعي55ة إلى س55لبية ألنه55ا تلقن املحك55وم علي55ه خ55برات
إجرامية 5جديدة داخل وسط يعم بجميع أنواع املجرمين من بسيط إلى 5خطير.
وبالت55الي أدت العقوب55ات الس55البة للحري55ة الس55يما قص55يرة املدة إلى فش55ل النظ55ام العق55ابي التقلي55دي عن تحقي55ق أغراض55ه الس55يما م55ا
تعل 55ق منه 55ا ب 55الردع الع 55ام والخ 55اص ألنه 55ا لم تخفض من مع 55دل الج 55رائم ب 55ل أثبتت الدراس 55ات العكس من ذل 55ك أي تزاي 55د انتش 55ارها
.وتن55وع أش55كالها .وبالت55الي أس55باب ظه55ور الح55د من العق55اب تنحص55ر بش55كل أس55امي في اآلث55ار الس55لبية الناتج55ة عن العقوب55ات الس55البة
للحرية السيما قصيرة املدة .وفي 5فشل النظام العقابي التقليدي عن تحقيق أغراضه فظهور الحد من العقاب يستهدف
تجنب ه5ذه اآلث5ار عن طري5ق ظه5ور م5ا يع5رف بب5دائل العق5اب كالعقوب5ة موقوف5ة النف5اذ .والعم5ل للنف5ع الع5ام .واإلف5راج املش5روط .
ولعل
ذل 55ك م 55ا جع 55ل البعض ين 55ادي بوج 55ود عدال 55ة تفاوض 55ية إص 55الحية الس 55يما في الج 55رائم القليل 55ة الخط 55ورة لتجنب أض 55رار العقوب 55ات
الس55البة للحري55ة واإلحالل محله55ا عقوب55ات رض55ائية وه55و ما نتهج55ه م55ؤخرا املش55رع الجزائ55ري بنص55ه على إج55راء 5الوس55اطة بم55وجب
املواد 37مك 55رر إلى 37مك 55رر 9من األم 55ر 02/ 15املع 55دل لق 55انون اإلج 55راءات الجزائي 55ة وك 55ذلك املش 55رع املغ 55ربي في ظ 55ل مش 55روع
ق 55انون الجن 55ائي ال 55ذي تض 55من أش 55كاال لب 55دائل العقوب 55ات الس 55البة للحري 55ة تمثلت في اإلختب 55ار القض 55ائي ،الش 55غل من أج 55ل املنفع 55ة
العامة ،الغرامة اليومية ونظام الحراسة اإللكترونية أو ما يعرف بالسوار اإللكتروني.
إن الت 55دخل الهائ 55ل للمش 55رع بنص 55وص التج 55ريم ال يرتب 55ط بمدون 55ة الق 55انون الجن 55ائي فحس 55ب ,إنم 55ا م 55ل أيضا النص 55وص الجنائي 55ة
5انون واالقتص 55ادي ,واالجتم 55اعي» وجعلت منه 55ا مس 55وغات ل 55نزع
الخاص 55ة؛ مم 55ا أب 55ان عن مش 55اكل ع 55دة أث 55رت على مس 55توى األمن الق ٍ 5
التجريم.
بخصوص األمن القانوني» يظهر جليا من خالل تشتت النصوص واملقتضيات الجنائية في عدة قوانين خاصة» مث55ل مدون55ة الش55غل
أو مدون5ة التج5ارة» وق5انون املحام5اة» وق5انون الص5حافة ...أو أحيان5ا في ظه5ائر تحي5ل على الق5انون الجن5ائي في بعض نصوص5ه؛ وه5ذا
م55ا ي55ؤدي إلى جع55ل النص55وص الجنائي55ة مبع55ثرة في ه55ذه الق55وانين الش يء ال55ذي يعرق55ل تتب55ع ه55ذه الق55وانين» ب55ل ويخل55ق عش55وائية في
وض 55 5ع النص 55 5وص إلى 5درحة عص 55 5فها بحق 55 5وق األف 55 5راد وحري 55 5اتمم* 5.ومن الط 55 5بيعي أن ي 55 5ؤثر ه 55 5ذا الوض 55 5ع على فض النزع 55 5ات بين
املتقاض 55ين بخل 55ق ارتب 55اك للقض 55اء في مواجه 55ة ه 55ذا الكم الهائ 55ل من النص 55وص القانوني 55ة املبع 55ثرة» وبالت 55الي اس 55تنزاف مجهودات 55ه في
مالحقة الجرائم الصغيرة والهامشية»؛ وصرفه عن االهتمام باإلجرام األكثر خطورة.
وبخص 55 5وص األمن االقتص 55 5ادي فق 55 5د ظه 55 5رت اتجاه 55 5ات رافض 5 5ة 5للت 55 5دخل الجن 55 5ائي باعتب 55 5اره عائق 55 5ا للمب 55 5ادرة الفردي 55 5ةفي الج 55 5رائم
االقتصادية فيتيعن نمج سياس5ة تتالءم م5ع س5رعة وحركي5ة النش5اط االقتص5ادي؛ بحيث تحق5ق مالءم5ة 5ناجع5ة وفعال5ة بين السياس5ة
العقابية والسياسية االقتصادية للدولة وذلك من خالل التقليل من مصاريف التوقيف والسجن.
وق55د اتج55ه املش55رع الجزائ55ري نح55و مش55روع تع55ديل ق55انون اإلج55راءات الجزائي55ة الس55يما في جانب55ه املتعل55ق برف55ع التج55ريم عن فع55ل
التس 55يير املتخ 55ذ خالل مجلس ال 55وزراء بع 55د الق 55رار ال 55ذي اتخذت 55ه الس 55لطات العمومي 55ة وعلى رأس 55هم رئيس الجمهوري 55ة حيت رأت
منظمة أرباب العمل للقطاع العمومي أن “ذلك من شانه تحفيز مشاركتهم بنجاعة اكبر في إدارة املهام املوكلة لهم”.
وي55رى االتح55اد الوط55ني للمق55اولين العموم55يين 5أن ه55ذا الق55رار “سيس55اهم في تحف55يز املس55يرين في امله55ام ال55تي تس55ند إليهم وس55يترجم دون
شك بنجاعة اكبر للمؤسسة العمومية وسيؤدي إلى 5تحقيق مردودية أفضل.
في نفس الس 55ياق أعلنت مح 55اكم دبي عن تط 55بيق التع 55ديالت الجدي 55دة على ق 55انون املع 55امالت التجاري 55ة بش 55أن إلغ 55اء تج 55ريم اص 55دار
الش55يك ب55دون رص55يد ال55وارد في ق55انون العقوب55ات االتح55ادي ،أن التع55ديالت الجدي55دة تمت من خالله55ا تض55ييق إط55ار تج55ريم الش55يك
ً
ب55دون رص55يد واقتص55اره 5فق55ط على ح55االت ح55ددها املش55رع حص55را في ق55انون العقوب55ات ومنه55ا ،جريم55ة التحاي55ل في اص55دار الش55يك ،او
وج5ود رص5يد في حس5اب الس5احب 5عن5د اص5داره الش5يك وقيام5ه بس5حب الرص5يد ،وذل5ك لض5مان تحقي5ق األه5داف املنش5ودة 5من رف5ع
التج 55ريم واالستعاض 55ة عن 55ه ب 55إجراءات أس 55رع واس 55هل لحص 55ول املس 55تفيد من الش 55يك على حق 55ه ،دون اللج 55وء إلى طري 55ق ال 55دعاوي
القضائية سواء الجزائية أو املدني5ة بكاف5ة درجاته5ا ،وه5و م5ا س5يؤدي إلى زي5ادة الثق5ة بالش5يكات باعتباره5ا ورق5ة تجاري5ة ت5تيح الوف5اء
بقيمتها فورا.
ه55ذه الطبيع55ة الحساس55ة واملرن55ة ملج55ال االعم55ال فرض55ت التفك55ير في عقلن55ة ت55دخل املش55رع الجن55ائي في االقتص55اد وذل55ك من خالل نهج
سياس 55ة اطل 55ق عليه 55ا الفقه 55اء بسياس 55ة الالتج 55ريم La dépenalisationعلم 55ا على ان الالتج 55ريم هن 55ا ال يع 55ني ع 55دم تط 55بيق الق 55انون
الجن55ائي في مي55دان االعم55ال وإنم55ا جع55ل ت55دخل املش55رع الجن55ائي محص55ور في الح55دود الض55رورية من اج55ل زج55ر االفع55ال ال55تي تش55كل
جرما حقيقيا من شانه املس بالنظام االقتصادي العام للمجتمع ،فض5ال على أن معظم الج5رائم ال5تي نص عليه5ا املش5رع في الق5انون
الجنائي لألعمال هي جرائم ال تمس و ال تخ5دش الش5عور الع5ام ،فجريم5ة الته5رب الض5ريبي أو تزيي5ف العالم5ة التجاري5ة ،ال يمكن أن
تمس بش55عور األف55راد و يحس إتجاهه55ا الج55اني بت55أنيب الض55مير 5عم55ا اقترف55ه ،فهي ليس له55ا نفس الوق55ع في نف55وس األف55راد مقارن55ة م55ع
الجرائم األخرى التقليدية
وبخص55وص األمن االجتم55اعي فق55د أثبتت دراس55ة علم اإلج55رام ض55عف ت55أثير رد الفع55ل العق55ابي على الظ55اهرة اإلجرامي55ة» ليقتض ي
الوض55ع إيالء االهتم55ام ب55الفرد ال55ذي ارتكب الفع55ل اإلج55رامي؛ 5ألن العوام55ل اإلجرامي55ة توج55د خ55ارج الف55رد» وه55و م55ا ي55ؤدي إلى عج55ز
النظام العقابي مهما بني على عقوبات نموذجية أو رادعة أو معاملة إصالحية للجاني”.
وإلمكانية تجاوز تلك املشاكل الواقعية واملعبر عنها باملسوغات فرضت السياسة الجنائية التفكير في وسائل للح55د من اإلس55راف في
التجريم وفي آن واحد عدم إهدار أي مصلحة مرتبطة باملوضوع؛ سواء كانت مصلحة عامة أو مصلحة خاصة.
ملناهض55ة العدي55د من االنحراف55ات نهجت العدي55د من التش55ريعات الجنائي55ة ومنه55ا التش55ريع الجن55ائي املغ55ربي سياسة جنائي55ة ت55روم إم55ا
الح55د من التج55ريم أو الح55د من العق55اب س55واء في نط55اق األعم55ال أو في غ55يره؛ وس55واء تم ذل55ك في نط55اق قواع55د الق55انون الجن55ائي أو في
نطاق القوانين الخاصة.
تب 55اينت اآلراء الفقهي 55ة ح 55ول تحدي 55د نط 55اق إعم 55ال الح 55د من التج 55ريم بين من ي 55رى بض 55رورة قص 55ره على قواع 55د الق 55انون الجن 55ائي
فحس55ب» وبين من ي55رى بش55موله إلى 5ج55انب ذل55ك ليش55مل قواع55د الق55انون اإلداري والق55انون املدني؛ ففي إط55ار التوج55ه الض55يق للح55د
من التجريم باالرتكان فقط لقواعد القانون الجنائي فقط يرى
األس5تاذ ( )Leclercq,ب5أن الح5د من التج5ريم يف5ترض إلغ5اء التج5ريم» وي5ؤدي ه5ذا اإللغ5اء بالت5الي إلى إلغ5اء العقوب5ة» في حين أن الح5د
من العق55 5اب ال يتح55 5دد فق55 5ط بالح 55د من التج 55ريم» إنم55 5ا يش 55مل أيض55 5ا تخفي 55ف العق 55اب أو تع55 5ديل الج 55زاءات القابل 55ة للتط55 5بيق على
الح 55رائم ال 55تي لم يتم إلغ 55اء تجريمه 55ا' .ومف 55اد ه 55ذا ال 55رأي أن الح 55د من العق 55اب بمعن 55اه الع 55ام إلغ 55اء للعقوب 55ة» وبالت 55الي رف 55ع الص 55فة
الجرمية عن الفعل.
وترى اللجنة األوروبية بأن الح5د من التج5ريم في نط5اق الق5انون الجن5ائي ق5د يك5ون ح5دا قانوني5ا أو فعلي5ا .في ص5ورته األولى تتمث5ل في
ت55 5دخل تش55 5ريعي بف55 5رض ج55 5زاءات على بعض األفع55 5ال يجعل55 5ه معترف55 5ا ب55 5ه قانون55 5ا واجتماعيا مث55 5ل م55 5ا ح55 5دث في جرم55 5ة اإلجه55 5اض؛
واالنح5راف الجنسي بين الب55الغين» بينم55ا الح5د من التج5رم الفعلي فيتعل55ق ب55التخفيض الت55دريجي ل5رد فع55ل نظ55ام العدال55ة الجنائي5ة في
ً
مواجه 5ة 5بعض األفع 55ال دون أن يط 55را أي تغي 55ير على االختص 55اص األص 55لي للقواع 55د الجنائي 55ة مث 55ل الج 55رائم االقتص 55ادية والتش 55رد؛
وحمل السالح بدون ترخيص والحرائم املتعلقة بقواعد السير في حين الحد من العقاب فيتعل5ق بك5ل تخفيض للعق5اب في الج5رائم
باللجوء مثال إلى تجنيح عدة جنايات أو تخفيض عقوبة الجنح إلى مخالفات .أو انتقاء القاضي للغرامة ع5وض العقوب55ة؛ أو الوض55ع
تحت املراقبة القضائية.
وفي إط55ار االتج55اه املوس55ع لنط55اق الح55د من التج55ريم يتج55ه رأي في الفق55ه* إلى أن ال يقتص55ر على الق55انون الجن55ائي إنم55ا يمت55د لكاف55ة
الق55وانين املتض55منة للنص55وص الجنائي55ة بإلغائه55ا أو الح55د من تجرمها وه55ذا الح55د يش55مل العق55اب بتخفيض55ه وذل55ك ب55النزول من حال55ة
الجناي55ة إلى الجنح55ة أو من الجنح55ة للمخالف55ة»؛ أو تقري55ر نظ55ام عق55ابي آخ55ر ق55د يك55ون الق55انون املدني أو اإلداري أو التوفي55ق بينهما
أما تلك الحاالت التي يعطي فيها املشرع للقاضي إمكانية أن يخفض العقوبة عن الحد األدن املقرر لها قانونا أو اإلس5تعانة بب55دائل
أخرى غير العقوبة ال تعد حدا للعقاب باملعنى الدقيق؛ وإنما مجرد وسيلة لتخفيض العقوبة داخل النظام الجنائي.
ويظه55ر أن ه55ذا االتج55اه األخ55ير أس55لم في تفس55يره لنط55اق إعم55ال 5الح55د من التج55ريم أو العق55اب» حيث ال ج55دوى من الق55انون الجن55ائي
وأس 55اليبه العقابي 55ة ملالحق 55ة بعض أن 55واع من األفع 55ال اإلجرامي 55ة؛ إنم 55ا يتعين إم 55ا اس 55تبعاد الفع 55ل الجن 55ائي من نط 55اق الح 55رائم» أو
تمكين 5القاض ي من الخي55ار داخ 5ل 5النص الجن55ائي بين أش55كال من العقوب55ات» أو اللج55وء إلى 5ق55وانين أخ55رى لتقري55ر ج55زاءات 5مناس55بة
للفعل مستمدة من القانون املدني أو اإلداري.
فبحكم تع55دد الس 55لوكات اإلجرامي55ة وتأثيره55ا على الوض55ع االقتص 55ادي واالجتم55اعي فق 55د ف 55رض األم55ر على املش55رع إح 55داث تغي 55ير في
مش55هد السياس55ة الجنائي55ة بإص55دار العدي55د من الق55وانين الخاص55ة إيمان55ا من55ه بض55رورة الح55د من التج55ريم ال55ذي يتخ55د ص5ورا متع55ددة
حسب ما تنهجه تشريعات الدول في سياستها الجنائية؛ وهذه الصور يمكن إجمالها فيما يلي:
-1الصورة األولى :إلغاء التكييف الجنائي عن السلوك اإلجرامي .وذلك بإلغاء النص املجرم من النظام القانوني وهو م5ا ي5ؤدي إلى5
اختف55اء الجريم55ة؛ وص55يرورة الفع55ل مباح55ا وال عق55اب علي55ه؛ أو أن يك55ون العف55و الع55ام أح55د أوج55ه الح55د من التج55ريم الق55انوني .وتل55ك
أعلى درج55ات التح55ول عن ملج55ال الجن55ائي .ب55ل يمث55ل االنعك55اس الص55ادق لتفاع55ل املش55رع م55ع القيمة الفعلي55ة للمص55لحة مح55ل الحماي55ة
في نظر املجتمع.
-2الصورة الثانية :تقليص نطاق التجريم بتعديل أركانه س5واء تعل5ق األم5ر ب5الركن املادي أو املعن5وي الجريم5ة وفي ه5ذه الحال5ة ال
تختفي الجريم55 5ة من النظ55 5ام الق55 5انوي» ب55 5ل ينحص5 5ر نط55 5اق التج55 5ريم في بعض األفع55 5ال املكون55 5ة لركنها املادي أو بعض ص55 5ور ركنه55 5ا
املعن 55وي .مث 55ل تطلب عنص 55ر االعتي 55اد لقي 55ام ال 55ركن املادي للجريم 55ة؛ أو تطلب العمد في س 55لوك الج 55اني» واس 55تبعاد الص 55ورة غ 55ير
العمدية5.
ويظهر من الصورتين معا أن على السلطة التشريعية سلوك أح5د الط5ريقين يتمث5ل األول في إلغ5اء الفع5ل اإليج5ابي أو الس5لبي ال5ذي
تش55كل مخالفت55ه جرع55ة جنائي55ة دون إحالل إج55راء 5آخ55ر محل55ه» وه55و م55ا يفي55د إض55فاء وص55ف املش55روعية القانوني55ة عن ذل55ك الفع55ل
الذي كان مجرما.
أم55 5ا الطري55 5ق الث 55اني فيتمث 55ل في إلغ55 5اء وص 55ف ع55 5دم املش 55روعية»؛ وإحالل مكان55 5ة ج55 5زاءات غ55 5ير جنائي 55ة مث 55ل املدني 55ة أو اإلداري55 5ة أو
التأديبي55ة أو املهني55ة ب55دال من55ه .ومع55نى أدق بق55اء الفع55ل غ55ير املش55روع قانون55ا دون أن يس55توجب ج55زاء واللج55وء إلى ه55ذه الطريق55ة تنب55ع
من عدم جدوى التجريم.
ب 55الرغم من اإليجابي 55ات ال 55تي حمله 55ا ن 55زع التج 55ريم إال أنه لم يس 55لم من االنتق 55اد فيبقى في نظ 55ر البعض أن الق 55انون الجن 55ائي بش 55قيه
املتمثلين في
كل من التجريم والعقاب التقليديين هو األصح واألنسب ملواجهة 5املخالفين للقانون وتتمثل هذه اآلثار فيما يلي :
أول انتقاد وجه لسياسة الحد من التجريم هو ارتفاع معدل األفعال والسلوكات التي ال يطالها التجريم خصوصا وإن كان الفع55ل
ال55ذي تم إباحت55ه محال لالزدراء 5االجتم55اعي ف55إخراج األفع55ال من دائ55رة التج55ريم يمس بنظ55ام املجتم55ع وانتظ55ام األف55راد أي أن األف55راد
تع 55ودوا على مجموع 55ة األفع 55ال املجرم 55ة املتعين علهم ع 55دم إتيانه 55ا أو في الحالة العكس 55ية 5ال 55واجب 5علهم فعله 55ا إذا م 55ا تتعل 55ق األم 55ر
بجرائم االمتناع .ثم إباحة هذه األفعال فجأة هو خلق الضطراب اجتماعي وزعزعة للنظام ككل .لكنن5ا نق5ول ب5أن األفع5ال ال55تي يتم
إخراجه 5ا 5من دائ55رة التج55ريم هي أفع55ال بس55يطة إم55ا يتم إخض55اعها 5لق55انون آخ55ر س55واء م55دني كلم55ا تعلقت ب55التعويض أو إداري كلم55ا
ك55انت ج55زاء جن55ائي إداري .وإم5ا 5يتم إخراجه55ا من دائ55رة الال مش55روعية كلي55ا فتص55يح فعال مباح55ا وذلك حس55ب الفع55ل ورؤي55ة املجتم55ع
له .
وفي 5انتقاد آخر للحد من التجريم هو أن إباحة 5الفعل بعدما كان مجرما يضعف الثق5ة في5ه وك5أن تجريم5ه س5ابقا لم يكن قائم5ا على
مبررات كافية وكأن املشرع يجرم متى يحلو له وبحل متى يشاء .إال أن ه5ذا االنتق5اد يس5تبعد التط5ورات االجتماعي5ة ومن5ه م5ا يص5لح
في زمن م 55ا ال يص 55لح في زمن آخ 55ر فق 55د يك 55ون الفع 55ل الواحد بع 55دما ك 55ان مجرم 55ا حس 55ب متطلب 55ات املجتم 55ع يص 55بح مباح 55ا حس 55ب م 55ا
تقتض 55يه املص 55لحة العام 55ة .وبالت 55الي ه 55ذه املبررات ك 55انت كافي 55ة وقت تجريم 55ه إال أنه 55ا لم تع 55د ك 55ذلك وقت إباحت 55ه بس 55بب التط 55ورات
االجتماعية 5ألن اإلبقاء على تجريمه دون الحاجة لذلك ال يرتب إال تضخما في النصوص القانونية.
كم 55ا انتق 55د الح 55د من التج 55ريم على أس 55اس أن 55ه ال ي 55راعي حق 55وق الض 55حايا ألن إلغ 55اء أفع 55ال بع 55دما ك 55انت مجرم 55ة ي 55ؤدي للع 55ودة إلى
العدالة الخاصة" .ويثار الضحية للحصول على حقه ألن عدم معاقبة من كان وراء إحداثه الضرر ه5و في ح55د ذاته إجح55اف .إال أن
الرد على هذا االنتقاد يتمثل في موضوع الحد من التجريم ذاته وهو أن الفعل الذي خرج من دائرة قانون العقوب5ات ق5د يك5ون في
دائرة قانون آخر مثل
القانون املدني .وفي هذا األخير يحصل الضحية على حقه ليس على أساس فعل إجرامي وإنما على أساس الضرر .
بالنس 55بة للح 55د من العق 55اب فاالنتق 55اد املوج 55ه ل 55ه على أس 55اس أن العق 55اب الجن 55ائي هو أس 55اس الق 55انون الجن 55ائي والح 55د من 55ه ه 55و ح 55د
للقانون في ذاته .كما أنه يضعف من قيمة القانون وهيب5ة األف5راد من5ه وبالت5الي القض5اء على كي5ان الق5انون الجن5ائي .كم5ا أن العق5اب
ه5و م5ا يم5يز الق5انون الجن5ائي عن ب5اقي ف5روع الق55انون األخ55رى وإلغ55اؤه ه5و إلغ55اء له55ذا التمي55يز .إال أن ال5رد على ه55ذا االنتق55اد يكمن في
أن الح 55د من العق 55اب ليس إلغ 55اء كلي للعقوب 55ات الجنائي 55ة إنم 55ا ه 55و تخفي 55ف من ح 55دتها وإدراج 5ب 55دائل عقابي 55ة جدي 55دة مع املحافظ 55ة
دائم55ا على الط55ابع الجن55ائي للج55زاء وه55و ال ينقص من هيب55ة األف55راد إنم55ا يع55زز ثقتهم في مرف55ق العدال55ة 5.ف55إن ك55انت بعض التش55ريعات
ألغت بعض األفعال من نطاق القانون الجنائي فألن تلك األفعال لم تعد بالخطورة التي كانت عليها سابقا.
وفي 5ه 55ذا اإلط 55ار وأم 55ام س 55حب الحكوم 5ة 5املغربي 55ة ملش 55روع الق 55انون املتعل 55ق بتتميم وتغي 55ير مجموع 55ة الق 55انون الجن 55ائي من مجلس
الن55واب ،ع55اد الج55دل ب55املغرب ح55ول املطالبة بإلغ55اء بعض الفص55ول ال55تي تج55رم أفع55اال ت55رى بعض الحرك55ات الحقوقي55ة واالئتالف55ات
أنها تندرج في إطار الحريات الفردية ،خاصة الفصل 490الذي يجرم العالقات الجنسية 5الرضائية خارج إطار الزواج.
وط 55الب "ائتالف ،"490املع 55روف بحرك 55ة "خارج 55ة عن الق 55انون" ،في رس 55الة مفتوح 55ة رفعه 55ا إلى وزي 55ر الع 55دل ،عب 55د اللطي 55ف وه 55بي،
بإلغ55اء الفص55ل من مش55روع إص55الح الق55انون الجن55ائي ،واص55فا إي55اه بـ"الفص55ل التمي55يزي" .وبأن55ه يس55تغل لتص55فية حس55ابات ذاتي55ة ألن55ه
فص55ل غ55ير دقي55ق وقاب55ل للتأويل" مستحض55رة ك55ل النس55اء 5ض55حايا االغتص55اب واالب55تزاز بنش55ر ص55ور إباحي55ة وك55ذلك ك55ل أن55واع العن55ف
الجنسي التي يصعب على الضحية أن تقدم شكوى حولها مخافة أن تتعرض لالعتقال بناء على الفصل ."490
كما كتر الجدل بين املطالبين بالسماح باملثلية الجنس5ية 5عن طري5ق إلغ5اء الفص5ل 489من الق5انون الجن5ائي؛ وهي األص5وات املطالب5ة
بتوس55يع ب55ل وتق55ديس الحري55ات الفردي55ة وض55مان الحري55ة املطلق55ة لألش55خاص في تط55بيق أفك55ارهم ومعتق55داتهم بع55دما لقيت قب55وال من
طرف بعض املجتمعات الغربية.
أم55 5ا في اإلم55 5ارات العربي55 5ة املتح55 5دة فب55 5اثت على بع55 5د ش55 5هر من تط55 5بيق ق55 5وانين حديث55 5ة ال تج55 5رم "أك55 5ل لحم الخ55 5نزير والحم55 5ل خ55 5ارج
إط 55ار ال 55زواج والعالق 55ة الجنس 55ية 5بالتراض ي" وأعلنت الحكوم 55ة اإلماراتي 55ة عن الق 55انون االتح 55ادي رقم 31لع 55ام ،2021بع 55د إج 55راء
تعديالت حديثة على قوانين العقوبات .وأشارت إلى أن بدء العمل به سيكون في يناير (كانون الثاني) املقبل مطلع .2022
وألغى الق 55انون الجدي 55د بعض الج 55رائم ال 55تي ك 55ان يع 55اقب عليه 55ا ق 55انون العقوب 55ات رقم 3لس 55نة ،1973ومنه 55ا املواد املتعلق 55ة "بأك 55ل
املس 55لم لحم الخ 55نزير واملج 55اهرة بتن 55اول األطعم 55ة واألش 55ربة في نه 55ار رمض 55ان" ،و"عقوب 55ة املواقع 55ة بالتراض ي والحم 55ل خ 55ارج إط 55ار
الزواج" ،لكن ذلك شريطة أن يعترف أحد الوالدين ببنوة الطفل.
ً
وبحسب الجهات التشريعية ،فإن هذه التعديالت جاءت لتقدم اإلمارات نفسها نموذجا للدولة العصرية في املنطقة.
خاتمة5:
الح55د من التج55ريم من االتجاه55ات املعاص55رة للسياس55ة الجنائي55ة الحديثة ال55تي تض55ع ح55دا لك55ثرة النص55وص القانوني55ة وم55ا ي55ترتب عنه55ا
من تض55خم تش55ريعي إض55افة ملا ت55رتب من أض55رار عن الج55زاءات الجنائي55ة التقليدي55ة ل55ذلك تبنت مختل55ف التش55ريعات سياس55ة الح55د
من التجريم واملشرع املغربي بدوره وضع أليات لتجسيدها السيما ما تعلق منها بب5دائل ال55دعوى والج5زاء الجن5ائي اإلداري كب55ديل
عن التجريم والعقوبات البديلة
-الترك55يز على مب55دأ الوقاي55ة بمحارب55ة عوام55ل اإلج55رام قبل وق55وع الفعل واالبتع55اد عن تج55ريم األفع55ال البس55يطة وإخ55راج املخالف55ات
البسيطة 5من دائرة القانون الجنائي تجنبا لظاهرة التضخم التشريعي وترك املجال للتركيز على الجرائم األكثر خطورة .
-العمل بالعقوب5ات البديل5ة أقصى ح5دد ممكن تجنب5ا ملا تخلف5ه العقوب5ات الس5البة للحري5ة واملؤسس5ات العقابي5ة من آث5ار س5لبية على
املحكوم عليه واملجتمع .
-االع 55تراف بالعدال 55ة الرض 55ائية إلى ج 55انب العدال 55ة الجنائي 55ة التقليدي 55ة وهي العدال 55ة ال 55تي تق 55وم على تف 55اوض األط 55راف لح 55ل ال 55نزاع
احتراما للعالقات االنسانية االجتماعية إلى جانب القانونية .