Download as docx, pdf, or txt
Download as docx, pdf, or txt
You are on page 1of 6

‫إلمام الشهيد عبد الحميد حمادوش عالم دين جزائري ‪،‬من فضالء ‪،‬ووجهاء ‪,‬وأعيان منطقة س طيف ‪،‬فقي

ه م الكي ‪،‬ومن مجاه دي‬


‫جبهة التحرير الوطني ‪ ،‬استشهد دفاعاً عن الجزائر الحبيبة ‪،‬في ثورة التحرير المجيدة ‪....‬‬
‫محطات تاريخية في حياة الشهيد ‪:‬‬
‫ولد الشهيد عبد الحميد حماد وش سنة ‪1919‬م ‪ ،‬وكان أصغر إخوته‪ ،‬ظهرت عليه عالمات النبوغ والفطن ة والش جاعة وس رعة‬
‫البديهة منذ صغره كما يروي إخوته‪ .‬حفظ القرآن الكريم مبكرا ‪ ،‬ثم انضم إلى حلقة الشيخ المختار بن الشيخ بالمسجد فت ابع‬
‫دروسه األولى في الفقه واللغة العربية ‪.‬‬
‫كان ابن بيئته ومجتمعه أحب الفروسية والصيد من أبيه الشيخ الطيب الفارس الحازم ومن أخيه الشيخ عبد العزيز الفارس الذي‬
‫ال يشق له غبار‪ .‬وأتقن سباق الخيل على يدي الفارس ‪":‬خليفي عمار من أوالد بونشاده‪ " .‬كانت الفروسية في ذلك الوقت زينة‬
‫األعراس واألفراح ‪،‬وكانت ميادينها حلبة لتنافس الشباب وإظه ار مه اراتهم الفروس ية على ظه ور الخي ل وإطالق الب ارود في‬
‫حركات بهلوانية عجيبة‪ .‬ولم يكن الشاب عبد الحميد يتخلف عن حضور المنافسات الفروسية رفقة العدي د من ش باب المنطق ة‪،‬‬
‫وكان يمارس هواية الصيد بشغف ومهارة ‪ .‬لكن الحادث الخطير الذي وقع له في أحد األعراس ‪ -‬حيث وقعت به الف رس فم اتت‬
‫من حينها ونجا هو بأعجوبة ‪ -‬جعلته يصرف اهتمامه عن الفروسية ‪.‬‬
‫‪-‬حاجة زاوية قجال إلى مرجع ديني ‪:‬‬
‫كان الشيخ محمد الصديق منذ توليه مشيخة الزاوية بعد وفاة والده الشيخ الطيب‪ ،‬يفكر في مستقبل التعليم بالزاوي ة‪ ،‬وحاج ة‬
‫الناس إلى مرجعية دينية تتصدى ألمور الفتوى واإلرشاد والتوجيه واإلصالح بالمنطقة ‪ .‬وكان الشيخ محمد الصديق يظهر ه ذه‬
‫الرغبة للشاب عبد الحميد ويشجعه على طلب العلم ويفتح له سببل التعرف على العلماء ويصطحبه معه في زياراته إليهم فتعرف‬
‫على الشيخ البشير اإلبراهيمي رحمه اهلل‪،‬وإمام الحرمين الشيخ محمد العربي التباني ‪،‬وكانت له لقاءات م ع الش يخ الطيب زروق‬
‫الذي حثه على السفر إلى تونس للدراسة بجامعة الزيتونة ‪.‬‬
‫في بداية األربعينيات سافر إلى تونس قضى فيها ف ترة في جامع ة الزيتون ة تج اوزت س بع س نوات م ر فيه ا بمراح ل التعليم‬
‫المختلفة وأخذ عن أساتذة وشيوخ أجالء نذكر منهم‪ :‬الشيخ الفاضل بن عاشور‪ -‬الشيخ المهدي الوزاني‪ -‬والشيخ محمد بوشربية‬
‫‪ -‬الشيخ عمر الهمامي ‪-‬الشيخ المختار بن محمود‪-‬والشيخ البشير النيفر‪-‬والشيخ الزغواني والشيخ الع ربي العن ابي وغ يرهم من‬
‫علماء تونس الخضراء ‪ .‬وكان من رفاق الشهيد في الدراسة بتونس السادة ‪ :‬عبد الحميد مه ري ‪ --‬ومحم د الص الح يحي اوي –‬
‫وعمر شايب ومبارك شايب ومحمد الصغير قارة وغيرهم عاد األستاذ الشيخ عب د الحمي د من ت ونس لتب دأ مرحل ة جدي دة من‬
‫مسيرة حياته ؛ مسيرة العطاء ‪ ،‬العطاء الالمحدود الذي ابتدأه ببذل ما وسعه جهده في محارب ة الجه ل ونش ر العلم والمعرف ة ‪،‬‬
‫واإلصالح االجتماعي واختتمه ببذل الروح في سبيل اهلل بعد عودته في نهاية األربعيني ات وج د أن المس جد يحت اج إلى إص الح‬
‫وترميم ‪ ،‬وكان العديد من طلبة الزاوية ينتظرون عودته الستئناف الدروس التي توقفت بع د وف اة الش يخ المخت ار بن الش يخ‬
‫رحمه اهلل‪ .‬فقرر أن يكون عمله في االتجاهين‪ :‬فاستأنف الدروس بمجموعة من الطلب ة منهم ‪ :‬الش يخ القريش ي م دني‪ ،‬األس تاذ‬
‫السيد إسماعيل زروق والشهيدان محمد رحال والزايدي كفي‪،‬والشيوخ الحاج زروق والمحفوظ ص فيح ‪ ،‬وبق اق إب راهيم ‪،‬وعلي‬
‫مليزي وعمار مليري‪،‬والشريف زروق ولحسن عبد العزيز‪،‬وعبد الوهاب حمادوش ومحمد الص غير حم ادوش‪ ،‬ومحم د ب وكراع‬
‫وغيرهم ممن كان لهم الفضل الكبير في بعث أول مدرسة جزائرية في عهد الحرية واالستقالل ‪ .‬وفي نفس الوقت كون لجن ة‬
‫من أجل جمع األموال إلعادة بناء مسجد الزاوية والمرافق التابعة له فكان في عون ه رج ال مخلص ون من قج ال وض واحيها من‬
‫أمثال الحاج المهدي مدني وبن الفالحي والشهيد سي حمود فني ‪ ،‬والشهيد سي علي بن الزاي دي‪،‬وعلي حم داش والش يخ الخ ير‬
‫فاضلي وهيشور بوزيد وغيرهم ‪.‬وتم تجديد قاعة الصالة وحلقات الدرس وأضيف إليها مطهرة وحجرتان ‪.‬وعلى األم ل معق ودا‬
‫على بناء قاعة خاصة بالنساء ألداء الصلوات الخمس ومتابعة الدروس‬
‫‪ -‬صفات شخصية ‪:‬‬
‫لم يكتب لي أن أتعرف على شخصية اإلمام األستاذ الشهيد عبد الحميد في أبعادها اإلنسانية واألخالقي ة والثقافي ة واالجتماعي ة ‪،‬‬
‫وذلك لصغر سني في ذلك الوقت حيث كان عمري ال يتجاوز عقده األول‪ ،‬ولكن رغم ذلك م ازلت أذك ر بعض مالمح هيئت ه‬
‫ذات المهابة والوقار ‪،‬كان ربعة في طوله ‪ ،‬ممتلئ الجسم ‪،‬رحب الصدر عريض المنكبين ‪، ,‬طلق الوجه ‪ ،‬مهيب النظرة ‪ ،‬هشا عن د‬
‫اللقاء ‪ ،‬سريع المشية ذا أناقة ملفتة لالنتباه يرتدي قندورة –عادة‪ -‬ما تكون رمادية أو زرق اء ليلي ة ويض ع على رأس ه عمام ة‬
‫بيضاء ‪.‬ذلك بعض ما أمكنني إعتصاره من ذاكرتي من مالمح عن شخصية الش هيد ولق د ح اولت من ذ س نوات أن أتع رف على‬
‫شخصيته أكثر من خالل الحديث مع تالميذه ومع من عرفه عن قرب أو عاش معه أو كان رفيقا ل ه في دراس ة أو ص حبة في‬
‫جهاد‪،‬فاجتمع لدي من ذلك كله تص ورا لبعض المع الم عن أفك اره وتوجهات ه خاص ة منه ا الدعوي ة واالجتماعي ة والثقافي ة‬
‫والسياسية ‪.‬وقد برزت تلكم المعالم من خالل مواقفه وتعامالته وعالقاته مع مختلف الفئات االجتماعية انطالقا من إخوته وباقي‬
‫أفراد عائلته إلى طلبته ‪،‬إلى العلماء الذين كان يلتقي بهم أو ي زورهم أو يزورون ه ‪ ،‬إلى الرج ال ال ذين ك ان يتص ل بهم من‬
‫الفالحين والتجار وأصحاب الحرف إلى مواقفه من االستعمار وأعوانه الخ ‪.‬‬
‫‪ -‬العالم الرسالي ‪:‬‬
‫كان اإلمام الشهيد عبد الحميد رجل علم وتعليم ورجل تربية من الطراز األول تف انى في كس ب العلم ح تى ب رع في أص ول‬
‫وفروع علوم الفقه واللغة وفنون األدب ما جعله علما من األعالم في جيل ه وفحال من فح ول البي ان من على المن ابر في ش تى‬
‫المناسبات كانت خطبه في األعياد تقرع األسماع قرعا فيغدو لها في القلوب وجال وفي األنفس أث را و في العق ول ن ورا ‪،‬وعلى‬
‫األلسن ذكرا طيبا ‪.‬أم خطبه في التجمعات التي ك ان يعق دها الث وار من حين إلى حين في الق رى والجب ال فك انت تلهب حس‬
‫الجماهير وتؤجج فيهم روح الثورة والجهاد لتحقيق إحدى الحسنيين النصر واالستقالل أو الشهادة في سبيل اهلل ‪.‬‬
‫كان العلم عنده رسالة نور وخير يشع بها العالم على الناس من حوله ليعرفوا ربهم العليم الكريم ويدركوا أبعاد وج ودهم في‬
‫هذه الحياة ويتمكنوا من خالل النظر في آيات اهلل في القرآن المقروء وآياته في الكون المنظ ور من الس مو بإنس انيتهم روح ا‬
‫وفكرا وجسدا في عملية تكاملية مستمرة ال تنفرد بالروح فتجعل من اإلنسان راهبا مبتدعا ‪ ،‬وال تنفرد ب الفكر فيغ دو فيلس وفا‬
‫متعاليا وال تنفرد بالجسد فتخلد باإلنسان إلى األرض وكان طلبة العلم عنده قرة العين ومهجة الفؤاد ‪،‬يحرص على تربيتهم من‬
‫خالل سلوكه معهم ‪،‬فال يرون منه إال ما يمأل العين ويقع في النفس موقع التأسي واالقتداء ‪،‬وال يس معون من ه إال م ا يزي دهم‬
‫يقينا بالعلم ويحببهم فيه ‪ .‬كان يردد على أسماعهم الحديث الشريف " إن المالئكة لتبسط أجنحتها لط الب العلم " ليس بح بهم‬
‫في ملكوت اهلل ومحبته ويمشي معهم أحيانا إلى البستان ويجول بهم بين أشجاره وهو يتلو على مسامعهم ق ول اهلل تع الى "ه و‬
‫الذي جعل لكم األرض ذلوال فامشوا في مناكبها وكلوا من رزقه وإليه النشور"‪( .‬سورة الملك اآلية أو يحمل المعول ويض رب‬
‫األرض ‪ ،‬وهو يردد الحديث الشريف " اليد العليا خير من اليد السفلى" في إشارة إلى قيمة اليد العامل ة المنتج ة ال تي ت رفض‬
‫التسول واالستجداء ‪.‬في سنة من سنوات الجفاف والحاجة عجزت ميزانية العائلة عن إطعام الطلبة فما كان من األمام إال استأذن‬
‫أخاه األكبر الشيخ محمد الصديق في بيع قطعة أرض من أجل سد حاجة الطلبة من الطعام وبعد اتفاق اإلخوة باعوا قطعة أرض‬
‫كانت بالقرب من دوار لخلف ‪ .‬وواصل بذلك الطلبة تعليمهم دون انقطاع وهكذا سجلت هذه الواقعة لألستاذ عبد الحميد موقفا‬
‫جريئا يؤكد أوال علي استمرار الدور الرسالي له ولعائلته في خدمة العلم وطلبته وحفظة القرآن الكريم ‪ .‬ويعطي ثاني ا المث ل‬
‫في البذل من أجل العلم الذي رفع اهلل من شأنه فجعل حامليه شهودا على وحدانيته وعدله رفقة المالئكة ‪ ،‬وباهى بطلبته المالئكة‬
‫األبرار ‪.‬‬
‫التكامل في شخصية العالم اإلنسان الداعي إلى اهلل على بصيرة‪:‬‬
‫كان اإلمام الشهيد عبد الحميد رجال حباه اهلل من األخالق الكريمة والخصال الحميدة والذكاء الحاد والبصيرة النافذة ما جعل ه‬
‫مضرب المثل‪ ،‬من رآه أول مرة هابه‪ ،‬ومن عرفه أحبه ووقره ‪.‬إذا أقبل من بعيد ه لّ لمقدم ه الحاض رون ‪،‬وانش رحت لمنظ ره‬
‫الصدور ووقف الستقباله الكبير والصغير إذا جلس عظم به المجلس وحفته السكينة والوقار ‪،‬وإذا تحدث أص غت إلي ه اآلذان وإذا‬
‫سئل نقع غليل السائلين ‪.‬لم يُر أبدا شاكيا وال متأففا وال ساخطا على شيء من الدنيا ‪ ،‬يقول ما يفعل ‪ ،‬منفتحا على كل شخص‬
‫يتوسم فيه خصائص الفطنة ‪،‬والذكاء والعفة والصدق نائيا بنفسه عن كل سفيه ضعيف العقل بليد الحس ‪.‬‬
‫كان شديد الورع ‪،‬ذا تقى وصالح يحمل بين جوانحه قلبا فياضا بالعواطف السليمة والمشاعر النبيل ة إذا رأى فق يرا ال ت راه إال‬
‫ساعيا في مد يد العون له ‪.‬اليتيم عنده أولى من ولده وأقرب إليه من نفسه ‪.‬‬
‫فإذا ما جئنا إلى عالقات األمام الشهيد اإلنسانية وجدناه نعم الرجل المضياف الكريم السريع النجدة يسعى في خدم ة إخوان ه وال‬
‫يألوا في ذلك جهدا وال يدخر وسعا ‪ .‬روى لي الشيخ عمر رو ميلي وهو أحد الطلبة الذين كانوا يت ابعون الدراس ة في جامع ة‬
‫الزيتونة ‪.‬أنه حين سافر إلى تونس بغرض الدراسة‪ ،‬ولم تكن معه الوثائق الضرورية لإلقامة فاختفى عند أحد الجزائريين خوف ا‬
‫من أن تمسكه الشرطة فتعيده إلى بالده ‪.‬وكان اإلمام الشهيد ه و من س عى ل ه في الحص ول على الوث ائق المطلوب ة لإلقام ة‪،‬‬
‫والتسجيل بجامعة الزيتونة‪ .‬أم عن سعيه‬
‫في إصالح ذات البين ‪،‬فكان يبذل من أجلها الجهد والمال ‪ ،‬فكان كلما سمع بخصام أو نزاع حصل بين طرفين أو أط راف معين ة‬
‫في مكان ما لم ينتظر حتى يأتيه طرف منهم يدعوه إلى اإلصالح بينهم بل كان يباغت الجميع في دعو الط رفين إلي ه بالزاوي ة‬
‫فيكرمهم ‪،‬ويسمع من كل طرف شكواه ‪،‬ثم يعظهم بكلمات بليغة مؤثرة ‪،‬حتى يزيل من القلوب ما عل ق به ا من ض غائن وأحق اد‬
‫وأطماع ووساوس ‪،‬ثم يدعوهم إلى العفو والصفح عن بعضهم البعض ‪ .‬وإذا تعلق األم ر بحق وق واجب ة األداء ‪ ،‬أم رهم بأدائه ا‪،‬‬
‫وساعدهم على ذلك ما استطاع؛ ذكر لي أكثر من واحد ممن عرفوه أن طريقة الشهيد عبد الحميد في اإلصالح كان لها األث ر‬
‫البالغ في النفوس‪ .‬فقللت من النزاعات بين الناس‪،‬وصاروا يسعون إلى فك خصوماتهم بأنفسهم قبل أن يبل غ خبره ا إلى الش يخ‬
‫عبد الحميد فيحرجهم بمباغتته لهم‪ .‬ومما يتميز به اإلمام الشهيد أيضا أنه كان منفتح ا على الحي اة بجمي ع مواقعه ا وتن وع‬
‫اختصاصاتها وتعدد أعمالها ووظائفها وحرفها ومهنها ‪،‬كان يدرك تماما أن العالم الذي يتصدى للدعوة إلى دين اهلل العظيم ينبغي‬
‫أن يكون ملما بعالقة الدين بالحياة تلكم العالقة الدقيقة جدا والخط يرة ج دا على ال دين والحي اة مع ا‪ ،‬إذا لم يكن ال وعي به ا‬
‫كافيا ‪،‬فكثيرا ما ينسى الداعي الشخص المدعو أمامه وربما ال يعرف شيئا عن أحواله أو عمله أو وظيفته أو حرفته ‪ ،‬فيفتنه من‬
‫حيث يريد إرشاده وتوجيهه أو يضله من حيث يريد له الهداية ‪،‬أو يفسده من حيث يريد له اإلصالح وهكذا يتحول الداعي بس بب‬
‫جهله بعالقة الدين بالحياة‪ ،‬ودور الدين في إصالح المجتمع وتنمية الحياة في كل مواقع العم ل فيه ا نح و األفض ل واألص لح‬
‫واألنجع ‪،‬إلى فتان مضل مفسد دون أن يدري ‪ ،‬من هنا كان وعي اإلمام الشهيد عبد الحميد بالمس ألة ‪ .‬فك ان يتح رك في ك ل‬
‫مواقع الحياة ومع الناس من مواقع المسؤولية والعمل من منطلق أن الخطاب الدعوي ختالف األشخاص وأحوالهم وأعمالهم فكان‬
‫إذا أتى فالحا حدثه علي محاولة تطوير فالحته وتحسين اإلنتاج من خالل االستفادة من تجربة المعم ر في فالحت ه وربم ا ختم‬
‫حديثه معه بالحديث الشريف ‪ " :‬إن اهلل يحب إذا عمل أحدكم عمال أن يتقنه‪".‬‬
‫روي لي أحد المشتغلين بالميكانيكا أن اإلمام الشهيد كان يزوره في ورشته ‪،‬فال يحدثه عن شيء خارج دائ رة عمل ه‪ ،‬ب ل ك ان‬
‫يركز كالمه عن الميكانيكا وعن دورها في الحياة الجديدة‪ ،‬وفي تطوير الفالحة والصناعة وكيف أن كثيرا من الص ناعات في‬
‫أوروبا تطورت على يد ميكانيكيين كانت لهم ورشات مثلنا‪ ،‬وكي ف أن ه ؤالء الميك انيكيين ك انوا يب ذلون الجه ود المض نية‬
‫ويدفعون األموال الطائلة ‪،‬وربما بذل أحدهم كل ما يملك من أجل الوصول إلى اختراعه ‪،‬كذلك ال ذي اخ ترع طالء األواني !‬
‫حيث لم يصل إلى اختراعه إال بعد أن باع كل مقتنياته من أجل الحصول على المواد الضرورية ألجراء تجاربه‪ ،‬وكان آخ ر م ا‬
‫باعه كرسيه الذي يجلس عليه للعمل ‪ .‬و كم كانت فرحته عظيمة عندما تحصل على النتيجة بعد ما دفع آخ ر م ا يمل ك !‪.‬‬
‫هكذا كان الشيخ عبد الحميد يتحرك في أوساط العمال وأصحاب الحرف ‪،‬يرشد ك ل واح د في ميدان ه‪ ،‬ويق ول لهم ‪ :‬تعلم وا‬
‫الحرف والصناعات وعلموها الناس فإنها من أعظم العبادات ‪.‬‬
‫‪-‬اهتمامه بالتاريخ واآلثار‪:‬‬
‫لم تكن اهتمامات اإلمام الشهيد عبد الحميد محدودة ‪،‬أو محصورة في مجال التعليم والفتوى وحس ب‪ .‬ب ل ك انت ل ه اهتمام ات‬
‫تاريخية وفكرية وسياسية ‪ .‬حدثني أكثر من واحد أن اإلمام‪ :‬كان يحدثنا عن تاريخ منطقة قجال ‪ ،‬وكان يوص ي بالمحافظ ة‬
‫على ما يعثر عليه المواطنون من آثار أثناء عمليات حفر الترع أو أسس البيوت ‪.‬وكانت ل ه مراس الت م ع بعض الم ؤرخين في‬
‫الخارج كما اجتهد في جمع العديد من الوثائق ‪،‬ولكن مع األسف الشديد فإن كثيرا من مراسالته والوثائق التي كان يحتفظ بها‬
‫لم نعثر لها على أثر ‪ .‬هل هي عند من أودع عندهم كتبه قبل التحاقه بالثورة ؟ أم هي من الوثائق التي أخذها الم ؤرخ المه دي‬
‫البوعبدلي‬
‫‪-‬اهتمامه بالصحافة كهدف لنشر الوعي‪:‬‬
‫أما عن اهتماماته السياسية فكانت تتجلى في متابعته للصحف والمجالت العربية مثل البصائر واأله رام المص رية ومجل ة ل واء‬
‫اإلسالم ومجلة الدعوى التابعة لإلخوان المسلمين أما الصحف الناطقة بالفرنسية فكان يقرأها ل ه ابن أخي ه الن ذير ال ذي ك ان‬
‫يتقن اللغة الفرنسية ‪.‬أما األخبار اإلذاعية فقد جلب اإلمام مذياعا خاصا ب ه وص رنا نت ابع األخب ار رفقت ه وكم كن ا نس تمتع‬
‫باألغاني واألناشيد الوطنية المنبعثة من صوت الجزائر أو صوت العرب وكان األستاذ يبدي إعجابه الشديد باألناشيد التي تمج د‬
‫الثورة الجزائرية ‪ .‬كان اهتمام اإلمام باألخبار وسيلة لنشر الوعي الوطني في أوساط الشباب الجزائري ومتابعة تطورات الثورة‬
‫في الداخل والخارج ‪ .‬ذكر لي العمري بن غذفة‪ :‬أن اإلمام كان دائم الزيارة له في دكان ه المتواض ع داخ ل الح ارة المقابل ة‬
‫لصيدلية فرحات عباس سابقا حيث كان يشتغل خياطا رفقة الطالب سي ساعد كتفي الملقب بالروج ‪.‬كان اإلمام يت ابع األخب ار‬
‫والبرامج الثقافية ‪ ،‬ويحاول أن يشرح للحاضرين معه ما صعب عليهم فهمه من كلمات وجمل ومصطلحات‪ ،‬وأخبار ‪ ،‬وبهذا يؤدي‬
‫دوره اإلعالمي والتثقيفي في أوساط المواطنين‬
‫‪ -‬موقف اإلمام يوم زيارة الحاكم الفرنسي نيجالن ‪:‬‬
‫كان ذلك في ربيع سنة ‪ 1950‬م حيث أعدت اإلدارة االستعمارية الفرنسية بالتعاون مع أعوانها من القياد والمنتخ بين احتف اال‬
‫ضخما الستقبال الحاكم العام أدمون نيجالن الذي قدم لتدشين مدرسة قجال ‪،‬وقررت اإلدارة أن تكلف الشيخ عبد الحمي د حم اد‬
‫وش بإلقاء كلمة الترحيب التي أعدت من طرف اإلدارة االستعمارية ‪.‬فاقترح عليهم الشيخ عبد الحميد أن يح رر الكلم ة بنفس ه‬
‫فلما رُفض طلبه قال لهم ‪ ":‬ال أرضى لنفسي أن أكون بوقا لغيري ‪ ،‬وال أن يقولني أحد ما ال أريد أن أقوله " وقد ح اول أح د‬
‫المقربين من اإلدارة االستعمارية أن يخوفه فقال له ‪:‬يا عبد الحميد إنك تخاف على نفسك ‪،‬فكان جواب ه ال خ وف إال من اهلل ‪.‬‬
‫وقد أحدث موقف اإلمام هذا ضجة كبيرة‪ ،‬وطالبت بعض األطراف معاقبته ‪،‬وقال الذين ينظرون إلى المسألة من موقع الحض وة‬
‫لدى فرنسا ‪:‬لقد جاءه العز إلى أنفه فرفضه ‪ .‬ولوال عناية اهلل تعالى باإلمام وت دخل أخي ه األك بر الش يخ الص ديق ل دى بعض‬
‫المعارف‪ ،‬لكان مصيره السجن ‪.‬‬
‫‪-‬انخراطه في الثورة ‪:‬‬
‫ظل اإلمام سيدي عبد الحميد بعد ذلك يؤكد قناعته تجاه االستعمار إلى أن قامت الثورة‪.‬ولنترك تلميذه الشيخ القريشي م دني‬
‫يحدثنا عن انخراط اإلمام في الثورة ‪ ،‬وكيف كان عمله في بدايتها " …وكان رحمه اهلل من السباقين باالنضمام إلى ثورة أول‬
‫نوفمبر ‪ 1954‬وأظهر نشاطا مكثفا في توعية المواطنين والتعريف باألهداف التي ترمي إليها الثورة ‪ ،‬وشرع في جمع األس لحة‬
‫من المواطنين وكذا جمع التبرعات لفائدة الثورة ‪ .‬وكان الذي يعينه في جمع األسلحة والذخيرة الحربية الش هيد س ي حم ود‬
‫فني رحمه اهلل ‪ ،‬وأول مدفع رشاش دخل جبل بوطالب كان على يدي اإلمام الش هيد عب د الحمي د ‪ ،‬ك ان ه ذا الرش اش اقتن اه‬
‫المجاهد خليفة فالحي من عهد الحرب العالمية الثانية ‪ ،‬واحتفظ به إلى أن اندلعت الث ورة فب اح ب ه إلى اإلم ام عب د الحمي د ‪،‬‬
‫فكلفني أنا بأخذ هذا الرشاش ‪ ،‬من هذا المواطن ‪ ،‬وس لمته ب دوري إلى المجاه دين وك ان رحم ه اهلل كتوم ا للس ر إلى أبع د‬
‫الحدودوكان يقول ‪ :‬إن الثورة تنجح بالكتمان ال بإفشاءاألسرار…وكان رحمه اهلل لم يخامره أدنى ش ك في نج اح الث ورة وال‬
‫يتردد في عمله الثوري أبدا مهما كلفه ذلك من تضحياتوكان يقول لي ‪ :‬إن الثورة ستنتصر بإذن اهلل وإن الجزائر ستس تقل ال‬
‫محالة ‪ ،‬وال أدري أتطول بي الحياة وأعيش حتى أرى االستقالل أم استشهد وال أرى االستقالل …" أم ا ش هادة أبن أخت ه الش يخ‬
‫إسماعيل زروق الذي كان مودع سره وبريده مع بعض المجاهدين ‪ ،‬فإن اإلمام الشهيد كانت له عالق ات واتص االت م ع قي ادات‬
‫كبيرة في الثورة في بدايتها وكانت تصله مراسالت من القائد العمروي ‪ .‬ويوسف يعالوي وغيرهم ‪.‬‬
‫‪-‬آخر صالة صالها بالناس ‪:‬‬
‫في سنة ‪ 1956‬توسعت الثورة ‪،‬وبدأ يظهر عملها في سطيف وض واحيها ‪،‬وأحس االس تعمار ب ذلك وب دأت محاوالت ه في تعقب‬
‫تحركات المواطنين واستفزاز هم وتخويفهم‪ .‬وكانت أولى تحرشاته بأهل قجال في عيد الفطر لسنة ‪ 1374‬هجري ة المواف ق‬
‫لشهر ماي ‪ 1956‬حيث كانت آخر صالة صالها اإلمام بالناس ‪ ،‬وفي الوقت الذي ك ان المص لون ملتفين ح ول اإلم ام لس ماع‬
‫خطبة العيد فإذا بالعدو يطوقهم بثالث دبابات ومجنزرة وطائرة استكشافية تحلق فوق رؤوسهم ‪ ،‬تنبه اإلمام لذلك فق ال ‪ :‬أيه ا‬
‫الناس ال تتفرقوا علي عادتكم من هنا ‪،‬حتى ال يؤذينا العدو ‪ ،‬بل عودوا إلى المسجد‪ .‬فعاد الناس جميعا إلى المسجد ‪.‬ثم بعد ذلك‬
‫خرجوا عائدين إلى بيوتهم وانتهى األمر بسالم بعد ذلك توقفت الدراسة بالزاوية وغادرها الطلب ة فمنهم من التح ق ب الثورة ‪،‬‬
‫ومنهم من هاجر إلى فرنسا والتحق الشيخ القريشي مدني بالثورة أما نحن الصغار فت ولى تعليمن ا س يدي إس ماعيل زروق أم ا‬
‫األستاذ عبد الحميد فقد وصل عمله السري ‪،‬ولم يكن يطلع أحدا على اتصاالته إال سيدي إسماعيل زروق الذي كان واس طته م ع‬
‫بعض المجاهدين من أمثال الشيخ قدور كسكاس والشهيد أحمد الضحوي رحمهما اهلل ‪.‬‬
‫‪-‬ال للخروج من أرض الجهاد ‪:‬‬
‫واستمر األمر كذلك حتى سنة ‪ ، 1958‬حيث كثف االستعمار مخابراته واستعان بجواسيسه وأعوانه للكشف عن الثوار ‪ .‬ولعله‬
‫ارتاب في أمر اإلمام ‪،‬أو تأكد من دروه في الثورة ولكنه لم يجد ما يبرر له القبض عليه ‪ .‬فحاول أن يجعل ه في خدمت ه فش دد‬
‫عليه الحراسة ‪،‬فكان يأتيه أحيانا ويستدعيه حينا آخر ويهدده مرة أخرى‪ ،‬حتى يلزمه بالتعاون مع اإلدارة االس تعمارية ‪ .‬وف رض‬
‫عليه الحضور اليومي إلى مركز الدرك للتوقيع ‪.‬وهنا يسجل اإلمام موقفا آخر من مواقف اإليمان واالحتساب هلل تعالى؛ روى لي‬
‫ابن أخيه عبد الوهاب أنه بعد رجوعه في يوم من تلك األيام العصيبة من مركز ال درك االس تعماري في رأس الم اء ع رج على‬
‫بيت أخيه سيدي عبد العزيز رحمه اهلل‪ ،‬فاقترح عليه أن يسافر إلى ت ونس حرص ا على نفس ه وحيات ه بم ا تمثل ه من مس تقبل‬
‫المرجعية الدينية للمنطقة والتعليم بالزاوية ‪.‬فكان رد اإلمام ‪":‬أتريدني يا سيدي عبد العزي ز أن أولي األدب ار‪ ،‬وأف ر من أرض‬
‫الجهاد‪،‬فأبوء بغضب اهلل تعالى "!‬
‫‪-‬التحاقه بالجبل ‪:‬‬
‫واشتد األمر عليه ‪ ،‬وتأكد أن قوة العدو ستظل وراءه حتى تنال منه ما تريد أو تقضي عليه فقرر أن يلتحق بالجبل‪ .‬وفي صباح‬
‫ذلك اليوم عاد إلى بيته بقجال‪،‬وكان قد ترك المبيت فيه منذ مدة فال يأتيه إال نهارا ‪ .‬يقول سيدي إس ماعيل ‪:‬في ذل ك الي وم‬
‫طلب مني اإلمام أن أشتري له شفرات حالقة من دكان الطيب بوقزولة الدكان الوحيد بقج ال يومئ ذ‪ ،‬وم ا ك دت أع ود إلي ه‬
‫بشفرات الحالقة‪ ،‬حتى وجدت آليات العدو قد أحاطت بدوار قجال والطريق الم ؤدي إلى مدين ة س طيف وأخرج وا ك ل أف راد‬
‫العائلة ‪ ،‬وس ألوا عن س يدي عب د الحمي د ‪،‬وكن ا ق د علمن ا بمغادرت ه ال بيت نح و ب ير االبيض ‪.‬فقلن ا لهم‪:‬لق د توج ه إلى‬
‫سطيف ‪،‬فتركوا القرية وتوجهوا نحو مدينة سطيف أما سيدي عبد الحميد فقد اختفى عند الشيخ موسى حلتيم ‪.‬فلما غادر ك ل‬
‫عساكر العدو المنطقة أسرع إليه الطيب بوقزولة بسيارته وتوجه به نحو أم الحلي ‪ .‬وكان آخر ما قاله في صباح ذلك الي وم‬
‫البنه محمد الهادي ذي األربع سنوات الذي تعلق بساقه وكأنه يودعه الوداع األخير فقال له ‪ ":‬أبوك الذي تالحقه فرنسا لم يع د‬
‫له بقاء معكم"‪ .‬ومنذ ذلك اليوم لم تقع أعيننا عليه حتى بلغنا خبر استشهاده‬
‫‪-‬يومياته بين الشعاب والجبال والكازمات ‪:‬‬
‫فيما يلي مجموعة أحداث ووقائع وأخبار عن الشهيد سجلتها ذاكرة بعض المجاهدين أثناء مرافق ة اإلم ام أو االلتق اء ب ه بع د‬
‫التحاقه بالجبل ‪ .‬سجلتها من أفواههم ‪،‬وأكتبها منسوبة إلى أصحابها ‪.‬‬
‫‪- 1‬بعد مغادرة بيته بقجال‪ ،‬انطلق صوب أم الحلي ‪ ،‬وفي مشتة الشطاطحه التقى بالمجاهد قويدر درغال‪.،‬فقال له ‪ ":‬ياسي قويدر‬
‫عهد التخفي انتهى " يقول المجاهد قويدر ثم طلب مني أن اشتري له كراسات وأقالما ومحفظ ة‪ .‬وفي نفس الي وم أدى زي ارة‬
‫إلى الشيخ عرا س فني ‪-‬رحمه اهلل – المعروف بمحبته للشيخ عبد الحميد وإخوته والزاوية ‪ ،‬وولعه الشديد بالقرآن وطلبة العلم‬
‫وحرصه على خدمة بيوت العلم بكل ما يملك ‪.‬‬
‫‪ -2‬بعد التحاقه بالجبل عين اإلمام في بداية سنة ‪ 1958‬قاضيا لمنطقة سطيف ‪،‬وفي حفل تنص يبه حض رت وف ود من القي ادات‬
‫العليا للثورة ‪،‬وبعد إلقاء الكلمات المعهودة في مثل هذه المناسبات ‪،‬جاءت كلمة اإلمام معبرة عن وعي كبير بالمرحل ة الدقيق ة‬
‫التي تمر بها الثورة ‪،‬وتصور واضح لما يجب أن تكون عليه القيادات من االلتزام واألداء لتستمر الثورة في خطها التصاعدي نح و‬
‫تحقيق االستقالل الوطني ‪،‬وقد أثرت تلك الكلمة في الحضور حتى تناقلتها األسماع وتحدثت بها األلسن من منطقة إلى أخرى ‪.‬‬
‫وأكد لي الشيخ القريشي مدني هذه الواقعة وأضاف أنه كان من بين الحاضرين امرأة تعمل ممرضة علقت بعد س ماعها كلم ة‬
‫األستاذ قائلة ‪" :‬كيف تتركون هذا الرجل في مثل هذه المناطق الخطرة ؟ إن الث ورة ستخس ر ك ل ش يء إذا لم تحاف ظ على‬
‫رجالها العظام "‬
‫‪ - 3‬أخبرني سي عبد العزيز لنقر أن اإلمام الشيخ عبد الحميد ظل لمدة وإلى يوم استشهاده يتردد على بيتهم بع د انته اء أعمال ه‬
‫الجهادية في الجبال ومناطق الثورة المختلفة ومن المعروف أن هذا البيت هو بيت الشيخ عب د اهلل لنق ر بيت الق رآن والص الح‬
‫وبيت الشهيد سي التونسي رحمه اهلل ومن المؤكد أن اإلمام الشهيد ما اختار اإلقامة في هذا البيت إال لما وج د في ه من العف اف‬
‫والطهر و االحترام والتقدير ‪.‬ومن المناسب في هذا المقام أن أسجل ما حفظه عنه تلميذه المخلص الشيخ عبد القادر ف ني‪ .‬حيث‬
‫كان كلما زار مكانا أو أقام فيه وشعر في ه بالراح ة والهن اء والتق دير يق ول ‪ ":‬إن المك ان ال ذي يعيش في ه الم رء عزي ز‬
‫الجانب‪،‬موفور الكرامة تستطيبه النفس ويهنأ به البال "‬
‫‪ -4‬رغم كل ما كانت تفرضه يوميات الثورة من أعباء ومسؤوليات جهادية‪،‬وما كانت تستدعيه ترصدات العدو بالثورة ورجاله ا‬
‫من احتياطات أمنية وتنقالت تكتيكية‪ ،‬فإن الشيخ عبد الحميد كان يتحين كل فرصة ممكنة ‪،‬لتقديم درس أو موعظ ة أو توجي ه‬
‫في موضوع مناسب لألحوال التي يعيشها الثوار في الجبال والش عاب والكه وف والمخ ابئ وذل ك من أج ل رب ط القل وب باهلل‬
‫تعالى ‪.‬ودفعها إلى تحمل المشاق والصعاب ومدافعة الخوف والقلق ونوازع النفس إلى الدعة والراحة واشتياق القلب إلى الزوجة‬
‫والولد ‪.‬كانت أغلب دروسه ومواعظه حول اإليمان والصبر واالحتس اب هلل تع الى والقض اء والق در وك انت أمثلت ه من جه اد‬
‫الرسول صلي اهلل عليه وآله وسلم وجهاد آل بيته عليهم السالم وجهاد الصحابة المنتجبين رضي اهلل تعالى عنهم ‪ ،‬وجه اد رج ال‬
‫المقاومة الوطنية رحمهم اهلل ‪ .‬كان كلما جلس في مكان واجتمع حوله اثنان أو ثالثة لم يترك لهم فرصة للغ و والكالم ال ذي‬
‫ال يرجى منه نفع فيبادرهم بدرس أو سرد واقعة فيها عبرة أو شرح آية إلخ ‪ .‬ومن أطرف ما يذكر عن اإلمام في هذا الموضوع‬
‫ما يرويه المجاهد الميلود بالقندوز من عين الحجر‪ .‬يقول أنه حضر يوما درسا من دروس اإلمام عبد الحميد‪ ،‬وك ان موض وعه‬
‫القضاء والقدر ‪ .‬وبينما كان اإلمام يلقي درسه ‪.‬يقول سي الميلود بالقندوز تكلمت خارج الدرس فصفعني صفعة دمعت لها عيني‬
‫‪،‬ولم أقل شيئا ‪.‬وبعد انتهاد الدرس ‪،‬ناداني اإلمام وقال لي ‪:‬أتعرف لماذا صفعتك؟ فقلت له ‪:‬نعم ‪.‬فقال لي إن ه ذا ال درس ال ذي‬
‫تأخذه أنت بال مقابل تغربت أنا من أجله السنين وكنت أدفع مقابل تعلمه الثمن الباهظ"‪.‬‬
‫‪-‬استشهاده‪:‬‬
‫كان ذلك في اليوم التاسع من شهر يونيو ‪ . 1959‬جاءت معلومات عن تحركات قوات للع دو الفرنس ي< مؤلف ة من دباب ات‬
‫ومجنزرات تصحبها طائرات نحو المنطقة القربية من جبل قطيان ‪.‬وكان اإلمام رفقة تسعة من الجنود المس لحين اق ترب منهم‬
‫العدو وأخذ يطاردهم وهم يردون عليه حتى قضى على أكثرهم ‪،‬وظل اإلمام يواجه العدو مقبال غير مدبر ‪،‬حتى استشهد وفاضت‬
‫روحه الطاهرة إلى ربها راضية مرضية ‪.‬لقد وفقه اهلل إلى الشهادة كما كان يطلبها دائما ويؤكد لرفقائ ه أن ال يول وا الع دو‬
‫أدبارهم أبدا وعليهم أن يواجهوا العدو بصدورهم حتى الشهادة مصداقا لقوله تعالى ‪":‬يا أيها الذين آمنوا إذا لقيتم الذين كفروا‬
‫زحفا فال تولوهم األدبار ومن يولهم يومئذ دبره إال متحرفا لقتال أو متحيزا إلى فئة فقد باء بغضب من اهلل ومأواه جهنم وبئس‬
‫المصير" ( اآلية األنفال وقد دفن حيث استشهد رفقة الجنود الذين كانوا معه ولم ينج منهم إال المجاهد عصار عمار الذي توفي‬
‫منذ أشهر‪ .‬وما إن بلغ خبر استشهاد الشيخ اإلمام عبد الحميد قيادة القوات الفرنس ية بمرك ز "برقن وس "ب رأس الم اء ‪،‬ح تى‬
‫سارعت إلى نشره بالمنطقة كلها ‪،‬للتعبير عن انتقامها من المجاه دين وإظه ار التش في والش ماتة ‪ ،‬وبث ال رعب والخ وف في‬
‫األوساط الشعبية ‪.‬كان ذلك فعلها كلما تمكنت من أسر أو قتل مجاهد ؛ ومازلت أذكر مساء ذلك اليوم الذي فاجأ في ه قائ د‬
‫قوات العدو الشيخ سيدي محمد الصديق حيث قدم بسيارة جيبت " وبسياقة جنونية دار عدة دورات حول البيت مثيرا فينا ال رعب‬
‫والفزع ثم توقف أمام الشيخ سيدي محمد الصديق ‪.‬و في يده صورة للشهيد ملطخ ة بال دماء ‪.‬ك ان منظره ا مرعب ا للغاي ة !‬
‫وبعنجهية وغطرسة رمى الصورة أمام الشيخ قائال ‪:‬هذا مصير كل الفالق ة ‪،‬لن يفلت من ا أح د‪،‬س نأتي بهم أين م ا ك انوا ‪،‬ثم‬
‫انصرف‪.‬‬

You might also like