Download as pdf or txt
Download as pdf or txt
You are on page 1of 4

‫‪ .

1‬في داللة الفلسفة ونشأتها‪:‬‬

‫"الفلسفة" ‪ Philosophia‬لفظ ُمعرب‪ ،‬وهو في أصله اإلغريقي مركب من كلمتين هما‪:‬‬


‫(‪ ،)Philia‬وتعني‪ :‬محبة‪ ،‬و( ‪ )Sophia‬وتعني‪ :‬حكمة‪ ،‬فيكون الحاصل أن الفلسفة هي‬
‫"محب ة الحكمة"‪ .‬وكلمة "حكمة" ال تدل على الجانب العملي فحسب (السلوك‪،‬حسن‬
‫التدبير‪،‬سداد الحكم‪ ،)...‬بل تشمل الجانب النظري والمعرفي أيضا؛ حيث إن داللة الفلسفة‬
‫التأمل‬
‫ُّ‬ ‫من الناحية االشتقاقية تشير إلى فضول البحث وطلب المعرفة‪ ،‬واإلقبال على‬
‫والتفكير‪ ،‬والسعي المتواصل نحو بلوغ الحكمة‪.‬‬

‫وبالرجوع إلى النصوص اليونانية القديمة ‪ -‬مثل شذرات هيراقليطس ‪ -‬نجد أن استعمال‬
‫لفظ "فيلسوف"(‪ )Philosophos‬سبق ظهور كلمة فلسفة ( ‪ .)Philosophia‬ويرى شيشرون‬
‫وديوجين الالئرتي أن فيثاغورس (‪580‬ق‪.‬م ‪497-‬ق‪.‬م) أول من أعطى للفلسفة معناها‪،‬‬
‫واصفا نفسه بالفيلسوف‪« :‬إن الحكمة ال ت ضاف إلى غير اآللهة‪ ،‬وما أنا إال فيلسوف»‪ .‬لكن‬
‫بعض مؤرخي الفلسفة يذهبون إلى أن سقراط يجسد بحق معنى الفلسفة‪ ،‬من خالل انهمامه‬
‫المتواصل بالسؤال وفحص المعارف‪ ،‬وتقصي الحقيقة دون ادعاء امتالكها‪« :‬الشيء الذي‬
‫أعرف هو أني ال أعرف شيئا»‪.‬‬

‫ويتفق جل الدارسين على أن نشأة الفلسفة كانت في بالد اليونان الكبرى‪ ،‬في القرن‬
‫السادس قبل الميالد‪ ،‬مع الحكماء الطبيعيين الذين عاشوا في منطقة أيونيا‪ ،‬باعتبارها المهد‬
‫تنتقل الفلسفة بعد ذلك إلى جنوب إيطاليا ‪ ،‬ومنهما إلى أثينا‪ ،‬مع‬ ‫ِ‬
‫األول للحياة العقلية‪ ،‬ل َ‬
‫الفيلسوف سقراط‪ ،‬وأفالطون‪ ،‬وأرسطو‪.‬‬

‫ولقد ارتبطت نشأة الفلسفة بمجموعة من الشروط والعوامل التاريخية واالجتماعية‬


‫واالقتصادية والسياسية والثقافية؛ حيث عرفت الحضارة اليونانية تحوالت فكرية عميقة‪ ،‬أدت‬
‫إلى االنفصال عن األسطورة‪ ،‬وميالد العقل الذي ترعرع في َكَن ِ‬
‫ف الديموقراطية وفضاء‬
‫المدينة الدولة‪.‬‬
‫يقول جون بيير فرنان (‪« :)Jean-Pierre Vernant‬إن العقل في اليونان عبر عن‬
‫نفسه وتشكل وتكون على الصعيد السياسي أوال‪ .‬وتمكنت التجربة االجتماعية لدى اليونان‬
‫من أن تصبح غرضا لتفكير وضعي ألنها ارتضت في المدينة‪ ،‬نقاشا عاما بالحجة» أصول‬
‫الفكر اليوناني‪ ،‬ص‪.118- 117‬‬

‫‪ .2‬إشكالية ماهية الفلسفة‪:‬‬

‫يقول كارل ياسبرز‪« :‬ال يوجد اتفاق على ماهية الفلسفة»‪.‬ال يكاد يتفق الفالسفة على‬
‫معنى محدد للفلسفة‪ ،‬ولذل ك فإن سؤال‪ :‬ما هي الفلسفة؟ يعد إشكالية أساسية‪ ،‬جعلت تاريخ‬
‫الفلسفة حافال بالمواقف والتصورات المختلفة لماهية الفلسفة وحقيقتها‪ ،‬وبوسعنا أن نوجز‬
‫بعض هذه التعاريف فيما يأتي‪:‬‬

‫‪ ‬سقراط ‪ :‬الفلسفة بحث في اإلنسان ودراسة لقضاياه األخالقية والسياسية (اعرف نفسك‬
‫بنفسك)‪.‬‬
‫‪ ‬أفالطون ‪ :‬الفلسفة هي العلم باألمور األزلية ومعرفة الحقيقة بصورة مطلقة‪ ،‬من خالل‬
‫إدراك عالم المثل‪.‬‬
‫‪ ‬أرسطو ‪ :‬الفلسفة هي علم الوجود بما هو موجود‪ ،‬وتقوم على البحث عن المبادئ‬
‫وِ‬
‫العلَل األولى لألشياء‪ ،‬ولذلك فهي العلم بالكليات‪.‬‬
‫‪ ‬ابن رشد ‪ :‬الفلسفة هي النظر في الموجودات لداللتها على الصانع‪ ،‬حيث يؤدي التأمل‬
‫العقلي في المخلوقات إلى معرفة الخالق‪.‬‬
‫‪ ‬ديكارت ‪ :‬الفلسفة أم العلوم‪ ،‬وهي بمثابة شجرة جذورها الميتافزيقا‪ ،‬وجذعها العلم‬
‫الطبيعي‪ ،‬واألغص ان المتفرعة عن هذا الجذع هي العلوم األخرى (الطب‪،‬‬
‫الميكانيكا‪،‬األخالق)‪.‬‬
‫‪ ‬جيل دولوز ‪ :‬الفلسفة فن تشكيل وابداع وصنع المفاهيم التي تحمل فكر الفيلسوف‬
‫وتصوراته‪ ،‬ويمكن القول إن الصناعة المفهومية تضفي الطابع الحيوي على األفكار‬
‫الفلسفية‪.‬‬
‫تصور ماهية الفلسفة ‪ -‬إلى التساؤل عن األسباب‬
‫ُّ‬ ‫يدفعنا هذا التنوع واالختالف ‪ -‬في‬
‫الكامنة وراء ذلك‪ ،‬ويمكن إجمالها فيما يأتي‪:‬‬

‫أ‪ .‬كثرة التعاريف‪ ،‬وأن لكل فيلسوف تصوره لماهية الفلسفة‪ :‬يقول برتراند راسل‪« :‬لو‬
‫ُسئِل شخص ما هي الرياضيات؟ فإننا نستطيع أن نعطي تعريفا‪ ،‬فنقول على سبيل‬
‫َ‬
‫المثال‪ :‬إنها علم العدد‪ ،‬أما الفلسفة فيستحيل تعريفها على هذا النحو؛ ألن أي تعريف‬
‫لها يثير الجدل والخالف‪ ،‬وينطوي في ذاته على موقف معين من الفلسفة»‪.‬‬
‫وحصر مجالها ‪ :‬ال يمكن حصر مجال التفكير‬‫ِ‬ ‫ِ‬
‫تحديد موضوع الفلسفة‬ ‫ب‪ .‬صعوبة‬
‫الفلسفي‪ ،‬وال تعرف الفلسفة إال من خالل شموليتها في التفكير‪ .‬يقول أرسطو‪«:‬إننا‬
‫نتصور الفيلسوف مطلعا على المعرفة الشاملة قدر اإلمكان»‪.‬‬
‫ت‪ .‬الصبغة الشخصية لإلنتاج الفلسفي‪ :‬يقول إدموند هوسرل‪« :‬إن الفلسفة هي ‪ -‬على‬
‫نحو ما ‪ -‬عمل شخصي بالنسبة للفيلسوف‪ ،‬فالفلسفة ينبغي أن تنشأ بوصفها حكم َته‬
‫هو‪ ،‬ومعرف َتهُ الخاصة‪ ،‬التي بالرغم من نزوعها إلى ما هو كوني‪ ،‬فإنها يجب أن‬
‫تظل نتيجة لتحصيله الشخصي»‪.‬‬
‫ث‪ .‬صعوبة ضبط المنهج الفلسفي ‪ :‬ال يمكن تقييد النشاط الفلسفي بمنهج محدد‪ ،‬لهذا فإن‬
‫المناهج الفلسفية تتجدد باستمرار ‪ ،‬مثل‪ :‬المنهج التحليلي‪ ،‬والمنهج الفينومينولوجي‪،‬‬
‫والمنهج التأويلي‪ِ ،‬‬
‫وغير ذلك‪.‬‬
‫عزل الفلسفات عن عصرها‪ ،‬حيث تقبل التأثر‬
‫ج‪ .‬الفلسفة تعكس روح عصرها ‪ :‬ال يمكن ُ‬
‫بالظروف الثقافية واالجتماعية والسياسية‪ ،‬وتتفاعل ومستويات التقدم المعرفي‬
‫والعلمي؛ لهذا يمكن القول‪ :‬إن الفلسفة حكمة مؤسَّسة على المعرفة‪ ،‬وتستلهم‬
‫مضمونها من علوم ومعارف عصرها‪.‬‬
‫المصادر والمراجع‪( :‬لالستئناس)‬

‫‪ -‬ثيودور أويزرمان‪ ،‬تطور الفكر الفلسفي‪ ،‬ترجمة‪ :‬سمير كرم‪ ،‬دار الطليعة‪ ،‬ط‪ ،4‬بيروت‪.‬‬

‫‪-‬جان بيار فرنان‪ ،‬أصول الفكر اليوناني‪ ،‬ترجمة‪ :‬سليم حداد‪ ،‬المؤسسة الجامعية للدراسات‬
‫والنشر‪ ،‬ط‪ ،1‬بيروت‪1407،‬ه ‪1987-‬م‪.‬‬
‫‪-‬جيل دولوز وفليكس غاتاري‪ ،‬ماهي الفلسفة‪ ،‬ترجمة ومراجعة وتقديم‪ :‬مطاع صفدي وفريق‬
‫مركز اإلنماء القومي‪ ،‬ط‪ ،1‬بيروت‪.1997،‬‬

‫‪-‬ديوجينيس الالئرتي‪ ،‬حياة مشاهير الفالسفة‪ ،‬ترجمة وتقديم‪ :‬إمام عبد الفتاج إمام‪ ،‬راجعه‬
‫على األصل اليوناني‪ :‬محمد حمدي إبراهيم‪ ،‬المجلس األعلى للثقافة‪ ،‬ط‪ ،1‬القاهرة‪.2007،‬‬

‫‪- Karl Jaspers, Introduction à la philosophie, traduit de l’allemand‬‬


‫‪par : Jeanne Hersch, Librairie Plon, Bibliothèques 10/18.‬‬

You might also like