السياسة الخارجية الأمريكية دراسة تحليلية..

You might also like

Download as pdf or txt
Download as pdf or txt
You are on page 1of 32

‫المجلة السياسية والدولية‬

‫‪371‬‬

‫السياسة الخارجية األمريكية‪ -‬دراسة نظرية تحليلية‬


‫(*)‬
‫م‪.‬د‪.‬سرى‬ ‫م‪.‬د‪.‬مجيد حميد محمد‬
‫(**)\‬
‫هاشم محمد‬

‫المقدمػة‬
‫تعد السياسة الخارجية األمريكية من بين المواضيع األكثر إثارة للجدؿ واالىتماـ في‬
‫العالم المعاصر‪ ،‬ويعود السبب في ذلك إلى العديد من العوامل التي يأتي في مقدمتها‬
‫استمرار الواليات المتحدة كقوة عظمى بعد انهيار االتحاد السوفيتي النػد الموازف‬
‫الوحيد‪ ،‬لنفوذ الواليات المتحدة في النظاـ الدولي ‪.‬‬
‫والسياسة الخارجية ألي دولة تستند إلى اعتبارات توجو عبلقاتها مع الدوؿ األخرى‪،‬‬
‫وبالتالي فإف األداء السلوكي للسياسة الخارجية البد أف يتضمن مجموعة من الوسائل‬
‫واألىداؼ والغايات التي تلعب دوراً حاسماً في تحديد الكيفية التي يتم التعامل بها مع‬
‫األطراؼ الخارجية‪.‬‬
‫وتتميز السياسة الخارجية األمريكية بالنطاؽ الواسع الذي يغطي كامل مكونات‬
‫النظاـ الدولي‪ ،‬وبالطابع البراغماتي‪ ،‬الذي يستند إلى برنامج عمل سياسي خارجي‬
‫يتضمن تحديداً مسبقاً لطبيعة وأسلوب األداء والقرارات واألىداؼ والغايات والوسائل‪،‬‬
‫وتشترؾ في في صنع السياسة الخارجية االمريكية مؤسسات رسمية وغير رسمية وعلى‬
‫رأسها رئيس الواليات المتحدة االمريكية الذي يتمتع بصبلحيات ممنوحة لو بموجب‬
‫الدستور‪.‬‬
‫وتبعا لذلك يسعى الباحثاف لصياغة النموذج العاـ ‪،‬الذي يحدد مبلمح اإلستراتيجية‬
‫األمريكية القومية العليا ويبلقياف صعوبة شديدة في تعيين النسق النظري لئلطار الشامل‬
‫للسلوؾ‪،‬أو تحديد المنظور األوسع للرؤية‪.‬‬

‫(*)المعهد التقني‪/‬كركوؾ‪.‬‬
‫(**)\المعهد التقني‪/‬كركوؾ‪.‬‬
‫المجلة السياسية والدولية‬
‫‪371‬‬

‫اىمية البحث‪-:‬‬
‫تحظى السياسة الخارجية بأىمية كبيرة على المستوى الدولي‪ ،‬وتصاغ السياسة‬
‫الخارجية من قبل اطراؼ رئيسة تشترؾ مع الرئيس االمريكي مستخدمة وسائل متعددة‬
‫لتنفيذ سياساتها والذي بموجبو يتحدد اطار عمل الواليات المتحدة االمريكية مع‬
‫االطراؼ الخارجية‪..‬‬
‫فرضية البحث‪-:‬‬
‫تحتل موضوعة السياسة الخارجية االمريكية بكل ما تنطوي عليها من ابعاد واىداؼ‬
‫ووسائل باىتماـ اكاديمي سياسي يفوؽ السياسات الخارجية للدوؿ االخرى‪ ،‬وىذا يعود‬
‫الى المكانة البارزة التي تحتلها الواليات المتحدة االمريكية في عملية صنع القرار‬
‫الدولي‪ ،‬ويتمتع الرئيس االمريكي بدور مهم في صنع السياسة الخارجية والذي استمده‬
‫من السلطات الممنوحة لو بموجب دستور الواليات المتحدة االمريكية‪.‬‬
‫منهج البحث‪:‬‬
‫للتحقق من فرضية البحث فقد استخدـ الباحثاف المنهج الوصفي التحليلي والمنهج‬
‫الوظيفي فضبل عن المنهج النظمي في الوصوؿ الى نتائج منطقية‪.‬‬
‫ىيكل البحث‬
‫وإزاء ما تقدـ‪ ،‬وتبعاً لمتطلبات الموضوع‪ ،‬تم تقسيم البحث إلى مباحث ثبلث‪،‬‬
‫وىي‪:‬‬
‫المبحث األوؿ‪ :‬ماىية السياسة الخارجية‪.‬‬
‫المبحث الثاني‪ :‬وسائل تنفيذ السياسة الخارجية‪.‬‬
‫المبحث الثالث‪:‬سلطات الرئيس في الدستور ‪.‬‬
‫المبحث االوؿ‪/‬ماىية السياسة الخارجية‬
‫اف دراسة أي موضوع او ظاىرة يستدعي الخوض واالخذ بنظر االعتبار الخلفية‬
‫الفكرية والمعرفية‪،‬وبناء على ذلك ومن اجل تحقيق التأصيل العلمي في ىذه البحث‬
‫ولتحديد االطار المفاىيمي الذي ال يقل اىمية عن الدور التحليلي والتفسيري‪ ،‬فوجدنا‬
‫المجلة السياسية والدولية‬
‫‪371‬‬

‫اف فهم السياسة الخارجية يتطلب أوالً اإلحاطة بمفهومو بصورة تجريدية‪،‬ومن ثم معرفة‬
‫أىم البنى الفكرية التي تستند إليها‪ ،‬والمراحل التي مرت بها كتطور في المفهوـ‬
‫والممارسة العملية لها‪.‬‬
‫المطلب األوؿ ‪/‬مفهوـ السياسة الخارجية‬
‫تعرؼ السياسة الخارجية لدولة ما على إنها مجموعة األىداؼ السياسية التي تحدد‬
‫ك يفية تواصل ىذه الدولة مع الدوؿ األخرى في العالم‪ ،‬وبشكل عاـ تسعى الدوؿ عبر‬
‫سياساتها الخارجية إلى حماية مصالحها الوطنية وأمنها الداخلي وأىدافها الفكرية‬
‫األيديولوجية وازدىارىا االقتصادي‪ ،‬وقد تحقق الدولة ىذا الهدؼ عبر التعاوف السلمي‬
‫مع األمم األخرى أو عبر الحرب والعدواف واالستغبلؿ للشعوب األخرى‪ ،‬وقد شهد‬
‫القرف العشرين ارتفاعاً ملحوظاً في درجة أىمية السياسة الخارجية وأصبحت كل دوؿ‬
‫العالم اليوـ تعتمد التواصل والتفاعل مع أية دولة أخرى بواسطة صيغة دبلوماسية ما‪،‬‬
‫ويتولى تحديد السياسة الخارجية للبلد رئيس ىذا البلد أو رئيس الوزراء(‪.)1‬‬
‫فالسياسة الخارجية ىي إحدى أىم فعاليات الدولة التي تعمل من خبللها لتنفيذ‬
‫أىدافها في المجتمع الدولي‪ ،‬وتعد الدولة ىي الوحدة األساسية في المجتمع‪ ،‬وىي‬
‫المؤىلة لممارسة السياسة الخارجية بما تملكو من مبدأ السيادة واإلمكانيات المادية‬
‫(‪.)2‬‬
‫والعسكرية ‪.‬اال اف الدوؿ ليست وحدىا على المسرح الدولي‬
‫بل ىناؾ الشركات متعددة الجنسيات و المنظمات اإلقليمية كالجامعة العربية‬
‫والمنظمات الدولية كاألمم المتحدة بما تملكو من شخصية اعتبارية لها سياستها‬
‫الخارجية الخاصة التي قد تتفق أو تختلف مع الدوؿ التابعة لها‪ ،‬و قد حاوؿ الكثير من‬
‫المنهجيين في مجاؿ السياسة الخارجية أف يقدموا تعريفاً محدداً للسياسة الخارجية‪،‬‬
‫فالدكتور ببلنودا ولتوف عرفها بأنها "منهج تخطيط للعمل يطوره صانعو القرار في الدولة‬

‫)‪ (1‬حسين شريف‪ ،‬مفهوـ السياسة الخارجية األمريكية‪ ،‬القاىرة‪ ،‬الهيئة المصرية العامة للكتاب‪،1994 ،‬ص‪.33‬‬
‫‪(2)M.Bedjaoui(dir),Droit‬‬ ‫‪international,Bilant‬‬ ‫‪et‬‬ ‫‪prespestives‬‬
‫‪,paris,A.pedone, (UNESCO,1991,21omg.‬‬
‫المجلة السياسية والدولية‬
‫‪371‬‬

‫تجاه الدوؿ أو الوحدات الدولية األخرى بهدؼ تحقيق أىداؼ محددة في إطار‬
‫المصلحة الوطنية(‪.)3‬‬
‫إف السياسة الخارجية كتفاعل سياسي دولي تتأثر وتتعلق بحركة صانع القرار الذي‬
‫يعد الموجو الرئيسي والمتابع المستمر لديمومة نشاطها وحركتها كونها الميداف الفعلي‬
‫لوظيفتو‪ ،‬إال إف اآلراء تضاربت حوؿ مدى وحجم ىذا التأثير فهناؾ رأي يقوؿ إف عملية‬
‫صنع القرار السياسي الخارجي ناتجة عن فعل مؤسساتي وتنظيمي وىيكلي وخاضعة‬
‫بالوقت نفسو إلى معايير المشاركة السياسية لمؤسسات الدولة العليا وجهازىا الحكومي‬
‫والتشريعي ولهذا فأف دور صانع القرار يتقلص إلى الحد األدنى ويصبح بالتالي دوراً‬
‫بسيطا ومحددا‪ ،‬ألف الدولة حسب أصحاب ىذا الرأي ىي منظومة مترابطة ومتكاملة‬
‫من المؤسسات والهيئات واإلدارات‪ ،‬واف صنع القرارات يتم بطريقة المشاركة الفعلية‬
‫للعديد من المنظمات والمؤسسات التشريعية وبالتالي فأف سياسة الدولة الخارجية‬
‫عبارة عن ناتج الحركة المؤسساتية الهيكلية الداخلية للدولة(‪.)44‬‬
‫إما الرأي اآلخر فيمنح صانع القرار الدور األكبر والذي يفوؽ عمل المؤسسات‬
‫والتنظيمات المساىمة في إنتاجها كونو المتحدث الرسمي األوؿ باسم الدولة ‪،‬‬
‫وأصحاب ىذا الرأي يعتبروف إف الدولة تتمثل وتتجسم عبر مؤسسة سياسية محددة‬
‫يرأسها ويقف على ىرمها شخص متمثل بصانع القرار‪ ،‬فعندما نتحدث على سبيل‬
‫المثاؿ عن عبلقات أو لقاءات تتم بين الدوؿ فأننا نتحدث عن اللقاءات التي تتم بين‬
‫صناع القرار لتلك الدوؿ أو من يمثلهم‪ ،‬فهم الذين يترجموف وينقلوف المفهوـ المجرد‬
‫لمصطلح الدولة إلى واقع ملموس‪ ،‬وقد يغالي أصحاب ىذا الرأي ويتطرفوف أكثر‬
‫بحكم دوافع أيديولوجية معينة أو تنشئة ثقافية خاصة فيميلوف إلى االعتقاد أف الدولة‬
‫مرادفة لقيادتها السياسية المتمثلة برئيسها أو ملكها أو رئيس حكومتها أو من يمثلهم‪،‬‬
‫وأف من الصعب التفريق بين الدولة وصناع قرارىا كونهما متمماف بعضهما لآلخر(‪.)5‬‬

‫(‪ ) 3‬نقبل عن‪ :‬د‪ .‬مازف إسماعيل الرمضاني‪ ،‬السياسة الخارجية‪ :‬دراسة نظرية‪ ،‬بغداد‪ ،‬دار الحكمة للطباعة‪.1991 ،‬‬
‫(‪ ) 4‬موريس دوفرجيو‪ ،‬في الدكتاتورية ‪،‬بيروت‪ ،‬دار عويدات‪ ،1992،‬ص‪.22‬‬
‫(‪ ) 5‬ىارولد السكي‪ ،‬اصوؿ السياسػة‪،‬ج‪ ،1‬ترجمػة‪ :‬محمػود فتحػي عمػرو ابػراىيم لطيػف عمػر‪ ،‬دار المعرفػة‪ ،‬القػاىرة‪ ،‬د‪.‬ت‪،‬‬
‫ص‪.48-46‬‬
‫المجلة السياسية والدولية‬
‫‪377‬‬

‫فغالبا ما يضطلع صناع القرار وبغض النظر عن اآلراء المختلفة حوؿ مدى أىميتهم‬
‫ومقدار تدخلهم أو مشاركتهم في رسم خطوط السياسة الخارجية يضطروف في أحياف‬
‫كثيرة إلى عدـ التقيد بصيغة عمل محددة أو االنسياؽ وراء رأي أو مدرسة تحكم‬
‫سلطاتهم إلى حدود ضيقة‪ ،‬فالمتغيرات الدولية واشتداد األزمات في عدة أحياف‬
‫وضرورات األمن القومي للبلد ومقدار التهديدات الخارجية التي تحوـ حوؿ أوطانهم‬
‫تضطرىم إلى ممارسة عملهم بصورة عملية تعود على سياستهم بالمنفعة وكسب‬
‫الجوالت المصيرية وإحداث تأثيرات اجتماعية دافعة ومؤيدة للقرار السياسي المتخذ‬
‫من قبلهم في أية قضية تهم الرأي العاـ أو أزمة دولية تؤثر على كينونتهم السياسية‬
‫واالجتماعية واالقتصادية‪ ،‬كما إف ىناؾ بعض القضايا المهمة والتي تتطلب ردود أفعاؿ‬
‫سريعة وقدراً عالياً من السرية والكتماف لحساسيتها األمنية ال يمكن اتخاذ القرار‬
‫بصددىا عبر إمراره بالمؤسسات والهياكل والمجالس التي تشكل منظومة الدولة‬
‫السياسية حيث يتعرض ىذا القرار إلى التأثير أوال والى فقدانو مبدأ المباغتة والمفاجأة‬
‫وكسب الجولة األولى ثانياً‪ ،‬فضبل عن ذلك إف للتأثيرات النفسية ولنوع الثقافة السائدة‬
‫في المجتمع دورىما في قبوؿ وتأييد وحشد الرأي العاـ لصالح القرارات المتخذة‪،‬‬
‫ولذ لك نراىم أحيانا يلجئوف إلى الظهور بصورة الشخصيات القائدة والحاضرة بشكل‬
‫يومي عبر القنوات اإلعبلمية والصحف اليومية وإصدار الشعارات والخطابات التي‬
‫تناغم مشاعر الجمهور لممارسة التأثير النفسي عليهم ‪ ،‬ويمكن مبلحظة ىذا األمر جلياً‬
‫أثناء حرب الخليج الثالثة واحتبلؿ العراؽ‪ ،‬فالرئيس األمريكي جورج بوش االبن كاف‬
‫بحاجة ماسة إلى كاريزما العالم الثالثية واالستيبلء على ىذا النموذج طيلة مدة واليتيو‬
‫لغرض تمرير مشروعو في الحرب وإنجاحو قدر المستطاع‪ ،‬فإدارة مثل ىذه األزمات‬
‫تتطلب من صانع القرار إف يكوف حضوره قوياً ومؤثراً مع شخصية الدولة بنفس الوقت‬
‫نرى في حاالت أخرى وضمن مجريات السياسة الدولية وطبيعة العبلقات الدولية إف‬
‫رسم السياسة الخارجية وترجمتها إلى واقع ملموس عبر الهيئات السياسية والمؤسسات‬
‫االستشارية والتشريعية والهياكل التنظيمية يؤدي إلى خلق سياسة متوازنة ومؤثرة ويحقق‬
‫قدراً من النمو السياسي واالجتماعي المرتجى سواء على الصعيد الداخلي أو على‬
‫المجلة السياسية والدولية‬
‫‪371‬‬

‫صعيد المجتمع الدولي‪ ،‬وىذا يعني إف للجانب الموضوعي دور مهم في تحديد طريقة‬
‫صنع القرار ونوع القرارات الصادرة (‪.)6‬‬
‫فضبل عن ما تقدـ إف السياسة الخارجية ىي وحدة كلية غير متجزئة ‪ ،‬فاألفعاؿ‬
‫السياسية الخارجية ناتجة عن عملية سياسية داخلية متكاملة تبدأ عند لحظة التفكير‬
‫بقرار سياسي محدد وتنتهي إلى الحالة التي يتم فيها إخراج ىذا القرار وترجمتو إلى‬
‫تصرؼ وسلوؾ ظاىر وبارز وملموس من قبل الدولة ‪ ،‬ىذه األفعاؿ قد تبدو للبعض على‬
‫أنها أفعاؿ متجزئة وبعيدة عن سياسة الدولة العليا ولكن حقيقة االمر إف جميعها ىي‬
‫التي تشكل اإلطار العاـ للسياسة الخارجية وعلى ىذا األساس فهي حركة عملية‬
‫متكاملة مكونة من مجموع تلك األفعاؿ تسعى إلى تحقيق أىداؼ مرتبطة باالستراتيجية‬
‫العليا للدولة ‪ ،‬ومن ىذا المنطلق تكتسب تلك األىمية والخصوصية في مضمار عمل‬
‫الجهاز الحكومي ويجري التركيز عليها في تحسين موقع الدولة في المجتمع الدولي‬
‫وجعلو فاعبلً ومؤثراً وذا مصداقية معلومة لدى اآلخرين(‪.)7‬‬
‫المطلب الثاني‪ :‬أسس السياسة الخارجية األمريكية‪:‬‬
‫ويقصد بو الرؤى الفكرية ومقومات القوة األساسية‪ ،‬إذ استندت السياسة الخارجية‬
‫في إطارىا الفكري إلى رؤى مدارس فكرية خبلؿ مراحل تطورىا‪،‬تمثلت بما يلي‪:‬‬
‫أوال‪ :‬المدرسة المثالية أو الليبرالية‪ :‬دعت ىذه المدرسة إلى تطبيق السياسة الخارجية‬
‫وفق أىداؼ مثالية واسعة النطاؽ والتي من شأنها أف تنفع أكبر عدد ممكن من الشعوب‬
‫والدوؿ‪ ،‬وترتبط ىذه المدرسة عادة بمفهوـ العالمية والفلسفة السياسية الليبرالية‪ ،‬وإلى‬
‫التفكير الذي أتى بو الرئيس االمريكي وودرو ويلسوف الداعي إلى تأسيس عصبة األمم‬
‫عقب الحرب العالمية األولى‪ .‬يميل الليبراليوف إلى تصور النظاـ الدولي على أساس‬
‫الربح للجميع وكأنو لعبة يلعبها الجميع ويربح فيها الجميع‪ ،‬وخاصة عبر الوسائل‬
‫االقتصادية أو عبر المنظمات العالمية والتعاوف بين الدوؿ ‪.‬‬

‫)‪ (6‬عليػ ػ ػ ػػاء احمػ ػ ػ ػػد فرغلػ ػ ػ ػػي‪ ،‬السياسػ ػ ػ ػػة الخارجيػ ػ ػ ػػة االمريكيػ ػ ػ ػػة وقضػ ػ ػ ػػايا حقػ ػ ػ ػػوؽ االنسػ ػ ػ ػػاف‪ ،‬مؤسسػ ػ ػ ػػة صػ ػ ػ ػػوت القلػ ػ ػ ػػم‬
‫العربي‪،‬مصر‪،2212،‬ص‪.52‬‬
‫)‪ (7‬د‪ .‬محمد السيد سليم‪ ،‬تحليل السياسة الخارجية‪ ،‬القاىرة‪ ،‬مكتبة النهضة المصرية‪ ،1998 ،‬ص‪.24‬‬
‫المجلة السياسية والدولية‬
‫‪371‬‬

‫ثانيا‪ :‬المدرسة الواقعية‪ :‬أما المدرسة الواقعية فهي على عكس المثالية ال تؤمن‬
‫بإمكانية إدارة السياسة الخارجية للدولة عبر مبادئ مثالية عالمية بل تتبنى موقفاً يُعنى‬
‫بالمصالح الخاصة للدولة بالدرجة األولى وال يبالي بمصالح الدوؿ األخرى إف اقتضى‬
‫األمر‪.‬‬
‫إف السياسة الخارجية الواقعية ترتبط عادة باستخداـ القوة وال تدين العدواف على‬
‫بعض الشعوب وال تدين حتى الحروب بين بعض الدوؿ‪ ،‬ألف الحروب من وجهة النظر‬
‫الواقعية ىذه قد تكوف طبيعية ال بل مطلوبة لحماية المصالح الخاصة للدولة التي تتبنى‬
‫السياسة الواقعية‪ ،‬إف أنصار ىذه المدرسة يؤمنوف عادة بأف النظاـ الدولي بمثابة لعبة ال‬
‫تحقق أي ربح بل يمكن القوؿ بأف الربح الذي تحققو يعادؿ الصفر‪ ،‬أي أف الربح الذي‬
‫قد تحققو دولة ما يعادؿ الخسارة التي تتكبدىا دولة أخرى‪ ،‬والعامل الحاسم‬
‫المستخدـ في ىذه اللعبة ىي السلطة المطلقة والقوة العسكرية‪ ،‬ويرتبط ىذا المفهوـ‬
‫بالنزعة أو الروح التجارية التي تسمى من وجهة نظر اقتصادية(مذىب التجارية)(‪.)8‬‬
‫يعتقد أنصار الواقعية أنو باإلمكاف توقع الخطوات التي خطاىا الساسة في الماضي‬
‫والحاضر‪ ،‬والتي سيخطونها في المستقبل‪ ،‬وعلى ضوء ذلك بدأ نظاـ العبلقات الدولية‬
‫مع نهاية الحرب العالمية األولى في العشرينيات والثبلثينيات وىي المرحلػػة التي يمكن‬
‫وصفه ػػا بالمرحلة المثالية‪ ،‬وأبرز مثاؿ عليها فكرة ويلسوف الذي رأى أف الصراع يبين‬
‫عد ـ فائدة الحرب ألنها لم تؤد إلى كسب لؤلراضي‪،‬وأف تحليبلت تلك الفترة كانت‬
‫ترى أف من يهاجم أوالً يحقق تفوقاً استراتيجياً حاسماً‪ ،‬وكاف إستراتيجي مرحلة ما قبل‬
‫الحرب يعتقدوف أف من يعلن الحرب والتعبئة أوالً كاف شبو واثق من كسبها نظراً لفعالية‬
‫ذلك األسلوب‪ ،‬ويظن التيار المثالي أف التوترات الكامنة يمكن إزالتها بإقامة‬
‫ديمقراطيات برلمانية ألف الصراعات ىي خيار النخبة واألوتوقراطيين بعد الحرب‬
‫العالمية األولى‪ ،‬واتجو التفكير في مجاؿ العبلقات الدولية إلى إيجاد مادة خاصة بها‬
‫وتطور ىذا التفكير أساساً بين صفوؼ القوى "الراضية" عن نتائج الحرب العالمية‬
‫األولى أي بريطانيا والواليات المتحدة‪ ،‬وإف المثالية التي تتمتع بمضموف معياري قوي‬

‫(‪) 8‬حسين شريف ‪،‬مفهوـ السياسة الخارجية األمريكية‪ ،‬مصدر سبق ذكره‪ ،‬ص‪.34‬‬
‫المجلة السياسية والدولية‬
‫‪311‬‬

‫نجدىا في الفكرة القائلة أف ىذا الصراع يجب أف يكوف الصراع األخير من ىذا النمط‪،‬‬
‫وتقيم تحليلها على الديمقراطية وعلى اإلنساف العقبلني‪ ،‬ألنو ال يريد حرباً يريد لو‬
‫قادتها أف يكوف وقوداً لها‪ ،‬باختصار المثالية تسعى إلى تحقيق رفاىية البشرية‪.‬‬
‫تيار الواقعية الذي برز خبلؿ السنوات ‪ 1952-1942‬كاف يهاجم المثالية‬
‫باعتبارىا يوتوبيا تتمثل بأسبقية الرغبة على الواقع‪ ،‬واألىداؼ على التحليل النقدي‪،‬‬
‫وىكذا فالتاريخ ليس سوى سلسلة من األسباب والنتائج التي ينبغي فهمها‪ ،‬من جانب‬
‫آخر‪ ،‬فالنظرية ال تدؿ على الممارسة بل العكس مثلما أف السياسة ليست تابعة‬
‫لؤلخبلؽ بل العكس ألف السياسة ىي انعكاس المصالح الشخصية‪ ،‬أحد أىم الممثلين‬
‫المؤثرين لهذا التيار ىو ىانز مورغينثاو الذي حاوؿ للمرة األولى‪ ،‬في كتابو وضع نظرية‬
‫علمية للعبلقات الدولية بعيداً عن الطبيعة البشرية‪ ،‬وتتلخص طروحات مورغينثاو بما‬
‫يلي‪:‬‬
‫‪-1‬أف الدوؿ ‪ ،‬األمم ىي الممثل األىم للعبلقات الدولية‪.‬‬
‫‪-2‬يجب التمييز بين السياسة الوطنية والسياسة الخارجية‪.‬‬
‫‪-3‬السياسة العالمية ىي صراع من أجل السلطة وبعدىا من أجل السبلـ‪.‬‬
‫ويرى الواقعيوف أف مسألة األمن تحتل مركز السياسة العالمية‪ ،‬ومن ىنا فإف أعماؿ‬
‫مورغينثاو ماىي إال انعكاس ألفكار عصرىا‪..‬‬
‫ثالثاً‪ :‬التيار السلوكي في سنوات (‪ )1962-1952‬برز واحد من تيارات العلوـ‬
‫االجتماعية الحديثة التي طغت على سطح دراسة العبلقات الدولية‪ ،‬ونعني بو النقد‬
‫السلوكي وىو أساساً‪ ،‬نقد منهجي للعبلقات الدولية‪ ،‬وأحد ممثليو دافيد سينغر الذي‬
‫أدخل فكرة مستويات التحليل أي مختلف أنماط التفسيرات وفقاً للمستوى الذي نضع‬
‫أنفسنا فيو‪ ،‬ويرى سينغر أنو يجب وضع فكرة الحرب والسبلـ تبعاً للمجازات‪ ،‬حيث‬
‫ىناؾ ثبلثة مجازات كبرى أي مستويات التحليل‪ ،‬أوالً‪ :‬مستوى الفرد ثم المستوى‬
‫الوطني وأخيراً مستوى المنظومة العالمية‪ ،‬لكن سرعاف ما ذابت المقاربة السلوكية في‬
‫المقاربات األخرى‪.‬‬
‫المجلة السياسية والدولية‬
‫‪313‬‬

‫رابعاً‪ :‬في السبعينيات تطورت الليبرالية الجديدة التي تشكل معها مفهوماً ما وراء الوطنية‬
‫واالرتباط المشترؾ أو التبعية المتبادلة‪ ،‬اما في الثمانينيات جاءت الليبرالية الجديدة رداً‬
‫على نقد اتجاه ما وراء الوطنية واالرتباط المتبادؿ على يدي أوؿ من يمكن اعتبارىم من‬
‫الواقعيين الجدد‪ ،‬وىو كينيث والتز الذي تحدث في كتابو عن مفهوـ السياسة‬
‫الخارجية(‪.)9‬‬
‫ومرت الرؤى الفكرية في الواليات المتحدة عبر مراحل تطور السياسة الخارجية‪،‬‬
‫فيُمكن القوؿ إف معطيات الواقع الدولي قبل أحداث الحادي عشر من أيلوؿ‬
‫حيث أكسبت طبيعة الصراع‬
‫‪2221‬كانت تقوـ على الرؤية األميركية للعبلقات الدولية‪ُ ،‬‬
‫مع االتحاد السوفيتي السياسة الخارجية األميركية خبلؿ الحرب الباردة بؤرة تركيز‬
‫تتمثل في‬
‫واضحة‪ ،‬فكانت صياغة السياسة الخارجية تجري ضمن أطروحة محورية َّ‬
‫اإلجابة على السؤاؿ‪ :‬كيف يُ ِمكن لقرار ُمعيَّن أف يُؤثِّر على العبلقات مع االتحاد‬
‫السوفيتي؟(‪.)12‬‬
‫وخبلؿ الحرب الباردة وفرت النظرية الواقعية في العبلقات الدولية كما صاغها‬
‫"ىانز مورغينثاو" األسس النظرية للسياسة الخارجية األميركية‪ ،‬دوف أف يعني ذلك القوؿ‬
‫بأنو كانت ثمة سياسة واحدة مشتركة حياؿ االتحاد السوفيتي خبلؿ الحرب الباردة‪ ،‬إذ‬
‫كاف لئلدارات المتعاقبة أولويات مختلفة‪ ،‬لكن الواقعيين في كل إدارة قاموا بدور مهم‬
‫في صياغة السياسات على النحو الذي تُوضِّحو دراسة العديد من الحاالت في مراحل‬
‫حيث يظهر اتساؽ خصائص الواقعية في إطار برامج‬ ‫ُ‬ ‫مختلفة من الحرب الباردة‪،‬‬
‫سياسية مختلفة‪ ،‬بدءاً من فترة جورج كيناف ببرنامجو عن فلسفة االحتواء عبر خطتو‬
‫المعروفة بخطة مارشاؿ‪ ،‬ومبدأ تروماف وما تبلىا من حرب فيتناـ وصوالً إلى الوفاؽ‬
‫وعليو وفّرت الواقعية وتنفيذىا من خبلؿ االحتواء نوعاً من استمرارية السياسة برغم‬
‫تناوب الحزبين الجمهوري والديمقراطي الحكم لمدة أربعين عاماً‪ ،‬كما َّوفرت أيضا قدراً‬

‫(‪ ) 9‬منير العكش‪ ،‬أمريكا واإلبادات الثقافية‪ ،‬بيروت‪ ،‬رياض الريس للكتب والنشر‪ ،2229 ،‬ص‪.57‬‬
‫(‪ ) 12‬ى ػػادي قبيس ػػي‪ ،‬السياس ػػة الخارجي ػػة األمريكي ػػة ب ػػين مدرس ػػتين المح ػػافظين الج ػػدد والواقعي ػػة‪ ،‬بي ػػروت‪ ،‬ال ػػدار العربي ػػة‬
‫للعلوـ‪،‬ط‪،2228 ،1‬ص‪.95-76‬‬
‫المجلة السياسية والدولية‬
‫‪311‬‬

‫من المرونة لمواجهة التغيرات في البيئة الدولية(‪ ،)11‬لكن بعد الحرب الباردة‪ ،‬أورد‬
‫رئيس لجنة العبلقات الدولية في مجلس النواب األميركي في ‪ 7‬آذار‪،2221‬قائبلً‪":‬‬
‫افتقدت الواليات المتحدة إلستراتيجية طويلة األجل‪ ،‬فلم يكن لديها خطة عملية‬
‫حيث أزاؿ سقوط االتحاد السوفيتي المبدأ المحوري الناظم‬
‫ُ‬ ‫لتشكيل المستقبل‪،‬‬
‫للسياسة الخارجية طيلة النصف القرف الماضي" (‪.)12‬‬
‫فبالرغم من القوة األميركية فإف سياسة الواليات المتحدة كانت مجرد رد فعل‬
‫للتيارات الجارية في السياسة العالمية دوف أف تكوف للسياسة الخارجية األميركية وجهة‬
‫محددة ومن ثم غاب المح ّفز الرئيسي للسياسة الخارجية األميركيَّة التي فقدت المنظور‬
‫الشمولي للعبلقات الدولية‪ ،‬ومع ذلك استمرت الرؤية األميركية للعبلقات الدولية تُعبِّر‬
‫حيث تعتبرىا صراعاً وتنافساً على تحقيق المصالح‪ ،‬وسعياً‬ ‫عن نوع من الرؤية الواقعية ُ‬
‫للحصوؿ على القوة والسلطة من أجل تعزيز مكانتها في النظاـ الدولي‪ ،‬ولذلك تّتسم‬
‫العبلقات الدولية بأنها خبلفية وصراعية‪.‬‬
‫وبعد تفكك وانهيار االتحاد السوفيتي في ‪ ،1991‬خلت الساحة للواليات المتحدة‬
‫االمريكية لتكوف حسب التعبير الفرنسي القوة الفائقة (‪ ،(haperpuissance‬أي‬
‫الكياف القادر على نشر قوتو العسكرية في أي مكاف (‪، )13‬فالواليات المتحدة تستند‬
‫إلى ركائز ُمتعِّددة للقوة فهي الدولة األولى في العالم اقتصادياً(‪ ،)14‬فاالقتصاد األميركي‬
‫ىو أكبر اقتصاد في العالم منفرداً‪ ،‬ويُعبِّر عن ذلك بمؤشرات عديدة‪ ،‬أولها حجم‬
‫الدخل القومي‪ ،‬ووفقاً لتقرير البنك الدولي "التنمية في العالم ‪ "2227‬فإف مستوى‬

‫(‪ ) 11‬ىادي القبيسي ‪ ،‬المصدر السابق‪ ،‬ص‪.121‬‬


‫(‪ ) 12‬د‪.‬وائل محمد إسماعيل ‪،‬رقعة الشطرنج الشرؽ أوسطية‪ ،‬بغداد‪ ،‬مطبعة الرواد المزدىرة‪،‬ط‪.2211 ،1‬‬
‫)‪(13‬‬
‫‪Bracken Fire in the East ,the rise of Asian Military power and the‬‬
‫‪second Nuclear Age(New York,Harper,Collins,1999.p50.‬‬
‫(‪)14‬مػػا بػػين ‪ 1992‬وعػػاـ ‪ 2222‬ازداد العجػػز التجػػاري االمريكػػي مػػن (‪ )122‬مليػػار دوالر الػػى (‪ )452‬مليػػار‪ ،‬وفػػي بدايػػة‬
‫القػػرف الواحػػد والعشػرين لػػم تعػػد الواليػػات المتحػػدة االمريكيػػة تسػػتطيع اف تعػػيش علػػى انتاجهػػاف وىػػو فػػي اللحظػػة ذاتهػػا كػػاد‬
‫العػػالم المتجػػو نحػػو االسػػتقرار الثقػػافي والػػديموغرافي والػػديمقراطي‪ ،‬يكتشػػف انػػو قػػادر عػػن التخلػػي عػػن امريكػػا‪ ،‬ادركػػت‬
‫الواليات المتحػدة االمريكيػة انهػا لػم تسػتطع االتخلػي عػن العػالم ‪ ،‬مػا بعػد االمبراطوريػة دراسػة فػي تفكػك النظػاـ االمريكػي‪،‬‬
‫دار السػ ػ ػ ػػاقي‪ ،‬لبنػ ػ ػ ػػاف‪ ،2229 ،‬نقػ ػ ػ ػػبل عن‪:‬عبػ ػ ػ ػػد العلياف‪،‬االسػ ػ ػ ػػبلـ والغػ ػ ػ ػػرب مػ ػ ػ ػػا بعػ ػ ػ ػػد ‪ 11‬سػ ػ ػ ػػبتمبر ‪،2221‬الػ ػ ػ ػػدار‬
‫البيضاء‪،‬المغرب‪،2225،‬ص‪.116‬‬
‫المجلة السياسية والدولية‬
‫‪311‬‬

‫الدخل األميركي لعاـ ‪ ،2225‬وفق تعادؿ القوة الشرائية‪ ،‬بلغ ‪ 1224‬تريليوف‬


‫دوالر(وفي عاـ ‪ 2213‬وصلت إلى أكثر من ‪ 16‬تريليوف دوالر)‪.‬‬
‫َّأما متوسط نصيب الفرد من الدخل القومي‪ ،‬فقدر بنحو ‪ 42‬ألف دوالر أميركي‪.‬‬
‫ولما كاف إجمالي الدخل الكلى على مستوى العالم يبلغ نحو ‪ 6226‬تريليوف دوالر فإف‬
‫االقتصاد األميركي يُولِّد خمس الناتج العالمي على وجو التقريب‪ ،‬كما أف متوسط دخل‬
‫الفرد في الواليات المتحدة يبلغ خمسة أضعاؼ المتوسط العالمي الذي يصل إلى‬
‫‪ 9422‬دوالر‪ ،‬والواليات المتحدة أيضاً ىي أكبر مستثمر عالمي‪ ،‬بحكم كونها مقراً‬
‫لكبرى الشركات عابرة الجنسيات على امتداد العالم‪ ،‬وقد بلغت قيمة 'االستثمارات‬
‫األجنبية الخاصة المباشرة' للواليػات المتَّحػدة ‪ 127‬مليارات دوالر تقريباً ع ػ ػػاـ‬
‫‪ 2224‬بفارؽ ىائل مػع أقرب الدوؿ إليها وىى بريطانيا ‪ 72 ,5‬مليار (‪ ،)15‬وعسكرياً‪،‬‬
‫التحرؾ السريع والفعَّاؿ وتجد القوة‬
‫تُػعَّد القوة األميركية أكثر قوة عسكرية قدرة على ُّ‬
‫العسكرية األميركية تعبيرىا في الميزانية العسكرية لوزارة الدفاع في عاـ ‪2213‬‬
‫(‪ )614‬مليار دوالر ‪،‬وجاء في مشروع الميزانية إف حجم الميزانية العسكرية األساسية‬
‫بلغ ‪ 525‬مليار دوالر‪ ،‬أما العمليات اإلضافية المنفذة في خارج الواليات المتحدة‬
‫(‪،)16‬‬
‫وىذه الميزانية الضخمة ىي التي‬ ‫فيخطط لتمويلها بمبلغ قدره ‪ 88‬مليار دوالر‬
‫أىَّلت الواليات المتحدة لتكوف أكبر ُمصدَّر للسبلح في العالم فخبلؿ التسعينيات من‬
‫القرف تعدَّى اإلنفاؽ الدفاعي األميركي اإلنفاؽ الذي تقوـ بو العشر دوؿ التالية لها في‬
‫القوة معاً‪ ،‬وتدعم ىذه القدرات العسكرية واالقتصادية قدرات تكنولوجية وبشرية‬
‫ِّ‬
‫متقدمة إضافة إلى مؤسسات إعبلمية وسياسية ودعائية واسعة ومؤثِّرة ال تُنافسها فيها أي‬
‫دولة‪ ،‬وتسعى الواليات المتحدة لتوظيف ركائز القوة ىذه انطبلقاً من رؤية السياسة‬
‫األميركية بأف القوة يجب أف تكوف حاضرة إذا أرادت الدولة أف تضمن نجاح سياستها‬
‫الخارجية وتحقيق مصالحها‪ ،‬فبل زالت الواليات المتحدة متمسكة بنظرية القوة‪ ،‬فتسعى‬

‫(‪)15‬تقرير البنك الدولي "التنمية في العالم‪"2212‬األمم المتحدة‪،2213،‬ص‪.188‬‬


‫(‪) 16‬وكالة نوفيستي الروسية لبلنباء ‪.2212/2/14،‬‬
‫المجلة السياسية والدولية‬
‫‪311‬‬

‫إلى تحقيق مصالحها في كثير من المناطق باستخدامها‪ ،‬ومن ىنا كانت القوة الداعمة‬
‫للمصلحة ىي إحدى أىم النقاط التي تحكم اإلستراتيجية األميركية‪.‬‬
‫فحرصت الواليات المتحدة على الوجود العسكري في منطقة آسيا الوسطى‪ ،‬كامتداد‬
‫لسياسة الحصار على روسيا‪ ،‬وكذلك األمر في منطقة الخليج العربي‪ ،‬كما سعت إليجاد‬
‫توازف قوى إقليمي بعد انهيار االتحاد السوفيتي ال يسمح بظهور أي قوى إقليمية في‬
‫المنطقة العربية أو الشرؽ األوسط بشكل عاـ سواء كانت تركيا أو إيراف‪ ،‬أو في منطقة‬
‫(‪)17‬‬
‫آسيا الوسطى والقوقاز ‪ .‬ومن ناحية أخرى فإف انتهاء الحرب الباردة الذي عُ َّد دليبلً‬
‫على مصداقية تغيير النُظُم كمدخل للعبلقات الدولية أثار مناظرات جديدة بين ُمؤيدِّي‬
‫استخداـ الواليات المتَّحدة لقوتها الفريدة لتحقيق أىداؼ أخبلقية من قبيل نشر‬
‫الديمقراطية وحقوؽ اإلنساف‪ ،‬وبين القائلين بااللتزاـ بتحقيق المصلحة القومية فػي ضوء‬
‫الظروؼ المتغِّيرة فػػي فترة ما بعد الحرب الباردة(‪،)18‬‬
‫فسياسػة االمػن القومػي االمريكي تهدؼ الى بناء دوؿ على مفترؽ طرقات من خبلؿ‬
‫نشر االستقرار في المناطق التي تسودىا االخطار (‪.)19‬‬
‫واستمر مفهوـ األمن في الواليات المتحدة قائماَ على اعتبارات التهديد الخارجي‬
‫تمثل حتى نهاية الحرب الباردة في التهديد الشيوعي الذي يفرضو االتحاد‬ ‫الذي َّ‬
‫السوفيتي‪ ،‬ومن ىنا يبدو واضحاً تأثُّر صانعي السياسة الخارجية األميركية قبل الحادي‬
‫عشر من أيلوؿ بمنظِّري المدرسة الواقعية‪ ،‬واعتبار الهدؼ الذي تسعى الدوؿ إليو ىو‬
‫البقاء والحفاظ على القوة‪ ،‬وىذا اعتماداً على واقع مرجعيات الفكر الواقعي‪ ،‬مثل ىوبز‬
‫و مورغينثاو الذي يعتبر أف كل دولة تسعى إلى البقاء‪ ،‬وأف الدولة تعتمد على التحالفات‬
‫من أجل حل معضلة األمن وتحقيق أمنها الداخلي‪ ،‬وبالتالي فإف بقاء الدولة ينحصر‬

‫(‪ )17‬نعوـ تشو مسػكي ‪،‬الدولػة المارقػة ‪ ،‬حكػم القػوة فػي الشػؤوف الدوليػة ‪،‬ترجمػة محمػود علػى عيسػى بيػروت‪ ،‬دار الكتػاب‬
‫العربي و نينوى للدراسات والنشر ‪ ،‬ط‪،2223، 1‬ص‪.48‬‬
‫(‪ ) 18‬كبليػػد برسػػتوفتز‪ ،‬الدولػػة المارقػػة‪ :‬الػػدفع األحػػادي فػػي السياسػػة الخارجيػػة األمريكيػػة‪ ،‬ترجمػػة‪ :‬فاضػػل جتكػػر‪ ،‬بيػػروت‪،‬‬
‫شركة الحوار الثقافي‪،‬ط‪ ،2224 ،1‬ص‪.64‬‬
‫) ‪(19‬‬
‫‪Barnett ,The Pentagons' New Map : War and Peace in the Twenty-‬‬
‫‪First Century ,NEW YORK,puntam,2004.‬‬
‫المجلة السياسية والدولية‬
‫‪311‬‬

‫بفكر الواقعيين في قضية األمن ومواجهة تهديدات المصلحة القومية المرتبطة بها‪،‬‬
‫واستمر ىذا التأثُّر في السنوات األولى بعد انتهاء الحرب الباردة فعلى سبيل المثاؿ‬
‫أعلنت كونداليزا رايس مستشارة األمن القومي أثناء حملة االنتخابات الرئاسية عاـ‬
‫‪ 2222‬من أف القوة األميركية يجب أال تُست َخدـ من أجل األىداؼ الثانوية للنظاـ‬
‫الدولي مثل تعزيز األوضاع اإلنسانية‪ ،‬كما ذكر بوش االبن أف قضية السبلـ والديمقراطية‬
‫سوؼ تنبعاف من مسعى الواليات المتَّحدة المتَّفق عليو وىو تأمين المصالح القومية‪،‬‬
‫وفي تلك الفترة كانت ثمة رؤية بأف الدفاع عن المصالح الحيوية للواليات المتَّحدة‬
‫األميركية يقتضي العمل في أربعة اتجاىات ىي(‪:)22‬‬
‫‪ -1‬منع العدو من إقامة قواعد عسكرية يستطيع منها الهجوـ على الواليات المتحدة‬
‫األميركية ‪.‬‬
‫‪ -2‬الدفاع عن حقوؽ اإلنساف والديمقراطية في العالم‪.‬‬
‫‪ -3‬تطوير التجارة العالمية ‪.‬‬
‫‪ -4‬العمل على إيجاد الظروؼ المبلئمة للغرب في توازف القوى في العالم ‪.‬‬
‫وامتدت ىذه الرؤية للعبلقات الدولية حتى المرحلة األولى من عهد الرئيس بوش قبل‬
‫أحداث الحادي عشر من أيلوؿ‪ ،‬والتي تميَّزت باالنكفاء الحذر عن األزمات الدولية‬
‫الساخنة التي شغلت الجانب األوفر من اىتمامات اإلدارة للديمقراطيين‪ ،‬واعتماد خط‬
‫واقعي مرف في العبلقة بالقوى الدولية النافذة‪ ،‬مع ميل لتعزيز العبلقات مع روسيا‬
‫والحفاظ على العبلقات التقليدية بدوائر التحالف األوروبية واآلسيوية‪.‬‬
‫وعليو دخلت الواليات المتَّحدة في مجموعة من التحالفات من أجل تحقيق مصالح‬
‫وأىداؼ محددة‪ ،‬لكنها ال تُشِّكل قيوداً على حركتها في السياسة الدولية‪ ،‬لذلك ركزت‬
‫الواليات المتَّحدة على بناء التحالفات‪ ،‬وسعت لملء الفراغ الجيوسياسي الناجم عن‬
‫انهيار االتحاد السوفيتي في قلب أوراسيا الممتد من حدود الصين في الشرؽ إلى‬
‫البلقاف ودوؿ أوروبا الشرقية في الغرب‪ ،‬ومن حدود الهند في الجنوب اآلسيوي إلى‬

‫(‪ )22‬جماؿ على زىراف‪ ،‬ديناميكية السياسة الخارجية والدور المصري في ظل التحوالت الجديدة‪ ،‬القػاىرة‪ ،‬مركػز المحروسػة‬
‫للنشر والخدمات الصحفية والمعلومات‪ ،2225 ،‬ص‪.76‬‬
‫المجلة السياسية والدولية‬
‫‪311‬‬

‫الخليج العربي وشماؿ إفريقيا وذلك من خبلؿ االندفاع التدريجي نحو دوؿ آسيا‬
‫الوسطى والدوؿ األخرى التي انفصلت عن االتحاد السوفيتي السابق(‪.)21‬‬
‫وفي مواجهة الصين المنافس األىم للواليات المتحدة حسبما ورد في تصريح‬
‫الرئيس األميركي بوش االبن في حملتو االنتخابية عاـ ‪ ،2222‬قامت اإلدارة األميركية‬
‫ظل‬
‫بدعم الركنين األساسيين إلستراتيجيتها اإلقليمية األمنية التي كانت تتبعها في ِّ‬
‫الحرب الباردة ‪:‬أوالً‪ ،‬عقد التحالفات العسكرية الثنائية؛ وثانياً‪ ،‬استمرار نشر قواتها‬
‫العسكرية‪ ،‬فاستمرت اإلدارة األميركية في نشر قواتها في الياباف وكوريا الجنوبية‪ ،‬توثيق‬
‫حلفاء لها من الدرجة األولى‪ ،‬عقد‬
‫ً‬ ‫تحالفها مع أستراليا وإعبلف ٍ‬
‫كل من تايبلند والفلبين‬
‫اتفاقية تحالف استراتيجي مع سنغافورة وبنفس المنطق تعاملت الواليات المتحدة مع‬
‫األعداء اآلسيويين المحتملين‪.‬‬
‫وبذلك شهدت العبلقات الدولية عدداً من التفاعبلت التي أَّدت الستجابة سلبية‬
‫انعكست في نوع من التحوؿ النسبي للسياسة الخارجية للدوؿ الكبرى مثل روسيا‬
‫والصين واالتحاد األوروبي تجاه الواليات المتَّحدة‪ ،‬باتجاه معارضة السلوؾ االنفرادي‬
‫الذي تنتهجو الواليات المتحدة في العديد من القرارات الدولية‪ ،‬ومن ىنا وجدت‬
‫الواليات المتحدة نفسها في كثير من القضايا في مواجهة العديد من القوى العالمية مثل‬
‫أوروبا والصين وروسيا‪ ،‬وحتى بعض الدوؿ المتوسطة التي رأت أف الواليات المتحدة‬
‫قوى عظمى تمارس سياسة أُحادية على مستوى العالم لتحقيق مصالحها دونما أدنى‬
‫التفات لمصالح الدوؿ األخرى‪ ،‬فلم تعد راغبة في إتباع القيادة األميركية على ما كاف‬
‫عليو الحاؿ قبل نهاية الحرب الباردة‪.‬‬
‫َّأما في الشرؽ األوسط فقد تبلورت مصالح الواليات المتحدة فيو نتيجة مجموعة‬
‫(‪)22‬‬
‫تمثلت في‪:‬‬
‫من العوامل السياسية واالقتصادية واألمنية اإلستراتيجية التي َّ‬

‫(‪ ) 21‬روبرت كيغػاف‪ ،‬الفػردوس والقػوة ‪ ..‬أميركػا وأوروبػا فػي النظػاـ العػالمي الجديػد‪ ،‬لنػدف‪ ،‬أتبلنتيػك بػوكس‪ ،‬ط‪،2223 ،1‬‬
‫ص‪38‬‬
‫(‪ ) 22‬جوف بيبلمي فوستر وروبرت دبليػو ماكشنسػي ‪،‬الفيػروس األميركػي ‪ ..‬فضػح اإلمبراطوريػة األميركيػة‪ ،‬لنػدف‪ ،‬بلوتػو بػرس‪،‬‬
‫‪،2224‬ص‪.33‬‬
‫المجلة السياسية والدولية‬
‫‪317‬‬

‫ُّ‬
‫والتحكم في‬ ‫‪ -1‬حماية منابع النفط وضماف وصولو إلى الواليات المتحدة والغرب‬
‫أسعاره‪.‬‬
‫سمى بػ "اإلرىاب اإلسبلمي"‪.‬‬
‫‪-2‬محاربة ما يُ َّ‬
‫‪ -3‬منع دوؿ المنطقة وخصوصاً المارقة منها ‪ -‬حسب التصنيف األميركي ‪ -‬أو‬
‫الجماعات الراديكالية‪ -‬من امتبلؾ أسلحة الدمار الشامل‪.‬‬
‫‪-4‬تأمين وصوؿ الشركات والبضائع األميركية وخصوصاً شركات إنتاج األسلحة‪.‬‬
‫‪-5‬حماية حلفاء الواليات المتحدة في المنطقة‪ ،‬وضماف أمن "إسرائيل" الحليف‬
‫االستراتيجي وتفوقها في المجاؿ العسكري واالقتصادي والسياسي في المنطقة‪.‬‬
‫أف الحديث عن الرؤى الفكرية ومقومات القوة ‪،‬لحقيقة مفادىا إف تفويض الرؤساء‬
‫لسلطات استثنائية غالبا ما استند إليها‪،‬والمكوف الفكري أحيانا كاف المبرر لتلك‬
‫السلطات كما في حاؿ دور المحافظين الجدد في تفويض الرئيس بوش االبن سلطات‬
‫كبيرة غير محددة في األزمات والحروب‪ ،‬فنشأ وضع اكثر مبلءمة لممارسة الهيمنة‬
‫االمريكية غير المباشرة‪ ،‬واف تلك الهيمنة تشمل بنية مركبة من المؤسسات واالجراءات‬
‫المتداخلة المصممة لخلق االجماع وحجب البلتساوؽ في النفوذ والتأثيرات‪ ،‬فأستندت‬
‫الزعامة االمريكية الى منظومة معقدة من التحالفات واالئتبلفات(‪.)23‬‬
‫فاالستراتيجية العالمية انقسمت الى قسمين‪ :‬استراتيجية ما قبل ‪ 11‬ايلوؿ‬
‫واستراتيجية ما بعد ‪ 11‬ايلوؿ التي اسدلت ىذه االستراتيجية الستار على ما قبل ‪11‬‬
‫ايلوؿ‪ ،‬ولم يعد بإمكاف دولتين او ثبلثة اف تجتمع لتنفيذ عمل معين دوف موافقة‬
‫الواليات المتحدة االمريكية‪ ،‬واصبح العالم كلو محصور في حلقة معينة ضد اىداؼ‬
‫عالمية مشتركة‪.‬‬
‫المبحث الثاني ‪/‬وسائل تنفيذ السياسة الخارجية‬
‫تختلف وسائل تنفيذ السياسة الخارجية من دولة ألخرى تبعاً لقدراتها وطبيعة‬
‫األىداؼ التي تسعى لتحقيقها‪ ،‬فقد استخدمت الواليات المتحدة األمريكية في تنفيذ‬
‫سياستها الخارجية وسائل عدة‪،‬منها السياسية كممارسة الضغط والمناورات السياسية ‪،‬أو‬

‫)‪ )23‬زيغنيو بريجينسكي‪ ،‬رقعة الشطرنج الكبرى‪ ،‬ترجمة‪ :‬امل شرقي‪ ،‬االىلية للنشر والتوزيع‪،‬ط‪،2‬عماف‪،2227 ،‬ص‪. 42‬‬
‫المجلة السياسية والدولية‬
‫‪311‬‬

‫االقتصادية عبر األغراء أو العقوبات والحصار االقتصادي‪،‬أو العسكرية من خبلؿ‬


‫الحروب والتدخل باستخداـ القوة ‪،‬أو اإلعبلمية والنفسية‪..‬الخ‪.‬‬
‫وحقيقة ثمة تبلزـ في توافر الوسائل واستخدامها مع توافر وانسجاـ مقومات القوة‬
‫األمريكية التي سبق اإلشارة إليها‪ ،‬وكمثاؿ للوسائل سنأخذ حدثا بارزا كأحداث ‪11‬‬
‫أيلوؿ ‪،2221‬ألنها شكلت منعطفا على صعيد ذلك‪ ،‬وىي وسائل وإجراءات عدة‬
‫باتجاه الجبهتين الداخلية والخارجية‪ ،‬سبيبلً لمواجهة عدوىا الجديد الذي يهدد األمن‬
‫األمريكي واألمن الدولي على حد سواء‪ ،‬فقد ركزت اإلدارة األمريكية في آف واحد على‬
‫شن حرب واسعة على اإلرىاب في الساحة الدولية والقياـ بسلسلة من اإلجراءات‬
‫الداخلية التي لم يشهد الوضع الداخلي مثيبلً لها‪ ،‬ومن ثم حملت الواليات المتحدة‬
‫نفسها مواجهة ومكافحة اإلرىاب "العدو الجديد" للعالم‪ ،‬مستخدمة بذلك وسائل‬
‫‪)24( - :‬‬
‫وإجراءات عدة‪ ،‬ىي‬
‫أوالً‪ -‬إجراءات األمن الداخلي‪ :‬انطوت ىجمات الحادي عشر من أيلوؿ ‪2221‬على‬
‫العديد من الدالالت بالنسبة لؤلمن الداخلي في الواليات المتحدة‪ ،‬ويتمثل أىمها‪:‬‬
‫‪ -1‬أف الواليات المتحدة لم تعد في مأمن من الهجمات الخارجية وعمليات‬
‫اإلرىاب الضخمة‪.‬‬
‫‪ -2‬العجز عن الكشف المسبق عن العملية في أثناء مرحلة التخطيط واإلعداد‪،‬‬
‫على الرغم من اإلمكانات الضخمة ألجهزة األمن واالستخبارات األمريكية‪.‬‬
‫تحركت إدارة الرئيس "بوش"‪ ،‬بسرعة للوسائل التي قد تمكن الواليات المتحدة‬
‫من تقليص قابليتها على التعرض لهجمات مفاجئة من خبلؿ إنشاء مكتب األمن‬
‫الداخلي‪ :‬بمقتضى أمر رئاسي بتاريخ ‪ 8‬تشرين األوؿ ‪ ،2221‬والمهمة األساسية التي‬
‫أوكلت للمكتب تطوير إستراتيجية شاملة لحماية الواليات المتحدة من أية تهديد أو‬
‫ىجمات إرىابية‪ ،‬وتنسيق النشاطات جميعها المتعلقة بهذه المهمة مع السلطة‬

‫(‪ )24‬فل سكراتوف ‪،‬ما وراء ‪ 11‬سػبتمبر (مختػارات معارضػة)‪ ،‬ترجمػة‪ :‬د ‪.‬إبػراىيم يحيػى الشػهابي ‪،‬بيػروت‪ ،‬الحػوار الثقػافي ‪،‬‬
‫‪ ،2224‬ص‪.18‬‬
‫المجلة السياسية والدولية‬
‫‪311‬‬

‫التنفيذية(‪ ،)25‬فضبلً عن إنشاء مجلس لؤلمن الداخلي ليكوف مسئوال عن إسداء النصح‬
‫للرئيس في قضايا األمن الداخلي كافة‪ ،‬ويعمل أيضاً على تنسيق جهود الوكاالت‬
‫واإلدارات التنفيذية‪ ،‬وتطوير سياسات األمن الداخلي وتنفيذىا‪ ،‬ويتكوف ىذا المجلس‬
‫من الرئيس‪ ،‬ونائبي الرئيس‪ ،‬ووزير الخزانة‪ ،‬ووزير الدفاع‪ ،‬والمدعي العاـ (وزير العدؿ) ‪،‬‬
‫ووزير الصحة والخدمات اإلنسانية‪ ،‬ووزير النقل ‪ ،‬ومدير الوكالة الفدرالية إلدارة‬
‫الطوارئ‪ ،‬ومدير مكتب التحقيقات الفدرالية‪ ،‬فضبلً عن مساعد الرئيس لشؤوف األمن‬
‫الداخلي‪ ،‬وأي مسئوؿ يوجو لو الرئيس الدعوة (‪.)26‬‬
‫وفي ‪ 25‬تشرين الثاني ‪ ،2222‬وقع الرئيس بوش "قانوف األمن الداخلي"‪،‬‬
‫وبمقتضاه انشاء وزارة األمن الداخلي‪ ،‬وأوكلت إلى ىذه الوزارة مهمة تطوير إستراتيجية‬
‫شاملة لحماية الواليات المتحدة من أية تهديدات أو ىجمات إرىابية محتملة ‪.‬‬
‫فضبل عن إعادة ىيكلة وزارة العدؿ ومكتب المباحث الفدرالية‪ ،‬ولعبت وزارة العدؿ‬
‫دوراً مهماً في حملة مكافحة اإلرىاب برئاسة وزير العدؿ "جوف اشكروفت"‪ ،‬حتى أف‬
‫البعض ذكر أف الرئيس األمريكي يكافح اإلرىاب في داخل الواليات المتحدة‬
‫باستخداـ وزارة العدؿ والحرب الخارجية باستخداـ وزارة الدفاع(‪.)27‬‬
‫كما تم إصدار قوانين مكافحة اإلرىاب وامن الطيراف والحاكم العسكري ووافق‬
‫الكونغرس على عدد من القوانين لتأمين الجبهة الداخلية ضد اإلرىاب‪ ،‬أىمها ما عرؼ‬
‫باسم "القانوف الوطني األمريكي" لعاـ ‪ ،2221‬وتقدمت اإلدارة بهذا المشروع بعد‬
‫أحداث الحادي عشر من أيلوؿ بوقت قصير ووافق الكونغرس عليو بشكل سريع‬
‫وبأغلبية كبيرة‪ ،‬ووقع عليو الرئيس‪ ،‬األمريكي في ‪ ،2221/12/26‬ليصبح قانوناً نافذاً‬

‫(‪)25‬‬
‫‪President Bush's Speech on U.S.A Security. Remarks by the president‬‬
‫‪in anAddress to the Nation at the cross hall. http://www.quardian. com.‬‬
‫(‪ )26‬أيػػاف انطػػوني وآخ ػػروف‪ ،‬النظػػاـ األطلسػػي أورب ػػي واألمػػن العػػالمي‪ ،‬ع ػػن كتػػاب‪ :‬التسػػلح ون ػػزع السػػبلح‪ ،‬بيػػروت‪ ،‬مرك ػػز‬
‫دراسات الوحدة العربية‪،2225،‬ص‪.142‬‬
‫(‪) 27‬محمػػد مصػػطفى كامػػل‪ ،‬أحػػداث ‪ 11‬سػػبتمبر واألمػػن القػػومي األمريكػػي‪ :‬مراجعػػة لؤلجهػػزة والسياسػػات ‪ ،‬القػػاىرة‪ ،‬مجلػػة‬
‫السياسة الدولية‪ ،‬العدد ( ‪ ،2221 ،) 147‬ص‪.56‬‬
‫المجلة السياسية والدولية‬
‫‪311‬‬

‫منذ ذلك الحين تضمن ىذا القانوف العديد من المواد التي دعمت سلطات أجهزة‬
‫األمن األمريكية في مواجهة اإلرىاب‪.‬‬
‫وزاد التخصيص المالي لمتطلبات األمن القومي‪ ،‬إذ عكست الميزانية التي وضعها‬
‫الرئيس األمريكي للعاـ ‪ ،2223‬االلتزاـ الكامل على تحقيق امن داخلي اكبر‪ ،‬إذ تم‬
‫تخصيص مبلغ (‪ 3727‬بليوف دوالر) لؤلمن الداخلي بعد أف كاف بحدود (‪ 19.5‬بليوف‬
‫دوالر) عاـ ‪ ،2222‬ويعكس ىذا الرقم حجم األولوية المعطاة لؤلمن الداخلي‪.‬‬
‫ثانياً‪ :‬الوسائل السياسية والقانونية والدبلوماسية‪:‬وفي مقدمتها توظيف األمم المتحدة‬
‫وبشكل خاص لمجلس األمن‪ ،‬إذ استطاعت الواليات المتحدة من خبلؿ سيطرتها على‬
‫مجلس األمن تمرير المشاريع األمريكية‪ ،‬بل ودفع األمم المتحدة ومجلس األمن‬
‫إلصدار قرارات مؤيدة ومساندة للسياسة األمريكية‪ ،‬وىذا ما حصل بعد ىجمات‬
‫الحادي عشر من أيلوؿ‪ ،‬التي شكلت منعطفاً دولياً في تزايد الجهود الدولية لمحاربة‬
‫اإلرىاب ومعاقبة مرتكبيو‪ ،‬فصدر على أثرىا عن مجلس األمن القرارين المرقمين‬
‫‪ 1368‬بتاريخ ‪ 2221/9/12‬والقرار ‪ 1373‬في ‪ ، 2221/9/28‬إلدانة الهجمات‬
‫اإلرىابية‪ ،‬ومنع ووقف تمويل األعماؿ اإلرىابية وتحريمها‪ ،‬وتجميد أمواؿ األشخاص‬
‫الذين يقوموف بنشاطات واعماؿ إرىابية‪ ،‬ومنع تقديم أنواع الدعم جميعها واإلجراءات‬
‫العسكرية ضد التنظيمات اإلرىابية‪.‬‬
‫وبالمقابل عملت الواليات المتحدة على تفعيل خيارات سياسية أخرى‪ ،‬خارج‬
‫نطاؽ المنظمة الدولية منها العمل على إقامة تحالفات دولية واسعة تحت قيادتها‪ ،‬لبناء‬
‫قنوات تفاعل مسيطر عليها مع القوى الدولية الكبرى‪ ،‬والمؤثرة في النظاـ الدولي بقصد‬
‫تكوين "تجمع قوى أو تحالف دولي" لمعاونتها على تنفيذ إستراتيجيتها العالمية‬
‫(‪.)28‬‬
‫للهيمنة‬
‫ثالثاً‪ :‬الوسائل االقتصادية‪:‬ويقصد بها استخداـ الدولة قوتها االقتصادية المتمثلة‬
‫بسيولتها النقدية والمالية‪ ،‬وحجم مشاركتها في التجارة الدولية‪ ،‬من اجل التأثير في‬

‫(‪ )28‬منار الشوربجي‪ ،‬الحريات المدنية في الواليات المتحدة االمريكية بعد الحادي عشر مػن ايلوؿ‪/‬سػبتمبر‪ ،‬بيػروت‪ ،‬مجلػة‬
‫المستقبل العربي‪ ،‬العدد (‪ ،2222 ، )285‬ص‪.12‬‬
‫المجلة السياسية والدولية‬
‫‪313‬‬

‫حركة السياسية الخارجية لدولة أو لدوؿ أخرى‪ ،‬وتعبر الوسيلة االقتصادية عن نفسها من‬
‫خبلؿ المساعدات الخارجية‪ ،‬إذ يتم استخداـ "منح المكافأة أو سحبها‪ ،‬كأساس‬
‫ترغيب أو ترىيب‪ ،‬يهدؼ إلى دفع الدوؿ المتلقية إلى تبني سلوؾ ينسجم مع أىداؼ‬
‫(‪.)29‬‬
‫الدوؿ المانحة للمنح أو المساعدة"‬
‫وتعوؿ الواليات المتحدة على المساعدات الخارجية وتقديمها‪ ،‬كأداة مهمة تحقق‬
‫بعض أىدافها‪ ،‬انطبلقاً من اعتبارين‪.)32(:‬‬
‫األوؿ‪ :‬ويتضمن غناىا وثروتها‪ ،‬بعدىا كقوة اقتصادية كبرى مما يتيح لها تقديم‬
‫مساعدات شتى‪ ،‬وللعديد من الدوؿ دوف أف يؤثر ىذا كثيراً في مستواىا‬
‫االقتصادي ‪.‬‬
‫الثاني‪ :‬يتعلق بادراؾ الواليات المتحدة‪ ،‬لحاجة بعض الدوؿ الماسة للمساعدة‬
‫الخارجية مما يساعدىا على استخدامها‪ ،‬كورقة ضغط على الدوؿ المعنية‪،‬‬
‫لدفعها نحو نهج سياسي معين يتفق ومصالح الواليات المتحدة االمريكية‪.‬‬
‫ويمكن تحديد الوسائل االقتصادية التي لجأت إليها الواليات المتحدة في إستراتيجيتها‬
‫لمكافحة اإلرىاب بما يأتي‪:‬‬
‫‪ -1‬االستمرار في تقدـ المساعدات المالية واالقتصادية لحلفائها الموجودين داخل‬
‫المناطق الحاضنة للبؤر اإلرىابية أو على مشارفها مثل تركيا و"إسرائيل"‪ ،‬لضماف‬
‫استمرار وقوفهم إلى جانبها في مكافحة اإلرىاب‪ ،‬وتنفيذ أية سياسة تطلب منهم بهذا‬
‫الشأف‪.‬‬
‫‪ -2‬زيادة المساعدات المالية واالقتصادية ألصدقائها الموجودين في مناطق اإلرىاب‬
‫أو على مشارفها مثل‪( :‬مصر واألردف وباكستاف وأوزباكستاف) بغية ضماف دخولهم في‬
‫حملتها ضد اإلرىاب‪ ،‬وتقديم أية معلومات قد تساعد على القبض عليهم‪ ،‬إذ قامت‬
‫الواليات المتحدة برفع العقوبات االقتصادية عن باكستاف قبل الحرب على أفغانستاف‬
‫وقروض مالية قدمتها الواليات المتحدة لؤلردف قبل الحرب على العراؽ عاـ ‪،2223‬‬

‫(‪) 29‬د‪ .‬مازف الرمضاني‪ ،‬السياسية الخارجية ػ دراسة نظرية‪ ،‬دار الحكمة‪ ،‬بغداد‪ ،1991 ،‬ص‪.46‬‬
‫(‪ )32‬لستر ثرو‪ ،‬المتناطحوف‪ ،‬ترجمة‪ :‬د‪ .‬محمد فريد‪ ،‬مركز اإلمارات للدراسات والبحوث اإلسػتراتيجية‪ ،‬أبػو ظبػي‪،1996 ،‬‬
‫ص‪.229‬‬
‫المجلة السياسية والدولية‬
‫‪311‬‬

‫واستخدمت كذلك سياسة المعونات الخارجية للدوؿ النامية كأحد الوسائل التي اتبعتها‬
‫في تأمين جانبها في تلك الدوؿ خبلؿ الحرب ضد اإلرىاب (‪. )31‬‬
‫واقترحت اإلدارة األمريكية إنشاء صندوؽ مساعدة جديد يحمل اسم‪" :‬حساب‬
‫تحدي األلفية الجديدة" (‪ )Millennium Challenge Account‬وبمبلغ‬
‫خمسة مليارات دوالر خصوصاً للدوؿ التي تخلو من اإلرىاب وتدعم الديمقراطية في‬
‫ببلدىا‪.‬‬
‫‪ -3‬العقوبات االقتصادية‪ ،‬الواليات المتحدة األمريكية تستخدـ ىذه الوسيلة ضد‬
‫الدوؿ التي ترعى اإلرىاب سواء تم ذلك بشكل انفرادي أي بقرار صادر عن‬
‫الواليات المتحدة‪ ،‬أو بقرار صادر عن إجماع دولي عبر األمم المتحدة‪ ،‬وفي‬
‫تقرير لرابطة الصناعيين األمريكيين‪ ،‬أف مئة دولة تأثرت بالعقوبات االقتصادية‬
‫األمريكية ومنها العراؽ وكوريا الشمالية‪ ،‬وإيراف‪ ،‬وليبيا‪ ،‬وكوبا ويوغسبلفيا(‪.)32‬‬
‫‪ -4‬الوسائل الثقافية والمعلوماتية‪ :‬أصبحت اآلليات الثقافية واإلعبلمية بعد‬
‫أحداث الحادي عشر من أيلوؿ ‪ ،2221‬من أىم آليات تنفيذ السياسة‬
‫الخارجية األمريكية في مكافحة اإلرىاب‪ ،‬إذ كاف لوسائل اإلعبلـ الدور الكبير‬
‫في إبراز صورة العدو الجديد للحضارة الغربية المتمثل بػ"باإلرىاب اإلسبلمي"‬
‫حسب ما تدعي الواليات المتحدة‪ ،‬وأخذت تهيأ األذىاف والعقوؿ والعواطف‬
‫معاً‪ ،‬في عموـ الغرب والعالم على أف المسلمين يكنوف العداء والكراىية‬
‫للحضارة‬
‫الغربية عموماً واألمريكية بشكل خاص‪ ،‬وحاولت الوسائل اإلعبلمية إبراز قوة‬
‫الواليات المتحدة األمريكية‪ ،‬وتفوقها العسكري والمعلوماتي‪ ،‬وقدرتها في القضاء‬
‫على اإلرىاب أينما وجد‪ ،‬فهو األكثر خطورة ليس على امن الواليات المتحدة‬
‫األمريكية فحسب‪ ،‬بل انو يهدد األمن والسلم الدوليين ككل‪.‬‬

‫(‪) 31‬جػػيمس بيكػػر ووارف كريسػػتوفر‪ ،‬اإلرىػػاب وامػػن أمريكػػا‪ :‬ق ػراءة فػػي التشػػخيص والعػػبلج‪ ،‬نق ػبلً عػػن ‪ :‬صػػحيفة الشػػرؽ‬
‫األوسط‪،،‬العدد (‪.2224/12/18 ،) 9517‬‬
‫(‪ )32‬د‪ .‬جماؿ مظلوـ‪ ،‬الحروب االقتصادية نظرة مستقبلية‪ ،‬القاىرة‪ ،‬مجلة السياسػة الدوليػة‪ ،‬العػدد (‪، ) 145‬القػاىرة‪ ،‬مركػز‬
‫األىراـ للدراسات السياسية واإلستراتيجية‪ ،2221 ،‬ص‪.234‬‬
‫المجلة السياسية والدولية‬
‫‪311‬‬

‫ومن خبلؿ ىكذا تأثير دعائي ونفسي‪ ،‬تمكنت اإلدارة األمريكية من قيادة تحالف‬
‫دولي توحي من خبللو للرأي العاـ العالمي‪ ،‬أنها الدولة األكثر حرصاً على أمن وسبلمة‬
‫واستقرار المجتمع الدولي‪ ،‬ففي سياؽ إستراتيجية األمن القومي األمريكي الصادرة عاـ‬
‫‪ ،2222‬تم التركيز على أىمية األساليب الفكرية ( الثقافية) كسبلح أساس في الحرب‬
‫على اإلرىاب‪ ،‬إذ جاء في مقدمة الوثيقة التي تضمنت منطلقات وأىداؼ اإلستراتيجية‬
‫األمريكية أف‪" :‬الواليات المتحدة ىي وحدىا المسئولة عن أمن العالم وحريتو‪ ،‬وىي‬
‫مصدر القيم الوحيد‪ ،‬ولذلك سنعمل على تسيير قيمنا في كل أرجاء العالم من خبلؿ‬
‫عملية تغيير واسعة المدى سياسية واقتصادية واجتماعية"(‪.)33‬‬
‫وتشترؾ وكالة المخابرات األمريكية ‪ CIA‬مع وسائل اإلعبلـ األمريكية‪ ،‬عبر دور‬
‫ك بير في إبراز فكرة "العدو اإلرىابي"‪ ،‬إذ تتم ىذه العملية من خبلؿ التخطيط الدقيق‬
‫ألجهزة المخابرات‪ ،‬والتنفيذ الناجح لبرنامج دعائي يعتمد التضليل وتمرير األوىاـ‬
‫والتبرير لسياسات اإلدارة األمريكية‪ ،‬موظفة في سبيل ذلك الشركات اإلعبلمية‬
‫األمريكية العمبلقة ذات الكفاءات العالية‪ ،‬والكوادر المعدة علمياً للترويج إلى ما يرتكبو‬
‫العدو من فظاعات ال يمكن السكوت عليها حفاظاً على األمن والسلم الدوليين‪.‬‬
‫وكاف لوسائل اإلعبلـ األمريكية الدور القوي في خلق خطاب إعبلمي ودعائي أمريكي‬
‫مؤثر لو صداه في أنحاء العالم كافة للترويج عن توجهات السياسة األمريكية‪ ،‬وخاصةً‬
‫فيما يتعلق بنشر األخبار الغريبة عن العدو‪ ،‬أماـ الرأي العاـ العالمي‪ ،‬من أجل إثارة‬
‫مشاعر السخط‪ ،‬األمر الذي يخلق حماساً "يخوؿ الحكومة األمريكية" اتخاذ قرارات‬
‫تمكنها عبر وسائل ضغطها على ىيئة األمم المتحدة‪ ،‬ومجلس األمن اتخاذ قرارات‬
‫وصفت على أنها قرارات دولية صدرت عن إجماع دولي‪ ،‬كما حصل ضد العراؽ‬
‫والسوداف وأفغانستاف ويوغسبلفيا(‪.)34‬‬
‫‪ -5‬الوسائل العسكرية‪ :‬تأخذ القوة العسكرية موقعاً متميزاً في اإلستراتيجية األمريكية‬
‫العليا‪ ،‬ليس فقط بسبب إدراؾ الواليات المتحدة للتأثير الذي تحدثو ىذه القوة‬

‫(‪ )33‬وثيقة إستراتيجية األمن القومي للواليات المتحدة األمريكية لعاـ ‪ ،2222‬مصدر سبق ذكره‪ ،‬ص‪.6‬‬
‫(‪ )34‬المصدر نفسو‪ ،‬ص ‪.173‬‬
‫المجلة السياسية والدولية‬
‫‪311‬‬

‫فحسب‪ ،‬بل ألنها تمتلك اكبر ترسانة عسكرية في العالم‪ ،‬ووجدت اإلدارة‬
‫األمريكية خاصة بعد أحداث الحادي عشر من أيلوؿ ‪ ، 2221‬أنو البد من إعادة‬
‫نظر صريحة بالمبادئ التي كانت تعمل بموجبها الواليات المتحدة سواءً في‬
‫السياسة الخارجية‪ ،‬أو تنظيم القوات المسلحة وقيادتها وعقيدة استخداـ القوة‬
‫فيها‪ ،‬على وفق فهم محدد وىو‪ ،‬إف المخاطر التي تواجو الواليات المتحدة قد‬
‫تغيرت مصادرىا وطبيعتها‪ ،‬فهي لم تعد موجهة من عدد محدد من الدوؿ بل من‬
‫مجموعات إرىابية دولية ودوؿ تقدـ لها التسهيبلت وتدعهما‪ ،‬كذلك من دوؿ‬
‫تمتلك أسلحة الدمار الشامل‪ ،‬وأخرى تتزود أو مستعدة إلنتاجها‪ ،‬ولكي تتجنب‬
‫الواليات المتحدة ضربة مشابهة لضربة الحادي عشر من أيلوؿ‪ ،‬فإنها سعت إلى‬
‫تبني إستراتيجية وقائية‪ ،‬تعتمد إطبلؽ ضربات وقائية ضد أعدائها المحتملين (‪.)35‬‬
‫واعتمادا على ما سبق الوسائل األمريكية لتنفيذ السياسة الخارجية كانت أكثر تنوعا‬
‫ودىاء مما كانت عليو أياـ الحرب الباردة‪.‬‬
‫المبحث الثالث‪/‬سلطات الرئيس في السياسة الخارجية‬
‫سنسلط الضوء على السلطات الممنوحة للرئيس من جانبين ‪ :‬الجانب األوؿ‬
‫السلطات الممنوحة للرئيس بموجب الدستور والجانب الثاني ‪ :‬السلطات المتاحة لو‬
‫في الواقع العملي‪.‬‬
‫المطلب األوؿ‪/‬السلطات بموجب الدستور‬
‫يعد رئيس الواليات المتحدة األمريكية في قمة ىرـ السلطة التنفيذية ومسئوال عنها‬
‫في إطار النظاـ السياسي ‪ ،‬ونصت المادة الثانية – الفقرة األولى – البند ‪ 1‬من الدستور‬
‫االمريكي ’’ تناط السلطة برئيس الواليات المتحدة االمريكية ويشغل منصبو مدة أربع‬
‫سنوات‪ ،‬ويتم انتخابو مع نائب الرئيس الذي يختار لنفس المدة‪ ‘‘.‬ومن أىم‬
‫(‪)36‬‬
‫االختصاصات التي يتمتع بها الرئيس االمريكي‪ ،‬ىي‪:‬‬

‫(‪)35‬‬
‫عبػ ػ ػػد الحسػ ػ ػػين شػ ػ ػػعباف‪ ،‬عػ ػ ػػالم علػ ػ ػػى الحافػ ػ ػػة‪ ،‬شػ ػ ػػبكة المعلومػ ػ ػػات العالميػ ػ ػػة‪ ،‬متػ ػ ػػاح علػ ػ ػػى الموقػ ػ ػػع االلكترونػ ػ ػػي‪..‬‬
‫‪http://www.alquds.co.uk/ 2002‬‬
‫(‪ ) 36‬عطػا محمػد صػػالح زىػرة‪ ،‬فػي النظريػػة الدبلوماسػية ‪ ،‬دار مجػد الوي للنشػػر والتوزيػع‪ ،‬عمػاف‪ -‬االردف‪ ،‬ط‪ ،1‬االصػػدار‬
‫الثاني ‪ ،2224 ،‬ص ص ‪.231 -228‬‬
‫المجلة السياسية والدولية‬
‫‪311‬‬

‫أوال‪ :‬إنو القائد االعلى للجيش والبحرية االمريكية‪ ،‬ويشرؼ على عملياتها العسكرية ‪،‬‬
‫وىو الذي يقرر ارسالها كما حدث في عاـ ‪ 1952‬إلى كوريا في عهد الرئيس ىاري‬
‫تروماف وفي عاـ ‪ 1962‬إلى كوبا في عهد الرئيس جوف كندي‪ ،‬وعاـ ‪ 1965‬إلى‬
‫فيتناـ في عهد الرئيس ليندوف جونسوف‪ ،‬وعاـ ‪ 1972‬إلى كمبوديا في عهد ريتشارد‬
‫نيكسوف‪ ،‬وعاـ ‪1992‬إلى الخليج في عهد الرئيس بوش األب‪ ،‬وفي عاـ ‪ 2223‬إلى‬
‫العراؽ في عهد الرئيس بوش االبن‪.‬‬
‫ويسير جميع المرافق العامة‪ ،‬ويعين في مختلف الوظائف‪،‬‬
‫ّ‬ ‫ثانيا‪ :‬يرأس اإلدارة الفيدرالية‪،‬‬
‫إضافة إلى حقو في تعيين السكرتيرين وعزلهم ويقترف تعيين أصحاب الوظائف العليا‬
‫كتعيين السفراء وأعضاء المحكمة العليا وغيرىما بموافقة مجلس الشيوخ ‪ ،‬ونفس األمر‬
‫ينسحب على صبلحيتو في عقد المعاىدات الدولية المادة الثانية – الفقرة الثانية –‬
‫البند ‪.2‬‬
‫ثالثا‪ :‬اعتماد السفراء واستقباؿ الوزراء المفوضين‪.‬‬
‫رابعا‪ :‬تفويض موظفي الواليات المتحدة في ممارسة مهاـ وظائفهم‪.‬‬
‫خامسا‪ :‬يمارس الرئيس سلطاتو التنفيذية ‪ ،‬وتنفيذ القوانين بأمانة ‪ ،‬من خبلؿ ما يصدره‬
‫من أوامر أو لوائح تنفيذية زمن السلم ‪ ،‬وما يتمتع بو من اتخاذ إجراءات خاصة زمن‬
‫الحرب (‪. )37‬‬
‫سادسا‪ :‬يرجئ تنفيذ األحكاـ خاصة أحكاـ اإلعداـ والعفو عن الجرائم المرتكبة ضد‬
‫الواليات المتحدة ‪ ،‬عدا حاالت االتهاـ البرلماني‪.‬‬
‫سابعا‪:‬حقو في االعتراض على القوانين االتحادية ‪ ،‬في غضوف عشرة أياـ من‬
‫استبلمهم(‪.)38‬‬
‫وعلى الرغم من تلك السلطات الواسعة التي يتمتع بها الرئيس األمريكي ‪ ،‬فأنو يخضع‬
‫لقيود عديدة تتمثل في أحكاـ الدستور لكونو القانوف األعلى واألسمى في الدولة‪،‬‬
‫والتشريعات التي يصدرىا الكونغرس الخاصة بتحديد كيفية ممارسة الرئيس لسلطاتو‪،‬‬

‫(‪ )37‬داود مراد حسين‪ ،‬سلطات الرئيس األمريكي‪ ،‬األردف‪ ،‬مركز الكتاب األكاديمي‪،2226 ،‬ص‪.44‬‬
‫(‪ )38‬الديمقراطيػػة األمريكيػػة‪ :‬التػػاريخ والمرتك ػزات‪ ،‬مجموعػػة دراسػػات بعنػػواف "أوراؽ ديمقراطيػػة" نش ػرتها وزارة الخارجيػػة‬
‫األمريكية‪ ،‬ترجمة‪ :‬حسن عبد ربو‪ ،‬القاىرة‪ ،‬المجلس األعلى للثقافة‪ ،‬ط‪ ،2225 ،1‬ص‪.17-12‬‬
‫المجلة السياسية والدولية‬
‫‪311‬‬

‫واألحكاـ المستنبطة من المصادر الملزمػة للنظاـ الدستوري األمريكي‪ ،‬مراعاة حقوؽ‬


‫وحريات األفراد المقررة في الدستور‪ ،‬وما جاء التعديبلت العشرة األولى للدستور ‪ ،‬التي‬
‫صارت تعرؼ بوثيقة الحقوؽ التي اقترحها الكونغرس في ‪ 2‬ايلوؿ ‪ ، 1789‬والتي تم‬
‫إقرارىا في‪15‬كانوف األوؿ ‪ 1791‬بعد أف صادقت عليها الهيئات التشريعية في‬
‫مختلف الواليات وفقاً للمادة الخامسة من الدستور‪.)39(.‬‬
‫أما سلطات الرئيس األمريكي في حالة الطوارئ العادية القصوى‪ ،‬فتتلخص بما يلي(‪:)42‬‬
‫‪-1‬في حالة تعرض الواليات المتحدة الى خطر‪ ،‬يقوـ الرئيس بإعبلف حالة الطوارئ ‪،‬‬
‫ويترتب على ذلك توسع كبير في سلطاتو‪ ،‬ليتسنى لو مواجهة تلك األخطار‪.‬‬
‫‪-2‬أما في حالة الطوارئ القصوى‪ ،‬وىي حالة وقوع فعلي لحوادث خطيرة‪ ،‬على نحو‬
‫يؤدي إلى انعداـ قدرة األجهزة المدنية العادية على العمل‪ ،‬ويترتب على ذلك فرض‬
‫الرئيس الحكم العسكري‪ ،‬وما يستتبع ذلك من إحبلؿ اإلدارة والمحاكم والقوانين‬
‫العسكرية محل اإلدارة والمحاكم والقوانين المدنية في المناطق التي شملتها تلك‬
‫الحوادث الخطيرة‪.‬‬
‫وبما إف سبب إعبلف حالة الطوارئ في الواليات المتحدة ىو الحفاظ على كياف‬
‫الدولة ودفع ما يهدد سبلمتها وأمنها ‪ ،‬فلقد جرت التشريعات التي يصدرىا الكونغرس‬
‫لتنظيم حاالت الطوارئ على إسناد سلطة إعبلنها إلى الرئيس ‪ ،‬بهدؼ تحقيق السرعة‬
‫في المواجهة وتجاوز االختبلؼ في الرأي وتأكيد الثقة في حسن تقدير الرئيس ‪ ،‬كما‬
‫استقر القضاء األمريكي أيضا على االعتراؼ بسلطة الرئيس وحده في إعبلف حالة‬
‫الطوارئ‪.‬‬
‫وىكذا توضح لدينا قوة ودور السلطة التنفيذية التي يقودىا الرئيس األمريكي من‬
‫خبلؿ كونو رئيس الدولة والحكومة ‪ ،‬واف حكومتو غير مسئولة أماـ الكونغرس وإنما‬
‫أمامو ‪ ،‬وىو بدوره غير مسئوؿ أماـ الكونغرس إال فّي حالة الخيانة العظمى ‪.‬ومما يزىد‬
‫من قوة سلطتو ىو انتخابو من قبل الشعب واختصاصاتو الواسعة النطاؽ ‪ ،‬وقيادتو‬

‫(‪ )39‬تشارلز جونز‪ ،‬مقدمة قصيرة عن الرئاسة األمريكية‪ ،‬ترجمة‪ :‬محمد أحمد السيد حرفوش‪ ،‬القػاىرة‪ ،‬دار الشػروؽ‪،‬ط‪،1‬‬
‫‪ ،2212‬ص‪.33-12‬‬
‫(‪ )42‬داود مراد حسين‪ ،‬مصدر سبق ذكره‪ ،‬ص‪.45‬‬
‫المجلة السياسية والدولية‬
‫‪317‬‬

‫للجيوش األمريكية ‪ ،‬وصياغتو للسياسة الخارجية‪ ،‬وامتبلكو لحق النقض لمشاريع‬


‫القوانين االتحادية‪.‬‬
‫المطلب الثاني‪/‬السلطات في الواقع العملي‬
‫يعتقد الكثير من الباحثين بأف رئيس الواليات المتحدة األمريكية وفقا لطبيعة النظاـ‬
‫الرئاسي الليبرالي األمريكي مطلق السلطات في تحديد مسارات السياستين الداخلية‬
‫والخارجية لببلده وبشكل يفوؽ سلطات الملكيات المطلقة خبلؿ العصور الوسطى‪،‬‬
‫ولكن الواقع يثبت باف منظومة الهياكل السياسية المهيمنة على عصب الحياة‬
‫االقتصادية في النظاـ الرأسمالي تلعب دورا رئيسا في تحديد دور الرئيس في السياستين‬
‫الداخلية والخارجية‪ ،‬وسوؼ نركز ىنا على السياسة الخارجية بشكل خاص ألنها محور‬
‫اىتماـ البحث‪.‬‬
‫من الصحيح القوؿ بأف الرئيس يتمتع حسب الدستور األمريكي الصادر‬
‫عاـ‪ ،1787‬بسلطات كبيرة‪ ،‬فهو يختار (‪ )15‬وزيراً ويمتلك حق الفيتو على قرارات‬
‫الكونغرس‪ ،‬ويعين قضاة المحكمة العليا‪ ،‬ويمكن القوؿ إف الرئيس يجمع بين ممارسة‬
‫وظيفتي رئاسة الدولة ورئاسة الوزراء في الببلد‪ ،‬وظهر الدستور األمريكي بهذه الصورة‬
‫نتيجة لمكانة الرئيس األوؿ جورج واشنطن(‪ )1797_1789‬الذي كاف يتمتع بمكانة‬
‫كبيرة تبوأىا في مرحلة ما بعد االستقبلؿ جعلتو يمتلك سلطات تشبو سلطات ملوؾ‬
‫إمبراطوريات القرف الثامن عشر‪ ،‬ومن الطبيعي إف تلك الصبلحيات ال تبلءـ اليوـ طبيعة‬
‫القرف الحادي والعشرين‪ ،‬ولكن من الناحية القانونية والشكلية من الصعب توضيح عدـ‬
‫منطقية التطبيق المعاصر للدستور في الواليات المتحدة ‪.‬‬
‫إذا كاف رئيس الواليات المتحدة لو مكانة "اإلمبراطور من غير توارث" وسلطة‬
‫شخصية واسعة فإف ذلك يؤدي إلى إلغاء أىمية االنتخابات الرئاسية ويلغي دورىا في‬
‫الحياة السياسية للواليات المتحدة(‪ ،)41‬وبهذا ال يمكن االفتراض بأف كل األشخاص‬
‫الذين يشغلوف ىذه الوظيفة أف تكوف لديهم مواقف متشابهة للمشاكل الكبيرة المتعددة‬

‫(‪ )41‬للمزي ػػد ح ػػوؿ الموض ػػوع راج ػػع‪ ،‬وائ ػػل محم ػػد إس ػػماعيل‪ ،‬النظ ػػاـ السياس ػػي األمريك ػػي دراس ػػة للعبلق ػػة ب ػػين الػ ػرئيس‬
‫والكونغرس في الشؤوف الخارجية‪ ،‬أطروحة دكتوراه غير منشػورة فػي العلػوـ السياسػية‪ ،‬كليػة العلػوـ السياسػية –جامعػة بغػداد‪،‬‬
‫تموز‪.1994‬‬
‫المجلة السياسية والدولية‬
‫‪311‬‬

‫التي واجهت الواليات المتحدة خبلؿ العقود الزمنية الماضية‪ ،‬وىذا يعني من المفترض‬
‫أف لكل رئيس وجهة نظر خاصة بو‪ ،‬ولكن ىذا األمر لم يحصل في الواليات المتحدة‬
‫األمريكية ‪ .‬والدليل على ذلك أف السياسة الخارجية للواليات المتحدة شبو ثابتة‪،‬‬
‫وتتغير بشكل بطيء وتدريجي‪،‬اي أف ىناؾ جهات مستورة تحرؾ الرؤساء اثنا أداء‬
‫أدوارىم الرئاسية‪.‬‬
‫وبناء على ما تقدـ يتبين بوضوح أف من يحتل الموقع األوؿ في البيت األبيض‬ ‫َ‬
‫صحيح انو يمتلك السلطات الدستورية في إصدار القرارات ولكنو من الناحية العملية ال‬
‫يسهم في عملية صنع القرار‪ ،‬وذلك أف صنع الرئيس نفسو تجري من خلف الكواليس ‪.‬‬
‫ويستمد دور الرئيس‪ ،‬وكذلك الرئاسة أو السلطة التنفيذية‪ ،‬أىميتو من نظرة الدستور‬
‫إلي الرئيس وسلطاتو‪ ،‬وكذلك من خبرات المنصب التي تتراكم بمرور السنين‪،‬‬
‫وكاستجابة للمتغيرات الدولية والمحلية في الواليات المتحدة نفسها‪.‬‬
‫فالرئيس األميركي دستوريا ىو القائد األعلى للقوات المسلحة األميركية بكافة‬
‫فروعها‪ ،‬من ىنا كانت صفتو بأنو "جنراؿ مدني يخضع لو جنراالت عسكريوف في السلم‬
‫(‪)42‬‬
‫والحرب"‬
‫ومن الناحي ة العملية‪ ،‬فإف الرئيس كمنصب تتنوع التصورات حوؿ دوره وأىميتو‪ ،‬فهو‬
‫‪ -‬وكما وصفو لويس براونلو في كتاب "دين اتػيشسوف" عن سنواتو في وزارة الخارجية‬
‫الصادر ‪" 1969‬قائػد ديمقراطي ‪،‬فهو ال يقرر األشياء وفقا لرغباتو"‪ ،‬وفى وجهة نظر‬
‫الرئيس األسبق تيودور روزفلت‪ " ،‬الرئيس ممثل للشعب‪ ،‬يعمل بنشاط وإصرار بكل ما‬
‫يستطيع للشعب وال يجنح إلى السلبية في عدـ استخدامو قدراتو ومواىبو في خدمة‬
‫منصبو"‪ " ،‬وفى عبلقتو بالكونغرس‪ ،‬فإف الرؤساء "رؤساء لكل الشعب"‪ ،‬وباعتباره‬
‫شاغل وظيفة الرئاسة‪ ،‬فإف الرئيس "ىو الذي يحدد كيفية ممارسة السلطة‪ ،‬وكيفية‬
‫استخداـ نفوذه‪ ،‬واختيار قضاياه ومساعديو لتحقيق أىدافو الشخصية"‪ ،‬وأخيراً‪ ،‬فإنو‬
‫وباستثناء جورج واشنطوف‪ ،‬فإف كل الرؤساء يجب عليهم أف يعيشوا في ظل ما قاـ بو‬

‫(‪ )42‬د‪ .‬ودودة عبد الرحمن بدراف "نظرة شاملة على السياسة الخارجيػة األمريكيػة"‪ ،‬القػاىرة‪ :‬الػدار الدوليػة للنشػر‬
‫والتوزيع‪ ،1991 ،‬ص‪.219-218‬‬
‫المجلة السياسية والدولية‬
‫‪311‬‬

‫الرئيس السابق‪ ،‬وفى الوقت نفسو يجب عليهم أف يتركوا بصمتهم على وظيفة‬
‫الرئيس"‪ ،‬فكلهم عليهم أف يتعايشوا مع الجهاز الذي تعامل مع الرئيس السابق‪ ،‬ومع‬
‫نفس التقاليد التي يجب أف يساىموا فيها بطريقة أو بأخرى‪ ،‬خاصة وأف "السلطة‬
‫والمسئولية التي يخولها الدستور للرئيس ربما كانت أكبر مما يتمتع بو أي رئيس ينتخب‬
‫باألسلوب الديمقراطي في دولة حديثة‬
‫ويضاؼ إلى ما سبق من تصورات حوؿ مكانة ودور الرئيس‪ ،‬حقيقة أف األمريكيين قد‬
‫اعتادوا النظر إلى رئيسهم بأنو الرمز الذي يلتفوف حولو ويوجهوف أبصارىم وأفئدتهم إليو‬
‫بصفة خاصة وقت األزمات والملمات‪ ،‬كما أنو ومن الناحية العملية يستند إلى وجود‬
‫العديد من األجهزة والوكاالت المتخصصة (مثل وكالة االستخبارات المركزية‬
‫والمخابرات الفيدرالية) إلى جواره لتعينو على أداء مهامو بشكل مقنع وصحيح‪ ،‬وىكذا‪،‬‬
‫فالرئيس يعد المسئوؿ األوؿ عن السياسة الخارجية‪ ،‬وبالتالي فإنو وبهذه الصفة قد‬
‫يصبح طرفا أصيبل سواء للتعاوف أو المواجهة في مقابل جماعات المصالح الساعية إلى‬
‫تح قيق مصالحها التي تقع في نطاؽ اختصاص السياسة الخارجية‪ ،‬وفى كل األحواؿ فإف‬
‫الرئيس يقوـ بإدارة السياسة الخارجية يساعده في ذلك وزير الخارجية‪ ،‬وبدوف تدخل‬
‫كثير من الكونغرس إال عند الضرورة‪.‬‬
‫اف توسع سلطات الرئيس االمريكي في المجاؿ الخارجي بعيدا عن الحد الدستوري‬
‫ال يعني اف الرئيس االمريكي لو السلطة المطلقة في اتخاذ القرار في السلطة الخارجية‪،‬‬
‫ذلك اف النظاـ السياسي االمريكي عبارة عن تركيبة متداخلة من المؤسسات الرسمية‬
‫وغير الرسمية التي تؤثر بصورة مباشرة او غير مباشرة في صنع القرار طبقا للمصالح‬
‫التي تدافع عنها‪ ،‬فالى جانب القيد الدستوري ال يمكن تجاىل القيد المؤسساتي الذي‬
‫يميز النظم الديمقراطية خاصة‪ ،‬وبهذا الصدد يذكر ماكس سكيدمور"حتى عندما ال‬
‫يكوف ىناؾ حد دستوري او قانوني يكوف تصرفو‪-‬الرئيس‪ -‬محدودا بمدى تقبل‬
‫االشخاص االخرين ذوي السلطاف عليو‪ ،‬فزعماء الكونغرس ومستشاروا الرئيس انفسهم‪،‬‬
‫ورؤوساء الجهاز التنفيذي والبيروقراطية ذاتها وزعماء الدوؿ االخرى ومصالح‬
‫المجلة السياسية والدولية‬
‫‪111‬‬

‫المجموعات الضاغطة بل الجمهور العاـ‪ ،‬كل اولئك قد يمكنهم من احباط‬


‫(‪.)43‬‬
‫الرئيس"‬
‫وحوؿ العبلقة بين الرئيس االمريكي والمؤسسات االخرة في صنع السياسة الخارجيػة‬
‫يمكن توضيحها كاالتي ‪-:‬‬
‫‪ -1‬الرئيس والكونغرس‪ -:‬يتمتع الرئيس بنفوذ وقوة اكبر مقارنة بػالكونغرس‪ ،‬ذلػك‬
‫اف الرئيس ىو الطرؼ الوحيػد فػي النظػاـ االمريكػي والػذي يجػري انتخابػو مػن‬
‫طرؼ الشعب كلو‪ ،‬لكن بالمقابل يتمتع الكونغرس االمريكػي بحمايػة دسػتورية‬
‫لصبلحياتو والتي تعيق بطريقة او بأخرى حرية الرئيس في اتخاذ القرار(‪.)44‬‬
‫لذا فأف الكونغرس االمريكي لو قدرة كبيرة على التأثير في الشؤوف الخارجية تعػد االكبػر‬
‫مقارنة بدور السلطة التشريعية في الدوؿ االخرى (‪.)45‬‬
‫واف اىم وسائل تأثير الكونغرس على صػبلحيات الػرئيس اضػافة لصػبلحياتو التشػريعية‬
‫تكم ػػن ف ػػي ‪-:‬أ‪ -‬اف س ػػلطات وص ػػبلحيات الك ػػونغرس ف ػػي الش ػػؤوف الخارجي ػػة محمي ػػة‬
‫بموجب الدستور‪.‬‬
‫ب‪ -‬صػػبلحيات التصػػديق المخولػػة دسػػتوريا لمجلػػس الشػػيوخ سػػواء علػػى المعاىػػدات‬
‫الدولية‪ ،‬تعيين السفراء وبتالي االعتراؼ بالدوؿ‪،‬ارساؿ القوات العسكرية للخارج‪.‬‬
‫ج‪ -‬يعد التصديق والموافقة على الميزانية اىم وسيلة ضغط قد يمارسها الكونغرس على‬
‫الرئيس خاصة اذا ما تعلق االمر بتمويل الحمبلت العسكرية بالخارج‪.‬‬
‫فيمكن للكونغرس االمريكي كواضع للميزانية اف يجبر الرئيس على سحب القوات‬
‫االمريكيػة اذا مػػا رفػػض تمويلها‪،‬كمثػػاؿ علػػى ذلػك القػػانوف الػػذي اصػػدره الكػػونغرس عػػاـ‬

‫(‪ )43‬المصدر نفسو‪،‬ص‪.19‬‬


‫(‪ )44‬ماكس سكيدمور ‪،‬مارشاؿ كػارتر وانكػن كيػف تحكػم امريكػا‪ ،‬ترجمػة‪ :‬نظمػي لوقػا‪،‬ط‪،2‬الػدار الدوليػة للنشػر والتوزيػع‪،‬‬
‫القاىرة ‪ ، 1988،‬ص‪. 139‬‬
‫‪)54(The united state of America,the constitution of the united state of America,‬‬
‫‪Philadelphia: national constitution center (NDP) http://constitution center‬‬
‫‪.org/files/constitution.pdf.‬‬
‫المجلة السياسية والدولية‬
‫‪113‬‬

‫‪ 1993‬والذي يمنع تمويل القوات االمريكية في الصػوماؿ بعػد‪ 31‬مػارس ‪، 1994‬اال‬


‫اذا تقدـ الرئيس بطلب يتم الموافقة عليو(‪. )46‬‬
‫‪ -2‬الرئيس وجماعات المصالح‪ :‬تعػد جماعػات المصػالح مػن ابػرز االطػراؼ المػؤثرة‬
‫في صناعة القرار االمريكي داخليا او خارجيػا(‪،)47‬حيػث تسػتمد ىػذه الجماعػات‬
‫قوتهػػا م ػػن ث ػػبلث مص ػػادر حػ ػددىا م ػػاكس س ػػكيدمور ف ػػي "الق ػػوة المالي ػػة والق ػػوة‬
‫العددية وقوة المعرفة" (‪.)48‬‬
‫ولجماعات المصالح دور في صناعة القرار الخارجي والتأثير على الرئيس تتمثل بما‬
‫يأتي‪-:‬‬
‫أ‪ -‬الطريقػػة المباشػػرة‪ -:‬ونقصػػد بهػػا طريقػػة تػػأثير ىػػذه الجماعػػات علػػى الػػرئيس مباشػػرة‬
‫باعتباره متخذ القرار في الشأف الخارجي فيسػمح قػانوف تمويػل الحمػبلت الفيدراليػة‬
‫لسنة ‪ 1947‬المرشػح لمنصػب الرئاسػة باالسػتفادة مػن امػواؿ ذات مصػادر مختلفػة‬
‫عن طريق لجاف العمل السياسي خبلؿ المرحلتين التمهيدية والنهاية لبلنتخابات ‪.‬‬
‫ب‪ -‬الطريقػػة غيػػر المباشػػرة‪ -:‬وذلػػك عػػن طريػػق التػػأثير علػػى اعضػػاء الكػػونغرس سػػواء‬
‫خبلؿ االنتخابات او بعدىا (‪.)49‬‬
‫ويعد تأثير جماعات المصالح على الكونغرس اكبر من تأثيره على أي مؤسسة رسػمية‬
‫اخرى سواء عن طريق تمويػل الحمػبلت االنتخابيػة او عػن طػرؽ ايجػاد ممثلػين عنهػا فػي‬
‫الكونغرس(‪.)52‬‬
‫ولكػػن علػػى الػػرغم مػػن الػػدور الكبيػػر الػػذي تلعبػػو بػػاقي المؤسسػػات الرسػػمية وغيػػر‬
‫الرسػػمية فػػي صػػنع القػػرار فػػي الواليػػات المتحػػدة االمريكيػػة‪ ،‬اال اف ىنػػاؾ مػػن يضػػع نمػػط‬
‫شخصػػية الػػرئيس كمحػػدد اساسػػي لهػػذا الػػدور‪ ،‬ويػػذكر بهػػذا الصػػدد "تتمحػػور المتغيػرات‬

‫‪)54(Richard F.Grimmelt.,Foreign Policy Roles of the President and Congress: :‬‬


‫‪fpc.state gov/fps/6172.htm.‬‬
‫(‪ )47‬منػار الشػػوربجي‪ ،‬المػػداخل الرئيسػية لتحليػػل اليػػات عمػػل النظػاـ االمريكػػي فػػي ‪:‬اكػراـ لمعػي‪ ،‬رضػػا شػػحاتو واخػػروف ‪،‬‬
‫االمبراطورية االمريكية‪،‬ج‪ ،3‬مكتبة الشروؽ الدولية‪ ،‬القاىرة‪،2222 ،‬ص‪. 187‬‬
‫(‪ )48‬المصدر نفسو ‪ ،‬ص‪.187‬‬
‫)‪ )49‬منار الشوربجي‪،‬المداخل الرئيسية لتحليل اليات عمل النظاـ االمريكي‪،‬المصدر السابق‪،‬ص‪225‬‬
‫)‪ )52‬اسيا الميهي‪ ،‬الراي العاـ في السياسة الخارجية االمريكية‪،‬مجلة السياسة الدولية‪ ،‬العدد ‪ ،1997 ، 127‬ص ‪.89‬‬
‫المجلة السياسية والدولية‬
‫‪111‬‬

‫المستقلة والحاسمة حوؿ نمػط شخصػية الػرئيس والعبلقػات التنفيذيػة مػع مؤسسػة صػنع‬
‫السياس ػػات ونظ ػػرة ك ػػل رئ ػػيس للع ػػالم‪ ،‬اف ى ػػذه العوام ػػل تح ػػدد أي م ػػن المص ػػالح ي ػػتم‬
‫استيعابها"(‪.)51‬‬
‫وخبلصة القوؿ‪ ،‬فاف سلطات الرئيس االمريكي في السياسة الخارجية محددة‬
‫دستوريا بطريقة تجعل الرئيس محور عملية السياسة الخارجية لكنها في نفس الوقت‬
‫محددة دستوريا برقابة الكونغرس واشتراط موافقتو على العديد من اإلجراءات الخارجية‪.‬‬
‫وتلعب شخصية الرئيس دورا ىاما في تحديد دور بقية المؤسسات في صنع السياسة‬
‫الخارجية‪ ،‬فنظرا لما يتمتع بو الرئيس من سلطات قانونية ودستورية تساعد شخصية‬
‫الرئيس وادراكاتو واىتماماتو بالسياسة الخارجية على اكتسابو سلطات اوسع في ىذا‬
‫المجاؿ عن طريق االستفادة من الثغرات القانونية او غموض الدستور في ما يتعلق‬
‫بالسلطة التنفيذية‪ ،‬او عن طريق استخداـ اسلوب االقناع لباقي االطراؼ‪.‬‬
‫الخاتم ػػة‬
‫نخلص مما تقدـ إلى أف الرئاسة األمريكية ىي إحدى المؤسسات التي ابتدعها‬
‫العقل األمريكي لتحقيق معاني الحكومة الديمقراطية‪،‬وستظل محور ارتكاز بنية النظاـ‬
‫السياسي والدستوري للواليات المتحدة على مر العصور‪.‬‬
‫والمبادئ التي كفلها الدستور األمريكي قد ركزت في الممارسة العملية سلطات‬
‫أضافية للرئيس‪ ،‬استثمرىا الرؤساء وكأنها حقوؽ دستورية مكتسبة‪.‬‬
‫ونتيجة تعدد وتوافر وسائل القوة األمريكية‪،‬فأف الوسائل األمريكية لتنفيذ السياسة‬
‫الخارجية كانت أكثر تنوعا ودىاء مما كانت عليو أياـ الحرب الباردة‪،‬مما انعكس على‬
‫مرونة زيادة سلطات الرؤساء األمريكاف باستمرار خبلؿ اإلدارات األمريكية المتعاقبة‪.‬‬
‫وإف سلطات الرئيس في الظروؼ االستثنائية ليست سلطات محددة لو‬
‫فقط‪،‬يستخدمها بانفراد أو بمعزؿ عن باقي السلطات والسيما السلطة التنفيذية التي‬
‫يترأسها‪،‬والسلطة التشريعية المراقبة لسلطاتو‪،‬وإنما قد تكوف ذات عبلقة بالسياسة‬

‫(‪ )51‬فػػواز جػػرجس‪ ،‬السياسػػة الخارجيػػة االمريكيػػة تجػػاه العػػرب كيػػف تصػػنع؟ ومػػن يصػػنعها؟‪،‬ط‪،2‬مركػػز دراسػػات الوحػػدة‬
‫العربية‪،‬بيروت‪،2222،‬ص‪. 37‬‬
‫المجلة السياسية والدولية‬
‫‪111‬‬

‫الخارجية عموما أوال وأخيرا‪،‬واف تلك العملية مع مركزية وأولوية سلطة الرئيس فإنها‬
‫التتم من خبللو فقط وإنما من خبلؿ المؤسسات كافة التي تشترؾ معو في صياغة‬
‫السياسية الخارجية‪.‬‬
‫كما إف تفويض الرؤساء لسلطات استثنائية غالبا ما استند إليها‪،‬والمكوف الفكري‬
‫أحيانا كاف المبرر لتلك السلطات كما في حاؿ دور المحافظين الجدد في تفويض‬
‫الرئيس بوش االبن سلطات كبيرة غير محددة في األزمات والحروب‪.‬‬
‫فضبل عن ذلك يستمد دور الرئيس ‪ ،‬أىميتو من نظرة الدستور إلي الرئيس‬
‫وصبلحياتو‪ ،‬وكذلك من خبرات المنصب التي تتراكم بمرور السنين‪ ،‬وكاستجابة‬
‫للمتغيرات الدولية والمحلية في الواليات المتحدة نفسها‪.‬‬
‫المستخلػػص‬
‫تحظى السياسة الخارجية االمريكية بأىتماـ دولي مقارنة بمثيبلتها‪ ،‬وتستخدـ‬
‫الواليات المتحدة االمريكية مجموعة من الوسائل في تنفيذ سياستها الخارجية ‪ ،‬فتمارس‬
‫سياستها عبر قنوات رسمية وغير رسمية‪ ،‬وفي ضوء ىذه العملية يحتل الرئيس االمريكي‬
‫مكانة مهمة في عملية صنع القرار في السياسة الخارجية من خبلؿ الصبلحيات‬
‫الممنوحة لو بموجب الدستور‪،‬فحدود الحريات الممنوحة للمؤسسات المساىمة في‬
‫صنع السياسة الخارجية تتحدد بالمجاؿ الذي يسمح لو بها الرئيس االمريكي اف تتحرؾ‬
‫في نطاقو وانطبلقا من نمط شخصيتو وإدراكو للواقع والصبلحيات الممنوحة لو في ظل‬
‫الظروؼ العادية واالستثنائية‪.‬‬
‫المجلة السياسية والدولية‬
111

Abstract
Receive US foreign policy, international attention
compared to other, United States used a variety of means
in the implementation of foreign policy, used policy
through formal and informal channels, and in the light of
this process, US President occupies an important place in
the decision-making in foreign policy process through the
powers granted to him under the Constitution, the limits
freedoms granted to institutions to contribute to the
making of foreign policy is determined by domain which
allows him by US President that is moving in its scope
and the basis of the pattern of his personality and
perception of reality and the powers granted to him under
normal and exceptional circumstances.

You might also like