Download as docx, pdf, or txt
Download as docx, pdf, or txt
You are on page 1of 16

‫بعض النظائر الفقهية في باب العبادات‬

‫أوال‪ :‬نظائر سقوط الواجب مع النسيان‬

‫‪-1‬حكم من ترك غسل النجاسة ناسيا‪&:‬‬

‫اتفقت املذاهب األربع ة على بطالن ص الة من ص لى بنجاس ة غ ري يس رية متعم دا‪ ،‬غ ري ع اجز عن‬
‫إزالتها‪ ،‬وعليه اإلعادة أبدا‪.‬‬

‫واختلفوا فيمن صلى متلبسا بنجاسة نسيها‪ ،‬فلم يذكرها حىت قضى صالته‪ ،‬على ثالثة أقوال‪:‬‬

‫القول األول‪ :‬أن صالته باطلة وعليه اإلعادة أبدا؛ وبه قال احلنفية والشافعية واحلنابلة يف وجه‪ ،‬وهو‬
‫الصحيح عندهم؛ واستدلوا بأن الطهارة من اخلبث واجبة وشرط يف صحة الصالة‪ ،‬فال تسقط باجلهل‬
‫والنسيان كالوضوء‪.‬‬

‫القول الثاني‪ :‬أن صالته صحيحة وال إعادة عليه‪ ،‬وبه قال احلنابلة يف وجه صححه أكثر املتأخرين‪.‬‬

‫القول الثالث‪ :‬أن صالته صحيحة ويندب له إعادهتا يف الوقت‪ ،‬وهو مشهور مذهب املالكية‪ ،‬لقوله‬
‫علي ه الص الة والس الم‪« :‬إن اهلل وض ع عن أم يت اخلط أ والنس يان وم ا اس تكرهوا علي ه »؛ واس تدلوا‬
‫لقوهلم باستحباب اإلعادة يف الوقت بالقياس على من أدى الصالة وحده‪ ،‬مث أدرك اجلماعة يؤدوهنا يف‬
‫ال وقت‪ ،‬فإن ه ين دب ل ه إعادهتا معهم باإلمجاع إذا ك انت ظه را أو عش اء‪ ،‬ويف غريمها اختالف؛ ول و‬
‫أدركهم يؤدوهنا بعد الوقت‪.‬مل يأمره أحد بالدخول معهم‪ ،‬فكان دليال على أن استدراك فضل السنة‬
‫يف مثل هذا إمنا ينبغي أن يكون يف الوقت ال بعده‪.‬‬

‫‪-2‬حكم من ترك النضح ناسيا&‬

‫اختلف املالكية يف حكم نضح الثوب الذي شك يف إصابة النجاسة له على ثالثة أقوال‪ ،‬واملشهور‬
‫يف املذهب أن النض ح واجب‪ ،‬وه و طه ارة املش كوك في ه‪ ،‬ختفيف ا من الش رع ‪ ،‬وي رتتب علي ه أن من‬
‫تركه وصلى فإنه يعيد الصالة‪ ،‬كما يعيدها من ترك غسل النجاسة احملققة‪ ،‬فإن كان عامدا أو جاهال‬
‫أعاد أبدا‪ ،‬وإن كان ناسيا أو عاجزا أعاد يف الوقت ‪.‬واستدلوا حبديث أنس بن مالك‪ :‬أن‬

‫‪1‬‬
‫جدت ه مليك ة دعت رس ول اهلل ‪ ‬لطع ام ص نعته ل ه‪ ،‬فأك ل من ه مث ق ال‪« :‬قوم وا فألص ل‬
‫لكم»‪ ،‬ق ال أنس‪ :‬فقمت إىل حص ري لن ا ق د اس ود من ط ول م ا لبس‪ ،‬فنض حته مباء فق ام‬
‫رس ول اهلل ‪ ،‬وص ففت والي تيم وراءه‪ ،‬والعج وز من ورائن ا‪ ،‬فص لى لن ا رس ول اهلل‬
‫‪‬ركعتني مث انصرف‪.‬‬
‫واحتلم عم ر يف س فر فجع ل يغس ل م ا رأى من ذل ك االحتالم ح ىت أس فر‪ ،‬وس أله‬
‫عمرو بن العاص عن ذلك‪ ،‬فقال‪ « :‬أغسل ما رأيت وأنضح ما مل أر‪».‬‬
‫وذهب اجلمهور من احلنفية والشافعية واحلنابلة‪ ،‬وأيدهم يف ذلك القاضي عبد الوهاب واللخمي‬
‫من املالكي ة إىل أن ه ال جيب غس ل الث وب بالش ك يف إص ابته النجاس ة‪ ،‬عمال بقاع دة اليقني ال ي زول‬
‫بالشك؛ والنضح عندهم مستحب ألنه ال يزيل النجاسة‪ ،‬وإمنا شرع نضح السراويل لدفع الوسواس‬
‫وتطيب النفس‪.‬‬

‫‪-3‬حكم من ترك المواالة في الوضوء ناسيا‪.‬‬

‫املشهور يف مذهب املالكية أن من ترك املواالة عامدا خمتار أعاد الوضوء والصالة‪ ،‬ومن تركها‬
‫لعج ز أو نس يان ب ىن‪ ،‬قال ه ابن القاس م‪ ،‬ألن املواالة واجب ة م ع الق درة وال ذكر‪ ،‬س اقطة م ع العج ز‬
‫والنسيان‪ ،‬وهو قول الشافعي يف القدمي‪.‬‬

‫وقال احلطاب‪« :‬فتحصل من هذا أن املعتمد يف املذهب أن من فرق الطهارة عامدا أعاد الوضوء‬
‫والصالة أبدا ‪ ،‬ومن فرقها ناسيا أو عاجزا بىن»‪.‬‬

‫واستدل املالكية مبا يلي‪:‬‬

‫ِ ِ‬ ‫َّ ِ‬
‫ين َآمنُوا ِإ َذا قُ ْمتُ ْم ِإىَل الصَّاَل ة فَا ْغسلُوا ُو ُج َ‬
‫وه ُك ْم‪( ‬سورة املائدة‪ :‬اآلية‬ ‫أ‪-‬قوله تعاىل‪ :‬يَا َأيُّ َها الذ َ‬
‫‪ ،)06‬ووجه الداللة من ثالثة وجوه‪:‬‬

‫*أن األمر اجملرد عن القرائن حيمل على الفور‪.‬‬

‫*قوله(إذا قمتم) شرط لغوي‪ ،‬والشروط اللغوية أسباب‪ ،‬واألصل ترتيب مجلة املسبب على‬
‫السبب من غري تأخري‪.‬‬

‫‪2‬‬
‫*قوله (فاغسلوا) الفاء للتعقيب ‪ ،‬فيجب تعقيب اجملموع ‪.‬‬

‫ب‪-‬من القياس‪ :‬قالوا‪ :‬أهنا عبادة ذات أركان تتقدم الصالة‪ ،‬فلم جيز تفريقها كاآلذان‪.‬‬

‫واستدلوا على سقوط املواالة بالنسيان مبا يلي‪:‬‬

‫ِ‬ ‫ِ‬
‫أ‪-‬قوله تعاىل‪َ  :‬ربَّنَا اَل ُتَؤ اخ ْذنَا ِإ ْن نَسينَا َْأو ْ‬
‫َأخطَْأنَا ‪ (‬سورة البقرة‪ :‬اآلية ‪)286‬‬

‫ب‪-‬قول رسول اهلل ‪« :‬إن اهلل قد جتاوز عن أميت اخلطأ والنسيان‪ ،‬وما استكرهوا عليه»‪.‬‬
‫وق الت احلنفي ة والش افعية يف الص حيح عن دهم أن املواالة س نة‪ ،‬والنس يان ع ذر يف أص ح ال وجهني‬
‫عندهم‪ .‬وقالت احلنابلة يف رواية عنهم وهي املذهب عندهم أن املواالة فرض مطلقا فمن تركها أعاد‬
‫الوضوء‪.‬‬

‫‪-4‬سقوط الترتيب في المنسيات‪.‬‬

‫يرى احلنفية واحلنابلة يف رواية هي املذهب عندهم وجوب الرتتيب يف قضاء الصلوات الفائتة‪ ،‬وأن‬
‫النس يان ع ذر مس قط للوج وب‪ ،‬وه و املش هور عن د املالكي ة؛ إذ ال رتتيب يف قض اء الص لوات الفائت ة‬
‫عندهم واجب مع الذكر ساقط بالنسيان يف اخلمس فدوهنن‪ ،‬وليس بشرط يف صحة الصالة‪ ،‬فلو ترك‬
‫الرتتيب ذاكرا أو ناسيا فال جتب اإلعادة عليه؛ إذ بالفراغ منها خرج وقتها‪.‬‬

‫واستدلوا على وجوب الرتتيب بعدة أدلة منها‪:‬‬

‫أ‪-‬حديث أنس بن مالك عن النيب ‪ ‬أنه قال ‪« :‬من نسي صالة فليصلها إذا ذكرها ال كفارة هلا‬
‫إال ذلك قال تعاىل‪َ  :‬وَأقِ ِم الصَّاَل ةَ لِ ِذ ْك ِري‪( ‬سورة طه‪ :‬اآلية ‪ ،»14‬وجه الداللة من هذه احلديث‬
‫أن النيب ‪‬جعل وقت الفائتة وقت التذكر‪ ،‬فتقدم على احلاضرة ولو فات وقت أدائها؛ إذ الوقت ال‬
‫يتسع لغريها فوجب تأخريها وهو املطلوب‪.‬‬

‫ب‪ -‬عن جابر بن عبد اهلل أن عمر بن اخلطاب ‪‬جاء يوم اخلندق بعد ما غربت الشمس فجعل‬
‫يسب كفار قريش قال‪ :‬يا رسول اهلل ما كدت أصلي العصر حىت كادت الشمس تغرب‪ ،‬قال النيب‬
‫‪« : ‬واهلل ما صليتها»‪ ،‬فقمنا إىل بطحان فتوضأ للصالة وتوضأنا هلا‪ ،‬فصلى العصر بعد ما غربت‬

‫‪3‬‬
‫الشمس مث صلى بعدها املغرب‪ ،‬ووجه الداللة منه‪ :‬أن النيب ‪ ‬قدم العصر على املغرب‪ ،‬فدل على‬
‫وجوب ترتيب الفوائت‪.‬‬
‫ج‪ -‬روى نافع عن عبد اهلل ابن عمر ‪ ‬أنه كان يقول‪« :‬من نسي صالة فلم يذكرها‬
‫إال وهو مع اإلمام‪ ،‬فإذا سلم اإلمام فليصل الصالة اليت نسي‪ ،‬مث ليصل بعدها األخرى»‪،‬‬
‫ووجه الداللة منه أنه لو مل يكن الرتتيب واجبا ملا أمره باإلعادة‪.‬‬
‫د‪-‬اتفقت األمة على أن من نسي الظهر يوم عرفة‪ ،‬وأحرم بالعصر‪ ،‬مث ذكر الظهر فإهنا تفسد عليه‪،‬‬
‫فيجب تقدمي ما تقدم وجوبه إال ما استثين‪.‬‬

‫مث استدلوا على سقوط النسيان بالنسيان مبا يلي‪:‬‬

‫أ‪-‬حديث‪« :‬رفع عن أميت اخلطأ والنسيان »‬

‫ب‪-‬حديث أنس املتقدم‪ « :‬من نسي صالة فليصلها إذا ذكرها»‪ ،‬ووجه الداللة منه أن وقت‬
‫الفائت ة وقت الت ذكر‪ ،‬ف إن مل ي ذكرها ح ىت ص لى فهم ا ص التان مل جيمعهم ا وقت واح د‪ ،‬فال جيب‬
‫الرتتيب‪.‬‬

‫ج‪-‬الصالة املنسية ليس عليها أمارة‪ ،‬فجاز أن يؤثر فيها النسيان كالصيام‪.‬‬

‫‪-5‬حكم من ترك التسمية في الذكاة ناسيا& ‪.‬‬

‫اتف ق مجه ور العلم اء على وج وب التس مية واش رتاطها يف ال ذكاة‪ ،‬وأن من تركه ا عام دا مل تؤك ل‬
‫ذبيحته‪ ،‬واستدلوا بعدة أدلة منها‪:‬‬

‫اس ُم اللَّ ِه َعلَْي ِه َوِإنَّهُ لَِف ْس ٌق‪( ‬سورة األنعام‪ :‬اآلية ‪).121‬‬ ‫مِم‬
‫أ‪-‬قوله تعاىل‪َ  :‬واَل تَْأ ُكلُوا َّا مَلْ يُ ْذ َك ِر ْ‬

‫ب‪-‬ح ديث راف ع بن خ ديج عن رس ول اهلل ‪ « :‬م ا أهنر ال دم وذك ر اس م اهلل فك ل ليس الس ن‬
‫والظفر‪».‬‬

‫ج‪-‬عن عائشة رضي اهلل عنها‪ :‬أن قوما قالوا للنيب ‪: ‬إن قومنا يأتوننا بلحم ال ندري أذكر اسم‬
‫اهلل عليه أم ال؟ قال ‪« :‬فسموا عليه أنتم و كلوه»‪ ،‬قالت‪ «:‬وكانوا حديثي عهد بكفر»‬

‫‪4‬‬
‫واختلفوا يف تركها نسيانا على قولني‪:‬‬

‫القول األول‪ :‬يرى املالكية واحلنفية والشافعية وأمحد يف رواية هي املذهب أن من ترك‬
‫التسمية عند الذكاة ناسيا أن ذبيحته تؤكل؛ واستدلوا مبا يلي‪:‬‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫أ‪-‬قوله تعاىل‪َ  :‬ربَّنَا اَل ُتَؤ اخ ْذنَا ِإ ْن نَسينَا َْأو ْ‬
‫َأخطَْأنَا‪( ‬سورة البقرة ‪ :‬اآلية ‪)286‬‬

‫اس ُم اللَّ ِه َعلَْي ِه َوِإنَّهُ لَِف ْس ٌق‪( ‬سورة األنعام‪ :‬اآلية ‪)121‬؛‬ ‫مِم‬
‫ب‪-‬قوله تعاىل‪َ  :‬واَل تَْأ ُكلُوا َّا مَلْ يُ ْذ َك ِر ْ‬
‫وق د انعق د اإلمجاع على أن الناس ي ليس بفاس ق‪ ،‬فك انت اآلي ة حممول ة على م ا ت ركت التس مية علي ه‬
‫عمدا ‪ ،‬وصار األكل مما نسيت التسمية عليه ليس بفسق‪.‬‬

‫ج‪-‬قوله تعاىل‪َ  :‬و َما َج َع َل َعلَْي ُك ْم يِف الدِّي ِن ِم ْن َح َر ٍج‪(‬سورة احلج‪ :‬اآلية ‪)78‬؛ إذ النسيان يكثر‬
‫طروءه على الناس‪ ،‬وتكليفهم بتجنبه فيه حرج‪ ،‬واحلرج مرفوع بنص اآلية‪.‬‬
‫د‪-‬حديث‪« :‬إن اهلل قد جتاوز عن أميت اخلطأ ‪ ،‬والنسيان ‪ ،‬وما استكرهوا عليه»‪.‬‬

‫ه‪-‬أثر عن ابن عباس ‪ ‬قوله‪« :‬من نسي التسمية فال بأس »‪ ،‬ومل يعرف له خمالف من الصحابة‪.‬‬

‫القول الثاني‪ :‬أن الذكاة غري صحيحة مطلقا نسي أو تعمد التسمية‪ ،‬والذبيحة ميتة ال تؤكل‪،‬‬
‫وبه قال أمحد يف رواية اختارها أبو اخلطاب‪ ،‬وهو مذهب الظاهرية‪ ،‬يقول يف ذلك ابن حزم‪« :‬ال حيل‬
‫أكل ما مل يسم اهلل تعاىل عليه بعمد أو نسيان‪.‬‬
‫اس ُم اللَّ ِه َعلَْي ِه َوِإنَّهُ لَِف ْس ٌق‪( ‬سورة األنعام‪:‬‬ ‫مِم‬
‫برهان ذلك‪ :‬قول اهلل تعاىل‪َ  :‬واَل تَْأ ُكلُوا َّا مَلْ يُ ْذ َك ِر ْ‬
‫اآلية ‪ ،)121‬فعم تعاىل ومل خيص‪».‬‬
‫ثانيا‪ :‬نظائر اختلف فيها هل ترفع الحدث أو تبيح العبادة‬

‫‪-1‬التيمم رافع للحدث أو مبيح للعبادة ‪:‬‬

‫اختلف املالكية هل التيمم رافع للحدث أو مبيح للعبادة على ثالثة أقوال‪ :‬املشهور أن التيمم مبيح‬
‫للعبادة وال يرفع احلدث‪.‬‬

‫وأمجع العلم اء على أن ال تيمم ال يرف ع احلدث على ال دوام واالس تمرار‪ ،‬وأن وج ود املاء ن اقض له‪،‬‬
‫إال خالفا شاذا روي عن أيب سلمة بن عبد الرمحن‪.‬‬

‫‪5‬‬
‫واختلفوا‪ :‬هل يرفع احلدث رفعا مؤقتا أم ال‪ ،‬على ثالثة أقوال‪:‬‬

‫الق&&&ول األول‪ :‬مواف ق للمش هور عن د املالكي ة‪ ،‬أن ال تيمم م بيح للعب ادة وال يرف ع احلدث‪ ،‬وه و‬
‫الصحيح من الوجهني عند الشافعية‪ ،‬والصحيح من الروايتني عند احلنابلة‪.‬‬

‫القول الثاني‪ :‬أن التيمم برفع احلدث رفعا مؤقتا بوقت الفريضة‪ ،‬وهذا وجه عند الشافعية‪ ،‬قال به‬
‫ابن سريج ‪ ،‬واختاره أبو اخلطاب من احلنابلة‪ ،‬وإليه مال القرايف‪ ،‬وقال الشيخ تقي الدين ابن تيمية‪:‬‬
‫«التيمم لوقت كل صالة أعدل األقوال»‪.‬‬

‫الق&&ول الث &&الث‪ :‬إن ال تيمم يرف ع احلدث رفع ا مؤقت ا بوج ود املاء أو احلدث؛ وه ذا م ذهب احلنفي ة‬
‫والظاهرية‪ ،‬وهو رواية عن أمحد اختارها الشيخ تقي الدين ابن تيمية‪ ،‬وبه قال ابن املنذر‪.‬‬

‫أدلة القول األول‪ :‬استدل اجلمهور بعدة أدلة منها‪:‬‬

‫‪-1‬حديث عمرو بن العاص‪ ،‬قال‪ :‬احتلمت يف ليلية باردة يف غزوة ذات السالسل‪ ،‬فأشفقت إن‬
‫اغتسلت أن أهلك فتيممت مث صليت بأصحايب صالة الصبح‪ ،‬فذكروا ذلك للنيب ‪ ‬فقال‪« :‬يا‬
‫عمرو صليت بأصحابك وأنت جنب‪».‬‬

‫وج&&ه االس&&تدالل‪ :‬أن أصحاب عمرو وصفوه باجلنابة‪ ،‬وأق رهم النيب ‪ ‬على ذلك‪ ،‬بدليل أنه مل‬
‫يبني هلم أنه ليس جبنب بعد التيمم‪.‬‬

‫‪-2‬حديث أيب ذر أن النيب ‪ ‬قال‪ « :‬إن الصعيد الطيب وضوء املسلم‪ ،‬وإن مل جيد املاء إىل عشر‬
‫سنني‪ ،‬فإذا وجد املاء فأمسه جلدك‪ ،‬فإن ذلك خري‪» .‬‬

‫‪-3‬أنه لو وجد املاء لزمه استعماله لرفع احلدث الذي كان قبل التيمم إن كان جنبا أو حمدثا أو‬
‫امرأة حائضا‪ ،‬ولو رفع احلدث الستوى اجلميع الستوائهم يف الوجدان‪.‬‬

‫‪-4‬أهنا طهارة ضرورة فلم ترفع احلدث كطهارة املستحاضة‪.‬‬

‫‪-5‬أن التيمم ال يستبيح به الفريضة إال فريضة واحدة‪ ،‬ولو كان يرفع احلدث لصلى به ما شاء من‬
‫نفل وفرض كالوضوء ‪.‬‬

‫‪6‬‬
‫‪-2‬المسح على الخفين رافع للحدث أو مبيح للعبادة‬

‫اختلف املالكية يف املسح على اخلفني‪ ،‬هل هو رافع للحدث أو مبيح هلا على قولني‪ ،‬املشهور‪ :‬أنه‬
‫مبيح للعبادة وال يرفع احلدث‪.‬‬

‫واختلفت مذاهب األئمة يف املسح على اخلفني‪ ،‬هل هو رافع للحدث أم ال على قولني‪:‬‬

‫القول األول‪ :‬موافق للمشهور عند املالكية‪ ،‬أنه مبيح وليس برافع للحدث‪ ،‬وبه قال احلنفية وبعض‬
‫الشافعية وبعض احلنابلة‪.‬‬

‫القول الثاني‪ :‬أنه رافع للحدث‪ ،‬وبه قال الشافعية يف األصح واحلنابلة‪.‬‬

‫أدلة القول األول‪:‬‬

‫استدل املالكية ومن وافقهم على أن املسح على اخلفني مبيح للعبادة مبا يلي‪:‬‬

‫‪-1‬أن املس ح على اخلفني طه ارة تق وم مق ام الغس ل‪ ،‬وتبط ل بظه ور األص ل‪ ،‬فلم يرف ع احلدث‬
‫كالتيمم‪.‬‬

‫‪-2‬أن ال نزع ليس حبدث‪ ،‬ول و ارتف ع احلدث باملس ح ملا رج ع؛ ب ل احلدث م ا س لف‪ ،‬وق د عم ل‬
‫مبوجبه؛ إال غسل الرجل أبدل باملسح‪ ،‬فإذا ذهب املسح أكملت الطهارة بالغسل‪.‬‬

‫‪- 3‬أن االستتار باخلف مانعا من سريان احلدث إىل القدم يف مدة املسح‪ ،‬فإذا ظهرت الرجالن ظهر‬
‫حكم احلدث السابق‪.‬‬

‫‪-3‬المسح على الجبيرة رافع للحدث أو مبيح للعبادة&‬

‫اختلف املالكية يف املسح على اجلبرية هل يرفع احلدث أو يبيح العبادة‪ ،‬واملشهور يف املذهب أنه ال‬
‫يرفع احلدث‪ ،‬ألنه طهارة تقوم مقام الغسل‪ ،‬وتبطل بظهور األصل‪ ،‬فلم يرفع احلدث‪ ،‬كالتيمم واملسح‬
‫على اخلفني‪.‬‬

‫‪7‬‬
‫واتفقت مذاهب األئمة الثالثة أن املسح على اجلبرية يقوم مقام الغسل للعضو عند الضرورة‪ ،‬وهو‬
‫رافع للحدث بدليل جواز أداء عدد من فرائض به‪ ،‬وأنه ال يتوقت بوقت‪ ،‬وأنه جيمع بني املسح على‬
‫اجلب ائر والغس ل يف عض و واح د‪ ،‬وال جيوز اجلم ع بني الب دل واألص ل‪ ،‬فك ان مبنزل ة الغس ل ملا حتت ه م ا‬
‫دامت العلة قائمة‪.‬‬

‫‪ -4‬المسح على شعر الرأس رافع للحدث أو مبيح للعبادة‬

‫يرى املالكية يف املعتمد أن من توضأ ومسح على شعر رأسه فقد ارتفع حدثه ‪ ،‬فإذا حلق رأسه‪،‬‬
‫فال يعيد مسحه‪ ،‬ألن الصحابة كانوا حيلقون مبىن مث ينزلون مبىن مث ينزلون لطواف اإلفاضة‪ ،‬ومل ينقل‬
‫عن أحدهم إعادة مسح رأسه‪ ،‬وألن املسح هنا أصل بنفسه وليس بدل الشعر تبع للرأس‪.‬‬

‫وقال عبد العزيز بن أيب سلمة‪ :‬يعيد املسح وهو ضعيف‪.‬‬

‫وهلم يف غسل اللحية والشارب إذا حلقا قوالن‪:‬‬

‫القول األول‪ :‬ال يغسل حملهما‪ ،‬قاله ابن القصار‪ ،‬وهو املشهور‪ ،‬قياسا على شعر الرأس‪.‬‬

‫الق&&ول الث&&اني‪ :‬يغس ل موض عهما‪ ،‬قال ه ابن بط ال والش ارقي وابن الطالع؛ قياس ا على املس ح على‬
‫اخلفني‪ ،‬وفرقوا بينه وبني شعر الرأس بأنه أصلي‪ ،‬خبالف شعر اللحية والشارب‪ ،‬فإنه بدل عن الغسل‬

‫وجياب ب أن غس ل ظ اهر اللحي ة وإم رار الي د على اللحي ة ليس ب دال‪ ،‬وإمنا ه و ت ابع لغس ل الوج ه‪،‬‬
‫فيكون أصال‪.‬‬

‫واتف ق مجاهري أه ل العلم وأص حاب املذاهب األربع ة أن من حل ق رأس ه بع د الوض وء فليس علي ه‬
‫إعادة مسح رأسه‪ ،‬ألن الشعر ليس ببدل عما حتته‪ ،‬فلم يلزمه بظهوره طهارة‪ ،‬كما لو غسل يده مث‬
‫كشط جلده ‪ ،‬ومقتضى ذلك أن مسح شعر الرأس رافع للحدث‪.‬‬

‫‪-5‬الغسل& على األظفار رافع للحدث أو مبيح للعبادة‬

‫اختلف املالكية هل غسل األظفار رافع للحدث‪ ،‬فمن قلم أظفاره بعد الوضوء ال يلزمه إعادة غسل‬
‫مواضعهاـ؛ أو هو مبيح للعبادة فيلزمه إعادة غسلها على قولني‪:‬‬

‫‪8‬‬
‫القول األول‪ :‬أن غسل أألظفار رافع للحدث‪ ،‬وال يلزمه إعادة غسل مواضعها‪ ،‬وهو املشهور يف‬
‫املذهب‪.‬‬

‫الق&&ول الث&&اني‪ :‬يلزمه إعادة غسل مواضعها‪ ،‬وه و حمكي عن اللخمي من قوله‪ :‬لو قطعت يداه أو‬
‫بض عة من مواض ع الوض وء بع د أن توض أ لغس ل م ا ظه ر بع د ذل ك‪ ،‬أو مس حه إذا ك ان ل ه ع ذر يف‬
‫غسله‪.‬‬

‫واتف ق مجاهري أه ل العلم وأص حاب املذاهب األربع ة أن من قلم أظف اره بع د الوض وء فليس علي ه‬
‫إعادة غسل ما ظهر‪ ،‬ألن الظفر ليس ببدل عما حتته‪ ،‬فلم يلزمه بظهوره طهارة‪ ،‬كما لو غسل يده مث‬
‫كشط جلده‪ ،‬ومقتضى ذلك أن غسل األظفار رافع للحدث‪.‬‬

‫ثالثا‪ :‬نظائر إجزاء غير الواجب عن الواجب‬

‫‪-1‬حكم من جدد الطهارة ثم ذكر الحدث‬

‫اختلف املالكية فيمن ظن أنه على طهارة وجدد الوضوء طلبا للفضيلة وزيادة األجر وصلى‪ ،‬مث‬
‫تبني أنه كان حمدثا على قولني‪:‬‬

‫القول األول‪ :‬أن وضوء التجديد ال جيزيه عن وضوء الفرض‪ ،‬قاله ابن القاسم وهو املشهور‪.‬‬

‫القول الثاني‪ :‬جيزيه وضوء التجديد‪ ،‬والصالة صحيحة‪ ،‬وهو قول أشهب‪.‬‬

‫واختلف العلماء يف ذلك على قولني‪:‬‬

‫القول األول‪ :‬يوافق مشهور مذهب املالكية أن وضوء التجديد ال جيزيه عن وضوء الفرض‪ ،‬وهو‬
‫قول الشافعية يف الصحيح‪ ،‬واحلنابلة يف رواية‪.‬‬

‫الق&&ول الث&&اني‪ :‬أن ذل ك جبزي ه والص الة ص حيحة‪ ،‬وهو ق ول الش افعية يف وج ه‪ ،‬واحلنابل ة يف أص ح‬
‫الروايتني‪.‬‬

‫وأما احلنفية فال تشرتط النية عندهم يف الوضوء ألهنا طهارة معقولة املعىن‪.‬‬

‫‪9‬‬
‫أدلة القول األول‪:‬‬

‫استدل للقول األول مبا يلي‪:‬‬

‫أ‪-‬ح ديث عم ر ابن اخلط اب ‪ ‬أن الن يب ‪ ‬ق ال‪« :‬إمنا األعم ال بالني ات‪ ،‬وإمنا لك ل ام رئ م ا‬
‫نوى»‪ ،‬ووجه الداللة منه أن اجملدد تنوى الكمال والفضيلة‪ ،‬فكان له ما نوى‪ ،‬ومل ينو الطهارة وال‬
‫استباحة الصالة‪ ،‬فلم يرتفع حدثه ومل جتزه صالته‪.‬‬

‫ب‪-‬أنه مل ينو رفع حدثه وال ما يستلزمه‪ ،‬فأشبه ما نوى نوى التربد‪.‬‬

‫أدلة القول الثاني‪:‬‬

‫استدل القائلون باإلجزاء مبا يلي‪:‬‬

‫أ‪-‬أن جتديد الوضوء مندوب إليه ‪ ،‬فأشبه الوضوء ملا ال جيوز بغري وضوء‪.‬‬

‫ب‪-‬أنه نوى طهارة شرعية‪ ،‬فينبغي أن يصح له ما نوى‪ ،‬للحديث السابق وقياسا على ما لو نوى‬
‫رفع احلدث‪.‬‬

‫ج‪-‬أنه نوى أن يكون على أكمل احلاالت‪ ،‬وذلك يستلزم رفع احلدث‪.‬‬

‫‪-2‬حكم من غسل الثانية بنية الفضيلة وقد بقيت لمعة من الغسلة& األولى‬

‫اختلف املالكية يف من ترك ملعة من مغسول الوضوء يف الغسلة األوىل هل جيزئه غسلها يف الغسلة‬
‫الثانية أو الثالثة بنية الفضيلة على قولني‪:‬‬

‫القول األول‪ :‬ال جيزئه ذلك والبد من غسلها بنية الفريضة‪ ،‬فإن أخر غسلها عمدا حىت طال بطل‬
‫وضوءه‪ ،‬وهو املشهور يف املذهب‪.‬‬

‫القول الثاني‪ :‬جيزئه‪.‬‬

‫قال احلطاب‪ « :‬ورأى بعض الناس أن اإلجزاء هنا أوىل؛ ألن نية الفرض هنا باقية منسحبة خبالف‬
‫مس ألة اجملدد‪ ،‬ورد ب أن االنس حاب يف الني ة إمنا جبزيء إذا مل يكن يف احملل ني ة مض ادة ل ه وهن ا ني ة‬

‫‪10‬‬
‫الفضيلة موجودة‪ ،‬وهي مضادة لنية الفريضة»‪ ،‬وقال القرايف‪ « :‬وخرج أصحابنا هذه املسألة وحنوها‬
‫على أن القصد إىل الفضائل إمنا يكون بعد اعتقاد حصول الفرائض‪ ،‬فقد اندرجت نية الفرض يف نية‬
‫الفضيلة؛ وهذا ال يستقيم ألنا قد بينا أن النية من القصود واإلرادات ال من باب العلوم واالعتقادات‪.‬‬
‫واحلاصل أن الناسي لفرضه الفاعل للنفل إمنا هو على اعتقاد حصول الفرض واالعتقاد ليس بنية»‬

‫وذهب الشافعية يف األصح إىل أن من نسي ملعة يف وضوئه أو غسله فانغسلت يف الغسلة الثانية أو‬
‫الثالثة بنية التنفل أجزأه‪ ،‬ألن الغسالت الثالث طهارة واحدة‪ ،‬وقد تقدمت فيه نية الفرض والنفل‬
‫مجيعا‪ ،‬ومقتضى أن ال يقع شيئا من النفل حىت يرتفع احلدث بالفرض‪ ،‬وتومهه الغسل عن الثانية ال مينع‬
‫الوقوع عن األوىل‪ ،‬كما لو ترك سجدة عن الركعة األوىل وسجد يف الثانية فإنه يتم هبا األوىل‪ ،‬وإن‬
‫كان يتوهم خالف ذلك‪.‬‬

‫وأما احلنابلة فمقتضى مذهبهم اإلجزاء‪ ،‬ألن الوضوء بنية النفل أو التجديد جيزئ عن الفرض‪.‬‬

‫‪-3‬حكم من اغتسل للجمعة ناسيا& الجنابة‬

‫اختلف املالكية فيمن اغتسل للجمعة ناسيا على قولني‪:‬‬

‫الق &&ول األول‪ :‬ال جيزي ه الغس ل للجمع ة عن الغس ل للجناب ة‪ ،‬ألن غس ل اجلمع ة غ ري واجب‪ ،‬فال‬
‫جيزئ عن غسل اجلنابة وهو واجب‪ ،‬رواه ابن القاسم عن مالك‪ ،‬وهو املشهور يف املذهب‪.‬‬

‫القول الثاني‪ :‬جيزئ الغسل للجمعة عن اجلنابة ‪ ،‬ألن غسل اجلمعة مشروع مأمور به‪ ،‬فوجب أن‬
‫جتزئ نيت ه عن ني ة غس ل اجلناب ة‪ ،‬كمن توض أ لنافل ة فإن ه يص لي هبا فريض ة ‪ ،‬ق ال ب ه ابن وهب وابن‬
‫كنانة وابن املاجشون ومطرف وابن نافع ورووه عن مالك‪. .‬‬

‫واختلف العلماء يف هذه املسألة على قولني‪:‬‬

‫الق&ول األول‪ :‬موافق للمشهور عند املالكية أن الغسل للجمعة ال جيزئ عن الغسل للجنابة‪ ،‬وهو‬
‫قول الشافعية واحلنابلة يف وجه‪.‬‬

‫الق&&ول الث&&اني‪ :‬أن غسل اجلمعة جيزئه عن الغسل للجنابة‪ ،‬وهو مذهب احلنابلة ومقتضى مذهب‬
‫احلنفية‪ ،‬ألهنم ال يشرتطون النية يف صحة الغسل‪.‬‬
‫‪11‬‬
‫‪-4‬حكم من توضأ احتياطا ثم تيقن الحدث‬

‫اختلف املالكية يف من شك يف احلدث فتوضأ احتياطا‪ ،‬وقال‪ :‬إن كنت أحدثت فهذا الطهر لذلك‬
‫احلدث‪ ،‬مث تبني أنه كان حمدثا‪ ،‬هل جيزئه ذلك على قولني‪:‬‬

‫الق &&ول األول‪ :‬ال جيزئ ه عن احلدث‪ ،‬لل رتدد احلاص ل يف الني ة رواه عيس ى عن ابن القاس م‪ ،‬وه و‬
‫املشهور يف املذهب ‪ ،‬ووجه الرتدد أن يف هذا تعليق للنية ال تنجيز فيه‪.‬‬

‫القول الثاني‪ :‬موافق للمشهور عند املالكية أن الوضوء غري جمزئ؛ ألنه إمنا أراد االحتياط وحتصيل‬
‫الفضيلة‪ ،‬وألن الرتدد يف النية مانع من الصحة ما مل يكن ذلك يف موضع الضرورة‪ ،‬وهو قول الشافعية‬
‫يف أصح الوجهني‪ ،‬ووجه عند احلنابلة‪.‬‬

‫القول الثالث‪ :‬الطهارة جمزئة‪ ،‬ويرتفع هبا احلدث‪ ،‬ألن االحتياط مأمور به ومستحب‪ ،‬وقد صادق‬
‫حدثا فرفعه ‪ ،‬وهو مذهب احلنابلة ‪ ،‬ووجه عند الشافعية ‪.‬‬

‫‪-5‬حكم من سلم من اثنين ثم صلى ركعتين عقيب ذالك ببنية النافلة‬

‫اختلف املالكية يف هذه املسألة على ثالثة أقوال‪:‬‬

‫الق&&ول األول‪ :‬إن طال الفصل أو ركع يف النافلة بطلت الفريضة‪ ،‬وإن مل يطل ومل يركع عاد إىل‬
‫الفريض ة وب ىن على م ا ص لى منه ا‪ ،‬مث س جد للس هو‪ ،‬رواه ابن القاس م عن مال ك‪ ،‬وه و املعتم د يف‬
‫املذهب‪.‬‬

‫الق&ول الث&اني‪ :‬إن طال الفصل بطلت الفريضة‪ ،‬وإن مل يطل الفصل وشرع يف الصالة أخرى عاد‬
‫ف أمت الفريض ة مث س جد للس هو‪ ،‬وه و ق ول ابن وهب ومط رف وابن املاجش ون وابن عب د احلكم‬
‫وروايتهم عن مالك واختاره ابن أيب زيد ‪.‬‬

‫القول الثالث‪ :‬يعتد مبا صلى بنية النافلة‪ ،‬وجيعل ما دخل فيه من الصالة الثانية متاما لألوىل‪،‬ذكره‬
‫ابن رشد تفريعا على مذهب أشهب أن حتول النية يف الصالة ال تأثري له يف إفسادها‪ ،‬وعلى مذهب‬
‫من يرى أن السالم سهوا لغو ال خيرج املصلي من صالته‪.‬‬

‫‪12‬‬
‫واختلفت املذاهب يف هذه املسألة على أقوال‪:‬‬

‫القول األول‪ :‬إن طال الفصل بطلت الفريضة‪ ،‬وإن مل يطل الفصل وشرع يف الصالة األخرى عاد‬
‫ف أمت الفريض ة‪ ،‬مث س جد للس هو‪ ،‬ألن ه عم ل عمال من جنس الص الة س هوا‪ ،‬فلم تبط ل‪ ،‬كم ا ل و زاد‬
‫خامسة‪ ،‬وهو قول الشافعية ‪ ،‬والصحيح من مذهب احلنابلة ‪.‬‬

‫القول الثاني‪ :‬إن سالمه من الفريضة لغو‪ ،‬وجيعل ما دخل فيه من الصالة الثانية متاما لألوىل‪ ،‬فينبين‬
‫إحدامها على األخرى؛ ألنه سهو معذور فيه‪ ،‬وهو قول أيب الفرج من احلنابلة‪.‬‬

‫الق&&ول الث&&الث‪ :‬أن الفريضة تبطل مبجرد دخوله يف النافلة‪ ،‬ألن تكبريه بنية النفل قطع لنية صالة‬
‫الفريضة‪ ،‬فتبطل كالقطع ينقض الوضوء وهو قول احلنفية وأمحد يف رواية ‪.‬‬

‫‪-6‬حكم من أعاد الصالة في جماعة ثم تبين له أنه كان محدثا في صالته األولى‬

‫اختلف العلماء يف هذه املسألة على قولني‪:‬‬

‫القول األول‪ :‬أن صالة اجلماعة جتزئه عن فرضه‪ ،‬قاله ابن القاسم ورواه عن مالك‪ ،‬وهو املشهور‬
‫يف املذهب املالكي‪ ،‬وقال به بعض الشافعية‪.‬‬

‫القول الثاني‪ :‬أن صالته باطلة‪ ،‬وال جتزئه اجلماعة عن فرضه‪ ،‬وعليه اإلعادة‪ ،‬وهو قول أشهب‪،‬‬
‫وهو املعتمد عند الشافعية‪ ،‬ومقتضى مذهب احلنابلة واحلنفية‪ ،‬ألنه دخل مع اإلمام لفضل اجلماعة‪،‬‬
‫فتكون األوىل هي فرضه‪ ،‬والثانية نافلة‪ .‬قال ابن رشد‪« :‬وقوله ليس جبار على املذهب؛ إذ لو كانت‬
‫األوىل هي صالته على كل حال‪ ،‬والثانية نافلة‪ ،‬ملا جاز ملن صلى الصبح والعصر وحده أن يعيدمها يف‬
‫مجاعة‪».‬‬

‫أدلة القول األول‪:‬‬

‫استدل اجلمهور للمشهور من مذهبهم مبا يلي‪:‬‬

‫أ‪-‬أن ه مل ي دخل م ع اإلم ام بني ة النافل ة‪ ،‬وإمنا دخ ل مع ه بني ة اإلع ادة لفرض ه؛ ف وجب أن جتزئ ه‬
‫الصحيحة عن الباطلة منهما‪ ،‬كاملتوضئ يغسل وجهه مرتني أو ثالثا‪ ،‬إن مل يعم يف بعضها أجزأه ما‬

‫‪13‬‬
‫عم‪ ،‬وأي دوا ه ذا مبا روي عن ن افع أن رجال س أل عب د اهلل ابن عم ر ‪ ‬فق ال‪ :‬إين أص لي يف بي يت مث‬
‫أدرك الص الة م ع اإلم ام‪ ،‬أفأص لي مع ه؟ فق ال ل ه عب د اهلل بن عم ر‪ :‬نعم‪ ،‬فق ال الرج ل‪ :‬أيتهم ا أجع ل‬
‫صاليت؟ فقال له بن عمر‪ :‬أو ذلك إليك؟ إمنا ذلك إىل اهلل جيعل أيتهما شاء‪.‬‬

‫ب‪-‬عن حيي بن س عيد أن رجال س أل س عيد ابن املس يب‪ ،‬فق ال إين أص لي يف بي يت مث آيت املس جد‪،‬‬
‫فأجد اإلمام يصلي‪ ،‬أفأصلي معه؟ فقال سعيد‪ :‬نعم‪ ،‬فقال الرجل فأيهما أجعل صاليت؟ فقال سعيد‪:‬‬
‫أو أنت جتعلها؟ إمنا ذلك إىل اهلل‪.‬‬
‫أدلة القول الثاني‪:‬‬
‫استدل الفريق الثاين من العلماء مبا يلي‪:‬‬
‫أ‪ -‬جابر بن يزيد بن األسود العامري عن أبيه شهدت مع رسول اهلل ‪ ‬حجته ‪ ،‬فصليت معه‬
‫صالة الفجر يف مسجد اخليف‪ ،‬وأنا غالم شاب‪ ،‬فلما قضى صالته‪ ،‬إذا هو برجلني يف آخر القوم مل‬
‫يصليا معه فقال‪ :‬علي هبما‪ .‬فأتى هبما ترعد فرائصهما‪ ،‬فقال ما منعكما أن تصليا معنا؟ فقاال‪ :‬يا‬
‫رسول اهلل‪ ،‬قد صلينا يف رحالنا‪ ،‬قال‪:‬ال تفعال إذا صليتما يف رحالكما‪ ،‬مث أتيتما مسجد مجاعة فصليا‬
‫معهم؛ فإهنا لكما نافلة»‬
‫ب‪-‬عن أيب ذر ‪ ‬ق ال‪ :‬ق ال يل رس ول اهلل ‪« :‬كي ف أنت إذا ك انت علي ك أم راء ي ؤخرون‬
‫الصالة عن وقتها‪ ،‬أو مييتون الصالة عن وقتها؟ قال‪ :‬قلت‪ :‬فما تأمرين؟ قال‪ :‬صل الصالة لوقتها‪ ،‬فإن‬
‫أدركتها معهم‪ ،‬فصل‪ ،‬فإهنا لك نافلة»؛ ذلك ألن األوىل قد وقعت فريضة‪ ،‬وأسقطت الفرض ‪ ،‬بدليل‬
‫أهنا ال جتب ثانيا؛ وإذا برئت الذمة باألوىل استحال كون الثانية فريضة‪ ،‬وجعل األوىل نافلة‪.‬‬

‫‪-7‬حكم من نسي طواف اإلفاضة‪ ،‬وقد طاف طواف الوداع وبعد عن مكة‬

‫واختلفت مذاهب العلماء يف هذه املسألة على قولني‪:‬‬

‫ي رى املالكي ة يف املش هور وه و ق ول احلنفي ة والش افعية يف األص ح أن من نس ي ط واف اإلفاض ة‪ ،‬أو‬
‫طاف وتبني له أن طوافه غري صحيح لفقد شرط من شروطه‪ ،‬فإنه يرجع لذلك من بلده‪ ،‬إال أن يكون‬
‫طاف بعد طواف اإلفاضة طوافا صحيحا‪ ،‬تطوعا أو لوداع فإنه جيزئه ما طافه تطوعا عن طواف‬
‫اإلفاضة‪.‬‬

‫‪14‬‬
‫ووجه ذلك‪ :‬أن أركان احلج ال حتتاج إىل تعيني نية بدليل الوقوف واإلحرام والسعي‪ ،‬ونية احلج‬
‫مشتملة على مجيع أفعاله‪ ،‬وال يصح غري احلج يف زمان احلج‪ ،‬فلما صح الطواف يف نقسه‪ ،‬وجب أن‬
‫حيكم أنه طواف اإلفاضة‪.‬‬

‫وذهب ابن عب د احلكم وه و ق ول احلنابل ة ووج ه عن د الش افعية إىل ع دم إج زاء ط واف التط وع أو‬
‫الوداع عن طوف اإلفاضة‪ ،‬ألهنا عبادة واجبة متصلة بالبيت‪ ،‬فافتقرت إىل تعيني النية‪ ،‬ألن تعيني النية‬
‫يف طواف اإلفاضة شرط لصحته‪ ،‬وال جيزئ عنه طواف التطوع‪.‬‬

‫أدلة الجمهور‪:‬‬

‫أ‪-‬أن أركان احلج ال حتتاج إىل تعيني نية‪ ،‬ألن اإلحرام ينسحب عليها‪ ،‬كما ينسحب إحرام الصالة‬
‫على أفعاهلا‪ ،‬فال حيتاج إىل نية يف الركوع وال غريه‪.‬‬
‫ب‪-‬أن الطواف ال حيتاج إىل تعيني النية يف احلج أصله الوقوف بعرفة؛ فإنه لو وقف به ناسيا أجزأه‬
‫باإلمجاع‪ ،‬ألن بق اء ني ة الف رض الش املة ل ه حكم املوج ود حقيق ة‪ ،‬وهلذا ص ح الط واف م ع غفلت ه‬
‫‪..‬‬
‫استصحابا‬
‫ج‪-‬وألنه إذا أجزأه يف احلج أو العمرة أن حيرم به نافلة فيكون فرضا كان يف بعض عمله أوىل أن‬
‫جيزيه‪.‬‬
‫د‪-‬أن أيام النحر متعينة لطواف الزيارة‪ ،‬فال حاجة لتعيني النية‪ ،‬كما لو صام يف رمضان بنية التطوع‬
‫أو واجب آخر ‪ ،‬فإنه يقع عما يستحقه الوقت ‪.‬‬
‫‪ .‬أدلة الفريق الثاني‪:‬‬

‫استدل احلنابلة ومن معهم مبا يلي‪:‬‬

‫أ‪-‬قوله ‪ « :‬إمنا األعمال بنيات وإمنا لكل امرئ ما نوى»؛ قالوا وهذا مل ينو طواف الزيارة فال‬
‫يكون له‪.‬‬
‫ب‪-‬الطواف عبادة تفتقر إىل البيت‪ ،‬فافتقرت إىل تعيني النية كركعيت املقام‪.‬‬
‫ج‪-‬نية النفل موجودة حقيقة‪ ،‬فتتقدم على نية احلج املوجودة ضمنا واستصحابا‪.‬‬
‫د‪-‬أن الطواف صالة والصالة تفتقر إىل النية اتفاقا‪.‬‬

‫‪15‬‬
16

You might also like