Professional Documents
Culture Documents
4
4
4
مقدمة :
تغيرت السياسة الدولية بطرق مختلفة في السنوات
االخيرة ،فاالوضاع الموضوعية و القوى و الظروف الكامنة ،و توزع القوة ،و التأثير
االقتصادي و القضايا البارزة كلها عوامل مختلفة بالتأكيد ،و لكن باالضافة الى هذه
االختالفات ،نجد ان الوضع الذاتي او اطار المرجعية الذي يفهم الناس من خالله االحداث
العالمية تغير هو االخر ،فقد انتقلنا من المجتمع البشري الذي عاش حياته الجماعية مجزأة
الى سياق جديد يعيش فيه هذا المجتمع حياته ككل ال يتجزأ ،فالحضارة العالمية التي نشأت
االن هي ذات نفوذ اكبر بكثير نسبيا من نفوذ حضارة روما التي كانت االوسع انتشارا من
كل الحضارات العالمية السابقة ،فأبعد قرية في غابة مهجورة أصغر كوخ معزول في
القطب الشمالي يشعران بسلطة التأثير و السيطرة في العصر الحالي...
1
" بفن المفاوضات " ،و المفاوضات ال تعني بالضرورة بديال كامال عن استخدام القوة ،انما
جاءت كاستثناء للتخفيف من حدة الحروب التي كانت طاغية على العالقات الدولية حتى
معاهدة وستفاليا سنة 8461م.
و لما كانت الحروب عبارة عن نزاع مسلح بين دولتين او اكثر بقصد الغلبة و فرض
شروط للسالم ،فان الدبلوماسية هي فن االقناع دون استعمال القوة في سبيل المحافظة على
السالم ،هكذا نجد ان هناك عالقة ربط في االهداف بين الحرب و الدبلوماسية كما جاء
في كتاب كيسنجر وزير خارجية الواليات المتحدة االمريكية ،حين قال ان هناك زواج بين
القوة المسلحة و الدبلوماسية و ليس بينهما طالق.
بعد الحرب العالمية االولى لجأ المجتمع الدولي الى المطالبة بتحقيق السلم عن طريق
القانون الدولي ،و قد تجسدت هذه المطالبة عمليا بقيام عصبة االمم ،كمنظة دولية تعمل
على استقرار السلم و االمن الدوليين ،اال ان التضامن بين أعضاء عصبة االمم كان مفقودا،
فقد انقسمت المواقف بين من يريد من هذه المنظمة ان تتمتع بالقوة و القدرة على مراقبة
ألمانيا و اجبارها على احترام معاهدة السلم ،و ذلك بإنشاء قوة عسكرية تابعة لها ،وكانت
فرنسا من مناصري هذا التوجه ،في حين كان هناك توجه اخر عملت انجلترا و أغلبية
الدول االنجلوساكسونية على ان ال تكون عصبة االمم قوة قاهرية تحد من سيادة الدول،
حيث تبقى مسخرة الرادة الدول على ان تتمتع بحق الوساطة الدولية في حال قيام اي نزاع
او نشوب خصام ،اال انه و بعد اتفاق ميونخ 8391م ،بدأت بريطانيا تبدل من سياستها
القديمة المسالمة ،لتتجه نحو التسلح و القوة ،و قيام الدول الدكتاتورية باالعتداء و العنف
لتنفيذ سياستها ،لكل هذه االسباب كان البد ان يعود للقوة الدور االساسي في العالقات
الدولية ،التي كانت من نتائجها قيام الحرب العالمية الثانية ،و بعد انتهاء الحرب و قيام هيئة
االمم المتحدة ،بدأت العالقات الدولية تميل نحول السلم أكثر من ميلها نحو الحرب ،لكن
تطور االحداث الدولية أدى إلى تعطيل سياسة االمن الجماعي ،بانقسام العالم الى معسكرين
متخاصمين يميالن بعالقتهما نحو الحرب أكثر من من ميلهما نحو السلم ،اال ان وجود
االسلحة الذرية لدى كل من هذين المعسكرين بدل من مفهوم الحرب ،فتحولت من صراع
هدفه الحاق الهزيمة بالخصم الى صراع من اجل فناءه ،لذلك خيم على العالقات الدولية
نوع من السلم قائم على توازن الرعب ،بدون التخلي عن امكانية الحرب ،و هو ما عرف
بالحرب الباردة ،وهذا النوع من الحرب لم يبق في حالة ركود ،بل أخذ حالة تصاعدية من
التوتر في العالقات الدولية ،من خالل سباق التسلح و امتالك أسلحة الدمار الشامل ،التي
كادت ان تجر العالم الى حرب تدميرية فعلية تكون وباء على الجميع ،و لكي يتفادى
المجتمع الدولي هذا الحال طرح مبدأ التعايش السلمي بين نظامين مختلفين ،ليخفف من حدة
التوتر و يقود في الوقت نفسه الى سياسة االنفراج الدولي و من ثم الوفاق ،الى مرحلة
انتقالية نحو العولمة بعد انهيار االتحاد السوفياتي ،ليحكم العالم من قطب واحد بدال من
الثنائية التي كانت قائمة سابقا ،اال ان هذا لم يحد من التوتر ،فاألزمات االقليمية التي
طرحت كانت تحل بالطرق العسكرية و لم تحل باالداة السلمية ،و هذا دليل على ان
الصراع الدولي لم ينته بعد.
المبحث الثاني :بداية التطور
2
اذا كانت العالقات الدولية لم تتبلور كعلم في مجال المعرفة اال في الريع االول من القرن
العشرين ،فان العالقات السياسية نشأت منذ ان وجدت التكتالت البشرية ،و قامت بين
القبائل روابط الجوار او حصلت فيما بينها الغزوات ،و ذلك منذ نشأة الجماعة البشرية التي
اضطرت من اجل الحفاظ على بقائها و تأمين حاجتها الى التعامل مع غيرها من التكتالت.
بعد التطور التاريخي للمجتمع االنساني الذي تحول فيما بعد ،الى مجتمعات سياسية تحولت
بدورها الى وحدات شكلت نواة الدولة ،فأصبحت تشعر بضرورة انشاء عالقات سلمية فيما
بينها تقوم على التعاهد و تبادل البعثات الدبلوماسية و فض النزاعات عن طريق
التحكيم ،و لعل اول تحكيم سجله التاريخ كان بين اسبارطة و مسينا ( 829ق.م ) ،وبعد
نهاية العصور الوسطى و بداية العصر الحديث ،عصر النهضة شهدت اوروبا حروبا دينية
بين الكاثوليك و البروتستانت دامت حولي ثالثين سنة ،و بعد الروح القومية التي رافقت
االكتشافات الجغرافية ،بدأت تطرح فكرة التنظيم الدولي ،للبحث عن سالم دائم بين الدول،
حيث شهدت العالقات الدولية خالل القرن السابع عشر ،تطورات هامة ،بإنعقاد مؤتمر
وستفاليا عام 8461م ،حيث اعتبرت تلك المعاهدة االساس الذي قامت عليه العالقات
الدولية حتى قيام الثورة الفرنسية ،لقد هذه المعاهدة حدا نهائيا للمشكلة الدينية ببقاء المذهبين
الكاثولكي و البروتستاني متعايشين في اوروبا ،و اطلقت فكرة الدولة القومية في العالقات
الدولية ،و اسس نظام البعثات الدبلوماسية و ذلك بقيام تبادل الدول للسفارات ،غير ان هذه
الصورة السلمية لم تحقق اهدافها بسبب سباق التسلح و الزيادة في الحركة االستعمارية ،مما
أدى الى الحروب ،فكانت النتيجة حروب و نزاعات هنا و هناك و اختتمت بالحربين
العالميتين االولى و الثانية.
المبحث الثالث :تحديد مفهوم العالقات الدولية
المطلب االول :مفهوم العالقات الدولية
مع ان العالقات الدولية قائمة منذ أبد العصور ،اال انها لم تتبلور في العلوم االجتماعية اال
حديثا ،و كانت الواليات المتحدة االمريكية في طليعة الدول التي أقبلت على هذا العلم بعد
الحرب العالمية االولى ،و عهدت بتدريسه في جامعتها بعد تخليها عن عزلتها الدولية و
توجهها نحو االهتمام بالشؤون الدولية ،مما حتم عليها معرفة كيفية التعامل مع الغير و بذلك
دراسة االسس التي تقوم عليها العالقات الدولية ،بعد ذلك اهتمت الجامعات االوروبية بهذا
العلم و دراسته تحت أسماء مختلفة ،كالشؤون الدولية او السياسة الخارجية او المنظمات
الدولية و غيرها ،غير ان تدريس هذه المادة من قبل اساتذة غير مختصين ادى الى التشعب
في مضمونها.
المطلب الثاني :تعريف العالقات الدولية
تكثفت التعاريف حول مفهوم العالقات الدولية ،حيث هناك من يرى ان السياسة الخارجية
مظهر من مظاهرها عن طريق العالقات السياسية لدولة مع دولة اخرى ،ورأى بعضهم ان
العالقات الدولية هي تلك القوى االساسية االكثر تأثيرا في السياسة الخارجية ،اما البعض
االخر عرف العالقات الدولية هي مجموعة من األنشطة المختلفة كاالتصاالت
و التبادل التجاري و المباريات الرياضية و بانها تلك العالقات بين االفراد الذين الدولية
ينتمون لدول مختلفة الى غير ذلك...
3
و نستنتج مما سبق ان العالقات الدولية ليس هناك اجماع موحد على تعريفها من قبل جميع
الباحثين المهتمين بدراستها ،فجميع تلك التعريفات صحيحة بمجملها ،فالقواسم مشتركة بينهم
حيث ان العالقات الدولية تتم عبر الحدود ة انها تتم خارج نطاق الدولة الواحدة ،فهي تطال
الدول و المنظمات الدولية و الشركات المتعددة الجنسيات و الجماعات السياسية كاالحزاب
الى غير ذلك...
المبحث الرابع :العالقات الدولية و العلوم االخرى
تهتم العالقات الدولية ببحث المسائل الدولية ،فتلتقي بذلك و تتداخل مع باقي العلوم االخرى
التي تتناول جانبا من هذه المسائل ،فما هي نقاط االلتقاء و االختالف بين العالقات الدولية
من جهة و العلوم االخرى من جهة ثانية ؟
المطلب االول :العالقات الدولية و القانون الدولي العام
يقصد بالقانون الدولي العام هو مجموعة من القواعد المنظمة للعالقات بين الدول و
المنظمات الدولية او غيرها من الجماعات السياسية ،فاالضافة الى تنظيمه هذه العالقة فهو
يبين ما لهم من حقوق و ما عليهم من التزامات شأنه شأن اي قانون ،و لذلك يرتبط
بالمعرفة القانونية ،اذن االختالف بين علم العالقات الدولية و القانون الدولي ،يتمثل في ان
االول يهتم بالتحليل الموضوعي لراوبط الواقع من احداث في العالقات الدولية ،بينما يهتم
الثاني بالتحليل الشكلي للروابط القانونية و هكذا يقتصر اللقاء في انهما مجرد يعمالن في
مجال واحد و هو العالقات بين الدول.
المطلب الثاني :العالقات الدولية و التاريخ الدبلوماسي
ان التاريخ يفسر الوقائع التي حدثت في الماضي و تحدث في الحاضر و يسجلها ،انه يساهم
بذلك في فهم القضايا الدولية المعاصرة و يدرك أهمية التعاون بين الشعوب ،لذلك و جب
الربط بين التاريخ السياسي و العالقات الدولية لكونهما يشتركان معا في تناول العالقات بين
الدول ،و لكون العالقات الدولية تعتمد كثيرا على التاريخ لتتمكن من فهم أحداث الحاضر و
استخراج القواعد التي تتحكم في الظواهر الدولية ،اذن يتشارك التاريخ الدبلوماسي و علم
العالقات الدولية في مجال واحد و هو العالقات بين الدول ،بفرق ان االول يتناول تاريخ
االحداث هذه العالقات ،اي انه يقوم بتسجيل االحداث المحسوسة ،بينما يسعى الثاني علم
العالقات الدولية الى الفهم الشامل ألحداث الواقع الدولي دون العناية بكل حدث بذاته.
المطلب الثالث :العالقات الدولية و علم السياسة
ان علمي السياسة و العالقات الدولية علمان يتناوالن وجهين لواقع واحد ،هو "المجتمع
السياسي" و لكن بينما يتناول علم السياسة المجتمع السياسي في ذاته ،يتناول علم العالقات
الدولية العالقات ما بين المجتمعات السياسية المتعددة ،بهذا يصبح علم العالقات الدولية
بمثابة فرع من علم السياسة ،بمعنى اخر انه اذا كان علم السياسة يتناول من ظاهرة السلطة
و الحكم في الدولة موضوعا أساسيا لدراسته ،فإن العالقات الدولية تهتم بدراسة السلطة في
إطار المجتمع الدولي الذي يضم مجموع الدول التي تكونه.
الفصل الثاني :االتجاهات النظرية لمفهوم العالقات الدولية
ان النظرية العلمية تطلب موقفا علميا لظاهرة ما من اجل تفسيرها و معرفة حقيقتها ،و
يعتبر البعض ان للنظرية في العلوم االجتماعية عامة ،و في العالقات الدولية خاصة
وظيفتان أساسيتان هما :االولى هو تدوين ما هو معروف سابقا بمنهجية سليمة ،و الثانية
4
توفير االساس الذي يمكننا من الحصول على مزيد من المعرفة و تدوينها .فما هي اهم
النظريات في العالقات الدولية ؟
المبحث االول :النظريات في العالقات الدولية
تهدف نظرية العالقات الدولية الى تفسيرها ،فقد استطاع العالم االمريكي هوفمن ان يقدم
تصنيفا للنظريات يختصرها في ثالث :
– 1النظرية الفلسفية و النظرية التجريبية
تنطلق االولى من مسلمات معينة بناء على قيم محددة اخالقية و ادبية بهدف نظام دولي،
فيما تنطلق الثانية من حاالت محددة و عديدة دون ان تهتم في اكثر االحيان الى مفاهيم
محددة و تتوصل الى اطالق احكام عامة.
– 2النظرية العامة و النظرية الجزئية
تهدف االولى من خالل نظرتها الكلية ايضاح و تفسير مختلف الظواهر الدولية ،اما الثانية
جزئية حيث تتناول جانب او شكل من ظواهر و تفعالت دولية كنظرية منع قرار و نظرية
الردع و المفاوضات.
– 3النظرية االستنتاجية و النظرية االستقرائية
تنطلق االولى من فرضية و مسلمة معينة الستكشاف قواعد سلوكية محددة ،اما الثانية
االستقرائية فهي تنطلق من واقع محدد ،و من حالة معينة من اجل ابراز سماتها العامة.
رغم هذا التصنيف للنظريات في العالقات الدولية ،يبقى هناك صعوبات امام وضع نظرية
واحدة و موحدة ،بسبب صعوبة حصر المتغيرات الدولية و ارتباطها بعوامل متعددة منها
اقتصادية و فكرية و بيئية و غيرها من العوامل ،لكن حاول بعض الباحثين جمع هذه
المفاهيم الفكرية المتناقضة في ثالثة تيارات اساسية و هي :
أ – التيار الماركسي
ب – التيار االنجلو-سامسوني
ج -المدرسة الفرنسية في العالقات الدولية
ينطلق التيار الماركسي من رؤية ماركسية للعالقات الدولية حيث يتركز الصراع الطبقي
المرتبط بعالقات االنتاج ،فمن جهة هناك المستغلون ( بكسر الغاء ) و من جهة اخرى
المستغلون (بفتح الغاء ) ،لكن التيار الماركسي لم يبقى واحدا و موحدا فقد خضع لتفسيرات
مختلفة باختالف الدول فنتكلم عن الماركسية االوروبية و االسيوية و غيرها...فما هي
المنطلقات االساسية لكل هذه المدارس .
6
عنها من حيث انفتاحها على العلوم االجتماعية االخرى مستفيدة منها ،بعد ان كانت قد
سبقتنها بالظهور المدرسة السلوكية .فما هي المنطلقات االساسية للمدرسة السلوكية ؟
المطلب الثالث :النظرية السلوكية
شهد عقد الخمسينات من القرن العشرين ،ظهور المدرسة السلوكية بهدف ايجاد "نظرية
تعليلية تفسيرية تنبؤية" ،باعتمادها على قواعد و مناهج بحث علمية و مقارنة ،تقوم بمجملها
على القياس الكمي للمتغيرات الواقعية في العالقات الدولية ،ان هذه النظرية هي تحليلية
عامة و ليست خاصة و تفسيرية وليست معيارية ،و تحاول هذه المدرسة الربط بين
الظواهر السياسية و الظواهر االجتماعية لتخرج بنتيجة مفادها ،ان السلوك السياسي هو
جزء من سلوك اجتماعي عام ،لذلك و بالرغم من انتقادها للمدرستين المثالية و الواقعية
الفتقادهما لمناهج البحث العلمي ،و باعتماد االولى على القانون و الثانية على القوة ،منطلقة
من ان سلوكيات الدول هي اساس سلوكيات االفراد و الجماعات ،باعتبارها سلوك البشر هو
جوهر العالقات السياسية ،لكنها تعرضت لعدة انتقادات هذه اهمها :
-تنتقد السلوكية بانها تبتعد عن الواقع الدولي لعدم تمكنها من اخضاع بعض الظواهر
الموجودة في العالقات الدولية كالجوع و المرض و غيرها من الظواهر.
المطلب الرابع :نظرية المدرسة ما بعد السلوكية
تركز هذه المدرسة في منطلقاتها على أهمية القيم في أهداف البحث و مسلماته ،و ترفض
المنطق الذي يقول بوجود بحث مجرد من اية قيمة ،كما هو عند السلوكية ،و تدعو الى
توجيه االبحاث لخدمة السالم العالمي و االبتعاد عن الحروب و بناء دولي افضل ،و تلتقي
كذلك هذه المدرسة مع المثالية من حيث ايمانها ب االنسجام في المصالح بين االفراد و بين
المجتمع الدولي و بين المصلحة القومية و المصلحة العالمية ،و توجه هذه المدرسة لدراسة
العالقة الدولية نحو ايجاد حلول للنزاعات الدولية المتعددة ،و ليس االكتفاء فقط التعرف
على هذه المشكالت و الكشف عن أربابها ،و تعتقد كذلك ان هناك أطرافا اخرى فاعلة
على صعيد السياسة العالمية غير الدولة تلعب دورا موازيا باالهمية و احيانا اكثر اهمية
من العديد من الدول ،كالكتل و المنظمات االقليمية و الدولية.
الفصل الثالث :الدراسات عن السالم و حل النزاعات
شهدت مرحلة ما بعد الحرب الباردة تسارع الدرسات عن تطور السالم و حل النزعات ،و
في هذا المجال نجد ان الدرسات عن السالم و حل النزعات الدولية تكمل دراسة العالقات
الدولية ،و بالرغم انه ال يوجد تعريف وحيد للسالم و حل النزاعات ،فوجهة النظرالمقبولة
عموما تقول عنه انه مجال اكاديمي متشابك الموضوعات يحلل أسباب الحرب ،و العنف ،و
القمع المنتظم ،و يكتشف العمليات او االجراءات التي يمكن استخدامها الدارة النزاعات و
التغييرات على نمو يمكن من الصيانة القصوى للعدالة ،و من التقليل الى اقصى حد من
العنف ،و يشمل هذا المجال دراسة االنظمة االقتصادية و االجتماعية و السياسية في جميع
المستويات منها القومية و العالمية الى غير ذلك من العلوم ،ان السالم و حل النزاعات
يتطور و يتحرك خارج المفهوم التقليدي للقوة و االمن ،فان هذه الدراسات عن السالم و حل
النزعات تقر بان الجوع و الفقر و االستغالل مثال هي تحديات لالمن القومي ،و عموما فان
السالم و حل النزعات يركز على امن النظام العالمي كله ،كذلك نجد ان االمن المعزز لدولة
ما يتطلب امنا محسنا لكل الدول ايضا ،و بالتالي فان مفهوم االمن المشترك الذي يشترط
7
وجود مصالح مشتركة يؤدي الى امن متزايد االهمية للدول كلها ،و اذا كانت العالقات
الدولية تنظر الى السياسة و الثقافة بوصفهما موضوعين منفصلين احدهما عن االخر ،فان
مسألة السالم و حل النزعات ترى في السياسة نشاطا سياسيا و ترى في السياسة العالمية
نوعا من االتصال الثقافي ،و اذا كانت العالقات الدولية تميل الى تفعيل الوصف و الشرح،
فان مسألة السالم و حل النزعات تسعى على نحو اوضح الى االخذ بالتنبؤ ،الذي يعتبر
االخذ به امرا مقصودا في السياسة.
المبحث االول :طبيعة السياسة العالمية
ان الجدل المتعلق بالطابع الحقيقي للسياسة العالمية و كيفية دراستها على أفضل و جه ،هو
ذلك الوجه بين االيجابيين و من هم بعد االيجابيين .فااليجابيون يعتقدون ،بالواقعية
الموضوعية المتحررة من القيمة و يقبلون باسلوب االقتراب الغربي السائد الى المعرفة
المتجذرة في العقالنية و المادية ،اما من هم بعد االيجابيين فيرفضون سيطرة العلم التجريبي
الغربي و يؤكدون انه يوجد الكثير من الوسائل المنطقية و الطرائق االخرى الئشتقاق
المعرفة ،و هو يخضع لمجموعة متنوعة من التفسيرات المعتمدة على وجهات نظر الناس
المنخرطين فيها.
المطلب االول :المقاربة االنثوية للعالقات الدولية
ان احد االسهامات الهامة في الجدل الدائر عن السياسة العالمية هو ان اصواتا اخرى بدأ
تسمع في دراسة العالقات الدولية ،و لعل االبرز منها هو صوت الجنس اللطيف ،و هناك
حجم متزايد من الكتابات االنثوية التي تتحدى معظم المفكرين ان يقدروا المدى الذي يمكن
فيه للممارسة التقليدية و لعلم العالقات الدولية ان يلقيا الضوء على
واالفضليات التقليدية للذكور و على االستمرار في تجاهل اهتمامات النساء، المفاهيم
و االسهام في قمعهن المستمر.
ان االبعاد النسبية االنثوية في مجال العالقات الدولية و التي تعني كيفية تفسير الواقع من
حولنا بدأ االن تكتسب سماتها البارزة او تظهر فعال الى الوجود ،و ان ما ينتشر عن
العالقات الدولية و االنوثة يكشف ثالثة أبعاد هامة ،تدعى أحيانا اطارات عمل او حسابات
نظرية و هي :الليبرالية ،و االتجاه االنثوي الجذري ،و البناء االجتماعي ،و ان وجود هذه
االبعاد الثالثة يعكس غياب النظرية الرئيسة الموحدة.
ان االهتمام الرئيس لالناث الليبراليات كان و ال يزال يتمثل في الحصول على حقوق و
فرص متساوية للنساء في مجتمع يحكمه الذكور ،وقد اكتسبت االنثوية الراديكالية مكانة
بارزة في المجتمعات الغربية اثناء اعوام الستينات ،و تنامت انطالقا من راديكالية الطلبة
في اوروبا ،يبنما شكلت جزءا من حركة الحقوق المدنية في الواليات المتحدة االمريكية.
ان البعد االنثوي النسبي الثالث ،اي البناء االجتماعي ،فانه يضم افكار ما بعد الحداثة و ما
بعد البنيوية ،و عموما فان عالقة الفكر االنثوي بالتيارات النظرية لما بعد الحداثة و ما بعد
البنيوية هي عالقة معقدة ،و يهتم هذا االسلوب الخاص بالهوية
المطلب الثاني :طرق الدراسة
لكي نقدر على نحو أكثر كماال مجموعة أساليب االقتراب الى العالقات الدولية و الى الجدل
المتعلق بعلم المعرفة يحتاج الطالب الى فهم شيء ما عن منهجية هذا المجال ،و عملية
البحث فيه .فاالسئلة الكثيرة التي طرحت عن فعل الدول و رد فعلها تطلبت معطيات يجب
8
االجابة عنها بشكل مقنع ،و قد افترض السلوكيون بوجه خاص ،انه اذا لم يكن ممكنا
اكتساب المعرفة العلمية اال بواسطة المراقبة و تصنيف المعطيات الكمية ( العددية ) ،فيجب
على دراسة العالقات الدولية ان تستفيد بشكل ما ،من القياس الكمي.
ان الهدف من القياس الكمي هو تحقيق دقة اكثر في التحليل ،و لذا فان المفاهيم يجب ان
تكون قابلة للقياس ،و يشار اليها الى انها متحوالت :اي قابلة للتغير ،كالدخل القومي
السنوي ،و ذلك عبر مجموعة من الحاالت ( كأن تكون مجموعة معينة من الدول ) .و
عندما تجمع معطيات كمية من هذا النوع عن السياسة الدولية فسوف يكون ممكنا ان يتم
تحليلها باستخدام مجموعة متنوعة واسعة من االساليب االحصائية لالجابة عن اسئلة معقدة
جدا.
ثمة مجال اخر جديد للبحث الكمي هو دراسة االحداث الدولية ،مثال من هم الممثلون االكثر
نشاطا في هذه او تلك
االحداث ؟ و هل يميل النظام الدولي على نحو حاسم الى السلم او العنف في أثناء فترة
معينة ؟ و ما مدى بروز دور المنظمات الدولية في النشاط اليومي للسياسة العالمية ؟
و بالرغم من انه ال يجوز الحد ان يقع في خطأ االعتقاد بان النموذج يمثل الواقع كليا ،فان
اساليب النمذجة المعقدة او المتطورة تستطيع برغم ذلك ،ان تقدم الينا وجهات نظر نافذة
تؤمن االستقصاء المستقبلي للعالقات الدولية و توفر لنا فوائد نظرية و عملية كبيرة.
المطلب الثالث :الحاجة الى تفكير جديد
يجب ان نؤكد ايضا انه لكي نحقق السيطرة على االخطار الراهنة المهددة الستمرار الحياة
البشرية ،كالحرب و العنف البنيوي و االساءة الى البيئة ،فثمة حاجة الى تحول جوهري في
طريقة تفكيرنا ازاء السياسة العالمية ،و على سبيل المثال ،فقد نرغب في ان يؤدي الضغط
على زر سحري الى ازالة كل اسلحة الدمار الشامل ،و لكن ان لم نكن قادرين على تغيير
هذه العادات في تفكيرنا عن العالقات الدولية بمنطق القوة و االبادة التي خلقت هذه االسلحة
بالدرجة االولى ،فان هذه االخيرة سوف يعاد صنعها خالل زمن قصير.
المطلب الرابع :اسلوب هذه الدراسة
يمكن الدراسة من ثالث وجهات نظر :
أ -وجهة النظر االولى هي مناقشة للدولة القومية بوصفها ممثال سياسيا فرديا ،و تشمل
الدراسة المشكلة التي توجهها الدولة من خالل ربطها لالهداف التي تسعى الى تحقيقها
بالوسائل الموجودة تحت تصرفها ،و هنا نركز على مفهوم القدرة و نقسمه الى بعدين :
النفوذ و الذي يشير الى قدرة الدولة في الحصول على الموافقة على سياستها عبر وسائل
مقنعة غير القوة ،و القسر الذي هو عنصر القوة و الذي تحاول الدولة المعنية استخدامه لكي
تلزم دولة اخرى بتنفيذ ارادتها.
ب – و جهة النظر الثانية تركز على النظام السياسي العالمي ،في المجالين النظري و
العملي ،حيث يتم التدقيق في مفاهيم السيادة و االستقالل و سياسة القوة و ميزان القوة و
اليات تنظيم السياسة الدولية و مضامين العالقات بين الدول اي العالقات الدولية التي
ينخرط فيها الممثلون الرئيسيون.
9
ج – و جهة النظر الثالثة تعالج السياسة الدولية و القضايا المؤثرة في النظام كله و في
اعضائه ،و تتم دراسة بعمق لكل من الحرب و السلم و االيديولوجية و االصولية و
التكنولوجيا و العالقات بين الشمال و الجنوب و الفقر و التطور و االقتصاد الى غير ذلك...
الفصل التاسع :حقوق االنسان
مقدمة :
يصعب تعريف حقوق االنسان و لكن يستحيل تجهلها ،ان حقوق االنسان تخص و تهتم
بكرامة ووقار الفرد و احترام الذات االنسانية ،و هكذا فان االعالن العالمي لحقوق االنسان
( ،) 8361و المعاهدة االوروبية لحماية حقوق االنسان و الحريات الجوهرية ( ،) 8391
و الميثاق الدولي عن الحقوق المدنية و السياسية ( ،) 8344هي كلها اجزاء من عملية
توسيع افاق احترام كرامة االنسان و حريته ،و فرصه في االبداع ،و بالرغم من ان السعي
عالمي الى االهتمام بكرامة االنسان ووقاره ،فانه يحدد و يعرف حسب ثقافة حضارة كل
شعب ،و مهما يكن من امر فان كرامة و وقار االنسان يبدوان من الحجات االنسانية التي ال
تقبل النقاش في شأنها.
10
فبعد الحرب العالمية الثانية الذي عرف مجازر وابادة جماعية فقد تم التنصيص في ميثاق
االمم المتحدة على مبدأ حقوق االنسان عكس ميثاق عصبة االمم الذي لم يتم االشارة فيه
لتلك الحقوق ،ثم تم تبني االعالن العالمي لحقوق االنسان سنة 8361من قبل الجمعية
العمومية لالمم المتحدة ،اال ان هذا االعالن يعتريه عيوب بحيث تعاريفه عامة و غير
ملزمة ،و هو عبارة عن بيان و ليس معاهدة و ليس له قوة االلزام الدولية.
و في الختام تجدر االشارة و التنويه الى وجود منظمات غير حكومية كمنظمة العفو الدولية
و تش الذين يقومون بمهام تحقيقية و كشف الحقائق و المراقبة و منظمة هيومن رايتس
و التبليغ عن انتهاكات حقوق االنسان ،كما يوجد اليوم اكثر من الف منظمة غير حكومية
عبر العالم و تقدم هذه الوكاالت فيضا من المعلومات و التقارير.
11
هكذا اصبحت مفاهيم حقوق االنسان و الديموقراطية مبادئ مقبولة لطموحات كل مجتمع ،و
ان على االقل على المستويين العالمي و القومي ،يمكن االشارة ان اول نموذج للدولة
الديموقراطية الحديثة كان وال يزال متمثال في المجتمع و النظام الليبرالي الرأسمالي ،الذي
تلعب فيه الطبقة المتوسطة المستهلكة دورا هاما و تشدد على اهمية الحقوق المدنية و
السياسية ،اما الثورات االشتراكية فقد جاءت بنموذج جديد فنجد من االمثلة االنظمة في
روسيا و الصين و كوبا اذ شددت على على الديموقراطية االشتراكية في سعيها الى استعادة
التوازن للمجتمع و المساواة االقتصادية عبر نظام الحزب الواحد الحاكم.
ان هذين النوعين من الدول الديموقراطية قد خلقا نموذجين مختلفين جذريا من الدول
الديموقراطية الحديثة ،لكن كال هذين االمثلة ليسا كاملين ،و يمكن ان نراهم في اشهر و
اقوى دولتين في العالم ،الواليات المتحدة االمريكية و االتحاد السوفياتي سابقا.
اوقفت الحرب الباردة الجهود الهادفة الى تطوير ديمقراطية و حقوق انسانية واحدة و تامة،
اذ نسفت التطور في جنوب العالم ،و كان التوسع في االخذ بالديموقراطية و االنسانية قد
توقف في كال النظامين ،و بطرق مختلفة ،حيث اخذت الحرب الباردة االسبقية و كانت
النتيجة هي فشل مختلف نماذج التطور ،تنافس الدولتان العظيمنان على الهيمنة العالمية و
اوقفتا جهود تقوية النظام الدولي و اهمال حقوق االنسان و انظمة حماية هذه الحقوق.
اما االن و بعد انتهاء الحرب الباردة فيوجد فراغ كبير في مناقشة حقوق االنسان ،و العالم
اليوم يفتقر الى نموذج او مثال ديموقراطي جديد و الى نظرة متكاملة عن حقوق االنسان،
لكن نجد ان الليبرالية الجديدة هي وجهة النظر السائدتان وذلك السباب تعود في
معظمها الى غياب النظريات و التحليالت الجديدة ،لكن يبقى االمل في ان البعض من
المجتمع العالمي يجاهد و يكافح من اجل االجتهاد و الخروج بنموذج جديد يرتكز على
و االخاء من اجل ان يستطيع العالم ان يصبح المكونات الثالثة الحرية و المساواة
مجتمعا حقيقيا لكي يتفادى االنحدار الى الخراب و الفوضى.
13
كما ان التفرد االمريكي بقرارات االمم المتحدة من جراء استهتارها بالهيئات الدولية ،يعبر
تعبيرا صادقا عن سياسة الهيمنة ،و كذلك بقاء حلف شمال االطلسي بعد سقوط المعسكر
الشيوعي يؤكد بالملموس دعم الهيمنة االمريكية ،بتدخله في البوسنة و الهرسك و صريبيا و
العراق و افغانستان و الصومال...
كذلك نجد ان العولمة تدافع عن مبدأ حرية التجارة العالمية ،بمعنى فتح حدود الدول و
اسواقها ،و لضمان نجاح العولمة االقتصادية تم انشاء " منظمة التجارة العالمية " سنة
،8339و انيطت لها صالحيات واسعة في مجال مراقبة النظم التجارية و فرض االنظباط
التجاري.
هذه هي العولمة التي تعد هي االساس في النظام العالمي الجديد.
14