Professional Documents
Culture Documents
JOCU - Volume 10 - Issue العدد (9) ینایر 2021 - Pages 1-14
JOCU - Volume 10 - Issue العدد (9) ینایر 2021 - Pages 1-14
المستلخص:
تمثل الدراسة محاولة لعرض االفتراضات األساسية الكامنة وراء التنمية من منظور إسالمي وتبحث بإيجاز
بعض األساليب الغربية للتنمية ألغراض المقارنة .حيث ترى الدراسة أن المنظور الغربي للتنمية فشل في فهم
طبيعة اإلنسان ككائن مادي وغير مادي .ولكن من منظور إسالمي ،ينظر إلى التنمية على أنها عملية متكاملة
تتضمن عمليات بناء طبيعة متوازنة للحياة االجتماعية والبيئية واالقتصادية والروحانية .وذلك ألنها مساعي
بشرية هادفة تهدف إلى تحقيق منافع مادية واضحة ،ومنافع اجتماعية حقيقية ،ورضا روحي على أساس مبدأ
وحدانية هللا (التوحيد) .وبالتالي فإن التنمية هي عملية عالقات ثالثية ،أي العالقات بين اإلنسان وهللا ،واإلنسان
واإلنسان ،وبين اإلنسان والطبيعة (البيئة).
Abstract:
26
2021 يناير- مجلة كلية السياسة واالقتصاد العدد التاسع
Where the study sees that the Western perspective of development fails to
understand the nature of the human as a material and immaterial being .But from
an Islamic perspective, however, development is seen as an integrated process
that includes processes of building a balanced nature of social, environmental,
economic and spiritual life.
حيث يجادل البعض بأنه يتم تحقيق ذلك من خالل التغيير االقتصادي من،يعد مصطلح التنمية غامض
بينما يرى آخرون أنه تغيير اجتماعي بسبب التحضر من خالل تبني أسلوب الحياة.خالل عملية التحديث
بما أن اإلسالم هو جسم موحد من الجوانب الروحية. كل ذلك تمت مناقشته من المنظور الغربي،الحديث
فال يمكن قبول هذا المفهوم الغربي للتنمية لفهم التنمية من منظور،والزمنية على أساس الوحدة التوح يدية
.كليا على وجهة النظر اإلسالمية
ً فإن األمر يتطلب إعادة تعريف مصطلح التنمية الذي يقوم، ومن ثم.إسالمي
من المفيد فهم أفكار بعض المفكرين المسلمين حول موضوع التنمية والتغيير،لفهم ماهية التطور في اإلسالم
.والتقدم
27
مجلة كلية السياسة واالقتصاد العدد التاسع -يناير 2021
يعد مفهوم التنمية Developmentمن أبرز المفاهيم العالمية التي تم اعتمادها منذ منتصف القرن
العشرين ،وفًقا للخبرة الغربية" ،األورو-أمريكية" ،كمدخل تأسيسي ُم ِّحمل بدالالت قيمية للحديث عن عملية بناء
نموذجا للكمال
ً نظم اقتصادية وسياسية متماسكة وفًقا لمعايير ثقافية خاصة جعلت من المنطلقات الغربية
اإلنساني ،تسعى الدول المتقدمة من منظور المركزية األوربية ووريثتها األمريكية ،إلى فرضه باعتباره النموذج
شكليا ،مع النمط الغربي للحياة.
األولى بالتطبيق لكل من أراد االرتقاء بشرًيا ليتشابه ،ولو ً
تنظير وتطبيًقا ،بصورة أساسية ،إلى واجهة المشهد السياسي/االقتصادي الدولي ،منذ
ًا وقد برز مفهوم التنمية
حقبة الحرب العالمية الثانية ،حيث لم يكن هذا المفهوم ُيستعمل منذ ظهوره في الربع األخير من القرن الثامن
عشر على يد اآلباء المؤسسين لعلم االقتصاد الغربي وعلى رأسهم االقتصادي البريطاني البارز آدم سميث،
إال على سبيل االستثناء ،ليزيح هذا المفهوم عدة مفاهيم رئيسة كانت تستخدم في ذات السياق االرتقائي
التطوري ،أهمها؛ التقدم المادي ،Material Progressوالتقدم االقتصادي ،Economic Progress
والتحديث ،Modernizationوالتصنيع .Industrialization
ويمكن القول؛ إن علم االقتصاد كان بمثابة األب الشرعي لمفهوم التنمية ،وفًقا للمنظور الغربي ،حيث ولد
المفهوم من رحمه للداللة على عملية إحداث مجموعة من التغيرات "الجذرية" في مجتمع معين؛ بهدف إكساب
ذلك المجتمع القدرة ع لى التطور الذاتي المستمر بمعدل يضمن التحسن المتزايد في نوعية الحياة لكل أفراده،
بمعنى زيادة قدرة المجتمع على االستجابة للحاجات األساسية والحاجات المتزايدة ألعضائه؛ بالصورة التي تكفل
زيادة درجات إشباع تلك الحاجات؛ عن طريق الترشيد المستمر الستغالل الموارد االقتصادية المتاحة ،وحسن
توزيع عائد ذلك االستغالل ،بما يشكل جوهر الفلسفة الرأسمالية الغربية بأطرها التطبيقية المختلفة.
وهنا يكمن التمايز الفلسفي القيمي للتنمية بين المنظورين الغربي واإلسالمي ،فاالقتراب اإلسالمي لمفهوم
ون ُم ًّوا ،فهو نامٍ ،بمعنى الزيادة
نماءا ُ
ً ، التنمية ينطلق من لفظته البنيوية المشتقة من الفعلين؛ "نما"َ ،ينموْ ،ان ُم
والوفرة ،ومن ثم فالتنمية من المنظور ونماءا ونمية ،بمعنى الزيادة والكثرة
ً نميا
و"نمى" ،ينميً ،واالنتشارِّ ،
اإلسالمي ذاتية تدرجية نابعة من ذات الشئ وكينونته ،بما يحمل بين طياته احت ار ًما للخصوصيات واعت ارًفا
28
مجلة كلية السياسة واالقتصاد العدد التاسع -يناير 2021
بحقيقة االختالف والتعدد التي ب أر هللا الكون عليها ،بخالف المنظور الغربي القائم على التغيير الجذري ،الذي
بناءا على رؤية المتدخل الغالب أو المهيمن.
هو تدخل جراحي خارجي للتغيير ً
ولعل ما يبرز هذا المعنى ويؤكده ،انتقال مفهوم التنمية من حاضنته االقتصادية إلى حقل السياسة ،من ذ
النصف الثاني من القرن المنصرم ،حيث ظهر كحقل علمي بيني مستقل يعنى بتطوير وتحديث البلدان "غير
األوروبية" نحو الديمقراطية ،حيث باتت التنمية بمفهومها السياسي تعني "عملية تغيير اجتماعي متعدد الجوانب،
غايته الوصول إلى مستوى الدول الصناعية/الغربية" ،وهو منظور استعالئي يدعي التميز والفوقية وينفي التعدد
والخصوصية التي يراعيها ويؤكد عليها المفهوم اإلسالمي للتنمية.
وبشكل عام ،يتسم المفهوم الغربي للتنمية بعدة سمات جوهرية تمثل لب الفلسفة الرأسمالية بتطوراتها العولمية
الراهنة؛ تتمثل في(:)1
غلبة الطابع المادي على الحياة اإلنسانية ،حيث تقاس مستويات التنمية المختلفة بالمؤشرات
المادية البحتة.
نفي وجود مصدر للمعرفة مستقل عن المصدر البشري المبني على الواقع المشاهد والمحسوس؛
أي بعبارة أخرى إسقاط فكرة الخالق من دائرة االعتبارات العلمية.
إن تطور المجتمعات البشرية يسير في خط متصاعد يتكون من مراحل متتابعة ،كل مرحلة أعلى
نموذجا للمجتمعات األخرى ويجب عليها
ً من السابقة ،وذلك انطال ًقا من اعتبار المجتمع األوروبي
محاولة اللحاق به.
إن مفهوم التنمية في المنظور اإلسالمي ُيعبر عن الزيادة المرتبطة بالطهارة والبركة وأجر اآلخرة ،وإن لم
يتجاهل مع هذا "الحياة الطيبة" في الدنيا ،تنمية اإلنسان ،وتنمية العمران ،في حين يجنح مفهوم
Developmentإلى البعد الدنيوي الخالص ،دون أي مقومات روحية أخروية ،من خالل تنميط المجتمعات
وفًقا لمؤشرات مادية في مجملها ،جلها اقتصادي ،حتى ولو تسربل بنكهة إنسانية زائفة ،من خالل تكميم
المجتمعات اإلنسانية وتحويلها إلى جملة من األرقام واإلحصاءات ،تخلو من أي روح إنسانية ،تهتم بالنجاح
29
مجلة كلية السياسة واالقتصاد العدد التاسع -يناير 2021
مدمر للبيئة ولنسيج المجتمع ،وتؤكد على التنظيم االجتماعي ولو أدى إلى سحق وتهميش
ًا التقني ولو كان
اآلخر؛ الثقافي والحضاري.
ومن ذلك يمكن القول إن جوهر التنمية في المفهوم اإلسالمي ،ذو وجهين؛ أولهما :هو تنمية اإلنسان نفسه،
وليس مجرد تنمية الموارد االقتصادية المتاحة إلشباع حاجاته ،ومن ثم هي تنمية قيمية تهدف إلى تكوين
اإلنسان الصالح ،خليفة هللا في األرض ،الذي يشكل نواة المجتمع اإليماني القويم،
والذي ينظر إلى التقدم المادي من منطلق االستخالف في األرض ،التي سيحاسب عليها أمام هللا تعالى،
الصا،
دنيويا خ ً
ً وثانيهما :يتمثل في العمران ،وهو الجانب المادي الحضاري للتنمية ،والذي يتجاوز كونه عمالً
وطلبا آلخرته كذلك.
تعبديا فيه طاعة هلل عز وجل ً
ً ال
ألن يصبح في األخير عم ً
على المستوى األكاديمي التنظيري في المجتمع البحثي ثمة مادة ثرية للنقاش والجدل العلمي حول مقتربات
التنمية الرئيسة Development Approachesالتي سادت في المنظومة الدولية منذ ما بعد انتهاء الحرب
العالمية الثانية ،منتصف القرن الفائت ،وفي هذا اإلطار ثمة اتجاهان نظريان لتفسير ظاهرتي التنمية والتخلف
اتيا العتبارات الحاضنة األيديولوجية لكل منهما،
منهجيا وأدو ً
ً في المجتمعات اإلنسانية الحديثة( ،)2يتنافران
يندرجان تحت عنوانين جامعين؛ هما :التحديث Modernizationوالتبعية Dependencyوقد يكون
االتجاه الثاني ردة فعل باألساس على مقوالت االتجاه األول ،والتي نبتت في سياق التفسيرات الليبرالية الغربية
للتنمية المجتمعية ،وربطها بسياقات قيمية الفتة ،تعتمد على خطاب ومقوالت المركزية األورو-أمريكية السائدة
خالل المائة عام الماضية.
تستند نظريات التحديث إلى التصنيفات الثنائية الكبرى والتي ظهرت في القرن الماضي ،ال سيما ثنائية
األلماني تونيز Tonniesوالفرنسي دور كايم ، Durkheimالتي قسمت المجتمعات وعناصرها البيئية
واالجتماعية إلى مجتمعات حديثة Modernوأخرى تقليدية ،Traditionalانتظمت تحتها مؤشرات
30
مجلة كلية السياسة واالقتصاد العدد التاسع -يناير 2021
ديموجرافية واقتصادية وتكنولوجية وسياسية وقيمية وثقافية عدة( ، )3تم اعتمادها كأساس لهذا التصنيف على
الدول والمجتمعات اإلنسانية ،وقد نشأ وتطور االتجاه التحديثي للتنمية في خمسينيات وستينيات القرن العشرين
على يد عدد من علماء االجتماع واالقتصاد األمريكيين؛ أبرزهم تالكوت بارسونز .Talcott Parsons
وتتلخص مقوالت نظريات التحديث في إعطاء أهمية كبيرة للجوانب السوسيولوجية والسيكولوجية واالقتصادية
في التنمية ،مع التأكيد على أنظمة القيم والدوافع الفردية وتراكم رأس المال كشروط الزمة للتغير االجتماعي
والتحول من مجتمع تقليدي إلى مجتمع حديث ،وفًقا لمؤشرات التصنيع والتحضر والحريات الفردية واقتصاد
السوق وتشجيع القطاع الخاص وبناء المجتمع المدني ،ومن ثم فإن انتشار خصائص التحديث ،والتي تمتاز
بها المجتمعات الغربية المتقدمة ،وانتقالها إلى البلدان النامية ،هو شرط لحصول تلك الدول على الفرصة
المناسبة للتحول إلى مجتمعات حديثة واللحاق بركب الحداثة الغربية،
كل ذلك في سياق سياسي يقوم على المشاركة الشعبية في الحكم واستبدال أنماط السلطة التقليدية بنظام
عقالني قانوني وإيجاد حكومات وطنية قائمة على االنتخابات البرلمانية كضمانة لتداول السلطة وتمثيل كافة
أطياف المجتمع(.)4
أما نظريات التبعية ،فقد انطلقت من سياقات بحثية وفكرية في أمريكا الالتينية خالل ستينيات القرن العشرين،
قبل أن تنتقل إلى فعاليات بحثية وأكاديمية وفكرية في أوروبا والواليات المتحدة األمريكية ودول أخرى ،كردة
فعل ونتيجة منطقية لعدم نجاح نموذج نظريات التحديث في تقديم تفسير حقيقي كاشف لظاهرة التخلف في
دول العالم الثالث ،حيث حاولت دراسات التنمية القائمة على المدخل التحديثي أن تبرهن على أن التخلف ه و
حالة ذاتية متأصلة في تلك الدول ،ناتجة عن طبيعة البنى االجتماعية فيها ،ولم تنتج عن االستعمار ،بل هي
موجودة قبل االستعمار ومستمرة بعده كذلك ،ومن ثم فقد جاءت اقترابات التبعية كردة فعل على مقوالت
وأطروحات اقترابات التحديث.
وتنطلق مقوالت مقتربات التبعية من فرضية مفادها أن حالة التخلف وما ينتج عنها من إشكاليات وأزمات
نموا ،هي باألساس إحدى منتجات الحقبة االستعمارية ،تفسر حالة التخلف االقتصادي
في الدول المتخلفة واألقل ً
31
مجلة كلية السياسة واالقتصاد العدد التاسع -يناير 2021
والسياسي من منطلق الظروف التاريخية التي مرت بها بلدان العالم الثالث ،ووقوعها تحت السيطرة االستعمارية
للنظام الرأسمالي العالمي،
كما أنها تعتبر أن هناك عالقة جدلية بين التنمية والتخلف ،وبين الحداثة والتقليدية ،وبين مختلف الظواهر
بشكل عام ،بمعنى آخر؛ اعتبرت مقوالت التبعية أن التنمية التي حدثت في العالم الرأسمالي المتقدم كانت على
حساب الدول المستعمرة ،وأن الوجه اآلخر لتلك التنمية هو تخلف دول العالم الثالث ،ووقوعها في براثن التبعية
والسيطرة الرأسمالية(.)5
وفًقا لذلك االقتراب ،فإن الدول الغربية ،دول المركز ،تمارس هيمنتها على الدول غير المركزية ،الدول
اقتصاديا ،أو من خالل المؤسسات المالية
ً سياسيا وعسكرًيا و
ً األطراف ،سواء من خالل حكوماتها التابعة،
العالمية ،التي تعد بمثابة األذرع المالية للقوى الغربية المهيمنة ،مثل البنك الدولي وصندوق النقد الدولي وغيرهما
من المنظمات وكذلك الشركات المتعددة الجنسية ،التي تعمل باتجاه تعطيل اإلرادة الوطنية للدول التابعة وفقدانها
لشروط إعادة تكوين ذاتها والتوجه نحو التقدم والخروج من براثن التخلف والتبعة ،األمر الذي يؤدي إلى استمرار
وديمومة سيطرة الدول المتقدمة على الدول النامية ،وإبقاء األخيرة في دائرة التبعية للهيمنة الغربية( ،)6وهو ما
يثير التساؤالت بشأن مدى قدرة الدول غير الغربية على إنتاج نموذجها التنموي الخاص والمستقل والمتسق مع
أطرها القيمية والثقافية والحضارية.
ثمة جدل أكاديمي محتدم بشأن التنظير االقتصادي لجدوى اعتماد ِّ
الدول اإلفريقية في تحقيق التنمية
الدعم الخارجي متمثالً في المساعدات األجنبية
المستدامة Sustainable Developmentاعتماداً على ِّ
المنظمات والهيئات والكيانات االقتصادية المختلفة ،وسواء
ِّ الدول أو على مستوى
اإلنمائية ،سواء على مستوى ِّ
الميسرة آلجال
ِّ أخذت هذه المساعدات شكل المنح والهبات النقدية أو العينية أو الفنية ،أو أخذت شكل القروض
حدة ذل ك الجدل ما إذا كانت تلك المعونات مشروطة أويخفف ِّالم َديين المتوسط والطويل .وال ِّ
ممتدة ما بين َ
غير مشروطة ،في إطار ثنائي أو في إطار جماعي ،إقليمي أو دولي.
32
مجلة كلية السياسة واالقتصاد العدد التاسع -يناير 2021
وفي هذا اإلطار؛ توجد مدرستان متضادتان في رؤيتيهما لجدوى االعتماد على ِّ
الدعم الخارجي في
استراتيجيات التنمية؛ أوالهما :ترى أن دور الداعم الخارجي ،المانح أو المساعد أو المقرض أو حتى الم ِّ
درب
والمشرف ،في إطار إيجابي محض ،قد ينحو إلى المثالية السياسية ،وتستند هذه المدرسة إلى ما ُيعرف بـ
المكمل» ،والثانية :تنظر إلى الدور الخارجي في إطار سلبي ،استنادًا لمقتضيات الواقع المنظور
ِّ «نظرية
وممارساته ،وتبني هذه المدرسة رؤيتها السلبية تلك على ما ُيعرف بـ «نظرية البديل».
كمل " باألساس على اعتبار أن الدور الخارجي في التنمية المستدامة ذو أثر إيجابي في
الم ّوتنهض "نظرية ُ
محلية للدول المتلقية والممنوحة؛ حيث يؤدي الخارج دو اًر مهمًا ورئيسًا في ِ
سد عجز الموارد ال ِّ
ِّ ِّ اقتصاديات الدول
النمو المرغوبة أو المبتغاة ،ومن ثم ،فاالعتماد على الخارج
النامية ،والتي دائمًا ما تعجز عن تحقيق معدالت ِّ
ال غضاضة فيه كبداية للنهضة ،والوصول إلى االعتمادية الذاتية للتنمية المستدامة في األجل الطويل(.)7
المكمل" في
ِّ مثل المناخ المناسب لسيادة "نظرية
ولعل واقع العالقات الدولية ِّإبان حقبة الحرب الباردة ،قد ِّ
إفريقيا خالل عقدي الخمسينيات والستينيات من القرن الماضي ،حيث كانت هذه النظرية هي اإلطار الرئيس
لفلسفة عالقات ما ُيعرف بالتعاون بين الدول اإلفريقية من جهة والدول الغربية المستعمرة السابقة للقارة من جهة
أخرى ،بيد أن العيوب الجوهرية في تلك النظرية وعدم اضطالعها باإلجابة عن كثير من التساؤالت بشأن
تحقيق التنمية المستدامة ،وعدم جدواها التنموية في األجلين المتوسط والبعيد ،على الرغم من مرور عقود طويلة
33
مجلة كلية السياسة واالقتصاد العدد التاسع -يناير 2021
أما من الناحية السياسية؛ فثمة إطار آخر للتحليل ينبغي االلتفات إليه ووضعه في الحسبان عند الحديث
المكمل» ،أال وهو «سببية المساعدة» ،أو لماذا تتبارى القوى الكبرى وأذرعها االقتصادية والمالية
ِّ عن «نظرية
الدعم المالي والفني لدول القارة السمراء؟
الدولية في تقديم المساعدات و ِّ
وهنا تبرز «نظرية المباريات» Game Theoryبوصفها إطا اًر تفسيريًا لإلجابة عن تساؤالت الدوافع
واألهداف المتعلقة بحرص الخارج -غير اإلفريقي -على تقديم المساعدات اإلنمائية للقارة ،فقد اعتبر بعض
الباحثين االقتصاديين ،ومنهم األمريكي «توماس شيلينج» ،Thomas Cr. Schellingفي تحليلهم لنوعية
المتلقي) من الدول ،إلى صيغة المباريات غير الصفرية non zero-sum
العالقات التي تنشأ بين (المانح و ِّ
المتلقية ليست عالقة صفرية ،طرف يمنح العتبارات
ِّ ،gamesوالتي تعني أن عالقة الدول المانحة بالدول
إنسانية مزعومة ،وطرف َّ
يتلقى إلحداث الفارق في بنيته التنموية فحسب ،وإنما هي عالقة تبادل منافع ،أو
ويتلقى ،ولكن االختالف
مقايضة شيء بشيء آخر ،أي عالقة تحكمها المصالح بشكل رئيس ،كال الطرفين يمنح ِّ
بينهما يكون في الكيف والنوع (.)10
المتلقي»
ِّ وقد خلص ديفيد بيم David Beimفي تحليله للعالقات الدولية القائمة على ثنائية «المانح -
لمتلقية، تحقق للدول المانحة عددًا من األهداف والمكاسب ،تفوق ما ِّ
تحققه الدول ا ِّ إلى أن المساعدات الخارجية ِّ
يصب -في األخير -في مصلحة الدول المانحة.
ِّ تحقق من األهداف إال ما
والتي ال ِّ
ويمكن تلخيص أبرز ما تحصل عليه الدول المانحة عبر بوابة المساعدات اإلنمائية في أربع نقاط رئيسة،
تتضح بجالء في ضوء خبرة التنافس (األمريكي – السوفييتي) ِّإبان حقبة الحرب الباردة(:)11
34
مجلة كلية السياسة واالقتصاد العدد التاسع -يناير 2021
35
مجلة كلية السياسة واالقتصاد العدد التاسع -يناير 2021
وأخي ًار؛ قد تنعكس المساعدات الخارجية على الدول المانحة بفوائد عسكرية ،مع مالحظة أن تلك الفوائد
المتلقية للمعونة ،بمعنى إنه قد تق ِِّدم دولة
ِّ العسكرية قد ال تكون نتاجًا لمعونات عسكرية ُق ِّدمت للدول
متلقية من أجل بلوغ أهداف عسكرية ،بينما
ما من الدول المانحة معونة أو مساعدة غير عسكرية لدولة ِّ
قد ِ
تقدم تلك الدولة معونات عسكرية من أجل بلوغ أحد األهداف الثالثة األولى سالفة البيان.
ِّ
تسوغ العتمادية الدول اإلفريقية على الخارج "غير اإلفريقي" ،أو
المكمل" التي ِّ
ِّ إذن وباختصار؛ فإن "نظرية
محف ًاز لتدشين استراتيجيات التنمية المستدامة في القارة ،ما هي في
ال مساعدًا أو ِّ
الغربي باألساس ،بوصفه عام ً
األخير إال َو ْهم كبير!
تتجسد في ثالثة عناصر رئيسة ،هي :القيادة السياسية ،واألهداف االستراتيجية ،وحجم القاعدة ومن ثم فهي ِّ
كل عنصر من هذه العناصر الثالثة ِ
اتيجيا للدولة إلقامة بنيتها التنموية،وينبثق عن ِّ
العلمية؛ بوصفها خيا ًار استر ً
تشكل في مجملها صورة تقريبية عن مدى استقاللية «اإلرادة القومية» للدولة ،وهذه المؤشرات
مؤشرات عدةِّ ،
هي(:)13
-1قدرة الدولة على تعبئة الموارد الذاتية ،ودرجة استجابة الدولة لحاجات الشعب األساسية،
36
مجلة كلية السياسة واالقتصاد العدد التاسع -يناير 2021
وفي سياق هذه المقدمة المفاهيمية ،التي تؤصل لمفردات التنمية والتنمية المستدامة ،والتحديث والتبعية،
والمنظور الغربي والمنظور اإلسالمي ،فإن الدراسة ستستفيد من المؤشرات الكمية التي تعتمدها مقتربات التنمية
الغربية ،لتحليل الفجوات التنموية الحاصلة في الدول والمجتمعات اإلفريقية،
كما ستستفيد كذلك من المدخل القيمي اإلسالمي للتنمية ،والذي يعلي من شأن تنمية اإلنسان باعتبارها
المدخل الرئيس لتنمية العمران .ومن ثم فهي تمزج بين كال المنظورين ،على الصعيد اإلجرائي ال القيمي ،وذلك
لتحقيق التراكم العملي واالستفادة من الحضارات والثقافات األخرى في سياق التالقح بين الخبرات اإلنسانية
الرامية إلى إعالء اإلنسان كقيمة ال إلى تسليعه أو تنميطه وقولبته في قوالب أيديولوجية جامدة.
37
2021 يناير- مجلة كلية السياسة واالقتصاد العدد التاسع
:هوامش الدراسة
،1992 ، المعهد العالمي للفكر اإلسالمي، فرجينيا، نظرية التنمية السياسية المعاصرة،) نصر محمد عارف1
.39 ص
2) for more details; Bill Hopwood, Mary Mellor and Geoff O’Brien, Sustainable
Development: Mapping Different Approaches, Sustainable Cities Research
Institute, University of Northumbria, Newcastle on Tyne, UK, 2005, pp. 38-52.
"حركة التغيير االجتماعي في فكر ابن خلدون وعلماء االجتماع، محمود الذوادي:) لمزيد من التأصيل انظر3
كلية اآلداب، عبد الرحمن بن خلدون قراءة معرفية منهجية: ورقة بحثية مقدمة لمؤتمر،"الغربيين األوائل
.2000 أغسطس6-5 ، القاهرة،جامعة عين شمس
4) Adam Przeworski and Fernando Limongi, "Modernization: Theories and Facts",
World Politics, Vol. 49, No. 2 (Jan., 1997), pp. 155-183
5) Vincent Ferraro, "Dependency Theory: An Introduction," in The Development
Economics Reader, Giorgio Secondi, (ed.), London, Routledge, 2008, pp. 58-
64.
6) Emeh Ikechukwu Eke Jeffrey, "A Discourse on Andre Gunder Frank’s
Contribution to the Theory and Study of Development and Underdevelopment; Its
Implication on Nigeria’s development situation", in: Greener Journal of Biological
Sciences, Vol. 2 (3), November 2012, p. 52-60.
7) Paul Bowles, “Foreign Aid and Domestic Savings in Less Developed Countries:
Some Tests for Causality”, World Development, Vol. 15, No. 6, June, 1987, p.
789.
8) Pradumna B. Rana, J. Malcolm Dowling، “THE IMPACT OF FOREIGN CAPITAL
ON GROWTH: EVIDENCES FROM ASIAN DEVELOPING COUNTRIES”, The
Developing Economies, Volume 26, Issue 1, March 1988, Pp. 3 – 11.
: انظر،) لمزيد من التفصيل بشأن الجدل األكاديمي حول نظريات المساعدات االقتصادية األجنبية9
38
مجلة كلية السياسة واالقتصاد العدد التاسع -يناير 2021
-أنور محمود عبد العال :اآلثار االقتصادية الكلية للمعونات األمريكية على االقتصاد المصري ودورها في
اإلصالح االقتصادي 1975م ،1996 -رسالة ماجستير ،جامعة القاهرة ،كلية االقتصا د والعلوم السياسية،
1999م ،ص ص .18 - 8
-علي محمد علي محمود :المساعدات االقتصادية المدنية الخارجية لمصر وآثارها على االقتصاد المصري
خالل الفترة ، 2004 – 1991رسالة ماجستير ،جامعة القاهرة ،كلية االقتصاد والعلوم السياسية.2008 ،
- Fredrik Erixon, "Why Aid Doesn't Work", B.B.C World, 11 September 2005,
available at: goo.gl/6aWl08
10) Raymond F. Hopkins, "Political Economy of Foreign Aid" in: Foreign Aid
Development: Lessons Learnt And Directions For The Future, Routledge,
2000, p.p. 423-449.
11) David Beim, The Communist Block and the Foreign Aid Game, University
of Utah on behalf of the western Political Quarterly, Vol. 17, No. 4, 1964, Pp. 785
-788.
)12للمزيد بشأن اإلرادة القومية كأحد عناصر القوة الشاملة للدولة ،انظر:
- Ray S. Cline, World Power Trends and U.S. Foreign Policy for the 1980's,
Boulder CO: West View Press, 1980.
تطور
)13لمزيد من التفصيل بشأن تلك المؤشرات ،انظر :جمال زهران :منهج قياس قوة الدولة واحتماالت ّ
الصراع العربي اإلسرائيلي ،بيروت ،مركز دراسات الوحدة العربية2006 ،م.
********
39