محاضرات في قانون العلاقات الدولية

You might also like

Download as pdf or txt
Download as pdf or txt
You are on page 1of 145

‫وزارة التعليم العالي والبحث العلمي‬

‫جامعة الشهيد حمه لخضر ‪ -‬الوادي‬


‫ـــــــــــــــــــــــــــ‬
‫كلية احلقوق والعلوم السياسية‬

‫قسم احلقوق‬
‫ــ‬

‫محاضرات‬
‫في قانون العالقات الدولية‬
‫(العالقات الدبلوماسية والقنصلية)‬
‫موجهة لطلبة السنة ثالثة ليسانس حقوق‪ :‬تخصص قانون عام‬
‫(السداسي الخامس)‬
‫إعداد الدكتور‪ :‬بدر شنوف‬

‫السنة الجامعية‪1010/1029 :‬‬


‫مقدم ـ ـ ــة‬
‫ُمقدِّمـــــــــــــة‬
‫باعتبار الدولة عضو في المجتمع الدولي‪ ،‬فإن ذلك يحتم عليها التعايش واالتصال الدائم مع غيرها‬
‫من أعضاء الجماعة الدولية‪ ،‬وذلك الستحالة عيشها بمفردها ألنها في حاجة دائمة ومستمرة لتبادل‬
‫المنافع والمصالح مع غيرها‪ ،‬ويأخذ هذا االتصال صو اًر وأشكاالً متنوعة بتنوع تلك المصالح‪ ،‬فقد يتخذ‬
‫شكل العالقات االقتصادية أو الثقافية أو التجارية أو القانونية أو السياسية‪.‬‬
‫لذلك حرصت الجماعات البشرية ‪ -‬حتى قبل ظهور الدولة الحديثة ‪ -‬على تبادل الرسل والبعثات‬
‫فيما بينها‪ ،‬تحقيقاً لتلك المصالح أو لحل ما ينشب بينها من خالفات ونزاعات‪ ،‬أين كانت تلك البعثات‬
‫تحظى باالحترام والمعاملة الالئقة كما كانت تتمتع بالحماية لضمان عدم االعتداء عليها بالنظر لطبيعة‬
‫الدور الذي تقوم به‪ ،‬وهو ما َّ‬
‫شكل النواة األولى لما ُعرف الحقاً بالبعثات الدبلوماسية التي أصبحت تتمتع‬
‫بجملة من الحصانات واالمتيازات عند ظهور الدولة الحديثة وبداية عهد التنظيم الدولي‪ ،‬والى جانب ذلك‬
‫ظهرت بعثات تجارية متنقلة لتبادل المصالح التجارية بين تلك المجتمعات‪ ،‬وهو ما أسس لظاهرة‬
‫العالقات القنصلية فيما بعد‪.‬‬
‫وال شك أن زيادة تشابك وتنوع المصالح بين أعضاء المجتمع الدولي ‪ -‬دوالً ومنظمات دولية ‪،-‬‬
‫بل وتعارضها في بعض األحيان هي التي جعلت الدبلوماسية تحتل مكانة بارزة في العالقات الدولية‬
‫المعاصرة؛ إذ بواسطتها يتم بناء تلك العالقات وتنميتها ومن خاللها تتم معالجة المسائل الدولية ذات‬
‫االهتمام المشترك‪ ،‬بل واألكثر من ذلك تفرض الدبلوماسية نفسها كآلية فعالة لتسوية النزاعات الدولية‬
‫إلشاعة جو من التعاون والعالقات الودية بين أعضاء المجتمع الدولي‪ ،‬تعزي اًز لدعائم السلم واألمن‬
‫الدوليين‪.‬‬
‫لذلك سارعت المجموعة الدولية – في إطار منظمة األمم المتحدة – إلى ايجاد إطار قانوني دولي‬
‫يحكم هذه العالقات فأبرمت اتفاقية فيينا للعالقات الدبلوماسية سنة ‪ ،1691‬التي تحكم العالقات الدولية‬
‫ذات الطابع السياسي المحض‪ ،‬ثم أبرمت اتفاقية فيينا للعالقات القنصلية سنة ‪ 1691‬الخاصة برعاية‬
‫مصالح رعايا الدولة المقيمين في الخارج‪.‬‬
‫لكن ازدياد المشاكل واالهتمامات الدولية وتشعبها واتسامها بالطابع االستعجالي في غالب األحيان‪،‬‬
‫كشف عن عجز البعثات الدبلوماسية الدائمة في االضطالع بكل هذه المهام‪ ،‬األمر الذي اضطر‬
‫المجموعة الدولية إلى إبرام اتفاقية البعثات الخاصة سنة ‪.1696‬‬
‫وعند ظهور المنظمات الدولية وتعاظم دورها على الساحة الدولية ودخولها في عالقات مع الدول‬
‫ومع بعضها البعض‪ ،‬ظهر ما ُيعرف بالدبلوماسية الجماعية أو الدبلوماسية متعددة األطراف‪ ،‬أين وقفت‬
‫اتفاقية فيينا للعالقات الدبلوماسية الثنائية عاجزة عن تنظيم هذا النوع الجديد من العالقات الدبلوماسية‪،‬‬

‫‪1‬‬
‫مقدم ـ ـ ــة‬
‫األمر الذي حتَّم على األمم المتحدة إبرام اتفاقية خاصة بتنظيم العالقات بين الدول والمنظمات الدولية‬
‫سنة ‪.1691‬‬
‫تلك هي أهم االتفاقيات التي تُ ِّ‬
‫شكل اليوم ما ُيعرف بـ‪ :‬قانون العالقات الدولية في شقه الدبلوماسي‬
‫والقنصلي‪ ،‬والذي ُيعد من أقدم فروع القانون الدولي العام‪ ،‬الناظم لقواعد تبادل التمثيل الدبلوماسي‬
‫والقنصلي فيما بين الدول أو بينها وبين المنظمات الدولية‪.‬‬
‫وتأتي هذه الدراسة كمحاولة لمعالجة أهم المسائل التي ينظمها قانون العالقات الدولية‪ ،‬خصوصاً‬
‫إجراءات تبادل البعثات الدبلوماسية والقنصلية‪ ،‬ومختلف الوظائف والمهام التي تقوم بها تلك البعثات‬
‫وااللتزامات التي تقع على عاتقها‪ ،‬والحصانات واالمتيازات التي تتمتع بها‪ ،‬وكذا كيفيات إنهاء عمل تلك‬
‫البعثات واآلثار المترتبة عليه‪.‬‬
‫وهي عبارة عن سلسلة محاضرات َّ‬
‫قدمتها في السداسي الخامس لطلبة سنة ثالثة ليسانس حقوق‬
‫(نظام ل‪.‬م‪.‬د) تخصص قانون عام في مقياس قانون العالقات الدولية‪ ،‬وقد حاولت فيها االلمام بكل‬
‫المحاور المدرجة في البرنامج الرسمي‪ ،‬رغم أن مدة سداسي واحد ال تكفي لإلحاطة بجميع جوانب هذا‬
‫الموضوع المتشعب‪ ،‬وقد استعنت في ذلك بالمنهج الوصفي ومنهج تحليل المضمون اللذان يتناسبان مع‬
‫الدراسات القانونية‪.‬‬
‫وقد تناولت محاور هذا المقياس في أربعة فصول جاءت كما يلي‪:‬‬
‫‪ -‬الفصل األول‪ :‬السياق التاريخي والمفاهيمي للقانون الدبلوماسي والقنصلي‪.‬‬
‫‪ -‬الفصل الثاني‪ :‬التمثيل الدبلوماسي والقنصلي‪.‬‬
‫‪ -‬الفصل الثالث‪ :‬الحصانات واالمتيازات الدبلوماسية والقنصلية‪.‬‬
‫‪ -‬الفصل الرابع‪ :‬انتهاء التمثيل الدبلوماسي والقنصلي‪.‬‬
‫ونأمل أن نكون من خالل هذه المحاضرات قد َّ‬
‫أدينا ما علينا ووفقنا في تقديمها لطلبتنا األعزاء‬
‫بأسلوب واضح وبسيط‪ ،‬سائلين المولى عز وجل التوفيق والسداد في القول والعمل‪.‬‬

‫‪2‬‬
‫الفصل ألاول‪ :‬السياق التاريخي واملفاهيمي للقانون الدبلوماس ي والقنصلي‬ ‫محاضرات في قانون العالقات الدبلوماسية والقنصلية‬

‫الفصل األول‬
‫السياق التاريخي والمفاهيمي للقانون الدبلوماسي والقنصلي‬
‫لكون الظاهرة الدبلوماسية والقنصلية هي ظاهرة اجتماعية‪ ،‬فإنها ‪ -‬ومنذ ظهور التجمعات البشرية‬
‫في شكلها البسيط إلى نشأة الدولة الحديثة ‪ -‬ظلت تتطور بتطور تلك المجتمعات‪ ،‬حيث كانت العالقات‬
‫الدبلوماسية والقنصلية في بداية عهدها مؤقتة وغير مستقرة‪ ،‬ثم بدأت تأخذ طريقها إلى االستقرار فظهرت‬
‫الدبلوماسية الدائمة‪ ،‬كما تطورت الحقاً من دبلوماسية شخصية إلى دبلوماسية تمثيلية ومن دبلوماسية‬
‫سرية إلى دبلوماسية علنية ومن ثنائية إلى متعددة األطراف‪ ،‬ومن دبلوماسية عرفية إلى دبلوماسية مقننة‪.‬‬
‫لذلك سنستعرض في هذا الفصل السياق التاريخي والمفاهيمي للعالقات الدبلوماسية والقنصلية‪،‬‬
‫للوقوف على نشأة وتطور تلك العالقات إلى أن أصبحت أصولها وقواعدها مقننة فيما يعرف اليوم‬
‫بالقانون الدبلوماسي والقنصلي‪ ،‬وقد تناولناه في ثالث مباحث‪ ،‬األول نسلِّط فيه الضوء على مفهوم‬
‫وتطور العالقات الدبلوماسية والقنصلية‪ ،‬والثاني ندرس فيه أنواع الدبلوماسية وتمييزها عن المفاهيم‬
‫المشابهة‪ ،‬بينما الثالث نتعرف فيه على مصادر القانون الدبلوماسي والقنصلي‪.‬‬

‫‪3‬‬
‫الفصل ألاول‪ :‬السياق التاريخي واملفاهيمي للقانون الدبلوماس ي والقنصلي‬ ‫محاضرات في قانون العالقات الدبلوماسية والقنصلية‬

‫المبحث األول‬
‫مفهوم وتطور العالقات الدبلوماسية والقنصلية‬
‫لم تظهر العالقات الدولية في شقها الدبلوماسي والقنصلي بالشكل الذي هي عليه اليوم فجأة‪ ،‬بل‬
‫تطورت‪ ،‬وما تزال‪ ،‬بتطور وتنوع وتشابك المصالح بين المجتمعات والدول‪ ،‬وسنتناول في هذا المبحث‬
‫اإلطار المفاهيمي للعالقات الدبلوماسية والقنصلية (المطلب األول)‪ ،‬وأهم المراحل التاريخية والتطورات‬
‫التي مرت بها العالقات الدبلوماسية (المطلب الثاني)‪.‬‬
‫المطلب األول‪ :‬مفهوم العالقات الدبلوماسية والقنصلية‬
‫سنشرح في هذا المطلب األصل التاريخي والمعنى اللغوي لمصطلحي الدبلوماسية والقنصلية‪ ،‬ثم‬
‫التعاريف الفقهية‪ ،‬وأخي اًر تعريف القانون الدبلوماسي وعالقته بالقانون الدولي‪.‬‬
‫الفرع األول‪ :‬أصل كلمة "دبلوماسية" و"قنصلية"‬
‫لقد شهد مصطلحا "دبلوماسية" و"قنصلية" تطو اًر ملحوظاً من حيث المدلول واالستعمال‪ ،‬حيث ظه ار‬
‫في بداية األمر في البالد الغربية‪ ،‬ثم انتش ار في بقية البلدان والحضارات‪ ،‬بشكل يمكن تناوله كما يلي‪:‬‬
‫أولا‪ :‬أصل كلمة "دبلوماسية"‬
‫الدبلوماسية كلمة يونانية األصل ومنها انتقلت أوالً إلى الالتينية القديمة ثم إلى لغاتها الحية‬
‫كاالنجليزية والفرنسية‪ ،‬وفي مرحلة الحقة جرى استعمالها في اللغة العربية‪ .‬وهي مشتقة في لغتها‬
‫األصلية من االسم "‪ "Diploma‬المأخوذ من الفعل "‪ .)1("Diplom‬وهو اسم يطلق على الوثيقة أو الشهادة‬
‫التي تطوى على نفسها‪ ،‬والتي كان يبعث بها أصحاب السلطة إلى بعضهم البعض في عالقاتهم‬
‫خول لحاملها امتيازات خاصة(‪.)2‬‬
‫الرسمية‪ ،‬وهي ت ِّ‬
‫واذا كان المعنى األصلي للكلمة عند اليونان اقتصر وركز على شكل الوثيقة وليس على حاملها‪،‬‬
‫فإنها لم تحافظ على مدلولها الضيق عند انتقالها إلى الرومان سواء في لغتهم الالتينية القديمة أو لغاتهم‬
‫الحية الحديثة‪ ،‬بل ازداد مدلولها اتساعاً بحيث أصبحت تستغرق شكل الوثيقة وصفة حاملها والمهمة‬
‫الموكلة له‪ ،‬فهي تعني عندهم الشهادة الرسمية أو الوثيقة التي تتضمن صفة المبعوث والمهمة الموفد‬
‫بها‪ ،‬والتوصيات الصادرة بشأنه بقصد تقديمه وحسن استقباله أو تيسير انتقاله بين األقاليم المختلفة(‪ .)3‬ثم‬
‫اتسع مدلول الكلمة ليشمل الوثائق الرسمية والمحفوظات والمعاهدات ذات الصلة بالعالقات الخارجية(‪.)4‬‬
‫(‪)1‬‬
‫عبد الفتاح علي الرشدان‪ ،‬محمد خليل الموسى‪ ،‬أصول العالقات الدبلوماسية والقنصلية‪ ،‬ط‪ ،1‬المركز العلمي للدراسات السياسية‪ ،‬عمان‪ ،‬األردن‪،‬‬
‫‪ ،5002‬ص ‪.12‬‬
‫(‪)2‬‬
‫زناتي مصطفى‪ ،‬محاضرات في قانون العالقات الدولية – العالقات الدبلوماسية ‪ ،-‬ألقيت على طلبة السنة ثالثة ليسانس قانون عام‪ ،‬كلية الحقوق والعلوم‬
‫السياسية‪ ،‬جامعة محمد بوضياف مسيلة‪ ،‬السنة الجامعية ‪ ،5012/5012‬ص ‪ .00‬مايا الدباس‪ ،‬ماهر ملندي‪ ،‬العالقات الدبلوماسية والقنصلية‪ ،‬منشورات‬
‫الجامعة االفتراضية السورية‪ ،‬سوريا‪ ،5012 ،‬ص ‪.02‬‬
‫(‪)3‬‬
‫مايا الدباس‪ ،‬ماهر ملندي‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.00‬‬
‫(‪)4‬‬
‫أحمد مرعي‪ ،‬آثار قطع العالقات الدبلوماسية‪ ،‬ط‪ ،1‬منشورات الحلبي الحقوقية‪ ،‬بيروت‪ ،‬لبنان‪ ،5010 ،‬ص ‪.52‬‬

‫‪4‬‬
‫الفصل ألاول‪ :‬السياق التاريخي واملفاهيمي للقانون الدبلوماس ي والقنصلي‬ ‫محاضرات في قانون العالقات الدبلوماسية والقنصلية‬

‫ولما انتقلت كلمة "دبلوماسية" إلى اللغة العربية تم اسقاط معناها اللغوي األصلي على ما يماثله في‬
‫اللغة العربية وهو "الكتاب" أو "الخطاب" للتعبير عن الوثيقة التي يتبادلها أصحاب السلطة بينهم‪ ،‬والتي‬
‫تمنح حاملها مزايا الحماية واألمان(‪.)1‬‬
‫ثم تطور مدلول كلمة "دبلوماسية" عبر األزمنة والحضارات المختلفة‪ ،‬بحيث أصبحت اليوم تعني‬
‫العالقات الخارجية للدول‪ ،‬كما يدخل في مدلولها األشخاص الذين توكل إليهم مهمة تمثيل دولهم كالسفراء‬
‫واألجهزة المشرفة عليهم سلمياً وصوالً إلى رئيس الدولة‪ ،‬وقد استقر هذا المفهوم مع إنشاء أول بعثة‬
‫دبلوماسية دائمة وتطور مع تطور الدولة القومية؛ إذ أصبح يستخدم مصطلح "دبلوماسية" وصفة‬
‫"الدبلوماسي" بمعناه الحديث في نهاية القرن الثامن عشر‪ ،‬وبالتحديد أثناء مؤتمر فيينا سنة ‪ ،1212‬الذي‬
‫وسع هذا المفهوم ليشمل تسيير العالقات السياسية بين الدول‪ ،‬بحيث حدد الوظائف الدبلوماسية ونظم‬
‫ترتيب أسبقية رؤساء البعثات وخصائصها(‪.)2‬‬
‫ثاني ا‪ :‬أصل كلمة "قنصلية"‬
‫ترجع كلمة "قنصل" إلى األصل الالتيني ويقصد بها صاحب الرأي والمشورة‪ ،‬أما ظهور القناصل‬
‫والتمثيل القنصلي فيرجع إلى منتصف القرون الوسطى‪ ،‬حيث جرت العادة في الدول الواقعة غرب البحر‬
‫األبيض المتوسط على أن يجتمع التجار الذين ينتمون لدولة واحدة‪ ،‬ليتشاوروا فيما بينهم وينتخبوا شخصاً‬
‫واحداً منهم كي يتولى مهمة الفصل فيما ينشب بينهم من منازعات‪ ،‬وكان يطلق على ذلك الشخص‬
‫"القنصل التاجر"(‪.)3‬‬
‫وقد ظهر النظام القنصلي في أول األمر نتيجة الحتياجات تتعلق بمصالح التجار البحارة الذين‬
‫كانوا يتجهون إلى بلدان أخرى للقيام باألعمال التجارية‪ ،‬حيث توجد هناك عادات وتقاليد وأعراف وقوانين‬
‫تختلف عما هو معمول به في بالدهم‪ ،‬وكان من بواعث قلق هؤالء التجار هو هل بإمكانهم حل‬
‫خالفاتهم من قبل قضاة من اختيارهم يطبقون عليهم قوانينهم الوطنية(‪.)4‬‬
‫وهكذا عرفت الحضارات القديمة النظام القنصلي‪ ،‬حيث منحت الدولة المصرية القديمة التجار‬
‫اليونانيين الموجودين فوق أراضيها الحق في تعيين قنصل تاجر من بينهم يطبِّق عليهم القانون اليوناني‬
‫فوق األراضي المصرية القديمة(‪ ،)5‬وفي تلك الحقبة الزمنية ظهر هذا النظام أيضاً في الهند‪ ،‬حيث وجد‬
‫قضاة خواص مكلفون بالسهر على حماية مصالح األجانب‪ ،‬أما في عهد اإلغريق القدامى فلم يتمتع‬

‫(‪)1‬‬
‫مايا الدباس‪ ،‬ماهر ملندي‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.00‬‬
‫(‪)2‬‬
‫زناتي مصطفى‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.00‬‬
‫(‪)3‬‬
‫أبو الخير أحمد عطية‪ ،‬القانون الدولي العام‪ ،‬ط‪ ،1‬دار النهضة العربية‪ ،‬القاهرة‪ ،‬مصر‪ ،1992/1992 ،‬ص ‪.020‬‬
‫(‪)4‬‬
‫عبد العزيز بن ناصر العبيكان‪ ،‬الحصانات والمتيازات الدبلوماسية والقنصلية في القانون الدولي‪ ،‬ط‪ ،1‬شركة العبيكان لألبحاث والتطوير‪ ،‬الرياض‪،‬‬
‫المملكة العربية السعودية‪ 1052 ،‬هـ‪ 5002/‬م‪ ،‬ص ‪.520‬‬
‫(‪)5‬‬
‫منتصر سعيد حمودة‪ ،‬قانون العالقات الدبلوماسية والقنصلية‪ ،‬ط‪ ،1‬دار الفكر الجامعي‪ ،‬االسكندرية‪ ،‬مصر‪ ،5002 ،‬ص ‪.09‬‬

‫‪5‬‬
‫الفصل ألاول‪ :‬السياق التاريخي واملفاهيمي للقانون الدبلوماس ي والقنصلي‬ ‫محاضرات في قانون العالقات الدبلوماسية والقنصلية‬

‫األجانب بالحماية من قبل هيئات السلطة العامة‪ ،‬ولكن س ِمح لهم باختيار أحد مواطنيهم ليقوم بحمايتهم‬
‫ورعاية مصالحهم‪ ،‬وقد ع ِرف هؤالء الحماة باسم "‪ "Prostates‬وكانوا مكلفون بمهمة الوسطاء عن‬
‫مواطنيهم في إطار الشؤون القضائية والعامة لدى سلطات المدينة التي يقيمون فيها(‪.)1‬‬
‫وفي عهد التنظيم الدولي بتأسيس عصبة األمم سنة ‪ ،1919‬والتي خلفتها منظمة األمم المتحدة‬
‫سنة ‪ 1902‬تبادلت الدول البعثات القنصلية مع بعضها البعض بشكل رسمي وتطورت مهامها‪ ،‬بحيث‬
‫أصبحت هذه القنصليات المسؤولة عن تنفيذ العالقات القنصلية تقوم بوظائف هامة ومتنوعة لرعايا الدولة‬
‫الموفدة داخل الدول الموفد إليها‪ ،‬مثل تسجيل المواليد والوفيات وابرام عقود الزواج وشهادات الطالق‪،‬‬
‫واصدار وثائق السفر والهجرة والتأشيرات‪ ،‬وغيرها من المهام القضائية واإلدارية األخرى(‪.)2‬‬
‫الفرع الثاني‪ :‬التعاريف الفقهية للدبلوماسية‬
‫لم يتفق فقهاء وشراح القانون الدولي العام على تعريف واحدة للدبلوماسية من الناحية القانونية‬
‫االصطالحية‪ ،‬وذلك بالنظر الختالف نظرتهم لهذا المصطلح‪ ،‬حيث نظر إليه بعضهم من زاوية طبيعة‬
‫الدبلوماسية والغرض منها‪ ،‬في حين ركز البعض اآلخر على أسلوب أدائها واألشخاص القائمين بها‪.‬‬
‫أولا‪ :‬تعريف الدبلوماسية من حيث الطبيعة والغرض‬
‫انطلق مجموعة من الفقهاء في تعريفهم للدبلوماسية من طبيعتها والغرض منها‪ ،‬ومنهم الفقيه‬
‫"ريفييه" الذي عرفها بقوله‪" :‬الدبلوماسية هي علم وفن تمثيل الدول واجراء المفاوضات"‪ ،‬وأيضاً الفقيه‬
‫"شارل كالفو" الذي عرفها بأنها‪" :‬علم العالقات القائمة بين مختلف الدول"‪ ،‬وكذلك الدكتور إبراهيم محمد‬
‫العناني الذي رأى بأنها‪" :‬علم العالقات الدولية وفن التعامل مع اآلخرين"(‪.)3‬‬
‫أما الدكتور عبد العزيز سرحان فقد عرفها بأنها‪" :‬الطريقة التي يملكها أشخاص القانون الدولي‬
‫العام‪ ،‬لتسهيل قيام عالقات ِّ‬
‫ودية وسلمية بينها‪ ،‬وذلك بغية القضاء على ما قد يكون هناك من تضارب‬
‫في الرأي وتنازع في المصالح المتبادلة أياً كانت طبيعة هذه المصالح"(‪ .)4‬كما عبر عنها معاوية بن أبي‬
‫سفيان بالقول‪" :‬لو أن بيني وبين الناس شعرة ما انقطعت‪ ،‬إن أرخوها شددتها وان ُّ‬
‫شدوها أرخيتها"(‪.)5‬‬
‫ثانيا‪ :‬تعريف الدبلوماسية من حيث األسلوب واألشخاص القائمين بها‬
‫بخالف الفريق األول فقد ركز هذا الفريق في تعريفه للدبلوماسية عن األشخاص القائمين بها‪،‬‬
‫ومنهم الكاتب الدبلوماسي البريطاني "هارولد نيكلسون" الذي عرفها بـ‪" :‬إدارة العالقات الدولية عن طريق‬

‫(‪)1‬‬
‫عبد العزيز بن ناصر العبيكان‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.484‬‬
‫(‪)2‬‬
‫منتصر سعيد حمودة‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.09‬‬
‫(‪)3‬‬
‫مشار إليه في المرجع نفسه‪ ،‬ص ‪.15‬‬
‫(‪)4‬‬
‫مايا الدباس‪ ،‬ماهر ملندي‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.02‬‬
‫(‪)5‬‬
‫زناتي مصطفى‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.02‬‬

‫‪6‬‬
‫الفصل ألاول‪ :‬السياق التاريخي واملفاهيمي للقانون الدبلوماس ي والقنصلي‬ ‫محاضرات في قانون العالقات الدبلوماسية والقنصلية‬

‫المفاوضات‪ ،‬أو أسلوب معالجة وادارة هذه العالقات من قبل السفراء والمبعوثين"(‪ .)1‬كما عرفها آخر‬
‫بأنها‪" :‬الوظيفة التي ي ِّ‬
‫ؤدها الدبلوماسي حين يقوم بتمثيل دولته في الخارج أو خالل مفاوضات تجريها‬
‫دولته مع غيرها من الدول"(‪.)2‬‬
‫ما يمكن قوله حول التعاريف السابقة للدبلوماسية أنها نتاج الجتهادات فقهية ظهرت في فترات‬
‫زمنية متعاقبة‪ ،‬حاول فيها أصحابها وصف الظاهرة الدبلوماسية من زوايا مختلفة‪ ،‬فالمتأمل في تلك‬
‫التعاريف يستنتج اآلتي‪:‬‬
‫‪ -‬أن بعض التعريفات ركزت في تعريفها للدبلوماسية على العالقات القائمة بين الدول دون المنظمات‬
‫الدولية‪ ،‬مما يفيد أنها ظهرت في فترة ما قبل التنظيم الدولي‪.‬‬
‫‪ -‬أن بعض الفقهاء كيف الدبلوماسية على أنها علم‪ ،‬بينما كيفها البعض اآلخر على أنها فن‪ ،‬والواقع أن‬
‫الوظيفة الدبلوماسية تجمع بين العلم والفن‪ ،‬فهي علم ألنها تفترض فيمن يمارسها معرفة تامة بالعالقات‬
‫القانونية والسياسية القائمة بين مختلف الدول‪ ،‬وبالمصالح الخاصة بكل منها وبتقاليدها التاريخية وبأحكام‬
‫المعاهدات‪ ،‬وهي فن ألنها تهتم بإدارة الشؤون الدولية‪ ،‬وهذا يتطلب دقة المالحظة والمقدرة على التوجيه‬
‫واإلقناع وتتبع األحداث ومتابعة المفاوضات بمهارة(‪ ،)3‬فالدبلوماسية علم يجب معرفة قواعده وأصوله‪،‬‬
‫وفن يجب اكتشاف أس ارره(‪.)4‬‬
‫وعلى ضوء ما سبق يمكن تعريف الدبلوماسية بأنها‪" :‬علم إدارة العالقات بين أشخاص القانون‬
‫الدولي العام‪ ،‬واجراء المفاوضات بمهارة كبيرة من طرف ممثلين مؤهلين‪ ،‬لرعاية مصالحهم المتبادلة‬
‫والحفاظ على العالقات الودية والسلمية بينهم"‪.‬‬
‫من خالل هذا التعريف يمكن أن نستنتج أهداف ومقاصد الدبلوماسية‪ ،‬وهي(‪:)5‬‬
‫‪ -‬هدف التمثيل‪ ،‬وهو تمثيل الدبلوماسي لدولته من خالل االشتراك في البروتوكول والمناسبات الرسمية‬
‫لدى الدولة المعتمد لديها‪.‬‬
‫‪ -‬حماية الدبلوماسي لمصالح دولته ومصالح رعاياها في الدولة المعتمد لديها وتطويرها بكل السبل‬
‫المشروعة‪.‬‬
‫‪ -‬التفاوض مع حك ومة الدولة المعتمد لديها نيابة عن حكومة بالده‪ ،‬بهدف التوصل إلى تسوية أو صلح‬
‫أو اتفاق‪ ،‬بما يعود بالنفع عن مصالح البلدين‪.‬‬
‫‪ -‬تعزيز العالقات الودية بين بالده والدولة المعتمد لديها‪ ،‬وفتح آفاق ومجاالت جديدة للتعاون بينهما‪.‬‬

‫(‪)1‬‬
‫مايا الدباس‪ ،‬ماهر ملندي‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.02‬‬
‫(‪)2‬‬
‫منتصر سعيد حمودة‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.10‬‬
‫(‪)3‬‬
‫عبد العزيز بن ناصر العبيكان‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.22‬‬
‫(‪)4‬‬
‫مايا الدباس‪ ،‬ماهر ملندي‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.02‬‬
‫(‪)5‬‬
‫عبد الفتاح علي الرشدان‪ ،‬محمد خليل الموسى‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.42‬‬

‫‪7‬‬
‫الفصل ألاول‪ :‬السياق التاريخي واملفاهيمي للقانون الدبلوماس ي والقنصلي‬ ‫محاضرات في قانون العالقات الدبلوماسية والقنصلية‬

‫‪ -‬جمع المعلومات عن أحوال الدولة المعتمد لديها وتطورات األحداث فيها‪ ،‬واعداد التقارير حول‬
‫األوضاع السياسية واالقتصادية واالجتماعية فيها وتحليلها وتقويمها ومن ثم إرسالها إلى بالده‪.‬‬
‫الفرع الثالث‪ :‬تعريف القانون الدبلوماسي وعالقته بالقانون الدولي‬
‫ال شك أن العالقات التي تقام بين أشخاص القانون الدولي ال تخرج عن دائرة القانون‪ ،‬وانما‬
‫تخضع لمجموعة من الضوابط والقواعد يطلق عليها ما يسمى بـ‪ :‬القانون الدولي الدبلوماسي‪ ،‬فما هو‬
‫تعريف هذا القانون‪ ،‬وما عالقته بالقانون الدولي العام؟‬
‫أولا‪ :‬تعريف القانون الدبلوماسي‬
‫إذا كانت الدبلوماسية هي علم وفن إدارة العالقات الدولية بين أشخاص القانون الدولي‪ ،‬فإن القانون‬
‫الدولي الدبلوماسي يهتم بالجانب القانوني للدبلوماسية من حيث تنظيم االتصال الخارجي بين أشخاص‬
‫القانون الدولي‪ ،‬وبيان وسائل تمثيل كل منهم لدى اآلخر‪ ،‬كما يعنى ببيان كيفية إدارة الشؤون الدولية عن‬
‫طريق المفاوضات‪.‬‬
‫وهناك العديد من المحاوالت الفقهية التي تناولت تعريف القانون الدبلوماسي‪ ،‬ومنهم الفقيه "براديه‬
‫فودريه" الذي عرفه بأنه‪" :‬ذلك الفرع من فروع القانون الدولي الذي يتناول بصفة خاصة تنسيق العالقات‬
‫الخارجية للدول"‪ ،‬بينما يرى الفقيه "جينيه" بأنه‪" :‬فرع من فروع القانون العام يعنى بتنظيم العالقات‬
‫الخارجية للدول وشكل التمثيل الخارجي وادارة الشؤون الدولية‪ ،‬وأصول تسيير المفاوضات"(‪.)1‬‬
‫ما يالحظ على التعريفين السابقين أنهما حص ار أشخاص القانون الدبلوماسي في الدول فقط‪،‬‬
‫والحقيقة أن هذا القانون شهد تطو اًر في أشخاصه بعد ظهور المنظمات الدولية وتأثيرها في الحياة الدولية‪،‬‬
‫لذلك أعيد النظر في تعريف القانون الدبلوماسي من طرف الفقه المعاصر حيث عرفه الدكتور محمد‬
‫سامي عبد الحميد بأنه‪" :‬فرع من فروع القانون الدولي العام الذي يضم القواعد القانونية التي تهتم بتنظيم‬
‫العالقات الدبلوماسية بين أشخاص القانون الدولي العام"(‪.)2‬‬
‫وواقع األمر أن لمصطلح العالقات الدبلوماسية مفهومين واسع وضيِّق‪ ،‬فالمفهوم الواسع يقصد به‬
‫ما يقوم عادة بين الدول والمنظمات الدولية من اتصاالت ودية استقر العمل على صورة محددة لها‬
‫تمارس الدول والمنظمات الدولية من خاللها السياسة الخارجية لكل منها‪ ،‬وهذا المفهوم ينطبق على‬
‫مفهوم العالقات الدولية ككل‪ ،‬أما المفهوم الضيق فيقصد به تبادل العالقات الدبلوماسية الدائمة فيما بين‬
‫دولتين أو دولة ومنظمة دولية أو منظمتين دوليتين‪ ،‬وهذا النوع األخير من العالقات هي التي يهتم‬
‫القانون الدبلوماسي بتنظيمها‪.‬‬

‫(‪)1‬‬
‫مايا الدباس‪ ،‬ماهر ملندي‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.10‬‬
‫(‪)2‬‬
‫محمد سامي عبد الحميد‪ ،‬أصول القانون الدول العام‪ ،‬ج‪ ،0‬الحياة الدولية‪ ،‬المجلد األول‪ ،‬القانون الدبلوماسي والقنصلي والقانون الدولي للبحر‪ ،‬ط‪،0‬‬
‫االسكندرية‪ ،‬مصر‪ ،5002 ،‬ص ‪.00‬‬

‫‪8‬‬
‫الفصل ألاول‪ :‬السياق التاريخي واملفاهيمي للقانون الدبلوماس ي والقنصلي‬ ‫محاضرات في قانون العالقات الدبلوماسية والقنصلية‬

‫ثاني ا‪ :‬عالقة القانون الدبلوماسي بالقانون الدولي العام‬


‫إذا كان القانون الدولي الدبلوماسي ‪ -‬كما رأينا ‪ -‬يهتم بتنظيم جزء محدد من العالقات الدولية وهي‬
‫العالقات الدبلوماسية‪ ،‬فإن القانون الدولي العام له اهتمامات أوسع وأشمل‪ ،‬فهو يضع اإلطار العام‬
‫للقواعد القانونية الناظمة للعالقات المتبادلة بين أشخاص القانون الدولي بغض النظر عن نوعها‬
‫وطبيعتها‪ ،‬سواء ما تعلق منها بحقوق اإلنسان‪ ،‬أو بالحدود الدولية‪ ،‬أو بالتجارة واالقتصاد والقضايا‬
‫البيئية‪ ،‬أو العالقات الدبلوماسية والقنصلية موضوع دراستنا‪.‬‬
‫فعالقة القانون الدولي الدبلوماسي بالقانون الدولي العام إذن هي عالقة الفرع باألصل‪ ،‬حيث‬
‫القانون الدولي الدبلوماسي هو ذلك الفرع من القانون الدولي العام الذي يعنى بتنظيم العالقات الدبلوماسية‬
‫فيما بين أشخاص القانون الدولي‪ ،‬فهو يأخذ من القانون الدولي العام القواعد العامة التي تتالءم مع‬
‫طبيعة العالقات الدبلوماسية‪ ،‬ومن ثم تطويرها وتحويرها بما يتالءم مع تنظيم هذا النوع من العالقات(‪.)1‬‬
‫وعليه فقواعد القانون الدولي الدبلوماسي تتسم بسمات قواعد القانون الدولي نفسها‪ ،‬من حيث كونها‬
‫قواعد قانونية ملزمة يترتب على انتهاكها من قبل أي شخص دولي المسؤولية الدولية‪ ،‬وهو ما يميزها عن‬
‫قواعد األخالق والمجامالت الدولية التي ال تتمتع بصفة االلزام القانوني‪.‬‬
‫ويذهب بعض الفقه في توضيحه لطبيعة العالقة بين القانون الدولي الدبلوماسي والقانون الدولي‬
‫العام‪ ،‬إلى أن األول هو بمثابة قانون اإلجراءات بالنسبة للثاني‪ ،‬إذ تهدف قواعد القانون الدولي‬
‫الدبلوماسي إلى تنظيم وسائل ممارسة الدولة لعالقاتها مع غيرها من الدول والمنظمات الدولية طبقاً‬
‫للقانون الدولي‪ ،‬فقواعد القانون الدبلوماسي توضح اختصاصات ممثلي الدولة وسلطاتهم وحقوقهم‬
‫وامتيازاتهم وواجباتهم على الصعيد الدولي‪ ،‬وت ِّ‬
‫حدد كيفية ممارسة العمل الدبلوماسي من طرف األجهزة‬
‫الداخلية والخارجية المشرفة عليه‪ ،‬كما ت ِّبين اإلجراءات والمراسيم الخاصة بالعمل الدبلوماسي من‬
‫اتصاالت ومفاوضات ومؤتمرات وغيرها(‪.)2‬‬
‫واذا سلمنا بأن عالقة القانون الدولي الدبلوماسي بالقانون الدولي العام هي عالقة الفرع باألصل‪،‬‬
‫فإن ذلك يعني أن لهما تأثير متبادل على بعضهما‪ ،‬حيث تقوم الدبلوماسية بدور رئيسي في صناعة‬
‫قواعد القانون الدولي سواء االتفاقية منها أو العرفية‪ ،‬فالدبلوماسيون يساهمون بشكل كبير في إنشاء قواعد‬
‫القانون الدولي االتفاقية من خالل التحضير واإلعداد لمشاريع المعاهدات الثنائية والجماعية‪ ،‬أثناء‬
‫المفاوضات بين الدول والمداوالت في المؤتمرات واالجتماعات على مستوى المنظمات الدولية وغيرها‪،‬‬
‫حيث تعتبر مرحلة المفاوضات من أهم مراحل إعداد المعاهدات الدولية في شكلها ومضمونها(‪.)3‬‬

‫(‪)1‬‬
‫مايا الدباس‪ ،‬ماهر ملندي‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.10‬‬
‫(‪)2‬‬
‫المرجع نفسه‪ ،‬ص ‪.10‬‬
‫(‪)3‬‬
‫عبد العزيز بن ناصر العبيكان‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.29‬‬

‫‪9‬‬
‫الفصل ألاول‪ :‬السياق التاريخي واملفاهيمي للقانون الدبلوماس ي والقنصلي‬ ‫محاضرات في قانون العالقات الدبلوماسية والقنصلية‬

‫أما القانون الدولي العام بصفته أصل للقانون الدولي الدبلوماسي‪ ،‬فإنه من الطبيعي جداً أن يكون‬
‫له أثر واضح على مالمح هذا األخير‪ ،‬فهو يمثِّل اإلطار العام الذي تمارس فيه الوظيفة الدبلوماسية‬
‫و ِّ‬
‫المحدد لمبادئها العامة‪ ،‬كمبدأ حل النزاعات الدولية بالوسائل السلمية كالمفاوضة والوساطة والمساعي‬
‫الحميدة والتحقيق والتوفيق‪ ،‬وكلها وسائل تجد لها مجاالً رحباً في العمل الدبلوماسي‪ ،‬حيث يتقيد بها‬
‫الدبلوماسيون أثناء حل ما يقع بين دولهم من نازعات‪.‬‬
‫المطلب الثاني‪ :‬التطور التاريخي للعالقات الدبلوماسية والقنصلية‬
‫على الرغم من أن الدبلوماسية قديمة قدم الشعوب والجماعات وتضرب بجذورها في عمق التاريخ‪،‬‬
‫إال أنها ظلت في حالة تطور مستمر إلى غاية الوقت الراهن‪ ،‬ذلك أن الحركية والديناميكية التي تتميز‬
‫بها الدبلوماسية ما هي إال انعكاس لحركية وتطور الجماعات البشرية وتفاعلها مع بعضها البعض‪.‬‬
‫ومن خالل الفروع الموالية سنقوم برصد أهم مراحل تطور العالقات الدبلوماسية‪ ،‬وأهم الخصائص‬
‫التي اتسمت بها كل مرحلة‪.‬‬
‫الفرع األول‪ :‬الدبلوماسية في العصر القديم‬
‫يرى المتتبعون للعالقات الدبلوماسية أن هذه األخيرة ضاربة بجذورها في أعماق التاريخ بحيث تعود‬
‫ممارستها إلى المجتمعات القديمة‪ ،‬أين كانت القبائل والدويالت المكونة لها تتبادل الوفود الدبلوماسية‬
‫وتجري المفاوضات فيما بينها‪ ،‬وفيما يلي توضيح ذلك‪.‬‬
‫أولا‪ :‬الدبلوماسية عند الصينيين والهنود القدامى‬
‫كان للفالسفة الصينيون القدامى أثر كبير في الدعوة إلى إقامة عالقات دبلوماسية بين قبائل‬
‫الصين في بداية التاريخ‪ ،‬ومن بينهم الفيلسوف "توانغ شينغ" الذي كان يرى بأن نشوب الحرب أمر ال‬
‫مفر منه‪ ،‬لذلك دعا إلى أن تهتم تلك القبائل بالوسائل الدبلوماسية للحصول على مكاسبها بطريقة‬
‫سلمية(‪.)1‬‬
‫كذلك الحال بالنسبة الهنود القدامى‪ ،‬حيث ت ِّ‬
‫ؤكد وثائقهم التاريخية وجود قانون يعود إلى القرن‬
‫العاشر قبل الميالد يسمى بقانون "مانو ‪ "Manou‬الذي تضمن بعض المواد الخاصة بالسياسة الخارجية‬
‫والسفراء‪ ،‬من حيث كيفية اختيارهم وتحديد الصفات التي يجب أن تتوافر فيهم وطبيعة مهمتهم‪ ،‬كما‬
‫تضمن أيضاً بيان واجبات الملك في تعيين المبعوثين من بين أوالئك الذين يتمتعون بمكانة طيبة وشرف‬
‫رفيع وقدرة عالية على تمثيل ملوكهم على أحسن صورة(‪.)2‬‬

‫(‪)1‬‬
‫زناتي مصطفى‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.00‬‬
‫(‪)2‬‬
‫عبد الفتاح علي الرشدان‪ ،‬محمد خليل الموسى‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.00‬‬

‫‪02‬‬
‫الفصل ألاول‪ :‬السياق التاريخي واملفاهيمي للقانون الدبلوماس ي والقنصلي‬ ‫محاضرات في قانون العالقات الدبلوماسية والقنصلية‬

‫ثاني ا‪ :‬الدبلوماسية عند اإلغريق (اليونان)‬


‫أما اإلغريق (اليونان) فقد طوروا نظاماً دقيقاً لالتصال الدبلوماسي بين المدن اإلغريقية‪ ،‬يقوم على‬
‫مبدأ التسوية بالتراضي أو المصالحة التي تضع حداً لألعمال العدوانية‪ ،‬واذا كان اإلغريق لم يعرفوا‬
‫التمثيل الدبلوماسي الثابت كالسفارة‪ ،‬إال أن العالقات اإلغريقية عرفت بعض المبادئ الدبلوماسية المستقرة‬
‫اليوم كمبدأ الحصانات واالمتيازات لوفود المؤتمرات(‪ .)1‬وعموماً يمكن تلخيص مالمح العالقات‬
‫الدبلوماسية في العهد اإلغريقي في النقاط التالية(‪:)2‬‬
‫‪ -‬عدم خضوع الممثل الدبلوماسي للقانون والقضاء الداخلي في الدولة الموفد إليها‪.‬‬
‫‪ -‬اعتبار البعثات الدبلوماسية من الحقوق األساسية للمدنية‪ ،‬يقابله التزام على عاتق المدن األخرى يتمثل‬
‫في ضرورة استقبال هذه البعثات‪ ،‬فال يحق ألي منها رفض الدخول في عالقات دبلوماسية مع المدن‬
‫األخرى‪.‬‬
‫‪ -‬أن تبادل التمثيل الدبلوماسي لديهم لم يكن قاص اًر على دبلوماسية الرؤساء والملوك‪ ،‬بل كان قائماً حتى‬
‫بين المجالس النيابية التي تمثل اإلرادة الشعبية لسكان المدينة‪.‬‬
‫‪ -‬ال يجوز للممثل الدبلوماسي قبول أية هدايا من المدينة الموفد إليها في مهمة دبلوماسية‪ ،‬وفي حال‬
‫انتهاك هذا االلتزام تسلط عليه عقوبة االعدام‪.‬‬
‫‪ -‬تمتع المبعوث الدبلوماسي ببعض االمتيازات والحصانات‪ ،‬كما كان حق اللجوء السياسي معترف به‬
‫ضمن مبادئ القانون الدبلوماسي لدى اإلغريق‪.‬‬
‫ثالث ا‪ :‬الدبلوماسية عند الرومان‬
‫ثم انتقلت الحقاً بعض التقاليد والقواعد الدبلوماسية من اليونانيين إلى الرومان‪ ،‬لكن العالقات‬
‫الدولية لديهم كانت تدار ضمن إطار خدمة األهداف الخارجية لروما‪ ،‬التي ارتكزت على مبدأ السيطرة‬
‫واخضاع الشعوب األخرى‪ ،‬وكيفية استيعابها وصهرها في البوتقة الرومانية‪ ،‬وفي هذا السياق يقول‬
‫"نيكولسون"‪" :‬إن نظام الرومان الدبلوماسي لم يكن يتسق مع االعتراف بمبدأ المساواة القانونية ذات‬
‫السيادة"(‪.)3‬‬
‫وبغرض تكريس مبدأ السيطرة لجأ الرومان إلى رفض فكرة المفاوضة والدخول مباشرة في معاهدات‬
‫وتحالفات بين روما وغيرها من المدن‪ ،‬والشعوب المغلوبة على أمرها‪ ،‬وقد أبقت هذه المعاهدات لتلك‬
‫المدن والشعوب نوعاً من الحكم الذاتي(‪.)4‬‬

‫(‪)1‬‬
‫خليل حسين‪ ،‬التنظيم الدبلوماسي‪ ،‬ط‪ ،1‬منشورات الحلبي الحقوقية‪ ،‬بيروت‪ ،‬لبنان‪ ،5015 ،‬ص ‪.52‬‬
‫(‪)2‬‬
‫عبد العزيز بن ناصر العبيكان‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ص ‪.100 ،99‬‬
‫(‪)3‬‬
‫صالح محمد عبد الحميد‪ ،‬فن التفاوض والدبلوماسية‪ ،‬ط‪ ،1‬مؤسسة طيبة للنشر والتوزيع‪ ،‬القاهرة‪ ،‬مصر‪ ،5015 ،‬ص ص ‪.50 ،50‬‬
‫(‪)4‬‬
‫طارق حمو‪ ،‬الدبلوماسية وأصول العمل الدبلوماسي‪ ،‬المركز الكردي للدراسات‪ ،‬بوخوم‪ ،‬ألمانيا‪ ،5012 ،‬ص ‪.10‬‬

‫‪00‬‬
‫الفصل ألاول‪ :‬السياق التاريخي واملفاهيمي للقانون الدبلوماس ي والقنصلي‬ ‫محاضرات في قانون العالقات الدبلوماسية والقنصلية‬

‫ورغم أن الرومان كانوا يفضلون استعمال القوة في عالقاتهم الخارجية على حساب األساليب‬
‫الدبلوماسية للسيطرة على غيرهم من الشعوب‪ ،‬إال أن ذلك ال يعني إطالقاً أنهم لم يساهموا في تطوير‬
‫العمل الدبلوماسي‪ ،‬ويمكن رصد ذلك من خالل النقاط التالية(‪:)1‬‬
‫‪ -‬تعامل الرومان بالمعاهدات حيث انصب اهتمامهم على الشكل قبل المضمون في إبرامها وتسجيلها‪،‬‬
‫وقد أقروا مبدأ احترام العهود وقدسية المواثيق كأساس الستقرار العالقات الدولية‪.‬‬
‫‪ -‬سن ما يعرف بقانون األجانب أو قانون الشعوب‪ ،‬الذي يحكم عالقات روما بغير مواطنيها من‬
‫الشعوب الصديقة واألجانب المتحالفين معها‪.‬‬
‫‪ -‬كان مجلس الشيوخ الروماني هو الذي يدير العالقات الخارجية‪ ،‬حيث كان يقوم بقبول سفراء الدول‬
‫األجنبية واالستماع إلى مطالبهم‪.‬‬
‫‪ -‬كان الممثلون الدبلوماسيون لدى روما يتمتعون بالحصانة الشخصية حتى وقت الحرب‪ ،‬وعندما‬
‫يقترفون عمالً مخالفاً لقانون روما الداخلي يبعث بهم إلى دولتهم لتقوم بمحاكمتهم‪.‬‬
‫ما يمكن قوله عن الدبلوماسية في عهدي اإلغريق والرومان أنها اتسمت بالثبات في الشكل‪ ،‬لكنها‬
‫كانت مناسباتية في ممارستها‪ ،‬كما كانت محصورة في رقعة جغرافية محدودة نظ اًر لصعوبة التنقل‬
‫والمواصالت في ذلك الوقت‪.‬‬
‫الفرع الثاني‪ :‬الدبلوماسية في العصور الوسطى‬
‫تميزت العصور الوسطى في أوروبا باالنحطاط والتردي‪ ،‬حيث كان نظام الحكم فيها نظاماً إقطاعياً‬
‫يعتمد على الحروب‪ ،‬وفي هذه األثناء انقسمت اإلمبراطورية الرومانية إلى دولتين‪ ،‬الدولة الرومانية‬
‫عمر طويالً‪ ،‬والدولة الرومانية الشرقية وعاصمتها بيزنطة ثم‬
‫الغربية وعاصمتها ميالنو‪ ،‬ولم ت ِّ‬
‫القسطنطينية‪ ،‬واستمرت هذه الدولة حتى ظهور الدولة اإلسالمية(‪.)2‬‬
‫أولا‪ :‬الدبلوماسية عند البيزنطيين‬
‫بسبب الضعف العسكري للدولة البيزنطية فقد اتجهت لالعتماد أكثر على الدبلوماسية في بناء‬
‫عالقاتها مع الشعوب األخرى‪ ،‬على عكس اإلمبراطورية الرومانية األم التي كانت قوية‪ ،‬بحيث استعملت‬
‫الدبلوماسية فقط كوسيلة للسيطرة على الشعوب األخرى‪ ،‬لذلك كانت مساهمة الدولة البيزنطية أكثر أهمية‬
‫على صعيد الممارسة الدبلوماسية‪ ،‬فبعد أن كانت مهمة الممثل الدبلوماسي قبلهم قاصرة على إبداء وجهة‬
‫نظر بالده والدفاع عنها واقناع الغير بها‪ ،‬أصبحت لديهم ترتكز على تحري أسرار الدولة الموفد إليها‬

‫(‪)1‬‬
‫صالح محمد عبد الحميد‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ص ‪.45 ،44‬‬
‫(‪)2‬‬
‫عبد الفتاح علي الرشدان‪ ،‬محمد خليل الموسى‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.02‬‬

‫‪04‬‬
‫الفصل ألاول‪ :‬السياق التاريخي واملفاهيمي للقانون الدبلوماس ي والقنصلي‬ ‫محاضرات في قانون العالقات الدبلوماسية والقنصلية‬

‫والتعرف على مواطن الضعف فيها وأطماع حاكمها وكيفية استغالل كل ذلك لصالح دولته‪ ،‬وهكذا حل‬
‫الدبلوماسي الرقيب محل الدبلوماسي الخطيب(‪.)1‬‬
‫وقد كانت الدبلوماسية البيزنطية تقوم على ثالثة مرتكزات هي(‪:)2‬‬
‫‪ -‬سياسة إضعاف الشعوب من خالل نشر التفرقة بينهم للحيلولة دون وحدتهم‪ ،‬وذلك بهدف تقوية‬
‫وحدتهم الداخلية‪ ،‬أي استخدام المكر والحيلة في العمل الدبلوماسي‪.‬‬
‫‪ -‬شراء صداقة الشعوب المجاورة بطريق الرشوة والهدايا‪ ،‬أي اعتماد سياسة التملق والمساعدات المالية‪.‬‬
‫‪ -‬إدخال أكبر عدد ممكن في الديانة المسيحية‪ ،‬أي استعمال الدبلوماسية ألغراض دينية‪.‬‬
‫من خالل ما سبق ذكره يمكن القول أن الدبلوماسية البيزنطية تميزت بالخصائص التالية(‪:)3‬‬
‫‪ -‬اعتماد الممارسة الدبلوماسية عن فن ومهارات التفاوض للدفاع عن مصالحهم‪.‬‬
‫‪ -‬إنشاء ديوان خاص للشؤون الخارجية‪ ،‬بغرض تدريب المفاوضين واعدادهم للعمل الدبلوماسي‪.‬‬
‫‪ -‬إعداد التقارير وجمع المعلومات عن األوضاع الداخلية في البالد الموفد إليها من أهم أهداف‬
‫الدبلوماسية البيزنطية‪.‬‬
‫‪ -‬االهتمام الزائد بالمراسيم واجراءات الحماية والحصانة وحسن االستقبال للسفراء األجانب المعتمدين لدى‬
‫اإلمبراطورية البيزنطية‪.‬‬
‫ثاني ا‪ :‬الدبلوماسية عند العرب والمسلمين‬
‫أما العرب قبل مجيء اإلسالم فقد اهتموا مثل غيرهم بتوثيق صالتهم الخارجية مع األمم األخرى‬
‫كالفرس والهنود وغيرهم‪ ،‬وذلك بحكم الموقع االستراتيجي لشبه الجزيرة العربية الذي يمثِّل نقطة التقاء‬
‫القوافل التجارية القادمة من مختلف الجهات‪ ،‬مما نتج عنه قيام االتصاالت والمفاوضات وعقد المعاهدات‬
‫التجارية(‪ .)4‬ثم بعد ظهور اإلسالم‪ ،‬الذي لم يقم على أنقاض حضارة سابقة له بل أنه بذرة جديدة وحدث‬
‫تاريخي متميز أحدث تغيي اًر في حياة البشرية في جميع المجاالت ومنها الدبلوماسية‪ ،‬حيث عندما تمكن‬
‫النبي ‪ ‬من إقامة دولة المدينة‪ ،‬كان لزاماً عليه أن يوطِّد األمن واالستقرار ثم التفرغ لنشر الدعوة‬
‫اإلسالمية‪ ،‬فعقد معاهدة سالم مع سكان المدينة من اليهود والمشركين‪ ،‬وبعد ذلك بدأت البعثات‬
‫الدبلوماسية تنتشر في الوطن العربي والدول المجاورة لنشر الدعوة اإلسالمية بالوسائل الدبوماسية(‪.)5‬‬

‫(‪)1‬‬
‫طارق حمو‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.04‬‬
‫(‪ )2‬صالح محمد عبد الحميد‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.50‬‬
‫(‪)3‬‬
‫أنظر في ذلك‪ :‬عبد الفتاح علي الرشدان‪ ،‬محمد خليل الموسى‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ص ‪ .00 ،09‬وصالح محمد عبد الحميد‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.52‬‬
‫وزناتي مصطفى‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.27‬‬
‫(‪)4‬‬
‫أنظر‪ :‬عبد الفتاح علي الرشدان‪ ،‬محمد خليل الموسى‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.00‬‬
‫(‪)5‬‬
‫سهيل حسين الفتالوي‪ ،‬الدبلوماسية اإلسالمية ‪ -‬دراسة مقارنة بالقانون الدولي العاصر ‪ ،-‬ط‪ ،1‬دار الثقافة للنشر والتوزيع‪ ،‬عمان‪ ،‬األردن‪ ،5002 ،‬ص‬
‫‪.02‬‬

‫‪03‬‬
‫الفصل ألاول‪ :‬السياق التاريخي واملفاهيمي للقانون الدبلوماس ي والقنصلي‬ ‫محاضرات في قانون العالقات الدبلوماسية والقنصلية‬

‫أما عن أهداف الدبلوماسية في اإلسالم فقد تمددت وتنوعت لتشمل نشر العقيدة اإلسالمية واعالن‬
‫الحرب وتبادل األسرى‪ ،‬وتقصي المعلومات عن الدول األخرى‪ ،‬واإلصالح بين الممالك اإلسالمية‪،‬‬
‫وتدعيم الروابط الثقافية‪ ،‬والحصول على المساعدات العسكرية لمواجهة أي عدوان خارجي كالغزو‬
‫الصليبي والمغولي‪ .‬وقد بالغ المسلمون في الشروط الواجب توافرها في سفرائهم‪ ،‬كالوسامة وحسن المظهر‬
‫ورجاحة العقل والفصاحة والذكاء والفطنة والعلم بالشريعة وسعة الثقافة‪ .‬وقد حرص الحكام واألمراء على‬
‫تزويد سفرائهم بوثائق عرفت باسم التذاكر‪ ،‬تتضمن أسماءهم وصفاتهم وطبيعة مهامهم‪ ،‬وهي تشبه ما‬
‫يعرف اليوم بجوازات السفر وأوراق االعتماد‪ .‬كما اهتم المسلمون بمراسيم استقبال المبعوثين األجانب‪،‬‬
‫ومنحهم الحصانة الدبلوماسية والسماح لهم بممارسة شعائرهم الدينية واعفائهم من الضرائب(‪.)1‬‬
‫ويمكن تلخيص أهم خصائص الدبلوماسية في العصر اإلسالمي فيما يلي(‪:)2‬‬
‫‪ -‬اتسمت الدبلوماسية منذ بداية الدولة اإلسالمية بمبدأ العالمية والشمولية ألن الرسالة اإلسالمية رسالة‬
‫عالمية‪ ،‬كما تميزت بالطابع السلمي‪ ،‬الذي يقوم على عدم البدء بالحرب أو اللجوء إلى استخدام السالح‬
‫إال في حالة رد العدوان‪.‬‬
‫‪ -‬عرفت الدبلوماسية اإلسالمية مقارنة بنظيراتها ُّ‬
‫تعدداً في األهداف والمقاصد كما أشرنا إليه منذ قليل‪.‬‬
‫‪ -‬إنشاء ما يعرف بديوان الرسائل‪ ،‬الذي كان مختصاً بالمكاتبات والرسائل مع الملوك وغيرهم من رؤساء‬
‫الدول المجاورة‪ ،‬كما يهتم بتدوين المعاهدات الدبلوماسية التي تبرم بين المسلمين وغيرهم‪.‬‬
‫مما سبق يمكن أن نستنتج أن الدبلوماسية اإلسالمية محكومة بكل أبعادها ومستوياتها بالعقيدة‬
‫اإلسالمية‪ ،‬وبأهداف الرسالة السماوية التي نزلت على محمد ‪ ،‬بينما الدبلوماسيات األخرى مرتبطة‬
‫بالمصالح اآلنية والمؤقتة‪ ،‬مما قد يجعلها في بعض األحيان دبلوماسية خطرة على حياة الناس‬
‫والمجتمعات بسبب تعارض تلك المصالح‪.‬‬
‫الفرع الثالث‪ :‬الدبلوماسية في العصر الحديث والمعاصر‬
‫بدأت مرحلة العصر الحديث مع بداية النهضة في أوربا وامتد إلى ما قبل الحرب العالمية األولى‪،‬‬
‫ليليه العصر المعاصر الذي بدأ بنهاية الحرب العالمية األولى إلى يومنا هذا‪ ،‬وخالل هاتين المرحلتين‬
‫مرت الدبلوماسية بتطورات هامة‪ ،‬إن على مستوى نطاقها أو أسلوب ممارستها‪ ،‬وتفصيل ذلك كما يلي‪:‬‬
‫ًّ‬
‫أولا‪ :‬الدبلوماسية في العصر الحديث‬
‫مرت الدبلوماسية الحديثة بمرحلتين أساسيتين‪ ،‬األولى تسمى بمرحلة الدبلوماسية التقليدية والتي‬
‫بدأت مع عصر النهضة في القرن الخامس ميالدي إلى ما قبل الحرب العالمية األولى‪ ،‬وما ميز هذه‬
‫المرحلة أنها كانت بداية لالنتقال من الدبلوماسية المؤقتة وغير المنتظمة إلى الدبلوماسية المستقرة‬

‫(‪)1‬‬
‫طارق حمو‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.10‬‬
‫(‪ )2‬أنظر‪ :‬عبد الفتاح علي الرشدان‪ ،‬محمد خليل الموسى‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ص ‪.00 ،00‬‬

‫‪04‬‬
‫الفصل ألاول‪ :‬السياق التاريخي واملفاهيمي للقانون الدبلوماس ي والقنصلي‬ ‫محاضرات في قانون العالقات الدبلوماسية والقنصلية‬

‫والدائمة‪ ،‬ولعل معالم هذا التطور بدأت تبرز بشكل أكثر وضوحاً بعد توقيع معاهدة وستفاليا سنة ‪1002‬‬
‫بين الدول األوروبية‪ ،‬التي أقرت مبدأ توازن القوى فيما بينها ألول مرة‪ ،‬أين تحتم على تلك الدول‬
‫المتنافسة تبادل البعثات الدبلوماسية الدائمة من أجل مراقبة بعضها البعض‪ ،‬وبعد قيام الثورة الفرنسية‬
‫سنة ‪ 1229‬استمرت الدبلوماسية في التطور حتى أصبح التبادل الدبلوماسي الدائم من الحقوق المقررة‬
‫لكل دولة ذات سيادة(‪.)1‬‬
‫أما مرحلة الدبلوماسية الحديثة فقد عرفت تطو اًر كبي اًر سواء من حيث الوظائف واالهتمامات أو من‬
‫حيث األساليب والمراسيم والبروتوكوالت‪ ،‬كما شهدت أولى محاوالت تقنين القواعد الدبلوماسية‪ ،‬وذلك في‬
‫مؤتمر فيينا سنة ‪ 1212‬م‪ ،‬الذي ت ِّوج بإبرام اتفاقية خاصة بترتيب أعضاء السلك الدبلوماسي أقرت ألول‬
‫مرة قواعد دولية ثابتة ومهمة ت ُّ‬
‫عد حجر األساس في بناء الدبلوماسية الحديثة‪ ،‬أين بدأت الدبلوماسية تأخذ‬
‫طابع المهنة واالحتراف‪ ،‬وأصبح المبعوث الدبلوماسي يمثل دولته وليس شخص الحاكم‪ ،‬كما أصبح‬
‫أعضاء البعثة يتمتعون بنوع من االستقاللية وببعض من الحصانات واالمتيازات باعتبارهم من موظفي‬
‫دولتهم يمثلونها في الخارج(‪.)2‬‬
‫ويمكن القول أن التطور نحو الدبلوماسية الحديثة اتسم بمظهرين رئيسيين من ناحية األسلوب ومن‬
‫ناحية الممارسة‪ ،‬فمن ناحية األسلوب فإن أهم أثر على تطور الدبلوماسية هو تقلص المسافات والحدود‬
‫بين الدول بسبب التقدم الهائل في مجال تكنولوجيا االتصاالت والمواصالت وسرعة تداول المعلومات‪،‬‬
‫أما من ناحية الممارسة فقد كان لظهور الديمقراطية وأنظمة الحكم الليبرالية‪ ،‬وتعزيز المشاركة الشعبية في‬
‫تسيير شؤون الحكم من خالل المجالس المنتخبة تأثير بارز على الدبلوماسية‪ ،‬فبعد أن كان المبعوث‬
‫الدبلوماسي يمثل شخص الملك أو الحاكم ويسعى لتحقيق رغباته ومصالحه‪ ،‬وكانت العالقات الدولية‬
‫تدار بكل سرية‪ ،‬أصبحت الشعوب تتمتع بدور مؤثر في صنع السياسة الخارجية خصوصاً من خالل‬
‫الممثلين المنتخبين واألحزاب السياسية‪ ،‬وهنا أصبح الممثلون الدبلوماسيون يمثلون دولهم ومصالحها‬
‫القومية‪ ،‬وبالتالي تطورت الدبلوماسية من أسلوب الدبلوماسية الشخصية إلى أسلوب دبلوماسية تمثيل‬
‫السلطة الحاكمة(‪ ،)3‬أي التحول من الدبلوماسية الشخصية إلى الدبلوماسية التمثيلية‪.‬‬
‫وبصفة عامة يمكن ايجاز أهم خصائص الدبلوماسية في العصر الحديث فيما يلي(‪:)4‬‬
‫‪ -‬ظهور البعثات الدبلوماسية الدائمة‪ ،‬ورافق هذا التطور توسُّع في بعض قواعد التمثيل والتعامل‪.‬‬
‫‪ -‬إعطاء أهمية خاصة للحصانات واالمتيازات التي يجب أن يتمتع بها الممثلون الدبلوماسيون من أجل‬
‫الحفاظ على سالمتهم ومهنتهم‪.‬‬
‫(‪)1‬‬
‫علي حسين الشامي‪ ،‬الدبلوماسية ‪ -‬نشأتها وتطورها ونظام الحصانات واالمتيازات الدبلوماسية ‪ ،-‬دار العلم للماليين‪ ،‬بيروت‪ ،‬لبنان‪ ،1990 ،‬ص ‪.90‬‬
‫(‪)2‬‬
‫أنظر‪ :‬عبد الفتاح علي الرشدان‪ ،‬محمد خليل الموسى‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪ .02‬ومنتصر سعيد حمودة‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.00‬‬
‫(‪ )3‬أنظر‪ :‬عبد الفتاح علي الرشدان‪ ،‬محمد خليل الموسى‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ص ‪.22 ،22‬‬
‫(‪)4‬‬
‫أنظر‪ :‬علي حسين الشامي‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ص ‪.100 ،100‬‬

‫‪05‬‬
‫الفصل ألاول‪ :‬السياق التاريخي واملفاهيمي للقانون الدبلوماس ي والقنصلي‬ ‫محاضرات في قانون العالقات الدبلوماسية والقنصلية‬

‫‪ -‬انتشار دبلوماسية القمة‪ ،‬وذلك من خالل المقابالت واالجتماعات التي كانت تحدث بين الملوك‬
‫واألمراء لتبادل الرأي حول القضايا المشتركة المعقدة‪.‬‬
‫‪ -‬ظهور ما يعرف بنظام األسبقية في ُّ‬
‫التقدم بين المبعوثين والسفراء في االجتماعات واالحتفاالت‪.‬‬
‫‪ -‬اقتصار التمثيل الدبلوماسي على الدول فقط لعدم ظهور المنظمات الدولية‪ ،‬مما جعلها دبلوماسية‬
‫ثنائية تتسم بالطابع السري‪.‬‬
‫ثاني ا‪ :‬الدبلوماسية المعاصرة‬
‫بدأت هذه الدبلوماسية في الظهور مع نهاية الحرب العالمية األولى وال زالت مستمرة إلى يومنا هذا‪،‬‬
‫حيث بعد نشوب الحرب العالمية الثانية سنة ‪ 1909‬تأكد فشل عصبة األمم في صيانة السلم واألمن‬
‫الدوليين بسبب عدم قدرتها على حل النزاعات الدولية بالطرق الدبلوماسية‪ ،‬تم إنشاء هيئة جديدة لتخلفها‬
‫وهي منظمة األمم المتحدة سنة ‪ 1902‬لتعيد بناء دعائم السلم واألمن الدوليين والمحافظة عليهما‪ ،‬والتي‬
‫أرسى ميثاقها مبادئ أساسية لها أبعاد دبلوماسية‪ ،‬من بينها مبدأ الدبلوماسية العلنية من خالل منع‬
‫المعاهدات السرية‪ ،‬وحق الشعوب في تقرير مصيرها وتعزيز عالقات التعاون والتفاهم بين الدول‪ ،‬كما‬
‫أقر مبدأ المساواة في السيادة بين الدول التي يعتبر ايفاد المبعوثين الدبلوماسيين من أبرز مظاهرها(‪.)1‬‬
‫ثم ظهر على مسرح العالقات الدولية اتجاهات جديدة فرضتها التحوالت الدولية‪ ،‬كان لها انعكاسات‬
‫واضحة على الدبلوماسية من أهمها ذلك التمايز بين دبلوماسية الدول الرأسمالية في الغرب ودبلوماسية‬
‫الدول الشيوعية في الشرق‪ ،‬الذي ترتب عنه ظهور دبلوماسية المحاور والكتل واألحالف مقابل دبلوماسية‬
‫الحياد وعدم االنحياز‪ .‬وعموماً فالعوامل التي ساهمت في تطوير الدبلوماسية المعاصرة تتمثل في(‪:)2‬‬
‫‪ -‬التطور الكمي والنوعي في مكونات المجتمع الدولي‪ ،‬بدخول دول جديدة من آسيا وافريقيا نالت‬
‫استقاللها حديثاً في عضوية األمم المتحدة بعد أن كان معظم أعضائها من القارة األوروبية‪ ،‬وهكذا‬
‫وتنوعاً من التي كانت تعمل فيها‬ ‫ُّ‬
‫وتعدداً ُّ‬ ‫أصبحت الدبلوماسية تعمل في بيئة دولية أكثر اتساعاً‬
‫الدبلوماسية التقليدية‪.‬‬
‫‪ -‬زيادة االعتماد المتبادل والمصالح المشتركة بين الدول‪ ،‬ضاعف من حاجة الدول لبعضها البعض‪،‬‬
‫وبالتالي وجدت في الدبلوماسية الوسيلة الفعالة للتعاون الدولي وايجاد الحلول لمختلف المشكالت‬
‫والمنازعات الناجمة عن تضارب تلك المصالح‪.‬‬
‫‪ -‬الثورة التكنولوجية والتقدم الهائل في وسائل االتصال والمواصالت‪ ،‬كان لها أثر واضح على أسلوب‬
‫العمل الدبلوماسي‪ ،‬حيث تم االنتقال من مرحلة الدبلوماسية غير المباشرة إلى الدبلوماسية المباشرة‪ ،‬أين‬

‫(‪)1‬‬
‫عبد الفتاح علي الرشدان‪ ،‬محمد خليل الموسى‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ص ‪.01 ،00‬‬
‫(‪)2‬‬
‫المرجع نفسه‪ ،‬ص ص ‪.02 ،05‬‬

‫‪06‬‬
‫الفصل ألاول‪ :‬السياق التاريخي واملفاهيمي للقانون الدبلوماس ي والقنصلي‬ ‫محاضرات في قانون العالقات الدبلوماسية والقنصلية‬

‫أصبح بمقدور المبعوث الدبلوماسي الحصول على معلومات ضخمة في وقت وجيز‪ ،‬مما يسر له مهمة‬
‫تجميعها وتحليلها وتقييمها وابالغ حكومته بها‪.‬‬
‫‪ -‬ظهور مهام إضافية وجديدة للعمل الدبلوماسي‪ ،‬بحيث لم تعد الدبلوماسية ترتكز فقط على التفاوض‬
‫من أجل إحالل السلم وحل المنازعات بين الدول‪ ،‬بل أصبحت الدبلوماسية المعاصرة تهتم بقضايا أخرى‬
‫كالبيئة وحقوق اإلنسان ومكافحة الجريمة العابرة للحدود‪.‬‬
‫‪ -‬اتساع مجاالت عمل وأنشطة المنظمات الدولية‪ ،‬حيث كان لظهور هذه األخيرة بصماتها الجلية على‬
‫الدبلوماسية‪ ،‬فقد أوجد نشاطها الدولي المتنامي إلى جانب الدبلوماسية الثنائية نوعاً جديداً من الدبلوماسية‬
‫وهي الدبلوماسية الجماعية أو متعددة األطراف‪.‬‬
‫التحرر‬
‫ُّ‬ ‫‪ -‬تزايد دور الجماهير والرأي العام في التأثير على الدبلوماسية‪ ،‬حيث كان النتشار قيم‬
‫والديمقراطية في نهاية القرن العشرين أثر واضح في القضاء على األنظمة الشمولية الدكتاتورية وظهور‬
‫األنظمة الديمقراطية‪ ،‬وهذا التحول كانت له انعكاساته على ازدياد اهتمام الجماهير بالسياسة الخارجية‬
‫لدولهم إلدراكهم بأن مخرجاتها تنعكس ايجاباً أو سلباً على مصيرهم ومستواهم المعيشي‪ ،‬وبذلك أصبحت‬
‫تمارس نوعاً من الرقابة على أجهزة صنع السياسة الخارجية وتنفيذها من خالل ممثليها في البرلمان‪.‬‬
‫المبحث الثاني‬
‫أنواع الدبلوماسية وتمييزها عن المفاهيم المشابهة‬
‫انتهينا في المبحث السابق إلى أن الدبلوماسية لم تنشأ فجأة‪ ،‬بل تطورت من حيث مدلولها وشكلها‬
‫ومضمونها عبر مراحل تاريخية مختلفة‪ ،‬األمر الذي يسمح بتصنيفها من حيث الواقع والممارسة العلمية‬
‫وتشعب موضوعاتها جعلها تتقاطع مع عدة‬
‫ُّ‬ ‫توسع نطاقها‬
‫إلى عدة أنواع حسب معايير مختلفة‪ ،‬كما أن ُّ‬
‫مفاهيم أخرى‪ ،‬وهو ما يجعل من مقارنتها بها لتمييزها عنها أمر ال بد منه‪.‬‬
‫المطلب األول‪ :‬أنواع الدبلوماسية‬
‫لقد شهدت الممارسة الدبلوماسية أنماطاً وأشكاالً مختلفة‪ ،‬تغيرت وتطورت عبر مختلف المراحل‬
‫التاريخية التي مرت بها‪ ،‬لذلك يمكن تصنيف الدبلوماسية حسب عدة معايير كما يلي‪:‬‬
‫أولا‪ :‬من حيث الشكل (الدبلوماسية السرية والدبلوماسية العلنية)‬
‫فمن حيث الطريقة التي تدار بها العالقات الدولية هناك الدبلوماسية السرية وهي التي تتم خلف‬
‫الكواليس بسرية تامة ويتم التكتم عن نتائجها‪ ،‬وهناك الدبلوماسية العلنية وهي التي تظهر نتائجها للعلن‬
‫فور انتهائها حتى ولو جرت المفاوضات بشكل سري(‪.)1‬‬
‫وقد تم االنتقال من مرحلة الدبلوماسية السرية إلى مرحلة الدبلوماسية العلنية نتيجة تطور وسائل‬
‫اإلعالم وثورة المواصالت واالتصاالت المتنوعة بين الدول‪ ،‬وزيادة وعي الشعوب وظهور المنظمات‬
‫(‪)1‬‬
‫مايا الدباس‪ ،‬ماهر ملندي‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.02‬‬

‫‪07‬‬
‫الفصل ألاول‪ :‬السياق التاريخي واملفاهيمي للقانون الدبلوماس ي والقنصلي‬ ‫محاضرات في قانون العالقات الدبلوماسية والقنصلية‬

‫المتخصصة في مختلف المجاالت‪ ،‬عندها ظهرت الدعوات المطالبة باالبتعاد عن الدبلوماسية السرية‬
‫التي تثير الشك والريبة في العالقات الدولية‪ ،‬واستبدالها بالدبلوماسية العلنية أو المكشوفة‪ ،‬وقد تم تكريس‬
‫ذلك في ميثاق األمم المتحدة‪ ،‬الذي ألزم الدول بضرورة تسجيل ونشر المعاهدات التي تبرم بينها باألمانة‬
‫العامة لألمم المتحدة تحت طائلة عدم االحتجاج بها(‪.)1‬‬
‫ثانيا‪ :‬من حيث عدد األطراف (الدبلوماسية الثنائية والدبلوماسية الجماعية)‬
‫بموجب هذا المعيار يمكن التمييز بين نوعين من الدبلوماسية هما الدبلوماسية الثنائية والدبلوماسية‬
‫الجماعية أو متعددة األطراف‪ ،‬بحيث كانت األولى هي المعمول بها لوحدها قبل ظهور المنظمات‬
‫الدولية‪ ،‬أين كانت ال دول تدخل في عالقات مع بعضها البعض بصورة مباشرة وعبر لقاءات ثنائية وما‬
‫ينجم عنها من معاهدات ثنائية وتحالفات عسكرية وغيرها‪.‬‬
‫ولكن بظهور بعض المشاكل والقضايا الدولية المعقدة والعابرة للحدود لم يعد بمقدور الدول‬
‫معالجتها عبر عالقاتها الثنائية‪ ،‬فبرز ما يسمى بالدبلوماسية الجماعية أو الدبلوماسية البرلمانية التي تتم‬
‫عبر المنظمات الدولية المشكلة لهذا الغرض‪ ،‬بحيث يتم مناقشة ومعالجة القضايا المشتركة في إطار‬
‫أجهزة هذه المنظمات‪ ،‬فالقضايا الدولية يتم مناقشتها داخل منظمة األمم المتحدة والوكاالت المتخصصة‬
‫التابعة لها‪ ،‬أما القضايا اإلقليمية فيتم مناقشها في إطار المنظمات اإلقليمية التي تضم عدد محدود من‬
‫الدول(‪ .)2‬وهذه الدبلوماسية ليست بديلة عن الدبلوماسية الثنائية وانما هي موازية لها‪ ،‬بخالف الدبلوماسية‬
‫العلنية التي كانت بديالً عن الدبلوماسية السرية‪.‬‬
‫والفرق بين الدبلوماسية الثنائية والدبلوماسية متعددة األطراف‪ ،‬يكمن في النقاط التالية(‪:)3‬‬
‫‪ -‬أن الدبلوماسية الثنائية تتم بين الدول فقط‪ ،‬بينما الدبلوماسية المتعددة األطراف تتم بين الدول والمنظمة‬
‫الدولية ودولة المقر‪ ،‬أي أنها عالقة ثالثية‪.‬‬
‫‪ -‬في الدبلوماسية الثنائية ال بد من موافقة كل دولة على البعثة الدبلوماسية ليتم االعتماد المتبادل بينهما‪،‬‬
‫بينما في دبلوماسية المنظمات الدولية (الدبلوماسية الجماعية) ال يوجد مثل هذا التقليد سواء بالنسبة‬
‫للموظفين الدوليين التابعين للمنظمة أو بالنسبة للبعثات الدبلوماسية المعتمدة لديها من قبل الدول‪ ،‬أي أن‬
‫الدولة المستقبلة للبعثة ليس لها حق رفض أو قبول البعثة‪.‬‬

‫(‪)1‬‬
‫تنص المادة (‪ )5/105‬من الميثاق على‪ -5" :‬ليس ألي طرف في معاهدة أو اتفاق دولي لم يسجل وفقا للفقرة األولى من هذه المادة أن يتمسك بتلك‬
‫المعاهدة أو ذلك االتفاق أمام أي فرع من فروع األمم المتحدة"‪ .‬أنظر‪ :‬ميثاق األمم المتحدة والنظام األساسي لمحكمة العدل الدولية سنة ‪ ،1902‬منشورات‬
‫إدارة شؤون اإلعالم لألمم المتحدة‪ ،5000 ،‬ص ‪.02‬‬
‫(‪)2‬‬
‫أنظر‪ :‬ديلمي أمال‪ ،‬التنظيم القانوني الدولي للعالقات الدبلوماسية‪( ،‬مذكرة ماجستير في القانون العام‪ ،‬كلية الحقوق‪ ،‬جامعة مولود معمري‪،)5015 ،‬‬
‫ص ص ‪ .12 ،10‬ومايا الدباس‪ ،‬ماهر ملندي‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.02‬‬
‫(‪)3‬‬
‫مايا الدباس‪ ،‬ماهر ملندي‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ص ‪.15 ،11‬‬

‫‪08‬‬
‫الفصل ألاول‪ :‬السياق التاريخي واملفاهيمي للقانون الدبلوماس ي والقنصلي‬ ‫محاضرات في قانون العالقات الدبلوماسية والقنصلية‬

‫‪ -‬من حق الدولة في التمثيل الدبلوماسي الثنائي أن تعلن عدم رغبتها في أي مبعوث دبلوماسي أو تقوم‬
‫بطرده أو سحبه من عضوية البعثة‪ ،‬بينما ‪ -‬نظرياً – ال يتم ذلك في عالقة الدولة مع المنظمة الدولية‪،‬‬
‫حيث ال تملك دولة المقر أو الدولة المضيفة حق طرد عضو من أعضاء البعثات الدبلوماسية المعتمدة‬
‫لدى المنظمة أو طلب سحبه إال من المنظمة نفسها‪.‬‬
‫‪ -‬في الدبلوماسية الثنائية تطبق الدول مبدأ المعاملة بالمثل‪ ،‬بينما ليس لهذا المبدأ أي دور في العالقة‬
‫غير المتكافئة بين الدولة والمنظمة الدولية‪ ،‬والسبب أن الدولة صاحبة سيادة واقليم تستطيع القيام بكل ما‬
‫يتطلبه أمنها الوطني من إجراءات في مواجهة أجهزة المنظمة‪ ،‬بينما ال تملك المنظمة سلطة فعلية للرد‬
‫بالمثل على ذلك‪.‬‬
‫ثالثا‪ :‬من حيث الجهة القائمة بها (الدبلوماسية الرسمية والدبلوماسية الشعبية)‬
‫حسب معيار الجهة القائمة بالنشاط الدبلوماسي يمكن التمييز بين نوعين من الدبلوماسية هما‪:‬‬
‫الدبلوماسية الرسمية والدبلوماسية الشعبية‪ ،‬فاألولى يقصد بها تلك التي يمارسها أشخاص القانون الدولي‬
‫كالدول والمنظمات الدولية الحكومية‪ ،‬عن طريق األجهزة الدبلوماسية المعروفة‪ ،‬أما الثانية فهي نمط‬
‫جديد من الدبلوماسية ظهر في الوقت الحاضر نتيجة التطور الحاصل في التركيبة العددية للفاعلين في‬
‫الساحة الدولية‪ ،‬أين ظهرت المنظمات الدولية غير الحكومية التي ينشئها مجموعة من األفراد من دول‬
‫مختلفة بموجب اتفاقات خاصة‪ ،‬لالضطالع بالقضايا الدولية المشتركة التي تمس األفراد مباشرة مثل‬
‫التنمية وحقوق اإلنسان وحماية البيئة‪.‬‬
‫وما يميز هذه المنظمات أنها لها قدرة فائقة في التأثير على الرأي العام لتوجيهه ولفت اهتمام‬
‫وسائل اإلعالم نحو القضايا الدولية المشتركة‪ ،‬وبالتالي أصبحت تشكل قوة ضاغطة على المؤتمرات‬
‫الدولية الرسمية التي تنعقد لدراسة تلك القضايا‪ .‬وقد كانت هذه المنظمات سبباً في إبرام العديد من‬
‫االتفاقيات التي تعالج القضايا البيئية‪.‬‬
‫رابع ا‪ :‬من حيث الوسائل المستخدمة (دبلوماسية السلم ودبلوماسية الحرب)‬
‫من خالل هذا المعيار نميز بين نوعين من الدبلوماسية هما‪ :‬دبلوماسية السلم ودبلوماسية الحرب‬
‫التي ظهرت بقوة في بداية القرن التاسع عشر إلى نهاية القرن العشرين أثناء فترة االستعمار التي‬
‫اجتاحت قارة آسيا وافريقيا‪ ،‬فاألولى تقوم على التفاوض واإلقناع والتكافؤ بين األطراف المتفاوضة‪ ،‬وهي‬
‫األصل‪ ،‬بينما الثانية هي دبلوماسية عنف أو ما يسمى دبلوماسية السفن الحربية‪ ،‬وتظهر من خالل لجوء‬
‫الدولة إلى وسائل الزجر واإلكراه بل والعنف‪ ،‬بما في ذلك الحرب للوصول إلى تحقيق أغراضها‪ ،‬وهذه‬
‫الوسائل يعتبرها البعض امتداداً للنشاط الدبلوماسي للدولة في ميدان آخر غير ميدان المفاوضات(‪.)1‬‬

‫(‪)1‬‬
‫مايا الدباس‪ ،‬ماهر ملندي‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.09‬‬

‫‪09‬‬
‫الفصل ألاول‪ :‬السياق التاريخي واملفاهيمي للقانون الدبلوماس ي والقنصلي‬ ‫محاضرات في قانون العالقات الدبلوماسية والقنصلية‬

‫خامس ا‪ :‬من حيث قوة األطراف (الدبلوماسية المتكافئة ودبلوماسية الهيمنة)‬


‫تقوم الدبلوماسية في األصل على أساس المساواة بين جميع الدول‪ ،‬بحيث تتمتع كل منها بالسيادة‬
‫التي تخولها الحق في إقامة عالقات دبلوماسية مع غيرها‪ ،‬هذه العالقات الدبلوماسية تقوم على أساس‬
‫التفاوض واإلقناع المتبادل دون اللجوء إلى وسائل اإلكراه واالبتزاز من قبل الطرف القوي حيال الطرف‬
‫الضعيف‪.‬‬
‫غير أنه كثي اًر ما ال يحترم هذا التكافؤ في الممارسة العملية لِما أصبحت تتمتع به الواليات المتحدة‬
‫األمريكية في هذا العصر من قوة ونفوذ مقارنة بالدول األخرى‪ ،‬وأبرز مثال على ذلك هو تأثير الواليات‬
‫المتحدة األمريكية وضغطها على الدول إلصدار ق اررات أممية ضد العراق وأفغانستان بحجة مكافحة‬
‫اإلرهاب‪ ،‬والتي بموجبها تم حجز أموال المنظمات اإلسالمية والعربية(‪ ،)1‬وهو األمر نفسه الذي تقوم به‬
‫تجاه القضية الفلسطينية منذ احتالل األراضي الفلسطينية إلى يومنا هذا‪ ،‬حيث انحازت الق اررات األممية‬
‫لصالح تثبيت الوجود اإلسرائيلي‪ ،‬بينما يتم زو اًر وصف المنظمات التي تناضل من أجل تقرير مصير‬
‫شعوبها بالمنظمات اإلرهابية‪.‬‬
‫وعالوة عما ذكر يضيف السيد‪ :‬بطرس غالي األمين العام األسبق لألمم المتحدة صو اًر أخرى‬
‫للدبلوماسية الحديثة‪ ،‬هي(‪:)2‬‬
‫‪ -‬الدبلوماسية الرئاسية أو دبلوماسية القمة‪ :‬وهي الدبلوماسية التي تحصل بين رؤساء الدول عند‬
‫لقاءاتهم واجتماعاتهم‪ ،‬بحيث يتم اللجوء إلى هذا النوع من الدبلوماسية في القضايا المستعجلة التي‬
‫تتطلب وضع حلول سريعة وجذرية أو اتفاقيات هامة بين الدول‪ ،‬لِما توفِّره من وقت وجهد في اتخاذ‬
‫الق اررات الهامة والحلول المستعجلة‪ ،‬وذلك لِما يتمتع به الرؤساء من صالحيات واسعة‪.‬‬
‫‪ -‬الدبلوماسية القتصادية أو دبلوماسية المساعدات‪ :‬وهي القائمة على المساعدات االقتصادية التي‬
‫ت ِّ‬
‫قدمها الدول بشكل ثنائي أو جماعي بكل أشكالها‪ ،‬وهذه الدبلوماسية يمكن أن تكون صورة جديدة‬
‫للدبلوماسية االستعمارية‪.‬‬
‫مما سبق يمكن القول أن الدبلوماسية تتطور بشكل مستمر‪ ،‬بحيث تعددت أشكالها وصورها‪ ،‬بل‬
‫وحتى أهدافها وأغراضها‪ ،‬وذلك بتعدد وتنوع وتشابك مصالح الدول واألطراف الدولية‪ ،‬وهو ما جعلها‬
‫تقترب وتتقاطع مع مفاهيم أخرى‪ ،‬مما يحتِّم علينا المقارنة والتمييز بينها‪.‬‬
‫المطلب الثاني‪ :‬تمييز الدبلوماسية عن المفاهيم المشابهة‬
‫بتشابك وتنوع الروابط والعالقات بين أشخاص القانون الدولي عموماً أصبح مفهوم العالقات‬
‫الدبلوماسية يتداخل مع عدة مفاهيم أخرى‪ ،‬األمر يوجب علينا مقارنتها بها لتمييزها عنها‪.‬‬

‫(‪)1‬‬
‫سهيل حسين الفتالوي‪ ،‬الدبلوماسية بين النظرية والتطبيق‪ ،‬دار الثقافة للنشر والتوزيع‪ ،‬عمان‪ ،‬األردن‪ ،5000 ،‬ص ‪.100‬‬
‫(‪)2‬‬
‫مشار إليها في‪ :‬عبد الفتاح علي الرشدان‪ ،‬محمد خليل الموسى‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.02‬‬

‫‪42‬‬
‫الفصل ألاول‪ :‬السياق التاريخي واملفاهيمي للقانون الدبلوماس ي والقنصلي‬ ‫محاضرات في قانون العالقات الدبلوماسية والقنصلية‬

‫أولا‪ :‬الدبلوماسية والعالقات الدولية‬


‫إذا كانت العالقات الدولية تمثِّل عملية تفاعل متعددة األوجه بين دولتين أو أكثر وبدرجات متفاوتة‪،‬‬
‫وهي ضرورة ال بد منها تسعى من خاللها الدولة إلى تحقيق أهدافها والمحافظة على مصالحها المختلفة‬
‫على جميع المستويات السياسية واالقتصادية والتجارية والثقافية‪ ،‬فإن الدبلوماسية كذلك أصبحت ضرورة‬
‫تقتضيها طبيعة العالقات الدولية؛ إذ هي تعد بمثابة الجهاز الرئيسي التابع للدولة خارجياً والذي يشرف‬
‫على إدارة تلك العالقات(‪.)1‬‬
‫عرفه "فريدريك هارتمان" يشمل كل االتصاالت بين الدول‬
‫واذا كان مصطلح العالقات الدولية كما ي ِّ‬
‫وكل حركات الشعوب والسلع واألفكار عبر الحدود الوطنية(‪ ،)2‬فإن مصطلح العالقات الدبلوماسية‬
‫ينحصر في كيفي ة وأصول تبادل التمثيل الدبلوماسي بين الدول بعضها ببعض أو بينها وبين المنظمات‬
‫الدولية‪.‬‬
‫ثاني ا‪ :‬الدبلوماسية والسياسة الخارجية‬
‫ترتبط الدبلوماسية بالسياسة الخارجية ارتباطاً وثيقاً‪ ،‬بل ويحدث بينهما بعض التداخل لدرجة أن‬
‫الدبلوماسية تستخدم أحياناً للداللة على السياسة الخارجية لدولة ما دون التمييز بينهما‪ ،‬فمثالً يرى "هانس‬
‫مورجنثاو" أنهما شيء واحد من منطلق أن الدبلوماسية تقوم بصياغة السياسة الخارجية وتنفيذها‬
‫باالشتراك مع و ازرة الخارجية(‪.)3‬‬
‫ولعل هذا التداخل الذي يبدو للبعض بين الدبلوماسية والسياسة الخارجية ُّ‬
‫مرده لألسباب التالية‪:‬‬
‫‪ -‬أن الدبلوماسية والسياسة الخارجية يعمالن في حقل واحد هو حقل العالقات الدولية‪.‬‬
‫‪ -‬أن وزير الخارجية وهو رئيس الجهاز الدبلوماسي‪ ،‬هو أيضاً عضو في األجهزة الحكومية التي تشارك‬
‫في صنع السياسة الخارجية للدولة واإلعداد لها‪.‬‬
‫‪ -‬أن الجهاز الدبلوماسي هو من يزود صناع القرار في دولته بتقارير دورية عن أوضاع الدولة المعتمد‬
‫لديها وموقفها من مختلف القضايا‪ ،‬وهذه التقارير تؤخذ بعين االعتبار عند رسم السياسة الخارجية لدولته‪.‬‬
‫‪ -‬أن الجهاز الدبلوماسي هو من يقوم بدور فعال في تنفيذ السياسة الخارجية للدولة‪.‬‬
‫ولكن رغم االرتباط الوثيق بين الدبلوماسية والسياسة الخارجية‪ ،‬بل والتداخل بينهما أحياناً‪ ،‬فإن ذلك‬
‫ال يعني أنهما شيء واحد‪ ،‬ألنه إذا كانت السياسة الخارجية تتمثل في الخطط والمنهج الذي تنتهجه‬
‫الدولة في عالقاتها السياسية واالقتصادية واإلستراتيجية مع الدول األخرى‪ ،‬انطالقاً من مقوماتها الداخلية‬
‫وظروفها التاريخية وأوضاعها االجتماعية واالقتصادية والجغرافية والعسكرية‪ ،‬فإن الدبلوماسية ت ِّ‬
‫شكل‬

‫(‪)1‬‬
‫عبد الفتاح علي الرشدان‪ ،‬محمد خليل الموسى‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.50‬‬
‫(‪)2‬‬
‫أنظر‪ :‬سعد حقي توفيق‪ ،‬مبادئ العالقات الدولية‪ ،‬ط‪ ،2‬شركة العاتك لصناعة الكتاب‪ ،‬القاهرة‪ ،‬مصر‪ 1001 ،‬هـ‪ 5010/‬م‪ ،‬ص ‪.15‬‬
‫(‪)3‬‬
‫عبد الفتاح علي الرشدان‪ ،‬محمد خليل الموسى‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.51‬‬

‫‪40‬‬
‫الفصل ألاول‪ :‬السياق التاريخي واملفاهيمي للقانون الدبلوماس ي والقنصلي‬ ‫محاضرات في قانون العالقات الدبلوماسية والقنصلية‬

‫الوسيلة األساسية لتنفيذ السياسة الخارجية وتحقيق أهدافها في أوقات السلم والحرب‪ ،‬على اعتبار أن‬
‫العمل الدبلوماسي يبقى مستم اًر في أوقات السلم والحرب(‪ ،)1‬وذلك بالرغم من أن الحرب تؤدي إلى قطع‬
‫العالقات الدبلوماسية المباشرة‪.‬‬
‫مما سبق يتضح أن السياسة الخارجية والدبلوماسية على ما بينهما من ترابط وتداخل في األهداف‬
‫واألداء‪ ،‬إال أن ذلك ال يعني أنهما غير متمايزين ولكل منهما نطاقه ومحدداته‪ ،‬فالسياسة الخارجية أوسع‬
‫نطاقاً من الدبلوماسية‪ ،‬والدبلوماسية تشكل جزءاً من السياسة الخارجية ابتداء وانتهاء‪ ،‬فهي أوالً تقوم‬
‫بتزويد صانعي السياسة الخارجية بالمعومات الضرورية التي تساعدهم على صناعة السياسة الخارجية‪،‬‬
‫وهي أخي اًر من تسهر على حسن تنفيذ السياسة الخارجية‪.‬‬
‫ثالثا‪ :‬العالقات الدبلوماسية والعالقات القنصلية‬
‫رغم االختالف الموجود بين العالقات الدبلوماسية والعالقات القنصلية‪ ،‬إال أن هناك من ال يميز‬
‫بينهما‪ ،‬ولعل ذلك راجع لكون التمييز بينهما من الناحية العملية أمر في غاية الصعوبة‪ ،‬بخالف التمييز‬
‫بينهما من الناحية النظرية الذي يبدو أم اًر في غاية الوضوح‪.‬‬
‫فمن الناحية النظرية العالقات القنصلية ينظمها القانون القنصلي الذي يضم مجموعة القواعد‬
‫القانونية الدولية المبينة للمركز القانوني للقناصل ومهامهم المتمثلة في رعاية مصالح رعايا دولهم‬
‫المقيمين في دول أخرى‪ ،‬أما العالقات الدبلوماسية فينظمها القانون الدبلوماسي الذي يهتم بتنظيم‬
‫العالقات الدبلوماسية بين الدول بعضها ببعض أو بينها وبين المنظمات الدولية(‪ .)2‬والفرق بين االثنين‬
‫واضح‪ ،‬حيث طبيعة المصالح التي يرعاها القنصل تختلف عن تلك التي يرعاها الدبلوماسي‪ ،‬فاألولى‬
‫هي مصالح خاصة تتعلق برعايا الدولة المقيمين بالخارج‪ ،‬أما الثانية هي مصالح الدولة ذاتها أي أنها‬
‫مصالح عامة‪.‬‬
‫رابع ا‪ :‬الدبلوماسية والقانون الدبلوماسي‬
‫إذا كانت الدبلوماسية تتمثل في األسلوب والطريقة التي تدار بها العالقات الدولية بين أشخاص‬
‫القانون الدولي باالعتماد على مهارتي المفاوضات واإلقناع‪ ،‬فإن القانون الدبلوماسي يتمثل في مجموعة‬
‫المبادئ والقواعد الموجهة والمنظمة لتلك العالقات‪ ،‬من حيث تنظيم االتصال الخارجي بين أشخاص‬
‫القانون الدولي‪ ،‬وبيان وسائل تمثيل كل منهم لدى اآلخر‪.‬‬

‫(‪ )1‬على حسين الشامي‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.42‬‬


‫(‪)2‬‬
‫ديلمي أمال‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ص ‪.04 ،03‬‬

‫‪44‬‬
‫الفصل ألاول‪ :‬السياق التاريخي واملفاهيمي للقانون الدبلوماس ي والقنصلي‬ ‫محاضرات في قانون العالقات الدبلوماسية والقنصلية‬

‫المبحث الثالث‬
‫مصادر القانون الدبلوماسي والقنصلي‬
‫القانون الدبلوماسي والقنصلي هو مجموعة القواعد القانونية العامة والمجردة التي تنظم العالقات‬
‫الدبلوماسية والقنصلية بين أشخاص المجتمع الدولي (دول ومنظمات دولية)‪ ،‬وتستمد هذه القواعد وجودها‬
‫من ذات المصادر التي يستمد منها القانون الدولي مصادره‪ ،‬باعتبار القانون الدبلوماسي والقنصلي فرع‬
‫من فروع القانون الدولي‪ .‬وتلك المصادر حددتها المادة (‪ )02‬من النظام األساسي لمحكمة العدل‬
‫الدولية ‪ ،‬وهي االتفاقيات الدولية‪ ،‬األعراف والعادات الدولية المرعية‪ ،‬مبادئ القانون العامة‪ ،‬أحكام‬
‫المحاكم ومذاهب كبار المؤلفين(‪.)1‬‬
‫لكن باعتبار الوظيفة الدبلوماسية والقنصلية من صميم الوظائف الداخلية الخاصة بكل دولة على‬
‫حدا‪ ،‬فإن قواعد القانون الداخلي للدولة التي تعنى بتعيين الدبلوماسيين والقناصل وتحديد مهامهم تمثِّل‬
‫مصد اًر إضافياً بالنسبة للقانون الدبلوماسي والقنصلي(‪ ،)2‬وبالتالي فإن هذا األخير ينفرد بهذا المصدر‬
‫اإلضافي عن القانون الدولي العام بالرغم من أن األول فرع من الثاني‪.‬‬
‫وانطالقاً من المادة (‪ )02‬المذكورة‪ ،‬فإن بعض الفقه يقسِّم المصادر التي ذكرتها إلى مصادر‬
‫أصلية تتمثل في المعاهدات والعرف والمبادئ العامة للقانون‪ ،‬ومصادر احتياطية أو استداللية تتمثل في‬
‫أحكام المحاكم والفقه الدولي(‪ ،)3‬وهو ما سنوضحه في المطلبين المواليين‪.‬‬
‫المطلب األول‪ :‬المصادر األصلية‬
‫تستمد قواعد القانون الدبلوماسي والقنصلي وجودها من مصادر دولية ذكرتها المادة (‪ )02‬من‬
‫النظام األساسي لمحكمة العدل الدولية هي المعاهدات الدولية‪ ،‬العرف الدولي‪ ،‬المبادئ العامة للقانون‪،‬‬
‫مضاف إليها مصدر وطني يتمثل في القانون الداخلي الذي ينظم الوظيفة الدبلوماسية والقنصلية‪ ،‬والذي‬
‫يجب أال يكون متعارضاً مع المصادر الدولية‪ ،‬وفيما يلي بيان ذلك‪.‬‬
‫أولا‪ :‬العرف الدولي‬
‫رغم أن المادة (‪ )02‬من النظام األساسي لمحكمة العدل الدولية ذكرت في تعدادها لمصادر القانون‬
‫الدولي المعاهدات الدولية قبل العرف الدولي‪ ،‬إال أنه من الناحية التاريخية يعتبر العرف الدولي من أقدم‬
‫مصادر القانون الدولي العام‪ ،‬وكذا قانون العالقات الدبلوماسية والقنصلية‪ ،‬بل إن معظم القواعد التي‬
‫تضمنتها مختلف المعاهدات الدولية ما هي إال قواعد عرفية ثابتة ومستقرة في وجدان الجماعة الدولية‬
‫تكونت بمرور الوقت‪ ،‬وما كان دور هذه المعاهدات إال كاشفاً لهذه القواعد العرفية وليس منشئاً لها(‪.)4‬‬
‫(‪)1‬‬
‫أنظر‪ :‬ميثاق األمم المتحدة والنظام األساسي لمحكمة العدل الدولية‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ص ‪.100 ،99‬‬
‫(‪)2‬‬
‫محي الدين جمال‪ ،‬قانون العالقات الدبلوماسية والقنصلية‪ ،‬ط‪ ،1‬منشورات بغدادي تعاونية التضامن‪ ،‬الجزائر‪ ،5010 ،‬ص ‪.50‬‬
‫(‪)3‬‬
‫محمد المجذوب‪ ،‬القانون الدولي العام‪ ،‬ط‪ ،0‬منشورات الحلبي الحقوقية‪ ،‬بيروت‪ ،‬لبنان‪ ،5002 ،‬ص ‪.109‬‬
‫(‪)4‬‬
‫منتصر سعيد حمودة‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.02‬‬

‫‪43‬‬
‫الفصل ألاول‪ :‬السياق التاريخي واملفاهيمي للقانون الدبلوماس ي والقنصلي‬ ‫محاضرات في قانون العالقات الدبلوماسية والقنصلية‬

‫بالرجوع إلى المادة (‪ )02‬المذكورة نجدها أوردت تعريفاً مختص اًر للعرف الدولي في فقرتها األولى‬
‫(ب) بقولها‪" :‬العادات الدولية المرعية المعتبرة بمثابة قانون دل عليه تواتر االستعمال"(‪ ،)1‬أما الفقه الدولي‬
‫فقد عرفه بأنه‪ " :‬مجموعة من األحكام القانونية نشأت من تكرار التزام الدول بها في تصرفاتها مع غيرها‬
‫في حاالت معينة‪ ،‬بوصفها قواعد تكتسب في اعتقاد غالبيتها وصف االلتزام القانوني"(‪.)2‬‬
‫واذا أسقطنا هذا التعريف على المجال الدبلوماسي فإن العرف الدبلوماسي هو‪" :‬مجموعة القواعد‬
‫والمبادئ المتعارف عليها في الحياة الدبلوماسية والعالقات القائمة بين الدول وممثليها الدبلوماسيين"(‪،)3‬‬
‫أو هو‪" :‬السلوك الذي تواترت الدول على العمل به على وجه االلزام بالنسبة لمجمل الموضوعات المتعلقة‬
‫بالتمثيل الدبلوماسي"(‪.)4‬‬
‫من خالل التعاريف السابقة يتضح أن العرف الدولي سواء في مجال القانون الدولي عموماً أو في‬
‫مجال القانون الدبلوماسي والقنصلي يتكون من ركنين أحدهما مادي واآلخر معنوي‪ ،‬فأما المادي فيتمثل‬
‫في تكرار تصرف معين إزاء ذات الواقعة سواء أكان إيجابياً أم سلبياً من قبل أشخاص القانون الدولي‪،‬‬
‫والذي عبرت عنه المادة (‪ )02‬المذكورة بعبارة "تواتر االستعمال"‪.‬‬
‫فالقاعدة العرفية إذن ال تكتسب قوتها اإللزامية إال إذا طبِّقت باستمرار واتصفت بالشمول وقامت‬
‫على أساس التبادل‪ ،‬وال يقصد بذلك إجماع الدول على قبولها‪ ،‬بل يكفي موافقة تلك التي طبقتها وعدم‬
‫اعتراض تلك التي لم تطبِّقها‪ .‬فالتحكيم‪ ،‬مثالً‪ ،‬كان أسلوباً عارضاً لجأت إليه بعض الدول لتسوية‬
‫منازعاتها‪ ،‬ولكن نجاحه وتك ارره وعدم احتجاج الدول األخرى على ممارسته‪ ،‬ما لبث أن حوله إلى عرف‬
‫ثابت له قواعده وأصوله وأحكامه(‪.)5‬‬
‫كمل للركن المادي‪ ،‬حيث ال يكفي تكرار العمل بالسابقة في الظروف‬
‫أما الركن المعنوي فهو م ِّ‬
‫المماثلة الكتسابها وصف القاعدة العرفية الملزمة‪ ،‬بل يلزم أن يصدر هذا التكرار أو ذلك التواتر عن‬
‫اقتناع من الدول بأن إتيان ذلك السلوك إنما يفرضه واجب قانوني(‪ ،)6‬وهو ما عبرت عنه المادة (‪)02‬‬
‫المذكورة بعبارة "العادات الدولية المرعية المعتبرة بمثابة قانون"‪.‬‬
‫وعليه فإن الركن المعنوي للعرف يمكن تعريفه بأنه‪" :‬ذلك الشعور أو االعتقاد الموجود لدى‬
‫أشخاص القانون الدولي بضرورة اتباع قاعدة معينة على سبيل اإللزام القانوني‪ ،‬وأن مخالفة ذلك يترتب‬

‫(‪)1‬‬
‫أنظر‪ :‬ميثاق األمم المتحدة والنظام األساسي لمحكمة العدل الدولية‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.100‬‬
‫(‪)2‬‬
‫حامد سلطان‪ ،‬القانون الدولي العام وقت السلم‪ ،‬ط‪ ،0‬دار النهضة العربية‪ ،‬القاهرة‪ ،‬مصر‪ ،1909 ،‬ص ‪.02‬‬
‫(‪)3‬‬
‫طارق حمو‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.10‬‬
‫(‪)4‬‬
‫عبد الفتاح علي الرشدان‪ ،‬محمد خليل الموسى‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.102‬‬
‫(‪)5‬‬
‫محمد المجذوب‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.100‬‬
‫(‪)6‬‬
‫أبو الخير أحمد عطية‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.225‬‬

‫‪44‬‬
‫الفصل ألاول‪ :‬السياق التاريخي واملفاهيمي للقانون الدبلوماس ي والقنصلي‬ ‫محاضرات في قانون العالقات الدبلوماسية والقنصلية‬

‫عليه توقيع الجزاء"‪ ،‬وهذا الركن هو الذي يميِّز العرف الدولي عن قواعد المجاملة أو األخالق الدولية‬
‫التي تفتقر إلى وصف اإللزام القانوني(‪.)1‬‬
‫وبتوافر الركنين المادي والمعنوي يتشكل العرف الدولي بوعي وادراك من الدول‪ ،‬وليس بإرادة فوق‬
‫إرادتها أو في غفلة منها‪ ،‬وانما ينشأ بإرادة بعضهم تحقيقاً لمصالح الجماعة الدولية‪ ،‬وأن عدم اعتراض‬
‫البعض اآلخر عليه ال يتم بشكل عفوي أو بدون وعي‪ ،‬وانما بالرضا الضمني‪ .‬وبالتالي فال بد من تولُّد‬
‫اإلحساس أو الشعور المتبادل باإللزام لدى المتعاملين بالعرف الدولي(‪.)2‬‬
‫ومن القواعد الدبلوماسية ذات النشأة العرفية قاعدة أن العالقات الدبلوماسية تنشأ بالرضا المتبادل‬
‫بين الدول‪ ،‬أي أن التمثيل الدبلوماسي يقوم على مبدأ الرضائية بين الدولتين أو الدول المتبادلة‬
‫دبلوماسياً‪ ،‬وهو ما قننته الحقاً اتفاقية فيينا للعالقات الدبلوماسية لسنة ‪ 1901‬في مادتها الثانية بقولها‪:‬‬
‫"تقام العالقات الدبلوماسية وتنشأ البعثات الدبلوماسية الدائمة بالرضى المتبادل"(‪ .)4()3‬ومن القواعد العرفية‬
‫العرفية أيضاً تمتع أفراد السلك الدبلوماسي بالحصانة الالزمة‪ ،‬وأن نشوء نزاع مسلح بين دولتين يعني‬
‫حكماً قطع العالقات الدبلوماسية بينهما‪ ،‬أما قطع العالقات الدبلوماسية ال يعني أن نزاعاً مسلحاً قد نشأ‬
‫بينهما(‪.)5‬‬
‫واذا كان القانون الدبلوماسي التقليدي ولفترة قريبة قانون عرفي النشأة‪ ،‬فإنه بعد توقيع اتفاقية فيينا‬
‫للعالقات الدبلوماسية سنة ‪ 1901‬تغير الوضع‪ ،‬حيث أصبحت القواعد المكتوبة هي المصدر األساسي‬
‫للقانون الدبلوماسي‪ ،‬وذلك بعد تقنين القواعد العرفية الموجودة في هذه االتفاقية‪ ،‬ولكن هذا ال يعني أن‬
‫القواعد العرفية أصبحت ال أهمية لها ويمكن االستغناء عنها‪ ،‬بل ما زالت‪ ،‬حتى في ظل القواعد‬
‫المكتوبة‪ ،‬صالحة للتطبيق أو االستدالل بها ألن أصل القانون الدبلوماسي هو العرف الدولي‪ ،‬وهو ما‬
‫أكدت عليه اتفاقية فيينا للعالقات الدبلوماسية ذاتها في الفقرة الخامسة من ديباجتها بالقول‪" :‬واذ تؤكد‬
‫ضرورة استمرار قواعد القانون الدولي العرفي في تنظيم المسائل التي لم تنظمها صراحة أحكام هذه‬
‫االتفاقية"‪.‬‬

‫(‪)1‬‬
‫منتصر سعيد حمودة‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.00‬‬
‫(‪)2‬‬
‫مايا الدباس‪ ،‬ماهر ملندي‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.12‬‬
‫(‪)3‬‬
‫ح ِّررت في فيينا وعرضت للتوقيع عليها بتاريخ‪ 1901/00/12 :‬ودخلت حيز النفاذ بتاريخ‪ 1900/00/50 :‬بعد ايداع الوثيقة الثانية والعشرين من وثائق‬
‫التصديق أو االنضمام كما تنص على ذلك المادة (‪ )21‬منها‪ ،‬وقد بلغ عدد أطرافها إلى غاية فبراير ‪ 5012‬إلى ‪ 191‬دولة‪ .‬أنظر‪ :‬موقع ويكيبيديا على‬
‫الرابط‪ ،https://ar.wikipedia.org :‬تاريخ الزيارة‪ ،5019/10/02 :‬على الساعة‪.12:25 :‬‬
‫(‪)4‬‬
‫انضمت الجزائر التفاقية فيينا للعالقات الدبلوماسية بموجب المرسوم رقم‪ 20/00 :‬المورخ في‪ ،1900/00/00 :‬الصادر بالجريدة الرسمية للجمهورية‬
‫الجزائرية الديمقراطية الشعبية عدد ‪ 59‬بتاريخ‪.1900/00/02 :‬‬
‫(‪)5‬‬
‫مايا الدباس‪ ،‬ماهر ملندي‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.19‬‬

‫‪45‬‬
‫الفصل ألاول‪ :‬السياق التاريخي واملفاهيمي للقانون الدبلوماس ي والقنصلي‬ ‫محاضرات في قانون العالقات الدبلوماسية والقنصلية‬

‫وفي ظل االعتراف بمصدرية قواعد العرف الدولي جنباً إلى جنب مع القواعد المكتوبة المدونة في‬
‫عوضة للمعاهدات الدولية‪ ،‬وتبرز أهميتها‬
‫كملة أو م ِّ‬
‫المعاهدات الدولية‪ ،‬فإن قواعد العرف الدولي تصبح م ِّ‬
‫والحاجة إليها في المجال الدبلوماسي في الحاالت التالية‪:‬‬
‫‪ -‬المسائل التي لم تنظم صراحة بقواعد مكتوبة في اتفاقية فيينا للعالقات الدبلوماسية واالتفاقيات األخرى‬
‫المرتبطة بها‪ ،‬وهنا يسد العرف حالة الفراغ القانوني التي تركتها االتفاقيات‪ ،‬ويلعب دور البديل عنها‪.‬‬
‫‪ -‬عندما يكتنف القاعدة المكتوبة نوعاً من الغموض‪ ،‬فهنا يتم الرجوع إلى العرف لتفسير القواعد التي تم‬
‫تقنينها باعتباره أصالً لها(‪ ،)1‬وفي هذه الحالة ال يتمتع العرف إال بدور تفسيري‪ ،‬وبالتالي يصبح مصد اًر‬
‫احتياطياً وليس أصلياً‪.‬‬
‫‪ -‬يمكن أن يكون العرف مصد اًر للقواعد المستقبلية التي قد تنشأ في العالقات الدبلوماسية(‪ ،)2‬وهنا يكون‬
‫للعرف دو اًر منشئاً للقواعد المكتوبة‪.‬‬
‫‪ -‬يكون العرف الدولي مصد اًر أساسياً لقواعد التمثيل الدبلوماسي الدائم بالنسبة للدول غير األطراف في‬
‫اتفاقية فيينا للعالقات الدبلوماسية لسنة ‪ 1901‬م‪ ،‬أو بين الدول األطراف وغير األطراف‪ ،‬أو تلك التي‬
‫كانت طرفاً فيها وانسحبت منها(‪ ،)3‬ذلك أن األصل في المعاهدات الدولية أنها ذات أثر نسبي فال تسري‬
‫أحكامها إال بين أطرافها(‪.)4‬‬
‫مما سبق نخلص إلى القول أنه إذا كان العرف الدولي يمتاز بالمرونة ويخضع دون معارضة‬
‫للمتغيرات الناتجة عن تطور حاجيات المجتمع الدولي‪ ،‬إال أن نقطة الضعف فيه أن قواعده غير مستقرة‬
‫وتنطوي على غموض نسبي وغير محددة المعالم‪ ،‬لذلك يتم اللجوء إلى تثبيت وتدوين القواعد العرفية في‬
‫المعاهدات الدولية‪ ،‬التي تكون قواعدها أكثر دقة ووضوحاً‪.‬‬
‫ثانيا‪ :‬المعاهدات الدولية‬
‫بحلول القرن ‪ 19‬وظهور حركة التقنين بدأ يتراجع دور العرف في تنظيم الحياة الدولية‪ ،‬فاسحاً‬
‫المجال للمعاهدات الدولية أين بدأ موضوع العالقات الدولية يخضع لالشتراطات في المعاهدات‬
‫واالتفاقيات(‪ ،)5‬وهو ما كرسته فعالً المادة (‪ )02‬من النظام األساسي لمحكمة العدل الدولية عندما جعلت‬
‫جعلت المعاهدات الدولية المصدر األساسي األول للقانون الدولي ومختلف فروعه‪ ،‬التي من بينها القانون‬
‫الدبلوماسي والقنصلي‪.‬‬
‫(‪)1‬‬
‫أحمد أبو الوفاء‪ ،‬قانون العالقات الدبلوماسية والقنصلية‪ ،‬دار النهضة العربية‪ ،‬القاهرة‪ ،‬مصر‪ ،5000 ،‬ص ‪.10‬‬
‫(‪)2‬‬
‫محسن أفكرين‪ ،‬القانون الدولي العام‪ ،‬ط‪ ،1‬دار النهضة العربية‪ ،‬القاهرة‪ ،‬مصر‪ ،5002 ،‬ص ‪.022‬‬
‫(‪)3‬‬
‫عبد الفتاح علي الرشدان‪ ،‬محمد خليل الموسى‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ص ‪.109 ،102‬‬
‫(‪)4‬‬
‫نصت على هذا األصل المادة (‪ )00‬من اتفاقية فيينا لقانون المعاهدات لسنة ‪ 1909‬م بقولها‪" :‬ال تنشئ المعاهدات التزامات أو حقوقاً للدولة الغير بدون‬
‫رضاها"‪ .‬أنظر‪ :‬اتفاقية فيينا لقانون المعاهدات‪ ،‬األمم المتحدة‪ ،‬أعمال لجنة القانون الدولي‪ ،‬ط‪ ،0‬منشورات األمم المتحدة نييورك‪ ،1922 ،‬ص ‪.021‬‬
‫(‪)5‬‬
‫ناظم عبد الواحد الجاسور‪ ،‬أسس وقواعد العالقات الدبلوماسية والقنصلية ‪ -‬دليل عمل الدبلوماسي والبعثات الدبلوماسية ‪ ،-‬ط‪ ،1‬دار مجدالوي للنشر‬
‫والتوزيع‪ ،‬عمان‪ ،‬األردن‪ 1055 ،‬هـ‪ 5001/‬م‪ ،‬ص ‪.01‬‬

‫‪46‬‬
‫الفصل ألاول‪ :‬السياق التاريخي واملفاهيمي للقانون الدبلوماس ي والقنصلي‬ ‫محاضرات في قانون العالقات الدبلوماسية والقنصلية‬

‫وحسب الفقرة األولى (أ) من المادة (‪ )05‬من اتفاقية فيينا لقانون المعاهدات فإن المعاهدة الدولية‬
‫يقصد بها‪" :‬االتفاق الدولي المعقود بين الدول في صيغة مكتوبة والذي ينظِّمه القانون الدولي‪ ،‬سواء‬
‫تضمنته وثيقة واحدة أو وثيقتان متصلتان أو أكثر ومهما كانت تسميته الخاصة"‪.‬‬
‫ما يالحظ على هذا التعريف أنه جاء قاص اًر ألنه لم يستغرق االتفاقات التي تبرم بين الدول‬
‫والمنظمات الدولية‪ ،‬لذلك جاء الفقه ليستدرك هذا النقص حيث عرف المعاهدة الدولية بأنها‪" :‬اتفاق‬
‫مكتوب بين شخصين أو أكثر من أشخاص القانون الدولي العام‪ ،‬أياً كانت تسميته‪ ،‬يتم إبرامه وفقاً‬
‫ألحكام القانون الدولي إلحداث آثار قانونية"(‪ ،)1‬وهو ما نوهت به المادة (‪ )00‬من اتفاقية فيينا لقانون‬
‫المعاهدات ذاتها‪ ،‬حين أشارت إلى أن نص المادة (‪ )05‬المشار إليه ال يؤثِّر على القوة القانونية‬
‫لالتفاقيات التي تبرم بين الدول واألشخاص األخرى للقانون الدولي‪.‬‬
‫والمعاهدات الدولية كما ذكرت المادة (‪ )02‬من النظام األساسي لمحكمة العدل الدولية هي على‬
‫نوعين عامة وخاصة‪ ،‬أو كما يطلق عليها الفقه معاهدات شارعة ومعاهدات عقدية‪ ،‬فالشارعة تكون‬
‫متعددة األطراف ألنها تبرم بين عدد معتبر من أشخاص القانون الدولي‪ ،‬بهدف إنشاء قواعد عامة‬
‫ومجردة‪ ،‬وبالتالي فهي تبقى مفتوحة لكل أشخاص القانون الدولي لالنضمام إليها حتى بعد إبرامها‬
‫ونفاذها‪ ،‬أما المعاهدات العقدية أو الخاصة فهي التي تبرم بين شخصين أو عدد محدود من أشخاص‬
‫القانون الدولي‪ ،‬بقصد تحقيق مصالح أو منافع خاصة بين هذه الدول‪ ،‬وبالتالي فهي من المعاهدات‬
‫المغلقة التي ال تصلح ألن ينضم إليها أشخاص آخرون من أشخاص القانون الدولي‪.‬‬
‫ومهما يكن من أمر‪ ،‬فإن هذه المعاهدات أو تلك وان كانت ت ُّ‬
‫عد مصد اًر أساسياً للقانون الدولي العام‬
‫بمختلف فروعه التي من بينها القانون الدبلوماسي والقنصلي‪ ،‬ولكنها ليست على نفس القدر من األهمية‪،‬‬
‫فالمعاهدات الخاصة أو الثنائية في المجال الدبلوماسي والقنصلي تمتاز باألثر النسبي والمعالجة الجزئية‬
‫للوظيفة الدبلوماسية‪ ،‬لذلك لم تكن لها أهمية ملحوظة في إنشاء القواعد العامة المتعلقة بالعالقات‬
‫الدبلوماسية‪ ،‬بالرغم من أنها ساهمت في إقامة العالقات الدبلوماسية وتأسيس الوضع القانوني للبعثات‪،‬‬
‫وكذلك االمتيازات والحصانات الدبلوماسية وقاعدة المعاملة بالمثل(‪ ،)2‬لذلك يمكن النظر إليها على أساس‬
‫أنها كانت مصد اًر للقواعد العرفية العامة التي تحكم العالقات الدبلوماسية في القانون الدولي‪ ،‬وذلك بالقدر‬
‫الذي تعد فيه المعاهدات الثنائية مصد اًر للقواعد العرفية في القانون الدولي(‪.)3‬‬
‫أما المعاهدات الشارعة أو الجماعية في المجال الدبلوماسي والقتصلي‪ ،‬وعلى ِقلتها‪ ،‬إال أنها ت ُّ‬
‫عد‬
‫األكثر أهمية في ترسيخ القانون الدبلوماسي الذي أضحى بقواعده أساساً للعالقات الدبلوماسية‪ ،‬ومن‬

‫(‪)1‬‬
‫منتصر سعيد حمودة‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.00‬‬
‫(‪)2‬‬
‫ناظم عبد الواحد الجاسور‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.01‬‬
‫(‪)3‬‬
‫عبد العزيز بن ناصر العبيكان‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.112‬‬

‫‪47‬‬
‫الفصل ألاول‪ :‬السياق التاريخي واملفاهيمي للقانون الدبلوماس ي والقنصلي‬ ‫محاضرات في قانون العالقات الدبلوماسية والقنصلية‬

‫االتفاقيات الدولية المتعددة األطراف ذات األهمية الكبيرة في العالقات الدبلوماسية نجد اتفاقية هافانا‬
‫المتعلقة بالموظفين الدبلوماسيين التي أبرمت بتاريخ‪ 1952/05/50 :‬من قبل المؤتمر الدولي األمريكي‬
‫السادس(‪ ،)1‬والتي عالجت النظام الدبلوماسي بشكل كامل‪ ،‬حين تعرضت لرؤساء وأعضاء البعثة‬
‫الدبلوماسية وحددت واجباتهم وحصاناتهم وكيفية انتهاء مهامهم‪ ،‬وتعتبر هذه االتفاقية‪ ،‬رغم انحصارها في‬
‫مجال الدول األمريكية‪ ،‬كبداية تقنين للقانون الدبلوماسي(‪.)2‬‬
‫ثم بعد ذلك أبرمت اتفاقيتي فيينا للعالقات الدبلوماسية والقنصلية كتتويج لجهود كبيرة ومضنية‬
‫للجنة القانون الدولي التابعة لألمم المتحدة سنتي ‪ 1901‬و‪ 1900‬على التوالي‪ ،‬واللتان تعتبران من‬
‫المعاهدات الدولية ذات الصبغة العالمية‪ ،‬حيث قننتا معظم األعراف الدولية المعمول بها بين الدول في‬
‫العالقات الدبلوماسية والقنصلية‪ ،‬واللتان ست ِّ‬
‫شكالن محور دراستنا في المحاضرات القادمة‪.‬‬
‫وما تجدر اإلشارة إليه أن مجلس جامعة الدول العربية قرر احتياطياً أن تتحفظ الدول العربية عند‬
‫قبول االتفاقية بأن هذا القبول ال يحوي بأي حال معنى االعتراف بإسرائيل‪ ،‬وال يؤدي إلى دخول الدول‬
‫العربية معها في معامالت كما تنظِّمه هذه االتفاقية(‪ ،)3‬وهو القرار الذي عمل به عدد معتبر من الدول‬
‫العربية‪ ،‬حين أصدرت تحفظاً يقضي بأن الموافقة على هذه المعاهدة ال يعني اعترافاً بإسرائيل أو الدخول‬
‫معها في أي تعامالت تتطلبها المعاهدة(‪.)4‬‬
‫ثالث ا‪ :‬المبادئ العامة للقانون‬
‫لقد نصت على هذا المصدر الفقرة األولى البند (ج) من المادة (‪ )02‬من النظام األساسي لمحكمة‬
‫ِّ‬
‫المتمدنة"‪ ،‬مما يجعلها من المصادر‬ ‫العدل الدولية بقولها‪" :‬مبادئ القانون العامة التي أقرتها األمم‬
‫الرئيسية التي تحتل األولوية في الترتيب والتطبيق‪ ،‬وحسب الرأي الغالب في الفقه الدولي فإن المبادئ‬
‫العامة للقانون يقصد بها المبادئ القانونية التي تستمد من األنظمة القانونية الداخلية والتي تعتبر مبادئ‬
‫مشتركة ومعترف بها من كافة األنظمة القانونية الرئيسية في العالم(‪.)5‬‬
‫ورغم أن الرأي الراجح في الفقه الدولي يذهب إلى أن المبادئ العامة للقانون هي من المصادر‬
‫األصلية للقانون الد ولي‪ ،‬إال أنها تأتي في مرتبة دنيا من مراتب التدرج بين مصادر القانون الدولي العام‪،‬‬
‫مما يفيد عملياً أن القاضي ال يطبِّق تلك المبادئ على النزاع المعروض عليه إال حيثما ال يوجد اتفاق أو‬
‫عرف يمكن تطبيقه على وقائع النزاع(‪.)6‬‬
‫(‪)1‬‬
‫ناظم عبد الواحد الجاسور‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.00‬‬
‫(‪)2‬‬
‫عبد العزيز بن ناصر العبيكان‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.110‬‬
‫(‪)3‬‬
‫المرجع نفسه‪ ،‬ص ‪.150‬‬
‫(‪)4‬‬
‫من بين تلك الدول نجد‪ :‬دولة البحرين والكويت وسلطنة عمان والسعودية واإلمارات العربية المتحدة‪ .‬أنظر‪ :‬عبد العزيز بن ناصر العبيكان‪ ،‬مرجع سابق‪،‬‬
‫ص ص ‪.150 ،151‬‬
‫(‪)5‬‬
‫أبو الخير أحمد عطية‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.292‬‬
‫(‪ )6‬المرجع نفسه‪ ،‬ص ‪.001‬‬

‫‪48‬‬
‫الفصل ألاول‪ :‬السياق التاريخي واملفاهيمي للقانون الدبلوماس ي والقنصلي‬ ‫محاضرات في قانون العالقات الدبلوماسية والقنصلية‬

‫ومن المبادئ العامة للقانون الناظمة للعالقات الدبلوماسية مبدأ المعاملة بالمثل؛ إذ تقوم العالقات‬
‫الدبلوماسية الحالية أساساً على مبدأ المعاملة بالمثل أو مبدأ التبادل‪ ،‬بمعنى أن الدولة بإعمالها لمبدأ‬
‫المعاملة بالمثل يمكنها أن تمنح أو تزيد أو ت ِنقص من حجم االمتيازات والحصانات لممثلي الدولة‬
‫األخرى‪ ،‬لكن هذا المبدأ أصبح من قواعد القانون الدبلوماسي المكتوبة بعدما قننته اتفاقية فيينا للعالقات‬
‫الدبلوماسية في مادتها (‪ )02‬بقولها‪ -1" :‬ال يجوز للدولة المعتمد لديها التمييز بين الدول في تطبيق‬
‫أحكام هذه االتفاقية‪ -5 .‬وال يعتبر‪ ،‬مع ذلك أن هناك أي تمييز‪:‬‬
‫أ‪ -‬اذ طبقت الدولة المعتمد لديها أحد أحكام هذه االتفاقية تطبيقاً ضيقاً بسبب تطبيقه الضيق على بعثتها‬
‫في الدولة المعتمدة‪.‬‬
‫ب ‪ -‬اذا تبادلت الدول بمقتضى العرف أو االتفاق معاملة أفضل مما تتطلبه أحكام هذه االتفاقية"‪.‬‬
‫معنى هذا النص أنه يجب على الدول أن تتعامل بالمثل فيما يتعلق بمستوى التمثيل الدبلوماسي‬
‫وحجم البعثة الدبلوماسية ‪ ،‬أي تتماثل الدول في تبادلها الدبلوماسي من حيث عدد الدبلوماسيين‪ ،‬وفئاتهم‪،‬‬
‫ووضعية رؤساء البعثات الدبلوماسية وترتيبهم‪ ،‬وكيفية تسلُّم أوراق اعتمادهم‪ ،‬وكذلك في مدى تمتعهم‬
‫بالحصانات واالمتيازات والدبلوماسية(‪.)1‬‬
‫ولكن المادة المذكورة أعاله استثنت من التمييز في المعاملة مقتضيات أو داعي المعاملة بالمثل‬
‫في حالتين هما‪:‬‬
‫‪ -‬قيام الدولة المعتمدة لديها البعثة الدبلوماسية بالحد من المزايا التي تمنحها اتفاقية فيينا لسنة ‪،1901‬‬
‫إذا ما عوملت بعثتها لدى الدولة األخرى بذات المعاملة‪ ،‬ومثال ذلك أنه إذا قامت الدولة المعتمدة لديها‬
‫البعثة الدبلوماسية األجنبية باالنتقاص من حصانات هذه البعثة وامتيازاتها‪ ،‬فإنه يحق حينئذ للدولة‬
‫المعتمدة تطبيق ذات المعاملة على البعثة الدبلوماسية للدولة التي اتخذت مثل هذه اإلجراءات على‬
‫أراضيها‪.‬‬
‫‪ -‬الحالة التي تستفيد فيها الدولتان المعتمدة والمعتمد لديها البعثة الدبلوماسية بشكل متبادل بمعاملة‬
‫أفضل مما تمنحه اتفاقية فيينا لسنة ‪ ،1901‬وذلك استناداً لعرف دولي أو اتفاق مشترك بينهما‪ ،‬ومثالها‬
‫إذا كان العرف أو االتفاق المشترك يمنح حصانات وامتيازات للدبلوماسيين أفضل مما تمنحه اتفاقية‬
‫فيينا‪.‬‬
‫ومن الجدير بالذكر أن محكمة العدل الدولية أصدرت في‪ 1920/02/50 :‬حكماً بشأن أهمية‬
‫الرجوع إلى مبادئ القانون الدولي التي تنظِّم العالقات الدبلوماسية والقنصلية‪ ،‬والتي تتمثل في التزام‬

‫(‪ )1‬مايا الدباس‪ ،‬ماهر ملندي‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.50‬‬

‫‪49‬‬
‫الفصل ألاول‪ :‬السياق التاريخي واملفاهيمي للقانون الدبلوماس ي والقنصلي‬ ‫محاضرات في قانون العالقات الدبلوماسية والقنصلية‬

‫الدولة المعتمد لديها بضمان حرمة دار البعثة الدبلوماسية للدولة المعتمدة وحمايتها‪ ،‬والتزام الدولة المعتمد‬
‫لديها بعدم جواز احتجاز الدبلوماسيين كرهائن(‪.)1‬‬
‫رابع ا‪ :‬القوانين الوطنية‬
‫بالرغم من أن القوانين الوطنية تتصف بصفة باإلقليمية ألنها ال تطبق ‪ -‬كأصل عام ‪ -‬إال على‬
‫إقليم الدولة التي وضعتها وال تلتزم بأحكامها الدول األخرى‪ ،‬إال أنها مع ذلك تلعب دو اًر مهماً في تنظيم‬
‫العالقات الدبلوماسية والقنصلية‪ ،‬لذلك تحرص معظم دول العالم على أن تضع في تشريعاتها الوطنية‬
‫نصوصاً لتحديد كل ما يتعلق بتلك العالقات‪ ،‬ومن أهم هذه النصوص نجد تلك المتعلقة بتحديد‬
‫الحصانات واالمتيازات التي يتمتع بها مبعوثو الدول األجنبية لديها(‪.)2‬‬
‫واذا كانت القوانين الوطنية تمثِّل مصد اًر مستقالً للقانون الدبلوماسي والقنصلي من جانب واحد‪ ،‬إال‬
‫تمعن فيها يكتشف أنها في الغالب تكون كاشفة عن األعراف الدولية أو إعماالً لألحكام االتفاقية‬
‫أن الم ِّ‬
‫المقررة في االتفاقيات الدولية الدبلوماسية‪ ،‬ألن هذه وتلك تمثِّل حداً أدنى ال يجوز النزول عنه من طرف‬
‫الدول عندما تصدر تشريعاتها الداخلية المنظمة للتمثيل الدبلوماسي‪ ،‬أي أنه بإمكان التشريع الوطني أن‬
‫يمنح البعثات الدبلوماسية مرك اًز أكبر مما يمنحه لهم القانون الدولي‪ ،‬ولكنه ال يجوز أن يمنحها مرك اًز‬
‫أدنى من ذلك المقرر لصالحها بمقتضى القانون الدولي(‪.)3‬‬
‫ومن بين القوانين الداخلية التي تمثِّل مصد اًر للقانون الدبلوماسي والقنصلي نذكر ما يلي‪:‬‬
‫‪ -‬القوانين واألنظمة المتعلقة بالجمارك والضرائب واإلعفاءات الجمركية الخاصة باألجانب‪.‬‬
‫‪ -‬القانون المتعلق بتنظيم و ازرة الخارجية وتحديد اختصاصاتها‪ ،‬ويشمل هذا القانون تحديد البعثات‬
‫الدبلوماسية المعتمدة للدولة في الخارج وتشكيلها‪ ،‬وشروط واجراءات التعيين فيها‪ ،‬وواجبات المبعوث‬
‫الدبلوماسي‪ ،‬والنظام التأديبي‪ .‬ففي الجزائر مثالً نجد المرسوم الرئاسي رقم‪ 500/19 :‬المؤرخ في‪:‬‬
‫‪ 5019/09/11‬الذي يتضمن تنظيم اإلدارة المركزية لو ازرة الخارجية‪ ،‬والمرسوم الرئاسي رقم‪000/05 :‬‬
‫المؤرخ في‪ 5005/11/50 :‬الذي يحدد صالحيات و ازرة الشؤون الخارجية‪ ،‬والمرسوم الرئاسي رقم‪:‬‬
‫‪ 551/09‬المؤرخ في‪ 5009/00/50 :‬المتضمن القانون األساسي الخاص باألعوان الدبلوماسيين‬
‫والقنصليين‪.‬‬
‫‪ -‬قانون العقوبات واإلجراءات الجزائية‪ ،‬الذي ينص على منح حصانات خاصة لرؤساء الدول وأعضاء‬
‫البعثات الدبلوماسية‪.‬‬

‫(‪)1‬‬
‫أكدت المحكمة على هذه المبادئ بمناسبة فصلها في القضية المتعلقة بموظفي الواليات المتحدة الدبلوماسيين والقنصليين في طهران‪ .‬أنظر‪ :‬موجز‬
‫األحكام والفتاوى الصادرة عن محكمة العدل الدولية (‪ ،)1991-1902‬منشورات األمم المتحدة‪ ،1995 ،‬ص ‪.100‬‬
‫(‪)2‬‬
‫محسن أفكرين‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.522‬‬
‫(‪)3‬‬
‫عبد الفتاح علي الرشدان‪ ،‬محمد خليل الموسى‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ص ‪.110 ،109‬‬

‫‪32‬‬
‫الفصل ألاول‪ :‬السياق التاريخي واملفاهيمي للقانون الدبلوماس ي والقنصلي‬ ‫محاضرات في قانون العالقات الدبلوماسية والقنصلية‬

‫المطلب الثاني‪ :‬المصادر الحتياطية‬


‫بخالف المصادر األصلية للقانون الدبلوماسي والقنصلي التي يكون لها دو اًر منشئاً لقواعده‪ ،‬فإن‬
‫المصادر االحتياطية ال تتمتع بهذه القيمة وانما هي مجرد دليل يساعد القاضي في الكشف عن القاعدة‬
‫القانونية وال ينشئها‪ .‬وهذه المصادر حددتها الفقرة األولى البند (د) من المادة (‪ )02‬من النظام األساسي‬
‫لمحكمة العدل الدولية بقولها‪" :‬أحكام المحاكم ومذاهب كبار المؤلفين في القانون العام في مختلف األمم‪،‬‬
‫ويعتبر هذا أو ذاك مصد اًر احتياطياً لقواعد القانون"‪.‬‬
‫أولا‪ :‬أحكام المحاكم‬
‫تظهر أهمية أحكام المحاكم الدولية والوطنية كمصدر احتياطي للقانون الدبلوماسي والقنصلي‬
‫عندما ال يجد القاضي في االتفاقيات الدولية أو العرف الدولي أو مبادئ القانون العامة ما يعينه على‬
‫الفصل في النزاع المعروض عليه‪ ،‬ففي هذه الحالة يلجأ إلى األحكام القضائية الصادرة في قضايا سابقة‪،‬‬
‫ولكن ليس بوصفها مصد اًر أصلياً للقانون الدبلوماسي والقنصلي‪ ،‬وانما باعتبارها مصد اًر احتياطياً يسترشد‬
‫به للوصول إلى معرفة ما هو مطبق من قواعد القانون أو تفسير ما هو غامض منه(‪.)1‬‬
‫والقاضي ليس ملزماً بالرجوع إلى هذه السوابق القضائية عندما ال تسعفه المصادر األصلية في‬
‫ُّ‬
‫بالتقيد واألخذ بما تقضي به تلك السوابق إذا‬ ‫التوصل إلى حل للنزاع المعروض عليه‪ ،‬كما أنه ليس ملزماً‬
‫رجع إليها‪ ،‬ألنها كما قررت المادة (‪ )29‬من النظام األساسي لمحكمة العدل الدولية ال تتمتع بحجية‬
‫مطلقة وانما بحجية نسبية تسري على أطراف النزاع وفي حدود ذلك النزاع‪ ،‬وبالتالي تبقى هذه السوابق‬
‫مجرد وسيلة من الوسائل التي تساعد القاضي في إثبات قاعدة عرفية ما(‪.)2‬‬
‫ثانيا‪ :‬آراء كبار الفقهاء والمؤلفين في القانون الدولي والدبلوماسي‬
‫تعد آراء كبار الفقهاء والمؤلفين مصدر اغناء لقانون العالقات الدبلوماسية‪ ،‬لِما لهؤالء من معرفة‬
‫علمية وتجربة واسعة‪ ،‬حيث أوحت لهم تجاربهم الطويلة القيام بإجراء البحوث والدراسات حول ما‬
‫يعترضهم من مشكالت في العالقات الدبلوماسية وينتهوا فيها إلى اجتهاداتهم القيمة‪ ،‬ومن هؤالء الفقهاء‬
‫من دفعته الرغبة إلى دراسة أحكام القانون الدولي العرفية الخاصة بالعالقات الدبلوماسية‪ ،‬وتقديمها على‬
‫شكل تحليل أو تعليق قد يساهم في تطوير قواعد العالقات الدبلوماسية عند تقنينها‪ .‬وهناك من الفقهاء‬
‫من شغلوا مناصب استشارية في دولهم أو في المنظمات الدولية ومن عملوا سفراء لبالدهم أو عملوا‬
‫ضمن هيئات علمية تعنى بقضايا القانون الدبلوماسي وقدموا مشروعاً لها(‪.)3‬‬
‫ومن المشاريع الفردية التي ساهم بها بعض الفقهاء في تقنين وتطوير القانون الدبلوماسي‪ ،‬نذكر‪:‬‬

‫(‪)1‬‬
‫عبد العزيز بن ناصر العبيكان‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ص ‪.22 ،20‬‬
‫(‪)2‬‬
‫مايا الدباس‪ ،‬ماهر ملندي‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.55‬‬
‫(‪)3‬‬
‫طارق حمو‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.12‬‬

‫‪30‬‬
‫الفصل ألاول‪ :‬السياق التاريخي واملفاهيمي للقانون الدبلوماس ي والقنصلي‬ ‫محاضرات في قانون العالقات الدبلوماسية والقنصلية‬

‫‪ -‬مشروع الفقيه بالنشيني‪ :‬يعتبر أول مشروع قدمه فقيه سويسري األصل في كتابة القانون الدولي‬
‫الصادر سنة ‪ ،1202‬والذي يحتوي على ‪ 205‬مادة‪.‬‬
‫‪ -‬مشروع الفقيه فيوريه‪ :‬هذا المشروع قدمه فقيه ايطالي‪ ،‬يتميز عن المشروع السابق بأنه حاول‬
‫التأصيل للجوانب النظرية للحصانات الدبلوماسية‪ ،‬التي أسس لها باالستناد إلى نظرية امتداد اإلقليم‪.‬‬
‫‪ -‬مشروع الفقيه ستروب‪ :‬وهو فقيه ألماني وقد تميز مشروعه بتأصيل الحصانات الدبلوماسية باالستناد‬
‫إلى نظرية ضرورات الوظيفة‪ ،‬والذي أخذت به لجنة الخبراء التي شكلتها عصبة األمم سنة ‪.)1(1950‬‬
‫والى جانب هذه المشاريع والجهود الفردية للفقه‪ ،‬هناك جهود جماعية يساهم بها الفقهاء في إطار‬
‫جمعيات وهيئات دولية‪ ،‬تعقد المؤتمرات وتصدر المؤلفات‪ ،‬نذكر منها على سبيل المثال معهد القانون‬
‫الدولي البلجيكي‪ ،‬وجمعية القانون الدولي البريطانية‪ ،‬والجمعية األمريكية للقانون الدولي‪ ،‬ومجمع القانون‬
‫الدولي في الهاي‪ ،‬وجمعية القانون الدولي المصرية(‪.)2‬‬
‫وعلى المستوى الرسمي نجد المشاريع التي تقدمت بها لجنة القانون الدولي التابعة لألمم المتحدة‪،‬‬
‫ومنها المشروع الذي أعدته في سنة ‪ 1922‬تنفيذاً لقرار الجمعية العامة لألمم المتحدة رقم‪/222 :‬د‪2.‬‬
‫بتاريخ‪ ،1925/15/02 :‬الذي عرض على مؤتمر األمم المتحدة للعالقات والحصانات الدبلوماسية‬
‫المنعقد في فيينا سنة ‪ ،1901‬والذي انتهت أعماله بإبرام اتفاقية فيينا للعالقات الدبلوماسية لسنة‬
‫‪.)3(1901‬‬
‫فال شك أن هذه الجهود الفقهية بكل أشكالها ستعين القاضي وترشده إلى مقاصد النصوص‬
‫وروحها‪ ،‬بما تتضمنه من تعليقات وشروحات لما است ِ‬
‫شكل من نصوص المعاهدات والكشف عما أقرته‬
‫األعراف الدولية‪.‬‬

‫(‪)1‬‬
‫علي حسين الشامي‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.120‬‬
‫(‪)2‬‬
‫مايا الدباس‪ ،‬ماهر ملندي‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.50‬‬
‫(‪)3‬‬
‫عبد العزيز بن ناصر العبيكان‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.119‬‬

‫‪34‬‬
‫الفصل الثاني‪ :‬التمثيل الدبلوماس ي والقنصلي‬ ‫محاضرات في قانون العالقات الدبلوماسية والقنصلية‬

‫الفصل الثاني‬
‫التمثيل الدبلوماسي والقنصلي‬
‫لقد كشفت الممارسة الدولية المعاصرة عن صيغ وأشكال مختلفة للتمثيل الدبلوماسي‪ ،‬فبعد أن كان‬
‫التمثيل الدبلوماسي الثنائي الذي يتم بين الدول من خالل أجهزتها الداخلية والخارجية هو األكثر شيوعاً‪،‬‬
‫أفرزت العالاقات الدولية المعاصرة صيغاً أخرى للتمثيل الدبلوماسي‪ ،‬خاصة بعد ظهور المنظمات الدولية‬
‫وتعاظم دورها على الساحة الدولية‪ ،‬أين ظهر للوجود ما ُيعرف بالتمثيل الدبلوماسي متعدد األطراف‪ ،‬وهذا‬
‫بخالف التمثيل القنصلي الذي ظل ُمحافظاً على صبغته الثنائية‪.‬‬
‫وبعد استقرار العمل بتلك الصيغ المختلفة للتمثيل الدبلوماسي والقنصلي في األعراف الدولية‪،‬‬
‫اجتهدت المجموعة الدولية من خالل منظمة األمم المتحدة في تدوين تلك القواعد الناظمة لمختلف أشكال‬
‫التمثيل الدبلوماسي والقنصلي‪ ،‬فوضعت اتفااقية فيينا للعالاقات الدبلوماسية لسنة ‪ 1691‬بغية تنظيم‬
‫التمثيل الدبلوماسي الثنائي الدائم‪ ،‬واتفااقية فيينا للعالاقات القنصلية لسنة ‪ 1691‬المنظمة لقواعد تبادل‬
‫التمثيل القنصلي الثنائي بين الدول‪ ،‬ثم اقامت بوضع اتفااقية البعثات الخاصة لسنة ‪ 1696‬لتنظيم عمل‬
‫البعثات الدبلوماسية الخاصة والمؤاقتة‪ ،‬وأخي اًر أبرمت اتفااقية تمثيل الدول في عالاقاتها لدى المنظمات‬
‫ِّ‬
‫المتعددة األطراف‪.‬‬ ‫الدولية ذات الطابع العالمي لسنة ‪ ،1691‬لتنظيم اقواعد الدبلوماسية‬
‫ومهما اختلفت أشكال التمثيل الدبلوماسي والقنصلي‪ ،‬فإن العامل المشترك بينها هو وجود أجهزة‬
‫محددة لتجسيد تبادل هذا التمثيل على أرض الوااقع‪ ،‬وهو‬ ‫تابعة للدولة تُشرف على إدارتها‪ ،‬تخضع لقواعد َّ‬
‫ما سنوضحه في مبحثين‪ ،‬ندرس في األول أجهزة الدولة المكلفة بإدارة العالاقات الدبلوماسية والقنصلية‪،‬‬
‫ونتناول في الثاني اقواعد تبادل التمثيل الدبلوماسي والقنصلي‪.‬‬

‫‪33‬‬
‫الفصل الثاني‪ :‬التمثيل الدبلوماس ي والقنصلي‬ ‫محاضرات في قانون العالقات الدبلوماسية والقنصلية‬

‫المبحث األول‬
‫األهجزة المللف بدداة اللقااا الدبلوماسي والقنصلي‬
‫إن تمتع الدولة والمنظمات الدولية بالشخصية القانونية يعني أنهما يتوافران على اإلرادة القانونية‬
‫ويعبِّر عن تلك اإلرادة‬
‫مكنهما من التعبير عن نفسهما ومباشرة اختصاصهما على المستوى الدولي‪ُ ،‬‬ ‫التي تُ ِّ‬
‫في مجال القانون الدولي وفي عالاقتهما الخارجية مع بااقي أشخاص القانون الدولي‪ ،‬أشخاص طبيعيون‬
‫ُي ِّ‬
‫شكلون أجهزة تنص عليها وتُ ِّ‬
‫حدد اختصاصاتها القوانين والتشريعات الداخلية لكل منهما‪.‬‬
‫واألجهزة التي تسهر على تطبيق اقانون العالاقات الدبلوماسية والقتصلية هي على نوعين‪ :‬أجهزة‬
‫مركزية داخلية فتتولى إدارة العالاقات الدبلوماسية والقنصلية غالباً من داخل الدولة (المطلب األول)‪،‬‬
‫وأخرى ال مركزية خارجية تتولى مباشرة تلك العالاقات من خارج الدولة (المطلب الثاني)‪.‬‬
‫المطلب األول‪ :‬األهجزة الداخلي المسؤول عن مباشة اللقااا الدبلوماسي والقنصلي‬
‫تُ ِّ‬
‫حدد القوانين الداخلية لكل دولة األشخاص الذين لهم الحق في التعبير عن إرادتها وادارة عالاقاتها‬
‫الخارجية من الداخل مع سائر أشخاص القانون الدولي‪ ،‬وهم في العادة رئيس الدولة (الفرع األول)‪،‬‬
‫ووزير الخارجية (الفرع الثاني)‪.‬‬
‫الفةع األول‪ :‬ةئيس الدول‬
‫ُيطلق رئيس الدولة عادة على أعلى شخصية في هرم السلطة التنفيذية في الدولة مهما كانت‬
‫حددها دستور كل دولة على حدا وال شأن‬ ‫التسمية أو اللقب الذي ُيعطى له‪ ،‬فهذه التسميات واأللقاب ُي ِّ‬
‫للقانون الدولي بها؛ إذ كل ما يهم هذا األخير هو وجود رئيس للدولة يباشر اختصاصاته على مستوى‬
‫العالاقات الخارجية(‪ .)1‬كما ال يهتم القانون الدولي كثي اًر بطبيعة الجهاز الداخلي في الدولة الذي ُيشرف‬
‫على إدارة الشؤون الخارجية‪ ،‬سواء تمثَّل في رئيس الدولة كما هو سائد في األنظمة الرئاسية أو في رئيس‬
‫الحكومة كما عليه الحال في األنظمة البرلمانية(‪.)2‬‬
‫وغني عن البيان أن الدول اقبل أن تتبادل التمثيل الدبلوماسي والقنصلي يجب أن يحصل اعتراف‬
‫متبادل بينها كدول وبرئيس الدولة‪ ،‬حيث القاعدة المعروفة في هذا المجال أنه كلما تولى الحكم في الدولة‬
‫رئيس جديد وجب عليها إخطار الدول األجنبية رسمياً بذلك‪ ،‬بغض النظر عن الكيفية التي وصل بها‬
‫رئيس الدولة للسلطة‪ ،‬ويتضمن اإلخطار الوعد باستمرار العالاقات الودية وحسن المعاملة بين الطرفين‬
‫وفقاً لما كان جارياً من اقبل‪ ،‬مع إظهار الرغبة في أن تتخذ الدولة المرسل لها اإلخطار مواقفاً مماثالً‪.‬‬

‫(‪)1‬‬
‫عبد العزيز بن ناصر العبيكان‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.111‬‬
‫(‪)2‬‬
‫أنظر في هذا المعنى‪ :‬منتصر سعيد حمودة‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ص ‪.86 ،84‬‬

‫‪33‬‬
‫الفصل الثاني‪ :‬التمثيل الدبلوماس ي والقنصلي‬ ‫محاضرات في قانون العالقات الدبلوماسية والقنصلية‬

‫وال ُيشترط أن يكون االعتراف برئيس الدولة أو نظام الحكم الجديد في شكل معين أو أن يكون‬
‫صريحاً‪ ،‬بل أن الصورة الغالبة لهذا االعتراف هو أن تقوم الدول األجنبية المعتمدة بعثتها الدبلوماسية‬
‫لدى الدولة التي تغير رئيسها أو نظام الحكم فيها بتقديم أوراق اعتماد جديدة إلى رئيس الدولة الجديد(‪.)1‬‬
‫وحسب القوانين الداخلية لمختلف الدول (الدساتير) فإن رئيس الدولة يتمتع بجملة من الصالحيات‬
‫في مجال العالاقات الخارجية (أوالً)‪ ،‬كما يتمتع بجملة من الحصانات واالمتيازات التي تُ ِّ‬
‫مكنه من القيام‬
‫بالوظائف المنوطة به على أحسن وجه (ثانياً)‪.‬‬
‫أولا‪ :‬اختصاصا ةئيس الدول في مهجال اللقااا الخاةهجي‬
‫في السابق كان رؤساء الدول يتمتعون بصالحيات مطلقة في إدارة الشؤون الداخلية والخارجية على‬
‫تغير‪ ،‬أين أصبحت دساتير الدول هي التي تُ ِّ‬
‫حدد‬ ‫حد سواء‪ ،‬إال أن الوضع في الواقت الحاضر اقد َّ‬
‫صالحيات رئيس الدولة‪ ،‬بل وفي كثير من األحيان أصبحت الدساتير تُلزم رئيس الدولة بالرجوع إلى‬
‫السلطة التشريعية في بالده ألخذ رأيها في األمور التي تتعلق بالسياسة الخارجية(‪.)2‬‬
‫ومهما يكن من أمر فإن تلك الدساتير تكاد تتفق على أن رئيس الدولة ُي ُّ‬
‫عد الجهاز األعلى للدولة‬
‫الذي يشرف على إدارة شؤونها الداخلية والخارجية‪ ،‬فبغض النظر عن النظام الدستوري للدولة‪ ،‬بقي رئيس‬
‫ِّ‬
‫متعددة في ميدان العالاقات الدولية‪ ،‬فهو الذي يوفد البعثات الدبلوماسية‬ ‫الدولة يتمتع بصالحيات‬
‫والقنصلية‪ ،‬ويستقبل ويعتمد بعثات الدول األجنبية الموفدة إلى دولته‪ ،‬ويقوم بإبرام المعاهدات واالتفااقيات‬
‫قرر اقطع العالاقات والتعاون السياسي‬
‫وي ِّ‬
‫الدولية‪ ،‬وُيعلن عن إاقامة عالاقات دبلوماسية مع الدول الجديدة‪ُ ،‬‬
‫واالاقتصادي والثقافي(‪ ،)3‬كما يتمتع بسلطة إعالن الحرب وعقد معاهدات الصلح‪ ،‬وحضور المؤتمرات‬
‫الدولية وتبادل الزيارات الرسمية(‪.)4‬‬
‫وفي الجزائر مثالً يضطلع رئيس الجمهورية بتقرير السياسة الخارجية لألمة وتوجيهها‪ ،‬وابرام‬
‫المعاهدات الدولية والمصاداقة عليها‪ ،‬وتسليم أوسمة الدولة ونياشينها وشهاداتها التشريفية‪ ،‬كما ُيعيِّن‬
‫وينهي مهامهم‪ ،‬ويتسلَّم أوراق اعتماد الممثلين‬ ‫سفراء الجمهورية والمبعوثين فوق العادة إلى الخارج‪ُ ،‬‬
‫الدبلوماسيين األجانب وأوراق إنهاء مهامهم‪ ،‬كما يتمتع بسلطة إعالن الحرب بعد اجتماع مجلس الوزراء‬
‫واالستماع إلى المجلس األعلى لألمن‪ ،‬وهو الذي ُيواقِّع اتفااقيات الهدنة ومعاهدات السلم(‪.)5‬‬

‫(‪)1‬‬
‫زناتي مصطفى‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ص ‪.19 ،11‬‬
‫(‪)2‬‬
‫عبد العزيز بن ناصر العبيكان‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.118‬‬
‫(‪)3‬‬
‫الخاةهجي ‪ -‬التمثيل الخارجي والمعاهدات ‪ ( ،-‬مذكرة ماجستير في القانون الدولي العام‪ ،‬كلية الحقوق‪ ،‬جامعة‬ ‫وليد عمران‪ ،‬الوسائل المنظم لللقااا‬
‫اقسنطينة ‪ ،)1118/1111 ،1‬ص ‪.19‬‬
‫(‪)4‬‬
‫عبد الفتاح علي الرشدان‪ ،‬محمد خليل الموسى‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.96‬‬
‫(‪)5‬‬
‫أنظر‪ :‬المادة (‪ )11 ،16 ،11/61‬والمادة (‪ )11/61‬والمادة (‪ )1/116‬والمادة (‪ )111‬من القانون راقم‪ 11/19 :‬مؤرخ في‪ ،1119/11/19 :‬يتضمن‬
‫التعديل الدستوري‪ ،‬الصادر بالجريدة الرسمية للجمهورية الجزائرية الديمقراطية الشعبية‪ ،‬عدد ‪ ،18‬بتاريخ‪ ،1119/11/19 :‬ص ص ‪.11-19‬‬

‫‪33‬‬
‫الفصل الثاني‪ :‬التمثيل الدبلوماس ي والقنصلي‬ ‫محاضرات في قانون العالقات الدبلوماسية والقنصلية‬

‫وحتى تُنتج الصالحيات الدستورية لرئيس الدولة أثرها في ميدان العالاقات الدولية‪ ،‬فإن القانون‬
‫الدولي العام يعترف بالصفة التمثيلية لرؤساء الدول في العالاقات الخارجية كلها‪ ،‬بغض النظر عن طبيعة‬
‫الجهاز أو السلطة التي تباشرها‪ ،‬وهو ما َّ‬
‫أكدت عليه المادة (‪ )19‬من اتفااقية فيينا لقانون المعاهدات لسنة‬
‫‪ ،1696‬التي اقضت بأن رؤساء الدول ُيعتبرون ممثلين لدولهم بحكم وظائفهم دون الحاجة إلى تقديم‬
‫وثائق تفويض فيما يتعلق بجميع األعمال الخاصة بإبرام المعاهدات الدولية‪.‬‬
‫ثانيا‪ :‬حصانا وامتيا اة ةئيس الدول‬
‫أاقر العرف الدولي مجموعة من الحصانات واالمتيازات لرؤساء الدول عند تواجدهم في إاقليم أية‬
‫َّ‬
‫دولة أجنبية باعتبارهم رمز لسيادة دولهم في مواجهة الدول األخرى‪ ،‬وهذه االمتيازات منها ما يستند إلى‬
‫مجرد المجاملة الدولية كاإلعفاء من الضرائب والرسوم الجمركية وما شابه ذلك‪ ،‬ومنها ما هو نتيجة‬
‫اقانونية لما تتمتع به الدولة من سيادة وسلطان ُيفضيان إلى عدم خضوع رئيسها لسلطان الدولة األجنبية‬
‫التي يتواجد على إاقليمها(‪ .)1‬ومن أهم الحصانات واالمتيازات التي استقر عليها العرف الدولي ما يلي(‪:)2‬‬
‫لمرسيم خاصة تنطوي على اإلجالل واالحت ارم‪.‬‬
‫‪ -‬وجوب استقبال رئيس الدولة وفقا ا‬
‫‪ -‬حماية شخصه حماية خاصة‪ ،‬ومعااقبة كل من تسبب له في اعتداء عقوبة مشددة‪.‬‬
‫إعفاء كامالً‪.‬‬
‫ً‬ ‫‪ -‬عدم التعرض لشخصه‪ ،‬وذلك بإعفائه من الخضوع للقضاء اإلاقليمي المدني والجنائي‬
‫ويشتمل اإلعفاء من القضاء اإلاقليمي (الجنائي والمدني) حاشية الرئيس وأفراد أسرته وما يحملون‬
‫من أموال منقولة‪ ،‬أما األموال العقارية التي لرئيس الدولة في غير دولته فاألصل خضوعها للقضاء‬
‫اإلاقليمي إال إذا كان ُمقيماً بها‪ .‬وهو ما ُيعرف بحرمة المسكن الذي ُيقيم به الرئيس‪ ،‬وهو ما يفرض على‬
‫سلطات الدولة عدم دخوله أو اتخاذ أي إجراء فيه إال بعد استئذانه أو بطلب منه(‪ ،)3‬وهذا بطبيعة الحال‬
‫في غير حاالت الضرورة التي اقد تتيح ااقتحام الدار إلنقاذ حياة من فيها من خطر جسيم ُي ِّ‬
‫هددهم كحريق‬
‫أو انهيار أو جريمة على وشك الواقوع‪.‬‬
‫وفي مقابل هذه الحصانات واالمتيازات الممنوحة له يتوجب على رئيس الدولة أن يحترم القوانين‬
‫واألنظمة والتقاليد المتعارف عليها في الدولة المضيفة‪ ،‬وأن ال يقوم بأي عمل من شأنه اإلساءة إليها‪،‬‬
‫وان فعل فال تملك الدولة المضيفة إال تكليفه بمغاردة إاقليمها(‪.)4‬‬

‫(‪)1‬‬
‫وليد عمران‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.16‬‬
‫(‪)2‬‬
‫المرجع نفسه‪ ،‬الصفحة نفسها‪.‬‬
‫(‪)3‬‬
‫سهيل حسين الفتالوي‪ ،‬الدبلوماسية اإلسالمية‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.111‬‬
‫(‪)4‬‬
‫عبد الفتاح علي الرشدان‪ ،‬محمد خليل الموسى‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.41‬‬

‫‪33‬‬
‫الفصل الثاني‪ :‬التمثيل الدبلوماس ي والقنصلي‬ ‫محاضرات في قانون العالقات الدبلوماسية والقنصلية‬

‫عد ضرورية للحفاظ‬‫ويرى السيد "رومان كولودكين" بأن هذه الحصانات الممنوحة لرؤساء الدول تُ ُّ‬
‫على استقرار العالاقات بين الدول(‪ ،)1‬وأن الغاية منها تكمن في تسهيل زيارة رئيس الدولة للدول األخرى‬
‫وفي احترام سيادة دولته واستقاللها‪.‬‬
‫قررة لغاية معينة‪ ،‬فإنه ال ينبغي استغاللها الرتكاب جرائم‬
‫واذا كانت هذه االمتيازات والحصانات ُم َّ‬
‫فظيعة كجرائم اإلبادة الجماعية وجرائم الحرب والعدوان والجرائم ضد اإلنسانية‪ ،‬التي تُعتبر من الجرائم‬
‫المحرمة بموجب المواثيق والنظم األساسية للمحاكم الجنائية الدولية الخاصة (كنورمبورغ وطوكيو‬
‫َّ‬ ‫الدولية‬
‫ويوغسالفيا ورواندا) والنظام األساسي للمحكمة الجنائية الدولية(‪.)2‬‬
‫ويشار في األخير إلى أنه إذا كانت هذه الحصانات واالمتيازات ذات منشأ عرفي‪ ،‬إال أنه تم تدوين‬
‫ُ‬
‫أغلبها الحقاً في االتفااقيات ذات الصلة بالعالاقات الدبلوماسية والقنصلية‪ ،‬كما ُنشير إلى أن هذه‬
‫الحصانات واالمتيازات مرتبطة بالصفة الرسمية لشخص رئيس الدولة‪ ،‬ومن ثم فهي تبقى ما بقيت هذه‬
‫الصفة وتزول بزوالها‪.‬‬
‫الفةع الثاني‪ :‬وةية الخاةهجي‬
‫ذكرنا فيما سبق أن رئيس الدولة هو الممثل األعلى لدولته في عالاقاتها الخارجية‪ ،‬ولكن يوجد إلى‬
‫جانبه شخص آخر يساعده في تسيير الشؤون الخارجية ويعمل تحت رئاسته وهو وزير الخارجية‪ .‬حيث‬
‫رئيس الدولة ال َّ‬
‫يتمكن بمفرده‪ ،‬من الناحية العملية‪ ،‬من تصريف وتسيير كافة الشؤون الخارجية لدولته‪،‬‬
‫فكان ال بد من وجود شخص آخر يساعده في تصريف هذه الشؤون‪.‬‬
‫ولما كان وزير الخارجية هو الذي ُيعبِّر عن إرادة دولته في الشؤون الخارجية نيابة عن رئيس‬
‫وي ِّقيدانها على المستوى الدولي‪ ،‬وهو ما اقضت به‬
‫الدولة‪ ،‬فإن نشاطه وتصريحاته ُينسبان إلى دولته ُ‬
‫المحكمة الدائمة للعدل الدولي في حكمها الصادر في اقضية جزيرة "جريالند" بين النرويج والدانمارك في‪:‬‬
‫اقررت بأن تصريح وزير خارجية النرويج ُي ِّقيد هذه الدولة ألنه صدر من‬
‫‪ 11‬أفريل سنة ‪ ،1611‬حيث َّ‬
‫عضو له حق التعبير عن إرادتها(‪ .)3‬وهو الحكم الذي أخذت به الحقاً المادة (‪ )19‬من اتفااقية فيينا‬
‫لقانون المعاهدات لسنة ‪ ،1696‬من أن وزراء الخارجية هم في موضع مماثل لرؤساء الدول والحكومات‬
‫فيما يتعلق بإبرام المعاهدات والزامهم بها‪.‬‬

‫(‪)1‬‬
‫مايا الدباس‪ ،‬ماهر ملندي‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.18‬‬
‫(‪)2‬‬
‫أاقر مبدأ عدم االعتداد بالصفة الرسمية لرؤساء الدول والحكومات وغيرهم من المسؤولين السامين في‬
‫فالنظام األساسي للمحكمة الجنائية الدولية مثالً َّ‬
‫الدولة‪ .‬أنظر‪ :‬المادة (‪ )19‬من نظام روما الموَّاقع في‪ 1664/19/19 :‬والذي دخل حيز النفاذ في‪.1111/11919 :‬‬
‫(‪)3‬‬
‫يعود سبب هذا النزاع إلى أن وزير خارجية النرويج سبق له التصريح كتابة لممثل دولة الدانمارك بأن دولته تعترف بسيادة الدانمارك على جزيرة‬
‫"جريالند"‪ ،‬ثم عدلت النرويج بعد ذلك عن هذا المواقف‪ ،‬فعرض النزاع على المحكمة الدائمة للعدل الدولي‪ .‬أنظر‪ :‬أبو الخير أحمد عطية‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‬
‫ص ‪ .911 ،911‬ومنتصر سعيد حمودة‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.11‬‬

‫‪33‬‬
‫الفصل الثاني‪ :‬التمثيل الدبلوماس ي والقنصلي‬ ‫محاضرات في قانون العالقات الدبلوماسية والقنصلية‬

‫وفيما يلي نستعرض اختصاصات وزير الخارجية في مجال العالاقات الخارجية (أوالً)‪ ،‬وأهم‬
‫الحصانات واالمتيازات التي يتمتع بها (ثانياً)‪.‬‬
‫أولا‪ :‬اختصاصا وةية الخاةهجي في مهجال اللقااا الخاةهجي‬
‫تتميز الوظائف والمهام الموكلة إلى وزير الخارجية بمظهرين داخلي وخارجي‪ ،‬فعلى المستوى‬
‫الداخلي يمارس السلطات الممنوحة له لمتابعة أعمال و ازرته‪ ،‬وتعيين الموظفين فيها وتأديبهم واقبول‬
‫استقالتهم‪ ،‬كما يعمل على تنسيق أنشطة البعثات الدبلوماسية لدولته المعتمدة في الخارج‪ ،‬والمساهمة في‬
‫صنع السياسة الخارجية لدولته وتنفيذها بصفته أحد أعضاء حكومتها‪ .‬أما على الصعيد الدولي فهو الذي‬
‫ُيدير جهاز العالاقات الخارجية لدولته‪ ،‬فعن طريقه تتم المراسالت الدبلوماسية‪ ،‬ويقوم باستقبال المبعوثين‬
‫الدبلوماسيين األجانب للتباحث والتشاور معهم‪ ،‬واجراء المفاوضات والمشاركة في المؤتمرات الدولية‬
‫واالجتماعات الدورية للمنظمات التي تكون دولته عضواً فيها‪.‬‬
‫عد مسألة المهام والصالحيات التي يتمتع بها وزير الخارجية من الشؤون الداخلية لكل دولة‪،‬‬‫وتُ ُّ‬
‫فالقوانين واألنظمة الداخلية لكل دولة هي التي تُحدد مختلف االختصاصات الموكلة لوزير الخارجية‪،‬‬
‫لذلك فهي تختلف في مداها ضيقاً واتساعاً حسب طبيعة النظام الدستوري لكل دولة‪ ،‬إال أنه يمكن القول‬
‫أن الوظائف الرئيسية التي يضطلع بها وزير الخارجية والتي تمثِّل اقاسم مشترك بين معظم دول العالم‬
‫تتمثل في(‪:)2()1‬‬
‫‪ -‬استقبال المبعوثين الدبلوماسيين األجانب وتقديمهم إلى رئيس الدولة‪.‬‬
‫‪ -‬التفاوض مع المبعوثين الدبلوماسيين األجانب والرد على مذكراتهم وطلباتهم‪ ،‬كما يسهر على تسهيل‬
‫أدائهم لوظائفهم‪ ،‬وكذا حمايتهم في إطار الحصانات واالمتيازات الدبلوماسية‪.‬‬
‫‪ -‬تمثيل دولته في المؤتمرات الدولية‪ ،‬ولدى المنظمات الدولية واإلاقليمية التي تكون دولته عضواً فيها‪.‬‬
‫‪ -‬إجراء المفاوضات بشأن المعاهدات الدولية‪ ،‬والعمل على حسن تنفيذ المعاهدات التي تم إبرامها مع‬
‫الدول األخرى‪.‬‬
‫‪ -‬العمل عى حماية مصالح دولته بأبعادها المختلفة السياسية واالاقتصادية والتجارية والثقافية لدى الدول‬
‫األخرى‪ ،‬كما يعمل على تقوية العالاقات الودية معها واستالم المراسالت منها‪.‬‬
‫‪ -‬ااقتراح تعيين المبعوثين الدبلوماسيين والقنصليين التابعين لدولته لدى الدول األخرى‪ ،‬وكذلك اإلشراف‬
‫على حركة التعيينات والتنقالت في السلك الدبلوماسي‪.‬‬

‫(‪)1‬‬
‫أنظر في ذلك‪ :‬عبد الفتاح علي الرشدان‪ ،‬محمد خليل الموسى‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ص ‪ .41 ،48‬وعبد العزيز بن ناصر العبيكان‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ص‬
‫‪.181 ،188‬‬
‫ففي الجزائر مثالً صالحيات و ازرة الشؤون الخارجية َّ‬
‫محددة في المرسوم الرئاسي راقم‪ 116/61 :‬مؤرخ في‪ 1661/11/11 :‬المحدد لصالحيات وزير‬ ‫(‪)2‬‬

‫الشؤون الخارجية‪ .‬وكذا المرسوم الرئاسي راقم‪ 811/11 :‬مؤرخ في‪ 1111/11/19 :‬المحدد لصالحيات و ازرة الشؤون الخارجية‪.‬‬

‫‪33‬‬
‫الفصل الثاني‪ :‬التمثيل الدبلوماس ي والقنصلي‬ ‫محاضرات في قانون العالقات الدبلوماسية والقنصلية‬

‫‪ -‬استقبال الوفود والشخصيات األجنبية التي تزور بالده‪ ،‬وكذا التحضير للمؤتمرات المختلفة التي تعقد‬
‫في بالده‪.‬‬
‫‪ -‬اإلشراف على إعداد وتحرير كافة الوثائق الرسمية الخاصة بدولته بشأن عالاقاتها الدولية‪ ،‬كما يقوم‬
‫بالرد على كافة المكاتبات الرسمية اآلتية من الدول األجنبية أو هيئات أو منظمات دولية‪.‬‬
‫ثاني ا‪ :‬حصانا وامتيا اة وةية الخاةهجي‬
‫أشرنا فيما سبق أن وزير الخارجية يمارس صالحياته على مستوى العالاقات الدولية بصفته نائباً‬
‫عن رئيس دولته في تمثيلها خارجياً‪ ،‬لذلك فهو يتمتع بذات المركز القانوني المقرر لرئيس الدولة فيما‬
‫يتعلق بنظام الحصانات واالمتيازات خالل وجوده في بلد أجنبي في مهمة أو زيارة رسمية‪ ،‬أما إذا كان‬
‫وجوده في البلد األجنبي بصفة شخصية كأن يكون مثالً في إجازة أو عطلة لغرض العالج أو السياحة‪،‬‬
‫فال يستفيد من الحصانات واالمتيازات وال يكون له حق المطالبة بها النتفاء مبرراتها‪ ،‬وذلك عكس الحال‬
‫بالنسبة لرئيس الدولة الذي اقد يوجد في بلد أجنبي في مهمة غير رسمية فإنه يبقى يستفيد من تلك‬
‫الحصانات واالمتيازات(‪ ،)1‬ألنه رمز سيادة دولته‪.‬‬
‫ويذكر أن اتفااقية فيينا للبعثات الخاصة لسنة ‪ 1696‬في مادتها (‪ )1/11‬نصت على أن رئيس‬ ‫ُ‬
‫الحكومة ووزير الخارجية واألشخاص اآلخرين من المرتبة العليا عندما يكونون في بعثة خاصة لتمثيل‬
‫دولتهم‪ ،‬فإنهم يتمتعون في الدولة المستقبلة أو الدولة الثالثة‪ ،‬باإلضافة إلى ما ضمنته هذه االتفااقية‬
‫أاقرها القانون الدولي(‪.)2‬‬
‫بالتسهيالت واالمتيازات والحصانات التي َّ‬
‫واذا كانت رئاسة الدولة وو ازرة الخارجية هما الجهازان الداخليان اللذان يسهران على إدارة العالاقات‬
‫الدولية‪ ،‬فإن هناك أجهزة أخرى في الخارج تابعة للدولة تشرف على إدارة الشؤون الخارجية من السفارات‬
‫والقنصليات المعتمدة لدى الدول األجنبية‪.‬‬
‫المطلب الثاني‪ :‬األهجزة الخاةهجي المللف بدداة اللقااا الدبلوماسي والقنصلي‬
‫تُعتبر البعثات الدبلوماسية والقنصلية بمثابة همزة الوصل بين مختلف الدول‪ ،‬ويتجلى ذلك من‬
‫خالل ممارسة هذه األخيرة لحق التمثيل الدبلوماسي الذي يشمل إرسال واستقبال المبعوثين الدبلوماسيين؛‬
‫إذ تُ ُّ‬
‫عد هذه البعثات أحد األجهزة الرئيسية التابعة للدولة‪ ،‬والتي تُدير عالاقاتها الدولية من الخارج انطالاقاً‬
‫من السفارات والقنصليات المعتمدة لدى الدول األجنبية‪.‬‬
‫الفةع األول‪ :‬البلثا الدبلوماسي‬
‫تتواصل الدولة مع بااقي أشخاص القانون الدولي بواسطة بعثات دبلوماسية ترعى مصالحها‬
‫وعالاقاتها الخارجية‪ ،‬من خالل ايفاد بعثاتها إلى الدول (أوالً)‪ ،‬والمنظمات الدولية (ثانياً)‪.‬‬

‫(‪)1‬‬
‫عبد العزيز بن ناصر العبيكان‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪ .186‬ومنتصر سعيد حمودة‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪ .11‬ومحي الدين جمال‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.11‬‬
‫(‪)2‬‬
‫ُمشار إليها في‪ :‬عبد العزيز بن ناصر العبيكان‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.186‬‬

‫‪33‬‬
‫الفصل الثاني‪ :‬التمثيل الدبلوماس ي والقنصلي‬ ‫محاضرات في قانون العالقات الدبلوماسية والقنصلية‬

‫أولا‪ :‬بلثا دبلوماسي لدى الدول‬


‫تتخذ البعثات الدبلوماسية للدولة لدى الدول األخرى شكل البعثات الدائمة أو البعثات الخاصة‪،‬‬
‫وبيان ذلك كما يلي‪:‬‬
‫الدبلوماسي الدائم ‪ :‬اتسمت البعثات الدبلوماسية بين الدول في بداية عهدها بالطابع‬ ‫‪ -1‬البلثا‬
‫المناسباتي والمؤاقت‪ ،‬لكن ما لبثت أن تحولت إلى بعثات دائمة بالنظر إلى تزايد المصالح وتشابك‬
‫العالاقات بين الدول واستمرارها‪ ،‬أين أصبحت كل دولة في حاجة ماسة إلاقامة عالاقات مع الدول األخرى‬
‫في شتى الميادين‪.‬‬
‫وتتكون البعثة الدبلوماسية الدائمة من رئيس البعثة وأعضائها المتمثلين في مجموعة من الموظفين‬
‫َّ‬
‫ويتحدد حجمها وأصناف‬ ‫الدبلوماسيين والمبعوثين اإلداريين والفنيين ومستخدمي البعثة والخدم الخاص‪،‬‬
‫الموظفين فيها بالتراضي بين الدول المتبادلة للبعثات الدبلوماسية‪ ،‬وهذا طبقاً للمادة (‪ )11‬من اتفااقية فيينا‬
‫للعالاقات الدبلوماسية‪ ،‬التي نصت على‪" :‬تُقام العالاقات الدبلوماسية وتنشأ البعثات الدبلوماسية الدائمة‬
‫بالرضى المتبادل"‪.‬‬
‫واقد نظمت اتفااقية فيينا للعالاقات الدبلوماسية لسنة ‪ 1691‬هذا النوع من البعثات الدبلوماسية‪ ،‬من‬
‫حيث كيفية تبادلها واعتمادها‪ ،‬وتشكيلتها‪ ،‬ووظائفها‪ ،‬ومختلف الحصانات واالمتيازات الممنوحة لهياكلها‬
‫واألشخاص التابعين لها‪ ،‬وكذا األسباب المؤدية النتهائها‪ ،‬والتي سنتناول أحكامها بالتفصيل في حينها‪.‬‬
‫وهناك شكالن للبعثات الدبلوماسية الدائمة التي اعتمدتها وتعتمدها الدول في تبادلها الدبلوماسي‪،‬‬
‫وهما حسب أهميتهما‪:‬‬
‫أ‪ -‬السفاة ‪ :‬تعتبر أراقى وأرفع أشكال البعثات الدبلوماسية‪ ،‬يرأسها دبلوماسي برتبة سفير يمثل شخص‬
‫رئيس الدولة‪ ،‬لذلك فهو يتمتع بحق التقدم والصدارة‪ ،‬كما أن مراسيم استقباله تفوق مراسيم استقبال‬
‫اآلخرين(‪.)1‬‬
‫ب‪ -‬المفوضي ‪ :‬وهي بعثة دبلوماسية من الدرجة الثانية يرأسها عادة وزير مفوض معتمد من رئيس‬
‫ويعهد للوزراء‬
‫دولة لدى رئيس دولة أخرى‪ ،‬ولكنه أاقل رتبة من السفير لجهة التقدم واألسبقية فقط‪ُ ،‬‬
‫المفوضين القيام بأعمال دولهم دون أن يعتبروا ممثلين لشخص رئيس الدولة(‪.)2‬‬
‫وهناك أشكال أخرى من البعثات الدبلوماسية التي تتخذ اسم المفوضيات السامية‪ ،‬والتي تنشأ بين‬
‫دول تجمع بينها رابطة والء سياسية‪ ،‬مثل رابطة الشعوب البريطانية (دول الكومنولث) وجماعة الدول‬

‫(‪)1‬‬
‫عبد العزيز بن ناصر العبيكان‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.198‬‬
‫(‪)2‬‬
‫المرجع نفسه‪ ،‬الصفحة نفسها‪ .‬وطارق حمو‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.11‬‬

‫‪34‬‬
‫الفصل الثاني‪ :‬التمثيل الدبلوماس ي والقنصلي‬ ‫محاضرات في قانون العالقات الدبلوماسية والقنصلية‬
‫(الفرانكوفونية) المرتبطة بفرنسا‪ ،‬حيث يرأس المفوضية مفوض ٍ‬
‫سام يتمتع بامتيازات السفير وصالحياته‪،‬‬
‫قدم كتاب اعتماد طالما أن دولته عضو في تلك الجماعة(‪.)1‬‬ ‫ويختلف عن السفير العادي بأنه ال ُي ِّ‬
‫واذا كان التعامل الدولي شهد هذه األشكال من البعثات الدبلوماسية‪ ،‬فإن اتفااقية فيينا للعالاقات‬
‫الدبلوماسية أحدثت عليها نوعاً من التعديل حيث أبقت على السفارات والمفوضيات العادية‪ ،‬وأحدثت‬
‫وظيفة القائمين باألعمال‪ ،‬وهو ما تناولته المادة (‪ )18‬منها حين رتَّبت رؤساء البعثات الدبلوماسية في‬
‫ثالث مراتب كاآلتي(‪:)2‬‬
‫‪ -‬مرتبة السفراء ومندوبي البابا من درجة اقاصد الرسول المعتمدين لدى رؤساء الدول‪ ،‬وكذا رؤساء‬
‫ويطلق على البعثة التي يرئسها سفير اسم سفارة‪.‬‬
‫البعثات اآلخرون ذوو الرتبة المماثلة‪ُ ،‬‬
‫‪ -‬مرتبة المبعوثين والوزراء المفوضين ومندوبي البابا من درجة اقاصد رسولي المعتمدين لدى رؤساء‬
‫الدول كما يعتمدون لدى رؤساء الحكومات‪ ،‬وهم في المرتبة التالية للسفراء‪ ،‬وتسمى البعثة التي يرأسها‬
‫أحد هؤالء مفوضية‪.‬‬
‫‪ -‬مرتبة القائمين باألعمال المعتمدين لدى وزراء الخارجية‪ ،‬وهم يأتون في درجة متأخرة فيما يتعلق‬
‫بالمراسيم والصدارة‪.‬‬
‫الدبلوماسي الخاص ‪ :‬تعتبر البعثات الدبلوماسية الخاصة هي األصل التاريخي للبعثات‬ ‫‪ -2‬البلثا‬
‫الدائمة‪ ،‬لكنها عادت للظهور من جديد بعد الحرب العالمية الثانية‪ ،‬بسبب تشابك العالاقات الدولية‬
‫وتعقُّدها وارتباطها بالمشكالت االاقتصادية والسياسية التي تستدعي السعي إلى وجود حلول سريعة‬
‫وعاجلة‪ ،‬أو اقد تكون من أجل القيام بمهام ال يكون مرغوباً القيام بها من خالل الدبلوماسية الدائمة‪ ،‬أو‬
‫ألن الموضوع الذي ستتولى البعثة الخاصة معالجته يتطلب الشروع في مفاوضات بين أشخاص رسميين‬
‫من مستوى رفيع ليس متواف اًر في مبعوثي وموظفي البعثات الدبلوماسية الدائمة(‪.)3‬‬
‫واقد تم تنظيم البعثات الدبلوماسية الخاصة بموجب اتفااقية البعثات الخاصة لسنة ‪ ،1696‬التي‬
‫عرفت البعثات الخاصة في الفقرة (أ) من مادتها األولى بما ُيفيد بأنها‪" :‬بعثة مؤاقتة تمثل الدولة وتوفدها‬
‫َّ‬
‫دولة ما إلى دولة أخرى بموافقة هذه األخيرة لتعالج معها مسائل محددة أو لتؤدي لديها مهمة محددة"(‪.)4‬‬
‫والفئات أو الوفود التي تدخل في مفهوم البعثات الخاصة بمقتضى اتفااقية البعثات الخاصة لسنة‬
‫‪ 1696‬هي على سبيل المثال ال الحصر(‪:)5‬‬

‫(‪)1‬‬
‫طارق حمو‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.11‬‬
‫(‪)2‬‬
‫أنظر‪ :‬المادة (‪ )18‬من اتفااقية فيينا للعالاقات الدبلوماسية لسنة ‪.1691‬‬
‫(‪)3‬‬
‫عبد الفتاح علي الرشدان‪ ،‬محمد خليل الموسى‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.41‬‬
‫(‪ )4‬أنظر‪ :‬المادة األولى فقرة (أ) من اتفاقية البعثات الخاصة لسنة ‪.4333‬‬
‫(‪)5‬‬
‫الخاص في ضوء القانون الدولي الملاصة‪( ،‬مذكرة ماجستير في القانون الدولي والعالاقات الدولية‪ ،‬كلية‬ ‫حرشاوي عالن‪ ،‬النظام القانوني للبلثا‬
‫الحقوق‪ ،‬جامعة الجزائر‪ ،)1111/1118 ،‬ص ص ‪.16 ،14‬‬

‫‪34‬‬
‫الفصل الثاني‪ :‬التمثيل الدبلوماس ي والقنصلي‬ ‫محاضرات في قانون العالقات الدبلوماسية والقنصلية‬

‫‪ -‬زيارات رؤساء الدول والحكومات ووزراء الخارجية للدول األخرى لغرض التباحث مع نظرائهم‪.‬‬
‫‪ -‬مؤتمرات القمة التي تجمع رؤساء الدول‪ ،‬التي يتم التباحث فيها في القضايا ذات االهتمام المشترك‪.‬‬
‫‪ -‬السفراء المتجولون أو المندوبون الشخصيون لرؤساء الدول الموفدون بمهمة خاصة‪.‬‬
‫‪ -‬السفراء أو الوفود المرسلة لوضع أسس مختلف المعاهدات السياسية أو االاقتصادية‪.‬‬
‫‪ -‬الوفود المكلفة بتمثيل الدولة لدى دولة أخرى في احتفاالتها الرسمية كذكرى االستقالل‪ ،‬أو مراسم تشييع‬
‫جنائز رؤسائها والشخصيات السامية فيها‪.‬‬
‫‪ -‬الوفود الثقافية أو التجارية أو الفنية المكلفة بمهمة مؤاقتة‪ ،‬كحضور أسبوع ثقافي أو حضور افتتاح‬
‫معرض دولي‪....‬إلخ‪.‬‬
‫ثاني ا‪ :‬بلثا دبلوماسي لدى المنظما الدولي‬
‫مع تزايد المنظمات الدولية وأهميتها في الحياة الدولية كان ال بد من إيجاد تنظيم دولي يحكم اقواعد‬
‫تمثيل الدول في عالاقتها بالمنظمات الدولية‪ ،‬واقد نجحت منظمة األمم المتحدة في عقد مؤتمر دولي في‬
‫فيينا نتج عنه ابرام اتفااقية تمثيل الدول في عالاقاتها بالمنظمات الدولية‪ ،‬وهذا في‪ 18 :‬مارس ‪،1691‬‬
‫وهذا النوع من التمثيل يشمل ثالث أطراف‪ :‬دولة مرسلة‪ ،‬ودولة مضيفة توجد على إاقليمها المنظمة‪ ،‬وهذه‬
‫األخيرة التي تستقبل البعثة أو وفد الدولة المرسلة‪.‬‬
‫وتتميز البعثات الدبلوماسية الدائمة للدول لدى المنظمات الدولية عن بعثاتها الدائمة لدى الدول‬
‫بعدة مميزات تعود للطبيعة الخاصة للمنظمات الدولية‪ ،‬منها أن البعثات الدبلوماسية بين الدول تعكس‬
‫عالاقة ثنائية بين دولتين هي الدولة الموفدة والدولة المستقبلة‪ ،‬بينما البعثات الدبلوماسية لدى المنظمات‬
‫الدولية تتكون من عالاقة ثالثية األبعاد‪ ،‬هي الدولة الموفدة والمنظمة المستقبلة ودولة المقر التي تأوي‬
‫المنظمة(‪ .)1‬كما أن دبلوماسية المنظمات الدولية هي دبلوماسية مؤسسية وليست عالئقية‪ ،‬فهي تمارس‬
‫في نهاية المطاف لمصلحة جهاز مؤسسي منفصل عن شخصية الدول األعضاء في المنظمة الدولية(‪.)2‬‬
‫واألساس القانوني للتمثيل الدبلوماسي للدول لدى المنظمات الدولية هو المادة (‪ )11‬من اتفااقية‬
‫فيينا لتمثيل الدول في عالاقاتها مع المنظمات الدولية العالمية لسنة ‪ ،1691‬التي نصت على‪:‬‬
‫"‪ -1‬يمكن للدول األعضاء‪ ،‬إذا سمحت اقواعد المنظمة‪ ،‬بإنشاء بعثات دائمة للقيام بالمهام المشار إليها‬
‫بالمادة ‪.9‬‬
‫‪ -1‬يمكن للدول غير األعضاء‪ ،‬إذا سمحت اقواعد المنظمة‪ ،‬بإنشاء بعثات المالحظة الدائمة للقيام‬
‫بالوظائف المشار إليها في المادة ‪.9‬‬
‫‪ -1‬المنظمة تبلغ دولة المقر بإنشاء البعثة اقبل إنشائها"‪.‬‬

‫(‪)1‬‬
‫مايا الدباس‪ ،‬ماهر ملندي‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.11‬‬
‫(‪)2‬‬
‫عبد الفتاح علي الرشدان‪ ،‬محمد خليل الموسى‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ص ‪.61 ،61‬‬

‫‪34‬‬
‫الفصل الثاني‪ :‬التمثيل الدبلوماس ي والقنصلي‬ ‫محاضرات في قانون العالقات الدبلوماسية والقنصلية‬

‫من خالل هذا النص نستنتج أن تمثيل الدول لدى منظمة األمم المتحدة وانشاء البعثات‬
‫الدبلوماسية الدائمة لديها يخضع للقواعد األساسية التالية‪:‬‬
‫‪ -‬أنه بإمكان الدولة العضو إنشاء بعثة دائمة لدى منظمة األمم المتحدة إذا سمحت لوائحها بذلك‪،‬‬
‫مما يفيد أن إنشاء الدول لهذه البعثات ليس حقاً تلقائياً تتمتع به الدولة بمجرد انضمامها للمنظمة‪،‬‬
‫وانما يمكن لها ذلك إذا سمحت اقواعد المنظمة بذلك‪ ،‬كما أنه ليس التزاماً يقع على عاتق الدولة‬
‫العضو بدليل أن النص بدأ بعبارة "يمكن للدول األعضاء"‪.‬‬
‫‪ -‬أنه بإمكان الدولة غير العضو في منظمة األمم المتحدة‪ ،‬إذا سمحت اقواعد هذه األخيرة بذلك‪،‬‬
‫إنشاء بعثة مالحظة دائمة‪ ،‬وهي بعثة أاقل أهمية من حيث الوظائف والحصانات‪ ،‬كما سنرى‪ ،‬إذا‬
‫ما اقورنت بالبعثات الدائمة للدول األعضاء‪.‬‬
‫‪ -‬على منظمة األمم المتحدة أن تخطر دولة المقر بإنشاء البعثة اقبل مباشرة مهامها‪ ،‬مما يفيد أن‬
‫الدولة المرسلة ليست ملزمة بإخطار دولة المقر‪ ،‬ذلك أن بعثتها معتمدة لدى منظمة األمم المتحدة‬
‫وليس لدى دولة المقر‪ ،‬األمر الذي ُيفهم منه منطقياً إلزام الدولة المرسلة بإخطار المنظمة فقط‪.‬‬
‫كما ألزمت المادة (‪ )11‬من ذات االتفااقية منظمة األمم المتحدة بواجب إخطار دولة المقر بكل‬
‫اإلخطارات التي تصل إليها من الدولة المرسلة‪ ،‬والتي تتعلق أساساً بتعيين ووضع وصفة وأسماء‬
‫أعضاء البعثات وتاريخ وصولهم ومغادرتهم ألراضيها وانتهاء وظائفهم أو أية تغييرات تط أر على‬
‫مركزهم‪ ،‬وهذا على اعتبار أن البعثة الدائمة تقيم على إاقليم دولة المقر وهي من ستسهر على‬
‫حمايتها‪ ،‬لذلك من الضروري إشعارها ُمسبقاً بإنشاء البعثات الدائمة من خالل المنظمة التي‬
‫اعتمدوا لديها(‪.)1‬‬
‫‪ -‬انتفاء آثار عدم االعتراف بالدولة أو الحكومة أو غياب عالاقات دبلوماسية واقنصلية في مواجهة‬
‫دولة المقر‪ ،‬أي أن اعتماد البعثة الدائمة لدى المنظمة ال يتواقف على اعتراف دولة المقر بالدولة‬
‫المرسلة أو بحكومتها‪ ،‬كما ال يمكن لدولة المقر أن تحتج بعدم وجود عالاقات دبلوماسية واقنصلية‬
‫بينها وبين الدولة المرسلة(‪ ، )2‬وهذا يختلف عما هو موجود في إطار الدبلوماسية الثنائية؛ إذ نجد‬
‫أن اقاعدتي الرضا المتبادل واالعتراف شرطان ضروريان إلاقامة عالاقات وانشاء بعثات دبلوماسية‬

‫(‪)1‬‬
‫الدبلوماسي الدائم للدول لدى منظم األمم المتحد في تطوية اللقااا الدولي ‪( ،‬أطروحة دكتوراه في القانون العام‪ ،‬كلية‬ ‫بخدة صفيان‪ ،‬دوة البلثا‬
‫الحقوق والعلوم السياسية‪ ،‬جامعة تلمسان‪ ،)1111/1118 ،‬ص ص ‪.19 -11‬‬
‫(‪)2‬‬
‫وهو ما نصت عليه المادة (‪ )1/41‬من اتفااقية فيينا لسنة ‪ 1691‬بقولها‪ " :‬بموجب هذه االتفااقية إن حقوق والتزامات دولة المقر والدولة المرسلة ال تتأثر‬
‫بعد اعتراف دولة من هاتين الدولتين بالدولة األخرى أو بحكومتها وال بعد وجود عالاقات دبلوماسية أو اقنصلية أو بقطعها بينهما"‪.‬‬

‫‪33‬‬
‫الفصل الثاني‪ :‬التمثيل الدبلوماس ي والقنصلي‬ ‫محاضرات في قانون العالقات الدبلوماسية والقنصلية‬

‫واقتصلية‪ ،‬وهو ما نصت عليه المادة (‪ )11‬من اتفااقية فيينا للعالاقات الدبلوماسية لسنة ‪1691‬‬
‫والمادة (‪ )11‬من اتفااقية فيينا للعالاقات القنصلية لسنة ‪.)1(1691‬‬
‫مما سبق يتضح أن البعثات الدبلوماسية تُمثِّل وسيلة الدولة في تواصلها مع الدول األخرى أو‬
‫مع المنظمات الدولية‪ ،‬إلدارة عالاقاتها الخارجية ورعاية مصالحها ومصالح رعاياها‪ .‬لكن ال ُيمثِّل‬
‫هذا النوع من البعثات الوسيلة الوحيدة للتواصل بين أشخاص القانون الدولي‪ ،‬بل هناك بعثات‬
‫أخرى تتبادلها الدول فيما بينها لرعاية مصالح تختلف من حيث طبيعتها عن تلك المصالح التي‬
‫ترعاها البعثات الدبلوماسية‪ ،‬ويتعلق األمر بالبعثات القنصلية‪.‬‬
‫الفةع الثاني‪ :‬البلثا القنصلي‬
‫تُ ُّ‬
‫عد البعثات القنصلية من الناحية التاريخية أاقدم بكثير من نظام البعثات الدبلوماسية الدائمة‪ ،‬واقد‬
‫نشأ نظام التمثيل القنصلي في البداية نتيجة الحتياجات تتعلق بالمسائل التجارية واالاقتصادية‪ ،‬ثم توسع‬
‫بعد ذلك أين أصبح القناصل يسهرون على رعاية كل المصالح اإلدارية لرعايا دولهم المقيمين في الدول‬
‫المعتمدين لديها‪.‬‬
‫ونظ اًر للتمايز الواضح بين الوظيفتين الدبلوماسية والقنصلية‪ ،‬حيث تهدف األولى إلى تعزيز‬
‫العالاقات السياسية وحل الخالفات بين دول العالم‪ ،‬والثانية تُسهم في تطوير التجارة وتعزيز العالاقات‬
‫االاقتصادية والعلمية والثقافية بينها(‪ ،)2‬فقد ارتأت المجموعة الدولية تنظيم العالاقات القنصلية باتفااقية‬
‫مستقلة عن اتفااقية العالاقات الدبلوماسية‪ ،‬هي اتفااقية فيينا للعالاقات القنصلية لسنة ‪.)3(1691‬‬
‫وحسب المادة (‪ )11‬من االتفااقية المذكورة فإن تبادل البعثات القنصلية‪ ،‬مثلها مثل تبادل البعثات‬
‫الدبلوماسية‪ ،‬يتواقَّف على اإلرادة المشتركة والموافقة المتبادلة للدول‪ ،‬واقد جاء نصها كما يلي‪:‬‬
‫"‪ -1‬يجري إنشاء العالاقات القنصلية بين دولتين بالرضا المتبادل‪.‬‬
‫‪ -1‬إن الموافقة المعطاة على إنشاء العالاقات الدبلوماسية بين دولتين تتضمن‪ ،‬ما لم ينص على خالف‬
‫ذلك‪ ،‬الموافقة على إنشاء البعثات القنصلية‪.‬‬
‫‪ -1‬إن اقطع العالاقات الدبلوماسية ال يتضمن بصورة حكمية اقطع العالاقات القنصلية"(‪.)4‬‬

‫(‪)1‬‬
‫بومكواز مسعودة‪ ،‬نظام تمثيل البلثا الدبلوماسي الدائم للدول لدى منظم األمم المتحد ‪( ،‬مذكرة ماجستير في القانون الدولي والعالاقات الدولية‪ ،‬كلية‬
‫الحقوق‪ ،‬جامعة الجزائر‪ ،)1116/1114 ،‬ص ‪.11‬‬
‫(‪)2‬‬
‫محمد المجذوب‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.991‬‬
‫(‪)3‬‬
‫انضمت إليها الجزائر بموجب المرسوم راقم‪ 41/98 :‬المورخ في‪ ،1698/11/18 :‬الصادر بالجريدة الرسمية للجمهورية الجزائرية الديمقراطية الشعبية‬
‫بتاريخ‪ ،1698/18/18 :‬العدد ‪.18‬‬
‫(‪)4‬‬
‫أنظر‪ :‬المادة (‪ )11‬من اتفااقية فيينا للعالاقات القنصلية لسنة ‪.1691‬‬

‫‪33‬‬
‫الفصل الثاني‪ :‬التمثيل الدبلوماس ي والقنصلي‬ ‫محاضرات في قانون العالقات الدبلوماسية والقنصلية‬

‫ُيستنتج من هذا النص أن العالاقات القنصلية مثلها مثل العالاقات الدبلوماسية تخضع لمبدأ‬
‫الرضائية‪ ،‬حيث التراضي أساس تبادل البعثات الدبلوماسية والقنصلية بين الدول أو بينها وبين المنظمات‬
‫وي ُّ‬
‫عد هذا المبدأ من المبادئ الخاصة المميزة للقانون الدبلوماسي والقنصلي‪.‬‬ ‫الدولية‪ُ ،‬‬
‫وحسب النص كذلك فإن الموافقة الصريحة على تبادل البعثات الدبلوماسية بين دولتين تنطوي على‬
‫موافقتها الضمنية على إاقامة العالاقات القنصلية‪ ،‬ما لم يوجد اتفاق يقضي بخالف ذلك والعكس غير‬
‫صحيح‪ ،‬مما ُيفيد أن العالاقات الدبلوماسية بالنسبة للعالاقات القنصلية بمثابة األصل بالنسبة للفرع(‪.)1‬‬
‫بينما اقطع العالاقات الدبلوماسية ال يترتب عليه بالضرورة اقطع العالاقات القنصلية‪.‬‬
‫وطالما أن الوظائف القنصلية هي امتداد للوظائف الدبلوماسية فإن اتفااقية فيينا للعالاقات القنصلية‬
‫أعطت الخيار للدولة بين أن تُسند األعمال القنصلية إلى عمل البعثة الدبلوماسية‪ ،‬أو أن تُنشئ بعثة‬
‫اقنصلية مستقلة عن البعثة الدبلوماسية‪ ،‬وذلك في المادة (‪ )11‬منها التي نصَّت على‪" :‬األعمال القنصلية‬
‫تقوم بها البعثات القنصلية كما تقوم بها أيضاً البعثات الدبلوماسية وفقاً لنصوص هذه االتفااقية"(‪.)2‬‬
‫واذا كان األصل في االختصاص الشخصي للبعثة القنصلية أنه يقتصر على حماية ورعاية‬
‫مصالح الدولة ومصالح مواطنيها في الدولة المستقبلة‪ ،‬إال أن نطاق االختصاص الشخصي للبعثة‬
‫القنصلية اقد يتَّسع ليشمل حماية ورعاية تلك المصالح في أكثر من دولة مستقبلة‪ ،‬بل وحماية مصالح‬
‫دولة ثالثة أو أكثر ومصالح مواطنيها‪ ،‬وذلك في الثالث حاالت اآلتية(‪:)3‬‬
‫‪ -‬حالة البعثة القنصلية الواحدة التي تمارس مهامها في أكثر من دولة‪ ،‬شريطة عدم اعتراض الدولة‬
‫المستقبلة األولى والثانية‪ ،‬وهذا ما نصت عليه المادة (‪ )19‬من االتفااقية بقولها‪" :‬يجوز للدولة الموفدة بعد‬
‫إبالغ الدول المعنية‪ ،‬تكليف بعثة اقنصلية منشأة في دولة معينة ممارسة األعمال القنصلية في دولة‬
‫أخرى‪ ،‬إال إذا كان هناك اعتراض صريح على ذلك من اقبل إحدى الدول المعنية"‪.‬‬
‫‪ -‬حالة تعيين موظف اقنصلي واحد من اقبل دولتين أو أكثر‪ ،‬شريطة موافقة الدولة المضيفة‪ ،‬وهو ما‬
‫نصت عليه المادة (‪ )14‬من االتفااقية بقولها‪" :‬يجوز لدولتين أو أكثر‪ ،‬بعد أخذ موافقة الدولة المضيفة‪،‬‬
‫أن تُعيِّنا ذات الشخص موظفاً اقنصلياً في تلك الدولة"‪.‬‬
‫‪ -‬حالة اقيام البعثة القنصلية بممارسة المهام القنصلية نيابة عن دولة ثالثة‪ ،‬شريطة إبالغ الدولة المضيفة‬
‫بذلك وعدم اعتراضها هي والدولة الموفدة على ذلك‪ ،‬وذلك ما نصَّت عليه المادة (‪ )14‬من االتفااقية‬
‫اقررت‪" :‬بعد تبليغ الدولة المضيفة وعدم اعتراض الدول المعنية‪ ،‬يجوز لبعثة الدولة الموفدة ممارسة‬
‫حينما َّ‬

‫(‪)1‬‬
‫منتصر سعيد حمودة‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.119‬‬
‫(‪ )2‬أنظر‪ :‬المادة (‪ )11‬من اتفااقية فيينا للعالاقات القنصلية لسنة ‪.1691‬‬
‫(‪)3‬‬
‫أنظر‪ :‬المواد (‪ )19‬و(‪ )14‬و(‪ )14‬من اتفااقية فيينا للعالاقات القنصلية لسنة ‪.1691‬‬

‫‪33‬‬
‫الفصل الثاني‪ :‬التمثيل الدبلوماس ي والقنصلي‬ ‫محاضرات في قانون العالقات الدبلوماسية والقنصلية‬

‫األعمال القنصلية بالنيابة عن دولة ثالثة"‪ ،‬وتلجأ الدول ألسلوب التمثيل القنصلي بالنيابة في أثناء توتر‬
‫العالاقات الثنائية بينها‪ ،‬أو في حالة الغلق المؤاقت للبعثة القنصلية أو اقطع تلك العالاقات بينهما‪.‬‬
‫هذا‪ ،‬ونشير أخي اًر على سبيل المقارنة أن سفارات البعثات الدبلوماسية توجد عادة في العواصم‬
‫السياسية للدول‪ ،‬بحيث ال توجد للدولة الموفدة إال سفارة واحدة في كل دولة مستقبلة‪ ،‬بينما البعثات‬
‫القنصلية تنتشر حتى في المدن الكبرى ذات األهمية االاقتصادية والتجارية‪ ،‬وبالتالي ُيمكن أن تكون‬
‫للدولة الواحدة أكثر من بعثة اقنصلية في دولة أخرى(‪.)1‬‬
‫المبحث الثاني‬
‫اواعد تبادل التمثيل الدبلوماسي والقنصلي‬
‫عد ضرورة حتمية‬‫إن دخول الدول ذات السيادة والمنظمات الدولية في عالاقات دولية فيما بينها ُي ُّ‬
‫فرضتها طبيعة الدولة بوصفها وحدة سياسية واجتماعية ال تستطيع العيش بمعزل عن الجماعة الدولية‪،‬‬
‫ذلك أن الدولة ومهما توافرت لها من إمكانيات طبيعية ومادية وبشرية ال ُيمكنها االستغناء عن غيرها من‬
‫الدول‪ ،‬بل يجب عليها التكافل والتكامل فيما بينها بالنظر إلى حجم القضايا والمشكالت الدولية التي‬
‫تعجز الجهود الفردية على مواجهتها‪.‬‬
‫واقد جرت عادة الدول والمنظمات الدولية على تبادل التمثيل الدبلوماسي والقنصلي باعتباره األداة‬
‫الطبيعية لالتصال الدولي‪ ،‬والذي ُي ُّ‬
‫عد تطبيقاً عملياً لمبدأ المساواة بين الدول ذات السيادة في نطاق‬
‫العالاقات الدولية‪ .‬ولما كان تبادل التمثيل الدبلوماسي والقنصلي على هذه الدرجة من األهمية‪ ،‬فإنه يبدو‬
‫من الضروري تنظيم وتحديد اقواعده‪ ،‬خصوصاً فيما يتعلق بقواعد تشكيل البعثات الدبلوماسية والقنصلية‪،‬‬
‫وتحديد وظائفها والواجبات التي تقع على عاتقها‪ ،‬وهو ما سنتولى بيانه في المطلبين المواليين‪.‬‬
‫المطلب األول‪ :‬اواعد تشليل البلثا الدبلوماسي والقنصلي‬
‫يخضع تبادل البعثات الدبلوماسية والقنصلية بين الدول وايفاد البعثات الدبلوماسية للدول لدى‬
‫المنظمات الدولية‪ ،‬وكذا التركيبة البشرية لتلك البعثات لجملة من الشروط والضوابط التي َّ‬
‫حددتها اتفااقيات‬
‫العالاقات الدبلوماسية والقنصلية‪ ،‬وهي التي سنبسط الحديث فيها في الفرعين المواليين‪.‬‬
‫الفةع األول‪ :‬ضوابط تبادل التمثيل الدبلوماسي والقنصلي‬
‫ِّ‬
‫ومحددات تبادل التمثيل الدبلوماسي والقنصلي يتطلب منا أوالً تحديد الطبيعة‬ ‫إن اإللمام بضوابط‬
‫القانونية لتبادل التمثيل الدبلوماسي والقنصلي‪ ،‬وثانياً تحديد صاحب الحق في التمثيل الدبلوماسي‬
‫التعرف على شروط تبادل التمثيل الدبلوماسي والقنصلي‪.‬‬
‫والقنصلي‪ ،‬وثالثاً ُّ‬

‫(‪)1‬‬
‫محمد المجذوب‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.991‬‬

‫‪33‬‬
‫الفصل الثاني‪ :‬التمثيل الدبلوماس ي والقنصلي‬ ‫محاضرات في قانون العالقات الدبلوماسية والقنصلية‬

‫أولا‪ :‬الطبيل القانوني لتبادل التمثيل الدبلوماسي والقنصلي‬


‫اختلف فقهاء القانون الدولي حول الطبيعة القانونية لتبادل التمثيل الدبلوماسي على اتجاهين‪ ،‬اتجاه‬
‫يرى بأن هذا التبادل هو أحد الحقوق التي يتمتع بها أشخاص القانون الدولي‪ ،‬بل هو أحد الحقوق‬
‫ويقابل هذا الحق التزام يقع على عاتق الدولة يتمثل في اقبول اعتماد‬
‫اللصيقة بالشخصية القانونية الدولية‪ُ ،‬‬
‫البعثات الدبلوماسية للدول األخرى(‪ ،)1‬بمعنى أنه إذا كان من حق الشخص الدولي إرسال البعثات‬
‫الدبلوماسية لألشخاص الدوليين اآلخرين‪ ،‬فمن واجبه استقبال بعثات تلكم األشخاص حتى ُّ‬
‫يتمكنوا هم‬
‫أيضاً من استعمال ذات الحق‪.‬‬
‫واقد استند أنصار هذا االتجاه إلى مجموعة من األسانيد أهمها ما يلي(‪:)2‬‬
‫‪ -‬إن القانون الدولي يعترف للدول بحق إاقامة العالاقات الدولية الودية‪ ،‬وحيث أن وسيلة إاقامتها هي‬
‫تبادل البعثات الدبلوماسية‪ ،‬وبالتالي فإن ترك تبادل هذه البعثات إلرادة الدول فقط اقد يحول دون إاقامة‬
‫هذه العالاقات‪ ،‬وبالتالي هدم القانون الدولي ذاته‪.‬‬
‫‪ -‬إن تبادل التمثيل الدبلوماسي والقنصلي تطبيق عملي لمبدأ المساواة بين الدول ذات السيادة في نطاق‬
‫العالاقات الدولية‪.‬‬
‫‪ -‬إن تبادل التمثيل الدبلوماسي والقنصلي أمر ال بد منه إلاقامة مختلف عالاقات التعاون بين الدول‪ ،‬التي‬
‫تُ ُّ‬
‫عد ضرورة حتمية ااقتضتها الحياة الدولية‪.‬‬
‫وفي المقابل ال يرى أنصار االتجاه اآلخر ما ذهب إليه أصحاب االتجاه األول من أن تبادل‬
‫التمثيل الدبلوماسي والقنصلي حق يقابله واجب‪ ،‬بل يرون بأن هذا األمر خاضع إلرادة الدولة واقبولها‪،‬‬
‫ذلك أنه ال ُيمكن إجبار هذه األخيرة‪ ،‬لما تتمتع به من استقالل وسيادة على إاقليمها‪ ،‬على إاقامة عالاقات‬
‫دبلوماسية مع دولة أخرى‪ ،‬وبالتالي تملك كل دولة الحق في السماح لالتصال بها أو منعها لذلك‪.‬‬
‫ويدعِّم أنصار هذا االتجاه ما ذهبوا إليه بالحجج التالية(‪:)3‬‬
‫ُ‬
‫‪ -‬إن القواعد الدولية االتفااقية ال تنطوي على أي نص صريح يلزم الدولة بتبادل البعثات الدبلوماسية مع‬
‫غيرها من الدول‪.‬‬
‫‪ -‬طبقاً لقواعد القانون الدولي فإن العالاقات الدولية‪ ،‬ومنها الدبلوماسية والقنصلية‪ ،‬ال تقوم إال بالتراضي‬
‫بين الدول‪.‬‬
‫‪ -‬إن الزام الدول بإاقامة عالاقات دبلوماسية يتعارض مع مبدأ السيادة واالستقالل‪ ،‬فال يجوز فرض أي اقيد‬
‫على سيادة الدول إال بموافقتها‪.‬‬

‫(‪)1‬‬
‫أبو الخير أحمد عطية‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.911‬‬
‫(‪)2‬‬
‫أنظر‪ :‬أبو الخير أحمد عطية‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪ .911‬ومنتصر سعيد حمودة‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ص ‪.91 ،91‬‬
‫(‪ )3‬أنظر‪ :‬المرجع نفسه‪ ،‬الصفحة نفسها‪ .‬والمرجع نفسه‪ ،‬ص ص ‪.91 ،91‬‬

‫‪33‬‬
‫الفصل الثاني‪ :‬التمثيل الدبلوماس ي والقنصلي‬ ‫محاضرات في قانون العالقات الدبلوماسية والقنصلية‬

‫ويؤيد أغلب الفقه الدولي هذا االتجاه األخير ويراه األاقرب للصواب‪ ،‬ألنه ال ُيمكن إجبار أية دولة‬
‫على تبادل التمثيل الدبلوماسي مع غيرها من الدول‪ ،‬لذلك فهم يرون بأن هذا التبادل ما هو إال مجرد‬
‫رخصة للدولة‪ ،‬لها أن تستخدمها من خالل الدخول في عالاقات دبلوماسية مع من تشاء من الدول دون‬
‫اعتراض من الدول األخرى‪ ،‬كما لها أال تستخدمها مع بعض الدول وذلك بعدم الدخول معها في تلك‬
‫العالاقات‪ .‬وأن الذي ُيحتِّم على الدولة من الناحية العملية استقبال البعثات الدبلوماسية للدول األخرى ليس‬
‫تنفيذاً اللتزام اقانوني يترتب على اإلخالل به إثارة مسؤوليتها الدولية‪ ،‬وانما الحاجة والضرورة االجتماعية‬
‫ومقتصيات المعاملة بالمثل هي التي تُحتِّم عليها ذلك(‪.)1‬‬
‫كما أخذت بهذا الرأي المادة (‪ )11‬من كل من اتفااقية فيينا لقانون العالاقات الدبلوماسية لسنة‬
‫‪ 1691‬واتفااقية فيينا للعالاقات القنصلية لسنة ‪ ،1691‬حين َّ‬
‫أكدتا بأن إاقامة العالاقات الدبلوماسية‬
‫والقنصلية يكون بالرضا المتبادل بين الدول‪.‬‬
‫ثانيا‪ :‬صاحب الحق في التمثيل الدبلوماسي والقنصلي‬
‫يثبت الحق في التمثيل الدبلوماسي لكل الكيانات التي اعترف لها القانون الدولي بالشخصية‬
‫القانونية الدولية‪ ،‬وهي الدول‪ ،‬والمنظمات الدولية‪ ،‬ومدينة الفاتيكان التي منحها القانون الدبلوماسي مركز‬
‫خاص‪ .‬كما تتمتع الدول باإلضافة إلى ذلك بحق التمثيل القنصلي‪.‬‬
‫‪ -1‬الدول المستقل ‪ :‬يرتبط حق التمثيل الدبلوماسي بشقيه االيجابي والسلبي (اإلرسال واالستقبال)‬
‫بسيادة الدول وباستقاللها‪ ،‬فالدول ال تتمتع بهذا الحق إال إذا كانت مستقلة وكاملة السيادة‪ ،‬ألنه حسب‬
‫فقهاء القانون الدولي تُ ُّ‬
‫عد ممارسة حق التمثيل الدبلوماسي أهم مظهر من مظاهر السيادة الخارجية‬
‫للدولة؛ إذ بموجب هذا الحق تمتد سيادة الدولة إلى خارج حدودها‪ ،‬وفي هذا الصدد يقول الفقيه‬
‫األرجنتيني "شارل كالفو"‪" :‬إن حق التمثيل الذي ُيفيد حق الدولة في تمثيل نفسها بواسطة موظفين‬
‫دبلوماسيين واقنصليين هو مظهر من مظاهر استقالل األمم"(‪.)2‬‬
‫واذا سلَّمنا بأن الحق في التمثيل الدبلوماسي مظهر من مظاهر السيادة‪ ،‬فإن ذلك ُيفيد بأن الدول‬
‫نااقصة السيادة كالدول المحمية والدول المشمولة بالوصاية ال تملك عادة حق ارسال مبعوثين دبلوماسيين‬
‫واقنصليين من طرفها إلى الدول األخرى‪ ،‬وانما تتولى تمثيلها في الخارج الدولة الحامية أو القائمة‬
‫باإلدارة‪ ،‬إال إذا كانت العالاقة بينهما تسمح بذلك‪ ،‬غير أن حرمان الدول نااقصة السيادة من حق إيفاد‬
‫مبعوثين من اقبلها (التمثيل االيجابي)‪ ،‬ال يمنعها من ممارسة التمثيل الدبلوماسي السلبي المتمثل في اقبول‬

‫(‪ )1‬أنظر في هذا المعنى‪ :‬منتصر سعيد حمودة‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪ .34‬وعبد الفتاح علي الرشدان‪ ،‬محمد خليل الموسى‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.111‬‬
‫(‪)2‬‬
‫أنظر‪ :‬طارق حمو‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪ .14‬وعبد الفتاح علي الرشدان‪ ،‬محمد خليل الموسى‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ص ‪.111 ،111‬‬

‫‪33‬‬
‫الفصل الثاني‪ :‬التمثيل الدبلوماس ي والقنصلي‬ ‫محاضرات في قانون العالقات الدبلوماسية والقنصلية‬

‫مبعوثين من الدول األجنبية لديها(‪ ،)1‬فمثالً دولة البحرين لما كانت تحت الحماية البريطانية كانت تمتلك‬
‫حق التمثيل الدبلوماسي السلبي فقط‪ ،‬بينما حق التمثيل االيجابي تتواله بريطانيا صاحبة الحماية(‪ ،)2‬وهذا‬
‫بموجب نظام الحماية الذي كان اقائماً بينهما‪.‬‬
‫أما بالنسبة للدول االتحادية فإن مدى ممارسة حقها في التمثيل الدبلوماسي منفردة أو مجتمعة‬
‫يتواقف على نوع االتحاد الذي تنخرط فيه‪ ،‬ففي االتحادات الفدرالية (االتحادات الفعلية) التي تذوب فيها‬
‫شخصية الدول األعضاء في شخصية اقانونية دولية واحدة‪ ،‬تتولى الدولة المركزية لالتحاد مباشرة التمثيل‬
‫الدبلوماسي بوجهيه )إيفاد واقبول المبعوثين الدبلوماسيين( ما لم يتضمن دستور االتحاد ما يخول لبعض‬
‫الدول الداخلة فيه حق إاقامة عالاقات دبلوماسية )كما كان عليه الحال في اإلتحاد السوفياتي سابقا حيث‬
‫أجاز دستور االتحاد للجمهوريات األعضاء فيه أن تقيم عالاقات دبلوماسية مع الدول األجنبية)(‪.)3‬‬
‫أما في االتحادات الكنفدرالية (االتحادات الشخصية أو التعاهدية) فإن كل دولة عضو فيها تحتفظ‬
‫بشخصيتها القانونية الدولية‪ ،‬وبالتالي بحقها الكامل في إاقامة عالاقات دبلوماسية وتبادل التمثيل‬
‫الدبلوماسي مع غيرها من الدول األخرى‪ ،‬وذلك ما لم تنص الوثيقة المنشئة لالتحاد على خالف ذلك(‪.)4‬‬
‫‪ -2‬المنظما الدولي ‪ :‬لقد ظل موضوع تمتع المنظمة الدولية بالشخصية القانونية على المستوى الدولي‬
‫محالً للتجاذب والخالف الفقهي بين مؤيد ومعارض‪ ،‬إلى أن حسمت محكمة العدل الدولية األمر بموجب‬
‫رأيها االستشاري الصادر في‪ ،1686/18/11 :‬والذي جاء فيه بأن الدول ال تُمثِّل وحدها أشخاص‬
‫القانون الدولي العام‪ ،‬بل توجد المنظمات الدولية أيضاً ضمن نطاق أشخاص القانون الدولي العام‪ ،‬وتُ ُّ‬
‫عد‬
‫مسألة االعتراف لها بالشخصية القانونية أم اًر ضرورياً لتحقيق األهداف المنوطة بها(‪.)5‬‬
‫واذا سلَّمنا بأن المنظمة الدولية تتمتع بالشخصية القانونية على المستوى الدولي‪ ،‬فإن ذلك يعني‬
‫أنها تتمتع بحق التمثيل الدبلوماسي سواء في جانبه االيجابي الذي َّ‬
‫أكدته المادة (‪ )118‬من ميثاق األمم‬
‫المتحدة من أنها تتمتع باألهلية القانونية في بالد كل عضو من أعضائها‪ ،‬والمادتين (‪ )11‬و(‪ )19‬من‬
‫اتفااقية امتيازات وحصانات األمم المتحدة لسنة ‪ ،1689‬من أن منظمة األمم المتحدة لها صالحية ايفاد‬
‫كرسته المادة (‪ )11‬من اتفااقية تمثيل الدول لدى‬
‫بعثات دبلوماسية للدول‪ ،‬أو في جانبه السلبي الذي َّ‬
‫المنظمات الدولية لسنة ‪ ،1691‬من أن المنظمات العالمية لها أن تستقبل بعثات الدول األعضاء وغير‬
‫األعضاء‪ ،‬إذا كان دستورها يسمح بذلك‪.‬‬

‫(‪)1‬‬
‫لدغش رحيمة‪ ،‬سياد الدول وحقزا في مباشة التمثيل الدبلوماسي‪( ،‬أطروحة دكتوراه في القانون العام‪ ،‬كلية الحقوق والعلوم السياسية‪ ،‬جامعة تلمسان‪،‬‬
‫‪ ،)1118/1111‬ص ‪.114‬‬
‫(‪)2‬‬
‫عبد العزيز بن ناصر العبيكان‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.119‬‬
‫(‪)3‬‬
‫سهيل حسين الفتالوي‪ ،‬الدبلوماسي بين النظةي والتطبيق‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.116‬‬
‫(‪)4‬‬
‫أنظر‪ :‬لدغش رحيمة‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪ .114‬ووليد عمران‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.11‬‬
‫(‪)5‬‬
‫جمال عبد الناصر مانع‪ ،‬التنظيم الدولي‪ ،‬دار العلوم للنشر والتوزيع‪ ،‬عنابة‪ ،‬الجزائر‪ ،1119 ،‬ص ‪.61‬‬

‫‪33‬‬
‫الفصل الثاني‪ :‬التمثيل الدبلوماس ي والقنصلي‬ ‫محاضرات في قانون العالقات الدبلوماسية والقنصلية‬

‫‪ -3‬مدين الفاتيلان(‪ :)1‬كان بابا الفاتيكان يتمنع بالسلطة الروحية ومدينة الفاتيكان تتمتع بالشخصية‬
‫القانونية الدولية‪ ،‬وحق إاقامة التمثيل الدبلوماسي السلبي واإليجابي مع أية دولة‪ ،‬إال أنه في سنة ‪1491‬‬
‫عندما غزت الجيوش اإليطالية روما عاصمة الفاتيكان وضمتها للمملكة اإليطالية وجعلتها عاصمة لها‪،‬‬
‫فلم يتبق للبابا سوى صفة رئيس الكنيسة الكاثوليكية(‪.)2‬‬
‫ولكن في عهد "موسوليني" أُبرمت اتفااقية سنة ‪ 1616‬بين بابا الفاتيكان وايطاليا أطلق عليها‬
‫معاهدة "التران"‪ ،‬الت ي بموجبها اعترفت ايطاليا بالشخصية القانونية الدولية للكرسي البابوي ودخلت معه‬
‫في عالاقات تمثيل دبلوماسي‪ ،‬لذا اختلف فقهاء القانون الدولي في تكييف الوضع القانوني لمدينة‬
‫الفاتيكان فهل هي دولة أم مجرد شخص من أشخاص القانون الدولي العام‪ ،‬على أن الجدل اقد انتهى إلى‬
‫أنها ليست دولة ألنها ال تستجمع مقومات الدولة وعناصرها(‪ ،)3‬بل هي بحكم وضعها القانوني تتمتع‬
‫بالشخصية القانونية الدولية فقط‪ ،‬وبالتالي لها القدرة في التأثير على العالاقات الدولية من خالل شخصية‬
‫البابا الدينية والدبلوماسية(‪.)4‬‬
‫وبالنسبة التفااقية فيينا للعالاقات الدبلوماسية فقد منحت للفاتيكان حق إاقامة العالاقات الدبلوماسية‬
‫بمظهريها السلبي وااليجابي مع جميع الدول‪ ،‬حين نصَّت المادة (‪ )18‬منها على منح ممثلي البابا الصفة‬
‫الدبلوماسية‪ ،‬كما نصَّت في مواد متفراقة منها على تمتعهم بكامل الحصانات واالمتيازات الدبلوماسية‪.‬‬
‫ثالثا‪ :‬شةوط تبادل التمثيل الدبلوماسي والقنصلي‬
‫تستند إاقامة العالاقات الدولية وتبادل البعثات الدبلوماسية والقنصلية بين أشخاص القانون الدولي‬
‫إلى جملة من الشروط والضوابط يجب توافرها حتى َّ‬
‫تتمكن تلكم األشخاص من مباشرة التبادل الدبلوماسي‬
‫والقنصلي بينها‪ ،‬وتتمثل هذه الشروط في اآلتي‪:‬‬
‫‪ -1‬شةوط تبادل التمثيل الدبلوماسي والقنصلي بين الدول‪ :‬أشرنا فيما سبق أن الدولة المستقلة وذات‬
‫السيادة هي التي تتمتع بالحق في التمثيل الدبلوماسي والقنصلي‪ ،‬ولكن حتى ًّ‬
‫تتمكن من ممارسة هذا‬
‫الحق على الساحة الدولية‪ ،‬يجب توافر شرطين هما‪:‬‬
‫أ‪ -‬العتةاف المتبادل بين الدولتين‪ُ :‬ي ُّ‬
‫عد االعتراف الدولي عنص اًر ضرورياً إلنشاء البعثات الدبلوماسية‬
‫لدى الدول‪ ،‬ألنه ليس من المنطقي تبادل بعثات دبلوماسية بين دولتين ال تعترف إحداهما باألخرى‪ ،‬نظ اًر‬

‫(‪)1‬‬
‫هي أصغر دولة في العالم إذ تبلغ مساحتها أاقل من نصف الكيلومتر المربع‪ ،‬ويقارب عدد سكانها ‪ 681‬نسمة فقط‪ .‬أنظر‪ :‬مواقع ويكيبيديا على الرابط‪:‬‬
‫‪ https://ar.wikipedia.org‬تاريخ الزيارة‪ ،1116/11/11 :‬على الساعة‪.11:81 :‬‬
‫(‪)2‬‬
‫ديلمي أمال‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.99‬‬
‫(‪ )3‬مدينة الفاتيكان ال ُيمكن اعتبارها دولة حديثة ألنه ليس لها رعايا بالمعنى الصحيح فسكانها عبارة عن موظفي الفاتيكان‪ ،‬أما فيما يتعلق باالختصاص العام‬
‫المعترف به للدول‪ ،‬فإن الفاتيكان ال تباشر مثل هذه االختصاصات وانما تتوالها الحكومة االيطالية بناء على طلب من الفاتيكان‪ ،‬وبالتالي لم تمنح اتفااقية‬
‫التران لسنة ‪ 1616‬الفاتيكان صفة الدولة‪ ،‬وانما منحتها مباشرة بعض االختصاصات نابعة من ما للبابا من سيادة روحية على المسيحيين الكاثوليك‪ .‬أنظر‪:‬‬
‫محمد بوبوش‪ ،‬القو الناعم للبابا في اللقااا الدولي الملاصة ‪ ،‬تحليالت سياسية‪ ،‬المعهد المصري للدراسات‪ ،‬مارس ‪ ،1116‬ص ‪.11‬‬
‫(‪)4‬‬
‫المرجع نفسه‪ ،‬ص ‪.11‬‬

‫‪34‬‬
‫الفصل الثاني‪ :‬التمثيل الدبلوماس ي والقنصلي‬ ‫محاضرات في قانون العالقات الدبلوماسية والقنصلية‬

‫النصراف غاية إاقامة التمثيل الدبلوماسي بين الدول أساساً لتعزيز العالاقات الودية بينها‪ ،‬لذلك يقوم حق‬
‫إنشاء البعثات على سبق وجود اعتراف بالكيان القانوني المعني بالعالاقة الدبلوماسية(‪ .)1‬وهو شرط‬
‫استمررها بين الطرفين‪ ،‬واذا ُسحب هذا االعتراف من اقبل أحد‬
‫ضروري إلاقامة العالاقات الدبلوماسية و ا‬
‫الطرفين فإن العالاقات الدبلوماسية تنتهي وال يعود لها أي وجود(‪.)2‬‬
‫ولكي ُينتج االعتراف أثره على مستوى العالاقات الدبلوماسية فيجب أن يكون صريحاً واقانونياً وليس‬
‫أمر وااقعياً(‪ ،)3‬ويتحقق االعتراف الصريح بإرسال براقية أو مذكرة إلى رئيس الدولة‬
‫مجرد اعتراف ًا ضمنياً أو اً‬
‫الجديدة أو رئيس حكومتها حسب نظامها الدستوري(‪.)4‬‬
‫واذا كان التبادل الدبلوماسي مرهون باالعتراف القانوني الصريح‪ ،‬فإن التبادل القنصلي اقد يحصل‬
‫حتى في ظل غيابه‪ ،‬ألنه اقد تقوم عالاقات ااقتصادية أو تجارية بين دولتين ال يوجد بينهما اعتراف‬
‫اقانوني‪ ،‬وهو ما أ ّكده المؤلف "لوتر باخت" بالقول أن إنشاء بعثات اقنصلية ال يعني اعترافاً اقانونياً ما لم‬
‫يظهر من واقائع اقانونية أخرى اتجاه نية الدول إلعطائه أث اًر كهذا‪ ،‬وهو ما تفعله اليوم بعض الدول‬
‫العربية من استقبال ممثليات ومكاتب تجارية إلسرائيل في أاقاليمها دون أن يترتب عليه اعتراف اقانوني‬
‫بها(‪ ،)5‬ولكن اقد يكون هذا التعامل ُممهِّداً لالعتراف‪ ،‬فقد كان لمصر والعراق واليمن مثالً وغيرها من‬
‫الدول‪ ،‬اقناصل في ألمانيا الشراقية اقبل االعتراف بها كدولة(‪.)6‬‬
‫وبالرغم من أن االعتراف ُي ُّ‬
‫عد شرطاً ُمسبقاً للدخول في عالاقات دبلوماسية بين دولتين‪ ،‬وهو كأصل‬
‫عام ال ُينتج أثره إال بينهما‪ ،‬إال أن حدوثه في بعض األحيان اقد يؤثر على دولة ثالثة ويكون سبباً في‬
‫اقطع العالاقات الدبلوماسية معها‪ ،‬فمثالً عندما اعترفت يوغسالفيا سنة ‪ 1619‬بحكومة ألمانيا الشراقية‬
‫أدى ذلك إلى اقيام ألمانيا الفيدرالية بقطع العالاقات مع يوغسالفيا‪ ،‬كما أعلنت فرنسا بأن الدول التي‬
‫تعترف بالحكومة الثورية المؤاقتة للجمهورية الجزائرية ستقطع عالاقاتها الدبلوماسية معها(‪.)7‬‬
‫هذا‪ ،‬ونشير إلى أن شرط االعتراف المسبق هو مطلوب فقط ويسري على العالاقات الدبلوماسية‬
‫الثنائية التي تُقام بين الدول‪ ،‬أما في العالاقات الدبلوماسية متعددة األطراف التي تُقام بين عدد من الدول‬
‫ومنظمة دولية‪ ،‬فال وجود لمثل هذا الشرط سواء فيما بين الدول األعضاء في المنظمة أو بين الدولة‬

‫(‪)1‬‬
‫أوكيل محمد أمين‪ ،‬النظام القانوني للبلثا الدبلوماسي الدائم ‪ ،‬المجلة األكاديمية للبحث القانوني‪ ،‬كلية الحقوق والعلوم السياسية‪ ،‬جامعة بجاية‪ ،‬بجاية‪،‬‬
‫العدد ‪ ،11‬المجلد ‪ ،1111 ،11‬ص ‪.99‬‬
‫(‪)2‬‬
‫يحي الجمل‪ ،‬العتةاف في القانون الدولي اللام‪ ،‬دار النهضة العربية‪ ،‬القاهرة‪ ،‬مصر‪ ،1691 ،‬ص ‪ .111‬نقالً عن‪ :‬وليد عمران‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‬
‫‪.11‬‬
‫(‪)3‬‬
‫لدغش رحيمة‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.116‬‬
‫(‪)4‬‬
‫عبد العزيز بن ناصر العبيكان‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.114‬‬
‫(‪)5‬‬
‫عبد الفتاح علي الرشدان‪ ،‬محمد خليل الموسى‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ص ‪.118 ،111‬‬
‫(‪)6‬‬
‫محمد المجذوب‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.181‬‬
‫(‪)7‬‬
‫عبد العزيز بن ناصر العبيكان‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.116‬‬

‫‪34‬‬
‫الفصل الثاني‪ :‬التمثيل الدبلوماس ي والقنصلي‬ ‫محاضرات في قانون العالقات الدبلوماسية والقنصلية‬

‫الموفدة ودولة المقر‪ ،‬بحيث ُيمكن لدولة معترف بها من بعض الدول وغير معترف بها من البعض اآلخر‬
‫المشاركة في مؤتمرات دبلوماسية جماعية‪ ،‬دون أن يعني ذلك أنه اعتراف ضمني من اقبل الدول التي ال‬
‫تعترف بها‪ ،‬لذلك تحرص الدول في المؤتمرات الجماعية أو عند االنضمام للمنظمات الدولية على التأكيد‬
‫على هذه المسألة‪ ،‬وهو ما فعله الوفد األمريكي المشارك في مؤتمر جنيف الخاص بالوس المنعقد سنة‬
‫‪ ،1691‬عندما َّ‬
‫أكد منذ الجلسة األولى بأن مشاركتهم ال تُ ُّ‬
‫عد من اقبيل االعتراف الضمني ببعض الدول‬
‫المشاركة في المؤتمر‪ ،‬كما حرصت العديد من الدول العربية عند انضمامها إلى ميثاق األمم المتحدة‬
‫على التأكيد أن عضويتها في المنظمة ال تعني مطلقاً اعترافها بإسرائيل(‪ .)1‬كما أن تبادل البعثات‬
‫الدبلوماسية بين دولة ما ومنظمة دولية ال يترتب عنه إطالاقاً واقوع اعتراف ضمني بين الدولة الموفدة‬
‫ودولة المقر إن لم يكن بينهما اعتراف سابق أو الحق(‪.)2‬‬
‫كما نشير إلى أن االعتراف وتبادل التمثيل الدبلوماسي هما مسألتان منفصلتان عن بعضهما‬
‫البعض‪ ،‬فقد يحصل االعتراف دون أي ينتج عنه اقيام عالاقات دبلوماسية‪ ،‬كما اقد تُقطع العالاقات‬
‫الدبلوماسية دون أن يؤدي ذلك إلى سحب االعتراف(‪ ،)3‬لكن مع ذلك يبقى االعتراف شرطاً الزماً إلاقامة‬
‫العالاقات الدبلوماسية بين الدول‪ .‬إال أن توافره بمفرده ال يكفي إلاقامة تلك العالاقات وايفاد الممثلين‬
‫الدبلوماسيين واقبولهم‪ ،‬بل ال بد من حصول اتفاق بينهم على ذلك‪.‬‬
‫ب‪ -‬التفاق على تبادل التمثيل الدبلوماسي والقنصلي‪ :‬إذا كان التمثيل الدبلوماسي والقنصلي حقاً‬
‫طبيعياً يثبت لكل دولة مستقلة وذات سيادة‪ ،‬فإن تبادل البعثات ليس أم اًر إلزامياً تباشره الدولة لمجرد‬
‫كونها دولة مستقلة وذات سيادة‪ ،‬بل يتطلب ذلك وجود التراضي واالتفاق بين الدول على تبادل البعثات‬
‫الدبلوماسية والقنصلية‪ ،‬ألن األمر ال يتعلق بتنفيذ التزام اقانوني بقدر ما ُيعبِّر عن عالاقات حسن الجوار‬
‫والتعاون بين الدول‪ ،‬وهو ما َّ‬
‫أكدته اتفااقيتي فيينا للعالاقات الدبلوماسية والقنصلية في مادتهما الثانية من‬
‫أن إاقامة العالاقات الدبلوماسية والقنصلية وارسال البعثات الدائمة‪ ،‬تجري بين الدول المتساوية في السيادة‬
‫على اقاعدة الرضا المتبادل(‪.)4‬‬
‫ولم تشترط اتفااقية فيينا للعالاقات الدبلوماسية أو للعالاقات القنصلية أن يكون اتفاق تبادل البعثات‬
‫الدبلوماسية أو القنصلية مكتوباً أو شفوياً‪ ،‬ولكن التراضي واالتفاق يجب أن يكون صريحاً وال يكفي فيه‬
‫التلميح‪ ،‬وعادة ما يبدأ بإيجاب توجهه إحدى الدول إلى األخرى تُعبِّر فيه عن رغبتها في إيفاد بعثة‬
‫دبلوماسية أو اقنصلية دائمة واستقبال مثلها‪ ،‬فيلقى هذا اإليجاب اقبوالً من جانب الدولة المتلقية له‪ ،‬وبذلك‬

‫(‪)1‬‬
‫عبد الفتاح علي الرشدان‪ ،‬محمد خليل الموسى‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.111‬‬
‫(‪)2‬‬
‫أنظر في هذا المعنى‪ :‬أوكيل محمد أمين‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.99‬‬
‫(‪)3‬‬
‫عبد العزيز بن ناصر العبيكان‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.116‬‬
‫(‪)4‬‬
‫أنظر في هذا المعنى‪ :‬عبد الفتاح علي الرشدان‪ ،‬محمد خليل الموسى‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.111‬‬

‫‪34‬‬
‫الفصل الثاني‪ :‬التمثيل الدبلوماس ي والقنصلي‬ ‫محاضرات في قانون العالقات الدبلوماسية والقنصلية‬

‫تبدأ العالاقات الدبلوماسية أو القنصلية بين الدولتين(‪ .)1‬كما أنه في العادة ما يتم عقد هذا االتفاق إما‬
‫بواسطة زيارة وفد رفيع المستوى إلى إحدى البلدين الطرفين في االتفاق‪ ،‬أو بواسطة سفراء الدولتين في‬
‫بلد ثالث تربط كالهما به عالاقات دبلوماسية(‪.)2‬‬
‫مما سبق نستنتج أن للدولة كل الحرية في االعتراف من عدمه‪ ،‬كما لها كامل السلطة التقديرية في‬
‫إاقامة أو عدم إاقامة عالاقات دبلوماسية مع من تشاء من الدول‪ ،‬حيث ال يوجد اقاعدة في القانون الدولي‬
‫تُلزمها بذلك‪ ،‬فاألمر يخضع إلرادتها والتفااقاتها مع غيرها من الدول‪.‬‬
‫‪ -2‬شةوط تبادل التمثيل الدبلوماسي بين الدول والمنظم الدولي ‪ :‬يخضع إنشاء البعثات الدبلوماسية‬
‫الدائمة لدى المنظمة الدولية لشرطين أساسيين نصت عليهما المادة (‪ )11‬من اتفااقية فيينا الخاصة‬
‫بتمثيل الدول في عالاقاتها مع المنظمات الدولية العالمية لسنة ‪ ،1691‬هما‪:‬‬
‫أ‪ -‬سماح لوائح المنظم بدنشاء بلثا دبلوماسي دائم لديزا‪ُ :‬يشترط إليفاد الدول األعضاء لبعثاتها‬
‫الدبلوماسية الدائمة لدى المنظمة الدولية‪ ،‬أن تسمح اللوائح الداخلية لهذه األخيرة (دستورها أو ميثااقها أو‬
‫اقانونها الداخلي) بذلك‪ ،‬لكن يبقى إيفاد الدول األعضاء لبعثاتها الدبلوماسية لدى المنظمة الدولية يخضع‬
‫لحريتها التامة وبما يتوافق مع تحقيق مصالحها‪ ،‬فهو ال ُي ِّ‬
‫شكل التزاماً عليها كما أنه ليس حقاً تلقائياً‬
‫تتمتع به الدول األعضاء بمجرد إجازة اقواعد المنظمة له(‪.)3‬‬
‫واذا سمحت اقواعد المنظمة بإنشاء بعثات دبلوماسية لديها‪ ،‬فإن التمتع بهذا الحق ال يقتصر على‬
‫الدول األعضاء في المنظمة‪ ،‬بل حتى الدول غير األعضاء ُيمكنها إيفاد بعثات لها لدى هذه المنظمة‪،‬‬
‫لكن بعثاتها ال تتمتع بذات المركز الذي تتمتع به بعثات الدول األعضاء من حيث الصالحيات‬
‫والحصانات واالمتيازات‪ ،‬فهي مجرد بعثات مالحظة بصالحيات وحصانات محدودة‪ ،‬كما أشارت إلى‬
‫ذلك المادتين (‪ )11‬و(‪ )19‬من اتفااقية فيينا للعالاقات الدبلوماسية‪.‬‬
‫ب‪ -‬ايام المنظم الدولي بدخطاة دول المقة بدنشاء البلث الدبلوماسي ‪ :‬الشرط الثاني يتمثل في‬
‫ضرورة إبالغ المنظمة الدولية للدولة المضيفة (دولة مقر المنظمة) بإنشاء البعثة الدبلوماسية اقبل‬
‫مباشرتها لمهامها‪ ،‬وهو التزام يقع على عاتق المنظمة وليس على الدولة الموفدة مثلما هو الحال بالنسبة‬
‫لتبادل البعثات بين الدول‪ ،‬فإنشاء بعثة دبلوماسية لدى المنظمة الدولية يتم بعمل انفرادي من جانب‬
‫الدولة المرسلة‪ ،‬بمراعاة حدود عمل المنظمة واقواعدها‪ ،‬دون الضرورة للتراضي على ذلك مع دولة مقر‬
‫المنظمة‪ ،‬ذلك أن تمثيل الدولة المرسلة لدى المنظمة ُيرتِّب عالاقة بينها وبين المنظمة فقط(‪.)4‬‬

‫(‪)1‬‬
‫ديلمي أمال‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.91‬‬
‫(‪)2‬‬
‫لدغش رحيمة‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.116‬‬
‫(‪ )3‬أنظر في هذا المعنى‪ :‬أوكيل محمد أمين‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.99‬‬
‫(‪)4‬‬
‫المرجع نفسه‪ ،‬ص ص ‪.99 ،99‬‬

‫‪33‬‬
‫الفصل الثاني‪ :‬التمثيل الدبلوماس ي والقنصلي‬ ‫محاضرات في قانون العالقات الدبلوماسية والقنصلية‬

‫وال ينتهي التزام المنظمة بمجرد إخطار دولة المقر بإنشاء البعثة الدبلوماسية فقط‪ ،‬بل يقع على‬
‫عاتقها أيضاً موافاة هذه األخيرة بكل اإلخطارات التي تصل إليها من الدولة المرسلة‪ ،‬والتي تتعلق أساساً‬
‫بتعيين ووضع وصفة وأسماء أعضاء البعثات وتاريخ وصولهم ومغادرتهم ألراضيها وانتهاء وظائفهم أو‬
‫أية تغييرات تط أر على مركزهم‪ ،‬وهو ما نصت عليه المادة (‪ )11‬من اتفااقية فيينا الخاصة بتمثيل الدول‬
‫في عالاقاتها مع المنظمات الدولية العالمية لسنة ‪.1691‬‬
‫الفةع الثاني‪ :‬تلوين البلثا الدبلوماسي والقنصلي‬
‫نتناول في هذا الفرع االعتماد المتبادل ألعضاء البعثات الدبلوماسية والقنصلية (أوالً)‪ ،‬ثم تشكلية‬
‫البعثات الدبلوماسية والقنصلية (ثانياً)‪.‬‬
‫أولا‪ :‬العتماد المتبادل ألعضاء البلثا الدبلوماسي والقنصلي‬
‫لم تنص اتفااقيتي فيينا للعالاقات الدبلوماسية والقنصلية وال اتفااقية تمثيل الدول لدى المنظمات‬
‫الدولية على شروط ومواصفات محددة‪ ،‬يجب توافرها للتعيين في السلك الدبلوماسي والقنصلي‪ ،‬بل تركت‬
‫تنظيم ذلك للقوانين الداخلية للدول‪ ،‬التي لها كامل الحق والحرية في وضع الشروط المناسبة للتعيين في‬
‫الوظائف الدبلوماسية والقنصلية‪ ،‬ولقد استقرت تشريعات الدول على توافر عدة شروط في من ُي َّ‬
‫رشح‬
‫لشغل وظيفة دبلوماسية‪ ،‬أهمها أن يكون المبعوث الدبلوماسي حامالً لجنسية الدولة الموفدة‪ ،‬وأن يكون‬
‫من األشخاص المرغوب فيهم لدى الدولة الموفد إليها‪ ،‬وأن تكون له خبرة كافية تؤهله للقيام بالمهام‬
‫الدبلوماسية(‪.)1‬‬
‫واذا كانت الدولة الموفدة للبعثة الدبلوماسية حرة في تحديد شروط التعيين في الوظائف الدبلوماسية‪،‬‬
‫فإن الدولة المستقبلة أيضاً تتمتع بذات القدر من الحرية في اقبول أو رفض كل أو بعض أعضاء البعثة‬
‫الموفدين لديها‪ ،‬دون أن تكون ملزمة بإبداء األسباب التي َّ‬
‫أدت لذلك‪ ،‬وهو ما نصت عليه كل من اتفااقية‬
‫العالاقات الدبلوماسية واتفااقية العالاقات القنصلية(‪.)2‬‬
‫واذا ما أُخطرت الدولة الموفد إليها بأسماء أعضاء البعثة ووافقت عليهم‪ ،‬فإنه يتم االعتماد الرسمي‬
‫ألعضاء البعثة‪ ،‬وتبدأ البعثة عملها في الدولة الموفد إليها من تاريخ تقديم رئيس البعثة ألوراق اعتماده‬
‫إلى الجهة الرسمية المتفق عليها في الدولة المضيفة(‪ ،)3‬والتي تختلف عادة باختالف نوع البعثة وأهميتها‪،‬‬
‫حيث يتم اعتماد أوراق رئيس البعثة من فئة سفير ووزير مفوض من جانب رئيس الدولة المستقبلة للبعثة‪،‬‬
‫وذلك عن طريق خطاب يتم توجيهه من رئيس الدولة الموفدة إلى رئيس الدولة الموفد إليها‪ ،‬أما اعتماد‬

‫(‪)1‬‬
‫منتصر سعيد حمودة‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ص ‪.91 ،98‬‬
‫(‪)2‬‬
‫نصت المادة (‪ )18‬من اتفااقية العالاقات الدبلوماسية على‪ -1" :‬يجب على الدولة المعتمدة التأكد من اقبول الدولة المعتمد لديها للشخص المزمع اعتماده‬
‫رئيساً للبعثة المنشأة فيها‪ -1 .‬ال تلتزم الحكومة المعتمد لديها بإبداء أسباب رفض القبول للدولة المعتمدة"‪ ،‬كما نصت المادة (‪ )1/18‬من اتفااقية العالاقات‬
‫القنصلية على‪ -1" :‬يجري إنشاء البعثة القنصلية في أراضي الدولة المضيفة بموافقة تلك الدولة"‪.‬‬
‫(‪)3‬‬
‫أوكيل محمد أمين‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.41‬‬

‫‪33‬‬
‫الفصل الثاني‪ :‬التمثيل الدبلوماس ي والقنصلي‬ ‫محاضرات في قانون العالقات الدبلوماسية والقنصلية‬

‫أوراق رئيس البعثة من درجة اقائم باألعمال فيتم من طرف وزير خارجية الدولة الموفد إليها‪ ،‬وذلك بناء‬
‫على خطاب صادر من وزير خارجية الدولة الموفدة(‪.)1‬‬
‫واذا كان تعيين أعضاء البعثات لدى الدول مقترن بشرط سبق اقبول الدولة المضيفة لهم حتى يتم‬
‫تعيينهم رسمياً بصفتهم أعضاء في البعثة‪ ،‬فإن الدولة المرسلة لبعثة دبلوماسية لدى منظمة دولية تُعفى‬
‫من شرط سبق الحصول على موافقة المنظمة الدولية أو دولة المقر على تعيين أعضائها لدى‬
‫المنظمة(‪ .)2‬كما أن طريقة ومراتب االعتماد التي أشرنا إليها في اعتماد البعثات بين الدول‪ ،‬ال وجود لها‬
‫في اعتماد البعثات لدى المنظمات الدولية‪ ،‬حيث ال ُي ُّ‬
‫عتد في التمثيل الدائم لدى المنظمة بمراتب رؤساء‬
‫البعثات نظ اًر لعدم وجود مراتب أصالً لرؤساء هذه البعثات‪ ،‬عالوة على استحالة إعمال مبدأ المعاملة‬
‫بالمثل بين الدولة المرسلة والمنظمة المعتمد لديها‪ .‬ولم تنص اتفااقية التمثيل لدى المنظمات الدولية لسنة‬
‫‪ 1691‬عن الجهة المكلفة باستالم خطاب االعتماد لديها‪ ،‬إال أن أصول الممارسة الدبلوماسية تقضي‬
‫بأن يقوم األمين العام للمنظمة باستالم أوراق اعتماد رؤساء البعثات الدائمة لدى المنظمة(‪.)3‬‬
‫هذا‪ ،‬ونشير أخي اًر إلى أن اعتماد البعثة الدبلوماسية يترتب عليه أثر اقانوني مهم‪ ،‬وهو مباشرة‬
‫أعضاء البعثة لمهامهم في الدولة المعتمدين لديها منذ تاريخ االعتماد‪ ،‬وبالتالي تمتع أعضاء البعثة‬
‫بالحصانات واالمتيازات منذ اللحظة التي يغادرون فيها دولتهم‪ ،‬وهو ما أشارت إليه المادة (‪ )11‬من‬
‫اتفااقية العالاقات الدبلوماسية(‪.)4‬‬
‫ثانيا‪ :‬تشليل البلثا الدبلوماسي والقنصلي‬
‫يتواقف نوع الموظفين في البعثات الدبلوماسية والقنصلية وعدد األعضاء فيها على طبيعة وتنوع‬
‫مجاالت التعاون بين الدول المتبادلة لتلك البعثات‪ ،‬وفيما يلي نتناول كل من تشكيلة البعثات الدبلوماسية‬
‫والقنصلية‪ ،‬من حيث نوعها وحجم الموظفين فيها بشكل مستقل‪.‬‬
‫الدبلوماسي ‪ :‬تتكون البعثة الدبلوماسية من مجموعة من األشخاص الذين توفدهم‬ ‫‪ -1‬تشليل البلثا‬
‫شكلون في مجموعهم أعضاء البعثة الدبلوماسية‬ ‫وي ِّ‬
‫دولتهم لتمثيلها لدى دولة أخرى أو منظمة دولية‪ُ ،‬‬
‫العاملين تحت سلطة رئيس البعثة‪ ،‬وذلك للقيام بوظائف دبلوماسية دائمة أو مؤاقتة‪ ،‬فما هي التركيبة‬
‫العضوية لهذه البعثات؟‬

‫(‪)1‬‬
‫منتصر سعيد حمودة‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.94‬‬
‫(‪)2‬‬
‫أوكيل محمد أمين‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.96‬‬
‫(‪)3‬‬
‫المرجع نقسه‪ ،‬ص ص ‪.41 ،41‬‬
‫(‪)4‬‬
‫تنص المادة (‪ )11‬على‪ -1" :‬يعتبر رئيس البعثة متولي ًا وظيفته في الدولة المعتمد لديها منذ تقديمه أوراق اعتماده أو منذ إعالنه لوصوله وتقديم صورة‬
‫طبق األصل عن أوراق اعتماده إلى و ازرة خارجية تلك الدولة أو أية و ازرة أخرى اقد يتفق عليها‪ ،‬وذلك وفقا لما جرى عليه العمل في الدولة المذكورة مع مراعاة‬
‫وحدة التطبيق"‪.‬‬

‫‪33‬‬
‫الفصل الثاني‪ :‬التمثيل الدبلوماس ي والقنصلي‬ ‫محاضرات في قانون العالقات الدبلوماسية والقنصلية‬

‫الدائم ‪ :‬تتضمن البعثة الدبلوماسية الدائمة مجموعة من األشخاص‪ ،‬يكون على‬ ‫أ‪ -‬تشليل البلثا‬
‫رأسهم شخص مسؤول يتمتع بالسلطة الرئاسية في مواجهة موظفي هذه البعثة واألفراد العاملين فيها(‪،)1‬‬
‫ويمكن تقسيم أعضاء البعثة الدبلوماسية على أساس مدى تمتعهم بالصفة الدبلوماسية إلى طائفتين‪ ،‬هما‪:‬‬
‫‪ -‬المبلوثون الدبلوماسيون‪ :‬وهم الموظفون الذين تعينهم الدولة الموفدة للعمل في البعثة الدبلوماسية‪،‬‬
‫وتشمل هذه الطائفة ما يلي‪:‬‬
‫‪ -‬ةئيس البلث ‪ :‬حسب المادة (‪/11‬أ) من اتفااقية فيينا للعالاقات الدبلوماسية لسنة ‪ 1691‬فإن رئيس‬
‫البعثة هو الشخص الذي تُكلِّفه الدولة المعتمدة بالتصرف بهذه الصفة‪ ،‬أي هو الذي يرأس البعثة‬
‫ويمل دولته لدى الدولة المستقبلة‪ ،‬وهو المسؤول المباشر عن جميع أعضاء البعثة(‪.)2‬‬
‫الدبلوماسية‪ُ ،‬‬
‫وينفرد اقانون كل دولة ببيان الشروط التي يجب توافرها للتعيين في وظائف السلك الدبلوماسي‪،‬‬
‫وبيان ما يجب أن يكون متوف اًر في رؤساء البعثات الدبلوماسية من شروط خاصة‪ ،‬وعادة ما يرأس البعثة‬
‫دبلوماسي من فئة سفير أو وزير مفوض(‪ ،)3‬لكن في بعض األحيان اقد يرأسها دبلوماسي من فئة اقائم‬
‫باألعمال‪ ،‬وبالنسبة لبعثات بابا الفاتيكان لدى الدول المسيحية يكون رئيس البعثة من فئة اقاصد رسولي‬
‫أو اقاصد رسولي وكيل‪ ،‬وهو ما أشارت إليه المادة (‪ )1/18‬من اتفااقية العالاقات الدبلوماسية(‪ .)4‬و َّ‬
‫أكدت‬
‫الفقرة الثانية من ذات المادة أن هؤالء ال يتمايزون في الحصانات واالمتيازات الدبلوماسية‪ ،‬إال فيما يتعلق‬
‫بحق التقدم و"االتيكيت"‪.‬‬
‫ويعهد لهم‬
‫‪ -‬الموظفون الدبلوماسيون‪ :‬وهم األشخاص الذين يشغلون مناصب وظيفية دبلوماسية‪ُ ،‬‬
‫بالعمل تحت إشراف رئيس البعثة ويساعدونه في القيام بالوظائف الدبلوماسية المختلفة(‪ ،)5‬وهؤالء‬
‫الموظفون يتدرجون من درجة مستشار إلى سكرتير أول وثاني وثالث وملحق(‪.)6‬‬
‫‪ -‬اللاملون في البلث من غية الدبلوماسيين‪ :‬يتكون هؤالء من مجموع الموظفين الذين يقومون بمهام‬
‫ثانوية ليست من صميم الوظيفة الدبلوماسية لكنها ضرورية في عمل البعثة ككل‪ ،‬لذلك فهم ال يتمتعون‬
‫بالصفة الدبلوماسية‪ ،‬ويشمل هذا الصنف الموظفون اإلداريون والفنيون‪ ،‬ومستخدمو البعثة ممن يقومون‬

‫(‪)1‬‬
‫اللةااي – دراسة مقارنة بالتشريعات‬ ‫البخيت مصطفى سالم‪ ،‬تغريد محمد اقدوري‪ ،‬التنظيم القانوني للتليين في الوظائف الدبلوماسي وفقا للتشةيلا‬
‫الجزائرية واتفااقية فيينا للعالاقات الدبلوماسية ‪ ،-‬المجلة األكاديمية للبحث القانوني‪ ،‬كلية الحقوق والعلوم السياسية‪ ،‬جامعة بجاية‪ ،‬بجاية‪ ،‬العدد ‪ ،11‬المجلد‬
‫‪ ،1114 ،16‬ص ‪.119‬‬
‫(‪)2‬‬
‫غازي حسن صباريني‪ ،‬الدبلوماسي الملاصة – دراسة مقارنة ‪ ،-‬ط‪ ،1‬دار الثقافة للنشر والتوزيع‪ ،‬عمان‪ ،‬األردن‪ ،1116 ،‬ص ‪.64‬‬
‫(‪)3‬‬
‫البخيت مصطفى سالم‪ ،‬تغريد محمد اقدوري‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.114‬‬
‫(‪)4‬‬
‫نصت المادة (‪ )1/18‬من اتفااقية العالاقات الدبلوماسية على أن رؤساء البعثات ينقسمون إلى الفئات الثالث التالية‪ :‬أ‪ -‬السفراء أو القاصدون الرسوليون‬
‫المعتمدون لدى رؤساء الدول‪ ،‬ورؤساء البعثات اآلخرون ذوو الرتبة المماثلة‪ .‬ب‪ -‬المندوبون والوزراء المفوضون والقاصدون الرسوليون الوكالء المعتمدون‬
‫لدى رؤساء الدول‪ .‬ج‪ -‬القائمون باألعمال المعتمدون لدى وزراء الخارجية"‪.‬‬
‫(‪)5‬‬
‫البخيت مصطفى سالم‪ ،‬تغريد محمد اقدوري‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.114‬‬
‫(‪)6‬‬
‫غازي حسن صباريني‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.64‬‬

‫‪33‬‬
‫الفصل الثاني‪ :‬التمثيل الدبلوماس ي والقنصلي‬ ‫محاضرات في قانون العالقات الدبلوماسية والقنصلية‬

‫بأعمال الصيانة والحراسة وسائقو السيارات التابعة للبعثة‪ ،‬وكذلك الخدم الخصوصيون الذين يعملون في‬
‫الخدمة المنزلية لرئيس البعثة أو ألحد أعضائها ممن يتمتعون بالصفة الدبلوماسية(‪.)1‬‬
‫والتمييز بين هذه الطوائف المختلفة من العاملين في البعثات الدبلوماسية له أهميته من الناحية‬
‫القانونية‪ ،‬فشروط وضوابط تعيين هؤالء في الدولة الموفدة ليست متماثلة بين الموظفين الدبلوماسيين‬
‫وغيرهم من العاملين غير الدبلوماسيين في البعثة‪ ،‬كما تختلف طريقة اقبولهم واستقبالهم في الدولة‬
‫المستقبلة‪ .‬أما من حيث مدى تمتعهم بالحصانات واالمتيازات الدبلوماسية‪ ،‬فإن العاملين الذين يتمتعون‬
‫بالصفة الدبلوماسية تثبت لهم جميع الحصانات واالمتيازات المقررة في اتفااقية العالاقات الدبلوماسية‪،‬‬
‫بخالف العاملين الذين ال يتمتعون بتلك الصفة‪ ،‬حيث يثبت لهم حصانات وامتيازات أاقل بكثير من‬
‫الصنف السابق كما سنرى‪ ،‬واقد َّ‬
‫أكدت هذا التمايز اتفااقية فيينا للعالاقات الدبلوماسية(‪.)2‬‬
‫هذا‪ ،‬ونشير أخي اًر إلى أن اتفااقية فيينا للعالاقات الدبلوماسية لم تنص على ضرورة أن تشمل البعثة‬
‫الدبلوماسية على كل هذه الفئات من العاملين‪ ،‬وال على ضرورة أن تكون البعثة محددة بعدد معين‪ ،‬وانما‬
‫تركت تنظيم ذلك لالتفااقيات الثنائية بين الدولتين المتبادلتين دبلوماسياً‪ ،‬ألن حجم هذه البعثات وعدد‬
‫أعضائها يتواقف بالدرجة األولى على حجم العالاقات الدولية بين هاتين الدولتين‪ ،‬بحيث كلما زادت هذه‬
‫العالاقات زاد حجم البعثة وكثر عدد أعضائها والعكس صحيح‪ ،‬كما يتواقف على بالدرجة الثانية على‬
‫القدرة المالية واالاقتصادية للدول(‪.)3‬‬
‫ب‪ -‬تشليل البلثا الخاص ‪ :‬حسب اتفااقية البعثات الخاصة لسنة ‪ ،1696‬فإن هذه البعثات ُيمكن أن‬
‫تتكون من ممثل واحد أو أكثر للدولة الموفدة‪ ،‬كما ُيمكن أن تضم أعضاء دبلوماسيين وآخرين إداريين‬
‫وفنيين وأفراداً للخدمة العامة‪ ،‬ويجوز أن تضم البعثة الخاصة فرداً واحداً أو أكثر من أعضاء البعثة‬
‫الدبلوماسية الدائمة للدولة الموفدة في الدولة المستقبلة‪ ،‬وفي هذه الحالة يحتفظ هؤالء األعضاء بالمزايا‬
‫والحصانات المقررة لهم بوصفهم أعضاء بعثة دبلوماسية دائمة‪ ،‬إلى جانب االمتيازات والحصانات التي‬
‫تمنحها لهم اتفااقية البعثات الخاصة(‪ .)4‬ولعل الغرض من وجودهم يرجع إلى معرفتهم بأحوال الدولة‬
‫المستقبلة أكثر من غيرهم‪ ،‬وذلك بسبب وجودهم شبه الدائم فيها‪ .‬لذلك يكون من الضروري وجود عضو‬
‫أو أكثر من البعثة الدبلوماسية الدائمة في تكوين البعثة الخاصة‪ ،‬لمساعدتها في أداء مهمتها ونجاحها‬
‫على أكمل وجه(‪.)5‬‬

‫(‪)1‬‬
‫البخيت مصطفى سالم‪ ،‬تغريد محمد اقدوري‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪ .114‬وعبد العزيز بن ناصر العبيكان‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.194‬‬
‫(‪)2‬‬
‫أنظر‪ :‬المادة (‪ )19‬من اتفااقية فيينا للعالاقات الدبلوماسية لسنة ‪.1691‬‬
‫(‪)3‬‬
‫أنظر في هذا المعنى‪ :‬منتصر سعيد حمودة‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.99‬‬
‫(‪)4‬‬
‫أنظر‪ :‬المادة (‪ )16‬من اتفااقية البعثات الخاصة لسنة ‪.1696‬‬
‫(‪)5‬‬
‫حرشاوي عالن‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.11‬‬

‫‪33‬‬
‫الفصل الثاني‪ :‬التمثيل الدبلوماس ي والقنصلي‬ ‫محاضرات في قانون العالقات الدبلوماسية والقنصلية‬

‫وفي ظل تعدد وتنوع مجاالت العالاقات الدولية (الفنية‪ ،‬الثقافية‪ ،‬االاقتصادية‪ ،‬البيئية‪ ،‬السياحية)‪،‬‬
‫فإن الشروط والكفاءات والخبرات الفنية التي يجب أن تتوافر في أعضاء البعثات الخاصة‪ ،‬األكيد أنها في‬
‫مستوى أعلى من تلك التي يجب توافرها في أعضاء البعثات الدائمة‪ ،‬حيث طبيعة مهمة البعثة الخاصة‬
‫حدد نوع تلك الكفاءات‪ ،‬كأن تضم أخصائيين في الشؤون االاقتصادية أو مهندسين متخصصين‬‫هي التي تُ ِّ‬
‫في المهمة التي من أجلها أرسلت البعثة الخاصة(‪.)1‬‬
‫هذا‪ ،‬ونشير إلى أن البعثات الخاصة مثلها مثل البعثات القنصلية ال ُيشترط في إيفادها حصول‬
‫اعتراف متبادل ُمسبق بين الدولة الموفدة والدولة المستقبلة‪ ،‬كما هو الحال بالنسبة للبعثات الدائمة‪ ،‬وهذا‬
‫يعني أن إرسال بعثة خاصة من دولة إلى دولة أخرى ال ُيفيد اعتراف أي منهما باألخرى(‪.)2‬‬
‫ج‪ -‬تشليل البلثا للمنظما الدولي ‪ :‬حسب اتفااقية فيينا المتعلقة بتمثيل الدول لدى المنظمات الدولية‬
‫لسنة ‪ ،1691‬فإن هذه البعثات باإلضافة إلى رئيس البعثة ُيمكن أن تتكون من موظفين دبلوماسيين‬
‫واداريين وفنيين وعاملين في خدمة البعثة(‪.)3‬‬
‫من خالل هذه المادة يتضح أن بعثات الدول الدائمة لدى المنظمات الدولية مثلها مثل بعثاتها‬
‫الدائمة والخاصة لدى الدول تتشكل من رئيس البعثة والموظفين الدبلوماسيين واإلداريين والفنيين والخدم‬
‫الخاص‪ ،‬وبالتالي تعتبر البعثات الدبلوماسية الدائمة في نيويورك‪ ،‬والتي تُمثِّل الدول لدى منظمة األمم‬
‫المتحدة بمثابة سفارات تتكون بصفة عامة من دبلوماسيين أكفاء ومهنيين(‪.)4‬‬
‫واذا كانت البعثات الدائمة للدول لدى المنظمات الدولية متشابهة من حيث تركيبتها البشرية للبعثات‬
‫الدائمة والخاصة بين الدول‪ ،‬فالفارق بينها هو نظام األسبقية والترتيب فيما يخص التشريفات أو‬
‫االتيكيت‪ ،‬حيث يتم فيما بين البعثات الدائمة لدى منظمة األمم المتحدة وفقاً لمعيار آلي وجامد‪ ،‬يتمثل‬
‫في الترتيب الهجائي ألسماء الدول‪ ،‬وهذا ما ورد في المادة (‪ )1/19‬من اتفااقية ‪ ،)5(1691‬وهذا خالف‬
‫العالاقات الدبلوماسية الثنائية أين يتم الترتيب واألسبقية وفقاً لمعيار زمني‪ ،‬يتمثل أساساً في تاريخ تقديم‬
‫أوراق االعتماد أو إخطار و ازرة الخارجية وتقديم صورة من أوراق االعتماد(‪.)6‬‬
‫ومهما كان نوع البعثات الدبلوماسية سواء كانت بين الدول فيما بينها أو بينها وبين المنظمات‬
‫الدولية‪ ،‬فإن اتفااقيات فيينا المتعلقة بالوظيفة الدبلوماسية نصت على أن أفراد أسرة المبعوث الدبلوماسي‬

‫(‪)1‬‬
‫حرشاوي عالن‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.11‬‬
‫(‪)2‬‬
‫عطا محمد صالح زهرة‪ ،‬أصول اللمل الدبلوماسي والقنصلي‪ ،‬ط‪ ،1‬مركز بحوث العلوم االاقتصادية‪ ،‬بنغازي‪ ،‬ليبيا‪ ،1668 ،‬ص ‪.116‬‬
‫(‪)3‬‬
‫أنظر‪ :‬المادة (‪ )11‬من اتفااقية فيينا حول تمثيل الدول لدى المنظمات الدولية ذات الصفة العالمية لسنة ‪.1691‬‬
‫(‪)4‬‬
‫بخدة صفيان‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.19‬‬
‫(‪)5‬‬
‫نصت المادة (‪ )1/19‬من اتفااقية سنة ‪ 1691‬على‪ " :‬األسبقية بين الممثلين الدائمين تتحدد وفق ترتيب هجائي ألسماء الدول كما تجري عليه العادة في‬
‫كل منظمة"‪.‬‬
‫(‪)6‬‬
‫بومكواز مسعودة‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.11‬‬

‫‪33‬‬
‫الفصل الثاني‪ :‬التمثيل الدبلوماس ي والقنصلي‬ ‫محاضرات في قانون العالقات الدبلوماسية والقنصلية‬

‫يتمتعون بالصفة الدبلوماسية فيما يتعلق بمنحهم الحصانات واالمتيازات الدبلوماسية التي يتمتع بها‬
‫المبعوث الدبلوماسي‪ ،‬كما سنرى‪.‬‬
‫القنصلي ‪ :‬تسهر البعثات القنصلية على رعاية وحماية مصالح مواطني دولها في‬ ‫‪ -2‬تشليل البلثا‬
‫الدولة المعتمد لديها‪ ،‬ومن ثم فهي ال تتمتع بالصفة التمثيلية لدولها وبالتالي ال يتمتع أعضاؤها بالصفة‬
‫الدبلوماسية‪ ،‬وان كانوا يتمتعون بجملة من الحصانات واالمتيازات التي هي في جميع األحوال أاقل مما‬
‫يتمتع به األشخاص الذين يحملون الصفة الدبلوماسية‪ .‬إال أن غالبية الدول المعتمدة تحاول في الواقت‬
‫الحاضر منح القناصل الصفة الدبلوماسية عن طريق إشعار الدولة المعتمد لديها بأن هؤالء يحملون‬
‫الصفة الدبلوماسية ويعملون في البعثة الدبلوماسية بصفة سكرتير أول أو ثاني‪ ،‬إال أن بعثتهم تُنسبهم‬
‫للقيام باألعمال القنصلية‪ ،‬فيصبح القنصل في هذه الحالة دبلوماسياً ولكنه مكلف بأعمال اقنصلية(‪.)1‬‬
‫وتتكون كل بعثة اقنصلية من مجموعة من الموظفين والعاملين‪ ،‬يعملون تحت سطلة واشراف رئيس‬
‫البعثة القنصلية‪ ،‬وفيما يلي توضيح ذلك‪:‬‬
‫أ‪ -‬ةئيس البلث القنصلي ‪ :‬نصت الفقرة (‪/1‬ج) من المادة األولى من اتفااقية فيينا للعالاقات القنصلية‬
‫على أن رئيس البعثة القنصلية هو الشخص المكلف للقيام بالعمل بتلك الصفة في البعثة‪ ،‬واقد حصرت‬
‫المادة (‪ )16‬من ذات االتفااقية رئاسة البعثات القنصلية في أربع فئات من القناصل‪ ،‬وهم‪:‬‬
‫‪ -‬القنصل اللام‪ :‬وهو أرفع درجات البعثة القنصلية‪ ،‬يشرف على جميع موظفي البعثة القنصلية بجميع‬
‫درجاتها ومراتبها‪.‬‬
‫‪ -‬القنصل‪ :‬يباشر مهام الوظيفة القنصلية في دائرة اقنصلية معينة تكون أاقل أهمية من الدوائر التي ُي َّ‬
‫عين‬
‫بها القنصل العام‪.‬‬
‫‪ -‬نائب القنصل‪ :‬يساعد القنصل العام أو القنصل عند اقيامه بأعباء وظيفته‪ ،‬ويتمتع نائب القنصل‬
‫بالصفة القنصلية‪ ،‬مما يسمح له القيام باالختصاصات القنصلية في حالة غياب أحدهما‪.‬‬
‫‪ -‬القنصل الوليل‪ :‬يعهد إليه بإدارة وكاالت اقنصلية يتم إنشاؤها باتفاق خاص بين الدولتين المعنيتين‪،‬‬
‫وي َّ‬
‫عين من اقبل القنصل العام أو القنصل‪ ،‬ويعمل تحت سلطته في مدينة تقع في دائرة اختصاصه(‪.)2‬‬ ‫ُ‬
‫وُي َّ‬
‫صنف القناصل حسب المادة (‪ )1/11‬من اتفااقية العالاقات القنصلية إلى اقناصل مسلكيون أو‬
‫مبعوثون‪ ،‬وهم المشار إليهم أعاله الذين ُيعينون من اقبل دولهم للقيام بالوظائف القنصلية في الدول‬
‫الموفدين إليها‪ ،‬بشكل دائم ومنتظم لقاء أجر ُيدفع إليهم نظير عملهم‪ ،‬وال ُيسمح لهم القيام بأي نشاط‬
‫مهني في الدولة المضيفة يخرج عن وظائهم القنصلية‪ ،‬والى جانبهم القناصل الفخريون أو المختارون وهم‬

‫(‪)1‬‬
‫سهيل حسين الفتالوي‪ ،‬الدبلوماسية بين النظرية والتطبيق‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ص ‪.118 ،111‬‬
‫(‪)2‬‬
‫القنصلي ‪ ( ،‬مذكرة ماجستير في القانون العام‪ ،‬كلية الحقوق‪ ،‬جامعة‬ ‫مايا الدباس‪ ،‬ماهر ملندي‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪ .119‬وبن صاف فرحات‪ ،‬اللقااا‬
‫اقسنطينة‪ ،)1118/1111 ،1‬ص ص ‪.99 ،91‬‬

‫‪33‬‬
‫الفصل الثاني‪ :‬التمثيل الدبلوماس ي والقنصلي‬ ‫محاضرات في قانون العالقات الدبلوماسية والقنصلية‬

‫سمون في السابق بالقناصل التجاريون‪ ،‬بحيث يتم اختيارهم من بين رجال األعمال أو‬ ‫الذين كانوا ُي ُّ‬
‫التجار‪ ،‬وهم في الغالب يحملون جنسية البلد الذي يقيمون فيه‪ ،‬فتعهد إليهم دولة أجنبية بتمثيل مصالح‬
‫رعاياها في ذلك البلد‪ ،‬كما يمكن أن يكونوا من رعايا الدولة الموفدة أو دولة ثالثة‪ .‬وهؤالء ليسوا موظفين‬
‫لدى الدول التي يمثلونها وفي الغالب يقومون بمهامهم بدون أي مقابل أو يتقاضون منها مرتبات رمزية‪،‬‬
‫لذلك ُيسمح لهم بممارسة أعمال وأنشطة أخرى في الدولة المضيفة يتقاضون عليها أج اًر(‪.)1‬‬
‫وحسب المادة (‪ )11‬من اتفااقية العالاقات القنصلية يتم تعيين رئيس البعثة القنصلية وفقاً لقوانين‬
‫وأنظمة الدولة الموفدة‪ ،‬ثم يتم اقبولهم من طرف الدولة الموفد إليها‪ ،‬واقد جرى العرف على أن يختص‬
‫رئيس الدولة أو وزير خارجيتها بتعيين رئيس البعثة القنصلية وأعضائها في الخارج(‪.)2‬‬
‫ويتم اعتماد رئيس البعثة القنصلية وأعضاؤها في الدولة المضيفة بناء على كتاب التفويض‬
‫القنصلي أو ما ُيسمى بـ‪" :‬البراءة القنصلية"‪ ،‬والذي يتضمن المعلومات الخاصة بصفة رئيس البعثة واسمه‬
‫الكامل ودرجته وحدود صالحياته ومركز بعثته القنصلية(‪ .)3‬غير أن رئيس البعثة ال يمكنه مباشرة مهامه‬
‫إال بناء على ترخيص أو إذن يجيز له ذلك‪ ،‬تمنحه إياه الدولة المستقبلة بموجب وثيقة تُسمى "اإلجازة‬
‫القنصلية"‪ ،‬لكن تلقي الدولة المستقبلة لكتاب التفويض القنصلي ال ُيلزمها بمنح اإلجازة القنصلية تلقائياً‪،‬‬
‫بل يبقى األمر خاضعاً لسلطتها التقديرية‪ ،‬وفي حالة رفضها منح اإلجازة القنصلية فهي غير ملزمة كذلك‬
‫بإبالغ الدولة الموفدة بأسباب رفضها(‪.)4‬‬
‫ب‪ -‬أعضاء البلث القنصلي ‪ :‬إلى جانب رئيس البعثة تتألف البعثة القنصلية من مجموعة من الموظفين‬
‫القنصليين والمستخدمين يختلف عددهم من بعثة إلى أخرى حسب أهمية وحجم العالاقات والمصالح بين‬
‫الدولتين المعنيتين‪ ،‬حيث ال يوجد اقاعدة في القانون الدولي تُ ِّ‬
‫حدد عدد موظفي البعثة القنصلية‪ ،‬فالمسألة‬
‫متروكة التفاق الدولتين المعنيتين‪ ،‬غير أنه في حالة عدم وجود هذا االتفاق الصريح يجوز للدولة‬
‫المضيفة تقييد حجم البعثة القنصلية في حدود ما تعتبره معقوالً وعادياً بالنظر التساع المنطقة القنصلية‬
‫واحتياجات العمل لكل بعثة(‪.)5‬‬
‫واذا كانت اتفااقية فيينا لسنة ‪ 1691‬اقد منحت الدولة الموفدة مطلق الحرية في تعيين أعضاء‬
‫بعثتها القنصلية‪ ،‬فإنها اقد منحت في مقابل ذلك للدولة المستقبلة ذات القدر من الحرية في اقبول أو عدم‬
‫اقبول أي شخص من أعضاء تلك البعثة‪ ،‬بل وحتى اإلعالن بأنه شخص لم يعد مرغوباً فيه حتى بعد‬
‫اقبوله‪ ،‬وفي هذه الحالة يتعين على الدولة الموفدة اتخاذ اإلجراءات المتعلقة باستبداله خالل مدة معقولة‪،‬‬

‫(‪)1‬‬
‫عبد الفتاح علي الرشدان‪ ،‬محمد خليل الموسى‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ص ‪ .111 ،111‬وغازي حسن صباريني‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.119‬‬
‫(‪)2‬‬
‫مايا الدباس‪ ،‬ماهر ملندي‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.119‬‬
‫(‪)3‬‬
‫أنظر‪ :‬المادة (‪ )11‬من اتفااقية فيينا للعالاقات القنصلية لسنة ‪.1691‬‬
‫(‪)4‬‬
‫أنظر‪ :‬المادة (‪ )11‬من اتفااقية فيينا للعالاقات القنصلية لسنة ‪.1691‬‬
‫(‪)5‬‬
‫أنظر‪ :‬المادة (‪ )11‬من اتفااقية فيينا للعالاقات القنصلية لسنة ‪.1691‬‬

‫‪34‬‬
‫الفصل الثاني‪ :‬التمثيل الدبلوماس ي والقنصلي‬ ‫محاضرات في قانون العالقات الدبلوماسية والقنصلية‬

‫واال جاز للدولة المضيفة أن تسحب منه اإلجازة القنصلية‪ ،‬أو عدم اعتباره في عداد موظفي البعثة‬
‫القنصلية(‪.)1‬‬
‫واذا كان األصل في موظفي البعثة القنصلية أن ُيعيَّنوا من رعايا الدولة الموفدة‪ ،‬إال أنه يجوز‬
‫تعيينهم من رعايا الدولة المضيفة أو دولة ثالثة بعد أخذ موافقة الدولة المضيفة الصريحة والمسبقة‪ ،‬على‬
‫أن تبقى تحتفظ بحق سحب هذه الموافقة متى شاءت‪ ،‬سواء بالنسبة للموظفين القنصليين الذين من‬
‫رعاياها أو من رعايا الدولة الثالثة(‪.)2‬‬
‫وعموماً يتكون أعضاء البعثة من غير القناصل من عدد ٍ‬
‫كاف من الموظفين اإلداريين والفنيين من‬
‫الكتبة والمترجمين وأمناء المحفوظات وكذا العمال والحرس‪ ،‬وهؤالء ليسوا من ذوي الدرجات القنصلية‪،‬‬
‫وبالتالي فهم في األصل ال يباشرون الوظائف القنصلية‪ ،‬إال أنه يمكن تكليف أحدهم بمباشرة وظيفة‬
‫اقنصلية معينة تحت إشراف رئيس البعثة القنصلية(‪.)3‬‬
‫المطلب الثاني‪ :‬وظائف وواهجبا البلثا الدبلوماسي والقنصلي‬
‫تضطلع البعثات الدبلوماسية والقنصلية باعتبارها مرافق عامة من مرافق الدولة على أاقاليم الدول‬
‫األخرى‪ ،‬واألداة الرئيسية للتواصل بين الدولة الموفدة والدولة الموفد لديها‪ ،‬بعدد من المهام والوظائف في‬
‫الدولة الموفد لديها لصالح الدولة الموفدة‪ ،‬والتي تتباين وتختلف بين البعثات الدبلوماسية والقنصلية‪ ،‬وفي‬
‫المقابل تفرض اتفااقيات فيينا للعالاقات الدبلوماسية والقنصلية مجموعة من الواجبات والقيود لصالح الدولة‬
‫الموفد لديها‪ ،‬ونستعرض في الفروع الثالث الموالية وظائف البعثات الدبلوماسية‪ ،‬ثم وظائف البعثات‬
‫القنصلية‪ ،‬وأخي اًر واجبات البعثات الدبلوماسية والقنصلية‪.‬‬
‫الفةع األول‪ :‬وظائف البلثا الدبلوماسي‬
‫تُرسل الدولة عادة بعثات دبلوماسية دائمة للدول األخرى وللمنظمات الدولية‪ ،‬كما ترسل بعثات‬
‫أخرى خاصة ومؤاقتة للدول مكلفة بمهام خاصة تختلف عن المهام العامة التي تؤديها البعثات الدائمة‪،‬‬
‫قسم هذا الفرع إلى بندين‪ ،‬نتناول في األول وظائف البعثات الدبلوماسية الدائمة‪ ،‬وفي الثاني‬
‫لذلك ُن ِّ‬
‫وظائف البعثات الدبلوماسية الخاصة‪.‬‬
‫أولا‪ :‬وظائف البلثا الدبلوماسي الدائم‬
‫لم تتضمن اتفااقية فيينا للعالاقات الدبلوماسية تحديداً حصرياً لوظائف البعثات الدبلوماسية الدائمة‪،‬‬
‫وانما اكتفت المادة (‪ )11‬منها بتحديد أهم الوظائف الدبلوماسية التقليدية المتداولة في إطار العالاقات‬
‫الدبلوماسية بين الدول‪ ،‬بقولها‪" :‬تتألف أهم وظائف البعثة الدبلوماسية مما يلي‪ ،"... :‬مما ُيفيد بأنها َّ‬
‫تبنت‬

‫(‪ )1‬أنظر‪ :‬المادتين (‪ )16‬و(‪ )11‬من اتفااقية فيينا للعالاقات القنصلية لسنة ‪.1691‬‬
‫(‪ )2‬أنظر‪ :‬المادة (‪ )11‬من اتفااقية فيينا للعالاقات القنصلية لسنة ‪.1691‬‬
‫(‪)3‬‬
‫أبو الخير أحمد عطية‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪ .994‬ومنتصر سعيد حمودة‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.111‬‬

‫‪34‬‬
‫الفصل الثاني‪ :‬التمثيل الدبلوماس ي والقنصلي‬ ‫محاضرات في قانون العالقات الدبلوماسية والقنصلية‬

‫نظام الوظائف المفتوح‪ ،‬ألن الوظائف المذكورة في تلك المادة وردت على سبيل المثال واألهمية‪ ،‬لتترك‬
‫المجال مفتوحاً لتلك البعثات لممارسة أي وظيفة تتفق عليها الدول في عالاقاتها الثنائية(‪.)1‬‬
‫واقد سارت اتفااقية تمثيل الدول لدى المنظمات الدولية لسنة ‪ 1691‬على نسق اتفااقية العالاقات‬
‫الدبلوماسية لسنة ‪ 1691‬باعتمادها نظام الوظائف المفتوح‪ ،‬حين نصت المادة (‪ )19‬منها على أهم‬
‫االختصاصات التي تقوم بها البعثات الموفدة من طرف الدول لدى المنظمة الدولية‪ ،‬ولم تنص على‬
‫حصرها‪ ،‬وأغلب هذه االختصاصات تتماثل في نوعها مع تلك التي تمارسها البعثات الدبلوماسية المعتمدة‬
‫لدى الدول‪ ،‬ولكن هذا التماثل ال يعني بالضرورة أنها متطابقة في مضمونها أو في كيفية أدائها(‪.)2‬‬
‫وعموماً تتمثل تلك الوظائف فيما يلي‪:‬‬
‫‪ -1‬وظيف التمثيل‪ :‬تُ ُّ‬
‫عد وظيفة التمثيل من أهم الوظائف الدبلوماسية‪ ،‬ويتولى هذه المهمة التمثيلية رئيس‬
‫البعثة الدبلوماسية أو من يقوم مقامه في حالة غيابه أو خلو منصبه(‪ ،)3‬واقد نصت على هذه الوظيفة‬
‫اتفااقية فيينا للعالاقات الدبلوماسية في ديباجتها والمادة (‪/1/11‬أ)‪ ،‬وتتلخص هذه المهمة في حضور‬
‫رئيس البعثة أو من ينوبه لالحتفاالت والمناسبات واألعياد الوطنية واالجتماعات التي تدعو لها الدولة‬
‫المستقبلة أو الهيئات الدبلوماسية األجنبية(‪ ،)4‬وعموماً تقوم البعثة من خالل هذه الوظيفة بكل مظاهر‬
‫التمثيل السياسي من خالل معالجة كل المواضيع التي تهم دولتها‪ ،‬فهي التي تُ ِّ‬
‫عبر عن وجهة نظرها‬
‫وتطلعاتها في الدولة المضيفة‪ ،‬عن طريق المذكرات والتقارير المكتوبة أو بإجراء اتصاالت شفوية‬
‫متبادلة(‪.)5‬‬
‫أما بالنسبة لمهام التمثيل التي تمارسها البعثات المعتمدة لدى المنظمات الدولية‪ ،‬فهي ال تقل في‬
‫أهميتها عن تلك الممارسة بين الدول‪ ،‬غير أن أساليب إجرائها تختلف عن هذه األخيرة‪ ،‬فبمقتضى هذه‬
‫الوظيفة التمثيلية تقوم البعثة الدائمة لدى المنظمة بتقديم االاقتراحات في المسائل المطروحة للنقاش في‬
‫إطار المنظمة ‪ ،‬وتقوم بالتصويت نيابة عن دولتها على مشاريع الق اررات واللوائح التي تصدر في نطاق‬
‫اختصاص المنظمة‪ ،‬كما تقوم البعثة بالعمل على توطيد الصلة بالجهاز اإلداري للمنظمة المعتمدة لديها‪،‬‬
‫وببعثات الدول األخرى المعتمدة لدى ذات المنظمة(‪.)6‬‬
‫واذا كانت مهام التمثيل التي يمارسها رئيس البعثة لدى الدول األخرى عامة وشاملة ويقوم بها أمام‬
‫جميع هيئات الدولة المضيفة دون استثناء‪ ،‬فإن اقيام بعثات الدول لدى المنظمات الدولية بالمهام التمثيلية‬

‫(‪)1‬‬
‫أنظر في هذا المعنى‪ :‬أوكيل محمد أمين‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.48‬‬
‫(‪)2‬‬
‫أوكيل محمد أمين‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.48‬‬
‫(‪)3‬‬
‫سهيل حسين الفتالوي‪ ،‬الدبلوماسية بين النظرية والتطبيق‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.189‬‬
‫(‪)4‬‬
‫غازي حسن صباريني‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.119‬‬
‫(‪)5‬‬
‫مايا الدباس‪ ،‬ماهر ملندي‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.89‬‬
‫(‪)6‬‬
‫أوكيل محمد أمين‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.41‬‬

‫‪34‬‬
‫الفصل الثاني‪ :‬التمثيل الدبلوماس ي والقنصلي‬ ‫محاضرات في قانون العالقات الدبلوماسية والقنصلية‬

‫ال يتم في كل األحوال أمام جميع فروع المنظمة‪ ،‬حيث يمكن أن ينحصر مجال رئيس البعثة في تمثيل‬
‫دولته لدى فرع واحد فقط من فروع المنظمة‪ ،‬وذلك بحسب إرادة دولته(‪.)1‬‬
‫واذا كان األصل العام يقضي بأن رئيس البعثة الدبلوماسية ال ُيمثِّل دولته إال في دولة مضيفة‬
‫واحدة‪ ،‬إال أن اتفااقية العالاقات الدبلوماسية أجازت للدولة الموفدة اعتماد نظام التمثيل المتعدد‪ ،‬أي اعتماد‬
‫رئيس بعثة أو انتداب أحد الموظفين الدبلوماسيين لدى عدة دول أو حتى منظمات دولية في نفس الواقت‬
‫ما لم تعترض صراحة إحدى الدول المستقبلة على ذلك‪ .‬كما أجازت االتفااقية من جهة أخرى للدولة‬
‫الموفدة اعتماد نظام التمثيل المشترك‪ ،‬أي اشتراك عدة دول في اعتماد شخص واحد كرئيس بعثة مشترك‬
‫لدى دولة أخرى‪ ،‬ما لم تعترض الدولة المستقبلة على ذلك(‪.)2‬‬
‫استثناء باعتماد نظام التمثيل المتعدد والمشترك يمكن في رغبة‬
‫ً‬ ‫ولعل السبب من وراء السماح للدول‬
‫المجموعة الدولية لمساعدة الدول الصغيرة والضعيفة الموارد المالية والفنية لتخطي عائق التكاليف‬
‫الباهضة التي يتطلبها التمثيل الدبلوماسي(‪.)3‬‬
‫‪ -2‬وظيف التفاوض‪ :‬من الطبيعي جداً أن تعهد الدولة إلى بعثتها الدبلوماسية لدى الدولة المستقبلة‬
‫بإجراء المفاوضات مع هذه األخيرة على مختلف الموضوعات والمسائل ذات االهتمام المشترك‪ ،‬ألن‬
‫الوظيفة الدبلوماسية اقائمة أساساً على علم إدارة العالاقات الخارجية وفن إدارة المفاوضات على ٍّ‬
‫حد سواء‪،‬‬
‫وعليه اعتبرت اتفااقية ‪ 1691‬التفاوض من المهام الرئيسية للبعثة(‪ ،)4‬القائم أساساً على االتصال والتباحث‬
‫والتباحث مع حكومة الدولة المضيفة؛ إذ تمارسه البعثة للتوفيق بين المصالح المتعارضة وتقريب وجهات‬
‫النظر ومنااقشة المسائل الثنائية والعمل على تسويتها‪ .‬والتفاوض ليس مفهوماً ضيقاً يقتصر فقط على‬
‫التحضير واإلعداد للمعاهدات الدولية والتواقيع عليها‪ ،‬بل يتسع ألكثر من ذلك‪ ،‬حيث تتخذه البعثة كأداة‬
‫لمعالجة جميع القضايا مع الدولة المضيفة والسعي لحلها بكافة السبل المتاحة(‪.)5‬‬
‫واقد اعتبرت اتفااقية ‪ 1691‬أيضاً أن المفاوضات التي تجريها بعثات الدول لدى المنظمات الدولية‬
‫تعتبر من صميم مهام تلك البعثات(‪ ،)6‬فهي تتم مع المنظمة المعنية وفي نطااقها‪ ،‬وبالتالي فإن التفاوض‬
‫يجري بين البعثة الدبلوماسية والمنظمة المعتمد لديها ممثلة في جهازها اإلداري‪ ،‬كما ُيقام أيضاً بين البعثة‬

‫(‪)1‬‬
‫أوكيل محمد أمين‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.41‬‬
‫(‪)2‬‬
‫أنظر‪ :‬المادتين (‪ )11‬و(‪ )19‬من اتفااقية فيينا للعالاقات الدبلوماسية لسنة ‪.1691‬‬
‫(‪)3‬‬
‫علي حسين الشامي‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.161‬‬
‫(‪)4‬‬
‫أنظر‪ :‬المادة (‪/1/11‬ج) من اتفااقية فيينا للعالاقات الدبلوماسية لسنة ‪.1691‬‬
‫(‪)5‬‬
‫أوكيل محمد أمين‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ص ‪.49 ،41‬‬
‫(‪)6‬‬
‫أنظر‪ :‬المادة (‪/19‬ج) من اتفااقية فيينا حول تمثيل الدول في عالاقاتها مع المنظمات الدولية ذات الطابع العالمي لسنة ‪.1691‬‬

‫‪33‬‬
‫الفصل الثاني‪ :‬التمثيل الدبلوماس ي والقنصلي‬ ‫محاضرات في قانون العالقات الدبلوماسية والقنصلية‬

‫الدبلوماسية وغيرها من البعثات المعتمدة لدى ذات المنظمة من اقبل الدول األعضاء فيها‪ ،‬وهذا هو المراد‬
‫من التفاوض الذي يجري في نطاق المنظمة على حد وصف المادة (‪/19‬ج) من اتفااقية ‪.)1(1691‬‬
‫وفيما يتعلق بصالحية رئيس البعثة للقيام بمهام التفاوض نيابة عن دولته تلقائياً‪ ،‬فإن اتفااقية تمثيل‬
‫الدول لدى المنظمات الدولية لسنة ‪ 1691‬في مادتها (‪ )11‬اقد منحت رئيس البعثة هذه الصالحية بشكل‬
‫مطلق دون الحاجة لتقديم أوراق التفويض‪ ،‬وهذا بخالف اتفااقية ‪ 1691‬التي لم تبين هذه الصالحية‬
‫بالتفصيل واكتفت بالنص على التفاوض كإحدى وظائف البعثة فقط‪ ،‬غير أن اتفااقية فيينا لقانون‬
‫المعاهدات التي تُبرمها الدول فيما بينها لسنة ‪ 1696‬اقد استدركت هذا القصور في مادتها (‪،)1/19‬‬
‫والتي منحت رؤساء البعثات الدبلوماسية صراحة صالحية التفاوض نيابة عن دولهم بشأن إبرام‬
‫المعاهدات وااق ار ار نصوصها كذلك‪ ،‬دون الحاجة إلبراز وثيقة التفويض لهذه الغاية(‪.)2‬‬
‫‪ -3‬حماي مصالح الدول الموفد ‪ :‬أدرجت اتفااقية العالاقات الدبلوماسية لسنة ‪ 1691‬هذه الوظيفة ضمن‬
‫أهم الوظائف الدبلوماسية‪ ،‬وذلك في المادة (‪/1/11‬ب) بقولها‪" :‬حماية مصالح الدولة المعتمدة ومصالح‬
‫قرها القانون الدولي"‪ ،‬وبالتالي فإن اقيام البعثة بهذه‬
‫رعاياها في الدولة المعتمد لديها‪ ،‬ضمن الحدود التي ُي ِّ‬
‫الوظيفة يفترض أن تكون تلك المصالح في خطر‪ ،‬وتحتاج فعالً إلى حماية‪ ،‬وال ُيعد مجرد اقيام البعثة‬
‫بالدفاع عن المصالح المذكورة تدخالً غير مشروع في الشؤون الداخلية للدولة المضيفة‪ ،‬وذلك ألن عدم‬
‫تدخل البعثة يعني ترك المصالح دون حماية(‪.)3‬‬
‫وال شك أن هذه الحماية تستهدف بالدرجة األولى أموال الدولة الموفدة ومصالحها السياسية‬
‫واالاقتصادية والثقافية‪ ،‬كما تستهدف في الدرجة الثانية رعاية مصالح رعايا الدولة الموفدة‪ ،‬خصوصاً فيما‬
‫يتعلق بمواضيع الهجرة واإلاقامة‪ ،‬وشروط العمل والضمان االجتماعي‪ ،‬والدراسة والسياحة‪ ،‬ومنح جوازات‬
‫السفر والتأشيرات وتجديدها(‪ ،)4‬واذا تعرض رعايا تلك الدولة ألية أضرار فإن البعثة الدبلوماسية تنوب‬
‫عنهم للمطالبة بالتعويض عن طريق الحماية الدبلوماسية‪ ،‬وذلك بالتدخل لدى حكومة الدولة المعتمد لديها‬
‫عن طريق المساعي الدبلوماسية‪ ،‬ولكن بشرط أن يكون المتضرر حامالً لجنسية الدولة الموفدة‪ ،‬وأن‬
‫يكون اقد استنفذ جميع طرق الطعن القانونية أمام الهيئات الرسمية للدولة المستقبلة‪ ،‬وأال يكون اقد تسبب‬
‫بخطئه في حدوث الضرر الذي أصابه(‪.)5‬‬
‫هذا عن وظيفة حماية المصالح في إطار الدبلوماسية الثنائية‪ ،‬أما في إطار دبلوماسية المنظمات‬
‫الدولية فإنها تأخذ مفهوماً مزدوجاً‪ ،‬ذلك أن ايفاد بعثة دائمة للتمثيل لدى المنظمة الدولية ُي ُّ‬
‫عد أوالً مساهمة‬

‫(‪)1‬‬
‫أوكيل محمد أمين‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.49‬‬
‫(‪ )2‬المرجع نفسه‪ ،‬ص ‪ .33‬وعبد الفتاح علي الرشدان‪ ،‬محمد خليل الموسى‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.119‬‬
‫(‪)3‬‬
‫مايا الدباس‪ ،‬ماهر ملندي‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.89‬‬
‫(‪)4‬‬
‫المرجع نفسه‪ ،‬الصفحة نفسها‪.‬‬
‫(‪)5‬‬
‫منتصر سعيد حمودة‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ص ‪.91 ،91‬‬

‫‪33‬‬
‫الفصل الثاني‪ :‬التمثيل الدبلوماس ي والقنصلي‬ ‫محاضرات في قانون العالقات الدبلوماسية والقنصلية‬

‫من الدولة المرسلة في تحقيق أهداف المنظمة كما تنص عليه المادة (‪ )9/19‬من اتفااقية ‪ ،1691‬كما‬
‫يهدف في الواقت ذاته إلى حماية مصالح الدولة المرسلة في المنظمة كما تنص عليه المادة (‪ )9/19‬من‬
‫ذات االتفااقية‪ .‬غير أن البعثة لدى المنظمة ال تملك صالحية االدعاء لحماية مصالح األفراد على غرار‬
‫ما تقوم به البعثات الدبلوماسية لدى الدول إعماالً لحق الحماية الدبلوماسية(‪ ،)1‬لعدم إمكان ذلك‪.‬‬
‫في الدول المستقبل ‪ :‬بالرغم من أن المادة (‪ )9/11‬من ميثاق األمم‬ ‫‪ -4‬استطقاع األحوال والتطو اة‬
‫المتحدة أرست مبدأ عدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول‪ ،‬إال أن اتفااقية العالاقات الدبلوماسية في‬
‫مادتها (‪/1/11‬د) اعتبرت استطالع األحوال والتطورات في الدولة المضيفة من أهم وظائف البعثات‬
‫الدبلوماسية‪ ،‬وليس هناك تنااقض بين المادتين ألن مجرد استطالع ما يجري في الدولة المضيفة من‬
‫أحداث وتطورات سياسية وااقتصادية وغيرها‪ ،‬بغرض إبالغ دولته بها التخاذ مواقف معين والتعامل معها‬
‫بالشكل المناسب ال ُي ُّ‬
‫عد تدخالً في الشؤون الداخلية للدول‪ ،‬خصوصاً وأن اتفااقية العالاقات الدبلوماسية‬
‫اشترطت أن يتم االستطالع والحصول على المعلومات بالطرق المشروعة وليس عن طريق التجسس(‪.)2‬‬
‫الودي بين الدولتين‪ :‬لقد جاءت هذه الوظيفة الدبلوماسية التي أوردتها المادة‬ ‫‪ -5‬تلةية اللقااا‬
‫(‪/1/11‬ه) من اتفااقية العالاقات الدبلوماسية‪ ،‬متناغمة مع مقاصد األمم المتحدة المنصوص عليها في‬
‫المادة األولى من ميثااقها‪ ،‬والتي على رأسها إنماء العالاقات الودية بين األمم‪ ،‬باإلضافة إلى تحقيق‬
‫التعاون الدولي‪ ،‬وجعل األمم المتحدة مرك اًز لتنسيق الجهود الدولية وتوجيهها نحو تحقيق الغايات‬
‫المشتركة‪ ،‬كل ذلك لتحقيق المقصد األول المتمثل في الحفاظ على السلم واألمن الدوليين‪ .‬لذلك ُي ُّ‬
‫عد تبادل‬
‫التمثيل الدبلوماسي الوسيلة الفعالة التي تتمكن من خاللها الدول من تحقيق مقاصد األمم المتحدة‪،‬‬
‫باعتبارها تعمل على تقريب وجهات النظر المختلفة بين الدولتين في كل المجاالت‪ ،‬كما تعمل على‬
‫تعزيز الروابط بينهما‪ ،‬من خالل تذليل الخالفات والصعوبات بينهما(‪.)3‬‬
‫وباإلضافة إلى الوظائف األساسية للبعثة الدبلوماسية المنوه بها في المادة (‪ )1/11‬المذكورة‪ ،‬فإن‬
‫البعثة الدبلوماسية ُيمكن أن تضطلع بالمهام القنصلية في حالة عدم وجود بعثة اقنصلية للدولة‪ ،‬وهو ما‬
‫أشارت إليه ذات المادة في فقرتها الثانية بقولها‪ُ " :‬يحظر تفسير أي حكم من أحكام هذه االتفااقية على أنه‬
‫يمنع البعثة الدبلوماسية من مباشرة الوظائف القنصلية"‪ .‬كما ُيمكن للبعثة الدبلوماسية أن تضطلع مؤاقتاً‬
‫بالمهام الدبلوماسية لدولة ثالثة في حالة اقطع العالاقات الدبلوماسية بين تلك الدولة والدولة المضيفة(‪.)4‬‬

‫(‪ )1‬أوكيل محمد أمين‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.44‬‬


‫(‪)2‬‬
‫سهيل حسين الفتالوي‪ ،‬الدبلوماسية بين النظرية والتطبيق‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.189‬‬
‫(‪)3‬‬
‫المرجع نفسه‪ ،‬ص ‪.184‬‬
‫(‪)4‬‬
‫أنظر‪ :‬المادتين (‪ )81‬و(‪ )89‬من اتفااقية فيينا للعالاقات الدبلوماسية لسنة ‪.1691‬‬

‫‪33‬‬
‫الفصل الثاني‪ :‬التمثيل الدبلوماس ي والقنصلي‬ ‫محاضرات في قانون العالقات الدبلوماسية والقنصلية‬

‫ثاني ا‪ :‬وظائف البلثا الدبلوماسي الخاص‬


‫إن ما ُي ِّ‬
‫ميز البعثة الدبلوماسية الخاصة عن البعثة الدبلوماسية الدائمة‪ ،‬هو أن الثانية تتولى رعاية‬
‫جميع مصالح الدولة الموفدة ومصالح رعاياها في الدولة المعتمد لديها دون حصر أو اقيد‪ ،‬بينما األولى‬
‫ال تتولى إال مهمة أو مهام معينة بالذات‪ ،‬هي التي دعت الضرورة إلى إيفادها‪ ،‬والتي بتأديتها ينتهي دور‬
‫البعثة الخاصة(‪.)1‬‬
‫ولما كانت مهام ووظائف البعثات الخاصة تختلف وتتنوع على وجه يتعذر معه حصرها‪ ،‬فإن لجنة‬
‫القانون الدولي ارتأت أنه من غير المجدي تعداد كل األغراض التي من أجلها إيفاد البعثات الخاصة‪،‬‬
‫واكتفت بتقرير المبدأ وهو أن تخصيص مهمة البعثة الخاصة ينتج من االتفاق بين الدولتين على إيفادها‬
‫واقبولها(‪ ،)2‬وهو ما نصَّت عليه المادة (‪ )11‬من اتفااقية البعثات الخاصة لسنة ‪ 1696‬بقولها‪" :‬تُ َّ‬
‫حدد‬
‫وظائف البعثة الخاصة بتراضي الدولة الموفدة والدولة المستقبلة"‪.‬‬
‫ومن حيث األغراض التي ُيمكن أن تُوفد من أجلها البعثات الخاصة‪ُ ،‬يمكن أن ُنميِّز بين نوعين‬
‫من هذه البعثات‪ ،‬هما(‪:)3‬‬
‫سياسي ‪ :‬وهي تلك البعثات التي تتولى القيام بمهام سياسية بحتة‪ ،‬وهذا هو النمط المعتاد‬ ‫‪ -1‬بلثا‬
‫للبعثات الخاصة الذي كان معروفاً في الحياة الدولية‪ ،‬وال يعكس بذلك ظاهرة جديدة نشأت عن تطور‬
‫العالاقات بين الدول في العصر الحديث‪.‬‬
‫فني ‪ :‬على خالف البعثات السابقة‪ ،‬يضطلع هذا النوع من البعثات بمهام فنية تتنوع وتتعدد‬ ‫‪ -2‬بلثا‬
‫وال ُيمكن حصرها‪ ،‬فقد تكون مالية‪ ،‬أو ااقتصادية‪ ،‬أو تشريعية‪ ،‬أو متعلقة بالمواصالت‪ ،‬أو بأي وجه آخر‬
‫من أوجه التعاون الفني على اختالف مجاالته‪ ،‬األمر الذي خرج بها من المجال السياسي التقليدي إلى‬
‫مجاالت أوسع وأرحب‪.‬‬
‫ولكن اختالف طبيعة وظائف البعثة الدائمة عن وظائف البعثة الخاصة‪ ،‬ال ينفي عن هذه األخيرة‬
‫الصفة التمثيلية وصالحية التفاوض باسم دولتها‪ ،‬بل تبقى تتمتع بهما في حدود المهمة الموفدة من‬
‫أجلها‪ ،‬بخالف البعثة الدائمة التي تتمتع بهما بشكل كامل وفي جميع مناحي العالاقات الدولية‪.‬‬
‫الفةع الثاني‪ :‬وظائف البلثا القنصلي‬
‫يغلب على الوظائف والمهام القنصلية الصفة اإلدارية والتجارية‪ ،‬حيث تقوم البعثة القنصلية بحماية‬
‫المصالح االاقتصادية والتجارية للدولة الموفدة ولمواطنيها في الدولة الموفد إليها‪ ،‬كما تقوم بأداء بعض‬

‫(‪)1‬‬
‫حرشاوي عالن‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.81‬‬
‫(‪)2‬‬
‫المرجع نفسه‪ ،‬ص ص ‪.81 ،81‬‬
‫(‪)3‬‬
‫المرجع نفسه‪ ،‬ص ‪.88‬‬

‫‪33‬‬
‫الفصل الثاني‪ :‬التمثيل الدبلوماس ي والقنصلي‬ ‫محاضرات في قانون العالقات الدبلوماسية والقنصلية‬

‫المهام اإلدارية بتكليف من الدولة الموفدة‪ ،‬واقد َّ‬


‫عددت المادة (‪ )11‬من اتفااقية فيينا للعالاقات القنصلية‬
‫لسنة ‪ 1691‬تلك الوظائف بالتفصيل وعلى سبيل الحصر‪ ،‬بشكل ُيمكن تناوله ضمن النقاط التالية‪:‬‬
‫أولا‪ :‬ةعاي المصالح الاتصادي للدول الموفد وتنمي عقاااتزا مع الدول المضيف‬
‫تُعتبر رعاية المصالح االاقتصادية والتجارية حجر األساس في العالاقات القنصلية التي رست عليها‬
‫منذ بداية عهدها‪ ،‬وتكاد تكون كل مهام القناصل في مجال الشؤون االاقتصادية والتجارية ذات طابع‬
‫إجرائي وتنفيذي‪ ،‬وهي تتمحور أساساً حول االستعالم بجميع الطرق المشروعة عن األحوال وتطور الحياة‬
‫التجارية واالاقتصادية والثقافية والعلمية في الدولة الموفدة‪ ،‬وارسال تقارير بشأنها إلى دولته(‪.)1‬‬
‫ثاني ا‪ :‬ةعاي مصالح وحقوق ةعايا الدول الموفد‬
‫من خالل هذه الوظيفة يقوم القنصل بالسهر على حماية مصالح رعايا دولته المقيمين في الدولة‬
‫المعتمد لديها‪ ،‬من حيث تمتعهم بالحقوق التي يمنحها إياهم القانون الداخلي للدولة المستقبلة كاإلاقامة‬
‫والعمل والدراسة والرعاية الصحية والضمان االجتماعي‪ ،‬وتلك التي يمنحها إياهم القانون الدولي العام‪.‬‬
‫كما يقوم القنصل‪ ،‬في حدود اقوانين الدولة المضيفة‪ ،‬بالحفاظ على مصالح القصر ونااقصي األهلية من‬
‫رعايا دولته‪ ،‬ورعاية مصالح الورثة من مواطني دولته وضمان حفظ حقواقهم‪ ،‬من خالل لجوئه إلى اتخاذ‬
‫اإلجراءات التحفظية أمام الجهات القضائية(‪ .)2‬كما يعمل على مساعدة رعايا دولته من التجار والصناع‬
‫وتقديم المعلومات واالستشارات لهم عن األوضاع االاقتصادية والتجارية المتعلقة بالدولة المضيفة(‪.)3‬‬
‫ثالثا‪ :‬القيام باألعمال اإلداةي والتوثيق والشؤون المدني‬
‫ويقوم بهذه األعمال في حدود ما تسمح به القوانين واألنظمة الداخلية في الدولة المضيفة‪،‬‬
‫وتتلخص هذه الوظائف في(‪:)4‬‬
‫‪ -‬إصدار جوازات السفر وتجديدها ومنح التأشيرات‪ ،‬وتقديم المعلومات الضرورية لألشخاص الذين‬
‫يرغبون في زيارة دولته أو الدول الموفدة‪.‬‬
‫‪ -‬التأشير على الشهادات المحررة في الخارج وذلك لتثبيت مصدرها‪ ،‬وكذلك التصديق على الوثائق‬
‫والفواتير التجارية والوثائق المشابهة‪.‬‬
‫‪ -‬تحويل األجور والتعويضات والمكافئات لرعايا الدولة الموفدة المقيمين في الدولة المضيفة‪.‬‬
‫‪ -‬التصديق على األختام والتوااقيع ذات الصفة الرسمية أو الخاصة‪ ،‬وكذا التصديق على صور وترجمات‬
‫الوثائق الرسمية‪.‬‬

‫(‪)1‬‬
‫أنظر‪ :‬المادة (‪/11‬ج) من اتفااقية العالاقات القنصلية لسنة ‪.1691‬‬
‫(‪)2‬‬
‫غازي حسن صباريني‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ص ‪.111-186‬‬
‫(‪)3‬‬
‫المرجع نفسه‪ ،‬ص ‪.111‬‬
‫(‪)4‬‬
‫أنظر‪ :‬المادة (‪/11‬د‪ ،‬و) من اتفااقية فيينا للعالاقات القنصلية لسنة ‪.1691‬‬

‫‪33‬‬
‫الفصل الثاني‪ :‬التمثيل الدبلوماس ي والقنصلي‬ ‫محاضرات في قانون العالقات الدبلوماسية والقنصلية‬

‫‪ -‬استالم الوصايا من رعايا دولته ومساعدتهم على تحرير وصاياهم‪.‬‬


‫‪ -‬القيام بأعمال ضابط الحالة المدنية‪ ،‬كتسجيل المواليد والوفيات‪ ،‬وتحرير عقود الزواج وشهادات الطالق‬
‫لرعايا دولته‪ ،‬وتوثيق شهادات االعتراف بالبنوة وفقاً لقوانين دولته‪.‬‬
‫ةابل ا‪ :‬القيام باألعمال القضائي‬
‫تشمل األعمال ذات الطابع القضائي أوالً القيام بتمثيل الدولة الموفدة أمام المحاكم والمراجع األخرى‬
‫لدى الدولة المضيفة بقصد الحصول وفق اقوانين وأنظمة الدولة المضيفة‪ ،‬على إجراءات احتياطية‬
‫للمحافظة على حقوق ومصالح هؤالء الرعايا عندما ال يكون بإمكانهم‪ ،‬لتغيبهم أو ألي سبب آخر‪ ،‬الدفاع‬
‫عن حقواقهم ومصالحهم‪ .‬وثانياً التصديق على الوثائق العدلية ووثائق التفويض والوكاالت واإلنابات‬
‫القضائية وتحويلها إلى محاكم الدولة الموفدة كوثائق ثبوتية‪ ،‬وذلك وفقاً لالتفااقات الدولية المرعية‪ ،‬وفي‬
‫حال عدم وجود مثل هذه االتفااقات الدولية فبأي طريقة تتفق مع اقوانين الدولة المضيفة(‪.)1‬‬
‫خامسا‪ :‬اإلشةاف على أنشط المقاح البحةي والهجوي التابل للدول الموفد‬
‫من خالل هذه الوظيفة يقوم القنصل بممارسة حق المرااقبة والتفتيش المنصوص عنهما في اقوانين‬
‫الدولة الموفدة على السفن والطائرات التابعة لدولته وطااقم المالحين فيهما وتقديم المساعدة لهما وتلقي‬
‫اإلفادات والتصاريح المتعلقة بسفر السفينة(‪ ،)2‬وهذا يعني أن القنصل يقوم بمرااقبة سجالت البواخر‬
‫ويؤشر عليها‪ ،‬كما ينظر في المسائل المتعلقة بالنظام واألمن على متن البواخر والطائرات المتواجدة في‬
‫ميناء أو مطار تابع لدائرة اختصاصه‪ ،‬للتأكد من احترام اقوانين دولته على متنها(‪.)3‬‬
‫الفةع الثالث‪ :‬واهجبا البلثا الدبلوماسي والقنصلي‬
‫يقع على عاتق البعثات الدبلوماسية والقنصلية مجموعة من الواجبات تجاه الدولة المضيفة‪ ،‬حتى‬
‫تكون أعمالها مشروعة وغير منافية ألغراض وظائها الدبلوماسية والقنصلية‪ ،‬والتي ورد النص عليها في‬
‫اتفااقيات العالاقات الدبلوماسية والقنصلية‪ ،‬وتتمثل تلك الواجبات في احترام اقوانين وأنظمة الدولة المضيفة‬
‫(أوالً)‪ ،‬عدم التدخل في الشؤون الداخلية للدولة المضيفة (ثانياً)‪ ،‬عدم إساءة استخدام البعثة (ثالثاً)‪ ،‬عدم‬
‫ممارسة أعضاء البعثة ألي نشاط مهني أو تجاري (رابعاً)‪.‬‬
‫أولا‪ :‬احتةام اوانين وأنظم الدول المضيف‬
‫ألزمت اتفااقية فيينا لسنة ‪ 1691‬البعثات الدبلوماسية باحترام القوانين واألنظمة الداخلية للدولة‬
‫المضيفة(‪ ،)4‬واعتبرت أنه إذا كانت الحصانات واالمتيازات الدبلوماسية تُعفي أعضاء البعثة من الخضوع‬

‫(‪ )1‬أنظر‪ :‬المادة (‪/11‬ط‪ ،‬ي) من اتفااقية فيينا للعالاقات القنصلية لسنة ‪.1691‬‬
‫(‪)2‬‬
‫أنظر‪ :‬المادة (‪/11‬ك‪ ،‬ل) من اتفااقية فيينا للعالاقات القنصلية لسنة ‪.1691‬‬
‫(‪)3‬‬
‫غازي حسن صباريني‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.111‬‬
‫(‪)4‬‬
‫أنظر‪ :‬المادة (‪ )1/81‬من اتفااقية فيينا للعالاقات الدبلوماسية لسنة ‪.1691‬‬

‫‪33‬‬
‫الفصل الثاني‪ :‬التمثيل الدبلوماس ي والقنصلي‬ ‫محاضرات في قانون العالقات الدبلوماسية والقنصلية‬

‫للقضاء الوطني للدولة المضيفة‪ ،‬فإن الهدف الحقيقي من ذلك هو تسهيل األداء الفعال للوظائف‬
‫الدبلوماسية‪ ،‬وليس بغرض تمكينهم من انتهاك القوانين المعمول بها في الدولة المضيفة(‪ ،)1‬ألن المبعوث‬
‫الدبلوماسي لم ُيرسل إلجراء تغيير في نظام الحكم أو السياسة المتبعة لدى الدولة المستقبلة أو انتهاك‬
‫اقوانينها‪ ،‬بل أُرسل ليعمل على توطيد العالاقات الودية بين الدولتين‪ ،‬وبالتالي عليه االبتعاد عن كل ما من‬
‫شأنه تعكير هذه العالاقات‪ ،‬وذلك بالقدر الذي ال تتعارض فيه هذه القوانين مع ما يتمتع به المبعوث‬
‫قررها اقواعد القانون الدولي(‪.)2‬‬
‫الدبلوماسي من حصانات وامتيازات تُ ِّ‬
‫نصت على هذا الواجب كذلك المادة (‪ )1/11‬من اتفااقية العالاقات القنصلية‪ ،‬والمادة (‪)1/89‬‬ ‫واقد َّ‬
‫من اتفااقية البعثات الخاصة‪ ،‬والمادة (‪ )1/99‬من اتفااقية تمثيل الدول في عالاقاتها مع المنظمات الدولية‪،‬‬
‫غير أن هذه االتفااقية اقد تضمنت حكماً لم يرد في االتفااقيات األخرى‪ ،‬وهو استدعاء المبعوث في حال‬
‫اقيامه بمخالفة خطيرة للتشريع الجنائي للدولة المضيفة أو تدخله في شؤونها الداخلية‪ ،‬حيث تلزم الدولة‬
‫المرسلة في هذه الحالة بإسقاط حصانة المبعوث المعني أو استدعاءه وانهاء مهامه(‪.)3‬‬
‫ثانيا‪ :‬عدم التدخل في الشؤون الداخلي للدول المضيف‬
‫نصَّت على هذا االلتزام المواد (‪ )1/81‬من اتفااقية العالاقات الدبلوماسية‪ ،‬و(‪ )1/11‬من اتفااقية‬
‫العالاقات القنصلية‪ ،‬و(‪ )1/89‬من اتفااقية البعثات الخاصة‪ )1/99( ،‬من اتفااقية تمثيل الدول في‬
‫عالاقاتها مع المنظمات الدولية‪ ،‬واقد جاء هذا االلتزام متناغماً مع ما أحد أهم مبادئ القانون الدولي‪،‬‬
‫أاقره ميثاق األمم المتحدة في المادة (‪.)9/11‬‬
‫المتمثل في عدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول‪ ،‬والذي َّ‬
‫وبإعمال هذا المبدأ في مجال العمل الدبلوماسي والقنصلي فإنه ُيمنع على أعضاء البعثات اإلدالء‬
‫بأي تصريح من شأنه اإلساءة للدولة المستقبلة ولنظام الحكم فيها ولرئيسها‪ ،‬كما ُيمنع عليه توجيه أي نقد‬
‫أو إبداء أي مواقف معارض لسياستها العامة‪ ،‬وعموماً عليه االبتعاد عن كل ما من شأنه إثارة‬
‫االضطرابات والفتن في إاقليمها‪ ،‬كما يلتزم بعدم التحريض على االضطرابات الداخلية(‪.)4‬‬
‫وال يتعارض هذا االلتزام مع وظيفة استطالع األوضاع والتطورات وجمع المعلومات عن الدولة‬
‫المضيفة التي نصَّت عليها اتفااقية العالاقات الدبلوماسية في مادتها (‪/1/11‬د)‪ ،‬ألن مجرد استطالع ما‬
‫يجري في تلك الدولة من أحداث وتطورات‪ ،‬بغرض إبالغ دولته بها التخاذ مواقف معين والتعامل معها‬
‫بالشكل المناسب ال ُي ُّ‬
‫عد تدخالً في الشؤون الداخلية للدول‪ ،‬خصوصاً وأن اتفااقية العالاقات الدبلوماسية‬
‫اشترطت أن يتم االستطالع والحصول على المعلومات بالطرق المشروعة وليس عن طريق التجسس(‪.)5‬‬

‫(‪)1‬‬
‫أوكيل محمد أمين‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ص ‪.46 ،44‬‬
‫(‪)2‬‬
‫مايا الدباس‪ ،‬ماهر ملندي‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.11‬‬
‫(‪ )3‬أنظر‪ :‬المادة (‪ )1/99‬من اتفااقية تمثيل الدول في عالاقاتها مع المنظمات الدولية لسنة ‪.1691‬‬
‫(‪ )4‬مايا الدباس‪ ،‬ماهر ملندي‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.11‬‬
‫(‪)5‬‬
‫سهيل حسين الفتالوي‪ ،‬الدبلوماسية بين النظرية والتطبيق‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.189‬‬

‫‪33‬‬
‫الفصل الثاني‪ :‬التمثيل الدبلوماس ي والقنصلي‬ ‫محاضرات في قانون العالقات الدبلوماسية والقنصلية‬

‫ثالث ا‪ :‬عدم إساء استخدام مق اة البلثا‬


‫لقد ألزمت المادة (‪ )1/81‬من اتفااقية العالاقات الدبلوماسية أعضاء البعثات الدبلوماسية بعدم‬
‫استخدام دار البعثة بأية طريقة تتنافى مع الوظائف الواردة في هذه االتفااقية‪ ،‬أو في غيرها من اقواعد‬
‫القانون الدولي العام أو في أية اتفااقات خاصة نافذة بين الدولة الموفدة والدولة المضيفة‪ ،‬واقد نصَّت‬
‫المواد (‪ )1/11‬من اتفااقية العالاقات القنصلية‪ ،‬و(‪ )1/89‬من اتفااقية البعثات الخاصة‪ ،‬و(‪ )1/99‬من‬
‫اتفااقية تمثيل الدول لدى المنظمات الدولية على ذات االلتزام‪ ،‬لكن هذه األخيرة منحت الدولة المضيفة‬
‫صالحية اتخاذ كل التدابير الضرورية لحماية أمنها ومصالحها األساسية في حال تعرضها ألي خطر‬
‫تكون البعثة مصد اًر له‪ ،‬بيد أن اتخاذ هذه التدابير يكون مرهوناً باستشارة الدولة الموفدة لضمان عدم‬
‫تعارضها مع األداء العادي لوظائف البعثة(‪.)1‬‬
‫وُيعد هذا االلتزام منطقياً ألن تلك المقرات مخصصة أصالً لتمكين البعثات من القيام بمهامها‬
‫الدبلوماسية والقنصلية بكل ُيسر واستقاللية‪ ،‬وبالتالي عدم استغاللها في أعمال تتنافى مع مهام البعثة أو‬
‫اقوانين البلد المضيف‪ ،‬ألن الحصانة التي تتمتع بها مقرات وأعضاء البعثات الدبلوماسية والقنصلية ال‬
‫ُيمكن استغاللها وال تعفيهم من االلتزام باحترام القوانين واألنظمة النافذة في البلد المضيف(‪ ،)2‬لذلك جاءت‬
‫لتؤكد على واجب أساسي للبعثات يقضي بعدم تحويل مقراتها إلى مراكز للتجسس أو‬ ‫هذه النصوص ِّ‬
‫التآمر على مصالح الدولة المضيفة أو إيواء المجرمين‪ ،‬مما يتنااقض ليس مع وظائف البعثة فقط‪ ،‬بل مع‬
‫سيادة وأمن الدولة المضيفة كذلك(‪.)3‬‬
‫ةابل ا‪ :‬عدم مماةس أعضاء البلث ألي نشاط مزني أو تهجاةي‬
‫تتمثل المهمة األساسية للمبعوث الدبلوماسي والقنصلي في تمثيل دولته لدى الدولة المضيفة‬
‫وحماية مصالح رعايا دولته المقيمين في تلك الدولة‪ ،‬لذلك منعته كل االتفااقيات الدبلوماسية والقنصلية من‬
‫القيام بأية أعمال تتعارض مع هذه المهمة‪ ،‬والتي يأتي على رأسها مزاولة األنشطة المهنية والتجارية‬
‫لمصلحته الشخصية‪ ،‬حيث جاء ذلك المنع في المادة (‪ )81‬من اتفااقية العالاقات الدبلوماسية‪ ،‬التي تقابلها‬
‫المادة (‪ )1/19‬من اتفااقية العالاقات القنصلية‪ ،‬والمادة (‪ )84‬من اتفااقية البعثات الخاصة‪ ،‬والمادة‬
‫(‪ )1/16‬من اتفااقية تمثيل الدول لدى المنظمات الدولية‪.‬‬
‫واقد أتى هذا الواجب تأكيداً لتنااقض ممارسة هذه األنشطة المهنية والتجارية مع أهداف وطبيعة‬
‫الوظيفة الدبلوماسية والقنصلية باعتبارها وظيفة ذات طابع دولي عام تخضع لضوابط الوظيفة العامة‬

‫(‪ )1‬أنظر‪ :‬المادة (‪ )8/99‬من اتفااقية تمثيل الدول في عالاقاتها مع المنظمات الدولية لسنة ‪.1691‬‬
‫(‪)2‬‬
‫ناظم عبد الواحد الجاسور‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.161‬‬
‫(‪)3‬‬
‫أوكيل محمد أمين‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ص ‪.61 ،46‬‬

‫‪34‬‬
‫الفصل الثاني‪ :‬التمثيل الدبلوماس ي والقنصلي‬ ‫محاضرات في قانون العالقات الدبلوماسية والقنصلية‬

‫التي تحظر القيام بمثل هذه الممارسات(‪ ،)1‬ولكن األنشطة الثقافية والعلمية التي ال تهدف في األساس‬
‫إلى الكسب المادي وتحقيق الربح كإلقاء المحاضرات واصدار النشريات التعريفية ببالده ال يشملها هذا‬
‫المنع بل هي مطلوبة(‪.)2‬‬
‫هذا‪ ،‬ونشير في األخير إلى أن عدم التقيد بهذه الواجبات واإلخالل بها‪ ،‬ال يترتب عليه إثارة‬
‫المسؤولية القانونية للمبعوث المخالف ألنه يتمتع بالحصانات واالمتيازات التي سنتحدث عنها في الفصل‬
‫الموالي‪ ،‬كما ال ُيثير المسؤولية الدولية للدولة الموفدة‪ ،‬وكل ما في وسع الدولة المضيفة فعله هو اإلعالن‬
‫بأن هذا المبعوث المخالف أصبح غير مرغوب فيه‪ ،‬مما يمنحها الحق في سحب اعتماده نهائياً‪ ،‬وبالتالي‬
‫استدعائه من طرف دولته وانهاء خدمته في بعثتها واستبداله بشخص آخر‪ ،‬وهو ما نصَّت عليه المادة‬
‫(‪ )1/16‬من اتفااقية العالاقات الدبلوماسية‪ ،‬والمادة (‪ )1/11‬من اتفااقية العالاقات القنصلية‪.‬‬

‫(‪)1‬‬
‫أوكيل محمد أمين‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.61‬‬
‫(‪)2‬‬
‫مايا الدباس‪ ،‬ماهر ملندي‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.11‬‬

‫‪34‬‬
‫الفصل الثالث‪ :‬الحصانات واالمتيازات الدبلوماسية والقنصلية‬ ‫محاضرات في قانون العالقات الدبلوماسية والقنصلية‬

‫الفصل الثالث‬
‫الحصانات واالمتيازات الدبلوماسية والقنصلية‬
‫ُي ُّ‬
‫عد موضوع الحصانات واالمتيازات من أهم المبادئ التي يتفرد بها القانون الدولي الدبلوماسي‬
‫والقنصلي‪ ،‬وينصرف مصطلح الحصانات واالمتيازات(‪ )1‬الدبلوماسية والقنصلية إلى الحقوق والمزايا التي‬
‫تتمتع بها البعثات الدبلوماسية وأعضائها وممتلكاتها في مواجهة الدولة المضيفة‪ ،‬وأحياناً في مواجهة دولة‬
‫ثالثة بالنسبة للحصانات واالمتيازات الشخصية‪.‬‬
‫ويتمثل الهدف األساس من االعتراف بالحصانات واالمتيازات الدبلوماسية والقنصلية في تمكين‬
‫البعثة والمبعوثين الدبلوماسيين والقنصليين من ممارسة مهامهم والقيام بالوظائف الملقاة على عاتقهم على‬
‫أكمل وجه‪ ،‬وهو ما أ ّكدت عليه أوالً المادة (‪ )501‬من ميثاق األمم المتحدة(‪ .)2‬كما َّ‬
‫أكدته اتفاقية العالقات‬
‫الدبلوماسية لسنة ‪ 5695‬في ديباجتها من أن الغرض من هذه االمتيازات والحصانات ليس إفادة األف ارد‪،‬‬
‫بل ضمان األداء الفعال لوظائف البعثات الدبلوماسية وبوصفها ممثلة لدولها‪ ،‬وقد جاء التنصيص عليه‬
‫أيضاً في ديباجة كل من اتفاقية العالقات القنصلية لسنة ‪ ،5691‬واتفاقية البعثات الخاصة لسنة ‪،5696‬‬
‫واتفاقية تمثيل الدول لدى المنظمات الدولية لسنة ‪.5691‬‬
‫ولدراسة موضوع الحصانات واالمتيازات الدبلوماسية والقنصلية من كل جوانبه‪ ،‬سوف نتناول هذا‬
‫الفصل في ثالث مباحث‪ ،‬نخصِّص األول ألساس ونطاق الحصانات واالمتيازات الدبلوماسية والقنصلية‪،‬‬
‫والثاني لحصانات وامتيازات مقر البعثة‪ ،‬والثالث لحصانات وامتيازات المبعوثين‪.‬‬

‫(‪)1‬‬
‫كلمة حصانة (‪ )immunité‬في اللغة األجنبية وخاصة الفرنسية مشتقة من اللغة الالتينية من كلمة (‪ )immunitas‬وجذرها (‪ )munus‬وتعني اإلعفاء من‬
‫أعباء معينة‪ ،‬وهذا اإلعفاء يكون ذو طابع مالي‪ .‬وتكاد كلمة "حصانة" تتطابق مع كلمة "امتياز"‪ ،‬بدليل أن قاموس روبير عرَّف الحصانة بأنها‪" :‬إعفاء من‬
‫عبء أو امتياز (‪ُ )prérogatives‬يمنح قانوناً لفئة معينة من األشخاص"‪ .‬أما القانون الحديث حسب قاموس روبير فيعطي لكلمة حصانة معنى "اإلعفاء‬
‫من القواعد العامة في مادة القضاء والمالية"‪ .‬أنظر‪ :‬علي حسين الشامي‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ص ‪.856 ،854‬‬
‫(‪)2‬‬
‫تنص المادة (‪ )501‬من الميثاق على‪ " :‬تتمتع الهيئة في أرض كل عضو من أعضائها بالمزايا واإلعفاءات التي يتطلبها تحقيق مقاصدها‪ .‬وكذلك يتمتع‬
‫المندوبون عن أعضاء األمم المتحدة وموظفو هذه الهيئة بالمزايا واإلعفاءات التي يتطلبها استقاللهم في القيام بمهام وظائفهم المتصلة بالهيئة"‪.‬‬

‫‪27‬‬
‫الفصل الثالث‪ :‬الحصانات واالمتيازات الدبلوماسية والقنصلية‬ ‫محاضرات في قانون العالقات الدبلوماسية والقنصلية‬

‫المبحث األول‬
‫أساس ونطاق الحصانات الدبلوماسية والقنصلية‬
‫أقرتها اتفاقيات العالقات الدبلوماسية والقنصلية‪ ،‬سواء‬
‫تعكس جملة الحصانات واالمتيازات التي َّ‬
‫تلك المقررة لمقرات البعثات أو للعاملين فيها‪ ،‬تعطيالً لممارسة الدولة المضيفة الختصاصاتها في إقليمها‬
‫على بعض األشخاص واألشياء‪ ،‬لذلك فإن فقهاء القانون الدولي قد اجتهدوا في البحث عن المبررات‬
‫المقنعة لحل هذا التناقض القائم بين مبدأ سيادة الدولة الذي يقتضي خضوع جميع األفراد والممتلكات‬
‫استثناء عليها‪.‬‬
‫ً‬ ‫لقوانينها واختصاصاتها‪ ،‬وبين مبدأ الحصانات واالمتيازات الذي ُي ُّ‬
‫عد‬
‫لذلك سندرس في هذا المبحث أساس ونطاق هذا االستثناء‪ ،‬بحيث نتناول في مطلبه األول أساس‬
‫الحصانات واالمتيازات الدبلوماسية والقنصلية‪ ،‬في حين ُن ِّ‬
‫حدد في مطلبه الثاني نطاق تلك الحصانات‬
‫واالمتيازات‪.‬‬
‫المطلب األول‪ :‬األساس القانوني للحصانات واالمتيازات الدبلوماسية والقنصلية‬
‫اختلف الفقهاء في مجال القانون الدولي عموماً وفي مجال القانون الدبلوماسي والقنصلي حول‬
‫السند واألساس القانوني‪ ،‬الذي ُي ِّبرر تمتع مقرات وأعضاء البعثات الدبلوماسية والقنصلية بالحصانات‬
‫مكنهم من اإلفالت وعدم الخضوع لقوانين الدولة المضيفة‪ ،‬على ثالث اتجاهات‬ ‫واالمتيازات التي تُ ِّ‬
‫متباينة‪ ،‬باإلضافة اتجاه رابع توفيقي حاول الجمع بين محاسن تلك االتجاهات‪ ،‬وبيان ذلك كما يلي‪:‬‬
‫الفرع األول‪ :‬نظرية االمتداد اإلقليمي‬
‫المبررات التي تقوم عليها‬
‫تعتبر هذه النظرية من أهم النظريات التي بحثت في األسس و ِّ‬
‫الحصانات واالمتيازات الدبلوماسية والقنصلية‪ ،‬والتي سادت طوال القرن السابع عشر وجزء من القرن‬
‫الثامن عشر(‪ ، )1‬فما هي األسس التي قامت عليها‪ ،‬وما مدى كفايتها لتفسير تلك الحصانات واالمتيازات؟‬
‫أوالا‪ :‬أساس النظرية‬
‫تنطلق هذه النظرية من افتراض أن المبعوث الدبلوماسي لم يغادر إقليم دولته‪ ،‬وأن إقامته في‬
‫الدولة التي يباشر فيها مهمته هي في حكم امتداد إلقامته في موطنه‪ ،‬وبذات المنطق تعتبر المباني‬
‫الدبلوماسية (مقر البعثة وسكن المبعوث الدبلوماسي) كذلك من أمالك الدولة الموفدة وامتداد إلقليمها(‪،)2‬‬
‫وبالتالي عدم خضوع المبعوث الدبلوماسي ومباني البعثة الدبلوماسية لالختصاص اإلقليمي للدولة‬

‫(‪)1‬‬
‫موسى محمد مصباح‪ ،‬القانون الدولي الدبلوماسي والقنصلي‪ ،‬ط‪ ،5‬دار المشرق العربي‪ ،‬الجيزة‪ ،‬مصر‪ ،9056 ،‬ص ‪.69‬‬
‫(‪)2‬‬
‫المرجع نفسه‪ ،‬الصفحة نفسها‪.‬‬

‫‪27‬‬
‫الفصل الثالث‪ :‬الحصانات واالمتيازات الدبلوماسية والقنصلية‬ ‫محاضرات في قانون العالقات الدبلوماسية والقنصلية‬

‫المستقبلة(‪ .)1‬وطبقاً لهذه النظرية فإن الجرائم واألفعال التي تتم داخل السفارة‪ ،‬إنما تعتبر واقعة في إقليم‬
‫أجنبي ويحكمها بالتالي قانون الدولة التي يمثلها السفير‪ ،‬كما أن هذه النظرية تبرر حق الملجأ(‪.)2‬‬
‫بقوله‪:‬‬ ‫(‪)3‬‬
‫وقد َّأيد هذه النظرية عدد معتبر من الفقهاء على رأسهم الفقيه الهولندي "غروسيوس"‬
‫"بما أن السفير افتراضاً ممثل ملكه‪ ،‬فإنه أيضاً عمالً بافتراض مماثل يعتبر كأنه خارج إقليم الدولة التي‬
‫يمارس نشاطه لديها‪ ،‬وبالتالي فليس عليه التزام بمراعاة القانون الوطني لتلك الدولة األجنبية التي توجد‬
‫بقوله‪" :‬الحقيقة أن المبعوثين يجب أن ُيعاملوا كما لو‬ ‫(‪)4‬‬
‫فيها سفارته"‪ ،‬كما َّأيدها الفقيه األلماني "أوبنهايم"‬
‫كانوا غير مقيمين في إقليم الدولة المستقبلة"(‪ ،)5‬أما الفقيه "دي مارتنز" فقد َّبرر لها بالقول‪" :‬أن الحقوق‬
‫توسعاً اُعتبر معه الممثل‬
‫توسعت في مفهوم مبدأ االستقالل عن السلطة اإلقليمية ُّ‬
‫الدولية الوضعية قد َّ‬
‫السياسي كأنه لم يغادر الدولة التي أوفدته وال يزال مقيماً في أراضيها"(‪.)6‬‬
‫ثاني ا‪ :‬تقييم النظرية‬
‫بالرغم من أن هذه النظرية تعتبر أولى المحاوالت الجادة لتفسير الحصانات واالمتيازات‬
‫الدبلوماسية والقنصلية كاستثناء يرد على وجوب خضوع جميع األشخاص والممتلكات الختصاص الدولة‬
‫تعرضت إلى العديد من االنتقادات‪ ،‬أهمها ما يلي‪:‬‬
‫الموجودين بها‪ ،‬إال أنها ًّ‬
‫‪ -‬يرى الفقيه "فوشي" بأن هذه النظرية تستند إلى افتراض غامض ووهمي‪ ،‬وهي غير كافية لتفسير‬
‫الحصانات واالمتيازات الدبلوماسية‪ ،‬كما أن القانون الدولي ال يحتاج إلى االفتراض لتفسير قواعده(‪.)7‬‬
‫‪ -‬أن هذه النظرية من الناحية العملية تقف عاجزة عن تفسير بعض الحاالت التي يخضع فيها المبعوث‬
‫الدبلوماسي الختصاص محاكم الدولة المعتمد لديها كالدعاوى العينية المتعلقة بالعقارات التي يملكها‪،‬‬
‫والدعاوى المتعلقة بالميراث واألعمال التجارية التي يزاولها لمصلحته الشخصية‪.‬‬
‫‪ -‬أن هذه النظرية ال تصلح لتفسير الحاالت التي تتنازل فيها دولة المبعوث الدبلوماسي عن الحصانة‬
‫التي يتمتع بها‪ ،‬ففي مثل هذه الحاالت هل تعتبر دولة المبعوث قد تنازلت عن سيادتها‪ ،‬أم تعتبر الدولة‬

‫(‪)1‬‬
‫غازي حسن صباريني‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.515‬‬
‫(‪)2‬‬
‫خليل حسين‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.109‬‬
‫(‪)3‬‬
‫هوغو غروسيوس (‪ 50‬أبريل ‪ 94 – 5141‬أوت ‪ )5981‬هو قاض من جمهورية هولندا‪ ،‬وضع مع فراشيسكو دي فيتوريا وألبريكو غنتيلي أسس القانون‬
‫الدولي اعتماداً على الحق الطبيعي‪ .‬أنظر موقع ويكيبيديا على الرابط‪ ،https://ar.wikipedia.org :‬تاريخ الزيارة‪ ،9056/55/55 :‬على الساعة‪:‬‬
‫‪.50:58‬‬
‫(‪)4‬‬
‫ماكس فون أوبنهايم (‪ 51‬يوليو ‪ 52 – 5681‬نوفمبر ‪ )5478‬وهو دبلوماسي ألماني‪ ،‬كما له اهتمامات بعلم اآلثار‪ .‬أنظر موقع ويكيبيديا على الرابط‪:‬‬
‫‪ ،https://ar.wikipedia.org‬تاريخ الزيارة‪ ،9056/55/55 :‬على الساعة‪.50:56 :‬‬
‫(‪)5‬‬
‫موسى محمد مصباح‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.69‬‬
‫(‪)6‬‬
‫غازي حسن صباريني‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.515‬‬
‫(‪)7‬‬
‫المرجع نفسه‪ ،‬الصفحة نفسها‪.‬‬

‫‪27‬‬
‫الفصل الثالث‪ :‬الحصانات واالمتيازات الدبلوماسية والقنصلية‬ ‫محاضرات في قانون العالقات الدبلوماسية والقنصلية‬

‫المعتمد لديها قد تدخلت في الشؤون الداخلية للدولة المعتمدة‪ ،‬عن طريق محاكمة مبعوثها الدبلوماسي‬
‫أمام محاكمها(‪.)1‬‬
‫‪ -‬باإلضافة إلى ذلك‪ ،‬فإن مقرات المنظمات الدولية في الدول المضيفة غدت تتمتع بحصانات وامتيازات‬
‫دبلوماسية مماثلة لتلك الممنوحة لبعثات الدول‪ ،‬دون أن يكون لها إقليم أو سيادة إقليمية‪ ،‬فهذه النظرية ال‬
‫ُيمكن أن تُفسِّر علة منح الحصانات لمقرات وأماكن عمل المنظمات الدولية(‪.)2‬‬
‫الفرع الثاني‪ :‬نظرية الصفة التمثيلية‬
‫أمام العيوب التي اعترت نظرية االمتداد اإلقليمي‪ ،‬وعدم صمودها من الناحية العملية‪ ،‬ومساسها‬
‫بسيادة الدول األجنبية المضيفة‪ ،‬فقد اتجه جانب آخر من الفقه لتأسيس الحصانات واالمتيازات‬
‫الدبلوماسية والقنصلية على فكرة الصفة التمثيلية‪ .‬وقد ظهرت هذه النظرية في القرن الثامن عشر في‬
‫أوروبا(‪ ،)3‬فما هي المرتكزات التي تقوم عليها‪ ،‬وما مدى نجاحها في ايجاد التفسير المناسب للحصانات‬
‫واالمتيازات الدبلوماسية والقنصلية‪.‬‬
‫أوالا‪ :‬مرتكزات النظرية‬
‫تنطلق هذه النظرية من فكرة أن العالقات الدولية إنما هي عالقات شخصية بين الملوك‪ ،‬وبالتالي‬
‫فالمبعوثون الدبلوماسيون هم الممثلون الشخصيون لهم‪ ،‬ومن ثم فإن أي اعتداء عليهم هو اعتداء على‬
‫(‪)5‬‬
‫الذي قال في‬ ‫الملك نفسه(‪ .)4‬وقد كان على رأس المؤيِّدين لهذه النظرية الفقيه الفرنسي "مونتسكيو"‬
‫كتابه الشهير "روح القوانين" ما ُيفيد بأن قانون الشعوب اقتضى أن يرسل األمراء سفراء لبعضهم البعض‪،‬‬
‫والحكمة المستقاة من طبيعة األمور لم تتح المجال بأن يتبع هؤالء السفراء األمير الذي يوفدون إليه وال‬
‫أن يخضعوا لسلطانه وقضائه‪ .‬فهم صوت األمير الذي بعث بهم وهذا الصوت يجب أن يكون ح اًر‪،‬‬
‫فيجب أال تعترض سبيل عملهم أية عقبة‪ ...‬لذا يجب أن يتبع هؤالء السفراء قواعد مستنبطة من حقوق‬
‫األمم ال قواعد مشتقة من الحقوق السياسية‪ ،‬فإذا أساءوا استعمال صفتهم التمثيلية جاز إعادتهم إلى‬
‫أميرهم حتى ُيمكن مجازاتهم أمامه‪ ،‬الذي يصبح بذلك قاضيهم أو شريكهم(‪.)6‬‬
‫يتضح من كالم الفقيه "مونتسكيو" أن أساس الحصانات واالمتيازات الدبلوماسية يتمثل في السيادة‬
‫الشخصية التي يتمتع بها الملوك واألمراء‪ ،‬والتي تفيض على المبعوثين الدبلوماسيين باعتبارهم الممثلون‬

‫(‪)1‬‬
‫سهيل حسين الفتالوي‪ ،‬الدبلوماسية بين النظرية والتطبيق‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ص ‪.599 ،595‬‬
‫(‪)2‬‬
‫عبد الفتاح علي الرشدان‪ ،‬محمد خليل الموسى‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.594‬‬
‫(‪)3‬‬
‫موسى محمد مصباح‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.61‬‬
‫(‪)4‬‬
‫زناتي مصطفى‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.14‬‬
‫(‪)5‬‬
‫اسمه األصلي "شارل لوي دي سيكوندا" المعروف بـ‪" :‬مونتسكيو" (‪ 54‬يناير ‪ 50 – 5946‬فبراير ‪ ،)5911‬وهو فيلسوف فرنسي من أهم فالسفة عصر‬
‫التنوير في القرن الثامن عشر‪ ،‬صاحب نظرية الفصل بين السلطات‪ ،‬اشتهر بكتاب "روح القوانين" المتكون من ‪ 15‬جزاءاً الذي نشره في جنيف سنة ‪.5984‬‬
‫أنظر‪ :‬موقع ويكيبيديا على الرابط‪ ،https://ar.wikipedia.org :‬تاريخ الزيارة‪ ،9056/55/55 :‬على الساعة‪.50:08 :‬‬
‫(‪)6‬‬
‫عبد الفتاح علي الرشدان‪ ،‬محمد خليل الموسى‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.599‬‬

‫‪21‬‬
‫الفصل الثالث‪ :‬الحصانات واالمتيازات الدبلوماسية والقنصلية‬ ‫محاضرات في قانون العالقات الدبلوماسية والقنصلية‬

‫الشخصيون لملوكهم‪ .‬لكن مع تطور مفاهيم السيادة واالنتقال من السيادة الشخصية إلى سيادة الدولة لم‬
‫يعد المبعوث الدبلوماسي ممثالً ألميره أو سيده‪ ،‬بل أصبح لدولته نيابة عن رئيسها(‪.)1‬‬
‫ثاني ا‪ :‬تقييم النظرية‬
‫على الرغم من وجاهة األساس الذي قامت عليه هذه النظرية‪ ،‬على األقل قبل مرحلة الدولة‬
‫الحديثة أين كانت الدولة مرتبطة بشخص األمير‪ ،‬إال أنها ال تُ ِّ‬
‫قدم تفسي اًر كافياً للعديد من المسائل‬
‫المرتبطة بالحصانات واالمتيازات الدبلوماسية‪ ،‬ومن ذلك(‪:)2‬‬
‫‪ -‬أن هذه النظرية ال تُ ِّ‬
‫قدم تبري اًر للحصانات واالمتيازات التي يتمتع بها المبعوثون الدبلوماسيون فوق إقليم‬
‫دولة ثالثة‪ ،‬حيث ال صفة تمثيلية لهم تجاهها‪.‬‬
‫‪ -‬كما أنها ال تصلح بتاتاً لتبرير منح حصانات وامتيازات ألشخاص من غير الممثلين الدبلوماسيين‬
‫للدول‪ ،‬شأن الموظفين والمستخدمين الدوليين لدى المنظمات الدولية‪.‬‬
‫‪ -‬كما تقف هذه النظرية عاجزة عن تفسير تمتع عائلة الدبلوماسي بالحصانات واالمتيازات‪ ،‬خصوصاً‬
‫وأنها ال تتمتع بأية صفة تمثيلية‪.‬‬
‫‪ -‬أنها غير كافية لتفسير كل الحصانات واالمتيازات التي يتمتع بها المبعوث الدبلوماسي‪ ،‬فهي ال تُفسِّر‬
‫إال تلك اإلعفاءات التي يتمتع بها بالنسبة ألعماله الرسمية‪ ،‬أما اإلعفاءات التي تُمنح له بصفته‬
‫قررها له الدولة المستقبلة من باب المجاملة والمعاملة بالمثل فال نجد لها‬
‫الشخصية‪ ،‬واالمتيازات التي تُ ِّ‬
‫تفسي اًر(‪.)3‬‬
‫الفرع الثالث‪ :‬نظرية مقتضيات الوظيفة‬
‫أمام عجز نظرية االمتداد اإلقليمي ونظرية الصفة التمثيلية عن تفسير كل الحصانات واالمتيازات‬
‫الدبلوماسية‪ ،‬وكذلك تطور العالقات الدولية بتطور وظائف الدولة من جراء تدخلها في شتى المجاالت‪،‬‬
‫وكذلك ظهور المنظمات الدولية وتزايد نشاطها ودورها على الصعيد الدولي‪ ،‬كأشخاص جديدة للعالقات‬
‫الدولية‪ ،‬فقد اتجه فقهاء القانون الدولي إلى البحث عن أسس جديدة للحصانات واالمتيازات الدبلوماسية‬
‫تتالءم مع هذه التطورات المستحدثة‪ ،‬بما يضمن أيضاً تمتع هذه المنظمات بحصانات وامتيازات تتالءم‬
‫مع طبيعتها‪ ،‬فتوصلوا إلى أن متطلبات الوظيفة الدبلوماسية هي األساس المناسب لتلك الحصانات‬
‫واالمتيازات‪.‬‬

‫(‪)1‬‬
‫موسى محمد مصباح‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.61‬‬
‫(‪)2‬‬
‫عبد الفتاح علي الرشدان‪ ،‬محمد خليل الموسى‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.599‬‬
‫(‪)3‬‬
‫غازي حسن صباريني‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.519‬‬

‫‪28‬‬
‫الفصل الثالث‪ :‬الحصانات واالمتيازات الدبلوماسية والقنصلية‬ ‫محاضرات في قانون العالقات الدبلوماسية والقنصلية‬

‫أوالا‪ :‬أساس النظرية‬


‫َّ‬
‫مؤدى هذه النظرية أن الحصانات واالمتيازات التي يتمتع بها المبعوثون الدبلوماسيون هي ضرورة‬
‫تقتضيها الحاجة إلى قيامهم بمهامهم ووظائفهم في جو من الطمأنينة بعيداً عن كل ما من شأنه التأثير‬
‫وي ِّبرر المؤيدون لهذه النظرية بأن الغاية من الحصانة الدبلوماسية‬
‫عن عملهم في الدول المعتمدين لديها‪ُ .‬‬
‫هي تمكين أعضاء السلك الدبلوماسي من تأدية أعمالهم في جو من الحرية واالستقرار‪ ،‬بعيداً عن‬
‫المعوقات التي ُيمكن أن تلجأ إليها الدولة الموفدين لديها‪ .‬لذلك تنازلت الدول عن سلطتها في معاقبة‬
‫المبعوث الدبلوماسي المعتمد لديها‪ ،‬مقابل ضمان حرية مبعوثيها لدى الدول األخرى‪ ،‬استناداً إلى مبدأ‬
‫المعاملة بالمثل(‪.)1‬‬
‫ومن الفقهاء المؤيدين لهذه النظرية نجد الفقيه "مونتيل" الذي قال‪" :‬عندما يقتضي األمر أن نعرف‬
‫ما إذا كان إجراء معين تتخذه الدولة ضد المبعوث المعتمد لديها‪ ،‬مخالفاً للقانون الدولي من حيث أنه‬
‫قرها هذا القانون ألمثاله‪ ،‬يجب أن نبحث عما إذا كان هذا اإلجراء يمس الطمأنينة‬ ‫ُي ُّ‬
‫خل بالحصانة التي ُي ِّ‬
‫التي يحتاج إليها المبعوث ألداء أعمال وظيفته الرسمية بوصفه ممثالً دبلوماسياً لدولة أجنبية‪ ،‬فالحماية‬
‫المالئمة للوظيفة الدبلوماسية هي إذاً جوهر القانون وأساس أحكامه في هذا الشأن"(‪.)2‬‬
‫ثانيا‪ :‬تقييم النظرية‬
‫تميزت هذه النظرية على سابقتيها بميزتين‪ ،‬أوالهما أن البعثة الدبلوماسية في ظلها تعتبر مرفقاً‬
‫عاماً تابعاً للدولة المعتمدة‪ ،‬غاية إنشائه القيام بعدد من الوظائف خارج إقليمها‪ ،‬مما يعني أن الحصانات‬
‫واالمتيازات ضرورية لضمان استقاللية البعثة وأداء عملها على أكمل وجه‪ .‬وثانيهما أن هذه النظرية‬
‫أوجدت لنا تفسي اًر لتمتع المنظمات الدولية بعدد من الحصانات واالمتيازات‪ ،‬على الرغم من أنها كائنات‬
‫دولية ال تملك إقليماً تمارس فوقه سلطاتها واختصاصاتها(‪.)3‬‬
‫ولكن على الرغم من الم ازيا التي تتمتع بها هذه النظرية‪ ،‬إال أنها عجزت عن تفسير التفاوت بين‬
‫حصانات وامتيازات الموظفين الدوليين‪ ،‬وبين حصانات وامتيازات المبعوثين الدبلوماسيين‪ ،‬فحصانات‬
‫الطائفة األولى دون تلك التي تتمتع بها الطائفة الثانية‪ ،‬فلماذا هذا التمييز ما دام المقصد من الحصانات‬
‫واالمتيازات هو تأمين مقتضيات الوظيفة ومصلحتها(‪)4‬؟‬

‫(‪)1‬‬
‫موسى محمد مصباح‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.68‬‬
‫(‪)2‬‬
‫خليل حسين‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.159‬‬
‫(‪)3‬‬
‫عبد الفتاح علي الرشدان‪ ،‬محمد خليل الموسى‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.545‬‬
‫(‪)4‬‬
‫المرجع نفسه‪ ،‬ص ص ‪.549 ،545‬‬

‫‪22‬‬
‫الفصل الثالث‪ :‬الحصانات واالمتيازات الدبلوماسية والقنصلية‬ ‫محاضرات في قانون العالقات الدبلوماسية والقنصلية‬

‫كما أن هذه النظرية لم تُ ِّ‬


‫قدم لنا تبري اًر للحصانة التي يتمتع بها المبعوث الدبلوماسي في الدولة‬
‫الثالثة التي يمر عليها في طريقه إلى الدولة المستقبلة‪ ،‬حيث ال يزاول فيها وظيفة معينة‪ ،‬ومع ذلك فإنه‬
‫يتمتع بالحصانة فيها عند مروره بها(‪.)1‬‬
‫لكن يبدو أن القصور الذي يشوب هذه النظرية ُيمكن تجاوزه بالدمج بينها وبين نظرية الصفة‬
‫التمثيلية‪ ،‬وهذا هو الطرح الذي َّ‬
‫تبناه االتجاه الحديث في تبرير الحصانات واالمتيازات‪.‬‬
‫الفرع الرابع‪ :‬الجمع بين الصفة التمثيلية ومقتضيات الوظيفة‬
‫لما عجزت نظرية مقتضيات الوظيفة الدبلوماسية ونظرية الصفة التمثيلية منفردتين عن تبرير كل‬
‫أنواع الحصانات واالمتيازات الدبلوماسية والقنصلية‪ ،‬اضطر فريق من الفقه الدولي إلى الدمج بينهما‪،‬‬
‫لتفسير كل المسائل المرتبطة بتلك الحصانات واالمتيازات‪ ،‬فما هو مضمونها‪ ،‬وما هي تطبيقاتها؟‬
‫أوالا‪ :‬مضمون النظرية‬
‫تُ ِّ‬
‫قدم النظرية الحديثة القائمة على الدمج بين الصفة التمثيلية ومصلحة الوظيفة تفسي اًر ُمقنعاً‬
‫ألساس منح الحصانات الدبلوماسية والقنصلية‪ ،‬فغاية هذه الحصانات هي تأمين استقالل المبعوثين‬
‫الدبلوماسيين والقنصليين للقيام بوظائفهم بجدية‪ ،‬وحماية صفتهم الدبلوماسية ألنهم ممثلون لدولهم‪ ،‬فهي‬
‫حصانات مفروضة بحكم الواقع والقانون‪ ،‬وليست مفروضة فقط ألغراض عملية محضة(‪.)2‬‬
‫ثاني ا‪ :‬تطبيقات النظرية‬
‫يتضح من ديباجة كل من‪ :‬اتفاقية فيينا للعالقات الدبلوماسية لسنة ‪ ،5695‬واتفاقية فيينا للعالقات‬
‫القنصلية لسنة ‪ ،5691‬واتفاقية البعثات الخاصة لسنة ‪ ،5696‬أنها لم تكتف بنظرية مقتضيات الوظيفة‬
‫كأساس لمنح الحصانات واالمتيازات‪ ،‬بل أخذت إلى جانبها بنظرية الصفة التمثيلية‪ ،‬فمقدمة كل اتفاقية‬
‫من هذه االتفاقيات أوضحت بجالء أن مقصد الحصانات واالمتيازات الدبلوماسية والقنصلية‪ ،‬يتمثل في‬
‫تأمين األداء الفعال للقيام بالوظائف الموكلة إلى تلك البعثات‪ ،‬باعتبارها بعثات تمثل الدولة أو تنوب‬
‫عنها‪ ،‬وليست غايتها تمييز األفراد أو إفادتهم‪.‬‬
‫كما أخذت بهذا الدمج بين الصفة التمثيلية ومقتضيات الوظيفة الدبلوماسية لتبرير الحصانات‬
‫واالمتيازات الدبلوماسية والقنصلية محكمة العدل الدولية في حكمها الصادر سنة ‪ 5696‬في قضية‬
‫الرهائن الدبلوماسيين والقنصليين األمريكيين في طهران‪ ،‬على أساس منح الحصانات واالمتيازات‬
‫الدبلوماسية وعلة وجودها‪ ،‬تكمن في الصفة التمثيلية للمبعوثين الدبلوماسيين وفي مقتضيات وظائفهم‬
‫الدبلوماسية(‪.)3‬‬

‫(‪)1‬‬
‫سهيل حسين الفتالوي‪ ،‬الدبلوماسية بين النظرية والتطبيق‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.599‬‬
‫(‪)2‬‬
‫عبد الفتاح علي الرشدان‪ ،‬محمد خليل الموسى‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.549‬‬
‫(‪)3‬‬
‫المرجع نفسه‪ ،‬الصفحة نفسها‪.‬‬

‫‪26‬‬
‫الفصل الثالث‪ :‬الحصانات واالمتيازات الدبلوماسية والقنصلية‬ ‫محاضرات في قانون العالقات الدبلوماسية والقنصلية‬

‫نستنتج مما سبق أن الجمع بين الصفة التمثيلية ومتطلبات الوظيفة الدبلوماسية أمر ضروري‬
‫لتفسير أسباب منح كل الحصانات واالمتيازات الدبلوماسية والقنصلية المقررة للبعثات الدائمة والخاصة‬
‫للدول‪ ،‬لكن في اعتقادي أن نظرية مقتضيات الوظيفة لوحدها كافية بالنسبة لتبرير الحصانات واالمتيازات‬
‫الدبلوماسية المقررة لبعثات الدول لدى المنظمات الدولية أو لموظفي ومستخدمي هذه األخيرة‪ ،‬على‬
‫اعتبار أن موظفي هذه المنظمات ال يؤدون عملهم نيابة عن دولة ما وانما نيابة عن المجموعة الدولية‪،‬‬
‫وهو ما نوهت به اتفاقية تمثيل الدول لدى المنظمات الدولية في ديباجتها بالقول‪" :‬واعترافاً منها بأن‬
‫غرض االمتيازات والحصانات الواردة في هذه االتفاقية ليست لمنفعة األفراد‪ ،‬بل لضمان األداء الفعال‬
‫لمهامهم فيما يتصل بالمنظمات والمؤتمرات"‪.‬‬
‫المطلب الثاني‪ :‬نطاق الحصانات واالمتيازات الدبلوماسية والقنصلية‬
‫استثناء يحد من امتداد‬
‫ً‬ ‫لما كانت الحصانات واالمتيازات الدبلوماسية والقنصلية تُمثِّل قيداً و‬
‫االختصاص اإلقليمي للدولة المضيفة لبعض األشخاص والممتلكات‪ ،‬فإنها جاءت ُم َّ‬
‫حددة ومحصورة في‬
‫نطاق ثالثي األبعاد‪ ،‬نطاق شخصي يقتصر على عدد معين من األفراد وبدرجات متفاوتة‪ ،‬ونطاق زماني‬
‫يجعلها غير دائمة بل هي مؤقتة تبدأ وتنتهي في وقت معين‪ ،‬وأخي اًر نطاق مكاني يجعلها تتحدد بمكان‬
‫معين‪ ،‬وهو ما يسمح لنا بتناول كل نطاق بشكل مستقل في ثالثة فروع كما يلي‪:‬‬
‫الفرع األول‪ :‬النطاق الشخصي‬
‫َّ‬
‫يتحدد النطاق الشخصي للحصانات واالمتيازات الدبلوماسية والقنصلية بمجموعة من األفراد‬
‫يتفاوتون في التمتع بها‪ ،‬وقد يكونوا عاملين في البعثة أو غير عاملين فيها‪.‬‬
‫أوالا‪ :‬أعضاء السلك الدبلوماسي والقنصلي‬
‫أعضاء السلك الدبلوماسي هم أعضاء البعثة الذين تُوكل لهم مهمة القيام بالوظائف الدبلوماسية‪،‬‬
‫لذا فهم يتمتعون بالصفة الدبلوماسية‪ ،‬وهم رئيس البعثة والموظفون الدبلوماسيون من المستشارين وال ُكتَّاب‬
‫والملحقين‪ ،‬وهؤالء يتمتعون بكافة الحصانات واالمتيازات الدبلوماسية المنصوص عليها في المواد (‪)15‬‬
‫و(‪ )11‬و(‪ )18‬و(‪ )11‬و(‪ )19‬من اتفاقية العالقات الدبلوماسية لسنة ‪ ،5695‬شرط أن ال يكونوا من‬
‫رعايا الدولة المعتمد لديها‪ ،‬ففي هذه الحالة يتمتعون بالحصانة واإلعفاء القضائي بالنسبة لألعمال‬
‫الرسمية التي يقومون بها خالل تأدية وظائفهم باإلضافة إلى االمتيازات واإلعفاءات التي تمنحهم إياها‬
‫الدولة المعتمد لديها(‪.)1‬‬
‫كما يتمتع أعضاء السلك القنصلي في البعثات القنصلية بكل الحصانات واالمتيازات التي منحتها‬
‫اتفاقية العالقات القنصلية لسنة ‪ ،5691‬وهم رئيس البعثة القنصلية والموظفون القنصليون المسلكيون بكل‬

‫(‪)1‬‬
‫فاوي المالح‪ ،‬سلطات األمن والحصانات واالمتيازات الدبلوماسية في الواقع النظري والعملي مقارنا بالشريعة اإلسالمية‪ ،‬دار المطبوعات الجامعية‪،‬‬
‫االسكندرية‪ ،‬مصر‪ ،5661 ،‬ص ‪.991‬‬

‫‪24‬‬
‫الفصل الثالث‪ :‬الحصانات واالمتيازات الدبلوماسية والقنصلية‬ ‫محاضرات في قانون العالقات الدبلوماسية والقنصلية‬

‫درجاتهم‪ ،‬بشرط أن ال يكونوا من رعايا الدولة المعتمد لديها‪ ،‬وغير مقيمين إقامة دائمة فيها‪ ،‬وال يتعاطون‬
‫عمالً ُمكسباً خارج وظائفهم القنصلية(‪.)1‬‬
‫وبالنسبة للبعثات الخاصة فإنه حسب المادة (‪/05‬ه) من اتفاقية البعثات الخاصة لسنة ‪5696‬‬
‫يتمتع بكل الحصانات واالمتيازات المقررة في هذه االتفاقية أعضاء البعثة الذين يتمتعون بالصفة التمثيلية‬
‫الواردة أسماؤهم في كتاب االعتماد(‪ ،)2‬باإلضافة إلى أعضاء البعثات الدائمة إذا كانوا في تشكيلة البعثة‬
‫الخاصة عالوة عن حصاناتهم وامتيازاتهم في إطار بعثتهم الدائمة‪ .‬كما َّ‬
‫مدت هذه االتفاقية نطاقها‬
‫الشخصي إلى رئيس الدولة ورئيس الحكومة ووزير الخارجية‪ ،‬إذا ترأسوا أو شاركوا في أعمال بعثة‬
‫خاصة‪ ،‬وقررت تمتعهم أيضاً بالتسهيالت والحصانات واالمتيازات التي يقررها لهم القانون الدولي‪،‬‬
‫باإلضافة إلى ما هو ممنوح لهم بموجب هذه االتفاقية(‪.)3‬‬
‫أما أعضاء السلك الدبلوماسي لبعثات الدول لدى المنظمات الدولية‪ ،‬والذين يتمتعون بكامل‬
‫الحصانات واالمتيازات‪ ،‬فهم موظفو البعثة أو الوفد المراقب الذين يتمتعون بالمركز الدبلوماسي(‪ ،)4‬وهو‬
‫أكدته المادة (‪ )94‬من اتفاقية بعثات الدول لدى المنظمات الدولية لسنة ‪ 5691‬بقولها‪" :‬يتمتع رئيس‬ ‫ما َّ‬
‫البعثة والموظفون الدبلوماسيون للبعثة بالحرمة الشخصية‪ ،‬وال يكونوا عرضة ألي شكل من أشكال‬
‫االعتقال أو االحتجاز‪ ،‬وعلى الدولة المضيفة أن تعاملهم باالحترام الواجب"‪.‬‬
‫وبالمثل فإن الموظفين الدوليين التابعين لألمم المتحدة كاألمين العام واألمناء العامون المساعدون‬
‫يتمتعون هم وأزواجهم وأوالدهم القصر بحصانات دبلوماسية مماثلة لتلك المعترف بها لرجال السلك‬
‫الدبلوماسي(‪ .)5‬كما يتمتع أعضاء الجمعيات البرلمانية والقضاة الدوليين وأفراد القوات الدولية والخبراء‬
‫مكنهم من أداء‬‫الدوليين الذين يعملون لحساب منظمة األمم المتحدة بالحصانات واالمتيازات التي تُ ِّ‬
‫مهامهم بكل استقاللية(‪.)6‬‬
‫ثاني ا‪ :‬المستفيدون من األشخاص اآلخرين‬
‫ويوجد ضمن هؤالء صنفين من األشخاص وهم‪ :‬أوالً األشخاص العاملون في البعثة الدبلوماسية‬
‫أو القنصلية من غير الذين يتمتعون بالصفة الدبلوماسية أو القنصلية مثل المستخدمون الدبلوماسيون‬
‫والقنصليون من اإلداريين والفنيين وعمال الصيانة والحرس وسائقوا السيارات‪ ،‬وثانياً بعض األشخاص‬

‫(‪)1‬‬
‫بن صاف فرحات‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.594‬‬
‫(‪)2‬‬
‫حرشاوي عالن‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.91‬‬
‫(‪)3‬‬
‫أنظر‪ :‬المادة (‪ )95‬من اتفاقية البعثات الخاصة لسنة ‪.5696‬‬
‫(‪)4‬‬
‫أنظر‪ :‬المادة (‪ )94/05‬من اتفاقية فيينا لتمثيل الدول في عالقاتها مع المنظمات الدولية ذات الطابع العالمي لسنة ‪.5691‬‬
‫(‪)5‬‬
‫أنظر‪ :‬المادة (‪ )56‬من اتفاقية امتيازات وحصانات األمم المتحدة لسنة ‪.5689‬‬
‫(‪)6‬‬
‫مقيرش محمد‪ ،‬النظام القانوني للدبلوماسية متعددة األطراف – في ضوء القانون الدبلوماسي المعاصر والممارسة الدولية‪( ،-‬أطروحة دكتوراه في‬
‫القانون العام‪ ،‬كلية الحقوق‪ ،‬جامعة الجزائر‪ ،)9051 ،5‬ص ص ‪.569-546‬‬

‫‪61‬‬
‫الفصل الثالث‪ :‬الحصانات واالمتيازات الدبلوماسية والقنصلية‬ ‫محاضرات في قانون العالقات الدبلوماسية والقنصلية‬

‫غير العاملين في البعثات مثل الخدم الخصوصيون العاملون في بيوت الدبلوماسيون والقنصليون‪ ،‬فهؤالء‬
‫كلهم يتمتعون بدرجات متفاوتة من الحصانات واالمتيازات‪ ،‬والتي بالضرورة تكون أقل من حصانات‬
‫وامتيازات الدبلوماسيين والقنصليين‪ ،‬بشرط أال يكونوا من رعايا الدولة المضيفة أو ممن يقيمون فيها إقامة‬
‫دائمة‪ .‬كما تمتد الحصانات واالمتيازات ألفراد أسر الدبلوماسيون والقنصليين من المقيمين معهم تحت‬
‫سقف واحد‪ ،‬بشرط أال يكونوا من مواطني الدولة المضيفة(‪.)1‬‬
‫الفرع الثاني‪ :‬النطاق الزماني‬
‫أشرنا فيما سبق إلى أن الحصانات واالمتيازات مرتبطة بمتطلبات الوظيفة التي ُي ِّ‬
‫ؤديها الدبلوماسي‬
‫والقنصلي‪ ،‬وبالتالي َّ‬
‫يتحدد النطاق الزماني لها ببداية ونهاية هذه الوظيفة‪ ،‬وهو ما سنوضِّحه فيما يلي‪:‬‬
‫أوالا‪ :‬بداية التمتع بالحصانات واالمتيازات‬
‫لقد أخذت اتفاقية فيينا للعالقات الدبلوماسية لسنة ‪ 5695‬بما استقر عليه العرف الدولي في‬
‫ممارسة الدول والرأي الغالب في الفقه الدولي(‪ ،)2‬في تحديد الوقت الذي يبدأ فيه سريان الحصانات‬
‫واالمتيازات‪ ،‬حين نصت مادتها (‪ )5/16‬على‪" :‬يجوز لصاحب الحق في االمتيازات والحصانات أن‬
‫يتمتع بها منذ دخوله إقليم الدولة المعتمد لديها لتولي منصبه‪ ،‬أو منذ إعالن تعيينه إلى و ازرة الخارجية أو‬
‫أية و ازرة أخرى قد ُيتَّفق عليها إن كان موجوداً في إقليمها"‪.‬‬
‫حددت بداية تمتع المبعوث بالحصانات واالمتيازات‬‫يتضح من النص المتقدم أن االتفاقية َّ‬
‫الدبلوماسية بأحد المعيارين التاليين‪:‬‬
‫‪ -‬وقت الدخول إلقليم الدولة المضيفة لتولي منصبه في البعثة الدبلوماسية‪.‬‬
‫‪ -‬أو وقت إخطار الجهات المعنية في الدولة المضيفة بتعيينه إن كان موجوداً فعالً على أراضيها‪.‬‬
‫وأن لحظة البداية التي َّ‬
‫حددتها اتفاقية العالقات الدبلوماسية للتمتع بالحصانات واالمتيازات تسري‬
‫على رئيس البعثة وأعضائها والمرافقين لهم ممن يتمتعون بالحصانات واالمتيازات‪ ،‬وهو ما ُيستنتج من‬
‫عبارة "يجوز لصاحب الحق في االمتيازات والحصانات"‪.‬‬
‫وقد أخذت كل من اتفاقية العالقات القنصلية لسنة ‪ ،5691‬واتفاقية البعثات الخاصة لسنة‬
‫‪ ،5696‬واتفاقية تمثيل الدول لدى المنظمات الدولية لسنة ‪ ،5691‬بذات المعايير لتحديد بداية التمتع‬
‫بالحصانات واالمتيازات الدبلوماسية والقنصلية(‪ ،)3‬مع اختالف بسيط بالنسبة لبعثات الدول لدى‬
‫المنظمات الدولية‪ ،‬حيث تبدأ الحصانات واالمتيازات منذ دخول دولة مقر المنظمة أو الدولة المضيفة‬

‫(‪)1‬‬
‫أنظر‪ :‬المادة (‪ )19‬من اتفاقية العالقات الدبلوماسية لسنة ‪ ،5695‬والمواد من (‪ )89‬إلى (‪ )19‬من اتفاقية العالقات القنصلية لسنة ‪ ،5691‬والمواد من‬
‫(‪ )19‬إلى (‪ )16‬من اتفاقية البعثات الخاصة لسنة ‪ ،5696‬والمادة (‪ )19‬من اتفاقية تمثيل الدول لدى المنظمات الدولية لسنة ‪.5691‬‬
‫(‪)2‬‬
‫أنظر‪ :‬سهيل حسين الفتالوي‪ ،‬الدبلوماسية المعاصرة بين النظرية والتطبيق‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.959‬‬
‫(‪)3‬‬
‫أنظر‪ :‬المادة (‪ )11‬من اتفاقية العالقات القنصلية لسنة ‪ ،5691‬والمادة (‪ )81‬من اتفاقية البعثات الخاصة لسنة ‪.5696‬‬

‫‪65‬‬
‫الفصل الثالث‪ :‬الحصانات واالمتيازات الدبلوماسية والقنصلية‬ ‫محاضرات في قانون العالقات الدبلوماسية والقنصلية‬

‫التي ستحتضن اجتماع الهيئة أو المؤتمر‪ ،‬أو في اللحظة التي تقوم فيها المنظمة أو المؤتمر أو الدولة‬
‫المرسلة بإخطار الدولة المضيفة بتعيينهم إذا كانوا موجودين فيها(‪.)1‬‬
‫ثاني ا‪ :‬نهاية الحصانات واالمتيازات‬
‫تنتهي مهام البعثات الدبلوماسية والقنصلية بشكل طبيعي بانتهاء مهامها لدى الدولة المعتمدة‬
‫حدد اتفاقيات العالقات الدبلوماسية والقنصلية مدة عمل تلك البعثات‪ ،‬بل تركت تحديد ذلك‬‫لديها‪ ،‬ولم تُ ِّ‬
‫إلى التشريعات الداخلية للدول(‪ ،)2‬كما تنتهي بالوفاة أو بقطع العالقات الدبلوماسية‪ ،‬وقد ذهب غالبية‬
‫الفقهاء وممارسات الدول‪ ،‬إلى أن الحصانات واالمتيازات الدبلوماسية ال تنتهي بمجرد انتهاء مهام البعثة‪،‬‬
‫بل تستمر لفترة معقولة حتى َّ‬
‫يتمكن أعضاء البعثة من ترتيب إجراءات مغادرتهم إقليم الدولة المضيفة(‪.)3‬‬
‫وهو ما أخذت به اتفاقية فيينا للعالقات الدبلوماسية في مادتها (‪ ،)9/16‬وقد َّ‬
‫حددت لحظة نهاية‬
‫التمتع بالحصانات واالمتيازات بواحد من المعيارين التاليين‪:‬‬
‫‪ -‬وقت مغادرة أراضي الدولة المعتمد لديها‪.‬‬
‫‪ -‬أو بعد انقضاء فترة معقولة من الزمن لتصفية أعماله وترتيب إجراءات مغادرته النهائية‪.‬‬
‫ويسري هذا الحكم على كل شخص انتهت مهامه بالبعثة أو تم استدعاؤه من طرف دولته‪ ،‬وتظل‬
‫الحصانات واالمتيازات قائمة إلى ذلك الوقت حتى في حالة نشوب نزاع مسلح بين الدولتين‪ ،‬ويالحظ أن‬
‫تلك الفترة المعقولة تُ ِّ‬
‫حددها الدول المضيفة‪ ،‬والتي عادة ما تتساهل في تحديدها في الحاالت العادية(‪،)4‬‬
‫أما في حالة قطع العالقات الدبلوماسية فإنها َّ‬
‫تتشدد في تحديدها‪ ،‬حيث ُيمنح ألعضاء البعثة عادة فترة ال‬
‫تتجاوز يومين أو أسبوع لمغادرة أراضي الدولة المعتمد لديها(‪.)5‬‬
‫وفي حال وفاة أحد أعضاء البعثة‪ ،‬فإن أعضاء أسرته يستمرون في التمتع بالحصانات‬
‫واالمتيازات المقَّررة لهم لحين انقضاء فترة معقولة من الزمن تُمنح لهم لمغادرة إقليم الدولة المضيفة‪،‬‬
‫ويحق لهم سحب أموال مورثهم المنقولة باستثناء ما يكون منها محظور تصديرها وقت وفاته(‪.)6‬‬
‫وهي ذات األحكام التي اعتمدتها اتفاقية العالقات القنصلية لسنة ‪ ،5691‬واتفاقية البعثات‬
‫الخاصة لسنة ‪ ،5696‬واتفاقية تمثيل الدول لدى المنظمات الدولية لسنة ‪.)7(5691‬‬

‫(‪ )1‬أنظر‪ :‬المادتين (‪ )14‬و(‪ )94‬من اتفاقية تمثيل الدول لدى المنظمات الدولية‪.‬‬
‫(‪ )2‬سهيل حسين الفتالوي‪ ،‬الدبلوماسية المعاصرة بين النظرية والتطبيق‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.956‬‬
‫(‪)3‬‬
‫المرجع نفسه‪ ،‬الصفحة نفسها‪.‬‬
‫وحددتها المحاكم الفرنسية بعشرين يوماً‪ ،‬بينما المحاكم األمريكية َّ‬
‫حددتها بخمسة أشهر‪ .‬أنظر‪ :‬سهيل حسين‬ ‫حددها القانون البريطاني بمدة شهرين‪َّ ،‬‬
‫َّ‬ ‫(‪)4‬‬

‫الفتالوي‪ ،‬الدبلوماسية بين النظرية والتطبيق‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ص ‪.990 ،956‬‬
‫(‪)5‬‬
‫موسى محمد مصباح‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.515‬‬
‫(‪)6‬‬
‫أنظر‪ :‬الفقرتين (‪ )8 ،1‬من المادة (‪ )16‬من اتفاقية فيينا للعالقات الدبلوماسية لسنة ‪.5695‬‬
‫(‪)7‬‬
‫أنظر‪ :‬المادة (‪ )11‬من اتفاقية العالقات القنصلية لسنة ‪ ،5691‬والمادة (‪ )81‬من اتفاقية البعثات الخاصة لسنة ‪ ،5696‬والمادتين (‪ )14‬و(‪ )94‬من‬
‫اتفاقية تمثيل الدول لدى المنظمات الدولية لسنة ‪.5691‬‬

‫‪67‬‬
‫الفصل الثالث‪ :‬الحصانات واالمتيازات الدبلوماسية والقنصلية‬ ‫محاضرات في قانون العالقات الدبلوماسية والقنصلية‬

‫الفرع الثالث‪ :‬النطاق المكاني‬


‫من المسلم به في القانون الدولي أن المبعوثين الدبلوماسيين والقنصليين ال يتمتعون بأية حصانات‬
‫أو امتيازات في الدولة الموفدة لهم‪ ،‬وانما يتمتعون بها داخل حدود الدولة المضيفة التي يزاولون فيها‬
‫عملهم‪ ،‬ما لم تكن دولة جنسيتهم أو دولة إقامتهم الدائمة‪ ،‬كما استقر القانون الدولي بعد ذلك على تمتع‬
‫المبعوثين الدبلوماسيين والقنصليين ببعض الحصانات أثناء مرورهم العابر بأي من الدول في طريقهم من‬
‫أو إلى الدولة المضيفة أو الدولة الموفدة لهم‪.‬‬
‫أوالا‪ :‬التمتع بالحصانات واالمتيازات في إقليم الدولة المضيفة‬
‫اتفقت اتفاقيات العالقات الدبلوماسية والقنصلية بمختلف أنواعها أن الحصانات واالمتيازات التي‬
‫يتمتع بها المبعوثون الدبلوماسيون تكون في مواجهة الدولة المضيفة‪ ،‬حتى ال تسري عليهم قوانينها‬
‫ونظمها الداخلية‪ ،‬لذلك يجب أن يتمتعوا فوق إقليمها بكافة الحصانات واالمتيازات التي يكفلها لهم القانون‬
‫الدولي العام‪ ،‬مقابل االلتزام باحترام الواجبات الملقاة على عاتقهم تجاه الدولة المضيفة(‪.)1‬‬
‫هذا في الحالة التي يكون فيها المبعوث الدبلوماسي ليس من مواطني الدولة المضيفة أو من‬
‫المقيمين فيها إقامة دائمة‪ ،‬لكن قد يحدث في بعض األحوال أن ينتمي رئيس بعثة الدولة الموفدة بجنسيته‬
‫إلى الدولة المضيفة أو يكون مقيماً فيها إقامة دائمة‪ ،‬ففي هذه الحالة ال يتمتعون إال بالحصانة القضائية‬
‫والحرمة الشخصية دون غيرها‪ ،‬وفي إطار أدائه ألعماله الرسمية فحسب‪ ،‬أما بالنسبة لباقي أعضاء‬
‫البعثة اآلخرون والخدم الخاصون الذين هم بدورهم يتمتعون بجنسية الدولة المضيفة أو من المقيمين فيها‬
‫إقامة دائمة‪ ،‬فال يتمتعون من الحصانات واالمتيازات إال بالقدر الذي تمنحه لهم الدولة المضيفة‪ ،‬غير أنه‬
‫يتعين على هذه األخيرة في كل األحوال أال تمارس اختصاصها اإلقليمي على األفراد المذكورين بشكل‬
‫يؤثر على أداء مهامهم في تلك البعثة(‪.)2‬‬
‫واذا كان المبعوثون الدبلوماسيون يتمتعون بالحصانات واالمتيازات في كامل إقليم الدولة‬
‫المضيفة‪ ،‬فإن أعضاء البعثات القنصلية ال يتمتعون بها ‪ -‬كأصل عام ‪ -‬إال في المنطقة القنصلية التي‬
‫يباشرون فيها مهامهم؛ ذلك أن الدولة الموفدة ال تكون لها سوى بعثة دبلوماسية واحدة لدى دولة أخرى‬
‫تمارس اختصاصها في كل أراضي هذه الدولة‪ ،‬أما البعثات القنصلية فيمكن أن تتعدد وتنتشر في المدن‬
‫والمرافئ المهمة في الدولة المضيفة‪ ،‬وهنا ال بد من تحديد النطاق الجغرافي لكل منطقة قنصلية(‪ ،)3‬وذلك‬
‫وذلك باالتفاق بين الدولة الموفدة والدولة المضيفة‪ .‬غير أنه في الحالة التي يكون فيها للدولة الموفدة‬

‫(‪)1‬‬
‫موسى محمد مصباح‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.515‬‬
‫(‪)2‬‬
‫أنظر‪ :‬المادة (‪ )14‬من اتفاقية العالقات الدبلوماسية لسنة ‪ ،5695‬والمادة (‪ )80‬من اتفاقية البعثات الخاصة لسنة ‪ ،5696‬والمادة (‪ )19‬من اتفاقية‬
‫تمثيل الدول في عالقاتها مع المنظمات الدولية لسنة ‪.5691‬‬
‫(‪)3‬‬
‫لقد عرَّفت المادة (‪/5/05‬ب) من اتفاقية العالقات القنصلية لسنة ‪ 5691‬المنطقة القنصلية بأنها‪" :‬المساحة المحددة للبعثة القنصلية لممارسة أعمالها‬
‫القنصلية"‪.‬‬

‫‪67‬‬
‫الفصل الثالث‪ :‬الحصانات واالمتيازات الدبلوماسية والقنصلية‬ ‫محاضرات في قانون العالقات الدبلوماسية والقنصلية‬

‫سوى بعثة قنصلية واحدة في الدولة المضيفة أو كانت المهام القنصلية منوطة بالبعثة الدبلوماسية بسبب‬
‫عدم وجود بعثات قنصلية‪ ،‬فإن أعضاء البعثة القنصلية يكون لهم اختصاص شامل‪ ،‬وبالتالي يتمتعون‬
‫بالحصانات واالمتيازات في جميع أنحاء الدولة المضيفة(‪.)1‬‬
‫ثانيا‪ :‬التمتع بالحصانات واالمتيازات في إقليم الدولة الثالثة‬
‫قد يحدث أن يعبر أعضاء البعثة الدبلوماسية أو القنصلية للوصول إلى الدولة المضيفة أو العودة‬
‫منها إقليم دولة ثالثة‪ ،‬لذلك جرى العرف الدولي على تمتعهم بالحصانات واالمتيازات الالزمة عند مرورهم‬
‫العرضي في أراضي هذه الدولة‪ .‬وقد عجزت كل النظريات التي بحثت في األساس الفلسفي للتمتع‬
‫بالحصانات االمتيازات في تفسير هذه الحالة‪ ،‬إال أن البعض فسَّرها بوجود مصلحة مشتركة للدول في‬
‫عدم إعاقة سير البعثات الدبلوماسية والقنصلية‪ ،‬ألن قيام أية دولة بذلك سوف يؤدي إلى عدم ُّ‬
‫تمكنها من‬
‫إرسال مبعوثيها إلى الخارج(‪.)2‬‬
‫وقد سايرت اتفاقيات العالقات الدبلوماسية والقنصلية العرف الدولي في هذا الشأن‪ ،‬حين ألزمت‬
‫الدولة الثالثة بمنح جميع الحصانات التي يقتضيها ضمان المرور أو العودة لجميع أعضاء البعثة وأفراد‬
‫أسرهم ممن كانوا معهم أو بمفردهم‪ ،‬وتمتد هذه الحصانة لجميع مراسالتهم وحقائبهم الدبلوماسية(‪.)3‬‬
‫المبحث الثاني‬
‫حصانات وامتيازات مقرات البعثات الدبلوماسية والقنصلية‬
‫يتطلب تجسيد المهام الدبلوماسية والقنصلية حصول البعثات على مقر في إقليم الدولة المضيفة‬
‫لتمارس فيه عملها وتحفظ فيه وثائقها‪ ،‬لذلك تكون الدولة المضيفة ملزمة بمنح البعثات المعتمدة لديها‬
‫التسهيالت الالزمة للقيام بعملها(‪ ،)4‬ومنها توفير مقرات لتلك البعثات‪.‬‬
‫ويقصد بمقر البعثة حسب اتفاقيات العالقات الدبلوماسية والقنصلية المباني وأجزاء المباني‬ ‫ُ‬
‫واألراضي الملحقة أياً كان مالكها‪ ،‬والمستخدمة من أجل ممارسة البعثة لمهامها بما في ذلك السكن الذي‬
‫يشغله رئيس البعثة(‪ .)5‬وتبدأ حصانة مقر البعثة ودور سكن الممثلين الدبلوماسيين فور إبالغ السلطات‬
‫المحلية عن مركزها وعنوانها وأشغالها فعلياً(‪.)6‬‬

‫(‪)1‬‬
‫بن صاف فرحات‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.60‬‬
‫(‪)2‬‬
‫سهيل حسين الفتالوي‪ ،‬الدبلوماسية المعاصرة بين النظرية والتطبيق‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.999‬‬
‫(‪)3‬‬
‫أنظر‪ :‬المادة (‪ )80‬من اتفاقية العالقات الدبلوماسية‪ ،‬والمادة (‪ )18‬من اتفاقية العالقات القنصلية‪ ،‬والمادة (‪ )89‬من اتفاقية البعثات الخاصة‪ ،‬والمادة‬
‫(‪ )45‬من اتفاقية تمثيل الدول في عالقاتها مع المنظمات الدولية‪.‬‬
‫(‪)4‬‬
‫ال‪ :‬المادة (‪ )91‬من اتفاقية العالقات الدبلوماسية‪ ،‬والمادة (‪ )94‬من اتفاقية العالقات القنصلية‪.‬‬
‫أنظر مث ً‬
‫(‪)5‬‬
‫ال‪ :‬المادة (‪/05‬ح) من اتفاقية العالقات الدبلوماسية‪ ،‬والمادة (‪/05‬ف) من اتفاقية العالقات القنصلية‪.‬‬
‫أنظر مث ً‬
‫(‪)6‬‬
‫سموحي فوق العادة‪ ،‬الدبلوماسية الحديثة‪ ،‬دار اليقظة العربية‪ ،‬بيروت‪ ،‬لبنان‪ ،5691 ،‬ص ‪.940‬‬

‫‪67‬‬
‫الفصل الثالث‪ :‬الحصانات واالمتيازات الدبلوماسية والقنصلية‬ ‫محاضرات في قانون العالقات الدبلوماسية والقنصلية‬

‫وتتعدد الحصانات واالمتيازات الخاصة بمقرات البعثات الدبلوماسية والقنصلية بشكل ُيمكن تناوله‬
‫في مطلبين‪ُ ،‬يخصص األول لحصانات وامتيازات مباني ووسائل البعثة‪ ،‬والثاني لحصانات وامتيازات‬
‫وثائق ومحفوظات البعثة‪.‬‬
‫المطلب األول‪ :‬الحصانات واالمتيازات المتعلقة بمباني ووسائل البعثة‬
‫ال تقتصر التسهيالت والحصانات التي تتمتع بها مقرات البعثات على كل المباني التابعة للبعثات‬
‫الدبلوماسية والقنصلية‪ ،‬بل تمتد للوسائل المملوكة لها حتى وان كانت بعض الوقت خارج مقر البعثة‪،‬‬
‫وتوضيح ذلك كما يلي‪:‬‬
‫الفرع األول‪ :‬التسهيالت والحصانات المتعلقة بمباني البعثة‬
‫تتمثل هذه التسهيالت والحصانات في‪:‬‬
‫أوالا‪ :‬تسهيل حيازة مقر البعثة‬
‫ألزمت المادة (‪ )95‬من اتفاقية فيينا للعالقات الدبلوماسية لسنة ‪ 5695‬الدولة المضيفة بأن تُيسِّر‬
‫للدولة الموفدة حيازة واقتناء العقارات الالزمة لعمل البعثة الدبلوماسية‪ ،‬سواء في إطار تشريعها الوطني أو‬
‫بأية طريقة أخرى‪ ،‬وكذلك مساعدة البعثة في الحصول على المساكن المالئمة ألعضائها(‪ .)1‬ولم تحدد‬
‫االتفاقية طريقة قانونية معينة القتناء دار البعثة أو سكن أعضائها‪ ،‬مما ُيمكن أن يتم بالتملك أو‬
‫االستئجار أو اإلعارة أو بأية طريقة أخرى مناسبة(‪.)2‬‬
‫كما نصت على هذا االلتزام كذلك كل من اتفاقية العالقات القنصلية لسنة ‪ ،5691‬واتفاقية‬
‫البعثات الخاصة لسنة ‪ ،)3(5696‬واتفاقية تمثيل الدول في عالقاتها مع المنظمات الدولية لسنة ‪،5691‬‬
‫غير أن هذا االلتزام ال يقع على الدولة المضيفة فقط بالنسبة لبعثات الدول لدى المنظمات الدولية‪ ،‬بل‬
‫يقع كذلك على المنظمة المستقبلة والمؤتمر المستقبل معاً(‪.)4‬‬
‫ثاني ا‪ :‬استخدام علم وشعار الدولة المعتمدة‬
‫يحق للبعثة رفع علمها الوطني وشعار دولتها فوق مقر البعثة‪ ،‬وفوق سكن رئيسها ووضعه على‬
‫وسائل تنقالته‪ ،‬وهو ما نصت عليه اتفاقيات العالقات الدبلوماسية والقنصلية(‪ ،)5‬مع اختالف طفيف في‬
‫النطاق المكاني لتطبيق هذا الحق‪ ،‬حيث سمحت اتفاقية العالقات الدبلوماسية واتفاقية العالقات القنصلية‬

‫(‪)1‬‬
‫تنص المادة (‪ )95‬على‪" :‬يجب على الدولة المعتمد لديها إما أن تيسر‪ ،‬وفق قوانينها‪ ،‬اقتناء الدار الالزمة في إقليمها للدولة المعتمدة‪ ،‬أو أن تساعدها‬
‫على الحصول عليها بأية طريقة أخرى‪ .‬ويجب عليها كذلك أن تساعد البعثات عند االقتضاء على الحصول على المساكن الالئقة ألفرادها"‪.‬‬
‫(‪)2‬‬
‫موسى محمد مصباح‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ص ‪.64 ،69‬‬
‫(‪)3‬‬
‫أنظر‪ :‬المادة (‪ )10‬من اتفاقية فيينا للعالقات القنصلية‪ ،‬والمادة (‪ )91‬من اتفاقية البعثات الخاصة‪.‬‬
‫(‪ )4‬أنظر‪ :‬المادة (‪ )19‬من اتفاقية فيينا لتمثيل الدول في عالقاتها مع المنظمات الدولية ذات الطابع العالمي‪.‬‬
‫(‪)5‬‬
‫أنظر‪ :‬المادة (‪ )90‬من اتفاقية العالقات الدبلوماسية‪ ،‬والمادة (‪ )96‬من اتفاقية العالقات القنصلية‪ ،‬والمادة (‪ )56‬من اتفاقية البعثات الخاصة‪ ،‬والمادة‬
‫(‪ )56‬من اتفاقية تمثيل الدول في عالقاتها مع المنظمات الدولية‪.‬‬

‫‪61‬‬
‫الفصل الثالث‪ :‬الحصانات واالمتيازات الدبلوماسية والقنصلية‬ ‫محاضرات في قانون العالقات الدبلوماسية والقنصلية‬

‫واتفاقية تمثيل الدول لدى المنظمات الدولية بوضع العلم الوطني للدولة الموفدة فوق مقر البعثة وفوق‬
‫سكن رئيسها وعلى وسائل تنقالته عند استخدامها في األغراض الرسمية‪ ،‬بينما لم تعط اتفاقية البعثات‬
‫الخاصة الحق لرئيس البعثة لرفع علمه الوطني فوق مقر إقامته‪ ،‬ولكنها وسَّعت من نطاق وسائل التنقل‬
‫التي يوضع عليها علم وشعار الدولة الموفدة‪ ،‬ليشمل كل سيارات البعثة وليس سيارة رئيس البعثة فقط‪.‬‬
‫ولعل الهدف المتوخى من السماح للدولة الموفدة برفع علمها وشعارها فوق مقرات بعثاتها‬
‫الدبلوماسية والقنصلية هو اعالم مواطنيها ورعاياها‪ ،‬وكذلك اعالم السلطات المحلية بوجودها‪ ،‬وذلك‬
‫لتوفير الحماية الالزمة لها‪ ،‬خصوصاً في أوقات االضطرابات كالمظاهرات والمسيرات الشعبية(‪.)1‬‬
‫ثالثا‪ :‬حرمة مباني البعثة‬
‫يعترف القانون الدولي وكافة القوانين الداخلية للدول بحرمة مقر البعثة الدبلوماسية‪ ،‬ألنها حسب‬
‫وجهة نظر لجنة القانون الدولي مستمدة من مقومات الدولة الموفدة وسيادتها‪ ،‬وكذلك الحال بالنسبة‬
‫لحرمة سكنات المبعوثين الدبلوماسيين والقنصليين‪ ،‬ألنها مستمدة من حصانتهم الشخصية‪ ،‬وفي هذا‬
‫السياق يقول الفقيه "فاتل"‪" :‬إن حرية الممثل الدبلوماسي تبقى ناقصة وطمأنينته مهددة إذا لم تكن حرمة‬
‫داره مصونة‪ ،‬بحيث يحظر دخولها على رجال السلطتين القضائية والتنفيذية‪ ،‬ولوال ذلك ألمكن انتحال‬
‫شتى األعذار في سبيل ازعاجه واهانته واالطالع على الوثائق السرية الموجودة لديه"(‪.)2‬‬
‫تطرقت المادة (‪ )5/99‬من اتفاقية العالقات الدبلوماسية إلى مبدأ حرمة مقر البعثة‬
‫وقد َّ‬
‫الدبلوماسية‪ ،‬حيث نصَّت على‪" :‬تكون حرمة دار البعثة مصونة‪ .‬وال يجوز لمأموري الدولة المعتمد لديها‬
‫دخولها إال بموافقة رئيس البعثة"‪ ،‬ونفس الشيء بالنسبة لسكن المبعوث الدبلوماسي‪ ،‬حيث نصًّت المادة‬
‫(‪ )5/10‬على‪" :‬يتمتع المنزل الخاص الذي يقطنه المبعوث الدبلوماسي بذات الحصانة والحماية اللتين‬
‫تتمتع بهما دار البعثة"‪.‬‬
‫وهذا يعني أن سلطات الدولة المضيفة يقع عليها التزام حماية دار البعثة وكذا سكن المبعوث‬
‫الدبلوماسي من أي اقتحام أو تفتيش أو ضرر لمقر البعثة‪ ،‬كما يقع عليها التزام بمنع أي إخالل بأمن‬
‫البعثة أو مساس بكرامتها‪ ،‬وهو ما نصَّت عليه المادة (‪.)9/99‬‬
‫تطرقت لذات المبدأ كل من اتفاقية العالقات القنصلية لسنة ‪ 5691‬في مادتها (‪،)1 ،5/15‬‬
‫كما َّ‬
‫واتفاقية البعثات الخاصة لسنة ‪ 5696‬في مادتها (‪ ،)9 ،5/91‬واتفاقية تمثيل الدول لدى المنظمات‬
‫الدولية في مادتها (‪ ،)9 ،5/91‬غير أنه يالحظ أن اتفاقية العالقات القنصلية واتفاقية البعثات الخاصة‬
‫افترضت حصول موافقة رئيس البعثة على دخول مقر البعثة في حالة الحريق أو أية كارثة أخرى تهدد‬

‫(‪)1‬‬
‫بن صاف فرحات‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.581‬‬
‫(‪)2‬‬
‫غازي حسن صباريني‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.511‬‬

‫‪68‬‬
‫الفصل الثالث‪ :‬الحصانات واالمتيازات الدبلوماسية والقنصلية‬ ‫محاضرات في قانون العالقات الدبلوماسية والقنصلية‬

‫بطريقة خطيرة األمن العام(‪ ،)1‬كما أضافت اتفاقية تمثيل الدول لدى المنظمات الدولية أنه في حالة‬
‫حدوث هجوم على مباني البعثة‪ ،‬فإن الدولة المضيفة تلتزم بمحاكمة األشخاص الذين ارتكبوا هذا الهجوم‬
‫ومعاقبتهم(‪.)2‬‬
‫هذا‪ ،‬وتجدر اإلشارة إلى أن التزام الدولة المضيفة بحماية مقر البعثة يبقى قائماً حتى في حالة‬
‫الحرب التي قد تنشب بينها وبين الدولة الموفدة‪ ،‬ما لم تعهد هذه األخيرة بحراسة دار البعثة وأموالها‬
‫ومحفوظاتها إلى دولة ثالثة تقبل بها الدولة المضيفة‪ ،‬وهو ما نصًّت عليه المادة (‪/81‬أ‪ ،‬ب‪ ،‬ج) من‬
‫اتفاقية العالقات الدبلوماسية‪ ،‬والمادة (‪/5/99‬أ‪ ،‬ب) من اتفاقية العالقات القنصلية‪.‬‬
‫واذا كانت اتفاقية العالقات الدبلوماسية واتفاقية العالقات القنصلية قد أقرتا الحرمة المطلقة لمقر‬
‫البعثة‪ ،‬إال أنهما نصتا في المقابل على التزام أعضاء البعثة بعدم إساءة استخدام مقر البعثة‪ ،‬وذلك في‬
‫المادتين (‪ )1/85‬و(‪ )9/11‬على التوالي‪ ،‬وذلك بهدف تحقيق التوازن والتكافؤ بين مصالح وواجبات كل‬
‫من الدولة المضيفة من جهة والبعثة من جهة أخرى‪ ،‬فإذا لم يحترم أعضاء البعثة االلتزامات المفروضة‬
‫عليهم فمن الممكن أن تتجاوز الدولة المضيفة التزامها الذي تفرضه مقتضيات حرمة المقر بالدخول إليه‬
‫في حالة الضرورة الملحة السيما عند تهديد أمنها‪ ،‬وبالتالي ُيمكن القول أن الحرمة المطلقة تبقى مرهونة‬
‫بأداء البعثة لواجباتها على أكمل وجه تجاه الدولة المضيفة(‪.)3‬‬
‫رابع ا‪ :‬إعفاء مقر البعثة من الضرائب والرسوم‬
‫أعفت المادة (‪ )5/91‬من اتفاقية العالقات الدبلوماسية البعثات من أداء جميع الرسوم والضرائب‬
‫الوطنية واإلقليمية والبلدية المتعلقة باألماكن التي تشغلها البعثة – بما فيها مسكن رئيس البعثة ‪ -‬بالتملك‬
‫أو االيجار‪ ،‬إال ما كان مقابالً لخدمات فعلية كرسوم التزويد بشبكات الهاتف والكهرباء والماء‪ .‬وأضافت‬
‫المادة (‪ )94‬من ذات االتفاقية إلى دائرة اإلعفاء واردات البعثة الدبلوماسية العائدة من أعمالها الرسمية‪.‬‬
‫غير أن ذات المادة (‪ )91‬في فقرتها الثانية استثنت من ذلك الرسوم والضرائب المفروضة‬
‫بموجب قوانين الدولة المضيفة على المتعاقدين مع البعثة الدبلوماسية‪ ،‬كالمتعهدين وغيرهم ممن يقومون‬
‫بأعمال البناء والصيانة والترميم والنقل لصالح البعثة وأعضائها(‪.)4‬‬
‫وقد نصت كذلك على كل هذه االمتيازات المالية واالستثناء الوارد عليها اتفاقية العالقات القنصلية‬
‫في مادتيها (‪ )19‬و(‪ ،)16‬واتفاقية البعثات الخاصة في المادة (‪ ،)98‬واتفاقية تمثيل الدول لدى‬
‫المنظمات الدولية في المادة (‪.)18‬‬

‫(‪)1‬‬
‫أنظر‪ :‬المادة (‪ )9/15‬من اتفاقية العالقات القنصلية‪ ،‬والمادة (‪ )5/91‬من اتفاقية البعثات الخاصة‪.‬‬
‫(‪)2‬‬
‫أنظر‪ :‬المادة (‪/9/91‬ب) من اتفاقية تمثيل الدول لدى المنظمات الدولية‪.‬‬
‫(‪)3‬‬
‫مايا الدباس‪ ،‬ماهر ملندي‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ص ‪.99 ،95‬‬
‫(‪)4‬‬
‫موسى محمد مصباح‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.591‬‬

‫‪62‬‬
‫الفصل الثالث‪ :‬الحصانات واالمتيازات الدبلوماسية والقنصلية‬ ‫محاضرات في قانون العالقات الدبلوماسية والقنصلية‬

‫الفرع الثاني‪ :‬الحصانات واالمتيازات المتعلقة بوسائل البعثة‬


‫باإلضافة إلى التسهيالت والحصانات التي تتمتع بها مباني البعثة‪ ،‬فإن هناك حصانات وامتيازات‬
‫أخرى تتمتع بها الوسائل المادية المملوكة لها‪ ،‬ويتعلق األمر بأموالها المنقولة ووسائل النقل التابعة لها‪.‬‬
‫أوالا‪ :‬إعفاء أموال البعثة المنقولة من الضرائب والرسوم واإلجراءات اإلدارية والقضائية‬
‫نصَّت المادة (‪ )19‬من اتفاقية العالقات الدبلوماسية على إعفاء دخول جميع المواد التي‬
‫تس تعملها البعثة في مهامها الرسمية‪ ،‬أو الموجهة لالستعمال الخاص للمبعوث الدبلوماسي وأفراد أسرته‬
‫المقيمين معه‪ ،‬من كافة الرسوم والضرائب الجمركية وجميع التكاليف األخرى‪ ،‬غير تكاليف التخزين‬
‫والنقل والخدمات المماثلة(‪ .)1‬كما نصت على هذه اإلعفاءات المادة (‪ )10‬من اتفاقية العالقات القنصلية‪،‬‬
‫والمادة (‪ )11‬من اتفاقية البعثات الخاصة‪ ،‬والمادة (‪ )91‬من اتفاقية تمثيل الدول لدى المنظمات الدولية‪،‬‬
‫وسعت من دائرة اإلعفاء من الضرائب والرسوم الجمركية‪،‬‬ ‫مع مالحظة أن هذه االتفاقيات األخيرة قد َّ‬
‫لتشمل المواد التي يستوردها الموظفون الدبلوماسيون والقنصليون خالل أول مرة من تسلُّمهم لعملهم‪ .‬بينما‬
‫لم تنص اتفاقية البعثات الخاصة واتفاقية تمثيل الدول لدى المنظمات الدولية على إعفاء عائدات تلك‬
‫البعثات من أعمالها الرسمية من الضرائب والرسوم‪ ،‬ألن البعثات الخاصة وبعثات الدول لدى المنظمات‬
‫الدولية ال تُحصِّل عائدات على إقليم الدولة المضيفة‪.‬‬
‫واذا كانت المواد التي تقتنيها البعثة تتمتع باإلعفاء من الضرائب والرسوم الجمركية‪ ،‬فإن أموالها‬
‫وأثاثها الموجود فيها يتمتع بالحصانة من إجراءات التفتيش أو االستيالء أو الحجز أو التنفيذ‪ ،‬وهو ما‬
‫نصت عليه المادة (‪ )1/99‬من اتفاقية العالقات الدبلوماسية بقولها‪" :‬تُعفى دار البعثة وأثاثها وأموالها‬
‫األخرى الموجودة فيها ووسائل النقل التابعة لها من إجراءات التفتيش أو االستيالء أو الحجز أو التنفيذ"‪.‬‬
‫كما نصت على ذلك المادة (‪ )8/15‬من اتفاقية العالقات القنصلية‪ ،‬والمادة (‪ )1/91‬من اتفاقية البعثات‬
‫الخاصة‪ ،‬والمادة (‪ )1/91‬من اتفاقية تمثيل الدول لدى المنظمات الدولية‪.‬‬
‫ثاني ا‪ :‬حرمة وسائل النقل‬
‫تمتد حرمة مقر البعثة لتشمل السيارات التي يستخدمها أعضاء البعثة سواء كانت داخل مقر‬
‫البعثة أو خارجها‪ ،‬فال يجوز حجزها أو مصادرتها مهما كانت األسباب‪ ،‬إال أن هذا ال يعني إعفاء‬
‫أعضاء البعثة من ُّ‬
‫التقيد بأنظمة السير ومراعاة القوانين المتعلقة باألمن والسالمة العامة في الدولة‬
‫المضيفة(‪ ،)2‬وهو ما نصَّت عليه المادة (‪ )1/99‬من اتفاقية العالقات الدبلوماسية‪.‬‬

‫(‪ )1‬تنص المادة (‪ )5/19‬على‪" :‬تقوم الدولة المعتمد لديها‪ ،‬وفقا لما قد تُ ِسنُّه من قوانين وأنظمة‪ ،‬بالسماح بدخول المواد اآلتية واعفائها من جميع الرسوم‬
‫الجمركية والضرائب والتكاليف األخرى غير تكاليف التخزين والنقل والخدمات المماثلة‪ :‬أ‪ -‬المواد المعدة الستعمال البعثة الرسمي‪ .‬ب ‪ -‬المواد المعدة‬
‫لالستعمال الخاص للمبعوث الدبلوماسي أو ألفراد أسرته من أهل بيته‪ ،‬بما في ذلك المواد المعدة الستق ارره"‪.‬‬
‫(‪)2‬‬
‫موسى محمد مصباح‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.509‬‬

‫‪66‬‬
‫الفصل الثالث‪ :‬الحصانات واالمتيازات الدبلوماسية والقنصلية‬ ‫محاضرات في قانون العالقات الدبلوماسية والقنصلية‬

‫استثناء‬
‫ً‬ ‫أما فيما يتعلق بتفتيش سيارات البعثة فإنه أيضاً محظور من الناحية المبدئية‪ ،‬غير أنه‬
‫ُيمكن تفتيشها إذا كانت هناك شكوك أو ورود معلومات مؤكدة على احتواءها على مواد تخضع للحجر‬
‫الصحي في الدولة المضيفة أو مواد يحظر قانونها استيرادها أو تصديرها‪ ،‬وذلك بحضور المبعوث‬
‫الدبلوماسي المعني أو مندوب عنه وفقاً نصَّت عليه المادة (‪ )9/19‬من اتفاقية العالقات الدبلوماسية‪.‬‬
‫واذا لم يتم العثور على مواد محظورة في السيارة فيقتضي األمر االعتذار للمبعوث المعني(‪.)1‬‬
‫وقد نصَّت على هذا االستثناء كذلك المادة (‪ )1/10‬من اتفاقية العالقات القنصلية‪ ،‬والمادة‬
‫(‪ )9/11‬من اتفاقية البعثات الخاصة‪ ،‬والمادة (‪ )9/11‬من اتفاقية تمثيل الدول لدى المنظمات الدولية‪.‬‬
‫المطلب الثاني‪ :‬الحصانات واالمتيازات المتعلقة بوثائق ومحفوظات البعثة‬
‫بالنظر إلى أن عمل البعثة يتطلَّب تحرير مجموعة من الوثائق والمراسالت لعدد من الجهات‪،‬‬
‫فإن اتفاقيات العالقات الدبلوماسية والقنصلية وسَّعت من مجال حماية البعثة‪ ،‬ليشمل موجوداتها من‬
‫وثائق ومراسالت ومحفوظات‪ ،‬حتى وان كانت خارج مقر البعثة‪ ،‬وتوضيح ذلك في اآلتي‪:‬‬
‫الفرع األول‪ :‬حرمة الوثائق والمحفوظات‬
‫إن الكالم عن حرمة الوثائق والمحفوظات التابعة للبعثة‪ ،‬يفرض علينا أوالً تحديد وثائق‬
‫ومحفوظات البعثة المشمولة بالحرمة‪ ،‬وثانياً تحديد نطاق هذه الحرمة‪.‬‬
‫أوالا‪ :‬وثائق ومحفوظات البعثة المشمولة بالحرمة‬
‫حدد اتفاقيات العالقات الدبلوماسية والقنصلية المقصود بوثائق ومحفوظات البعثة ولم تُ ِّ‬
‫حدد‬ ‫لم تُ ِّ‬
‫نوعها‪ ،‬غير أن المادة (‪ )55/05‬من اتفاقية العالقات القنصلية َّبينت لنا المقصود بالمحفوظات القنصلية‬
‫بأنها‪" :‬جميع األوراق والمستندات والمراسالت والكتب واألفالم وأشرطة التسجيل والسجالت واألوراق‬
‫المكتبية والمفروشات المعدة لحفظها وحمايتها"‪ .‬أما حرمتها فتعني عدم جواز االطالع عليها أو العبث‬
‫بها أو اتالفها أو تصويرها أو استنساخها‪ ،‬أو كل ما يكشف عن فحواها من قبل السلطات ووكالء الدولة‬
‫المستقبلة(‪ .)2‬كما ال يجوز تفتيشها أو مصادرتها أو التعرض لها مهما كانت األسباب والذرائع(‪.)3‬‬
‫الواضح من هذا التعريف أن هذه المحفوظات تمثل تلك الوثائق والسجالت والمراسالت التي تم‬
‫استعمالها وأصبحت في شكل أرشيف للبعثة‪ ،‬والهدف منها هو توثيق عمل البعثة‪ ،‬حتى يسهل الرجوع‬
‫إليه واالستفادة منه في أي وقت‪.‬‬

‫(‪)1‬‬
‫مايا الدباس‪ ،‬ماهر ملندي‪ ،‬مرجع سابق‪.91 ،‬‬
‫(‪)2‬‬
‫حجام دريس‪ ،‬حصانات وامتيازات البعثات الدبلوماسية الخاصة‪( ،‬مذكرة ماجستير في القانون الدبلوماسي‪ ،‬كلية الحقوق‪ ،‬جامعة الجزائر‪،5‬‬
‫‪ ،)9051/9059‬ص ‪.89‬‬
‫(‪)3‬‬
‫علي حسين الشامي‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪..868‬‬

‫‪64‬‬
‫الفصل الثالث‪ :‬الحصانات واالمتيازات الدبلوماسية والقنصلية‬ ‫محاضرات في قانون العالقات الدبلوماسية والقنصلية‬

‫ثاني ا‪ :‬نطاق حرمة الوثائق والمحفوظات‬


‫لقد َّ‬
‫أكدت اتفاقيات العالقات الدبلوماسية والقنصلية بألفاظ متقاربة ومضمون واحد على وجوب‬
‫تمتع محفوظات البعثة ووثائقها بحرمة خاصة تفرض عدم التعرض لها واحترام سريتها‪ ،‬ومنها المادة‬
‫(‪ )98‬من اتفاقية العالقات الدبلوماسية‪ ،‬التي نصَّت على‪" :‬تكون حرمة محفوظات البعثة ووثائقها‬
‫مصونة دائماً أياً كان مكانها"(‪ .)1‬غير أن المادة (‪ )99‬من اتفاقية البعثات الخاصة أضافت أنه ينبغي‬
‫عند الضرورة أن تحمل هذه الوثائق والمحفوظات عالمات خارجية مرئية تدل على هويتها‪ ،‬حتى تتمتع‬
‫بالحرمة والحصانة الالزمة‪ ،‬وقد كانت هذه اإلضافة باقتراح من دولة الكويت محتواه أنه ما دام ليس من‬
‫السهل التعرف على األرشيف والوثائق‪ ،‬فيجب أن تحمل عالمات خارجية تُ ِّ‬
‫مكن من هيئتها ومحتواها(‪.)2‬‬
‫من استقراء هذا النص يتبين أن النطاق الموضوعي لحرمة الوثائق والمحفوظات يمتد ليشمل‬
‫جميع الوثائق والمحفوظات التابعة للبعثة مهما كان نوعها ألنها وردت ُمطلقة في النص‪ ،‬أما نطاقها‬
‫المكاني فيمتد ليشمل أي مكان ُوجدت فيه هذه الوثائق والمحفوظات‪ ،‬سواء في إقليم الدولة المضيفة أو‬
‫إقليم الدولة الثالثة التي تمر بها هذه الوثائق والمحفوظات‪ ،‬وهو ما ِّ‬
‫تؤكده عبارة "أياً كان مكانها"‪.‬‬
‫وعلى الرغم من أن الحصانة المنوحة لمقر البعثة تغطي تلقائياً كل موجوداتها بما فيها الوثائق‬
‫والمحفوظات‪ ،‬إال أن اتفاقيات العالقات الدبلوماسية والقنصلية عالجت حرمة هذه الوثائق والمحفوظات‬
‫في مادة خاصة‪ ،‬مما ُيفيد أن حصانة محفوظات ووثائق البعثة حصانة قائمة بذاتها مستقلة عن حصانة‬
‫األمكنة التي توجد فيها(‪ ،)3‬ولعل السبب في منح هذه الوثائق والمحفوظات حصانة خاصة هو إمكانية‬
‫وجودها في أماكن أخرى غير مقر البعثة(‪.)4‬‬
‫أما النطاق الزماني لحرمة وثائق ومحفوظات البعثة فقد َّ‬
‫أكدت المادة المذكورة أنه يمتد ليكون في‬
‫كل األوقات والظروف بقولها‪" :‬مصونة دائماً"‪ ،‬مما يفيد أن حرمة هذه الوثائق والمحفوظات وحمايتها من‬
‫طرف الدولة المضيفة تبقى قائمة حتى في حاالت النزاع المسلح أو قطع العالقات الدبلوماسية والقنصلية‬
‫بين البلدين‪ ،‬وان كان بإمكان الدولة الموفدة أن تعهد بحراسة األمكنة الخاصة بالبعثة مع محتوياتها من‬
‫أموال ومحفوظات إلى بعثة دولة ثالثة ترتضيها الدولة المضيفة(‪.)5‬‬

‫(‪)1‬‬
‫أنظر كذلك‪ :‬المادة (‪ )11‬من اتفاقية العالقات القنصلية‪ ،‬والمادة (‪ )99‬من اتفاقية البعثات الخاصة‪ ،‬والمادة (‪ )91‬من اتفاقية تمثيل الدول لدى المنظمات‬
‫الدولية‪.‬‬
‫(‪)2‬‬
‫حجام دريس‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.89‬‬
‫(‪)3‬‬
‫غازي حسن صباريني‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.581‬‬
‫(‪)4‬‬
‫علي حسين الشامي‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.861‬‬
‫(‪)5‬‬
‫أنظر في هذا المعنى‪ :‬غازي حسن صباريني‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.581‬‬

‫‪41‬‬
‫الفصل الثالث‪ :‬الحصانات واالمتيازات الدبلوماسية والقنصلية‬ ‫محاضرات في قانون العالقات الدبلوماسية والقنصلية‬

‫الفرع الثاني‪ :‬حرية االتصاالت وحرمة المراسالت والحقيبة الدبلوماسية‬


‫أقرت اتفاقيات العالقات الدبلوماسية والقنصلية حرمة خاصة لالتصاالت والمراسالت‬
‫لقد َّ‬
‫الدبلوماسية والقنصلية ال تقل أهمية عن تلك التي تتمتع بها الوثائق والمحفوظات‪ ،‬وذلك تسهيالً لقيام‬
‫البعثة بوظائفها الدبلوماسية والقنصلية وتحقيقاً ألغراضها الرسمية‪ ،‬وهو ما سنشرحه في البندين المواليين‪.‬‬
‫أوالا‪ :‬حرية االتصاالت‬
‫يتطلب قيام البعثة بمهامها إجراء العديد من االتصاالت المستمرة سواء بينها وبين حكومة الدولة‬
‫المضيفة‪ ،‬أو بينها وبين بعثات وقنصليات أخرى تابعة لدولتها أينما ُوجدت سواء كانت بعثات دائمة أو‬
‫مؤقتة لدى هذه الدولة أو تلك أو هذه المنظمة الدولية أو تلك‪ ،‬والتي من شأنها مساعدة البعثة على القيام‬
‫بمهامها على أكمل وجه‪ .‬وفي سبيل تحقيق ذلك يجب على الدولة المضيفة تمكين البعثة والسماح لها‬
‫ب استخدام جميع الوسائل المشروعة لتأمين اتصاالتها‪ ،‬سواء عن طريق البريد أو البرق والتلغراف والهاتف‬
‫أو عن طريق الرموز أو الشفرة أو جهاز راديو خاص أو ال سلكي(‪.)1‬‬
‫نوهت به المادة (‪ )5/99‬من اتفاقية العالقات الدبلوماسية بقولها‪" :‬تجيز الدولة المعتمد‬
‫وهذا ما َّ‬
‫لديها للبعثة حرية االتصال لجميع األغراض الرسمية وتصون هذه الحرية‪ .‬ويجوز للبعثة‪ ،‬عند اتصالها‬
‫بحكومة الدولة المعتمدة وبعثاتها وقنصلياتها األخرى‪ ،‬أينما وجدت‪ ،‬أن تستخدم جميع الوسائل المناسبة‪،‬‬
‫بما في ذلك الرسل الدبلوماسيون والرسائل المرسلة بالرموز أو الشفرة‪ .‬وال يجوز‪ ،‬مع ذلك‪ ،‬للبعثة تركيب‬
‫أو استخدام جهاز إرسال السلكي إال برضى الدولة المعتمد لديها"(‪.)2‬‬
‫ويكمن الهدف الرئيسي من إقرار مبدأ حرية االتصال لجميع األغراض الرسمية في توفير حماية‬
‫عد تأمين الظروف المواتية من طرف الدولة المضيفة وعدم العرقلة‬ ‫قانونية ألداء مهام البعثة‪ ،‬لذلك ُي ُّ‬
‫والسرعة في تسليم الرسائل الدبلوماسية وحرمة طابعها السري أهم جانب عملي من ذلك المبدأ(‪.)3‬‬
‫ثاني ا‪ :‬حرمة المراسالت والحقيبة الدبلوماسية‬
‫إن تأمين حرية اتصاالت البعثة في الدولة المضيفة وحده ال يكفي لقيام البعثة بمهامها على أكمل‬
‫وجه‪ ،‬بل ال بد من تأمين حرمة مراسالتها والحقيبة الدبلوماسية أو القنصلية الحاملة لها(‪ ،)4‬وُيقصد بحرمة‬

‫(‪)1‬‬
‫علي حسين الشامي‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.869‬‬
‫(‪)2‬‬
‫هذه المادة تقابلها المادة (‪ )5/11‬من اتفاقية العالقات القنصلية‪ ،‬والمادة (‪ )5/94‬من اتفاقية البعثات الخاصة‪ ،‬والمادة (‪ )5/99‬من اتفاقية تمثيل الدول‬
‫لدى المنظمات الدولية ‪ ،‬وقد تضمنت هذه المواد كذلك النص على حرية االتصاالت بذات المضمون‪.‬‬
‫(‪)3‬‬
‫غازي حسن صباريني‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.589‬‬
‫(‪)4‬‬
‫لم تتضمن اتفاقيات العالقات الدبلوماسية والقنصلية أي تعريف للحقيبة الدبلوماسية‪ ،‬غير أن "فليب كاييه" استنبط تعريفها من نصوص تلك االتفاقيات بما‬
‫يفيد أنها رزم أو طرود بريدية تحمل عالمات خارجية ظاهرة تبين طابعها الرسمي‪ .‬أنظر‪ :‬غازي حسن صباريني‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.589‬‬

‫‪45‬‬
‫الفصل الثالث‪ :‬الحصانات واالمتيازات الدبلوماسية والقنصلية‬ ‫محاضرات في قانون العالقات الدبلوماسية والقنصلية‬

‫المراسالت الرسمية للبعثة عدم تعرضها للتفتيش والحجز واإلطالع عليها أو استعمالها كدليل أمام‬
‫المحاكم الوطنية في الدولة المضيفة(‪.)1‬‬
‫لذلك نصَّت كل اتفاقيات العالقات الدبلوماسية والقنصلية على حرمة المراسالت الرسمية للبعثات‬
‫وحقيبتها الدبلوماسية‪ ،‬ومنها المادة (‪ )8 ،1 ،9/99‬من اتفاقية العالقات الدبلوماسية بقولها‪:‬‬
‫"‪ -9‬تكون حرمة المراسالت الرسمية للبعثة مصونة‪ .‬ويقصد بالمراسالت الرسمية جميع المراسالت‬
‫المتعلقة بالبعثة ووظائفها‪.‬‬
‫‪ -1‬ال يجوز فتح الحقيبة الدبلوماسية أو حجزها‪.‬‬
‫‪ -8‬يجب أن تحمل الطرود التي تتألف منها الحقيبة الدبلوماسية عالمات خارجية ظاهرة تبين طبيعتها‪،‬‬
‫وال يجوز أن تحتوي إال الوثائق الدبلوماسية والمواد المعدة لالستعمال الرسمي"(‪.)2‬‬
‫ما ُيمكن مالحظته من النصوص السابقة أنها لم تُحدد طبيعة الوثائق التي تكون في الطرود التي‬
‫تتكون منها الحقيبة الدبلوماسية‪ ،‬لكن الممارسات الدولية المستقرة بهذا الشأن تدل على إمكانية احتواء‬
‫الحقيبة الدبلوماسية والقنصلية على فئات مختلفة من الوثائق والمواد كالرسائل والتقارير والمستندات‬
‫والكتب وأجهزة االتصال واألشرطة والمواد الفنية والطبية‪ .‬كما يالحظ أن تلك النصوص لم تُ ِّ‬
‫حدد حجم‬
‫الحقيبة أو وزنها أو شكلها‪ ،‬إال أن التعامل الدبلوماسي استقر على تقدير كل حالة على حدة حسب اتفاق‬
‫األطراف المعنية(‪.)3‬‬
‫وحسب النصوص المختلفة في تلك االتفاقيات فإن حصانة المراسالت والحقيبة الدبلوماسية تشمل‬
‫عدم تعرضها للتفتيش في المعابر الجمركية وعدم حجزها واإلطالع عن محتوياتها‪ ،‬ولكن حتى تتمتع‬
‫الحقيبة الدبلوماسية أو القنصلية بتلك الحصانة‪ ،‬فقد َّ‬
‫أكدت اتفاقيات العالقات الدبلوماسية والقنصلية على‬
‫توافرها على شرطين هما‪:‬‬
‫‪ -‬أن تحمل الحقيبة الدبلوماسية أو القنصلية عالمات ظاهرة تميزها عن غيرها من األشياء‪.‬‬
‫‪ -‬أن تكون محتوياتها من الوثائق والمواد المعدة لالستعمال الرسمي للبعثة‪.‬‬
‫واذا كانت الحصانة التي تتمتع بها الحقيبة الدبلوماسية والقنصلية تُمثِّل حقاً للدولة الموفدة يقابله‬
‫التزاماً يقع على عاتق الدولة المضيفة‪ ،‬إال أن تنفيذ هذه األخيرة اللتزامها مرهون باحترام الدولة الموفدة‬
‫ويعطي الحق للدولة‬ ‫للشروط التي أوردتها االتفاقيات المذكورة‪ ،‬لذلك فإن اإلخالل بها ُيسقط حصانتها ُ‬
‫المضيفة بتفتيشها أو منع دخولها ألراضيها‪ ،‬وهو ما أشارت إليه المادة (‪ )1/11‬من اتفاقية العالقات‬

‫(‪)1‬‬
‫موسى محمد مصباح‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.559‬‬
‫(‪)2‬‬
‫أنظر كذلك‪ :‬المادة (‪ )8 ،1 ،9/11‬من اتفاقية العالقات القنصلية‪ ،‬والمادة (‪ )1 ،8 ،9/94‬من اتفاقية البعثات الخاصة‪ ،‬والمادة (‪ )8 ،1 ،9/99‬من‬
‫اتفاقية تمثيل الدول لدى المنظمات الدولية‪.‬‬
‫(‪)3‬‬
‫مايا الدباس‪ ،‬ماهر ملندي‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ص ‪.96 ،94‬‬

‫‪47‬‬
‫الفصل الثالث‪ :‬الحصانات واالمتيازات الدبلوماسية والقنصلية‬ ‫محاضرات في قانون العالقات الدبلوماسية والقنصلية‬

‫القنصلية بقولها‪" :‬ال يجوز فتح الحقيبة القنصلية وال احتجازها‪ ،‬أما إذا كان لدى السلطات المختصة في‬
‫الدولة المضيفة أسباب جدية تدعو لالعتقاد بأن الحقيبة تحتوي على غير المراسالت والوثائق والمواد‬
‫المشار اليها في الفقرة ‪ 4‬من هذه المادة‪ ،‬فإنه يحق لها أ ن تطلب فتح الحقيبة بحضورها من قبل ممثل‬
‫مفوض عن الدولة الموفدة‪ .‬واذا رفضت سلطات الدولة الموفدة إجابة مثل هذا الطلب فيحق للدولة‬
‫المضيفة إعادة الحقيبة إلى محل مصدرها"‪.‬‬
‫المبحث الثالث‬
‫حصانات وامتيازات أعضاء البعثات الدبلوماسية والقنصلية‬
‫أشرنا فيما سبق إلى البعثات الدبلوماسية والقنصلية تتكون من مجموعة من األشخاص‪ ،‬بعضهم‬
‫يؤدون وظائف أساسية في تلك البعثات‪ ،‬والبعض اآلخر يقوم بوظائف ثانونية ليست من صميم العمل‬
‫الدبلوماسي والقنصلي‪ .‬لذلك فالحصانات واالمتيازات التي يتمتع بها كل هؤالء ليست على درجة واحدة‬
‫من حيث مضمونها ونطاقها‪ ،‬بل هي متفاوتة بحيث ُيمنح لألعضاء الذين يتمتعون بالصفة الدبلوماسية‬
‫أو القنصلية حصانات وامتيازات متعددة‪ ،‬بينما األعضاء اآلخرون في البعثة من غير المتمتعين بالصفة‬
‫الدبلوماسية أو القنصلية ال ُيمنحون إال حصانات وامتيازات نسبية ومحدودة‪.‬‬
‫وعليه‪ ،‬سنقوم بتقسيم هذا المبحث إلى مطلبين‪ ،‬نتناول في األول حصانات وامتيازات المبعوثين‬
‫الدبلوماسيين والقنصليين‪ ،‬ونخصص الثاني للحصانات واالمتيازات الدبلوماسية والقنصلية التي يتمتع بها‬
‫األعضاء اآلخرون للبعثة‪.‬‬
‫المطلب األول‪ :‬حصانات وامتيازات المبعوثين الدبلوماسيين والقنصليين‬
‫إن الحصانات واالمتيازات الممنوحة للمبعوثين الدبلوماسيين والقنصليين ليست حقوقاً ومزايا‬
‫مرتبطة بأشخاصهم بل هي مرتبطة بمهامهم الوظيفية‪ ،‬التي يجب أن يقوموا بأدائها في جو من الحرية‬
‫واالطمئنان‪ ،‬وهي متنوعة ومتعددة بحيث ُيمكن تصنيفها إلى حصانات شخصية‪ ،‬وحصانات قضائية‬
‫وتنفيذية‪ ،‬وأخي اًر امتيازات واعفاءات مالية‪ ،‬وهو ما سنوضحه في الفروع الثالثة الموالية‪.‬‬
‫الفرع األول‪ :‬الحصانات الشخصية‬
‫تتمثل الحصانات الشخصية التي يتمتع بها المبعوثون الدبلوماسيون والقنصليون فيما يلي‪:‬‬
‫أوالا‪ :‬احترام شخص المبعوث الدبلوماسي والقنصلي وحمايته‬
‫تُ ُّ‬
‫عد الحرمة الشخصية للمبعوث الدبلوماسي والقنصلي من أقدم المبادئ الراسخة في القانون‬
‫الدبلوماسي والقنصلي ‪ ،‬وهي األساس الجوهري الذي انبثقت عنه سائر الحصانات واالمتيازات الدبلوماسية‬
‫والقنصلية(‪ ،)1‬ألنه ال معنى لتمتعه مثالً بحصانات قضائية وادارية واعفاءات مالية وذاته غير مصونة‪.‬‬

‫(‪)1‬‬
‫مايا الدباس‪ ،‬ماهر ملندي‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.95‬‬

‫‪47‬‬
‫الفصل الثالث‪ :‬الحصانات واالمتيازات الدبلوماسية والقنصلية‬ ‫محاضرات في قانون العالقات الدبلوماسية والقنصلية‬

‫ويكمن الهدف من هذه الحرمة في ضرورة تهيئة الجو المالئم للمبعوث الدبلوماسي ليباشر مهامه‬
‫(‪)1‬‬
‫عرف‬
‫بحرية وطمأنينة واستقاللية‪ ،‬كما يكمن في ضرورة الحفاظ على كرامة المبعوث وهيبة دولته ‪ .‬وتُ َّ‬
‫الحرمة عند الفقيه "كالفو" بأنها‪" :‬ميزة تضع الشخص الذي يتمتع بها فوق كل اعتداء وكل مالحقة أو‬
‫محاكمة"(‪ .)2‬وهي بهذا المعنى تفرض على سلطات الدولة المضيفة معاملة المبعوثين الدبلوماسيين‬
‫والقنصليين المعتمدين لديها معاملة الئقة تتسم باالحترام والتقدير‪ ،‬دون اللجوء إلى استعمال وسائل العنف‬
‫ضدهم‪ ،‬كما تفرض عليها عدم القبض عليهم أو تقييد حريتهم‪ .‬وليس هذا فحسب بل يتعين على سلطات‬
‫الدولة المضيفة أن تتخذ الوسائل الالزمة لحماية المبعوث الدبلوماسي والقنصلي في شخصه وحتى ماله‬
‫ومسكنه الخاص ضد أي اعتداء أو إساءة ُيمكن أن يتعرض لها في إقليمها سواء من قبلها أو من قبل‬
‫رعاياها أو من قبل األجانب المقيمين على أراضيها(‪.)3‬‬
‫أقرها القانون الدبلوماسي والقنصلي‬
‫ولم تبق هذه الحصانة حبيسة العرف والتعامل الدولي‪ ،‬بل َّ‬
‫الحقاً َّ‬
‫وحدد ضوابطها في مختلف االتفاقيات المكونه له‪ ،‬ومنها المادة (‪ )96‬اتفاقية فيينا للعالقات‬
‫الدبلوماسية لسنة ‪ ،5695‬التي نصت على‪" :‬تكون حرمة شخص المبعوث الدبلوماسي مصونة‪ .‬وال‬
‫يجوز اخضاعه ألية صورة من صور القبض أو االعتقال‪ .‬ويجب على الدولة المعتمد لديها معاملته‬
‫باالحترام الالئق واتخاذ جميع التدابير المناسبة لمنع أي اعتداء على شخصه أو حريته أو كرامته"‪ .‬كما‬
‫أقرتها المادة (‪ )96‬من اتفاقية البعثات الخاصة لسنة ‪ ،5696‬والمادة (‪ )94‬من اتفاقية تمثيل الدول لدى‬
‫َّ‬
‫المنظمات الدولية لسنة ‪.5691‬‬
‫من خالل تلك النصوص يتبين أن الحصانة الشخصية للمبعوث الدبلوماسي سواء كان في بعثة‬
‫دائمة أو خاصة هي حصانة مطلقة‪ ،‬وهذا بخالف الحال بالنسبة للموظفين القنصليين الذين منحتهم‬
‫اتفاقية العالقات القنصلية لسنة ‪ 5691‬حصانة شخصية نسبية ومحدودة‪ ،‬ذلك أن المادة (‪ )85‬من هذه‬
‫االتفاقية سمحت لسلطات الدولة المضيفة باعتقال أو توقيف الموظف القنصلي في حالة متابعته بجريمة‬
‫خطيرة‪ ،‬وفي هذه الحالة يتوجب عليها مراعاة مركزه الرسمي عند القيام بإجراءات مالحقته‪.‬‬
‫وفي ذات السياق ألزمت المادة (‪ )89‬من ذات االتفاقية سلطات الدولة المضيفة بضرورة إبالغ‬
‫رئيس البعثة القنصلية عند القيام بالتوقيف االحتياطي ألحد مأموري بعثته أو مالحقته جزائياً‪ ،‬أما إذا كان‬
‫رئيس البعثة هو محل التوقيف أو المالحقة فيجب على الدولة المضيفة أن تبلغ ذلك فو اًر للدولة الموفدة‬
‫بالطرق الدبلوماسية‪.‬‬

‫(‪)1‬‬
‫موسى محمد مصباح‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.599‬‬
‫(‪)2‬‬
‫أنظر‪ :‬علي حسين الشامي‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.196‬‬
‫(‪)3‬‬
‫فاوي المالح‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.589‬‬

‫‪47‬‬
‫الفصل الثالث‪ :‬الحصانات واالمتيازات الدبلوماسية والقنصلية‬ ‫محاضرات في قانون العالقات الدبلوماسية والقنصلية‬

‫وسواء تعلق األمر بالحصانة الشخصية للمبعوثين الدبلوماسيين أو القنصليين فإن تجسيدها‬
‫يفرض على الدولة المضيفة التزامين هما‪:‬‬
‫‪ -‬التزام ذو طابع سلبي يفرض على سلطات الدولة المضيفة االمتناع عن كل ما من شأنه المساس‬
‫بحرمة المبعوث بأية صورة ومعاملته باالحترام الالئق بمركزه‪.‬‬
‫‪ -‬التزام ذو طابع ايجابي يتمثل في حماية المبعوث ضد أي اعتداء قد يقع عليه من قبل المقيمين على‬
‫أراضيها‪ ،‬وفي حالة وقوعه يقع عليها واجب مالحقة الجناة ومحاكمتهم وتعويض المبعوث عن الضرر‬
‫الذي لحق به‪.‬‬
‫وهذا االلتزام األخير له شقين‪ :‬شق وقائي مقتضاه أن تقوم الدولة المضيفة باتخاذ كافة التدابير‬
‫الكفيلة بإحباط أي محاولة لالعتداء على المبعوث‪ ،‬أما الشق الثاني فهو ردعي أو عقابي يفرض عليها‬
‫معاقبة كل من يتعرض للمبعوث باالعتداءات الجسدية أو اإلهانات اللفظية أو االعتداء على أمواله(‪.)1‬‬
‫هذا‪ ،‬وتجدر اإلشارة إلى أن الحصانة الشخصية المقررة للمبعوثين الدبلوماسيين والقنصليين ال‬
‫تسري فقط في إقليم الدولة المضيفة بل يتمتعون بها أيضاً في إقليم الدولة الثالثة أثناء العبور عليها‬
‫للذهاب إلى الدولة المضيفة أو الرجوع للدولة الموفدة‪ ،‬بل األكثر من ذلك تبقى هذه الحصانة قائمة حتى‬
‫في حالة الحرب بين الدولتين بالرغم من انتهاء مهمة بعثته‪ ،‬ويتمثل واجب الدولة المضيفة في هذه الحالة‬
‫في تسهيل ترحيل الدبلوماسيين األجانب وأفراد أسرهم‪ ،‬وقد نصت على هذا االلتزام المادة (‪ )88‬من‬
‫اتفاقية العالقات الدبلوماسية‪ ،‬والمادة (‪ )99‬من اتفاقية العالقات القنصلية‪ .‬ويترتب على إهمال الدولة‬
‫المضيفة لواجبها المتمثل في تأمين حماية الموظفين الدبلوماسيين والقنصليين أو ثبوت تقصيرها في ذلك‬
‫قيام مسؤوليتها الدولية عن أي ضرر أو أذى يلحق بهم(‪.)2‬‬
‫لكن السؤال المطروح هو هل تبقى هذه الحصانة الشخصية قائمة في حالة انتهاك المبعوث‬
‫الدبلوماسي أو القنصلي لواجب احترام سلطات الدولة المضيفة وعدم التدخل في شؤونها الداخلية‪ ،‬كأن‬
‫يرتكب فعالً ذا خطورة جسيمة أو يشترك في التآمر أو التجسس ضدها‪.‬‬
‫لم تعالج اتفاقيات العالقات الدبلوماسية هذه المسألة‪ ،‬لكن من المألوف في العالقات الدبلوماسية‬
‫قيام الدولة المضيفة بتوقيف وطرد المبعوث الدبلوماسي الذي قامت ضده أدلة كافية تفيد اشتراكه في‬
‫أعمال موجهة ضد حكومة الدولة المعتد لديها‪ ،‬لكن في الحالة التي تكون فيها األفعال المنسوبة إليه ال‬
‫تنطوي على خطر جسيم‪ ،‬ال يحق للدولة المضيفة أن تعمد إلى توقيف المبعوث الدبلوماسي المسؤول‬

‫(‪)1‬‬
‫موسى محمد مصباح‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ص ‪.599 ،599‬‬
‫(‪)2‬‬
‫مايا الدباس‪ ،‬ماهر ملندي‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.99‬‬

‫‪41‬‬
‫الفصل الثالث‪ :‬الحصانات واالمتيازات الدبلوماسية والقنصلية‬ ‫محاضرات في قانون العالقات الدبلوماسية والقنصلية‬

‫عن الفعل أو طرده‪ ،‬وانما بإمكانها اللجوء إلى إجراءات أقل خطورة كأن تُعلن أنه شخص غير مرغوب‬
‫فيه وتطلب من دولته استدعاءه(‪.)1‬‬
‫وفي المقابل ُيطرح تساؤل آخر يتعلق باإلجراءات التي ُيمكن للمبعوث الدبلوماسي أو القنصلي‬
‫اتباعها إذا ما وقع عليه أي اعتداء‪ .‬لم تعالج كذلك اتفاقيات العالقات الدبلوماسية والقنصلية هذه‬
‫المسألة‪ ،‬لكن ما جرى عليه العمل الدولي هو أن يتقدم رئيس البعثة إذا ما وقع عليه أو على أحد أعضاء‬
‫البعثة اعتداء ما بشكوى إلى وزير خارجية الدولة المضيفة‪ ،‬التي يتعين عليها مالحقة المعتدي ومحاكمته‬
‫في حدود ما تقضي به قوانينها الداخلية وتقديم الترضية المناسبة(‪.)2‬‬
‫ثانيا‪ :‬حرمة مسكن المبعوث الدبلوماسي‬
‫يستتبع واجب الدولة المضيفة بحماية المبعوث الدبلوماسيي‪ ،‬ضرورة حماية مسكنه الخاص‬
‫وأمواله ومحفوظاته‪ ،‬ألن هذه األخيرة امتداد لألولى ومتفرعة عنها‪ ،‬وهي الحماية ذاتها المقررة لمباني‬
‫البعثة ووثائقها ومراسالتها التي أشرنا إليها في المبحث السابق‪ .‬وقد نظمت اتفاقيات العالقات الدبلوماسية‬
‫هذه الحصانة‪ ،‬وعلى رأسها اتفاقية فيينا للعالقات الدبلوماسية وذلك في المادة (‪ )5/10‬التي نصت على‪:‬‬
‫"يتمتع المنزل الخاص الذي يقطنه المبعوث الدبلوماسي بذات الحصانة والحماية اللتين تتمتع بهما دار‬
‫البعثة"‪.‬‬
‫كما تم النص عليها في المادة (‪ )5/10‬من اتفاقية البعثات الخاصة‪ ،‬والمادة (‪ )5/96‬من اتفاقية‬
‫تمثيل الدول لدى المنظمات الدولية‪ ،‬لكن هذين النصين كانا أكثر وضوحاً في امتداد هذه الحصانة‬
‫لمساكن كل الموظفين الدبلوماسيين‪ ،‬ويؤكد هذا عبارة‪" :‬يتمتع المسكن الخاص لممثلي الدولة الموفدة في‬
‫البعثة الخاصة ولموظفيها الدبلوماسيين‪ "...‬التي وردت في المادة (‪ )5/10‬من اتفاقية البعثات الخاصة‪،‬‬
‫وعبارة‪" :‬تتمتع المساكن الخاصة لرئيس البعثة والموظفين الدبلوماسيين بالبعثة‪ "...‬التي وردت في المادة‬
‫(‪ )5/96‬من اتفاقية تمثيل الدول لدى المنظمات الدولية‪ ،‬وهذا بخالف المادة (‪ )5/15‬التي وردت بها‬
‫عبارة‪" :‬يتمتع المنزل الخاص الذي يقطنه المبعوث الدبلوماسي‪ ،"...‬لكن هذا ال يعني أن سكنات باقي‬
‫الموظفين الدبلوماسيين في البعثات الدائمة ال تتمتع بالحصانة‪ ،‬ألن عبارة "المبعوث الدبلوماسي" تشمل‬
‫رئيس البعثة وباقي أعضاء البعثة الذين يتمتعون بالصفة الدبلوماسية‪.‬‬
‫وبإقرار حرمة المساكن التي يقطنها المبعوثون الدبلوماسيون تكون اتفاقيات العالقات الدبلوماسية‬
‫قد وفرت الحصانة الشخصية لهؤالء سواء في أثناء عملهم من خالل إقرار الحصانة لمقر البعثة‪ ،‬أو‬
‫خارج أوقات عملهم من خالل إقرار الحصانة لمساكنهم‪ ،‬وتشمل عبارة "المسكن الخاص" الواردة في تلك‬

‫(‪)1‬‬
‫عبد الفتاح علي الرشدان‪ ،‬محمد خليل الموسى‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.569‬‬
‫(‪)2‬‬
‫موسى محمد مصباح‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.518‬‬

‫‪48‬‬
‫الفصل الثالث‪ :‬الحصانات واالمتيازات الدبلوماسية والقنصلية‬ ‫محاضرات في قانون العالقات الدبلوماسية والقنصلية‬

‫النصوص المسكن الذي يقيم فيه الدبلوماسي إقامة دائمة‪ ،‬كما تشمل كل األماكن التي يقيم فيها بشكل‬
‫مؤقت بغرض السياحة وقضاء أوقات فراغه(‪.)1‬‬
‫ويقع االلتزام بضمان حرمة هذه المساكن على عاتق الدولة المضيفة‪ ،‬وال تُعتبر قد وفَّت بالتزامها‬
‫بمجرد االستناد إلى الضمانات التي تنص عليها تشريعاتها الداخلية لصيانة حرمة المساكن الخاصة‪ ،‬ألن‬
‫هذه الضمانات تسمح أو تبيح للسلطات العامة دخول هذه المساكن في حاالت معينة‪ ،‬وقد يكون في ذلك‬
‫مساساً بكرامته واستق ارره‪ ،‬لذلك يجب أن تكون حرمة مسكن المبعوث الدبلوماسي مستمدة من حرمته‬
‫الشخصية(‪.)2‬‬
‫وتمتد حرمة مسكن المبعوث الدبلوماسي إلى جميع ممتلكاته كسيارته الخاصة وأمتعته وحسابه‬
‫المصرفي‪ ،‬كما تمتد إلى مستنداته ومراسالته الخاصة به‪ ،‬إذ أنها تتمتع بحرمة مماثلة لحرمة المستندات‬
‫والمراسالت الخاصة بالبعثة‪ ،‬وهو ما نصت عليه المادة (‪ )9/10‬من اتفاقية العالقات الدبلوماسية‪،‬‬
‫والمادة (‪ )9/10‬من اتفاقية البعثات الخاصة‪ ،‬والمادة (‪ )9/96‬من اتفاقية تمثيل الدول لدى المنظمات‬
‫الدولية‪.‬‬
‫هذا‪ ،‬ونشير أن حرمة وحصانة المسكن وما به من ممتلكات هي مضمونة فقط لمساكن المبعوثين‬
‫الدبلوماسيين سواء كانوا في بعثات دائمة لدى الدول أو المنظمات الدولية أو كانوا في بعثات خاصة‪ ،‬أما‬
‫بالنسبة لمساكن الموظفين القنصليين فإن اتفاقية العالقات القنصلية لم تمنحها مثل هذه الحصانة‪.‬‬
‫ثالث ا‪ :‬حرية الحركة والتنقل للمبعوث الدبلوماسي والقنصلي‬
‫بموجب هذه الحرية يحق للمبعوث الدبلوماسي والقنصلي التجول والتنقل داخل أراضي الدولة‬
‫المضيفة‪ ،‬حيث ال يجوز فرض اإلقامة الجبرية عليه في مقر البعثة أو مسكنه‪ ،‬إذ بإمكانه التجول في أية‬
‫منطقة يرغب في زيارتها‪ ،‬باستثناء المناطق التي ُيمنع فيها التجول نظ اًر لطابعها األمني كالثكنات‬
‫العسكرية‪ ،‬أو المناطق الشعبية التي ُيخشى فيها على شخص المبعوث الدبلوماسي‪ ،‬إال إذا حصل على‬
‫تصريح من و ازرة الخارجية يسمح له بدخولها في أوقات محددة(‪ .)3‬وتُعد هذه الحرية امتداد طبيعي لحرمة‬
‫شخص المبعوث الدبلوماسي والقنصلي‪ ،‬وهي ذات عالقة وطيدة بوظيفة استطالع األوضاع والتطورات‬
‫في الدولة المضيفة‪ ،‬ألن هذه الوظيفة ال ُيمكن القيام بها بدون تنقل‪ ،‬أضف إلى ذلك أن مصالح الدولة‬
‫الموفدة التي يرعاها هؤالء المبعوثون ال تكون دائماً مركزة في العاصمة السياسية للبلد المضيف(‪.)4‬‬

‫(‪)1‬‬
‫علي حسين الشامي‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.189‬‬
‫(‪)2‬‬
‫موسى محمد مصباح‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.519‬‬
‫(‪)3‬‬
‫سهيل حسين الفتالوي‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.599‬‬
‫(‪)4‬‬
‫موسى محمد مصباح‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.580‬‬

‫‪42‬‬
‫الفصل الثالث‪ :‬الحصانات واالمتيازات الدبلوماسية والقنصلية‬ ‫محاضرات في قانون العالقات الدبلوماسية والقنصلية‬

‫وهذه الحرية في التنقل والتجوال في أراضي الدولة المضيفة ليست مقتصرة على الموظفين‬
‫الدبلوماسيين والقنصليين في البعثة‪ ،‬وانما هي مقررة لجميع أعضاء البعثة‪ ،‬وهو ما نصت عليه المادة‬
‫(‪ )99‬من اتفاقية العالقات الدبلوماسية بقولها‪" :‬تكفل الدولة المعتمد لديها حرية االنتقال والسفر في‬
‫إقليمها لجميع أفراد البعثة‪ ،‬مع عدم اإلخالل بقوانينها وأنظمتها المتعلقة بالمناطق المحظور أو المنظم‬
‫دخولها ألسباب تتعلق باألمن القومي"‪ ،‬وكذلك المادة (‪ )18‬من اتفاقية العالقات القنصلية‪ ،‬والمادة (‪)99‬‬
‫من اتفاقية البعثات الخاصة‪ ،‬والمادة (‪ )99‬من اتفاقية تمثيل الدول لدى المنظمات الدولية‪.‬‬
‫الفرع الثاني‪ :‬الحصانات القضائية‬
‫إن تمتع المبعوث الدبلوماسي والقنصلي بحصانة شخصية وحرمة ذاتية ال يكفي وحده إن لم يكن‬
‫متمتعاً بحصانة قضائية تعفيه من الخضوع لقضاء الدولة المضيفة‪ ،‬وتمتد إلى جميع األعمال والتصرفات‬
‫التي يقوم بها أثناء ممارسته لوظائفه في تلك الدولة وذلك ضماناً الستقالله‪ .‬وقبل صدور اتفاقيات‬
‫العالقات الدبلوماسية والقنصلية لم يستقر العرف الدولي على مدى الحصانة القضائية التي يتمتع بها‬
‫المبعوث الدبلوماسي‪ ،‬فبعض الدول كانت تمنحه حصانة قضائية في حدود أعمال وظيفته الرسمية أي‬
‫حصانة مقيدة‪ ،‬بينما اتجهت دول أخرى إلى منحه حصانة قضائية مطلقة‪.‬‬
‫ثم بعد ذلك اتفقت المجموعة الدولية على رأي وسط قائم على التمييز بين الحصانة المدنية‬
‫كرسته اتفاقيات العالقات الدبلوماسية‬
‫والحصانة الجنائية‪ ،‬يقضي بتقييد األولى واطالق الثانية‪ ،‬وهو ما َّ‬
‫والقنصلية‪.‬‬
‫أوالا‪ :‬تقييد الحصانة القضائية المدنية‬
‫لقد أجمع فقهاء القانون الدولي على أن المبعوث الدبلوماسي ال يتمتع بذات الحصانة القضائية‬
‫المدنية بالنسبة لجميع تصرفاته وأعماله‪ ،‬حيث تكون مطلقة بالنسبة ألعماله الرسمية التي يقوم بها نيابة‬
‫عن دولته‪ ،‬بينما تكون مقيدة بالنسبة ألعماله الشخصية‪ ،‬وهو ما أخذت به كل من اتفاقية العالقات‬
‫الدبلوماسية واتفاقية البعثات الخاصة واتفاقية تمثيل الدول لدى المنظمات الدولية‪.‬‬
‫معنى ذلك أن جميع الدعاوى المدنية التي تُقام ضد المبعوث الدبلوماسي بسبب أدائه لوظائفه‬
‫الرسمية تبقى من اختصاص محاكم دولته وال يجوز النظر فيها أمام المحاكم المحلية في الدولة المضيفة‪،‬‬
‫ألن ذلك سيؤثر على قيامه بالمهام المعهودة إليه‪ ،‬وفي هذا السياق نصت المادة (‪ )5/15‬من اتفاقية‬
‫العالقات الدبلوماسية‪ ،‬والمادة (‪ )9 ،5/15‬من اتفاقية البعثات الخاصة‪ ،‬والمادة (‪ )5/10‬من اتفاقية‬
‫تمثيل الدول لدى المنظمات الدولية بما ُيفيد أن المبعوث الدبلوماسي يتمتع بالحصانة القضائية فيما‬
‫يتعلق بالقضاء الجنائي للدولة المعتمد لديها‪ ،‬وكذلك فيما يتعلق بقضائها المدني واإلداري‪.‬‬
‫أقرتها تلك‬
‫أما بالنسبة للدعاوى المدنية التي تُقام ضده بسبب أعماله الخاصة‪ ،‬فالقاعدة التي َّ‬
‫االتفاقيات هي تمتع المبعوث الدبلوماسي كذلك بالحصانة حيال القضاء المدني في الدولة المضيفة‪،‬‬

‫‪46‬‬
‫الفصل الثالث‪ :‬الحصانات واالمتيازات الدبلوماسية والقنصلية‬ ‫محاضرات في قانون العالقات الدبلوماسية والقنصلية‬

‫ولكنها ليست مطلقة كما هو الحال بالنسبة للتصرفات الرسمية‪ ،‬بل هي مقيدة حيث استثنت تلك‬
‫االتفاقيات بعض الدعاوى من هذه الحصانة‪ ،‬وهي‪:‬‬
‫‪ -‬الدعاوى العينية المتعلقة باألموال العقارية الخاصة الكائنة في إقليم الدولة المعتمد لديها‪ ،‬ما لم تكن‬
‫حيازته لها بالنيابة عن الدولة المعتمدة الستخدامها في أغراض البعثة‪.‬‬
‫‪ -‬الدعاوى المتعلقة بشؤون اإلرث والتركات والتي يدخل فيها بوصفه منفذاً أو مدي ًار أو وريثاً أو موصى‬
‫له‪ ،‬وذلك باألصالة عن نفسه ال بالنيابة عن الدولة المعتمدة‪.‬‬
‫‪ -‬الدعاوى المتعلقة بأي نشاط مهني أو تجاري يمارسه في الدولة المعتمد لديها خارج وظائفه الرسمية‪.‬‬
‫‪ -‬وهناك استثناء رابع نصت عليه اتفاقية البعثات الخاصة في الفقرة (د) من المادة (‪ )9/15‬وهو‬
‫الدعاوى المتعلقة بالتعويض عن األضرار الناشئة عن حادث سببته مركبة مستعملة خارج وظائف‬
‫الشخص المعني الرسمية‪.‬‬
‫واذا كانت الحكمة من جعل المبعوث الدبلوماسي ُمحصَّناً من القضاء المدني في الدولة المضيفة‬
‫بصفته ُم َّدعى عليه تكمن في ضمان استقالليته‪ ،‬فإن ذلك يستتبع عدم جواز إجباره على اإلدالء بالشهادة‬
‫أمام الجهات القضائية في تلك الدولة‪ ،‬وهو ما نصت عليه المادة (‪ )9/15‬من اتفاقية العالقات‬
‫الدبلوماسية بقولها‪" :‬يتمتع المبعوث الدبلوماسي باإلعفاء من أداء الشهادة"‪ ،‬وكذلك المادة (‪ )1/15‬من‬
‫اتفاقية البعثات الخاصة‪ ،‬والمادة (‪ )1/10‬من اتفاقية تمثيل الدول لدى المنظمات الدولية‪.‬‬
‫وال يجوز باإلضافة إلى ذلك اتخاذ أية إجراءات تنفيذية بحق المبعوث الدبلوماسي إال في الحاالت‬
‫التي يخضع فيها للقضاء المدني‪ ،‬أي فيما يتعلق بالدعاوى العقارية المنصبة على أمالكه الخاصة‪،‬‬
‫وقضايا اإلرث والتركات‪ ،‬وفي حال ممارسته ألي نشاط مهني أو تجاري خاص في الدولة المضيفة(‪.)1‬‬
‫هذا فيما يتعلق بالحصانة القضائية المدنية للمبعوثين الدبلوماسيين‪ ،‬أما عن الموظفين القنصليين‬
‫فإن اتفاقية العالقات القنصلية لم تمنحهم تلك الحصانة إال فيما يتعلق بأعمالهم الرسمية‪ ،‬وهو ما نصت‬
‫عليه المادة (‪ )5/81‬بقولها‪" :‬ال يخضع الموظفون القنصليون لصالحية السلطتين العدلية واإلدارية في‬
‫الدولة المضيفة فيما يتعلق باألفعال المنجزة في مجرى ممارستهم األعمال القنصلية"‪ ،‬أما الدعاوى المقامة‬
‫ضدهم بمناسبة أعمالهم الشخصية فإنها تخضع كلية لقضاء الدولة المضيفة‪.‬‬
‫ويترتب على خضوع أعضاء البعثة القنصلية للقضاء المدني في الدولة المضيفة فيما يتعلق‬
‫بتصرفاتهم الشخصية التزامهم بأداء الشهادة أمامه أو تقديم ما ُيطلب منهم من وثائق إلى المحكمة‪،‬‬
‫بشرط أال تتعلق هذه الوثائق بأعمال وظيفتهم‪ ،‬وهو ما نصت عليه المادة (‪ )5/88‬من اتفاقية العالقات‬

‫(‪)1‬‬
‫موسى محمد مصباح‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.588‬‬

‫‪44‬‬
‫الفصل الثالث‪ :‬الحصانات واالمتيازات الدبلوماسية والقنصلية‬ ‫محاضرات في قانون العالقات الدبلوماسية والقنصلية‬

‫القنصلية بقولها‪" :‬يجوز دعوة موظفي البعثة القنصلية للمثول كشهود في الدعاوى العدلية والبلدية‪ ،‬وال‬
‫يجوز للمستخدمين القنصليين والمأمورين القنصليين التمنع عن تقديم االثبات‪."...‬‬
‫وخوفاً من استغالل الدولة المضيفة هذه الشهادة للتدخل في شؤون الدولة الموفدة واإلطالع عن‬
‫أسرارها‪ ،‬فقد َّ‬
‫قيدت هذه االتفاقية حدود هذه الشهادة في الفقرة الثالثة من ذات المادة‪ ،‬التي نصت على‪:‬‬
‫"إن موظفي البعثة القنصلية غير ملزمين بتقديم أي إثبات يخص أمور متعلقة بممارسة أعمالهم أو بتقديم‬
‫المحررات الرسمية والمستندات العائدة لها‪ .‬ويحق لهم التمنع عن أداء الشهادة بوصفهم خبراء في قانون‬
‫الدولة الموفدة"‪.‬‬
‫ثانيا‪ :‬إطالق الحصانة القضائية الجنائية‬
‫يتفق أغلب الفقهاء على أن المبعوث الدبلوماسي يتمتع بالحصانة القضائية المطلقة في القضايا‬
‫الجزائية عن الجرائم التي يرتكبها في الدولة المعتمد لديها سواء ارتكب تلك الجرائم بصفته الرسمية أو‬
‫الخاصة‪ ،‬وسواء أكانت الجريمة جناية أم جنحة أم مخالفة‪ ،‬أم كانت من الجرائم الخطيرة أو العادية أو‬
‫تلبس بها(‪ ،)1‬وفي هذا الصدد يقول الفقيه "فوشي"‪ُ " :‬يعفى المبعوث الدبلوماسي مهما كانت‬‫الم َّ‬
‫من الجرائم ُ‬
‫درجته من الخضوع للقضاء الجنائي للدولة المستقبلة"(‪.)2‬‬
‫أقر العرف الدولي ومعظم القوانين الداخلية للدول والممارسات الحكومية واالتفاقيات الدولية‬
‫كما َّ‬
‫هذه الحصانة المطلقة‪ ،‬ومنها المادة (‪ )59‬من نظام معهد القانون الدولي لعام ‪ 5461‬على الحصانة‬
‫الجنائية للمبعوث الدبلوماسي‪ ،‬ولكنها َّ‬
‫أكدت على خضوعه للقانون الجنائي لدولته في حالة ارتكابه جناية‬
‫في الدولة المستقبلة(‪.)3‬‬
‫وهو ما َّ‬
‫أكدته الحقاً اتفاقية العالقات الدبلوماسية في مادتها (‪ )5/15‬بقولها‪" :‬يتمتع المبعوث‬
‫الدبلوماسي بالحصانة القضائية فيما يتعلق بالقضاء الجنائي للدولة المعتمد لديها"‪ ،‬وكذلك المادة (‪)5/15‬‬
‫من اتفاقية البعثات الخاصة بقولها‪" :‬يتمتع ممثلو الدولة الموفدة في البعثة الخاصة وموظفوها‬
‫الدبلوماسيون بالحصانة من القضاء الجنائي للدولة المستقبلة"‪ ،‬وكذلك المادة (‪ )5/10‬من اتفاقية تمثيل‬
‫الدول في عالقاتها مع المنظمات الدولية بقولها‪" :‬يتمتع رئيس البعثة والموظفون الدبلوماسيون بالبعثة‬
‫بالحصانة من الوالية القضائية الجنائية للدولة المضيفة"‪.‬‬
‫غير أن تمتع المبعوث الدبلوماسي بالحصانة القضائية الجنائية المطلقة لدى الدولة المضيفة ال‬
‫يعفيه من الخضوع لقضاء دولته‪ ،‬وهو ما نصت عليه المادة (‪ )8/15‬من اتفاقية العالقات الدبلوماسية‬
‫بقولها‪" :‬تمتع المبعوث الدبلوماسي بالحصانة القضائية في الدولة المعتمد لديها ال يعفيه من قضاء الدولة‬

‫(‪)1‬‬
‫سهيل حسين الفتالوي‪ ،‬الدبلوماسية بين النظرية والتطبيق‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.569‬‬
‫(‪)2‬‬
‫غازي حسن صباريني‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ص ‪.598 ،591‬‬
‫(‪)3‬‬
‫المرجع نفسه‪ ،‬ص ‪.598‬‬

‫‪511‬‬
‫الفصل الثالث‪ :‬الحصانات واالمتيازات الدبلوماسية والقنصلية‬ ‫محاضرات في قانون العالقات الدبلوماسية والقنصلية‬

‫المعتمدة"‪ ،‬وكذلك المادة (‪ )1/15‬من اتفاقية البعثات الخاصة‪ ،‬والمادة (‪ )8/10‬من اتفاقية تمثيل الدول‬
‫في عالقاتها مع المنظمات الدولية‪ ،‬وعليه إذا خالف المبعوث الدبلوماسي عمداً القوانين الجنائية للدولة‬
‫المضيفة أو قام بأية أعمال ُيعاقب عليها قانونها‪ ،‬فإن الدولة المضيفة تقوم بتبليغ حكومته عن طريق‬
‫و ازرة خارجيتها‪ ،‬هذا في حالة كون رئيس البعثة هو الجاني‪ ،‬أما إذا كان الجاني أحد أعضاء البعثة فإنها‬
‫تتصل برئيس البعثة وتطلب منه أن يرفع الحصانة عن الجاني أو استدعائه أو سحبه‪ ،‬لكن في حالة قيام‬
‫المبعوث الدبلوماسي بارتكاب جريمة خطيرة يمكن للدولة المضيفة أن تعتبره شخصاً غير مرغوب فيه‬
‫وتطرده من إقليمها‪ ،‬وفي هذه الحالة يجب على الدولة التي ينتمي إليها المبعوث أن تعاقبه عن الجريمة‬
‫التي ارتكبها في الدولة المضيفة(‪.)1‬‬
‫واذا كان المبعوث الدبلوماسي حسب االتفاقيات السابقة يتمتع بحصانة قضائية مطلقة في القضايا‬
‫الجنائية‪ ،‬فإن اتفاقية العالقات القنصلية لم تمنح الموظفين القنصليين الحصانة القضائية الجنائية إال فيما‬
‫يتعلق بأعمالهم الرسمية‪ ،‬أما بالنسبة ألعمالهم الخاصة فإن اتفاقية العالقات القنصلية منحتهم حصانة‬
‫جنائية منقوصة تقتصر على الجرائم البسيطة‪ ،‬أما فيما يتعلق بالجرائم الخطيرة فقد أخضعتهم االتفاقية‬
‫للقضاء اإلقليمي‪ ،‬وبالتالي إذا ارتكب الممثل القنصلي جريمة خطيرة في الدولة المضيفة فيمكن توقيفه‬
‫ومحاكمته‪ ،‬وهو ما نصت عليه المادة (‪ )5/85‬بقولها‪" :‬ال يخضع الموظفون القنصليون لالعتقال أو‬
‫التوقيف االحتياطي بانتظار المحاكمة إال في حالة الجرم الخطير وتنفيذاً لقرار السلطة العدلية‬
‫المختصة"‪.‬‬
‫ولهذا قصرت قوانين بعض الدول‪ ،‬بشرط المعاملة بالمثل‪ ،‬محاكمة القناصل األجانب جنائياً في‬
‫حالة ارتكابهم جريمة من الجرائم الجسيمة كالجنايات والجنح الخطيرة دون الجنح البسيطة والمخالفات‪،‬‬
‫ويرجع عادة لتقرير ما ُيتَّبع في هذا الشأن إلى تشريع الدولة التي يعمل فيها القنصل والى أحكام‬
‫ُ‬
‫(‪)2‬‬
‫المعاهدات القنصلية التي ترتبط بها إن وجدت ‪.‬‬
‫هذا‪ ،‬ونشير إلى أنه يجور للدولة المضيفة االنتقاص من الحرمة الشخصية والحصانة القضائية‬
‫التي يتمتع بها المبعوث الدبلوماسي إذا كان يحمل جنسيتها أو من المقيمين فيها إقامة دائمة‪ ،‬وحصرها‬
‫فقط في األعمال التي تتعلق بممارسة وظائفه الدبلوماسية‪ ،‬وهو ما نصت عليه المادة (‪ )5/14‬من‬
‫اتفاقية العالقات الدبلوماسية بقولها‪" :‬ال يتمتع المبعوث الدبلوماسي الذي يكون من مواطني الدولة المعتمد‬
‫لديها أو المقيمين فيها إقامة دائمة‪ ،‬إال بالحصانة القضائية وبالحرمة الشخصية بالنسبة إلى األعمال‬
‫الرسمية التي يقوم بها بمناسبة ممارسة وظائفه‪ ،‬وذلك ما لم تمنحه الدولة المعتمد لديها امتيازات‬
‫وحصانات إضافية"‪ ،‬وكذلك المادة (‪ )5/80‬من اتفاقية البعثات الخاصة‪.‬‬

‫(‪)1‬‬
‫غازي حسن صباريني‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.591‬‬
‫(‪)2‬‬
‫المرجع نفسه‪ ،‬ص ‪.999‬‬

‫‪515‬‬
‫الفصل الثالث‪ :‬الحصانات واالمتيازات الدبلوماسية والقنصلية‬ ‫محاضرات في قانون العالقات الدبلوماسية والقنصلية‬

‫ومن جهة أخرى يجوز للدولة الموفدة أن تتنازل عن الحصانة القضائية دون التنازل عن الحرمة‬
‫الشخصية لمبعوثها الدبلوماسي‪ ،‬وهو ما نصت عليه المادة (‪ )5/19‬من اتفاقية العالقات الدبلوماسية‬
‫بقولها‪" :‬يجوز للدولة المعتمدة أن تتنازل عن الحصانة القضائية التي يتمتع بها المبعوثون الدبلوماسيون‬
‫واألشخاص المتمتعون بها بموجب المادة ‪ ،"19‬وقد َّ‬
‫أكدت الفقرة الثانية من ذات المادة أن هذا التنازل ال‬
‫يكون إال صريحاً في جميع األحوال‪ ،‬أما فقرتها الثالثة فقد نصت على أنه إذا تم التنازل عن الحصانة‬
‫القضائية فال يحق للمبعوث الدبلوماسي االحتجاج بها بالنسبة ألي طلب عارض له صلة مباشرة بالطلب‬
‫األصلي موضوع التنازل عن الحصانة‪ ،‬في حين َّ‬
‫أكدت فقرتها الرابعة على أن التنازل عن الحصانة‬
‫بالنسبة إلى أية دعوى مدنية أو إدارية ال يعني تلقائياً التنازل عن الحصانة بالنسبة لتنفيذ الحكم‪ ،‬بل ال بد‬
‫في هذه الحالة األخيرة من تنازل مستقل‪.‬‬
‫الفرع الثالث‪ :‬االعفاءات المالية‬
‫باإلضافة إلى الحصانات الشخصية والقضائية يتمتع المبعوثون الدبلوماسيون والقنصليون بجملة‬
‫من االمتيازات واإلعفاءات المالية‪ ،‬تتمثل في‪:‬‬
‫أوالا‪ :‬اإلعفاءات الضريبية‬
‫جرى العرف الدولي وممارسات الدول على إعفاء المبعوث الدبلوماسي من الضرائب المباشرة‬
‫كالضريبة على رأس المال والدخل ورسوم اإلقامة التي تُفرض على األجانب‪ ،‬كما ُيعفى من بعض‬
‫الضرائب غير المباشرة‪ ،‬بشرط المعاملة بالمثل‪ ،‬ومن باب المجاملة الدولية مثل اإلعفاء من الرسوم‬
‫الجمركية بالنسبة لما له عالقة بعمل البعثة أو لالستعمال الشخصي ألعضائها‪ ،‬إال أنه ال ُيعفى المبعوث‬
‫من دفع الرسوم التي تُفرض مقابل خدمات فعلية كالماء والكهرباء(‪.)1‬‬
‫وقد أخذت اتفاقية العالقات الدبلوماسية الحقاً بذات االعفاءات تقريباً في مادتها (‪ )18‬عندما‬
‫نصت على أنه ُيعفى المبعوث الدبلوماسي من جميع الرسوم والضرائب الشخصية أو العينية‪ ،‬والقومية أو‬
‫اإلقليمية أو البلدية‪ ،‬باستثناء ما يلي‪:‬‬
‫أ‪ -‬الضرائب غير المباشرة التي تدخل أثمانها عادة في ثمن األموال أو الخدمات‪.‬‬
‫ب‪ -‬الرسوم والضرائب المفروضة على األموال العقارية الخاصة الكائنة في إقليم الدولة المعتمد لديها‪ ،‬ما‬
‫لم تكن في حيازته بالنيابة عن الدولة المعتمدة الستخدامها في أغراض البعثة‪.‬‬
‫ج‪ -‬الضرائب التي تفرضها الدولة المعتمد لديها على التركات‪.‬‬
‫د‪ -‬الرسوم والضرائب المفروضة على الدخل الخاص الناشئ في الدولة المعتمد لديها والضرائب‬
‫المفروضة على رؤوس األموال المستثمرة في المشروعات التجارية القائمة في تلك الدولة‪.‬‬

‫(‪)1‬‬
‫غازي حسن صباريني‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.598‬‬

‫‪517‬‬
‫الفصل الثالث‪ :‬الحصانات واالمتيازات الدبلوماسية والقنصلية‬ ‫محاضرات في قانون العالقات الدبلوماسية والقنصلية‬

‫ه‪ -‬الرسوم والضرائب المفروضة مقابل خدمات معينة‪( .‬كتلك المتعلقة بالماء والكهرباء والهاتف)‪.‬‬
‫و‪ -‬رسوم التسجيل‪ ،‬والتوثيق والرهن العقاري والدمغة والرسوم القضائية بالنسبة إلى األموال العقارية‬
‫الخاصة‪.‬‬
‫وقد نصت على ذات اإلعفاءات كذلك المادة (‪ )86‬من اتفاقية العالقات القنصلية‪ ،‬والمادة (‪)11‬‬
‫من اتفاقية البعثات الخاصة‪.‬‬
‫ثاني ا‪ :‬اإلعفاءات الجمركية‬
‫وتشمل اإلعفاء من الرسوم الجمركية على السلع التي يستوردها المبعوث الدبلوماسي مثل األثاث‬
‫والمالبس والمشروبات ووسائل النقل الخاصة له ولعائلته‪ ،‬سواء كانت هذه لالستخدام الرسمي في عمل‬
‫ا لبعثة أو الستخدامه الشخصي‪ ،‬كما تشمل اإلعفاء من تفتيش األمتعة الشخصية له في المعابر الحدودية‬
‫إال حالة الشك ووجود مبررات جدية لدى السلطات الجمركية المحلية‪ ،‬على أن األمتعة الشخصية تحتوي‬
‫على بضائع ومواد يحظر قانون الدولة المستقبلة استعمالها أو استيرادها‪ ،‬فعند ذلك تضطر السلطات‬
‫الجمركية إلى تفتيش تكل األمتعة بحضور المبعوث شخصياً أو مفوض عنه‪ ،‬وقد جرى على هذا العرف‬
‫الدولي واالتفاقيات الدولية التي سبقت اتفاقية العالقات الدبلوماسية(‪.)1‬‬
‫أقرته فيما بعد اتفاقية العالقات الدبلوماسية في مادتها (‪ )19‬التي نصَّت على‪ -5" :‬تقوم‬
‫وهو ما َّ‬
‫الدولة المعتمد لديها‪ ،‬وفقاً لما قد تُ ِّ‬
‫سنه من قوانين وأنظمة‪ ،‬بالسماح بدخول المواد اآلتية واعفائها من‬
‫جميع الرسوم الجمركية والضرائب والتكاليف األخرى غير تكاليف التخزين والنقل والخدمات المماثلة‪:‬‬
‫أ‪ -‬المواد المعدة الستعمال البعثة الرسمي‪.‬‬
‫ب‪ -‬المواد المعدة لالستعمال الخاص للمبعوث الدبلوماسي أو ألفراد أسرته من أهل بيته‪ ،‬بما في ذلك‬
‫المواد المعدة الستق ارره‪.‬‬
‫‪ -9‬تُعفى األمتعة الشخصية للمبعوث الدبلوماسي من التفتيش‪ ،‬ما لم توجد أسباب تدعو إلى االفتراض‬
‫بأنها تحتوي مواد ال تشملها اإلعفاءات المنصوص عليها في الفقرة ‪ 1‬من هذه المادة‪ ،‬أو مواد يحظر‬
‫القانون استيرادها أو تصديرها‪ ،‬أو مواد تخضع ألنظمة الحجر الصحي في الدولة المعتمدة لديها‪ ،‬وال‬
‫يجوز إجراء التفتيش إال بحضور المبعوث الدبلوماسي أو ممثله المفوض"‪.‬‬
‫كما نصت على اإلعفاء من الرسوم الجمركية ومن تفتيش األمتعة الشخصية المادة (‪ )10‬من‬
‫اتفاقية العالقات القنصلية‪ ،‬والمادة (‪ )11‬من اتفاقية البعثات الخاصة‪.‬‬
‫ثالث ا‪ :‬اإلعفاءات والتسهيالت األخرى‬

‫(‪ )1‬غازي حسن صباريني‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.599‬‬

‫‪517‬‬
‫الفصل الثالث‪ :‬الحصانات واالمتيازات الدبلوماسية والقنصلية‬ ‫محاضرات في قانون العالقات الدبلوماسية والقنصلية‬

‫باإلضافة إلى اإلعفاءات الضريبية والجمركية فقد اتفاقيات العالقات الدبلوماسية والقنصلية‬
‫إعفاءات وتسهيالت أخرى لم تكن موجودة في السابق على صعيد الممارسة الدبلوماسية(‪ ،)1‬وتتمثل تلك‬
‫اإلعفاءات والتسهيالت في‪:‬‬
‫‪ -‬إعفاء المبعوث الدبلوماسي من نظام الضمان االجتماعي في الدولة المضيفة بالنسبة للخدمات المقدمة‬
‫إلى الدولة الموفدة‪ ،‬لكن ذلك ال يمنعه من االشتراك االختياري فيه إذا أجازت هي مثل هذا االشتراك(‪،)2‬‬
‫وهو ذات اإلعفاء الذي منحته اتفاقية العالقات القنصلية للموظفين القنصليين بموجب المادة (‪ )84‬منها‪،‬‬
‫وكذلك اتفاقية البعثات الخاصة بالنسبة لممثلي الدولة الموفدة في البعثات الخاصة بموجب المادة (‪)19‬‬
‫منها‪.‬‬
‫‪ -‬إعفاء المبعوث الدبلوماسي من جميع أنواع الخدمات الخاصة والعامة‪ ،‬ومن االلتزامات واألعباء‬
‫العسكرية كالخضوع لتدابير االستيالء على سيارته أو منزله الستخدامه في العمليات الحربية وعدم إجباره‬
‫على تقديم التبرعات أو القيام بعمليات االنقاذ عند تعرض البالد لكوارث طبيعية(‪ ،)3‬وهو ما نصَّت عليه‬
‫المادة (‪ )11‬من اتفاقية العالقات الدبلوماسية‪ ،‬والمادة (‪ )19‬من اتفاقية العالقات القنصلية‪ ،‬والمادة (‪)18‬‬
‫من اتفاقية البعثات الخاصة‪.‬‬
‫المطلب الثاني‪ :‬الحصانات واالمتيازات الدبلوماسية والقنصلية ألعضاء البعثة اآلخرين‬
‫ال يقتصر نظام الحصانات واالمتيازات على أعضاء البعثة المتمتعين بالصفة الدبلوماسية أو‬
‫القنصلية‪ ،‬بل يمتد ليشمل أعضاء البعثة اآلخرين من الموظفين اإلداريين والفنيين والخدم بل وحتى أفراد‬
‫أسرهم الذين يقيمون معهم‪ ،‬لكن من حيث نوعها ومداها هي بالطبع أقل من تلك الممنوحة للصنف األول‬
‫من أعضاء البعثة‪ ،‬وهو ما سنوضِّحه في الفروع الثالثة الموالية‪.‬‬
‫الفرع األول‪ :‬الحصانات الشخصية‬
‫أقرتها ألفراد البعثة‬
‫لقد نظمت اتفاقيات العالقات الدبلوماسية والقنصلية‪ ،‬الحصانة الشخصية و ّ‬
‫اآلخرين من غير الموظفين الدبلوماسيين أو القنصليين‪ ،‬وتشمل هذه الحصانة الشخصية الموظفين‬
‫الفنيين والمستخدمين والخدم الخاصين وحامل الحقيبة الدبلوماسية‪ ،‬هذا باإلضافة إلى أفراد‬
‫اإلداريين و ّ‬
‫أسرهم وأفراد أسر المبعوثين الدبلوماسيين من أهل بيتهم‪.‬‬
‫وطبقاً المادة (‪ )19‬من اتفاقية العالقات الدبلوماسية يتمتع جميع هؤالء األفراد بحصانة شخصية‬
‫مقيدة بشروط مختلفة‪ ،‬وقد نصت على هذه الحصانة بالنسبة ألفراد أسرة المبعوث الدبلوماسي المادة‬ ‫ّ‬
‫(‪ )5/19‬بقولها‪ " :‬يتمتع أفراد أسرة المبعوث الدبلوماسي من أهل بيته إن لم يكونوا من مواطني الدولة‬

‫(‪)1‬‬
‫علي حسين الشامي‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ص ‪.141 ،149‬‬
‫(‪)2‬‬
‫أنظر‪ :‬المادة (‪ )8/5/11‬من اتفاقية العالقات الدبلوماسية لسنة ‪.5695‬‬
‫(‪)3‬‬
‫غازي حسن صباريني‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.545‬‬

‫‪517‬‬
‫الفصل الثالث‪ :‬الحصانات واالمتيازات الدبلوماسية والقنصلية‬ ‫محاضرات في قانون العالقات الدبلوماسية والقنصلية‬

‫المعتمد لديها‪ ،‬باالمتيازات والحصانات المنصوص عليها في المواد من ‪ 96‬حتى ‪ ."19‬أي الحصانات‬
‫المتعلقة بحرمة الذات‪ ،‬وحرمة المنزل‪ ،‬وحرمة األغراض الشخصية من أموال منقولة ومستندات‬
‫أساسيين‪ ،‬أولهما أن يعيش هؤالء األفراد ألسرة المبعوث‬
‫ّ‬ ‫ومراسالت وأمتعة خاصة‪ ،‬وذلك ضمن شرطين‬
‫تحت سقف واحد ومعه‪ ،‬ثانيهما أن ال يحملوا جنسية الدولة المعتمد لديها‪ ،‬حيث في هذه الحاالت ال‬
‫يتمتع هؤالء األفراد بأية حصانة شخصية‪.‬‬
‫أما الفقرة الثانية من هذه المادة فقد تناولت الحصانة الشخصية بالنسبة لموظفي البعثة‬
‫الدبلوماسية من اإلداريين والفنيين وأفراد أسرهم‪ ،‬حين نصَّت على‪ :‬أن "يتمتع موظفو البعثة اإلداريون‬
‫والفنيون‪ ،‬وكذلك أفراد أسرهم من أهل بيتهم‪ ،‬إن لم يكونوا من مواطني الدولة المعتمد لديها‪ ،‬أو المقيمين‬
‫فيها إقامة دائمة‪ ،‬باالمتيازات والحصانات المنصوص عليها في المواد من ‪ 96‬حتى ‪ ،11‬شرط أن ال‬
‫تمتد الحصانة المنصوص عليها في الفقرة ‪ 5‬من المادة ‪ ،15‬فيما يتعلق بالقضاء المدني واإلداري للدولة‬
‫المعتمد لديها إلى األعمال التي يقومون بها خارج نطاق واجباتهم‪ ،‬ويتمتعون كذلك باالمتيازات‬
‫المنصوص عليها في الفقرة ‪ 5‬من المادة ‪ 19‬بالنسبة إلى المواد التي يستوردونها أثناء أول استقرار لهم"‪.‬‬
‫الفنيين وأفراد أسرهم‪ ،‬أحكام الحصانة الشخصية التي‬
‫تسري‪ ،‬إذن على هؤالء األف ارد اإلداريين و ّ‬
‫تشمل المبعوث الدبلوماسي ما عدا تلك التي تتعلق بحرمة أمتعتهم الشخصية التي ال تشملها أحكام الفقرة‬
‫الفنيين وأفراد أسرهم إلى‬
‫الثانية من المادة ‪ ،19‬حيث تخضع األمتعة الشخصية لهؤالء اإلداريين و ّ‬
‫إجراءات التفتيش‪.‬‬
‫ُيالحظ أن هذه الفقرة الثانية من هذه المادة اشترطت لتمتع هؤالء األفراد بالحصانة الشخصية‬
‫ثالثة شروط ال شرطين كما حصل في الفقرة األولى‪ .‬وهذه الشروط هي‪ :‬أوالا‪ :‬شرط معيشة أفراد أسر‬
‫الفنيون جنسية‬
‫هؤالء اإلداريين والفنيين تحت سقف واحد ومعهم‪ ،‬وثانيا‪ :‬أن ال يحمل هؤالء اإلداريون و ّ‬
‫الدولة المعتمد لديها‪ ،‬وثالث ا‪ :‬أنهم ال يقيمون فيها إقامة دائمة‪ ،‬وذلك بمعزل عن تمتعهم بجنسية الدولة‬
‫المعتمدة أو جنسية دولة ثالثة‪ ،‬حيث في هذه الحاالت ال يتمتعون بأية حصانة شخصية‪.‬‬
‫أما بالنسبة لمستخدمي البعثة فقد اشترطت الفقرة الثالثة من ذات المادة بأن ال يتمتع هؤالء األفراد‬
‫بالحصانة الشخصية إال فيما يتعلق باألعمال التي يقومون بها أثناء أدائهم واجباتهم أو وظائفهم‪ ،‬أما‬
‫خارج نطاق قيامهم بوظائفهم فال يتمتعون بأية حصانة‪ .‬واشترطت كذلك هذه الفقرة لتمتعهم بهذه‬
‫الحصانة بأن ال يكونوا من مواطني الدولة المعتمد لديها‪ ،‬وأن ال يكونوا من المقيمين في هذه الدولة إقامة‬
‫بأي عمل‬
‫بأية حصانة‪ ،‬وذلك لعدم قيامهم ّ‬ ‫دائمة‪ ،‬وبالتالي فإن أفراد أسر هؤالء المستخدمين ال يتمتعون ّ‬
‫ُقرت لمستخدمي البعثة نظ اًر لألعمال التي يقومون بها‬
‫يرتبط بالوظائف الدبلوماسية باعتبار أن الحصانة أ ّ‬
‫أثناء أدائهم لواجباتهم‪.‬‬

‫‪511‬‬
‫الفصل الثالث‪ :‬الحصانات واالمتيازات الدبلوماسية والقنصلية‬ ‫محاضرات في قانون العالقات الدبلوماسية والقنصلية‬

‫نصت الفقرة الرابعة من المادة (‪)19‬‬


‫وفيما يتعلق بالخدم الخاصين العاملين لدى أفراد البعثة‪ ،‬فقد ّ‬
‫على أن الخدم‪ ،‬من غير حاملي جنسية الدولة المعتمد لديها وغير المقيمين فيها إقامة دائمة‪ ،‬ال يتمتعون‬
‫بأية حصانة إال بقدر ما تسمح به الدولة المعتمد لديها‪ ،‬بمعنى آخر تركت هذه الفقرة الحرية للدولة‬
‫ّ‬
‫الخاصين‪ .‬ولكن من جهة أخرى‬‫ّ‬ ‫المعتمد لديها بمنح ما تراه مناسباً من الحصانات ألداء عمل الخدم‬
‫اشترطت هذه الفقرة‪ ،‬أنه يجب على الدولة المعتمد لديها مع ذلك‪ ،‬عند ممارستها لواليتها على هؤالء‬
‫األفراد أن ال تُعيق بشكل زائد أداء وظائف البعثة‪.‬‬
‫وأخي اًر‪ ،‬يستفيد جميع هؤالء األفراد من إداريين وفنيين ومستخدمين وأفراد أسرهم وأفراد أسر‬
‫المبعوث الدبلوماسي‪ ،‬من أحكام المادة (‪ ، )80‬حيث تمتد الحصانة الشخصية التي يتمتع بها األفراد في‬
‫الدولة المعتمد لديها‪ ،‬إلى الدولة الثالثة التي تضمن المرور لهم في إقليمها‪ ،‬وذلك بعد التأكد من أن‬
‫جوازاتهم تحمل السمات الالزمة من هذه الدولة الثالثة‪.‬‬
‫إلى جانب ضمان المرور في إقليم الدولة الثالثة التي تنص عليها المادة السابقة‪ ،‬فإن الدولة‬
‫المعتمد لديها تكفل بموجب المادة (‪ )99‬حرية االنتقال والسفر لجميع أعضاء البعثة في إقليمها‪ ،‬ولكن‬
‫مع مراعاة عدم اإلخالل بقوانين وأنظمة الدولة المعتمد لديها المتعلقة بالمناطق المحظورة أو المنظم‬
‫دخولها ألسباب أمنية‪.‬‬
‫الفرع الثاني‪ :‬الحصانات القضائية‬
‫أما على صعيد الحصانة القضائية الجنائية والمدنية واإلدارية فإن اتفاقية فيينا لعام ‪،5695‬‬
‫ميزت أيضاً بين أفراد البعثة الدبلوماسية‪ ،‬حيث اعتبرت أن أفراد أسرة المبعوث الدبلوماسي من أهل بيته‬
‫يتمتعون بجميع الحصانات واالمتيازات التي يتمتع بها الموظف أو المبعوث الدبلوماسي بما فيها‬
‫الحصانة القضائية والتنفيذية‪ ،‬ولكن شرط أن ال يكون من مواطني الدولة المعتمد لديها‪ .‬أما لجهة بقية‬
‫الفنيين وأفراد أسرهم‬
‫أفراد البعثة وأفراد أسرهم‪ ،‬فقد نصت المادة (‪ ،)9/19‬على أن الموظفين اإلداريين و ّ‬
‫من أهل بيتهم‪ ،‬إن لم يكونوا من مواطني الدولة المعتمد لديها‪ ،‬يتمتعون بالحصانة القضائية الجزائية أثناء‬
‫تمتد الحصانة القضائية المدنية واإلدارية إال إلى األعمال التي‬
‫وخارج ممارستهم لوظائفهم‪ ،‬بينما ال ّ‬
‫يقومون بها أثناء ممارسة وظائفهم‪ ،‬أما األعمال التي يقومون بها خارج نطاق وظائفهم‪ ،‬فإن هؤالء ال‬
‫يتمتعون بالحصانة القضائية المدنية واإلدارية‪.‬‬
‫وفيما يتعلق بمستخدمي البعثة الذين ليسوا من مواطني الدولة المعتمد لديها أو المقيمين فيها‬
‫إقامة دائمة‪ ،‬فال يتمتعون بالحصانة إال بالنسبة إلى األعمال التي يقومون بها أثناء ممارستهم وظائفهم‪.‬‬
‫الخاصين لدى أفراد البعثة‪ ،‬فإن لم يكونوا من مواطني الدولة المعتمد لديها أو‬
‫ِّ‬ ‫وعلى صعيد الخدم‬
‫بأية حصانة قضائية إال بقدر ما تسمح الدولة المعتمد لديها‪ ،‬غير‬
‫المقيمين فيها إقامة دائمة‪ ،‬ال يتمتعون ّ‬
‫أنه يجب عليها مع ذلك عند ممارسة قضائها على هؤالء األشخاص أن ال تُعيق بشكل زائد أداء وظائف‬

‫‪518‬‬
‫الفصل الثالث‪ :‬الحصانات واالمتيازات الدبلوماسية والقنصلية‬ ‫محاضرات في قانون العالقات الدبلوماسية والقنصلية‬

‫البعثة‪ .‬أما إذا كان هؤالء األشخاص ينتمون بجنسياتهم إلى الدولة المعتمد لديها أو يقيمون فيها إقامة‬
‫دائمة‪ ،‬فإنهم ال يتمتعون بالحصانات إال بقدر ما تسمح به هذه الدولة التي يجب عليها‪ ،‬مع ذلك‪ ،‬عند‬
‫ممارسة قضائها على هؤالء األشخاص أن ال تُعيق بشكل زائد أداء وظائف البعثة‪.‬‬
‫وتجدر اإلشارة أخي اًر إلى أن اتفاقية العالقات الدبلوماسية لم تميز بين األجانب المتمتعين‬
‫باالمتيازات والحصانات‪ ،‬وبين أفراد أسرهم ًّأيا كانت جنسيتهم‪ ،‬في حالة وجود نزاع مسلح‪ ،‬حيث بموجب‬
‫المادة (‪ ،)88‬يجب على الدولة المعتمد لديها منح هؤالء جميعاً و ًّأيا كانت جنسية أسر الدبلوماسيين‪،‬‬
‫جميع التسهيالت الالزمة لمغادرة إقليمها في أقرب وقت‪.‬‬
‫الفرع الثالث‪ :‬االمتيازات واإلعفاءات المالية‬
‫لم تقتصر اتفاقيات العالقات الدبلوماسية والقنصلية على تأكيد منح امتيازات واعفاءات مالية‬
‫أكدت كذلك على منح أعضاء البعثة اآلخرين من غير من‬ ‫للمبعوثين الدبلوماسيين والقنصليين‪ ،‬بل َّ‬
‫يتمتعون بالصفة الدبلوماسية والقنصلية امتيازات واعفاءات ضريبية وجمركية‪ ،‬وذلك بموجب المواد (‪)19‬‬
‫و(‪ )14‬و(‪ )16‬و(‪ )80‬من اتفاقية العالقات الدبلوماسية‪ ،‬وتشمل هذه االمتيازات أفراد أسرة المبعوث‬
‫الدبلوماسي‪ ،‬والموظفين اإلداريين والفنيين وأفراد أسرهم‪ ،‬والمستخدمين والخدم الخاصِّين‪.‬‬
‫غير أن هذه التمتع االمتيازات مشروط بثالث شروط كما رأينا في التمتع بالحصانات الشخصية‬
‫والقضائية‪ ،‬وهي عدم شرط التمتع بجنسية الدولة المضيفة‪ ،‬وشرط عدم اإلقامة الدائمة فيها‪ ،‬وشرط‬
‫المعيشة تحت سقف واحد بالنسبة ألفراد أسر المبعوثين الدبلوماسيين والموظفين اإلداريين والفنيين‪ .‬وأن‬
‫أفراد تلك األسر يتمتعون بذات اإلعفاءات التي يتمتع بها الشخص الذي يتبعونه‪.‬‬

‫‪512‬‬
‫الفصل الرابع‪ :‬انتهاء التمثيل الدبلوماسي والقنصلي‬ ‫محاضرات في قانون العالقات الدبلوماسية والقنصلية‬

‫الفصل الرابع‬
‫انتهاء التمثيل الدبلوماسي والقنصلي‬
‫أشرنا فيما سبق أن إقامة العالقات الدبلوماسية والقنصلية هي حق مطلق وسيادي تباشره الدول‬
‫ذات السيادة‪ .‬ل ذا فإن تبادل التمثيل الدبلوماسي والقنصلي يتم على أساس التراضي واالتفاق بين األطراف‬
‫المعنية‪ ،‬وذلك للقيام بالوظائف والمهام الدبلوماسية والقنصلية المختلفة‪.‬‬
‫واذا كان األصل هو ديمومة العالقات الدبلوماسية والقنصلية انطالقاً من ديمومة المصالح التي‬
‫تربط بين الدول المعنية‪ ،‬إال أنه قد تحدث وقائع وتصرفات معينة تضع حداً للتمثيل الدبلوماسي‬
‫والقنصلي‪ ،‬إما باإلرادة المشتركة ألطراف العالقة أو بإرادة إحداهما فقط دون األخرى‪ ،‬األمر الذي يترتب‬
‫عليه آثا اًر متباينة تختلف أهميتها وخطورتها حسب التصرف أو الواقعة التي كانت سبباً في انتهاء التمثيل‬
‫الدبلوماسي والقنصلي‪ ،‬وهو ما يدعونا إلى معالجة هذا الفصل في مبحثين‪ ،‬ندرس في األول حاالت‬
‫انتهاء التمثيل الدبلوماسي والقنصلي‪ ،‬وفي الثاني اآلثار المترتبة على انتهاء التمثيل الدبلوماسي‬
‫والقنصلي‪.‬‬

‫‪801‬‬
‫الفصل الرابع‪ :‬انتهاء التمثيل الدبلوماسي والقنصلي‬ ‫محاضرات في قانون العالقات الدبلوماسية والقنصلية‬

‫المبحث األول‬
‫حاالت انتهاء التمثيل الدبلوماسي والقنصلي‬
‫قد تط أر على العالقات الدبلوماسية والقنصلية القائمة بين الدول تغيرات مختلفة تكون سبباً في‬
‫انتهاء التمثيل الدبلوماسي والقنصلي بينها‪ ،‬وأثر هذه التغيرات على تلك العالقات قد يقتصر على مجرد‬
‫انتهاء المهام الدبلوماسية والقنصلية‪ ،‬وقد يتطور إلى إنهاء العالقات الدبلوماسية والقنصلية وقطعها‪ ،‬وهو‬
‫ما سنتطرق له في المطلبين المواليين‪.‬‬
‫المطلب األول‪ :‬انتهاء المهام الدبلوماسية والقنصلية‬
‫إن حاالت انتهاء المهام الدبلوماسية والقنصلية ترجع ألسباب مختلفة ومتعددة‪ ،‬منها ما يتعلق‬
‫بالمبعوث الدبلوماسي أو القنصلي‪ ،‬ومنها ما يتعلق بالبعثة ككل بصفتها هيئة تمثل دولة ذات سيادة‪.‬‬
‫الفرع األول‪ :‬انتهاء مهام المبعوث‬
‫أشارت المادة األولى فقرة (ه) من اتفاقية العالقات الدبلوماسية إلى أن مصطلح المبعوث‬
‫الدبلوماسي ُيطلق على أي عضو في البعثة الدبلوماسية يتمتع بالصفة الدبلوماسية‪ ،‬كما أشارت المادة‬
‫األولى فقرة (د) من اتفاقية العالقات القنصلية إلى أن تعبير الموظف القنصلي ُيطلق على أي موظف‬
‫في البعثة القنصلية يقوم باألعمال القنصلية‪ ،‬ونظ اًر لطبيعة المهام الموكلة لهؤالء فإن انتهاء مهامهم يعود‬
‫ألسباب خاصة تختلف عن أسباب انتهاء مهام البعثة ككل‪ ،‬كما أن انتهاء مهامهم ال ُينهي عمل البعثة‪.‬‬
‫واألسباب التي تؤدي إلى انتهاء مهام المبعوث الدبلوماسي أو القنصلي‪ ،‬منها ما يعود إلى أسباب‬
‫ذاتية تتعلق بالمبعوث الدبلوماسي أو القنصلي‪ ،‬ومنها ما يعود إلى إرادة الدولة الموفدة‪ ،‬ومنها ما يعود‬
‫إلى إرادة الدولة المضيفة‪.‬‬
‫أوالا‪ :‬انتهاء مهام المبعوث ألسباب شخصية‬
‫ال يهتم القانون الدولي كثي اًر باألسباب الشخصية التي تؤدي إلى انتهاء مهمة المبعوث‬
‫الدبلوماسي أو القنصلي‪ ،‬وهي ترتبط أكثر بأحكام القانون الداخلي‪ ،‬وحسب ما استقرت عليه التشريعات‬
‫المقارنة فإن تلك األسباب تتمثل في‪:‬‬
‫‪ -1‬االستقالة‪ُ :‬يعبر المبعوث الدبلوماسي أو القنصلي عن رغبته في االستقالة بتقديم طلب استقالة إلى‬
‫حكومة دولته قبل أن ُيغادر مركز عمله وينتظر الرد عليه إما بالقبول أو الرفض‪ ،‬وفي حالة الرفض‬
‫يستمر المبعوث في أداء مهامه‪ ،‬واذا أخل بالتزاماته أو توقف عن مهامه الدبلوماسية فتقوم عليه‬
‫المسؤولية الوظيفية(‪ .)1‬واألسباب التي تدعو المبعوث الدبلوماسي أو القنصلي إلى االستقالة كثيرة‪ ،‬فقد‬

‫(‪)1‬‬
‫بن ساسة سفيان‪ ،‬انتهاء التمثيل الدبلوماسي واآلثار المترتبة عليه‪ ( ،‬مذكرة ماجستير في القانون الدولي والعالقات الدولية‪ ،‬كلية الحقوق‪ ،‬جامعة‬
‫الجزائر‪ ،)0211/0212 ،1‬ص ‪.02‬‬

‫‪801‬‬
‫الفصل الرابع‪ :‬انتهاء التمثيل الدبلوماسي والقنصلي‬ ‫محاضرات في قانون العالقات الدبلوماسية والقنصلية‬

‫تكون عائلية كالرغبة في استقرار عائلته في بلدها األصلي أو وظيفية كعدم رضاه عن مواقف وسياسة‬
‫حكومته‪ ،‬أو ألي سبب آخر(‪.)1‬‬
‫‪ -2‬التقاعد‪ :‬عادة ما تُحدد الدول في تشريعاتها الداخلية سن تقاعد موظفيها العاملين في السلك‬
‫الخارجي (الدبلوماسي أو القنصلي)‪ ،‬وتختلف عادة عن سن تقاعد الموظفين العاملين‪ ،‬وبالتالي تنتهي‬
‫المهمة الدبلوماسية أو القنصلية حكماً بحلول سن التقاعد‪.‬‬
‫‪ -3‬المرض الشديد أو الوفاة‪ :‬المرض ال يؤدي في العادة إلى إنهاء مهام المبعوث الدبلوماسي أو‬
‫القنصلي ولو تسبب في انقطاعها بصورة مؤقتة‪ ،‬لكن إذا اشتد المرض أو العجز وأصبح من المتعذر‬
‫معه أداء المبعوث الدبلوماسي أو القنصلي لمهامه بشكل طبيعي‪ ،‬فال بد من صدور قرار بإحالته على‬
‫عطلة مرضية لغاية شفائه‪ ،‬وهنا ال تنتهي مهامه بصفة آلية بل بعد إعالن الدولة المعتمدة بذلك(‪.)2‬‬
‫أما فيما يخص الوفاة فإنها تُعتبر واقعة طبيعية يترتب عليها من الناحية القانونية االنتهاء الفوري‬
‫لمهام المبعوث الدبلوماسي أو القنصلي دون الحاجة إلى اإلعالن عن ذلك‪ ،‬وفي كلتا الحالتين يتولى‬
‫الموظف األعلى رتبة منصب القائم باألعمال بالنيابة(‪.)3‬‬
‫هذا‪ ،‬ونشير أخي اًر إلى أن انتهاء مهمة المبعوث ال يؤثر على البعثة التي يعمل فيها‪ ،‬بل تبقى‬
‫مهمتها قائمة ومستمرة‪ ،‬كما نشير إلى أن انتهاء مهمة المبعوث الدبلوماسي أو القنصلي ال تؤدي إلى‬
‫انتهاء تمتعه بالحصانات واالمتيازات المقررة له فو اًر‪ ،‬بل يبقى متمتعاً بها إلى حين مغادرته إلقليم الدولة‬
‫المضيفة أو بعد مرور فترة معقولة تُمنح له حتى يتمكن من المغادرة(‪.)4‬‬
‫ثانيا‪ :‬انتهاء مهام المبعوث بإرادة الدولة الموفدة‬
‫يتحقق انتهاء مهام المبعوث الدبلوماسي أو القنصلي بإرادة الدولة الموفدة في حالتين هما‪:‬‬
‫االستدعاء وانتهاء أجل المهمة‪.‬‬
‫‪ -1‬االستدعاء‪ :‬تقوم الدولة الموفد باستدعاء المبعوث الدبلوماسي أو القنصلي أو استدعاء رئيس البعثة‬
‫لدى الدولة المضيفة وانهاء مهمته‪ ،‬وذلك لعدة أسباب منها‪ :‬فقدان الثقة فيه نتيجة سوء تنفيذ سياسة‬
‫حكومته أو نتيجة سوء تصرف أو سلوك قام به في الدولة المضيفة‪ ،‬أو تعيينه في منصب آخر‪ ،‬أو إقالته‬
‫نتيجة ارتكابه بعض المخالفات في أداء مهامه‪ .‬كما ُيمكن للدولة الموفدة أن تعمد إلى استدعاء مبعوثها‬
‫للتعبير عن استيائها من سياسة الدولة المعتمد لديها‪ ،‬كما ُيمكن أن تنتهي مهمة المبعوث إذا كان رئيساً‬

‫(‪)1‬‬
‫غازي حسن صباريني‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.110‬‬
‫(‪)2‬‬
‫بن ساسة سفيان‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.02‬‬
‫(‪)3‬‬
‫موسى محمد مصباح‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.121‬‬
‫(‪)4‬‬
‫عبد الفتاح علي الرشدان‪ ،‬محمد خليل الموسى‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.111‬‬

‫‪880‬‬
‫الفصل الرابع‪ :‬انتهاء التمثيل الدبلوماسي والقنصلي‬ ‫محاضرات في قانون العالقات الدبلوماسية والقنصلية‬

‫للب عثة بحصوله على ترقية من قائم باألعمال إلى وزير مفوض أو إلى رتبة سفير‪ ،‬وفي هذه الحالة يجب‬
‫عليه أن ُيقدم كتاب اعتماد جديد بسبب انتهاء مهمته السابقة(‪.)1‬‬
‫‪ -2‬انتهاء أجل المهمة‪ :‬تتعلق هذه الحالة بالبعثات الخاصة أين تتفق الدولتان الموفدة والمضيفة على‬
‫تحديد أجل معين إلنجاز المهمة الدبلوماسية‪ ،‬بحيث بانقضائها تنتهي مهمة البعثة الدبلوماسية‪ ،‬وذلك‬
‫كإيفاد بعثة خاصة للتفاوض بشأن معاهدة أو للمشاركة في مؤتمر أو في جنازة‪ ،‬فإذا انتهى التنفيذ انتهت‬
‫المهمة(‪ .)2‬ومهمة المبعوث الدبلوماسي أو القنصلي ال تنتهي بالنسبة للدولة المضيفة بمجرد صدور قرار‬
‫الدولة الموفدة بإقالته أو استدعائه أو إحالته على التقاعد أو قبول استقالته بل بتبليغها رسمياً ذلك‬
‫القرار(‪.)3‬‬
‫هذا‪ ،‬ونشير إلى أن إنهاء مهمة المبعوث الدبلوماسي أو القنصلي هي حق مطلق للدولة الموفدة‪،‬‬
‫فهي التي تملك الحق في استدعاء مبعوثها وقت ما تشاء بناء على تقديراتها الخاصة بها‪ ،‬وليس من حق‬
‫الدولة المضيفة أن تحتج على ذلك(‪.)4‬‬
‫ثالثا‪ :‬انتهاء مهام المبعوث بإرادة الدولة المضيفة‬
‫كما تملك الدولة الموفدة حق إنهاء مهام مبعوثها الدبلوماسي أو القنصلي‪ ،‬فإن اتفاقية العالقات‬
‫الدبلوماسية واتفاقية العالقات القنصلية قررت للدولة المضيفة ذات الحق‪ ،‬وذلك بالرغم من حجم‬
‫الحصانات واالمتيازات المقررة له‪ ،‬وتقوم بذلك في حالتين هما‪ :‬حالة اعتبار الشخص غير مرغوب فيه‪،‬‬
‫وحالة الطرد‪.‬‬
‫‪ -1‬حالة اعتبار المبعوث شخص غير مرغوب فيه‪ :‬األصل في الموظف الدبلوماسي أو القنصلي أنه‬
‫شخص مرغوب فيه ومقبول به‪ ،‬لكونه ُيختار من بين األشخاص الذين يتمتعون بصفات النزاهة والحياد‬
‫والكفاءة وحسن السلوك والسمعة الحميدة‪ ،‬لكن الدولة المضيفة قد يكون لها رأي آخر في هذا الشخص‬
‫طبقاً لتقديراتها الخاصة‪ ،‬لذلك منحتها اتفاقيات العالقات الدبلوماسية والقنصلية الحق في اعتبار المبعوث‬
‫الدبلوماسي شخص غير مرغوب فيه‪ ،‬ومنها المادة (‪ )1/20‬من اتفاقية العالقات الدبلوماسية التي نصت‬
‫على‪" :‬يجوز للدولة المعتمد لديها‪ ،‬في جميع األوقات ودون بيان أسباب قرارها‪ ،‬أن تُعلن للدولة المعتمدة‬
‫أن رئيس البعثة أو أي موظف دبلوماسي فيها شخص غير مرغوب فيه أو أن أي موظف آخر فيها غير‬
‫مقبول‪ .‬وفي هذه الحالة‪ ،‬تقوم الدولة المعتمدة‪ ،‬حسب االقتضاء‪ ،‬إما باستدعاء الشخص المعني أو بإنهاء‬

‫(‪)1‬‬
‫علي حسين الشامي‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.012‬‬
‫(‪)2‬‬
‫موسى محمد مصباح‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.121‬‬
‫(‪)3‬‬
‫بن صاف فرحات‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.110‬‬
‫(‪)4‬‬
‫موسى محمد مصباح‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.122‬‬

‫‪888‬‬
‫الفصل الرابع‪ :‬انتهاء التمثيل الدبلوماسي والقنصلي‬ ‫محاضرات في قانون العالقات الدبلوماسية والقنصلية‬

‫خدمته في البعثة‪ .‬ويجوز إعالن شخص ما غير مرغوب فيه أو غير مقبول‪ ،‬قبل وصوله إلى إقليم‬
‫الدولة المعتمد لديها"(‪.)1‬‬
‫من خالل النص يتضح أن الدولة المضيفة لها كامل الحق في اإلعالن أن رئيس البعثة‬
‫الدبلوماسية أو أي شخص آخر في البعثة أنه غير مرغوب فيه‪ ،‬دون أن يكون للدولة الموفدة إمكانية‬
‫االحتجاج عن ذلك أو حتى مطالبة الدولة المضيفة بإبداء األسباب التي أدت بها إلى ذلك‪ .‬كما يتضح‬
‫أن الدولة المضيفة ُيمكن أن تُعلن أن المبعوث غير مرغوب فيه حتى قبل اعتماده‪ ،‬لذلك أوجبت المادة‬
‫(‪ )1/21‬من اتفاقية العالقات الدبلوماسية على الدولة الموفدة خصوصاً فيما يتعلق باعتماد رئيس بعثتها‬
‫أن تستطلع رأي المضيفة قبل اعتماده حتى ال تُفاجؤ بالرفض من ِقبلها‪ ،‬وهذه في الحقيقة ال تُمثل حالة‬
‫إلنهاء مهام المبعوث الدبلوماسي ألنه لم يتسلم مهامه أصالً‪ .‬كما لها الحق أن تُعلن أن المبعوث أو أي‬
‫موظف آخر في البعثة أصبح شخصاً غير مرغوب فيه وذلك بعد اعتماده‪ ،‬وهذا بسبب سلوكه السيئ أو‬
‫تدخله في شؤونها الداخلية أو عدم احترامه لقوانينها الداخلية(‪.)2‬‬
‫وحسب النص فإن على الدولة الموفدة القيام باستدعاء الشخص غير المرغوب فيه من الدولة‬
‫المضيفة للقيام بتأديبه‪ ،‬أو بإنهاء مهامه في تلك البعثة‪ .‬غير أنه إذا لم تستجب الدولة الموفدة لطلب‬
‫عرض مبعوثها للطرد من‬
‫الدولة المضيفة أو تماطلت في استدعاء مبعوثها خالل فترة معقولة‪ ،‬فإنها قد تُ ٍّ‬
‫طرف الدولة المضيفة‪.‬‬
‫‪ -2‬حالة الطرد‪ :‬في الحالة التي ال تستجيب فيها الدولة الموفدة لطلب الدولة المضيفة المتمثل في‬
‫استدعاء مبعوثها غير المرغوب فيه أو تقاعست في القيام بذلك‪ ،‬فإن المادة (‪ )0/20‬من ذات االتفاقية‬
‫أجازت للدولة المضيفة أن ترفض االعتراف بالشخص المعني بوصفه عضواً في البعثة‪ ،‬وبالتالي تسقط‬
‫عنه الصفة الدبلوماسية وتنزع عنه كل الحصانات واالمتيازات‪ ،‬وبعد إخطارها للدولة الموفدة تعتبر مهام‬
‫هذا المبعوث منتهية باالستناد إلى المادة (‪/10‬ب) من اتفاقية العالقات الدبلوماسية(‪.)3‬‬
‫وبعد إبالغ الدولة المضيفة للدولة الموفدة بأن ذلك الشخص لم يعد بالنسبة إليها عضواً في‬
‫البعثة‪ ،‬يبقى لها الخيار بين أن تُنهي التعامل معه بصفته شخصاً دبلوماسياً مع السماح له باإلقامة في‬
‫إقليمها بوصفه شخصاً أجنبياً(‪ ،)4‬أو أن تقوم بطرده خارج إقليمها وهو إجراء أكثر خطورة من اعتباره‬

‫(‪)1‬‬
‫نصت على هذه الحالة كذلك المادة (‪ )1/00‬من اتفاقية العالقات القنصلية‪ ،‬والمادة (‪ )1/10‬من اتفاقية البعثات الخاصة‪.‬‬
‫(‪)2‬‬
‫بن ساسة سفيان‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.12‬‬
‫(‪ )3‬نصت على هذه الحالة كذلك المادة (‪ )0/00‬من اتفاقية العالقات القنصلية‪ ،‬والمادة (‪ )0/10‬من اتفاقية البعثات الخاصة‪.‬‬
‫(‪)4‬‬
‫لقد أكد هذا الحكم الصادر عن المحكمة االبتدائية بنيويورك الذي أيدته محكمة االستئناف والقاضي برفض ادعاء صاحب العالقة استمرار صفته القنصلية‬
‫ألن دولته لم تقم بسحبه‪ ،‬واعتبر الحكم أن مجرد سحب إجازته القنصلية ُينهي صفته القنصلية التي ال تقوم إال بقبول الدولة المضيفة بها‪ .‬أنظر‪ :‬بن صاف‬
‫فرحات‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.110‬‬

‫‪881‬‬
‫الفصل الرابع‪ :‬انتهاء التمثيل الدبلوماسي والقنصلي‬ ‫محاضرات في قانون العالقات الدبلوماسية والقنصلية‬

‫شخصاً غير مرغوب فيه أو غير مقبول‪ُ ،‬يمكن أن ُيؤدي إلى توتر شديد في العالقات بين الدولتين(‪.)1‬‬
‫وفي هذه الحالة تسلمه الدولة المضيفة جواز سفره وتبلغه بمغادرة إقليمها دون انتظار استدعائه من قبل‬
‫دولته‪ ،‬وعندئذ تقوم هذه األخيرة إما بتعيين خلف وذلك إذا كان سبب الطرد عمالً مستنك اًر ارتكبه‬
‫المبعوث‪ ،‬واما قطع العالقات الدبلوماسية مع الدولة المضيفة إذا كانت مبررات الطرد غير مقنعة(‪.)2‬‬
‫واألفعال التي يرتكبها المبعوث الدبلوماسي أو القنصلي والتي تكون سبباً في طرده من الدولة‬
‫المضيفة األكيد أنها أشد إساءة لهذه األخيرة من تلك التي تجعله مجرد شخص غير مرغوب فيه‪ ،‬ومثالها‬
‫ارتكاب المبعوث الدبلوماسي أو القنصلي لجرائم تمس بأمن الدولة المضيفة كالتجسس والتآمر ودعم‬
‫الفئات المعارضة لنظام الحكم في الدولة المضيفة وغيرها من االنتهاكات الجسيمة والمتكررة في محيط‬
‫العالقات الدولية‪ ،‬فالطرد إجراء غير ودي وخطير ُيعبر عن استياء شديد للدولة المضيفة‪ ،‬ال ُي ٍّبرره إال‬
‫تصرف بالغ الخطورة أقدم عليه المبعوث الدبلوماسي أو القنصلي‪ ،‬لذلك على الدولة المضيفة أال تُ ِ‬
‫قدم‬
‫عرض الدولة‬
‫عليه إال في الحاالت الخطيرة التي تمس بأمنها القومي‪ ،‬ألنه إذا لم يستند لمبرر قوي فإنه ُي ٍّ‬
‫التي أقدمت عليه للمسؤولية الدولية وطلب التعويض‪ ،‬أو لمعاملتها بالمثل أو لتوتر شديد في العالقات قد‬
‫تنتهي إلى قطع العالقات الدبلوماسية معها(‪.)3‬‬
‫الفرع الثاني‪ :‬انتهاء مهام البعثة‬
‫األصل أن البعثات الدبلوماسية والقنصلية تعمل بصفة دائمة‪ ،‬لكن قد تتوفر بعض األسباب كما‬
‫قد تط أر بعض الوقائع القانونية تجعل من استمرارها أم اًر ُمتعذ اًر فينتهي عملها‪ ،‬وتتمثل تلك األسباب‬
‫والوقائع فيما يلي‪:‬‬
‫أوالا‪ :‬تغير الوضع القانوني للدولة الموفدة أو المضيفة‬
‫أشرنا فيما سبق أن حق التمثيل الدبلوماسي والقنصلي يثبت للدول المستقلة كاملة السيادة بوصفها‬
‫تتمتع بالشخصية القانونية الدولية‪ ،‬وبالتالي فإن أي تغير في الوضع القانوني للدولة الموفدة أو الدولة‬
‫المضيفة من شأنه أن يؤدي إلى زوال شخصيتها القانونية أو يؤثر على سيادتها‪ ،‬سوف يؤدي إلى انهاء‬
‫التمثيل الدبلوماسي والقنصلي‪.‬‬
‫‪ -1‬زوال الشخصية القانونية للدولة‪ :‬تزول الشخصية القانونية للدولة بإرادتها باالتفاق مع غيرها على‬
‫االنضمام أو االنقسام‪:‬‬
‫‪ ‬حالة االنضمام‪ :‬إن تأثير انضمام الدولة إلى اتحاد ما على شخصيتها القانونية‪ ،‬وبالتالي انتهاء‬
‫التمثيل الدبلوماسي والقنصلي يتوقف على نوع االتحاد المنضمة إليه‪.‬‬

‫(‪)1‬‬
‫علي حسين الشامي‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.010‬‬
‫(‪)2‬‬
‫موسى محمد مصباح‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.121‬‬
‫(‪)3‬‬
‫مايا الدباس‪ ،‬ماهر ملندي‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.01‬‬

‫‪881‬‬
‫الفصل الرابع‪ :‬انتهاء التمثيل الدبلوماسي والقنصلي‬ ‫محاضرات في قانون العالقات الدبلوماسية والقنصلية‬

‫االنضمام إلى اتحاد فيدرالي‪ُ :‬يعرف االتحاد الفيدرالي بأنه اتحاد مركزي بين دولتين أو أكثر‬
‫بحيث ال تكون الشخصية الدولية إال للحكومة المركزية‪ ،‬مع احتفاظ الوحدات المكونة لالتحاد ببعض‬
‫االستقالل الداخلي بينما تفقد كل منها مقومات سيادتها الخارجية(‪ .)1‬ويترتب عليه زوال الشخصية‬
‫القانونية للدول المنضمة إليه‪ ،‬وبالتالي انتهاء مهام بعثات الدول المنضوية تحته وانصهارها في بعثة‬
‫واحدة وهي بعثة الحكومة المركزية‪.‬‬
‫اال نضمام إلى اتحاد شخصي‪ :‬وهو جمع رئاسة دولتين أو أكثر في يد شخص واحد‪ ،‬وقد يتحول‬
‫هذا اإلتحاد إلى اتحاد فعلي من خالل االتفاق على إدارة بعض الشؤون المشتركة للدول المتحدة بواسطة‬
‫هيئات مشتركة ولعل أهمها هي الشؤون الدبلوماسية‪ ،‬وهنا تنتهي بعثات تلك الدولة التي كانت قائمة قبل‬
‫قيام هذا االتحاد لتنصهر في بعثة واحدة مشتركة‪ .‬وقد يبقى هذا االتحاد مجرد إتحاد شكلي دون أن يؤثر‬
‫على سيادة كل دولة منضمة إليه‪ ،‬وبالتالي يبقى لكل دولة حق إقامة بعثات دبلوماسية بمفردها‪.‬‬
‫االنضمام إلى اتحاد تعاهدي‪ :‬ينشأ هذا االتحاد بموجب معاهدة بين عدة دول تُنشئ فيما بينها‬
‫هيئة مشتركة دائمة ُيناط بها القيام باختصاصات مشتركة بصفة مفردة أو باالشتراك مع الدول األعضاء‬
‫في االتحاد(‪ .)2‬وما ُيميز هذا االتحاد هو احتفاظ كل دولة بسيادتها‪ ،‬مع منح هيئة االتحاد الشخصية‬
‫الدولية‪ ،‬وبالتالي فإن كالهما يبقى له حق إقامة العالقات الدبلوماسية والقنصلية‪ .‬وهذا النوع من اإلتحاد‬
‫ال ينهي مهمة البعثات الدبلوماسية للدول المنضمة لالتحاد‪ ،‬ولكن ينشئ هيئة جديدة تكون لها صالحية‬
‫إقامة العالقات الدبلوماسية‪.‬‬
‫‪ ‬حالة االنقسام‪ :‬عندما تنشطر دولة ما إلى دولتين أو أكثر‪ ،‬فإنه تنتهي تبعاً لذلك البعثات‬
‫الدبلوماسية والقنصلية للدولة األم لزوال شخصيتها القانونية‪ ،‬وال ترث أي من الدول الجديدة‬
‫البعثات السابقة‪ ،‬لكن في الحالة التي تبقى فيها الدولة األم قائمة وينفصل جزء من إقليمها أو‬
‫أكثر إلى دول مستقلة‪ ،‬فإن بعثات الدولة األم تبقى قائمة وتنشأ بعثات جديدة للدولة أو الدول‬
‫المنفصلة عنها‪ ،‬ومثال ذلك انفصال جنوب السودان عن الدولة األم السودان‪.‬‬
‫‪ -2‬تقييد أو انعدام سيادة الدولة‪ :‬في بعض الحاالت تط أر على المركز القانوني للدولة أوضاع معينة ال‬
‫تُزيل شخصيتها القانونية‪ ،‬وانما تؤثر على سيادتها فتُقيدها أو تُعدمها‪ ،‬وهي تتمثل في‪:‬‬
‫الوضع تحت الحماية أو االنتداب أو الوصاية‪ :‬يحفظ نظام الحماية للدولة المحمية حق إدارة‬
‫شؤونها الداخلية على أن تتولى الدولة الحامية إدارة شؤونها الخارجية‪ ،‬ومن بينها إقامة العالقات‬
‫الدبلوماسية‪ ،‬وبالتالي تفقد الدولة المحمية حق إقامة البعثات من يوم دخولها في نظام الحماية‪ ،‬وقد تترك‬
‫الدولة الحامية للدولة المحمية حق التمثيل السلبي دون االيجابي‪ .‬وكذلك الحال بالنسبة لنظامي االنتداب‬

‫(‪)1‬‬
‫ساسة سفيان‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.02‬‬
‫(‪)2‬‬
‫أنظر‪ :‬المرجع نفسه‪ ،‬ص ص ‪.02 ،00‬‬

‫‪881‬‬
‫الفصل الرابع‪ :‬انتهاء التمثيل الدبلوماسي والقنصلي‬ ‫محاضرات في قانون العالقات الدبلوماسية والقنصلية‬

‫والوصاية‪ ،‬حيث يحفظان للدولة الموضوعة تحت االنتداب أو المشمولة بنظام الوصاية استقاللها‬
‫الداخلي‪ ،‬لكنها تكون خاضعة لدولة أخرى سيدة في مجال الشؤون الخارجية بالنسبة لالنتداب‪ ،‬وخاضعة‬
‫لألمم المتحدة بالنسبة للدول المشمولة بنظام الوصاية‪ ،‬ويترتب على هذا أن التمثيل الدبلوماسي يكون من‬
‫اختصاص الدولة المتبوعة أو القائمة بالوصاية‪.‬‬
‫وضع االحتالل‪ :‬االحتالل هو طور من أطوار الحرب‪ ،‬نكون بصدده عندما تتمكن قوات الغزو‬
‫من اقتحام دولة ما وهزيمة قواتها إذا تصدت للغزو‪ ،‬ومن ثم الهيمنة على اإلقليم أو جزء منه‪ ،‬واقامة‬
‫سلطة عسكرية للمحتل تحل محل سلطة الحكومة الشرعية(‪ .)1‬ويؤثر االحتالل على سيادة الدولة المنهزمة‬
‫فيعدمها‪ ،‬وبالتالي ُيلغي شخصيتها القانونية ويجعلها تابعة للدولة الغازية أو المحتلة‪ ،‬ومن ثم انتهاء عمل‬ ‫ُ‬
‫بعثاتها الدبلوماسية والقنصلية‪.‬‬
‫ثاني ا‪ :‬تغير نظام الحكم في الدولة الموفدة أو المضيفة‬
‫إن الطريقة التي يتغير بها نظام الحكم في الدولة هو شأن داخلي‪ ،‬فسواء تم التغيير بطرق‬
‫دستورية أو طرق غير دستورية (االنقالب‪ ،‬الثورة)‪ ،‬فإن مصير بعثاتها الدبلوماسية والقنصلية يكون كما‬
‫يلي‪:‬‬
‫‪ ‬إذا تم تغيير نظام الحكم بطرق دستورية فإن نشاط البعثة ال ينتهي وانما ُيعلق إلى حين تقديم رئيس‬
‫البعثة أوراق اعتماده لرئيس الدولة الجديد‪.‬‬
‫‪ ‬أما إذا تم تغيير نظام الحكم عن طريق االنقالب أو الثورة فإن مصير البعثة يبقى مرهوناً باعتراف‬
‫حكومتها بالنظام الجديد في الدولة المضيفة‪ ،‬ويعتبر سحب البعثة بمثابة عدم اعتراف ضمني من‬
‫جانب الدولة بالحكومة الجديدة‪ ،‬أما اإلبقاء عليها فهو بمثابة اعتراف ضمني بالحكومة الجديدة‪.‬‬
‫ثالث ا‪ :‬رفع أو تخفيض مستوى التمثيل الدبلوماسي‬
‫أشرنا في ما سبق أن التمثيل الدبلوماسي يكون على ثالث مستويات‪:‬‬
‫‪ -‬السفارات التي يرأسها السفير‪.‬‬
‫‪ -‬المفوضيات التي يرأسها وزير مفوض‪.‬‬
‫‪ -‬السفارات والمفوضيات التي يرأسها قائم باألعمال‪.‬‬
‫كما قلنا أن مستوى التمثيل تتحكم فيه عدة عوامل‪ ،‬منها الظروف السياسية‪ ،‬مدى تجدر العالقات‬
‫بين الدولتين‪ ،‬حجم المصالح القائمة بين الدولتين‪ .‬ودرجة التمثيل بين الدولتين الموفدة والمضيفة ال تكون‬
‫بالضرورة متماثلة‪ ،‬فمثالً إذا اتفقت دولتان على تبادل التمثيل الدبلوماسي بمستوى سفارة فإنه ال يوجد ما‬

‫(‪)1‬‬
‫مصطفى كامل شحاتة‪ ،‬االحتالل الحربي وقواعد القانون الدولي المعاصر‪ ،‬الشركة الوطنية للنشر والتوزيع‪ ،‬الجزائر‪ ،1021 ،‬ص ‪.110‬‬

‫‪881‬‬
‫الفصل الرابع‪ :‬انتهاء التمثيل الدبلوماسي والقنصلي‬ ‫محاضرات في قانون العالقات الدبلوماسية والقنصلية‬

‫ُيلزم الدولة أن يكون رئيس بعثتها سفير‪ ،‬فقد تُوفد إحداهما رئيس بعثة برتبة سفير‪ ،‬بينما األخرى تُوفد‬
‫رئيس بعثة برتبة قائم باألعمال وذلك تبعاً لظروف خاصة تتحكم في كل منهما‪.‬‬
‫فإذا تغيرت درجة التمثيل الدبلوماسي بالترفيع أو التخفيض فإن ذلك يكون له أثر على مصير‬
‫البعثة‪ ،‬حيث يؤدي رفع مستوى التمثيل إلى إنهاء مهمة البعثة بالصفة التي كانت عليها وينتقل إلى‬
‫الصفة الجديدة بعد تقديم رئيس البعثة أوراق اعتماد جديدة‪ .‬وكذلك الحال في حالة التخفيض‪.‬‬
‫هذا في الحالة التي يمس فيها التغيير البعثة ككل‪ ،‬أما في الحالة التي يمس فيها التغيير رئيس‬
‫البعثة فقط كترقيته من قائم باألعمال إلى رتبة سفير فإن مهام البعثة تبقى قائمة كما هي‪ ،‬والذي يتغير‬
‫هو مركز رئيس البعثة فتنتهي مهمته كقائم باألعمال ويتولى المهمة الجديدة برتبة سفير بتقديم أوراق‬
‫اعتماد جديدة‪.‬‬
‫رابع ا‪ :‬تعليق أو إلغاء أو سحب البعثة الدبلوماسية‬
‫كل هذه الحاالت تُعبر عن وضع االنتهاء المؤقت للبعثات وليس النهائي‪ ،‬لتستأنف عملها بعد‬
‫زوال الظرف أو السبب الذي ُيبررها‪.‬‬
‫‪ -1‬حالة التعليق‪ :‬وتتحقق في الحالة التي لم تعد فيها البعثة قادرة على تمثيل مصالح الدولة الموفدة‬
‫لدى الدولة المضيفة‪ ،‬ومع ذلك تبقى العالقة قائمة بين الدولتين‪ ،‬ويمكن أن يشمل التعليق المبعوثين‬
‫الدبلوماسيين‪ ،‬أو البعثة أو كالهما معاً‪ ،‬وعادة ما يكون التعليق أحادي الجانب عكس القطع الذي يكون‬
‫ويمثل توقف كامل للبعثة أو للتمثيل الدبلوماسي‪.‬‬
‫من الجانبين ُ‬
‫واألسباب التي تدعو الدولة إلى تعليق مهمة المبعوث أو البعثة تتمثل في‪:‬‬
‫‪ -‬استدعاء الدولة الموفدة لرئيس البعثة لدى الدولة المضيفة للتشاور وقد يكون االستدعاء ألجل غير‬
‫مسمى‪ ،‬فهذا اإلجراء ُيعلق نشاط المبعوث المستدعى مؤقتاً‪ ،‬وال ُينهي مهام البعثة تماماً وانما يؤدي إلى‬
‫تعليق بعض وظائفها الجوهرية المرتبطة برئيس البعثة المستدعى السيما وظيفة التمثيل والتفاوض‪ ،‬غير‬
‫أن إعادة رئيس البعثة إلى منصبه لممارسة مهامه ال يتطلب منه تقديم أوراق اعتماد جديدة‪.‬‬
‫‪ -‬اندالع الحرب أو االضطرابات الداخلية في الدولة المضيفة‪.‬‬
‫‪ -2‬حالة اإللغاء‪ :‬يمكن أن تنتهي مهام البعثة ألسباب اقتصادية‪ ،‬وعادة ما يكون هذا اإللغاء وحيد‬
‫الجانب‪ ،‬دون أن يؤثر ذلك على العالقات الدبلوماسية مع الدولة المضيفة‪ ،‬وفي هذه الحالة ال تُقطع‬
‫العالقات الدبلوماسية بل تستمر‪ ،‬حيث تُكلف الدولة الموفدة دولة ثالثة برعاية مصالحها في الدولة‬
‫المضيفة‪ ،‬أو تقوم بتكليف بعثتها القنصلية لتأمين نشاطها الدبلوماسي أو العكس‪.‬‬
‫‪ -3‬حالة السحب‪ :‬هو من الحاالت التي تُنهي مهمة البعثة الدبلوماسية‪ ،‬وهو وسيلة تلجأ إليها الدول‬
‫للتهديد وممارسة الضغوط على الدولة المضيفة وقد يتطور إلى قطع العالقات الدبلوماسية‪ ،‬وعادة ما‬

‫‪881‬‬
‫الفصل الرابع‪ :‬انتهاء التمثيل الدبلوماسي والقنصلي‬ ‫محاضرات في قانون العالقات الدبلوماسية والقنصلية‬

‫ُيستخدم من قبل الدول الكبرى إلكراه الدول الصغرى على إتحاد مواقف سياسية معينة تتفق مع‬
‫مصالحها‪.‬‬
‫المطلب الثاني‪ :‬انتهاء العالقات الدبلوماسية والقنصلية‬
‫على عكس الحاالت التي تناولناها في المطلب السابق‪ ،‬فإن هناك بعض الحاالت التي ال تُؤثر‬
‫فقط على المهام الدبلوماسية والقنصلية‪ ،‬بل تتعداها إلى العالقات الدبلوماسية والقنصلية ذاتها فتنهيها‪،‬‬
‫وتتمثل في حالتين هما‪:‬‬
‫الفرع األول‪ :‬قطع العالقات الدبلوماسية والقنصلية‬
‫ُيعد قطع العالقات الدبلوماسية من مظاهر التوتر الشديد في العالقات بين الدول‪ ،‬بحيث يؤدي‬
‫إلى إنهاء عمل البعثة الدبلوماسية‪ ،‬أما البعثة القنصلية فليس بالضرورة أن ينتهي عملها بمجرد قطع‬
‫العالقات الدبلوماسية فقد يبقى عملها مستم اًر وقد ينتهي بانتهاء عمل البعثة الدبلوماسية‪ ،‬وهو ما أشارت‬
‫إليه المادة (‪ )0/20‬من اتفاقية العالقات القنصلية بقولها‪" :‬إن قطع العالقات الدبلوماسية ال يتضمن‬
‫بصورة حكمية قطع العالقات القنصلية"‪.‬‬
‫أوالا‪ :‬القطع الثنائي للعالقات الدبلوماسية والقنصلية‬
‫رغم أن ميثاق األمم المتحدة يحث الدول األعضاء على التعاون واقامة العالقات الودية بينها‪ ،‬إال‬
‫أنه لم يمنع إمكانية قطع العالقات الدبلوماسية بشكل صريح‪.‬‬
‫‪ -1‬أساس وطبيعة قطع العالقات الدبلوماسية والقنصلية‬
‫يجد إجراء القطع أساسه القانوني في مختلف اتفاقيات العالقات الدبلوماسية والقنصلية‪ ،‬حيث‬
‫أشارت المادة (‪ )12‬من اتفاقية العالقات الدبلوماسية إلى معالجة أثاره مما يفيد أنه تصرف مشروع‪ ،‬أما‬
‫المادة (‪ )20‬من اتفاقية العالقات القنصلية فقد أشارت صراحة إلى قطع العالقات الدبلوماسية لما نصت‬
‫على‪" :‬إن قطع العالقات الدبلوماسية ال يتضمن بصورة حكمية قطع العالقات القنصلية"‪ ،‬أما المادة‬
‫(‪ )0/02‬من اتفاقية البعثات الخاصة فقد نصت على‪" :‬إن قطع العالقات الدبلوماسية أو القنصلية بين‬
‫الدولة الموفدة والدولة المضيفة ال ُيعد بحد ذاته سبباً إلنهاء البعثات الخاصة الموجودة في وقت قطعها"‪.‬‬
‫كما أن المادة (‪ )10‬من اتفاقية فيينا لقانون المعاهدات أشارت إلى قطع العالقات الدبلوماسية لما تحدثت‬
‫عن أثاره بالنسبة للمعاهدات الدولية‪.‬‬
‫ويكيف قطع العالقات الدبلوماسية على أنه إجراء أو تصرف إنفرادي غير عادي تُصدره‬ ‫هذا ُ‬
‫الدولة بموجب سيادتها وسلطتها التقديرية في إدارة شؤونها الخارجية‪ ،‬كما ُيمكن أن تتخذه الدول أو‬
‫المنظمات الدولية كتدبير مضاد‪ ،‬كما يمكن اعتباره أسلوباً من أساليب االحتجاج‪.‬‬

‫‪881‬‬
‫الفصل الرابع‪ :‬انتهاء التمثيل الدبلوماسي والقنصلي‬ ‫محاضرات في قانون العالقات الدبلوماسية والقنصلية‬

‫‪ -2‬أسباب قطع العالقات الدبلوماسية والقنصلية‬


‫ال يمكن حصر األسباب التي تؤدي إلى قطع العالقات الدبلوماسية والقنصلية‪ ،‬بالنظر إلى أنه ال‬
‫توجد قواعد دولية تحدد األسباب التي بمقتضاها يكون للدولة إمكانية قطع عالقاتها الدبلوماسية والقنصلية‬
‫بدولة أخرى‪ ،‬لذلك قد تكون تلك األسباب سياسية بحتة‪ ،‬كما قد تكون األسباب قانونية‪ ،‬كما قد تكون‬
‫مزيجا بينهما‪.‬‬
‫فمن األسباب ما يتعلق باألعمال غير مشروعة التي ترتكبها الدولة أو بعثتها أو أعضاء البعثة‪،‬‬
‫السيما تلك التي تخالف الواجبات الدبلوماسية التي نصت عليها المادة (‪ )11‬من اتفاقية العالقات‬
‫الدبلوماسية أو انتهاك نظام الحصانات واالمتيازات من طرف الدولة المضيفة‪ .‬وقد يتعلق بتغيير نظام‬
‫الحكم عن طريق االنقالب أو الثورة‪ ،‬والتي تطرح موضوع االعتراف أو عدمه بالحكومة الجديدة‪.‬‬
‫كما قد يعود سبب القطع إلى انتهاك قاعدة دولية كانتهاك قاعدة عدم التدخل في الشؤون الداخلية‬
‫للدول المنصوص عليها في المادة (‪ )2/20‬من الميثاق والمادة (‪ )11‬من اتفاقية العالقات الدبلوماسية‪،‬‬
‫ومن أمثلة ذلك قطع العراق لعالقاتها الدبلوماسية مع بريطانيا سنة ‪ 1021‬حيث اعتبر التدخل البريطاني‬
‫في شؤونه الداخلية عمال عدوانيا‪ ،‬وقطع مصر لعالقاتها الدبلوماسية مع اإلتحاد السوفييتي سنة ‪1021‬‬
‫بسبب تدخل هذا األخير في صميم االختصاصات الداخلية لمصر‪.‬‬
‫ورغم أن القاعدة العامة تقضي بأن قطع العالقات الدبلوماسية ال يؤدي بالضرورة إلى قطع‬
‫العالقات القنصلية‪ ،‬إال أن الممارسة الدولية سجلت العديد من الحاالت التي تم فيها قطع العالقات‬
‫الدبلوماسية والقنصلية في آن واحد‪ ،‬وهي الحاالت التي تصل فيها العالقات بين الدول إلى توتر شديد ال‬
‫ُيمكن معه تصور قيام أي نوع من العالقات‪.‬‬
‫ومن األمثلة التي اقتصر فيها القطع على العالقات الدبلوماسية دون العالقات القنصلية ما يلي‪:‬‬
‫‪ -‬قطع فرنسا لعالقاتها الدبلوماسية مع البرتغال سنة ‪ ،1000‬بينما استمر قنصل فرنسا العام في لشبونة‬
‫في ممارسة مهامه‪.‬‬
‫‪ -‬قطع العالقات الدبلوماسية بين هولندا وايران في سنتي ‪ 1001‬و‪ 1002‬دون أن يؤثر ذلك على‬
‫عالقاتهما القنصلية‪.‬‬
‫‪ -‬قطع الدول العربية عالقتها الدبلوماسية مع ألمانيا االتحادية إثر اعترافها بإسرائيل في سنة ‪،1012‬‬
‫بينما استمرت عالقاتها القنصلية معها‪.‬‬
‫‪ -‬قطع الدول العربية عالقتها الدبلوماسية مع مصر بسبب إبرامها التفاقية السالم مع اسرائيل سنة‬
‫‪ ،1020‬بينما عالقتها القنصلية بقيت قائمة معها‪ ،‬ومن بينها العالقات القنصلية مع الجزائر‪.‬‬
‫أما األمثلة التي أدى فيها قطع العالقات الدبلوماسية إلى قطع العالقات القنصلية كذلك نجد‪:‬‬

‫‪881‬‬
‫الفصل الرابع‪ :‬انتهاء التمثيل الدبلوماسي والقنصلي‬ ‫محاضرات في قانون العالقات الدبلوماسية والقنصلية‬

‫‪ -‬قطع العالقات الدبلوماسية بين مصر وايطاليا سنة ‪ ،1012‬الذي صاحبه سحب البعثات القنصلية‬
‫المتبادلة بين الدولتين‪.‬‬
‫‪ -‬قطع مصر لعالقتها الدبلوماسية والقنصلية مع بريطانيا وفرنسا نتيجة حرب قناة السويس سنة ‪.1021‬‬
‫‪ -‬قطع الواليات المتحدة األمريكية عالقتها الدبلوماسية والقنصلية مع كوبا على إثر استيالء فيدال‬
‫كاسترو على الحكم سنة ‪.1011‬‬
‫ثاني ا‪ :‬القطع الجماعي للعالقات الدبلوماسية والقنصلية‬
‫هذا النوع من القطع يكون كرد فعل جماعي عن انتهاك قاعدة قانونية دولية من طرف دولة ما‪،‬‬
‫وهو يعتبر فعل دولي مشروع للرد على فعل آخر غير مشروع للدولة المنتهكة ُيثير مسؤوليتها الدولية‪.‬‬
‫‪ -1‬القطع الجماعي في إطار تكتل سياسي (منظمات إقليمية أو مواقف جماعية)‪ :‬يصدر عن‬
‫مجموعة من الدول ترتبط فيما بينها بمصالح مشتركة ذات طابع سياسي أو عسكري أو قومي‪ ،‬وهو تدبير‬
‫زجري انتقامي ُيشكل وسيلة ضغط سياسي‪ ،‬وكأمثلة على القطع الجماعي في إطار منظمة إقليمية ما‬
‫قامت به جامعة الدول العربية من قطع العالقات الدبلوماسية مع مصر سنة ‪ .1020‬وما قامت به كذلك‬
‫منظمة الوحدة األفريقية سابقا (االتحاد االفريقي حالياً) بقطع العالقات الدبلوماسية مع البرتغال وجنوب‬
‫افريقيا سنة ‪.1010‬‬
‫أما القطع الجماعي في إطار تكتل سياسي أو موقف جماعي ما قام به االتحاد السوفييتي والدول‬
‫االشتراكية التي تسير في فلكه من قطع العالقات الدبلوماسية مع إسرائيل سنة ‪ 1012‬على إثر احتاللها‬
‫لألراضي العربية‪ ،‬وما قامت به الدول العربية من قطع العالقات الدبلوماسية مع كل من فرنسا وبريطانيا‬
‫إثر عداوتها الثالثي على مصر سنة ‪ ،1021‬وكما حدث أيضاً سنة ‪ 1012‬لما قطعت بعض الدول‬
‫العربية عالقتها مع الواليات المتحدة األمريكية وبريطانيا بسبب تأييدها احتالل إسرائيل لبعض األراضي‬
‫العربية سنة ‪.1012‬‬
‫‪ -2‬القطع الجماعي في إطار منظمة األمم المتحدة‪ :‬هذه الحالة نصت عليها المادة (‪ )11‬من ميثاق‬
‫األمم المتحدة بقولها‪" :‬لمجلس األمن أن ُيقرر ما يجب اتخاذه من التدابير التي ال تتطلب استخدام للقوات‬
‫المسلحة لتنفيذ ق ارراته‪ ،‬وله أن يطلب إلى أعضاء األمم المتحدة تطبيق هذه التدابير‪ ،‬ويجوز أن يكون من‬
‫بينها وقف الصالت االقتصادية والمواصالت الحديدية والبحرية والجوية والبريدية والبرقية والالسلكية‬
‫وغيرها من وسائل المواصالت وقفاً جزئياً أو كلياً وقطع العالقات الدبلوماسية"‪.‬‬
‫ويعتبر هذا اإلجراء من التدابير القصرية غير العسكرية التي يجوز لمجلس األمن أن يطلب إلى‬
‫الدول األعضاء في األمم المتحدة تطبيقها ضد أي دولة ترتكب عمالً من األعمال التي تُهدد السلم‬
‫واألمن الدوليين‪ .‬كما للجمعية العامة بموجب المادة (‪ )11‬من الميثاق أن تقوم بهذا اإلجراء‪ ،‬ومن أمثلة‬

‫‪881‬‬
‫الفصل الرابع‪ :‬انتهاء التمثيل الدبلوماسي والقنصلي‬ ‫محاضرات في قانون العالقات الدبلوماسية والقنصلية‬

‫ذلك قرار الجمعية العامة رقم‪ 00 :‬الصادر بتاريخ ‪ 1011/10/10‬المتعلق بقطع العالقات الدبلوماسية‬
‫مع اسبانيا بسبب إقامة نظام يتعارض مع مبادئ األمم المتحدة وهو نظام دكتاتوري أقامه الجنرال‬
‫"فرانكو"‪ ،‬وكذلك قرارها رقم‪ 1211 :‬سنة ‪ 1010‬القاضي بقطع العالقات الدبلوماسية مع جنوب افريقيا‬
‫بسبب تبنيها لنظام التمييز العنصري‪.‬‬
‫الفرع الثاني‪ :‬قيام الحرب بين دولتين‬
‫تُعرف الحرب بأنها‪" :‬نزاع مسلح بين دولتين أو أكثر في سبيل تحقيق هدف سياسي أو عسكري‬
‫وتخوض غمارها جيوشها النظامية‪ ،‬وتحاول كل منهما من حيث النتيجة فرض إرادتها بالقوة على الدولة‬
‫الثانية واخضاعها لسيطرتها"(‪.)1‬‬
‫أوالا‪ :‬أثر الحرب على العالقات الدبلوماسية فيما بين الدول المتحاربة‬
‫إن قيام حالة الحرب بين دولتان تتبادالن التمثيل الدبلوماسي والقنصلي يعني تلقائياً انتهاء حالة‬
‫السلم والعالقات الودية بينهما وتحل محلها حالة العداء‪ ،‬وبالتالي انتهاء كل أوجه العالقات بينهما ومن‬
‫بينها العالقات الدبلوماسية والقنصلية‪.‬‬
‫وقد اختلف الفقه الدولي في األثر التلقائي للحرب على العالقات الدبلوماسية على اتجاهين‪ ،‬اتجاه‬
‫يرى بأن وضع العالقات الدبلوماسية يبقى مرهوناً بإرادة األطراف المتحاربة‪ ،‬فإن شاءت أبقت عليها وان‬
‫لم ترغب في ذلك قامت بقطعها‪ ،‬حيث أثبت الواقع العملي بقاء العالقات الدبلوماسية قائمة أثناء عدة‬
‫حروب‪ ،‬ومن بينها الحرب الباكستانية الهندية سنة ‪ .1012‬أما االتجاه اآلخر فيرى بأن قطع العالقات‬
‫الدبلوماسية ُيعد أث اًر آلياً إلعالن الحرب التي تعتبر حالة استثنائية تتغير معها كل العالقات الودية إلى‬
‫عالقات عداء(‪ ،)2‬وهو الرأي األقرب للصواب والمنطق‪.‬‬
‫ثاني ا‪ :‬أثر الحرب على العالقات الدبلوماسية مع الدول الغير‬
‫قد تتعدى آثار الحرب فيما يتعلق بالعالقات الدبلوماسية والقنصلية التي تجمع الدول المتحاربة‬
‫إلى غيرها من الدول‪ ،‬وذلك في بعض الحاالت الخاصة‪ ،‬يمكن إجمالها فيما يلي(‪:)3‬‬
‫‪ -‬حالة االرتباط مع الدولة المعتدي عليها بمعاهدة مساعدة متبادلة‪.‬‬
‫‪ -‬حالة االعتداء على دولة حيادية‪.‬‬
‫‪ -‬حالة تقديم مساعدات ودعم للدولة المتحارب معها‪.‬‬
‫‪ -‬حالة دولة ثالثة حليفة للدولة المتحاربة مع الدولة األخرى‪.‬‬

‫(‪)1‬‬
‫سموحي فوق العادة‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.110‬‬
‫(‪)2‬‬
‫أحمد أبو الوفاء‪ ،‬قطع العالقات الدبلوماسية‪ ،‬دار النهضة العربية‪ ،‬القاهرة‪ ،‬مصر‪ ،1001 ،‬ص ‪.01‬‬
‫(‪)3‬‬
‫علي حسين الشامي‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.020‬‬

‫‪810‬‬
‫الفصل الرابع‪ :‬انتهاء التمثيل الدبلوماسي والقنصلي‬ ‫محاضرات في قانون العالقات الدبلوماسية والقنصلية‬

‫‪ -‬قيام حكومة دولة معينة بقطع عالقاتها الدبلوماسية مع الدولة األخرى التي تعترف بالحكومة‬
‫االنفصالية بسبب حرب أهلية داخل بلدها‪.‬‬
‫المبحث الثاني‬
‫آثار انتهاء التمثيل الدبلوماسي والقنصلي‬
‫إن اآلثار التي تترتب عن انتهاء التمثيل الدبلوماسي والقنصلي ال تقل أهمية عن إقامة العالقات‬
‫الدبلوماسية والقنصلية ذاتها وما يترتب عليها من آثار‪ ،‬ذلك أننا سنكون أمام وضعية قانونية جديدة سواء‬
‫بالنسبة للبعثة وموظفيها أو بالنسبة للعالقات بين الدولتين‪ ،‬وهو ما سنوضحه في المطلبين المواليين‪:‬‬
‫المطلب األول‪ :‬اآلثار المترتبة بالنسبة للبعثة وموظفيها‬
‫تشتمل كل بعثة دبلوماسية أو قنصلية على عنصرين‪ ،‬عنصر بشري يتمثل في أفراد البعثة وهو‬
‫الذي يتولى تنفيذ المهام الدبلوماسية والقنصلية كل حسب مرتبته في البعثة‪ ،‬وباإلضافة إلى ذك عنصر‬
‫مادي يتمثل في دار البعثة وموجوداتها ومحفوظاتها‪ .‬لذلك سنتناول اآلثار المترتبة على انتهاء التمثيل‬
‫الدبلوماسي والقنصلي بالنسبة لكل عنصر على حدة في الفرعين المواليين‪:‬‬
‫الفرع األول‪ :‬اآلثار المترتبة على انتهاء مهام المبعوث‬
‫يجب التذكير أوالً بأن انتهاء مهام المبعوث الدبلوماسي أو القنصلي ال يعني نهاية مهام البعثة‬
‫في حد ذاتها‪ ،‬وبالتالي فإن اآلثار المترتبة على انتهاء مهام المبعوث تتوقف عنده وال تنصرف إلى البعثة‬
‫ككل‪ .‬واآلثار المترتبة على انتهاء مهام المبعوث تختلف باختالف سبب اإلنهاء‪ ،‬وهي عموماً كما يلي‪:‬‬
‫أوالا‪ :‬مغادرة المبعوث إلقليم الدولة المضيفة‬
‫إذا انتهت مهمة المبعوث الدبلوماسي أو القنصلي ألي سبب من األسباب فإنه يجب عليه مغادرة‬
‫إقليم الدولة المضيفة في أقرب وقت ممكن‪ ،‬وذلك النتهاء مبرر وجوده فيها وهو أداء المهام الدبلوماسية‬
‫أو القنصلية أو كالهما معاً‪.‬‬
‫ولكن بالرغم من هذا ال يوجد في اتفاقيات فيينا للعالقات الدبلوماسية والقنصلية أي مانع قانوني‬
‫يمنع المبعوث من البقاء في الدولة المضيفة‪ ،‬ألن أهم ما في الموضوع ليس المغادرة أو البقاء وانما هو‬
‫الفترة التي يتمتع فيها المبعوث بالحصانات واالمتيازات‪ ،‬لكن في الحالة التي تقوم فيها الدولة المضيفة‬
‫بطرد المبعوث فعليه المغادرة حاالً حسب ما ُيطلب منه‪.‬‬
‫وقد نصت المادة (‪ )0/00‬من اتفاقية العالقات الدبلوماسية على هذا األثر بقولها‪" :‬تنتهي عادة‬
‫امتيازات وحصانات كل شخص انتهت مهمته بمغادرة البالد أو بعد انقضاء فترة معقولة من الزمن تُمنح‬
‫له لهذا الغرض‪ ،‬ولكنها تظل قائمة إلى ذلك الوقت حتى في حالة وجود نزاع مسلح"‪ .‬كما نصت على‬
‫ذات األثر المادة (‪ )01‬من اتفاقية العالقات القنصلية‪ ،‬والمادة (‪ )0/10‬من اتفاقية البعثات الخاصة‪.‬‬

‫‪818‬‬
‫الفصل الرابع‪ :‬انتهاء التمثيل الدبلوماسي والقنصلي‬ ‫محاضرات في قانون العالقات الدبلوماسية والقنصلية‬

‫من خالل هذا النص يمكن استخالص ثالثة أمور‪ ،‬هي‪:‬‬


‫‪ -‬أن الحصانات واالمتيازات ال تنتهي بمجرد انتهاء مهمة المبعوث‪ ،‬وانما تبقى قائمة إلى غاية مغادرة‬
‫إقليم الدولة المضيفة‪.‬‬
‫‪ -‬أن مغادرة إقليم الدولة المضيفة ال تتم فو اًر في كل الحاالت‪ ،‬وانما تُمنح في بعض الحاالت فترة معقولة‬
‫للمبعوث المنتهية مهامه‪ ،‬حتى يتمكن من إتمام إجراءات سفره‪ ،‬وخالل هذه الفترة يبقى متمتعاً‬
‫بالحصانات واالمتيازات ألنه ما زال لم يغادر إقليم الدولة المضيفة‪.‬‬
‫آخر وهو‬
‫‪ -‬أن حالة الحرب ال تؤثر على األحكام السابقة‪ ،‬بل تُلقي على عاتق الدولة المضيفة التزاماً اً‬
‫تأمين المغادرة ألعضاء البعثة‪.‬‬
‫هذا وقد أكدت اتفاقيات العالقات الدبلوماسية والقنصلية أن على المبعوث الدبلوماسي الذي انتهت‬
‫مهامه‪ ،‬القيام بتوجيه إخطار كتابي لوزير الخارجية في الدولة المضيفة ُيطلعه فيه بأنه انتهت مهامه وأنه‬
‫سيغادر إقليم الدولة‪ ،‬وقد نصت على هذا الحكم المادة (‪ )1/12‬من اتفاقية العالقات الدبلوماسية‪ ،‬والمادة‬
‫(‪ )1/01‬من اتفاقية العالقات القنصلية‪ ،‬والمادة (‪ )1/11‬من اتفاقية البعثات الخاصة‪.‬‬
‫ثاني ا‪ :‬تعيين قائم باألعمال بالنيابة‬
‫يترتب هذا األثر في الحالة المتعلقة بانتهاء مهام رئيس البعثة الدبلوماسية أو القنصلية ألي سبب‬
‫كان‪ ،‬أو في حالة خلو منصبه بسبب اإلجازة أو القيام بمهمة قصيرة في الخارج‪ ،‬أو في حالة انتظار‬
‫تعيين سفير جديد‪ ،‬أو في حالة توافر ظروف تحول دون ممارسته لمهامه‪.‬‬
‫وقد جرت الممارسة الدولية في مثل هذه الحاالت‪ ،‬أن تُعين الدولة الموفدة قائماً باألعمال بالنيابة‬
‫بصفة مؤقتة لتسيير البعثة‪ ،‬بحيث ُيختار عادة العضو الذي يلي رئيس البعثة في الدرجة من بين‬
‫الموظفين الدبلوماسيين أو القنصليين‪ ،‬وقد نصت على هذا المادة (‪ )1/10‬من اتفاقية العالقات‬
‫الدبلوماسية بقولها‪" :‬إذا شغر مركز رئيس البعثة أو تعذر عليه القيام بمهامه يمارس قائم باألعمال‬
‫بالنيابة أعمال رئيس البعثة بصفة مؤقتة ويبلغ اسمه إلى و ازرة خارجية الدولة المستقبلة أو إلى أي و ازرة‬
‫أخرى اُتفق عليها إما من قبل رئيس البعثة أو من قبل و ازرة خارجية الدولة الموفدة في حالة عدم تمكنه‬
‫من ذلك"‪ ،‬كما نصت على ذلك المادة (‪ )0/1/12‬من اتفاقية العالقات القنصلية‪.‬‬
‫لكن في الحالة التي ال تتوفر فيها البعثة الدبلوماسية على أي موظف دبلوماسي غير رئيس‬
‫البعثة المنتهية مهامه‪ ،‬فيمكن إسناد مهمة القائم باألعمال المؤقت إلى أحد الموظفين اإلداريين أو الفنيين‬
‫لتولي تسيير الشؤون اإلدارية الجارية للبعثة وذلك بشرط موافقة الدولة المضيفة‪ ،‬وهذا ما نصت عليه‬
‫المادة (‪ )0/10‬من اتفاقية العالقات الدبلوماسية‪ ،‬ولم تُشر هذه الفقرة إلى ما إذا كان الموظف اإلداري أو‬
‫الفني في البعثة الذي أوكلت له مهمة القائم باألعمال المؤقت يبقى يتمتع بالحصانات واالمتيازات‬

‫‪811‬‬
‫الفصل الرابع‪ :‬انتهاء التمثيل الدبلوماسي والقنصلي‬ ‫محاضرات في قانون العالقات الدبلوماسية والقنصلية‬

‫الممنوحة له بصفته األصلية أم أنها ستتطور إلى الحصانات واالمتيازات التي يتمتع بها رئيس البعثة‪،‬‬
‫لكن المؤكد أنه ال يتمتع بها ألنه ال يملك الصفة الدبلوماسية والصفة التمثيلية‪.‬‬
‫هذا ما يتعلق باستخالف رئيس البعثة الدبلوماسية‪ ،‬أما استخالف رئيس البعثة القنصلية فلم‬
‫تشترط اتفاقية العالقات القنصلية في ُمستخلف رئيس البعثة أية شروط‪ ،‬ولكن العادة جرت على أن يكون‬
‫من بين المتمتعين بالصفة القنصلية برتبة قنصل أو نائب قنصل أو قنصل وكيل‪ ،‬وفي المقابل ُمنحت‬
‫الدولة المضيفة الحق لقبول رئيس البعثة القنصلية بالوكالة أن تشترط بأال يكون من عداد موظفي الدولة‬
‫الموفدة الدبلوماسيين أو القنصليين المعتمدين لديها (م ‪ .)0/12‬كما أن الدولة المضيفة ليست ملزمة‬
‫بمنح رئيس البعثة بالوكالة الحصانات واالمتيازات التي يتمتع بها رئيس البعثة األصيل ولكنها في المقابل‬
‫ملزمة بتقديم المساعدة والحماية له (م ‪.)0/12‬‬
‫وفي الحالة التي يتم فيها إسناد مهمة رئيس البعثة القنصلية بالوكالة إلى أحد الموظفين‬
‫الدبلوماسيين‪ ،‬فإنه يبقى يتمتع بالحصانات واالمتيازات الدبلوماسية ما لم تعترض الدولة المضيفة على‬
‫ذلك (م ‪ ،)1/12‬وذلك بخالف الحال إذا تولى الموظف القنصلي المهمة الدبلوماسية مؤقتاً فإنه ال يحق‬
‫له اإلدعاء والمطالبة للتمتع بالحصانات واالمتيازات الدبلوماسية (م ‪.)0/12‬‬
‫ثالث ا‪ :‬استئناف المبعوث لمهامه‬
‫يترتب هذا األثر في الحاالت التي تنتهي فيها مهام المبعوث الدبلوماسي أو القنصلي بصفة‬
‫مؤقتة‪ ،‬وتتمثل هذه الحاالت في استدعاء الدولة الموفدة لمبعوثها لغرض التشاور في مسألة معينة تتعلق‬
‫بتصريح أدلى به أو فعل قام به‪ ،‬أو استدعاءه بغرض التعبير عن استيائها من سياسة الدولة المضيفة‪،‬‬
‫أو في حالة التوقف المؤقت عن مهامه بسبب المرض الشديد‪.‬‬
‫وفي مثل هذه الحاالت ال يتطلب استئناف المبعوث لمهامه تقديم أوراق اعتماد جديدة للدولة‬
‫المضيفة‪ ،‬وانما يكفي إعالنها بوصول المبعوث الذي سيستأنف عمله‪.‬‬
‫رابعا‪ :‬تجديد أوراق االعتماد‬
‫يتحقق هذا األثر سواء في الحاالت التي تنتهي فيها مهام المبعوث بصفة نهائية وال يمكنه الرجوع‬
‫للدولة المضيفة لممارسة مهامه فيها من جديد (كحالة الطرد‪ ،‬حالة اعتباره شخصا غير مرغوب فيه‪،‬‬
‫حالة الوفاة أو التقاعد أو االستقالة)‪ ،‬أو في الحاالت التي يمكنه الرجوع إلى الدولة المضيفة لممارسة‬
‫مهام دبلوماسية ج ديدة مستقلة عن المهام التي انتهت‪ ،‬كحالة انتهاء المدة المحددة في أوراق االعتماد‪،‬‬
‫وحالة الترقية في الدرجة‪ ،‬أو في حالة وفاة أو تغير رئيس الدولة في أي من الدولتين‪.‬‬
‫ففي كل هذه الحاالت يجب على المبعوث أن ُيقدم أوراق اعتماد جديدة ُيتبع بشأنها نفس‬
‫اإلجراءات المتبعة عند إرسال مبعوث دبلوماسي جديد‪.‬‬

‫‪811‬‬
‫الفصل الرابع‪ :‬انتهاء التمثيل الدبلوماسي والقنصلي‬ ‫محاضرات في قانون العالقات الدبلوماسية والقنصلية‬

‫الفرع الثاني‪ :‬اآلثار المنصرفة ألفراد البعثة‬


‫ُيقصد بأفراد البعثة الدبلوماسية حسب المادة (‪/21‬ب‪/‬ج) من اتفاقية العالقات الدبلوماسية‪ :‬رئيس‬
‫البعثة والمبعوثون الدبلوماسيون والموظفون اإلداريون والفنيون ومستخدمو البعثة‪ ،‬أما أفراد البعثة القنصلية‬
‫حسب المادة (‪/21‬ز) من اتفاقية العالقات القنصلية فهم الموظفون القنصليون والموظفون اإلداريون‬
‫والفنيون وخدم البعثة‪.‬‬
‫وتمتد إليهم هذه اآلثار في حالة انتهاء التمثيل الدبلوماسي أو القنصلي وال تمتد إليهم في حالة‬
‫انتهاء مهام المبعوث الدبلوماسي أو القنصلي فقط‪ ،‬وهذه اآلثار هي‪:‬‬
‫‪ -‬مغادرة إقليم الدولة المضيفة‪.‬‬
‫‪ -‬استمرار التمتع بالحصانات واالمتيازات لحين مغادرة إقليم الدولة المضيفة‪.‬‬
‫‪ -‬إمكانية بقاء أحد أفراد البعثة في الدولة المضيفة‪ ،‬وهنا يجب أن نميز بين حالتين‪:‬‬
‫أ‪ -‬حالة عدم تمتع هذا الفرد بجنسية الدولة المضيفة مع رغبته في البقاء فيها بعد نهاية المهام‬
‫الدبلوماسية أو القنصلية‪ ،‬حيث يجب أن تقبل الدولة المضيفة بذلك أوالً‪ ،‬ثم يجب عليه تسوية وضعيته‬
‫القانونية طبقاً إلجراءات إقامة األجانب‪.‬‬
‫ب‪ -‬حالة تمتع هذا الفرد بجنسية الدولة المضيفة‪ ،‬فإن هذا الفرد يستمر في اإلقامة بدولته بصفة‬
‫عادية‪.‬‬
‫وفي كلتا الحالتين ال يحظى المبعوث الدبلوماسي أو القنصلي أو أي فرد عامل في تلك البعثات‬
‫بأي حصانات وامتيازات في الدولة المضيفة إذا رغب في البقاء فيها بعد نهاية مهامه الدبلوماسية أو‬
‫القنصلية‪.‬‬
‫‪ -‬استمرار حصانة أفراد البعثة بالنسبة لألعمال السابقة (م ‪ )0/00‬من اتفاقية العالقات الدبلوماسية‪،‬‬
‫وتظهر أهمية هذا األثر في الحالة التي يرغب فيها المبعوث أو الفرد في البعثة في البقاء في الدولة‬
‫المضيفة بعد انتهاء مهامه‪ .‬ولكن هذه الحصانة البعدية ال يتمتع بها إال بتوافر الشروط التالية‪:‬‬
‫أ‪ -‬انتهاء مهام العضو في البعثة‪.‬‬
‫ب‪ -‬أن يكون الفعل مشموالً بالحصانة أثناء ارتكابه‪.‬‬
‫ج‪ -‬أن يكون الفعل قد تم أثناء تأدية الوظائف المرتبطة بالبعثة‪.‬‬
‫د‪ -‬أن يكون مرتكب الفعل يحمل صفة العضوية في البعثة أثناء ارتكاب الفعل‪.‬‬
‫هـ‪ -‬أن ال تكون الحصانة أكثر مما كانت مقررة للفعل أثناء أداء الوظيفة‪.‬‬
‫‪ -‬تسهيل خروج أفراد البعثة وتوفير لهم وسائل النقل في حالة الضرورة‪.‬‬
‫‪ -‬تسهيل تحويل ونقل أموال أفراد البعثة ومنقوالتهم‪.‬‬

‫‪811‬‬
‫الفصل الرابع‪ :‬انتهاء التمثيل الدبلوماسي والقنصلي‬ ‫محاضرات في قانون العالقات الدبلوماسية والقنصلية‬

‫الفرع الثالث‪ :‬اآلثار المنصرفة إلى مقر البعثة‬


‫تترتب على انتهاء التمثيل الدبلوماسي والقنصلي بالنسبة لمقر البعثة مجموعة من اآلثار‪ ،‬على‬
‫رأسها غلق دار البعثة وانزال العلم وشعار الدولة من فوقها‪ ،‬كما تترتب آثار أخرى بالنسبة لمحتويات مقر‬
‫البعثة‪ ،‬وفيما يلي نتناول هذه اآلثار بشيء من التفصيل في البنود الموالية‪:‬‬
‫أوالا‪ :‬غلق مقر البعثة وانزال العلم والشعار من فوقه‬
‫بعد انتهاء مهمة البعثة ورحيل أفرادها يتم غلق مقر البعثة‪ ،‬بحكم أنه لم يعد يوجد سبب لبقائه‬
‫مفتوحاً‪ ،‬ولم تشر اتفاقية العالقات الدبلوماسية في أي من موادها لغلق مقر البعثة بعد انتهاء التمثيل‬
‫الدبلوماسي‪ ،‬ولكن بالرغم من ذلك يعتبر الغلق أم اًر بديهياً وحتمياً النتهاء مبرر بقائه مفتوحاً‪.‬‬
‫أما اتفاقية العالقات القنصلية فقد أشارت إلى غلق مقر البعثة القنصلية في المادة (‪ )0/02‬في‬
‫سياق تقليص عدد البعثات القنصلية في الدولة المضيفة وليس في سياق القطع النهائي للعالقات‬
‫القنصلية بقولها‪" :‬في حال اإلغالق المؤقت أو الدائم للبعثة القنصلية‪."...‬‬
‫ومن جهة أخرى يتم إنزال العلم من على دار البعثة ومسكن رئيسها‪ ،‬كما يتم نزع شعار الدولة‬
‫الموفدة‪ ،‬ألن رفع العلم والشعار منحته اتفاقيات العالقات الدبلوماسية والقنصلية كامتياز للدولة الموفدة‬
‫للداللة على حرمة ومكانة هذا المكان‪ ،‬وبالتالي يزول هذا االمتياز بزوال سببه‪.‬‬
‫ثاني ا‪ :‬حماية واحترام مقر البعثة وموجوداتها ومحفوظاتها‬
‫إن انتهاء التمثيل الدبلوماسي وتغير الوضع القانوني لمقر البعثة وموجوداتها ومحفوظاتها‪ ،‬ال‬
‫ينفي وجوب تمتعها بحماية يفرضها الواقع من جهة وطبيعة العالقات الدبلوماسية ومكانتها من جهة‬
‫أخرى‪.‬‬
‫وفي هذا الصدد أوجبت اتفاقية العالقات الدبلوماسية حماية المقر والموجودات والمحفوظات‬
‫والوثائق في المادة (‪/12‬أ) بقولها‪" :‬يجب على الدولة المعتمد لديها حتى في حالة وجود نزاع مسلح‪،‬‬
‫احترام وحماية دار البعثة‪ ،‬وكذلك أموالها ومحفوظاتها"‪ .‬كما أوجبت المادة (‪/1/02‬أ) من اتفاقية العالقات‬
‫القنصلية ذات الحماية لمقرات البعثات القنصلية وممتلكاتها ومحفوظاتها‪ ،‬وكذلك المادة (‪ )1/11‬من‬
‫اتفاقية البعثات الخاصة‪.‬‬
‫وقد جاءت هذه األحكام لتأكيد واقرار ما جرى عليه العمل بين الدول في هذا الشأن‪ ،‬في مختلف‬
‫المناسبات التي قُطعت فيها العالقات الدبلوماسية بين الدول‪.‬‬
‫هذا‪ ،‬ونشير إلى أن هذه الحماية المقررة لمقر البعثة تبقى مستمرة إلى حين سحب األموال‬
‫والموجودات والوثائق والمحفوظات الموجودة بها‪ ،‬والذي لم تحدده ال اتفاقية العالقات الدبلوماسية وال‬

‫‪811‬‬
‫الفصل الرابع‪ :‬انتهاء التمثيل الدبلوماسي والقنصلي‬ ‫محاضرات في قانون العالقات الدبلوماسية والقنصلية‬

‫اتفاقية العالقات القنصلية بأجل معين‪ ،‬أما اتفاقية البعثات الخاصة فقد نصت في المادة (‪ )1/11‬أن‬
‫يكون ذلك خالل فترة معقولة من الزمن‪.‬‬
‫ثالثا‪ :‬إمكانية تكليف دولة ثالثة بحماية مقر البعثة وموجوداتها‬
‫أجازت اتفاقيات العالقات الدبلوماسية والقنصلية للدولة الموفدة بأن تعهد بحراسة مقر بعثتها‬
‫وأموالها ومحفوظاتها إلى دولة ثالثة شريطة أن تقبل بها الدولة المضيفة‪ ،‬وهو ما أكدت عليه المادة‬
‫(‪/12‬ب) من اتفاقية العالقات الدبلوماسية‪ ،‬والمادة (‪/1/02‬ب) من اتفاقية العالقات القنصلية‪ ،‬والمادة‬
‫(‪ )0/11‬من اتفاقية البعثات الخاصة‪.‬‬
‫واذا عهدت الدولة الموفدة لدولة ثالثة بحماية وحراسة مقر بعثتها الدبلوماسية أو القنصلية‪ ،‬فإن‬
‫هذا ال يعفي الدولة المضيفة من التزامها بحمايتها واحترامها‪ ،‬وبالتالي فإن تكليف الدولة الموفدة لدولة‬
‫ثالثة بحماية بعثتها ال ُيمثل بديالً وال ُيعوض االلتزام بالحماية المفروض على الدولة المضيفة‪ ،‬بل‬
‫التزامها هذا يبقى قائماً في كل الحاالت وبغض النظر عن الحراسة التي قد تعهد بها الدولة الموفدة لدولة‬
‫ثالثة‪.‬‬
‫المطلب الثاني‪ :‬اآلثار المنصرفة إلى أوجه العالقات األخرى بين الدولتين‬
‫إن انتهاء التمثيل الدبلوماسي ال يؤدي بالضرورة إلى انتهاء أوجه التمثيل األخرى‪ ،‬كالتمثيل‬
‫القنصلي أو عمل البعثات الخاصة‪ ،‬كما أن انتهاء هذا التمثيل – باستثناء حالة انتهاء التمثيل بسبب‬
‫الحرب ‪ -‬ال يضع حداً لكل أوجه العالقات القائمة بين الدولتين‪ ،‬لكن ال يعني ذلك أنه ال ُيؤثر فيها‪ ،‬بل‬
‫ستتأثر مختلف أوجه تلك العالقات ولو بشكل نسبي‪.‬‬
‫الفرع األول‪ :‬اآلثار المنصرفة ألوجه التمثيل األخرى‬
‫باإلضافة إلى التمثيل الدبلوماسي الدائم ترتبط الدولة بعالقات تمثيل أخرى مع باقي الدول‪،‬‬
‫كالتمثيل القنصلي والتمثيل الدبلوماسي المؤقت (البعثات الخاصة)‪ ،‬وبالتالي ُيطرح التساؤل عن مدى‬
‫تأثير انتهاء التمثيل الدبلوماسي الدائم بين دولتين أو أكثر في باقي أوجه التمثيل األخرى بالنسبة إليها؟‬
‫إن اإلجابة عن هذا التساؤل تقتضي منا البحث في مدى هذا التأثير على التمثيل القنصلي‬
‫(أوالً)‪ ،‬وعلى عمل البعثات الخاصة (ثانياً)‪.‬‬
‫أوالا‪ :‬اآلثار بالنسبة للتمثيل القنصلي‬
‫إذا كانت االتفاق على تبادل التمثيل الدبلوماسي بين دولتين يستتبع بالضرورة – ما لم ُيتفق على‬
‫خالف ذلك – االتفاق على تبادل التمثيل القنصلي‪ ،‬فإن قطع العالقات الدبلوماسية كأصل عام ال يؤدي‬
‫بالضرورة إلى قطع العالقات القنصلية‪ ،‬وهو ما نصت عليه المادة (‪ )0/0/20‬من اتفاقية العالقات‬

‫‪811‬‬
‫الفصل الرابع‪ :‬انتهاء التمثيل الدبلوماسي والقنصلي‬ ‫محاضرات في قانون العالقات الدبلوماسية والقنصلية‬

‫القنصلية بقولها‪ -0" :‬إن الموافقة المعطاة على إنشاء العالقات الدبلوماسية بين دولتين تتضمن‪ ،‬ما لم‬
‫ينص على خالف ذلك‪ ،‬الموافقة على إنشاء العالقات القنصلية‪.‬‬
‫‪ -0‬إن قطع العالقات الدبلوماسية ال يتضمن بصورة حكمية قطع العالقات القنصلية"‪.‬‬
‫من خالل هذا النص نستنتج أنه إذا كان هناك تالزم وتبعية قانونية بين العالقات الدبلوماسية‬
‫والقنصلية في حالة إنشاء العالقات الدبلوماسية‪ ،‬فإن تلك التبعية ال وجود لها في حالة قطعها‪ ،‬وبالتالي‬
‫فإن األثر المباشر النتهاء العالقات الدبلوماسية على العالقات القنصلية هو استمرار هذه األخيرة بشكل‬
‫طبيعي‪ ،‬بل تزداد أهميتها حيث تصبح وسيلة االتصال الوحيدة بين الدولتين ومحط رعاية مصالح‬
‫الدولتين(‪ ،)1‬خصوصاً عند تولي البعثة القنصلية لمهام البعثة الدبلوماسية بعد انتهاء تمثيلها حسب المادة‬
‫(‪ )12‬من اتفاقية العالقات القنصلية‪.‬‬
‫ثاني ا‪ :‬اآلثار بالنسبة للبعثات الخاصة‬
‫إن تبادل التمثيل الدبلوماسي بواسطة البعثات الخاصة منفصل تماماً من حيث وجوده وانعدامه‬
‫عن تبادل التمثيل الدبلوماسي الدائم‪ ،‬وبالتالي فإقامة هذا األخير ال يستتبع بالضرورة إنشاء البعثات‬
‫الخاصة‪ ،‬بل أن تبادل هذه األخيرة ال ُيشترط فيه سبق تبادل البعثات الدبلوماسية الدائمة أو البعثات‬
‫القنصلية‪ ،‬وهو ما أكدته المادة (‪ )22‬من اتفاقية البعثات الخاصة بقولها‪" :‬ال يلزم وجود العالقات‬
‫الدبلوماسية أو القنصلية إليفاد أحد البعثات الخاصة أو الستقبالها"‪.‬‬
‫كما أن انتهاء التمثيل الدبلوماسي الدائم ال ُينهي بالضرورة عمل البعثات الخاصة‪ ،‬وهو ما أكدت‬
‫عليه المادة (‪ )0/02‬من اتفاقية البعثات الخاصة بقولها‪" :‬قطع العالقات الدبلوماسية أو القنصلية بين‬
‫الدولة الموفدة والدولة المستقبلة ال ُيعد بحد ذاته سبباً إلنهاء البعثات الخاصة الموجودة في وقت قطعها"‪.‬‬
‫يتضح من خالل هذا النص أن قطع العالقات الدبلوماسية أو القنصلية ألي سبب من األسباب‬
‫ليس له تأثير مباشر على عمل البعثات الخاصة التي كانت موجودة وقت قطع تلك العالقات‪.‬‬
‫الفرع الثاني‪ :‬اآلثار بالنسبة للمعاهدات الدولية‬
‫األصل العام أن قطع العالقات الدبلوماسية أو القنصلية ال تأثير له على استمرار العمل‬
‫بالمعاهدات واالتفاقيات التي أُبرمت قبل قطع تلك العالقات‪ ،‬وبالتالي فإن الحقوق وااللتزامات المقررة‬
‫بموجب تلك االتفاقيات تبقى نافذة وسارية المفعول‪ ،‬وهو ما نصت عليه المادة (‪ )10‬من اتفاقية فيينا‬
‫لقانون المعاهدات لسنة ‪ 1010‬بقولها‪" :‬ال يؤثر قطع العالقات الدبلوماسية أو القنصلية بين أطراف‬
‫المعاهدة على العالقات القانونية القائمة بينهم بموجب المعاهدة‪ ،"...‬ولعل الفصل بين قطع العالقات‬
‫الدبلوماسية أو القنصلية وبقاء المعاهدات الدولية سارية المفعول يكمن في المبررات التالية‪:‬‬

‫(‪)1‬‬
‫أحمد أبو الوفاء‪ ،‬قطع العالقات الدبلوماسية‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.122‬‬

‫‪811‬‬
‫الفصل الرابع‪ :‬انتهاء التمثيل الدبلوماسي والقنصلي‬ ‫محاضرات في قانون العالقات الدبلوماسية والقنصلية‬

‫‪ -‬االستقالل بين العالقات القانونية االتفاقية والعالقات الدبلوماسية ذات الطابع السياسي‪.‬‬
‫‪ -‬انتهاء التمثيل الدبلوماسي ال يعني التحلل من االلتزامات التي تفرضها أحكام القانون الدولي االتفاقية‪.‬‬
‫‪ -‬المعاهدات الدولية لها أساليب خاصة إلنهائها وايقاف العمل بها‪ ،‬ليست من بينها انتهاء التمثيل‬
‫الدبلوماسي‪.‬‬
‫‪ -‬أن مبدأ حسن النية ومبدأ الوفاء بالعهد يفرضان على الدول تنفيذ التزاماتها التعاقدية رغم كل الظروف‬
‫وأن ال تتهرب منها‪ ،‬ألن حاالت التوتر السياسي وقطع العالقات الدبلوماسية بين الدول ال تُعد أداة‬
‫للتحلل من االلتزامات التعاقدية‪.‬‬
‫لكن هذا األصل العام يرد عليه استثناء يتمثل في أن قطع العالقات الدبلوماسية أو القنصلية‬
‫يؤدي بالتبعية إلى ايقاف العمل بالمعاهدات التي يتطلب أو ال ُيصور نفاذها إال بوجود تلك العالقات‪،‬‬
‫وهو ما نصت عليه العبارة األخيرة من المادة (‪ )10‬ذاتها بقولها‪" :‬إال بقدر ما يكون وجود العالقات‬
‫الدبلوماسية أو القنصلية ضرورة ال غنى عنها لتطبيق المعاهدة"‪ ،‬ومثالها االتفاقيات الثنائية التي تتعلق‬
‫باالمتيازات والحصانات الدبلوماسية إذ يتوقف تطبيقها على تبادل الدبلوماسيين بين الدولتين‪ ،‬وكذلك‬
‫المعاهدات التي تتطلب وجود عالقات حسنة بين الدولتين كمعاهدات التحالف‪.‬‬
‫وقد ذهبت المادة (‪ )21‬من اتفاقية قانون المعاهدات إلى أكثر من ذلك لما أجازت إبرام‬
‫المعاهدات الدولية بين الدول التي قطعت عالقاتها الدبلوماسية أو القنصلية أو التي لم يسبق لها االرتباط‬
‫بتلك العالقات أصالً‪ ،‬والتي جاء نصها كما يلي‪" :‬قطع العالقات الدبلوماسية أو القنصلية وغياب مثل‬
‫هذه العالقات بين دولتين أو عدة دول ال يعوق إبرام المعاهدات بين هذه الدول‪ .‬إن إبرام المعاهدة بذاتها‬
‫ليس له أثر فيما يتعلق بالعالقات الدبلوماسية والقنصلية"‪.‬‬
‫الفرع الثالث‪ :‬آثار الحرب على مختلف أوجه العالقات الدولية‬
‫إن قيام الحرب بين دولتين ال تؤدي إلى قطع العالقات الدبلوماسية القائمة بينهما فقط‪ ،‬بل تتأثر‬
‫مجمل مظاهر عالقاتهما الدولية‪ ،‬وهذا هو الفارق الجوهري بين الحاالت األخرى التي تؤدي إلى انتهاء‬
‫التمثيل الدبلوماسي وبين انتهائه بسبب حالة الحرب‪ ،‬ففي هذه الحالة تتوقف كل الصالت االقتصادية‬
‫والتجارية والمواصالت واالتصاالت والعالقات القنصلية‪ ،‬بينما في الحاالت األخرى السيما قطع العالقات‬
‫الدبلوماسية بغير سبب الحرب ال يكن لها مثل هذا األثر(‪.)1‬‬
‫أما فيما يتعلق بآثار الحرب على المعاهدات المبرمة بين الدولتين المتحاربتين فإن الفقه التقليدي‬
‫كان يرى بأن الحرب تُعد سبباً النقضاء المعاهدات‪ ،‬أما الفقه الحديث فله نظرة مغايرة حيث يرى بأن أثر‬

‫(‪)1‬‬
‫علي حسين الشامي‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.012‬‬

‫‪811‬‬
‫الفصل الرابع‪ :‬انتهاء التمثيل الدبلوماسي والقنصلي‬ ‫محاضرات في قانون العالقات الدبلوماسية والقنصلية‬

‫الحرب على المعاهدات الدولية يختلف باختالف طبيعة ونوع المعاهدة في حد ذاتها‪ ،‬وقد ميز بين عدة‬
‫أنواع من المعاهدات بالشكل التالي(‪:)1‬‬
‫‪ -‬المعاهدات التي يكون موضوعها تنظيم حالة الحرب‪ ،‬ال تنتهي وال ُيعطل تنفيذها بقيام حالة الحرب بل‬
‫تضعها موضع التنفيذ‪ ،‬وذلك ألنها تُعد بمثابة الشرط الواقف في تنفيذها‪.‬‬
‫‪ -‬المعاهدات التي يكون موضوعها تنظيم حالة دائمة‪ ،‬كمعاهدات الحدود والمعاهدات التي نصت‬
‫صراحة على عدم تأثرها بالحرب‪ ،‬تبقى سارية المفعول رغم قيام الحرب‪.‬‬
‫‪ -‬أما المعاهدات السياسية والمعاهدات التي كانت سبباً في قيام الحرب فتنتهي بقيام الحرب‪ ،‬وهو ما‬
‫قامت به مصر سنة ‪ 1022‬من إنهاء معاهدة الجالء التي بينها وبين بريطانيا‪ ،‬وذلك بسبب العدوان‬
‫الثالثي عليها ولم تنازعها بريطانيا في هذا اإلنهاء‪.‬‬

‫(‪)1‬‬
‫أحمد اسكندري‪ ،‬محمد ناصر بوغزالة‪ ،‬القانون الدولي العام‪ ،‬ج‪ ،1‬المدخل والمعاهدات الدولية‪ ،‬مطبعة الكاهنة‪ ،‬الجزائر‪ ،1002 ،‬ص ص ‪.022 ،021‬‬

‫‪811‬‬
‫خاتم ـ ـ ـ ـ ـ ــة‬
‫الخاتمــــــــــــــة‬
‫من خالل ما تم تناوله في هذه المحاضرات خلصنا إلى جملة من النتائج ُيمكن إيجازها في النقاط‬
‫التالية‪:‬‬
‫‪ -‬أن العالقات الدبلوماسية بالشكل الذي هي عليه اليوم لم تظهر فجأة‪ ،‬بل تطورت‪ ،‬وما تزال‪ ،‬بتطور‬
‫وتنوع وتشابك المصالح بين المجتمعات والدول‪ ،‬فبعد أن كانت مؤقتة أصبحت دائمة‪ ،‬وبظهور الدولة‬
‫الحديثة والنظم الديمقراطية انتقلنا من الدبلوماسية السرية إلى الدبلوماسية العلنية‪ ،‬وبظهور المنظمات‬
‫الدولية وتعاظم دورها في الساحة الدولية انتقلنا من الدبلوماسية الثنائية إلى الدبلوماسية متعددة األطراف‪،‬‬
‫أي دبلوماسية المنظمات الدولية‪.‬‬
‫‪ -‬أن العالقات الدبلوماسية والقنصلية لم تبق خاضعة للمجامالت والقواعد العرفية‪ ،‬بل تم تنظيمها بقواعد‬
‫قانونية أصبحت تشكل فرعاً مستقالً من فروع القانون الدولي ُيعرف بـ‪ :‬القانون الدبلوماسي والقنصلي‪،‬‬
‫يضم مجموعة من االتفاقيات أهمها اتفاقية فيينا للعالقات الدبلوماسية لسنة ‪ ،1691‬واتفاقية فيينا‬
‫للعالقات القنصلية لسنة ‪ ،1691‬واتفاقية البعثات الخاصة لسنة ‪ ،1696‬واتفاقية تمثيل الدول لدى‬
‫المنظمات العالمية لسنة ‪.1691‬‬
‫‪ -‬أن زيادة االعتماد المتبادل والمصالح المشتركة بين الدول‪ ،‬ضاعف من حاجة الدول لبعضها البعض‪،‬‬
‫وبالتالي وجدت في الدبلوماسية الوسيلة الفعالة للتعاون الدولي وايجاد الحلول لمختلف المشكالت‬
‫والمنازعات الناجمة عن تضارب تلك المصالح‪.‬‬
‫‪ -‬ظهور مهام إضافية وجديدة للعمل الدبلوماسي‪ ،‬بحيث لم تعد الدبلوماسية ترتكز فقط على التفاوض‬
‫من أجل إحالل السلم وحل المنازعات بين الدول‪ ،‬بل أصبحت الدبلوماسية المعاصرة تهتم بقضايا أخرى‬
‫كالبيئة وحقوق اإلنسان ومكافحة الجريمة العابرة للحدود‪.‬‬
‫‪ -‬أن األجهزة التي تسهر على إدارة العالقات الدبلوماسية والقتصلية في الدولة هي على نوعين‪ :‬أجهزة‬
‫مركزية داخلية تتولى إدارة تلك العالقات غالباً من داخل الدولة تتمثل في رئاسة الجمهورية وو ازرة‬
‫الخارجية‪ ،‬وأخرى ال مركزية خارجية تتولى مباشرة تلك العالقات من خارج الدولة وتتمثل في البعثات‬
‫الدبلوماسية الدائمة أو الخاصة والبعثات القنصلية‪.‬‬
‫‪ -‬أن الطبيعة القانونية للتمثيل الدبلوماسي والقنصلي ليست حقاً يقابله واجب‪ ،‬بل هي مجرد رخصة‬
‫للدولة‪ ،‬لها أن تستخدمها من خالل الدخول في عالقات دبلوماسية مع من تشاء من الدول دون اعتراض‬
‫من الدول األخرى‪ ،‬كما لها أال تستخدمها مع بعض الدول وذلك بعدم الدخول معها في تلك العالقات‪.‬‬
‫وأن الذي ُيحتِّم على الدولة من الناحية العملية استقبال البعثات الدبلوماسية للدول األخرى ليس تنفيذاً‬

‫‪031‬‬
‫خاتم ـ ـ ـ ـ ـ ــة‬
‫اللتزام قانوني يترتب على اإلخالل به إثارة مسؤوليتها الدولية‪ ،‬وانما الحاجة والضرورة االجتماعية‬
‫ومقتصيات المعاملة بالمثل هي التي تُحتِّم عليها ذلك‪.‬‬
‫‪ -‬أن تبادل العالقات الدبلوماسية والقنصلية بين الدول يقوم على شرطي االعتراف المتبادل بين الدول‬
‫واالتفاق والتراضي على إقامة تلك العالقات‪.‬‬
‫‪ -‬أن الهدف األساس من إقرار نظام الحصانات واالمتيازات الدبلوماسية والقنصلية هو تمكين البعثات‬
‫الدبلوماسية والقنصلية من ممارسة المهام والقيام بالوظائف الملقاة على عاتقها على أكمل وجه‪ ،‬دون‬
‫التعرض ألية ضغوطات من سلطات الدولة المضيفة‪.‬‬
‫‪ -‬في مقابل الحصانات واالمتيازات الدبلوماسية والقنصلية يقع على المبعوثين الدبلوماسيين والقنصليين‬
‫في مواجهة الدولة المضيفة جملة من االلتزامات تتمثل احترام قوانينها وأنظمتها الداخلية‪ ،‬عدم التدخل في‬
‫شؤونها الداخلية‪ ،‬عدم استخدام مقر البعثة لإلضرار بمصالحها والمساس بأمنها واستقرارها‪ ،‬واالمتناع عن‬
‫ممارسة أي نشاط مهني أو تجاري‪.‬‬
‫‪ -‬أن العالقات الدبلوماسية والقنصلية األصل فيها الديمومة واالستمرار انطالقاً من ديمومة المصالح‬
‫التي تربط بين أعضاء المجتمع الدولي‪ ،‬إال أنه قد تحدث وقائع وتصرفات معينة تضع حداً للتمثيل‬
‫الدبلوماسي والقنصلي‪ ،‬إما باإلرادة المشتركة ألطراف العالقة أو بإرادة إحداهما فقط دون األخرى‪ ،‬األمر‬
‫الذي يترتب عليه آثا اًر متباينة تختلف أهميتها وخطورتها حسب التصرف أو الواقعة التي كانت سبباً في‬
‫انتهاء التمثيل الدبلوماسي والقنصلي‪.‬‬
‫وفي األخير نخلص إلى القول أنه وبعد ُمضي أكثر من نصف قرن على سن المنظومة القانونية‬
‫الدولية الخاصة بالعالقات الدبلوماسية والقنصلية بات من الضروري إعادة النظر في الكثير من‬
‫أحكامها‪ ،‬ولعل أهمها نظام الحصانات واالمتيازات الدبلوماسية والقنصلية الذي تعسفت الدول ومبعوثيها‬
‫في استخدامه‪ ،‬فتحولت تلك الحصانات واالمتيازات من كونها ضرورة أملتها طبيعة الوظائف الدبلوماسية‬
‫والقنصلية إلى كونها مصدر خطورة لإلفالت من العقاب‪.‬‬

‫‪030‬‬
‫قائمة املراجع‬
‫قائمة المراجع‬
‫أولا‪ :‬الكتب‬
‫‪ -1‬أبو الخير أحمد عطية‪ ،‬القانون الدولي العام‪ ،‬ط‪ ،1‬دار النهضة العربية‪ ،‬القاهرة‪ ،‬مصر‪،‬‬
‫‪.1991/1991‬‬
‫‪ -2‬أحمد أبو الوفاء‪ ،‬قانون العالقات الدبلوماسية والقنصلية‪ ،‬دار النهضة العربية‪ ،‬القاهرة‪ ،‬مصر‪،‬‬
‫‪.2002‬‬
‫‪ -2‬أحمد أبو الوفاء‪ ،‬قطع العالقات الدبلوماسية‪ ،‬دار النهضة العربية‪ ،‬القاهرة‪ ،‬مصر‪.1991 ،‬‬
‫‪ -4‬أحمد اسكندري‪ ،‬محمد ناصر بوغزالة‪ ،‬القانون الدولي العام‪ ،‬ج‪ ،1‬المدخل والمعاهدات الدولية‪،‬‬
‫مطبعة الكاهنة‪ ،‬الجزائر‪.1991 ،‬‬
‫‪ -5‬أحمد مرعي‪ ،‬آثار قطع العالقات الدبلوماسية‪ ،‬ط‪ ،1‬منشورات الحلبي الحقوقية‪ ،‬بيروت‪ ،‬لبنان‪،‬‬
‫‪.2012‬‬
‫‪ -6‬جمال عبد الناصر مانع‪ ،‬التنظيم الدولي‪ ،‬دار العلوم للنشر والتوزيع‪ ،‬عنابة‪ ،‬الجزائر‪.2006 ،‬‬
‫‪ -1‬حامد سلطان‪ ،‬القانون الدولي العام وقت السلم‪ ،‬ط‪ ،4‬دار النهضة العربية‪ ،‬القاهرة‪ ،‬مصر‪.1969 ،‬‬
‫‪ -1‬خليل حسين‪ ،‬التنظيم الدبلوماسي‪ ،‬ط‪ ،1‬منشورات الحلبي الحقوقية‪ ،‬بيروت‪ ،‬لبنان‪.2012 ،‬‬
‫‪ -9‬سعد حقي توفيق‪ ،‬مبادئ العالقات الدولية‪ ،‬ط‪ ،5‬شركة العاتك لصناعة الكتاب‪ ،‬القاهرة‪ ،‬مصر‪،‬‬
‫‪ 1421‬هـ‪ 2010/‬م‪.‬‬
‫‪ -10‬سموحي فوق العادة‪ ،‬الدبلوماسية الحديثة‪ ،‬دار اليقظة العربية‪ ،‬بيروت‪ ،‬لبنان‪.1912 ،‬‬
‫‪ -11‬سهيل حسين الفتالوي‪ ،‬الدبلوماسية اإلسالمية ‪ -‬دراسة مقارنة بالقانون الدولي العاصر ‪ ،-‬ط‪،1‬‬
‫دار الثقافة للنشر والتوزيع‪ ،‬عمان‪ ،‬األردن‪.2005 ،‬‬
‫‪ -12‬سهيل حسين الفتالوي‪ ،‬الدبلوماسية بين النظرية والتطبيق‪ ،‬دار الثقافة للنشر والتوزيع‪ ،‬عمان‪،‬‬
‫األردن‪.2006 ،‬‬
‫‪ -12‬صالح محمد عبد الحميد‪ ،‬فن التفاوض والدبلوماسية‪ ،‬ط‪ ،1‬مؤسسة طيبة للنشر والتوزيع‪ ،‬القاهرة‪،‬‬
‫مصر‪.2012 ،‬‬
‫‪ -14‬طارق حمو‪ ،‬الدبلوماسية وأصول العمل الدبلوماسي‪ ،‬المركز الكردي للدراسات‪ ،‬بوخوم‪ ،‬ألمانيا‪،‬‬
‫‪.2011‬‬
‫‪ -15‬عبد العزيز بن ناصر العبيكان‪ ،‬الحصانات والمتيازات الدبلوماسية والقنصلية في القانون‬
‫الدولي‪ ،‬ط‪ ،1‬شركة العبيكان لألبحاث والتطوير‪ ،‬الرياض‪ ،‬المملكة العربية السعودية‪1421 ،‬ه‪2001/‬م‪.‬‬

‫‪231‬‬
‫قائمة املراجع‬
‫‪ -16‬عبد الفتاح علي الرشدان‪ ،‬محمد خليل الموسى‪ ،‬أصول العالقات الدبلوماسية والقنصلية‪ ،‬ط‪،1‬‬
‫المركز العلمي للدراسات السياسية‪ ،‬عمان‪ ،‬األردن‪.2005 ،‬‬
‫‪ -11‬عطا محمد صالح زهرة‪ ،‬أصول العمل الدبلوماسي والقنصلي‪ ،‬ط‪ ،1‬مركز بحوث العلوم‬
‫االقتصادية‪ ،‬بنغازي‪ ،‬ليبيا‪.1994 ،‬‬
‫‪ -11‬علي حسين الشامي‪ ،‬الدبلوماسية ‪ -‬نشأتها وتطورها ونظام الحصانات واالمتيازات الدبلوماسية ‪،-‬‬
‫دار العلم للماليين‪ ،‬بيروت‪ ،‬لبنان‪.1990 ،‬‬
‫‪ -19‬غازي حسن صباريني‪ ،‬الدبلوماسية المعاصرة – دراسة مقارنة ‪ ،-‬ط‪ ،1‬دار الثقافة للنشر والتوزيع‪،‬‬
‫عمان‪ ،‬األردن‪.2009 ،‬‬
‫‪ -20‬فاوي المالح‪ ،‬سلطات األمن والحصانات والمتيازات الدبلوماسية في الواقع النظري والعملي‬
‫مقارنا بالشريعة اإلسالمية‪ ،‬دار المطبوعات الجامعية‪ ،‬االسكندرية‪ ،‬مصر‪.1992 ،‬‬
‫‪ -21‬محسن أفكرين‪ ،‬القانون الدولي العام‪ ،‬ط‪ ،1‬دار النهضة العربية‪ ،‬القاهرة‪ ،‬مصر‪.2005 ،‬‬
‫‪ -22‬محمد المجذوب‪ ،‬القانون الدولي العام‪ ،‬ط‪ ،6‬منشورات الحلبي الحقوقية‪ ،‬بيروت‪ ،‬لبنان‪.2001 ،‬‬
‫‪ -22‬محمد سامي عبد الحميد‪ ،‬أصول القانون الدول العام‪ ،‬ج‪ ،2‬الحياة الدولية‪ ،‬المجلد األول القانون‬
‫الدبلوماسي والقنصلي والقانون الدولي للبحر‪ ،‬ط‪ ،2‬االسكندرية‪ ،‬مصر‪.2005 ،‬‬
‫‪ -24‬محي الدين جمال‪ ،‬قانون العالقات الدبلوماسية والقنصلية‪ ،‬ط‪ ،1‬منشورات بغدادي تعاونية‬
‫التضامن‪ ،‬الجزائر‪.2012 ،‬‬
‫‪ -25‬مصطفى كامل شحاتة‪ ،‬الحتالل الحربي وقواعد القانون الدولي المعاصر‪ ،‬الشركة الوطنية للنشر‬
‫والتوزيع‪ ،‬الجزائر‪.1911 ،‬‬
‫‪ -26‬منتصر سعيد حمودة‪ ،‬قانون العالقات الدبلوماسية والقنصلية‪ ،‬ط‪ ،1‬دار الفكر الجامعي‪،‬‬
‫االسكندرية‪ ،‬مصر‪.2001 ،‬‬
‫‪ -21‬موسى محمد مصباح‪ ،‬القانون الدولي الدبلوماسي والقنصلي‪ ،‬ط‪ ،1‬دار المشرق العربي‪ ،‬الجيزة‪،‬‬
‫مصر‪.2019 ،‬‬
‫‪ -21‬ناظم عبد الواحد الجاسور‪ ،‬أسس وقواعد العالقات الدبلوماسية والقنصلية ‪-‬دليل عمل الدبلوماسي‬
‫والبعثات الدبلوماسية‪ ،-‬ط‪ ،1‬دار مجدالوي للنشر والتوزيع‪ ،‬عمان‪ ،‬األردن‪1422 ،‬هـ‪2001/‬م‪.‬‬
‫‪ -29‬يحي الجمل‪ ،‬العتراف في القانون الدولي العام‪ ،‬دار النهضة العربية‪ ،‬القاهرة‪ ،‬مصر‪.1962 ،‬‬
‫ثانيا‪ :‬المذكرات والرسائل الجامعية‬

‫‪233‬‬
‫قائمة املراجع‬
‫‪ -1‬بخدة صفيان‪ ،‬دور البعثات الدبلوماسية الدائمة للدول لدى منظمة األمم المتحدة في تطوير‬
‫العالقات الدولية‪( ،‬أطروحة دكتوراه في القانون العام‪ ،‬كلية الحقوق والعلوم السياسية‪ ،‬جامعة تلمسان‪،‬‬
‫‪.)2015/2014‬‬
‫‪ -2‬بن ساسة سفيان‪ ،‬انتهاء التمثيل الدبلوماسي واآلثار المترتبة عليه‪( ،‬مذكرة ماجستير في القانون‬
‫الدولي والعالقات الدولية‪ ،‬كلية الحقوق‪ ،‬جامعة الجزائر‪.)2011/2010 ،1‬‬
‫‪ -2‬بن صاف فرحات‪ ،‬العالقات القنصلية‪( ،‬مذكرة ماجستير في القانون العام‪ ،‬كلية الحقوق‪ ،‬جامعة‬
‫قسنطينة‪.)2014/2012 ،1‬‬
‫‪ -4‬بومكواز مسعودة‪ ،‬نظام تمثيل البعثات الدبلوماسية الدائمة للدول لدى منظمة األمم المتحدة‪،‬‬
‫(مذكرة ماجستير في القانون الدولي والعالقات الدولية‪ ،‬كلية الحقوق‪ ،‬جامعة الجزائر‪.)2009/2001 ،‬‬
‫‪ -5‬حجام دريس‪ ،‬حصانات وامتيازات البعثات الدبلوماسية الخاصة‪( ،‬مذكرة ماجستير في القانون‬
‫الدبلوماسي‪ ،‬كلية الحقوق‪ ،‬جامعة الجزائر‪.)2012/2012 ،1‬‬
‫‪ -6‬حرشاوي عالن‪ ،‬النظام القانوني للبعثات الخاصة في ضوء القانون الدولي المعاصر‪( ،‬مذكرة‬
‫ماجستير في القانون الدولي والعالقات الدولية‪ ،‬كلية الحقوق‪ ،‬جامعة الجزائر‪.)2005/2004 ،‬‬
‫‪ -1‬ديلمي أمال‪ ،‬التنظيم القانوني الدولي للعالقات الدبلوماسية‪( ،‬مذكرة ماجستير في القانون العام‪،‬‬
‫كلية الحقوق‪ ،‬جامعة مولود معمري‪.)2012 ،‬‬
‫‪ -1‬لدغش رحيمة‪ ،‬سيادة الدولة وحقها في مباشرة التمثيل الدبلوماسي‪( ،‬أطروحة دكتوراه في القانون‬
‫العام‪ ،‬كلية الحقوق والعلوم السياسية‪ ،‬جامعة تلمسان‪.)2014/2012 ،‬‬
‫‪ -9‬مقيرش محمد‪ ،‬النظام القانوني للدبلوماسية متعددة األطراف – في ضوء القانون الدبلوماسي‬
‫المعاصر والممارسة الدولية‪( ،-‬أطروحة دكتوراه في القانون العام‪ ،‬كلية الحقوق‪ ،‬جامعة الجزائر‪،1‬‬
‫‪.)2012‬‬
‫‪ -10‬وليد عمران‪ ،‬الوسائل المنظمة للعالقات الخارجية ‪ -‬التمثيل الخارجي والمعاهدات ‪( ،-‬مذكرة‬
‫ماجستير في القانون الدولي العام‪ ،‬كلية الحقوق‪ ،‬جامعة قسنطينة ‪.)2014/2012 ،1‬‬
‫ثالثا‪ :‬المقالت‬
‫‪ -1‬البخيت مصطفى سالم‪ ،‬تغريد محمد قدوري‪ ،‬التنظيم القانوني للتعيين في الوظائف الدبلوماسية‬
‫وفق ا للتشريعات العراقية – دراسة مقارنة بالتشريعات الجزائرية واتفاقية فيينا للعالقات الدبلوماسية ‪،-‬‬
‫المجلة األكاديمية للبحث القانوني‪ ،‬كلية الحقوق والعلوم السياسية‪ ،‬جامعة بجاية‪ ،‬بجاية‪ ،‬العدد ‪،02‬‬
‫المجلد ‪.2011 ،09‬‬

‫‪231‬‬
‫قائمة املراجع‬
‫‪ -2‬أوكيل محمد أمين‪ ،‬النظام القانوني للبعثات الدبلوماسية الدائمة‪ ،‬المجلة األكاديمية للبحث القانوني‪،‬‬
‫كلية الحقوق والعلوم السياسية‪ ،‬جامعة بجاية‪ ،‬بجاية‪ ،‬العدد ‪ ،01‬المجلد ‪.2015 ،11‬‬
‫‪ -2‬محمد بوبوش‪ ،‬القوة الناعمة للبابا في العالقات الدولية المعاصرة‪ ،‬تحليالت سياسية‪ ،‬المعهد‬
‫المصري للدراسات‪ ،‬مارس ‪.2019‬‬
‫رابعا‪ :‬المطبوعات والمحاضرات‬
‫‪ -1‬زناتي مصطفى‪ ،‬محاضرات في قانون العالقات الدولية – العالقات الدبلوماسية ‪ ،-‬أُلقيت على‬
‫طلبة السنة ثالثة ليسانس قانون عام‪ ،‬كلية الحقوق والعلوم السياسية‪ ،‬جامعة محمد بوضياف مسيلة‪،‬‬
‫السنة الجامعية ‪.2011/2011‬‬
‫‪ -2‬مايا الدباس‪ ،‬ماهر ملندي‪ ،‬العالقات الدبلوماسية والقنصلية‪ ،‬منشورات الجامعة االفتراضية السورية‪،‬‬
‫سوريا‪.2011 ،‬‬
‫خامس ا‪ :‬نصوص ووثائق دولية‬
‫‪ -1‬ميثاق األمم المتحدة والنظام األساسي لمحكمة العدل الدولية سنة ‪ ،1945‬منشورات إدارة شؤون‬
‫اإلعالم لألمم المتحدة‪.2006 ،‬‬
‫‪ -2‬اتفاقية حصانات وامتيازات األمم المتحدة التي أقرتها الجمعية العامة لألمم المتحدة بتاريخ‪:‬‬
‫‪.1946/02/12‬‬
‫‪ -2‬اتفاقية فيينا للعالقات الدبلوماسية الموقعة بتاريخ‪ 1961/04/11 :‬والتي دخلت حيز النفاذ بتاريخ‪:‬‬
‫‪.1964/04/24‬‬
‫‪ -4‬اتفاقية فيينا للعالقات القنصلية الموقعة بتاريخ‪ 1962/04/24 :‬والتي دخلت حيز النفاذ بتاريخ‪:‬‬
‫‪.1961/02/19‬‬
‫‪ -5‬اتفاقية البعثات الخاصة الموقعة بتاريخ‪ 1969/12/16 :‬والتي دخلت حيز النفاذ بتاريخ‪:‬‬
‫‪.1915/06/21‬‬
‫‪ -6‬اتفاقية فيينا لقانون المعاهدات لسنة ‪ ،1969‬األمم المتحدة‪ ،‬أعمال لجنة القانون الدولي‪ ،‬ط‪،4‬‬
‫منشورات األمم المتحدة نييورك‪.1911 ،‬‬
‫‪ -1‬اتفاقية فيينا لتمثيل الدول في عالقاتها مع المنظمات الدولية ذات الطابع العالمي التي أقرتها الجمعية‬
‫العامة لألمم المتحدة بتاريخ‪.1915/02/14 :‬‬
‫‪ -1‬موجز األحكام والفتاوى الصادرة عن محكمة العدل الدولية (‪ ،)1991-1941‬منشورات األمم‬
‫المتحدة‪.1992 ،‬‬

‫‪231‬‬
‫قائمة املراجع‬
‫‪ -9‬النظام األساسي للمحكمة الجنائية الدولية الموقع في‪ 1991/01/11 :‬والذي دخل حيز النفاذ في‪:‬‬
‫‪.2002/01101‬‬
‫سادس ا‪ :‬نصوص ووثائق وطنية‬
‫‪ -1‬المرسوم رقم‪ 14/64 :‬المورخ في‪ ،1964/02/04 :‬المتضمن انضمام الجزائر التفاقية العالقات‬
‫الدبلوماسية‪ ،‬الصادر بالجريدة الرسمية للجمهورية الجزائرية الديمقراطية الشعبية‪ ،‬عدد ‪ ،29‬بتاريخ‪:‬‬
‫‪.1964/04/01‬‬
‫‪ -2‬المرسوم رقم‪ 15/64 :‬المورخ في‪ ،1964/02/04 :‬المتضمن انضمام الجزائر التفاقية العالقات‬
‫القنصلية‪ ،‬الصادر بالجريدة الرسمية للجمهورية الجزائرية الديمقراطية الشعبية‪ ،‬عدد ‪ ،24‬بتاريخ‪:‬‬
‫‪.1964/04/24‬‬
‫‪ -2‬المرسوم الرئاسي رقم‪ 259/90 :‬مؤرخ في‪ 1990/11/10 :‬المحدد لصالحيات وزير الشؤون‬
‫الخارجية‪ ،‬الصادر بالجريدة الرسمية للجمهورية الجزائرية الديمقراطية الشعبية‪ ،‬عدد ‪ ،50‬بتاريخ‪:‬‬
‫‪.1990/11/21‬‬
‫‪ -4‬المرسوم الرئاسي رقم‪ 402/02 :‬مؤرخ في‪ 2002/11/26 :‬المحدد لصالحيات و ازرة الشؤون‬
‫الخارجية‪ ،‬الصادر بالجريدة الرسمية للجمهورية الجزائرية الديمقراطية الشعبية‪ ،‬عدد ‪ ،19‬بتاريخ‪:‬‬
‫‪.2002/12/01‬‬
‫‪ -5‬القانون رقم‪ 01/16 :‬مؤرخ في‪ ،2016/02/06 :‬يتضمن التعديل الدستوري‪ ،‬الصادر بالجريدة‬
‫الرسمية للجمهورية الجزائرية الديمقراطية الشعبية‪ ،‬عدد ‪ ،14‬بتاريخ‪.2016/02/01 :‬‬
‫سابعا‪ :‬المواقع اللكترونية‬
‫‪ -‬موقع ويكيبيديا على الرابط‪ ،https://ar.wikipedia.org :‬تاريخ الزيارة‪ ،2019/10/01 :‬على‬
‫الساعة‪.11:52 :‬‬
‫‪ -‬موقع ويكيبيديا على الرابط‪ https://ar.wikipedia.org :‬تاريخ الزيارة‪ ،2019/10/20 :‬على‬
‫الساعة‪.11:40 :‬‬
‫‪ -‬موقع ويكيبيديا على الرابط‪ ،https://ar.wikipedia.org :‬تاريخ الزيارة‪ ،2019/11/11 :‬على‬
‫الساعة‪.10:04 :‬‬
‫‪ -‬موقع ويكيبيديا على الرابط‪ ،https://ar.wikipedia.org :‬تاريخ الزيارة‪ ،2019/11/11 :‬على‬
‫الساعة‪.10:14 :‬‬
‫‪ -‬موقع ويكيبيديا على الرابط‪ ،https://ar.wikipedia.org :‬تاريخ الزيارة‪ ،2019/11/11 :‬على‬
‫الساعة‪.10:19 :‬‬

‫‪231‬‬
‫الفهرس‬
‫فهرس المحتويات‬
‫الصفحة‬ ‫العنوان‬
‫‪10‬‬ ‫‪..................................................................................... .....................................................................‬‬ ‫مقدمـــة‬
‫‪13‬‬ ‫‪..............................‬‬ ‫الفصل األول‪ :‬السياق التاريخي والمفاهيمي للقانون الدبلوماسي والقنصلي‬
‫‪10‬‬ ‫‪.........................................................‬‬‫المبحث األول‪ :‬مفهوم وتطور العالقات الدبلوماسية والقنصلية‬
‫‪10‬‬ ‫‪......................................................................‬‬ ‫المطلب األول‪ :‬مفهوم العالقات الدبلوماسية والقنصلية‬
‫‪10‬‬ ‫‪............................................ .......................................‬‬ ‫الفرع األول‪ :‬أصل كلمة "دبلوماسية" و"قنصلية"‬
‫‪10‬‬ ‫‪.....................................................................................................................‬‬ ‫أولا‪ :‬أصل كلمة "دبلوماسية"‬
‫‪10‬‬ ‫‪............................................ ............................................................................‬‬ ‫ثاني ا‪ :‬أصل كلمة "قنصلية"‬
‫‪10‬‬ ‫‪......................................................... ...................................‬‬ ‫الفرع الثاني‪ :‬التعاريف الفقهية للدبلوماسية‬
‫‪10‬‬ ‫‪.......................................... .................................‬‬‫أولا‪ :‬تعريف الدبلوماسية من حيث الطبيعة والغرض‬
‫‪10‬‬ ‫‪............................................‬‬‫ثانيا‪ :‬تعريف الدبلوماسية من حيث األسلوب واألشخاص القائمين بها‬
‫‪10‬‬ ‫‪...................................................‬‬ ‫الفرع الثالث‪ :‬تعريف القانون الدبلوماسي وعالقته بالقانون الدولي‬
‫‪10‬‬ ‫‪...............................................................................................................‬‬ ‫أولا‪ :‬تعريف القانون الدبلوماسي‬
‫‪10‬‬ ‫‪........................................................................‬‬ ‫ثانيا‪ :‬عالقة القانون الدبلوماسي بالقانون الدولي العام‬
‫‪01‬‬ ‫‪...................................................‬‬ ‫المطلب الثاني‪ :‬التطور التاريخي للعالقات الدبلوماسية والقنصلية‬
‫‪01‬‬ ‫‪.......................................................................... .................‬‬ ‫الفرع األول‪ :‬الدبلوماسية في العصر القديم‬
‫‪01‬‬ ‫‪...................................................................................‬‬ ‫أولا‪ :‬الدبلوماسية عند الصينيين والهنود القدامى‬
‫‪00‬‬ ‫‪..............................................................................................‬‬ ‫ثاني ا‪ :‬الدبلوماسية عند اإلغريق (اليونان)‬
‫‪00‬‬ ‫‪.................................................................................................................‬‬ ‫ثالث ا‪ :‬الدبلوماسية عند الرومان‬
‫‪01‬‬ ‫‪...................................................................................‬‬ ‫الفرع الثاني‪ :‬الدبلوماسية في العصور الوسطى‬
‫‪01‬‬ ‫‪..............................................................................................................‬‬ ‫أولا‪ :‬الدبلوماسية عند البيزنطيين‬
‫‪03‬‬ ‫‪................................................ ................................................‬‬ ‫ثانيا‪ :‬الدبلوماسية عند العرب والمسلمين‬
‫‪00‬‬ ‫‪..................................................................‬‬ ‫الفرع الثالث‪ :‬الدبلوماسية في العصر الحديث والمعاصر‬
‫‪00‬‬ ‫‪......................................................................................................‬‬ ‫أولا‪ :‬الدبلوماسية في العصر الحديث‬

‫‪731‬‬
‫الفهرس‬
‫‪00‬‬ ‫‪............................................................................................ ..........................‬‬ ‫ثاني ا‪ :‬الدبلوماسية المعاصرة‬
‫‪01‬‬ ‫‪......................................... ..........‬‬‫المبحث الثاني‪ :‬أنواع الدبلوماسية وتمييزها عن المفاهيم المشابهة‬
‫‪01‬‬ ‫‪................................................. ...........................................................‬‬ ‫المطلب األول‪ :‬أنواع الدبلوماسية‬
‫‪01‬‬ ‫‪................................................ .......‬‬‫أولا‪ :‬من حيث الشكل (الدبلوماسية السرية والدبلوماسية العلنية)‬
‫‪00‬‬ ‫‪..................................‬‬ ‫ثانيا‪ :‬من حيث عدد األطراف (الدبلوماسية الثنائية والدبلوماسية الجماعية)‬
‫‪00‬‬ ‫‪..............................‬‬ ‫ثالثا‪ :‬من حيث الجهة القائمة بها (الدبلوماسية الرسمية والدبلوماسية الشعبية)‬
‫‪00‬‬ ‫‪...................................‬‬ ‫رابعا‪ :‬من حيث الوسائل المستخدمة (دبلوماسية السلم ودبلوماسية الحرب)‬
‫‪11‬‬ ‫‪...................................‬‬ ‫خامسا‪ :‬من حيث قوة األطراف (الدبلوماسية المتكافئة ودبلوماسية الهيمنة)‬
‫‪11‬‬ ‫‪..................................................................‬‬ ‫المطلب الثاني‪ :‬تمييز الدبلوماسية عن المفاهيم المشابهة‬
‫‪10‬‬ ‫‪..........................................................................................................‬‬ ‫أولا‪ :‬الدبلوماسية والعالقات الدولية‬
‫‪10‬‬ ‫‪......................................................................................................‬‬ ‫ثاني ا‪ :‬الدبلوماسية والسياسة الخارجية‬
‫‪11‬‬ ‫‪...................................................................................‬‬ ‫ثالث ا‪ :‬العالقات الدبلوماسية والعالقات القنصلية‬
‫‪11‬‬ ‫‪...................................................................................................‬‬ ‫رابع ا‪ :‬الدبلوماسية والقانون الدبلوماسي‬
‫‪13‬‬ ‫‪......................................................................‬‬ ‫المبحث الثالث‪ :‬مصادر القانون الدبلوماسي والقنصلي‬
‫‪13‬‬ ‫‪....................................................... ...................................................‬‬ ‫المطلب األول‪ :‬المصادر األصلية‬
‫‪13‬‬ ‫‪....................................................................................................................................‬‬ ‫أولا‪ :‬العرف الدولي‬
‫‪10‬‬ ‫‪................................................ ...........................................................................‬‬ ‫ثانيا‪ :‬المعاهدات الدولية‬
‫‪10‬‬ ‫‪................................................................... .................................................‬‬‫ثالثا‪ :‬المبادئ العامة للقانون‬
‫‪31‬‬ ‫‪...................................................................................... ..........................................‬‬ ‫رابعا‪ :‬القوانين الوطنية‬
‫‪30‬‬ ‫‪............................................................ .........................................‬‬ ‫المطلب الثاني‪ :‬المصادر الحتياطية‬
‫‪30‬‬ ‫‪.................................... ...................................................................... ..........................‬‬ ‫أولا‪ :‬أحكام المحاكم‬
‫‪30‬‬ ‫‪....................................................‬‬ ‫ثاني ا‪ :‬آراء كبار الفقهاء والمؤلفين في القانون الدولي والدبلوماسي‬
‫‪33‬‬ ‫‪.....................................................................................‬‬ ‫الفصل الثاني‪ :‬التمثيل الدبلوماسي والقنصلي‬
‫‪30‬‬ ‫‪................................. ..........‬‬‫المبحث األول‪ :‬األجهزة المكلفة بإدارة العالقات الدبلوماسية والقنصلية‬
‫‪30‬‬ ‫‪..............‬‬‫المطلب األول‪ :‬األجهزة الداخلية المسؤولة عن مباشرة العالقات الدبلوماسية والقنصلية‬

‫‪731‬‬
‫الفهرس‬
‫‪30‬‬ ‫‪...................................................................................................... ....................‬‬ ‫الفرع األول‪ :‬رئيس الدولة‬
‫‪30‬‬ ‫‪...........................................................‬‬ ‫أولا‪ :‬اختصاصات رئيس الدولة في مجال العالقات الخارجية‬
‫‪30‬‬ ‫‪....................................................................................... ...........‬‬ ‫ثاني ا‪ :‬حصانات وامتيازات رئيس الدولة‬
‫‪31‬‬ ‫‪..................................................... ................................................................‬‬ ‫الفرع الثاني‪ :‬وزير الخارجية‬
‫‪30‬‬ ‫‪.......................................................‬‬ ‫أولا‪ :‬اختصاصات وزير الخارجية في مجال العالقات الخارجية‬
‫‪30‬‬ ‫‪..............................................................................................‬‬ ‫ثانيا‪ :‬حصانات وامتيازات وزير الخارجية‬
‫‪30‬‬ ‫‪.........................‬‬‫المطلب الثاني‪ :‬األجهزة الخارجية المكلفة بإدارة العالقات الدبلوماسية والقنصلية‬
‫‪30‬‬ ‫‪.............................................................................................................‬‬ ‫الفرع األول‪ :‬البعثات الدبلوماسية‬
‫‪01‬‬ ‫‪............................................................................................................‬‬‫أولا‪ :‬بعثات دبلوماسية لدى الدول‬
‫‪01‬‬ ‫‪.....................................................................................‬‬ ‫ثاني ا‪ :‬بعثات دبلوماسية لدى المنظمات الدولية‬
‫‪00‬‬ ‫‪................................................................................................................‬‬ ‫الفرع الثاني‪ :‬البعثات القنصلية‬
‫‪00‬‬ ‫‪...............................................................‬‬ ‫المبحث الثاني‪ :‬قواعد تبادل التمثيل الدبلوماسي والقنصلي‬
‫‪00‬‬ ‫‪............................................................‬‬ ‫المطلب األول‪ :‬قواعد تشكيل البعثات الدبلوماسية والقنصلية‬
‫‪00‬‬ ‫‪..................................................................‬‬ ‫الفرع األول‪ :‬ضوابط تبادل التمثيل الدبلوماسي والقنصلي‬
‫‪01‬‬ ‫‪....................................................... .......‬‬ ‫أولا‪ :‬الطبيعة القانونية لتبادل التمثيل الدبلوماسي والقنصلي‬
‫‪00‬‬ ‫ثانيا‪ :‬صاحب الحق في التمثيل الدبلوماسي والقنصلي‬
‫‪........................................................... ............‬‬

‫‪01‬‬ ‫‪............................................................................ ....‬‬‫ثالثا‪ :‬شروط تبادل التمثيل الدبلوماسي والقنصلي‬


‫‪00‬‬ ‫الفرع الثاني‪ :‬تكوين البعثات الدبلوماسية والقنصلية‬
‫‪...................................................................... .......‬‬

‫‪00‬‬ ‫‪.......................................................‬‬ ‫أولا‪ :‬العتماد المتبادل ألعضاء البعثات الدبلوماسية والقنصلية‬


‫‪00‬‬ ‫‪......................................................................... ................‬‬‫ثاني ا‪ :‬تشكيلة البعثات الدبلوماسية والقنصلية‬
‫‪00‬‬ ‫‪....................................................‬‬ ‫المطلب الثاني‪ :‬وظائف وواجبات البعثات الدبلوماسية والقنصلية‬
‫‪00‬‬ ‫‪..............................................................................................‬‬‫الفرع األول‪ :‬وظائف البعثات الدبلوماسية‬
‫‪00‬‬ ‫‪...............................................................................................‬‬ ‫أولا‪ :‬وظائف البعثات الدبلوماسية الدائمة‬
‫‪00‬‬ ‫‪...........................................................................................‬‬ ‫ثاني ا‪ :‬وظائف البعثات الدبلوماسية الخاصة‬
‫‪00‬‬ ‫‪..................................................................................................‬‬ ‫الفرع الثاني‪ :‬وظائف البعثات القنصلية‬

‫‪731‬‬
‫الفهرس‬
‫‪01‬‬ ‫‪..................‬‬‫أولا‪ :‬رعاية المصالح القتصادية للدولة الموفدة وتنمية عالقاتها مع الدولة المضيفة‬
‫‪01‬‬ ‫‪..................................................................................‬‬ ‫ثاني ا‪ :‬رعاية مصالح وحقوق رعايا الدولة الموفدة‬
‫‪01‬‬ ‫‪.....................................................................‬‬ ‫ثالث ا‪ :‬القيام باألعمال اإلدارية والتوثيق والشؤون المدنية‬
‫‪00‬‬ ‫‪...................................................................................... ..........................‬‬‫رابعا‪ :‬القيام باألعمال القضائية‬
‫‪00‬‬ ‫‪...............................‬‬ ‫خامسا‪ :‬اإلشراف على أنشطة المالحة البحرية والجوية التابعة للدولة الموفدة‬
‫‪00‬‬ ‫‪..........................................................................‬‬ ‫الفرع الثالث‪ :‬واجبات البعثات الدبلوماسية والقنصلية‬
‫‪00‬‬ ‫‪............................................................................................‬‬ ‫أولا‪ :‬احترام قوانين وأنظمة الدولة المضيفة‬
‫‪00‬‬ ‫‪......................................................................‬‬ ‫ثانيا‪ :‬عدم التدخل في الشؤون الداخلية للدولة المضيفة‬
‫‪11‬‬ ‫‪..............................................................................................‬‬ ‫ثالث ا‪ :‬عدم إساءة استخدام مقرات البعثات‬
‫‪11‬‬ ‫‪........................................................‬‬ ‫رابع ا‪ :‬عدم ممارسة أعضاء البعثة ألي نشاط مهني أو تجاري‬
‫‪11‬‬ ‫‪................................................. .......‬‬‫الفصل الثالث‪ :‬الحصانات واالمتيازات الدبلوماسية والقنصلية‬
‫‪13‬‬ ‫‪.....................................................‬‬ ‫المبحث األول‪ :‬أساس ونطاق الحصانات الدبلوماسية والقنصلية‬
‫‪13‬‬ ‫‪..........................‬‬ ‫المطلب األول‪ :‬األساس القانوني للحصانات والمتيازات الدبلوماسية والقنصلية‬
‫‪13‬‬ ‫‪............................................ .........................................................‬‬ ‫الفرع األول‪ :‬نظرية المتداد اإلقليمي‬
‫‪13‬‬ ‫‪.................................................................................... ................................................‬‬ ‫أولا‪ :‬أساس النظرية‬
‫‪10‬‬ ‫‪........................................................................................................................... ...........‬‬ ‫ثانيا‪ :‬تقييم النظرية‬
‫‪10‬‬ ‫‪...................................................... ..................................................‬‬ ‫الفرع الثاني‪ :‬نظرية الصفة التمثيلية‬
‫‪10‬‬ ‫‪.............................................................................................................. ..................‬‬ ‫أولا‪ :‬مرتكزات النظرية‬
‫‪10‬‬ ‫‪....................................................................................................................... ...............‬‬ ‫ثانيا‪ :‬تقييم النظرية‬
‫‪10‬‬ ‫‪......................................................................... .........................‬‬ ‫الفرع الثالث‪ :‬نظرية مقتضيات الوظيفة‬
‫‪11‬‬ ‫‪....................................................................................................................................‬‬ ‫أولا‪ :‬أساس النظرية‬
‫‪11‬‬ ‫‪..................................................................................................................................... .‬‬ ‫ثاني ا‪ :‬تقييم النظرية‬
‫‪10‬‬ ‫‪............................................................‬‬ ‫الفرع الرابع‪ :‬الجمع بين الصفة التمثيلية ومقتضيات الوظيفة‬
‫‪10‬‬ ‫‪................................................................................................................................‬‬ ‫أولا‪ :‬مضمون النظرية‬
‫‪10‬‬ ‫‪.................................................. .............................................................................‬‬ ‫ثاني ا‪ :‬تطبيقات النظرية‬

‫‪741‬‬
‫الفهرس‬
‫‪10‬‬ ‫‪..............................................‬‬ ‫المطلب الثاني‪ :‬نطاق الحصانات والمتيازات الدبلوماسية والقنصلية‬
‫‪10‬‬ ‫‪................................................... .............................................................‬‬ ‫الفرع األول‪ :‬النطاق الشخصي‬
‫‪10‬‬ ‫‪............................................................................................‬‬ ‫أولا‪ :‬أعضاء السلك الدبلوماسي والقنصلي‬
‫‪01‬‬ ‫‪.............................................................................................‬‬ ‫ثانيا‪ :‬المستفيدون من األشخاص اآلخرين‬
‫‪00‬‬ ‫‪............................................ ........................................................................‬‬ ‫الفرع الثاني‪ :‬النطاق الزماني‬
‫‪00‬‬ ‫‪.................................................... ..........................................‬‬ ‫أولا‪ :‬بداية التمتع بالحصانات والمتيازات‬
‫‪01‬‬ ‫‪............................................................................. ............................‬‬ ‫ثانيا‪ :‬نهاية الحصانات والمتيازات‬
‫‪03‬‬ ‫‪....................................................................................... ............................‬‬ ‫الفرع الثالث‪ :‬النطاق المكاني‬
‫‪03‬‬ ‫‪...........................................................‬‬ ‫أولا‪ :‬التمتع بالحصانات والمتيازات في إقليم الدولة المضيفة‬
‫‪00‬‬ ‫‪..............................................................‬‬ ‫ثاني ا‪ :‬التمتع بالحصانات والمتيازات في إقليم الدولة الثالثة‬
‫‪00‬‬ ‫‪...................................‬‬ ‫المبحث الثاني‪ :‬حصانات وامتيازات مقرات البعثات الدبلوماسية والقنصلية‬
‫‪00‬‬ ‫‪...........................................‬‬ ‫المطلب األول‪ :‬الحصانات والمتيازات المتعلقة بمباني ووسائل البعثة‬
‫‪00‬‬ ‫‪..............................................................‬‬ ‫الفرع األول‪ :‬التسهيالت والحصانات المتعلقة بمباني البعثة‬
‫‪00‬‬ ‫‪.......................................................................................................... .........‬‬ ‫أولا‪ :‬تسهيل حيازة مقر البعثة‬
‫‪00‬‬ ‫‪................................................................................ ............‬‬‫ثانيا‪ :‬استخدام علم وشعار الدولة المعتمدة‬
‫‪00‬‬ ‫‪....................................................................................................................... ....‬‬‫ثالثا‪ :‬حرمة مباني البعثة‬
‫‪01‬‬ ‫‪.....................................................................................‬‬ ‫رابعا‪ :‬إعفاء مقر البعثة من الضرائب والرسوم‬
‫‪00‬‬ ‫‪.............................................................‬‬ ‫الفرع الثاني‪ :‬الحصانات والمتيازات المتعلقة بوسائل البعثة‬
‫‪00‬‬ ‫‪..............‬‬ ‫أولا‪ :‬إعفاء أموال البعثة المنقولة من الضرائب والرسوم واإلجراءات اإلدارية والقضائية‬
‫‪00‬‬ ‫‪................................................................................................................ ...........‬‬ ‫ثاني ا‪ :‬حرمة وسائل النقل‬
‫‪00‬‬ ‫‪...................................‬‬ ‫المطلب الثاني‪ :‬الحصانات والمتيازات المتعلقة بوثائق ومحفوظات البعثة‬
‫‪00‬‬ ‫‪..................................................................................... ...........‬‬ ‫الفرع األول‪ :‬حرمة الوثائق والمحفوظات‬
‫‪00‬‬ ‫‪.................................................................................‬‬ ‫أولا‪ :‬وثائق ومحفوظات البعثة المشمولة بالحرمة‬
‫‪01‬‬ ‫‪.................................................................................................‬‬ ‫ثاني ا‪ :‬نطاق حرمة الوثائق والمحفوظات‬
‫‪00‬‬ ‫‪..........................................‬‬ ‫الفرع الثاني‪ :‬حرية التصالت وحرمة المراسالت والحقيبة الدبلوماسية‬

‫‪747‬‬
‫الفهرس‬
‫‪00‬‬ ‫‪....................................................................................................................... ........‬‬ ‫أولا‪ :‬حرية التصالت‬
‫‪00‬‬ ‫‪................................................................................. ........‬‬ ‫ثاني ا‪ :‬حرمة المراسالت والحقيبة الدبلوماسية‬
‫‪03‬‬ ‫‪................................‬‬ ‫المبحث الثالث‪ :‬حصانات وامتيازات أعضاء البعثات الدبلوماسية والقنصلية‬
‫‪03‬‬ ‫‪........................................‬‬ ‫المطلب األول‪ :‬حصانات وامتيازات المبعوثين الدبلوماسيين والقنصليين‬
‫‪03‬‬ ‫‪.........................................................................................................‬‬ ‫الفرع األول‪ :‬الحصانات الشخصية‬
‫‪03‬‬ ‫‪............................................................‬‬ ‫أولا‪ :‬احترام شخص المبعوث الدبلوماسي والقنصلي وحمايته‬
‫‪00‬‬ ‫‪................................................................................................‬‬ ‫ثانيا‪ :‬حرمة مسكن المبعوث الدبلوماسي‬
‫‪01‬‬ ‫‪................................................................‬‬ ‫ثالثا‪ :‬حرية الحركة والتنقل للمبعوث الدبلوماسي والقنصلي‬
‫‪00‬‬ ‫‪........................................................................................ ...................‬‬‫الفرع الثاني‪ :‬الحصانات القضائية‬
‫‪00‬‬ ‫‪.....................................................................................................‬‬ ‫أولا‪ :‬تقييد الحصانة القضائية المدنية‬
‫‪011‬‬ ‫‪...............................................................................................‬‬ ‫ثاني ا‪ :‬إطالق الحصانة القضائية الجنائية‬
‫‪011‬‬ ‫‪...............................................................................................................‬‬ ‫الفرع الثالث‪ :‬العفاءات المالية‬
‫‪011‬‬ ‫‪.......................................................................................................... ................‬‬ ‫أولا‪ :‬اإلعفاءات الضريبية‬
‫‪013‬‬ ‫‪........................................................................................................ ................‬‬‫ثاني ا‪ :‬اإلعفاءات الجمركية‬
‫‪013‬‬ ‫‪.....................................................................................................‬‬ ‫ثالثا‪ :‬اإلعفاءات والتسهيالت األخرى‬
‫‪010‬‬ ‫‪.............‬‬‫المطلب الثاني‪ :‬الحصانات والمتيازات الدبلوماسية والقنصلية ألعضاء البعثة اآلخرين‬
‫‪010‬‬ ‫‪.........................................................................................................‬‬ ‫الفرع األول‪ :‬الحصانات الشخصية‬
‫‪010‬‬ ‫‪...........................................................................................................‬‬ ‫الفرع الثاني‪ :‬الحصانات القضائية‬
‫‪011‬‬ ‫‪..................................... .....................................................‬‬ ‫الفرع الثالث‪ :‬المتيازات واإلعفاءات المالية‬
‫‪010‬‬ ‫‪.................................................................. .......‬‬‫الفصل الرابع‪ :‬انتهاء التمثيل الدبلوماسي والقنصلي‬
‫‪010‬‬ ‫‪............................................................‬‬ ‫المبحث األول‪ :‬حالت انتهاء التمثيل الدبلوماسي والقنصلي‬
‫‪010‬‬ ‫‪...................................................................... .....‬‬ ‫المطلب األول‪ :‬انتهاء المهام الدبلوماسية والقنصلية‬
‫‪010‬‬ ‫‪............................................ ..................................... ..........................‬‬ ‫الفرع األول‪ :‬انتهاء مهام المبعوث‬
‫‪010‬‬ ‫‪.........................................................................................‬‬ ‫أولا‪ :‬انتهاء مهام المبعوث ألسباب شخصية‬
‫‪001‬‬ ‫‪...................................................................................‬‬ ‫ثاني ا‪ :‬انتهاء مهام المبعوث بإرادة الدولة الموفدة‬

‫‪741‬‬
‫الفهرس‬
‫‪000‬‬ ‫‪................................................................................‬‬ ‫ثالث ا‪ :‬انتهاء مهام المبعوث بإرادة الدولة المضيفة‬
‫‪003‬‬ ‫‪..................................................... ..........................................................‬‬ ‫الفرع الثاني‪ :‬انتهاء مهام البعثة‬
‫‪003‬‬ ‫‪........................................................................‬‬ ‫أولا‪ُّ :‬‬
‫تغير الوضع القانوني للدولة الموفدة أو المضيفة‬
‫‪000‬‬ ‫‪.......................................................................‬‬ ‫ثانيا‪ُّ :‬‬
‫تغير نظام الحكم في الدولة الموفدة أو المضيفة‬
‫‪000‬‬ ‫‪................................................................ ...............‬‬ ‫ثالثا‪ :‬رفع أو تخفيض مستوى التمثيل الدبلوماسي‬
‫‪000‬‬ ‫‪............................................................... ...............‬‬ ‫رابعا‪ :‬تعليق أو إلغاء أو سحب البعثة الدبلوماسية‬
‫‪001‬‬ ‫‪......................................................................‬‬ ‫المطلب الثاني‪ :‬انتهاء العالقات الدبلوماسية والقنصلية‬
‫‪001‬‬ ‫‪............................................................... ...............‬‬ ‫الفرع األول‪ :‬قطع العالقات الدبلوماسية والقنصلية‬
‫‪001‬‬ ‫‪.............................................................. ...............‬‬ ‫أولا‪ :‬القطع الثنائي للعالقات الدبلوماسية والقنصلية‬
‫‪000‬‬ ‫‪.......................................................................‬‬ ‫ثاني ا‪ :‬القطع الجماعي للعالقات الدبلوماسية والقنصلية‬
‫‪011‬‬ ‫‪......................................................................................................‬‬ ‫الفرع الثاني‪ :‬قيام الحرب بين دولتين‬
‫‪011‬‬ ‫‪............................................‬‬ ‫أولا‪ :‬أثر الحرب على العالقات الدبلوماسية فيما بين الدول المتحاربة‬
‫‪011‬‬ ‫‪............................................................‬‬ ‫ثاني ا‪ :‬أثر الحرب على العالقات الدبلوماسية مع الدول الغير‬
‫‪010‬‬ ‫‪.................................................................‬‬ ‫المبحث الثاني‪ :‬آثار انتهاء التمثيل الدبلوماسي والقنصلي‬
‫‪010‬‬ ‫‪......................................................................‬‬ ‫المطلب األول‪ :‬اآلثار المترتبة بالنسبة للبعثة وموظفيه‬
‫‪010‬‬ ‫‪......................................................................‬‬ ‫الفرع األول‪ :‬اآلثار المترتبة على انتهاء مهام المبعوث‬
‫‪010‬‬ ‫‪..........................................................................................‬‬ ‫أولا‪ :‬مغادرة المبعوث إلقليم الدولة المضيفة‬
‫‪011‬‬ ‫‪...........................................................................................................‬‬ ‫ثانيا‪ :‬تعيين قائم باألعمال بالنيابة‬
‫‪013‬‬ ‫‪...............................................................................................................‬‬ ‫ثالثا‪ :‬استئناف المبعوث لمهامه‬
‫‪013‬‬ ‫‪......................................................................................................................‬‬ ‫رابع ا‪ :‬تجديد أوراق العتماد‬
‫‪010‬‬ ‫‪...........................................................................................‬‬ ‫الفرع الثاني‪ :‬اآلثار المنصرفة ألفراد البعثة‬
‫‪010‬‬ ‫‪.....................................................................................‬‬ ‫الفرع الثالث‪ :‬اآلثار المنصرفة إلى مقر البعثة‬
‫‪010‬‬ ‫‪............................................................................‬‬ ‫أولا‪ :‬غلق مقر البعثة وانزال العلم والشعار من فوقه‬
‫‪010‬‬ ‫‪...................................................................‬‬ ‫ثاني ا‪ :‬حماية واحترام مقر البعثة وموجوداتها ومحفوظاتها‬
‫‪010‬‬ ‫‪........................................................‬‬ ‫ثالث ا‪ :‬إمكانية تكليف دولة ثالثة بحماية مقر البعثة وموجوداتها‬

‫‪743‬‬
‫الفهرس‬
‫‪010‬‬ ‫‪...................................‬‬‫المطلب الثاني‪ :‬اآلثار المنصرفة إلى أوجه العالقات األخرى بين الدولتين‬
‫‪010‬‬ ‫‪..........................................................................‬‬‫الفرع األول‪ :‬اآلثار المنصرفة ألوجه التمثيل األخرى‬
‫‪010‬‬ ‫‪.......................................................................................................‬‬ ‫أولا‪ :‬اآلثار بالنسبة للتمثيل القنصلي‬
‫‪011‬‬ ‫‪.....................................................................................................‬‬ ‫ثانيا‪ :‬اآلثار بالنسبة للبعثات الخاصة‬
‫‪011‬‬ ‫‪.....................................................................................‬‬ ‫الفرع الثاني‪ :‬اآلثار بالنسبة للمعاهدات الدولية‬
‫‪010‬‬ ‫‪.........................................................‬‬ ‫الفرع الثالث‪ :‬آثار الحرب على مختلف أوجه العالقات الدولية‬
‫‪031‬‬ ‫‪.......................................................................................................... .....................................‬‬ ‫قائمة المراجع‬
‫‪031‬‬ ‫‪................................................................................................... .....................................‬‬ ‫فهرس المحتويات‬

‫‪744‬‬

You might also like