س1 مسرح حديث

You might also like

Download as pdf or txt
Download as pdf or txt
You are on page 1of 12

‫كلية اآلداب و الفنون‬

‫قسم الفنون‬
‫السنة االولى جذع مشترك‬

‫مقياس ‪ :‬مسرح حديث‬

‫د‪/‬نقاش غالم‬

‫المحاضرة األولى ‪:‬جهود عصر التنوير‬

‫أ‪ :‬مسرح القرن الثامن عشر‬


‫لقد كشف هذا العصر على انتشار واسع لفن المسرح في معظم البلدان األوروبية وبعض من بلدان العالم‬
‫الجديد ‪ ،‬لقد شيدت في هذه الحقبة الكثير من دور المسارح‪ ،‬فمثال فرنسا وصل عدد قاعة المسرح في‬
‫منتصف القرن إلى واحد وخمسون مسرحا‪.‬‬

‫‪ 1‬إنجلترا ‪:‬‬
‫تجدر اإلشارة في هذه الحقبة إلى المسرحية التي كتبها ‪ -‬جوزيف إديسون ‪ -‬سنة ‪( 1813‬كاتو) ‪،‬وهي مأساة‬
‫كالسيكية سارت على الخطوط الفرنسية وقد أحدثت ضجة كبيرة في ذلك الوقت‪ ،‬فقد حضيت بإشادة واسعة‬
‫من طرف النقاد‪ ،‬ويرجع السبب إلى موضوعها الذي أثار قضية الحرية والتي كانت تشكل نقاشا واسعا‬
‫بسبب الوعي السياسي السائد آنذاك‪.‬‬
‫ومن بين األعمال كذلك التي لقيت صي تا واسعا مسرحية (تاجر لندن) للكاتب جورج ليلو ‪ 1839‬وهي‬
‫مستوحاة من حكاية قديمة تحكي قصة إنسان تحول من الفضيلة إلى االنحراف الخلقي بسبب وقوعه في‬
‫شراك الفتاة التي أغرم بها ‪،‬والتي دفعته إلى ارتكاب الجرائم من أجل الحصول على مكاسب مادية‪ ،‬لكن‬
‫ينتهي به المطاف بأن ي علن توبته بعد أن أرادت هذه الفتاة إغوائه بقتل عمه‪ ،‬فقد تفطن أنه كان مجرد لعبة‬
‫في يدها و من بين الذين استحسنوا وأشادوا بهذه المسرحية نجد كل من ديدرو – ليسنغ ‪ -‬شلر‪.‬‬

‫كانت األوبرا الشعرية شكال من أشكال التسلية ولعل أشهرها أوبرا ‪ -‬الشحاذ – لجون جاي ‪ -‬لقد كانت هذه‬
‫األوبرا إرهاصا لألوبرا الهزلية‪ ،‬وهو خط فني أجاد اإلنجليز السير فيه إلى حد كبير ‪ ،‬كانت المسرحية‬
‫مشوبة بنقد سياسي بارع وفي الوقت نفسه تمكنت من إرضاء األذواق‪ ،‬وذلك بما احتوت عليه من أغاني‬
‫رشيقة وواقعية تقدم صورة صادقة عن الحياة في لندن‪ ،‬لقد أشار ت المسرحية بوضوح إلى حكومة –وول‬
‫بول ‪ -‬مما دفعه ال تخاذ إجراء عنيف ضد الممارسة المسرحية وذلك بإصدار قرار ‪ 1837‬والذي بموجبه‬
‫أبقي على مسرحين اثنين في لندن (دروري لين) و (كفنت جاردن)‪.‬‬
‫برز كذالك في هذه الفترة (دافيد جاريك) ‪ ، 1879- 1817‬لقد كان أعظم ممثل آنذاك فقد أدى دورا مهما في‬
‫تطوير أساليب التمثيل‪ ،‬كما عمل كاتبا إلى جانب (جورج كلومان )و برز كذلك العديد من الممثلين منهم‬
‫(دافيد كاديك) و(سارة سييدونور) وهم كلهم من ساهموا في إحياء المسرح اإلنجليزي وشدوا اهتمام‬
‫الجمهور وذلك بفضل جمالية وقوة تفسيراتهم‪.‬‬

‫‪ 2‬فرنسا‬
‫تواصلت في بداية هذه الفترة سطوة الثالثة العظام فال زالت أعمالهم تعرض ونقصد بهم كورناي ‪ -‬راسين –‬
‫موليار – ولكن ليس بمقدور أي مسرح أن يزدهر وهو يقتات على مخلفات الماضي ‪ ،‬لقد افتقد الكتاب‬
‫الفرنسيين في مطلع هذا القرن إلى الجرأة والشجاعة لكتابة روائعهم المعاصرة‪ ،‬واكتفوا بتتبعي خطى‬
‫السابقين ‪،‬لذا أصبحوا مجرد ظالل ضعيفة لألعمال التي مضت من قبل‪.‬‬
‫ممن جسدوا روح التجريد في المسرح الفرنسي بهذه الحقبة ‪ ،‬نذكر الكاتب (ماريفو)‪ ،‬الذي كتب بصورة‬
‫رئيسية للمثليين اإليطاليين الذين أغلقت مسارحهم في نهاية القرن السابع عشر‪ ،‬مما اضطرهم لالشتغال‬
‫على مسرحيات كتبها لهم كتاب فرنسيون وأبرز هذه المسرحيات (لعبة الحب والمصادفة ) ‪Le jeu de‬‬
‫‪l’amour et du hasard- 1830‬‬
‫تميزت هذه المسرحية بدقة األسلوب ورقته ذو الطابع الفرنسي الخالص‪ ،‬كما تميزت بأسلوب خاص في‬
‫عرض األحداث ‪ ،‬حينما جعل الكاتب المشاهد مطلع على اتجاه األحداث أما الشخصيات فهي التي تجهل هذه‬
‫المجريات‪ ،‬تتمحور قص ة هذه المسرحية على تفحص الحب الصادق بين شخصية (سيلفيا) التي تتنكر في‬
‫شخصية الخاد مة و (دورنت) الذي يتنكر في شخصية خادمة ليتحقق بعد ذلك الصدق في المشاعر بغض‬
‫النظر عن الجانب الطبقي فيتأكد دورنت أن سيلفيا انجذبت إليه بسبب ذاتي وليس بسبب انتمائه الطبقي حينما‬
‫تنكر في صورة الخادم‪.‬‬

‫‪ 3‬إيطاليـــــا‪:‬‬
‫ظلت أوبرا الملهاة المرتجلة تهيمن على الجو المسرحي في إيطاليا في القرن الثامن عشر‪ ،‬لقد كانت‬
‫(الميلودراما) فرعا من المسرح (الرعوي) الذي كان ببساطة ‪،‬مسرحية تؤدى بمصاحبة الموسيقى وتكتب‬
‫لتعطي وزنا وقوة عاطفية للشعر الذي كان يلقى على خشبة المسرح ‪ ،‬وهناك نذكر الكاتب (ميتا سيتا‬
‫سيسيو) الذي كتب (أدريانو) و(رحمة تيتو)‪ ،‬هذه األخيرة استخدمت فيما بعد بنجاح كنص إلحدى أوبرات‬
‫(موزار) المسماة بنفس االسم لقد استمالت أغانيه الرائعة والبليغة الكثير من المؤلفين الموسيقيين استمالة‬
‫كبيرة‪.‬‬
‫كان إليطاليا حلم بإرساء فن مسرحي كالسيكي تنافس به فرنسا‪ ،‬ولقد قام بهذه المحاولة كل من (بييرجاكيو)‬
‫و (سيبوني ماني) و(فيتوريو أميديو ألفيري) ‪ ،‬هذا األخير كان متعصبا للقواعد الكالسيكية وبخاصة فيما‬
‫يخص الوحدات‪ ،‬مستبعدا كل ما هو ثانوي من الموضوع الرئيسي‪ ،‬لقد اقتبس أغلب أعماله من اإلغريق‬
‫معتبرا إياه النموذج الوحيد السليم للمأساة‪ ،‬إال أن معالج ته تميزت بحدة النظر و قوة الشعر‪ ،‬أهم أعماله‬
‫(اورست ‪(- )1876‬انتمون‪(- )1883‬ميرا‪)1889‬‬
‫أما بالنسبة للملهاة فيبرز اسم الكاتب (كارلو قولد وني)‪ ،‬حيث امتلك نظرة واضحة عن المسرح الذي رغب‬
‫الكتابة فيه ‪،‬كان متأثرا (بموليار) و في الوقت نفسه كان قد تذوق طعم المسرح االنجليزي المعاصر‪ ،‬كان‬
‫يستهدف إلى إعادة النظام إلى المسرح االيطالي الذي طال ما تميز بالطابع التعليمي ‪،‬لقد هاجمت‬
‫مسرحيات ‪ -‬قولدوني ‪ -‬حماقات الكائن البشري و في هذا السياق قدم العديد من االعمال أهمها (السيد صاحب‬
‫الذوق السليم ) ‪(-‬المروحة) ‪(-‬الجالد الطيب)‪ ،‬و المميز في طريقة كتابة قولدوني القوة في رسم الشخصيات‬
‫و القدرة على رسم الصورة الممتعة ألحوال مدينة البندقية ‪،‬سواء ما تعلق بالسلوكيات أو العادات ‪.‬‬

‫‪ - 4‬اسبانيا‬
‫لم يحقق المسرح االسباني انجازا يضاهي الذي حققه المسرح الفرنسي الكالسيكي باستثناء ما خلفه‬
‫كالدرون و لوب ديفيجا اللذان ابتعدا عن التقليد الصارم للكالسيكية‪ .‬إال أن هذا المسرح اتجه نحو األوبرا‬
‫االيطالية التي وصل تأثيرها إلى اسبانيا فقد كتب (رامون الكروز) هزليات كثيرة ذات طابع شعبي‬
‫تصور الحياة غي العاصمة االسبانية‪.‬‬

‫ب‪ :‬المسرح الرومانسي‬


‫بعد أن حققت الكالسيكية نجاحات كبيرة بفضل ما أبدعه روادها مثل كورناي و راسين و موليار و غيرهم‬
‫‪،‬إال أنها أضحت في النصف الثاني من القرن الثامن عشر سائرة إلى طريق الزوال و التالشي لقد وصل‬
‫هذا االتجاه إلى قمة التميز و قوة التعبير بفضل عوامل التي سبق و أن عايناها عند اليونان كون المسرح‬
‫ارتبط بالمعتقد الديني و بالنزعة القومية التي جعلتهم ينذرون إلى الشعراء المسرحيين على أنهم فالسفة‬
‫معلمون و تقوم مهمة المسرح أساسا على إحياء أنبل المثل عن الوجود اإلنساني‬
‫سمحت الثورة الفرنسية (‪ )1789‬بدخول مفهوم جديد للحرية و فتحت الباب لقومية متحمسة و اجتاحت في‬
‫طريقها النظريات القديمة فبدا نفير الرومانسية يدعو إلى إعمال التضحية العظيمة و راح اللون و الحركة‬
‫يثيران الذهن و يعبثان بالعواطف‪.‬‬

‫لم تظهر تسمية ‪ -‬أو كلمة ‪-‬الرومنسية ‪ -‬إال في سنة ‪ 1654‬في إنجلترا وكانت تعني القصة األدبية‬
‫وكانت تعني قبل ذلك في العصور الوسطى القصة الطويلة التي تصور المجتمع (العظامي األرسطوقراطي)‬
‫والتي تقوم على المغامرات البطولية والغرام العذري الشبيه بالعبادة كما شمل كذلك الورع الديني المليء‬
‫بالتضحية‪ .‬حاول الناقد األلماني شلجر‪ 1856- 1797‬تحديد الفرق الجوهري بين الكالسيكية والرومانسية‬
‫فيقول « الكالسيكية هي مذهب الحدود والقوانين الصارمة أما الرومانسية فهي مذهب الحرية واالنطالق عبر‬
‫عالم الروحانيات غير المحدود ولهذا يستوجب أن يكون الرمز إحدى أدواته‪.‬‬
‫خصائص الرومانسية‬ ‫خصائص الكالسيكية‬
‫‪ -‬االلتزام بوحدة الفكرة مع استعمال العقد الثانوية‬ ‫‪ -‬وحدة الفكرة األساسية‬
‫‪ -‬الخلط باألنواع –التراجي كوميدي‬ ‫‪ -‬وحدة النغم الفصل بين التراجيد‬
‫‪ -‬عدم االلتزام ال بوحدة المكان وال بوحدة الزمن‬ ‫والكوميديا‬
‫‪ -‬تصوير شخصيات من مختلف شرائح المجتمع‬ ‫‪ -‬االلتزام بوحدة المكان والزمان‬
‫‪ -‬الشخصية تتحكم فيها نوازعها النفسية‬ ‫‪ -‬البطل ينتمي للطبقة المرموقة من‬
‫المجتمع‬
‫‪ -‬القضاء والقدر هو الذي يتحكم في مصير‬
‫الشخصيات‬
‫على مستوى الشخصيات‬

‫‪ -‬غلبة اإلحساس والعاطفة على العقل‬ ‫‪ -‬غلبة العقل على العاطفة‬


‫‪ -‬الفرد أسبق من المجتمع‬ ‫‪ -‬المجتمع أسبق من الفرد‬
‫‪ -‬تصوير مشاهد العنف على الخشبة‪.‬‬ ‫‪ -‬عدم إقحام مشاهد العنف‬

‫إن ظهور المذهب الرومانسي كتيار فكري قائم بذاته لم يكن إال في القرن ‪ 18‬لكن الثابت أنه كانت‬
‫هناك إرهاصات سبقته فالمسرح الكالسيكي كان في بعض جوانبه يحمل ح ًسا رومانسيا المتمثل في‬
‫المواضيع من الخوارق والمعجزات التي تثير العواطف‪ ،‬أما المسرح اإلنجليزي المتمثل في مسرحيات مارلو‬
‫فقدحاول من خاللها تصوير صراع اإلنسان ونوازعه الداخلية‪ .‬لكن يبقى شكسبير أب الرومانسية نظرا‬
‫لبراعته في تصوير النوازع البشرية ‪،‬حيث صور الكثير من الشخصية التي ال تشبه الواحدة األخرى‬
‫‪ ،‬إضافة إلى ثورته على قواعد الكالسيكية القديمة‪ .‬لم يتبلور هذا االتجاه كمذهب قائم بذاته إال مع منتصف‬
‫القرن (‪ )18‬عندما ظهرت آراء (جون جاك روسو) ‪ ،‬الذي طالب بالعودة إلى حضن الطبيعة والثورة على‬
‫كل ما يقيد الروح البشرية من عادات وتقاليد‪ .‬وأتى (شلجر) فعرف شكسبير لإل نجليز على أنه زعيم‬
‫الرومانسية ومن بين أعالم الرومانسية الحديثة فيكتور هيجو)‪( ،‬ليسنغ)‪( ،‬شيلر)‪( ،‬غوته)‬

‫ألمانيا‬
‫في طليعة المسرح الرومانسي بألمانيا يرد اسم الكاتب (ليسنغ) من خالل مسرحيتي ( من سارة سمبسون) و‬
‫(اميليا قالوتيه) ‪ ،‬و إلى جانبه يذكر اسم الكاتب ( جوهان وولف جان فون جوتيه) ‪ 1832- 1749‬الذي‬
‫أبدى إعجابا كبيرا بشكسبير‪ ،‬حيث قال في إحدى محاضراته سنة ‪ " 1771‬إن أول صفحة قرأتها لشكسبير‬
‫جعلتني أسيرا مدى الحياة‪......‬لقد بدى لي أن وحدة المكان مرهقة مثل السجن أما وحدات الحدث و الزمان‬
‫فقد بدت لي قيودا ثقيلة العبء تكبل الخيال"‪.‬‬
‫لقد اكتشف (غوته) أن القواعد األرسطية الصارمة ‪ ،‬كانت عامل كبح للخيال و اإلبداع فحينما قرأ لشكسبير‬
‫اكتشف أن تجاوز هذه القيود تجعل الكاتب في فضاء رحب من اإلبداع والتميز بهذا أصبحت هذه القواعد‬
‫بالنسبة له ال معنى لها‪.‬‬
‫تعد مسرحية (أحزان ورذار الصغير) ‪1774‬سببا في جعل غوته بطل الحركة الرومانسية رغم احتوائها‬
‫على نوع من الوحشية إال أنها تحمل قدر كبير من عناصر المسرح السليم و الحيوية و مزيج بين المناظر‬
‫المأساوية و الهزلية على طريقة شكسبير‪ ،‬فقد كانت أذانا لبداية فيض كبير من األعمال ذات الطابع التاريخي‬
‫‪،‬رغم أن شهرة (غوته) ككاتب مسرحي اقل من شهرته كروائي و شاعر‪ ،‬إال أن مسرحياته كانت انطالقة‬
‫فعلية للحركة الرومانسية‪.‬‬
‫في نفس الطريق سار (جوهان كريستوف فريدريك شيلر) (‪ )1805- 1759‬فقد كانت مسرحية (لصوص‬
‫الطرقات) مسرحية مثيرة افتتح بها مسيرته األدبية سنة (‪)1781‬و تالها بمسرحية (الحب المتآمر) (دون‬
‫كارلوس) (والنستاين)و غيرها من المسرحيات و قد ختم مسيرته بعمل يصور فيه كفاح الشعب السويسري‬
‫ضد التسلط النمساوي‪ ،‬إنها معركة جماعية من اجل تحاشي االستعباد ‪ ،‬فهي ال تحمل مفهوم راقي و دفاع‬
‫بليغ عن الحرية فحسب بل هي عمل ختم به غوته مسيرته الفنية بشكل مشرق و موفق‪.‬‬
‫إلى جانب شيلر و غوته يذكر اسم (ريتشارد فاجنار‪ ، )1773- 1713‬الذي مزج بين الشعر و الموسيقى و‬
‫الفنون التصويرية و مفهوم المسرحية الموسيقية ‪،‬كان يكتب نصوص أوبراته بنفسه مستفيدا من المالحم و‬
‫األساطير األلمانية ‪ ،‬أما (كوتزبو) فقد كان أكثر شهرة من شيلر و ذلك بسبب رضوخه لذوق الجمهور‪،‬‬
‫وشكلت أعماله مصدر تأثير على المسرح االنجليزي و الفرنسي‬

‫انجلترا‬
‫ازدهرت في انجلترا األعمال ذات الطابع (الميلودرامي)‪ ،‬و التي استقطبت عددا كبيرا من الجمهور مما دفع‬
‫إلى افتتاح دور صغيرة كثيرة ‪ ،‬و في الوقت الذي بدا انخفاض في مجال الكتابة ازدهر دور الممثلين و نذكر‬
‫على سبيل المثال (ادموندكين‪ )1833- 1787‬الذي اشتهر بأدائه المتميز لشخصية (شيلوك) و (رتشارد‬
‫الثالث) و (ياغو)‪ ،‬وهنا نسجل ذلك االنفصال الواضح بين األدب و المسرح و الذي لم يستطع أن يجد لنفسه‬
‫مكانة ضمن اإلبداعات المتميز آنذاك ‪،‬حيث تحول األداء إلى ما يشبه االستعراض الشبيه بالسيرك ارضاءا‬
‫لحثالة المشاهدين‬

‫فرنسا‬
‫تعد المقدمة التي كتبها (فيكتور هيجو) لمسرحية (كروم ول) التي نشرت سنة ‪ ،1827‬المنعطف األساسي‬
‫في إرساء قواعد الرومانسية ‪ ،‬كما شكلت مسرحية (هوناني) العمل المختار إلقامة المسرح الرومانسي و‬
‫اإلطاحة بمعاقل الكالسيكية الباقية ‪ ،‬لقد تميزت بعرض األحداث التي تتجاوز الرتابة الموجودة في الواقع‬
‫بفضل ما في شعرها من قوة و جالل‬
‫إلى جانب (هيجو) نجد (الكسندر توماس)‪ ،‬حيث أبان من خالل أعماله و بخاصة مسرحية هنري الثالث و‬
‫حاشيته عن موهبة مسرحية أعظم ممن كان لمعاصريه‬

‫روسيا‬
‫قبل بزوغ فجر الوعي القومي كانت كل أنواع النشاط األدبي تميل إلى النماذج المستوردة من فرنسا و ألمانيا‬
‫و انجلترا ‪ ،‬لكن يحدث التحول عند هزيمة نابليون ‪ 1812‬التي جعلت المبدعين الروس يتجهون إلى خلق‬
‫إبداع فني أصيل و في هذا السياق نذكر أعمال الكسندر بوشكين (‪ )1837- 1799‬التي تعد أعماال روسية‬
‫من حيث الروح و تبعه في ذلك (ميخائيل لرمنتوف ‪ )1841- 18- 14‬من خالل مسرحيته ( مسكراد) التي‬
‫تحكي قصته رجل اتهم زوجته بالخيانة ثم يصاب بالجنون الن عندما يكتشف أن شكوكه ليس لها أساس من‬
‫الصحة‬
‫كما نجد اإلشارة إلى إسهامات كما تبين في جمال الملهاة و هما (الكسندر جفتين) و (نيكوالي فاسيلفتيس)‬
‫اللذان هاجما بشجاعة السلطة و المجتمع الفاسد في ذلك الوقت ‪ ،‬لقد حاوال مكاشفة الواقع المزيف الذي كانت‬
‫تعيشه روسيا من تسلط و نفاق و ضياع للقيم و غياب حسن المواطن لإلدارة ‪ ،‬انه الفساد العام الذي‬
‫استشرى في جميع مناحي المجتمع‪.‬‬
‫المحاضرة الثانية ‪ -‬الواقعية النقدية‪:‬‬

‫بدأ نجم الرومانسية يختفي وأصبح الناس يطالبون بإلحاح لرؤية مشاكلهم وحياتهم في األعمال‬
‫األدبية والفنية ألن زمن الخيال والحلم في ظل تغيرات على المستوى االجتماعي تزايدت فيها معاناة الناس‬
‫من قهر واضطهاد وصدام بين الطبقات‪ .‬وكان كتاب القصة هم رواد المذهب الواقعية من أمثال (بلزاك)‪،‬‬
‫(ستندا ل)‪( ،‬فلوبير) في المنتصف الثاني من القرن (‪ ،)18‬حيث اتجهوا نحو التصوير الواقعي للحياة‬
‫المرتبطة بظروف المجتمع‪ .‬وبالموازاة مع ذلك ظهر ما يسمى بالمذهب الطبيعي‪ .‬والفرق بينهما يكمن في‬
‫أن المذهب الواقعي كل ما هو مستوحي من الواقع االجتماعي والذي تشكله جملة من الظروف والعوامل‬
‫الخارجية والتحوالت الطارئة‪ ،‬وكذلك ما يتعارف عليه المجتمع من عرف وتقاليد في مجال األدب وما‬
‫يبتدعه في مجال الذوق العام‪ ،‬أما المذهب الطبيعي هو كل أصيل والذي لم يتأثر بالعوام‬

‫المذهب الواقعي في القصة‪:‬‬

‫ستندال‪ :‬أول زعماء المذهب الواقعي في القصة الفرنسية‪ ،‬والذي عجت حياته باألحداث‬
‫والمغامرات حيث شهد الكثير من األحداث مثل معارك نابليون ونكبة الجيش الفرنسي في روسيا‪ ،‬أشهر‬
‫قصصه (األحمر واألسود) والتي حاول من خاللها رصد الواقع والتعبير عنه بكل صدق بعيدا عن جو‬
‫الرومانسية‪.‬‬

‫بلزاك‪ :‬وصفه الناقد الكبير (سانت بيف) بأنه أعظم رجل أنجبته فرنسا على اإلطالق‪ ،‬لقد بدأ‬
‫(بلزاك) مسيرته الفنية متأثر بالرومانسية ولكنه سرعان ما استفاق من هذا التيار فكتب في االتجاه الواقعي‬
‫سلسلة رائعة سماها (الملهات اإلنسانية) والتي استوعب من خاللها الحياة الفرنسية بكل متناقضاتها فلم يترك‬
‫ص نفا في المجتمع إال وصفه أو جماعة من الجماعات إال أعطانا صورة عنها‪ ،‬من أمراء وملوك أو قادة أو‬
‫أدباء حتى الجزارين والحرفيين والفالحين نجدهم في هذه القصص‪ ،‬إنه يصف بنفس الحرارة والصدق إنه‬
‫يتغلغل في دنيا المشاعر واألسرار‪.‬‬

‫فلوبير‪ :‬يعتبر كاتب أروع قصة في األدب ال فرنسي وهي (مدام بوفاري)‪ ،‬وهي عبارة عن صورة‬
‫بارعة للريف الفرنسي وقد عبر فيها عن الطبقة البورجوازية التي نشأ فيها‪.‬‬

‫أما بالنسبة ألعالم المذهب الطبيعي في القصة الفرنسية فنذكر‪:‬‬

‫اإلخوة كروجنيف ‪ :‬هم ما ابتكر المذهب الطبيعي وحتى المذهب الرمزي‪ ،‬فقد كتبا في شتى األنواع‬
‫األدبية –القصة‪ ،‬الشعر‪ ،‬المقالة‪ .‬هذه األعمال هي وصف دقيق للحياة العامة من خالل التجربة الشخصية‬
‫والمعايشة اليومية‪ ،‬إال أنها تفتقر إلى الوحدة األدبية في موضوعاتها‪ .‬إنهم مجرد آلة كاتبة أو كاميرا تصوير‬
‫وهم يبررون ذلك أن عرضهم الوحيد في كل ما يكتبون هو توفير لألجيال القادمة أكبر قدر من الحقائق‬
‫والمستندات لتلك الفترة‪.‬‬

‫إميل زوال ‪ :‬كان كاتبا بسيطا في إحدى الصحف وبدأ محاوال لنشر بعض القصص واألشعار ثم قام‬
‫بكتابة سلسلة من القصص تناول فيها عينة من األسر الفرنسية فصور كل أفرادها تصويرا وافيا ومستفيضا‬
‫دون أن يدافع أو يبرر تصرفاتها وهو بذلك متأثر باإلخوة كروجنيف‪.‬‬

‫موبسان ‪ :‬هناك من يعتقد أن هذا الكاتب أتلف المذهب الطبيعي لمغاالته فيه إلى وصل إلى أقصى‬
‫حدوده فقد صور تلك الحقبة التي تميزت بالتكالب والرذيلة لكن كان يتوخى األسلوب الجيد والعبارات‬
‫المفخمة كما تميز أسلوبه بالسخرية اللطيفة والنقد الالذع‪.‬‬

‫هناك الكثير من يرى أن هذا المذهب يؤدي إلى دمار كل القيم الدينية والخلقية ألنهم يعرض عينات‬
‫بشرية وقد اجتمعت فيهم كل الرذائل والموبقات والتي تتجاوز كل الشرائع السماوية وكل سنن الطبيعة‪.‬‬
‫والمالحظ في هذا األمر أن جل كتاب هذا المذهب كانوا أناس غير أسوياء فهناك من جن وهناك من انتحر‬
‫وفيهم من كان مدمنا‪.‬‬

‫ولكن هناك من استطاعوا أن يكونوا متوازنين واستطاعوا أن يحققوا كتابات ثرية ومهمة أمثال‬
‫تشكوف الكاتب الروسي الذي عبر من خالل مسرحياته (الشقيقات الثالث)‪( ،‬النورس)‪ ،‬وغيرها عن طبيعة‬
‫المجتمع الروسي الذي كان برزخ تحت حكم القياصرة‪ ،‬مجتمع كان يعاني الفقر والجوع والجمود‪ ...‬فحاول‬
‫تشكوف تصوير الواقع بكل صدق وحرفية لكن شعبية تشكوف جاءت متأخرة ألن معاصريه شككوا في القيم‬
‫الفنية ألعماله لكن في العصر الحديث لقيت هذه األعمال رواجا كبيرا‪.‬‬

‫أندري أنطوان والمسرح الحر‪1887 :‬‬

‫جمع حوله عدد كبير من الممثلين والمؤلفين الشباب إلخراج أربع مسرحيات من المذهب الطبيعي‬
‫كما عرض بعض أعمال (تشكوف)‪ ،‬و(ستندبرج)‪ ،‬و(زوال) وكان المسرح الحر بمثابة مخبر لتخريج‬
‫الكتاب‪ .‬وحذا حذوه كل من (قرين) في انجلترا و(أتوبرهام)‪( ،‬ومكسمليان هارون) في ألمانيا ولكن بقي هذا‬
‫المسرح مسرحا خاصا بفئة معينة ومنع في الكثير من األحيان من عرض أعماله‪.‬‬

‫أما بالنسبة لكتاب الواقعية‪ ،‬فظهرت نتيجة تلك التحوالت العميقة التي حدثت في المجتمع األوروبي‬
‫الحديث بعد قيام الثورة الفرنسية واضمحالل الطبقة النبيلة وظهور الطبقة البرجوازية وبروز األنظمة‬
‫السياسية الجديدة الديمقراطية واالشتراكية إلى جانب ما جلبه النظام الرأس مالي من فساد واستغالل لطبقة‬
‫العمال البسطاء‪.‬‬

‫ابسن رائد الواقعية في المسرح ‪:‬‬

‫يعد ابسن من أعظم كتاب الواقعية ‪،‬فقد كان الصرخة المدوية والمناهضة لتلك الظروف االجتماعية‬
‫والسياسية و ا لتقاليد الجامدة التي ورثها المجتمع األوروبي من الفترات القديمة ‪،‬ومن بين أعماله‬
‫(اإلمبراطور والجاليلي)‪( ،‬بيت الدمية)‪( ،‬األشباح) وتميُز ابسن جاء من منطلق قدرته على مزاوجة التعبير‬
‫الصادق عن الظروف الخارجية وما بين أعماق شخصياته‪.‬‬

‫إنه بحق إمام المدرسة الواقعية في المسرح الحديث‪ ،‬رغم أن الحس الواقعي في المسرح قديم قدم‬
‫هذا الفن فمسرحيات (يوربيدس) ومالهي (أرسطو فانيس) و(مينادر) كانت تعبر كلها عن الواقع اليوناني‬
‫في تلك الفترة‪ ،‬حتى موليار الذي ينتمي إلى الكالسيكية الجديدة لم يخلوا مسرحه من التعبير الواقعي‪ ،‬واألمر‬
‫نفسه ينطبق على (ديدرو) كلهم أخذوا على عاتقهم السخرية من مبدأ سياسي أو تقليد سخيف في مجتمعهم‪.‬‬

‫بدأ ابسن حياته الفنية بسلسلة من الروايات العاطفية الرومانسية ‪،‬لكنه سرعان ما انتهج منهج التعبير‬
‫الواقعي من خالل الكتابة النثرية في المسرح‪ ،‬طارحا المشاكل االجتماعية بكل موضوعية ‪،‬دافعا المتفرج‬
‫إلى إعادة النظر في كل األفكار االجتماعية التقليدية بل أوضاع الحياة ككل‪ ،‬حتى الموروثات الروحية‪ ،‬كما‬
‫هاجم (ابسن) كل النظم السياسية التي تحمي المجرمين وتبرر جرائمهم التي ترتكب في حق المستضعفين‪.‬‬

‫بطبيعة الحال ال توجد قفزات في الفن بل هناك تطور في مسيرة كل مبدع والتي تتحكم فيها جملة‬
‫من الظروف والمعطيات‪ .‬لقد كتب ابسن في بداية مشواره فيما يسمى بالواقعية االجتماعية‪ ،‬وقد مهد لهذه‬
‫الفترة من خالل مسرحية (اإلمبراطور والجاليلي) مزج فيها بين األهداف التاريخية والتجربة الداخلية‪،‬‬
‫(اإلمبراطور) شخصية طم وحة بشكل غير متناهي وهي تريد أن تمتلك العالم وربما كانت هذه المسرحية‬
‫نبوءة بظهور شخصية مثل (هتلر)‪ ،‬إضافة إلى محاولة إبراز خالل هذه المسرحية الرموز التي تحمي النظم‬
‫والتي تظهر ما ال تبطن ومنهم رجال الدين (القس مندوز)‬

‫أما مسرحية البطة البرية فتعتبر التحول في نمط الكتابة المسرحية عند هذا الكاتب والتي تسمى‬
‫بمرحلة الواقعية النفسية التي تجبر كل مشاهد على محاسبة نفسه واالنسالخ عن المجتمع‪ ،‬إنها محاولة‬
‫لتحليل السلوكات الفردية المرتبطة بالدوافع النفسية‪.‬‬
‫تبدو هذه المسرحية أول األمر وكأنها تحمل موضوع سياسي لكن سرعان ما تكشف عن اتجاه‬
‫آخر ‪ ،‬فهي محاولة لتتبع المسار الروحي والنفسي ألبطال هذه المسرحية (روزمر) (وبيكا) فكلتا‬
‫الشخصيتين تحمل نوعا من الرمزية الموحية والتي تعبر عن الحرية التي تخلو من األخطاء‪.‬‬

‫كانت إلبسن طريقة خاصة في تصوير شخصياته‪ ،‬فهو يركز بشكل كبير على وصف شخصياته من‬
‫الناحية الفيزيولوجية‪ ،‬لذلك نجده يكثر من الشروحات فهو يصف شخصياته في أدق التفاصيل المتعلقة‬
‫بمظهرها الخارجي ألنه يؤمن بأن البعد الفيزيولوجي له عالقة مباشرة مع الطبيعة النفسية‪ ،‬إضافة إلى ذلك‬
‫فإن دقة تصويره لشخصياته هي نتاج لخبرته الغنية والمعاشرة المستمرة لشخصياته ‪،‬حيث يقول‪ :‬كنت أكتب‬
‫في العمل الواحد ثالث مسودات‪ ،‬في المسودة األولى أعرف عن شخصياتي كما يعرفه أي شخص عن أناس‬
‫التقي بهم في الطريق‪ ،‬أما في المسودة الثانية فاعرف عن شخصياتي كما يعرفه شخص عن أشخاص التقي‬
‫به في القطار وأجالسهم لساعات‪ ،‬أما في المسودة الثالثة فقد وقعت في الجد من المعرفة إني أعرف‬
‫شخصياتي ولن يخذلوني‬

‫هناك من يجد في الشخصية البطلة‪ ،‬في مسرحية "بيت الدمية" أنها شخصية سلبية ورجعية‪ ،‬لكن هذا‬
‫النقد الذي وجه إليها لم يكن نقدا موضوعيا‪ ،‬ألنها شكلت بحق ذلك النمو المستمر للشخصية الدرامية‪،‬‬
‫"نورة" تحولت من زوجة ال تعرف إال الطاعة واالنصياع كانت تبدو كالدمية التي ال عقل لها إلى امرأة‬
‫تغادر بيتها بدافع الحرية‪ ،‬لكن الشيء الذي يعيب هذه الشخصية أن هذه الحرية وهذه الثورة كانت على‬
‫حساب عالمها الصغير –األسرة ‪ -‬لقد كان ثمنا غاليا‪ ،‬لقد تخلت عن أطفالها دون أن تهتم لمصيرهم‬
‫لمصيرهم‪ ،‬في هذه المسرحية ال يبدو أن إبسن نصب نفسه مدافعا عن قضية المرأة وحريتها‪ ،‬لكن فعل‬
‫ذلك بدافع إنساني يصدر عن فنان مرهق الحس والوجدان‪.‬‬
‫أما مسرحية "األشباح" فجاءت‪ ،‬كردة فعل لتلك االنتقادات التي وجهت ألعماله السابقة كما أنها تحمل‬
‫ذلك المضمون النقدي الذي يرفض األخالقيات البرجوازية المتعفنة‪ ،‬فالحياة الفاسدة ال تأتي إال بحصيلة‬
‫فاسدة‪ ،‬بسبب ذلك رفضت الكثير من المسارح عرض هذه المسرحية‪ ،‬باستثناء مسرح واحد هو مسرح‬
‫"ستوكهولم‪.‬‬
‫ثم كتب إبسن مسرحية عدو الشعب‪ ،‬وبعد ذلك حدث تحول عميق وبارز في المبنى العام للكتابة‬
‫المسرحية عند "إبسن" فانطالقا من البطة البرية‪ ،‬واألعمال التي جاءت بعدها‪ ،‬اتخذ من المنهج‬
‫االستقصائي النفساني الصرف‪ ،‬كأسلوب للكتابة‪ ،‬إنه يجبر كل مشاهد على محاسبة نفسه وال االنسالخ‬
‫عن المجتمع‪.‬‬
‫كان اهتمام الجيل الراديكالي يرتكز على البيولوجيا وعلى قضية المرأة وتحرير الفرد سياسيا وفلسفيا‪،‬‬
‫وبعد مجيء الرمزية أصبحت الغلبة للنفساني على البيولوجي‪ ،‬وكال من القارئ والمشاهد يشغفه‬
‫الغموض‪ ،‬وفي نوع من التناقض الظاهر نجد أن علم النفس في الوقت الذي أعلن ذاته علما مستقال راح‬
‫يدرس أغوار الضمير وأع راض الشخصية وبذلك جعل جمهور الشعراء والمفكرين يتساءلون حول تعليل‬
‫األفعال اإلنسانية على الوجه الذي كان يتصوره المسرحي الكالسيكي ‪،‬لقد عمل كل من "ستندبرج"‬
‫و"إبسن"‪ ،‬في اتجاه واحد لكن إبسن كان هو المبدع في المنهج الجديد فلم يعد ينساق الى تيارات عصره‪،‬‬
‫بل انطلق كرائد في مقدمة الطليعة‪ (،‬فسيجموند فرويد) كان معجبا جدا "بروزمر هولم" وهي إحدى‬
‫شخصيات مسرحيات إبسن‪ ،‬وقد حللها ببالغ التقدير والفكر‪.‬‬
‫في بداية مسرحية "بروزمر هولم" يبدو وكأننا نشاهد مسرحية سياسية‪ ،‬لكن ال نلبث حتى يتبين لنا أن‬
‫مركز ثقل الرواية هو في محل آخر‪ ،‬انه تطور وتحول شخصية "ريبيكا النفسي ‪ ،‬ومسار" روزمر‬
‫هولمارص" الروحي‪.‬‬
‫وقد كانت المرحلة األخيرة من نتاج "إبسن" تعبر عن خبرة واسعة عبر الدراما االجتماعية‪ ،‬التي تعمق‬
‫من خاللها في النفس البشرية بروح شعرية قوية ‪،‬والتي يغلب عليها طابع الرمز وتنم على قوة إبداعية‬
‫فذة‪ ،‬ألنها تجمع بين المتناقضات‪ ،‬الحب والسياسة فمسرحية "روزمر هولم" هي قصة شخصية لها مكانة‬
‫مرموقة ‪ ،‬باإلضافة إلى كونه رجل دين –قس ‪ -‬يعيش في عزلة تامة مع صديقة زوجته‪ ،‬وهذه العزلة كان‬
‫سببها انتحار زوجته "بيتا"‪ .‬ع ند تتبع الشخصيتين فيبدو أنهم هجروا الدين والتراث بحثا عن التحرر‬
‫االجتماعي‪ .‬لكن فيما بعد يكتشف "روزمر" حقيقة مرعبة‪ ،‬فقد انتحرت من أجله عندما علمت أنه هو‬
‫و"ريبيكا" صديقتها تجمعهما عالقة عاطفية وفي النهاية تقف كل الشخصيتين "روزمر" و"ريبيكا" بنبل‬
‫ال مثيل له‪ ،‬ل يحاكما نفسيهما ألن الخطيئة تلبسها فيسيران نحو الطاحونة المكان الذي انتحرت فيه "بيتا"‬
‫فينتحر "روزمر" للصدق والنبإلن كلتا الشخصيتين حملتا نوعا من الرمزية الموحية التي تعبر عن‬
‫الحرية التي ال تخلوا من األخطاء‪ ،‬وهذا المعنى تمثله شخصية "ريبيكا" أما "روزمر" فيمثل صراع‬
‫اإلنسان مع نفسه ومع عالمه الخارجي‪ ،‬فرغم أنه اختار العزلة واختزل العالم إال أنه وجد في عالمه‬
‫الجديد حقيقة أكثر رعبا من حقيقة العالم الخارجي‪ ،‬فال يبدو أن الخلل يكمن في تلك القيم إنما في نسيج‬
‫العالقة اإلنسانية التي ال تسير بتوازي مع تلك القيم اإلنسانية الخالصة‪.‬‬
‫وحين نحاول تتبع السمات التي تميزت بها شخصيات "إبسن" فأول ما نقف عنده‪ ،‬هو ذلك الرسم الدقيق‬
‫والوافي لهذه الشخصيات فقد كان إبسن ينفرد بها ويعاشرها أسابيع وشهور كانت تتجسد أمامه شخصية‬
‫"نورة" في أدق تفاصيلها‪ ،‬حتى الثوب الذي يجب أن ترتديه كان يفحص شخصيا ته بتمحيص شديد‪.‬‬
‫هاهو يصف "هيدا علبر"‪ :‬دخلت من اليسار‪ ،‬إنها سيدة في العشرين لوجهها وقدمها رقةورفعة بشرتها‬
‫شاحبة وسحنتها غير المعة‪.‬‬
‫من خالل هذا الوصف الدقيق يحاول إبسن إبراز ذلك التوازي بين مظهر الشخصية المادي‪ ،‬وبين موقفه‬
‫المعنوي‪ ،‬حتى أسماء شخصياته كان يختار ها بعناية فائقة‪ ،‬فقد كانت تحمل مدلوالت معينة مثال "ألفينغ"‬
‫ابن جن الفضاء‪ ،‬إنه يرتبط بفكرة الخفة والالمباالة والطيش‪ ،‬أما "ربيكا" تعني في الكتاب المقدس‬
‫شخصية ماكرة‪ ،‬هكذا كانت تتضح صور الشخصيات في ذهن هذا المبدع‪ ،‬في مظهرها الجسماني‬
‫وأسلوب حديثها‪ ،‬حتى االسم يج ب أن يجسد ضمنيا بعض صفاتها‪ ،‬وبهذا تكون الشخصية "اإلبسنية" قد‬
‫اكتسبت وجودا ذاتيا‪ ،‬هذا الوجود المادي هو الذي يكشف عن آالمها الذي قبلت به وتضاعف بسبب‬
‫إخالصها لنفسها ولمكانتها وللقيمة اإلنسانية‪ ،‬إنها شخصيات ال تعاني العزلة عن اآلخرين فحسب بل عن‬
‫الماضي والحاضر والمستقبل ‪ ،‬إنها تمثل اندحار اإلنسان أمام قوى الشر لكن هذا الفناء يحمل دائما بذور‬
‫التطهير‪ ،‬يموت الجسد ويبقى الجوهر‪.‬‬
‫تمكن إبسن وبكل براعة أن يجعل عناصر النسق الدرامي تتداخل فيما بينها محدثة وحدة كلية في انسجام‬
‫تام "فالفعل لم يلعب دورا ثانويا بالنسبة للشخصية‪ ،‬فهو ال يهتم بتراكم المعلومات عن الشخص بقدر‬
‫اهتمامه بالكشف عن حقيقة عظيمة فيه بومضة درامية صاعقة ‪ ،‬لكن في المقابل ال تلعب الشخصية‬
‫دورا ثانويا بالنسبة للفعل‪ ،‬فكل العنصرين قد بني بتناسق تام‪.‬‬
‫إلى جانب ذلك لعبت الشخصيات الثانوية دورا مهما في مسرح إبسن فهي تساعد على إضفاء مزيد من‬
‫روح التهكم لتتحول إلى السخرية القاسية الس نابعة من الواقع الدرامي نفسه‪.‬‬

‫المصادر و المراجع‬

‫‪ - 1‬أنيكست‪ ،‬تاريخ دراسة الدراما نظرية الدراما من هيجل إلى ماركس‪ ،‬ترجمة ضيف هللا مراد‪ ،‬منشورات وزارة الثقافة‬
‫المعهد العالي للفنون المسرحية‪ ،‬سوريا‪ ،‬دمشق ‪2000‬‬

‫‪- 2‬تشيلدون تشيني‪ ،‬تاريخ المسرح في ثالثة أالف سنة‪ ،‬ترجمة دريني خشبة‪ ،‬ج‪ ،2‬المؤسسة المصرية العامة للتأليف‬
‫والترجمة والطباعة والنشر‪ ،‬القاهرة‪( ،‬د ت)‪،‬‬
‫‪ - 3‬إيريك بنتلي "الحياة في الدراما"‪ ،‬تر‪ /‬جبرا إبراهيم جبرا‪ ،‬المكتبة العصرية صيدا‪ ،‬لبنان‪1968 ،‬‬

‫‪ . 4‬األرديس نيكول‪ :‬علم المسرحية‪ ،‬ترجمة ريني حبشة‪ ،‬مكتبة اآلداب‪ ،‬مصر (د‪.‬ت)‬

‫‪ . 5‬رياض عصمت‪ :‬البطل التراجيدي في المسرح العالمي‪ ،‬دار الطليعة‪ ،‬بيروت‪. 1980 ،‬‬

‫‪- 7‬االرديس نيكول المسرحية العالمية ‪ ،‬تر‪ /‬عبد هللا عبد الحافظ متولي‪،‬ج‪،3‬هال للنشر والنتوزيع ‪2000-‬‬

‫‪ - 8‬فيكتورهيج و مقدمة كرامويت‪،‬تر‪/‬علي نجيب ابراهيم دار الينابيع للطباعة والنشر و التوزيعدمشق ‪1994‬‬

‫‪ - 9‬اليوس أجري‪ :‬فن كتابة المسرحية‪ ،‬تر‪ /‬دريني خشبة‪ ،‬مكتبة األنجلومصرية‪ ،‬القاهرة‪.‬‬

‫‪ .- 10‬مارتن أسلن‪ :‬تشريع الدراما‪ ،‬تر‪ /‬يوسف عبد المسيح ثروت‪ ،‬منشورات وزارة الثقافة والفنون‪ ،‬ط ‪. 1978‬‬

‫‪ - 11‬مارغن كارليسون‪ ،‬نظريات المسرح‪ ،‬عرض نقدي تاريخي من اليونان إلى الوقت الحاضر‪ ،‬تر وجدي زيد‪ ،‬مكتبة‬
‫األنجلو مصرية‪1997 ،‬‬

‫‪ 12-‬موريس غرافيه‪" :‬إبسن"‪ ،‬تر‪/‬صالح الدين برمول‪ ،‬منشورات وزارة الثقافة‪1985 ،‬‬

‫يتبع بمحاضرات أخرى وفق البرنامج‬

‫تحياتي األخوية‬

You might also like