Professional Documents
Culture Documents
عثمان بن عفان
عثمان بن عفان
مقدمة.
المبحث األول :عثمان بن عثمان وجمع القرءان والفتوحات الذي قامت في
عصره.
المطب األول :التعرف على عثمان بن عفان.
خاتمة.
مقدمة.
كانت دولة الخالفة الراشدة مقسمة إلى عدة واليات ذات حدود غير ثابتة ،فقد كانت تتغير
بين الحين واآلخر وفق توسع الدولة .واختلفت سياسات الخلفاء الراشدين وطرق تعاملهم
م ع ش ؤون الدول ة فيم ا بينهم ،فك انت لك ل منهم مع اييره الخاص ة في انتق اء ال والة والعم ال
على أق اليم الدول ة ،وق د ج اء أم ير المؤم نين عثم ان بن عف ان رض ي اهلل عن ه ،ف أعلن من ذ
اللحظ ات األولى الس تخالفه ،وه و ال ي زال على المن بر يتلقى البيع ة من الن اس ،أن حكم ه
حكم هداية وعدل ،وقد ظهر هذا جليا في تعامله مع والته فكم كان حريصا على تذكيرهم
بالرفق بالرعية وتخويفهم من عقاب اهلل تعالى ويحذرهم من ظلم الناس ويوصيهم بتقوى
اهلل ،ومن خالل الرسائل محل الدراسة تبينت سياسته تجاه والته حيث كان رضي اهلل عنه
سهال ،ورعا متواضعا ال تأخذه لومة الئم وكان يشاور والته ويكن لهم االحترام حتى بعد
ع زلهم وق د تم في ه ذا المق ال ع رض بعض رس ائل الخليف ة ال تي تعطي ول و لمح ة بس يطة
عن كيفية تعامله معهم متبعة في ذلك خطة بسيطة حيث تطرقت فيها إلى ثالثة عناصر ،
فكان األول منهم رسائل الخليفة الخاصة بحث وتوصية الوالة للرفق بالرعية أما الثاني فق د
تعرض ت في ه إلى الرس ائل الخاص ة بتولي ة وع زل ال والة في عه ده رض ي اهلل عن ه وم دى
حرص ه على انتق اء ال والة ذوي كف اءة وحس ن خلق لتمثيل ه على مس توى الوالية ،ومن هنا
نط رح التس اؤل الت الي :من ه و عثم ان بن عف ان وم ا أب رز أعمال ه وكي ف ك انت خالفت ه
ووالياته؟
المبحث األول :عثمان بن عثمان وجمع القرءان والفتوحات الذي قامت في
عصره.
المطب األول :التعرف على عثمان بن عفان.
ثالث الخلفاء الراشدين ،وأحد العشرة المبشرين بالجنة ،ومن السابقين إلى اإلسالم .يكنى ذا
النورين ألنه تزوج اثنتين من بنات نبي اإلسالم محمد ،حيث تزوج من رقية ثم بعد وفاتها
تزوج من أم كلثوم.
ك ان عثم ان أول مه اجر إلى أرض الحبش ة لحف ظ اإلس الم ثم تبع ه س ائر المه اجرين إلى
أرض الحبش ة .ثم ه اجر الهج رة الثاني ة إلى المدين ة المن ورة .وك ان رس ول اللَّه يث ق ب ه
ويحبه ويكرمه لحيائه وأخالقه وحسن عشرته وما كان يبذله من المال لنصرة المسلمين
وبش ره بالجن ة ك أبي بك ر وعم ر وعلي وبقي ة العش رة ،وأخ بره بأن ه
وال ذين آمن وا باهللّ ،
سيموت شهيداً.
تم في عهده جمع القرآن وعمل توسعة للمسجد الحرام وكذلك المسجد النبوي ،وفتحت في
عهده عدد من البلدان وتوسعت الدولة اإلسالمية ،فمن البلدان التي فتحت في أيام خالفته
أرميني ة وخراس ان وكرم ان وسجس تان وإ فريقي ة وق برص .وق د أنش أ أول أس طول بح ري
إسالمي لحماية الشواطئ اإلسالمية من هجمات البيزنطيين .في النصف الثاني من خالفة
عثمان التي استمرت لمدة اثنتي عشرة سنة ،ظهرت أحداث الفتنة التي أدت إلى اغتياله.
-الكامل في التاريخ ،تحقيق :عمر عبد السالم ،دار الكتاب العربي ،بيروت1417 ،هـ 1997 -م ،ص.60 1
وك ان ذل ك في ي وم الجمع ة المواف ق 12من ش هر ذي الحج ة س نة 35هـ ،وعم ره اثنت ان
2
وثمانون سنة ،ودفن في البقيع بالمدينة المنورة.
في عهده انتشر اإلسالم في بالد كبيرة وتفرق الصحابة مما أدى إلى ظهور قراءات
متعددة وانتشرت لهجات مختلفة فكان الخوف من اختالف كتابة القرآن وتغير لهجته،
فجمع عثمان المسلمين على لغة قريش أي لهجة قريش وهي لهجة العرب.
عن أنس بن مالك« :أن حذيفة بن اليمان قدم على عثمان وكان يغازي أهل الشام في فتح
أرمينية وأذربيجان مع أهل العراق ،فأفزع حذيفة اختالفهم في القراءة ،فقال حذيفة
لعثمان :يا أمير المؤمنين ،أدرك هذه األمة قبل أن يختلفوا في الكتاب اختالف اليهود
والنصارى ،فأرسل عثمان إلى حفصة أن أرسلي إلينا بالصحف ننسخها في المصاحف ثم
نردها إليك ،فأرسلت بها حفصة إلى عثمان ،فأمر زيد بن ثابت ،وعبد اهلل بن الزبير،
وسعيد بن العاص ،وعبد الرحمن بن الحارث بن هشام فنسخوها في المصاحف ،وقال
عثمان للرهط القرشيين الثالثة :إذا اختلفتم أنتم وزيد بن ثابت في شيء من القرآن فاكتبوه
بلسان قريش ،فإنما نزل بلسانهم ،ففعلوا حتى إذا نسخوا الصحف في المصاحف ،رد
عثمان الصحف إلى حفصة ،فأرسل إلى كل أفق بمصحف مما نسخوا ،وأمر بما سواه من
3
القرآن في كل صحيفة أو مصحف أن يحرق.
جم ع عثم ان المه اجرين واألنص ار وش اورهم في األم ر ،وفيهم ع دد من أعالم وعلم اء
الص حابة ،وفي طليعتهم علي بن أبي ط الب .وع رض عثم ان ه ذه المس ألة وناقش هم فيه ا
فأج ابوه إلى رأي ه ،وظه ر للن اس في أرج اء األرض م ا انعق د علي ه إجم اعهم ،فلم يع رف
4
يومئذ لهم مخالف.
- 2النهاية في غريب الحديث ،تحقيق :طاهر أحمد وآخرون ،المكتبة العلمية للنشر ،بيروت1399 ،هـ 1979 -م ،ص.42
- 3أسد الغابة ،تحقيق :علي محمد معوض وعادل أحمد عبد الموجود ،دار الكتب العلمية1415 ،هـ ،1994 -ص.16
- 4الكامل في التاريخ ،تحقيقـ :عمر عبد السالم ،دار الكتاب العربي ،مرجع سابق ،ص.63
قال ابن التين« :الفرق بين جمع أبي بكر وجمع عثمان أن جمع أبي بكر كان لخشيته أن
يذهب شيء من القرآن بذهاب حملته .ألنه لم يكن مجموعا في موضع واحد ،فجمعه في
مرتب ا آلي ات س وره على م ا وقفهم علي ه الن بي .وجم ع عثم ان ك ان لم ا ك ثر
ص حائف ً
االختالف في وجوه القراءة حتى قرؤوه بلغاتهم على اتساع اللغات ،فأدى ذلك إلى تخطئة
بعض هم البعض ،فخش ى من تف اقم األم ر في ذل ك فنس خ تل ك الص حف في مص حف واح د
مرتبا لسوره ،واقتصر في سائر اللغات على لغة قريش محتج اً بأنه نزل بلغتهم ،وإ ن كان
ً
قد وسع في قراءاته بلغة غيرهم ،دفع اً للحرج والمشقة في ابتداء األمر ،فرأى أن الحاجة
5
قد انتهت ،فاقتصر على لغة واحدة.
لما فرغ عثمان من جمع المصاحف أرسل إلى كل أفق بمصحف ،وأمرهم أن يحرقوا كل
مصحف يخالف المصحف الذي أرسله إلى اآلفاق ،وقد اختلفوا في عدد المصاحف التي
فرقها في األمصار ،فقيل :إنها أربعة وهو الذي اتفق عليه أكثر العلماء ،وقيل إنها خمسة،
وقي ل إنه ا س تة ،وقي ل إنه ا س بعة ،وقي ل إنه ا ثماني ة .وأم ا كونه ا ثماني ة ،ف إن الث امن ك ان
لعثمان يقرأ فيه ،وهو الذي قتل وهو بين يديه.
في خالف ة عثم ان فتحت العدي د من البل دان وتوس عت الدول ة اإلس المية ،فق د فتحت في أي ام
خالفت ه أرميني ة وخراس ان وكرم ان وسجس تان وإ فريقي ة وق برص .وق د أنش أ أول أس طول
بح ري إس المي لحماي ة الش واطئ اإلس المية من هجم ات البيزنط يين ،بع د مقت ل عم ر بن
الخطاب تشجع أعداء اإلسالم وخصوصا في بالد الفرس والروم إلى العمل على استرداد
السيطرة في تلك البالد ،فبدأ يزدجرد ملك الفرس يخطط في العاصمة التي يقيم فيها وهي
مدين ة فرغن ة عاص مة س مرقند ،وأم ا زعم اء ال روم فق د ترك وا بالد الش ام وانتقل وا إلى
القسطنطينية العاصمة البيزنطية ،وبدؤوا في البحث عن الوسائل التي تمكنهم من استرداد
- 5الكامل في التاريخ ،تحقيقـ :عمر عبد السالم ،دار الكتاب العربي ،مرجع سابق ،ص.65
ملكهم .وك انوا ق د تحص نوا باإلس كندرية في عه د عم ر بن الخط اب 6،فطلب عم رو بن
الع اص من ه أن ي أذن بفتحه ا ،وك انت مع ززة بتحص ينات كث يرة وك انت المج انيق ف وق
أس وارها ،وك ان هرق ل ق د ع زم أن يباش ر القت ال بنفس ه وال يتخل ف أح د من ال روم؛ ألن
اإلس كندرية هي معقلهم األخ ير .وفي عصر عثم ان تجم ع ال روم في اإلس كندرية ،ونقضوا
الص لح واس تعانوا بق وة ال روم البحري ة ،ك انت المعس كرات في عه د عثم ان تت وزع في
عواص م األقط ار الك برى ،فمعس كر الع راق مرك زه الكوف ة والبص رة ،ومعس كر الش ام في
دمش ق ،ومعس كر مص ر مرك زه الفس طاط ،وك انت ه ذه المعس كرات تق وم بحماي ة الدول ة
اإلسالمية كما تعمل على مواصلة الفتوحات ،ونشر اإلسالم.
فتوحات أهل الكوفة :كانت مغازي أهل الكوفة الري وأذربيجان ،وكان يرابط بها عشرة
آالف مقات ل؛ س تة آالف بأذربيج ان ،وأربع ة آالف ب الري ،وك ان جيش الكوف ة العام ل
أربعين ألف مقاتل ،يغزو كل عام منهم عشرة آالف .ولما أخلص عثمان الكوفة للوليد بن
عقبة انتفض أهل أذربيجان ،فمنعوا ما كانوا قد صالحوا عليه حذيفة بن اليمان أيام عمر،
وثاروا على واليهم عتبة بن فرقد السلمي ،فأمر عثمان الوليد بن عقبة أن يغزوهم ،فأسرع
إليه أهل أذربيجان طالبين الصلح على ما كانوا صالحوا عليه حذيفة ،فأجابهم الوليد وأخذ
طاعتهم ،وبث فيمن حولهم السرايا وشن عليهم الغارات ،فبعث عبد اهلل بن شبيل األحمسي
في أربعة آالف إلى أهل موقان والببر الطيلسان ،فأصاب من أموالهم وغنم وس بي ،ولكنهم
تح رزوا من ه فلم يف ّل ح َّدهم ،ثم جه ز س لمان بن ربيع ة الب اهلي في اث ني عش ر ألف ا إلى
أرميني ة فأخض عها وع اد منه ا مليء الي دين بالغن ائم ،وانص رف الولي د بع د ذل ك عائ داً إلى
7
الكوفة.
ولكن أه ل أذربيج ان تم ردوا أك ثر من م رة ،فكتب األش عث بن قيس والي أذربيج ان إلى
الولي د بن عقب ة فأم ده بجيش من أه ل الكوف ة ،وتتب ع األش عث الث ائرين وه زمهم هزيم ة
- 6أبو حنيفة أحمد بن داود الدينوري (المتوفى 282 :هـ) :األخبار الطوال ،تحقيق :عبد المنعم عامر ،دار إحياء الكتب العربي للنشر ،القاهرة ،ط
،1،1960ص.14
- 7أبو الفداء عماد الدين(المتوفى732 :هـ) :المختصر في أخبار البشر ،المطبعة الحسينية المصرية للنشر ،ط، 1دت ،.ص.19
منك رة ،فطلب وا الص لح فص الحهم على ص لحهم األول ،وخ اف األش عث أن يعي دوا ال َك َّرة
فوضع حامية من العرب وجعل لهم عطايا وسجلهم في الديوان ،وأمرهم بدعوة الناس إلى
اإلس الم .ولم ا ت ولى أم رهم س عيد بن الع اص ع اد أه ل أذربيج ان وتم ردوا على ال والي
الجديد ،فبعث إليه جرير بن عبد اهلل البجلي فهزمهم وقتل رئيسهم ،ثم استقرت األمور بعد
أن أسلم أكثر شعبها وتعلموا القرآن الكريم .وأما الري فقد صدر أمر الخليفة عثمان إلى
أبي موس ى األش عري وفي وقت واليت ه على الكوف ة ،وأم ره بتوجي ه جيش إليه ا لتمرده ا،
فأرس ل إليه ا قريظ ة بن كعب األنص اري فأع اد فتحه ا.عن دما انتهى الولي د بن عقب ة من
مهمته في أذربيجان وعاد إلى الموصل جاءه أمر من الخليفة عثمان نصه« :أما بعد ،فإن
إلي يخ برني أن ال روم ق د أجلبت (تجمعت للح رب) على
معاوي ة بن أبي س فيان كتب َّ
المس لمين بجم وع عظيمة ،وق د رأيت أن يم دهم إخ وانهم من أه ل الكوفة ،فإذا أت اك كتابي
ه ذا ف ابعث رجال ممن ترض ى نجدت ه وبأس ه وش جاعته وإ س المه في ثماني ة آالف أو تس عة
آالف أو عش رة آالف إليهم من المك ان ال ذي يأتي ك في ه رس ولي ،والس الم» فق ام الولي د في
الن اس ،فخطب فيهم ح تى خ رج ثماني ة آالف رج ل من أه ل الكوف ة ،فمض وا ح تى دخل وا
وأه ل الش ام إلى أرض ال روم ،وعلى جن د أه ل الش ام ح بيب بن مس لمة بن خال د الفه ري،
وعلى جن د أه ل الكوف ة س لمان بن ربيع ة الب اهلي ،فش نوا الغ ارات على أرض ال روم،
8
فأصاب الناس ما شاؤوا من سبي ،وملؤوا أيديهم من المغنم ،وافتتحوا بها حصونا كثيرة.
فتوح33ات ح33بيب بن مس33لمة الفه33ري :بع د أن ق ام ال روم على المس لمين أول خالف ة عثم ان،
وكتب عثمان إلى الوليد بن عقبة بالكوفة أن يمد إخوانه بالشام ،فأمدهم بثمانية آالف عليهم
س لمان ابن ربيع ة الب اهلي ،فانتص ر المس لمون .وك ان ال روم وال ترك ق د تجمع وا لمالق اة
المس لمين ال ذين غ زوا أرميني ة ،وك ان على المس لمين ح بيب بن مس لمة ،ف رأى أن يب اغت
قائدهم الموريان ليالً ،فسمعته امرأته أم عبد اهلل بنت يزيد الكلبية ،فقالت« :فأين موعدك؟»
- 8أبو هالل العسكري (المتوفى :نحو 395هـ) :األوائل ،دار البشير ،طنطا ،ط ،1408 ، 1ص.79
ق ال« :س رادق الموري ان أو الجن ة» .ثم ب اغتهم فغلبهم ،وأتى س رادق الموري ان فوج د أن
امرأته قد سبقته إليه.
وواص ل ح بيب جه اده وانتص اراته المتوالي ة في أراض ي أرميني ة وأذربيج ان ،ففتحه ا .لق د
كان حبيب بن مسلمة الفهري من أبرز القادة الذين حاربوا في أرمينية البيزنطية .كما غزا
م ا يلى ثغ ور الجزي رة العراقي ة من أرض ال روم ف افتتح ع دة حص ون هن اك ،مث ل شمش اط
وملطية وغيرهما ،وفي سنة 25هـ غزا معاوية الروم فبلغ عمورية فوجد الحصون التي
بين أنطاكي ة وطرس وس خالي ة ،فجع ل عن دها جماع ة من أه ل الش ام والجزي رة ،وواص ل
قائ ده قيس بن الح ر العبس ي الغ زو في الص يف الت الي ،ولم ا انتهى ه دم بعض الحص ون
9
القريبة من أنطاكية كي ال يستفيد منها الروم.
فتح بالد النوبة :كانت البداية في عهد عمر بن الخطاب حيث أذن لعمرو بن العاص بفتح
بالد النوبة ،فوجد حرباً لم يتدرب عليها المسلمون وهي الرمي بالنب ال في أعين المحاربين
حتى فقدوا مائة وخمسين عينا في أول معركة ،ولهذا قبل الجيش الصلح ،ولكن عمرو بن
العاص رفض للوصول إلى شروط أفضل،
فسأل أهل النوبة عبد اهلل بن سعد المهادنة ،فهادنهم هدنة بقيت إلى ستة قرون ،وعقد لهم
عقدا يضمن لهم استقالل بالدهم ويحقق للمسلمين االطمئنان إلى حدودهم الجنوبية ،ويفتح
- 9البالدي الحربي عاتق بن غيث (ت1431 :هـ) :معجم المعالم الجغرافية في السيرة النبوية ،دار مكة مكة المكرمة1402 ،هـ 1982 -م،ص
.32
النوب ة للتج ارة والحص ول على ع دد من الرقي ق في خدم ة الدول ة اإلس المية ،وق د اختل ط
المسلمون بالنوبة والبجة ،واعتنق كثير منهم اإلسالم.
كم ا أن ه وج ه كتاب اً إلى ال والة وكتاب ا آخ ر إلى عم ال الخ راج ،وأذاع كتاب اً على العام ة،
وك انت عناص ر السياس ة المالي ة العام ة ال تي أعلنه ا الخليف ة ق د ق امت على األس س العام ة
التالية:
ثاني33ا :القض33اء :عن دما ت ولى عثم ان الخالف ة ك ان على قض اء المدين ة علي بن أبي ط الب،
وزي د بن ث ابت ،والس ائب بن يزي د .وي ذكر البعض أن عثم ان لم ي ترك للقض اة االس تقالل
بالفصل في القضايا ،كما كان الحال في عهد عمر ،بل كان ينظر في الخصومات بنفسه،
رأي ه أمضاه ،وإ ن لم
ويستشير هؤالء وغيرهم من الصحابة فيما يحكم به ،فإن وافق رأيهم َ
يوافق رأيهم رأيه نظر في األمر بعد ذلك .وهذا يعني أن عثمان قد أعفى القضاة الثالثة
في المدينة من والية القضاء وأبقاهم مستشارين له في كل شجار يرفع إليه مع استشارة
آخرين ،ويرى بعضهم أنه لم يثبت نص صريح يفيد اإلعفاء ،ولكنه تحمل عنهم النظر في
كثير من القضايا الكبيرة مع استشارتهم فيها.
تذكر بعض الكتب أن من مآثر ذي النورين اتخاذه داراً للقضاء ،وقد جاء ذلك في رواية
رواه ا ابن عس اكر عن أبي ص الح م ولى العب اس ق ال :أرس لني العب اس إلى عثم ان أدع وه
فأتيت ه في دار القض اء إلى آخ ر الح ديث ،ف إذا ص ح فيك ون عثم ان ه و أول من اتخ ذ دارا
للقضاء في اإلسالم ،ألن من سبقه كان يتخذ المسجد كمكان للقضاء.
وك ان ق د ت رك أحكام اً فقهي ة في مج ال القص اص والجناي ات والح دود والتعزي ر والعب ادات
11
والمعامالت.
ثالثا :والية الواليات :حينما تولى عثمان الخالفة في بداية سنة 24هـ ،أقر الوالة الذين
ق د تم تع يينهم من ِقب ل عم ر بن الخط اب في والي اتهم عام اً ك امالً ،بع د ذل ك أبقى البعض
وع زل آخ رين ،وعم ل على التع يين في ه ذه األمص ار حس ب الحاج ة وذل ك بع د األخ ذ
بمش ورة الص حابة .في عه ده ق ام بض م بعض الوالي ات إلى بعض ها لم ا ي راه في مص لحة
المسلمين ،فقد ضم البحرين إلى البصرة ،كما ضم بعض واليات الشام إلى بعضها اآلخر
- 10الكامل في التاريخ ،تحقيق :عمر عبد السالم ،دار الكتاب العربي ،مرجع سابق ،ص.68
- 11أبو الفداء عماد الدين(المتوفى732 :هـ) :المختصر في أخبار البشر ،مرجع سابق ،ص.23
نتيج ة لوف اة بعض ال والة أو طلب البعض منهم اإلعف اء من العم ل .وق د ك ان دائم النص ح
لوالت ه بالع دل والرحم ة بين الن اس ،كم ا أن ه ح دد لهم مع الم السياس ة ال تي يجب أن يعمل وا
به ا ،من إعط اء الحق وق للمس لمين ومط البتهم بم ا عليهم من واجب ات وإ عط اء أه ل الذم ة
حقوقهم ومطالبتهم بما عليهم من واجبات ،وبالوفاء حتى مع األعداء ،وأن ال يكون همهم
جباي ة الم ال .ك ان يكتب إلى عمال ه ببعض التعليم ات في األم ور المس تجدة ال تي تتعل ق
بإدارتهم للواليات ،إضافة إلى كتبه للعامة والتي كان يصدر فيها تعليمات محددة يلتزم بها
الجمي ع ،ومن ذل ك إلزام ه الن اس في الوالي ات بالمص احف ال تي كتبت في المدين ة على مأل
من الص حابة .ك ان حريص اً على أن يتن افس األم راء فيم ا بينهم في الجه اد وفتح بل دان
جدي دة .ك ان يش ترط أحيان اً بعض الش روط على ال والة ليض من أن تص رفهم في ص الح
المسلمين.
بعد االنتهاء من دفن عمر بن الخطاب ذهب رهط الشورى وأعضاء مجلس الدولة األعلى
إلى االجتم اع في بيت عائش ة بنت أبي بك ر ،وقي ل إنهم اجتمع وا في بيت فاطم ة بنت قيس
الفهري ة أخت الض حاك بن قيس ،ليقض وا في األم ر ،وق د تكلم الق وم وبس طوا آراءهم
واهتدوا إلى كلمة سواء رضيها الخاصة والكافة من المسلمين.عندما اجتمع أهل الشورى
ق ال لهم عب د ال رحمن بن ع وف« :اجعل وا أم ركم إلى ثالث ة منكم» ،فق ال الزب ير« :جعلت
أمري إلى علي» ،وقال طلحة« :جعلت أمري إلى عثمان» ،وقال سعد« :جعلت أم ري إلى
عب د ال رحمن بن ع وف» ،وأص بح المرش حون الثالث ة علي بن أبي ط الب ،وعثم ان بن
عفان ،وعبد الرحمن بن عوف ،فقال عبد الرحمن« :أيكما تبرأ من هذا األمر فنجعله إليه
واهلل علي ه واإلس الم لينظ رن أفض لهم في نفس ه» فأس كت الش يخين ،فق ال عب د ال رحمن بن
إلي واهلل على أن ال آل و عن أفض لكما» ،ق اال« :نعم».ب دأ عب د ال رحمن
ع وف« :أفتجعلون ه َّ
بن ع وف اتص االته ومش اوراته ف ور انته اء اجتم اع المرش حين الس تة ص باح ي وم األح د،
واستمرت مشاوراته واتصاالته ثالثة أيام كاملة ،حتى فجر يوم األربعاء الرابع من محرم
وهو موعد انتهاء المهلة التي حددها لهم عمر ،وبدأ عبد الرحمن بعلي بن أبي طالب فقال
علي ،فمن ترش ح للخالف ة؟ ق ال علي :عثم ان بن عف ان» ،وذهب
ل ه« :إن لم أبايع ك فأش ر َّ
عبد الرحمن إلى عثمان وقال له« :إن لم أبايعك ،فمن ترشح للخالفة؟ فقال عثمان 12:علي
بن أبي ط الب» .وذهب ابن ع وف بع د ذل ك إلى الص حابة اآلخ رين واستش ارهم ،وك ان
يش اور ك ل من يلق اه في المدين ة من كب ار الص حابة وأش رافهم ،ومن أم راء األجن اد ،ومن
يأتي للمدينة ،وشملت مشاورته النساء في خدورهن ،وقد أبدين رأيهن ،كما شملت الصبيان
والعبي د في المدين ة ،وك انت نتيج ة مش اورات عب د ال رحمن بن ع وف أن معظم المس لمين
ك انوا يشيرون بعثمان بن عف ان ،ومنهم من كان يشير بعلي بن أبي طالب .وفي منتصف
ليلة األربعاء ،ذهب عبد الرحمن بن عوف إلى بيت ابن أخته :المسور بن مخرمة ،فطرق
البيت ،فوجد المسور نائما ،فضرب الباب حتى استيقظ فقال« :أراك نائما فواهلل م ا اكتحلت
هذه الليلة بكبير نوم ،انطلق فادع الزبير وسعداً ،فدعوتهما له ،فشاورهما ثم دعاني فقال:
ابهار (انتصف) الليل ثم قام علي من عنده ،ثم قال :ادع
َّ ادع لي علياً فدعوته فناجاه حتى
لي عثمان فدعوته فناجاه حتى فرق بينهما المؤذن بالصبح.
وبعد صالة صبح يوم البيعة (اليوم األخير من شهر ذي الحجة 23هـ 6 /نوفمبر 644م)
وكان صهيب الرومي اإلمام إذ أقبل عبد الرحمن بن عوف ،وقد اعتم بالعمامة التي عممه
بها رسول اهلل ،وكان قد اجتمع رجال الشورى عند المنبر ،أرسل إلى من كان حاض را من
المه اجرين واألنص ار وأم راء األجن اد منهم :معاوي ة أم ير الش ام ،وعم ير بن س عد أم ير
حمص ،وعمرو بن العاص أمير مصر ،وكانوا وافوا تلك الحجة مع عمر وصاحبوه إلى
13
المدينة.
- 12البالذري أحمد بن يحي (ت279 :ه )10– :فتوح البلدان ،دار الهالل ،بيروت1988 ،م ،ص.93
- 13أنساب األشراف ،تحقيق :سهيل زكار ورياض الزركلي ،دار الفكر ،بيروتـ ،ط 1417 ، 1هـ 1996-م ،ص.87
وما يروى عند أهل السنة فقد جاء في البخاري« :فلما صلى للناس الصبح واجتمع أولئك
الره ط عن د المن بر فأرس ل إلى ك ل حاض ر من المه اجرين واألنص ار ،وأرس ل إلى أم راء
األجناد وكانوا وافوا تلك الحجة مع عمر ،فلما اجتمعوا تشهد عبد الرحمن ثم قال« :أما
بعد ،يا علي إني قد نظرت في أمر الناس فلم أراهم يعدلون بعثمان ،فال تجعلن على نفس ك
سبيالً» ،فقال عبد الرحمن مخاطب اً عثمان« :أبايعك على سنة اهلل ورسوله والخليفتين من
بع ده» ،فبايع ه عب د ال رحمن وبايع ه الن اس المه اجرون واألنص ار وأم راء األجن اد
والمسلمون ».وجاء في رواية أن علي بن أبي طالب هو أول من بايع بعد عبد الرحمن بن
عوف.أما الشيعة فهم يرون بأن الصحابة حابوا في أمر المسلمين ،وأن علي بن أبي طالب
لم يرض بأن يقوم عبد الرحمن بن عوف باختيار الخليفة ،فقد ورد في الروايات الشيعية
عن أبي مخنف وهشام الكلبي عن أبيه وأحمد الجوهري أن عمر جعل ترجيح الكفتين إذا
تس اوتا بعب د ال رحمن بن ع وف ،وأن علي اً أحس ب أن الخالف ة ذهبت من ه ألن عب د ال رحمن
سيقدم عثمان للمصاهرة التي بينهما .كما أشارت رواية أبي مخنف إلى وقوع مشادة بين
ب ني هاش م وب ني أمي ة أثن اء المبايع ة .ومن األق وال ال تي نس بت لعلي ،ق ال ابن كث ير :وم ا
ي ذكره كث ير من الم ؤرخين ك ابن جري ر وغ يره عن رج ال ال يعرف ون أن علي اً ق ال لعب د
الرحمن« :خدعتني ،وإ نك إنما وليته ألنه صهرك وليشاورك كل يوم في شأنه ،وأنه تلكأ
كان عثمان قد ولي اثنتي عشرة سنة خليفة للمسلمين ،وقد بدأت أحداث الفتنة في النصف
الث اني من واليت ه وهي ال تي أدت إلى استش هاده .ومن أس باب تل ك الفتن ة الرخ اء في عه ده
وأث ره في المجتم ع ،وطبيع ة التح ول االجتم اعي وظه ور جي ل جدي د غ ير جي ل الص حابة،
باإلض افة إلى الش ائعات ،والعص بية الجاهلي ة ،ومن أهم األس باب خ وض المن افقين حيث
14
وجدوا من يستمع إليهم.
وف ق معتق د أه ل الس نة أن الم دبر الرئيس ي للفتن ة ه و عب د اهلل بن س بأ ال ذي ك ان يهودي اً
وأظهر اإلسالم في عهد عثمان .ومنهم من عمل على محاصرة عثمان بن عفان في داره
وزوروا علي ه كتاب اً ورد في ه بأن ه يري د قتلهم بع د أن أعط اهم األم ان على أنفس هم .وعن دما
اشتد أمر أهل الفتنة وتهديدهم للخليفة بالقتل تحرك الصحابة لردهم وقتالهم وهو ما رفضه
عثمان وأمر بأال يرفع أحد السيف للدفاع عنه ،وأن ال ُيقتل أحد بسببه ،فقد كان يعلم بأنهم
ال يريدون أحد غيره ،فكره أن يتوقى بالمؤمنين ،وأحب أن يقيهم بنفسه ،ولعلمه بأن هذه
الفتن ة فيه ا قتل ه ،عن عب د اهلل بن حوال ة أن رس ول اهلل محم د ق ال« :من نج ا من ثالث فق د
نج ا ،ثالث م رات ،م وتي ،وال دجال ،وقت ل خليف ة مص طبر ب الحق معطي ه» .عن ابن عم ر
«يقتل فيها هذا المقنع يومئذ مظلوم اً» ،قال:
قال( :ذكر رسول اهلل فتنة ،فمر رجل ،فقالُ :
فنظ رت ف إذا ه و عثم ان بن عف ان).بينم ا تق ول الرواي ة الش يعية أن أه ل المدين ة ك انوا من
الث ائرين على عثم ان ،وبعض هم غ ير مناص ر ل ه ،وأنهم كتب وا إلى األمص ار بالق دوم إلى
وأن الجهاد فيها .ويرون بأن هناك من الصحابة من هم قد خرجوا على عثم ان ولم
المدينة ّ
ينص روه ،فأرس ل إلى معاوي ة بن أبي س فيان ليق اتلهم ،ولكن ه لم يبعث بجيش إلى نص رة
بي .كم ا ي رى الش يعة بأن ه ال
بأن ه ك ره مخالف ة أص حاب الن ّ
الخليف ة عثم ان ،وق د علّ ل ذل ك ّ
وجود لعبد اهلل بن سبأ.
هاجم المتمردون دار عثمان وأصيب ذلك اليوم أربعة من شبان قريش وقتل منهم أربعة،
ثم هجم وا على عثم ان بن عف ان فقتل وه ،وه و يق رأ في المص حف فانتض ح ال دم على قول ه
يم﴾ (سورة البقرة ،اآلية.)137 : ِ تعالى﴿ :فَسي ْك ِفي َكهم اللَّ ُه و ُهو َّ ِ
السميعُ ا ْل َعل ُ َ َ ُُ ََ
- 14أبو الفداء عماد الدين(المتوفى732 :هـ) :المختصر في أخبار البشر ،مرجع سابق ،ص.24
وك ان ذل ك في ي وم الجمع ة المواف ق 18من ش هر ذي الحج ة س نة 35هـ ،وعم ره اثنت ان
وثمانون سنة ،ودفن ليلة السبت بين المغرب والعشاء في حش كوكب الذي كان قد اشتراه
15
ووسع به البقيع.
استش هد في أوس ط أي ام التش ريق ( 12ذي الحج ة) لص حة نقل ه عن أبي عثم ان النه دي،
المعاص ر للحادث ة .وم ا س واه من أق وال لم يص ح إس ناد ش يء منه ا ،وك ل م ا ج اء ب ه من
أسانيد فهي ضعيفة ،وبعض منها صدر ممن لم يعاصر الحادثة.
خاتمة.
نظرا للسياسة الحكيمة التي انتهجها الخليفة عثمان بن عفان رضي اهلل عنه في انتقاء والته
عم االس تقرار واألمن في الوالي ات اإلس المية ،فق د ك ان يب ذل النص يحة لل والة من منطل ق
األم ر ب المعروف والنهي عن المنك ر ،وه و األس اس ال ذي تق ره األم ة اإلس المية بأكمله ا،
والذي وردت األوامر به من خالل اآليات القرآنية واألحاديث النبوية الشريفة التي تحدثت
عن ه ،وق د دأب الخليف ة على الكتاب ة لوالت ه باس تمرار من أج ل ايص ال النص يحة لهم،
فاس تطاع ب ذلك أن يح دد لوالت ه مع الم السياس ة ،ال تي يجب أن يس يروا عليه ا ،من اعط اء
الحقوق والمطالبة بالواجبات والوفاء بالعهود.
-الثقات وزارة المعارف ،مراقبة :محمد عبد المعيد ،دائرة المعارف1393 ،هـ1973-م ،ص.48 15
قائمة المراجع
الكام ل في الت اريخ ،تحقي ق :عم ر عب د الس الم ،دار الكت اب الع ربي ،ب يروت، .1
1417هـ 1997 -م.
النهاي ة في غ ريب الح ديث ،تحقي ق :ط اهر أحم د وآخ رون ،المكتب ة العلمي ة للنش ر، .2
بيروت1399 ،هـ 1979 -م.
أس د الغاب ة ،تحقي ق :علي محم د مع وض وع ادل أحم د عب د الموج ود ،دار الكتب .3
العلمية1415 ،هـ .1994 -
أب و حنيف ة أحم د بن داود ال دينوري (المت وفى282 :هـ) :األخب ار الط وال ،تحقي ق: .4
عبد المنعم عامر ،دار إحياء الكتب العربي للنشر ،القاهرة ،ط.1،1960
أب و الف داء عم اد ال دين(المت وفى732 :هـ) :المختص ر في أخب ار البش ر ،المطبع ة .5
الحسينية المصرية للنشر ،ط، 1دت.
أب و هالل العس كري (المت وفى :نح و 395هـ) :األوائ ل ،دار البش ير ،طنط ا ،ط .6
.1408 ، 1
البالدي الح ربي ع اتق بن غيث (ت1431 :هـ) :معجم المع الم الجغرافي ة في .7
السيرة النبوية ،دار مكة مكة المكرمة1402 ،هـ 1982 -م.
البالذري أحم د بن يحي (ت279 :ه )10– :فت وح البل دان ،دار الهالل ،ب يروت، .8
1988م.
أنساب األشراف ،تحقيق :سهيل زكار ورياض الزركلي ،دار الفكر ،بيروت ، .9
ط 1417 ،1هـ 1996-م.
الثق ات وزارة المع ارف ،مراقب ة :محم د عب د المعي د ،دائ رة المع ارف1393 ،هـ- .10
1973م.