Download as pdf or txt
Download as pdf or txt
You are on page 1of 337

ISBN: 978- 605- 2107- 39- 3

‫الم ْخ ِلصين‪،‬‬ ‫ِ‬ ‫الم ِعين‪َ ..‬رافِ ُع ِ‬ ‫ِ‬


‫ذكر َأنبيائه‪ُ ..‬‬
‫والهدَ اة ُ‬ ‫الهادي ُ‬
‫الح َمدُ هلل‪َ ..‬‬ ‫َ‬
‫المبين‪.‬‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫وقاهر ال ُّط ِ‬
‫الحق ُ‬
‫سبيل ِّ‬ ‫الحائدين عن‬ ‫غاة والجبابرة‪..‬‬
‫ِ‬
‫رسلين‪..‬‬‫الم َ‬ ‫على قائد ال ُغ ِّر ُ‬
‫الم َح َّجلين‪ ..‬وس ِّيد ُ‬ ‫والسال ُم ٰ‬
‫َّ‬ ‫والصال ُة‬
‫َّ‬
‫رشدنا وقائدنا وه ِ‬
‫ادينا إلى‬ ‫الوعد األَمين‪ ..‬نبينا وم ِ‬ ‫ِ‬ ‫الصادق‬
‫َ‬ ‫ِّ ُ‬ ‫وإمام المتَّقين‪َّ ..‬‬
‫وصل إلى جنَّات النَّعيم‪.‬‬
‫الم ِّ‬
‫والصراط المستقيم‪ُ ..‬‬
‫الحق ِّ‬
‫ِّ‬
‫يامين؛ خير ُأ َّم ٍة ل َّب ْت‬‫وعلى آلِه ال َّطيبين ال َّطاهرين‪ ..‬وصحبِه الكرا ِم الم ِ‬
‫َ‬ ‫َ ْ‬ ‫ٰ‬
‫ِ‬
‫الباطل‪..‬‬ ‫ومزقت راي َة‬ ‫ندا َء ر ِّبها‪َ ..‬فأ ْع َل ْت راي َة دينه‪ ..‬و َأقا َم ْت شريعتَه‪َّ ..‬‬
‫هيم‪َ ..‬أ َّما بعدُ ‪:‬‬ ‫ِ‬
‫لم ال َب َ‬ ‫و َأزهقت ال ُّظ َ‬
‫حافل بالعلماء األَفذاذ‪ ..‬والدُّ ِ‬
‫عاة‬ ‫ٌ‬ ‫اإلسالمي المجيد‬ ‫َ‬
‫تاريخنا‬ ‫َّ‬
‫فإن‬
‫َّ‬
‫الحق‪..‬‬‫منهجه َّ‬ ‫َ‬ ‫ممن َح َم ُلوا دي َن اهلل‪ ..‬ونشروا رسالتَه‪ ،‬وب َّلغوا‬ ‫المخلصين؛ َّ‬
‫ِ‬
‫حضيض‬ ‫بنور َر ِّبها الكريم‪ ،‬وينتش ُلها من‬ ‫نير للبشرية َدر َبها ِ‬ ‫زال ُي ُ‬ ‫ا َّلذي ال َ‬
‫تزد اب َن آد َم َّإل ضيا ًعا‬ ‫فة بالي ٍة‪ ..‬لم ِ‬ ‫َّخبط في عقائدَ محر ٍ‬ ‫ِوالكفر والت ِ‬‫ِ‬ ‫الجهل‬
‫َ‬ ‫َّ‬
‫الحياة الماد َّية ا َّلتي َسل َب ْت ُه ُح ِّر َّي َت ُه‪ ،‬وكرام َت ُه‪ ،‬وفِطرتَه‪..‬‬
‫ِ‬ ‫وانغماسا في‬‫ً‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫الصادقين‪َ ..‬من كان له‬ ‫َّإل َأ َّن م ْن بين هؤالء ال ُعلماء العظام والدُّ عاة َّ‬
‫ِّخاذهم‬ ‫للعقيدة‪ ،‬وات ِ‬ ‫ِ‬ ‫ومسار حياتِها؛ بتم ُّث ِلهم‬ ‫ِ‬ ‫البالغ في ضمير هذه األُ َّمة‬ ‫ُ‬ ‫األَ ُثر‬
‫‪6‬‬

‫مجر َد‬
‫َّ‬ ‫لوكهم ووجدانِهم‪..‬ال‬ ‫حياة‪ ..‬يعيشونَه في فِكْرهم وس ِ‬
‫ُ‬
‫ٍ‬ ‫منهج‬
‫َ‬ ‫لها‬
‫ثمن ما‬ ‫ِ‬
‫تبليغها َبأ ِ‬ ‫ثم بتضحيتِهم في سبيل‬ ‫ٍ‬
‫شعارات جوفا َء ال حيا َة فيها‪َّ ..‬‬
‫نبياء ‪‬‬‫ف لمسيرة األَ ِ‬ ‫الخ َل ِ‬
‫الضعيف َأن يقدِّ َمه؛ فكانوا نِ ْع َم َ‬
‫ِ‬ ‫يمك ُن للعبد‬
‫ألجيال المسلمة ِمن َب ْع ِدهم‪،‬‬ ‫ِ‬
‫لواقعهم‪ ..‬ول َ‬ ‫مشاعل ٍ‬
‫نور‬ ‫َ‬ ‫من قبلهم‪ ،‬و َغدَ وا‬
‫ٍ‬
‫هداية في التَّاريخ‪..‬‬ ‫ِ‬
‫وعالمات‬

‫تعالى‪﴿ :‬ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘﭙ ﭚ ﭛ‬ ‫ٰ‬ ‫قال اهلل‬


‫ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠﭡ ﭢ ﭣ ﭤ﴾ [األَحزاب‪.]٢٣ :‬‬
‫الصدِّ ِيق ‪ ‬يو َم الر ِّد ِة‪ ..‬وموقف اإلمام َأحمدَ ِ‬
‫بن‬ ‫والناظر لموقف ِّ‬
‫ابن تيمي َة ‪ ‬مع خصومه‪..‬‬ ‫شيخ اإلسالم ِ‬ ‫وموقف ِ‬‫ِ‬ ‫حنبل ‪ ‬يو َم الفتنة‪..‬‬
‫تتأسى األُم ُة بهم‪ ،‬وتسير على ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫نهجهم‬ ‫ٰ‬ ‫ُ‬ ‫َّ‬ ‫مم ْن َ َّ‬
‫ئمة العظام‪َّ ..‬‬ ‫وغيرهم من األَ َّ‬
‫على َف ْه ِمهم العميق لمعاني هذا الدِّ ين‪،‬‬ ‫واضح ٰ‬‫ٌ‬ ‫وفي َركْبِهم‪َّ ..‬إل ٌ‬
‫دليل‬
‫يختلج في َأعماق قلوبِهم‪َ ،‬‬
‫وج ْع ِل اإليمان واق ًعا‬ ‫ُ‬ ‫وصدْ ِق إيمانِهم ا َّلذي‬‫ِ‬

‫بصلة؛‬‫تمت للواقع ِ‬ ‫خاوية ال ُّ‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬


‫عارات‬ ‫ات ِ‬
‫وش‬ ‫اشا‪ ،‬وليس مجرد مثالي ٍ‬ ‫ُم َع ً‬
‫َّ‬ ‫َّ َ‬
‫حذوهم‪،‬‬‫َ‬ ‫أل َّم ِة ال َّثبات‪ ..‬فحذا َأبناؤها‬ ‫فمن ََح ْت مواق ُفهم العظيمة ل ُ‬ ‫َ‬
‫على ُخطا‬ ‫َ‬
‫ويسيرون ٰ‬ ‫يستضيئون بنور بصيرتِهم‪،‬‬ ‫َ‬ ‫ٍ‬
‫منارات للدُّ عاة‪..‬‬ ‫وصاروا‬
‫صاحب الدَّ عوة حياتَه ود َمه‬ ‫ُ‬ ‫بلغ من َأ ْن ُي َقدِّ َم‬
‫صدق وال َأ َ‬ ‫تضحياتِهم؛ فال َأ َ‬
‫ِ‬
‫معتقده‬ ‫على تبليغ‬ ‫ِ‬ ‫على ِصدْ ِق دعوتِه‪،‬‬ ‫َ‬
‫وإصراره ٰ‬ ‫لتكون شاهدً ا ٰ‬ ‫ثمنًا لها؛‬
‫ً‬
‫وعمل!‬ ‫ألجيال ِمن َب ْعده ً‬
‫قول‬ ‫ل َ‬
‫كل مرحلة من تاريخنا تسطع في سماء ُأمتِنا الص ِ‬
‫افية‪ ..‬نجو ٌم‬ ‫وفي ِّ‬
‫َّ‬ ‫َّ‬ ‫ُ‬
‫إلى يوم الدِّ ين‪.‬‬ ‫ُنو ُر طري َقهم بنور َر ِّبهم ٰ‬ ‫المع ٌة تَهدي الحائرين‪ ..‬وت ِّ‬
‫‪7‬‬

‫عالمـات مضيئـ ٌة مـن العلمـاء‬


‫ٌ‬ ‫ِ‬
‫الفكـر اإلسلامي؛‬ ‫وفـي تاريـخ‬
‫العامليـن‪ ،‬والقـادة المجدِّ ديـن‪ ،‬والدُّ عـاة الصادقيـن‪ ..‬سـ َّطروا بير ِ‬
‫اعهـم‬ ‫َََ‬ ‫َ‬ ‫َّ‬
‫ِ‬
‫المعاصـر‪:‬‬ ‫الصفحـات‪ ..‬ومـن هـؤالء العظـام فـي تاريخنـا‬ ‫نصـع َّ‬
‫َ‬ ‫َأ‬

‫ِّـر العملاق‪ ،‬والدَّ اعيـ ُة ال َّلبيـب‪ ،‬واألَ ُ‬


‫ديـب‬ ‫األُسـتا ُذ الكبيـر‪ ،‬والمفك ُ‬
‫الرفيـع‪:‬‬ ‫ِ‬
‫سـلوب َّ‬ ‫السـ َّيال‪ ،‬واألُ‬
‫صاحـب القلـم َّ‬
‫ُ‬ ‫النَّاقـد‪..‬‬
‫س ِّيد ُق ُطب ‪‬‬
‫‪1906‬ـ ‪1966‬م‬

‫* فهو َم ْع َل َم ٌة‪ ..‬إيمان َّي ٌة‪ ..‬تربو َّي ٌة‪ ..‬دعو َّي ٌة‪ ..‬إصالح َّي ٌة‪َ ..‬أدب َّي ٌة؛ َأضا َء ْت‬
‫بمفاهيم‬ ‫رائد‪ ،‬وجدَّ دت ـ‬ ‫منهج فكري حركي ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫معالم‬ ‫على مدى ُع ٍ‬
‫قود‬
‫َ‬ ‫ٍّ‬ ‫ٍّ‬ ‫َ‬ ‫ٰ‬ ‫ٰ‬
‫السائد َة في عصره‪.‬‬ ‫عديدة ـ نمط َّي َة الت ِ‬
‫َّفكير َّ‬
‫اإلسالمي في العصر الحديث‪،‬‬ ‫ِّ‬ ‫* وهو َر ِائدٌ من ُر َّواد الفكر‬
‫عديدة‪َّ ..‬إل َأ َّن ذكراه باق َية في كُتبه‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬
‫عقود‬ ‫رحل عنَّا منذ‬ ‫عمالق‪َ ..‬‬ ‫ٌ‬ ‫ومفك ٌِّر‬
‫الشطر المثاني‬ ‫ومؤلفاته‪ ..‬فقد حفظ القرآن وهو طفل صغير‪ ..‬وعاش َّ‬
‫وعمل‪ ،‬ومات في ظالله شهيدً ا‪ ..‬وتع َّلم منه‬ ‫ً‬ ‫علما‬
‫من حياته مع القرآن ً‬
‫َ‬
‫يفهمون ما‬ ‫ِ‬
‫القرآن العظيم‪ ،‬وكيف‬ ‫قون معاني‬ ‫يتذو َ‬ ‫جي ُله و َم ْن بعد‪َ ..‬‬
‫كيف َّ‬
‫الالت الثر َّي ِة لآليات‪ ،‬وما تدعو إليه من ِق َي ٍم‬
‫ِ‬ ‫وراء السور من ِ‬
‫الح َك ِم‪ ،‬والدَّ‬ ‫ُّ َ‬
‫جمال َّي ٍة و َأخالق َّي ٍة وتربو َّي ٍة وإيمان َّية‪.‬‬
‫دين اإلسالم ب ُل َغ ِة‬ ‫كأ ِ‬
‫برز المفكِّري َن ا َّلذي َن قدَّ موا حقيق َة ِ‬ ‫* ومضى َ‬
‫وإنسان‪ ..‬وقدرتِه‬‫ٍ‬ ‫ٍ‬
‫ومكان‬ ‫ٍ‬
‫زمان‬ ‫عصرنا‪ ..‬بشمولِه وحيو َّيتِه وصالح َّيتِه ِّ‬
‫لكل‬
‫وتحقيق الت ِ‬
‫َّوازن‬ ‫ِ‬ ‫وعلى عالج مشكالت الحضارة‪،‬‬ ‫على الحكم واإلدارة‪،‬‬
‫ٰ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫والحياة الدُّ نيا واآلخرة‪.‬‬ ‫وح والمادة‪،‬‬ ‫بين متط َّلبات ُّ‬
‫الر ِ‬
‫‪8‬‬
‫صاحب مشرو ٍع لنهضة األُ َّمة من جديد؛ قدَّ م مفهو ًما جديدً ا للت ِ‬
‫َّغيير‬ ‫ُ‬ ‫*‬
‫يتجاوز حـدو َد المجتمع إلى العال ِم َبأ ِ‬
‫سره‪ ..‬من‬ ‫ُ‬ ‫الش ِ‬
‫امل الكامل‪ ..‬ا َّلذي‬ ‫َّ‬
‫وفق عملي ٍة محك ٍ‬
‫َمة‪،‬‬ ‫اإلسالمي‪َ ،‬‬ ‫الجاهلي بالنِّظام‬ ‫ِ‬
‫استبدال النِّظام‬ ‫خالل‬
‫َّ‬ ‫ِّ‬ ‫ِّ‬
‫ومتدرجة‪.‬‬ ‫ٍ‬
‫مدروسة‬
‫ِّ‬
‫وآثارهم لم ت َُم ْت؛ فقد خ َّلف من بعده تُرا ًثا‬ ‫* من ِ‬
‫الق َّلة ا َّلذين ماتوا‬
‫ُ‬
‫ومواقف بطول َّي ًة‪ ..‬ستُـبقي َ‬
‫ذكـره خـالدً ا‪ ،‬ومكانتَه‬ ‫َ‬ ‫وآثارا جليل ًة‪،‬‬
‫ً‬ ‫عظيما‪،‬‬
‫ً‬
‫مم َّيز ًة في النُّفوس‪.‬‬

‫ِ‬
‫تاريخ‬ ‫مجرى‬ ‫ٍ‬
‫فريدة؛ ت َُم ِّث ُل عالم ًة فارق ًة في‬ ‫ٍ‬
‫مدرسة‬ ‫صاحب‬ ‫*‬
‫ٰ‬ ‫ُ‬
‫شطر‬
‫َ‬ ‫وجهه‬
‫َ‬ ‫المنعطف ا َّلذي و َّلى فيه الت ُ‬
‫َّاريخ‬ ‫ُ‬ ‫اإلسالمي‪ ..‬وهي‬
‫ِّ‬ ‫ِ‬
‫الفكر‬
‫وعمل؛‬‫ً‬ ‫ً‬
‫وقول‬ ‫فـكرا وتـنـظِ ًيرا ْ‬
‫وتألي ًفا‬ ‫ً‬
‫الش ِ‬
‫ريعة‪..‬‬ ‫إلى ُأصول َّ‬
‫العودة ٰ‬
‫ُ‬
‫الحديث منها‪ ،‬فيقال‪:‬‬ ‫اإلسالمي‬
‫ُّ‬ ‫الفكر‬
‫ُ‬ ‫بحيث يمكن َأن َّ‬
‫يؤر َخ‬
‫قبل س ِّيد ُق ُطب‪ ،‬وما بعدَ س ِّيد ُق ُطب!) ‪.‬‬
‫(ما َ‬
‫قل َأ ْن تجدَ‬ ‫اني‪َّ ،‬‬
‫تعبيري ر َّب ٌّ‬
‫ٌّ‬ ‫سلوب‬
‫ٌ‬ ‫صحاب األَقالم المؤ ِّثرة؛ له ُأ‬
‫ِ‬ ‫* من َأ‬
‫ِ‬
‫ومالمسة الواقع‪..‬‬ ‫وس َع ِة الن ِ‬
‫َّظر‪،‬‬ ‫نظيره‪ ..‬وذلك لما تم َّيز به من ُعمق التَّفكير‪َ ،‬‬ ‫َ‬
‫على صاحبه‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬
‫صاحب تجربة إيمان َّية مريرة قاس َية في مدرسة اليوسف َّية ـ ٰ‬ ‫َ‬ ‫وكان‬
‫إيماني‬
‫ٍّ‬ ‫نبوي‪..‬‬ ‫ٍّ‬ ‫رباني‬
‫ٍّ‬ ‫ٍ‬
‫بمنظار‬ ‫والسالم ـ جعلته ين ُظ ُر لواقع األُ َّمة‬ ‫الصالة َّ‬ ‫َّ‬
‫ات والنَّظر َّيات‪.‬‬ ‫بعيد عن الفرضي ِ‬ ‫عملي‪ٍ ..‬‬
‫َّ‬ ‫ٍّ‬
‫الق َّل ِة ا َّلذي َن تركوا َأ ًثرا إيجاب ًّيا في األَجيال‪ ..‬فما من‬ ‫* من ال ُكتَّاب ِ‬
‫لفكره وكتاباتِه ‪َ ‬أ ٌثر في‬ ‫مجتمعها‪َّ ..‬إل وكان ِ‬ ‫ِ‬ ‫ٍ‬
‫مسلمة َأ َّثرت في‬ ‫ٍ‬
‫مجموعة‬
‫نفوس َأ ِ‬
‫كثيرا‪.‬‬ ‫قليل كان َأم ً‬ ‫بنائها‪ً ..‬‬ ‫ِ‬
‫‪9‬‬
‫ِ‬ ‫له ٌم َأ َّكدَ‬
‫الجماعة المسلمة؛ وعدَّ ها َضرور ًة‬ ‫على وجود‬‫ٰ‬ ‫* من ِّظ ٌر ُم َ‬
‫ِ‬
‫وقيادة البشر َّية‪ ..‬كما ت َُشك ُِّل ضرور ًة تربو َّية‬ ‫إقامة شر ِع اهلل‪،‬‬‫َشرعي ًة تتم َّث ُل في ِ‬
‫َّ‬
‫الفرد المسلم‪،‬‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫تربية‬ ‫الجماعة‪ ..‬هي المسؤول ُة عن‬‫ِ‬ ‫تتجسدُ في ِ‬
‫كون هذه‬ ‫َّ‬
‫ِ‬
‫ورعاية األُسرة المسلمة‪.‬‬ ‫ِ‬

‫الشمول َّي ِة لواقع األُ َّمة؛‬‫بفكره ونظرتِه ُّ‬ ‫ِ‬ ‫* َأثرى المكتب َة اإلسالم َّي َة‬
‫وصحح بوصلتَها‪ ..‬وكانت كتاباتُه عن العقيدة من َأ ِّ‬
‫هم‬ ‫َّ‬ ‫َفأيقظها من ُسباتها‬
‫ِ‬ ‫ترك َأثرا عمي ًقا في نفوس َأ ِ‬ ‫ِ‬
‫الجيل‬ ‫بناء‬ ‫الصحوة اإلسالم َّية‪ ..‬حيث َ ً‬ ‫عوامل َّ‬
‫العائد إلى اهلل؛ فجعل ُج َّل اهتمامه في مؤ َّلفاته لقض َّية بناء العقيدة في‬ ‫ِ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫الربان َّي َة‪ ..‬وتهيئتِه‬ ‫ِ‬
‫ركائزه‪..‬‬ ‫إلقامة‬ ‫المجتمع المسلم‪ ..‬وتربيته التربي َة اإليمان َّي َة َّ‬
‫ناتج‬ ‫لعباده؛ فر َأ ٰى َأ َّن‬‫ِ‬ ‫شريعة اهلل ا َّلتي ارتضاها‬‫ِ‬ ‫وتحكي ِم‬
‫ضياع المسلمي َن ٌ‬ ‫َ‬
‫الصحيحة‪..‬‬ ‫عن عد ِم ِ‬
‫الحق؛ فيجب دعوتُهم إلى العقيدة َّ‬ ‫فهمهم لإلسالم ِّ‬
‫ٍ‬ ‫ِ‬ ‫معنى «ال إله َّإل اهلل»‬ ‫ِ‬
‫النبي ﷺ‬ ‫منهج حياة‪ ..‬كما ع َّل َم ُّ‬ ‫َ‬ ‫باعتبارها‬ ‫ٰ‬ ‫يمهم‬ ‫وتعل ُ‬
‫مدرسة ِ‬
‫دار األَرق ِم المك َّية‪.‬‬ ‫ِ‬ ‫على ذلك‪ ..‬في‬ ‫َأصحا َبه الكرام‪ ،‬ور َّباهم ٰ‬
‫إخالصه لمبادئه‪ ..‬وإيمانُه‬ ‫ُ‬ ‫فكاره ‪ ‬هو‬ ‫كتب الحيا َة ألَ ِ‬ ‫إن ا َّلذي َ‬ ‫* َّ‬
‫نموذجا‬
‫ً‬ ‫جعل منها‬ ‫صدق‪ ..‬مما َ‬ ‫ٍ‬ ‫بها‪ ..‬وتجسيدُ ه لها في حياتِه الدعو َّية ِّ‬
‫بكل‬
‫على هذا‬ ‫َ‬
‫نحافظ ٰ‬ ‫الصادق؛ الذي يحتم علينا ـ نحن الدُّ عا َة ـ َأن‬ ‫ِ‬
‫للمؤمن َّ‬
‫االعتبار لحضارتِنا‬
‫َ‬ ‫الناشئ عليه؛ لكي نُعيدَ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫الجيل‬ ‫َّموذج ال َف ِّذ‪ ..‬ونر ِّب َي‬
‫ِ‬ ‫الن‬
‫الموت‬
‫َ‬ ‫َّموذج الفريد ِمن َقبل‪ ..‬وا َّلذي ِّ‬
‫يفض ُل‬ ‫َ‬ ‫العريقة ا َّلتي َع َر َفت هذا الن‬‫ِ‬

‫حد ِغ ْلمانِه‪..‬‬ ‫كأ ِ‬‫والس ِير في ِركَابِه َ‬


‫على الخضو ِع لحاك ِم مستبدٍّ ‪َّ ..‬‬
‫الصادقين؛‬
‫الح من العلماء َّ‬ ‫ريق ا َّلذي سلكَه سل ُفه َّ‬
‫الص ُ‬ ‫فسلك ‪ ‬ال َّط َ‬
‫َ‬
‫افعي‪ ،‬و َأحمدَ ِ‬
‫بن‬ ‫ٍ‬
‫ومالك‪َّ ،‬‬ ‫ب‪ ،‬و َأبي حنيف َة‪،‬‬ ‫ِ‬
‫سعيد ِ‬
‫بن المس َّي ِ‬ ‫َأ ِ‬
‫والش ِّ‬ ‫مثال‬
‫‪10‬‬
‫ِ‬
‫العلماء العاملي َن‬ ‫ِ‬
‫وغيرهم من‬ ‫السالم‪..‬‬ ‫والعز ِ ِ‬ ‫حنبل‪ِ ،‬‬
‫وابن تيم َّي َة‪،‬‬ ‫َ‬
‫بن عبد َّ‬ ‫ِّ‬
‫الحق َأما َم حاك ٍم؛ بل ثبتُوا‬
‫‪ ‬ا َّلذي َن حملوا رسال َة اإلسالم‪ ..‬وما َلنُوا في ِّ‬
‫ِ‬
‫َّعذيب والتَّقتيل!‬ ‫ِ‬
‫الحبس والت‬ ‫الرغ ِم من‬
‫على مبادئهم على ُّ‬
‫ٰ‬
‫مضى‬‫ٰ‬ ‫هان‪ ..‬بل‬ ‫بالحق‪ ،‬ثابتًا عليه فما َل َن وال َ‬ ‫ِّ‬ ‫متمسكًا‬
‫ِّ‬ ‫وظل ‪‬‬
‫الحق‬ ‫ِّ‬ ‫ِ‬
‫سبيل‬ ‫ِ‬
‫بالموت في‬ ‫الشهادة‪ ..‬ويستهي ُن‬ ‫وحب َّ‬ ‫ِ‬
‫الخلود‬ ‫ُي َر ِّد ُد نشيدَ‬
‫ُّ‬
‫طل ُق ُه‬ ‫ا َّلذي وهب له حياتَه وفكره‪َ ..‬فأصبح بقو ِة إيمانِ ِه يهز ُأ بالت ِ‬
‫َّهديد ا َّلذي ي ِ‬
‫ُ‬ ‫َ َّ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫لبالدهم‪..‬‬ ‫ِ‬ ‫والذ َّل َة‬
‫والعار ِّ‬ ‫َ‬
‫الهوان‬ ‫العمال ُء ا َّلذين باعوا دينَهم و ُأ َّمتَهم‪ ..‬وجلبوا‬
‫َ‬
‫واستعالئه بإيمانِ ِه‬
‫ِ‬ ‫اعتذار؛ لكنَّ ُه بصالبتِه‬
‫ِ‬ ‫الغاشم َبأ ِّ‬
‫قل‬ ‫ُ‬ ‫الحاكم‬
‫ُ‬ ‫رضي من ُه‬‫َ‬ ‫وقد‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫الص ِ‬
‫نافح بها عن اإلسالم عقيد ًة وسلوكًا‬ ‫ادق‪ ،‬وعقيدته الراسخة ا َّلتي َ‬ ‫َّ‬
‫ٍ‬ ‫ومنهج ٍ‬
‫اعتذار‪..‬فك َّل َف ُه ذلك حيا َت ُه؛ ألَنَّه كان َّ‬
‫قوي‬ ‫تقديم َأ ِّي‬
‫َ‬ ‫ورفض‬
‫َ‬ ‫حياة‪..‬‬ ‫َ‬
‫نيته!‬‫ضعف ب ِ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫والعزيمة‪ ..‬رغم‬ ‫ِ‬
‫واإليمان‬ ‫ِ‬
‫القلب‬
‫ُ‬
‫واسـتوعب‬
‫َ‬ ‫إسلامي‪َ ..‬مـن قر َأ له‬
‫ٌّ‬ ‫ِّـر‬ ‫* سـ ِّيد ُق ُطـب ‪َ ‬أ ٌ‬
‫ديـب ومفك ٌ‬
‫َ‬
‫يحيط‬ ‫بحـق‪ ..‬و َأن‬
‫فكره وآرا َءه ٍّ‬ ‫يجب عليـه َأن َ‬
‫يفهم َ‬ ‫مقاصـدَ ه فيمـا يكتُب؛ ُ‬
‫انتهى إليه‪.‬‬ ‫يعرف حقيقـ َة ِ‬
‫موقفه ا َّلـذي‬ ‫َ‬ ‫وتطو ِره فيهـا‪ ..‬كي‬ ‫بمراحـل حياتِـه‬
‫ِ‬
‫ٰ‬ ‫ُّ‬
‫ثم من ِّظ ًرا‬ ‫وشاعرا و َأدي ًبا وناقدً ا‪َّ ..‬‬
‫ثم مفك ًِّرا إسالم ًّيا‪َّ ..‬‬ ‫ً‬ ‫* بد َأ حياتَه كات ًبا‬
‫المتداول‪..‬‬
‫َ‬ ‫االصطالحي‬
‫ِّ‬ ‫وفقيها‪ ..‬بالمعنى‬
‫ً‬ ‫حاذ ًقا؛ فلم ي ُك ْن ً‬
‫عالما شرع ًّيا‬
‫بمصطلحات العلماء في بعض كتاباته‪ ..‬وعندما َ‬
‫نزل‬ ‫ِ‬ ‫ولذلك كان ال يلتز ُم‬
‫ٍ‬ ‫ولغة َع ْذ ٍبة‬
‫ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫يكتب فيها ُبأ‬
‫راقية‪،‬‬ ‫سلوب َأ ٍّ‬
‫دبي بلي ٍغ‬ ‫ُ‬ ‫الساح َة الدعو َّية‪ ،‬وبد َأ‬
‫َّ‬
‫كثير من المواضع ُّ‬
‫والش ِ‬
‫روح‬ ‫تعالى في ٍ‬ ‫ٰ‬ ‫جذب إليه ال ُق َّرا َء‪ ..‬وقد و َّفقه اهلل‬
‫َ‬
‫ائعة وال َّل ِ‬
‫فتات الق ِّيمة‪ ..‬حت َّٰى َّ‬
‫إن كتا َبه «في ظالل القرآن» لم‬ ‫والمعاني الر ِ‬
‫َّ‬
‫‪11‬‬

‫ُتب التَّفسير؛ بل‬ ‫ٍ‬


‫فقهية كباقي ك ِ‬ ‫فتاوى‬ ‫تفسيرا ألَحكا ٍم َأو‬ ‫ْ‬
‫يحمل في ط َّياته‬
‫ٰ‬ ‫ً‬
‫ِ‬
‫حياة المسلمي َن‬ ‫روح القرآن ذاتِه ومعانِيه‪ ..‬وربطِه بواق ِع‬ ‫ِ‬
‫إظهار ِ‬ ‫على‬
‫رك ََّز ٰ‬
‫ِ‬
‫وعباراته‪،‬‬ ‫بعض من لم ين ِْع ِم النَّظر في ج ِ‬
‫مله‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ُ‬ ‫عصرهم‪ ،‬ولر َّبما خالف ُه ُ َ ْ ُ‬ ‫بلغة‬
‫مقاص ِ‬
‫ده‪.‬‬ ‫ِ‬ ‫ٍ‬
‫بعيدة عن‬ ‫َ‬
‫محامل‬ ‫وحم َلها على‬

‫طروحات ا َّلتي تناولت َأفكاره‪ ،‬وتباينَت بي َن ٍّ‬


‫غلو‬ ‫ُ‬ ‫* كثيرة هي األُ‬
‫راسات ا َّلتي تم َّيزت باإلنصاف!‬ ‫ٍ‬
‫وجفاء‪ ..‬وقليل ٌة هي تلك الدِّ‬
‫ُ‬
‫ِ‬
‫مرتين‪.‬‬ ‫لقد ُظل َم سيد ُق ُطب َّ‬
‫ِ‬
‫تحيط به من كونه َأدي ًبا َّ‬
‫تحو َل‬ ‫ُ‬ ‫الج َفا ُة البيئة ا َّلتي كانت‬‫غفل ُ‬‫‪ -‬مر ًة حي َن َأ َ‬
‫على ماضيه‪ ..‬و َأخذوا يجلدو َن ُه بسبب‬‫فحاكموه ٰ‬
‫ُ‬ ‫اإلسالمي؛‬
‫ِّ‬ ‫ِ‬
‫الفكر‬ ‫للكتابة في‬
‫ِ‬
‫اإلسالمي؛ فلم َي ْع ُذرو ُه‪ ..‬كما ُ‬
‫عذروا الحكَّا َم‬ ‫َّ‬ ‫كتاباته ا َّلتي سب َقت ُّ‬
‫توج َهه‬
‫عالج القضايا في مؤ َّلفاتِه معالج َة األَديب‬
‫ديب َ‬ ‫الجائرين! ولم ُيرا ُعوا َبأنَّه َأ ٌ‬
‫فتناسوا حسناتِه‪ ..‬فنسفوها و َأغفلوها‪..‬‬ ‫والمفك ِِّر ُ‬
‫المت ََأ ِّلم على ُأ َّمته المك ُلومة؛ َ‬
‫ُ‬
‫ونفخوا فيها!‬ ‫وذكروا س ِّيئاتِه و َأخطا َءه‪..‬‬
‫لـون َأ ْن‬
‫يدافعـون عنه؛ فلا َي ْق َب َ‬
‫َ‬ ‫ومـر ًة حيـن ذهـب‪ ..‬غُالة آخـرون‬
‫‪َّ -‬‬
‫ت ُْسـندَ إليـه خطيئة!‬
‫وقع فيه من‬ ‫ِ‬ ‫ٍ‬ ‫وهذا َخ ْل ٌط بين ما قدَّ مه من‬
‫بعض ما َ‬ ‫عظيمة‪ ،‬وبين‬ ‫مواقف‬
‫َ‬
‫وخصوصا‬
‫ً‬ ‫َأخطاء‪ ..‬وحقيقة األَمر َأ َّن س ِّيدً ا ‪ ‬كان بين األَجر واألَجرين‪..‬‬
‫في المراحل األَخيرة من حياته‪.‬‬
‫على‬ ‫كتب عنه ـ ناقدً ا َأو ُمت َِّه ًما ـ رك ََّز في ٍ‬
‫كثير من األَحيان ٰ‬ ‫عظم َمن َ‬ ‫و ُم ُ‬
‫ٍ‬
‫مما كتب ُه آخرون عنه‪.‬‬ ‫مما كتب ُه هو‪َ ،‬أو َّ‬
‫مقاطع ُمجتز َأة َّ‬
‫َ‬
‫‪12‬‬

‫تحتاج مزيدً ا من‬ ‫بعض األَ ِ‬


‫لفاظ ا َّلتي قدْ‬ ‫ولر َّبما وجدنا في كتاباتِه َ‬
‫ُ‬
‫الشرع َّي ِة في العقيدة اإلسالم َّية‪ ،‬وهذا‬ ‫ِ‬
‫المصطلحات َّ‬ ‫لتتوافق َأ َ‬
‫كثر مع‬ ‫َ‬ ‫الدِّ َّق ِة‪،‬‬
‫إلى َأ ْن ُي َ‬
‫نسب إليه ما‬ ‫مر ٰ‬ ‫يصل األَ ُ‬
‫ويصيب؛ َأ َّما َأن َ‬
‫ُ‬ ‫يخطئ‬
‫ُ‬ ‫ال ُبدَّ منه ألَنَّه ٌ‬
‫بشر‬
‫ِ‬
‫الوجود ِ‬ ‫ِ‬ ‫الضا َّل ِة‪..‬‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ولم ُي ِر ْد ُه من‬
‫وغيرها‪..‬‬ ‫كـوحدة‬ ‫الفاسدة َّ‬ ‫العقائد‬ ‫لم يق ْل ُه‪ْ ..‬‬
‫ْ‬
‫ٍ‬
‫مقبول َألبتَّة‪.‬‬ ‫غير‬
‫فهذا ُ‬
‫الم ْلتبِ ِ‬
‫ِ‬
‫سة في كتاباته‪..‬‬ ‫الجوانب‬
‫ُ‬ ‫على بعض‬ ‫ٰ‬ ‫إن ا َّل َ‬
‫ذين ركَّزوا‬ ‫َّ‬
‫اإلبداع َّي ِة والتَّجديد َّي ِة‪،‬‬
‫ِ‬
‫ونصوصه‬ ‫الرائعة‪،‬‬ ‫ِ‬
‫َّظر عن َأدب َّياته َّ‬
‫وغضوا الن َ‬ ‫ُّ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫وروحه ال َّثور َّية‪ ،‬ومواقفه ا َّلتي دفع حياتَه ثمنًا لها؛ ُ‬
‫ظلموه ولم ينص ُفوه‪،‬‬
‫ٍ‬
‫حاجز‬ ‫عد َم ح ًّيا‪ ..‬و َع ِملوا على وض ِع‬
‫وحاولوا َأن يعدموه ميتًا بعد َأن ُأ ِ‬
‫ُ َْ‬ ‫ُ‬
‫ِ‬
‫الفساد‬ ‫نفسي بين المسلمين وفكره‪ ..‬ولم يخدموا بذلك سوى َأ ِ‬
‫نظمة‬ ‫ٰ‬ ‫ُ‬ ‫ٍّ‬
‫واالستبداد‪ ..‬وتي ِ‬
‫ارات التَّغريب‪.‬‬ ‫ِ‬
‫َّ‬

‫إن س ِّيد ُق ُطب ـ كغيره من بني آد َم ـ له َأخطاؤه وعثراتُه‪ ..‬فال َض ْي َر‬


‫َّ‬
‫ِ‬
‫العلماء‬ ‫الموضوعي‪ ..‬كغيره من‬
‫َّ‬ ‫العلمي‬
‫َّ‬ ‫ثم ُينقدَ النقدَ‬ ‫ف َأ ُ‬
‫فكاره‪َّ ..‬‬ ‫َأ ْن ت َ‬
‫ُعر َ‬
‫المطلوب‪،‬‬
‫ُ‬ ‫عيب‪ ..‬بل هو‬
‫حرج في ذلك وال َ‬ ‫والم ْصلحين‪ ..‬ال َ‬ ‫والمفكِّري َن ُ‬
‫ِ‬
‫دوره‬ ‫الشخص‪ ،‬وإلغا ُء‬ ‫ُبل َأن ُت َعدَّ َم َعاي ُبه؛ َأ َّما َأن َّ‬
‫يتم تشوي ُه َّ‬ ‫وكفى المر َء ن ً‬
‫ٍ‬
‫بشيء!‬ ‫ِ‬
‫العدل‬ ‫ِ‬
‫ميزان‬ ‫بإجحاف ودون إنصاف؛ فهذا ليس في‬ ‫ٍ‬

‫ٍ‬
‫قلـوب‬ ‫َّقـد كانـت منبعثـة مـن‬‫محـاوالت الن ِ‬
‫ِ‬ ‫بعـض‬‫ننكـر َأ َّن َ‬ ‫إنَّنـا ال‬
‫ُ‬
‫فالحـق ال يعلو عليـه َأحدٌ ‪ ،‬فال ِّ‬
‫ننز ُه سـ ِّيدً ا‬ ‫ُّ‬ ‫الحق؛‬
‫ـة إلظهـار ِّ‬ ‫مخلصـة‪ ،‬ومحب ٍ‬
‫ٍ‬
‫ُ َّ‬
‫ُ‬
‫ويؤخذ‬ ‫ٍ‬
‫إنسـان َّإل‬ ‫وحاشـا هلل ـ َأن ندَّ َ‬
‫عي له العصمـ َة‪َ ( :‬فما ْ‬
‫من‬ ‫َ‬ ‫مـن الخطـأ ـ‬
‫‪13‬‬
‫مالك إمـا ُم ِ‬
‫دار‬ ‫ِ‬
‫القبـر ﷺ ) كما كان اإلمـا ُم ٌ‬ ‫صاحـب هذا‬
‫َ‬ ‫منـه ويـر ُّد عليـه َّإل‬
‫الهجرة ‪ ‬يـر ِّد ُده‪.‬‬

‫ٌ‬
‫عبث‬ ‫ِ‬
‫وفكره‪..‬‬ ‫َّيل من شخص َّي ِة س ِّيد ُق ُطب ‪‬‬ ‫إن محاول َة الن ِ‬
‫َّ‬
‫ِ‬
‫بالخيبة‬ ‫معركة َلسوف يبو ُء صاح ُبها‬ ‫ٍ‬ ‫ُّزول معه في‬ ‫وسذاجة! والن َ‬
‫ِ‬
‫بروحه‬ ‫وحمى كلماتِه‬ ‫ٍ‬
‫صدق‪،‬‬ ‫جل قد َب َّل َغ فِك َْره بِك ُِّل‬‫فالر َ‬ ‫ِ‬
‫ٰ‬ ‫والخسران؛ َّ‬
‫قرير العين‪،‬‬ ‫مرفوع الر ْأ ِ‬ ‫إلى ر ِّبه ـ َّ‬ ‫ِ‬
‫س‪َ ،‬‬ ‫َ‬ ‫جل في ُعاله ـ‬ ‫ودمه‪ ..‬وسار ٰ‬
‫تعالى!‬
‫ٰ‬ ‫عزيزا شهيدً ا‪ْ ..‬‬
‫إن شا َء اهلل‬ ‫ً‬ ‫ً‬
‫شامخا‬

‫إن كتاب َه «في ظالل ال ُقرآن» هو عمد ٌة‬ ‫إِ َّننَا نقول ِّ‬
‫بكل ثقة واطمئنان ‪َّ :‬‬
‫بالغي‪ ،‬بل‬
‫ٍّ‬ ‫لمستقبل هذه األُ َّمة المرحومة‪ ،‬فهو ليس مجر َد تفسير َأ ٍّ‬
‫دبي‬
‫فترة الحياة في ظالل القرآن‪ ..‬كُتِبت في معترك‬‫هو خواطر وانطباعات من ِ‬

‫الصافي‬
‫الحياة اإليمانية‪ ..‬وفي المدرسة ال ُّيوسف َّية العمل َّية‪ ..‬ذات النَّبع َّ‬
‫دستور لمقاومة‬
‫ٌ‬ ‫ا َّلذي تمتدُ جذوره لمدرسة دار األَرقم المك َّية‪ ..‬فال ِّظالل‬
‫اومة المجاهدة‪..‬‬ ‫الم َق ِ‬ ‫االحتالل واالستبداد‪ ،‬وطاق ُة ٍ‬
‫نور ل ُ‬
‫أل َّمة ُ‬
‫ٍ‬
‫بشـكل‬ ‫ِ‬
‫إلنصـاف سـ ِّيد ُق ُطـب ‪ ‬و َأن تُقـر َأ كتاباتُه‬ ‫آن األَ ُ‬
‫وان‬ ‫* لقـد َ‬
‫برز رو ِ‬
‫اإلسلامي‬
‫ِّ‬ ‫ِ‬
‫الفكر‬ ‫اد‬ ‫باعتبـاره َأحدَ َأ ِ َّ‬
‫ِ‬ ‫موضوعـي‪ ،‬و َأ ْن ت ُْح َف َ‬
‫ـظ مكانتُه‪..‬‬ ‫ٍّ‬
‫ِ‬
‫القرن العشـرين‪..‬‬ ‫ِ‬
‫َّجديـد في‬ ‫ِ‬
‫واإلصلاح والت‬
‫ِ‬
‫حـوة فـي هـذه‬ ‫والص‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫َ‬ ‫راجيـ َن َأ ْن‬
‫الوعـي َّ‬ ‫بعـث‬ ‫ملهمـا لنـا فـي‬
‫يكـون ً‬
‫ٍ‬
‫دخيلة‬ ‫ومفاهيـم‬ ‫وشـذ مـن َأ ٍ‬
‫فكار‬ ‫َّ‬ ‫انحرف‬
‫َ‬ ‫جديد‪..‬ومصح ًحا لما‬ ‫األُ َّمـة مـن‬
‫َ‬ ‫ِّ‬
‫علـى هـذا الدِّ يـن القويم‪.‬‬
‫ٰ‬
‫‪14‬‬
‫ِ‬
‫الفريد‬ ‫كان االهتما ُم بنشر هذا الكتاب‬ ‫ِ‬
‫الجليل‪َ ..‬‬ ‫المنطلق‬
‫من هذا ُ‬
‫الصحوة المباركة في العصر الحديث‪..‬‬ ‫ِ‬
‫الرائد‪ ،‬دليل َّ‬
‫َّ‬

‫تم َّثل العمل فيما يلي‪:‬‬


‫وقد َ‬

‫السعود َّية ا َّلتي ُطبعت بإشراف‬


‫‪1‬ـ اعتما ُد نسخة وزارة المعارف ُّ‬
‫شقيقه األُستاذ الكبير محمد ُق ُطب ‪ ‬وكانت تُدرس بمدارس المملكة‬
‫العرب َّية السعود َّية‪.‬‬

‫‪ 2‬ـ َض ُ‬
‫بط ما ُيشكل من كلمات وعبارات بالكتاب؛ َّ‬
‫لئل تلتبس‬
‫الم َعاني على القارئ الكريم‪ ..‬مع وضع عالمات التَّرقيم المناسبة‪ ،‬وتلوين‬
‫َ‬
‫بعض الكلمات ا َّلتي كان يضعها ‪ ‬بين تنصيص ألَهميتها ‪.‬‬

‫‪ 3‬ـ َو ْضع عناوين توضيحية‪ ..‬وتمييزها بلون مميز؛ لمساعدة القارئ‬


‫على ُحسن الفهم والمتابعة‪..‬‬
‫ٰ‬
‫‪ 4‬ـ َو ْضع اآليات القرآنية بالرسم العثماني من مصحف المدينة النَّبوية‪.‬‬

‫‪ 5‬ـ تخريج األَحاديث وعزوها ٰ‬


‫إلى مصادرها‪.‬‬
‫(الم َؤ ِّلف) في آخر ِّ‬
‫كل تعليق‪.‬‬ ‫‪ 6‬ـ ت ََمييز تعليقات المؤ ِّلف بوضع كلمة ُ‬
‫‪ 7‬ـ التعليق على الكتاب ببعض الفوائد والتوضيحات‪.‬‬

‫على بعض المواضع المشكلة من الكتاب‪..‬‬


‫‪ 8‬ـ َوضع تنبيهات مختصرة ٰ‬
‫الج َفاة‪ ..‬ا َّلذين ُيشوهون صورته‪.‬‬
‫وا َّلتي يستغلها ال ُغالة‪ ،‬وفي ُمقابلهم ُ‬
‫‪ 9‬ـ و َضع ُت َبأو ِل الكتاب مدْ ً ِ‬
‫خل ُي ْلقي الضوء ٰ‬
‫على س ِّيد ُق ُطب اإلنسان‬ ‫َ‬ ‫َّ‬ ‫َ ْ‬
‫‪15‬‬

‫والم َفكِّر‪ ..‬و َأبرز االنتقادات ا َّلتي ُو ِّجهت لفكره‪ ..‬وشهادات العلماء له‪..‬‬
‫ُ‬
‫الم َعالم»‪..‬‬
‫الم إلى َ‬
‫«الم َع َ‬
‫وسميته‪َ :‬‬
‫َّ‬

‫العلي القدير‪ ..‬ا َّلذي َأنعم َّ‬


‫علي بنعمة العقل والدِّ ين‪..‬‬ ‫َّ‬ ‫و َأشكر اهلل‬

‫تعالى‪﴿ :‬ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ﴾ [يوسف‪.]76 :‬‬


‫ٰ‬ ‫قال‬

‫على توفيقه أن أعانني على ِخدْ مة هذا الكتاب‬ ‫تعالى ٰ‬ ‫ٰ‬ ‫كما َأشكره‬
‫المبارك‪ ..‬و َأرجو اهلل َأن ُي ْص ِلح به ما َفسد من العقائد والمناهج‪ ،‬و َأن يجعله‬
‫والصراط المستقيم‪.‬‬ ‫للرجو ِع إلى ِّ‬
‫الحق ِّ‬ ‫ناف ًعا‪ ..‬وداف ًعا ُّ‬
‫«م ْن َصن ََع إِ َل ْيك ُْم َم ْع ُرو ًفا َفكَافِئُو ُه؛ َفإِ ْن َل ْم ت ِ‬
‫َجدُ وا َما‬ ‫قال النَّبِ ُّي ﷺ‪َ :‬‬
‫ُتكَافِئُو َن ُه‪َ ،‬فا ْد ُعوا َل ُه َحت َّٰى ت ََر ْوا َأ َّنك ُْم َقدْ كَا َف ْأت ُُمو ُه»(‪.)1‬‬

‫الشكر ِّ‬
‫لكل َمن‬ ‫وتقديرا واعترا ًفا بالجميل‪َ ..‬أتقدَّ م بجزيل ُّ‬
‫ً‬ ‫ووفا ًء‬
‫رأي َأو‬ ‫ِ‬
‫إبداء ٍ‬ ‫علي في إتما ِم هذا العمل المتواضع‪ ..‬من‬ ‫ٌ‬
‫فضل َّ‬ ‫كان ل ُه‬
‫كل َمن استفدت من كتاباته ومقاالته(‪ )2‬من‬ ‫ٍ‬
‫نصيحة‪َ ..‬أو ِّ‬ ‫ٍ‬
‫راجعة َأو‬ ‫ُم‬

‫ا َّلذين كتبوا عن س ِّيد ُق ُطب بإنصاف‪ ..‬وسبقوننا بالخير؛ فجزاهم اهلل ً‬


‫خيرا‪.‬‬

‫الم ِق ٍّل‪ ،‬وضع ُت ُه بي َن يدي القارئ الكريم؛ فإن َأ َص ْب ُت‬


‫هذا ُج ْهدُ ُ‬
‫فمن َن ْف ِسي َّ‬
‫والشيطان‪.‬‬ ‫خطأت ِ‬ ‫ُ‬ ‫فمن اهلل وحدَ ُه‪ ،‬وإن َأ‬

‫(( ( رواه َأبو داود (‪ )1672‬عن عبد اهلل بن عمر ‪.‬‬


‫استفدت َأخبار األستاذ س ِّيد ُق ُطب ‪ ‬من الكتابات التي كُتِ َبت عنه‪ ،‬خاصة كتاب‪ « :‬س ِّيد ُق ُطب‬
‫ُ‬ ‫(( (‬
‫من الميالد لالستشهاد » للدكتور صالح الخالدي‪ ،‬و َأ ً‬
‫يضا من شقيقه شيخنا األستاذ محمد‬
‫قطب ‪ ‬فقد الزَ ْمتُه عندما كان يزور إصطنبول لإلجازة في الفترة (‪1991 -1988‬م) ‪.‬‬
‫‪16‬‬

‫خالصـا لوجهه الكريم‪..‬‬


‫ً‬ ‫َ‬
‫يجعل عملي‬ ‫وتعالـى ـ َأن‬
‫ٰ‬ ‫َأ َ‬
‫سـأ ُل اهللَ ـ تبـارك‬
‫وينفع به المسـلمين‪ ..‬ا َّل ُ‬
‫له َّم آمين!‬ ‫َ‬ ‫و َأن يتق َّبلـ ُه منِّـي‪..‬‬

‫الصالح‪.‬‬
‫السلف َّ‬
‫وفهم َّ‬
‫َ‬ ‫وسنَّ َة نب ِّي ِه ﷺ‬
‫خالف كتا َب ُه ُ‬
‫َ‬ ‫و َأ ْب َر ُأ إلى اهلل َّ‬
‫مما‬
‫رب العالمين‪.‬‬ ‫ِ‬
‫واهللُ من وراء القصد‪ ،‬والحمدُ هلل ِّ‬

‫كتبه‬

‫نزيل إصطنبول عفا اهلل عنه‬


‫عضو الهيئة ال ُعليا لرابطة علماء المسلمين‬
‫ؤسس مكتبة الغرباء‬
‫و ُم ِّ‬
‫‪ 18‬ربيع اآلخر ‪1438‬ﻫ‬
‫‪ 16‬ديسمبر ‪2017‬م‬
‫ٍ‬
‫قرينة‬ ‫الحكم على الن ِ‬
‫َّاس َي ْستَلز ُم وجو َد‬ ‫(إن‬
‫َّ‬
‫َ‬
‫ليس في َأيدينا‪،‬‬ ‫ٍ‬
‫مر َ‬ ‫ك‪ ،‬وهذا َأ ٌ‬‫الش َّ‬ ‫قاطعة ال ُ‬
‫تقبل َّ‬
‫نتعر ُض لقض َّية الحك ِم على النَّاس‪..‬‬ ‫فنحن ال َّ‬‫ُ‬ ‫ولذلك‬
‫ِ‬ ‫ً‬
‫بيان‬
‫همتُها ُ‬ ‫فضل عن كوننا دعو ًة و َل ْسنَا دول ًة‪ ..‬دعو ٌة ُم َّ‬
‫إصدار األَحكا ِم عليهم)‪.‬‬‫ُ‬ ‫ِ‬
‫الحقائق للن ِ‬
‫َّاس‪ ..‬ال‬
‫س ِّيد ُق ُطب‬
‫‪1‬‬
‫سيِّد ُق ُطب اإلنسان‬
‫فـات‪ ..‬النَّفسـ َّي ِة‪ ..‬والفكر َّي ِة‪..‬‬
‫جمـع سـيد ُق ُطب ‪ ‬العديد مـن الص ِ‬
‫ِّ‬ ‫ِّ‬
‫ُ ِ‬
‫والخ ُلق َّية َ‬
‫الح َسـنة‪.‬‬
‫ميل إلى ِ‬
‫الق َص ِر من ُه إلى‬ ‫عر‪َ ،‬أ َ‬ ‫الش ِ‬
‫ون‪ ،‬مج َّعدَ َّ‬ ‫كان ‪َ ‬أسمر ال َّل ِ‬
‫َ‬
‫ِ‬
‫المعشر‪ ..‬ال تفار ُقه‬ ‫حلو‬
‫َ‬ ‫ِ‬
‫المجلس‪،‬‬ ‫لطيف‬
‫َ‬ ‫ِ‬
‫اإلحساس‪،‬‬ ‫رقيق‬
‫َ‬ ‫ال ُّط ِ‬
‫ول‪،‬‬
‫ِ‬
‫لمساعدة اآلخرين‪ ..‬ولم‬ ‫رحيما مح ًّبا‬ ‫ٍ‬
‫دعابة م َّتزنة‪،‬‬ ‫قور‪ ،‬ذو‬
‫ً‬ ‫الو ُ‬ ‫ابتسامة َ‬
‫بسبب ظروفِه القاهرة‪.‬‬ ‫ِ‬ ‫يتزو ْج‬
‫َّ‬

‫والشـجاع ُة‪..‬‬ ‫الص ُ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ُ‬


‫دق‪َّ ..‬‬ ‫يحمـل جمل ًة من ِّ‬
‫الصفـات الحميدة منها‪ِّ :‬‬ ‫كان‬
‫والحـب‪ ..‬والوفـا ُء‪..‬‬ ‫ُّ‬ ‫والسـخا ُء‪..‬‬
‫َّ‬ ‫َّواضـع‪..‬‬
‫ُ‬ ‫والرجولـ ُة‪ ..‬والكـر ُم‪ ..‬والت‬ ‫ُّ‬
‫الحج ِة‬
‫َّ‬ ‫قـوي‬
‫َّ‬ ‫البديهة‪،‬‬‫ِ‬ ‫حاضر‬
‫َ‬
‫بذاكرة قوي ٍ‬
‫ـة‪،‬‬ ‫َّ‬
‫ٍ‬ ‫َّـع‬ ‫َ‬
‫وكان يتمت ُ‬ ‫والعاطفـ ُة الف َّياضـ ُة‪،‬‬
‫ِ‬
‫القـراءة والت ََّأ ُّم ِ‬ ‫ِ‬
‫ـل‪ ..‬شـديدَ‬ ‫فـي نقـده‪ ..‬شـغو ًفا بالمعرفـة واال ِّطلاع‪َ ،‬‬
‫كثيـر‬
‫ٍ‬
‫مهـادن فيه‪..‬‬ ‫غير‬ ‫يغضـب َّإل‬ ‫ِ‬
‫الحـق َ‬
‫ِّ‬ ‫للحـق‪ ،‬جري ًئا في‬
‫ِّ‬ ‫ُ‬ ‫علـى دينـه‪ ،‬ال‬
‫الغيـرة ٰ‬
‫ِ‬
‫واالسـتعالء علـى‬ ‫ِ‬
‫عليـه‪،‬‬ ‫ِ‬
‫واإلصـرار‬ ‫بطلا فـي ال َّث ِ‬
‫بـات علـى المبـدأ‬ ‫وكان ً‬
‫َ‬
‫ِ‬ ‫واإلغـراءات‪ِ ُّ ..‬‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫المحن‪،‬‬ ‫والزهد في متـا ِع الحياة‪َّ ،‬‬
‫والصبـر على‬ ‫المسـاومات‬
‫تعالى‪.‬‬ ‫ِ‬
‫بقضـاء اهلل‬ ‫والرضـا‬
‫ٰ‬ ‫ِّ‬
‫‪20‬‬
‫َ‬
‫يكون‬ ‫ِ‬
‫المصادفات َأن‬ ‫حد من اسمه نصيب‪ ..‬فليس من‬ ‫لكل َأ ٍ‬
‫وإذا كان ِّ‬
‫ِِ‬
‫اسمه «س ِّيد ُق ُطب!» فهذه دالل ٌة واضح ٌة تُع ِّب ُر عن سيادته بما ُخ َ‬
‫تم له من‬ ‫ُ‬
‫فكري مو َّف ٌق مبارك‪..‬‬
‫ٌّ‬ ‫ٌ‬
‫وإرث‬ ‫ِ‬
‫الخير؛ سير ٌة عطرةٌ‪..‬‬
‫دب والدَّ ِ‬
‫عوة؛ فقامتُه الكبيرةُ‪،‬‬ ‫ِ‬
‫للفكر واألَ ِ‬ ‫يكون ُقـْطـ ًبا‬
‫َ‬ ‫وليس غري ًبا َأن‬
‫اسمه في ال ُقلوب‪،‬‬ ‫الشامخ‪ ،‬ومواق ُف ُه ال ُبطول َّي ُة‪ ..‬ث َّبتت َ‬ ‫الر ُ‬
‫اسخ‪ ،‬وثباتُه َّ‬ ‫وإيمانُه َّ‬
‫ٍ‬
‫ووفاء؛ ألَنَّه‬ ‫وحب‬ ‫ٍ‬
‫وإجالل‬ ‫وذك َْره في التَّاريخ‪ ..‬بتعظي ٍم‬ ‫ورسمه في العقول‪ِ ،‬‬
‫ٍّ‬ ‫ْ َ‬
‫طريق‬
‫َ‬ ‫ِ‬
‫عاش بكيانه و َأحاسيسه ُيب ِّي ُن للنَّاس الخير‪ ..‬ويصف لهم في حياته‬ ‫ِ‬ ‫َ‬
‫ٍ‬
‫عظيمة‪..‬‬ ‫ٍ‬
‫وتضحيات‬ ‫ٍ‬
‫جليلة‪،‬‬ ‫مواقف‬
‫َ‬ ‫ِ‬
‫والهداية والنَّجاة‪ ..‬بما قدَّ م من‬ ‫الدِّ ِ‬
‫راية‬
‫العمالق‪ ،‬وكتاباتِه المباركة!‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ومشروعه‬ ‫الم َسدَّ ِد‪،‬‬ ‫وبعد مماتِه ِ‬
‫بفكره ُ‬
‫ِ‬
‫سماء‬ ‫صين‪ ..‬تو َّلدت النُّجو ُم المضيئ ُة في‬‫الر ِ‬ ‫الفكري َّ‬
‫ِّ‬ ‫فمن إنتاجه‬
‫شخص‬‫َّ‬ ‫الراشدة‪ ..‬ففكر ُه‬ ‫ِ‬
‫الصحو ُة َّ‬‫تاريخنا المعاصر‪ ..‬فا ْن َب َعثت منها َّ‬
‫ِ‬
‫والوجدان‪ ،‬وبعث‬ ‫الحس‬ ‫العالج‪ ..‬و َأحدث يقظ َة‬ ‫ِ‬
‫العصر‪ ،‬وقدَّ م‬ ‫مراض‬ ‫َأ َ‬
‫ِّ‬ ‫َ‬
‫ِ‬
‫الركا َم ا َّلذي َغش َي الفطر َة َّ‬
‫السليم َة‪.‬‬ ‫بالحق‪ ،‬و َأزال ُّ‬
‫ِّ‬ ‫عور‬
‫الش َ‬ ‫ُّ‬
‫ِ‬ ‫عش َر عا ًما مع األَ‬
‫جن خمس َة َ‬ ‫بالس ِ‬ ‫ِ‬
‫الشاقة‪..‬‬‫شغال َّ‬ ‫ورا ِّ‬‫وج ً‬ ‫لما َ‬ ‫ُحوك َم ُظ ً‬
‫صغره‪ ،‬وفي‬ ‫ِ‬ ‫دة ُ‬
‫منذ‬ ‫من؛ فلم يكن ‪ ‬يتمتَّع بصح ٍة جي ٍ‬ ‫الم ْز ِ‬ ‫رغم َ ِ‬
‫ِّ‬ ‫َّ‬ ‫ُ‬ ‫مرضه ُ‬
‫ٍ‬
‫مزمن في‬ ‫ٍ‬
‫والتهاب‬ ‫مراض شت َّٰى في معدتِه‪،‬‬
‫ٍ‬ ‫ات حياتِه كان ُيعاني من َأ‬ ‫ُأ ْخري ِ‬
‫ََ‬
‫ذهب األَدوي َة الالزم َة لعالجه‪.‬‬ ‫يحمل معه َأينما َ‬ ‫َ‬ ‫يضطره َأ ْن‬
‫ُّ‬ ‫رئتِ ِه‪ ،‬كان‬
‫غلى من حياتِه‪،‬‬ ‫شامخا؛ ألَ َّن ُه جعل َ‬
‫شرع اهلل َأ ٰ‬ ‫ً‬ ‫ومات‬
‫َ‬ ‫عزيزا‪..‬‬
‫عاش ‪ً ‬‬
‫على َأعواد المشنقة فدا ًء‬ ‫يشتري الحيا َة بمبادئه‪ ،‬واختار َأن ُيع َّلق ٰ‬ ‫َ‬ ‫ورفض َأن‬
‫َ‬
‫ِ‬ ‫ٍ‬ ‫إلى ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫آخر لحظة من حياته َأن يساو َم ٰ‬
‫على‬ ‫لعقيدته‪ ،‬والتزا ًما بدينه‪ ..‬ورفض ٰ‬
‫‪21‬‬
‫ِ‬
‫تنفيذ حك ِم اإلعدا ِم فيه ْ‬
‫إن‬ ‫ِ‬
‫اإلغراء بعدم‬ ‫الرغ ِم من‬ ‫مبادئه و َأ ِ‬
‫فكاره‪ ..‬على ُّ‬
‫المشهورة‪:‬‬
‫َ‬ ‫ِ‬
‫لرئيس الدَّ ولة‪ ..‬فقال ‪ ‬كلمتَه‬ ‫استعطاف‬
‫ٌ‬ ‫صدر منه‬
‫َ‬
‫ليرفض َأن‬ ‫ِ‬
‫ُ‬ ‫السبابة ا َّلذي يشهدُ هلل بالوحدان َّية في َّ‬
‫الصالة‪..‬‬ ‫إصبع َّ‬
‫َ‬ ‫(إن‬
‫َّ‬
‫حكم طاغية)(‪.)1‬‬ ‫َ‬ ‫يكتب حر ًفا واحدً ا‪ُ ..‬ي ِق ُّر ِبه‬
‫َ‬
‫ِ‬
‫بالحياة‬ ‫الرائدَ‬
‫فكره َّ‬‫وعندما شنقوه ‪ ‬غ َّيبوا جسدَ ه الفاني‪ ..‬و َأمدُّ وا َ‬
‫ِ‬
‫فحوله من مفك ٍِّر ومن ِّظ ٍر‪ٰ ..‬‬
‫إلى‬ ‫عكس ما َأرادوا‪َّ ..‬‬‫َ‬ ‫يمومة؛ فإعدا ُمه ح َّق َق‬ ‫والدَّ‬
‫ِ‬
‫المعاصر‪ ،‬و َم ْع َل ٍم من معال ِم الدُّ عاة والمصلحي َن‬ ‫اإلسالمي‬ ‫ِ‬
‫للفكر‬ ‫ٍ‬
‫رائد‬
‫ِّ‬
‫لينطلق به إلى الت ِ‬
‫َّغيير‬ ‫َ‬ ‫الصحوة‬ ‫ِ‬
‫العرب والمسلمين‪ ..‬ا ْم َت َط ٰى جوا َد َّ‬ ‫في بالد‬
‫ِ‬
‫واإلدراك والمعرفة‪.‬‬
‫جرمتْه األَنظم ُة َفأعدم ْت ُه‪ ..‬واحتضن ْت ُه األُ َّم ُة َفأحي ْت ُه؛‬ ‫* فس ِّيد ُق ُطب‪َّ :‬‬
‫فاألُ َّمة الباقي ٌة عزيز ٌة كريم ٌة‪ ..‬واألَنظم ُة الزَّائل ُة منس َّية‪.‬‬
‫ِ‬
‫إسالمي‬
‫ِّ‬ ‫على حياة مفكِّر‬
‫وعز ـ ٰ‬ ‫بكل كرامة ٍّ‬ ‫تار ـ ِّ‬ ‫وهكذا ُأسد َل ِّ‬
‫الس ُ‬
‫الستي َن عا ًما‪.‬‬
‫يناهز ِّ‬
‫عمر ُ‬‫لمعي‪ ،‬عن ٍ‬‫عظيم‪ ،‬و َأديب َأ ِّ‬
‫مات س َّيد ُق ُطب؟!‬
‫ولكن هل َ‬
‫عمـاق القلـوب َبأعمالِـه الجليلـة‪..‬‬
‫ِ‬ ‫كل! فمـا زال ح ًّيـا فـي َأ‬ ‫َّ‬
‫علـى‬
‫ٰ‬ ‫العظيمـة لِ ِد ينِـه‪ ..‬و َبقيـت مؤلفاتُـه وآراؤه تُنيـر الفكـر‬
‫ِ‬ ‫وخدمتـه‬
‫الس ِ‬
‫ـنين ال َّطويلـة‪..‬‬ ‫مـدى ِّ‬
‫ِ‬
‫ـي وو َّل ٰ‬
‫ـى‪ ..‬وال كرامـ َة لـه‪ ..‬وال‬ ‫مـات ونُس َ‬
‫َ‬ ‫ولكـن ال َّطاغيـ َة‪ ..‬قـد‬
‫ألَعوانُـه ال َّظلمـ ُة؛ ذهبـوا ٰ‬
‫إلـى مزبلـة التَّاريـخ‪.‬‬

‫((( « َأيام من حياتي» ‪ :‬لزينب الغزالي‪ ،‬ص ‪.١٨١‬‬


‫‪22‬‬
‫الش ِ‬‫على س ِّيد ُق ُطب وإخوانِه ُّ‬
‫هداء‪..‬‬ ‫َف َر ْح َم ُة اهلل ومغفرتُه ٰ‬
‫يعمل لرضى اهلل‪ ..‬و ْل ِ‬
‫ينتظر القتل ُة وال ُّطغا ُة ما وعدَ ُ‬
‫هم به اهلل‬ ‫وهني ًئا لم ْن ُ‬
‫تعالى‪:‬‬
‫ٰ‬ ‫تجتمع الخصوم! قال‬‫ُ‬ ‫ِ‬
‫العذاب‪ ..‬وعندَ اهلل‬ ‫من‬
‫﴿ﰆ ﰇ ﰈ ﰉ ﰊ ﰋ ﰌ﴾ [الزمر‪.]31 :‬‬
‫‪2‬‬
‫ِّ‬
‫المفكر‬ ‫سيِّد ُق ُطب‬
‫َأ َّو ًل ـ المراحل الفكرية لحياته‪:‬‬
‫يكتب‬‫ُ‬ ‫مراحل في حياتِه الفكر َّي ِة‪ ..‬وكان خال َلها‬ ‫َ‬ ‫مر س ِّيد ُق ُطب ‪ ‬بعدَّ ِة‬ ‫َّ‬
‫ِ‬
‫المرحلة؛‬ ‫فكره في َ‬
‫تلك‬ ‫كتاب يع ِّب ُر عن ِ‬ ‫ٍ‬ ‫ُتب‪ُّ ..‬‬
‫وكل‬ ‫ِ‬
‫المقاالت‪ ،‬ويؤ ِّل ُ‬
‫ف الك َ‬
‫َّزعة الوطن َّي ِة‬
‫فمن يقر ُأ مقاالتِه القديم َة يرى في ُأسلوبِه شي ًئا واضحا من الن ِ‬
‫ً‬ ‫ٰ‬ ‫َ‬
‫اإلسالمي ر َأ ٰى جهدَ ه‬ ‫ِ‬ ‫توج ِهه نحو‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ِّ‬ ‫الفكر‬ ‫والقوم َّية‪ ،‬و َمن قر َأ له في بداية ُّ‬
‫والحضارة الغرب َّي ِة‪ ،‬و َمن قر َأ‬
‫ِ‬ ‫محاربة االشتراك َّي ِة والر ْأسمال َّي ِة‬ ‫ِ‬ ‫الواضح في‬ ‫َ‬
‫الشرعي القوي في ِ‬
‫طرحه‪ ،‬ويرى العاطف َة الج َّياش َة‬ ‫َّ‬ ‫َّأثير َّ َّ‬ ‫كُت َبه األَخير َة ر َأى الت َ‬
‫ِ‬
‫كلمة‬ ‫شرح‬
‫وخصوصا ُ‬ ‫ً‬ ‫خصها العقيدةُ‪،‬‬ ‫ُبرى‪ ،‬ومن َأ ِّ‬ ‫تجا َه قضايا اإلسالم الك ٰ‬
‫َّوحيد «ال إله َّإل اهلل»‪.‬‬‫ِ‬ ‫الت‬

‫مر بها َأربعة‪:‬‬


‫فالمراحل ا َّلتي َّ‬
‫ُ‬
‫‪1‬ـ مرحل ُة األَ ِ‬
‫ديب المث َّقف (‪ 1925‬ـ ‪1939‬م) تقري ًبا‪.‬‬
‫اإلسالمي (‪ ١٩٣٩‬ـ ‪١٩٤٧‬م) تقري ًبا‪.‬‬
‫ِّ‬ ‫‪2‬ـ مرحل ُة األَديب‬
‫اإلسالمي (‪ ١٩٤٧‬ـ ‪١٩٥٣‬م) تقري ًبا‪.‬‬
‫ِّ‬ ‫‪3‬ـ مرحل ُة المفكِّر‬
‫اإلسالمي‪1953( :‬ـ ‪١٩٦٦‬م)‪.‬‬
‫ِّ‬ ‫‪ 4‬ـ مرحل ُة المن ِّظر‬
‫وانـتـهت‬
‫ْ‬ ‫وهي المرحلة األَخيرة ا َّلتي بـد َأ َت عـام (‪1953‬م)‬
‫‪24‬‬

‫ِ‬
‫باستـشـهاده ‪ ‬عـام (‪١٩٦٦‬م) َف ُكتُب هذه المرحلة َأ َ‬
‫ودع فيها خالص َة‬
‫عمله‪ ..‬وهـي‪:‬‬ ‫ُ‬ ‫تجربتِه‪ ،‬وعصار َة َأ ِ‬
‫فكاره‪ ،‬وزبـد َة ِ‬

‫التصور‬
‫ُّ‬ ‫و«خصائص‬
‫ُ‬ ‫ُ‬
‫و«المستقبل لهذا الـدِّ ين»‬ ‫«هذا الدِّ ين»‬
‫و«معالم في ال َّطريق» و«في‬
‫ُ‬ ‫اإلسالمي»‬
‫ِّ‬ ‫التصو ِر‬
‫ُّ‬ ‫مـات‬
‫ـو ُ‬ ‫و«م َق ِّ‬
‫اإلسـالمي» ُ‬
‫ِّ‬
‫ظالل القرآن»(‪.)1‬‬
‫ديب الن ِ‬
‫َّاقد‪ ..‬وبين‬ ‫اسع بين س ِّيد ُق ُطب األَ ِ‬ ‫الفرق َّ‬‫َ‬
‫الش َ‬ ‫ُتب تُب ِّي ُن‬
‫وهذه الك ُ‬
‫اإلسالمي و ُمنَ ِّظ ِر األُ َّمة‪.‬‬ ‫ِ‬
‫المجاهد‪ ،‬والمفك ِِّر‬ ‫س ِّيد الدَّ اعية‬
‫ِّ‬
‫ِ‬
‫لنهضة األُ َّمة‪:‬‬ ‫ثان ًيا ـ مشرو ُعه الفكري‬
‫ٍ‬
‫عبر‬
‫كل فترة مرت بها َ‬ ‫إن األُ َّمـ َة اإلسالم َّية اليو َم َأ ُ‬
‫حوج ما تكون من ِّ‬ ‫َّ‬
‫اإلصالح‪ ،‬وعن مشرو ِع نهضتِها‪ ،‬وعن ِ‬
‫إنقاذها من‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫الحديث عن‬ ‫التَّاريخ إلى‬
‫ِ‬
‫لحال‬ ‫وتنطلق هذه الحاج ُة من هذا الواق ِع المؤل ِم‬
‫ُ‬ ‫ِ‬
‫الكاسحة‪..‬‬ ‫العدو‬ ‫ِ‬
‫غزوات‬
‫ِّ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫الروح في‬ ‫ِ‬
‫ونفخ ُّ‬ ‫إحيائها‪،‬‬ ‫إلى‬
‫مس الحاجة ٰ‬ ‫األُ َّمة الجريحة‪ ..‬فهي اليو َم في َأ ِّ‬
‫ِ‬
‫للحياة من جديد‪.‬‬ ‫ِ‬
‫وهجها‬ ‫ِ‬
‫وإعادة‬ ‫جسدها‪ ،‬وتقوي ِم ِ‬
‫بنائها‪،‬‬ ‫ِ‬

‫فرادها؛ بل ُّ ٍ‬ ‫آلحاد َأ ِ‬
‫ِ‬ ‫وصناع ُة مشرو ِع األُ َّمة‪ ..‬ليس‬
‫حسب‬ ‫بـ َ‬‫كل فرد مطا َل ٌ‬
‫والمشاركة في إقامتِه‪ِ ،‬‬
‫وبنائه في األَرض بنا ًء‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫إعداده‪،‬‬ ‫ِ‬
‫بالمساهمة في‬ ‫ِ‬
‫وسعه ـ‬
‫ِ‬
‫البناء‪،‬‬ ‫لتاريخ هذه األُ َّمة في‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫الحياة فيها من جديد؛ امتدا ًدا‬ ‫يم ِّكنُها من صناعة‬
‫المبثوثة في ِ‬
‫ِ‬ ‫بقو ٍة‪ ،‬تحقي ًقا للخير ِّي ِة‬ ‫ِ‬
‫نفوسهم‪،‬‬ ‫وتمكين َأفرادها من العمل الجا ِّد َّ‬
‫هم صفاتِهم الحميدة‪.‬‬ ‫وا َّلتي هي من َأ ِّ‬
‫ٍ‬
‫جديد بمكتبة الغرباء بإذن اهلل‪.‬‬ ‫((( وقد عزمنا على نشر هذه الكتب في ثوب‬
‫‪25‬‬
‫َ‬
‫قليلون‪،‬‬ ‫كثيرون‪ ..‬ولك َّن العاملي َن منهم‬ ‫َ‬ ‫إن العلما َء في األُ َّمة‬ ‫َّ‬
‫إنقاذ األُ َّمة ونهضتِها!‬
‫ِ‬ ‫مشروع في‬
‫ٌ‬ ‫قل منهم َمن له‬ ‫ٍ‬
‫بكثير! و َأ ُّ‬ ‫والربان ِّيي َن َأ ُّ‬
‫قل‬ ‫َّ‬
‫َ‬
‫قليلون‪،‬‬ ‫كثيرون‪ ..‬لك َّن المفكِّري َن المو َّفقي َن‬ ‫َ‬ ‫َّاب اإلسالم ُّي َ‬
‫ون‬ ‫وكذا ال ُكت ُ‬
‫المشاريع الفكر َّي َة الك ٰ‬
‫ُبرى‬ ‫َ‬ ‫ٍ‬
‫بكثير جدًّ ا؛ ألَ َّن‬ ‫والمن ِّظري َن لمشاري ِع األُ َّمة َأ ُّ‬
‫قل‬
‫ُ‬
‫العقول الكبيرة!‬ ‫تصن ُعها‬
‫ِ‬
‫عصره؛‬ ‫برزهم في‬ ‫العبقري س ِّيد ُق ُطب ‪ ‬من َأ ِ‬ ‫ُّ‬ ‫و ُيعدُّ األُستا ُذ‬
‫ِ‬
‫ودفعه‬ ‫ِ‬
‫لتمكينه فعل ًّيا‪،‬‬ ‫الحياة البشر َّي ِة‬
‫ِ‬ ‫فمشرو ُعه هو مركز َّي ُة اإلسالم في‬
‫ِ‬
‫الوجود‪.‬‬ ‫ِ‬
‫لالستمرار في الوجود‪ ..‬بمعنى َأ َّن اإلسال َم هو غاي ُة‬ ‫روح ًّيا‬
‫افتتاح كتابِه «المستقبل لهذا الدِّ ين»‪:‬‬ ‫ِ‬ ‫يقول ‪ ‬في‬
‫مقوماتِها‪..‬‬ ‫حياة بشر َّي ٍة واقع َّي ٍة ِّ‬
‫بكل ِّ‬
‫ٍ‬ ‫منهج حياة‪..‬‬ ‫ُ‬ ‫منهج‪..‬‬
‫ٌ‬ ‫(اإلسال ُم‬
‫ِ‬
‫مكان‬
‫َ‬ ‫الوجود‪ ،‬ويحدِّ ُد‬ ‫يفس ُر طبيع َة‬ ‫االعتقادي ا َّلذي ِّ‬
‫َّ‬ ‫التصو َر‬
‫ُّ‬ ‫يشم ُل‬ ‫منهج َ‬ ‫ٌ‬
‫ُّظم‬ ‫ُ‬ ‫ِ‬ ‫الوجود‪ ،‬كما يحدِّ ُد غاي َة‬‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ويشمل الن َ‬ ‫اإلنساني‪،‬‬
‫ِّ‬ ‫وجوده‬ ‫اإلنسان في هذا‬
‫االعتقادي وتستندُ إليه‪،‬‬ ‫التصو ِر‬ ‫تنبثق من ذلك‬ ‫والتنظيمات الواقعي َة ا َّلتي ُ‬ ‫ِ‬
‫ِّ‬ ‫ُّ‬
‫خالقي والينبو ِع‬ ‫حياة البشر‪ ،‬كالنِّظام األَ‬ ‫وتجعل له صور ًة واقعي ًة متم ِّثل ًة في ِ‬ ‫ُ‬
‫ِّ‬ ‫َّ‬
‫لطة ا َّلتي يستمدُّ منها‪ ،‬والنِّظام‬ ‫سس ا َّلتي يقوم عليها‪ ،‬والس ِ‬ ‫ينبثق منه‪ ،‬واألُ ِ‬ ‫ا َّلذي ُ‬
‫ُّ‬ ‫ُ‬
‫ومقوماتِه‪ ،‬والنِّظام‬ ‫وأسسه ِّ‬
‫وخصائصه‪ ،‬والنِّظا ِم االجتماعي ُ ِ ِ‬
‫ِّ‬
‫ِ‬ ‫السياسي وشكلِه‬ ‫ِّ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ولي وعالقاته وارتباطاته‪.‬‬ ‫االقتصادي وفلسفته وتشكيالته‪ ،‬والنِّظا ِم الدَّ ِّ‬ ‫ِّ‬
‫منهج‬
‫َ‬ ‫ِ‬
‫باعتباره‬ ‫َ‬
‫المستقبل لهذا الدِّ ين‪ ،‬بهذا االعتبار‪،‬‬ ‫ونحن نعتقدُ َأ َّن‬‫ُ‬
‫ٍ‬ ‫ِ‬ ‫ٍ‬
‫بعضها عن‬ ‫منفصل ُ‬ ‫المقومات ك ِّلها مترابط ًة‪َ ،‬‬
‫غير‬ ‫ِّ‬ ‫على تلك‬ ‫يشتمل ٰ‬ ‫ُ‬ ‫حياة‪،‬‬
‫الحياة البشر َّي ِة‪ ،‬المل ِّب ِية لشت َّٰى‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫جوانب‬ ‫مة لشت َّٰى‬‫مات المن ِّظ ِ‬ ‫بعض‪ ،‬المقو ِ‬
‫ِّ‬ ‫ٍ‬
‫وجه الن ِ‬
‫َّشاط اإلنسان َّية‪.‬‬ ‫المهيمنة على شتَّى َأ ِ‬
‫ِ‬ ‫اإلنسان الحقيق َّي ِة‪،‬‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫حاجات‬
‫ٰ‬ ‫ٰ‬
‫‪26‬‬
‫ٍ‬
‫منعزلة‬ ‫عقيدة وجدان َّي ٍة‬
‫ٍ‬ ‫مجر َد‬ ‫االعتبار ـ ليس‬ ‫ِ‬ ‫ين ـ بهذا‬
‫َّ‬ ‫وهذا الدِّ ُ‬
‫صح َأ َّن هناك‬ ‫كل مجاالتِها الواقع َّية ـ ْ‬
‫إن َّ‬ ‫عن واقع الحياة البشر َّي ِة في ِّ‬
‫منعزلة عن واق ِع الحياة‬ ‫ٍ‬ ‫عقيدة وجدان َّي ٍة‬
‫ٍ‬ ‫مجر َد‬ ‫يمكن َأ ْن‬
‫يكون َّ‬
‫َ‬ ‫ُ‬ ‫دينًا إله ًّيا‬
‫رادى‬‫ين ُف ٰ‬
‫المؤمنون بهذا الدِّ َ‬‫َ‬ ‫شعائر تعبد َّي ٍة يؤ ِّديها‬
‫َ‬ ‫مجر َد‬
‫وليس َّ‬ ‫َ‬ ‫البشر َّية ـ‬
‫ِ‬ ‫ٍ‬ ‫َأو‬
‫اآلخرة‬ ‫طريق إلى‬ ‫فتكون لهم صف ُة هذا الدِّ ين! وليس َّ‬
‫مجر َد‬ ‫َ‬ ‫مجتمعين‪،‬‬
‫َ‬
‫ِ‬
‫لتحقيق‬ ‫طرق ُأخرى‬ ‫آخر َأو ٌ‬
‫طريق ُ‬‫ٌ‬ ‫خروي؛ بينما هناك‬
‫ِّ‬ ‫الفردوس األُ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫لتحقيق‬
‫ِ‬
‫وتنظيمات الدِّ ين‪.)1()...‬‬ ‫وغير نظ ِم‬
‫غير منهج الدِّ ين‪ُ ،‬‬
‫رضي‪ُ ،‬‬ ‫الفردوس األَ ِّ‬
‫ِ‬
‫مرحلة تاريخ َّي ٍة كانت األُ َّم ُة فيها‬ ‫ٍ‬ ‫ظهر في‬ ‫فمشروع س ِّيد ُق ُطب ‪َ ‬‬ ‫ُ‬
‫َّاريخ‬‫واإلسالمي‪ ،‬بد َأ رحلتَه في الت ِ‬ ‫العربي‬ ‫الفكر‬ ‫صعبة جدًّ ا؛ ألَ َّن‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬
‫بحالة‬
‫َّ‬ ‫َّ‬ ‫َ‬
‫هول َأمام‬‫والذ ِ‬ ‫دمة ُّ‬ ‫بشيء من الص ِ‬ ‫ٍ‬ ‫دولة الخالفة‪..‬‬ ‫رمز ِ‬ ‫الحديث بعد انهيار ِ‬ ‫ِ‬
‫َّ‬
‫فوقع‬
‫َ‬ ‫الغربي الكافر؛‬‫ِّ‬ ‫الكبير‪ ..‬بينَه وبي َن العال ِم‬ ‫ِ‬ ‫الحضاري‬
‫ِّ‬ ‫ِ‬
‫للفارق‬ ‫اكتشافِه‬
‫ُخبِها‪ ..‬بي َن ما يؤم ُن‬ ‫المظلومة‪ ..‬وفي رجاالتِها ون َ‬ ‫ِ‬ ‫َّفسي في األُ َّمة‬ ‫َّمز ُق الن ُّ‬ ‫الت ُّ‬
‫على باإليمان‪ ..‬وبي َن الواق ِع‬ ‫الحق‪ ،‬و َأ َّن ُأ َّمتَه هي األَ ٰ‬ ‫به من َأ َّن دينَه هو الدِّ ي ُن ُّ‬
‫واستكبار اآلخرين‪،‬‬ ‫ِ‬ ‫وعلو اآلخرين‪ ،‬وهوانِه‬ ‫ِّ‬ ‫انكشف َأما َمه؛ بين ذ َّلتِه‬ ‫َ‬ ‫ا َّلذي‬
‫وقو ِة اآلخري َن‪ ،‬وتخ ُّل ِفه وتقدُّ ِم اآلخري َن!‬ ‫وضعفه َّ‬
‫ِ‬

‫بمبادئ دينِ ِه‬


‫ِ‬ ‫ِ‬
‫المؤمن‬ ‫ِ‬
‫إيمان‬ ‫ِ‬
‫تجديد‬ ‫مشروع‬
‫ُ‬ ‫ومشرو ُعه ‪‬‬
‫فضل لها‬ ‫مستقبل َأ َ‬ ‫ٍ‬ ‫ِ‬
‫وصناعة‬ ‫نهضة ُأ َّمتِ ِه‪..‬‬‫ِ‬ ‫نحو‬ ‫ِ‬ ‫العظي ِم‪ِ َ ..‬‬
‫وش ْحذ هممه َ‬
‫ِ‬
‫المعمورة‪،‬‬ ‫شريعة اهلل تعالى ا َّلتي تضمن السياد َة والرياد َة في ِ‬
‫هذه‬ ‫ِ‬ ‫مع‬
‫ِّ‬ ‫ُ ِّ‬
‫ائم من الخضوع ِلنمط َّي ِة الواقعِ‪َ ،‬أو‬ ‫َّحذير الدَّ َ‬ ‫والسعاد َة في الدَّ ارين‪ ..‬والت َ‬ ‫َّ‬
‫عصر‬ ‫ِ‬
‫السعادة؛ هو‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ٍ‬ ‫ِ‬
‫ُ‬ ‫عصر َّ‬ ‫ُ‬ ‫العصور البائسة‪ ..‬وإنَّما‬ ‫عصر من‬ ‫التقولب في‬

‫((( «المستقبل لهذا الدين» ‪ :‬ص ‪ 5‬ـ ‪ ،6‬ط الشروق ‪.‬‬


‫‪27‬‬

‫والمدن َّي ِة‪ ،‬وهو‬ ‫بمرحلتيه الم ِّك َّي ِة‬


‫ِ‬ ‫ِ‬
‫الفريد‬ ‫القرآني‬
‫ِّ‬ ‫ِ‬
‫الجيل‬ ‫عصر‬
‫ُ‬ ‫الن َُّّبو ِة‪،‬‬
‫شرع اهلل‬
‫ُ‬ ‫ُيظِ ُّلها‬ ‫جديدة‪..‬‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬
‫لحضارة‬ ‫الحق ا َّلذي ِّ‬
‫يؤس ُس‬ ‫ِّ‬ ‫عصر اإلسالم‬ ‫ُ‬
‫الحكيم‪ ،‬وهد ُيه القويم‪.‬‬
‫وعاش من َأجلها‪..‬‬
‫َ‬ ‫إن من َأ ِ‬
‫برز القضايا ا َّلتي تبنَّاها س ِّيد ُق ُطب‪..‬‬ ‫* َّ‬
‫واستُشهدَ ثمنًا لها‪ ،‬هي‪:‬‬
‫والوالء ومعنى األُ َّمة‪ ،‬إيجا ُد‬ ‫ُ‬ ‫الشريعة‪ ،‬الهو َّي ُة‬ ‫الحاكم َّية‪ ،‬مكان ُة َّ‬
‫مراض األُ َّمة‪..‬‬ ‫ِ‬ ‫تشخيص َأ‬‫ُ‬ ‫المجتمع المسل ِم ا َّلذي يبني دول َة اإلسالم‪،‬‬
‫وعالج‪ ،‬النِّظام‬ ‫تشخيص‬ ‫فراد األُ َّمة‪..‬‬ ‫وتقديم العالجِ ‪ ،‬الهزيم ُة النَّفسي ُة ألَ ِ‬
‫ٌ‬ ‫ٌ‬ ‫ُ‬
‫مالمح‬
‫ُ‬ ‫وفق منهجه‪،‬‬ ‫العدالة االجتماع َّي ِة َ‬ ‫ِ‬ ‫تحقيق‬
‫ُ‬ ‫االجتماعي في اإلسالم‪،‬‬
‫ُّ‬
‫اشد‪ ،‬المنظوم ُة األَخالق َّي ُة في اإلسالم‪،‬‬ ‫النِّظام السياسي اإلسالمي الر ِ‬
‫ِّ َّ‬ ‫ِّ‬ ‫ِّ‬
‫والفرق بينَه‬ ‫ُ‬ ‫التحريري‪..‬‬
‫ُّ‬ ‫ودوره‬
‫ُ‬ ‫سبيل اهلل‪ ..‬وإيجاب َّيتُه‬ ‫ِ‬ ‫حقيق ُة الجهاد في‬
‫ِ‬
‫معايشة األُ َّمة‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫الشعوري ُة وضرورتُها‪َ ..‬‬
‫مع‬ ‫العقائد‪ ،‬ال ُعزل ُة ُّ‬ ‫اإلكراه على‬ ‫وبين‬
‫َ‬
‫بهات‬ ‫وقضاياها‪ ،‬اإلسالم هو الحضارةُ‪ ،‬التَّفسير اإلسالمي للتَّاريخ‪ ،‬دفع ُش ِ‬
‫ُ‬ ‫ُّ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬
‫وكشف مخ َّططاتِهم وإفشا ُلها‪.‬‬ ‫ُ‬ ‫عداء‪..‬‬ ‫عداء عن الدِّ ين‪ ،‬الصراع مع األَ ِ‬
‫ِّ ُ‬
‫األَ ِ‬

‫عوي‪:‬‬
‫ُّ‬ ‫ثال ًثا ـ منهجه الدَّ‬
‫تعالى وسن َِّة رسوله ﷺ‬ ‫ٰ‬ ‫ِ‬
‫كتاب اهلل‬ ‫هو دعو ُة األُ َّمة لالجتما ِع ٰ‬
‫على‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫والتَّحاك ِم إليهما‪ِ ،‬‬
‫إلى‬‫صورها و َأشكالها‪ ،‬والدَّ عوة ٰ‬ ‫ونبذ الجاهل َّية بجمي ِع‬
‫ِ‬
‫سبيل‬ ‫ِ‬
‫والمحن في‬ ‫ِ‬
‫الفتن‬ ‫والص ِبر على‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫كل َ‬‫ِّ‬
‫ذلك بالحكمة والموعظة الحسنة‪َّ ،‬‬
‫القاعدة الص ِ‬
‫لبة ا َّلتي‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫وبناء‬ ‫ٍ‬
‫مواجهة‪،‬‬ ‫كل‬ ‫ِ‬
‫المكافئة عندَ ِّ‬ ‫القو ِة‬ ‫ِ‬
‫ُّ‬ ‫ذلك‪ ،‬وإعداد َّ‬
‫وينشرها بين الن ِ‬
‫َّاس‬ ‫يحمل مبادئ هذه الدَّ ِ‬
‫عوة‪،‬‬ ‫ُ‬ ‫تكون نوا َة المجتمع ا َّلذي‬
‫ُ‬
‫ُ‬
‫‪28‬‬

‫لتكون رسال ُة اإلسالم العالم َّي ُة‬


‫َ‬ ‫والش ِ‬
‫رق؛‬ ‫ِ‬
‫الغرب َّ‬ ‫َ‬
‫طغيان‬ ‫عمل ًّيا‪ ،‬ويواج ُه بها‬
‫وتـكـون األُ َّم ُة اإلسالم َّي ُة األُ َّم َة َّ‬
‫الشاهدةَ‪ ،‬كما كانت من َق ْب ُل‪.‬‬ ‫َ‬ ‫هي ال ُعليا‪،‬‬
‫ٍ‬ ‫ٍ‬
‫المطلوب‬
‫َ‬ ‫خارق للعادة‪ ..‬لك َّن‬ ‫مطالبة بتقديم إبدا ٍع‬ ‫فاألُ َّم ُة اليو َم ُ‬
‫غير‬
‫وج ْع ِل‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫َّربية والدَّ ِ‬
‫العمل على الت ِ‬ ‫ُ‬
‫للجيل المنشود‪َ ..‬‬ ‫واإلعداد الجا ِّد‬ ‫عوة‬ ‫منها‬
‫تنتج ً‬
‫جيل ر َّبان ًّيا‬ ‫الز ِ‬ ‫ِ‬ ‫ٍ‬ ‫حجر َأ‬
‫من ُ‬ ‫َّشء‪..‬ومع َّ‬
‫َ‬ ‫لتربية الن‬ ‫ساس‬ ‫َ‬ ‫العقيدة اإلسالم َّية‬
‫وتهميش ُأ َّمتنا‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫والسيطرة عليها‪،‬‬ ‫يزيح الغرب عن تم ُّل ِك األَ ِ‬
‫نظمة العالم َّية‬ ‫َ‬ ‫ُ‬
‫وعلني‪.‬‬
‫ٍّ‬ ‫ٍ‬
‫واضح‬ ‫ٍ‬
‫بشكل‬

‫تخليص البشر َّي ِة من جمي ِع‬


‫ُ‬
‫ِ‬
‫الفريدة؛‬ ‫فاألُ َّم ُة اإلسالم َّي ُة من خصائصها‬
‫ٍ‬
‫مظهر يعتدي‬ ‫ف‪ ..‬والعبود َّي ِة ِ‬
‫لغير اهلل‪ ..‬ومن َأ ِّي‬ ‫مظاهر الجاهلية والتخ ُّل ِ‬
‫َّ‬ ‫ِ‬
‫سلطان اهلل تعالى في ِ‬
‫ملكه ُسبحانه‪.‬‬ ‫ِ‬ ‫على‬
‫ٰ‬ ‫ٰ‬

‫الدعوي لم تستوعبها الحرك ُة اإلسالم َّي ُة‬


‫ِّ‬ ‫رح في ِ‬
‫فكر س ِّيد‬ ‫فشمول َّي ُة ال َّط ِ‬
‫فكار َ‬
‫دون‬ ‫بعض األَ ِ‬ ‫كامل ًة‪ ..‬كما َأرا َدها هو ـ مع األَسف ـ َفأحيانًا ت ُ‬
‫ُؤخذ ُ‬
‫ِ‬ ‫ٍ‬
‫ُ‬
‫واإلفراط‬ ‫الغلو والجفا ُء‪،‬‬
‫ُّ‬ ‫فينتج منها‬
‫والرؤية؛ ُ‬‫دون اكتمال للحركة ُّ‬‫خرى‪َ ..‬‬‫ُأ ٰ‬
‫العمل اإلسالمي في الس ِ‬
‫احة‪..‬‬ ‫ِ‬ ‫كل ذلك سل ًبا على‬‫وينعكس ُّ‬ ‫والت ُ‬
‫َّفريط‪..‬‬
‫َّ‬ ‫ِّ‬ ‫ُ‬
‫ِ‬
‫الحركات اإلسالم َّية!‬ ‫ِ‬
‫لضرب‬ ‫ويستَخدم من ِقب ِل األَ ِ‬
‫عداء‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫ُْ‬
‫يحملون َه َّم هذه األُ َّمة‪،‬‬
‫َ‬ ‫فا َّلذي كان يطمح إليه سيد ‪ ‬هو تربي ُة ٍ‬
‫قادة‬ ‫ِّ‬ ‫ُ‬
‫لكل جزئ َّي ٍة في هذا‬ ‫ٍ‬
‫إدراك ِّ‬ ‫ٍ‬
‫سليمة‪ ..‬في‬ ‫ٍ‬
‫بعقيدة‬ ‫ويتحر َ‬
‫كون‬ ‫َّ‬ ‫ويتبن َ‬
‫َّون قضاياها‪،‬‬
‫الواقعِ؛ اجتماع ًّيا‪َ ،‬أو فكر ًّيا‪َ ،‬أو نفس ًّيا‪َ ،‬أو سياس ًّيا‪َ ،‬أو اقتصاد ًّيا‪َ ،‬أو دول ًّيا؛‬
‫ِ‬
‫للحياة من جديد!‬ ‫ِ‬
‫لعودة األُ َّمة اإلسالم َّية‬ ‫يمهدوا ال َّط َ‬
‫ريق‬ ‫حت َّٰى ِّ‬
‫‪29‬‬

‫ومنهج س ِّيد ُق ُطب ‪ ‬في الدعوة ليس الهروب من المجتمعات‪،‬‬


‫ُ‬
‫باني من‬ ‫فكره هو ميال ٌد للمجتم ِع َّ‬
‫الر ِّ‬ ‫تكفيرها؛ بل ُ‬
‫َ‬ ‫واالختفا َء عنها َأو‬
‫فالمسلم‬
‫ُ‬ ‫ومؤسساتِه؛‬
‫َّ‬ ‫بكل فئاتِه‬
‫يكون للمجتم ِع ِّ‬
‫ُ‬ ‫ٍ‬
‫جديد‪ ..‬وهذا الميال ُد‬
‫ِ‬
‫الوباء‪،‬‬ ‫الحاذق في َأ ِ‬
‫وقات‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫كالطبيب‬ ‫ِ‬
‫الحياة؛‬ ‫ِ‬
‫مفاصل‬ ‫موجو ٌد في ِّ‬
‫كل‬
‫المرض‪..‬‬ ‫َ‬ ‫ص‬ ‫شخ ُ‬‫يهرب‪ ..‬و ُي ِّ‬ ‫ُ‬ ‫يستطيع‪ ،‬وال‬ ‫ُ‬ ‫نفسه قدْ َر ما‬ ‫يحص ُن َ‬ ‫ِّ‬
‫خطرا‪ ..‬والدَّ اعي ُة‬ ‫الواقع مهما َ‬ ‫فمجال ِ‬ ‫ُ‬ ‫ِ‬
‫كان ً‬ ‫ُ‬ ‫عمله هذا‬ ‫العالج؛‬ ‫وينطلق في‬
‫ُ‬
‫كل‬ ‫المدعوي َن‪ ،‬يستخد ُم َّ‬ ‫حال ُأ َ‬
‫ولئك‬ ‫كان ُ‬ ‫َّاس‪ ..‬مهما َ‬ ‫ِ‬ ‫ُ‬
‫ِّ‬ ‫مجال دعوته هو الن ُ‬
‫ِ‬
‫واإلدارة‪،‬‬ ‫حدث نظر َّيات التَّنظي ِم‬ ‫َ‬ ‫ِ‬
‫المشروعة؛ فيط ِّب ُق َأ‬ ‫ِ‬
‫عصره‬ ‫ِ‬
‫وسائل‬
‫كل‬ ‫يسخ ُر َّ‬
‫فق الواس ِع ا َّلذي ِّ‬ ‫ساتي ذي األُ ِ‬ ‫ٍ‬ ‫َّ‬
‫المؤس ِّ‬ ‫َّ‬ ‫جديد في العمل‬ ‫وكل‬
‫تفر ُق األُ َّم َة‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫بناء األُ َّمة؛ َ‬ ‫بناء األُمة في ِ‬ ‫طاقات َأ ِ‬ ‫ِ‬
‫دون حزبية ض ِّيقة مقيتة‪ِّ ..‬‬ ‫َّ‬
‫ِ‬
‫الجماعة األُ ِّم‪..‬‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫فكرة‬ ‫تحر ًرا من‬ ‫وال تجم ُعها؛ فمصلح ُة الدَّ عوة تقتضي ُّ‬
‫ِ‬
‫طريقة‬ ‫يخ والمريدي َن على‬ ‫الش ِ‬ ‫فكرة َّ‬ ‫ِ‬ ‫وخروجا من‬ ‫المله ِم‪..‬‬ ‫الفذ‬ ‫ِ‬
‫والقائد ِّ‬
‫ً‬ ‫َ‬
‫ِ‬
‫والخرافات‬ ‫ساقت األُ َّم َة إلى البد ِع‬ ‫ِ‬ ‫اء‪ ..‬وا َّلتي‬ ‫مياء الصم ِ‬ ‫التَّبعي ِة الع ِ‬
‫َّ َّ‬ ‫َّ َ‬
‫كان سب ًبا لتس ُّلط األَعداء!‬ ‫ف ا َّلذي َ‬ ‫الالت‪ ..‬والتخ ُّل ِ‬ ‫ِ‬ ‫والض‬ ‫َّ‬

‫اع؟‬ ‫راب ًعا ـ هل لس ِّيد ُق ُطب َج َماع ٌة َ‬


‫وأ ْت َب ٌ‬
‫عوي‪..‬‬ ‫ِ‬
‫للعمل الدَّ ِّ‬ ‫وتنظير ُه‬
‫َ‬ ‫العلمي‪،‬‬
‫َّ‬ ‫وإنتاج ُه‬
‫َ‬ ‫قدَّ َم س ِّيد ُق ُطب ‪َ ‬‬
‫فكر ُه‬
‫رب‪..‬‬‫رفاق َد ٍ‬
‫يكون له ُ‬ ‫َ‬ ‫دون َأ ْن‬
‫يموت َ‬ ‫َ‬ ‫تعالى وقدَ ُر ُه َأ ْن‬
‫ٰ‬ ‫شاءت إراد ُة اهلل‬ ‫ْ‬ ‫ثم‬
‫َّ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫على يديه‪َ ..‬أو دعا ٌة ر َّباهم بمسيرة الدَّ عوة‪َ ..‬أو قاد ٌة َ‬
‫در ُجوا‬ ‫تالميذ تر َّبوا ٰ‬‫ُ‬ ‫َأو‬
‫جن بين الت َّْأ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِِ‬ ‫ِ‬
‫ليف‬ ‫الس ِ‬ ‫َأما َم عينه؛ َفأ ُ‬
‫كثر َأ ّيا ِم حياته الفكر َّية التَّنظير َّية قضاها في ِّ‬
‫بدمائه ال َّط ِ‬
‫اهرة‬ ‫ِ‬ ‫يد ال َّظال ِم‪ ،‬وشهدَ‬‫المزمن‪ ..‬حتَّى تو َّفاه اهللُ على ِ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫والمرض‬
‫ٰ‬ ‫ُ‬ ‫ٰ‬
‫‪30‬‬
‫صدق كلماتِ ِه اإليماني ِة المو َّف ِ‬
‫قة‪.‬‬ ‫ِ‬ ‫على‬
‫َّ‬ ‫ٰ‬
‫خصي لِ َما قر َأ ُه عن‬
‫َّ‬ ‫الش‬‫فهم ُه َّ‬ ‫تى بعدَ ه وقر َأ ل ُه‪َ ..‬‬
‫كان يم ِّث ُل َ‬ ‫وكل َم ْن َأ ٰ‬ ‫ُّ‬
‫ِ‬
‫وتأويالته الخاص َة به؛ ألَ َّن س ِّيدً ا لم يتس َّن له َأ ْن ُيقدِّ َم َ‬
‫فكر ُه‪،‬‬ ‫س ِّيد ُق ُطب‪ْ ..‬‬
‫حركة‪َ ،‬أو ٍ‬
‫كيان‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬
‫جمعية‪َ ،‬أو‬ ‫ٍ‬
‫جماعة‪َ ،‬أو‬ ‫ويشرح ر ْأ َي ُه ـ نظر ًّيا َأو عمل ًّيا ـ في‬
‫َ‬
‫دروس فرد َّي ٍة!‬
‫ٍ‬ ‫عملي‪َ ،‬أو‬‫ٍّ‬ ‫اجتماعي‬
‫ٍّ‬
‫لِتَـ ْبنِي عليه‬ ‫ُّ‬
‫تستغل اسم س ِّيد ُق ُطب ‪‬‬ ‫وبعض الجماعات اليوم‬
‫المخالفة لمنهج َأهل ُّ‬
‫السنَّة والجماعة‪ ،‬وربما تُوالي و ُت َعادي‬ ‫اطروحاتها ُ‬
‫وعلى َف ْهم خاطئ نس ُبوه له وهو منه براء‪ ،‬وما يفعله هؤالء‬
‫ٰ‬ ‫على َش ْخ ِصه‬
‫ٰ‬
‫الرجل ودعوته وتشويهها إلى حدٍّ ٍ‬
‫كبير‪.‬‬ ‫ِ‬ ‫بشكل ٍ‬‫ٍ‬ ‫ُي ْس ِهم‬
‫كبير في تقزيم فكْر َّ‬
‫فكر ٍ‬ ‫كل ٍ‬ ‫تراث س ِّيد ُق ُطب؛ هي َأ َّن َّ‬ ‫ِ‬
‫راق وعالي‬ ‫خرى في‬ ‫ومشكل ٌة ُأ ٰ‬
‫ِ‬
‫واستيعاب‬ ‫لفهم ِه‬
‫والوعي والرقي‪ِ ..‬‬
‫ِ ُّ ِّ‬
‫المستوى‪ ..‬يحتاج إلى مستوى من ال َّث ِ‬
‫قافة‬ ‫ً‬ ‫ُ ٰ‬ ‫ٰ‬
‫تمثيل ِ‬ ‫ِِ‬
‫فكره لم يو َّف ُقوا في ذلك؛ ر َّبما ألنَّهم َ‬
‫دون‬ ‫غلب َمن حاولوا َ‬ ‫مقاصده‪ ،‬و َأ ُ‬
‫إن‬ ‫هواهم‪َ ،‬أو َّ‬
‫ُ‬ ‫وافق‬
‫خذوا ما َ‬ ‫فكره ك ِّل ِه‪َ ،‬فأ ُ‬ ‫خذوا بمجام ِع ِ‬ ‫لم ْيأ ُ‬‫المستوى‪َ ،‬أو ْ‬
‫ٰ‬
‫الشريع ُة!‬ ‫ٍ‬
‫خطاء لم ت ُِق َّرها َّ‬ ‫صول؛ فوقعوا في َأ‬ ‫خلل في األُ ِ‬ ‫عندَ هم ً‬

‫لفكر ِه‪..‬‬ ‫ِ‬


‫اإلساءة ِ‬ ‫صون بنا؛ استغ ُّلوا هذه النقط َة في‬ ‫َ‬ ‫َفأعدا ُء الدِّ ين المتر ِّب‬
‫ِ‬
‫وإرهاب‪،‬‬‫ٌ‬ ‫ف‬ ‫على َأنَّه ُّ‬
‫تطر ٌ‬ ‫فكره ٰ‬ ‫بعض المواقف لهؤالء‪ ..‬وقدَّ موا َ‬ ‫واستغ ُّلوا َ‬
‫ِ‬
‫إلنقاذ‬ ‫مشروع ِه الن ِ‬
‫َّاجح‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫لضرب‬ ‫وكل َ‬
‫ذلك‬ ‫ِ‬
‫لإلساءة ل ُه‪ُّ ،‬‬ ‫واستثمروا َ‬
‫ذلك‬
‫إلى دفاعٍ‪ ..‬وشبه ًة‬ ‫تحتاج ٰ‬ ‫ُ‬ ‫اسم ِه وكتبِ ِه تهم ًة‬
‫ذكر ِ‬ ‫مجر ُد ِ‬ ‫صبح َّ‬ ‫األُ َّمة‪ ..‬حت َّٰى َأ َ‬
‫ٍ‬
‫توضيح!‬ ‫إلى‬
‫تحتاج ٰ‬ ‫ُ‬
‫تقليل من ِ‬
‫شأن ذلك الفكر‬ ‫ٍ‬
‫بجماعة ما هو ٌ‬ ‫إلصاق ِ‬
‫فكر س ِّيد ُق ُطب ‪‬‬ ‫َ‬ ‫َّ‬
‫إن‬
‫‪31‬‬

‫لشأنه‪ ،‬ذلك َأ َّن أكثر‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬


‫وحيثياته‪ ،‬وتهوي ٌن‬ ‫ِ‬
‫بمراحله‬ ‫ا َّلذي َأرا َد له َأن يكون ُم َط َّب ًقا‬
‫ِ‬
‫فكره‬ ‫تستطع تق ُّب َل‬ ‫الجماعات ا َّلتي تَدَّ عي َأحق َّيتها بفكر س ِّيد من غيرها لم‬ ‫ِ‬
‫ْ‬
‫ٍ‬
‫سامقة‬ ‫الفكر من رمز َّي ٍة‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫لصاحب هذا‬ ‫تستطع َل ْف َظه كل ًّيا‪ ،‬لما‬ ‫كل ًّيا‪ ،‬كما أنَّها لم‬
‫ْ‬
‫ِ‬ ‫نفوس األَ ِ‬ ‫ِ‬
‫كثيرا في مناهجها وآرائها‪،‬‬ ‫لذلك تراها تتخ َّب ُط ً‬‫المتالحقة‪َ ،‬‬ ‫جيال‬ ‫في‬
‫تميل َأحيانًا إلى ُمهادنة جلَّ ديها‪ ،‬وأحيانًا أخرى تُنافسهم على ُسلطتهم‪،‬‬ ‫ُ‬
‫ٍ‬ ‫ِ‬
‫بحياة َأ ٍ‬ ‫تسقط سقو ًطا شنيعا‪ ،‬وت ِ‬ ‫ِ‬ ‫وفي ِكال‬
‫طاهرة‪ ،‬فهم لم‬ ‫رواح‬ ‫ُودي‬ ‫ً‬ ‫ُ ُ‬ ‫الحالتين‬
‫كثيرا‪ ،‬ولم يفهموا منهج س ِّيد ُق ُطب ‪ ‬الذي كتبه‬ ‫رس ا َّلذي َّ‬
‫تكرر ً‬ ‫يتع َّلموا الدَّ َ‬
‫و َأ َرا َد ُه‪ ..‬واهلل المستعان!‬

‫خامسا ـ عقيد ُة س ِّيد ُق ُطب ونقده للمخالفين لمنهج َّ‬


‫السلف‪.‬‬ ‫ً‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫منهج‬
‫َ‬ ‫ونواقضها‪ ،‬وانتقدَ‬ ‫وخصائصها‬ ‫س ِّيد ُق ُطب ‪َّ ‬‬
‫اهتم بالعقيدة‬
‫فة‪،‬‬ ‫الة المتصو ِ‬ ‫والفالسفة و ُغ ِ‬
‫ِ‬ ‫الح من المتك ِّلمي َن‬ ‫الص ِ‬ ‫ِ‬
‫ِّ‬ ‫السلف َّ‬ ‫مخالفي َّ‬
‫ِ‬ ‫السن َِّة والجماعة‪ ،‬مع‬ ‫يقر ُرها َأ ُ‬ ‫ِ‬
‫اهتمامه‬ ‫هل ُّ‬ ‫نواقض اإليمان ا َّلتي ِّ‬ ‫َ‬ ‫وب َّين‬
‫ٍ‬
‫تشريعات‬ ‫بنبذ شر ِع اهلل تعالى‪ ،‬وتبنِّي‬ ‫المرتبط ِ‬
‫ِ‬ ‫بـشرك الحاكم َّي ِة‬ ‫ِ‬ ‫ديد‬ ‫الش ِ‬ ‫َّ‬
‫بترسيخ العقيدة في كتاباتِه وجع َل ُه من‬ ‫ِ‬ ‫فاهتم‬
‫َّ‬
‫ِ‬
‫وتعاليمه ‪،‬‬ ‫مناقضة للدِّ ِ‬
‫ين‬ ‫ٍ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ميزان اهلل‪ ،‬و َأ َّن‬ ‫كبر القيم حسبانًا في‬ ‫يرى َأ َّن العقيد َة هي َأ ُ‬ ‫َأولو َّياته؛ ألَنه ٰ‬
‫ِ‬
‫اإليمان باهلل تعالى‪.‬‬ ‫السل ِع سلع ُة‬ ‫هم ِّ‬ ‫َأ َّ‬
‫ِ‬
‫لعقيدة‬ ‫خيرة ‪ ‬يتب َّي ُن َأ َّن عقيدتَه موافق ٌة‬ ‫ِ‬
‫استقراء كُتبِه األَ ِ‬ ‫ومن خالل‬
‫والجماعة في الجملة‪:‬‬ ‫ِ‬ ‫السنَّة‬ ‫َأ ِ‬
‫هل ُّ‬
‫ِ‬
‫والفطرة‪،‬‬ ‫والسـن َِّة‪،‬‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫مصـادر تل ِّقـي العقيـدة‪:‬‬ ‫* فواف َقهـم فـي‬
‫الكتـاب‪ُّ ،‬‬
‫والعقل‪.‬‬
‫‪32‬‬
‫ِ‬
‫تقرير‬ ‫ِ‬
‫وعلمـاء الـكال ِم فـي‬ ‫ِ‬
‫الفالسـفة‬ ‫ِ‬
‫مخالفـة منهـج‬ ‫* وواف َقهـم فـي‬
‫ِ‬
‫الكتاب‬ ‫وموقفهم من َأ ِ‬
‫هـل‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫هـواء‪،‬‬‫هـل البـد ِع واألَ‬ ‫ِ‬
‫مخالفة َأ ِ‬ ‫العقيـدة‪ ،‬وفـي‬
‫ِ‬
‫ووجوب‬ ‫كفرهـم‬ ‫ِ‬
‫اعتقاد ِ‬ ‫ِ‬
‫والمالحـدة عمو ًما؛ فـي‬ ‫والمشـركي َن والوثن ِّييـ َن‬
‫ـز عنهم‪.‬‬ ‫ِ‬
‫بغضهـم والتم ُّي ِ‬
‫ِ‬
‫والعالقـة بيـن‬ ‫ِ‬
‫بالعمـل‪،‬‬ ‫اإليمـان وعالقتِـه‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫تعريـف‬ ‫* وواف َقهـم فـي‬
‫ِ‬
‫مرتكـب الكبيـرة‪.‬‬ ‫اإليمـان ونقصانِـه‪ ،‬وحكـ ِم‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫وزيـادة‬ ‫ِ‬
‫اإليمـان واإلسلام‪،‬‬
‫ٍ‬
‫جدل؛ ف َيتب َّي ُن من‬ ‫ثار حو َلها من‬ ‫َأ َّما فيما يتع َّل ُق بقض َّية الت ِ‬
‫َّكفير وما َ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫القول‬ ‫يفر ُق في الحك ِم بين‬ ‫ُّصوص المتع ِّل َقة بهذه القض َّية َأنَّه ِّ‬ ‫خالل جم ِع الن‬
‫نظمة واألَوضا ِع وبي َن الحك ِم على األَفراد‪،‬‬ ‫والقائل‪ ،‬وبين الحك ِم على األَ ِ‬ ‫ِ‬
‫ٍ‬
‫فقرات مجتز َأ ًة من‬ ‫بعضها اآلخر‪َ ،‬أو‬ ‫دون ِ‬
‫ُّصوص َ‬‫ِ‬ ‫بعض الن‬ ‫وا َّلذين اعتمدُ وا َ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫سياقها‪َ ،‬أو َأغفلوا َّ‬
‫فهموا‬
‫ُّصوص؛ ُ‬ ‫بعض الن‬ ‫كرت في سياق‬ ‫وابط ا َّلتي ُذ َ‬
‫الض َ‬
‫على ِ‬
‫غير ما َأراد‪.‬‬ ‫كال َمه ٰ‬
‫ِ‬ ‫عمومـا‪ ،‬وفـي حقيقـة الت‬
‫َّوحيـد‬ ‫ِ‬
‫القـدر‬ ‫ِ‬
‫مسـائل‬ ‫بـاب‬‫* وواف َقهـم فـي ِ‬
‫ً‬
‫فات‪ ،‬وإن كان لـه رأي في ِ‬
‫بيان‬ ‫سـماء والص ِ‬ ‫ِ‬ ‫والربوب َّية واألَ‬ ‫ِ‬ ‫وشـمولِه ل ُ‬
‫ٌ‬ ‫ِّ‬ ‫أللوه َّيـة ُّ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫لفظي‪.‬‬
‫ٌّ‬ ‫خلاف‬
‫ٌ‬ ‫ـلف؛ لكنَّ ُه‬
‫الس ُ‬ ‫والربوب َّيـة علـى غيـر ما عليـه َّ‬‫معنـى األُلوه َّيـة ُّ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫* وواف َقهـم في باب‬
‫َّواقض‬ ‫واإليمان؛ حيث َ‬
‫ذكـر الن َ‬ ‫َّوحيـد‬ ‫نواقض الت‬
‫ِّفـاق و َأ ِ‬
‫نواعـه‪ ،‬مـع‬ ‫والكفـر و َأ ِ‬
‫نواعـه‪ ،‬والن ِ‬ ‫ِ‬ ‫ـرك و َأ ِ‬
‫نواعـه‪،‬‬ ‫بالش ِ‬‫المتم ِّثلـ َة ِّ‬
‫ِ‬
‫الكفر‬ ‫برز َأنـوا ِع‬ ‫ِ‬
‫باعتبـاره َأ َ‬ ‫تفـر َع عنه‪..‬‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫اهتمامـه ببيـان شـرك الحاكم َّية وما َّ‬
‫ينتج ما سـواه‪.‬‬ ‫ِ‬
‫العصـر‪ ،‬وعنـه ُ‬ ‫فـي هـذا‬
‫‪3‬‬
‫فكر سِيّد ُق ُطب في الميزان‬
‫كبيرا بين‬
‫جدل ً‬ ‫ً‬ ‫فكر ُه‬
‫ثار ُ‬‫قدير‪َ ..‬أ َ‬
‫ٌ‬ ‫إسالمي‬
‫ٌّ‬ ‫س ِّيد ُق ُطب ‪ ‬مفك ٌِّر‬
‫مظاهر القو ِة والحيوي ِة واألَ ِ‬ ‫ٍ‬ ‫مؤ ِّي ٍد‬
‫صالة‬ ‫َّ‬ ‫ِ َّ‬ ‫مظهر من‬
‫ٌ‬ ‫ومنتقد‪ ..‬وهذا‬ ‫ٍ‬
‫ومعارض‬
‫لقوتِها‬ ‫ِ‬
‫فكارهم ح َّي ًة بعد رحيلهم َّ‬ ‫تبقى َأ ُ‬‫ٰ‬
‫ِ‬
‫والعظمة؛ فال ُعظما َء العباقر َة‬
‫ِ‬
‫وإحكامها‪.‬‬ ‫و َأصالتِها‬

‫َأ َّو ًل ـ مم ِّي ُ‬


‫زات فكرِه‪:‬‬
‫ودستورها‪ ..‬وهو‬
‫ُ‬ ‫وكتاب األُ َّمة‬
‫ُ‬ ‫رب العالمين‪..‬‬ ‫َ‬
‫القرآن العظيم كال ُم ِّ‬
‫ِ‬
‫القرآن‬ ‫فمفس ُر‬ ‫هدى وشفا ٌء للنَّاس؛‬ ‫شامل ومنظوم ٌة كامل ٌة‪ ..‬فيه‬‫ٌ‬ ‫منهج‬
‫ِّ‬ ‫ً‬ ‫ٌ‬
‫ِ‬ ‫آيات الغيبي ِ‬ ‫يتأم َل في ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫والعبادات‬ ‫ات‬ ‫َّ‬ ‫الشر ِع ـ َأ ْن َ َّ‬
‫وقواعد َّ‬ ‫بضوابط‬ ‫ُم َلز ٌم ـ‬
‫ِ‬
‫والمخلوقات‪ُّ ..‬‬
‫وكل هذا‬ ‫خالق والت ِ‬
‫َّاريخ‬ ‫ِ‬
‫والمواريث واألَ ِ‬ ‫ِ‬
‫والمعامالت‬
‫العلوم فرع عن الت ِ‬
‫َّوحيد ا َّلذي هو َأ ُ‬
‫صل اإلسالم ك ِّله‪.‬‬ ‫ٌ‬
‫المفس ِر س ِّيد ُق ُطب ‪ ‬و ُأ ُف ُقه في فه ِم نظا ِم‬
‫ِّ‬ ‫ومن هنا اتَّسعت رؤي ُة‬
‫تحت‬‫َ‬ ‫ِ‬
‫صول‬ ‫وإدراج األُ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫صول‪..‬‬ ‫تحت األُ‬
‫َ‬ ‫وإدراج الفرو ِع‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ومراده‪..‬‬ ‫اإلسالم‬
‫فكانت كتاباتُه مشرو ًعا فكر ًّيا‬
‫ْ‬ ‫الخالص؛‬
‫ُ‬ ‫هو التَّوحيدُ‬ ‫صل األَ ِ‬
‫كبر ا َّلذي َ‬ ‫األَ ِ‬
‫المسلم‬ ‫خاطب‬ ‫ِ‬
‫عصره‪ ،‬و ُي‬ ‫ِ‬
‫لمشكالت‬ ‫الشرع َّي َة‬ ‫َ‬
‫الحلول َّ‬ ‫ً‬
‫متكامل ُيقدِّ ُم‬
‫َ‬ ‫ُ‬
‫ٍ‬
‫سهولة و ُي ْس ٍر‪.‬‬ ‫ِّ‬
‫وبكل‬ ‫المعاصر بلغتِه‪..‬‬
‫َ‬
‫‪34‬‬
‫القرآن العظيم‪ ..‬واكتفى ِ‬
‫بفقه‬ ‫ِ‬ ‫فلو عاش س ِّيد معركتَه بعيدً ا عن‬
‫ٰ‬
‫ِ‬
‫القبول في األُ َّمة‪ ،‬لقد َأعطت ُه عظم ُة‬ ‫بلغ من‬‫بلغ ما َ‬‫المسائل فقط‪ ..‬لما َ‬ ‫ِ‬
‫ِ‬ ‫دق والرباني َة‪ ..‬واتِّساع الن ِ‬ ‫ِ‬
‫تى بفه ٍم‬‫الرؤية؛ َفأ ٰ‬ ‫َ‬
‫وشمول ُّ‬ ‫َّظرة‬ ‫َ‬ ‫َّ َّ‬ ‫الص َ‬‫القرآن ِّ‬
‫ويدخل في قلوبِهم‬‫ُ‬ ‫عصره‬ ‫ِ‬ ‫ٍ‬
‫سالسة ـ َ‬
‫جيل‬ ‫يخاطب ـ ِّ‬
‫بكل‬ ‫ٍ‬
‫جديد مم َّي ٍز‪..‬‬
‫ُ‬
‫ٍ‬
‫الحكيم ا َّلذي َ‬
‫وافق فطرتَه السليم َة‬ ‫ُ‬ ‫دون تك ُّلف‪ ،‬و َأعا َن ُه ٰ‬
‫على ذلك عق ُله‬
‫فعقل وا ٍع كهذا‪ ،‬ال يوازيه َّإل َأصال ُة قل ٍم‪ ..‬فقد‬ ‫تعالى؛ ٌ‬ ‫ٰ‬ ‫ِ‬
‫كتاب اهلل‬ ‫في فهم‬
‫ونادرا ما يجتمعان!‬ ‫ِ‬
‫وجمال القل ِم‪..‬‬ ‫ِ‬
‫الفكرة‬ ‫ين‪ِ :‬‬
‫قوة‬ ‫جمع بين الحسن َي ِ‬
‫ً‬ ‫َ‬
‫اإلسالمي‬ ‫ِ‬
‫الـفـكر‬ ‫ِ‬
‫حـركة‬ ‫ِ‬
‫مسـيرة‬ ‫فس ِّيد ُق ُطب ‪ ‬يم ِّث ُل عالم ًة مم َّيز ًة في‬
‫ِّ‬
‫َ‬
‫هناك ُكتَّا ًبا إسالم ِّيي َن كثيري َن‪ ..‬لك َّن المفكِّري َن المو َّفقي َن‬ ‫ِ‬
‫المعاصر؛ ألَ َّن‬
‫عصره؛ فتميزت كتاباتُه الملهم ُة بممي ٍ‬
‫زات‬ ‫ِ‬ ‫قليلون‪ ،‬وكان س ِّيد من َأ ِ‬
‫برزهم في‬ ‫َ‬
‫ِّ‬ ‫َّ‬
‫ُ‬
‫تملك‬ ‫فذ ًة مشرق ًة‬ ‫ِ‬
‫المعاصرة‪ ..‬كتابات َّ‬ ‫ِ‬
‫الكتابات‬ ‫ٍ‬
‫كثيرة بمقارنتها بمثيالتها من‬
‫وعمق الن ِ‬
‫َّظر‪ ،‬و ُبعدُ ه عن‬ ‫ُ‬ ‫ِ‬
‫البصيرة‪،‬‬ ‫فامتازت َبأ ٍ‬
‫مور منها‪ :‬نفا ُذ‬ ‫َ‬ ‫قلب ِ‬
‫قارئها‪..‬‬ ‫َ‬
‫والورع‪،‬‬ ‫تعالى‪،‬‬ ‫ِ‬
‫شعائر اهلل‬ ‫وتعظيم‬ ‫دق‪ ،‬والجدِّ َّي ُة‪،‬‬
‫والص ُ‬ ‫ِ‬
‫الفلسفة‪ ،‬وسع ُة األُ ِ‬
‫ُ‬ ‫ٰ‬ ‫ُ‬ ‫فق‪ِّ ،‬‬
‫والعلم ا َّلذي‬
‫ُ‬ ‫على ُأصول العقيدة‪،‬‬ ‫ِ‬
‫ُّصوص َّ‬
‫الشرع َّية‪ ،‬والتَّركي ُز ٰ‬ ‫والهيب ُة َأما َم الن‬
‫ِ‬
‫والبالغة في الدَّ عوة‪،‬‬ ‫العمل‪ ،‬ووضوح معال ِم المنهج‪ ،‬واستخدام ال ُّل ِ‬
‫غة‬ ‫ُ‬ ‫يصدِّ ُق ُه‬
‫ُ‬ ‫ُ‬
‫عصرهم‪.‬‬‫ِ‬ ‫َّاس ِ‬
‫بلغة‬ ‫ومخاطب ُة الن ِ‬

‫ثان ًياـ تأثير كالمه وكتاباته‪:‬‬


‫لس ِّيد ُق ُطب ‪ُ ‬أسلو ُبه ا َّلذي يتميز به في كتابته‪ُ ،‬أسلو ُبه ا َّلذي‬
‫بطاقة شخص َّي ٍة له؛ فله َألفاظ ومصطلحات خاصة به لطالما‬ ‫ٍ‬ ‫ُيعدُّ بمثابة‬
‫‪35‬‬

‫َب‪ ..‬ومن َأجلها جاهد‬ ‫ِ‬


‫محور قضيته ا َّلتي من َأجلها َكت َ‬
‫َ‬ ‫كررها وجعل منها‬
‫َّ‬
‫روحه؛ «قضية التَّوحيد‪ ،‬حاكم َّية اهلل سبحانه‪،‬‬
‫وناضل‪ ..‬وفي سبيلها بذل َ‬
‫التَّصور اإلسالمي‪ ،‬الجاهلية المعاصرة‪.»...‬‬
‫ِ‬ ‫الس ِ‬
‫على‬
‫احر‪ ،‬وقدرته ٰ‬ ‫ما نتكلم عنه هنا ليس مجر َد ُأسلوبِه األَ ِّ‬
‫دبي َّ‬
‫رصف الكلمات والتراكيب والترابط بين األَفكار وفقط؛ فهذه األَشياء‬ ‫ْ‬
‫غيره‪ ..‬بل هناك شيء آخر‬ ‫كثير من الكتَّاب ِ‬‫متوافرة عند س ِّيد وعند ٍ‬

‫بقى كلماتِه تنبِ ُض بالحياة عشرات‬


‫السر ا َّلذي َأ ٰ‬
‫إلى ذلك‪ ..‬إنَّه ِّ‬
‫باإلضافة ٰ‬
‫تتخرج فيها األَجيال ٰ‬
‫على‬ ‫السنين بعد موته‪ ..‬وا َّلذي جعل منهاجه مدرسة َّ‬
‫تعالى‪ ..‬فيما يكتب وفيما ُيع ِّلم‪.‬‬
‫ٰ‬ ‫الصدق الخالص هلل‬
‫الزمان‪ ..‬إنَّه ِّ‬
‫طول َّ‬

‫منهجا‬
‫ً‬ ‫على قراءة فكر س ِّيد ُق ُطب ‪ ‬تعطي صاحبها‬ ‫َّ‬
‫وإن المواظبة ٰ‬
‫تعالى؛ فيمتلك من خالل قراءته َأدا ًة للغوص‬‫ٰ‬ ‫جديدً ا للتعامل مع كتاب اهلل‬
‫والس ِير مع‬ ‫ِ‬ ‫في فهم معاني كال ِم اهلل‬
‫السورة ببعضها‪َّ ،‬‬‫تعالى‪ ،‬وربط موضوعات ُّ‬
‫ٰ‬
‫ِ‬
‫والتوقف مل ًّيا عند‬ ‫للسورة‪،‬‬
‫السياق القرآني بانسجام مع الوحدة الموضوع َّية ُّ‬ ‫ِّ‬
‫ِ‬
‫واستنباط المعاني الجديدة لآليات‪،‬‬ ‫األَلفاظ القرآنية ِ‬
‫ذات الدالالت العميقة‪،‬‬ ‫َّ‬
‫والتفري ِع عليها بما يتناسب مع ثقافة عصرنا‪ ..‬كل ذلك ٰ‬
‫على طريقة س ِّيد ‪.‬‬
‫ٍ‬
‫بثروة من األَفكار‬ ‫والقراءة في كتب س ِّيد ُق ُطب ‪ِّ ‬‬
‫تزود صاح َبها‬
‫فكار المنحرفة‬ ‫ِ‬
‫مواجهة األَ ِ‬ ‫ٍ‬
‫بثبات ُ‬
‫وشموخٍ في‬ ‫المتميزة‪ ..‬وتجعله يقف‬
‫تعالى باإلنكار والنقد‪َ ،‬أو ا ِّدعاء عد ِم‬
‫ٰ‬ ‫على شرع اهلل‬
‫ٰ‬ ‫ا َّلتي تتطاول‬
‫بصائر‬ ‫ٍ‬
‫جديدة تُنير‬ ‫ٍ‬
‫رؤية‬ ‫صالحيته لعصرنا؛ فتكون هذه األَفكار بمثابة‬
‫َ‬
‫‪36‬‬

‫المسحورين َبأفكار ال َعلمانيين ا َّلذين يريدون َأن يصنعوا واق ًعا من‬
‫جيال ثق ًة بهذا‬‫فكار تمنح األَ َ‬
‫الضالة المنحرفة‪ ..‬وهي َأ ٌ‬
‫نسج شهواتهم َّ‬ ‫ْ‬
‫الدِّ ين وهذه العقيدة الرصينة؛ فيستقر في َأعماق نفوسهم َأ َّن دي َن اهلل‬
‫العليم‬ ‫الخالق‬
‫ُ‬ ‫ٍ‬
‫ومكان‪ ..‬و َأنَّه ال َيص ُلح للتشريع َّإل‬ ‫ٍ‬
‫زمان‬ ‫صالح ِّ‬
‫لكل‬ ‫تعالى‬
‫ُ‬ ‫ٌ‬ ‫ٰ‬
‫ِ‬ ‫فكاره عن تعدُّ ِد الزوجات‪،‬‬
‫وإعطاء َّ‬
‫الذكَر‬ ‫على سبيل المثال َأ َ‬ ‫بما خلق‪ .‬انظر ٰ‬
‫ِ‬ ‫ومسأ ِلة َقوامة الرجل على المر َأة‪،‬‬
‫َ‬
‫وفلسفة‬ ‫ضعف حظ األَ ٰ‬
‫نثى من الميراث‪،‬‬ ‫َ‬
‫والتكامل بين الرجل والمر َأة‪ ..‬كل ذلك في ظالله عن سورة النساء‪.‬‬
‫ِ‬ ‫الزواج‪،‬‬

‫تعالى من خالل عظمة‬


‫ٰ‬ ‫ث قارئها عظمة اهلل‬ ‫وكلمات س ِّيد ‪ ‬ت ِ‬
‫ُور ُ‬
‫خ ْلقه؛ ُفأسلوبه في كتابة ظالل اآليات ا َّلتي تتحدث عن الكون والطبيعة‪،‬‬
‫ِ‬
‫وسجودها هلل‬ ‫ِ‬
‫وتسبيحها‬ ‫ْمة خ ْل ِقها‪،‬‬
‫وحك ِ‬
‫وسحر َألوانِها‪ِ ،‬‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫تناسقها‪،‬‬ ‫ِ‬
‫وجمال‬
‫تعالى وإيمانِها وفطرتِها‪ُ ..‬بأسلوب رفيع وإحساس شفيف‪ ..‬ليعمل عمله‬
‫ٰ‬
‫تعالى‪..‬‬
‫ٰ‬ ‫نفسه َع َظ َم ًة ُ‬
‫وح ًّبا وخضو ًعا هلل‬ ‫في قلب اإلنسان؛ فتمتلئ ُ‬

‫تعالى‪﴿ :‬ﮉﮊ ﮋﮌ‬


‫ٰ‬ ‫على سبيل المثال كال َمه عند قوله‬
‫انظر ٰ‬
‫ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ‪[ ﴾...‬آل عمران‪.]190 :‬‬

‫تعالى‪﴿ :‬ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ‬
‫ٰ‬ ‫وكذلك عند قوله‬

‫ﮦ ﮧ ﮨ ﮩﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ‬
‫ﯓ ﯔ‪[ ﴾...‬فاطر‪.]27 :‬‬

‫وكذلـك عند قولـه تعالـى‪﴿ :‬ﮛﮜﮝﮞﮟ﴾ [الواقعة‪.]6 :‬‬


‫وغيرها كثير‪.‬‬
‫‪37‬‬

‫ثال ًثا ـ الهجم َة َّ‬


‫الشرس َة ٰ‬
‫على فكره‪:‬‬
‫ِ‬
‫وعظيما‪ ،‬له فيه اجتهاداتُه‬
‫ً‬ ‫قدَّ َم س ِّيد ُق ُطب ‪ ‬ألُ َّمته مشرو ًعا ً‬
‫كبيرا‬
‫ِ‬
‫ويالت‬ ‫اإلجحاف في ح ِّقه والظلم الب ِّين‪ ..‬محاسبتُه عن ْتأ‬
‫ٌ‬ ‫ورؤي ُت ُه‪ ..‬ومن‬
‫ِ‬
‫لكالمه!‬ ‫غير ِه‬
‫ِ‬

‫على س ِّيد ُق ُطب وكُتبِه‪ ..‬وما ُي ُ‬


‫ثار حو َل ُه من‬ ‫الشرس َة ٰ‬ ‫إن هذه الهجم َة َّ‬
‫َّ‬
‫الفكري العظي ِم المبدع‪..‬‬ ‫ِ‬
‫لمشروعه‬ ‫وافتئات عليه‪ ..‬ما هو َّإل ضرب‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬
‫افتراء‬
‫ِّ‬
‫ِ‬
‫إلنقاذها‪ ،‬ولم‬ ‫ً‬
‫حلول إيمان َّي ًة عمل َّي ًة‬ ‫ص فيه مرض األُ َّمة‪ ،‬وقدَّ َم‬ ‫الذي َّ‬
‫شخ َ‬
‫يقظ األُ َّم َة به من ُس ِ‬
‫باتها‪ ،‬و َأزعج‬ ‫الح‪ ،‬و َأ َ‬‫الص ِ‬ ‫ِ‬
‫يخرج بها عن منهج سلفه َّ‬ ‫ْ‬
‫انتشارا واس ًعا‬
‫ً‬ ‫وانتشر مشرو ُعه‪..‬‬
‫َ‬ ‫فانتشرت كُت ُبه‪..‬‬
‫ْ‬ ‫العدو في مخ َّططاتِه!‬
‫ِ‬
‫وحركات الت ِ‬ ‫وتأ َّثر ِبه كثير من َأ ِ‬
‫اإلسالمي‪،‬‬
‫ِّ‬ ‫َّيار‬ ‫فراد‬ ‫ٌ‬ ‫في العال ِم اإلسالمي‪َ َ ،‬‬
‫ِ‬
‫االستعمار‪.‬‬ ‫ِ‬
‫المقاومة ضدَّ‬ ‫ِ‬
‫وحركات‬
‫وكان َأعداء اإلسالم حريصين على َأ ْن ي ِ‬
‫حد ُثوا الهزيم َة النَّفس َّي َة‪،‬‬ ‫ُ‬ ‫ٰ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬
‫الشخصي ِة المسلمة؛ ليتمكَّنوا من الس ِ‬ ‫َ‬ ‫هم الغرب َّي َة‬ ‫ِ‬
‫يطرة‬ ‫َّ‬ ‫َّ‬ ‫داخل َّ‬ ‫رس ُخوا ق َي َم ُ‬
‫و ُي ِّ‬
‫ِ‬
‫المعركة‪.‬‬ ‫ِ‬
‫وميدان‬ ‫على َأرض الواق ِع‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫السيطرة ٰ‬‫ثم َّ‬ ‫عليها من داخلها‪َّ ..‬‬
‫لهذه ِ‬
‫ِ‬ ‫الش ِ‬ ‫بالر ِ‬ ‫ِ‬
‫الق َيم‬ ‫ديد‬ ‫فض َّ‬ ‫ولقد وجدُ وا َأ َّن كتابات س ِّيد ُق ُطب تتم َّي ُز َّ‬
‫روح‬ ‫ُ‬
‫ويبعث في ِ‬ ‫ِ‬
‫الكاملة م َع ُه‪،‬‬ ‫ِ‬
‫والمفاصلة‬ ‫الغربي‪،‬‬ ‫المشروع‬ ‫ا َّلتي يحم ُلها‬
‫ُّ‬ ‫ُ‬
‫واالعتزاز بالعقيدة ِ‬
‫والق َيم‪ ،‬ومقاوم َة‬ ‫َ‬ ‫ِ‬
‫باإليمان‪،‬‬ ‫األُ َّمة وشبابِها االستعال َء‬
‫فقر ُروا َأ ْن يضر ُبوا‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫االستعمار واالحتالل‪ ..‬فيكون دافعا للتصدي لهيمنتهم؛ َّ‬
‫لتضعف‬
‫َ‬ ‫ِ‬
‫الفكر‪ ،‬و َأ ْن يضر ُبوا معنى الجهاد‪ ،‬ويغ ِّي ُ‬
‫روا مدلو َله‬ ‫جذور هذا‬
‫َ‬
‫‪38‬‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫عوب لسلطانهم وسيطرتهم؛ َفأ ُ‬
‫عدموا جسدَ ُه َأ َّو ًل‪..‬‬ ‫الش ُ‬ ‫وتخضع ُّ‬
‫َ‬ ‫المقاوم ُة‪،‬‬
‫بني جلدتِنا!‬ ‫يدي ْ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫بحرق كُتبِه َبأ ْ‬ ‫ثم ث َّل ُثوا‬
‫فكره ومشرو َعه ثان ًيا‪َّ ..‬‬
‫شو ُهوا َ‬‫ثم َّ‬
‫َّ‬
‫العدو‪ ،‬فتهد ُأ‬
‫ِّ‬ ‫قبل‬ ‫شك َأنَّها ت ُ‬
‫ُدار من ِ‬ ‫الهجمات المتتالية‪ ..‬ال َّ‬
‫ُ‬ ‫وهذه‬
‫ومع األَسف ـ‬ ‫ِ‬ ‫َ‬ ‫تلبث َأ ْن‬
‫ثم ال ُ‬ ‫ٍ‬
‫ب ما تقتضيه مصلحتُهم ـ َ‬ ‫حس َ‬
‫تنشط َ‬ ‫لفترة‪َّ ،‬‬
‫َ‬
‫يشتغلون‬ ‫مم ْن‬ ‫بعض ال ُكت ِ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫َّاب م َن المسلمي َن‪َّ ..‬‬ ‫الخبيثة ُ‬ ‫الحملة‬ ‫انضم لهذه‬
‫َّ‬
‫فبعضهم‬ ‫ِ‬ ‫عوة َأو ال َّث ِ‬
‫مجال الدَّ ِ‬ ‫ِ‬
‫متفاوت؛ ُ‬ ‫ٌ‬ ‫العلمي‬
‫ُّ‬ ‫مستواهم‬
‫ُ‬ ‫وهـؤالء‬ ‫قافة‪،‬‬ ‫في‬
‫عد عن ِ‬ ‫كل الب ِ‬
‫فقه‬ ‫مدارسهم بعيد ٌة َّ ُ‬
‫َ‬ ‫طل ُب عل ٍم‪ ..‬ولك َّن‬ ‫و َّعاظ‪ ،‬والبعض اآلخر َّ‬
‫وبعضهم‬
‫ُ‬ ‫وبعضهم مث َّقفون ‪،‬‬
‫ُ‬ ‫متحم َ‬
‫سون‪،‬‬ ‫ِّ‬ ‫وبعضهم دعا ٌة‬
‫ُ‬ ‫الشرع َّي ِة‪،‬‬
‫ياسة َّ‬‫الس ِ‬
‫ِّ‬
‫ِ‬ ‫فيتحم َ‬ ‫ٍ‬ ‫ون َأصحاب َأقال ٍم ْ‬ ‫َّاب نفع ُّي َ‬
‫لهذه‬ ‫حماسا شديدً ا‬
‫ً‬ ‫سون‬ ‫َّ‬ ‫جورة؛‬ ‫مأ‬ ‫ُكت ٌ‬
‫واضح ِ‬ ‫الشرعي َة والعقلي َة‪ ..‬بتك ُّل ٍ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫وغير‬ ‫ٍ‬ ‫ف‬ ‫َّ‬ ‫رون األَد َّل َة َّ َّ‬
‫سخ َ‬
‫الجائرة‪ ،‬و ُي ِّ‬ ‫الحملة‬
‫العدو ال‬
‫ِّ‬ ‫مشروع‬
‫َ‬ ‫فخدموا بعملِهم هذا‬
‫ُ‬
‫الش ِ‬
‫رسة؛‬ ‫ِ‬
‫الحملة َّ‬ ‫إلنجاح ِ‬
‫هذه‬ ‫ِ‬ ‫ٍ‬
‫منصف‬
‫غير‪ ..‬بعل ٍم َأو ِ‬
‫بغير علم!‬

‫َ‬
‫يكون‬ ‫مواقف َأ ِ‬
‫عداء اإلسالم‪ ..‬وال يمك ُن َأ ْن‬ ‫ِ‬ ‫فموق ُفهم هذا يلتقي مع‬
‫وخصوصا‬ ‫ِ‬
‫الخندق‪،‬‬ ‫ويقاتل مع ُه في ِ‬
‫نفس‬ ‫َ‬ ‫ٍ‬
‫واحد‪..‬‬ ‫صف‬
‫وعدو ُه في ٍّ‬ ‫المسلم‬
‫ً‬ ‫ُّ‬ ‫ُ‬
‫ِ‬
‫وحشد‬ ‫إلى إيقاظِها‬ ‫ِ‬ ‫تاريخ األُ َّمة ا َّلذي‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫نحتاج فيه ٰ‬ ‫ُ‬ ‫الحرج من‬ ‫الوقت‬ ‫في هذا‬
‫ومواجهة مخ َّططاتِهم المدم ِ‬
‫رة!‬ ‫ِ‬ ‫لمقاومة األَ ِ‬
‫عداء‬ ‫ِ‬ ‫َأ ِ‬
‫فرادها‬
‫ِّ‬
‫ِ‬
‫الحماس ضدَّ مشرو ِع‬ ‫نصف هذا‬
‫َ‬ ‫ظه ُروا‬‫المقابل لم ُي ِ‬
‫ِ‬ ‫وهم في‬
‫قيمها‬ ‫األَ ِ‬
‫عداء ومؤامراتِهم‪ ،‬والقي ِم الغرب َّي ِة ا َّلتي تغزو ُأ َّمتنا‪،‬‬
‫وتستهدف َ‬
‫ُ‬
‫نخرا‪.‬‬
‫وتنخرها ً‬
‫ُ‬
‫‪39‬‬

‫تستهدف النَّقدَ البنَّا َء‪ ،‬والنَّصيح َة‬


‫ُ‬ ‫ليت الحمل َة كانت علم َّي ًة صادق ًة‬
‫ويا َ‬
‫حيح‬
‫الص َ‬
‫َّصو َر َّ‬
‫وتعرض الت ُّ‬
‫ُ‬ ‫ٌ‬
‫إشكال‪،‬‬ ‫المسائل ا َّلتي فيها‬
‫َ‬ ‫وتطرح‬
‫ُ‬ ‫الخالص َة‪،‬‬
‫خيص‪،‬‬ ‫ِ‬
‫استخدمت األُ‬ ‫الشرع َّي ِة؛ ِ‬
‫ألد َّل ِة َّ‬
‫المستندَ ل َ‬
‫الر َ‬
‫اإلعالمي َّ‬
‫َّ‬ ‫سلوب‬
‫َ‬ ‫بل‬
‫علمي‪.‬‬
‫ٍّ‬ ‫ٍ‬
‫تمحيص‬ ‫وإلصاق الت َُّه ِم‪َ ،‬‬
‫دون‬ ‫َ‬ ‫وإطالق األَحكا ِم‪،‬‬
‫َ‬

‫كل مسل ٍم عندَ التَّقيي ِم َأ ْن يم ِّي َز‬


‫على ِّ‬
‫وجب ٰ‬
‫ُ‬ ‫َ‬
‫العدل في اإلسالم؛ ُي‬ ‫َّ‬
‫إن‬
‫كل‬ ‫على ِّ‬ ‫ِ‬
‫مناقشة َأ ِ‬ ‫ِ‬ ‫عن في األَ‬
‫بي َن ال َّط ِ‬
‫فكارهم؛ وهكذا ينبغي ٰ‬ ‫شخاص‪ ،‬وبي َن‬
‫غيره؛ َأن يستخد َم األُ‬ ‫ِ‬
‫كتابات س ِّيد ‪َ ‬أو ِ‬ ‫على‬ ‫َمن يريدُ َأن‬
‫سلوب‬
‫َ‬ ‫يحكم ٰ‬
‫َ‬
‫ِ‬
‫المعروفة عندَ العلماء‪ ،‬و َأ ْن‬ ‫الش ِ‬
‫رعية‬ ‫بقواعد ِه وضوابطِ ِه َّ‬
‫ِ‬ ‫العلمي المحايدَ‬
‫َّ‬
‫ٍ‬
‫تحامل‬ ‫عن الت ِ‬
‫َّيار ا َّلذي ينتمي إليه‪َ ،‬أو‬ ‫ناتج ِ‬
‫شخصي ٍ‬‫ٍّ‬ ‫ٍ‬
‫انحياز‬ ‫يتجر َد ِم ْن َأ ِّي‬
‫َّ‬
‫ِ‬
‫بالغيرة منه‪.‬‬ ‫ٍ‬
‫شعور‬ ‫شخصه وذاتِه‪َ ،‬أو‬ ‫ِ‬ ‫على‬‫ٰ‬

‫فئات ا َّلذين واجهوا َ‬


‫فكره‪:‬‬ ‫راب ًعا ـ ُ‬
‫‪ 1‬ـ َأ ُ‬
‫عداء اإلسالم‪:‬‬

‫والشيوع ِّيي َن وال َعلمان ِّيي َن و َأعوانِهم من ال َّظالمي َن‬


‫َّصارى ُّ‬
‫ٰ‬
‫ِ‬
‫اليهود والن‬ ‫من‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫مهاجمة اإلسالم‬ ‫منطق‬ ‫فكره من‬ ‫وال ُّطغاة و َمن شا َي َعهم‪ ..‬فهؤالء تو َّلوا َ‬
‫علمائ ِه ودعاتِ ِه‪.‬‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ومحاربة‬ ‫نفس ِه‪،‬‬
‫ِ‬

‫ون‪:‬‬
‫السطح ُّي َ‬
‫‪ 2‬ـ َّ‬
‫فقهم‪ ،‬وق َّل ِة‬
‫لضيق ُأ ِ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫فكره واستيعا َبه؛‬ ‫فهم‬
‫َ‬ ‫ا َّلذي َن لم ُيحسنُوا‬
‫ِ‬
‫يقل‪ ،‬و َأسندوا إليه َأ ً‬
‫فكارا‬ ‫فقولوه ما لم ْ‬‫ولهوى في نفوسهم‪َّ ..‬‬
‫ً‬ ‫علمهم‪،‬‬
‫ٍ‬
‫قاصر‪.‬‬ ‫باطل ًة بفه ٍم‬
‫‪40‬‬
‫بون ضدَّ ِ‬
‫فكره‪ ،‬وهم على َأنواع ‪:‬‬ ‫الم َت َع ِّص َ‬
‫‪3‬ـ ُ‬
‫ويستعين بهم‬
‫ُ‬ ‫مخالفيهم‪،‬‬
‫ْ‬ ‫على‬
‫ٰ‬ ‫ِ‬
‫الطين‬ ‫بالس‬
‫يستعينون َّ‬
‫َ‬ ‫منهم ا َّلذين‬
‫عاة‬ ‫ِ‬
‫العلماء الربانيين والدُّ ِ‬ ‫فهؤالء ُخصو ُم‬‫ِ‬ ‫الطين على المصلحين؛‬ ‫الس‬
‫َّ ِّ َ‬ ‫ُ‬ ‫َّ‬
‫َّاريخ‬ ‫ِ‬
‫واالستعمار‪ ،‬والت ُ‬ ‫للعدو‬ ‫تاريخ الدَّ ِ‬
‫عوة‪ ..‬وهم مط َّي ٌة‬ ‫ِ‬ ‫المخلصين في‬
‫ِّ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫َّب‪،‬‬ ‫الجائرة؛ إ َّما ٌ‬
‫جهل مرك ٌ‬ ‫الخصومة‬ ‫يشهد لهذا! وداف ُعهم األَ ُ‬
‫ساس لهذه‬
‫كان‬ ‫ٍ‬
‫شخص َ‬ ‫مقيت‪َ ،‬أو حسدٌ ٌ‬
‫قاتل‪ ..‬وإذا اجتمعت جمي ُعها في‬ ‫ٌ‬ ‫ب‬ ‫َأو ُّ‬
‫تعص ٌ‬
‫شباب األُ َّمة!‬
‫ِ‬ ‫ذلك طا َّم ًة ٰ‬
‫على‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫وآرائه‬ ‫فكره‬ ‫بعض الدُّ عاة الذين َّ‬
‫تعصبوا ضدَّ‬ ‫بون من‬
‫المتعص َ‬
‫ِّ‬ ‫ومنهم‬
‫ِ‬
‫العمل‬ ‫غريب على‬ ‫مرفوض‬ ‫فكره َبأنَّه‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ٌ‬ ‫ٌ‬ ‫في فقه الدَّ عوة والحركة‪ ،‬واتَّهموا َ‬
‫السجن!‬ ‫ِ‬
‫المريرة ا َّلتي َ‬ ‫اإلسالمي؛ ألَ َّنه نتاج الت ِ‬
‫عاشها في ِّ‬ ‫َّجربة‬ ‫ُ ُ‬ ‫ِّ‬
‫المنصفون‪:‬‬
‫َ‬ ‫المعتدلون‬
‫َ‬ ‫‪4‬ـ‬
‫ِ‬
‫والجماعة‬ ‫السنَّة‬ ‫ِ‬
‫باعتدال منهج َأ ِ‬ ‫وهم ا َّلذي َن تعاملوا مع ِ‬
‫هل ُّ‬ ‫فكره‬ ‫ُ‬
‫ِ‬
‫مرحلة‬ ‫إلى‬ ‫ِ‬ ‫ووسط َّيتِ ِه وشمول َّي ِته‪ ،‬وبالمنهج َّي ِة العلم َّي ِة؛ فلم يبالِغوا في‬
‫تقديره ٰ‬
‫ب‬ ‫التعص ِ‬ ‫ٍ‬
‫حرف كت َبه‪ ،‬ولم يغا ُلوا في‬ ‫ِ‬
‫وقبول ِّ‬
‫كل‬ ‫ِ‬
‫العصمة‪،‬‬ ‫ِ‬
‫َّقديس‪ ،‬وا ِّدعاء‬‫الت‬
‫ُّ‬
‫ضدَّ ه‪ ،‬ومجافاتِه ومهاجمتِه‪ ،‬كما َ‬
‫فعل اآلخرون‪.‬‬

‫والسن َِّة َ‬
‫وفق‬ ‫ِ‬
‫بالكتاب ُّ‬
‫ِ‬
‫العادل‪ ،‬المتم ِّث ِل‬ ‫ِ‬
‫بميزان اإلسالم‬ ‫فكره‬
‫ووزنُوا َ‬
‫ئمة األَعال ِم؛ َفأ ُ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫كثير ـ وهلل‬
‫الحق‪ ،‬وهو ٌ‬
‫وافق منه َّ‬ ‫خذوا ما َ‬ ‫قواعد وضوابط األَ َّ‬
‫نادر‪.‬‬ ‫الحق‪ ،‬وهو ٌ‬
‫قليل ٌ‬ ‫جانب َّ‬
‫َ‬ ‫فكر ِه ما‬
‫ورفضوا من ِ‬ ‫ُ‬ ‫الحمدُ ـ‬
‫‪41‬‬

‫على فكره‪:‬‬
‫واعتراضات ٰ‬
‫ٌ‬ ‫خامسا ـ نقدٌ‬
‫ً‬
‫ِ‬
‫بعض‬ ‫على‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫إن كثر َة ِ‬‫َّ‬
‫لفكره ‪ ‬واعتراضهم ٰ‬ ‫نقد غير المنصفين‬
‫حول ِ‬
‫فكره‬ ‫حدث ُش ٍ‬
‫بهات َ‬ ‫َ‬ ‫األُ ِ‬
‫مور ـ سوا ٌء من الموافقي َن له َأم المخالفي َن ـ َأ‬
‫ِ‬
‫صورته عند‬ ‫ِ‬
‫تشويه‬ ‫بهات في‬ ‫ساهمت هذه ُّ‬
‫الش ُ‬ ‫ْ‬ ‫ومشروعه العمالق‪ ..‬وقد‬ ‫ِ‬

‫حدثت نو ًعا من‬ ‫خاص ًة‪ ..‬و َأ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫المسلمي َن عا َّم ًة‪ ،‬والمث َّقفي َن‬
‫ْ‬ ‫الصحوة َّ‬ ‫وشباب َّ‬
‫حق‪ ..‬و ُأسي َء‬‫بغير ٍّ‬ ‫ِ‬
‫فكاره؛ ف ُظ ِل َم س ِّيد ُق ُطب ِ‬ ‫التَّشن ُِّج في النَّظر إلى ك ِ‬
‫ُتبه و َأ‬ ‫ٰ‬
‫ذنب‪.‬‬ ‫ٍ‬
‫جريرة وال ٍ‬ ‫إليه بال‬

‫الجائرة في ح ِّق ِه ‪ ‬هي في كيف َّي ِة‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬


‫المشكلة‬ ‫الرئيس لهذه‬
‫ُ‬ ‫بب‬
‫والس ُ‬
‫َّ‬
‫خذ‬ ‫ٍ‬
‫قارئ كان ْيأ ُ‬ ‫ومنهجه‪ ..‬فالمشكل ُة في ُق َّر ِائ ِه؛ ألَ َّن َّ‬
‫كل‬ ‫ِ‬ ‫التَّعاطي مع كتاباتِه‬
‫ٍ‬
‫خلفية ثقافية‪:‬‬ ‫ضوء ما ِ‬
‫لديه من‬ ‫ِ‬ ‫على‬
‫يفهم وما يشتهي ٰ‬‫منه ما ُ‬
‫َ‬
‫استنطاق‬ ‫ِ‬
‫حاولت‬ ‫ِ‬
‫المغالية ا َّلتي‬ ‫ِ‬ ‫سن ن َّي ٍة‪ ..‬مثل الت‬
‫َّيارات‬ ‫بح ِ‬‫فبعضهم ُ‬ ‫ـ ُ‬
‫ِ‬ ‫ِِ‬ ‫وعباراته بما يؤ ِّدي إلى الت ِ‬ ‫ِ‬ ‫كلماتِ ِه‬
‫قواعدهم‬ ‫ب‬ ‫َّكفير ومشت َّقاته؛ َ‬
‫حس َ‬
‫وضوابطِهم الغال َية‪.‬‬

‫ص العداء لإلسالم والمسلمين‪..‬‬ ‫ـ وبعضهم بسوء ن َّية‪ ..‬وتر ُّب ِ‬


‫مثل العلمانيين والحداثيين ا َّلذين اندفعوا في ْتأييدهم لمشاريع الغرب‬
‫الساحة؛ فص ُّفوا‬
‫وخدمتها‪ ،‬وترجموها في خصومتهم مع اإلسالميين في َّ‬
‫حساباتهم مع فكر س ِّيد ُق ُطب!‬

‫صحاب قراءات مريضة؛ فهؤالء آفتهم في عقولهم‬


‫ُ‬ ‫ـ وبعضهم َأ‬
‫‪42‬‬

‫وقلوبهم‪َ ،‬أو في ن َّياتهم؛ فيحكمون على المقابل من غير إنصاف وعدل!‬


‫َبأفكار خاصة مع َّينة سطح َّية في بعض فروع العقيدة والدَّ عوة‪.‬‬

‫ـ وهناك قراءات خبيثة ماكرة لفكر س ِّيد ُق ُطب من قبل األَجهزة األَمنية‬
‫شماعة‬
‫إلى َّ‬
‫في النُّظم القمعية؛ فيهدفون لتحويل شخصيته وفكره وكتاباته‪ٰ ..‬‬
‫السجون والمعتقالت؛‬ ‫يع ِّلقون عليها الثمرات َّ‬
‫المرة لسياساتهم القمعية في ُّ‬
‫مما َأفرز لنا َّ‬
‫دوامات التطرف ا َّلتي ال تنتهي!‬

‫بيب ـ َأ َّن س ِّيد ُق ُطب ‪ ‬تبن َّٰى قضايا شرع َّي ًة‬
‫واعلم ـ َأ ُّيها القارئ ال َّل ُ‬
‫اهر‪..‬‬ ‫بماء عينه‪ ..‬ثم ختمها ِ‬
‫بدمه ال َّط ِ‬ ‫كبيرةً‪َ ،‬أوضحها في كتاباتِه ا َّلتي كتبها ِ‬
‫َّ‬
‫جلها‪ُّ ..‬‬
‫وكل‬ ‫َّفيس من َأ ِ‬ ‫وضحى بالغالي والن ِ‬
‫َّ‬ ‫ً‬
‫مناضل‪..‬‬ ‫وعاش في ظاللِه‬‫َ‬
‫ِ‬
‫لنهضة األُ َّمة من ُسباتها‪.‬‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫على ِ‬
‫ومشروعه‬ ‫وفهمه‬ ‫فكره‬ ‫كان عالم ًة دا َّلة ٰ‬
‫ذلك َ‬
‫ِ‬
‫مضمون ما قدَّ َم ُه‬ ‫الغريب في األَ ِ‬
‫مر؛ َأ َّن المسلمي َن ابتعدوا عن‬ ‫ولك َّن‬
‫َ‬
‫ٍ‬
‫تحت‬‫َ‬ ‫مقصود‬ ‫العمالق من خير ٍعظي ٍم؛ بسبب استخدا ٍم َأ ٍّ‬
‫مني‬ ‫ُ‬ ‫الر ُ‬
‫جل‬ ‫هذا َّ‬
‫لفاظ بعينِها؛ بسبب بدع‬ ‫وغبار التَّكفير‪ ..‬ولتصيد البعض ألَ ٍ‬
‫ُّ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫اإلرهاب‪،‬‬ ‫حج ِة‬
‫َّ‬
‫عقلي‪.‬‬ ‫ٍ‬
‫قصور‬ ‫جهل عقي ٍم‪َ ،‬أو‬
‫ٍ‬ ‫مرضي‪َ ،‬أو‬ ‫نفسي‬ ‫ٍ‬
‫انحراف‬ ‫غالبة من ال ُغالة‪َ ،‬أو‬
‫ٍّ‬ ‫ٍّ‬ ‫ٍّ‬

‫ضاعت القضايا األَصل َّي ُة‪،‬‬‫ِ‬ ‫ِ‬


‫ونفيه؛‬ ‫الركام بين االتِّها ِم‬ ‫وتحت هذا ُّ‬ ‫َ‬
‫الخبث الواضح ُة عند الكثير منهم؛ فلم‬ ‫ِ‬ ‫والمشروع الج َّبار! وكانت عالم ُة‬
‫ُ‬
‫محل إجما ِع األُ َّمة‪..‬وغيا ُبها هو‬
‫يلتفتوا إلى القضايا ا َّلتي دعا إليها‪ ..‬وهي ُّ‬
‫ف األُ َّمة وتبعيتِها‪.‬‬
‫سبب تخ ُّل ِ‬
‫ُ‬
‫كلمات انتزعوها من ِ‬
‫ٍ‬ ‫ِ‬
‫سياقها‪ ،‬لم يتبنَّوا َ‬
‫تلك‬ ‫هؤالء ا َّلذي َن وقفوا ٰ‬
‫على‬
‫‪43‬‬

‫بزعمهم؛ بل اكت َفوا‬ ‫ِ‬ ‫ً‬


‫خطأ‬ ‫القضايا‪ ،‬ولم يحملوها مع تجنُّبهم لما يرونَه‬
‫ِ‬ ‫َّشغيب والت ِ‬
‫ِ‬
‫كثر مـن‬ ‫الحق‪ْ ..‬بل تما َدوا َأ َ‬
‫كتمان ِّ‬ ‫على‬
‫ثم تواطؤوا ٰ‬ ‫َّغبير‪َّ ..‬‬ ‫بالت‬
‫ِّهامات الموج ِ‬
‫هة لس ِّيد‪ ..‬من ًعا‬ ‫ِ‬ ‫َّهم بنفس االت‬ ‫هذا‪ ،‬فقالوا‪َّ :‬‬
‫َّ‬ ‫الحق مت ٌ‬
‫إن َمن يب ِّي ُن َّ‬
‫للحق‪ ..‬واهلل المستعان!‬ ‫ِّ‬ ‫ألَي ٍ‬
‫بيان‬ ‫ِّ‬
‫ِ‬
‫ولعل َأبرز ما يستوقفنا عند مناقشة األَخطاء ا َّلتي َ‬
‫وقع فيها س ِّيد‬ ‫َّ‬ ‫*‬
‫ُق ُطب ‪ ‬تتلخص فيما يلي‪:‬‬
‫ِ‬
‫كالموقف‬ ‫ٍ‬
‫معتبرة ـ‬ ‫‪1‬ـ قضايا علم َّية خالف َّية ـ سوا ٌء كانت معتبر ًة َأو غير‬
‫َّبي ﷺ‪.‬‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫سحر الن ِّ‬ ‫حديث اآلحاد‪ ،‬وقض َّية‬ ‫من‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫تحولِه‬ ‫ِ‬
‫الفكر‬ ‫للكتابة في‬ ‫الكتب ا َّلتي َأ َّلفها قبل بداية ُّ‬ ‫‪2‬ـ َأخطاء في‬
‫راسات اإلسالم َّية‪ ..‬ومن اإلنصاف َأن‬ ‫ِ‬ ‫تعم ِقه في الدِّ‬ ‫َ‬
‫وقبل ُّ‬ ‫اإلسالمي‪،‬‬
‫ِّ‬
‫المتأ ِّخ َر ِة‬
‫َ‬ ‫حة‪ ،‬وفي كتبِه‬ ‫نذكر َأنَّه تراجع عن الكثير منها في طبعاتِها المن َّق ِ‬

‫ما يخال ُفها َأو ُ‬


‫ينقضها‪.‬‬

‫ُطلب‬
‫المعاني ت ُ‬
‫َ‬ ‫نعلم َأ َّو ًل َأ َّن‬
‫فيجب َأن َ‬
‫ُ‬ ‫‪ 3‬ـ كتاباته األَدب َّية والبالغية؛‬
‫لفاظ؛ فمن طلب المعاني من األَ ِ‬
‫لفاظ َّ‬
‫ضل‪ ..‬وقوا ُم‬ ‫من المفاهي ِم ال من األَ ِ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ِ‬
‫وسعة‬ ‫ِ‬
‫العبارة‪،‬‬ ‫َّمثيل‪ ،‬ور َّق ِة‬
‫َّخييل والت ِ‬ ‫الكتابات األَدبي ِة يقوم على الت ِ‬
‫َّشبيه والت ِ‬ ‫ِ‬
‫َّ‬
‫ِ‬
‫وللعاطفة على الفكر‪.‬‬ ‫التَّعبير‪ ..‬وفي هذا غلب ٌة للحس على ال َّل ِ‬
‫فظ‪،‬‬ ‫ِّ‬
‫الم ِر ِنة‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫خاض بعباراته األَدب َّية َ‬ ‫ومشكل ُة س ِّيد ُق ُطب ـ َ‬
‫غفر اهلل له ـ أ َّن ُه َ‬
‫ومسائل ع َقد َّي ٍة‪ ..‬وهي في األَساس توقيف َّي ٌة بالنُّصوص‬ ‫َ‬ ‫هذه في قضايا‬
‫ِ‬
‫المسائل‬ ‫ِ‬
‫بعض‬ ‫دبي ‪َ ‬‬
‫حول‬ ‫تتحم ُل َألفا ًظا َأدبي ًة؛ فكال ُمه األَ ُّ‬
‫َّ‬ ‫َّ‬
‫الشرع َّية‪ ،‬وال‬
‫‪44‬‬

‫السن َِّة‬ ‫خالف ما عليه َأ ُ‬


‫هل ُّ‬ ‫َ‬ ‫بعضهم منه َأ َّن ُه ِّ‬
‫يقر ُر‬ ‫استنتج ُ‬
‫َ‬ ‫موهم ً‬
‫فعل؛ ولذا‬ ‫ٌ‬
‫تلك‬ ‫وضوحا َ‬
‫حول َ‬ ‫ً‬ ‫آخر َأ َ‬
‫كثر‬ ‫والجماعة‪ ..‬ولكنَّنا نجدُ له ـ َأ ً‬
‫يضا ـ كال ًما َ‬
‫ِ‬
‫وتأويل‬ ‫ِ‬
‫الوجود(‪،)1‬‬ ‫ِ‬
‫ووحدة‬ ‫ِ‬
‫القرآن‪،‬‬ ‫ِ‬
‫بخلق‬ ‫ِ‬
‫كالقول‬ ‫ِ‬
‫المسائل يوافقهم فيه‪:‬‬
‫ِ‬
‫ونحوها‪.‬‬ ‫الصفات‬ ‫ِ‬
‫بعض ِّ‬
‫ِ‬
‫العقائد؛ ألَ َّن س ِّيدً ا ‪ ‬كان‬ ‫ِ‬
‫هت إليه في‬ ‫وج ْ‬ ‫كثر االنتقادات ا َّلتي ِّ‬ ‫و َأ ُ‬
‫عهدْ عليه َأحدٌ‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫ِ‬
‫القران ُبأ‬ ‫ورة الجمال َّي ِة لمعاني‬ ‫بنقل الص ِ‬
‫سلوب فريد لم ُي َ‬ ‫يهتم ِ ُّ‬ ‫ُّ‬
‫تؤخذ َّإل‬
‫ُ‬ ‫البشري‪ ..‬والعقائدُ ال‬ ‫تصو ِره‬ ‫ِ‬
‫ِّ‬ ‫حسب ُّ‬‫َ‬ ‫يصو ُرها‬
‫من قبله‪ ..‬فكان ِّ‬
‫ِ‬
‫معرفة‬ ‫إلى‬ ‫يستطيع َأ ْن َ‬ ‫َ‬ ‫والسنَّة؛ ألَ َّن‬ ‫ِ‬
‫يصل ٰ‬ ‫َ‬ ‫البشري ل ْن‬
‫َّ‬ ‫العقل‬ ‫الكتاب ُّ‬ ‫نصا من‬‫ًّ‬
‫إلى كيف َّيتِها‪..‬‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫وخصوصا إلى َّ‬
‫الذات اإلله َّية وصفاتها وال ٰ‬ ‫ً‬
‫الغيبي ِ‬
‫ات و ُكن ِْهها‪،‬‬ ‫َّ‬
‫َّصويري َألبتَّة!‬
‫ُّ‬ ‫َّفسير الت‬
‫يصح فيها الت ُ‬
‫فال ُّ‬
‫ِ‬
‫القصص‪ ..‬فقد َ‬
‫كان رائ ًعا‬ ‫ِ‬
‫للمشاهد ا َّلتي في‬ ‫تصوير س ِّيد ُق ُطب ‪‬‬ ‫َأ َّما‬
‫ُ‬
‫َّصو ِر‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫مخاطبة األَ ِ‬ ‫وموف ًقا جدًّ ا؛ فهو من بدي ِع‬
‫جيال الحديثة‪ ..‬ونقلهم إلى الت ُّ‬
‫القرآني الفريد‪.‬‬
‫ِّ‬
‫ِ‬
‫ين عند س ِّيد ُق ُطب ُأسيء ُ‬
‫فهمهما‪:‬‬ ‫مصطلح ِ‬
‫َ‬ ‫توضيح ألَ ِّ‬
‫هم‬ ‫ٌ‬ ‫سادسا ـ‬
‫ً‬
‫(الجاهل َّية) و(الحاكم َّية)‪.‬‬
‫تكفير المجتمعات؟‬
‫َ‬ ‫‪ ١‬ـ مصطلح « الجاهل َّي ُة » وهل يعني به‬
‫ِ‬
‫هذه الدَّ عوة المباركة؛ يح ِّط ُم‬ ‫ِ‬
‫كنف‬ ‫َ‬
‫عاش في‬ ‫س ِّيد ُق ُطب ‪‬‬

‫((( انظر مقدمة محمد ُق ُطب لكتاب «مقومات التصور اإلسالمي» ص‪ ٨‬ـ ‪ ،٩‬حيث ر َّد على هذه‬
‫التهمة وغيرها‪.‬‬
‫‪45‬‬

‫يده‬ ‫لمة‪ ..‬بقلمه السيال المبارك‪ ..‬ا َّلذي كان في ِ‬ ‫واغيت وال َّظ ِ‬
‫ِ‬ ‫جيوش ال َّط‬
‫َ‬
‫َّ‬
‫تعالى‪ ..‬وال ُمعتد ًيا‬ ‫الحق‪ ..‬ال ُي ْخطى ُء متج ِّب ًرا على اهلل‬
‫ِّ‬ ‫ِ‬
‫صاحب‬ ‫كس ِ‬
‫وط‬
‫ٰ‬ ‫َ‬
‫ظالما لعباده المكرمين؛ َف َطار َدهم في عال ِم‬ ‫ً‬ ‫على شرعه الحكيم‪ ..‬وال‬
‫ٰ‬
‫لون الجاهل َّي َة بجمي ِع‬ ‫ِ‬
‫واقعهم‪ ،‬وب َّي َن َأنَّهم يم ِّث َ‬ ‫والضمائر‪ ..‬وفي‬
‫َّ‬ ‫األَ ِ‬
‫فكار‬
‫سماتها و َأشكالها‪ .‬والجاهل َّي ُة ليست فتر ًة تاريخ ًّي ًة‪ ..‬وإنَّما هي حال ٌة نفس َّي ٌة‬
‫الحكم بما‬
‫َ‬ ‫يرفض‬
‫ُ‬ ‫تنظيمي‬
‫ٌّ‬ ‫ووضع‬
‫ٌ‬ ‫بهدي ر ِّبها الكريم‪،‬‬ ‫ِ‬ ‫ترفض االهتدا َء‬‫ُ‬
‫بكل َأ ِ‬
‫نواعه‪..‬‬ ‫ِ‬
‫لمكافحة ال ُّظلم ِّ‬ ‫ثـم َس َّخ َر حياتَه الدَّ عو َّي َة‬ ‫َأ َ‬
‫تعالى! َّ‬
‫ٰ‬ ‫نزل اهللُ‬
‫ِ‬
‫مقتضيات اإلسالم‪..‬‬ ‫َ‬
‫وجعل ذلك من‬ ‫ِ‬
‫ورموزه‪..‬‬ ‫ِ‬
‫البغي‬ ‫وحر َض ضـدَّ قـوى‬ ‫َّ‬
‫بحرارة إيمانِ ِه‬
‫ِ‬ ‫الحنيف‬
‫َ‬ ‫وعرض الدِّ ي َن‬
‫َ‬ ‫ووقف مع المظلومي َن وقف ًة قو َّي ًة‪..‬‬
‫َ‬
‫يزعج‬
‫ُ‬ ‫ِ‬
‫بقدر ما‬ ‫القلوب المؤمن َة‪،‬‬
‫َ‬ ‫تصو ًرا ح ًّيا يست ُق ُط ُ‬
‫ب‬ ‫وطرح ُه ُّ‬
‫َ‬ ‫الص ِ‬
‫ادق‪..‬‬ ‫َّ‬
‫مريكاني!‬
‫ِّ‬ ‫نصار اإلسالم األَ‬
‫َأ َ‬
‫ِ‬
‫الخرافة‪ ..‬ا َّلذي تح ُّب ُه وتنشر ُه الجاهل َّي ُة‬ ‫ُّراب عن إسال ِم‬ ‫كما َأ َ‬
‫زال الت َ‬
‫الحق‪..‬‬ ‫َّ‬ ‫برز دي َن اإلسالم‬ ‫ِ‬
‫طماعها؛ َفأ َ‬ ‫قديما وحدي ًثا‪ ..‬وتستخد ُمه مط َّي ًة ألَ‬ ‫ً‬
‫لغير اهلل‬ ‫ِ‬ ‫يعرف االنحنا َء‬‫ُ‬ ‫ِ‬
‫َّمكين‪ ..‬ا َّلذي ال‬ ‫والقو ِة والت‬
‫َّ‬ ‫الحر َّي ِة‬
‫ِّ‬ ‫إسال ِم‬
‫ِ‬
‫الحلول مع نظا ِم الجاهل َّية؛ ألَ َّن دي َن اإلسالم‬ ‫ِ‬
‫نصاف‬ ‫تعالى‪ ..‬وال يؤم ُن َبأ‬
‫ٰ‬
‫ِ‬
‫القلب‪ ،‬وشريع ٌة في الحياة‪ ..‬اإلسال ُم‬ ‫هو منظوم ٌة متكامل ٌة‪ ..‬عقيد ٌة في‬
‫يسع العبا َد َّإل َأن‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫واضح للكون والدِّ ين واإلنسان والحياة‪ ..‬ال ُ‬
‫ٌ‬ ‫تصو ٌر‬
‫ُّ‬
‫كامل َأو ُيعرضوا عنه‪.‬‬
‫يقبلو ُه ً‬
‫ِ‬
‫َّشويهات ا َّلتي‬ ‫عر َف سيد ُق ُطب ‪‬‬
‫اإلسال َم بعيدً ا عن الت‬ ‫وهكذا َّ‬
‫‪46‬‬

‫مظاهر‬ ‫فردي‪َ ،‬أو في‬ ‫وح َصر ْت ُه في تد ُّي ٍن‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫َع ِلقت به ُ‬
‫َ‬ ‫ٍّ‬ ‫عصور االنحطاط‪َ ،‬‬ ‫منذ‬
‫العادات والت ِ‬
‫ِ‬
‫وحجبت حقائ ُق ُه عن‬ ‫فذهب بها ُء اإلسالم‪ُ ،‬‬ ‫َ‬ ‫َّقاليد؛‬ ‫َأ َ‬
‫قرب إلى‬
‫عن المسلمين َأ ِ‬
‫نفسهم!‬ ‫َّاس‪ ..‬بل ِ‬
‫الن ِ‬
‫َ‬

‫نواعها و َأشكالِها؛‬ ‫واجه سيد ُق ُطب ‪ ‬نظام الجاهلية بجمي ِع َأ ِ‬


‫َّ‬ ‫َ‬ ‫َ َ َ ِّ‬
‫القصور‪ ..‬جاهل َّي ِة الف ِّن‬
‫ِ‬ ‫نزل اهللُ‪ ،‬جاهل َّي ِة‬ ‫ِ‬
‫بغير ما َأ َ‬ ‫جاهل َّي ِة الحك ِم‬
‫العلماء المنحرفي َن! فال غراب َة إ ًذا‪..‬‬ ‫ِ‬ ‫الغرب‪ ..‬جاهل َّي ِة‬
‫ِ‬ ‫المنحرف‪ ..‬جاهل َّي ِة‬
‫ِ‬
‫ِ‬
‫كل‬ ‫َأن يتبنَّى َأبنا ُء األُ َّمة في الحركات اإلسالم َّية َ‬
‫فكر ُه ومشرو َع ُه‪ ،‬ويح َّب ُه ُّ‬
‫دقيق لدينِه‪.‬‬ ‫مسل ٍم له ٌ‬
‫فهم ٌ‬
‫ِ‬
‫كلمة «الجاهل َّية» وقالوا‪ :‬إنَّها‬ ‫ِ‬
‫استعمال‬ ‫على‬
‫البعض ٰ‬
‫ُ‬ ‫اعترض‬
‫َ‬ ‫وقد‬
‫يجوز‬
‫ُ‬ ‫َ‬
‫آخرون‪ :‬ال‬ ‫وقال‬ ‫ِ‬
‫والمجتمعات‪َ .‬‬ ‫بالكفر على األَ ِ‬
‫فراد‬ ‫ِ‬ ‫الحكم‬ ‫تعني‬
‫َ‬
‫وصلت درج ًة متقدِّ م ًة من العلو ِم‬
‫ْ‬ ‫ِ‬
‫المعاصرة ـ بعدَ َأ ْن‬ ‫ِ‬
‫المجتمعات‬ ‫وصف‬
‫ُ‬
‫ِ‬
‫والمخترعات والتكنولوجيا ـ بالجاهل َّية!‬

‫ِ‬
‫لكتاب اهلل قد استعمل كلمة‬ ‫المفس ِر‬
‫ِّ‬ ‫ونسي هؤالء َأ َّن س ِّيدَ ُق ُط ِ‬
‫ب‬
‫قرآني‪﴿ :‬ﯾ ﯿ ﰀﰁ ﰂ ﰃ ﰄ ﰅ‬ ‫ٌّ‬ ‫مصطلح‬
‫ٌ‬ ‫على َأنَّها‬
‫«الجاهل َّية» ٰ‬
‫ٍ‬
‫بزمن‬ ‫ليست محدَّ د ًة‬ ‫ﰆ ﰇ ﰈ﴾ [المائدة‪ .]٥٠ :‬والجاهل َّي ُة في القرآن َ‬
‫َ‬
‫والجهل بما‬ ‫بحقيقة األُلوه َّي ِة‪،‬‬
‫ِ‬ ‫َ‬
‫الجهل‬ ‫فهي تعني‬ ‫ٍ‬
‫مع َّي ٍن َأو مكان مع َّي ٍن؛ َ‬
‫قصدُ بها‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫إخالص العبود َّية له وحدَ ه الشريك له‪ ،‬وال ُي َ‬ ‫تعالى من‬
‫ٰ‬ ‫يح ُّب ُه اهلل‬
‫صناف شت َّٰى من الن ِ‬
‫َّاس‬ ‫ٌ‬ ‫مسمى الجاهل َّية َأ‬
‫تحت َّ‬
‫َ‬ ‫يقع‬ ‫ِ‬
‫الكفر َألبتَّة؛ بل ُ‬ ‫ُ‬
‫إطالق‬
‫إسالمي‪.‬‬
‫ٍّ‬ ‫ويحكمهم و ُينَ ِّظ ُم حياتَهم نظا ٌم ُ‬
‫غير‬ ‫ُ‬ ‫ا َّلذي َن يسو ُدهم‬
‫‪47‬‬
‫ِ‬
‫وصف‬ ‫ِ‬
‫الكفر في‬ ‫مصطلح «الجاهل َّية» ولم يستخد ْم َ‬
‫لفظ‬ ‫ثم إ َّن ُه استخد َم‬
‫َ‬ ‫َّ‬
‫كل كتاباتِه‪.‬‬ ‫بتكفير ٍ‬
‫فرد َأو مجتم ٍع في ِّ‬ ‫ِ‬ ‫يصر ْح‬ ‫ِ‬
‫المجتمعات اإلسالم َّية؛ فلم ِّ‬
‫الشرع َّي ِة‪ ،‬و ُأريدَ به‬
‫ُّصوص َّ‬ ‫ِ‬ ‫ولفظ «الجاهل َّية» استُخد َم في الن‬‫ُ‬
‫ُ‬
‫تسلك‬ ‫تعمل َأو‬
‫ُ‬ ‫ِ‬
‫المجتمعات ا َّلتي‬ ‫ِ‬
‫بالمعصية؛ ألَ َّن األَفرا َد َأو‬ ‫ُ‬
‫العمل‬
‫تكون كافرةً؛ ألَنَّها لم‬
‫َ‬ ‫شترط َأ ْن‬
‫ُ‬ ‫توصف بذلك‪ ،‬وال ُي‬
‫ُ‬ ‫َ‬
‫سلوك الجاهل َّية‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫تعتقد الجاهل َّية‪ ،‬كما في قوله تعالى‪﴿ :‬ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ‬
‫المنهي عنها هنا جاهل َّي ُة‬
‫ُّ‬ ‫ﭼ ﭽ﴾ [األَحزاب‪ .]33 :‬فالجاهل َّي ُة‬
‫العمل ـ َأي‪ :‬المعصية ـ وليست جاهل َّي َة االعتقاد‪.‬‬
‫ِ‬
‫ِ‬
‫للقتال بينَهم بقوله‪:‬‬ ‫ِ‬
‫والخزرج‬ ‫َّبي ﷺ استعدا َد األَ ِ‬
‫وس‬ ‫وصف الن ُّ‬ ‫َ‬ ‫وقد‬
‫َّبي ﷺ ألَ ِّ‬
‫بي‬ ‫«أبِدَ ْع َوى ا ْلجاهل َّي ِة َو َأنَا َب ْي َن َأ ْظ ُه ِرك ُْم‪...‬؟!»‪ .‬وكذلك ُ‬
‫قول الن ِّ‬ ‫َ‬
‫السوداء! َ‬
‫فقال‬ ‫قال له‪ :‬يا اب َن َّ‬ ‫رجل ُبأ ِّم ِه ُ‬
‫حيث َ‬ ‫الغفاري ‪ ‬عندما ع َّي َر ً‬ ‫ِّ‬ ‫ذر‬
‫ٍّ‬
‫بعض عاداتِها‪ ،‬ولم ْ‬
‫يقل َأحدٌ ‪َ :‬بأ َّن‬ ‫اهلِ َّي ٌة» َأ ْي‪ُ :‬‬
‫يك ج ِ‬ ‫ِ‬
‫ك ْام ُرؤٌ ف َ َ‬ ‫له ﷺ‪« :‬إِ َّن َ‬
‫ِ‬
‫لحكم‬ ‫الكفر؛ َ‬
‫ُ‬ ‫كانت الجاهل َّي ُة هنا هي‬ ‫العمل! فلو‬‫ِ‬ ‫كفر بهذا‬
‫ذر قد َ‬ ‫َأبا ٍّ‬
‫الكفر ا َّلذي ُي ْخ ِر ُج صاح َبه من الم َّل ِة هو ا َّلذي‬
‫َ‬ ‫وطلب استتاب َت ُه؛ ألَ َّن‬
‫َ‬ ‫بر َّدتِه‬
‫ِ‬
‫كان َأو ً‬
‫كثيرا‪.‬‬ ‫قليل َ‬
‫اإليمان ً‬ ‫يخالف َأ َ‬
‫صل‬ ‫ُ‬
‫سمات الجاهل َّية و َأعمالِها‪ ..‬وهذه األَ ُ‬
‫عمال‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫بعض‬ ‫فالحكم هنا في‬
‫ُ‬
‫جاهلي مهما َّ‬ ‫ٍ‬ ‫ُخرج عن الم َّل ِة؛ َّإل إذا‬
‫قل‬ ‫ٍّ‬ ‫باعتقاد‬ ‫اقترنت‬
‫ْ‬ ‫مهما ك ُثرت ال ت ُ‬
‫ِ‬
‫كثرت؛ طالما‬
‫ْ‬ ‫اإليمان مهما‬ ‫ُخرج العبدَ من‬ ‫هذا االعتقا ُد‪ ،‬والمعصي ُة ال ت ُ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫السن َِّة‬ ‫َأنَّه ال يستح ُّلها؛ ألَ َّن‬
‫باعتقاد‬ ‫والجماعة ـ يتح َّق ُق‬ ‫الكفر ـ عند َأهل ُّ‬ ‫َ‬
‫‪48‬‬

‫ليس‬ ‫الزنا َ‬ ‫عمل؛ ِ‬


‫فمن اعتقدَ َأ َّن ِّ‬ ‫ٍ‬ ‫ِ‬
‫يصاحب هذا االعتقا َد َأ ُّي‬ ‫مسأ ٍلة‪ ..‬ولو لم‬
‫َ‬
‫حراما‪َ ،‬أو َأنَّه عالج لمشكة‪َ ،‬أو َأ َّن حكم اإلسالم ِ‬
‫فيه أ َّن ُه متشدد‪َ ،‬أو َأ َّن‬ ‫َ‬ ‫ً‬
‫واب؛ ُ‬
‫فمثل‬ ‫الص َ‬
‫جانب َّ‬
‫َ‬ ‫حكم اإلسالم فيها قد‬
‫َ‬ ‫الخمر ليست حرا ًما‪َ ،‬أو َأ َّن‬
‫َ‬
‫َ‬
‫اإليمان‬ ‫الفعل َأو ذاك؛ ألَ َّن‬
‫َ‬ ‫يرتكب هذا‬‫ْ‬ ‫كافرا‪ ،‬ولو لم‬ ‫ِ‬
‫خص ُي َعدُّ ً‬ ‫هذا َّ‬
‫الش‬
‫خول في اإلسالم؛‬ ‫ِ‬ ‫سبب الدُّ‬
‫ُ‬ ‫َّصديق ِبه‬
‫َ‬ ‫ِ‬
‫ورسوله ﷺ والت‬ ‫تعالى‬
‫ٰ‬ ‫بشر ِع اهلل‬
‫ْ‬
‫يقترن هذا‬ ‫الر َّد ِة عن اإلسالم‪ ،‬ولو لم‬
‫سبب ِّ‬‫ُ‬ ‫فإنكار الحك ِم وجحو ُده‬ ‫ُ‬
‫وصف اهللُ من‬‫َ‬ ‫عمال الجاهل َّية والكفر‪ ..‬ولهذا‬ ‫ِ‬ ‫عمل من َأ‬‫ٍ‬ ‫الجحو ُد َبأ ِّي‬
‫ِ‬ ‫َ‬
‫تعالى‪﴿ :‬ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ‬ ‫ٰ‬ ‫باإليمان‪ ،‬قال‬ ‫اقتتل من المسلمي َن‬
‫ﮝ ﮞ ﮟ﴾ [الحجرات‪.]9 :‬‬

‫وق َو ِقتا ُل ُه ُك ْف ٌر» متفق عليه‪.‬‬


‫اب ا ْل ُم ْسلِم ُف ُس ٌ‬ ‫ِ‬
‫َّبي ﷺ‪« :‬س َب ُ‬
‫وقال الن ُّ‬
‫الجاهلي؛‬
‫ِّ‬ ‫تعريف المجتمع‬
‫ُ‬ ‫ينطبق عليهم‬
‫ُ‬ ‫الفتح َ‬
‫كان‬ ‫ِ‬ ‫قبل‬ ‫َفأ ُ‬
‫هل م َّك َة َ‬
‫ٍ‬
‫شخص كان في هذا المجتمع‪ ،‬ولقد كان بينَهم َمن ُ‬
‫يخفي‬ ‫فهل ُيك َّف ُر ُّ‬
‫كل‬
‫َّبي ﷺ‪.‬‬ ‫إسال َمه؟ كالع َّباس ‪ِّ ‬‬
‫عم الن ِّ‬

‫تعالى‪﴿ :‬ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ‬
‫ٰ‬ ‫ِ‬
‫تفسير قوله‬ ‫قـال سـ ِّيـد ُق ُطب ‪ ‬في‬
‫ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ‬
‫ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ﴾ [األنـفـال‪: ]72 :‬‬

‫تكون‬
‫ُ‬ ‫عضاء في المجتمع المسلمِ‪ ،‬ومن َث َّم ال‬ ‫ِ‬
‫(فهؤالء األَفرا ُد ليسوا َأ‬
‫ً‬
‫ولكن هناك رابط ُة العقيدة)‪.‬‬
‫ْ‬ ‫بينَهم وبينَه والي ٌة‪،‬‬

‫كافر‪..‬‬
‫الجاهلي ٌ‬
‫ِّ‬ ‫يعيش في المجتمع‬ ‫ٍ‬
‫شخص ُ‬ ‫فليس ُّ‬
‫كل‬ ‫َ‬
‫‪49‬‬
‫ِ‬
‫المجتمعات بالجاهل َّية‪ ..‬ال يعني َأنه‬ ‫وصف س ِّي ِد ُق ُطب‬ ‫َ‬ ‫وعليه‪َّ :‬‬
‫فإن‬
‫السطح ِّيين!‬ ‫ِ‬ ‫كل َأ ِ‬‫على ِّ‬
‫بعض َّ‬
‫بالكفر‪ ..‬كما يظ ُّن ُ‬ ‫فرادها‬ ‫كم ٰ‬ ‫ُح ٌ‬
‫ِ‬
‫مصطلح املجتمع‬
‫َ‬ ‫اإلرجاء‪َّ :‬‬
‫إن‬ ‫ب عليهم عقيد ُة‬ ‫بعض من َت ْغ ُل َ‬ ‫وقال ُ‬
‫وصف الز ٌم للت ِ‬
‫َّكفري!‬ ‫ٌ‬ ‫اجلاهيل‪ ..‬هو‬
‫ِّ‬
‫السنَّة واجلامعة‬ ‫ئم َة َأ ِ‬
‫هل ُّ‬ ‫إن َأ َّ‬ ‫القول يلزم منه َأ ْن َ‬
‫نقول‪َّ :‬‬ ‫ُ‬ ‫َ‬
‫سبحان اهلل! فهذا‬
‫َّكفري عندَ هم‪:‬‬ ‫ِ‬
‫قواعد الت ِ‬ ‫باطل باإلمجاع؛ ألَ َّن من‬
‫قول ٌ‬ ‫رون العبا َد! وهذا ٌ‬
‫ُيك ِّف َ‬
‫املعي؛ فالتكفري املطلق يكون لالعتقاد‬ ‫َّكفري َّ ِ‬ ‫ِ‬
‫املطلق والت ِ‬ ‫التفريق بني الت ِ‬
‫َّكفري‬
‫واألَقوال واألَعامل‪ ..‬وال يعني هذا تكفري فاعله َأو تكفري األَعيان بالرضورة؛‬
‫حتَّى تُقام عليه احلُ َّج ُة و ُت َب َّي له ا َمل َح َّج َة؛ ألَ َّن َمن َ‬
‫ثبت إسالمه بيقني مل ُي َزل‬
‫بالش ِّك ؛ بل ال يزول َّإل بعد إقامة احلجة وإزالة ُّ‬
‫الشبهة‪.‬‬ ‫ذلك عنه َّ‬

‫تعالى‪ ﴿ :‬ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ‬
‫ٰ‬ ‫ِ‬
‫تفسير قوله‬ ‫وفي‬
‫الكافر في‬
‫ُ‬ ‫ُ‬
‫(يدخل‬ ‫ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ﴾ [الزمر‪ .]٥٣ :‬قال س ِّيد ُق ُطب ‪:‬‬
‫الكفر؛ ألَ َّن اهللَ‬
‫َ‬ ‫ويبطن‬
‫ُ‬ ‫اإليمان‬
‫َ‬ ‫يظهر‬
‫كان ُ‬ ‫ِ‬
‫هادتين؛ حت َّٰى لو َ‬ ‫ُّطق َّ‬
‫بالش‬ ‫اإلسالم بالن ِ‬

‫البواطن لحك ِم اهلل‬


‫َ‬ ‫وأ ْن َ‬
‫نترك‬ ‫ِ‬
‫حوال النَّاس َ‬ ‫بظاهر َأ‬
‫ِ‬ ‫خذ‬‫َأمرنا في هذه الدُّ نيا َأن ْنأ َ‬
‫في اآلخرة)‪.‬‬

‫فكر س ِّيد ُق ُطب ‪‬‬ ‫صل هلا يف ِ‬ ‫املجتمعات هتم ٌة ال َأ َ‬‫ِ‬ ‫ِ‬
‫تكفري‬ ‫فتهم ُة‬
‫ِ‬ ‫رشعي‪ ،‬و َأسو ُأ َأ‬
‫حوالا‬ ‫ٍّ‬ ‫و َأحس ُن َأحواهلا َأ ْن تكون قراء ٌة فقه َّي ٌة اجتهاد َّي ٌة ٍّ‬
‫لنص‬
‫غرضها تشوي ُه‬ ‫ني‪َ ،‬أو قراء ٌة علامن َّي ٌة ماكر ٌة خبيث ٌة؛ ُ‬ ‫َّأنا قراء ٌة مريض ٌة َّ‬
‫للسطح ِّي َ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫فكر س ِّيد ُق ُطب ومرشوعه‪ ،‬ال صيان ُة اإلسالم من ال ُّغ ِّ‬
‫لو!‬
‫‪50‬‬

‫‪ ٢‬ـ حقيق ُة مصطلح « الحاكم َّية » وماذا يعني به؟‬


‫حول ِ‬
‫فكر س ِّيد ُق ُطب ‪ ‬قولهم‪َ :‬أ َّن ُه ُينادي‬ ‫الش َبه ا َّلتي ُأثيرت َ‬ ‫ومن ُّ‬
‫ينص عليه‬
‫المصطلح‪ ،‬ولم َّ‬‫ِ‬ ‫ِ‬
‫بإطالق هذا‬ ‫بالحاكم َّي ِة‪ ،‬ويرك ُِّز عليها‪ ،‬وقد انفر َد‬
‫قال ِبه هم الخوارج!‬ ‫إن َ َأ َّول َمن َ‬
‫كتاب وال ُسنَّ ٌة؛ بل َّ‬
‫ٌ‬
‫ِ‬
‫مفردات س ِّيد‪،‬‬ ‫ِ‬
‫مصطلح الحاكم َّية؛ ليس من‬ ‫وصفو ُة القول‪َ :‬أ َّن َأصل‬
‫ِ‬
‫صول الفقه‪،‬‬ ‫وال َأبي األَعلى المودودي ِمن ِ‬
‫قبله ‪ ‬بل هو ْ‬
‫مأخو ٌذ من عل ِم ُأ‬
‫الحاكم هو اهلل‪،‬‬ ‫ِ‬
‫مبحث الحك ِم‪َ :‬أ َّن‬ ‫وصرحوا في‬ ‫َّفق عليه األُصول ُّي َ‬
‫ون‪،‬‬ ‫وات َ‬
‫َ‬ ‫َّ‬
‫المعترضون كلم َة الحاكم َّي ِة؛ فهي لم تر ْد في‬
‫َ‬ ‫إن َأرا َد‬
‫غيره‪ .‬نعم! ْ‬ ‫حاكم ُ‬
‫َ‬ ‫ال‬
‫ِ‬
‫القرآن‪ ..‬فالحاكم َّي ُة هلل‬ ‫واضح في‬ ‫بالحرف‪ ،‬ولك َّن معناها‬ ‫ِ‬ ‫والسنَّة‬
‫ٌ‬ ‫القرآن ُّ‬
‫مصدر‪،‬‬
‫ٌ‬ ‫والحكم هنا‬
‫ُ‬ ‫تـعـالى‪﴿ :‬ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ﴾‬ ‫ٰ‬ ‫يوضحها قـو ُلـه‬ ‫ُ‬
‫و«إن» هنا بمعنى «ما» َأي‪ :‬ما‬
‫ْ‬ ‫المعنى‬
‫ٰ‬ ‫ِ‬
‫بنفس‬ ‫مصدر َأ ً‬
‫يضا‪،‬‬ ‫ٌ‬ ‫والحاكم َّي ُة‬
‫الحصر‪.‬‬
‫َ‬ ‫الحكم َّإل هلل‪ ،‬وهذا تأكيدٌ بـ «ما » و « َّإل » ا َّلتي تفيدُ‬
‫ُ‬
‫مشاح َة‬
‫َّ‬ ‫ِ‬
‫المصطلح علم ًّيا؛ فإنَّه ال‬ ‫ضرر في استخدا ِم هذا‬
‫َ‬ ‫إ ًذا‪ ..‬ال‬
‫ِ‬
‫القرآن‬ ‫وردت في‬
‫ْ‬ ‫المصطلحات العلم َّي ِة قد‬
‫ِ‬ ‫وليست ُّ‬
‫كل‬ ‫ْ‬ ‫ِ‬
‫االصطالح‪،‬‬ ‫في‬
‫مصطلح لم ِير ْد فيهما‪.‬‬ ‫ٍ‬ ‫نرفض َّ‬
‫كل‬ ‫ِ‬
‫المعقول َأ ْن َ‬ ‫والسنَّة‪ ،‬ومن ِ‬
‫غير‬ ‫ُّ‬
‫شريك له؛‬ ‫َ‬ ‫هي هلل وحدَ ُه ال‬
‫رعي؛ إنَّما َ‬ ‫فالحاكم َّي ُة في المفهو ِم َّ‬
‫الش ِّ‬
‫المرجع في‬ ‫ِ‬
‫وإليه‬ ‫شؤون دنياهم وآخرتِهم‪،‬‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫لعباده في جمي ِع‬ ‫المشر ُع‬ ‫فهو‬
‫ُ‬ ‫ِّ‬
‫على ذلك األَد َّل ُة العقل َّي ُة‬‫كفر‪ ،‬وقا َمت ٰ‬‫مورهم‪ ،‬ومن جحدَ ذلك فقد َ‬ ‫كل َأ ِ‬
‫ِّ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫والسنَّة‪ ،‬وقد ُأ ْجم َع ٰ‬
‫على هذا‪.‬‬ ‫والنقل َّي ُة من القرآن ُّ‬
‫‪51‬‬

‫ولة وشؤونِها‪،‬‬
‫إن الحاكمي َة هلل مطل ًقا؛ تعني المشروعي َة العليا للدَّ ِ‬
‫َّ ُ‬ ‫َّ‬ ‫َأي‪َّ :‬‬
‫فات الحاكمي َن عن هذا المبدأ‪.‬‬
‫تصر ُ‬
‫حت َّٰى ال تحرفها ُّ‬
‫مانـع‪ ..‬فهـو مـن‬
‫ٌ‬ ‫جامـع‬
‫ٌ‬ ‫ٌ‬
‫شـامل‬ ‫مصطلـح‬
‫ٌ‬ ‫فمصطلـح الحاكم َّيـةِ‪:‬‬ ‫ُ‬
‫ِ‬
‫الخوارج‬ ‫ِ‬
‫بسـبب اسـتخدا ِم‬ ‫يجوز ر ُّدها‬
‫ُ‬ ‫اإلبداعـات األَدب َّي ِة لسـ ِّيد ُق ُطب؛ فال‬
‫ِ‬

‫ِ‬
‫المصطلح‬ ‫َّشـنيع على‬
‫ُ‬ ‫يجوز الت‬
‫ُ‬ ‫كان خاط ًئا‪ ،‬ولذا ال‬ ‫الخوارج َ‬
‫ِ‬ ‫له‪ ،‬واسـتخدا ُم‬
‫ِ‬
‫الخـوارج له‪.‬‬ ‫لمجـر ِد اسـتخدا ِم‬‫َّ‬
‫تعالى‪ ،‬ومن‬ ‫ُ‬
‫اإليمان باهلل‬ ‫ِ‬
‫والجماعة؛‬ ‫السن َِّة‬ ‫ِ‬
‫عقيدة َأ ِ‬ ‫واعلم َأ َّن من‬
‫ٰ‬ ‫هل ُّ‬
‫ِ‬
‫بإقرار‬ ‫سمائه وصفاتِه‪ ،‬وذلك‬ ‫اإليمان بوحدانيتِه و ُألوهي ِته و َأ ِ‬
‫َّ‬ ‫ُ‬ ‫ِ‬
‫اإليمان باهلل؛‬
‫الربوب َّي ِة‪ ،‬وتوحيدُ‬ ‫ِ‬
‫والعمل بها‪ ،‬وهي‪ :‬توحيدُ ُّ‬
‫ِ‬
‫واعتقادها‬ ‫َّوحيد ال َّث ِ‬
‫الثة‬ ‫َأنوا ِع الت ِ‬
‫ِ‬
‫والصفات‪.‬‬ ‫األُلوه َّية‪ ،‬وتوحيدُ األَسماء ِّ‬
‫بحق التَّشري ِع هلل وحدَ ه‪،‬‬
‫ِّ‬ ‫اإلقرار‬ ‫ِ‬
‫اإليمان؛‬ ‫ِ‬
‫مقتضيات‬ ‫َّ‬
‫وإن م ْن‬
‫ُ‬
‫ٍ‬
‫شيء‬ ‫على ِّ‬
‫كل‬ ‫ُ‬ ‫َ‬
‫الملك وله الحمدُ ‪ ،‬وهو ٰ‬ ‫شريك له‪ ،‬له‬ ‫كم هلل وحدَ ه ال‬‫فالح ُ‬
‫ُ‬
‫تعالى‪﴿ :‬ﮈ ﮉ ﮊ ﮋﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ﴾ [يوسف‪.]40 :‬‬ ‫ٰ‬ ‫قدير‪ ،‬قال‬
‫ٌ‬
‫صرف‬
‫ُ‬ ‫يجوز‬
‫ُ‬ ‫ِ‬
‫حكمه‪ ،‬وال‬ ‫تجوز منازع ُة اهلل في‬
‫ُ‬ ‫فالحكم هلل‪ ،‬والعباد ُة هلل‪ ،‬وال‬
‫ُ‬
‫شيء من ذلك ِ‬
‫لغيره مطل ًقا!‬ ‫ٍ‬

‫الحاكم األَوحدُ ‪ ،‬وهذه الحاكم َّي ُة نابع ٌة‬ ‫ُ‬ ‫فالحاكم َّي ُة تعني‪َ :‬أ َّن اهللَ هو‬
‫ِ‬
‫للعبادة‬ ‫المستحق‬
‫ُّ‬ ‫بكل ما فيه‪ ،‬و َأ َّن اهللَ وحدَ ه‬ ‫ِ‬
‫الكون ِّ‬ ‫خالق‬
‫ُ‬ ‫من َأ َّن اهللَ‬
‫يمنحه‬ ‫الخالق‪ ،‬ومن َث َّم‬
‫ُ‬ ‫حق ينفر ُد به‬ ‫إن ال َّطاع َة المطلق َة ٌّ‬ ‫اعة؛ بل َّ‬ ‫وال َّط ِ‬
‫ُ‬
‫والحاكم واألَ ُب َّ‬ ‫ِ‬
‫وج‬ ‫والز ُ‬ ‫ُ‬ ‫لمن شا َء من عباده بالحدود ا َّلتي يشا ُء‪ ،‬فالن ُّ‬
‫َّبي‬
‫طاعتُهم ممنوح ٌة ومشروط ٌة‪.‬‬
‫‪52‬‬

‫إلى شريعتِه ا َّلتي‬


‫تعالى عبا َده المؤمنين َأ ْن يتحاكموا ٰ‬
‫ٰ‬ ‫وقد َأ َ‬
‫مر اهللُ‬
‫َّفع‬ ‫َ‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫تصلح ِّ‬
‫العدل والن َ‬ ‫ينشر‬
‫وشرع اهلل وحدَ ه هو الذي ُ‬
‫ُ‬ ‫ومكان‪،‬‬ ‫زمان‬ ‫لكل‬ ‫ُ‬
‫والخير‪ ..‬والتَّاريخ شاهدٌ لمن لم ُيصدِّ ق!‬
‫َ‬
‫الحكم‬ ‫حيث‬ ‫ُ‬ ‫َّوحيد؛ فمن‬ ‫ِ‬ ‫نوع من َأنوا ِع الت‬ ‫ِ‬
‫ُ‬ ‫فتوحيدُ الحاكم َّية ٌ‬
‫تعالى له‬‫ٰ‬ ‫الربوب َّي ِة؛ ألَ َّن اهلل‬ ‫ِ‬
‫يدخل في توحيد ُّ‬ ‫ُ‬ ‫ف‬ ‫َّصر ُ‬ ‫َّهي والت ُّ‬
‫مر والن ُ‬ ‫واألَ ُ‬
‫والعمل‪ ،‬فالعبدُ مك َّل ٌ‬
‫ف باتِّبا ِع‬ ‫ُ‬ ‫َّطبيق‬
‫حيث الت ُ‬ ‫مر وحدَ ه‪َ .‬أ َّما من ُ‬‫الحكم واألَ ُ‬
‫ُ‬
‫ِ‬
‫العبادة واألُلوه َّية‪.‬‬ ‫ِ‬
‫توحيد‬ ‫فيدخل توحيدُ الحاكم َّي ِة في‬
‫ُ‬ ‫حك ِم اهلل؛‬

‫يتكو ُن من قسمين‪:‬‬ ‫ِ‬


‫فتوحيدُ الحاكم َّية َّ‬

‫رعي‪ ،‬فهذا‬
‫الش ِّ‬ ‫الكوني‪ ،‬وتشري ِع الحك ِم َّ‬
‫ِّ‬ ‫الحك ِم‬ ‫ِ‬
‫بتقدير ُ‬ ‫األَ َّول‪ :‬ما يتع َّل ُق‬
‫المشر ُع وحدَ ه‪،‬‬
‫ِّ‬ ‫الر ِّب سبحانه‪ ،‬وهو‬ ‫الربوب َّي ِة‪ ،‬ألنَّه من ِ‬
‫فعل َّ‬
‫ِ‬
‫تحت توحيد ُّ‬ ‫داخل َ‬ ‫ٌ‬
‫قال تعالى‪﴿ :‬ﮞﮟﮠﮡﮢﮣﮤﮥﮦ﴾ [األعراف‪.]54 :‬‬

‫حق التَّشريعِ‪﴿ :‬ﮭ ﮮ‬ ‫ِ‬


‫للبشر َّ‬ ‫على َمن جعل‬
‫منكرا ٰ‬
‫ً‬ ‫تعالى‬
‫ٰ‬ ‫وقال‬
‫ﮯﮰﮱﯓﯔﯕﯖﯗﯘﯙ﴾ [الشورى‪.]21 :‬‬

‫رب‬ ‫الكوني َّ‬ ‫ِ‬


‫العباد للحك ِم‬ ‫ِ‬ ‫ال َّثاني‪ :‬هو ما يتع َّل ُق‬
‫رعي هلل ِّ‬
‫والش ِّ‬ ‫ِّ‬ ‫باستجابة‬
‫ورضاهم به‪ ،‬قال تعالى‪﴿ :‬ﯜ ﯝ ﯞ‬ ‫ِ‬
‫شرعه‬ ‫إلى‬ ‫ِ‬
‫ُ‬ ‫َحاكُمهم ٰ‬ ‫العالمين‪ ،‬وت َ‬
‫ﯟﯠﯡﯢﯣﯤﯥﯦﯧﯨﯩﯪ‬
‫ﯫﯬﯭﯮ﴾ [النساء‪.]65 :‬‬
‫لغير اهلل‪ ،‬وهو من ِ‬
‫إفراده ‪‬‬ ‫يجوز صر ُفها ِ‬
‫ُ‬ ‫ِ‬
‫العباد عبادةٌ‪ ،‬ال‬ ‫فالتحاك ُُم من‬
‫‪53‬‬

‫تحت توحيد األُلوه َّية‪.‬‬ ‫بالعبادة في التَّحاك ِم إلى ِ‬


‫شرعه‪ ،‬وهذا ٌ‬
‫داخل َ‬ ‫ٰ‬
‫مصطلح الحاكم َّية عند س ِّيد ُق ُطب هو ر ُّد الحك ِم والتَّشري ِع‬
‫ِ‬ ‫ومعنى‬
‫ٰ‬
‫ِ‬
‫لنفسه‬ ‫ينتزع هذه الحاكم َّي َة‬ ‫كان َأن‬
‫حد كائنًا من َ‬ ‫إلى اهلل وحدَ ه‪ ،‬وليس ألَ ٍ‬
‫َ‬
‫ِ‬ ‫ٍ‬ ‫َأو ألَ ِّي‬
‫لعباده‬ ‫المشر ُع‬
‫ِّ‬ ‫آخر؛ فالحاكم َّي ُة إنَّما َ‬
‫هي هلل وحدَ ه وهو‬ ‫شخص َ‬
‫كل‬ ‫المرجع في َح ِّل ِّ‬
‫ُ‬ ‫بدنياهم وآخرتِهم‪ ،‬وهو‬ ‫ُ‬
‫في شتَّى شؤونهم المتع ِّل ِ‬
‫قة‬ ‫ٰ‬
‫ِ‬
‫توحيد الحاكم َّية نو ًعا راب ًعا من َأنوا ِع‬ ‫مشكلة من مشكالتهم‪ .‬و َأ َّما ُ‬
‫جعل‬ ‫ٍ‬

‫ٍ‬
‫مقتض‬ ‫والتقسيم بال‬ ‫ِ‬
‫الثالثة‪،‬‬ ‫داخل في األَنوا ِع‬
‫ٌ‬ ‫فليس له وج ٌه؛ ألَن ُه‬ ‫ِ‬
‫ُ‬ ‫التَّوحيد َ‬
‫داعي له‪.‬‬
‫َ‬ ‫ُ‬
‫يكون زياد َة كال ٍم ال‬
‫منصوص ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫عليه شر ًعا؛ بل هو‬ ‫ٍ‬ ‫تقسيم التَّوحيد َبأنواعه ُ‬
‫غير‬ ‫َ‬ ‫ثم اعلم َأ َّن‬‫َّ‬
‫السنَّة والجماعة لما استقرؤوا‬ ‫َ‬
‫والتأ ُّم ِل؛ فعلما ُء َأ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ْ‬
‫مأخو ٌذ من‬
‫هل ُّ‬ ‫االستقراء‬
‫بعضهم نو ًعا راب ًعا‬
‫ظهر لهم هذا‪ ،‬وزا َد ُ‬‫السنَّ َة َ‬ ‫ِ‬
‫الكتاب ُّ‬ ‫نصوص‬
‫ُ‬ ‫جاءت ِبه‬
‫ْ‬ ‫ما‬
‫هو توحيدُ المتاب َع ِة‪ ،‬وهذا ك ُّله باالستقراء‪.‬‬
‫ٍ‬
‫ِ‬
‫بإخالص‬ ‫العظيم وجدَ فيه آيات ْتأ ُ‬
‫مر‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫القرآن‬ ‫شك َأ َّن من تد َّب َر‬
‫فال َّ‬

‫آيات تدُ ُّل ٰ‬


‫على‬ ‫وهناك ٌ‬‫َ‬ ‫العبادة هلل وحدَ ه‪ ،‬فهذا هو توحيدُ األُلوه َّي ِة والعبادة‪،‬‬
‫ِ‬

‫الربوب َّي ِة‪ ،‬كما َّ‬


‫أن‬ ‫والرزاق ومد ِّب ُر األُمور؛ فهذا هو توحيدُ ُّ‬
‫َّ‬ ‫َأ َّن اهللَ هو َّ‬
‫الخل ُق‬
‫ِ‬ ‫َ ٍ‬
‫لى‪ ،‬و َأنَّه ال‬
‫والصفات ال ُع ٰ‬
‫سنى ِّ‬ ‫على َأ َّن له األَسما َء ُ‬
‫الح ٰ‬ ‫تدل ٰ‬ ‫هناك آيات ُأ ٰ‬
‫خرى ُّ‬
‫شبيه له وال كفؤ له؛ فهذا هو توحيدُ األَ ِ‬
‫سماء والص ِ‬
‫وآيات ُأ ٰ‬
‫خرى تدُ ُّل‬ ‫ٌ‬ ‫فات‪،‬‬ ‫ِّ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫رع؛ فهذا هو توحيدُ‬ ‫خالف َّ‬
‫الش َ‬ ‫َ‬ ‫ِ‬
‫ورفض ما‬ ‫وجوب اتِّبا ِع الر ِ‬
‫سول ﷺ‬ ‫ِ‬ ‫على‬
‫َّ‬ ‫ٰ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫فتقسيم التَّوحيد قد ُعل َم باالستقراء وتت ُّب ِع اآليات ودراسة ُّ‬
‫السنَّة‪.‬‬ ‫ُ‬ ‫المتابعة‪..‬‬
‫‪54‬‬

‫تعالى‪﴿ :‬ﯸ ﯹ ﯺ ﯻ ﯼ ﯽ ﯾ‬
‫ٰ‬ ‫ِ‬
‫تفسير قوله‬ ‫وفي‬
‫ﯿ ﰀ ﰁ ﰂ ﰃ ﰄ ﰅ ﰆ ﰇ ﰈ ﰉ ﰊ ﰋ﴾‬
‫[األَنعام‪ُ .]44 :‬‬
‫يقول س ِّيد ُق ُطب ‪:‬‬

‫الشرط َّي ِة‬


‫الصارم الجازمِ‪ ،‬وبهذا التَّعميم ا َّلذي تحم ُله َمن َّ‬ ‫(بهذا الحس ِم َّ‬
‫وينطلق‬
‫ُ‬ ‫ِ‬
‫والمكان‪،‬‬ ‫َّمان‬ ‫ِ‬
‫المالبسة والز ِ‬ ‫ِ‬
‫حدود‬ ‫يخرج من‬ ‫وجمل ُة الجواب؛ بحيث‬
‫ُ‬
‫ي ٍ‬
‫قبيل‪ ،‬والع َّل ُة‬ ‫جيل ومن َأ ِّ‬
‫ي ٍ‬ ‫نزل اهللُ في َأ ِّ‬
‫يحكم بما َأ َ‬
‫ْ‬ ‫على ِّ‬
‫كل َمن لم‬ ‫عاما ٰ‬
‫حكما ًّ‬
‫ً‬
‫يرفض ُألوه َّي َة اهلل‪،‬‬
‫نزل اهللُ‪ ،‬إنَّما ُ‬ ‫يحكم بما َأ َ‬
‫ُ‬ ‫هي ا َّلتي َأسلفنا؛ هي َأ َّن ا َّلذي ال‬‫َ‬
‫يحكم ِ‬
‫بغير‬ ‫خصائصها ومن مقتضاها الحاكم َّي ُة التَّشريع َّي ُة‪ ،‬ومن‬ ‫ِ‬ ‫فاألُلوه َّي ُة من‬
‫ُ‬
‫لنفسه هو‬ ‫جانب‪ ،‬ويدَّ عي ِ‬ ‫ٍ‬ ‫وخصائصها في‬ ‫يرفض ُألوه َّي َة اهلل‬
‫ُ‬ ‫نزل اهلل‪،‬‬ ‫ما َأ َ‬
‫َ‬
‫يكن‬
‫إن لم ْ‬ ‫الكفر ْ‬
‫ُ‬ ‫يكون‬
‫ُ‬ ‫آخر‪ ،‬وماذا‬
‫جانب َ‬‫ٍ‬ ‫وخصائصها في‬
‫َ‬ ‫حق األُلوه َّي ِة‬
‫َّ‬
‫ُ‬
‫والعمل ـ وهو‬ ‫اإليمان َأو اإلسالم بال ِّل ِ‬
‫سان‪،‬‬ ‫ِ‬ ‫هو هذا وذاك؟ وما قيم ُة دعوى‬
‫بالكفر َأ َ‬
‫فصح من ال ِّلسان؟!)‪.‬‬ ‫ِ‬ ‫تعبيرا من الكال ِم ـ ُ‬
‫ينطق‬ ‫قوى ً‬ ‫َأ ٰ‬
‫شرعي؛ ألَ َّن العبر َة‬ ‫محذور‬ ‫مصطلح الحاكمي ِة ليس ِ‬
‫فيه‬ ‫ِ‬ ‫ُ‬
‫فاستعمال‬
‫ٌّ‬ ‫ٌ‬ ‫َ‬ ‫َّ‬
‫الشرع َّي ِة‬ ‫فظ‪ ،‬والحاكمي ُة كمصطلح له نفس الدَّ ِ‬
‫اللة َّ‬ ‫ُ‬ ‫َّ‬
‫الشرعي ل َّل ِ‬ ‫ِ‬
‫بالمدلول َّ ِّ‬
‫يجعل‬‫ْ‬ ‫وإن س ِّيد ُق ُطب ‪ ‬لم‬ ‫السنَّة والجماعة‪َّ ،‬‬ ‫ئم ُة َأ ِ‬
‫هل ُّ‬ ‫ا َّلتي تك َّل َم عنها َأ َّ‬
‫رح‬ ‫الش ِ‬ ‫من الحاكم َّي ِة توحيدً ا مستقلًّ ‪ ،‬ن َّظ َر له ودعا إليه؛ بل جع َله من ِ‬
‫باب َّ‬
‫تعالى‪.‬‬ ‫حال األُ َّمة من عد ِم تحكي ِم شر ِع اهلل‬ ‫ِ‬
‫يقتضيه ُ‬ ‫ِ‬
‫َّوضيح لما‬ ‫والت‬
‫ٰ‬
‫ِ‬
‫مفهومها ما لم‬ ‫ففكر ُة الحاكم َّي ِة قد َأسا َء فهمها كثيرون‪ ،‬و َأدخلوا في‬
‫ُير ْده س ِّيد ‪ ‬وملخَّ ُص ما َأرا َده من مصطلحِ الحاكم َّي ِة هو‪:‬‬
‫‪55‬‬
‫ِ‬
‫لخلقه‪،‬‬ ‫المشر ُع‬ ‫َّشريعي‪ :‬مفهو ُمها َأ َّن اهللَ هو‬
‫‪ 1‬ـ الحاكم َّي ُة بالمعنى الت‬
‫ِّ‬ ‫ِّ‬
‫ليس من‬‫حر ُم عليهم‪ ،‬وهذا َ‬ ‫وينهاهم‪ ،‬و ُي ُّ‬
‫حل لهم و ُي ِّ‬ ‫ُ‬ ‫وهو ا َّلذي ْيأ ُ‬
‫مرهم‬
‫مقر ٌر عندَ المسلمي َن جمي ًعا‪ ،‬ولهذا حي َن قال‬
‫مر َّ‬ ‫ِ‬
‫ابتكار س ِّيد؛ بل هو َأ ٌ‬
‫علي ‪ ‬على المبدأِ‪ ،‬وإنَّما‬‫يعترض ٌّ‬
‫ْ‬ ‫كم َّإل هلل! لم‬
‫لعلي‪ :‬ال ُح َ‬
‫الخوارج ٍّ‬
‫ُ‬
‫المقصود من ِ‬
‫وراء الكلمة‪ ،‬فقال ر ًّدا عليهم‪:‬‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫والهدف‬ ‫ِ‬
‫الباعث‬ ‫اعترض على‬
‫َ‬
‫حق يرا ُد بها ٌ‬
‫باطل)‪.‬‬ ‫(كلم ُة ٍّ‬

‫‪ 2‬ـ الحاكم َّي ُة ال تعني َأ َّن اهلل تعالى هو ا َّلذي يو ِّلي العلما َء واألُمرا َء‬
‫ليحكموا باسمه؛ بل المقصو ُد بها الحاكم َّي ُة التَّشريع َّي ُة فحسب‪َ ،‬أ َّما سندُ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫الحل وال َع ْقد ـ فهي‬
‫تم ِّثل بأهل َ‬ ‫السلطة السياس َّية فمرج ُع ُه إلى األُ َّمة ـ ُ‬
‫الم َ‬ ‫ُّ‬
‫تختار حكَّا َمها‪ ،‬وهي ا َّلتي تُحاس ُبهم وتراق ُبهم؛ بل تعز ُلهم‪ .‬والت ُ‬
‫َّفريق‬ ‫ُ‬ ‫ا َّلتي‬
‫موهم ومض ِّل ٌل‪ ،‬فليس معنى الحاكم َّي ِة‬ ‫ٌ‬ ‫والخلط بينهما‬ ‫ُ‬ ‫مهم‪،‬‬ ‫بي َن األَ ِ‬
‫مرين ٌّ‬
‫دولة ثيوقراطية‪.‬‬ ‫الدَّ عو ُة إلى ٍ‬
‫ٰ‬
‫حد‬ ‫تكون هلل وحدَ ه‪ ،‬وليست ألَ ٍ‬ ‫َ‬ ‫يجب َأ ْن‬ ‫‪ 3‬ـ الحاكم َّي ُة التَّشريع َّي ُة ا َّلتي‬
‫ُ‬
‫خلقه هي الحاكم َّي ُة ال ُعليا والمطلق ُة ا َّلتي ال يحدُّ ها وال ُيق ِّيدُ ها شي ٌء؛‬ ‫ِ‬ ‫من‬
‫ُ‬
‫القرآن‬ ‫ِ‬
‫َّوحيد‪ ،‬كما ب َّي َن‬ ‫دالئل وحداني ِة األُلوهي ِة‪ ،‬بل من مقو ِ‬
‫مات الت‬ ‫ِ‬ ‫فهي من‬
‫ِّ‬ ‫َّ‬ ‫َّ‬
‫تعالى‪﴿ :‬ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ‬
‫ٰ‬ ‫في قوله‬
‫ﮙ﴾ [األنعام‪.]114 :‬‬
‫ِ‬
‫للعباد َقدْ ٌر من إصدار َأحكا ٍم‬ ‫َ‬
‫يكون‬ ‫تنفي َأ ْن‬ ‫وهذه الحاكم َّي ُة ال‬
‫ْ‬
‫ِ‬
‫غالب‬ ‫النصوص الشرع َّية في‬
‫ُ‬ ‫مسائل النوازل بضوابط شرع َّية؛ ألَ َّن‬ ‫ِ‬ ‫في‬
‫‪56‬‬
‫ٌ‬
‫استقالل‬ ‫َ‬
‫يكون لهم‬ ‫تمنع َأ ْن‬
‫ُ‬ ‫األَ ِ‬
‫مر كل َّي ًة إجمال َّي ًة ال تفصيل َّي ًة‪ ..‬إنَّما هي‬
‫ِ‬ ‫الشارع الحكيم؛ كالتَّشري ِع في َأ ِ‬ ‫مأ ٍ‬ ‫غير ْ‬
‫العبادات‪،‬‬ ‫مر‬ ‫ذون به من َّ‬ ‫بالتَّشري ِع ُ‬
‫والتَّشري ِع ا َّلذي ُي ِح ّل ما َح َّرم اهلل‪ ،‬و ُي َح ِّرم ما َأحل اهلل‪ ،‬و ُي ْس ِقط ما‬
‫فرض اهلل؛ ألَ َّن هذه المسائل من العبادات التوقيف َّية‪.‬‬
‫ِ‬ ‫نص فيه‪َ ،‬أو في‬
‫المرسلة‪..‬‬ ‫ِ‬
‫المصالح‬ ‫َشريع في النوازل‪َ ،‬أو فيما ال َّ‬
‫ُ‬ ‫َأ َّما الت‬
‫حق العلماء‬
‫نصيب ـ بضوابطه الشرعية ـ فهذا من ِّ‬ ‫ِ‬
‫لالجتهاد فيه‬ ‫َأي فيما‬
‫ٌ‬
‫والسالم‪.‬‬ ‫العاملين؛ ألَنَّهم ورثة األَنبياء عليهم َّ‬
‫الصال ُة َّ‬
‫‪4‬‬
‫ِّ‬
‫والمفك َ‬
‫رين‬ ‫ُ‬
‫شهادات العلماِء‬
‫في سيِّد ُق ُطب‬
‫َ‬
‫يكون‬ ‫ِ‬
‫وفكره وآرائـه‪ ..‬ال ُبدَّ َأ ْن‬ ‫حيح لمنهج سـ ِّيد ُق ُطب ‪‬‬
‫الص ُ‬ ‫ال َف ْه ُ‬
‫ـم َّ‬
‫ِ‬
‫والعدل‪..‬‬ ‫ِ‬
‫المشـهود لهم بالعلـ ِم‬ ‫الصادقي َن‪..‬‬ ‫ِ‬ ‫عـن ِ‬
‫طريق العلمـاء والمفكِّري َن َّ‬
‫وفهموا مرام َيه؛‬ ‫عمق ِ‬
‫كالمـه‬ ‫ب‪ ..‬و َأدركوا َ‬ ‫عاصـروه وعرفو ُه عن ُق ْـر ٍ‬ ‫وا َّلذيـن‬
‫ُ‬ ‫ُ‬
‫ِ‬
‫استشـهاده في‬ ‫وترحمـوا عليـه‪ ،‬وشـهدُ وا علـى‬ ‫َأثنَـوا عليـه‬
‫وعلـى مـا قـدَّ َم‪َّ ،‬‬
‫ٰ‬
‫سـبيل دينِ ِ‬
‫ـه‪ ،‬وداف ُعـوا عنـه‪ ..‬ولـم ُيك ِّفـروه ولم يبدِّ ْعـ ُه َأحـدٌ منهم َألبتَـ َة! بل‬ ‫ِ‬
‫وج ِه مـن ك َّفـر ُه وبدَّ َعه‪..‬‬ ‫وقـف َأ ُ‬
‫كثرهـم في ْ‬ ‫َ‬
‫ِ‬
‫هؤالء الكرامِ‪:‬‬ ‫ومن‬

‫الكبير‪ ..‬محمد ُق ُطب ‪:‬‬ ‫ُ‬ ‫‪ ١‬ـ ُأستا ُذنا المفكر‬


‫ِ‬
‫ومقاصد‬ ‫بصرهم َبأ ِ‬
‫فكاره‬ ‫ستاذ ِه‪ ..‬و َأ ِ‬‫الكبير و ُأ ِ‬
‫ِ‬ ‫َّاس َبأ ِ‬
‫خيه‬ ‫فهو من َأ ِ‬
‫لصق الن ِ‬
‫ِ‬
‫المثارة‪ ،‬فقال‪:‬‬ ‫كثير من القضايا‬ ‫الحق في ٍ‬ ‫وض َح وج َه ِّ‬ ‫عباراتِه و َألفاظِه‪ ..‬وقد َّ‬
‫هيد س ِّيد ُق ُطب‪،‬‬ ‫الش ِ‬ ‫ِ‬
‫كتابات َّ‬ ‫اإلخوان َ‬
‫حول‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫محيط‬ ‫(ما دار من ٍ‬
‫لغط في‬ ‫َ‬
‫ب في هذا‬ ‫عليه‪ِ ُ ،‬‬
‫اإلخوان َأو جديد ًة ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫قيل من كونِها مخالف ًة‬ ‫وما َ‬
‫وأح ُّ‬ ‫لفكر‬
‫مطالب َأما َم اهلل‬ ‫ٌ‬ ‫حس َبأنَّني‬‫الحقائق‪َ ،‬أ ُّ‬
‫ِ‬ ‫ثبت مجموع ًة من‬ ‫ِ‬
‫المجال َأ ْن ُأ َ‬
‫كتابات س ِّيد ُق ُطب قد ترك ْ‬
‫َّزت‬ ‫ِ‬ ‫مر شبه ٌة‪َّ .‬‬
‫إن‬ ‫يكون في األَ ِ‬ ‫َ‬ ‫ِ‬
‫بتوضيحها حت َّٰى ال‬
‫‪58‬‬

‫شعورا منه‬
‫ً‬ ‫الحقيقي لـ «ال إله َّإل اهلل»‬
‫ِّ‬ ‫حول موضو ٍع مع َّي ٍن‪ ،‬هو ُ‬
‫بيان المعنى‬ ‫َ‬
‫ِ‬ ‫على حقيقتِه‪،‬‬
‫المواصفات‬ ‫وبيان‬
‫ُ‬ ‫يدركون هذا المعنى ٰ‬
‫َ‬ ‫كثيرا من الن ِ‬
‫َّاس ال‬ ‫َبأ َّن ً‬
‫شعورا منه َبأ َّن ً‬
‫كثيرا من‬ ‫ً‬ ‫والسنَّة‪،‬‬ ‫ِ‬
‫الكتاب ُّ‬ ‫وردت في‬
‫ْ‬ ‫ِ‬
‫لإليمان كما‬ ‫الحقيق َّي ِة‬
‫حرصا‬ ‫َّاس عنه‪ ،‬ولكنَّ ُه مع َ‬ ‫همل َأو غ َ‬ ‫ِ‬
‫المواصفات قد ُأ َ‬
‫حرص ً‬ ‫َ‬ ‫ذلك‬ ‫َفل الن ُ‬ ‫هذه‬
‫إصدار َأحكا ٍم على النَّاس‪،‬‬
‫ُ‬ ‫على َأ ْن يب ِّي َن َأ َّن َ‬
‫كالمه ليس مقصو ًدا به‬ ‫شديدً ا ٰ‬
‫ِ‬
‫الحقيقة‪ ،‬ليتب َّينوا هم َأنفسهم‬ ‫وإنَّما المقصود ِبه تعري ُفهم بما غف ُلوا عنه من ِ‬
‫هذه‬ ‫ُ‬
‫بعيدون عن هذا ال َّط ِ‬
‫ريق‬ ‫َ‬ ‫طريق اهلل كما ينبغي‪َ ،‬أم َأنَّهم‬
‫على ِ‬‫مستقيمين ٰ‬
‫َ‬ ‫إن كانوا‬ ‫ْ‬
‫(نحن‬
‫ُ‬ ‫مر ٍة يقول‪:‬‬ ‫فينبغي عليهم َأ ْن يعو ُدوا إليه‪ ،‬ولقد سمعتُه بنفسي َأ َ‬
‫كثر من َّ‬ ‫ْ‬
‫ولكن‬
‫َّ‬ ‫إصدار األَحكام على النَّاس‪،‬‬
‫َ‬ ‫ليست‬
‫ْ‬ ‫همتنا‬
‫وإن َم َّ‬
‫دعا ٌة ولسنا قضاةً‪َّ ،‬‬
‫ِ‬
‫الحقيقي‪،‬‬
‫َّ‬ ‫يعرفون ُمقتضاها‬
‫َ‬ ‫همتنا تعري ُفهم بحقيقة ال إله َّإل اهلل؛ ألَ َّن الن َ‬
‫َّاس ال‬ ‫َم َّ‬
‫ِ‬
‫شريعة اهلل)‪...‬‬ ‫إلى‬
‫َّحاكم ٰ‬
‫ُ‬ ‫وهو الت‬
‫الحكم على الن ِ‬
‫َّاس يستلز ُم وجو َد‬ ‫َ‬ ‫(إن‬
‫يقول‪َّ :‬‬ ‫مر ٍة ُ‬ ‫كثر من َّ‬ ‫كما سمعتُه َأ َ‬
‫ليس في َأيدينا‪ ،‬ولذلك‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬
‫فنحن ال‬
‫ُ‬ ‫مر َ‬ ‫ك‪ ،‬وهذا َأ ٌ‬ ‫الش َّ‬
‫تقبل َّ‬ ‫قاطعة ال ُ‬ ‫قرينة‬
‫فضل عن كونِنا دعو ًة ولسنا دول ًة‪ ،‬دعو ٌة‬ ‫نتعر ُض لقض َّية الحك ِم على النَّاس‪ً ،‬‬ ‫َّ‬
‫إصدار األَحكا ِم عليهم‪.)1()...‬‬ ‫ُ‬ ‫الحقائق للن ِ‬
‫َّاس ال‬ ‫ِ‬ ‫بيان‬
‫همتُها ُ‬ ‫َم َّ‬

‫‪ ٢‬ـ األُستاذ سالم البهنساوي ‪:‬‬


‫اهتم ِ‬
‫بفكر س ِّيد ُق ُطب ‪ ‬وكتب فيه‪ُ ،‬‬
‫يقول‪:‬‬ ‫مم ِن َّ‬
‫هو َّ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫إلى س ِّيد ُق ُطب من‬ ‫ِ‬
‫يشهدون‬
‫َ‬ ‫المسلمين ا َّل َ‬
‫ذين‬ ‫َ‬ ‫بتكفير‬ ‫القول‬ ‫ب ٰ‬ ‫( فما نُس َ‬
‫ِ‬
‫واالبتعاد‬ ‫بالهوى‪،‬‬ ‫الصالةَ؛ فهذا َأ ُثر ونتيج ُة الحك ِم‬ ‫َأن ال إله َّإل اهلل‬
‫ٰ‬ ‫ويقيمون َّ‬
‫َ‬

‫((( «مجلة المجتمع» العدد‪ ٢٧ :‬الصادر في‪ 17 :‬شوال ‪1395‬ﻫ ـ ‪1975/10/21‬م‪.‬‬


‫‪59‬‬

‫المثال‪:‬‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬


‫سبيل‬ ‫وعلى‬ ‫على َ‬
‫ذلك‪،‬‬ ‫القصد‪ ،‬والدَّ ُ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫عن الموضوع َّي ِة‬
‫ٰ‬ ‫ليل ٰ‬ ‫ونزاهة‬
‫حياة»‪:‬‬ ‫بند «ال إله َّإل اهلل منهج ٍ‬ ‫تحت ِ‬ ‫الجاهلي‪ .‬ور َد بالمعال ِم َ‬ ‫مفهو ُم المجتمع‬
‫ُ‬ ‫ِّ‬
‫ِ‬
‫ثم‬‫المجتمع ا َّلذي ال ُيخل ُص عبود َّي َت ُه هلل وحدَ ُه‪َّ ..‬‬ ‫ُ‬ ‫الجاهلي هو‬ ‫َّ‬ ‫المجتمع‬
‫َ‬ ‫إن‬
‫َّ‬
‫والمجتمعات الوثن َّي ُة واليهود َّي ُة‬
‫ُ‬ ‫يوعي‪،‬‬‫الش ُّ‬ ‫المجتمع ُّ‬‫ُ‬ ‫يدخل في ذلك‪:‬‬ ‫ُ‬ ‫ذك ََر َأ َّن ُه‬
‫لنفسها َأنَّها مسلمة‪.‬‬ ‫والمجتمعات ا َّلتي تزعم ِ‬ ‫ُ‬ ‫والنَّصراني ُة‪،‬‬
‫ُ‬
‫بعض‬ ‫ولكن َ‬ ‫ليوضح المقصو َد منها‪،‬‬ ‫ِ‬
‫العبارات‬ ‫ثم شرح سيد ُق ُطب ِ‬
‫هذه‬
‫َّ‬ ‫َ‬ ‫َ ِّ‬ ‫َّ‬
‫العداء لعلمان َّيتهم َأو لتبع َّيتهم‬ ‫َ‬ ‫منهج ُه‬
‫َ‬ ‫ناصبون‬
‫َ‬ ‫َمن ا َّدعوا مح َّب َت ُه‪ ،‬وكذا َم ْن ُي‬
‫َّب‬ ‫عصرنا‪ ،‬ومنهم َمن رت َ‬ ‫ِ‬ ‫المسلمين في‬
‫َ‬ ‫يقول ِ‬
‫بكفر‬ ‫زعموا َأنَّه ُ‬ ‫اآلخرين‪ ،‬قد ُ‬
‫قصد ِه‪.‬‬‫باختالف ِ‬ ‫ِ‬ ‫تتفاوت‬
‫ُ‬ ‫حكاما‬
‫ً‬ ‫على ذلك َأ‬ ‫ٰ‬
‫ِ‬
‫هادتين ال يعدُّ‬ ‫ُّطق َّ‬
‫بالش‬ ‫علن لهم‪َ :‬أ َّن الن َ‬ ‫زعم َأ َّن س ِّيد ُق ُطب َأ َ‬ ‫ومنهم َمن َ‬
‫ِ‬ ‫مسلما َمن ص َّل ٰى وصا َم‪ ،‬ولم‬ ‫ِ‬ ‫ً‬
‫ينخرط في‬ ‫ً‬ ‫على إسال ِم المرء؛ فال ُي ُ‬
‫عتبر‬ ‫دليل ٰ‬
‫وفق مفهو ِم المخالفين‪.‬‬ ‫الجماعة ا َّلتي تبني الحاكم َّي َة َ‬ ‫ِ‬

‫ِ‬
‫سجن‬ ‫كان يص ِّلي في‬ ‫ِ‬
‫االنحرافات‪ ،‬وقد َ‬ ‫وسيد ُق ُطب ‪ ‬بريء من ِ‬
‫هذه‬ ‫ٌ‬ ‫ِّ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫اإلخوان؛ ألَنَّه األَ ُ‬
‫كثر حف ًظا في الوقت ا َّلذي‬ ‫خلف إما ٍم من ِ‬
‫غير‬ ‫َ‬ ‫ليمان طره‬
‫الصلوات‪.‬‬ ‫كانت تقا ُم فيه ُ‬
‫بعض َّ‬
‫الش ِ‬
‫هيد س ِّيد ُق ُطب‬ ‫وصاف ا َّلتي َأطلقها ٌّ‬
‫كل من َّ‬ ‫ُ‬ ‫العبارات واألَ‬
‫ُ‬ ‫فهذه‬
‫ِ‬
‫المجتمعات بالجاهل َّية ـ قد‬ ‫فون‬
‫يص َ‬‫ستاذنا المودودي َأو غيرهم ـ ممن ِ‬ ‫وأ ِ‬‫َ‬
‫َّ‬ ‫ُ‬ ‫ِّ‬
‫قول الله‪:‬‬ ‫ِ‬
‫واالعتقاد‪ ،‬كما في ِ‬ ‫ِ‬
‫الكفر‬ ‫الوصف يرا ُد به جاهل َّي ُة‬
‫َ‬ ‫علمنا َأ َّن هذا‬
‫﴿ﯾ ﯿ ﰀﰁ ﰂ ﰃ ﰄ ﰅ ﰆ ﰇ ﰈ﴾ [المائدة‪.]50 :‬‬
‫ِ‬
‫المجتمعات َأو األَفرا َد‬ ‫والعمل‪ ،‬ألَ َّن‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫المعصية‬ ‫وقد ُي َرا ُد به جاهل َّي ُة‬
‫‪60‬‬

‫يوصفون بذلك‪ ،‬ولكنهم ليسوا‬


‫َ‬ ‫َ‬
‫سلوك الجاهل َّية‬ ‫يسلكون‬
‫َ‬ ‫يعملون َأو‬
‫َ‬ ‫ا َّل َ‬
‫ذين‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫َّبي‪﴿ :‬ﭶ ﭷ‬ ‫كفرةً‪ ،‬ألَنَّهم لم يعتقدوا الجاهل َّي َة‪ ،‬كما في قول اهلل لنساء الن ِّ‬
‫ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ﴾ [األَحزاب‪ .]33 :‬وكما في ِ‬
‫قول‬
‫فالكفر‬
‫ُ‬ ‫بعض عاداتِها‪،‬‬
‫اهلِ َّي ٌة» َأي‪ُ :‬‬
‫يك ج ِ‬ ‫ِ‬ ‫ذر‪« :‬إِن َ‬
‫َّك ْام ُرؤٌ ف َ َ‬ ‫َّبي ﷺ ألَ ِ‬
‫بي ٍّ‬ ‫الن ِّ‬
‫فمن اعتقدَ َأ َّن الزِّنا‬ ‫ِ‬
‫عمل؛ ِ‬
‫ٍ‬ ‫يصاحب العقيد َة َأ ُّ‬
‫ي‬ ‫ِ‬ ‫باالعتقاد‪ ،‬ولو لم‬ ‫يتح َّق ُق‬
‫فيه جائزٌ‪َ ،‬أو‬ ‫باب‪َ ،‬أو َأ َّن حكم اإلسالم ِ‬
‫َ‬ ‫الش ِ‬ ‫صلح لعالجِ َّ‬ ‫حراما َأو َأنَّه َأ ُ‬
‫ً‬ ‫ليس‬‫َ‬
‫حكم اإلسالم فيها قدْ‬ ‫ِ‬
‫للمعدة‪َ ،‬أو َأ َّن‬ ‫تصلح‬ ‫حراما‪َ ،‬أو َأنَّها‬ ‫الخمر ليست‬ ‫َأ َّن‬
‫َ‬ ‫ُ‬ ‫ً‬ ‫َ‬
‫الفعل َأو‬
‫َ‬ ‫يرتكب هذا‬
‫ْ‬ ‫كافرا ولو لم‬ ‫ً‬ ‫ِ‬
‫خص يعدُّ‬ ‫مثل هذا َّ‬
‫الش‬ ‫واب‪ُ ،‬‬ ‫الص َ‬ ‫جانب َّ‬
‫َ‬
‫ذين يعنِيهم س ِّيد ُق ُطب‪.‬‬ ‫ِ‬
‫ذاك‪ ،‬وهؤالء ا َّل َ‬ ‫َ‬

‫الوصف بالجاهل َّية قد يرا ُد به جاهل َّي ُة‬ ‫َ‬ ‫الشرع ّية هنا‪َ :‬أ َّن‬ ‫والقاعد ُة َّ‬
‫المجتمع من َأجلِه‬
‫ُ‬ ‫العمل ا َّلذي ُو ِص َ‬
‫ف‬ ‫ِ‬ ‫المعصية‪ ،‬حسب نو ِع‬ ‫ِ‬ ‫الكفر َأو‬
‫ِ‬
‫وقال‪ :‬هذا‬ ‫َ‬ ‫الخمر َ‬
‫فنبذهم‬ ‫يشربون‬ ‫مسلمين‬ ‫ى‬ ‫الوصف‪ .‬فمن َ‬ ‫ِ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫رأ ٰ‬ ‫بهذا‬
‫العمل هنا‬ ‫َ‬ ‫تكفيرهم؛ ألَ َّن‬
‫َ‬ ‫القول َبأ َّن ُه َأرا َد‬
‫ُ‬ ‫يمكن‬
‫ُ‬ ‫جاهلي‪ ..‬فال‬ ‫ٌّ‬ ‫مجتمع‬
‫ٌ‬
‫ٍ‬
‫ُ‬
‫تخالف‬ ‫وقوانين‬
‫َ‬ ‫تشريعات‬ ‫يضعون‬
‫َ‬ ‫ناقش ا َّل َ‬
‫ذين‬ ‫ومن َ‬ ‫كفرا‪ْ .‬‬ ‫وليس ً‬ ‫معصي ٌة َ‬
‫حسن‪ ،‬فوص َفهم بالجاهل َّية‪ ،‬كان‬ ‫ُ‬ ‫فضل َ‬
‫وأ‬ ‫على َأنَّهم َأ ُ‬ ‫ون ٰ‬ ‫ويصر َ‬ ‫ُّ‬ ‫تشريع اهلل‪،‬‬
‫َ‬
‫كفر‪.‬‬
‫العمل هنا ٌ‬ ‫َ‬ ‫الكفر؛ ألَ َّن‬
‫ِ‬ ‫مرا ُده هنا جاهل َّي َة‬
‫ِ‬
‫العباد‪،‬‬ ‫هيد س ِّيد ُق ُطب؛ فإنَّه تك َّلم عن حاكم َّي ِة‬
‫الش ِ‬ ‫نفهم َأ َ‬
‫قوال َّ‬ ‫وبهذا‬
‫ُ‬
‫عنوان المجتمع‬ ‫ِ‬ ‫تحت‬
‫َ‬ ‫ُ‬
‫يدخل‬ ‫ض حاكم َّي ِة اهلل مطل ًقا‪ ،‬ثم قال‪( :‬بهذا‬‫ور ْف ِ‬
‫يحكم اإلسال ُم حياتَه)(‪.)1‬‬
‫ُ‬ ‫الجاهلي ُّ‬
‫كل مجتم ٍع ال‬ ‫ِّ‬

‫(( ( «فكر س ِّيد ُق ُطب في الميزان» سالم البهنساوي‪ ..‬بتصرف‪.‬‬


‫‪61‬‬

‫العلمةُ‪ ..‬بكر بن عبد ال َّله َأبو زيد ‪:‬‬


‫‪ ٣‬ـ شيخُ نا َّ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫فكر س ِّيد ُق ُطب ‪ ‬فذا ُدوا عنه‬ ‫فهموا َ‬‫الصادقي َن‪ ..‬ا َّلذين ُ‬
‫وهو م َن العلماء َّ‬
‫ِ‬ ‫تحامل عليه من المتن ِّطعي َن و َأ‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬
‫نصاف المث َّقفي َن‪.‬‬ ‫َ‬ ‫بجر َأة وإنصاف؛ فر َّد ٰ‬
‫على َمن‬
‫ٍ‬
‫طويلة‪ ،‬منها‪:‬‬ ‫ٍ‬
‫برسالة‬ ‫قال في ر ِّد ِه على ربيع بن هادي المدخلي‬
‫ِ‬
‫بوحدة‬ ‫(قول س ِّيد ُق ُطب‬‫العناوين االستـفـزازيـــ َِّة قو ُلكم‪ُ :‬‬ ‫ِ‬ ‫(‪ ...‬ومن‬
‫تفسير سورتي‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫سلوب في‬ ‫متشابها ح َّل َق فيه باألُ‬ ‫كالما‬ ‫إن سيدً ا َ‬ ‫ِ‬
‫ً‬ ‫قال ً‬ ‫الوجود)‪َّ .‬‬
‫الوجود إليه‪،‬‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫بوحدة‬ ‫ِ‬
‫القول‬ ‫ِ‬
‫بنسبة‬ ‫اعتمدتم عليه‬ ‫ِ‬
‫واإلخالص‪ ،‬وقد‬ ‫ِ‬
‫الحديد‬
‫ْ‬
‫الصريحِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫وأحسنتُم حينما نقلتُم قو َل ُه في‬ ‫َ‬
‫تفسير سورة البقرة من ر ِّده الواضحِ َّ‬
‫اإلسالمي‬ ‫الوجود‪ ،‬ومنه قو ُله‪( :‬ومن هنا تنتفي من الت ِ‬
‫َّفكير‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫وحدة‬ ‫ِ‬
‫لفكرة‬
‫ِّ‬
‫َّصور‬ ‫وأزيدُ كم َأ َّن في كتابه‬ ‫وحدة الوجود) َ‬ ‫ِ‬
‫«مقومات الت ُّ‬ ‫ِّ‬ ‫الصحيحِ فكر ُة‬ ‫َّ‬
‫هلل‬ ‫فنحن ُ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫غفر ا ُ‬ ‫نقول‪َ :‬‬ ‫ُ‬ ‫الوجود! لهذا‬ ‫بوحدة‬ ‫القائلين‬
‫َ‬ ‫اإلسالمي» ر ًّدا شاف ًيا على‬ ‫ِّ‬
‫وس َع فيه العبارةَ‪ ،‬والمتشاب ُه ال‬ ‫ٍ‬
‫سلوب َّ‬ ‫جنح فيه ُبأ‬ ‫كالم ُه المتشاب َه ا َّلذي َ‬ ‫لس ِّيد َ‬
‫ِ‬
‫شطب هذا‬ ‫ِ‬ ‫القاطع من كالمه‪ ،‬لهذا َأرجو المبادر َة ٰ‬
‫إلى‬ ‫َ‬ ‫ريح‬
‫الص َ‬ ‫النص َّ‬ ‫يقاو ُم َّ‬
‫مشفق عليكُم‪...‬‬ ‫ٌ‬ ‫مني لس ِّيد ‪ ‬تعالى وإنِّي‬ ‫الض ِّ‬ ‫َّكفير ِّ‬ ‫الت ِ‬

‫قرر ُه‬ ‫نسفت بال تثب ٍ‬ ‫قول ـ َأ ُّيها‬


‫َأ ُ‬
‫جميع ما َّ‬‫َ‬ ‫ت‬ ‫ُّ‬ ‫َ‬ ‫الحبيب ـ لقدْ‬ ‫ُ‬ ‫المحب‬
‫ُّ‬
‫السم َة‬ ‫ُّ‬
‫تحتل ِّ‬ ‫ولوازم ِه ا َّلتي‬
‫ِ‬ ‫َّوحيد ومقتضياتِه‪،‬‬ ‫ِ‬ ‫تعالى من معال ِم الت‬ ‫ٰ‬ ‫س ِّيد ‪‬‬
‫تلغيه كلم ٌة واحدةٌ‪ ،‬وهي َأ َّن‬ ‫ِ‬ ‫فجميع ما ذكر َت ُه‬ ‫البارز َة في حياتِه ال َّط ِ‬
‫ويلة‪..‬‬
‫ُ‬
‫َّوحيد‪ ،‬وس ِّيد ‪‬‬ ‫ِ‬ ‫كلمة الت‬‫ِ‬ ‫ِ‬
‫مقتضيات‬ ‫توحيدَ اهلل في الحك ِم والتَّشري ِع من‬
‫ِ‬
‫إلغاء‬ ‫على‬ ‫ِ‬ ‫َِ‬ ‫كثيرا لما َ‬
‫الجرأة الفاجرة ٰ‬ ‫ى من هذه‬ ‫رأ ٰ‬ ‫على هذا ً‬ ‫تعالى ر َّك َز ٰ‬
‫ٰ‬
‫بدل عنها‪،‬‬ ‫ِ‬
‫للقوانين الوضع َّية ً‬ ‫ِ‬ ‫ً‬
‫وإحالل‬ ‫ِ‬
‫وغيره‪،‬‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫تحكي ِم شر ِع اهلل من القضاء‬
‫‪62‬‬

‫مشوارها‬ ‫ِ‬ ‫جرأ ٌة عظيم ٌة ما عهدتها األُ َّم ُة اإلسالم َّي ُة في‬ ‫هذه َ‬ ‫شك َأ َّن ِ‬ ‫وال َّ‬
‫كتب‬‫بقراءة ِ‬ ‫ِ‬ ‫ليس لي عناي ٌة‬ ‫قبل عا ِم (‪1342‬هـ)‪ ...‬ألَنَّني من ُ‬ ‫ويل َ‬ ‫ال َّط ِ‬
‫قبل َ‬
‫ٍ‬ ‫لكن َ‬ ‫الر ِ‬
‫قراءات‬ ‫إلى‬ ‫هول ما ذكرتُم دفعني ٰ‬ ‫َّاس‪َّ ..‬‬ ‫وإن تداو َلها الن ُ‬ ‫جل ْ‬ ‫هذا َّ‬
‫مشر ًفا وح ًّقا‬ ‫ِ‬ ‫دة في عام ِة ِ‬ ‫متعدِّ ٍ‬
‫كثيرا وإيمانًا ِّ‬ ‫خيرا ً‬ ‫فوجدت في كتبه ً‬ ‫ُ‬ ‫كتبه؛‬ ‫َّ‬
‫ٍ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫عثرات في‬ ‫فاضحا لمخ َّططات العداء لإلسالم‪ٰ ..‬‬
‫على‬ ‫ً‬ ‫وتشريحا‬‫ً‬ ‫بلج‪،‬‬ ‫َأ َ‬
‫الحق‬ ‫ينقضها قو ُله ُّ‬ ‫وكثير منها ُ‬ ‫بعبارات ليتَه لم ي ُف ْه بها‪،‬‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬
‫واسترسال‬ ‫سياقاتِ ِه‬
‫ٌ‬
‫ِ‬ ‫ٍ‬
‫خدمة‬ ‫إلى‬
‫ثم اتَّج َه ٰ‬ ‫جل كان َأدي ًبا ن َّقادةً‪َّ ..‬‬ ‫والر ُ‬ ‫والكمال عزيزٌ‪َّ ،‬‬ ‫ُ‬ ‫آخر‬
‫مكان َ‬ ‫في‬
‫العطرة؛‬ ‫ِ‬ ‫يرة النَّبو َّي ِة‬ ‫فة‪ ،‬والس ِ‬ ‫القرآن العظي ِم والسن َِّة المشر ِ‬ ‫ِ‬ ‫اإلسالم من خالل‬
‫ِّ‬ ‫َّ‬ ‫ُّ‬
‫سبيل اهلل‬ ‫ِ‬ ‫موقف ِه في‬ ‫ِ‬ ‫على‬
‫صر ٰ‬ ‫وأ َّ‬ ‫عصر ِه‪َ ،‬‬
‫ِ‬ ‫مواقف في قضايا‬ ‫َ‬ ‫كان من‬ ‫فكان ما َ‬
‫ٍ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫لب منه َأن يس ِّط َر‬ ‫ِِ‬
‫اعتذار‪،‬‬ ‫كلمات‬ ‫بقلمه‬ ‫وكشف عن سالفته‪ ،‬و ُط َ‬ ‫َ‬ ‫تعالى‪،‬‬
‫ٰ‬
‫ِ‬
‫كتب به كلم ًة‬ ‫للشهادة لن َأ َ‬ ‫(إن ُأصب ًعا َأرفع ُه َّ‬ ‫فقال كلمتَه اإليمان َّي َة المشهورةَ‪َّ :‬‬ ‫َ‬
‫ِ‬
‫بالمغفرة‪،‬‬ ‫عاء ل ُه‬‫فالواجب على الجمي ِع الدُّ ُ‬ ‫ُ‬ ‫نحو ذلك‪،‬‬ ‫تضارها!) َأو كلم ًة َ‬ ‫ُّ‬
‫يوجب‬ ‫خطأ ُه ال‬ ‫َ‬ ‫وإن‬ ‫ِ‬
‫خطأ ُه فيه‪َّ ،‬‬ ‫َ‬ ‫وبيان ما تح َّققنا‬ ‫ُ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫واالستفاد ُة من علمه‪،‬‬
‫ُ‬
‫علمه وال هجر ِ‬
‫كتبه!‬ ‫ِ‬ ‫حرماننَا من‬
‫َ‬
‫َ‬
‫إسماعيل‬ ‫مضوا‪ ،‬من َأ ِ‬
‫مثال َأبي‬ ‫ٍ‬
‫سالف َ‬ ‫ِ‬
‫بحال َأ‬ ‫اعتبر ـ رعاك اهلل ـ حا َله‬
‫ْ‬
‫لديهما‬
‫َ‬ ‫ابن تيم َّي َة مع ما‬
‫شيخ اإلسالم ُ‬
‫دافع عنهما ُ‬
‫والجيالني‪ ..‬كيف َ‬
‫ِّ‬ ‫الهروي‬
‫ِّ‬
‫َ‬
‫«منازل‬ ‫والسنَّة‪ ،‬وانظر‬ ‫ِ‬ ‫من ال َّطوا ِّم؛ ألَ َّن األَ َ‬
‫صل في مسلكهما نصر ُة اإلسالم ُّ‬
‫يمكن قبو ُلها‪ ..‬ومع ذلك ُ‬
‫فابن‬ ‫ُ‬ ‫عجائب ال‬
‫َ‬ ‫تعالى َتر‬
‫ٰ‬ ‫للهروي ‪‬‬
‫ِّ‬ ‫السائرين»‬ ‫َّ‬
‫ِ‬
‫شرحه «مدارج‬ ‫يجر ُمه فيها‪ ،‬وذلك في‬ ‫ِ‬ ‫يعتذر عنه َأشدَّ‬ ‫الق ِّي ِم‬
‫االعتذار وال ِّ‬ ‫ُ‬
‫بسطت في كتابِي‪« :‬تصنيف النَّاس بين ال َّظ ِّن واليقين»‪.)1()...‬‬
‫ُ‬ ‫السالكين» وقد‬
‫َّ‬

‫(( ( «الخطاب الذهبي في الرد على ربيع المدخلي» بكر َأبو زيد‪.‬‬
‫‪63‬‬

‫العلمةُ‪ ..‬عبد العزيز بن عبد ال َّله بن باز ‪:‬‬


‫‪ ٤‬ـ شيخُ نا َّ‬
‫وي؟‬ ‫ِ‬
‫الحسن النَّدْ ِّ‬ ‫والمودودي و َأبي‬
‫ِّ‬ ‫ُس ِئ َل عن كُتب س ِّيد ُق ُطب‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫كثير‪..‬‬
‫خير ٌ‬
‫كتب مفيدةٌ‪ ..‬فيها ٌ‬ ‫(كتب هؤالء ال َّثالثة ‪ ‬ك ُّلها ٌ‬ ‫ُ‬ ‫َفأ َ‬
‫جاب‪:‬‬
‫ليسوا‬ ‫ُ‬
‫ويترك‪ُ ،‬‬ ‫يؤخذ من قولِه‬
‫ُ‬ ‫إنسان‬‫ٍ‬ ‫غالط‪ُّ ،‬‬
‫كل‬ ‫ِ‬ ‫بعض األَ‬
‫ِ‬ ‫وال تخلو من‬
‫ووجه ُه‬ ‫ِ‬
‫خطاء‪،‬‬ ‫عرف ما فيها من األَ‬ ‫َ‬ ‫وطالب العل ِم إذا َتأ َّملها‬ ‫معصومين‪،‬‬
‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬
‫وصبروا على‬‫ُ‬ ‫ِ‬
‫الخير‬ ‫الخير ود َعوا إلى‬ ‫ِ‬ ‫الحق‪ ،‬وهم ‪ ‬قد اجتهدوا في‬ ‫من ِّ‬
‫المش َّق ِة في ذلك‪.)1()...‬‬

‫العلمةُ‪ ..‬محمد ناصر الدِّ ين األَلباني ‪:‬‬


‫ث َّ‬‫الم َحدِّ ُ‬
‫‪ ٥‬ـ شيخُ نا ُ‬
‫نور‬
‫كلمات عليها ٌ‬ ‫ٌ‬ ‫لكن له‬
‫عالما؛ ْ‬ ‫ليس ً‬ ‫جل َ‬ ‫(الر ُ‬ ‫قال في س ِّيد ُق ُطب‪َّ :‬‬
‫ظن‬‫كتاب «معالم في ال َّطريق» َأ ُّ‬
‫ِ‬ ‫ٌ‬
‫فصل ق ِّي ٌم جدًّ ا في‬ ‫َ‬
‫وهناك‬ ‫علم‪...‬‬
‫عليها ٌ‬
‫كثير من إخوانِنا‬ ‫العنوان هذا ٌ‬
‫َ‬ ‫وأنا َأعتقدُ َأ َّن‬
‫منهج حياة» َ‬ ‫ُ‬ ‫عنوانَه‪« :‬ال إله َّإل اهلل‬
‫مسلم‪،‬‬ ‫آخر‪( :‬يكفي َأ َّن ُه ٌ‬
‫رجل‬ ‫ٍ‬
‫ٌ‬ ‫ين ما تبنَّوا معناه‪ .)...‬وقال في مكان َ‬ ‫السلف ِّي َ‬
‫َّ‬
‫وأ َّن ُه ُق َ‬
‫تل في‬ ‫مفهوم ِه لإلسالم كما ُ‬
‫قلت َأ َّو ًل ـ َ‬ ‫ِ‬ ‫ب‬‫حس ِ‬
‫على َ‬ ‫إسالمي ـ ٰ‬
‫ٌّ‬ ‫وكاتب‬
‫ٌ‬
‫عداء اإلسالم‪َ ،‬‬ ‫ِ‬
‫غيورا على‬
‫كان ً‬ ‫وأ َّن ُه َ‬ ‫ذين قتلو ُه هم َأ ُ‬ ‫ِ‬
‫سبيل دعوته لإلسالم‪ ،‬وا َّل َ‬
‫ِ‬
‫ودولة اإلسالم‪.)...‬‬ ‫باب المسلمِ‪َ ،‬‬
‫وأ َّن ُه يريدُ إقام َة اإلسالم‪،‬‬ ‫الش ِ‬
‫اإلسالم‪ ،‬وعلى َّ‬
‫ِ‬ ‫نحن ن ِ‬
‫ُج ُّل ُه على‬ ‫وقال َأ ً‬
‫جهاده‪.)2()...‬‬ ‫يضا‪( :‬هذا َر ُج ٌل ُ‬

‫((( فتاوى برنامج «نور على الدرب» وانظر‪ :‬الموقع الرسمي لسماحة الشيخ عبد العزيز‬
‫‪https://binbaz.org.sa/old/38125‬‬ ‫ابن باز‪:‬‬
‫((( انظر‪ :‬كلمة كلمة حق وإنصاف في مؤلفات سيد ُق ُطب ‪ ‬في موقع طريق اإلسالم الرابط‪:‬‬
‫‪https://ar.islamway.net/lesson/37412‬‬
‫و«حياة األلباني وآثاره وثناء العلماء عليه» للشيخ محمد بن إبراهيم الشيباني ص ‪ 536‬ـ ‪.537‬‬ ‫ ‬
‫‪64‬‬

‫العلمة‪ ..‬عبد ال َّله بن عبد الرحمن الجبرين ‪:‬‬


‫‪ ٦‬ـ شيخُ نا َّ‬
‫(إن س ِّيد ُق ُطب وحسن البنا من‬ ‫ُس ِئ َل عن س ِّيد ُق ُطب وكتبِه‪َ ،‬‬
‫فقال‪َّ :‬‬
‫وهدى بدعوتهما‬ ‫هلل بهما‬ ‫ِ‬ ‫المسلمين ومن َأ ِ‬ ‫ِ‬
‫ٰ‬ ‫نصر ا ُ‬
‫هل الدَّ عوة‪ ،‬وقد َ‬ ‫َ‬ ‫علماء‬
‫الشيخ عبد العزيز بن‬ ‫ُ‬ ‫شفع‬
‫جل ذلك َ‬ ‫ُنكر‪ ،‬وألَ ِ‬ ‫خل ًقا كث ًيرا‪ ،‬ولهما جهو ٌد ال ت ُ‬
‫فاعة‪ ..‬فلم ْ‬
‫يقبل‬ ‫الش ِ‬ ‫ف في َّ‬ ‫القتل‪ ،‬وتل َّط َ‬
‫عليه ُ‬ ‫باز في سيد ُق ُطب عندما ُقرر ِ‬
‫ِّ َ‬ ‫ِّ‬
‫كل منهما َأ َ‬
‫طلق‬ ‫تل ٌّ‬ ‫يستحق ـ ولما ُق َ‬‫ُّ‬ ‫شفاعتَه الرئيس جمال ـ عليه من اهلل ما‬
‫ِ‬ ‫ٍ‬
‫الخاص والعا ُّم‪،‬‬
‫ُّ‬ ‫ظلما‪ ،‬وشهدَ بذلك‬ ‫كل واحد َأنَّه شهيدٌ ؛ ألَ َّن ُه ُقت َل ً‬ ‫على ِّ‬
‫ٰ‬
‫العلماء كت َبهما‪،‬‬ ‫ثم تل َّقى‬ ‫ٍ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ذلك في الص ِ‬ ‫ون ُِش َر َ‬
‫ُ‬ ‫إنكار‪َّ ،‬‬ ‫بدون‬ ‫والكتب‬ ‫حف‬ ‫ُّ‬
‫وقع‬
‫عاما‪ ،‬وإذا َ‬ ‫عشرين ً‬ ‫َ‬ ‫يطعن َأحدٌ فيهما منذ َأ َ‬
‫كثر من‬ ‫ْ‬ ‫ونفع اهلل بهما‪ ،‬ولم‬
‫َ‬
‫الجوزي ِ‬
‫وابن عط َّي َة‪ ،‬والخ َّط ِّ‬
‫ابي‬ ‫ِّ‬ ‫يوطي‪ِ ،‬‬
‫وابن‬ ‫ِّ‬ ‫والس‬
‫َّووي ُّ‬ ‫لهم َ‬
‫مثل ذلك كالن ِّ‬
‫والقسطالني‪َ ،‬‬
‫وأمثالهم كثير‪.)1()...‬‬ ‫ِّ‬
‫الشعيبي ‪:‬‬
‫العلمة حمود بن ُعقالء ُّ‬
‫‪ ٧‬ـ فضيل ُة الشيخ َّ‬
‫ُس ِئ َل عن س ِّيد ُق ُطب‪ ،‬فقال‪َّ :‬‬
‫(فإن المفك َِّر األَ َ‬
‫ديب س ِّيد ُق ُطب ‪ V‬له‬
‫وأهدافِه والغايات منه‪ ،‬ويتّـفـقون‬ ‫يختـلفون في كيفي ِة الن ِ‬
‫ّقد َ‬ ‫َّ‬ ‫َ‬ ‫كثيرون‪،‬‬
‫َ‬ ‫َأ ٌ‬
‫عداء‬
‫ِ‬
‫والمطاعن‬ ‫الجارحين‬ ‫ِ‬
‫مثالب‬ ‫بطالن‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫كشف‬ ‫وقبل َأ ْن َأ‬ ‫ٍ‬
‫مشتركة‪َ ،‬‬ ‫مصالح‬ ‫في‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫إلى س ِّيد ‪ُ V‬أب ِّي ُن َأ َّو ًل لماذا ُي‬ ‫ِ‬
‫ستهدف س ِّيد ُق ُطب خاص ًة؟ َ‬
‫ومن‬ ‫ُ‬ ‫الموجهة ٰ‬
‫َّ‬
‫المستفيدُ من إسقاطِه؟!‬
‫ِ‬
‫مقارعة‬ ‫ِ‬
‫صحاب منهج‬‫علما من َأعال ِم َأ‬
‫إن س ِّيدً ا ‪ُ ‬ي َعدُّ في عصره ً‬
‫َّ‬

‫((( نشرت في «سيد ُق ُطب صاحب الظالل» لتوفيق الواعي وإبراهيم منير ص ‪ 114‬ـ ‪ ، 115‬ط‪1‬‬
‫مكتبة المنار اإلسالمية بالكويت‪ .‬وفي موقع الشيخ اإللكتروني ‪.‬‬
‫‪65‬‬

‫إلى‬ ‫ِ‬ ‫تعبيد الن ِ‬‫عاة إلى ِ‬ ‫فذاذ الدُّ ِ‬


‫والكفر بهم‪ ،‬ومن َأ ِ‬‫ِ‬ ‫ال َّظ‬
‫َّاس لر ِّبهم‪ ،‬والدَّ عوة ٰ‬ ‫ٰ‬ ‫المين‬
‫َ‬
‫ورسوله كجمال‬ ‫ِ‬ ‫يقض َّإل مضاجع َأ ِ‬
‫عداء اهلل‬ ‫توحيد التَّحاك ِم إلى اهلل‪ ،‬فلم َّ‬ ‫ِ‬
‫َ‬
‫ضاق ُأولئك‬ ‫فرح َأولئك‪ ،‬ولقد َ‬ ‫ِ‬ ‫عبد الناصر َ ِ‬
‫فرح َأحدٌ بقتله كما َ‬ ‫وأمثاله! وما َ‬
‫ِ‬
‫منهجه‬
‫َ‬ ‫حيي‬
‫البطل ذر ًعا‪ ،‬فلما ظنُّوا أنَّهم قد قتلو ُه إذا بدمه ُي ْ‬ ‫ِ‬ ‫ذناب بهذا‬‫األَ ُ‬
‫انتشار كتبِه؛ ألَنَّه د َّل َل‬
‫ُ‬ ‫المسلمين وزا َد‬
‫َ‬ ‫حماسا‪ ،‬فزاد قبو ُله بين‬
‫ً‬ ‫ويشعل كلماتِه‬ ‫ُ‬
‫فيه رغب ًة منهم ِ‬
‫بقتل‬ ‫عن ِ‬ ‫ِ‬
‫إعادة ال َّط ِ‬ ‫إلى‬ ‫وإقدامه على ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫قوة منهجه‪ ،‬فس َعوا ٰ‬ ‫ٰ َّ‬ ‫بصدقه‬
‫وأن َّٰى لهم ذلك‪.‬‬‫يضا ـ َ‬ ‫منهجه ـ َأ ً‬
‫ِ‬ ‫فاستهداف س ِّيد ُق ُطب ‪ ‬لم ِ‬
‫ليس‬ ‫مجر ًدا لشخصه‪ ،‬فهو َ‬ ‫يكن استهدا ًفا َّ‬ ‫ُ‬
‫ولكن‬ ‫ننكرها‪،‬‬ ‫ِ‬
‫العلماء ا َّلذين ُو ْ‬
‫َّ‬ ‫أخطاء ال ُ‬‫ٌ‬ ‫عثرات‪ ،‬فعند ُه‬
‫ٌ‬ ‫جدت لهم‬ ‫الوحيدَ من‬
‫َ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫الشهادة ـ‬ ‫ونسأ ُل اهلل له َّ‬ ‫إلى ر ِّبه‬
‫عن فيه ليس إلسقاطه هو بذاته ـ فقد قدم ٰ‬ ‫ال َّط َ‬
‫يخشون َأ ْن‬
‫َ‬ ‫منهجه ا َّلذي‬
‫ُ‬ ‫وأتبا َعهم هو‬ ‫عداءه َ‬
‫يقلق َأ َ‬ ‫زال ُ‬ ‫ولكن ا َّلذي ال َ‬ ‫َّ‬
‫الخطأ؛ بل‬ ‫َ‬ ‫المسلمين‪ ...‬وس ِّيد ‪ ‬ال ندَّ عي له العصم َة من‬ ‫ينتشر بين َأ ِ‬
‫بناء‬
‫َ‬ ‫َ َ‬
‫تخل َبأصل دعوتِه‬ ‫مجال تفصيلِها‪ ،‬ولكنَّها ال ُّ‬ ‫ُ‬ ‫خطاء ليس هذا‬ ‫ً‬ ‫إن له َأ‬ ‫ُ‬
‫نقول‪َّ :‬‬
‫وعلى‬ ‫ٰ‬ ‫تقدح في منـزلتِهم‪،‬‬ ‫ْ‬
‫ِ‬
‫خطاء ا َّلتي لم‬ ‫غيره من األَ‬
‫ومنهجه‪ ،‬كما َأ َّن عند ِ‬
‫سبيل المثال‪ :‬ابن حجر والنووي وابن الجوزي وابن حزم‪ ،‬فهؤالء لهم‬ ‫ِ‬
‫يمتـنع‬ ‫ِ‬
‫أعالمها‬ ‫تجعل َأحدً ا من ِ‬
‫أبناء األُ َّمة وال‬ ‫ْ‬ ‫خطاءهم لم‬ ‫خطاء؛ َّإل َأ َّن َأ‬ ‫َأ‬
‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ٌ‬
‫ِ‬
‫ئم ٌة َّإل فيما‬ ‫وينكر فض َلهم‪ ،‬فهم َأ َّ‬‫ُ‬ ‫يهضمهم ح َّقهم‬‫ُ‬ ‫االستفادة منهم َأو‬ ‫من‬
‫صل منهجه‬ ‫تقدح في َأ ِ‬ ‫ْ‬ ‫الحال مع س ِّيد ‪َ ‬فأخطاؤه لم‬ ‫ُ‬ ‫َأخطؤوا فيه‪ ،‬وهذا‬
‫الفصل في س ِّيد‬‫ُ‬ ‫ُ‬
‫فالقول‬ ‫وتعبيد النَّاس لر ِّبهم‪...‬‬‫ِ‬ ‫لتوحيد الحاكم َّي ِة‬
‫ِ‬ ‫ودعوتِه‬
‫ودفاعه عن «ال إله َّإل اهلل»‪،‬ال‬ ‫ِ‬ ‫جانب فضائلِه‬
‫ِ‬ ‫خطاءه مغمور ٌة في‬ ‫‪َ ‬أ َّن َأ‬
‫َ‬
‫الصحيح ‪.‬‬ ‫ِ‬ ‫س َّيما َأنَّه ح َّق َق ُأ َ‬
‫صول المعتقد َّ‬
‫‪66‬‬
‫ِ‬
‫ب س ِّيدً ا ـ واهلل حسي ُبه ـ‬ ‫ذكر َأنَّني َأحس ُ‬ ‫وختاما‪ :‬ال يسعني َّإل َأ ْن َأ َ‬ ‫ً‬
‫ب‪،‬‬ ‫الش َهدَ ِاء َح ْم َز ُة ْب ُن َع ْب ِد ا ْل ُم َّطلِ ِ‬
‫«س ِّيدُ ُّ‬ ‫والسالم‪َ :‬‬ ‫الصالة َّ‬ ‫يشم ُله قو ُله عليه َّ‬
‫فنحسب َأ َّن س ِّيدً ا ‪ ‬قد ح َّق َق‬ ‫ُ‬ ‫لى إِ َما ٍم َجائِ ٍر َف َأ َم َر ُه َون ََها ُه َف َق َت َل ُه»‬
‫َو َر ُج ٌل َقا َم إِ ٰ‬
‫جائر فقتله‪.)1()...‬‬ ‫سلطان ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫حق عند‬ ‫قال كلم َة ٍّ‬ ‫رط حيث َ‬ ‫الش َ‬ ‫ذلك َّ‬

‫السعودية‪:‬‬
‫َّ‬ ‫الشيخ عبد العزيز بن عبد ال َّله آل الشيخ‪ ،‬مفتي‬
‫‪ ٨‬ـ فضيل ُة َّ‬
‫تفسير‬ ‫ُ‬ ‫وبعض َأقواله‪ ،‬فقال وفقه اهلل‪( :‬يا إخواني‬ ‫ِ‬ ‫ُس ِئ َل عن س ِّيد ُق ُطب‬
‫ظالل‬ ‫ِ‬ ‫تفسيرا؛ لكنَّه قال‪ :‬في‬ ‫ليس‬
‫كتاب َ‬ ‫ٌ‬ ‫س ِّيد ُق ُطب «في ظالل القرآن» هو‬
‫ً‬
‫تعيش في ظالله‪،‬‬ ‫القرآن نظا ُم األُ َّمة ُ‬ ‫ُ‬ ‫يقول للمسلمين‪ :‬هذا‬ ‫كأنَّه ُ‬ ‫القرآن‪ ،‬يعني َ‬
‫ِ‬
‫القرآن‬ ‫وأقبلوا بقلوبِكم على‬ ‫الصافي‪َ ،‬‬ ‫فاست ُقوا من آدابِه‪ ،‬وانهلوا من معينه َّ‬
‫إلى آخره‪.‬‬ ‫ِ‬ ‫عالج مشاكلِكم َّ‬
‫وتفريج همومكم ٰ‬ ‫َ‬ ‫وحل قضاياكم‬ ‫َ‬ ‫لتجدُ وا فيه‬
‫كتب به الس ِّيدُ‬ ‫سلوب ا َّلذي َ‬ ‫ياق‪ ،‬هذا األُ‬ ‫الس ِ‬ ‫ٌ ٍ‬ ‫والكتاب له ُأ‬
‫ُ‬ ‫سلوب عال في ِّ‬ ‫ُ‬
‫العبارات َأ َّن فيها شركًا َأو‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫بعض‬ ‫بدء من‬ ‫بعض النَّاس بادئَ ذي ٍ‬ ‫يظن ُ‬ ‫كتا َبه قد ُّ‬
‫ِ‬ ‫قدحا في األَنبياء َأو َأ َّن َ‬
‫العبارة لوجدها‬ ‫َّظر في‬‫وأ َّن‪ !...‬ولو َأعاد الن َ‬ ‫َأ َّن فيها ً‬
‫ِ‬ ‫فهم هذا األُ‬
‫قراءة‬ ‫تمر َس في‬ ‫سلوب َّإل َمن َّ‬ ‫َ‬ ‫ُأسلو ًبا َأدب ًّيا راق ًيا عال ًيا‪ ،‬لكن ال َي ُ‬
‫خطاء‪ ،‬لكن‬ ‫ٍ‬ ‫مالحظات كغيره وال يخلو من َأ‬ ‫ٍ‬ ‫والكتاب ال يخلو من‬ ‫كتابه‪،‬‬
‫ُ‬
‫جل هو صاحب ٍ‬ ‫والر ُ‬ ‫ِ‬
‫تربية‬ ‫ُ‬ ‫الكاتب كت َبه غير ًة وحم َّي ًة لإلسالم‪َّ ،‬‬ ‫ُ‬ ‫الجملة‪:‬‬ ‫في‬
‫جل له‬ ‫والر ُ‬ ‫قرأ به يستفيدُ ‪َّ ...‬‬ ‫إن َ‬ ‫طالب العلم ْ‬ ‫ُ‬ ‫عام ٍة‪َ ...‬أنا َأ ُ‬
‫قول‪:‬‬ ‫ٍ‬
‫وعلو ٍم ثقاف َّية َّ‬
‫خطاء‬
‫ٌ‬ ‫كتب كان فيها َأ‬
‫وله ٌ‬ ‫تعلمون َأنه استشهدَ َأو َ‬
‫قتل شهيدً ا ‪‬‬ ‫َ‬ ‫جها ٌد‪،‬‬

‫((( كتبه الشيخ حمود بن عقالء الشعيبي بتاريخ ‪1421/5/16‬هـ ‪ ،‬ونشر على العديد من‬
‫المواقع اإللكترونية ونقله الدكتور صالح الصاوي في موقع فتاوى الصاوي‪:‬‬
‫‪http://fatawaalsawy.com‬‬
‫‪67‬‬

‫والقرآن‬
‫ُ‬ ‫السابق‪،‬‬
‫منهجه َّ‬
‫َ‬ ‫ِ‬
‫القرآن ر َّبما عدَّ لت‬ ‫ِ‬
‫تفسير‬ ‫فتراجع عنها؛ ألَ َّن كتاب َة‬
‫َ‬
‫ٍ‬ ‫ِ‬ ‫اعتنى به َ‬ ‫الشك َأ َّن َمن‬
‫كثر من قراءته ينق ُله من حال ٰ‬
‫إلى حال)(‪.)1‬‬ ‫وأ َ‬ ‫ٰ‬ ‫َّ‬

‫الشيخ العالَّمة الفاضل بن عاشور(‪:  )2‬‬


‫‪ ٩‬ـ فضيل ُة َّ‬
‫كتب مقالة في استشهاد س ِّيد ُق ُطب بعنوان‪ « :‬موت سيد قطب ‪َ :‬أ ْف َر َحنَا‬
‫و َأ ْح َز َننَا » قال فيها ‪: ‬‬
‫( ال شك َأ َّن تنفيذ ُ‬
‫الحكم باإلعدام على س ِّيد ُق ُطب يعتبره الموقنون‬
‫الماجدة؛ ألَ َّن َّ‬
‫الشهادة في سبيل اهلل‬ ‫تتويجا لحياته َ‬
‫ً‬ ‫بحقيقة جهاده اإلسالمي‬
‫هي َأقصى ما يتط َّلع إليه َأصحاب النُّفوس اإلسالمية المؤمنة ُ‬
‫المطمئنة‪،‬‬
‫ولذلك فإن موت س ِّيد ُق ُطب َأ ْف َر َحنَا َو َأ ْح َز َننَا‪َ :‬أ ْف َر َحنَا بما رزقه اهلل من مقام‬
‫الم ْست َْش ِهدين في سبيله‪َ .‬و َأ ْح َز َننَا‬
‫الشهادة‪ ،‬ونرجو اهلل أن َي ْج ِزيه َأجر العاملين ُ‬
‫َّ‬
‫للفراغ العظيم الذي يتركه في محيط الفكر اإلسالمي أخونا المرحوم س ِّيد‬
‫ال َس ِامي القيمة ُم َت َعدِّ د نواحي العظمة‪ ،‬فهو زيادة على‬
‫ُق ُطب‪ ..‬فقد كان رج ً‬
‫كونه مج ِ‬
‫اهد ًا كام ً‬
‫ال في قضية اإلسالم‪ ،‬كان إلى جانب ذلك َش ً‬
‫اعرا وكات ًبا‬ ‫ُ َ‬

‫((( من « برنامج نور على الدرب »‪ ،‬وسمعته بنفسي‪ ،‬وهو موجود بصفحة الشيخ اإللكترونية‪.‬‬
‫الم َف ِّسر صاحب «التحرير والتنوير» تُو ِّفي قبل والده بثالث سنوات (‪1909‬م ‪-‬‬
‫((( هو ابن ُ‬
‫ُّ‬
‫‪1970‬م) وهو إما ُم في اللغة وعلومها‪ ،‬وإما ٌم في علوم َّ‬
‫الشرع ومنها التفسير الذي كتب‬
‫ُ‬ ‫فيه (التفسير ورجاله) مفتي َأهل تونس في ع ْ‬
‫َصره‪ ،‬وعميد كلية الزيتونة للشريعة وأصول‬
‫الم ْجمع ال ُّلغوي بالقاهرة‪ ،‬وعضوية رابطة العالم االسالمي بمكة‪،‬‬ ‫الدِّ ين‪ ،‬وعضوية َ‬
‫ؤسسات الثقافية واالسالمية‪.‬‬
‫الم َّ‬
‫والعضوية في كثير من ُ‬
‫َّ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬
‫المفكِّر األستاذ س ِّيد قطب‪ ‬؛ رسالة ألولئك الذين ُيغْمطون س ِّيدً ا‬‫َ‬ ‫وهذه شهادته في َأخيه ُ‬ ‫ ‬
‫الشرع ومنها التفسير‪ ،‬هذه شهادة رجل لم يكن من‬ ‫ح َّقه في ا ِّدعاء َأنَّه ال معرفة له بعلوم َّ‬
‫مدرسة س ِّيد الفكرية‪ ،‬وال يجامل َأحدً ا‪ ،‬ولكن يعرف كيف َ‬
‫يتأول للنَّاس ل ُيحسن ال َّظن‬
‫الم َح ِامل‪ ..‬فرحمهم اللَّه جمي ًعا ‪.‬‬
‫فيهم‪ ،‬ويحمل كالمهم على خير َ‬
‫‪68‬‬

‫وحكيما إسالم ًّيا وباح ًثا في الثقافة واالجتماع‬


‫ً‬ ‫خيال ًّيا وقصص ًّيا وناقدً ا َأدب ًّيا‬
‫الس ْبع ا َّلتي تتم َّثل فيها القيمة العظيمة من‬
‫ارسا قرآن ًّيا؛ فهذه هي النواحي َّ‬
‫و َد ً‬
‫الناحية الفكر َّية زيادة على الناحية العلم َّية لفقيدنا س ِّيد ُق ُطب‪.)1() ...‬‬

‫الحقيقي بين‬
‫ّ‬ ‫الفلسفي الموقف‬ ‫ِّ‬ ‫يعتبر س ِّيد ُق ُطب بمنهجه‬ ‫وقال َأ ً‬
‫يضا ‪ُ ( :‬‬
‫منهج التَّدين ومنهج حركة ِ‬
‫الفكْر؛ َلَنه ُيقاوم العيوب ا َّلتي َأ ْحدَ َثها النَّاس في‬
‫ْهجين‪ ،‬فهو ُي َقاوم ُ‬
‫الج ُمود في الدِّ ين‪ ،‬ويقاوم االستهتار والوقاحة‬ ‫المن َ‬
‫كل من َ‬‫ِّ‬
‫والش َطط في حرية الفكر‪ ،‬فينتهي بذلك إلى َأ َّن غاية الفكر ُ‬
‫الح ّر هي تأييد‬ ‫َّ‬
‫الح ّر )(‪.)2‬‬ ‫ِ‬ ‫الدِّ ين َ‬
‫الحق هي حماية الفكْر ُ‬
‫وأ َّن غاية الدِّ ين ِّ‬

‫العلمة األَديب الفقيه علي الطنطاوي ‪: ‬‬


‫يخ َّ‬ ‫‪ ١٠‬ـ فضيل ُة َّ‬
‫الش ُ‬
‫«إنِّي لم أتَخَ َّيل س ِّيد ُق ُطب َّإل ُم َقار ًعا ُم َحار ًبا‪ ،‬ولم َأعرفه َّإل كات ًبا‬
‫وم َحايدً ا»(‪.)3‬‬
‫ومداف ًعا ُ‬
‫هاجما ُ‬
‫ً‬ ‫ناضل‪ُ ،‬يهاجم ُم‬ ‫ُم ً‬
‫جادل ُم ً‬

‫((( «ومضات فكر» ‪ ،‬ص ‪ . 447‬ط‪ .‬الدار العربية للكتاب‪ ،‬تونس ‪1982‬م ‪.‬‬
‫((( املصدر السابق ‪ ،‬ص ‪. 449‬‬
‫((( جملة «الرسالة» ‪ :‬العدد ‪ 648‬سنة ‪1945‬م ‪ ،‬ص ‪.1313‬‬
‫‪5‬‬
‫كتاب «معالم في الطريق»‬
‫ُي َعدُّ هذا الكتاب آخر ما َصدر لس ِّيد ُق ُطب ‪ ‬قبل اعتقاله األَخير عام‬
‫‪1965‬م(‪.)1‬‬
‫الغرب للعال ِم قد‬ ‫ِ‬ ‫يرى س ِّيد ُق ُطب ‪َ ‬أ َّن قياد َة‬ ‫الكتاب ٰ‬ ‫ِ‬ ‫وفي هذا‬
‫الق َيم‬ ‫تملك رصيدً ا من ِ‬ ‫ُ‬ ‫باتت ال‬‫الزوال؛ ألَ َّن حضارتَهم ْ‬ ‫َأوشكت على َّ‬
‫قوتِهم الماد َّي ِة واالقتصاد َّي ِة والعسكر َّية؛ فال ُبدَّ‬ ‫رغم َّ‬ ‫يسمح لهم بالقيادة! َ‬ ‫ُ‬
‫الحضارة الماد َّي ِة‪ ..‬ا َّلتي وص َل ْت إليها‬ ‫ِ‬ ‫يملك القدرةَ‪ ..‬وتنمي َة‬ ‫ُ‬ ‫إيجاد ٍ‬
‫بديل‬ ‫ِ‬ ‫من‬
‫ويزو ُد اإلنسان َّي َة‬
‫المادي‪ِّ ،‬‬‫ِّ‬ ‫طريق العبقر َّي ِة األُوروب َّي ِة في اإلبدا ِع‬‫ِ‬ ‫البشر َّي ُة عن‬
‫تلك‬ ‫يملك َ‬‫ُ‬ ‫الحق وحدَ ه ا َّلذي‬ ‫صيل؛ فاإلسال ُم دي ُن ِّ‬ ‫ومنهج َأ ٍ‬‫ٍ‬ ‫ٍ‬
‫جديدة‪..‬‬ ‫بقي ٍم‬
‫وذلك المنهج‪.‬‬ ‫َ‬ ‫القيم‬
‫َ‬
‫ويرفع راي َة‬ ‫المشروع‪،‬‬ ‫يحمل هذا‬ ‫ُ‬ ‫ِ‬
‫الجيل ا َّلذي‬ ‫ِ‬
‫صفات‬ ‫عرض‬
‫َ‬ ‫ثم‬
‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َّ‬
‫ِ‬ ‫عيل األَ َّو ُل‪ ..‬فتحدَّ َ‬
‫الر ُ‬ ‫ِ‬
‫«الجيل‬ ‫ث عن‬ ‫اإلسالم المنشود عال ًيا؛ مثلما حم َلها َّ‬
‫ِ‬
‫القرآني الفريد»‪.‬‬
‫اإلسالمي‪ ،‬وتك َّل َم‬ ‫تربية المجتمع‬‫عرض طبيع َة المنهج القرآني في ِ‬
‫ثم َ‬
‫ِّ‬ ‫ِّ‬ ‫َّ‬
‫ِ‬
‫رابـطة‬ ‫عـلى‬ ‫َّبوي؛ كيف كان مجتم ًعا مبن ًّيا‬ ‫ِ ِ‬
‫ٰ‬ ‫عن خصائصه‪ ،‬وعن المجتمع الن ِّ‬
‫وحدتها‬ ‫ات مختلف ٌة َّ‬ ‫وعرب ورو ٌم وعرق َّي ٌ‬
‫ٌ‬ ‫ِ‬
‫الفرس‬ ‫ٌ‬
‫رجـال مـن‬ ‫العقيدة‪ ،‬فـيه‬

‫((( انظر ‪ :‬مقدمة «مقومات التصور اإلسالمي» لشقيقه محمد ُق ُطب‪ ،‬ص‪ .5‬ط الشروق ‪.‬‬
‫‪70‬‬

‫َّاس فيها‬ ‫ِ‬


‫الفروق واالختالفات‪ ،‬وكان الن ُ‬ ‫العقيد ُة اإلسالم َّية‪ ،‬وذابت فيها ُّ‬
‫كل‬
‫سنان المشط‪.‬‬‫كأ ِ‬‫سواسي ًة َ‬
‫يادة والس ِ‬
‫يادة‬ ‫القيادة والر ِ‬
‫ِ‬ ‫معالم ِ‬
‫طريق‬ ‫نير‬
‫ِّ‬ ‫َّ‬ ‫َ‬ ‫الكتاب؛ ل ُي َ‬
‫َ‬ ‫وضـع هـذا‬
‫َ‬ ‫لذلك‬
‫الهاوية ِ‬
‫لفقدها المرجع َّي َة‬ ‫ِ‬ ‫لهذه األُ َّمة المرحومة؛ ألَ َّن البشر َّي َة ُ‬
‫تقف على‬
‫السليم َة للمجتمع‪.‬‬
‫ث سيد ُق ُطب في كتابِه هذا كفيلسوف؛ بل استخدم َأدبي ِ‬
‫ات‬ ‫َ َّ‬ ‫ولم يتحدَّ ْ ِّ‬
‫ِ‬
‫ولغته‪ ..‬وقدَّ َم‬ ‫ِ‬
‫عصره‬ ‫ِ‬
‫بمفردات‬ ‫ِ‬
‫العلماء العاملي َن‪ ،‬ولكن‬ ‫الص ِ‬
‫الح من‬ ‫ِِ‬
‫سلفه َّ‬
‫ً‬
‫حلول لمشكالتهم‪.‬‬
‫ِ‬
‫لطريق‬ ‫ٍ‬
‫وبيان‬ ‫ٍ‬
‫وإرشاد‪،‬‬ ‫ٍ‬
‫عقيدة‪ ،‬ومنهجٍ ‪،‬‬ ‫كتاب‬ ‫* «معالم في الطريق»‬
‫ُ‬
‫تعالى‪..‬‬ ‫ِ‬
‫الخالص هلل‬ ‫ِ‬
‫َّوحيد‬ ‫الس ِ‬
‫عادة في الدَّ ارين‪ ..‬ب َّين فيه حقيق َة الت‬
‫ٰ‬ ‫َّ‬
‫وفق ما كان عليه‬ ‫على ِ‬ ‫ِ‬ ‫نشأ ِة المجتمع المسلم‪ ..‬و َأ‬
‫وكيفي َة َ‬
‫ساليب تربيته ٰ‬
‫َ‬
‫ومدى عالقتِ ِه‬ ‫حابة الكرا ِم من ِ‬
‫بعده ‪‬‬ ‫مجتمع النَّبي ﷺ ومجتمع الص ِ‬
‫ٰ‬ ‫ُ َّ‬ ‫ُ‬
‫ِ‬
‫بالمجتمعات األُ ٰ‬
‫خرى‪.‬‬
‫مخاطر‬ ‫تعالى‪ ،‬وما يح ُّفه من‬ ‫طريق الدَّ ِ‬
‫عوة إلى اهلل‬ ‫ِ‬ ‫معالم‬ ‫ووض َح فيه‬‫َّ‬
‫َ‬ ‫ٰ‬ ‫َ‬
‫عوة‪،‬‬‫الحركة االجتماعي ِة بالدَّ ِ‬
‫ِ‬ ‫وتحديات ماد َّي ٍة وفكر َّي ٍة‪ ..‬وب َّي َن حقيق َة‬‫ٍ‬
‫َّ‬
‫َّصو َر ك َّل ُه بالمنهج‬ ‫ثم َ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫واستعرض عمل ّي َة‬
‫ربط الت ُّ‬ ‫القرآني‪َّ ..‬‬
‫ِّ‬ ‫الجيل‬ ‫تنشئة‬ ‫َ‬
‫لحياة المسل ِم وحركتِه في الوجود؛ فاإلسال ُم‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫المالزمة‬ ‫القرآني‪ ،‬وطبيعتِه‬ ‫ِّ‬
‫تنفصل عن منهج تطبيقها في الوجود‪.‬‬ ‫ُ‬ ‫نفس ُه حقيق ٌة ال‬‫ُ‬
‫ِ‬ ‫سبيل اهلل‪ِ ْ ،‬‬
‫طبيعة المنهج‬ ‫على‬
‫والتأكيد ٰ‬ ‫ِ‬ ‫ثم َأ َ‬
‫فصح عن معنى الجهاد في‬ ‫َّ‬
‫القرآني في فصل «نقلة بعيدة»‪..‬‬
‫ِّ‬
‫‪71‬‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ِّ‬
‫مشاق هذا‬ ‫معنى استعالء اإليمان ا َّلذي به يصبِ ُر العبدَ ٰ‬
‫على‬ ‫ٰ‬ ‫ثم ب َّي َن‬
‫َّ‬
‫ٍ‬
‫تمكين في‬ ‫ٍ‬
‫سلطان َأو‬ ‫ينته بم ٍ‬
‫لك َأو‬ ‫ريق ا َّلذي لم ِ‬ ‫ِ‬
‫الوعر‪ ..‬ال َّط ِ‬ ‫ال َّط ِ‬
‫ريق‬
‫ُ‬
‫والش ِ‬
‫هادة في سبيل اهلل‪.‬‬ ‫ِ‬
‫رحاب اهلل‪َّ ،‬‬ ‫األَرض‪ ،‬ولكنَّه ينتهي في‬
‫معالم في ال َّط ِ‬
‫ريق إلى اهلل‪ ..‬والعروج إليه سبحانه‪..‬‬ ‫ٌ‬ ‫* إنَّه ح ًّقا‪..‬‬
‫عوة والتَّعلي ِم بين الن ِ‬
‫َّشء‬ ‫مناهج الدَّ ِ‬
‫ِ‬ ‫دوره في‬
‫الكتاب الرائدٌ له ُ‬
‫ٌ‬ ‫هو‬
‫المرجو منه‪..‬‬ ‫ور‬ ‫ِ‬ ‫المسلم؛ يفقه من خالله حقيق َة ِ‬
‫َّ‬ ‫ويعي الدَّ َ‬
‫َ‬ ‫الحنيف‪..‬‬ ‫دينه‬ ‫ُ‬
‫ِ‬
‫ومجتمعه و ُأ َّمته‪.‬‬ ‫ِ‬
‫نفسه‬ ‫تجا َه‬
‫ِ‬
‫سعادة الدَّ ِ‬ ‫ِ‬ ‫الربان َّي ِة المنيرة‬ ‫وشت َ‬
‫ارين‪ ،‬وبين‬ ‫لطريق‬ ‫َّان بين هذه المعال ِم َّ‬
‫ِ‬
‫الحياة الفانية!‬ ‫ٍ‬
‫بفردوس في‬ ‫ُبشر‬ ‫ٍ‬
‫قاصرة‪ ..‬ت ِّ‬ ‫ٍ‬
‫عقول‬ ‫نصوص و َأ ِ‬
‫فكار‬ ‫ِ‬

‫آخر ما َأبد َعه ُ‬


‫قلم س ِّيد ُق ُطب‬ ‫كتاب «معالم في الطريق» َ‬
‫ُ‬ ‫* لقد كان‬
‫ترك لهم‬‫حقة من بعده‪ ..‬إ ْذ َ‬ ‫الل ِ‬
‫جيال َّ‬ ‫و َأور َثه ألَ ِ‬
‫بناء جيله‪ ،‬واألَ ِ‬ ‫‪‬‬
‫متنوعة‪..‬‬
‫وتجارب إيمان َّية قاس َية ِّ‬
‫َ‬ ‫فكار ثور َّي ٍة إسالم َّية َ‬
‫عايشها‪..‬‬ ‫خالص َة َأ ٍ‬
‫َّعذيب‬
‫ُ‬ ‫والقهر والت‬
‫ُ‬ ‫والسج ُن‬
‫والغدر‪ِّ ،‬‬
‫ُ‬ ‫حيث ال ُّظلم‬
‫ُ‬ ‫ومحنة مريرة خاضها؛‬
‫ِ‬
‫المحترف‪..‬‬ ‫«معالم في ال َّطريق» بإعدا ِم األَ ِ‬
‫ديب‬ ‫وانتهى كتاب‪:‬‬ ‫واإليذاء‪..‬‬
‫ُ‬ ‫ٰ‬
‫ِ‬
‫وفريد عصره‪..‬‬ ‫ِ‬
‫العمالق‪..‬‬ ‫والمفكِّر‬
‫ِ‬
‫عصره‪َ ..‬ب ْيدَ َأ َّن اآلرا َء قد‬ ‫وعناية َأ ِ‬
‫بناء‬ ‫ِ‬ ‫محط َأ ِ‬
‫نظار‬ ‫َّ‬ ‫فصار كتا ُبه هذا‬ ‫*‬
‫َ‬
‫متحامل عليه‪ ..‬ومن‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬
‫معاد‬ ‫وعباراته و َأهدافِه؛ فمن‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫فكاره‬ ‫حول َأ‬‫اختلفت َ‬
‫ِ‬
‫اعتزال المجتمع‪ ..‬ومن زاع ٍم َأ َّن‬ ‫إلى‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫مت َِّه ٍم له‬
‫بتكفير المسلمين والدَّ عوة ٰ‬
‫مجتمعه؛ فاعتبره خطرا على الدَّ ِ‬
‫ِ‬
‫عوة‬ ‫ً‬ ‫َ‬ ‫على‬ ‫يائس مح َّط ٌم‪ٌ ..‬‬
‫ناقم ٰ‬ ‫س ِّيد ُق ُطب ٌ‬
‫‪72‬‬
‫متبص ٍر واعٍ؛ ر َأ ٰى فيه َمعينًا ُ‬ ‫ٍ‬ ‫ِ‬
‫ينهل‬ ‫حق منصف ِّ‬‫طالب ٍّ‬ ‫معي ًقا لمسيرتها‪ٰ ..‬‬
‫إلى‬
‫عز َّ‬ ‫إلى ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫وجل ـ وقائدً ا‬ ‫دين ر َّبه ـ َّ‬ ‫طريق دعوته ٰ‬ ‫من فكره الو َّقاد‪ ..‬ومنار ًة ُ‬
‫تنير له َ‬
‫ِ‬
‫إصالح مجتمعه‪.‬‬ ‫ِ‬
‫خطوات‬ ‫ُيب ِّي ُن له‬

‫* شهادات للكتاب‪:‬‬
‫* يقول الدكتور جعفر شيخ إدريس في وصف كتاب المعالم‪:‬‬

‫نعرف في تاريخ الحركة اإلسالم َّية المعاصرة كتا ًبا‬


‫ُ‬ ‫(الكتاب ا َّلذي ال‬
‫ُ‬
‫خطر نتائج‪ ،‬وال َأشدَّ رع ًبا‬ ‫قوى ْتأ ً‬
‫ثيرا‪ ،‬وال َأ َ‬ ‫انتشارا‪ ،‬وال َأ ٰ‬
‫ً‬ ‫كان َأكثر منه‬
‫ألَعداء الحركة اإلسالم َّية)(‪.)1‬‬

‫* وقد مدح شيخنا ا ُملحدِّ ث حممد نارص الدِّ ين األَلباين ‪ ‬كتاب‬


‫الذهبي ‪‬‬ ‫للعيل العظيم» لإلمام َّ‬ ‫العلو‬
‫ّ‬ ‫ال» يف مقدمة كتابه‪« :‬خمترص‬ ‫«ا َمل َع ِ‬
‫ِّ‬
‫بعدما َّبي فيها َأمهية االهتامم بالدَّ عوة لتصحيح عقائد النَّاس‪ ،‬و َأ َّن ً‬
‫كثريا‬
‫من الدُّ عاة يغفلون عن ذلك‪..‬‬

‫ثم ذكر انتباه س ِّيد ُق ُطب هلذه النقطة‪ ،‬ونقل كال ًما له من الكتاب‬
‫َّ‬
‫التأييد‪ ،‬ما يعادل ثالث صفحات‪.‬‬ ‫بصيغة ْ‬

‫خريا بعض الدعاة اإلسالمني؛ فهذا‬ ‫َ‬


‫ومما قال ‪( :‬ولقد تنبه هلذا أ ً‬
‫تعاىل ـ فإنَّه بعد َأن قرر حتت‬
‫ٰ‬ ‫هو األُستاذ الكبري س ِّيد ُق ُطب ـ رمحه اهلل‬
‫عنوان «جيل قرآين فريد» َأ َّن هذه الدعوة َأخرجت ً‬
‫جيل ممي ًزا يف تاريخ‬
‫اإلسالم كله ويف تاريخ البرشية مجيعه‪َ ،‬‬
‫وأهنا مل تعد خترج من ذلك ال ِّطراز‬

‫(( ( «ندوة اتجاهات الفكر اإلسالمي المعاصر» (ص‪.)235‬‬


‫‪73‬‬

‫خرى‪ ،‬تساءل عن السبب‪ ،‬مع َأ َّن قرآن هذه الدعوة ال يزال وحديث‬
‫مرة ُأ ٰ‬
‫الرسول وهديه العميل وسريته الكريمة‪ ..‬كلها بني َأيدينا كام كانت بني‬
‫يدي ذلك اجليل األَول‪ ..‬ومل يغب َّإل شخص رسول اهلل ﷺ؟‪.)...‬‬

‫* نقد الكتاب‪:‬‬
‫خاصة من ال َع ْل َمانين الكارهين لما‬
‫وجهة للكتاب َّ‬ ‫الم َّ‬‫االنتقادات ُ‬
‫ُ‬ ‫َك ُث َرت‬
‫ِ‬
‫مستغ ِّلين مواقف ال ُغالة ا َّلذين زعموا َأ َّن مرجعهم هذا الكتاب !‬ ‫أنزل اهلل؛‬

‫كما كان للكتاب نصيب من النَّ ْقد من بعض ال ُكتَّاب والمفكرين‪..‬‬


‫مما يحتمل‪ ،‬وسبق َأن رددنا على الكثير من هذه‬
‫حمله َأكثر َّ‬
‫فبعضهم َّ‬
‫االنتقادات(‪.)1‬‬
‫عرضا ونقدً ا هادئًا ُمن ِْص ًفا للكتاب‪،‬‬
‫وقد آثرنا َأن ننقل ـ للقارئ الكريم ـ ً‬
‫وهذا العرض والنقد كُتب بعد ظهور الكتاب مباشرة‪ ،‬والكاتب َأ َحد ُر َف َقاء‬
‫س ِّيد قطب ‪ ‬وهو األُستاذ محمد عبد اهلل َّ‬
‫السمان ‪. )2(‬‬

‫فئات ا َّلذين واجهوا فكر س ِّيد ُق ُطب ‪ ‬وبيان االنتقادات‬


‫((( انظر ما تقدم‪ ،‬ص ‪ 38‬ـ ‪ .54‬في بيان ُ‬
‫ِ‬ ‫مصطلح ِ‬
‫ين عند س ِّيد ُق ُطب قد ُأسيء‬ ‫َ‬ ‫الموجهة لفكره‪ ،‬والتوضيح ألَ ِّ‬
‫هم‬ ‫َّ‬ ‫واالعتراضات‬
‫فهمهما‪( :‬الجاهل َّية) و(الحاكم َّية)‪.‬‬
‫ُ‬
‫ُّ‬ ‫ِ‬
‫(( ( َأ َحدُ أشهر ال ُكتَّاب اإلسالميين‪ ،‬ولد سنة (‪1917‬م) َح َصل على الليسانس في اللغة العربية‪،‬‬
‫ُ‬
‫ثم دبلوم في الشريعة اإلسالمية من‬ ‫ِ‬
‫ثم في س ٍّن متأخرة حصل على الليسانس في القانون‪َّ ،‬‬ ‫َّ‬
‫جامعة عين شمس بالقاهرة‪ ،‬انضم إلى جماعة اإلخوان المسلمين في (‪1946‬م) وفي‬
‫ورافق حسن البنا ‪ ‬وع َِمل في قسم نشر الدعوة بالمركز‬ ‫أوائل(‪1948‬م) انتقل إلى القاهرة‪َ ،‬‬
‫َ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬
‫العام بالقاهرة‪ ،‬وكان على صلة خاصة بـ «عبد القادر عودة» و «س ِّيد قطب» اعتقل أيام «جمال‬
‫ست سنوات‬ ‫الم َقال ومقاالت ُأخرى جريئة‪ ،‬فقضى ّ‬ ‫عبد الناصر» وتقري ًبا بعد كتابة هذا َ‬
‫َب الكثير من‬ ‫َّ‬ ‫ِ‬
‫في المعتقل (‪1970-1965‬م) ولم ُي ْف َرج عنه إل بعد موت عبد الناصر‪َ .‬كت َ‬
‫المؤ َّلفات في مجال الفكر والدعوة ‪ ،‬توفي ‪ ‬سنة ( ‪ 2007‬م) ‪.‬‬
‫‪74‬‬

‫قال ‪ ‬تحت عنوان ‪:‬‬


‫(‪)1‬‬
‫«م َعالِم في ال َّطريق» تأليف‪َ :‬س ٍّيد ُق ُطب)‬ ‫( َن ْقدٌ و َت ْع ٌ‬
‫ريف‪َ :‬‬
‫ِ‬
‫بالفناء‬ ‫بسبب الت ِ‬
‫َّهديد‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫اهلاوية‪ ..‬ال‬ ‫عىل حا َّف ِة‬ ‫إن البرش َّي ُة اليو َم ُ‬
‫تقف ٰ‬ ‫َّ‬
‫إفالسها يف عامل ِ‬
‫«القيم» ‪ ..‬وإزاء هذا‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫بسبب‬ ‫رأ ِسها؛ ولكن‬ ‫املع َّل ِق عىل ْ‬
‫ٰ‬
‫إلسالم َأن يؤ ِّدي دوره يف قيادة البرش َّية؛ ألنَّه َو ْحده هو‬‫يتحتَّم عىل ا ِ‬
‫ِ‬
‫وجه غاياهتا إلى‬ ‫ا َّلذي يملك الق َيم وا َملنهج ا َّلذي يضبط ُسلوكها‪ ،‬و ُي ِّ‬
‫إنقاذ هذه البرش َّية ‪.‬‬
‫وهذه هي الفكرة األَساس َّية ا َّلتي يقوم عليها كتاب األُستاذ س ِّيد‬
‫ال يف الطريق»‪.‬‬ ‫ُق ُطب اجلديد ‪« :‬مع ِ‬
‫ََ‬
‫؃ َأ َّما هذه ا َمل َع ِال فيجب َأ ْن ُت َقام من ا َمل ْصدَ ر األَ َّول للعقيدة ِ‬
‫اإلسالم َّية‪..‬‬
‫« القرآن» ومن توجيهاته األَ ِساس َّية‪ ،‬ومن الت ََّص ُّور ا َّلذي َأن ِْش َأ ُه يف نُفوس‬
‫«الصحابة» ا َّلتي َصنَع اهلل هبا يف األَرض َما شاء َأن‬ ‫الص ْفوة ا ُملختَارة‪َّ ..‬‬ ‫َّ‬
‫مرة إلى حيث شاء اهلل َأن َ ِيسري ‪.‬‬ ‫ِ‬
‫حولت خط س ْي التاريخ َّ‬ ‫َي ْصنَع‪ ،‬وا َّلتي َّ‬
‫أن هنالك ظاهرة تارخي َّية‪،‬‬ ‫ال‪ ،‬ف ُيشري إلى َّ‬ ‫؃ املؤ ِّلف يعرض هذه ا َملع ِ‬
‫َ‬
‫جيب أن نقف َأمامها طويالً؛ ألَ َّنا ذات َأ ٍثر َحاسم يف منهج الدعوة‬
‫ِّـجاهها‪.‬‬‫اإلسالمية وات َ‬ ‫ِ‬

‫َأ َّما هذه الظاهرة‪ ،‬فهي َأ َّن الدَّ عوة قد َأ ْخ َر َج ْ‬


‫ت جي ً‬
‫ال ُمَيزًا يف تاريخ‬
‫إلسالم ُك ِّله‪ ،‬ويف تاريخ البرش َّية َجِيعه‪.‬‬‫ا ِ‬

‫((( نُشر في « مجلة الرسالة» يناير سنة ‪1965‬م ‪ .‬العدد رقم ‪. 1098‬‬
‫‪75‬‬

‫مرة ُأخرى‪ ،‬ذلك ألَ َّن النَّ ْبع ا َّلذي ْ‬


‫اس َت َقى‬ ‫ثم مل َت ُعد ُتْرج هذا ال ِّطراز َّ‬
‫منه ذلك اجليل هو َن ْبع القرآن َو ْحده‪ ،‬فام كان حديث رسول اهلل ﷺ‬
‫وهدْ يه إِ َّل َأ َث ًرا من آثار ذلك النَّ ْبع‪.‬‬
‫َ‬
‫ثم َحدَ ث َأن اختلطت الينابيع‪َ ،‬ف ُص َّبت يف النَ َب ْع ا َّلذي استقت منه‬ ‫۞ َّ‬
‫ومنْطِقهم‪َ ،‬‬
‫وأ َساطري ال ُف ْرس وت ََص ُّوراهتم‪،‬‬ ‫إلغريق َ‬ ‫األَجيال التالية‪ ،‬فلسفة ا ِ‬
‫اسب‬ ‫وإرسائيليات اليهود‪ ،‬والهوت النَّصارى‪ ،‬وغري ذلك من رو ِ‬
‫ََ‬ ‫ُ‬ ‫َّ‬
‫واخ َت َل َط هذا كله بتفسري القرآن‪ ،‬وعلم الكالم‪،‬‬ ‫احلضارات وال َّثقافات‪ْ ،‬‬
‫وت َّر َجت على ذلك النَّ ْبع ا َمل ُشوب َسائر‬ ‫كام اختلط بالفقه واألُ ُصول َم ًعا‪َ ،‬‬
‫األَ ْج َيال بعد ذلك اجليل‪ ..‬فلم َّ‬
‫يتكرر ذلك اجليل َأبدً ا ‪.‬‬

‫اس آخر غري اختالف طبيعة النَّ ْبع‪،‬‬‫ٍ َ ِ‬ ‫ويشري املؤ ِّلف إلى‬ ‫۞‬
‫عامل أ َس ٍّ‬ ‫ُ‬
‫ذلك هو اختالف َمن َْهج ال َّت َل ِّقي َّ‬
‫عم كان عليه يف ذلك اجليل الفريد‪.‬‬

‫إِ َّنم يف اجليل األَ َّول‪ ،‬مل يكونوا يقرءون القرآن ب َق ْصد الثقافة‬
‫واالطالع‪ ،‬وال بقصد الت ََّذوق وا َملتَاع‪ ،‬إنَّام كانوا َي َت َل ُّقون القرآن ل َي َت َل ُّقوا‬
‫وشأن اجلامعة ا َّلتي يعيشون فيها‪ ،‬ليعملوا به فور‬‫خاصة شأهنم ْ‬ ‫َأ ْمر اهلل يف َّ‬
‫َس َم ِعه‪ ..‬فمنهج ال َّت َل ِّقي للتنفيذ والعمل هو ا َّلذي َصنَع اجليل األَ َّول‪،‬‬
‫ومنهج التلقي للدِّ راسة واملتاع هو ا َّلذي خرج األَجيال ا َّلتي تليه‪.‬‬

‫۞ كام ُيشري املؤ ِّلف إلى عامل ثالث‪ ،‬هو َأ َّن اجليل األَ َّول دخل يف‬
‫كل ماضيه يف اجلاهلية‪ ،‬وعاش يف عزلة‬ ‫ِ‬
‫اإلسالم وقد َخ َلع عىل عتبته َّ‬
‫شعورية كاملة بني ماضيه يف جاهليته وحارضه يف إسالمه‪َ ،‬أما األَجيال‬
‫‪76‬‬

‫ا َّلتي تليه فلم يقدر هلا َأن تتخ َّلص هنائ ًّيا من ضغط املجتمع اجلاهيل‬
‫والتصورات اجلاهلية والقيادة اجلاهلية يف خاصة نفوسهم ‪.‬‬
‫؃ وعندما تعرض ا ُمل َؤ ِّلف إلى طبيعة املنهج القرآين‪َ ،‬أشار إلى‬
‫القرآن َّ‬
‫ظل طوال الفرتة املك َّية ‪ -‬ثالثة َع َش عا ًما ‪ُ -‬يعالج فحسب‬ ‫َ‬ ‫َأ َّن‬
‫القضية األُولى‪ ،‬والقضية الكربى والقضية األَساس َّية يف الدِّ ين اجلديد‪،‬‬
‫قضية العقيدة ممثلة يف قاعدهتا الرئيس َّية‪ :‬األُلوه َّية و العبود َّية وما بينهام من‬
‫عالقة‪ ،‬وكان القرآن ـ وهو يبني العقيدة يف ضامئر اجلامعة املسلمة ـ خيوض‬
‫هبا معركة ضخمة مع اجلاهل َّية ورواسبها‪ ،‬فظهر بناء العقيدة‪ ،‬ال يف صورة‬
‫نظرية‪ ،‬وال يف صورة الهوت‪ ،‬وال يف صورة جدل كالمي‪ ،‬ولكن يف صورة‬
‫جتمع عضوي حيوي‪ ،‬وتكوين تنظيمي مبارش للحياة‪ ،‬كان هذا القرآن‬
‫املكي يفرس لإلنسان رس وجوده ووجود هذا الكون من حوله‪ ،‬وكانت هذه‬
‫هي القضية الكربى ا َّلتي يقوم عليها وجود اإلنسان‪ ،‬وستظل هي القضية‬
‫الكربى ا َّلتي يقوم عليها وجوده على توايل األَزمان ‪.‬‬
‫إن طبيعة هذا الدِّ ين هي ا َّلتي قضت هبذا املنهج‪ ،‬فهو دين يقوم‬ ‫َّ‬
‫كله على قاعدة األُلوه َّية الواحدة‪ ..‬كل تنظيامته وكل ترشيعاته تنبثق‬
‫ِ‬
‫من هذا األَصل الكبري‪ ،‬وهذا جانب من ِّ‬
‫س هذا الدِّ ين وطبيعته‪ُ ،‬يدِّ د‬
‫منهجه يف بناء نفسه ويف امتداده‪ ،‬وجيعل بناء العقيدة ومتكينها‪ ،‬وشموهلا‬
‫واستغراقها لشعاب النفس كلها‪ ،‬رضورة من رضورات النشأة‬
‫الصحيحة‪ ،‬وضامنًا من ضامنات االحتامل‪ ،‬والتناسق بني الظاهر من‬
‫الشجرة يف اهلواء‪ ،‬والضارب من جذورها يف األَعامق ‪.‬‬
‫‪77‬‬

‫جانب آخر من طبيعة هذا الدِّ ين يت ََج َّل يف هذا املنهج‬ ‫ٌ‬ ‫وهناك‬
‫حركي جاد‪ ،‬جاء ل َي ْحكُم احلياة يف‬ ‫ٌّ‬ ‫عميل‬
‫ٌّ‬ ‫القويم‪ِ ،‬‬
‫فاإلسالم َمن َْه ٌج‬
‫واقعها‪ ،‬ويواجه هذا الواقع ليقيض فيه َبأ ْم ِره‪ ،‬يقره َأ ْو يعدِّ له َأ ْو ّ‬
‫يغيه‬
‫من َأ َساسه‪ ،‬فهو ليس نظرية تتعامل مع ال ُف ُروض‪ ،‬ولكنه َمن َْه ٌج يتعامل‬
‫مع الواقع‪ ،‬وا َّلذين يريدون من ِ‬
‫اإلسالم اليوم َأن َي ُصوغ نظريات‪ ،‬و َأن‬
‫يصوغ قوالب نظام‪ ،‬و َأن يصوغ ترشيعات للحياة ‪ -‬بينام ليس عىل وجه‬
‫األَريض جمتمع قد قرر ً‬
‫فعل رشيعة اهلل َو ْحدَ ها ‪ -‬هؤالء ال يدركون‬
‫طبيعة هذا الدِّ ين‪ ،‬ولذلك يريدون منه َأنَّه ّ‬
‫يغي طبيعته ومنهجه وتارخيه‪،‬‬
‫و حياولون أن يستعجلوه عن طريقه وخطواته‪ ،‬ل ُي َل ِّبي رغبات يف نفوسهم‬
‫إنَّام تنشئها اهلزيمة الداخلية يف َأرواحهم ‪.‬‬

‫وعندما َأ َشار املؤ ِّلف إىل َأ َّن «ال اله إِ َّل اهلل» منهج حياة‪ ،‬ذكر أن‬
‫العبودية هلل َو ْحده هي شطر الركن األَ َّول يف العقيدة ِ‬
‫اإلسالمية ا ُملت ََم ِّثل‬
‫يف «شهادة أن ال إِله إِ َّل اهلل» وال َّت َل ِّقي عن رسول اهلل يف كيفية هذه‬
‫العبود َّية ـ هو شطرها الثاين ا ُملت ََم ِّثل يف «شهادة َأ َّن َّ‬
‫حممدً ا رسول اهلل»‬
‫والقلب املؤمن املسلم هو ا َّلذي تتمثل فيه هذه القاعدة بشطرهيا؛ ألَ َّن‬
‫كل ما بعدها من ُم َق ِّومات اإليامن و َأركان ِ‬
‫اإلسالم إنَّام هو ُمقتَضى هلام‪،‬‬
‫واملجتمع املسلم كذلك هو ا َّلذي تتمثل فيه تلك القاعده ومقتضياهتا‬
‫حممدً ا رسول اهلل»‪..‬‬ ‫مجيعا‪ِ ،‬‬
‫وم ْن ثم ت ُْصبِح «شهادة َأ َّن ال إله إِ َّل اهلل َ‬
‫وأ َّن َّ‬ ‫ً‬
‫تقوم عليه حياة األُ َّمة املسلمة بحذافريها‪.‬‬
‫قاعدة ملنهج كامل ّ‬
‫‪78‬‬

‫وهذا التقرير املوجز املطلق احلاسم يفيدنا يف حتديد كلمة ال َف ْصل‬


‫يف قضايا َأ َساس َّية بالغة اخلطورة؛ ألَ َّنا َأساس َّية يف حقيقة هذا الدِّ ين‪،‬‬
‫يفيدنا يف حتديد طبيعة املجتمع ا ُمل ْسلم ومنهج نشأة املجتمع ا ُمل ْسلم‪،‬‬
‫ثم منهج ِ‬
‫اإلسالم‬ ‫اإلسالم يف مواجهة املجتمعات اجلاهلية‪َّ ،‬‬ ‫ومنهج ِ‬
‫يف ُمواجهة واقع احلياة البرش َّية‪..‬‬

‫خريا‪ :‬جعل املؤ ِّلف من قصة َأصحاب األُخدود‪ ،‬الطريق‬ ‫َ‬


‫؃ وأ ً‬
‫الوحيد إلى بعث إسالمي‪ ،‬واملنهج السليم لصياغة ُأ َّمة إسالم َّية‪ ،‬فقد‬
‫ارتفع اإليامن بقلوب َأصحاب األُخدود على الفتنة‪ ،‬وانترص يف قلوهبم‬
‫اإليامن عىل احلياة‪ ،‬فلم ُت ْفتَن عن دينها وهي ُ ْت َرق بالنَّار حتى متوت؛‬
‫حب البقاء وهي‬
‫حتررت من عبوديتها للحياة‪ ،‬فلم يستذهلا ُّ‬ ‫ألَ َّن قلوهبا َّ‬
‫ُت َعاين ا َملوت هبذه الطريقة ال َب ِشعة‪ ،‬وانطلقت من ُقيود األَرض وجوانبها‬
‫مجي ًعا‪ ،‬و ارتفعت عىل ذواهتا بانتصار العقيدة عىل احلياة فيها ‪.‬‬

‫؃ وبعد‪ :‬فمام ال ريب فيه َأن كتاب األُستاذ س ِّيد ُق ُطب َو ْث َب ٌة جريئة‬
‫إسالمي جديد‪ ،‬إذا ُأ ِريدَ إنقاذ‬ ‫ث‬‫يف التفكري‪ ،‬تؤكد أ َّنه ال بدَّ من بع ٍ‬
‫ٍّ‬ ‫َْ‬ ‫ُ ُ‬
‫«م َع ِال يف ال َّطريق»‬
‫البرش َّية من شقوة اجلاهل َّية‪ ،‬وال ُبدَّ هلذا ال َب ْعث من َ‬
‫ُت ْلقي َأضواء على َد ْو ِره و ُم ِه َّمته و َغايته‪ ،‬و ُن َقط ال َبدْ ء فيه‪ ،‬وال ُبدَّ هلذه‬
‫ال َأن ُت َقام من املصدر األَ َّول للعقيدة‪ ،‬وهو القرآن‪ :‬من توجيهاته‬ ‫ا َملع ِ‬
‫َ‬
‫األَساس َّية‪ ،‬ومن الت ََّص ُّور ا َّلتي َأنْشأه يف نفوس َّ‬
‫الصفوة ا ُملختارة ا َّلتي‬
‫َصنَع اهلل هبا يف األَ ْرض ُمعجزة التاريخ ‪.‬‬
‫‪79‬‬

‫؃ إِ َّل َأ َّن يف الكتاب و َق َفات يسرية‪:‬‬

‫املكي خالل الثالث عرشة َسنَة خدم‬


‫ِّ‬ ‫۞ فاعتبار ا ُمل َؤ ِّلف‪َ :‬أ َّن القرآن‬
‫قضية العقيدة َو ْحدَ َها ! ٌ‬
‫قول فيه َن َظر!‬

‫فاملعروف َأ َّن الطابع ا َّلذي َّ‬


‫تفوق يف هذه الفرتة املك َّية هو طابع‬
‫العقيدة يف ال َع ْرض القرآين‪ ،‬وإلى جانب التَّفوق يف جانب العقيدة‪،‬‬
‫بالسلوك واألَخالق وقصص َّ‬
‫السابقني القتباس‬ ‫اهتم القرآن ـ َأيض ًا ـ ُّ‬
‫َّ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫الع َظة والعربة ما ال يف جمال العقيدة َو ْحدَ ها‪ ،‬بل يف جمال ُّ‬
‫السلوك‬
‫مثل وهي مك َّية ‪ -‬باستثناء َأربع آيات ‪ -‬ال تكاد‬
‫أيضا‪ ،‬فسورة يوسف ً‬ ‫ً‬
‫تتعدَّ ي اآليات ا َّلتي تتَّصل بالعقيدة بِ ْضع آيات‪.‬‬
‫۞ و َل ْسنَا مع املؤ ِّلف‪ :‬يف َأ َّن ا ِ‬
‫إلسالم يرفض آية َح َضارة إِ َّل إذا كان‬
‫َم ْصدَ رها ا ِ‬
‫إلسالم!‬
‫ألَ َّن احلضارة يف ِّ‬
‫كل زمان ومكان قيمة مشرتكة بني النَّاس مجي ًعا‪،‬‬
‫الصدر األَ َّول‬
‫بجنس دون جنس‪ ،‬وحتى يف َّ‬ ‫وجمهود برشي ال خيتص ِ‬
‫لإلسالم‪ ،‬اقتبست بعض األَنظمة الرومانية والفارسية يف جمال السياس َّية‬
‫حلكْم وغريمها‪ ،‬و كل ما يفعله ِ‬
‫اإلسالم إزاء احلضارة ـ َأ َّية حضارة ـ‬ ‫وا ُ‬
‫َأ ْن ّ‬
‫يوجه ُسلوكها وغاياهتا‪.‬‬

‫اإلسالم قد َم َّر بتجربة القيادة‪ ،‬وتس َّبب‬‫۞ واملؤ ِّلف ُيدْ رك بالطبع َأ َّن ِ‬
‫مرة‪ ،‬فإذا َأ َرا َد ُه على َأن يدخل جتربة‬ ‫ِ‬
‫املجتمع ا ُمل ْسلم يف فشلها َأكثر من َّ‬
‫‪80‬‬

‫جديدة‪ ،‬فال ُبدَّ من تسليط األَضواء َأ َّو ًل على َأسباب ال َف َشل‪ ،‬لتبدأ َم َع ِال‬
‫وسا يف منهج الكتاب ‪.‬‬ ‫واضحا َم ْل ُم ً‬
‫ً‬ ‫الطريق‪ ،‬وهذا ما مل يكن‬

‫الو َق َفات ال َي ِسرية ال ُينقص َقدْ ِر الكتاب يف جمال الفكر‬


‫ومثل هذه َ‬
‫ِ‬
‫السليم‪..‬‬ ‫احلُ ّر اجلَريء‪ ،‬ويف جمال التفكري ا َملنْطقى َّ‬
‫‪‬‬

‫«م َعالم في الطريق» عنايتَنا‬ ‫الكتاب الق ِّي َم َ‬


‫َ‬ ‫* ومن هنا فقد َأ ْو َل ْينا هذا‬
‫ِ‬
‫الجيل المبارك؛ ليحملوا التربي َة اإلسالم َّي َة‬ ‫نشره بين َأ ِ‬
‫بناء هذا‬ ‫ِ‬ ‫على‬
‫رصنَا ٰ‬
‫وح ْ‬
‫َ‬
‫العالي َة ا َّلتي كان س ِّيد ُق ُطب َي ْس ٰ‬
‫عى لها‪..‬‬
‫ِ‬
‫الجماعة‬ ‫(المسأل ُة ليست هي النَّصر؛ إنَّما هي تربي ُة‬ ‫َ‬ ‫يقول ‪:‬‬
‫ِ‬
‫ونقصها‪،‬‬ ‫ضعفها‬‫ِ‬ ‫المسلمة‪ ،‬ا َّلتي ُت َعدُّ لتتس َّل َم قياد َة البشر َّي ِة‪ ..‬البشر َّي ِة ِّ‬
‫بكل‬
‫وبكل جاهل َّيتها وانحرافِها‪ ..‬وقيادتُها قياد ًة راشد ًة‬ ‫ِّ‬ ‫وبكل شهواتِها ونزواتِها‪،‬‬ ‫ِّ‬
‫تقتضي استعدا ًدا عال ًيا من القادة)‪.‬‬
85 ..............................................

97 ............................................

109 ......................................

145 ............................

157 .........................................

193 .......................................

209 ...............................................

219 .......................................

241 .....................................

257 .................................

273 .............................................

295 ........................................

309 .............................................

***
‫ِ‬ ‫بسبب الت ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫عىل حا َّف ِة‬
‫بالفناء‬ ‫َّهديد‬ ‫اهلاوية‪ ..‬ال‬ ‫تقف البرش َّي ُة اليو َم ٰ‬
‫ُ‬
‫املرض‪ ..‬ولكن‬ ‫وليس هو ُ‬ ‫َ‬ ‫عىل ر ْأ ِسها‪ ..‬فهذا َع َر ٌض للمرض‪،‬‬ ‫ِ‬
‫املع َّلق ٰ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫بسبب إفالسها يف عامل «القيم» ا َّلتي يمك ُن َأن َ‬
‫تنمو احليا ُة اإلنسان َّي ُة يف‬
‫صحيحا(‪.)1‬‬ ‫وترتقى تر ِّق ًّيا‬ ‫سليم‪،‬‬ ‫ِ‬
‫ً‬ ‫ٰ‬ ‫نموا ً‬
‫ظالهلا ًّ‬
‫ِ‬ ‫يب ا َّلذي مل يعدْ لديه ما‬ ‫واضح َّ‬
‫يعطيه‬ ‫كل الوضوح يف العاملِ الغر ِّ‬ ‫ٌ‬ ‫وهذا‬
‫باستحقاق ِه‬
‫ِ‬ ‫ضمري ُه‬
‫َ‬ ‫للبرش َّية من «القيم» بل ا َّلذي مل يعدْ لديه ما ُي ُ‬
‫قنع‬
‫حيث‬ ‫اإلفالس‪ُ ،‬‬ ‫ِ‬
‫انتهت «الدِّ يمقراط َّي ُة» فيه إ ٰىل ما يشب ُه‬ ‫للوجود‪ ،‬بعدما‬
‫َ‬
‫ٍ‬
‫وبخاصة‬ ‫قي‪،‬‬ ‫ببطء ـ وتقتبس من َأ ِ‬ ‫ٍ‬ ‫بد َأت‬
‫الش ِّ‬ ‫نظمة املعسكر َّ‬ ‫ُ‬ ‫تستعري ـ‬
‫ُ‬
‫يف األَنظمة االقتصاد َّية ! َ‬
‫حتت اسم االشرتاك َّية!‬
‫ات اجلامع َّي ُة‬ ‫الشقي ِ‬
‫نفسه‪ ..‬فالنَّظر َّي ُ‬ ‫ِ‬ ‫ُ‬
‫املعسكر َّ ِّ‬ ‫احلال يف‬ ‫كذلك‬
‫ِ‬
‫كبريا يف‬ ‫اجتذبت يف َأ َّول عهدها عد ًدا ً‬
‫ْ‬ ‫ويف مقدِّ متها املاركس َّي ُة‪ ،‬ا َّلتي‬

‫(( ( يستعمل س ِّيد ُق ُطب ‪ ‬في كتابته النقطتين المتجاورتين(‪ )..‬ويكثر استعمالها في النصوص‬
‫األَدبية والشعرية‪ ..‬تظهر كعالمة فصل بين مقاطع الكالم في النصوص ا َّلتي تحاول محاكاة‬
‫على َأ َّن في‬
‫الحديث العفوي‪َ ..‬أو الشفوي َأشبه بفاصل زمني‪َ ..‬أو مكان محذوف لتدال ٰ‬
‫مضمرا‪ ،‬وقد تُستعمل النقطتان في نهاية فقرات لم تتم‪َ ..‬أو‬
‫ً‬ ‫موضعهما كال ًما محذو ًفا َأو‬
‫على بعض الجمل الطويلة‪.‬‬
‫مفتوحة على فقرات تالية‪ ..‬وقد ينطبق هذا ٰ‬
‫‪86‬‬

‫طابع العقيدة‪،‬‬ ‫ُ‬


‫حيمل‬ ‫باعتبارها مذه ًبا‬ ‫ِ‬ ‫الغرب ِ‬
‫نفسه ـ‬ ‫ِ‬ ‫الش ِق ـ ويف‬ ‫َّ‬
‫َ‬
‫ِ‬
‫ناحية «الفكرة» حت َّٰى‬ ‫واضحا من‬ ‫ً‬ ‫تراجعت هي األُ ٰ‬
‫خرى تراج ًعا‬ ‫ْ‬ ‫قد‬
‫ِ‬
‫كبريا عن‬ ‫اآلن يف «الدَّ ولة» و َأنظمتها‪ ،‬ا َّلتي َت ْب ُعدُ ُبعدً ا ً‬ ‫تنحرص َ‬ ‫ُ‬ ‫َلتكا ُد‬
‫الفطرة البرش َّي ِة‬ ‫ِ‬ ‫تناهض طبيع َة‬ ‫ُ‬ ‫املذهب‪ ..‬وهي عىل العمو ِم‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫صول‬ ‫ُأ‬
‫ت النِّظا َم‬ ‫بيئة قد َألِ َف ِ‬ ‫مة! َأو ٍ‬ ‫بيئة حم َّط ٍ‬ ‫ومقتضياتا‪ ،‬وال تنمو َّإل يف ٍ‬ ‫ِ‬
‫يظهر‬ ‫البيئات قد بد َأ‬ ‫ِ‬ ‫مثل ِ‬
‫هذه‬ ‫فرتات طويل ًة! وحت َّٰى يف ِ‬ ‫ٍ‬ ‫الدكتاتوري‬
‫ُ‬ ‫َّ‬
‫وتتبج ُح‬ ‫ِ‬
‫عليه‬ ‫اجلانب ا َّلذي تقو ُم‬ ‫االقتصادي ؛ وهو‬ ‫املادي‬ ‫فش ُلها‬
‫َّ‬ ‫ُ‬ ‫ُّ‬ ‫ُّ‬
‫غل ُتا بعدَ‬ ‫تتناقص َّ‬ ‫ُ‬ ‫نظمة اجلامع َّي ِة‬ ‫ِبه ـ فروسيا ـ ا َّلتي مت ِّث ُل قم َة األَ ِ‬
‫َّ‬
‫القمح واملوا َّد‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫كانت فائض ًة حت َّٰى يف عهود القيارصة‪ ،‬وتستور ُد‬ ‫ْ‬ ‫َأ ْن‬
‫َ‬
‫ِ‬
‫بسبب‬ ‫َ‬
‫لتحصل عىل ال َّطعام‪،‬‬ ‫الذهب‬‫وتبيع ما لدهيا من َّ‬ ‫ُ‬ ‫الغذائ َّي َة‪،‬‬
‫ِ‬
‫وفشل النِّظام ا َّلذي ُي َصاد ُم الفطر َة البرش َّي َة(‪.)1‬‬ ‫فشل املزارع اجلامع َّية‪،‬‬ ‫ِ‬
‫ٍ‬
‫قيادة للبرش َّية جديدة!‬ ‫وال ُبدَّ من‬
‫الز ِ‬
‫وال‪ ..‬ال‬ ‫وشكت على َّ‬
‫ْ‬ ‫للبشر َّي ِة قد َأ‬
‫الغربي َّ‬
‫ِّ‬ ‫جل‬ ‫الر ِ‬ ‫َّ‬
‫إن قياد َة َّ‬
‫فلست ماد ًّيا‪َ ،‬أو َض ُع َف ْت من ناحية َّ‬
‫القوة‬ ‫ْ‬ ‫ألَ َّن الحضار َة الغرب َّية قد َأ‬

‫السديد بربع قرن؛ انهارت الماركس َّي ُة في معاقلها‬ ‫((( رحم اهلل س ِّيد ُق ُطب‪ ..‬فبعد كتابة هذا الكالم َّ‬
‫دمار َأمريكا قاب قوسين َأو‬ ‫يوعي‪ ..‬وإن شا َء اهلل َ‬ ‫الش ِّ‬ ‫السبعين عا ًما من قيام الحكم ُّ‬ ‫بعد قرابة َّ‬
‫َّ‬ ‫َ‬
‫فكري يقوم على اإللحاد‪ ،‬وأن الماد َة هي‬ ‫ٌّ‬ ‫مذهب‬ ‫ٌ‬ ‫السنن الكون َّية! ُّ‬
‫فالشيوعية‪:‬‬ ‫دنى‪ ..‬بحسب ُّ‬ ‫َأ ٰ‬
‫ِ‬
‫الطبقات وبالعامل االقتصادي‪ ..‬وقد ظهرت في‬ ‫ويفس ُر التَّاريخ بصراع‬
‫ِّ‬ ‫كل شيء‪،‬‬ ‫َأ ُ‬
‫ساس ِّ‬
‫البلشفية ا َّلتي ظهرت‬ ‫ِ‬ ‫وتجسدت في الثورة‬ ‫يد كارل ماركس وفريدريك انجلز‪،‬‬ ‫َألمانيا على ِ‬
‫َّ‬ ‫ٰ‬
‫ِ‬
‫على حساب غيرها بالحديد‬ ‫ٍ‬
‫وتوسعت ٰ‬ ‫َّ‬ ‫في روسيا سنة (‪1917‬م) بتخطيط من اليهود‪..‬‬
‫ِ‬
‫شعوب ُمح َيت بسببها من التَّاريخ؛‬ ‫كثيرا‪ ..‬وهناك‬ ‫َ‬
‫ٌ‬ ‫المسلمون وغيرهم منها ً‬ ‫تضر َر‬
‫والنَّار‪ ،‬وقد َّ‬
‫َّ‬
‫السوفيتي‪ ..‬الذي تفك َ‬
‫َّك‬ ‫َّ‬ ‫َ‬ ‫ِ‬ ‫واآلن َأصبحت ُّ‬
‫الشيوع َّية في ذمة التَّاريخ‪ ،‬بعد أن تخل ٰى عنها االتحا ُد ُّ‬
‫قابلة للتَّطبيق!‬ ‫دول مستقلة‪ ،‬تخ َّلت ك ُّلها عن الماركسي ِة‪ ،‬واعتبرتها نظري ًة غير ٍ‬ ‫بدوره إلى ٍ‬
‫َ‬ ‫َّ‬ ‫ٰ‬
‫‪87‬‬

‫وره؛ ألَنَّه‬‫انتهى َد ُ‬
‫ٰ‬ ‫الغربي قد‬
‫َّ‬ ‫االقتصاد َّية والعسكر َّية‪ ..‬ولك ْن ألَ َّن النِّظام‬
‫يسمح له بالقيادة‪.‬‬ ‫يملك رصيدً ا من ِ‬
‫«الق َيم»‬ ‫ُ‬ ‫لم يعدْ‬
‫ُ‬
‫وصلت إليها‬‫ْ‬ ‫احلضارة املاد َّي ِة ا َّلتي‬
‫ِ‬ ‫متلك إبقا َء وتنمي َة‬ ‫ٍ‬
‫قيادة ُ‬ ‫ال ُبدَّ م ْن‬
‫وتزو ُد البرش َّي َة‬
‫املادي‪ِّ ،‬‬
‫ِّ‬ ‫طريق العبقر َّي ِة األُوروب َّي ِة يف اإلبدا ِع‬
‫ِ‬ ‫البرش َّي ُة‪ ،‬عن‬
‫وبمنهج َأ ٍ‬
‫صيل‬ ‫ٍ‬ ‫جديدة ِجدَّ ًة كامل ًة ـ بالقياس إ ٰىل ما عرف ْت ُه البرش َّي ُة ـ‬ ‫ٍ‬ ‫ِبق َي ٍم‬
‫الوقت ذاتِه‪.‬‬‫ِ‬ ‫وواقعي يف‬
‫ٍّ‬ ‫يب‬
‫وإجيا ٍّ‬
‫املنهج‪.‬‬
‫َ‬ ‫القيم‪ ،‬وهذا‬
‫تلك َ‬ ‫يملك َ‬
‫ُ‬ ‫واإلسال ُم ـ وحدَ ه ـ هو ا َّل ْ‬
‫ذي‬
‫ور ا َّلذي بد َأ ْت مطال ُعه‬ ‫ِ‬
‫لقد أ َّدت الن َّْهض ُة العلم َّي ُة َ‬
‫دورها‪ ..‬هذا هو الدَّ ُ‬
‫ووصلت إىل ِذ ِ‬
‫روتا‬ ‫امليالدي‪،‬‬ ‫عش‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫مع ِ‬
‫ْ ٰ‬ ‫ِّ‬ ‫ادس َ َ‬
‫الس َ‬
‫عرص النَّهضة يف القرن َّ‬
‫عش‪ ..‬ومل تعدْ ُ‬
‫متلك رصيدً ا جديدً ا‪.‬‬ ‫َّاسع َ َ‬
‫عش والت َ‬ ‫َ‬
‫خالل القرنني ال َّثام َن َ َ‬
‫ِ‬
‫الفترة‪،‬‬ ‫رز ْت فـي َ‬
‫تلك‬ ‫ت «الوطن َّي ُة» و«القوم َّي ُة» ا َّلـتـي َب َ‬ ‫كـذلك َأد ِ‬
‫َّ‬
‫تملك‬ ‫ُ‬ ‫ِ‬
‫القرون‪ ..‬ولم تعدْ‬ ‫عات اإلقليمي ُة عام ًة دورها خالل ِ‬
‫هذه‬ ‫َّجم ُ‬
‫َ‬ ‫َّ َّ‬ ‫والت ُّ‬
‫فشلت األَنظم ُة الفرد َّي ُة واألَنظم ُة‬ ‫ِ‬ ‫ثم‬
‫خرى رصيدً ا جديدً ا‪َّ ..‬‬ ‫هي األُ ٰ‬
‫ِ‬
‫المطاف‪.‬‬ ‫الجماع َّي ُة في نهاية‬
‫حرجا‬ ‫ولقد جاء دور «اإلسالم» ودور «األُمة» في َأشدِّ الس ِ‬
‫اعات‬
‫ً‬ ‫َّ‬ ‫َّ‬ ‫ُ‬ ‫َ ُ‬
‫المادي‬
‫ِّ‬ ‫دور اإلسالم ا َّلذي ال يتنك َُّر لإلبدا ِع‬ ‫وحير ًة واضطرا ًبا‪ ..‬جا َء ُ‬
‫ِ‬
‫منذ َأ ْن َع ِهدَ اهللُ‬
‫ولى ُ‬ ‫في األَرض؛ ألَنَّه يعدُّ ه من وظيفة اإلنسان األُ ٰ‬
‫خاصة ـ عباد ًة هلل‪،‬‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬
‫شروط‬ ‫تحت‬
‫َ‬ ‫ويعتبر ُه ـ‬ ‫ِ‬
‫بالخالفة في األَرض‪،‬‬ ‫ِ‬
‫إليه‬
‫ُ‬
‫اإلنساني‪.‬‬ ‫ِ‬
‫الوجود‬ ‫وتحقي ًقا لغاية‬
‫ِّ‬
‫‪88‬‬

‫﴿ﭑﭒﭓﭔﭕﭖﭗﭘﭙ﴾ [البقرة‪.]30 :‬‬

‫﴿ﭳﭴﭵﭶﭷﭸ﴾ [الذاريات‪.]56 :‬‬


‫ِ‬ ‫ِ‬
‫بإخراجها للن ِ‬
‫َّاس‪:‬‬ ‫هلل‬ ‫دور «األُ َّمة ُ‬
‫الم ْسلمة» لتح ِّق َق ما َأرا َد ُه ا ُ‬ ‫وجا َء ُ‬
‫﴿ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ‬
‫ﭧ ﭨ ﭩ﴾ [آل عمران‪.]110 :‬‬

‫﴿ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ‬
‫ﭳ ﭴ ﭵ﴾ [البقرة‪.]143 :‬‬
‫۞۞۞‬
‫ٌ‬
‫موجودة؟‬ ‫ُ‬
‫املسلمة‬ ‫هل ُ‬
‫األم ُ‬
‫َّة‬ ‫ِ‬

‫دور ه َّإل َأ ْن يتم َّث َل يف‬


‫َ‬ ‫يملك َأ ْن يؤ ِّد َي‬
‫ُ‬ ‫ولك َّن اإلسال َم ال‬
‫ٍ‬
‫وبخاصة‬ ‫تستمع ـ‬ ‫جمتم ٍع ‪َ ،‬أ ْي ‪َ :‬أ ْن يتم َّث َل يف ُأ َّم ٍة ‪ ..‬فالبرش َّي ُة ال‬
‫ُ‬
‫الواقعي يف‬
‫َّ‬ ‫َرى ِم ْصدا َقها‬
‫جمر دة ‪ ،‬ال ت ٰ‬
‫ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫يف هذا َّ ٍ‬
‫الز مان ـ إ ٰىل عقيدة َّ‬
‫حياة مشهودة‪..‬‬ ‫ٍ‬

‫ٍ‬
‫كثيرة‪ ..‬فاألُ َّم ُة‬ ‫ٍ‬
‫قرون‬ ‫انقطع ُ‬
‫منذ‬ ‫و«وجود» األُمة المسلمة يعتبر ِ‬
‫قد‬
‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َّ‬ ‫ُ‬
‫كان‬
‫«قوما» َ‬ ‫كان ُ‬
‫يعيش فيها اإلسال ُم‪ .‬وليست ً‬ ‫رضا» َ‬ ‫ليست َ‬
‫«أ ً‬ ‫ْ‬ ‫المسلم ُة‬
‫اإلسالمي‪ ..‬إنَّما‬
‫ِّ‬ ‫يعيشون بالنِّظام‬
‫َ‬ ‫ِ‬
‫عصور التَّاريخِ‬ ‫ٍ‬
‫عصر من‬ ‫َأجدا ُد ْ‬
‫هم في‬
‫هم‪،‬‬
‫وأوضا ُع ْ‬ ‫راتهم‪َ ،‬‬
‫ُصو ْ‬ ‫ُهم‪،‬وت ُّ‬ ‫«األُ َّم ُةالمسلم ُة»جماع ٌةمنالبشر ُ‬
‫تنبثقحيات ْ‬
‫‪89‬‬

‫اإلسالمي‪..‬‬ ‫هم‪ ،‬وموازينُهم ك ُّلها‪ ..‬من المنهج‬ ‫ِ‬ ‫َ‬


‫يم ْ‬
‫ُهم‪ ،‬وق ُ‬
‫وأنظمت ْ‬
‫(‪)1‬‬
‫ِّ‬
‫انقطع وجو ُدها ُ‬
‫منذ انقطاع‬ ‫ِ‬
‫المواصفات! ـ قد‬ ‫وهذه األُم ُة ـ ِ‬
‫بهذه‬ ‫ِ‬
‫َ‬ ‫َّ‬
‫فوق ظهر األَرض جمي ًعا‪.‬‬ ‫الحكْم بشريعة اهلل من ِ‬‫ُ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫دوره‬
‫ي اإلسال ُم َ‬ ‫من «إعادة وجود» هذه «األُ َّمة» ْ‬
‫لكي يؤ ِّد َ‬ ‫وال ُبدَّ ْ‬
‫المرتقب في قيادة البشر َّي ِة مر ًة ُأخرى‪.‬‬
‫َ‬
‫ِ‬ ‫ٍ‬
‫لتلك األُ َّمة ا َّلتي َو َاراها ُركَا ُم األَجيال‪ُ ،‬‬
‫وركَا ُم‬ ‫«بعث» َ‬ ‫من‬
‫ال ُبدَّ ْ‬
‫رات‪ ،‬وركَام األَوضاعِ‪ ،‬وركَام األَ ِ‬
‫نظمة‪ ،‬ا َّلتي ال ِصل َة لها‬ ‫التَّصو ِ‬
‫ُ ُ‬ ‫ُ ُ‬ ‫ُّ‬
‫تزعم َأنَّها قائم ٌة‬
‫ُ‬ ‫كانت ما ُ‬
‫تزال‬ ‫وإن ْ‬‫اإلسالمي‪ْ ..‬‬
‫ِّ‬ ‫باإلسالم‪ ،‬وال بالمنهج‬
‫(‪)2‬‬
‫اإلسالمي»!!‬
‫ّ‬ ‫«العالم‬
‫َ‬ ‫سم ٰى‬
‫فيما ُي َّ‬
‫ِ‬
‫«القيادة»‬ ‫حماولة «البع ِ‬
‫ث» وبني تس ُّلم‬ ‫ِ‬ ‫عرف َأ َّن املساف َة بني‬
‫وأنا َأ ُ‬
‫َ‬
‫َْ‬
‫«الش ِ‬
‫هود»‬ ‫ِ‬
‫«الوجود» وعن ُّ‬ ‫ِ‬
‫غابت األُ َّم ُة املسلم ُة عن‬ ‫مساف ٌة شاسع ٌة‪ ..‬فقد‬
‫ً‬
‫طويل‪.‬‬ ‫دهرا‬
‫ً‬

‫ٍ‬
‫كدولة لها نظامها‬ ‫((( تنبيه‪ :‬يقصد س ِّيد ُق ُطب ‪ ‬بانقطا ِع وجود ُاأل َّمة المسلمة؛ انقطاعُه‬
‫يحمون هذه األَحكام‪ ،‬وليس كما ظن ُ‬
‫بعض‬ ‫َ‬ ‫الخاصة ورجالها ا َّلذين‬
‫َّ‬ ‫و َأحكامها‬
‫ِ‬
‫الماليين في‬ ‫دين اإلسالم في حياة المسلمين؛ فالمسلمون بمئات‬ ‫انقطاع ِ‬
‫َ‬ ‫الغُالة‪..‬‬
‫اإلسالمي‬
‫ِّ‬ ‫َأنحاء المعمورة‪َ ..‬أ َّما األُ َّمة المسلم ُة الر َّبان َّي ُة ا َّلتي تتبن َّٰى بناء المجتمع‬
‫وخصوصا بعد انهيار‬ ‫ٍ‬
‫موجودة اآلن‪..‬‬ ‫غير‬
‫ً‬ ‫وتحكم بشريعة اإلسالم؛ فهي ُ‬ ‫ُ‬ ‫الراشد‪..‬‬
‫الدولة العثمانية!‬‫ِ‬ ‫رمز الخالفة‪..‬‬
‫الح ْك ِم بما َأنزل اهلل تعالى من‬
‫الصلة باإلسالم يعني به‪ :‬عد َم ُ‬ ‫نفي س ِّيد ُق ُطب ‪ ‬هنا ِّ‬ ‫((( تنبيه‪ُ :‬‬
‫نظمة القائمة في بالد المسلمين‪ ..‬وال يعني حيا َة األَ ِ‬
‫فراد َألبتَّة!‬ ‫ِقب ِل األَ ِ‬
‫َ‬
‫‪90‬‬

‫رات‬
‫وتصو ٌ‬
‫ُّ‬ ‫مم ُأ ٰ‬
‫خرى‪،‬‬ ‫خرى و ُأ ٌ‬
‫فكار ُأ ٰ‬
‫وقد تو َّل ْت قياد َة البرش َّية َأ ٌ‬
‫خرى فرت ًة طويل ًة‪ .‬وقد َأبدعت العبقر َّي ُة األوروب ّية ـ يف‬ ‫وضاع ُأ ٰ‬
‫ٌ‬ ‫خرى‪ ،‬و َأ‬‫ُأ ٰ‬
‫قافة» و«األَ ِ‬
‫نظمة» و«اإلنتاجِ‬ ‫هذه الفرتة ـ رصيدً ا ضخم من «العلمِ» و«ال َّث ِ‬
‫ً‬
‫تفر ُط فيه وال‬ ‫تقف البرشي ُة عىل ِ‬ ‫املادي»‪ ..‬وهو رصيدٌ‬
‫قمته‪ ،‬وال ِّ‬ ‫َّ ٰ َّ‬ ‫ضخم ُ‬ ‫ٌ‬ ‫ِّ‬
‫ٍ‬
‫ُ‬
‫يكون‬ ‫اإلسالمي» يكا ُد‬
‫َّ‬ ‫خاص ًة َأ َّن ما ُي َّ‬
‫سم ٰى «العامل َ‬ ‫فيم ْن يم ِّث ُل ُه بسهولة! َّ‬
‫الزينة!‬ ‫عاطل من ٍّ‬
‫كل هذه ِّ‬ ‫ً‬
‫ِ‬
‫«البعث‬ ‫ِ‬
‫االعتبارات ك ِّلها ـ من‬ ‫ِ‬
‫هذه‬ ‫ولك ْن ال ُبدَّ ـ مع‬
‫ِ‬
‫البعث وبي َن‬ ‫ِ‬
‫محاولة‬ ‫ِ‬
‫تكن المساف ُة شاسع ًة بين‬ ‫اإلسالمي» مهما‬
‫ِّ‬
‫اإلسالمي هي الخطو ُة األُولى ا َّلتي‬ ‫ِ‬
‫البعث‬ ‫ِ‬
‫القيادة‪ .‬فمحاول ُة‬ ‫تس ُّل ِم‬
‫ِّ‬
‫َخ ِّطيها!‬
‫ال يمك ُن ت َ‬

‫۞۞۞‬

‫َّ‬
‫البشريِة ؟‬ ‫ما َّالذي يؤهُ‬
‫ِّلنا لقيادِة‬
‫ِ‬
‫وجه‬ ‫على‬ ‫َ‬ ‫على ب ِّي ٍنة من األَ ِ‬
‫مر‪ ،‬ينبغي َأ ْن‬ ‫َ‬
‫ندرك ـ ٰ‬ ‫نكون ٰ‬ ‫ولكي‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫عناصرها‬
‫َ‬ ‫نخطئ‬
‫َ‬ ‫كي ال‬‫مؤهالت هذه األُ َّمة للقيادة البشر َّية‪ْ ،‬‬‫التَّحديد ـ ّ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫في محاولة البعث األُ ٰ‬
‫ولى‪.‬‬

‫وليس مطلو ًبا منها ـ َأ ْن تقدِّ َم‬ ‫ُ‬


‫تملك اآلن ـ‬ ‫إن ِ‬
‫هذه األُ َّم َة ال‬ ‫َّ‬
‫َ‬
‫ويفرض‬ ‫ُ‬ ‫قاب‪،‬‬
‫الر َ‬
‫يحني لها ِّ‬
‫ْ‬ ‫المادي‪،‬‬
‫ِّ‬ ‫تفو ًقا خار ًقا في اإلبداع‬
‫للبشر َّية ُّ‬
‫‪91‬‬

‫الزاوية‪ ..‬فالعبقر َّي ُة األُوروب َّي ُة قد سبق ْت ُه في‬


‫قيادتَها العالم َّي َة من هذه َّ‬
‫ٍ‬ ‫خالل ِ‬ ‫َ‬ ‫ِ‬
‫قرون على‬ ‫عدة‬ ‫المنتظر ـ‬ ‫هذا المضمار سب ًقا واس ًعا‪َ .‬‬
‫وليس من‬
‫المؤه ُل‬
‫ِّ‬ ‫مؤه ٍل َ‬
‫آخر!‬ ‫المادي عليها! فال ُبدَّ ْ‬
‫إذن من ِّ‬ ‫ُّ‬ ‫َّفو ُق‬ ‫األَ ِّ‬
‫قل ـ الت ُّ‬
‫ا َّلذي تفتقدُ ه هذه الحضارةُ!‬

‫َ‬
‫نحاول‬ ‫المادي‪ .‬فمن واجبِنا َأ ْن‬ ‫َّ‬ ‫اإلبداع‬
‫َ‬ ‫يعني َأ ْن َ‬
‫نهمل‬ ‫إن هذا ال ْ‬ ‫َّ‬
‫لقيادة البشر َّي ِة‬
‫ِ‬ ‫«المؤهل» ا َّلذي نتقدَّ ُم به‬ ‫ِّ‬ ‫بوصف ِه‬
‫ِ‬ ‫فيه جهدَ نا‪ .‬ولك ْن ال‬
‫ِ‬
‫لوجودنا‪.‬‬ ‫ِ‬
‫بوصفه ضرور ًة ذات َّي ًة‬ ‫المرحلة الر ِ‬
‫اهنة‪ .‬إنَّما‬ ‫ِ‬ ‫في‬
‫َّ‬
‫اإلسالمي» ا َّلذي ُ‬
‫ينوط‬ ‫ُّ‬ ‫«التصو ُر‬
‫ُّ‬ ‫بوصف ِه واج ًبا ُ‬
‫يفرضه علينا‬ ‫ِ‬ ‫كذلك‬
‫خاص ٍة ـ عباد ًة هللِ‪،‬‬ ‫ٍ‬
‫تحت شروط َّ‬‫َ‬ ‫ِ‬
‫باإلنسان خالف َة األَرض‪ ،‬ويجع ُلها ـ‬
‫اإلنساني‪.‬‬
‫ِّ‬ ‫وتحقي ًقا لغاية الوجود‬

‫المادي ـ ول ْن‬
‫ِّ‬ ‫لقيادة البشر َّي ِة ـ ِ‬
‫غير اإلبدا ِع‬ ‫ِ‬
‫مؤه ٍل َ‬
‫آخر‬ ‫ال ُبدَّ ْ‬
‫إذن من ِّ‬
‫يسمح للبشر َّية َأ ْن‬
‫ُ‬ ‫المؤه ُل سوى «العقيدة» و«المنهج» ا َّلذي‬ ‫ِّ‬ ‫َ‬
‫يكون هذا‬
‫ِ‬
‫آخر يل ِّبي حاج َة‬ ‫تصو ٍر َ‬
‫تحت إشراف ُّ‬ ‫َ‬ ‫تحتفظ ِ‬
‫بنتاج العبقر َّية الماد َّية‪،‬‬ ‫َ‬
‫والمنهج في‬ ‫المادي‪ ،‬و َأ ْن تتم َّث َل العقيد ُة‬ ‫اإلبداع‬ ‫ِ‬
‫الفطرة كما يل ِّبيها‬
‫ُ‬ ‫ُّ‬ ‫ُ‬
‫إنساني‪َ ،‬أي‪ :‬في مجتمع مسلم‪.‬‬
‫ٍّ‬ ‫تجم ٍع‬
‫ُّ‬
‫۞۞۞‬
‫‪92‬‬

‫مل اليو َم ؟‬ ‫ما ُ‬


‫واقع العا ِ‬
‫صل‬ ‫ِ‬
‫ناحية األَ ِ‬ ‫يعيش اليو َم ك َّل ُه في «جاهل َّي ٍة»(‪ ..)1‬من‬
‫العالم ُ‬
‫َ‬ ‫َّ‬
‫إن‬
‫الحياة و َأنظمتُها‪ .‬جاهل َّي ٍة ال تخ ِّف ُ‬
‫ف منها شي ًئا‬ ‫ِ‬ ‫مات‬
‫مقو ُ‬
‫تنبثق من ُه ِّ‬
‫ذي ُ‬ ‫ا َّل ْ‬
‫الفائق!‬
‫ُ‬ ‫المادي‬
‫ُّ‬ ‫اإلبداع‬
‫ُ‬ ‫َّيسيرات الماد َّي ُة الهائل ُة‪ ،‬وهذا‬
‫ُ‬ ‫هذه الت‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫سلطان اهلل في‬ ‫على َأساس االعتداء ٰ‬
‫على‬ ‫هذه الجاهل َّي ُة تقو ُم ٰ‬
‫خصائص األُلوه َّية‪ ..‬وهي الحاكم َّي ُة‪ ..‬إنَّها تُسندُ‬
‫ِ‬ ‫خص‬‫وعلى َأ ِّ‬‫ٰ‬ ‫األَرض‪،‬‬
‫الصورة البدائ َّية‬ ‫ٍ‬
‫لبعض َأربا ًبا‪ ،‬ال في ُّ‬ ‫بعضهم‬ ‫ُ‬
‫فتجعل َ‬ ‫ِ‬
‫البشر‪،‬‬ ‫الحاكم َّي َة إلى‬
‫الساذجة ا َّلتي عرفتْها الجاهل َّي ُة األُولى‪ ،‬ولك ْن في صورة ا ِّدعاء ِّ‬
‫حق وضع‬ ‫َّ‬
‫طلق سيد ُق ُطب ‪ ‬وص ًفا‪ ..‬جامعا‪ ..‬مانعا‪ ..‬حاسما في ِ‬
‫فصله بين المصطلحات‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫((( تنبيه‪َ :‬أ َ ِّ‬
‫المناهج الباطلة‪َ ،‬أو‬ ‫ِ‬ ‫َّظريات المنحرفة‪َ ،‬أو‬ ‫ِ‬ ‫الشرع َّية المرع َّية‪ ،‬وبين غيره من األَفكار والن‬ ‫َّ‬
‫ِ‬
‫القوانين المصادمة لحكم اهلل وشرعه‪ ،‬والتي هي من عصار ُة عقل اإلنسان وفكره‪ ..‬ذلك‬ ‫َّ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫عالجا‬ ‫ً‬ ‫المخلوق العاجز؛ فوصف ذلك ك َّله بالجاهل َّية‪ ..‬هو مصطلح شرعي رصين‪ ،‬وقدَّ م‬ ‫ُ‬
‫طريق سعادة الدَّ ارين لعباده‪َ ..‬بأنَّه في تحكيم شرع اهلل‬ ‫ِ‬ ‫لهذا الدَّ اء العضال‪ ،‬وب َّين معالم‬
‫شرعي هو الحاكم َّية‪.‬‬ ‫ٍّ‬ ‫ٍ‬
‫بمصطلح‬ ‫وسم ٰى ذلك‬ ‫تعالى لتنظيم الحياة‪َّ ،‬‬ ‫ٰ‬
‫تعالى‬ ‫إسالمي أصيل يختزل في دالالته معاني البعد عن هدي اهلل‬ ‫ِ‬ ‫ٌ‬ ‫َ‬ ‫مصطلح‬ ‫فالجاهل َّية‪:‬‬ ‫ ‬
‫ٰ‬ ‫ٌّ‬ ‫ٌ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ونوره المنير‪ ..‬مع الحمق والجهالة وق َصر نظر اإلنسان المسكين‪.‬‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫المطلق‪َ ..‬بأ َّن الحكم واألَمر في عبوديةِ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫اإليمان‬ ‫قرآني؛ يم ِّث ُل‬ ‫مصطلح‬ ‫وكذلك الحاكم َّية‪:‬‬ ‫ ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫ٌّ‬ ‫ٌ‬
‫مصطلحا‬ ‫ً‬ ‫المسلم الحاذق‬ ‫ُ‬ ‫َ‬
‫الصعب جدًّ ا أن يجدَ‬ ‫ِ‬ ‫تعالى وحدَ ه ال شريك له؛ فمن َّ‬ ‫ٰ‬ ‫العباد هلل‬
‫َّ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ورسختها‬ ‫الصفات والدالالت ُمجتمع ًة في الحالة اإلنسانية التي صاغتها َّ‬ ‫آخر يؤدي هذه ِّ‬ ‫َ‬
‫َ‬ ‫َّ‬ ‫َ‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬
‫كثر من‬ ‫بقاع األرض كلها أل َ‬ ‫على قدر متفاوت ـ َ‬ ‫ولوثت بها ـ ٰ‬ ‫الحضار ُة الغربي ُة الكافرة‪َّ ،‬‬
‫إلى قلب المسل ِم‬ ‫قرن‪ ..‬والحاكمي ُة بما َأنَّها ٌ‬ ‫ٍ‬
‫رباني؛ تراها تجدُ طريقها مباشر ًة ٰ‬ ‫ٌّ‬ ‫قرآني‬
‫ٌّ‬ ‫لفظ‬
‫مصطلح‬ ‫طنطنات الفالسفة‪ ،‬ويرفضها بفطرته السليمة‪ ..‬والجاهلي ُة‬ ‫ِ‬ ‫وعقله ا َّلذي ال يفهم‬ ‫ِ‬
‫ٌ‬
‫ِ‬
‫االنحراف‬ ‫الفكري؛ ل ُي َع ِّبر به عن حجم‬ ‫ِ‬
‫مشروعه‬ ‫آخر؛ َأحياه س ِّيد ُق ُطب ضمن‬
‫ِّ‬ ‫رباني ُ‬
‫ٌّ‬ ‫قرآني‬
‫ٌّ‬
‫مواجهته‪.‬‬
‫َ‬ ‫ُ‬
‫ا َّلذي ينبغي على األ َّمة‬
‫‪93‬‬
‫ٍ‬
‫بمعزل‬ ‫والشرائع والقوانين‪ ،‬واألَنظمة واألَوضاع‪،‬‬ ‫التَّصورات ِ‬
‫والق َيم‪َّ ،‬‬ ‫ُّ‬
‫على‬ ‫ِ‬ ‫َ‬ ‫عن منهج اهلل للحياة‪ ،‬وفيما لم ْيأ ْ‬
‫فينشأ عن هذا االعتداء ٰ‬ ‫ذن به اهلل‪..‬‬
‫سلطان اهلل اعتداء على عباده‪ ..‬وما مهان ُة «اإلنسان» عام ًة في األَ ِ‬
‫نظمة‬ ‫ِ‬
‫َّ‬ ‫ٌ ٰ‬
‫ِ‬
‫بسيطرة رأس المال واالستعمار‬ ‫والشعوب‬‫ظلم «األَفراد» ُّ‬ ‫ِ‬
‫الجماع َّية‪ ،‬وما ُ‬
‫ِ‬
‫وإنكار‬ ‫ِ‬
‫سلطان اهلل‪،‬‬ ‫على‬ ‫ِ‬ ‫في النُّظم «الرأسمال َّية» َّإل َأ ًثرا من ِ‬
‫آثار االعتداء ٰ‬
‫ِ‬
‫هلل لإلنسان!‬ ‫الكرامة ا َّلتي َّقررها ا ُ‬
‫كل نظا ٍم ِ‬
‫غير النِّظام‬ ‫َّاس في ِّ‬
‫اإلسالمي‪ ..‬فالن ُ‬
‫ُّ‬ ‫المنهج‬
‫ُ‬ ‫يتفر ُد‬
‫وفي هذا َّ‬
‫ور ـ وفي المنهج‬ ‫الص ِ‬ ‫ٍ‬
‫بعضا ـ في صورة من ُّ‬ ‫بعضهم ً‬ ‫اإلسالمي‪َ ،‬يعبدُ ُ‬
‫ِّ‬
‫ِ‬
‫بعبادة اهلل‬ ‫ٍ‬
‫لبعض‪،‬‬ ‫بعضهم‬ ‫ِ‬
‫عبادة ِ‬ ‫َّاس جمي ًعا من‬
‫يتحر ُر الن ُ‬
‫اإلسالمي وحدَ ه َّ‬
‫ِّ‬
‫وحدَ ه‪ ،‬والتل ِّقي من اهلل وحدَ ه‪ ،‬والخضوع هلل وحدَ ه‪.‬‬

‫َّصو ُر الجديدُ ‪ ،‬ا َّلذي‬ ‫َ‬


‫كذلك هو الت ُّ‬ ‫مفترق ال َّط ِ‬
‫ريق‪ ..‬وهذا‬ ‫ُ‬ ‫وهذا هو‬
‫ٍ‬
‫عميقة في‬ ‫َّب عليه من ٍ‬
‫آثار‬ ‫ُ‬
‫وسائر ما يترت ُ‬
‫ُ‬ ‫نملك إعطا َءه للبشر َّية ـ هو‬
‫الرصيدُ ا َّلذي ال تملكُه البشر َّي ُة؛‬‫الحياة البشر َّية الواقع َّية ـ وهذا هو َّ‬
‫منتجات العبقر َّي ِة‬
‫ِ‬ ‫الحضارة الغرب َّي ِة‪ ،‬وليس من‬
‫ِ‬ ‫ليس من «منتجات»‬ ‫ألَنَّه َ‬
‫كانت َأم غرب َّي ًة‪.‬‬
‫األوروب َّية! شرق َّي ًة ْ‬
‫۞۞۞‬
‫‪94‬‬

‫اإلسالمي‪:‬‬
‫ِّ‬ ‫البعث‬ ‫ُ‬
‫معامل طريق طليعة ِ‬

‫نملك شيئًا جديدً ا جدَّ ًة كامل ًة‪ .‬شيئًا ال تعر ُفه‬


‫ُ‬ ‫دون ِّ‬
‫شك ـ‬ ‫إنَّنا ـ َ‬
‫«تنتج ُه»!‬
‫َ‬ ‫تملك هي َأ ْن‬
‫ُ‬ ‫البشر َّي ُة‪ .‬وال‬
‫عملي‪.‬‬
‫ٍّ‬ ‫ولك َّن هذا الجديدَ ال ُبدَّ َأن يتم َّث َل ـ كما قلنا ـ في واق ٍع‬
‫«بعث» في الر ِ‬
‫قعة‬ ‫ٍ‬ ‫تعيش ِبه ُأ َّم ٌة‪..‬وهذا يقتضي عمل َّية‬ ‫َ‬ ‫ال ُبدَّ َأ ْن‬
‫ُّ‬
‫ٍ‬ ‫ٍ‬
‫بعيدة َأو‬ ‫ٍ‬
‫قريبة ـ‬ ‫مسافة ما‬ ‫البعث ا َّلذي يتب ُعه ـ ٰ‬
‫على‬ ‫ُ‬ ‫اإلسالم َّية‪ ،‬هذا‬
‫ِ‬
‫قيادة البشر َّية‪.‬‬ ‫ت ََس ُّل ُم‬
‫فكيف تبدأ عملية البعث اإلسالمي؟‬
‫ريق‪ ،‬متيض يف‬ ‫هذه ال َعزم َة‪ ،‬ومتيض يف ال َّط ِ‬ ‫طليعة تعزم ِ‬‫ٍ‬ ‫إنَّه ال ُبدَّ من‬
‫ُ‬
‫رجاء األَرض مجي ًعا‪ ،‬متيض وهي‬ ‫ِ‬ ‫الض ِ‬
‫اربة األَ ِ‬
‫طناب يف َأ‬ ‫خض ِّم اجلاهل َّية َّ‬ ‫َ‬
‫ِ‬ ‫من االت ِ‬ ‫ٍ‬ ‫تزاول نوعا من الع ِ‬
‫اآلخر‬ ‫ِّصال من اجلانب‬ ‫جانب‪ ،‬ونو ًعا َ‬ ‫زلة من‬ ‫ُ‬ ‫ُ ً‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫باجلاهل َّية املحيطة‪ ..‬وال ُبدَّ هلذه ال َّطليعة ا َّلتي تعز ُم هذه العزم َة من «معامل َ‬
‫ِ‬ ‫تعرف منها طبيع َة ِ‬ ‫ِ‬
‫لب‬ ‫وص َ‬‫دورها‪ ،‬وحقيق َة وظيفتها‪ُ ،‬‬ ‫ُ‬ ‫يف ال َّطريق» معامل َ‬
‫ِ‬ ‫الرحلة ال َّطويلة‪..‬كام‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫موقفها‬ ‫تعرف منها طبيع َة‬
‫ُ‬ ‫غايتها‪ ،‬ونقط َة ال َبدْ ء يف ِّ‬
‫الضاربة األَطناب يف األَرض مجي ًعا‪..‬‬ ‫من اجلاهل َّية َّ‬
‫ُ‬
‫تفرتق؟‬ ‫َّاس‪ ،‬و َأين‬
‫َأين تلتقي مع الن ِ‬
‫ما خصائصها هي‪ ،‬وما خصائص اجلاهلية من ِ‬
‫حولا؟‬ ‫َّ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬
‫وفيم ختاط ُبها؟‬ ‫ِ‬ ‫ختاطب َأ َ‬
‫هل هذه اجلاهل َّية بلغة اإلسالم‪َ ،‬‬ ‫ُ‬ ‫كيف‬
‫َ‬
‫‪95‬‬

‫وكيف تتل َّق ٰى؟‬


‫َ‬ ‫تعرف من َأي َن تتل َّق ٰى ـ في هذا ك ِّله ـ‬
‫ُ‬ ‫ثم‬
‫ّ‬
‫ِ‬ ‫المصدر األَو ِل ِ‬ ‫ِ‬
‫القرآن ‪..‬‬ ‫لهذه العقيدة ‪..‬‬ ‫ِ َّ‬ ‫المعالم ال ُبدَّ َأ ْن تقا َم من‬
‫ُ‬ ‫هذه‬
‫َّصو ِر ا َّلذي َأ َ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫الصفوة‬ ‫نشأ ُه في نفوس َّ‬ ‫ومن توجيهاته األَساس َّية‪ ،‬ومن الت ُّ‬
‫لت‬
‫حو ْ‬‫تي َّ‬‫يصنع‪ ،‬وا َّل ْ‬
‫َ‬ ‫هلل بها في األَرض ما شا َء َأ ْن‬ ‫صنع ا ُ‬‫المختارة‪ ،‬ا َّلتي َ‬
‫هلل َأ ْن َ‬
‫يسير‪..‬‬ ‫إلى ُ‬
‫حيث شا َء ا ُ‬ ‫مر ًة ٰ‬ ‫خط ِ‬
‫سير الت ِ‬
‫َّاريخ َّ‬ ‫َّ‬
‫۞۞۞‬
‫«م َعامل يف ال َّطريق»‪:‬‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫هلذه ال َّطليعة ا َمل ُ‬
‫رج َّوة املرتقبة َك َت ْب ُت َ‬
‫ِ‬
‫ظالل القرآن» مع‬ ‫فصول مستخرج ٌة من كتاب «يف‬‫ٍ‬ ‫منها‪َ :‬أربع ُة‬
‫ٍ‬
‫مناسبة ملوضوع كتاب املعامل(‪.)1‬‬ ‫ٍ‬
‫وإضافات‬ ‫ٍ‬
‫تعديالت‪،‬‬
‫ٍ‬
‫فترات‪،‬‬ ‫َّقدمة ـ مكتوب ٌة في‬ ‫هذه الت ِ‬ ‫فصول ـ غير ِ‬
‫ٍ‬ ‫ومنها‪ :‬ثماني ُة‬
‫ُ‬
‫الم َم َّث ِل في‬
‫اني‪ُ ،‬‬ ‫فتات المتوالي ُة إلى المنهج َّ‬
‫الر ّب ِّ‬ ‫وحت به ال َّل ُ‬‫حسبما َأ ْ‬
‫معالم في ال َّط ِ‬
‫ريق‪،‬‬ ‫ُ‬ ‫تفر ِقها ـ َأنَّها‬ ‫ِ‬
‫الكريم‪ ..‬وك ُّلها يجم ُعها ـ ٰ‬
‫على ُّ‬
‫ِ‬
‫القرآن‬
‫ٍ‬
‫طريق!‬ ‫كما هو َ‬
‫الشأ ُن في معال ِم ِّ‬
‫كل‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫وهي في مجموعها تم ِّث ُل المجموع َة األُولى من هذه َ‬
‫«الم َعالم»‬
‫مجموعات‪ ،‬ك َّلما هداني ا ُ‬
‫هلل‬ ‫ٌ‬ ‫خرى َأو‬
‫وا َّلتي َأرجو َأ ْن تتب َعها مجموع ٌة ُأ ٰ‬
‫إلى معالم هذا ال َّطريق!‬
‫ٰ‬
‫َّ‬
‫وابهلل اتلويفق‪.‬‬

‫ِ‬
‫سبيل اهلل» و«نشأ ُة‬ ‫اإلسالمي وال َّثقافة» و«الجها ُد في‬
‫ُّ‬ ‫َّصو ُر‬
‫القرآني»‪ ..‬و«الت ُّ‬
‫ِّ‬ ‫((( «طبيع ُة المنهج‬
‫(المؤَ ِّلف)‪.‬‬
‫وخصائصه» ‪ُ .‬‬
‫ُ‬ ‫المجتمع المسل ِم‬
‫صحاب الدَّ عوة‬
‫ُ‬ ‫يقف َأما َمها َأ‬‫هنالك ظاهر ٌة تارخي َّي ٌة ينبغي َأ ْن َ‬
‫َ‬
‫طويل‪ ،‬ذلك‬ ‫ً‬ ‫ٍ‬
‫زمان‪ ،‬و َأ ْن يق ُفوا َأما َمها‬ ‫رض‪ ،‬ويف ِّ‬
‫كل‬ ‫كل َأ ٍ‬ ‫اإلسالم َّية‪ ،‬يف ِّ‬
‫واتاهها‪.‬‬ ‫ذات َأ ٍثر حاس ٍم يف منهج الدَّ ِ‬
‫عوة َّ‬ ‫َأ َّنا ُ‬
‫جيل الص ِ‬
‫حابة‬ ‫جيل من النَّاس ـ َ‬ ‫جت هذه الدَّ عو ُة ً‬ ‫خر ْ‬
‫َّ‬ ‫لقد َّ‬
‫ِ‬
‫تاريخ‬ ‫تاريخ اإلسالم ك ِّل ِه‪ ،‬وفي‬
‫ِ‬ ‫جيل مم َّي ًزا في‬‫رضوان اهلل عليهم ـ ً‬‫ُ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫خرى‪..‬‬ ‫مر ًة ُأ ٰ‬ ‫ُخر ُج هذا ال ِّط َ‬
‫راز َّ‬ ‫ثم لم َت ُعدْ ت ِّ‬
‫البشر َّية جميعه‪َّ ،‬‬
‫ِ‬
‫مدار الت ِ‬
‫َّاريخ‪ .‬ولك ْن لم‬ ‫على‬
‫راز ٰ‬ ‫ذلك ال ِّط ِ‬
‫نعم ُوجدَ َأفرا ٌد من َ‬
‫ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫ِ‬
‫واحد‪ ،‬كما‬ ‫مكان‬ ‫الضخ ِم‪ ،‬في‬‫العدد َّ‬ ‫مثل َ‬
‫ذلك‬ ‫قط َأ ْن َّ‬
‫تجم َع ُ‬ ‫يحدث ُّ‬
‫ْ‬
‫الفترة األُولى من حياة هذه الدَّ ِ‬
‫عوة‪.‬‬ ‫ِ‬ ‫وقع في‬
‫ٰ‬ ‫َ‬
‫الوقوف َأما َمه‬
‫ُ‬ ‫ٍ‬
‫مدلول ينبغي‬ ‫هذه ظاهر ٌة واضح ٌة واقع ٌة‪ُ ،‬‬
‫ذات‬
‫سره‪.‬‬
‫إلى ِّ‬
‫نهتدي ٰ‬
‫ْ‬ ‫طويل‪ ،‬لع َّلنا‬
‫ً‬

‫َ‬
‫وحديث رسول اهلل ﷺ وهد َيه‬ ‫قرآن هذه الدَّ عوة بي َن َأيدينا‪،‬‬
‫َ‬ ‫َّ‬
‫إن‬
‫العملي‪ ،‬وسيرتَه الكريم َة ك َّلها بين َأيدينا كذلك‪ ،‬كما كانت بي َن َأ ْ‬
‫يدي‬ ‫َّ‬
‫شخص‬
‫ُ‬ ‫يغب َّإل‬ ‫يتكر ْر في الت ِ‬
‫َّاريخ‪ ..‬ولم ْ‬ ‫ذي لم َّ‬ ‫الجيل األَ َّو ِل‪ ،‬ا َّل ْ‬
‫ِ‬ ‫َ‬
‫ذلك‬
‫الس ُّر؟‬
‫فهل هذا هو ِّ‬ ‫رسول اهلل ﷺ ْ‬
‫‪98‬‬
‫شخص رسول اهلل ﷺ حتميا لقيا ِم هذه الدَّ ِ‬
‫عوة‪،‬‬ ‫ِ‬ ‫كان وجو ُد‬
‫لو َ‬
‫ًّ‬
‫هلل دعو ًة للن ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫َّاس كا َّف ًة‪ ،‬وما جع َلها َ‬
‫آخر‬ ‫وإيتائها ثمراتها‪ ،‬ما جع َلها ا ُ‬
‫ِ‬ ‫ٍ‬
‫َّاس في هذه األَرض ٰ‬
‫إلى ِ‬
‫آخر الزَّمان‪..‬‬ ‫مر الن ِ‬ ‫رسالة‪ ،‬وما وك ََّل إليها َأ َ‬
‫وعلم َأ َّن ِ‬
‫هذه الدَّ عو َة‬ ‫كر‪ِ ،‬‬
‫الذ ِ‬ ‫ِ‬
‫بحفظ ِّ‬ ‫ولك َّن اهلل ـ سبحانه ـ تك َّف َل‬
‫َ‬
‫فاختاره‬
‫َ‬ ‫ثمارها‪.‬‬ ‫يمك ُن َأ ْن تقو َم بعدَ رسول اهلل ﷺ ويمك ُن َأ ْن َ‬
‫تؤتي َ‬
‫ِ‬ ‫ٍ‬ ‫ِ‬
‫الرسالة‪ ،‬و َأ ٰ‬
‫بقى هذا الدِّ ي َن من‬ ‫جواره بعد ثالثة وعشري َن عا ًما من ِّ‬ ‫إلى‬‫ٰ‬
‫تفس ُر‬ ‫ِ‬ ‫فإن غيب َة‬
‫وإذن َّ‬
‫ْ‬ ‫الز ِ‬ ‫إلى ِ‬ ‫ِ‬
‫شخص رسول اهلل ﷺ ال ِّ‬ ‫مان‪..‬‬ ‫آخر َّ‬ ‫بعده ٰ‬
‫تلك ال َّظاهر َة وال تع ِّل ُلها‪.‬‬
‫َ‬

‫۞۞۞‬

‫الص ُ‬
‫حابة والقرآن‪:‬‬ ‫َّ‬

‫لننظر يف النَّب ِع ا َّلذي َ‬


‫كان يستقي‬ ‫ْ‬ ‫آخر‪،‬‬ ‫ٍ‬
‫سبب َ‬ ‫ْ‬
‫فلنبحث إذن ورا َء‬
‫ولننظر يف املنهج ا َّلذي‬
‫ْ‬ ‫تغي فيه‪.‬‬ ‫اجليل األَ َّو ُل‪َّ ،‬‬
‫فلعل شي ًئا قدْ َّ َ‬ ‫من ُه هذا ُ‬
‫فيه كذلك‪.‬‬ ‫فلعل شي ًئا قد تغي ِ‬ ‫خترجوا ِ‬
‫عليه‪َّ ،‬‬
‫َّ َ‬ ‫َّ‬
‫ِ‬
‫القرآن‪.‬‬ ‫نبع‬ ‫ُ‬ ‫استقى من ُه َ‬ ‫َّبع األَ َّو ُل ا َّلذي‬
‫الجيل هو ُ‬ ‫ذلك‬ ‫ٰ‬ ‫كان الن ُ‬
‫وهدْ ُي ُه َّإل َأ ًثرا من‬ ‫ُ‬
‫حديث رسول اهلل ﷺ َ‬ ‫القرآن وحدَ ه‪ .‬فما كان‬ ‫ِ‬

‫ِ‬
‫آثار َ‬
‫ذلك النَّبع‪.‬‬
‫‪99‬‬

‫َان‬ ‫ئلت عائش ُة ‪ ‬عن ُخ ُل ِق رس ِ‬


‫ول اهلل ﷺ قالت‪« :‬ك َ‬ ‫فعندما ُس ْ‬
‫ُ‬
‫ُخل َق ُه ال ُق ْر ُ‬
‫آن»(‪.)1‬‬
‫يستقون منه‪ ،‬ويتك َّي َ‬
‫فون‬ ‫َ‬ ‫َّبع ا َّلذي‬ ‫ُ‬
‫القرآن وحدَ ُه إذن هو الن َ‬ ‫َ‬
‫كان‬
‫َ‬
‫كذلك ألنَّه مل يك ْن للبرش َّية يو َمها‬ ‫ذلك‬ ‫ويتخر َ‬
‫جون عليه‪ ،‬ومل يك ْن َ‬ ‫َّ‬ ‫به‪،‬‬
‫دراسات‪َّ ..‬‬
‫كل! فقد‬ ‫ٌ‬ ‫فات‪ ،‬وال‬‫علم‪ ،‬وال مؤ َّل ٌ‬
‫حضارةٌ‪ ،‬وال ثقاف ٌة‪ ،‬وال ٌ‬
‫وقانونا ا َّلذي ما ُ‬
‫تزال‬ ‫هناك حضار ُة الر ِ‬
‫ومان وثقافتُها وكت ُبها‬ ‫َ‬ ‫كانت‬
‫ْ‬
‫ُ‬ ‫ُّ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫امتداده‪.‬‬ ‫تعيش عليه‪َ ،‬أو ٰ‬
‫عىل‬ ‫أوروبا ُ‬

‫احلضارة اإلغريق َّي ِة ومنط ُقها وفلسفتُها وفنُّها‪،‬‬


‫ِ‬ ‫هناك خم َّل ُ‬
‫فات‬ ‫وكانت َ‬
‫ْ‬
‫َ‬
‫هناك حضار ُة‬ ‫وكانت‬
‫ْ‬ ‫يب حتَّى اليوم‪،‬‬ ‫ينبوع الت ِ‬
‫َّفكري الغر ِّ‬ ‫َ‬ ‫وهو ما ُ‬
‫يزال‬
‫ِ‬ ‫عرها و َأ‬ ‫ِ‬
‫حكمها كذلك‪.‬‬ ‫ونظم‬
‫ُ‬ ‫ساطريها وعقائدُ ها‬ ‫ُ‬ ‫ال ُفرس وفنُّها وش ُ‬
‫وحضارات ُأخرى قاصي ٌة وداني ٌة‪ :‬حضار ُة ِ‬
‫اهلند‪ ،‬وحضار ُة الصِّني‪ ..‬إلخ‪.‬‬ ‫ٌ‬
‫ٰ‬
‫بالجزيرة العرب َّي ِة‬
‫ِ‬ ‫الحضارتان الروماني ُة والفارسي ُة تَح َّف ِ‬
‫ان‬ ‫َّ‬ ‫َّ‬ ‫ُّ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫وكانت‬
‫ِ‬
‫تعيشان‬ ‫كانت اليهود َّي ُة والنصران َّي ُة‬‫ْ‬ ‫من شمالِها ومن جنوبِها‪ ،‬كما‬
‫الحضارات العالم َّي ِة‬
‫ِ‬ ‫فقر في‬ ‫إذن ع ْن ٍ‬ ‫ِ‬
‫الجزيرة‪ ..‬فلم يك ْن ْ‬ ‫في ِ‬
‫قلب‬
‫ِ‬
‫كتاب اهلل وحدَ ه‪..‬في‬ ‫على‬ ‫ُ‬
‫الجيل ٰ‬ ‫يقصر َ‬
‫ذلك‬ ‫ُ‬ ‫وال َّثقافات العالم َّية‬
‫ٍ‬
‫مقصود‪.‬‬ ‫ٍ‬
‫ونهج‬ ‫فترة َتك َُّونِه‪ ..‬وإنَّما كان َ‬
‫ذلك عن «تصميم» مرسو ٍم‪،‬‬ ‫ِ‬
‫عمر ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫بن‬ ‫غضب رسول اهلل ﷺ وقدْ ر َأ ٰى في يد َ‬
‫ُ‬ ‫القصد‬ ‫على هذا‬
‫يدل ٰ‬ ‫ُّ‬

‫(المؤَ ِّلف)‪.‬‬
‫((( رواه النَّسائي ُ‬
‫قلت‪ :‬رواه مسلم (‪ )746‬في حديث طويل لعائشة ‪. ‬‬
‫‪100‬‬

‫وسى َح ًّيا‬ ‫اب ‪ ‬صحيف ًة من الت ِ‬


‫َّوراة‪ .‬وقو ُله‪« :‬إ َّن ُه واهلل َل ْو ك َ‬ ‫الخ َّط ِ‬
‫َان ُم َ‬
‫بين َأ ْظ ُه ِركُم‪َ ،‬ما َح َّل ل ُه إلَّ َأ ْن ي َّتبِ َعني»(‪.)1‬‬
‫َ‬
‫َّبع ا َّلذي‬ ‫هناك قصدٌ من رسول اهلل ﷺ َأ ْن ُ‬
‫يقص َر الن َ‬ ‫َ‬ ‫وإذن فقدْ َ‬
‫كان‬ ‫ْ‬
‫ذلك الجيل ‪ ..‬في ِ‬
‫فترة الت ِ‬
‫على كتاب اهلل‬ ‫ولى ‪ٰ ..‬‬‫َّكون األُ ٰ‬
‫ُّ‬ ‫يستقي من ُه َ‬
‫ْ‬
‫على منهجه وحدَ ه‪.‬‬‫ويستقيم عو ُدهم ٰ‬
‫َ‬ ‫نفوسهم له وحدَ ه‪،‬‬
‫لتخلص ُ‬ ‫َ‬ ‫وحدَ ه‪،‬‬
‫ِ‬
‫يستقي من نب ٍع َ‬
‫آخر(‪.)2‬‬ ‫ْ‬ ‫ب َأ ْن ر َأ ٰى َ‬
‫عمر ب َن الخ َّطاب ‪‬‬ ‫ومن َث َّم َغض َ‬
‫ِ‬
‫العقل‪،‬‬ ‫ِ‬
‫خالص‬ ‫ِ‬
‫القلب‪،‬‬ ‫ِ‬
‫خالص‬ ‫رسول اهلل ﷺ يريدُ ُصن َْع ٍ‬
‫جيل‬ ‫ُ‬ ‫َ‬
‫كان‬
‫َّكوين‪ ،‬م ْن َأ ِّي مؤ ِّث ٍر َ‬
‫آخر‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫خالص الت‬ ‫الش ِ‬
‫عور‪،‬‬ ‫ِ‬
‫خالص ُّ‬ ‫َّصو ِر‪،‬‬ ‫ِ‬
‫خالص الت ُّ‬
‫الكريم‪.‬‬
‫ُ‬ ‫ُ‬
‫القرآن‬ ‫يتضمنُه‬
‫َّ‬ ‫اإللهي‪ ،‬ا َّلذي‬
‫ِّ‬ ‫ِ‬
‫غير المنهج‬
‫َ‬
‫فكان ل ُه في الت ِ‬
‫َّاريخ‬ ‫استقى ْ‬
‫إذن من َ‬
‫ذلك النَّب ِع وحدَ ه‪.‬‬ ‫ٰ‬ ‫ُ‬
‫الجيل‬ ‫ذلك‬
‫الش ْأ ُن الفريدُ ‪..‬‬
‫ذلك َّ‬

‫الينابيع! ُص َّب ْت في النَّب ِع ا َّلذي‬ ‫ِ‬


‫اختلطت‬ ‫َ‬
‫حدث‪،‬‬ ‫ثم ما ا َّلذي‬
‫ُ‬ ‫َّ‬
‫ساطير ال ُف ِ‬
‫رس‬ ‫ُ‬ ‫ِ‬
‫اإلغريق ومنط َقهم‪ ،‬و َأ‬ ‫استقت من ُه األَ ُ‬
‫جيال التَّالي ُة فلسف َة‬ ‫ْ‬
‫وغير ذلك من‬ ‫َّصارى‪،‬‬ ‫والهوت الن‬
‫ُ‬ ‫ِ‬
‫اليهود‬ ‫ات‬ ‫وتصوراتهم‪ ،‬وإسرائيل َّي ُ‬
‫ُ‬ ‫ٰ‬ ‫ُّ‬

‫(المؤَ ِّلف)‪.‬‬ ‫((( رواه الحافظ َأبو ٰ‬


‫يعلى [ج‪/4‬ص‪ ]102‬عن حماد عن الشعبي عن جابر‪ُ .‬‬
‫قلت ‪ :‬ورواه اإلمام َأحمد في «المسند» (‪ )14631‬من حديث جابر بن عبد اهلل ‪.‬‬ ‫ ‬
‫((( تنبيه‪ :‬ال يعني كالم س ِّيد ُق ُطب ‪َ ‬أ َّن عمر بن الخطاب ‪ ‬كان يستقي من نبع التَّوراة‬
‫على ما في التَّورة فقط؛ ألَنَّه كان ُي ِجيدُ قراءة ال ُّلغة‬
‫َألبتَّة‪ ..‬بل كان ذلك من باب االطالع ٰ‬
‫العبر َّية‪..‬وكان كثير الجدال مع اليهود في المدينة‪ ..‬ومع هذا ك َِر َه له النَّبي ﷺ ذلك!‬
‫‪101‬‬

‫القرآن الكريم‪،‬‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬


‫بتفسير‬ ‫واختلط هذا ك ُّله‬
‫َ‬ ‫ِ‬
‫قافات‪.‬‬ ‫ِ‬
‫الحضارات وال َّث‬ ‫ِ‬
‫رواسب‬
‫على ذلك النَّب ِع‬ ‫ِ‬
‫بالفقه واألُصول َأ ً‬ ‫وعل ِم الكال ِم‪ ،‬كما اختلط‬
‫وتخر َج ٰ‬
‫َّ‬ ‫يضا‪.‬‬
‫الجيل َأبدً ا‪.‬‬
‫ُ‬ ‫يتكر ْر ذلك‬ ‫ِ‬ ‫جيال بعد َ‬ ‫الم ُشوب سائر األَ ِ‬
‫الجيل‪ ،‬فلم َّ‬ ‫ذلك‬ ‫ُ‬ ‫َ‬
‫عامل َأساس ًّيا من عوامل‬
‫كان ً‬‫اختالط النَّب ِع األَ َّول َ‬
‫َ‬ ‫شك َأ َّن‬
‫وما م ْن ٍّ‬
‫ِ‬
‫الفريد‪.‬‬ ‫ذلك االختالف الب ِّين بين األَجيال ك ِّلها وذلك الجيل المم َّي ِز‬
‫۞۞۞‬

‫منهج َّ‬
‫التلقي عند اجليل الفريد‪:‬‬
‫ِ‬
‫اختالف طبيعة النَّبع‪ ،‬ذلك هو‬ ‫غري‬ ‫عامل َأ‬
‫ٌ‬
‫آخر ُ‬ ‫سايس ُ‬
‫ٌّ‬ ‫هناك‬
‫كان ِ‬ ‫عم َ‬
‫عليه يف ذلك اجليل الفريد‪..‬‬ ‫اختالف منهج التَّل ِّق ْي َّ‬
‫ُ‬
‫بقصد ال َّث ِ‬
‫قافة‬ ‫ِ‬ ‫َ‬
‫القرآن‬ ‫َ‬
‫يقرؤون‬ ‫الجيل األَ َّول ـ لم يكونُوا‬
‫ِ‬ ‫إِ َّنهم ـ في‬
‫َ‬ ‫َّذو ِق والمتاع‪ .‬لم يك ْن َأحدُ هم يتل َّقى‬ ‫ِ‬
‫القرآن‬ ‫واال ِّطالعِ‪ ،‬وال بقصد الت ُّ‬
‫إلى حصيلتِ ِه من‬
‫ليضيف ٰ‬
‫َ‬ ‫قافة لمجر ِد ال َّث ِ‬
‫قافة‪ ،‬وال‬ ‫َّ‬
‫زاد ال َّث ِ‬
‫ليستكثر به من ِ‬
‫َ‬
‫محصول يم ُ‬
‫أل به َجعب َت ُه‪.‬‬ ‫ً‬ ‫القضايا العلم َّي ِة والفقه َّي ِة‬

‫وشأن الجماعة‬‫شأنِه‪ْ ،‬‬ ‫خاص ِة ْ‬ ‫ليتلقى َأ َ‬


‫مر اهلل في َّ‬ ‫ٰ‬ ‫القرآن‬
‫َ‬ ‫كان يتل َّقى‬
‫إنَّما َ‬
‫ِ‬ ‫يعيش فيها‪ْ ،‬‬
‫ذلك األَ َ‬
‫مر‬ ‫الحياة ا َّلتي يحياها هو وجماعتُه‪ ،‬يتل َّق ٰى َ‬ ‫وشأن‬ ‫ا َّلتي ُ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫َ ِ‬
‫اليومي»‬
‫َّ‬ ‫الميدان «األَ َ‬
‫مر‬ ‫الجندي في‬
‫ُّ‬ ‫سماعه‪ ،‬كما يتل َّقى‬ ‫فور‬
‫ليعمل به َ‬
‫فور تل ِّقيه!‬ ‫َ‬
‫ليعمل به َ‬
‫‪102‬‬
‫ِ‬
‫الواحدة؛ ألَنَّه كان ُي ُّس‬ ‫ِ‬
‫اجللسة‬ ‫ليستكثر من ُه يف‬ ‫وم ْن َث َّم مل يك ْن َأحدُ هم‬
‫َ‬
‫عاتق ِه‪ ،‬فكان يكتفي ْ ِ‬
‫بعش‬ ‫وتكاليف جيع ُلها عىل ِ‬
‫ٰ‬ ‫َ‬ ‫ٍ‬
‫واجبات‬ ‫يستكثر من‬‫ُ‬ ‫َأنَّه إنَّام‬
‫مسعود ‪.)1(‬‬‫ٍ‬ ‫ويعمل هبا‪ ،‬كام جا َء يف حديث ابن‬ ‫َ‬ ‫آيات حت َّٰى حيف َظها‬ ‫ٍ‬

‫ِ‬
‫القرآن آفا ًقا‬ ‫ِ‬
‫يفتح هلم من‬ ‫شعور التَّل ِّقي للتنفيذ ‪..‬كان ُ‬ ‫ُ‬ ‫عور ‪..‬‬
‫الش ُ‬ ‫هذا ُّ‬
‫املعرفة‪ ،‬مل تكن لِ ُت ْفتَح عليهم لو َأنم قصدُ وا ِ‬
‫إليه‬ ‫ِ‬ ‫من املتاعِ‪ ،‬وآفا ًقا من‬
‫َّ‬ ‫َ‬
‫َ‬
‫العمل‪ ،‬وخي ِّف ُ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ف‬ ‫س هلم‬ ‫بشعور البحث والدِّ راسة واال ِّطالعِ‪ ،‬وكان ُي َي ِّ ُ‬
‫نفوسهم ويف‬ ‫ِ‬ ‫وحيو ُله يف‬ ‫ِ‬ ‫َ‬ ‫َّكاليف‪ ،‬وخي ِْلط‬‫ِ‬ ‫عنهم ثِ َق َل الت‬
‫بذواتم‪ِّ ،‬‬ ‫القرآن‬
‫داخل األَ ِ‬
‫ذهان‪،‬‬ ‫َ‬ ‫تبقى‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫ِ‬
‫متحركة ال ٰ‬ ‫ِّ‬ ‫ثقافة‬ ‫واقعي‪ ،‬وإ ٰىل‬ ‫ٍّ‬ ‫منهج‬ ‫حياتم إ ٰىل‬
‫خط ِ‬ ‫ِ‬
‫سري احلياة‪.‬‬ ‫حتو ُل َّ‬ ‫آثارا و َأحدا ًثا ِّ‬ ‫تتحو ُل ً‬ ‫الصحائف‪ ،‬إنَّام َّ‬ ‫وال يف بطون َّ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫لمن ُي ْقبِ ُل عليه بهذه ُّ‬
‫الروحِ ‪ :‬روحِ‬ ‫يمنح كنو َز ُه َّإل ْ‬‫القرآن ال ُ‬
‫َ‬ ‫إن هذا‬‫َّ‬
‫كتاب‬
‫عقلي‪ ،‬وال َ‬‫ٍّ‬ ‫كتاب متا ٍع‬
‫ليكون َ‬ ‫َ‬ ‫ج ْئ‬‫للعمل؛ إ َّن ُه لم َي ِ‬
‫ِ‬ ‫المن ِْشئ َِة‬ ‫ِ‬
‫المعرفة ُ‬
‫كان هذا ك َّل ُه من محتوياتِ ِه ـ‬ ‫قص ٍة وتاريخٍ ـ ْ‬
‫وإن َ‬ ‫كتاب َّ‬ ‫َ‬ ‫وفن‪ ،‬وال‬
‫دب ٍّ‬ ‫َأ ٍ‬
‫هلل ـ ُسبحانَه ـ‬ ‫ليكون منهاج ٍ‬
‫وكان ا ُ‬
‫َ‬ ‫خالصا‪.‬‬
‫ً‬ ‫منهاجا إله ًّيا‬
‫ً‬ ‫حياة‪،‬‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫جاء‬
‫إنَّما َ‬
‫بعضا‪:‬‬
‫بعضه ً‬ ‫خذهم بهذا المنهج ُم َف َّر ًقا‪ُ ،‬‬
‫يتلو ُ‬ ‫ْيأ ُ‬

‫﴿ﭜﭝﭞﭟﭠﭡﭢﭣﭤ﴾ [اإلسراء‪.]106 :‬‬


‫الحاجات المتجدِّ ِ‬
‫دة‪،‬‬ ‫ِ‬ ‫القرآن جمل ًة‪ ،‬إنَّما َ‬
‫نزل ُو ْف َق‬ ‫ُ‬ ‫لم ْ‬
‫ينزل هذا‬
‫((( ذكره اب ُن كثير في مقدِّ مة «التفسير» (المؤ ِّلف)‪.‬‬
‫صحيح‪ ،‬عن ابن مسعود قال ‪ « :‬كان‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬
‫ قلت ‪َ :‬أخرجه ابن جرير الطبري في تفسيره (‪ )81‬بإسناد‬
‫ف َمعان َي ُه َّن وال َع َ‬
‫مل به » ‪.‬‬ ‫عر َ‬ ‫الرج ُل ِمنّا إذا تع َّلم ع َْشر ٍ‬
‫آيات لم ُي ِ‬
‫جاوزْ ه َّن حتى َي ِ‬ ‫َ َ َ‬ ‫َّ ُ‬
‫‪103‬‬

‫الم َّط ِر ِد في‬‫ُّمو ُ‬ ‫َّصورات‪ ،‬والن ِّ‬


‫ِ‬
‫فكار والت ُّ‬ ‫ُّمو الم َّط ِر ِد في األَ ِ‬ ‫وو ْف َق الن ِّ‬
‫تواجهها الجماع ُة‬ ‫ُ‬ ‫المشكالت العمل َّي ِة ا َّلتي‬
‫ِ‬ ‫وو ْف َق‬ ‫ِ‬
‫المجتمع والحياة‪ُ ،‬‬
‫ِ‬
‫الحالة‬ ‫اآليات ُ‬
‫تنزل في‬ ‫ُ‬ ‫وكانت اآلي ُة َأو‬ ‫ِ‬ ‫المسلم ُة في حياتِها الواقع َّية‪،‬‬
‫ُصو ُر لهم‬ ‫ِ‬ ‫والحادثة المع َّي ِنة تُحدِّ ُ‬
‫ِ‬ ‫الخاص ِة‬
‫عما في نفوسهم‪ ،‬وت ِّ‬ ‫َّاس َّ‬ ‫ث الن َ‬ ‫َّ‬
‫وتصح ُح‬ ‫الموق ِ‬
‫ف‪،‬‬ ‫ِ‬ ‫العمل في‬ ‫ِ‬ ‫منهج‬ ‫لهم‬ ‫فيه من األَ ِ‬‫ما هم ِ‬
‫ِّ‬ ‫َ‬ ‫وترسم ْ‬ ‫ُ‬ ‫مر‪،‬‬ ‫ْ‬
‫ِ‬ ‫الش ِ‬ ‫لهم َأخطا َء ُ‬
‫ُعر ُف ُه‬‫والسلوك‪ ،‬وترب ُطهم في هذا ك ِّله باهلل ر ِّبهم‪ ،‬وت ِّ‬ ‫عور ُّ‬
‫ِ‬ ‫ٍ‬ ‫ِ‬ ‫لهم بصفاتِه المؤ ِّثرة في‬
‫المأل‬ ‫َ‬
‫يعيشون مع‬ ‫ون حينئذ َأن ْ‬
‫َّهم‬ ‫فيحس َ‬ ‫ُّ‬ ‫الكون‪،‬‬
‫رحاب القدرة‪ .‬ومن َث َّم يتك َّي َ‬
‫فون في واقع‬ ‫ِ‬ ‫تحت ِ‬
‫عين اهلل‪ ،‬في‬ ‫على‪َ ،‬‬ ‫األَ ٰ‬
‫اإللهي القويم‪.‬‬
‫ِّ‬ ‫ذلك المنهج‬ ‫حياتِهم‪ ،‬و ْف َق َ‬

‫اجليل األَ َّو َل‪،‬‬


‫َ‬ ‫ِ‬ ‫منهج التَّل ِّقي للت ِ‬
‫ومنهج‬
‫َ‬ ‫والعمل هو ا َّلذي َ‬
‫صنع‬ ‫َّنفيذ‬ ‫ْ‬
‫جيال ا َّلتي ِ‬
‫خر َج األَ َ‬ ‫ِ‬
‫تليه(‪.)1‬‬ ‫ذي َّ‬ ‫التَّل ِّقي للدِّ راسة واملتا ِع هو ا َّل ْ‬
‫َ‬
‫كذلك يف‬ ‫ال َأساس ًّيا‬ ‫العامل الثاين َ‬
‫كان عام ً‬ ‫َ‬ ‫شك َأ َّن هذا‬
‫وما من ٍّ‬
‫ِ‬
‫الفريد‪.‬‬ ‫اختالف األَجيال ك ِّلها عن َ‬
‫ذلك اجليل املم َّيز‬
‫۞۞۞‬

‫الش َّ‬
‫عورية عن اجملتمع اجلاهلي‪:‬‬ ‫ُ‬
‫العزلة ُّ‬

‫ِ‬
‫باالنتباه والتَّسجيل‪.‬‬ ‫جدير‬ ‫ثالث‬ ‫هناك ٌ‬
‫عامل ٌ‬
‫ٌ‬

‫والم ْصلحي َن َأن يتنبهوا لها‪ ..‬ويولوها اهتما َمهم َأثنا َء‬‫ري بالدُّ عاة ُ‬
‫((( هذه فكر ٌة مهمة! َح ٌّ‬
‫تدريسهم للقرآن‪ ،‬وذلك بربطِه بالس ِ‬
‫يرة النبو َّية‪ ..‬وبواقع الحياة التي نعيشها‪.‬‬ ‫ِّ‬
‫‪104‬‬
‫ِ‬
‫ماضيه‬ ‫عىل عتبتِه َّ‬
‫كل‬ ‫ُ‬ ‫الر ُ‬ ‫لقد َ‬
‫خيلع ٰ‬
‫يدخل يف اإلسالم ُ‬ ‫حني‬
‫جل َ‬ ‫كان َّ‬
‫يشعر يف ال َّلحظة ا َّلتي جيي ُء فيها إ ٰىل اإلسالم َأ َّن ُه يبد ُأ‬
‫ُ‬ ‫يف اجلاهل َّية‪َ ،‬‬
‫كان‬
‫عاشها يف اجلاهل َّية‪،‬‬ ‫االنفصال عن حياتِه ا َّلتي َ‬
‫ِ‬ ‫منفصل َّ‬
‫كل‬ ‫ً‬ ‫عهدً ا جديدً ا‪،‬‬
‫الش ِّ‬
‫اك احلذر‬ ‫ِ‬
‫املسرتيب َّ‬ ‫موقف‬
‫َ‬ ‫كل ما َع ِهدَ ُه يف جاهل َّيته‬ ‫يقف من ِّ‬ ‫وكان ُ‬
‫يصلح لإلسالم!‬ ‫كل هذا ِر ْج ٌس ال‬ ‫املتخوف‪ ،‬ا َّلذي ُ ِ‬
‫ي ُّس َأ َّن َّ‬
‫ُ‬ ‫ِّ‬
‫وهبذا اإلحساس كان يتل َّق ٰى َهدْ َي اإلسالم اجلديد‪ ،‬فإذا غلبتْه‬
‫تكاليف اإلسالم‬ ‫ِ‬ ‫ضعف عن‬ ‫مرةَ‪ ،‬وإذا‬
‫َ‬ ‫مرةً‪ ،‬وإذا اجتذبتْه عادات ُه َّ‬
‫نفسه َّ‬
‫ُ‬
‫نفس ِه َأ َّن ُه يف‬
‫قرارة ِ‬
‫ِ‬ ‫احلال باإلثم واخلطيئة‪ ،‬و َأ َ‬
‫درك يف‬ ‫ِ‬ ‫شعر يف‬
‫مرةً‪َ ..‬‬ ‫َّ‬
‫ٍ‬ ‫ٍ‬
‫عىل‬
‫يكون ٰ‬ ‫َ‬ ‫جديد َأ ْن‬ ‫ُ‬
‫حياول من‬ ‫وقع فيه‪ ،‬وعا َد‬‫َّطه ِر مما َ‬
‫حاجة إىل الت ُّ‬
‫القرآين‪.‬‬
‫ِّ‬ ‫و ْفق اهلَدْ ي‬

‫مايض املسل ِم يف جاهل َّي ِته‬


‫ْ‬ ‫هناك عزل ٌة شعور َّي ٌة كامل ٌة َ‬
‫بني‬ ‫َ‬ ‫كانت‬
‫اجلاهيل‬
‫ِّ‬ ‫تنشأ عنها عزل ٌة كامل ٌة يف ِصالتِه باملجتمع‬ ‫وحارضه يف إسالمه‪ُ ،‬‬ ‫ِ‬
‫انفصل هنائ ًّيا من بيئتِه اجلاهل َّية‬
‫َ‬ ‫من حولِه وروابطِه االجتامعية؛ فهو ِ‬
‫قد‬ ‫َّ‬
‫َّصل هنائ ًّيا ببيئتِه اإلسالم َّية‪.‬‬
‫وات َ‬
‫بعض املرشكني ويعطي يف عاملِ الت ِ‬
‫ِّجارة‬ ‫ِ‬ ‫من‬ ‫كان ْيأ ُ‬
‫ْ‬ ‫َ‬ ‫خذ ْ‬ ‫حت َّٰى ولو َ‬
‫آخر‪.‬‬‫يشء ُ‬ ‫اليومي ٌ‬
‫ُّ‬ ‫يشء‪ ،‬والت ُ‬
‫َّعامل‬ ‫الشعور َّي ُة ٌ‬ ‫اليومي؛ فالعزل ُة ُّ‬
‫ِّ‬ ‫والت ِ‬
‫َّعامل‬
‫ِ‬
‫وعاداتا‬ ‫وتصو ِرها‬
‫ُّ‬ ‫البيئة اجلاهل َّية‪ ،‬و ُع ْرفِها‬
‫هناك انخالع من ِ‬
‫ٌ‬ ‫وكان َ‬
‫ِ‬
‫َّوحيد‪،‬‬ ‫ِ‬
‫عقيدة الت‬ ‫الش ِك إ ٰىل‬ ‫ِ‬
‫عقيدة ِّ‬ ‫وروابِطها‪ُ ،‬‬
‫ينشأ عن االنخال ِع من‬
‫‪105‬‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫تصو ِر اإلسالم عن‬
‫والوجود‪.‬‬ ‫احلياة‬ ‫تصو ِر اجلاهل َّية إ ٰىل ُّ‬
‫ومن ُّ‬
‫ِ‬ ‫اجلديد‪ ،‬بقيادتِه‬
‫ِ‬ ‫ُ‬
‫اجلديدة‪،‬‬ ‫اإلسالمي‬
‫ِّ‬ ‫َّجم ِع‬ ‫وينشأ م َن االنضام ِم إىل الت ُّ‬
‫وكل تبع َّيتِه‪.‬‬‫وكل طاعتِه‪َّ ،‬‬ ‫والئه‪َّ ،‬‬ ‫كل ِ‬ ‫ِ‬
‫القيادة َّ‬ ‫ومنح هذا املجتمع وهذه‬ ‫ِ‬
‫الس ِري‬ ‫ِ‬ ‫الس ِري يف ال َّط ِ‬ ‫مفرق ال َّط ِ‬
‫وكان هذا ُ‬
‫ريق اجلديد‪َّ ،‬‬ ‫ريق‪ ،‬وكان َبدْ َء َّ‬
‫املجتمع‬ ‫يتواضع عليها‬ ‫ضغط للت ِ‬
‫َّقاليد ا َّلتي‬ ‫ٍ‬ ‫كل‬‫ف من ِّ‬ ‫ليق مع التخ ُّف ِ‬ ‫ال َّط ِ‬
‫ُ‬ ‫ُ‬
‫والقيم الس ِ‬
‫ائدة فيه‪.‬‬ ‫ِ ِ‬ ‫اجلاهيل‪ ،‬ومن ِّ‬
‫َّصورات َ َّ‬ ‫كل الت ُّ‬ ‫ُّ‬
‫وفتنة‪ ،‬ولكنَّه هو يف ِ‬ ‫ٍ‬
‫ذات‬ ‫ُ‬ ‫ذى‬ ‫املسلم من َأ ً‬ ‫ُ‬ ‫هناك َّإل ما يلقا ُه‬ ‫ومل يك ْن َ‬
‫لتقاليد املجتمع‬ ‫ِ‬ ‫اجلاهيل‪ ،‬وال‬ ‫َّصو ِر‬ ‫ِ‬ ‫نفس ِه قد عز َم‬ ‫ِ‬
‫ِّ‬ ‫وانتهى‪ ،‬ومل يعدْ لضغط الت ُّ‬ ‫ٰ‬
‫عليه من سبيل‪.‬‬ ‫اجلاهيل ِ‬
‫ِّ‬
‫عارصها اإلسال ُم َأو َأ ْظ َلم؛‬ ‫َ‬ ‫نحن اليو َم يف جاهل َّي ٍة كاجلاهل َّية ا َّلتي‬ ‫ُ‬
‫عاداتم وتقاليدُ هم‪،‬‬ ‫ُ‬ ‫َّاس وعقائدُ هم‪،‬‬ ‫رات الن ِ‬ ‫تصو ُ‬ ‫كل ما حو َلنا جاهل َّي ٌة‪ُّ ..‬‬ ‫ُّ‬
‫ِ‬
‫وآدابم‪ ،‬رشائ ُعهم وقوانينُهم‪.‬‬ ‫ُونم ُ‬ ‫َموار ُد ثقافتهم‪ُ ،‬فن ُ‬
‫ومراجع إسالم َّي ًة‪ ،‬وفلسف ًة‬
‫َ‬ ‫نحسب ُه ثقاف ًة إسالم َّي ًة‪،‬‬
‫كثريا ممَّا َ‬
‫إن ً‬ ‫حت َّٰى َّ‬
‫(‪)1‬‬
‫وتفكريا إسالم ًّيا‪ ..‬هو كذلك من صن ِع هذه اجلاهل َّية!!‬
‫ً‬ ‫إسالم َّي ًة‪،‬‬

‫تصو ُر‬ ‫َّضح‬ ‫ِ‬ ‫َ‬


‫ُّ‬ ‫تستقيم ق َي ُم اإلسالم في نفوسنا‪ ،‬وال يت ُ‬
‫ُ‬ ‫لذلك ال‬
‫ضخم من الن ِ‬
‫َّاس من ذلك‬ ‫ٌ‬ ‫ُ‬
‫ينشأ فينا ٌ‬
‫جيل‬ ‫اإلسالم في عقولِنا‪ ،‬وال‬
‫ال ِّط ِ‬
‫راز ا َّلذي َأنشأ ُه اإلسال ُم َأ َّو َل َّ‬
‫مرة‪.‬‬
‫ٍ‬ ‫اعتقادات ضا َّل ٍة‬
‫ٍ‬
‫مخرجة‬ ‫شكال صور الجاهل َّية ما بين‬ ‫((( تنبيه‪ :‬يقصد ‪َ ‬أ َّن واقعنا اليو َم َّ‬
‫تنوعت فيه َأ ُ‬
‫ٍ‬
‫وعادات ال ت َُم ُّت لديننا الحنيف بِ ِص َلة!‬ ‫ٍ‬
‫وسلوكيات‬ ‫منحرفة مفس ٍ‬
‫قة‪،‬‬ ‫ٍ‬ ‫ومفاهيم‬ ‫من الدِّ ين‪،‬‬
‫ُ ِّ‬ ‫َ‬
‫‪106‬‬
‫ِ‬
‫إذن ـ في منهج الحركة اإلسالم َّية ـ َأ ْن َّ‬
‫نتجر َد في فترة الحضانة‬ ‫فال ُبدَّ ْ‬
‫نعيش فيها ونستمدُّ منها‪.‬‬ ‫كل مؤ ِّث ِ‬
‫رات الجاهل َّية ا َّلتي ُ‬ ‫والتَّكوين‪ ،‬من ِّ‬

‫الخالص ا َّلذي استمدَّ من ُه َأ َ‬


‫ولئك‬ ‫ِ‬ ‫ابتداء إلى النَّب ِع‬
‫ً‬ ‫نرجع‬
‫َ‬ ‫ال ُبدَّ َأ ْن‬
‫تلط‪ ،‬ولم ت َُش ْب ُه شائب ٌة‪.‬‬ ‫ِ‬
‫المضمون َأنَّه لم َيخْ ْ‬ ‫جال‪ ،‬النِّب ِع‬‫الر ُ‬
‫ِّ‬
‫ِ‬
‫ولحقيقة‬ ‫ِ‬
‫الوجود ك ِّله‪،‬‬ ‫ِ‬
‫لحقيقة‬ ‫تصو َرنا‬ ‫إليه نستمدُّ منه‬ ‫نرجع ِ‬
‫ُّ‬ ‫ُ‬
‫ِ‬
‫الوجودين وبين‬ ‫ِ‬
‫هذين‬ ‫ِ‬
‫االرتباطات بين‬ ‫ِ‬
‫ولكافة‬ ‫اإلنساني‪،‬‬ ‫ِ‬
‫الوجود‬
‫ِّ‬
‫تصوراتِنا‬
‫ُّ‬ ‫وجود اهلل سبحانه‪ ..‬ومن َث َّم نستمدُّ‬ ‫ِ‬ ‫الحق‪،‬‬
‫الكامل ِّ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫الوجود‬
‫والسياسة‪ ،‬واالقتصاد‪،‬‬ ‫وق َي َمنا و َأخال َقنا‪،‬‬ ‫للحياة‪ِ ،‬‬ ‫ِ‬
‫للحكم‪ِّ ،‬‬ ‫ومناهجنا ُ‬
‫َ‬
‫وكل مقو ِ‬
‫مات الحياة‪.‬‬ ‫ِّ ِّ‬
‫ِ‬
‫والعمل‪،‬‬ ‫عور التَّل ِّقي للت ِ‬
‫َّنفيذ‬ ‫بش ِ‬ ‫نرجع ـ ُّ‬ ‫وال بدَّ َأ ْن نرجع ِ‬
‫إليه ـ حين‬
‫ْ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬
‫راسة والمتاع‪.‬‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫بشعور الدِّ‬ ‫ال‬
‫َ‬
‫لنكون‪.‬‬ ‫َ‬
‫نكون‪،‬‬ ‫يطلب منَّا َأ ْن‬ ‫لنعرف ماذا‬
‫َ‬ ‫نرجع ِ‬
‫إليه‬
‫ُ‬ ‫ُ‬
‫ِ‬
‫صص‬ ‫ِ‬
‫القرآن‪ ،‬وبال َق‬ ‫الفني في‬ ‫بالج ِ‬
‫مال‬ ‫سنلتقي‬ ‫ريق‬‫وفي ال َّط ِ‬
‫ِّ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬
‫ِ‬
‫القرآن‪..‬‬ ‫الوجداني في‬ ‫ِ‬
‫وبالمنطق‬ ‫ِ‬
‫القرآن‪..‬‬ ‫ِ‬
‫القيامة في‬ ‫ِ‬
‫وبمشاهد‬ ‫الرائعِ‪،‬‬
‫ِّ‬ ‫َّ‬
‫صحاب الدِّ راسة والمتاعِ‪.‬‬
‫ُ‬ ‫ِ‬
‫وبسائر ما يطل ُبه َأ‬

‫يكون هو هد َفنا األَ َّول‪.‬‬


‫َ‬ ‫دون َأ ْن‬
‫سنلتقي بهذا ك ِّله َ‬
‫ْ‬ ‫ولكنَّنا‬

‫نعمل؟ ما هو‬ ‫َ‬ ‫القرآن َأ ْن‬


‫ُ‬ ‫نعرف‪ :‬ماذا يريدُ منَّا‬‫َ‬ ‫إن هد َفنا األَ َّو َل َأ ْن‬‫َّ‬
‫يكون‬
‫َ‬ ‫القرآن َأ ْن‬
‫ُ‬ ‫َ‬
‫كيف يريدُ‬ ‫نتصو َر؟‬
‫َّ‬ ‫ذي يريدُ منَّا َأ ْن‬ ‫َّصو ُر الك ِّل ُّي ا َّل ْ‬
‫الت ُّ‬
‫‪107‬‬

‫ونظامنا‬
‫ُ‬ ‫تكون َأخال ُقنا‪َ ،‬‬
‫وأوضا ُعنا‪،‬‬ ‫َ‬ ‫شعورنا باهلل؟ كيف يريدُ َأ ْن‬
‫ُ‬
‫الواقعي في الحياة؟‬
‫ُّ‬
‫اجلاهلي‪:‬‬
‫ّ‬ ‫االستعال ُء على اجملتمع‬

‫الجاهلي»‬
‫(‪)1‬‬ ‫ِ‬
‫ضغط «المجتمع‬ ‫ص من‬‫ثـم ال ُبـدَّ لـنـا مـن التخ ُّل ِ‬
‫ِّ‬ ‫َّ‬
‫ِ‬
‫والقيادة الجاهل َّية‪ ..‬في‬ ‫رات الجاهلية‪ ،‬والت ِ‬
‫َّقاليد الجاهل َّية‪،‬‬ ‫والتَّصو ِ‬
‫َّ‬ ‫ُّ‬
‫ِ‬ ‫خاص ِة‬
‫طلح مع واق ِع هذا المجتمع‬ ‫نص َ‬ ‫همتُنا َأ ْن ْ‬
‫ليست َم َّ‬
‫ْ‬ ‫نفوسنا‪..‬‬ ‫َّ‬
‫ِ‬
‫صفة‬ ‫فة ـ‬ ‫بهذه الص ِ‬‫ِ‬ ‫ِ‬
‫بالوالء له‪ ،‬فهو‬ ‫الجاهلي ‪ ،‬وال َأ ْن ندي َن‬
‫ِّ‬ ‫ِّ‬
‫نصطلح معه‪.‬‬ ‫َ‬ ‫قابل ألَ ْن‬ ‫غير ٍ‬
‫الجاهل َّية ـ ُ‬
‫إن مهمتَنا َأ ْن نغير من َأ ِ‬
‫المجتمع َأ ً‬
‫خيرا‪.‬‬ ‫َ‬ ‫نفسنا َأ َّو ًل‪ ،‬لنغ ِّي َر هذا‬ ‫ِّ َ‬ ‫َّ َ َّ‬
‫تغيري هذا‬
‫مهمتُنا هي ُ‬ ‫همتَنا األُو ٰىل هي ُ‬
‫تغيري واق ِع هذا املجتمع‪َّ ،‬‬ ‫َّ‬
‫إن َم َّ‬
‫اجلاهيل من َأساسه‪.‬‬
‫ِّ‬ ‫الواق ِع‬

‫اإلسالمي‪،‬‬
‫ِّ‬ ‫الواقع ا َّلذي يصطد ُم اصطدا ًما َأساس ًّيا باملنهج‬
‫ُ‬ ‫هذا‬
‫والض ِ‬
‫غط َأ ْن َ‬
‫نعيش كام يريدُ‬ ‫ِ‬
‫بالقهر َّ‬ ‫اإلسالمي‪ ،‬وا َّلذي حير ُمنا‬ ‫َّصو ِر‬
‫ِّ‬ ‫وبالت ُّ‬
‫اإلهلي َأ ْن َ‬
‫نعيش‪.‬‬ ‫ُّ‬ ‫املنهج‬
‫ُ‬ ‫لنا‬

‫المجتمع غير‬
‫َ‬ ‫((( تنبيه‪ :‬مصطلح «المجتمع الجاهلي» في عبارات س ِّيد ُق ُطب ‪ ‬يعني َأ َّن‬
‫ملتزم بقيم ومفاهيم دين اإلسالم في جميع مجاالت الحياة‪ ..‬وقد يكون ذلك المجتمع‬
‫كافرا كالمجتمعات الغربية‪َ ،‬أو يكون غير كافر لِ ُب ْع ِده عن مفاهيم الدِّ ين بارتكابه‬
‫ً‬
‫المعاصي‪ ..‬مثل مجتمعاتنا في العالم اإلسالمي؛ فليس كل شخص يعيش في المجتمع‬
‫على ِّ‬
‫كل‬ ‫حكم ٰ‬
‫ٌ‬ ‫فإن وصفه المجتمعات بالجاهلية ال يعني َأنه‬
‫كافرا‪ ..‬وعليه َّ‬
‫الجاهلي ُيعدُّ ً‬
‫َأفرادها بالكُفر كما يظن بعضهم!‬
‫‪108‬‬

‫اجلاهيل‬ ‫عىل هذا املجتمع‬ ‫اخلطوات إىل ِ‬


‫طريقنا هي َأ ْن‬ ‫ِ‬ ‫َّ ُ‬
‫ِّ‬ ‫نستعيل ٰ‬
‫َ‬ ‫ٰ‬ ‫وىل‬
‫إن أ ٰ‬
‫كثريا‬ ‫وتصوراتنِا ً َ‬ ‫وتصوراتِه‪َ ،‬‬
‫وأ َّل نعدِّ َل نحن يف ق َيمنا‬ ‫وق َي ِمه‬
‫ِ‬
‫قليل أو ً‬ ‫ُّ‬ ‫ُّ‬
‫ريق‪.‬‬ ‫ِ‬
‫منتصف ال َّط ِ‬ ‫لنلتقي مع ُه يف‬
‫َ‬
‫نساير ُه خطو ًة واحد ًة فإنَّنا‬ ‫ريق‪ ،‬وحني‬ ‫ِ‬
‫مفرق ال َّط ِ‬ ‫عىل‬
‫ُ‬ ‫كال! إنَّنا وإ َّياه ٰ‬
‫املنهج ك َّله ونفقدُ ال َّط َ‬
‫ريق!‬ ‫َ‬ ‫نفقدُ‬

‫تضحيات باهظ ٌة‪،‬‬ ‫ٌ‬ ‫ُفرض علينا‬


‫وست ُ‬ ‫وسنلقى في هذا َعنَتًا ومش َّق ًة‪َ ،‬‬
‫ٰ‬
‫الجيل األَ َّو ِل ا َّل ْ‬
‫ذي‬ ‫ِ‬ ‫طريق‬
‫َ‬ ‫ولكنَّنا لسنا مخ َّيرين إذا نح ُن شئنا َأ ْن نس ُل َك‬
‫على منهج الجاهل َّية(‪.)2‬‬
‫ونصره ٰ‬
‫َ‬ ‫اإللهي‪،‬‬
‫َّ‬
‫(‪)1‬‬
‫منهجه‬
‫َ‬ ‫َأ َّقر ا ُ‬
‫هلل به‬
‫ندرك دائم طبيع َة منهجنا‪ ،‬وطبيع َة ِ‬ ‫وإ َّن ُه مل َن ِ‬
‫اخلري َأ ْن‬
‫موقفنا‪ ،‬وطبيع َة‬ ‫َ ً‬
‫ذلك‬‫خرج َ‬ ‫ِ‬
‫اجلاهل ِّية‪ ،‬كام‬ ‫ِ‬
‫للخروج من‬ ‫ريق ا َّلذي ال ُبدَّ َأ ْن نسلكَه‬ ‫ال َّط ِ‬
‫َ‬
‫ُ‬
‫اجليل املم َّي ُز الفريدُ ‪..‬‬

‫((( في األصل المطبوع « منجه » خطأ !‬


‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ذي َو َق َفه س ِّيد ُق ُطب ‪ ‬في مواجهة جلَّده‪ ..‬وما‬ ‫اسخ ا َّل ْ‬‫الر ِ‬‫صادق للموقف َّ‬ ‫ٌ‬ ‫وصف‬
‫ٌ‬ ‫(( ( هذا‬
‫طواغيت‬
‫َ‬ ‫الواقع المتعامي بتلك الجاهل َّي َة‪ ،‬وما َأشبه‬ ‫َ‬ ‫َأشبه الليل َة بالبارحة‪ ،‬وما َأشبه هذا‬
‫ومحاربة َأهله؛ فما كان لس ِّيد ‪َّ ‬إل‬ ‫ِ‬ ‫الحق ومعاندته‬ ‫السابقين في مواجهة ِّ‬ ‫ِ‬
‫اليوم بساداتهم َّ‬
‫رب البر َّية‪ ،‬و َأن يقدِّ َم الثم َن‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫َأ ْن يواج َه هذا‬
‫المنحرف عن جادة الهداية وفطرة ِّ‬ ‫َ‬ ‫المرير‬
‫َ‬ ‫الواقع‬
‫َ‬
‫مما جعله‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫َ‬
‫على مبدئه وعقيدته ومنهجه بمواجهته البطول َّية لذلك الواقع‪َّ ،‬‬ ‫الباهظ لقاء ثباته ٰ‬
‫المصير المحتوم؛ ألَنَّها ُسنَّة اهلل‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ُ‬
‫تعالى في َأنبيائه ـ عليهم َّ‬
‫الصال ُة‬ ‫ٰ‬ ‫يتنبأ بتلك المواجهة وذلك‬
‫الصادقين‪.‬‬
‫والسال ُم ـ ودعاته َّ‬
‫َّ‬
‫(‪)1‬‬

‫عش َر عا ًما كامل ًة‪،‬‬


‫على رسول اهلل ﷺ ثالث َة َ‬
‫ينزل ٰ‬ ‫القرآن المك ُِّّي ُ‬ ‫ُ‬ ‫َّ‬
‫ظل‬
‫ٍ‬
‫واحدة‪.‬‬ ‫يحدِّ ُث ُه فيها عن قض َّي ٍة‬
‫ِ‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬
‫تتكر ُر‪َ ،‬‬
‫ذلك‬ ‫قض َّية واحدة ال تتغ َّي ُر‪ ،‬ولك َّن طريق َة عرضها ال تكا ُد َّ‬
‫رض جديدةً‪ ،‬حت َّٰى َ‬
‫لكأنَّما يطر ُقها‬ ‫كل َع ٍ‬ ‫القرآني َيدَ ُعها في ِّ‬
‫ُّ‬ ‫سلوب‬
‫ُ‬ ‫األُ‬
‫ِ‬
‫للمرة األُ ٰ‬
‫ولى‪.‬‬ ‫َّ‬
‫الكربى‪ ،‬والقض َّي َة‬ ‫وىل‪ ،‬والقض َّي َة‬ ‫ُ‬
‫ٰ‬ ‫يعالج القض َّي َة األ ٰ‬ ‫ُ‬ ‫كان‬
‫َ‬ ‫لقد‬
‫قاعدتا‬ ‫ِ‬ ‫اجلديد‪ ..‬قض َّي َة العقيدة‪ ..‬مم َّثل ًة يف‬ ‫ِ‬ ‫األَساس َّي َة‪ ،‬يف هذا الدِّ ين‬
‫ٍ‬
‫عالقة‪.‬‬ ‫الرئيس َّي ِة‪ ..‬األُلوه َّي ِة والعبود َّي ِة‪ ،‬وما بينَهام من‬

‫إنسان‪..‬‬ ‫ٌ‬ ‫اإلنسان بما َأنَّه‬


‫َ‬ ‫ِ‬
‫الحقيقة «اإلنسان»‪،‬‬ ‫يخاطب بهذه‬ ‫لقد َ‬
‫كان‬
‫ُ‬
‫ُ‬
‫واإلنسان‬ ‫الز ِ‬
‫مان‪،‬‬ ‫ذلك َّ‬ ‫العربي في َ‬ ‫ُ‬
‫اإلنسان‬ ‫المجال يستوي‬ ‫ِ‬ ‫وفي هذا‬
‫ُّ‬
‫إنسان‪ ،‬في‬ ‫ٍ‬ ‫العربي ُّ‬
‫وكل‬ ‫ُ‬
‫اإلنسان‬ ‫زمان‪ ،‬كما يستوي‬ ‫ٍ‬ ‫العربي في ِّ‬
‫كل‬
‫ُّ‬ ‫ُّ‬
‫ٍ‬
‫زمان!‬ ‫كل‬ ‫مان‪ ،‬وفي ِّ‬ ‫الز ِ‬
‫ذلك َّ‬

‫َخرج من كتاب‪« :‬في ظالل القرآن» من التَّعريف بسورة َاألنعام في الجزء َّ‬
‫السابع من‬ ‫(( ( ُم ْست ٌ‬
‫(المؤَ ِّلف)‪.‬‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬
‫الطبعة ال َّثانية المن َّقحة مع إضافات قليلة‪ُ .‬‬
‫‪110‬‬
‫ِ‬
‫وجوده في هذا‬ ‫إنَّها قض َّي ُة «اإلنسان» ا َّلتي ال تتغ َّي ُر؛ ألَنَّها قض َّي ُة‬
‫مصير ِه‪.‬‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫الكون وقض َّي ُة‬
‫ِ‬
‫بخالق‬ ‫حياء‪..‬وقض َّي ُة عالقتِه‬ ‫وبهؤالء األَ ِ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫الكون‪،‬‬ ‫قض َّي ُة عالقتِه بهذا‬
‫وخالق هذه األَ ِ‬
‫حياء‪ ،‬وهي قض َّي ٌة ال تتغ َّي ُر؛ ألَنَّها قض َّي ُة‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫الكون‪،‬‬ ‫هذا‬
‫ِ‬
‫واإلنسان‪.‬‬ ‫ِ‬
‫الوجود‬

‫املكي يف بناِء العقيدة‪:‬‬


‫ِّ‬ ‫القرآن‬
‫ِ‬ ‫دوُر‬
‫ِ‬
‫ووجود‬ ‫ِ‬
‫وجوده‪،‬‬ ‫رس‬ ‫ِ‬
‫يفس لإلنسان َّ‬ ‫املكي ِّ ُ‬‫ُّ‬ ‫القرآن‬
‫ُ‬ ‫كان هذا‬ ‫لقد َ‬
‫جاء؟ وملاذا‬‫ين َ‬ ‫ومن َأ َ‬‫هو؟ ْ‬ ‫يقول ل ُه‪ :‬من َ‬ ‫كان ُ‬ ‫الكون من حولِ ِه‪َ ..‬‬ ‫ِ‬ ‫هذا‬
‫جاء ِبه من العد ِم‬ ‫ذي َ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫يذهب يف هناية املطاف؟ َم ْن ذا ا َّل ْ‬ ‫ُ‬ ‫ين‬‫وإىل َأ َ‬
‫جاء؟ ٰ‬
‫َ‬
‫مصري ُه َ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫هناك؟ وكان ُ‬
‫يقول ل ُه‪:‬‬ ‫ُ‬ ‫يذهب به؟ وما‬ ‫ُ‬ ‫ومن ذا ا َّل ْ‬
‫ذي‬ ‫واملجهول؟ َ‬
‫حيس َأ َّن ورا َء ُه غي ًبا َي ْس ِ‬ ‫ِ‬
‫ترش ُف ُه‬ ‫ذي ُّ‬‫ذي ُي ُّس ُه ويرا ُه‪ ،‬وا َّل ْ‬‫ما هذا الوجو ُد ا َّل ْ‬
‫نشأ هذا الوجو َد امليل َء باألَ ِ‬
‫رسار؟ َم ْن ذا ُيدَ ِّبر ُه؟ و َم ْن ذا‬ ‫وال يرا ُه؟ َم ْن َأ َ‬
‫ذي يرا ُه؟ ‪ ..‬وكان ُ‬ ‫ُيوره؟ ومن ذا ُيدِّ د ِ‬
‫فيه‪ ،‬و ُي َغ ِّي عىل الن ِ‬
‫يقول‬ ‫َّحو ا َّل ْ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫َ ِّ ُ ُ َ ْ‬
‫يضا‪ ،‬كام‬ ‫ِ‬
‫الكون َأ ً‬ ‫ومع‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬
‫خالق هذا الكون‪َ ،‬‬ ‫مع‬
‫يتعامل َ‬ ‫كيف‬
‫كذلك‪َ :‬‬ ‫ل ُه‬
‫ِ‬
‫العباد؟‬ ‫مع‬ ‫ُ‬
‫يتعامل العبا ُد َ‬ ‫كيف‬
‫يبي ل ُه‪َ :‬‬ ‫ِّ ُ‬
‫ِ‬
‫وكانت هذه هي القض َّي َة الكبرى ا َّل ْ‬
‫تي يقو ُم عليها وجو ُد «اإلنسان»‪.‬‬ ‫ْ‬

‫على‬
‫ٰ‬ ‫وستظل هي القض َّي َة الكبرى ا َّلتي يقو ُم عليها وجو ُده‬
‫ُّ‬
‫توالي األَ ِ‬
‫زمان‪.‬‬
‫‪111‬‬

‫هذه القض َّي ِة‬


‫ِ‬ ‫ِ‬
‫تقرير‬ ‫عش عا ًما كامل ًة يف‬
‫انقض ْت ثالث َة َ َ‬
‫وهكذا َ‬
‫ِ‬
‫اإلنسان؛ َّإل ما يقو ُم‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫حياة‬ ‫الكربى‪ ،‬القض َّية ا َّلتي َ‬
‫ليس ورا َءها يش ٌء يف‬ ‫ٰ‬
‫ِ‬
‫َّفريعات‪.‬‬ ‫ِ‬
‫املقتضيات والت‬ ‫عليها ِم َن‬
‫ٍ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫شيء مما‬ ‫المكي هذه القض َّي َة األَساس َّي َة ٰ‬
‫إلى‬ ‫ُّ‬ ‫ُ‬
‫القرآن‬ ‫يتجاوز‬ ‫ولم‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫هلل‬
‫علم ا ُ‬ ‫يقو ُم عليها من التَّفريعات المتع ِّلقة بنظا ِم الحياة‪َّ ،‬إل بعدَ َأ ْن َ‬
‫استقرارا َمك ْينًا‬ ‫استقر ْت‬ ‫ِ‬
‫البيان‪ ،‬و َأنَّها‬ ‫َأنَّها قد استو َف ْت ما تستح ُّق ُه من‬
‫ً‬ ‫َّ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫قلوب الع ِ‬
‫اإلنسان‪ ،‬ا َّلتي قدَّ َر اهللُ َأ ْن‬ ‫المختارة من بني‬ ‫صبة‬ ‫ِ ُ‬ ‫ثابتًا في‬
‫ذي‬‫الواقعي ا َّل ْ‬
‫ِّ‬ ‫يقو َم هذا الدِّ ي ُن عليها‪ ،‬و َأ ْن تتو َّل ٰى هي إنشا َء النِّظام‬
‫يتم َّث ُل فيه هذا الدِّ ي ُن‪.‬‬
‫۞۞۞‬
‫ِ‬
‫إقامة النِّظام ا َّلذي يتم َّث ُل‬ ‫وإلى‬ ‫اهلل‪،‬‬ ‫إلى ِ‬
‫دين‬ ‫وأصحاب الدَّ ِ‬
‫عوة‬ ‫َ‬
‫ٰ‬ ‫ِ‬ ‫ٰ‬ ‫ُ‬
‫طويل َأمام ِ‬
‫هذه‬ ‫ً‬ ‫ين في واقع الحياة‪ ،‬خلِ ْي َ‬
‫قون َأ ْن يق ُفوا‬
‫َ‬ ‫فيه هذا الدِّ ُ‬
‫عش َر‬ ‫َ‬
‫خالل ثالث َة َ‬ ‫المكي‬ ‫ِ‬
‫القرآن‬ ‫ِ‬
‫ظاهرة تصدِّ ي‬ ‫ِ‬
‫الكبيرة‪،‬‬ ‫ال َّظ ِ‬
‫اهرة‬
‫ِّ‬
‫ٍ‬
‫شيء‬ ‫إلى‬ ‫ِِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ثم وقوفه عندَ ها ال يتجاو ُزها ٰ‬ ‫لتقرير هذه العقيدة‪َّ ،‬‬ ‫عاما‬
‫ً‬
‫ِ‬
‫ذي يقو ُم عليها‪ ،‬والتَّشريعات ا َّلتي‬ ‫ِ‬
‫تحكم‬
‫ُ‬ ‫من تفصيالت النِّظام ا َّل ْ‬
‫المسلم ا َّلذي يعتن ُقها‪.‬‬
‫َ‬ ‫المجتمع‬
‫َ‬

‫العقيدة َأوًَّل‪:‬‬
‫ُ‬

‫تكون قض َّي ُة العقيدة هي القض َّي َة ا َّل ْ‬


‫تي‬ ‫َ‬ ‫شاءت حكم ُة اهلل َأ ْن‬
‫ْ‬ ‫لقد‬
‫‪112‬‬

‫رسول اهلل ﷺ‬ ‫ُ‬ ‫منذ اليو ِم األَو ِل للر ِ‬


‫سالة‪ ،‬و َأ ْن يبد َأ‬ ‫تتصدَّ ٰى لها الدَّ عو ُة ُ‬
‫ِّ‬ ‫َّ‬
‫هلل‪ ،‬و َأ ْن‬ ‫ِ‬ ‫ُأولى خطواتِ ِه في الدِّ ِ‬
‫َّاس َأ ْن يشهدُ وا‪َ :‬أ ْن ال إل َه َّإل ا ُ‬
‫بدعوة الن ِ‬ ‫عوة‬ ‫ٰ‬
‫دون سوا ُه‪.‬‬ ‫الحق‪ ،‬و ُيع ِّبدَ هم ل ُه َ‬ ‫َّاس بربهم ِّ‬ ‫ِِ‬
‫ف الن َ‬ ‫عر ُ‬‫يمضي في دعوته ُي ِّ‬
‫َ‬
‫البشري‬ ‫ِ‬
‫العقل‬ ‫ِ‬
‫نظرة‬ ‫مر وفي‬ ‫ظاهر األَ ِ‬
‫ِ‬ ‫هـذه ـ فـي‬‫ِ‬ ‫ولـم تـكـ ْن‬
‫ِّ‬
‫َ‬
‫يعرفون‬ ‫العرب! فلقدْ كانُوا‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫قلوب‬ ‫إلى‬
‫بل ٰ‬ ‫الس ِ‬‫يسر ُّ‬ ‫ِ‬
‫المحجوب ـ هي َأ َ‬
‫من لغتِهم معنى‪ٍ :‬‬
‫ومعنى‪« :‬ال إل َه َّإل ا ُ‬
‫هلل»‪.‬‬ ‫ٰ‬ ‫«إله»‬ ‫ٰ‬
‫َ‬
‫يعرفون‬ ‫يعرفون َأ َّن األُلوه َّي َة تعني‪ :‬الحاكم َّي َة ال ُعليا‪ ..‬وكانُوا‬
‫َ‬ ‫كانُوا‬
‫َأ َّن توحيدَ األُلوهي ِة وإفراد اهلل ـ سبحانَه ـ بها‪ ،‬معناه‪ :‬نزع الس ِ‬
‫لطان‬ ‫ُ ُّ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َّ‬
‫القبائل‪ ،‬واألُمرا ُء‪ ،‬والحكَّا ُم‪ ،‬ور ُّد ُه‬
‫ِ‬ ‫ذي يزاو ُل ُه الك َُّهان‪ ،‬ومشيخ ُة‬ ‫ا َّل ْ‬
‫الش ِ‬
‫عائر‪،‬‬ ‫والس ُ‬
‫لطان على َّ‬ ‫ُّ‬ ‫الض ِ‬
‫مائر‪،‬‬ ‫ُ‬
‫لـطـان على َّ‬ ‫ك ُّله إلى اهلل‪ُّ ..‬‬
‫الس‬
‫والس ُ‬
‫لطان في‬ ‫ِ‬ ‫والس ُ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫والس ُ‬
‫لطان في المال‪ُّ ،‬‬ ‫على واقع َّيات الحياة‪ُّ ،‬‬
‫لطان ٰ‬ ‫ُّ‬
‫رواح واألَ ِ‬
‫بدان‪..‬‬ ‫لطان في األَ ِ‬
‫والس ُ‬ ‫ِ‬
‫القضاء‪ُّ ،‬‬
‫ِ‬
‫السلطان األَ ِّ‬
‫رضي ا َّلذي‬ ‫يعلمون َأ َّن «ال إله َّإل اهلل» ثور ٌة ٰ‬
‫على ُّ‬ ‫َ‬ ‫كانوا‬
‫ِ‬
‫تي تقو ُم‬ ‫خصائص األُلوه َّية‪ ،‬وثور ٌة على األَوضا ِع ا َّل ْ‬
‫ِ‬ ‫يغتصب ُأ ٰ‬
‫ولى‬ ‫ُ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ٍ‬
‫تحكم‬
‫ُ‬ ‫السلطات ا َّل ْ‬
‫تي‬ ‫وخروج على ُّ‬
‫ٌ‬ ‫االغتصاب‪،‬‬ ‫قاعدة من هذا‬ ‫على‬
‫ٰ‬
‫هلل‪..‬‬ ‫عندها لم ْيأ ْ‬‫بشريعة من ِ‬
‫ٍ‬
‫ذن بها ا ُ‬
‫َ‬
‫ويعرفون‬ ‫َ‬
‫يعرفون لغتَهم ج ِّيدً ا‬ ‫ِ‬
‫العرب ـ وهم‬ ‫يغيب ِ‬
‫عن‬ ‫ُ‬ ‫ولم يك ْن‬
‫هذه الدَّ عو ُة بالن ِ‬
‫ِّسبة‬ ‫لدعوة «ال إله َّإل اهلل» ـ ماذا تعني ِ‬
‫ِ‬ ‫الحقيقي‬ ‫َ‬
‫المدلول‬
‫ْ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َّ‬
‫‪113‬‬
‫ومن َثم استقبلوا ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫هذه الدَّ عو َة ـ َأو‬ ‫ألَوضاعهم ورياساتهم وسلطانهم‪َّ ْ ،‬‬
‫العنيف‪ ،‬وحاربوها ِ‬ ‫ِ‬
‫الحرب ا َّل ْ‬
‫تي‬ ‫َ‬ ‫هذه‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫االستقبال‬ ‫هذه ال َّثور َة ـ ذلك‬
‫هذه الدَّ ِ‬
‫عوة؟‬ ‫ِ‬
‫البدء في ِ‬ ‫يعر ُفها الخاص والعام‪َ .‬ف ِلم كانت ِ‬
‫هذه نقط َة‬ ‫َ‬ ‫ُّ‬ ‫ُّ‬
‫ِ‬
‫العناء؟‬ ‫اقتضت حكم ُة اهلل َأ ْن تبد َأ ِّ‬
‫بكل هذا‬ ‫ولِ َم‬
‫ْ‬
‫۞۞۞‬

‫َّل‪:‬‬ ‫اجلاهلي َ‬
‫األو ِ‬ ‫ِّ‬ ‫ُ‬
‫حال اجملتمع‬

‫ِ‬
‫العرب و َأغناها‬ ‫رسول اهلل ﷺ بهذا الدِّ ين‪ ،‬و َأخصب ِ‬
‫بالد‬ ‫ُ‬ ‫لقد ُب َ‬
‫عث‬
‫ُ‬
‫يدي ِ‬
‫غيرهم من األَ‬ ‫ِ‬ ‫ليست في ِ‬
‫ِ‬
‫جناس!‬ ‫العرب‪ ،‬إنَّما هي في َأ ْ‬ ‫يد‬ ‫ْ‬

‫يحكمها ُأمرا ُء‬ ‫الشا ِم ك ُّلها في َّ ِ‬


‫عرب‬‫ٌ‬ ‫ُ‬ ‫الشمال خاضع ٌة ُّ‬
‫للرو ِم‪،‬‬ ‫بال ُد َّ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫للفرس‪،‬‬ ‫الجنوب خاضع ٌة‬ ‫اليمن ك ُّلها في‬ ‫الرو ِم‪ ،‬وبال ُد‬ ‫من ق َب ِل ُّ‬
‫ِ‬
‫العرب َّإل‬ ‫وليست في َأيدي‬
‫ْ‬ ‫عرب من ِق َب ِل ال ُف ِ‬
‫رس‪،‬‬ ‫ٌ‬ ‫يحكمها ُأمرا ُء‬‫ُ‬
‫ِ‬
‫القاحلة ا َّلتي‬ ‫ُ ِ‬
‫تتناثر‬
‫ُ‬ ‫الصحارى‬ ‫الحجاز وتهام ُة ونجدٌ ‪ ،‬وما إليها من َّ‬
‫الواحات الخصب ُة هنا وهناك‪.‬‬
‫ُ‬ ‫فيها‬
‫الص ُ‬
‫ادق‬ ‫ٍ‬ ‫ِ‬ ‫قيل‪ :‬إ َّن ُه َ‬ ‫ور َّبما َ‬
‫محمد ﷺ وهو َّ‬ ‫َّ‬ ‫استطاعة‬ ‫كان في‬
‫الحجر األَ ِ‬
‫سود‪،‬‬ ‫ِ‬ ‫ٍ‬
‫قريش َق ُبل في وض ِع‬ ‫شراف‬
‫ُ‬ ‫األَمي ُن ا َّلذي َحكَّم ُه َأ‬
‫سالة‪ ،‬وا َّلذي هو في‬‫قبل الر ِ‬
‫عش َر عا ًما َ ِّ‬
‫منذ خمس َة َ‬ ‫كم ُه‪ُ ،‬‬ ‫وارتضوا ُح َ‬
‫َ‬
‫قريش نس ًبا ‪ ..‬إنَّه كان في استطاعتِه‬ ‫ٍ‬ ‫بني هاش ٍم َأ ٰ‬
‫على‬ ‫ِ‬
‫الذؤابة من ْ‬
‫تي َأكلتْها‬ ‫ِ‬
‫العرب‪ ،‬ا َّل ْ‬ ‫ِ‬
‫قبائل‬ ‫تجميع‬
‫َ‬ ‫تستهدف‬
‫ُ‬ ‫َأ ْن َ‬
‫يثيرها قوم َّي ًة عرب َّي ًة‬
‫‪114‬‬
‫ِ‬
‫الستخالص‬ ‫وتوجيهها ِوجه ًة قوم َّي ًة‬
‫َ‬ ‫ِّزاعات‪،‬‬
‫ُ‬ ‫ومزقتْها الن‬
‫ارات َّ‬ ‫ال َّث ُ‬
‫ومان في‬ ‫رة؛ الر ِ‬ ‫المستعم ِ‬
‫ِ‬ ‫المغتصبة من اإلمبراطور َّيات‬ ‫ِ‬ ‫رضها‬ ‫َأ ِ‬
‫ُّ‬
‫راية العربي ِة والع ِ‬
‫روبة‪،‬‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫وإعالء‬ ‫ِ‬
‫الجنوب‪،‬‬ ‫رس في‬ ‫مال‪ ،‬وال ُف ِ‬ ‫الش ِ‬ ‫ِّ‬
‫ُ‬ ‫َّ‬
‫ِ‬
‫الجزيرة‪.‬‬ ‫ِ‬
‫رجاء‬ ‫وحدة قوم َّي ٍة في ِّ‬
‫كل َأ‬ ‫ٍ‬ ‫ِ‬
‫وإنشاء‬

‫الستجابت له‬
‫ْ‬ ‫رسول اهلل ﷺ ِ‬
‫هذه الدَّ عو َة‬ ‫ُ‬ ‫ور َّبما َ‬
‫قيل‪ :‬إ َّن ُه لو دعا‬
‫ٍ‬
‫معارض‬ ‫ٍ‬
‫اتجاه‬ ‫عش َر عا ًما في‬‫يعاني ثالث َة َ‬ ‫بدل ِم ْن َأ ْن‬ ‫العرب قاطب ًة‪ً ،‬‬
‫َ‬ ‫ُ‬
‫صحاب الس ِ‬ ‫ألَ ِ‬
‫لطان في الجزيرة‪.‬‬ ‫ِ ُّ‬ ‫هواء َأ‬

‫العرب‬
‫ُ‬ ‫يستجيب ل ُه‬
‫َ‬ ‫كان خلي ًقا ـ بعدَ َأ ْن‬ ‫حممدً ا ﷺ َ‬ ‫قيل‪َّ :‬‬
‫إن َّ‬ ‫ور َّبام َ‬
‫ِ‬
‫والسيادةَ‪ ،‬وبعدَ استجام ِع‬ ‫فيهم القياد َة ِّ‬‫هذه االستجاب َة‪ ،‬وبعدَ َأ ْن يو ُّلو ُه ُ‬
‫ِ‬
‫إقرار‬ ‫فوق َم ْف ِر َق ْي ِه ـ َأ ْن يستخد َم هذا ك َّل ُه يف‬ ‫ِ‬
‫واملجد َ‬ ‫لطان يف ِ‬
‫يديه‪،‬‬ ‫الس ِ‬
‫ُّ‬
‫لطان ربِّ م بعدَ َأ ْن‬‫َّاس لس ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫عقيدة التَّوحيد ا َّلتي ُبع َث هبا‪ ،‬يف تعبيد الن ِ ُّ‬
‫البرشي!‬
‫ِّ‬ ‫لسلطانِ ِه‬
‫دهم ُّ‬ ‫ع َّب ْ‬
‫يوج ْه رسو َل ُه ﷺ‬‫الحكيم‪ ،‬لم ِّ‬ ‫ُ‬ ‫العليم‬
‫ُ‬ ‫هلل ـ سبحانَه ـ وهو‬ ‫ولك َّن ا َ‬
‫َ‬
‫يحتمل‬ ‫يصدع بـ «ال إل َه َّإل اهللُ» و َأ ْن‬
‫َ‬ ‫إلى َأ ْن‬
‫وجه ُه ٰ‬
‫هذا التَّوجي َه! إنَّما َّ‬
‫كل هذا العن ِ‬ ‫تستجيب له َّ‬ ‫ِ‬
‫َاء!‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫تي‬‫هو والق َّل ُة ا َّل ْ‬
‫إن اهللَ ـ سبحانه ـ ال يريدُ َأ ْن ُيعن َِّت رسو َله والمؤمني َن م َع َه‪،‬‬ ‫لماذا؟ َّ‬
‫ريق َأ ْن‬‫ليس ال َّط ُ‬
‫ريق‪َ ،‬‬ ‫ليس هو ال َّط َ‬ ‫يعلم َأ َّن هذا َ‬
‫إنَّما هو ـ سبحانه ـ ُ‬
‫طاغوت فارسي‪ ،‬إلى ِ‬ ‫ٍ‬ ‫روماني‪َ ،‬أو‬ ‫ٍ‬ ‫رض من ِ‬ ‫ص األَ َ‬
‫يد‬ ‫ٰ‬ ‫ٍّ‬ ‫ٍّ‬ ‫طاغوت‬ ‫يد‬ ‫تُخ ِّل َ‬
‫عربي‪.‬‬ ‫ٍ‬
‫طاغوت‬
‫ٍّ‬
‫‪115‬‬

‫ويجب َأ ْن تخ ُل َ‬
‫ص هلل‪..‬‬ ‫ُ‬ ‫هلل‪،‬‬
‫رض ِ‬‫إن األَ َ‬
‫طاغوت! َّ‬
‫ٌ‬ ‫اغوت ك ُّل ُه‬
‫ُ‬ ‫فال َّط‬
‫ترتفع عليها راي ُة‪« :‬ال إل َه َّإل ا ُ‬
‫هلل»‪.‬‬ ‫َ‬ ‫تخلص هلل َّإل َأ ْن‬
‫ُ‬ ‫وال‬
‫ٍ‬ ‫ِ‬
‫طاغوت‬ ‫َّاس يف هذه األَرض ْ‬
‫من‬ ‫يتحر َر الن ُ‬
‫َّ‬ ‫ريق َأ ْن‬
‫وليس ال َّط ُ‬
‫َ‬
‫طاغوت!‬ ‫اغوت ك ُّله‬‫عريب‪ .‬فال َّط‬ ‫ٍ‬ ‫روماين‪َ ،‬أو‬
‫ٌ‬ ‫ُ‬ ‫إىل طاغوت ٍّ‬ ‫فاريس‪ٰ ،‬‬
‫ٍّ‬ ‫ٍّ‬
‫ترتفع‬
‫َ‬ ‫يكونون عبيدً ا هلل وحدَ ُه َّإل َأ ْن‬
‫َ‬ ‫َّاس عبيدٌ هلل وحدَ ه‪ ،‬وال‬‫إن الن َ‬ ‫َّ‬
‫راي ُة‪« :‬ال إل َه َّإل ا ُ‬
‫هلل»‪.‬‬
‫ِ‬
‫بمدلوالت لغته ‪ :‬ال‬ ‫العارف‬
‫ُ‬ ‫العربي‬
‫ُّ‬ ‫هلل» كما يدركُها‬‫«ال إل َه َّإل ا ُ‬
‫حد على َأ ٍ‬ ‫سلطان ألَ ٍ‬ ‫ِ‬
‫حد؛‬ ‫ٰ‬ ‫َ‬ ‫اهلل‪ ،‬وال‬ ‫هلل‪ ،‬وال شريع َة َّإل م َن ِ‬ ‫حاكم َّي َة َّإل ِ‬
‫لطان ك َّل ُه هلل‪ ،‬وألَ َّن «الجنس َّي َة» ا َّلتي يريدُ ها اإلسال ُم للن ِ‬
‫َّاس‬ ‫الس َ‬ ‫ألَ َّن ُّ‬
‫ِ‬
‫والفارسي‪،‬‬
‫ُّ‬ ‫وماني‬
‫ُّ‬ ‫والر‬
‫العربي ُّ‬
‫ُّ‬ ‫يتساوى فيها‬
‫ٰ‬ ‫هي جنس َّي ُة العقيدة‪ ،‬ا َّلتي‬ ‫َ‬
‫تحت ِ‬
‫راية اهلل‪.‬‬ ‫جناس واألَ ِ‬
‫لوان َ‬ ‫ِ‬ ‫وسائر األَ‬
‫ُ‬
‫وهذا هو الطريق‪.‬‬
‫۞۞۞‬

‫إصالح‪:‬‬
‫ٍ‬ ‫َ‬
‫حركة‬ ‫رباني ٌ‬
‫َّة وليست‬ ‫ٌ‬
‫دعوة َّ‬
‫كأسوأِ‬
‫العربي َ‬ ‫والمجتمع‬ ‫رسول اهلل ﷺ بهذا الدِّ ين‪،‬‬ ‫ُ‬ ‫و ُب َ‬
‫عث‬
‫ُّ‬ ‫ُ‬
‫َ‬
‫المال‬ ‫ُ‬
‫تملك‬ ‫والعدالة‪ِ .‬ق َّل ٌة قليل ٌة‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫للثروة‬ ‫المجتمع توزي ًعا‬
‫ُ‬ ‫ُ‬
‫يكون‬ ‫ما‬
‫فتتضاعف تجارتُها وما ُلها‪ ،‬وكثر ٌة كثير ٌة ال‬
‫ُ‬ ‫بالربا‬ ‫ُ‬
‫وتتعامل ِّ‬ ‫والتِّجارةَ‪،‬‬
‫‪116‬‬

‫َ‬
‫يملكون معها‬ ‫يملكون ال َّثرو َة‬
‫َ‬ ‫والجوع‪ ،‬وا َّلذي َن‬
‫َ‬ ‫ظف‬
‫الش َ‬ ‫تملك َّإل َّ‬
‫ُ‬
‫ِ‬
‫والمجد جمي ًعا!‬ ‫ِ‬
‫المال‬ ‫وجماهير كثير ٌة ضائع ٌة من‬ ‫رف والمكان َة‪،‬‬ ‫َّ‬
‫الش َ‬
‫ُ‬
‫محم ٍد ﷺ َأ ْن يرف َعها راي ًة‬ ‫َّ‬
‫ِ‬
‫استطاعة‬ ‫قيل‪ :‬إنَّه َ‬
‫كان في‬ ‫ور َّبما َ‬
‫شراف‪ ،‬و َأ ْن ُيطل َقها دعو ًة‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫طبقة األَ‬ ‫على‬ ‫اجتماع َّي ًة‪ ،‬و َأ ْن َ‬
‫يثيرها حر ًبا ٰ‬
‫ِ‬
‫الفقراء‪.‬‬ ‫غنياء على‬ ‫موال األَ ِ‬ ‫تعديل األَوضاعِ‪ ،‬ور َّد َأ ِ‬
‫َ‬ ‫تستهدف‬
‫ُ‬

‫النقسم‬ ‫رسول اهلل ﷺ ِ‬


‫هذه الدَّ عوةَ‪،‬‬ ‫ُ‬ ‫ور َّبما قيل‪ :‬إ َّن ُه لو دعا يو َمها‬
‫َ‬
‫ِ‬
‫وجه‬ ‫ِ‬
‫الجديدة في‬ ‫ين‪ :‬الكثر ُة الغالب ُة مع الدَّ ِ‬
‫عوة‬ ‫العربي َص َّف ِ‬ ‫المجتمع‬
‫ُّ‬ ‫ُ‬
‫ِ‬
‫الموروثات‪،‬‬ ‫والجاه‪ ،‬والق َّل ُة القليل ُة مع ِ‬
‫هذه‬ ‫ِ‬ ‫والش ِ‬
‫رف‬ ‫المال َّ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫طغيان‬
‫َ‬
‫ِ‬ ‫بدل م ْن َأ ْن َ‬
‫تي لم‬ ‫المجتمع ك ُّله ص ًّفا في وجه «ال إل َه َّإل اهللُ» ا َّل ْ‬
‫ُ‬ ‫يقف‬ ‫ً‬
‫الحين َّإل األَفذا ُذ م َن النَّاس!‬
‫ِ‬ ‫إلى ُأ ُف ِقها في َ‬
‫ذلك‬ ‫يرتفع ٰ‬‫ْ‬
‫تستجيب ل ُه الكثرةُ‪،‬‬
‫َ‬ ‫كان خلي ًقا بعدَ َأ ْن‬‫محمدً ا ﷺ َ‬ ‫إن َّ‬‫قيل‪َّ :‬‬ ‫ور َّبما َ‬
‫ويسلس ل ُه مقا ُدها‪َ ،‬أ ْن يستخد َم مكانَه‬ ‫َ‬ ‫فيغلب بها الق َّل َة‬
‫َ‬ ‫وتو ِّل ِيه ِق َيا َدها‪،‬‬
‫ِ‬
‫تعبيد‬ ‫ِ‬
‫َّوحيد ا َّلتْي بع َث ُه بها ر ُّب ُه‪ ،‬وفي‬ ‫ِ‬
‫عقيدة الت‬ ‫ِ‬
‫إقرار‬ ‫يومئذ وسلطا َن ُه في‬ ‫ٍ‬

‫ري‪.‬‬
‫البش ِّ‬ ‫لسلطانِه َ‬ ‫ِ‬
‫لسلطان ر ِّبهم بعدَ َأ ْن ع َّبدَ ُهم ُّ‬ ‫َّاس ُّ‬‫الن ِ‬

‫يوجه ُه هذا التَّوجي َه!‬


‫الحكيم‪ ،‬لم ِّ‬
‫ُ‬ ‫العليم‬
‫ُ‬ ‫ولك َّن اهللَ ـ سبحانه ـ وهو‬
‫ريق‪َ ..‬‬
‫كان‬ ‫هـو ال َّط َ‬ ‫يـعـلم َأ َّن هذا َ‬
‫ليس َ‬ ‫ُ‬ ‫كان اهللُ ـ سبحانه ـ‬ ‫لقد َ‬
‫تصو ٍر‬
‫تنـبثـق في المجتمع مـن ُّ‬
‫َ‬ ‫يعلم َأ َّن العدال َة االجتماع َّي َة ال ُبدَّ َأ ْن‬
‫ُ‬
‫طواع َي ٍة‬
‫ِ‬ ‫رضى وع ْن‬
‫ً‬ ‫هلل‪ ،‬و َي ُ‬
‫قبل ع ْن‬ ‫شامل‪َ ،‬ي ُر ُّد األَ َ‬
‫مـر كـ َّله ِ‬
‫ٍ‬ ‫اعتقادي‬
‫ٍّ‬
‫‪117‬‬

‫ويستقر‬ ‫ِ‬
‫تكافل الجميعِ‪،‬‬ ‫ِ‬
‫عـدالة التَّوزيعِ‪ ،‬وم ْن‬ ‫يقضي ِبه اهللُ مـن‬ ‫ما‬
‫ُّ‬ ‫ْ‬
‫ْ ِ‬ ‫ِ‬ ‫معه في ِ‬
‫والمأخوذ من ُه سوا ًء أ َّن ُه ين ِّف ُذ نظا ًما َ‬
‫شر َع ُه اهللُ‪،‬‬ ‫اآلخذ‬ ‫قلب‬
‫واآلخرة سوا ًء‪ .‬فال‬‫ِ‬ ‫والحسنى في الدُّ نيا‬ ‫الخير‬ ‫ويرجو على ال َّط ِ‬
‫اعة فيه‬
‫ٰ‬ ‫َ‬
‫األمور ك ُّلها‬ ‫تسير‬ ‫ِ‬ ‫قلوب بال َّطمعِ‪ ،‬وال‬
‫ُ‬ ‫قلوب بالحقد‪ ،‬وال ُ‬ ‫ٌ‬ ‫تمتلئ‬
‫ُ‬ ‫ٌ‬ ‫تمتلئ‬
‫ُ‬
‫وتختنق‬
‫ُ‬ ‫القلوب ك ُّلها‬ ‫واإلرهاب‪ ،‬وال تفسدُ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫َّخويف‬‫يف والعصا‪ ،‬وبالت‬ ‫بالس ِ‬
‫ُ‬ ‫َّ‬
‫على ِ‬
‫غير «ال إل َه َّإل اهللُ»‪.‬‬ ‫يقع في األَوضا ِع ا َّل ْ‬
‫تي تقو ُم ٰ‬ ‫األَ ُ‬
‫رواح‪ ،‬كما ُ‬
‫۞۞۞‬
‫َّة قبل بعثة النيب ﷺ‪:‬‬
‫خالقي يف اجلزيرِة العربيِ‬
‫ُّ‬
‫املستوى َ‬
‫األ‬

‫الجزيرة العرب َّي ِة في‬


‫ِ‬ ‫خالقي في‬
‫ُّ‬ ‫رسول اهلل ﷺ والمستوى األَ‬ ‫ُ‬ ‫عث‬‫و ُب َ‬
‫كان في المجتمع‬ ‫ِ‬
‫جانب ما َ‬ ‫إلى‬
‫جوانب من ُه شت َّٰى‪ٰ ،‬‬
‫َ‬ ‫الدَّ ْر ِك األَ ِ‬
‫سفل في‬
‫الخامة البدو َّي ِة‪.‬‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫فضائل‬ ‫من‬
‫بن‬ ‫ِ‬
‫زهري ِ‬ ‫الش ِ‬
‫اعر‬ ‫تعب عن ُه حكم ُة َّ‬ ‫َ‬
‫كان التَّظامل ُ فاش ًيا يف املجتمع‪ُ ِّ ..‬‬
‫َأيب ُس ٰ‬
‫لمى‪:‬‬
‫َّاس ُيظ َل ِم‬
‫ُيهدَّ ْم‪ ،‬و َم ْن ال َيظل ِم الن َ‬ ‫بسالح ِه‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫حوضه‬ ‫و َم ْن لم َي ُذ ْد ع ْن‬

‫خاك ظا ًملا‪َ ،‬أو‬


‫(انرص َأ َ‬ ‫القول املتعار ِ‬
‫ِ‬ ‫ب ِ‬
‫ْ‬ ‫ف يف اجلاهل َّية‪:‬‬ ‫َ‬ ‫عن‬ ‫و ُي َع ِّ ُ‬
‫مظلوما)(‪.)1‬‬ ‫ً‬
‫((( وقد َأ َّقر اإلسالم هذا ال َق ْول ولكن مع ال َعدْ ل وال َّت ْقويم‪ ..‬وشتَّان بين نهج اإلسالم‬
‫ونهج الجاهلية‪ ،‬وجاء ذلك في حديث َأنس ‪َ ‬أ َّن رسول اهلل ﷺ قال‪« :‬ان ُْص ْر‬
‫َأ َ ِ‬
‫ول اهلل‪َ ،‬ه َذا َنن ُْص ُر ُه َم ْظ ُل ً‬
‫وما‪َ ،‬ف َك ْي َ‬
‫ف َنن ُْص ُر ُه‬ ‫خاك ظال ًما َأ ْو َم ْظ ُل ً‬
‫وما» َقا ُلوا‪َ :‬يا َر ُس َ‬
‫َظالِ ًما؟ َق َال‪« :‬ت َْأ ُخ ُذ َف ْو َق َيدَ ْي ِه» رواه البخاري(‪.)2444‬‬
‫‪118‬‬
‫ِ‬
‫مفاخره‬ ‫ِ‬
‫الفاشية‪ ،‬ومن‬ ‫ِ‬
‫تقاليد املجتمع‬ ‫وامليرس مـن‬ ‫اخلمر‬ ‫ِ‬
‫وكانت‬
‫ُ‬ ‫ُ‬
‫ذي يقو ُله‬ ‫ِ‬ ‫هذه اخل ِ‬ ‫كذلك‪ ،‬يعب عن ِ‬
‫اجلاهيل بجملته‪ ،‬كا َّل ْ‬‫ُّ‬ ‫عر‬ ‫صلة ِّ‬
‫الش ُ‬ ‫َ‬ ‫ِّ ُ‬ ‫َ‬
‫َطر َف ُة بن ِ‬
‫العبد‪:‬‬ ‫ُ‬ ‫َ‬
‫متى قا َم ُع َّو ِد ْي‬
‫حفل ٰ‬ ‫لم َأ ْ‬ ‫ِ‬
‫وجدِّ ك ْ‬ ‫َ‬ ‫الفتى‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ثالث ُه َّن م ْن عيشة ٰ‬ ‫فلوال ٌ‬
‫ِ‬
‫بالماء تُزبِ ِد‬ ‫متى ما ُت ْع َل‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫ِ‬
‫كُميت ٰ‬ ‫بشربة‬ ‫العاذالت‬ ‫فمنه َّن سبقي‬
‫طريفي وتالِ ِدي‬ ‫ْ‬ ‫وإنفاقي‬
‫ْ‬ ‫وبذلي‬
‫ْ‬ ‫تي‬ ‫الخمور َّ‬
‫ولذ ْ‬ ‫َ‬ ‫َشرابي‬
‫زال ت ْ‬ ‫وما َ‬
‫عـير المع َّب ِد‬‫فردت إفرا َد ال َب ِ‬‫و ُأ ُ‬ ‫إلى َأ ْن تَحا َمتْني العشير ُة ك ُّلها‬ ‫ٰ‬
‫۞۞۞‬
‫صور َّ‬
‫الدعارة يف اجملتمع اجلاهلي القديمِ‪:‬‬
‫شأ ُن ُه ْ‬
‫شأ ُن‬ ‫ٍ‬
‫صور شت َّٰى ـ من معاملِ هذا املجتمع ـ ْ‬ ‫ِ‬
‫وكانت الدَّ عار ُة ـ يف‬
‫ٍ‬
‫حديث ـ كا َّلذي رو ْت ُه عائش ُة ‪:‬‬ ‫جاهيل قدي ٍم َأو‬ ‫ِّ‬
‫كل جمتم ٍع‬
‫ٍّ‬
‫كان عىل َأ ِ‬
‫ربعة َأنحا َء‪:‬‬ ‫ِّكاح يف اجلاهل َّية َ ٰ‬ ‫َّ‬
‫(إن الن َ‬
‫جل ول َّيت ُه َأو‬
‫الر ِ‬ ‫الر ُ‬
‫جل إىل َّ‬ ‫خيطب َّ‬
‫ُ‬ ‫نكاح الن ِ‬
‫َّاس اليو َم‪..‬‬ ‫فنكاح منها ُ‬ ‫ٌ‬
‫ِ‬
‫ينكحها‪..‬‬
‫ُ‬ ‫ابنتَه‪ ،‬ف ُيصد ُقها َّ‬
‫ثم‬
‫طهرت من‬‫ْ‬ ‫يقول المر َأتِ ِه ـ إذا‬‫ُ‬ ‫الر ُ‬
‫جل‬ ‫كان َّ‬ ‫اآلخر‪َ :‬‬ ‫ُ‬ ‫ِّكاح‬
‫والن ُ‬
‫ٍ‬ ‫ِ‬
‫زوجها وال‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬
‫ويعتزلا‬ ‫فاستبضعي منه‪،‬‬
‫ْ‬ ‫فالن‬ ‫َط ْمثها ـ‪َ :‬أ ْ‬
‫رسيل إ ٰىل‬
‫َستبضع من ُه‪،‬‬
‫ُ‬ ‫جل ا َّلذي ت‬ ‫الر ِ‬
‫ح ُلها من ذلك َّ‬ ‫يمسها َأبدً ا حت َّٰى َّ َ‬
‫يتبي َ ْ‬ ‫ُّ‬
‫حب‪ ،‬وإنَّام ُ‬
‫يفعل ذلك رغب ًة يف‬ ‫زوجها إذا َأ َّ‬ ‫ُ‬ ‫صابا‬‫تبي مح ُلها َأ َ‬
‫فإذا َّ َ‬
‫نكاح االستبضا ِع‪..‬‬ ‫النكاح‬ ‫الولد! فكان هذا‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫نجابة‬
‫َ‬ ‫ُ‬
‫‪119‬‬
‫ِ‬ ‫العش ِة؛‬
‫هم‬‫فيدخلون عىل املر َأة‪ ،‬ك ُّل ْ‬ ‫َ‬ ‫دون َ َ‬ ‫هط ما َ‬ ‫الر ُ‬ ‫جيتمع َّ‬
‫ُ‬ ‫آخر‪:‬‬
‫ونكاح ُ‬ ‫ٌ‬
‫رسلت‬
‫ْ‬ ‫تضع مح َلها‪َ ،‬أ‬
‫ليال بعدَ َأ ْن َ‬ ‫ووضعت‪ ،‬ومر عليها ٍ‬ ‫ْ‬ ‫محلت‬
‫يصي ُبها‪ ،‬فإذا ْ‬
‫َّ‬
‫تقول هلم‪:‬‬ ‫يمتنع‪ ،‬حت َّٰى جيتمعوا عندَ ها‪ُ ،‬‬ ‫َ‬ ‫منهم َأ ْن‬
‫رجل ْ‬ ‫يستطع ٌ‬ ‫ْ‬ ‫إليهم فلم‬
‫ْ‬
‫فهو ابن َُك يا فالن! ت َُس ِّم ْي َمن‬ ‫ولدت َ‬ ‫ُ‬ ‫مركم‪ ،‬وقد‬ ‫عرفتم ا َّلذي كان من َأ ِ‬ ‫ُ‬ ‫قد‬
‫جل‪..‬‬‫الر ُ‬ ‫يمتنع به َّ‬ ‫َ‬ ‫يستطيع َأ ْن‬
‫ُ‬ ‫حق ِبه ولدُ ها‪ ،‬وال‬ ‫ِ‬
‫باسمه ف ُي ْل ُ‬ ‫َأح َّب ْت‬
‫ِ‬
‫فيدخلون عىل املر َأة ال ُ‬
‫متتنع‬ ‫َ‬ ‫الكثري‬
‫ُ‬ ‫َّاس‬
‫جيتمع الن ُ‬‫ُ‬ ‫ابع‪:‬‬
‫الر ُ‬ ‫ِّكاح َّ‬
‫والن ُ‬
‫تكون َع َل ًم‪،‬‬
‫ُ‬ ‫ٍ‬
‫رايات‬ ‫عىل َأبواهب َّن‬ ‫مم َّ ْن جا َءها‪ ..‬وه َّن البغايا‪ ..‬ك َّن ينص ْب َن ٰ‬
‫ووضعت مح َلها‪ُ ،‬جِعوا‬ ‫ْ‬ ‫محلت إحداه َّن‬ ‫ْ‬ ‫دخل عليه َّن‪ ،‬فإذا‬ ‫فم ْن َأراده َّن َ‬
‫يرون‪ ،‬فا ْلتا َط ُه‪ ،‬و ُد ِعي‬ ‫َ‬ ‫ثم َأحل ُقوا ولدَ ها با َّلذي‬ ‫هلم القاف َة ‪َّ ،‬‬
‫(‪)1‬‬
‫هلا و َدعوا ُ‬
‫ذلك)(‪.)2‬‬ ‫يمتنع عن َ‬ ‫ُ‬ ‫ابنَه ال‬
‫محم ٍد ﷺ َأ ْن يعلنَها دعو ًة‬
‫َّ‬
‫ِ‬
‫استطاعة‬ ‫ور َّبما َ‬
‫قيل‪ :‬إ َّن ُه َ‬
‫كان في‬
‫ِ‬
‫ُّفوس‪.‬‬ ‫وتطهير المجتمع‪ ،‬وتزكي َة الن‬ ‫تتناول تقويم األَ ِ‬
‫خالق‪،‬‬ ‫ُ‬ ‫إصالح َّي ًة‪،‬‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫خالقي‬
‫ٍّ‬ ‫مصلح َأ‬
‫ٍ‬ ‫كان واجدً ا وقتَها ـ كما يجدُ ُّ‬
‫كل‬ ‫قيل‪ :‬إنَّه ﷺ َ‬‫ور َّبما َ‬
‫خذها األَريح َّي ُة والنَّخو ُة‬ ‫نس‪ْ ،‬‬ ‫ِ‬ ‫ِ ٍ‬
‫وتأ ُ‬ ‫في َأية بيئة ـ ً‬
‫نفوسا ط ِّيب ًة يؤذيها هذا الدَّ ُ‬
‫اإلصالح وال َّت َط ُّهر‪.‬‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫دعوة‬ ‫ِ‬
‫لتلبية‬

‫الستجابت ل ُه ـ في‬
‫ْ‬ ‫ُ‬
‫رسول اهلل ﷺ ذلك‬ ‫قائل‪ :‬إنَّه لو َ‬
‫صنع‬ ‫ور َّبما َ‬
‫قال ٌ‬
‫فتصبح‬
‫ُ‬ ‫تتطه ُر َأخال ُقها‪ ،‬وتزكو َأ ُ‬
‫رواحها‪،‬‬ ‫َأ َّو ِل األَ ِ‬
‫مر ـ جمهر ٌة صالح ٌة‪َّ ،‬‬
‫ِ‬
‫اإلنسـان‬ ‫نسـب‬ ‫ويعـرف‬
‫ُ‬ ‫ثـر وتت ُّب َعـه‪،‬‬ ‫((( «القا َفـة»‪ :‬جمـع ِ‬
‫قائـف‪ :‬وهـو َمـن ُيحسـ ُن معرفـ َة َاأل ِ‬
‫َ‬
‫ِ‬
‫ونظـره إلـى األَعضـاء‪.‬‬ ‫بفراسـتِ ِه‬
‫(المؤَ ِّلف) ‪.‬‬
‫(( ( رواه البخاري في «كتاب النكاح» [رقم ‪ 4834‬من حديث عائشة ‪ُ ]‬‬
‫‪120‬‬
‫ِ‬ ‫قرب إلى َق ِ‬
‫بدل م ْن َأ ْن َ‬
‫تثير دعو ُة «ال إله َّإل اهلل»‬ ‫وحملها‪ً ،‬‬ ‫بول العقيدة‬ ‫َأ َ ٰ‬
‫منذ َأ َّو ِل ال َّط ِ‬
‫ري ِق‪.‬‬ ‫المعارض َة القو َّي َة ُ‬
‫۞۞۞‬

‫إصالح الفرِد واجملتمع‪:‬‬


‫ِ‬ ‫العقيدة ُ‬
‫طريق‬ ‫ُ‬

‫يعلم‬ ‫ريق! َ‬
‫كان ُ‬ ‫هو ال َّط ُ‬ ‫ليس هذا َ‬ ‫يعلم َأ ْن َ‬
‫كان ُ‬ ‫ولك َّن اهللَ ـ سبحانه ـ َ‬
‫ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫على َأ‬ ‫َأ َّن األَ َ‬
‫وتقر ُر‬
‫تضع الموازي َن‪ِّ ،‬‬ ‫ساس من عقيدة‪ُ ،‬‬ ‫خالق ال تقو ُم َّإل ٰ‬
‫والقيم‪ ،‬والجزا َء‬ ‫القيم‪ ،‬كما تقرر السلط َة ا َّلتي تستندُ إليها ِ‬
‫هذه الموازي ُن‬ ‫ِ‬
‫ُ‬ ‫ِّ ُ ُّ‬ ‫َ‬
‫ُوقعه على الم ِ‬ ‫ِ‬
‫لتزمي َن والمخالفي َن‪.‬‬ ‫ُ‬ ‫السلط ُة‪ ،‬وت ُ ُ‬ ‫ا َّلذي تمل ُك ُه هذه ُّ‬
‫القيم‬ ‫لطة ُّ‬
‫تظل‬ ‫وتحديد هذه الس ِ‬ ‫ِ‬ ‫هذه العقيدة‪،‬‬ ‫تقرير ِ‬ ‫ِ‬ ‫و َأنَّه َ‬
‫قبل‬
‫ُ‬ ‫ُّ‬
‫متأرجح ًة كذلك‪ ،‬بال‬ ‫خالق ا َّلتي تقو ُم عليها َ‬ ‫وتظل األَ ُ‬
‫ُّ‬ ‫متأرجح ًة‪،‬‬‫ك ُّلها َ‬
‫ٍ‬
‫جزاء!‬ ‫ٍ‬
‫سلطان‪ ،‬وبال‬ ‫ٍ‬
‫ضابط‪ ،‬وبال‬

‫السلط ُة‬ ‫ِ‬ ‫الش ِّ‬ ‫ِ‬


‫الجهد َّ‬ ‫فلما تقر ِ‬
‫رت العقيد ُة(‪ )1‬ـ بعدَ‬
‫وتقررت ُّ‬
‫اق ـ َّ‬ ‫َّ َّ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ولى في‬ ‫ولى في بناء المجتمع المسل ِم‪ ..‬والخطو ُة الُ ٰ‬ ‫الصحيحة هو ال َّلبن ُة الُ ٰ‬ ‫((( بنا ُء العقيدة َّ‬
‫ِّ‬
‫ومرب من الطراز‬ ‫ٌ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫ِ‬
‫عوة؛ فال يمك ُن تخطيها لغيرها‪ ..‬وس ِّيد قطب ‪ ‬داع َّية‬ ‫ِّ‬ ‫طريق الدَّ ِ‬ ‫ِ‬
‫ٍّ‬
‫المكي‪ ..‬بتبلي ِغ العقيدة‬ ‫عوة إلى اهلل عندَ ه‪َ ..‬ت ْبدَ ُأ كما بد َأ ْت في ِ‬
‫دار األَرق ِم‬ ‫صول الدَّ ِ‬ ‫األول‪ ،‬و ُأ ُ‬
‫ِّ‬ ‫َّ‬
‫ِ‬ ‫ُ‬ ‫َّ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬
‫وتأسيسها في المجتمع‪ ..‬والتربية تبدأ من العقيدة‪ ..‬كما أن الدَّ عوة تبدأ من تقرير العقيدة‪،‬‬ ‫ُ‬ ‫ِ‬ ‫ْ‬
‫بالكفر واإليمان؛ بل العقيد ُة نقط ُة ِ‬
‫بداية‬ ‫ِ‬ ‫الحكم على الن ِ‬
‫َّاس‬ ‫بنى هذا وذاك‪ ..‬وليس‬
‫ُ‬ ‫وعليها ُي ٰ‬
‫ِ‬
‫خصي للفرد في‬ ‫الش‬‫اإلسالمي َّ‬ ‫بنى عليه البنا ُء‬ ‫الر ُ‬ ‫َ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ُّ‬ ‫ُّ‬ ‫اسخ‪ ..‬الذي ُي ٰ‬ ‫ساسها َّ‬ ‫الدَّ عوة والتَّربية‪ ،‬وأ ُ‬
‫ونظامها‪ ،‬ومنهج حياتِها ا َّلذي تتبنَّاه‪ ..‬فعندما‬ ‫ِ‬ ‫مؤسساتِها‬ ‫شكل َّ‬ ‫ِ‬ ‫ولة واألُ َّمة في‬ ‫َّربية‪ ،‬وللدَّ ِ‬ ‫الت ِ‬
‫يرفض‬
‫َّربية‪ ..‬ال ُ‬ ‫البيان والت ِ‬ ‫ِ‬ ‫خذ ح َّقها في‬ ‫وتأ ُ‬‫واضح‪ْ ،‬‬ ‫ٍ‬ ‫متين‪ ،‬ومفهو ٍم‬ ‫ساس ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫تتقر ُر العقيد ُة َ‬
‫كأ‬ ‫َّ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫َ‬
‫دون حك ٍم‪ ،‬وال يتأ َّبى الفر ُد عن االمتثال‪ ،‬وال‬ ‫يجادلون في حك ٍم َ‬ ‫َ‬ ‫دون أمر‪ ،‬وال‬‫ٍ‬ ‫َ‬ ‫مرا َ‬ ‫َ‬
‫َّاس أ ً‬ ‫الن ُ‬
‫ِ‬
‫وترفض قبوله‪ ..‬فليتنبه الدُّ ع ُاة لذلك!‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫شرعي‪،‬‬ ‫فئات في حك ٍم‬ ‫تجادل ٌ‬ ‫ُ‬
‫ٍّ‬
‫‪121‬‬
‫ِ‬
‫هم وعبدُ وه‬ ‫َّاس ر َّب ْ‬‫عرف الن ُ‬ ‫َ‬ ‫ا َّلتي ترتك ُن إليها هذه العقيدةُ‪َّ ..‬‬
‫لما‬
‫ِ‬
‫هوات‬ ‫سلطان َّ‬
‫الش‬ ‫ِ‬ ‫العبيد ومن‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫سلطان‬ ‫َّاس من‬ ‫تحر َر الن ُ‬ ‫ه‪..‬لما َّ‬ ‫َّ‬ ‫وحدَ‬
‫وبأهلِها‬‫هلل بها َ‬ ‫القلوب «ال إله َّإل اهلل»‪َ ..‬‬
‫صنع ا ُ‬ ‫ِ‬ ‫رت في‬ ‫تقر ْ‬ ‫لما َّ‬ ‫سوا ًء‪َّ ..‬‬
‫«الر ِ‬ ‫رت األَ ُ‬ ‫المقترحون‪ ..‬تطه ِ‬ ‫ٍ‬ ‫َّ‬
‫ومان‬ ‫رض من ُّ‬ ‫َّ‬ ‫َ‬ ‫يقترحه‬‫ُ‬ ‫شيء مما‬ ‫كل‬
‫ليتقر َر فيها‬ ‫َّ‬ ‫ولكن‬
‫ْ‬ ‫ِ‬
‫«العرب»‪.‬‬ ‫سلطان‬
‫ُ‬ ‫ليتقر َر فيها‬ ‫َّ‬ ‫رس»‪ ..‬ال‬ ‫وال ُف ِ‬
‫اغوت» ك ِّله‪ ..‬رومان ًّيا‪،‬‬ ‫ِ‬ ‫سلطان «ال َّط‬ ‫ِ‬ ‫رت من‬ ‫تطه ْ‬
‫«اهلل»‪ ..‬لقد َّ‬ ‫سلطان ِ‬ ‫ُ‬
‫السواء‪.‬‬ ‫وفارس ًّيا‪ ،‬وعرب ًّيا‪ ،‬على َّ‬
‫االجتماعي بجملتِه‪ ،‬وقا َم «النِّظام‬ ‫ِّ‬ ‫المجتمع من ال ُّظل ِم‬ ‫ُ‬ ‫وتطه َر‬ ‫َّ‬
‫ِ‬ ‫ويرفع راي َة‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ُ‬
‫العدالة‬ ‫ُ‬ ‫يعدل بعدل اهلل‪ ،‬و َيز ُن بميزان ِ‬
‫اهلل‪،‬‬ ‫اإلسالمي»‬ ‫ُّ‬
‫يقرن إليها‬ ‫ُ‬ ‫ويسميها راي َة «اإلسالم» ال‬ ‫ِّ‬ ‫االجتماع َّي ِة باسم اهلل وحدَ ه‪،‬‬
‫ويكتب عليها‪« :‬ال إله َّإل اهلل»!‬ ‫ُ‬ ‫آخر‪،‬‬ ‫اسما َ‬‫ً‬
‫خالق‪ِ َ ،‬‬ ‫ِ‬
‫دون‬‫رواح‪َ ،‬‬‫لوب واألَ ُ‬ ‫وزكَت ال ُق ُ‬ ‫ُّفوس واألَ ُ‬
‫وتطهرت الن ُ‬ ‫َّ‬
‫والتعازير ا َّلتي شر َعها اهللُ ـ َّإل في الن ِ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ُّدرة‬ ‫للحدود‬ ‫مر حت َّٰى‬ ‫يحتاج األَ ُ‬
‫َ‬ ‫َأ ْن‬
‫الض ِ‬ ‫ِ‬
‫اهلل‬
‫مع في رضى ِ‬ ‫مائر‪ ،‬وألَ َّن ال َّط َ‬ ‫الرقاب َة قامت َ‬
‫هناك في َّ‬ ‫النَّادرة ـ ألَ َّن َّ‬
‫غضبه وعقابِه‪ ،‬قد قاما مقام الر ِ‬
‫قابة‬ ‫ِ‬ ‫والخوف من‬
‫َ‬ ‫وثوابِه‪ ،‬والحيا َة‬
‫َ َّ‬
‫ِ‬
‫العقوبات‪.‬‬ ‫َ‬
‫ومكان‬
‫ِ‬
‫حياتا ك ِّلها‪ ،‬إىل‬ ‫خالقها‪ ،‬ويف‬‫نظامها‪ ،‬ويف َأ ِ‬
‫وارتفعت البرشي ُة يف ِ‬‫ِ‬

‫ترتفع إليها من‬ ‫قط‪ ،‬وا َّلتي مل‬ ‫ترتفع إليها من ُ‬


‫قبل ُّ‬ ‫القم ِة الس ِ‬
‫امقة ا َّلتي مل‬
‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫َّ َّ‬
‫ظل اإلسالم‪.‬‬ ‫بعدُ َّإل يف ِّ‬
‫‪122‬‬

‫والعقول َأوًَّل وأثر ذلك ‪:‬‬


‫ِ‬ ‫القلوب‬
‫ِ‬ ‫ُ‬
‫تكون يف‬ ‫الدين‬ ‫ُ‬
‫إقامة ِّ‬
‫صورة ٍ‬
‫دولة ونظا ٍم‬ ‫ِ‬ ‫تم هذا ك ُّله؛ ألَ َّن ا َّلذي َن َأقاموا هذا الدِّ ي َن يف‬
‫ولقد َّ‬
‫ِ‬
‫ضامئرهم ويف‬ ‫ورشائع و َأحكا ٍم‪ ،‬كانوا قد َأقاموا هذا الدِّ ي َن من ُ‬
‫قبل يف‬ ‫َ‬
‫ٍ‬
‫وسلوك‪.‬‬ ‫ٍ‬
‫وعبادة‬ ‫وخ ٍ‬
‫لق‬ ‫عقيدة ُ‬‫ٍ‬ ‫ِ‬
‫صورة‬ ‫ِ‬
‫حياتم‪ ،‬يف‬
‫ُ‬
‫يدخل فيه‬ ‫على إقامة هذا الدِّ ين وعدً ا واحدً ا‪ ،‬ال‬ ‫ِ‬
‫وكانوا قد وعدُ وا ٰ‬
‫على َأيديهم‪ ..‬وعدً ا واحدً ا ال‬ ‫لطان‪..‬وال حت َّٰى لهذا الدِّ ين ٰ‬ ‫والس ُ‬
‫الغلب ُّ‬
‫ُ‬
‫ٍ‬
‫بشيء في هذه الدُّ نيا‪ ..‬وعدً ا واحدً ا هو الجنَّ ُة‪.‬‬ ‫يتع َّل ُق‬
‫اق‪،‬‬‫الش ِّ‬ ‫ِ‬
‫واالبتالء َّ‬ ‫المضني‪،‬‬ ‫ِ‬ ‫هذا ُّ‬
‫كل ما وعــدُ وه على الجهاد ُ‬
‫صحاب‬ ‫يكرهه َأ‬ ‫مر ا َّلذي‬ ‫ِ‬
‫ومواجهة الجاهل َّية باألَ ِ‬ ‫والمضي في الدَّ ِ‬
‫عوة‪،‬‬
‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫ِّ‬
‫كل مكان‪ ،‬وهو‪« :‬ال إله َّإل اهلل»‪.‬‬‫ٍ‬ ‫ٍ‬
‫كل زمان‪ ،‬وفي ِّ‬ ‫ِ‬
‫السلطان في ِّ‬
‫ُّ‬
‫حظ‬ ‫نفوسهم من ِّ‬ ‫ُ‬ ‫فرغت‬
‫ْ‬ ‫ولما َأ ْن‬ ‫هلل فصبروا‪َّ ،‬‬ ‫ابتالهم ا ُ‬
‫ُ‬ ‫فلما َأ ِن‬ ‫َّ‬
‫ينتظرون جزاء في ِ‬ ‫هلل منهم َأنَّهم ال‬ ‫ِ‬
‫هذه‬ ‫ً‬ ‫َ‬ ‫ولما َأ ْن َ‬
‫علم ا ُ‬ ‫نفوسهم‪َّ ،‬‬
‫انتصار هذه الدَّ عوة‬ ‫َ‬ ‫كان هذا الجزا ُء‪ ،‬ولو َ‬
‫كان هو‬ ‫األَرض ـ كائنًا ما َ‬
‫ِ‬
‫ولما لم يعدْ‬‫على َأيديهم‪ ،‬وقيا َم هذا الدِّ ين في األَرض بجهدهم ـ َّ‬ ‫ٰ‬
‫رض‪ ،‬وال‬ ‫بوطن وال َأ ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫اعتزاز‬ ‫بجدٍّ وال قو ٍم‪ ،‬وال‬ ‫ِ‬
‫ٌ‬ ‫اعتزاز َ‬ ‫ٌ‬ ‫نفوسهم‬ ‫في‬
‫ٍ‬ ‫ٍ‬
‫َّهم قد‬‫علم َأن ْ‬
‫ذلك ك َّله‪َ ،‬‬ ‫هلل منهم َ‬ ‫علم ا ُ‬‫لما َأ ْن َ‬
‫اعتزاز بعشيرة وال بيت‪َّ ..‬‬ ‫ٌ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫مناء على العقيدة‪،‬‬ ‫ُبرى‪ُ ..‬أ َ‬ ‫على هذه األَمانة الك ٰ‬ ‫مناء ٰ‬ ‫صبحوا ـ إذن ـ ُأ َ‬ ‫َأ ُ‬
‫مائر‪،‬‬‫والض ِ‬
‫َّ‬ ‫ِ‬
‫القلوب‬ ‫هلل ـ سبحانه ـ بالحاكم َّي ِة في‬ ‫يتفر ُد فيها ا ُ‬ ‫ا َّلتي َّ‬
‫موال‪ ،‬وفي األَوضا ِع‬ ‫رواح واألَ ِ‬ ‫عائر‪ ،‬وفي األَ ِ‬ ‫والش ِ‬ ‫َّ‬ ‫وفي الس ِ‬
‫لوك‬ ‫ُّ‬
‫‪123‬‬

‫يوضع في َأيديهم ليقو ُموا به‬ ‫حوال‪ ..‬و ُأمناء على الس ِ‬
‫لطان ا َّلذي‬ ‫ِ‬ ‫واألَ‬
‫ُ‬ ‫ُّ‬ ‫َ‬
‫يكون لهم‬‫َ‬ ‫دون َأن‬
‫عدل اهلل يقيمونَه‪َ ،‬‬ ‫شريعة اهلل ُين ِْفذونَها‪ ،‬وعلى ِ‬ ‫ِ‬ ‫على‬
‫ٰ‬ ‫ٰ‬
‫ِ‬ ‫لطان شيء ألَ ِ‬ ‫ذلك الس ِ‬
‫لقومهم وال‬ ‫نفسهم‪ ،‬وال لعشيرتهم‪ ،‬وال‬ ‫ٌ‬ ‫من َ ُّ‬
‫يديهم هلل‪ ،‬ولدينِه وشريعتِه‪،‬‬ ‫لطان ا َّلذي في َأ ِ‬ ‫الس ُ‬ ‫ُ‬
‫يكون ُّ‬
‫ِ‬
‫لجنسهم‪ .‬إنَّما‬
‫ذي آتاهم إ َّياه‪.‬‬ ‫اهلل‪ ،‬هو ا َّل ْ‬ ‫َ َ‬
‫يعلمون أ َّن ُه م َن ِ‬ ‫ألَنَّهم‬
‫ِ‬
‫على هذا المستوى‬ ‫ولم يك ْن شي ٌء من هذا المنهج المبارك ليتح َّق َق ٰ‬
‫الراي َة‬ ‫وإل َأ ْن َ‬
‫ترفع الدَّ عو ُة هذه َّ‬ ‫الرفيعِ‪َّ ،‬إل َأ ْن تبد َأ الدَّ عو ُة ذلك البد َء‪َّ .‬‬‫َّ‬
‫َ‬
‫تسلك‬ ‫وإل َأ ْن‬
‫ترفع معها سواها‪َّ .‬‬
‫َ‬ ‫وحدَ ها‪ ..‬راي َة ال إل َه َّإل اهلل‪ ..‬وال‬
‫الميس َر في حقيقتِ ِه‪.‬‬
‫َّ‬ ‫َ‬
‫المبارك‬ ‫ِ‬
‫ظاهره‪،‬‬ ‫الوعر َّ‬
‫الشاق في‬ ‫َ‬ ‫الدَّ عو ُة هذا ال َّط َ‬
‫ريق‬

‫هلل‪ ،‬لو َأ َّن الدَّ عو َة بد َأ ْت‬


‫ليخلص ِ‬‫َ‬ ‫ُ‬
‫المبارك‬ ‫المنهج‬
‫ُ‬ ‫وما كان هذا‬
‫ِ‬
‫خطواتها األُ ٰ‬
‫ولى دعو ًة قوم َّي ًة‪َ ،‬أو دعو ًة اجتماع َّي ًة‪َ ،‬أو دعو ًة َأخالق َّي ًة‪َ ،‬أو‬
‫ِ‬
‫الواحد‪« :‬ال إله َّإل اهلل»‪.‬‬ ‫ِ‬
‫شعارها‬ ‫جانب‬ ‫ٍ‬
‫شعار‬ ‫رفعت َأ َّي‬
‫ْ‬
‫َ‬
‫۞۞۞‬

‫َ‬
‫أمراض اجملتمع؟‬ ‫ُ‬
‫العقيدة‬ ‫ُ‬
‫تعاجل‬ ‫كيف‬

‫ِ‬
‫القلوب‬ ‫ِ‬
‫تقرير‪« :‬ال إله َّإل اهللُ» في‬ ‫المكي ك ِّله في‬ ‫ِ‬
‫القرآن‬ ‫ذلك ْ‬
‫شأ ُن‬
‫ِّ‬
‫ِ‬
‫اختيار‬ ‫على مش َّقتِه في ال َّظ ِ‬
‫اهر ـ وعد ِم‬ ‫ريق ـ ٰ‬ ‫واختيار هذا ال َّط ِ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫والعقول‪،‬‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫على هذا ال َّطريق‪.‬‬
‫واإلصرار ٰ‬ ‫السبل الجانب َّية األُ ٰ‬
‫خرى‪،‬‬ ‫ُّ‬
‫َ‬
‫دون‬ ‫ِ‬
‫االعتقاد وحدَ ها‪،‬‬ ‫تناول قض َّي ِة‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫القرآن في‬ ‫َفأ َّما ْ‬
‫شأ ُن هذا‬
‫‪124‬‬

‫والشرائ ِع ا َّلتي تن ِّظ ُم‬ ‫ِ‬


‫تفصيالت النِّظام ا َّلذي يقو ُم عليها‪َّ ،‬‬ ‫إلى‬ ‫الت ِ‬
‫َّطرق ٰ‬
‫ُّ‬
‫صحاب‬ ‫يقف َأما َمه َأ‬
‫ينبغي َأ ْن َ‬ ‫مما‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ِ‬
‫ُ‬ ‫ْ‬ ‫كذلك َّ‬ ‫فذلك‬ ‫المعامالت فيها‪،‬‬
‫الدَّ ِ‬
‫عوة لهذا الدِّ ين وقف ًة واعي ًة‪.‬‬
‫قضت هبذا‪ ..‬فهو دي ٌن يقو ُم ك ُّله‬
‫ْ‬ ‫إن طبيع َة هذا الدِّ ين هي ا َّلتي‬ ‫َّ‬
‫تنبثق‬
‫ُ‬ ‫وكل ترشيعاتِه‬
‫كل تنظيامتِه‪ُّ ،‬‬ ‫ِ‬
‫الواحدة‪ُّ ..‬‬ ‫قاعدة األُلوه َّي ِة‬
‫ِ‬ ‫عىل‬
‫ٰ‬
‫الضخم َة الباسق َة‪ ،‬الوارف َة‬ ‫الشجر َة َّ‬ ‫الكبري‪ ..‬وكام َأ َّن َّ‬ ‫ِ‬ ‫من هذا األَ ِ‬
‫صل‬
‫اهلواء‪ ..‬ال ُبدَّ هلا َأ ْن‬ ‫ِ‬ ‫الضاربة يف‬ ‫ِ‬ ‫الل‪ ،‬املتشابك َة األَ‬ ‫املديد َة ال ِّظ ِ‬
‫غصان‪َّ ،‬‬
‫ٍ‬
‫واسعة‪،‬‬ ‫ٍ‬
‫مساحات‬ ‫بعيدة‪ ،‬ويف‬ ‫ٍ‬ ‫الت ِبة عىل َأ ٍ‬
‫عامق‬ ‫بجذورها يف ُّ‬ ‫ِ‬ ‫ترضب‬
‫ٰ‬ ‫َ‬
‫إن نظا َمه‬ ‫فكذلك هذا الدِّ ي ُن‪َّ ..‬‬ ‫َ‬ ‫ِ‬
‫اهلواء‪..‬‬ ‫تناسب ضخامتَها وامتدا َدها يف‬ ‫ُ‬
‫وصغريها‪ ،‬وين ِّظ ُم حيا َة‬ ‫ِ‬ ‫َ‬ ‫يتناول احليا َة ك َّلها‪،‬‬ ‫ُ‬
‫َ‬ ‫كبريها‬ ‫شؤون البرش َّية َ‬ ‫َّ ٰ‬
‫ويتول‬
‫ِ‬
‫اآلخرة‪ ،‬وال‬ ‫كذلك يف الدَّ ِار‬ ‫َ‬ ‫احلياة الدُّ نيا وحدَ ها؛ ولك ْن‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫اإلنسان ـ ال يف‬
‫املكنون عنها‪ ،‬وال يف‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫الغيب‬ ‫كذلك يف عاملِ‬ ‫َ‬ ‫هادة وحدَ ه؛ ولك ْن‬ ‫الش ِ‬ ‫يف عاملِ َّ‬
‫مري ودنيا‬ ‫الض ِ‬ ‫عامق َّ‬ ‫كذلك يف َأ ِ‬ ‫َ‬ ‫اهرة وحدَ ها؛ ولكن‬ ‫املعامالت املادي ِة ال َّظ ِ‬ ‫ِ‬
‫َّ‬
‫مؤسس ٌة ضخم ٌة هائل ٌة شاسع ٌة مرتامي ٌة‪ ،‬وال ُبدَّ له‬ ‫ائر والنَّوايا ـ فهو َّ‬ ‫الس ِ‬ ‫َّ‬
‫يضا‪..‬‬ ‫ِ‬
‫واالنتشار َأ ً‬ ‫ِ‬
‫والعمق‬ ‫والض ِ‬
‫خامة‬ ‫عة َّ‬ ‫عامق هبذه الس ِ‬ ‫جذور و َأ ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫إذن من‬ ‫ْ‬
‫َّ‬
‫نفسه ويف‬ ‫بناء ِ‬ ‫ين وطبيعتِه‪ ،‬حيدِّ د منهجه يف ِ‬ ‫رس هذا الدِّ ِ‬
‫َ‬ ‫ُ‬ ‫جانب من ِّ‬ ‫ٌ‬ ‫هذا‬
‫وشمول هذه العقيدة واستغرا َقها‬ ‫َ‬ ‫بناء العقيدة ومتكينَها‪،‬‬ ‫ُ‬ ‫ِ‬
‫وجيعل َ‬ ‫امتداده‪،‬‬
‫ِ‬
‫حيحة‪،‬‬ ‫الص‬ ‫ات الن َ ِ‬ ‫َّفس ك ِّلها‪ ..‬ضـرور ًة من رضوري ِ‬ ‫لشعاب الن ِ‬ ‫ِ‬
‫َّشأة َّ‬ ‫َّ‬
‫ِ‬
‫اهلواء‬ ‫الش ِ‬
‫جرة يف‬ ‫بني ال َّظ ِ‬
‫اهر من َّ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫االحتامل‪ ،‬والتَّناسق َ‬ ‫ضامنات‬ ‫وضامنًا من‬
‫‪125‬‬
‫جذورها يف األَ ِ‬
‫عامق‪.‬‬ ‫ِ‬ ‫والض ِ‬
‫ارب من‬ ‫َّ‬
‫ِ‬
‫البعيدة‪،‬‬ ‫ِ‬
‫الغائرة‬ ‫ومتى استقر ْت عقيدةُ‪« :‬ال إله َّإل اهلل» في َأ ِ‬
‫عماقها‬ ‫َّ‬ ‫ٰ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫نفس الوقت النِّظا ُم ا َّلذي تتم َّث ُل فيه «ال إله َّإل اهلل»‪،‬‬ ‫استقر معها في‬
‫َّ‬
‫ِ‬
‫استقر ْت فيها‬
‫َّ‬ ‫و َت َع َّي َن َأنَّه النِّظام الوحيدُ ا َّلذي ترتضيه الن ُ‬
‫ُّفوس ا َّلتي‬
‫قبل َأ ْن‬
‫ُّفوس ابتدا ًء لهذا النِّظام‪ ،‬حت َّٰى َ‬ ‫واستسلمت هذه الن ُ‬
‫ْ‬ ‫العقيدةُ‪،‬‬
‫تعرض عليها تشريعاتُه‪.‬‬‫َ‬ ‫وقبل َأ ْن‬
‫ُعرض عليها تفصيالتُه‪َ ،‬‬ ‫ت َ‬

‫وبمثل هذا االستسال ِم‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬


‫اإليمان‪..‬‬ ‫فاالستسال ُم ابتدا ًء هو مقتضى‬
‫بالرضى‬
‫ٰ‬ ‫تنظيمات اإلسالم وتشريعاتِه‬ ‫ِ‬ ‫ُّفوس ـ فيما بعد ـ‬ ‫تل َّقت الن ُ‬
‫ِ‬

‫صدوره إليها‪ ،‬وال تتلك َُّأ في‬ ‫ِ‬ ‫فور‬ ‫ٍ‬ ‫ِ‬
‫على شيء منه َ‬ ‫تعترض ٰ‬ ‫ُ‬ ‫والقبول‪ ،‬ال‬
‫بطل‬ ‫الربا‪ ،‬و ُأ َ‬ ‫الخمر‪ ،‬و ُأ َ‬ ‫تنفيذه بمجر ِد تل ِّقيها له‪ ..‬وهكذا ُأ ِ‬ ‫ِ‬
‫بطل ِّ‬ ‫ُ‬ ‫بطلت‬ ‫ُ‬ ‫َّ‬
‫ِ‬
‫القرآن‪،‬‬ ‫بآيات من‬ ‫ٍ‬ ‫العادات الجاهل َّي ُة ك ُّلها‪ُ ..‬أ ْ‬
‫بطلت‬ ‫ُ‬ ‫الميسر‪ ،‬و ُأ ِ‬
‫بطلت‬ ‫ِ‬
‫ُ‬
‫الحكومات األَرض َّي ُة تجهدُ في‬ ‫ُ‬ ‫ول ﷺ‪ ،‬بينما‬ ‫كلمات من الرس ِ‬ ‫ٍ‬ ‫َأو‬
‫َّ ُ‬
‫ندها‬ ‫وضاعها‪ ،‬وج ِ‬ ‫ِ‬ ‫شيء من هذا ك ِّله بقوانينها وتشريعاتِها‪ ،‬و ُن ُظ ِمها و َأ‬ ‫ٍ‬
‫ُ‬
‫تبلغ َّإل َأن ْ‬ ‫ِ‬ ‫وسلطاتِها‪ ،‬ودعايتِها‬
‫اهر من‬ ‫بط ال َّظ َ‬ ‫تض َ‬ ‫وإعالمها‪ ،‬فال ُ‬
‫ِ‬
‫والمنكرات(‪!)1‬‬ ‫المخالفات‪ ،‬بينما المجتمع يعج بالمنْهي ِ‬
‫ات‬ ‫َّ‬ ‫ُ ُّ‬
‫۞۞۞‬

‫ِ‬
‫ظالل‬ ‫الطبعة المن َّق ِ‬
‫حة من كتاب «في‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫الخامس من‬ ‫ِ‬
‫الجزء‬ ‫الخمر في‬
‫َ‬ ‫حر َم اهللُ‬
‫كيف َّ‬
‫يراجع َ‬
‫ُ‬ ‫(( (‬
‫العالم‬
‫ُ‬ ‫خسر‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫عجزت أميركا عن ذلك‪ ،‬في كتاب «ماذا‬ ‫ْ‬ ‫القرآن» ص‪ 75‬ـ ‪ .85‬وكيف‬
‫ً‬ ‫َ‬
‫بانحطاط المسلمين؟» للسيد أبي الحسن الندوي‪ ،‬منقول عن كتاب «تنقيحات» للسيد‬ ‫ِ‬

‫َأبي األَعلى المودودي‪ُ .‬‬


‫(الم َؤ ِّلف)‪.‬‬
‫‪126‬‬

‫حركي واقعي‪:‬‬
‫ٌّ‬ ‫ٌ‬
‫منهج‬

‫طبيعة هذا الدِّ ين يتج َّل ٰى في هذا المنهج‬ ‫ِ‬ ‫آخر من‬ ‫وجانب ُ‬
‫ٌ‬
‫ليحكم الحيا َة‬
‫َ‬ ‫حركي جا ٌّد‪ ..‬جا َء‬ ‫ٌّ‬ ‫عملي‬
‫ٌّ‬ ‫منهج‬
‫ٌ‬ ‫القوي ِم‪َّ .‬‬
‫إن هذا الدِّ ي َن‬
‫مره ُي ِق ُّره‪َ ،‬أو ُيعدِّ ُله‪َ ،‬أو‬ ‫واقعها‪ ،‬ويواجه هذا الواقع ليقضي ِ‬
‫فيه َبأ ِ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫في ِ‬
‫ٍ‬ ‫ٍ‬
‫فعل‪ ،‬في‬ ‫واقعة ً‬ ‫لحاالت‬ ‫يغ ِّي ُره من َأساسه‪..‬ومن َث َّم فهو ال ِّ‬
‫يشر ُع َّإل‬
‫يعترف ابتدا ًء بحاكم َّي ِة اهلل وحدَ ه‪..‬‬
‫ُ‬ ‫مجتم ٍع‬
‫ُ‬
‫يتعامل‬ ‫ِ‬
‫«الفروض»! ‪ ..‬إن ُه «منهج»‬ ‫ُ‬
‫تتعامل مع‬ ‫ليس «نظرية»‬ ‫إ َّن ُه َ‬
‫المسلم ا َّلذي ُّ‬
‫يقر‬ ‫ُ‬ ‫المجتمع‬
‫ُ‬ ‫مع «الواقع»! ‪ ..‬فال ُبدَّ َأ َّو ًل َأ ْن يقو َم‬
‫ويرفض َأ ْن‬
‫ُ‬ ‫َ‬
‫عقيدةَ‪ :‬أ َّن ال إل َه َّإل اهلل‪ ،‬وأ ْن الحاكم َّي َة ليست َّإل ِ‬
‫هلل‪،‬‬ ‫َ‬
‫ويرفض شرع َّي َة َأ ِّي وض ٍع ال يقو ُم‬
‫ُ‬ ‫حد من ِ‬
‫دون اهلل‬ ‫يقر بالحاكمي ِة ألَ ٍ‬
‫َّ‬ ‫َّ‬
‫هذه القاعدة‪..‬‬‫على ِ‬
‫ٰ‬
‫۞۞۞‬

‫اجليل املسلم‪:‬‬ ‫شريع َ‬


‫بعد إنشاِء ِ‬ ‫َّ‬
‫الت ُ‬

‫إلى‬
‫تحتاج ٰ‬
‫ُ‬ ‫تكون له حيا ٌة واقع َّي ٌة‬
‫ُ‬ ‫المجتمع ً‬
‫فعل‪،‬‬ ‫ُ‬ ‫وحين يقو ُم هذا‬
‫ِ‬
‫تقرير النُّظ ِم‬ ‫ٍ‬
‫وعندئذ فقط يبد ُأ هذا الدِّ ي ُن في‬ ‫وإلى تشريعٍ‪..‬‬ ‫تنظي ٍم‬
‫ٰ‬
‫والشرائعِ‪ ،‬رافضي َن‬ ‫صل للنُّظ ِم َّ‬ ‫الشرائعِ‪ ،‬لقو ٍم مستسلمي َن َأ ً‬
‫وفي س ِّن َّ‬
‫صل ِ‬
‫لغيرها من النُّظ ِم َّ‬
‫والشرائعِ‪..‬‬ ‫َأ ً‬
‫سلطان على َأ ِ‬
‫نفسهم‬ ‫ٍ‬ ‫يكون للمؤمنين ِ‬
‫بهذه العقيدة من‬ ‫َ‬ ‫وال ُبدَّ َأ ْن‬
‫ٰ‬ ‫َ‬
‫‪127‬‬

‫والشرائ ِع في هذا المجتمع حت َّٰى‬


‫تنفيذ النِّظام َّ‬ ‫مجتمعهم ما ُ‬
‫يكفل َ‬ ‫ِ‬ ‫وعلى‬
‫ِ‬
‫لحياة هذا‬ ‫ُ‬
‫يكون‬ ‫فوق ما‬ ‫للش ِ‬
‫ريعة جدِّ يتُها‪َ ..‬‬ ‫َ‬
‫ويكون َّ‬ ‫َ‬
‫يكون للنِّظا ِم هيب ُت ُه‪،‬‬
‫رائع من ِ‬
‫فورها‪..‬‬ ‫المجتمع من واقع َّي ٍة تقتضي األَنظم َة َّ‬
‫والش َ‬
‫ِ‬
‫على َأنفسهم‪ ،‬وال ٰ‬
‫على‬ ‫سلطان ٰ‬ ‫ٌ‬ ‫والمسلمون في م َّك َة لم يك ْن ْ‬
‫لهم‬ ‫َ‬
‫كانت لهم حيا ٌة واقع َّي ٌة مستق َّل ٌة هم ا َّلذي َن ين ِّظمونَها‬ ‫ْ‬ ‫ِ‬
‫مجتمعهم‪ ،‬وما‬
‫وشرائع‪،‬‬ ‫ٍ‬
‫تنظيمات‬ ‫ِ‬
‫الفترة‬ ‫بشريعة اهلل‪ ..‬ومن َثم لم ي ِّنز ِل اهلل لهم في ِ‬
‫هذه‬ ‫ِ‬
‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َّ ُ‬
‫ِ‬
‫استقرارها في‬ ‫هذه العقيدة بعد‬ ‫وخل ًقا منبث ًقا من ِ‬ ‫وإنَّما َّنز َل لهم عقيدةً‪ُ ،‬‬
‫ٍ‬
‫سلطان‪،‬‬ ‫ذات‬ ‫ِ‬
‫المدينة ُ‬ ‫صارت لهم دول ٌة في‬ ‫ْ‬ ‫ِ‬
‫البعيدة‪ ..‬فلما َأ ْن‬ ‫األَ ِ‬
‫عماق‬
‫حاجات المجتمع‬‫ِ‬ ‫وتقر َر لهم النِّظام ا َّلذي يواج ُه‬ ‫عليهم َّ‬
‫رائع‪َّ ،‬‬
‫الش ُ‬ ‫ُ‬ ‫لت‬
‫تنز ْ‬
‫َّ‬
‫المسل ِم الواقع َّية‪ ،‬وا َّلذي تك ُف ُل له الدَّ ول ُة بسلطاتِها الجدِّ َّي ُة والنَّفا َذ‪.‬‬

‫رائع في م َّك َة‪ ،‬ليختزنوها‬


‫والش َ‬ ‫ينز َل عليهم النِّظام َّ‬ ‫ولم يشأِ اهللُ َأ ْن ِّ‬
‫ليست طبيع َة‬
‫ْ‬ ‫إن ِ‬
‫هذه‬ ‫ِ‬
‫المدينة! َّ‬ ‫ولة في‬‫جاهز ًة حتَّى تطب َق بمجر ِد قيا ِم الدَّ ِ‬
‫َّ‬ ‫ٰ َّ‬
‫هذا الدِّ ين! ‪ ..‬إ َّن ُه َأشدُّ واقع َّي ًة من هذا و َأ ُ‬
‫كثر جدِّ َّية! ‪..‬‬

‫الواقع‬ ‫حلول‪ ..‬إنَّما يواج ُه‬‫ً‬ ‫ليفترض لها‬


‫َ‬ ‫ِ‬
‫المشكالت‬ ‫يفترض‬‫ُ‬ ‫إنَّه ال‬
‫َ‬
‫ٍ‬
‫لشريعة‬ ‫ٍ‬
‫رافض‬ ‫ِ‬
‫لشريعة اهلل‬ ‫واقع مجتم ٍع مسل ٍم مستسل ٍم‬ ‫ُ‬
‫يكون‬ ‫حي َن‬
‫َ‬
‫حجمه‬‫ِ‬ ‫وفق‬
‫ليشر َع له َ‬ ‫وشكل ِه ومالبساتِه وظروفِه‪،‬‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫بحجمه‬ ‫سوا ُه‬
‫ِّ‬
‫وشكل ِه ومالبساتِ ِه وظروفِه‪.‬‬
‫ِ‬
‫يريدون من اإلسالم اليوم َأ ْن يصو َغ نظري ٍ‬
‫ات‪ ،‬و َأ ْن يصو َغ‬ ‫َ‬ ‫وا َّلذي َن‬
‫َّ‬ ‫َ‬
‫‪128‬‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ٍ‬
‫وجه‬ ‫على‬
‫ليس ٰ‬ ‫قوالب نظا ٍم‪ ،‬و َأ ْن يصو َغ تشريعات للحياة‪ ..‬بينما َ‬ ‫َ‬
‫كل‬ ‫ور ْف َض ِّ‬ ‫ِ‬ ‫مجتمع قد َّقر َر ً‬ ‫األَرض‬
‫تحكيم شريعة اهلل وحدَ ها‪َ ،‬‬ ‫َ‬ ‫فعل‬ ‫ٌ‬
‫تفرض هذا وتن ِّف ُذه‪ ..‬ا َّلذي َن‬
‫ُ‬ ‫لطة ا َّلتي‬ ‫شريعة سواها‪ ،‬مع تم ُّل ِكه للس ِ‬‫ٍ‬
‫ُّ‬
‫يعمل‬ ‫كيف ُ‬ ‫يدركون طبيع َة هذا الدِّ ين‪ ،‬وال َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫يريدون من اإلسالم هذا‪ ،‬ال‬
‫ِ‬
‫الحياة‪ ..‬كما يريدُ له اهلل‪..‬‬ ‫في‬
‫ٍ‬
‫نظريات‬ ‫َ‬
‫وتاريخ ُه‪ ،‬ليشاب َه‬ ‫ومنهج ُه‬ ‫يريدون من ُه َأ ْن يغ ِّي َر طبيع َت ُه‬
‫َ‬ ‫إنَّهم‬
‫َ‬
‫طريقه وخطواتِ ِه‬ ‫ِ‬ ‫ويحاولون َأ ْن يستعجلو ُه عن‬ ‫َ‬ ‫ومناهج بشر َّي ًة‪،‬‬‫َ‬ ‫بشر َّي ًة‪،‬‬
‫ٍ‬
‫رغبات إنَّما تُنش ُئها الهزيم ُة الدَّ اخل َّية‬ ‫نفوسهم‪،‬‬ ‫رغبات وقتي ًة في ِ‬ ‫ٍ‬ ‫ليل ِّب َي‬
‫َّ‬
‫ٍ‬ ‫نظمة بشر َّي ٍة‬
‫رواحهم تجاه َأ ٍ‬ ‫في َأ ِ‬
‫يريدون منه َأ ْن يصو َغ َ‬
‫نفس ُه‬ ‫َ‬ ‫صغيرة‪..‬‬ ‫َ‬
‫ٍ‬
‫موجود‪..‬‬ ‫غير‬ ‫ً‬ ‫ٍ‬ ‫قالب نظري ٍ‬‫في ِ‬
‫مستقبل َ‬ ‫وفروض‪ ،‬تواج ُه‬ ‫ات‬ ‫َّ‬
‫القلب‪،‬‬
‫َ‬ ‫يكون كما َأرا َده‪ ..‬عقيد ًة تم ُ‬
‫أل‬ ‫َ‬ ‫واهللُ يريدُ لهذا الدِّ ين َأ ْن‬
‫َّاس َّإل هلل‪،‬‬
‫يخضع الن ُ‬‫َ‬ ‫الضمير‪ ،‬عقيد ًة مقتضاها َأ َّل‬
‫وتفرض سلطانَها على َّ‬ ‫ُ‬
‫دون سواه‪ ..‬وبعد َأ ْن يوجدَ النَّاس ا َّلذين ِ‬
‫هذه‬ ‫رائع َّإل من ُه َ‬ ‫و َأ َّل يتل َّقوا َّ‬
‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫الش َ‬
‫َّشريعات‬ ‫ِ‬
‫مجتمعهم‪ ،‬تبد ُأ الت‬ ‫الفعلي في‬ ‫الس ُ‬
‫لطان‬
‫ُ‬ ‫ُّ‬ ‫لهم ُّ‬
‫ويصبح ُ‬
‫َ‬ ‫عقيدتهم‪،‬‬
‫ُ‬
‫لمواجهة حاجاتِهم الواقع َّية‪ ،‬وتنظي ِم حياتِهم الواقع َّية كذلك‪.‬‬
‫ِ‬

‫يكون َّإل ما يريدُ ه اهلل‪ ،‬مهما‬


‫َ‬ ‫هلل لهذا الدِّ ين‪ ..‬ولن‬
‫هذا ما يريدُ ه ا ُ‬
‫رغبات النَّاس!‬
‫ُ‬ ‫كانت‬
‫۞۞۞‬
‫‪129‬‬

‫َّة ُّ‬
‫الدعاة‪:‬‬ ‫الواقع من مسؤوليِ‬
‫فهم ِ‬ ‫ُ‬
‫صحاب الدَّ ِ‬
‫عوة اإلسالم َّية؛ َأنَّهم‬ ‫ِ‬ ‫يكون مفهو ًما ألَ‬
‫َ‬ ‫ينبغي َأ ْن‬ ‫َ‬
‫كذلك‬
‫ْ‬
‫يجب َأ ْن يدعوهم َأ َّو ًل‬ ‫ِ‬
‫إنشاء هذا الدِّ ين‪،‬‬ ‫ِ‬
‫إلعادة‬ ‫َّاس‬ ‫َ‬
‫ُ‬ ‫يدعون الن َ‬ ‫حي َن‬
‫ِ‬
‫نفسهم مسلمي َن‪ ،‬وتشهدُ‬ ‫يدعون َأ َ‬‫َ‬ ‫اعتناق العقيدة(‪ )1‬ـ حت َّٰى لو كانوا‬ ‫إلى‬
‫ٰ‬
‫مسلمون! ـ يجب َأ ْن يع ِّلموهم َأ َّن اإلسال َم‪:‬‬‫َ‬ ‫ِ‬
‫الميالد َبأنَّهم‬ ‫شهادات‬
‫ُ‬ ‫لهم‬
‫الحقيقي ـ وهو ر ُّد‬
‫ِّ‬ ‫عقيدة «ال إل َه َّإل اهلل» ـ بمدلولِها‬
‫ِ‬ ‫إقرار‬
‫ُ‬ ‫هو َ‬
‫«أ َّو ًل»‬
‫سلطان اهلل باد ِ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫الحاكم َّي ِة هلل في َأ ِ‬
‫عاء‬ ‫ِّ‬ ‫مرهم ك ِّله‪ ،‬وطر ُد المعتدي َن ٰ‬
‫على‬
‫وإقرارها في‬ ‫ِ‬
‫وشعائرهم‪،‬‬ ‫ِ‬
‫ضمائرهم‬ ‫إقرارها في‬ ‫نفسهم‪،‬‬‫الحق ألَ ِ‬
‫هذا ِّ‬
‫ُ‬ ‫ُ‬
‫ِ‬
‫وواقعهم‪..‬‬ ‫ِ‬
‫وضاعهم‬ ‫َأ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫َّاس إلى اإلسالم‪ ،‬كانت‬ ‫دعوة الن ِ‬ ‫ساس‬‫ولتك ْن هذه القض َّي ُة هي َأ َ‬
‫مر ٍة‪ ..‬هذه الدَّ عو ُة ا َّلتي تك َّف َل بها‬ ‫ِ‬
‫ساس دعوتهم إلى اإلسالم َأ َّول َّ‬ ‫هي َأ َ‬
‫دخل في هذا الدِّ ين‬ ‫عشر عا ًما كامل ًة‪ ..‬فإذا َ‬ ‫َ‬
‫طوال ثالث َة َ‬ ‫المكي‬
‫ُّ‬ ‫ُ‬
‫القرآن‬
‫ِ‬
‫فهذه ال ُعصب ُة هي ا َّلتي‬ ‫صيل ـ ُعصب ٌة من الن ِ‬
‫َّاس‪..‬‬ ‫ِ‬
‫بمفهومه هذا األَ ِ‬ ‫ـ‬
‫ِ‬
‫لمزاولة‬ ‫اسم «المجتمع المسلم»‪ ..‬المجتمع ا َّلذي يص ُل ُح‬ ‫يطلق عليها ُ‬ ‫ُ‬
‫نفس ِه َأ ْن‬
‫النِّظام اإلسالمي في حياتِه االجتماعي ِة‪ ،‬ألَ َّنه قرر بينَه وبين ِ‬
‫َ‬ ‫ُ َّ َ ُ‬ ‫َّ‬ ‫ِّ‬
‫على هذا األَساس‪ ،‬و َأال يحكِّم في حياتِه ك ِّلها َّإل اهلل‪.‬‬
‫تقو َم حياتُه ك ُّلها ٰ‬

‫توضيح‬
‫ٌ‬ ‫فهم من هذا الكال ِم َأ َّن س ِّيد ُق ُطب ‪ ‬يك ِّف ُر هؤالء المسلمي َن‪ ،‬وإنَّما هو‬ ‫((( تنبيه‪ :‬ال ُي ُ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫تطبيق َأ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫المكي‬
‫ِّ‬ ‫الشريعة؛ كما كان في العهد‬ ‫وامر َّ‬ ‫ُ‬ ‫لمراحل الدَّ عوة النَّبو َّية‪ :‬العقيد ُة َأ َّو ًل‪َّ ..‬‬
‫ثم‬ ‫ِ‬
‫ثم َس ِمعنا و َأطعنا‪.‬‬‫المدني‪ ،‬يعني‪ :‬آمنَّا وصدَّ قنا َأ َّو ًل‪َّ ..‬‬‫ِّ‬ ‫ثم‬
‫َّ‬
‫‪130‬‬

‫سس النِّظام‬‫عرض ُأ ِ‬ ‫ُ‬ ‫بالفعل يبد ُأ‬


‫ِ‬ ‫المجتمع‬
‫ُ‬ ‫وحي َن يقو ُم هذا‬
‫ِ‬
‫َّشريعات‬ ‫نفسه في َس ِّن الت‬ ‫اإلسالمي عليه‪ ،‬كما ْيأ ُ‬
‫المجتمع َ‬
‫ُ‬ ‫خذ هذا‬ ‫ِّ‬
‫سس العا َّمة للنِّظا ِم‬‫ا َّلتي تقتضيها حياتُه الواقع َّي ُة‪ ،‬في إطار األُ ِ‬
‫اإلسالمي‬ ‫ِ‬
‫لخطوات المنهج‬ ‫حيح‬
‫ِّ‬ ‫الص ُ‬
‫َّرتيب َّ‬
‫اإلسالمي‪ ..‬فهذا هو الت ُ‬ ‫ِّ‬
‫العملي الجا ِّد‪.‬‬
‫ِّ‬ ‫الواقعي‬
‫ِّ‬
‫۞۞۞‬
‫العجلة ُ‬
‫آفة ُّ‬
‫الدعاة‪:‬‬ ‫ُ‬

‫ممن ال يتد َّب َ‬


‫رون‬ ‫المتعجلي َن‪َّ ،‬‬
‫ِّ‬ ‫ِ‬
‫لبعض المخلصي َن‬ ‫ولقد ُيخ َّي ُل‬
‫على‬
‫س ٰ‬ ‫المؤس ِ‬
‫َّ‬ ‫اني القوي ِم‪،‬‬ ‫طبيع َة هذا الدِّ ين‪ ،‬وطبيع َة منهجه َّ‬
‫الر َّب ِّ‬
‫ِ‬
‫الحياة‪..‬‬ ‫ِ‬
‫وحاجات‬ ‫ِ‬
‫البشر‬ ‫ِ‬
‫وعلمه بطبائ ِع‬ ‫ِ‬
‫حكمة العلي ِم الحكي ِم‪،‬‬
‫عر َض ُأ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫اإلسالمي ـ ِ‬
‫بل‬ ‫ِّ‬ ‫سس النِّظام‬ ‫لبعض هؤالء َأ َّن ْ‬ ‫نقول‪ :‬لقدْ ُيخ َّي ُل‬‫ُ‬
‫طريق الدَّ ِ‬
‫عوة‪،‬‬ ‫ييس ُر لهم َ‬ ‫َّشريعات اإلسالم َّية كذلك ـ على الن ِ‬ ‫ِ‬
‫مما ِّ‬
‫َّاس‪َّ ،‬‬ ‫الت‬
‫َّاس في هذا الدِّ ين!‬ ‫ب الن َ‬ ‫ويح ِّب ُ‬
‫يقترحه‬
‫َ‬ ‫وهذا َو ْه ٌم تُنش ُئه ال َع َجل ُة! َو ْه ٌم كا َّلذي كان يمك ُن َأ ْن‬
‫راية قوم َّي ٍة‪،‬‬
‫تحت ٍ‬ ‫َ‬ ‫المقترحون‪َ :‬أ ْن تقو َم دعو ُة رسول اهلل ﷺ في َأ َّولها‬
‫َ‬
‫تيسيرا لل َّطريق!‬
‫ً‬ ‫راية َأخالق َّي ٍة‪،‬‬
‫راية اجتماعي ٍة‪َ ،‬أو ٍ‬
‫َّ‬
‫َأو ٍ‬

‫ص َأ َّو ًل هلل‪ ،‬وتعل َن عبود َّيتها له وحدَ ه‪،‬‬ ‫إن القلوب يجب َأن ت ْ ِ‬ ‫َّ‬
‫ُخل َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬
‫ناحية المبدأِ‪..‬‬
‫ِ‬ ‫غيره‪ ..‬من‬ ‫آخر ِ‬ ‫كل شر ٍع َ‬ ‫ِ‬
‫ورفض ِّ‬ ‫شرع ِه وحدَ ه‪،‬‬
‫ِ‬ ‫ب َق ِ‬
‫بول‬
‫الشر ِع ُير ِّغبها فيه!‬ ‫تفصيل عن َ‬
‫ذلك َّ‬ ‫ٍ‬ ‫ُخاطب َبأ ِّي‬
‫َ‬ ‫قبل َأ ْن ت‬
‫َ‬
‫‪131‬‬

‫َّحر ِر من‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫يجب َأ ْن َ‬ ‫إن الرغب َة‬ ‫َّ‬


‫هلل‪ ،‬والت ُّ‬ ‫تنبثق من إخالص العبود َّية ِ‬ ‫ُ‬
‫خير مما‬ ‫ِ‬ ‫سلطان سواه‪ ،‬ال من َأ َّن النِّظام‬‫ِ‬
‫المعروض عليها في‪ ..‬ذاته‪ٌ ..‬‬ ‫َ‬
‫ِ‬
‫َّفصيل‪.‬‬ ‫نظمة في كذا وكذا على ِ‬
‫وجه الت‬ ‫لديها من األَ ِ‬
‫ٰ‬
‫شرع‬
‫ُ‬ ‫َ‬
‫يكون‬ ‫خير في ذاتِه؛ ألَنَّه م ْن شر ِع اهلل‪ ..‬ول ْن‬ ‫إن نظا َم اهلل ٌ‬ ‫َّ‬
‫إن قاعد َة‬ ‫العبيد يو ًما كشر ِع اهلل‪ ..‬ولك َّن هذه ليست قاعد َة الدَّ عوة! َّ‬ ‫ِ‬
‫كل شر ٍع ِ‬
‫غيره َأ ًّيا‬ ‫ورفض ِّ‬ ‫َ‬ ‫بول شر ِع اهلل وحدَ ه َأ ًّيا كان‪،‬‬ ‫الدَّ ِ‬
‫عوة َأ َّن َق َ‬
‫ِ‬
‫رغب في‬ ‫فمن‬ ‫ٌ‬
‫مدلول سوا ُه‪َ ،‬‬ ‫وليس لإلسالم‬
‫َ‬ ‫كان‪ ،‬هو ذاتُه اإلسال ُم‪،‬‬
‫إلى ترغيبِه‬ ‫ٍ‬ ‫ِ‬
‫فص َل في القض َّية‪ ،‬ولم يعدْ بحاجة ٰ‬ ‫اإلسالم ابتدا ًء فقد َ‬
‫ات اإليمان‪.‬‬ ‫بجمال النِّظام و َأفضليتِه‪ ..‬فهذه إحدى بديهي ِ‬
‫ِ‬
‫َّ‬ ‫ٰ‬ ‫َّ‬
‫۞۞۞‬

‫عرض العقيدة‪:‬‬ ‫األ ُ‬‫ُ‬


‫القرآني يف ِ‬
‫ُّ‬ ‫سلوب‬

‫المكي قض َّي َة العقيدة في‬


‫ُّ‬ ‫ُ‬
‫القرآن‬ ‫عالج‬
‫كيف َ‬ ‫نقول‪َ :‬‬ ‫وبعدُ ‪ ،‬فال ُبدَّ َأ ْن َ‬
‫ٍ‬
‫صورة «نظر َّية» وال في‬ ‫يعرضها في‬
‫ْ‬ ‫خالل الثالث َة َ‬
‫عشر عا ًما‪ ..‬إنَّه لم‬
‫كالمي كا َّلذي زاو َله ما‬ ‫ٍ‬
‫جدل‬ ‫ِ‬
‫صورة‬ ‫يعرضها في‬‫ْ‬ ‫ٍ‬
‫«الهوت» ولم‬ ‫ِ‬
‫صورة‬
‫ٍّ‬
‫ِ‬
‫َّوحيد»!‬ ‫«علم الت‬ ‫يسم ٰى‪:‬‬
‫َ‬ ‫َّ‬
‫يخاطب فطر َة «اإلنسان» بما في‬ ‫ُ‬ ‫الكريم‬
‫ُ‬ ‫ُ‬
‫القرآن‬ ‫كل! لقد َ‬
‫كان‬ ‫َّ‬
‫ٍ‬
‫وإيحاءات‪ ..‬كان‬ ‫َ‬
‫دالئل‬ ‫ِ‬
‫الوجود حو َله من‬ ‫وجوده هو‪ ،‬وبما في‬ ‫ِ‬
‫ِ‬
‫الركا ِم‪ ،‬و ُيخ ِّلص َأجهز َة االستقبال الفطر َّي َة َّ‬
‫مما‬ ‫ُ‬
‫يستنقذ فطرتَه من ُّ‬
‫‪132‬‬
‫ِ‬
‫الموحيات‬ ‫ِ‬
‫الفطرة‪ ،‬لتتل َّقى‬ ‫َ‬
‫منافذ‬ ‫ويفتح‬ ‫ران عليها و َع َّط َل وظائ َفها‪،‬‬
‫َ‬
‫ُ‬
‫وتستجيب لها‪.‬‬
‫َ‬ ‫المؤ ِّثر َة‬

‫يخوض بهذه العقيدة‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬


‫القرآن‬ ‫خاص ٍة كان‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬
‫هذا بصفة عا َّمة‪ ..‬وبصفة َّ‬
‫ٍ‬
‫ِ‬ ‫الم َع ِّط ِل‬
‫للفطرة‬ ‫الركا ِم ُ‬ ‫يخوض بها معرك ًة مع ُّ‬ ‫ُ‬ ‫معرك ًة ح َّي ًة واقع َّي ًة‪ ..‬كان‬
‫شكل «النَّظر َّية» هو‬ ‫ثم لم يك ْن ُ‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬
‫نفوس آدم َّية حاضرة واقعة‪ ..‬ومن َّ‬ ‫في‬
‫ِ‬
‫المواجهة‬ ‫ُ‬
‫شكل‬ ‫الخاص؛ إنَّما هو‬ ‫الواقع‬ ‫يناسب هذا‬ ‫كل ا َّلذي‬‫الش َ‬ ‫َّ‬
‫َّ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬
‫قات النَّفس َّي ِة والواقع َّية‬ ‫والحواجز‪ ،‬والمعو ِ‬
‫ِّ‬ ‫ِ‬ ‫للعقابيل والس ِ‬
‫دود‬ ‫ُّ‬ ‫ِ‬ ‫الح َّي ِة‬
‫القائم على‬
‫ُ‬ ‫هني ـ‬
‫الذ ُّ‬ ‫الجدل ِّ‬‫ُ‬ ‫الحاضرة الح َّي ِة‪ ..‬ولم ِ‬
‫يكن‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ُّفوس‬ ‫في الن‬
‫ِ‬ ‫العصور َ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫َّوحيد‪،‬‬ ‫علم الت‬‫المتأ ِّخرة ُ‬ ‫سار عليه في‬ ‫كلي ـ ا َّلذي َ‬ ‫الش ِّ‬ ‫المنطق َّ‬
‫المناسب كذلك‪.‬‬
‫َ‬ ‫الش َ‬
‫كل‬ ‫هو َّ‬

‫بكل مالبساتِه الح َّي ِة‪،‬‬


‫كامل ِّ‬
‫القرآن يواج ُه «واق ًعا» بشر ًّيا ً‬
‫ُ‬ ‫فلقد َ‬
‫كان‬
‫خضم هذا الواقعِ‪ ..‬وكذلك لم‬ ‫ِّ‬ ‫ويخاطب الكينون َة البشر َّي َة بجملتِها في‬
‫ُ‬
‫المناسب‪.‬‬
‫َ‬ ‫كل‬ ‫الش َ‬
‫هوت» هو َّ‬ ‫«الل ُ‬ ‫ِ‬
‫يكن َّ‬
‫ٍ‬
‫حياة‬ ‫منهج‬ ‫فإن العقيد َة اإلسالم َّي َة‪ ،‬ولو َأنَّها عقيدةٌ؛ َّإل َأنَّها تم ِّث ُل‬
‫َّ‬
‫َ‬
‫َّاوية َّ ِ‬ ‫َّطبيق العملي‪ ،‬وال ت ْقبع في الز ِ‬ ‫واقع َّي ٍة للت ِ‬
‫الض ِّيقة ا َّلتي ُ‬
‫تقبع فيها‬ ‫ُ‬ ‫ِّ‬
‫بحاث الالهوت َّي ُة النَّظر َّي ُة!‬
‫ُ‬ ‫األَ‬
‫ِ‬
‫الجماعة المسلمة‪،‬‬ ‫ِ‬
‫ضمائر‬ ‫ُ‬
‫القرآن‪ ،‬وهو َيبني العقيد َة في‬ ‫َ‬
‫كان‬
‫ِ‬
‫الجماعة المسلمة معرك ًة ضخـم ًة مـع الجاهل َّية من‬ ‫ِ‬
‫بهذه‬ ‫يخوض‬
‫ُ‬
‫‪133‬‬
‫ِ‬
‫رواسب الجاهل َّية في‬ ‫يخوض بها معرك ًة ضخم ًة مـع‬ ‫ُ‬ ‫حولِها‪ ،‬كما‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ضميرها هي و َأخالقها وواقعها‪ ..‬ومـن هذه المالبسات َ‬
‫ظهر بنا ُء‬
‫ِ‬
‫صورة‬ ‫ٍ‬
‫«الهوت» وال في‬ ‫ِ‬
‫صورة‬ ‫صورة «نظر َّي ٍة» وال في‬
‫ٍ‬ ‫العقيدة‪ ،‬ال في‬
‫ٍ‬ ‫تجم ٍع‬ ‫ِ‬ ‫ٍ‬
‫وتكوين‬ ‫حيوي‪،‬‬
‫ٍّ‬ ‫عضوي‬
‫ّ‬ ‫كالمي»‪ ..‬ولك ْن في صورة ُّ‬ ‫ٍّ‬ ‫«جدل‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ٍ‬
‫نمو‬ ‫مباشر للحياة‪ُ ،‬م َم َّث ٍل في الجماعة المسلمة ذاتها‪ ،‬وكان ُّ‬ ‫تنظيمي‬
‫ٍّ‬
‫وفق‬
‫الواقعي َ‬ ‫ِ‬
‫سلوكها‬ ‫االعتقادي‪ ،‬وفي‬ ‫تصو ِرها‬ ‫ِ‬
‫ِّ‬ ‫ِّ‬ ‫الجماعة المسلمة في ُّ‬
‫ٍ‬ ‫مواجهة الجاهلية كمن َّظ ٍ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫محاربة لها‪..‬‬ ‫مة‬ ‫َّ‬ ‫َّصو ِر‪ ،‬وفي ُد ْر َبتها ٰ‬
‫على‬ ‫هذا الت ُّ‬
‫العقيدي‪ ،‬وترجم ًة ح َّي ًة له‪..‬‬
‫ِّ‬ ‫ُّمو ذاتُه مم ِّث ًل تما ًما لن ِّ‬
‫ُمو البناء‬ ‫كان هذا الن ُّ‬
‫منهج اإلسالم ا َّلذي يم ِّث ُل طبيعتَه كذلك‪.‬‬
‫وهذا هو ُ‬

‫املكي‪:‬‬
‫ّ‬ ‫للعهد‬ ‫فهم ُّ‬
‫الدعاِة ِ‬ ‫ُ‬
‫ضرورة ِ‬

‫عوة اإلسالم َّية َأ ْن يدركُوا‬ ‫صحاب الدَّ ِ‬


‫ِ‬ ‫روري ألَ‬ ‫الض‬
‫وإنَّه لم َن َّ‬
‫ِّ‬
‫على هذا الن ِ‬
‫َّحو ا َّلذي َب َّينَّا ُه‪ ،‬ذلك‬ ‫ِ‬ ‫طبيع َة هذا الدِّ ين‪،‬‬
‫ومنهج ُه في الحركة ٰ‬ ‫َ‬
‫على هذا‬ ‫ِ‬ ‫ليعلموا َأ َّن مرحل َة ِ‬
‫بناء العقيدة ا َّلتي‬
‫المكي ٰ‬ ‫ِّ‬ ‫العهد‬ ‫طالت في‬
‫ْ‬
‫للحركة اإلسالم َّية‪،‬‬ ‫ِ‬ ‫العملي‬ ‫ِ‬
‫َّكوين‬ ‫ِ‬
‫مرحلة الت‬ ‫َّحو‪ ،‬لم تك ْن منعزل ًة عن‬‫الن ِ‬
‫ِّ‬
‫للجماعة المسلمة‪ ،‬لم تك ْن مرحل َة تل ِّقي «النَّظر َّية»‬ ‫ِ‬ ‫الواقعي‬ ‫ِ‬
‫والبناء‬
‫ِّ‬
‫ِ‬
‫وللجماعة‪،‬‬ ‫ِ‬
‫للعقيدة‪،‬‬ ‫القاعدي‬ ‫ِ‬
‫البناء‬ ‫كانت مرحل َة‬ ‫ودراستِها! ولكنَّها‬
‫ِّ‬ ‫ْ‬
‫تكون ك َّلما ُأريدَ‬
‫َ‬ ‫ينبغي َأ ْن‬ ‫الفعلي م ًعا‪ ..‬وهكذا‬ ‫ِ‬
‫وللوجود‬ ‫ِ‬
‫وللحركة‪،‬‬
‫ْ‬ ‫ِّ‬
‫ِ‬
‫مر ًة ُأ ٰ‬
‫خرى‪.‬‬ ‫إعاد ُة هذا البناء َّ‬
‫‪134‬‬
‫ِ‬
‫البناء‬ ‫خطوات‬ ‫تتم‬ ‫بناء العقيدة‪َ ،‬‬‫تطول مرحل ُة ِ‬ ‫َ‬ ‫هكذا ينبغي َأ ْن‬
‫ُ‬ ‫وأ ْن َّ‬
‫ٍ‬
‫دراسة‬ ‫تكون مرحل َة‬‫َ‬ ‫ت‪ُ ..‬ث َّم هكذا ينبغي َأ َّل‬ ‫عمق وتثب ٍ‬ ‫مهل‪ ،‬وفي ٍ‬ ‫على ٍ‬
‫ُّ‬ ‫ٰ‬
‫لهذه العقيدة ـ َأ َّو ًل َبأ َّو ٍل ـ في‬ ‫ِ‬ ‫ٍ‬
‫ترجمة‬ ‫ولكن مرحل َة‬ ‫ِ‬
‫للعقيدة‪،‬‬ ‫نظر َّي ٍة‬
‫ْ‬
‫لة في ٍ‬
‫بناء‬ ‫بهذه العقيدة‪ ،‬ومتم ِّث ٍ‬ ‫ِ‬ ‫لة في ضمائر متكي ٍ‬
‫فة‬ ‫صورة حي ٍة‪ ،‬متم ِّث ٍ‬ ‫ٍ‬
‫ِّ‬ ‫َ‬ ‫َّ‬
‫نمو‬ ‫ِ ِ‬ ‫نمو ُه من داخلِ ِه ومن‬ ‫وتجم ٍع‬
‫خارجه عن ِّ‬ ‫حركي‪ُ ،‬يع ِّب ُر ُّ‬‫ٍّ‬ ‫ُّ‬ ‫جماعي‬
‫ٍّ‬
‫ُ‬
‫وتخوض‬ ‫حركة واقع َّي ٍة تواج ُه الجاهل َّي َة‪،‬‬
‫ٍ‬ ‫العقيدة ذاتِها‪ ،‬ومتم ِّثل ًة في‬
‫الض ِ‬
‫مير وفي الواق ِع كذلك‪ ،‬لتتم َّث َل العقيد َة ح َّي ًة‪،‬‬ ‫معها المعرك َة في َّ‬
‫ِ‬
‫المعركة‪.‬‬ ‫خضم‬ ‫نموا ح ًّيا في‬
‫ِّ‬ ‫وتنمو ًّ‬
‫َ‬

‫نظري ًة ذهنيَّة‪:‬‬ ‫ُ‬


‫العقيدة ليست َّ‬

‫تتبلور العقيد ُة في‬


‫َ‬ ‫بالقياس إلى اإلسالم ـ َأ ْن‬
‫ِ‬ ‫وخطأ َأ ُّي خطأٍ ـ‬
‫ٌ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ٍ‬ ‫ِ‬
‫خطر‬
‫مجردة للدِّ راسة الذهن َّية‪ ..‬المعرف َّية الثقاف َّية‪ ..‬بل ٌ‬ ‫صورة «نظر َّية» َّ‬
‫خطر كذلك‪.‬‬‫َأ ُّي ٍ‬

‫ِ‬
‫بسبب‬ ‫يقض ثالث َة عشر عاما كامل ًة في ِ‬
‫بناء العقيدة‬ ‫ِ‬ ‫َ‬
‫القرآن لم‬ ‫َّ‬
‫إن‬
‫َ ً‬
‫كل! فلو َأرا َد اهللُ ألَ َ‬ ‫ِ‬
‫القرآن جمل ًة‬
‫َ‬ ‫نزل هذا‬ ‫للمرة األُ ٰ‬
‫ولى‪َّ ..‬‬ ‫يتنز ُل َّ‬
‫كان َّ‬ ‫َأ َّن ُه َ‬
‫كثر َأو َأ َّ‬
‫قل‪،‬‬ ‫عشر عا ًما‪َ ،‬أو َأ َ‬
‫ترك َأصحا َبه يدرسو َن ُه ثالث َة َ‬
‫واحدةً‪ُ ،‬ث َّم َ‬
‫حت َّٰى يستوعبوا «النَّظر َّي َة اإلسالم َّي َة»‪.‬‬

‫منهجا مع َّينًا‬
‫ً‬ ‫آخر‪َ ،‬‬
‫كان يريدُ‬ ‫مرا َ‬ ‫ولك َّن اهللَ ـ سبحانه ـ كان يريدُ َأ ً‬
‫واحد‪..‬‬ ‫ٍ‬ ‫عقيدة في ٍ‬
‫وقت‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬
‫حركة‪ ،‬وبنا َء‬ ‫ٍ‬
‫جماعة‪ ،‬وبنا َء‬ ‫متفر ًدا‪ُ ،‬‬
‫كان يريدُ بنا َء‬ ‫ِّ‬
‫‪135‬‬

‫يبني‬
‫َ‬ ‫يبني الجماع َة والحرك َة بالعقيدة‪َ ،‬‬
‫وأ ْن‬ ‫َ‬ ‫كان يريدُ َأ ْن‬
‫َ‬
‫واقع‬ ‫تكون العقيد ُة هي‬
‫َ‬ ‫‪..‬كان يريدُ َأ ْن‬
‫َ‬ ‫ِ‬
‫والحركة‬ ‫ِ‬
‫بالجماعة‬ ‫العقيد َة‬
‫َ‬
‫الحركي‬ ‫ِ‬
‫الجماعة‬ ‫واقع‬ ‫يكون‬
‫َ‬ ‫الفعلي‪َ ،‬‬
‫وأ ْن‬ ‫الحركي‬ ‫ِ‬
‫الجماعة‬
‫ُّ‬ ‫ُ‬ ‫َّ‬ ‫َّ‬
‫يعلم‬ ‫هلل ـ ُس ْبحا َن ُه ـ‬ ‫ِ‬ ‫المجسم َة‬
‫ُ‬ ‫وكان ا ُ‬
‫َ‬ ‫للعقيدة‪..‬‬ ‫َّ‬ ‫الصور َة‬‫الفعلي هو ُّ‬
‫ُّ‬
‫ٍ‬ ‫ِ‬
‫هنالك‬‫َ‬ ‫بين يو ٍم وليلة‪ ،‬فلم ْ‬
‫يكن‬ ‫يتم َ‬
‫ُّفوس والجماعات ال ُّ‬ ‫ِ‬ ‫َأ َّن َ‬
‫بناء الن‬
‫ِ‬
‫ُّفوس‬ ‫بناء العقيدة المدى ا َّلذي يستغر ُقه ُ‬
‫بناء الن‬ ‫يستغرق ُ‬ ‫َ‬ ‫بدٌّ َأ ْن‬
‫ِ‬
‫كانت الجماع ُة هي‬ ‫العقيدي‪،‬‬ ‫َّكوين‬
‫نضج الت‬ ‫ِ‬
‫والجماعة‪ ..‬حت َّٰى إذا‬
‫ُّ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬
‫الواقعي لهذا النُّضوجِ ‪.‬‬
‫َّ‬ ‫المظهر‬
‫َ‬
‫۞۞۞‬

‫واقعي‪:‬‬
‫ٌّ‬ ‫منهج‬ ‫ُ‬
‫العقيدة ٌ‬
‫ِ‬
‫القرآن‬ ‫ص من منهج‬ ‫هذه هي طبيع ُة هذا الدِّ ين ـ كما تُستَخ َل ُ‬
‫تغييرها تلبي ًة‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫نحاول‬ ‫نعرف طبيع َت ُه هذه‪ ،‬و َألَّ‬ ‫َ‬ ‫المكي ـ وال ُبدَّ َأن‬ ‫ِّ‬
‫ات البشر َّي ِة! فهو بهذه‬ ‫شكال النَّظري ِ‬
‫َّ‬ ‫ِ‬ ‫ٍ‬
‫مهزومة َأما َم َأ‬ ‫لرغبات معج ٍ‬
‫لة‬ ‫َّ‬
‫ِ‬

‫يصنع األُ َّم َة المسلم َة‬


‫ُ‬ ‫مر ٍة‪ ،‬وبها‬ ‫ال َّطبيعة َصن ََع األُ َّم َة المسلم َة َأ َّو َل َّ‬
‫ِ‬
‫ِ‬
‫للوجود كما‬ ‫إخراج األُ َّمة المسلمة‬ ‫مر ٍة يرا ُد فيها َأ ْن يعا َد‬ ‫في ِّ‬
‫ُ‬ ‫كل َّ‬
‫مر ٍة‪.‬‬
‫هلل َأ َّو َل َّ‬
‫خرجها ا ُ‬ ‫َأ َ‬
‫ِ‬
‫تحويل‬ ‫وخطرها م ًعا‪ ،‬في‬ ‫ِ‬
‫المحاولة‬ ‫َ‬
‫خطأ‬ ‫َ‬
‫ندرك‬ ‫يجب َأ ْن‬
‫َ‬ ‫ُ‬
‫حي‬ ‫تحب َأ ْن تتم َّث َل في واق ٍع نَا ٍم ٍّ‬ ‫ُّ‬ ‫العقيدة اإلسالم َّية الح َّي ِة ا َّلتي‬
‫‪136‬‬

‫تحويلها عن طبيعتِها هذه‬ ‫ِ‬ ‫حركي‪..‬‬ ‫ٍّ‬ ‫عضوي‬ ‫ٍّ‬ ‫تجم ٍع‬ ‫ُّ‬ ‫متحر ٍك‪ ،‬وفي‬ ‫ِّ‬
‫لمجر ِد َأنَّنا نريدُ َأ ْن نواج َه‬‫َّ‬ ‫والمعرفة ال َّثقاف َّي ِة‪،‬‬‫ِ‬ ‫ِ‬
‫راسة‬ ‫إلى «نظر َّية»للدِّ‬ ‫ٰ‬
‫ات البشر َّي َة الهزيل َة بـ «نظر َّي ٍة إسالم َّية»‪.‬‬ ‫النَّظري ِ‬
‫ّ‬
‫نفوس ح َّي ٍة‪ ،‬وفي‬ ‫ٍ‬ ‫تحب َأ ْن تتم َّث َل في‬ ‫ُّ‬ ‫إن العقيد َة اإلسالم َّي َة‬ ‫َّ‬
‫تتفاعل مع الجاهل َّية‬ ‫ُ‬ ‫ٍ‬
‫حركة‬ ‫عضوي‪ ،‬وفي‬ ‫تجم ٍع‬ ‫تنظي ٍم‬
‫ٍّ‬ ‫واقعي‪ ،‬وفي ُّ‬ ‫ٍّ‬
‫نفوس َأصحابِها ـ‬ ‫ِ‬ ‫الراسبة في‬ ‫ِ‬ ‫تتفاعل مع الجاهل َّية‬ ‫ُ‬ ‫ِم ْن حولِها‪ ،‬كما‬
‫نفوسهم‪،‬‬ ‫تدخل العقيد ُة إلى ِ‬ ‫َ‬ ‫قبل َأ ْن‬ ‫هل الجاهل َّية َ‬ ‫بوصفهم كانوا من َأ ِ‬ ‫ِ‬
‫ٰ‬
‫تشغل من‬ ‫ُ‬ ‫الجاهلي ـ وهي في صورتِها هذه‬ ‫ِّ‬
‫ِ‬
‫الوسط‬ ‫وتنتز َعها من‬
‫وسع و َأ َ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫شمل‬ ‫ضخم و َأ َ‬ ‫َ‬ ‫يضا ـ مساح ًة َأ‬ ‫الحياة َأ ً‬ ‫والعقول ـ ومن‬ ‫القلوب‬
‫تشمل ـ مساح َة النَّظر َّية وما َّدتها‪،‬‬ ‫ُ‬ ‫وتشمل ـ فيما‬ ‫ُ‬ ‫مما تشغ ُله «النَّظر َّي ُة»‬ ‫َّ‬
‫تقتصر عليها‪.‬‬
‫ُ‬ ‫ولكنَّها ال‬
‫ِ‬
‫وللحياة‪،‬‬ ‫الكوين‪،‬‬ ‫ِ‬
‫وللوجود‬ ‫أللوه َّية‪،‬‬‫سالمي ل ُ‬ ‫َّصو َر ٍ‬
‫اإل‬ ‫َّ‬
‫ِّ‬ ‫َّ‬ ‫إن الت ُّ‬
‫يب‪،‬‬ ‫شامل ٌ‬‫ٌ‬ ‫ِ‬
‫واقعي إجيا ٌّ‬
‫ٌّ‬ ‫تصو ٌر‬
‫كامل‪ ،‬ولكنَّه كذلك ُّ‬ ‫تصو ٌر‬
‫ولإلنسان‪ُّ ..‬‬
‫معريف؛ ألَ َّن هذا‬ ‫ذهني‬ ‫تصو ٍر‬ ‫وهو يكره ـ بطبيعتِه ـ َأ ْن يتم َّث َل يف ِ‬
‫ٍّ‬ ‫ٍّ‬ ‫جمرد ُّ‬‫َّ‬ ‫ُ‬
‫ِ‬
‫حي‪،‬‬ ‫ناس‪ ،‬ويف تنظي ٍم ٍّ‬ ‫وجيب َأ ْن يتم َّث َل يف َأ َّ‬
‫ُ‬ ‫خيالف طبيع َت ُه وغاي َت ُه‪،‬‬ ‫ُ‬
‫حركة واقع َّي ٍة‪..‬‬
‫ٍ‬ ‫ويف‬

‫الحي‬
‫ِّ‬ ‫ينمو من خالل األَ ِّ‬
‫ناسي والتَّنظي ِم‬ ‫ِ‬
‫َّكوين َأ ْن َ‬ ‫وطريقتُه في الت‬
‫يكتمل‬‫ُ‬ ‫ِ‬
‫الوقت ا َّلذي‬ ‫ِ‬
‫نفس‬ ‫َ‬
‫يكتمل نظر ًّيا في‬ ‫ِ‬
‫والحركة الواقع َّية؛ حت َّٰى‬
‫ِ‬
‫صورة‬ ‫يظل مم َّث ًل في‬ ‫ِ‬
‫صورة «النَّظر َّية» بل ُّ‬ ‫ينفصل في‬ ‫َ‬ ‫فيه واقع ًّيا‪ ،‬وال‬
‫‪137‬‬

‫الواقعي‪ ،‬وال‬
‫َّ‬ ‫الحركي‬
‫َّ‬ ‫ُّمو‬
‫يسبق الن َّ‬
‫نظري ُ‬
‫ٍّ‬ ‫نمو‬ ‫الحركي‪ُّ ..‬‬
‫وكل ٍّ‬ ‫ِّ‬ ‫«الواقعِ»‬
‫ِ‬
‫طبيعة هذا الدِّ ين‬ ‫إلى‬ ‫ِ‬ ‫يتم َّث ُل من خالله‪ ،‬هو ٌ‬
‫بالقياس ٰ‬ ‫وخطر كذلك‪،‬‬
‫ٌ‬ ‫خطأ‬
‫الذاتي‪.‬‬ ‫ِ‬
‫وطريقة تركيبِه‬ ‫وغايتِ ِه‪،‬‬
‫ِّ‬
‫ُ‬
‫يقول‪﴿ :‬ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ‬ ‫واهللُ ـ سبحانه ـ‬
‫ﭣ ﭤ﴾ [اإلسراء‪.]106 :‬‬

‫َّكويني‪،‬‬
‫ُّ‬ ‫ليتم البنا ُء الت‬
‫ْث مقصو ٌد كذلك‪َّ ،‬‬ ‫والمك ُ‬ ‫رق مقصو ٌد‪ُ ،‬‬ ‫فال َف ُ‬
‫صورة «نظر َّية»!‬ ‫ٍ‬ ‫صورة «من َّظ ٍ‬
‫مة ح َّية» ال في‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬
‫عقيدة في‬ ‫ف من‬ ‫المؤ َّل ُ‬
‫ِ‬
‫صحاب هذا الدِّ ين ج ِّيدً ا َأنَّه ـ كما َأنَّه في ذاته ٌ‬
‫دين‬ ‫ُ‬ ‫يعرف َأ‬
‫َ‬ ‫يجب َأ ْن‬‫ُ‬
‫متواف مع طبيعتِ ِه‪،‬‬ ‫ٍ‬ ‫رباني كذلك‪،‬‬‫ٌّ‬ ‫منهج‬
‫ٌ‬ ‫ِ‬
‫العمل‬ ‫منهج ُه في‬
‫َ‬ ‫فإن‬
‫رباني ـ َّ‬ ‫ٌّ‬
‫حقيقة هذا الدِّ ين عن منهجه في العمل‪.‬‬ ‫ِ‬ ‫يمكن ُ‬
‫فصل‬ ‫َ‬
‫وأ َّن ُه ال‬
‫ُ‬
‫َّصو َر‬‫ويجب َأ ْن يعرفوا كذلك َأ َّن هذا الدِّ ي َن ـ كما َأنَّه جا َء ليغ َّي َر الت ُّ‬ ‫ُ‬
‫الحيوي ـ فكذلك هو قد جا َء ليغ ِّي َر‬ ‫َّ‬ ‫الواقع‬
‫َ‬ ‫االعتقادي‪ ،‬ومن َث َّم يغ ِّي ُر‬
‫َّ‬
‫الحيوي‪..‬‬
‫ُّ‬ ‫الواقع‬
‫ُ‬ ‫االعتقادي‪ ،‬ويغ َّي ُر به‬
‫ُّ‬ ‫َّصو ُر‬ ‫المنهج ا َّلذي ُي ٰ‬
‫بنى به الت ُّ‬ ‫َ‬
‫خاصا‬
‫ً‬ ‫ٍ‬
‫تفكير‬ ‫منهج‬
‫َ‬ ‫لينشئ‬
‫َ‬ ‫يبني ُأ َّم ًة‪ُ ..‬ث َّم‬
‫ليبني عقيد ًة وهو ْ‬ ‫َ‬ ‫جاء‬
‫تصو ًرا اعتقاد ًّيا وواق ًعا حيو ًّيا‪ ،‬وال‬ ‫بنفس الدَّ ِ‬
‫رجة ا َّلتي‬ ‫ِ‬
‫ينشئ بها ُّ‬ ‫ُ‬ ‫به‪،‬‬
‫الخاص‪،‬‬
‫ِّ‬ ‫االعتقادي‬
‫ِّ‬ ‫وتصو ِره‬
‫ُّ‬ ‫الخاص‪،‬‬‫ِّ‬ ‫ِ‬
‫تفكيره‬ ‫َ‬
‫انفصال بي َن منهج‬
‫الخاص‪ ..‬فك ُّلها حزم ٌة واحدةٌ‪..‬‬ ‫الحيوي‬ ‫ِ‬
‫وبنائه‬
‫ِّ‬ ‫ِّ‬
‫فلنعرف‬
‫ْ‬ ‫ذي ب َّينَّا ُه‪،‬‬ ‫العمل على الن ِ‬
‫َّحو ا َّل ْ‬ ‫ِ‬ ‫منهجه في‬
‫َ‬ ‫فإذا نح ُن عرفنا‬
‫‪138‬‬

‫خاص ٍة‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬


‫منهج مرحلة وال بيئة وال ظروف َّ‬ ‫َ‬ ‫أصيل‪ ،‬وليس‬ ‫ٌ‬ ‫المنهج‬
‫َ‬ ‫َأ َّن هذا‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫المنهج ا َّلذي ال يقو ُم بنا ُء هذا‬
‫ُ‬ ‫بنشأة الجماعة المسلمة األُ ٰ‬
‫ولى‪ ،‬إنَّما هو‬
‫وقت ـ َّإل ِبه‪.‬‬
‫الدِّ ين ـ في َأي ٍ‬
‫ِّ‬
‫فحسب‪،‬‬ ‫إنَّه لم تك ْن وظيف ُة اإلسالم َأن يغ ِّي َر عقيد َة الن ِ‬
‫َّاس وواق َعهم ْ‬
‫َّصو ِر‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫تفكيرهم‪ ،‬وتناولهم للت ُّ‬ ‫ولك ْن كانت وظيفتُه كذلك َأ ْن يغ ِّي َر َ‬
‫منهج‬
‫ِ‬
‫البشر‬ ‫ِ‬
‫لمناهج‬ ‫مخالف في طبيعتِه ك ِّلها‬
‫ٌ‬ ‫رباني‬
‫ٌّ‬ ‫منهج‬
‫ٌ‬ ‫ذلك َأنَّه‬
‫وللواقعِ‪َ ،‬‬
‫ِ‬
‫القاصرة الهزيلة‪.‬‬
‫ِ‬
‫الحياة‬ ‫اني وإلى‬ ‫َّصو ِر َّ‬
‫الر َّب ِّ‬ ‫نصل إلى الت ُّ‬‫َ‬ ‫نملك َأ ْن‬
‫ُ‬ ‫ونح ُن ال‬
‫ٍ‬
‫كذلك‪ ،‬المنهج ا َّلذي‬ ‫رباني‬ ‫ٍ‬
‫تفكير‬ ‫طريق منهج‬ ‫ِ‬ ‫الر َّبان َّي ِة؛ َّإل ع ْن‬
‫ّ‬ ‫َّ‬
‫ِ‬ ‫على َأ‬ ‫ِ‬
‫تصو ُرهم‬
‫ُّ‬ ‫ليصح‬
‫َّ‬ ‫ساسه‪،‬‬ ‫تفكير الن ِ‬
‫َّاس ٰ‬ ‫منهج‬
‫َ‬ ‫َأرا َد اهللُ َأ ْن َ‬
‫يقيم‬
‫الحيوي‪.‬‬
‫ُّ‬ ‫االعتقادي وتكوينُهم‬
‫ُّ‬
‫۞۞۞‬

‫ليس مفهو ًما نظر ًّيا‪:‬‬


‫اإلسال ُم َ‬
‫ِ‬
‫راسة‪،‬‬ ‫يجعل من ِ‬
‫نفسه «نظر َّية» للدِّ‬ ‫َ‬ ‫نحن‪ ،‬حي َن نريدُ من اإلسالم َأ ْن‬
‫طبيعة منهج الت ِ‬
‫َّفكير‬ ‫ِ‬ ‫اني‪ ،‬وعن‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫الر َّب ِّ‬
‫َّكوين َّ‬ ‫طبيعة منهج الت‬ ‫نخرج به ع ْن‬
‫ُ‬
‫لمناهج الت ِ‬
‫َّفكير البشر َّية!‬ ‫ِ‬ ‫ُخضع اإلسال َم‬
‫ُ‬ ‫الرباني كذلك‪ ،‬ون‬
‫ِّ‬
‫دنى من المناهج ِالبشر َّي ِة! َ‬
‫وكأنَّما نريدُ‬ ‫اني َأ ٰ‬ ‫الر َّب ُّ‬
‫المنهج َّ‬
‫ُ‬ ‫َ‬
‫كأنَّما‬
‫ِ‬
‫العبيد!‬ ‫مناهج‬ ‫ليوازي‬ ‫ِ‬
‫والحركة‬ ‫َّصو ِر‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫لنرتقي بمنهج اهلل يف الت ُّ‬
‫َ‬
‫‪139‬‬

‫تكون قاتل ًة‪.‬‬


‫ُ‬ ‫خطيرا‪ ،‬والهزيم ُة‬ ‫ُ‬
‫يكون‬ ‫واألَمر من هذه الن ِ‬
‫َّاحية‬
‫ً‬ ‫ُ‬
‫إن وظيف َة المنهج الرباني َأ ْن يعطينا ـ نحن َأصحاب الدَّ ِ‬
‫عوة‬ ‫َّ‬
‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َّ َّ ِّ‬
‫ِ‬
‫مناهج‬ ‫ِ‬
‫رواسب‬ ‫َّفكير‪ ،‬نبر ُأ به من‬ ‫خاصا للت ِ‬ ‫ًّ‬ ‫منهجا‬
‫ً‬ ‫اإلسالم َّية ـ‬
‫على عقولِنا‪،‬‬ ‫تضغط ٰ‬ ‫ُ‬ ‫السائدة في األَرض‪ ،‬وا َّل ْ‬
‫تي‬ ‫ِ‬ ‫الت ِ‬
‫َّفكير الجاهل َّية َّ‬
‫نتناول هذا الدِّ ي َن بمنهج‬ ‫َ‬ ‫ب في ثقافتِنا‪ ..‬فإذا نح ُن َأردنا َأ ْن‬ ‫وتترس ُ‬
‫َّ‬
‫ِ‬
‫الغالبة‪ ،‬كنَّا‬ ‫مناهج الت ِ‬
‫َّفكير الجاهل َّية‬ ‫ِ‬ ‫غريب عن طبيعتِه‪ ،‬من‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬
‫تفكير‬
‫وحر ْمنا َأ َ‬
‫نفسنا فرص َة‬ ‫َ‬ ‫قد َأبط ْلنا وظيفتَه ا َّلتي جاء ليؤ ِّد َيها للبشر َّية‪،‬‬
‫ِ‬
‫عصرنا‪ ،‬وفرص َة‬ ‫السائد في‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫الجاهلي َّ‬
‫ِّ‬ ‫ضغط المنهج‬ ‫الخالص من‬
‫الخالص من رواسبِه في عقولِنا وتكوينِنا‪.‬‬ ‫ِ‬

‫تكون قاتل ًة‪.‬‬


‫ُ‬ ‫خطيرا كذلك‪ ،‬والخسار ُة‬ ‫ُ‬
‫يكون‬ ‫واألَمر من هذه الن ِ‬
‫َّاحية‬
‫ً‬ ‫ُ‬
‫يقل قيم ًة وال‬ ‫والحركة في ِ‬
‫بناء اإلسالم‪ ،‬ال ُّ‬ ‫ِ‬ ‫منهج الت ِ‬
‫َّفكير‬ ‫َّ‬
‫إن‬
‫َ‬
‫ُ‬
‫ينفصل‬ ‫الحيوي‪ ،‬وال‬
‫ِّ‬ ‫االعتقادي والنِّظام‬
‫ِّ‬ ‫َّصو ِر‬
‫ضرور ًة عن منهج الت ُّ‬
‫َّصو َر وهذا النِّظام في‬ ‫يخطر لنا َأ ْن نقدِّ َم هذا الت ُّ‬ ‫ُ‬ ‫عن ُه كذلك‪ ،‬ومهما‬
‫ِ‬ ‫صورة تعبير َّي ٍة‪،‬‬
‫ٍ‬
‫نشئ «اإلسالم»‬ ‫يغيب عن بالنا َأ َّن هذا ال ُي ُ‬ ‫َ‬ ‫فيجب َأ َّل‬
‫ُ‬
‫يغيب عن بالِنا‬ ‫َ‬ ‫يجب َأ َّل‬
‫ُ‬ ‫حركة واقع َّي ٍة؛ بل‬‫ٍ‬ ‫ِ‬
‫صورة‬ ‫في األَرض في‬
‫َ‬
‫المشتغلون‬ ‫َأنَّه لن يفيدَ من تقديمنا اإلسالم في هذه الص ِ‬
‫ورة؛ َّإل‬ ‫ُّ‬ ‫َ‬
‫ِ‬ ‫بحركة إسالم َّي ٍة واقع َّي ٍة‪ ،‬و َأ َّن ُق‬ ‫ٍ‬
‫نفسهم‬ ‫صارى ما يفيدُ ه هؤالء َأ ُ‬ ‫ٰ‬ ‫ً‬
‫فعل‬
‫ورة‪ ،‬هو َأ ْن يتفاعلوا م َعها بالقدْ ِر‬ ‫من تقديم اإلسالم ِلهم في هذه الص ِ‬
‫ُّ‬
‫ثناء الحركة‪.‬‬ ‫فعل في َأ ِ‬ ‫إليه ً‬ ‫ا َّلذي وصلوا هم ِ‬
‫‪140‬‬
‫يجب َأ ْن يتم َّث َل من ِ‬
‫فوره‬ ‫ُ‬ ‫االعتقادي‬
‫َّ‬ ‫كر ُر؛ َأ َّن الت ُّ‬
‫َّصو َر‬ ‫خرى ُأ ِّ‬‫ومر ًة ُأ ٰ‬
‫َّ‬
‫ً‬
‫تمثيل‬ ‫الوقت ذاتِه‬
‫ِ‬ ‫الحركي في‬
‫ُّ‬ ‫َّجم ُع‬ ‫َ‬
‫يكون الت ُّ‬ ‫حركي‪ ،‬و َأ ْن‬
‫ٍّ‬ ‫تجم ٍع‬‫في ُّ‬
‫االعتقادي‪.‬‬
‫ِّ‬ ‫َّصو ِر‬
‫صحيحا‪ ،‬وترجم ًة حقيق َّي ًة للت ُّ‬
‫ً‬
‫الطبيعي لإلسالم‬
‫ُّ‬ ‫المنهج‬
‫ُ‬ ‫كر ُر كذلك؛ َأ َّن هذا هو‬ ‫خرى ُأ ِّ‬ ‫ومر ًة ُأ ٰ‬ ‫َّ‬
‫كثر انطبا ًقا على‬ ‫على و َأقو ُم‪ ،‬و َأشدُّ فاعل َّي ًة‪ ،‬و َأ ُ‬
‫منهج َأ ٰ‬‫ٌ‬ ‫اني‪ ،‬و َأ َّن ُه‬ ‫الر َّب ِّ‬
‫َّ‬
‫ات كامل ًة مستق َّل ًة‪ ،‬وتقديمها‬ ‫صياغة النَّظري ِ‬
‫ِ‬ ‫الفطرة البشر َّي ِة من منهج‬ ‫ِ‬
‫َّ‬
‫َّاس مشتغلي َن‬ ‫َ‬ ‫قبل َأ ْن‬ ‫ِ‬
‫الباردة للنَّاس‪َ ،‬‬ ‫الذهن َّي ِة‬
‫ورة ِّ‬ ‫في الص ِ‬
‫يكون هؤالء الن ُ‬ ‫ُّ‬
‫نفسهم ترجم ًة ح َّي ًة‪ ،‬تنمو‬ ‫وقبل َأ ْن يكونوا هم َأ ُ‬ ‫بحركة واقع َّي ٍة‪َ ،‬‬ ‫ٍ‬ ‫فعل‬‫ً‬
‫لتمثيل ذلك المفهو ِم الن ِّ‬
‫َّظري‪.‬‬ ‫ِ‬ ‫خطو ًة خطو ًة‬
‫۞۞۞‬

‫ضغوط اجلاهليَّة‪:‬‬
‫ِ‬ ‫أشكال‬
‫ِ‬ ‫من‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫الحال فيما‬ ‫بطبيعة‬ ‫صح‬‫صل النَّظر َّية؛ فهو َأ ُّ‬
‫صح هذا في َأ ِ‬ ‫وإذا َّ‬
‫اإلسالمي‪َ ،‬أو‬
‫ُّ‬ ‫َّصو ُر‬ ‫يختص بتقديم ُأ ِ‬
‫سس النِّظا ِم ا َّلذي يتم َّث ُل فيه الت ُّ‬ ‫ُّ‬
‫لة لهذا النِّظام‪.‬‬‫َّشريعات المفص ِ‬
‫ِ‬ ‫تقديم الت‬
‫َّ‬
‫ِ‬
‫بعض‬ ‫ِ‬
‫عصاب‬ ‫على َأ‬
‫تضغط ٰ‬‫ُ‬ ‫إن الجاهل َّي َة ا َّلتي حو َلنا ـ كما َأنَّها‬ ‫َّ‬
‫يتعج َ‬
‫لون‬ ‫عوة اإلسالم َّية‪ ،‬فتجعلهم‬ ‫صحاب الدَّ ِ‬ ‫ِ‬ ‫المخلصي َن من َأ‬ ‫ِ‬
‫َّ‬
‫ِ‬
‫ُحرجهم‪،‬‬ ‫تتعمدُ َأحيانًا َأ ْن ت َ‬
‫اإلسالمي ـ هي كذلك َّ‬ ‫ِّ‬ ‫خطوات المنهج‬
‫عون إليه؟ وماذا َأعد ْدتم‬ ‫نظامكم ا َّلذي تدْ َ‬‫تفصيالت ِ‬ ‫ُ‬ ‫فتسأ َلهم‪َ :‬أي َن‬
‫‪141‬‬
‫ِ‬
‫الحديثة؟!‬ ‫صول‬ ‫ِ‬ ‫فقه مقن ٍَّن على األُ‬‫ودراسات‪ ،‬ومن ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬
‫بحوث‬ ‫ِ‬
‫لتنفيذه من‬
‫شريعة اإلسالم في‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫إلقامة‬ ‫الز ِ‬
‫مان‬ ‫َّاس في هذا َّ‬ ‫َ‬
‫كأ َّن ا َّلذي‬
‫ينقص الن َ‬ ‫ُ‬
‫والبحوث الفقه َّي ِة اإلسالم َّية‪.‬‬
‫ِ‬ ‫مجر ُد األَحكا ِم الفقه َّي ِة‬ ‫األَرض‪ ،‬هو َّ‬
‫تحكمهم‬
‫َ‬ ‫راضون َبأ ْن‬
‫َ‬ ‫مستسلمون لحاكم َّي ِة اهلل‬ ‫َ‬ ‫هم‬ ‫َ‬
‫وكأنَّما ْ‬
‫يجدون من «المجتهدين» فقها مقنَّنًا بال َّط ِ‬
‫ريقة‬ ‫َ‬ ‫َّهم فقط ال‬
‫ً‬ ‫شريعتُه‪ ،‬ولكن ْ‬
‫ذي ٍ‬
‫قلب‬ ‫يرتفع عليها ُّ‬ ‫يجب َأ ْن‬ ‫الحديثة!‪ ..‬وهي سخري ٌة هازل ٌة‬ ‫ِ‬
‫كل ْ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬
‫ٍ‬
‫بحرمة!‬ ‫حس لهذا الدِّ ين‬ ‫ُي ُّ‬
‫نبذ‬‫لنفسها ت َِع َّل ًة في ِ‬
‫اإلحراج َّإل َأ ْن تجدَ ِ‬ ‫ِ‬ ‫إن الجاهل َّي َة ال تريدُ بهذا‬ ‫َّ‬
‫تصرف العصب َة‬ ‫َ‬ ‫وإل َأ ْن‬ ‫ِ‬
‫للبشر‪َّ ..‬‬ ‫ِ‬
‫البشر‬ ‫ِ‬
‫واستبقاء عبود َّي ِة‬ ‫ِ‬
‫شريعة اهلل‪،‬‬
‫بناء العقيدة في‬ ‫المسلم َة عن منهجها الرباني‪ ،‬فتجع َلها تتجاوز مرحل َة ِ‬
‫ُ‬ ‫َّ َّ ِّ‬
‫ِ‬ ‫صحاب الدَّ ِ‬
‫ِ‬ ‫منهج َأ‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬
‫طبيعته‬ ‫عوة اإلسالم َّية عن‬ ‫ُحو َل َ‬ ‫صورة حرك َّية‪ ،‬و َأن ت ِّ‬
‫مالمح النِّظا ِم من‬ ‫ِ‬
‫الحركة‪ ،‬وتتحدَّ ُد‬ ‫تتبلور فيها النَّظر َّي ُة من خالل‬ ‫ا َّلتي‬
‫ُ‬ ‫ُ‬
‫الحياة اإلسالم َّية‬‫ِ‬ ‫ِ‬
‫مواجهة‬ ‫َّشريعات في‬
‫ُ‬ ‫ِ‬
‫الممارسة‪ ،‬وتُس َّن فيها الت‬ ‫خالل‬
‫الواقع َّية بمشكالتها الحقيق َّية‪.‬‬
‫ِ‬
‫للمناورة!‬ ‫صحاب الدَّ ِ‬
‫عوة اإلسالم َّية َأ َّل يستجيبوا‬ ‫ِ‬ ‫واجب َأ‬
‫ِ‬ ‫ومن‬
‫وعلى دينِهم!‬
‫ٰ‬ ‫على حركتِهم‬ ‫غريب ٰ‬ ‫ٍ‬ ‫إمالء منهجٍ‬
‫َ‬ ‫من واجبِهم َأ ْن يرفضوا‬
‫يوقنون‪.‬‬
‫َ‬ ‫ذين ال‬ ‫من واجبِهم َأ َّل يستخ َّف ُ‬
‫هم ا َّل َ‬
‫اإلحراج‪ ،‬و َأ ْن يستع ُلوا عليها‪،‬‬
‫ِ‬ ‫ومن واجبِهم َأ ْن يكشفوا مناور َة‬
‫‪142‬‬
‫ِ‬ ‫و َأ ْن ُ‬
‫اإلسالمي»‬
‫ِّ‬ ‫الفقه‬ ‫«تطوير‬
‫َ‬ ‫السخري َة الهازل َة في ما َّ‬
‫يسم ٰى‪:‬‬ ‫يرفضوا ُّ‬
‫ٍ‬
‫شريعة سواها‪.‬‬ ‫ورفضه ِّ‬
‫لكل‬ ‫َ‬ ‫ِ‬
‫لشريعة اهلل‬ ‫في مجتم ٍع ال يعل ُن خضو َعه‬
‫ِ‬
‫العمل اجلا ِّد‪ ..‬التَّلهي َة‬ ‫يرفضوا هذه التَّله َي َة عن‬
‫ُ‬ ‫من واجبِهم َأ ْن‬
‫ِ‬
‫اهلواء‪ ..‬و َأ ْن يرفضوا هذه اخلدع َة اخلبيث َة(‪!)1‬‬ ‫ِ‬
‫البذور يف‬ ‫ِ‬
‫باستنبات‬

‫يهاجم الفق َه اإلسالمي‪َ ،‬أو يدعو إلى إلغائه‪،‬‬


‫ُ‬ ‫(( ( تنبيه‪ :‬اتَّهموا س ِّيد ُق ُطب ‪ ‬بهذا الكالم َأنَّه‬
‫إلى ترتيب األُولويات‬ ‫ِ‬
‫ينكر الدراسات الفقهية‪ !..‬وفي حقيقة األَمر َأ َّن كالمه هذا دعو ٌة ٰ‬ ‫َأو ُ‬
‫فمن يقر ْأ تفسيره «في‬
‫والتشريع بعد ذلك؛ َ‬
‫ُ‬ ‫التنظير‬
‫ُ‬ ‫ُ‬
‫يكون‬ ‫ثم‬
‫اإلسالمي‪َّ ..‬‬
‫ِّ‬ ‫إليجاد المجتمع‬
‫َّصور‬
‫وبعض كُتبه‪ ..‬مثل‪« :‬اإلسالم ومشكالت الحضارة» و«خصائص الت ُّ‬ ‫َ‬ ‫ظالل القرآن»‬
‫اإلسالمي»؛ يجد َأ َّن هذه تهم ٌة باطلة‪ ..‬مخالف ٌة لواقع األَمر‪ ..‬ال َأساس لها َألبتَّة!‬
‫والفتوى‪ ،‬وإنَّما‬
‫ٰ‬ ‫صل في كتاباته هي الفق َه اإلسالمي بمعنى التمذهب‬ ‫فلم تكن قضيتُه َأ ً‬ ‫ ‬
‫يعتبر الفق َه‬
‫ُ‬ ‫كان هد ُفه هو العودة َأ َّو ًل إلى َّ‬
‫الشرع الحكيم ا َّلذي ُيؤخذ منه الفقه! وكان‬
‫اإلسالمي ثمر ًة طبيعية لحياة المجتمع اإلسالمي في ظل هذا الدِّ ين‪ ،‬ويعتبره استجاب ًة‬
‫ٍ‬
‫واجتهادات‬ ‫ٍ‬
‫تحقيقات‬ ‫طبيعية للمشكالت الواقعية للمجتمع‪ ،‬و َمن يقر ْأ كُتبه يجد َأ َّن له‬
‫ويستشير المعاصرين منهم‪ ،‬وينقل‬ ‫ُ‬ ‫كبيرا لفقهاء المسلمين‪،‬‬
‫فقهية ُيظهر فيها احترا ًما ً‬
‫ِ‬
‫اإلسالمي‪،‬‬
‫ِّ‬ ‫إلى تجديد الفقه‬ ‫عنهم فيما يعترضه من آيات َأو َأحكام‪ ..‬وكان يدعو ٰ‬
‫يرى َأ َّن جهو َد‬
‫الشرع والفقه‪ ..‬ولكنه ٰ‬ ‫فر ُق بين َّ‬
‫ويعيب عليه جمو َده في مرحلة معينة‪ ،‬و ُي ِّ‬
‫ثم ُيجتهد لهذه المجتمع‬ ‫تنصب إليجاد المجتمع اإلسالمي َأ َّو ًل‪َّ ..‬‬ ‫َّ‬ ‫العلماء يجب َأن‬
‫ولمشاكلها‪ ..‬وهذا ر ْأ ُي َأكثر علماء المعاصرين‪.‬‬
‫ِ‬
‫على نفسه حينما شرع في كتابة تفسيره َأن يبتعدَ عن‬ ‫ثم إن س ِّيد ُق ُطب ‪ ‬أخذ عهدً ا ٰ‬ ‫ ‬
‫ِ‬
‫والمسائل الفقه َّية وما شابهها‬ ‫الموضوعات ال ُّلغوية والنَّحوية‪ ،‬والقضايا الجدل َّية والكالم َّية‪،‬‬
‫َ‬
‫جمال‬ ‫ويستر‬
‫ُ‬ ‫َ‬
‫القرآن العظيم عن روحه‪..‬‬ ‫يحجب‬
‫ُ‬ ‫اإلسراف في ذلك‬
‫َ‬ ‫من المسائل‪..‬وذكر َأ َّن‬
‫ٍ‬
‫لغوية َأو كالمية‪،‬‬ ‫غرق نفسي في بحوث‬‫(كل ما حاولته َأال ُأ َ‬
‫النَّص القرآني األَ َّخاذ‪ ،‬قال ‪ُّ :‬‬
‫استطردت إلى غير ما‬
‫ُ‬ ‫وتحجب روحي عن القرآن‪ ،‬وما‬ ‫ُ‬ ‫تحجب القرآن عن روحي‪،‬‬
‫ُ‬ ‫َأو فقهية‬
‫القرآن بهذه‬
‫َ‬ ‫حفل‬ ‫ٍ‬
‫اجتماعية َأو إنسانية‪ ،‬وما َأ َ‬ ‫ٍ‬
‫خاطرة روحية َأو‬ ‫القرآني ذاتُه من‬ ‫يوحيه الن َُّّص‬
‫ُّ‬
‫اإليحاءات)‪ .‬مقدمة « في ظالل القرآن » الطبعة األولى ‪.‬‬
‫‪143‬‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫احلركة‪ ،‬فهذا‬ ‫وفق منهج هذا الدِّ ين يف‬ ‫ومن َواجبِهم َأ ْن َّ‬
‫يتحركوا َ‬
‫قو ِتم كذلك‪.‬‬
‫مصدر َّ‬
‫ُ‬ ‫قوتِه‪ ،‬وهذا هو‬ ‫من َأ ِ‬
‫رسار َّ‬
‫إن «المنهج» في اإلسالم ُيساوي «الحقيقة»‪ ،‬وال انفصا َم بينَهما‪،‬‬ ‫َّ‬
‫والمناهج‬ ‫غريب ال يمكن َأ ْن يح ِّق َق اإلسالم في الن ِ‬
‫ِّهاية‪،‬‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬
‫منهج‬ ‫ُّ‬
‫وكل‬
‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬
‫الغريب ُة يمك ُن َأ ْن تح ِّق َق َأنظمتَها البشر َّي َة‪ ،‬ولكنَّها ال يمك ُن َأ ْن تح ِّق َق‬
‫ضروري كالتزا ِم العقيدة‪ ،‬وكالتزا ِم النِّظا ِم في ِّ‬
‫كل‬ ‫ٌّ‬ ‫منهجنَا؛ فالتزا ُم المنهج‬
‫ٍ‬
‫حركة إسالم َّية‪..‬‬

‫﴿ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ﴾[اإلرساء ‪. ]9 :‬‬


‫محم ٍد رسول اهلل ﷺ ـ إنَّما‬
‫َّ‬
‫إن الدَّ عو َة اإلسالمي َة ـ على ِ‬
‫يد‬ ‫ٰ‬ ‫َّ‬ ‫َّ‬
‫ِ‬
‫بقيادة‬ ‫عوة ال َّط ِ‬
‫ويلة إلى اإلسالم‪،‬‬ ‫سلسلة الدَّ ِ‬
‫ِ‬ ‫تم ِّث ُل الحلق َة األَخير َة من‬
‫على ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫كانت‬
‫ري ْ‬ ‫َّاريخ َ‬
‫البش ِّ‬ ‫مدار الت ِ‬ ‫الر ُس ِل الكرام‪ ..‬وهذه الدَّ عو ُة ٰ‬ ‫موكب ُّ‬
‫ِ‬ ‫َّاس بإِلههم‬
‫الحق‪،‬‬
‫الواحد ور ِّبهم ِّ‬ ‫تعريف الن ِ‬ ‫ُ‬ ‫مرا واحدً ا‪ :‬هو‬ ‫تستهدف َأ ً‬
‫ُ‬
‫َّاس ـ فيما عدا‬ ‫ِ‬
‫الخلق‪ ..‬ولم ِ‬
‫يكن الن ُ‬ ‫ونبذ ربوب َّي ِة‬
‫وتعبيدهم لربهم وحدَ ه‪ِ ،‬‬
‫ِّ‬
‫ِ‬

‫َ‬
‫ويجحدون‬ ‫ينكرون مبد َأ األُلوه َّي ِة‪،‬‬ ‫َ‬ ‫ٍ‬
‫قصيرة ـ‬ ‫ٍ‬
‫فترات‬ ‫َأفرا ًدا معدود ًة في‬
‫الحق‪َ ،‬أو‬‫حقيقة ر ِّبهم ِّ‬ ‫ِ‬ ‫يخطئون معرف َة‬‫َ‬ ‫وجو َد اهلل َألب َّت َة‪ ،‬إنَّما هم كانُوا‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫والعبادة‪ ،‬وإ َّما في‬ ‫االعتقاد‬ ‫صورة‬ ‫يشركون مع اهلل آله ًة ُأ ٰ‬
‫خرى‪ :‬إ َّما في‬ ‫َ‬
‫َّاس من‬ ‫خرج به الن ُ‬ ‫كاآلخر َي ُ‬ ‫ِ‬ ‫ٌ‬
‫شرك‬ ‫صورة الحاكم َّي ِة واالتِّباعِ‪ ،‬وكالهما‬ ‫ِ‬

‫طال‬ ‫ثم ينكرونَه إذا َ‬ ‫ٍ‬ ‫دين اهلل‪ ،‬ا َّلذي كانوا يعرفونَه على ِ‬
‫يد ِّ‬ ‫ِ‬
‫كل رسول‪َّ ،‬‬ ‫ٰ‬ ‫ِ‬
‫َ‬
‫ويعودون‬ ‫خرجهم منها‪،‬‬ ‫ون إلى الجاهل َّية ا َّلتي َأ َ‬ ‫عليهم األَمدُ ‪ ،‬ويرتدُّ َ‬ ‫ُ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫إلى ِّ ِ‬
‫والعبادة‪ ،‬وإ َّما في االتِّبا ِع‬ ‫االعتقاد‬ ‫مر ًة ُأ ٰ‬
‫خرى‪ ،‬إ َّما في‬ ‫الشرك باهلل َّ‬
‫والحاكم َّي ِة‪ ،‬وإ َّما فيهما جمي ًعا‪..‬‬
‫‪146‬‬
‫على ِ‬ ‫ِ‬
‫تستهدف‬
‫ُ‬ ‫البشري‪ .‬إنَّها‬
‫ِّ‬ ‫مدار الت ِ‬
‫َّاريخ‬ ‫هذه طبيع ُة الدَّ عوة إلى اهلل ٰ‬
‫إلى‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫وإخراجهم من عبادة العباد ٰ‬ ‫َ‬ ‫العباد‪،‬‬ ‫لرب‬
‫«اإلسالم»‪ ..‬إسال َم العباد ِّ‬
‫ِ‬
‫وشرائعهم‬ ‫ِ‬
‫العباد في حاكم َّيتهم‬ ‫عبادة اهلل وحدَ ه‪ ،‬بإخراجهم من س ِ‬
‫لطان‬ ‫ِ‬
‫ُ‬
‫كل‬ ‫لطان اهلل وحاكم َّيتِه وشريعتِه وحدَ ه في ِّ‬ ‫ِ‬
‫وتقاليدهم‪ ،‬إلى س ِ‬
‫ٰ ُ‬ ‫وق َي ِمهم‬
‫ؤون الحياة‪.‬‬‫شأن من ُش ِ‬ ‫ٍ‬

‫ٍ‬ ‫ِ‬
‫سل‬ ‫على َأيدي ُّ‬
‫الر ِ‬ ‫محمد ﷺ كما جا َء ٰ‬ ‫على يد َّ‬ ‫وفي هذا جا َء اإلسالم ٰ‬
‫ِ‬
‫الكون ك ِّله ا َّلذي‬ ‫إلى حاكم َّي ِة اهلل ْ‬
‫كشأ ِن‬ ‫الكرا ِم قب َله‪ ..‬جا َء ل َير َّد النَّاس ٰ‬
‫السلط ُة‬‫السلط ُة ا َّلتي تن ِّظ ُم حياتَهم هي ُّ‬ ‫َ‬
‫تكون ُّ‬ ‫فيجب َأ ْن‬
‫ُ‬ ‫َّاس؛‬
‫يحتوي الن َ‬
‫وتدبير ِ‬
‫ٍ‬ ‫بمنهج وس ٍ‬ ‫ا َّلتي تن ِّظ ُم وجو َده‪ ،‬فال ُّ‬
‫غير المنهج‬ ‫لطان‬ ‫ٍ ُ‬ ‫يشذوا هم‬
‫والس ِ‬
‫لطان والت ِ‬
‫ف وجو َدهم‬
‫صر ُ‬‫الكون ك َّله؛ بل ا َّلذي ُي ِّ‬
‫َ‬ ‫صرف‬‫َّدبير ا َّلذي ُي ِّ‬ ‫ُّ‬
‫ِ‬ ‫نفسهم في ِ‬
‫َ‬
‫محكومون‬ ‫َّاس‬‫اإلرادي من حياتهم؛ فالن ُ‬‫ِّ‬ ‫غير الجانب‬ ‫هم َأ َ‬
‫ِ‬
‫ومرضهم‪،‬‬ ‫وصحتِهم‬
‫َّ‬ ‫ونموهم‪،‬‬
‫ِّ‬ ‫نشأتِهم‬
‫بقواني َن فطر َّي ٍة من صن ِع اهلل في َ‬
‫ِ‬
‫اجتماعهم‬ ‫ِ‬
‫القوانين في‬ ‫َ‬
‫محكومون بهذه‬ ‫وحياتِهم وموتِهم‪ ،‬كما هم‬
‫َ‬
‫يملكون‬ ‫وعواقب ما َي ُح ُّل بهم نتيج ًة لحركتِهم االختيار َّي ِة ذاتِها‪ ،‬وهم ال‬ ‫ِ‬
‫ُصر ُفه‪.‬‬ ‫َ‬
‫الكون وت ِّ‬ ‫تحكم هذا‬ ‫ُ‬ ‫القوانين الكون َّي ِة‪ ،‬ا َّلتي‬
‫ِ‬ ‫تغيير سن َِّة اهلل في‬
‫َ‬
‫اإلرادي من‬
‫ِّ‬ ‫ومن َث ّم ينبغي َأ ْن يثو ُبوا إلى اإلسالم في الجانب‬
‫شؤون ِ‬
‫هذه‬ ‫ِ‬ ‫شأ ٍن من‬ ‫حياتِهم‪ ،‬فيجعلوا شريع َة اهلل هي الحاكم َة في ِّ‬
‫كل ْ‬

‫الفطري‪،‬‬
‫ِّ‬ ‫اإلرادي في حياتِهم والجانب‬
‫ِّ‬
‫ِ‬
‫الحياة‪ ،‬تنسي ًقا بين الجانب‬
‫‪147‬‬

‫الكوني(‪.)1‬‬ ‫ِ‬
‫الوجود‬ ‫ِ‬
‫هذين وبي َن‬ ‫بشطر ْيه‬ ‫ِ‬
‫وجودهم ك ِّله‬ ‫وتنسي ًقا بين‬
‫ِّ‬ ‫َ‬
‫۞۞۞‬

‫حركي‪:‬‬
‫ٍّ‬ ‫كتجمٍع‬
‫ُّ‬ ‫اجلاهلي ُ‬
‫َّة‬
‫والش ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫على حاكم َّي ِة‬
‫ذوذ‬ ‫للبشر‪ُّ ،‬‬ ‫البشر‬ ‫ولك َّن الجاهل َّي َة ا َّلتي تقو ُم ٰ‬
‫اإلرادي في‬ ‫الكوني‪ ،‬والتَّصاد ِم بين منهج الجانب‬ ‫ِ‬
‫الوجود‬ ‫بهذا عن‬
‫ِّ‬ ‫ِّ‬
‫واجهها ُّ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫كل‬ ‫َ‬ ‫الفطري‪ ..‬هذه الجاهل َّي ُة ا َّل ْ‬
‫تي‬ ‫ِّ‬ ‫اإلنسان والجانب‬ ‫حياة‬
‫رسول اهلل ﷺ‬‫ُ‬ ‫واجهها‬ ‫عوة إلى اإلسالم هلل وحدَ ه‪ ،‬وا َّلتي‬ ‫رسول بالدَّ ِ‬
‫ٍ‬
‫َ‬
‫بدعوتِه‪ ..‬هذه الجاهلي ُة لم تكن مم َّثل ًة في «نظرية» مجر ٍ‬
‫دة؛ بل ر َّبما‬ ‫َّ‬ ‫َّ‬ ‫ْ‬ ‫َّ‬
‫ِ‬ ‫َأحيانًا لم تك ْن لها «نظر َّية» على‬
‫كانت متم ِّثل ًة ً‬
‫دائما‬ ‫ْ‬ ‫اإلطالق! إنَّما‬
‫لقيادة هذا المجتمع‪،‬‬ ‫ِ‬ ‫حركي‪ ،‬متم ِّثل ًة في مجتمعٍ‪ ،‬خاض ٍع‬ ‫تجم ٍع‬
‫ٍّ‬ ‫في ُّ‬
‫وتقاليده وعاداتِه‪.‬‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ومشاعره‬ ‫ِ‬
‫ومفاهيمه‬ ‫لتصوراتِه وق َي ِمه‬
‫ُّ‬ ‫وخاض ٍع‬

‫َّناسق‬
‫َّكامل والت ُ‬ ‫َّفاعل والت ُ‬ ‫وهو جمتمع عضوي بني َأ ِ‬
‫فراده ذلك الت ُ‬ ‫ٌّ‬ ‫ٌ‬
‫ٍ‬
‫بإرادة‬ ‫يتحر ُك ـ‬ ‫العضوي‪ ،‬ا َّلذي ُ‬ ‫والوال ُء والت ُ‬
‫املجتمع َّ‬
‫َ‬ ‫جيعل هذا‬ ‫ُّ‬ ‫َّعاون‬
‫وجوده‪ ،‬والدِّ فا ِع عن كيانِه‪،‬‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ٍ‬
‫واعية َأو غري واعية ـ للمحافظة ٰ‬
‫عىل‬ ‫ِ‬ ‫ٍ‬

‫الكيان يف َأ َّي ِة‬


‫َ‬ ‫ِ‬
‫اخلطر ا َّلتي هتدِّ ُد َ‬
‫ذلك الوجو َد وهذا‬ ‫ِ‬
‫عنارص‬ ‫عىل‬ ‫ِ‬
‫والقضاء ٰ‬
‫صور الت ِ‬
‫َّهديد‪.‬‬ ‫ِ‬ ‫ٍ‬
‫صورة من‬

‫جل َأ َّن الجاهل َّي َة ال تتم َّث ُل في «نظر َّية» َّ‬


‫مجردة‪ ،‬ولكن تتم َّث ُل‬ ‫ومن َأ ِ‬

‫المودودي َأ ِ‬
‫مير‬ ‫للسيد َأبي َاألعلى‬ ‫ِ‬ ‫(( ( يراجع بتوس ٍع في هذه الن ِ‬
‫ِّ‬ ‫«مبادئ اإلسالم» َّ‬ ‫كتاب‪:‬‬
‫ُ‬ ‫ُّقطة‬ ‫ُ ُّ‬
‫ِّ‬
‫(المؤَ لف)‪.‬‬ ‫ِ‬
‫الجماعة اإلسالم َّية في باكستان‪ُ .‬‬
‫‪148‬‬

‫هذه الجاهل َّية‪،‬‬ ‫إلغاء ِ‬ ‫ِ‬ ‫فإن محاول َة‬ ‫على هذا الن ِ‬
‫َّحو؛ َّ‬ ‫تجم ٍع‬
‫حركي ٰ‬ ‫ّ‬ ‫في ُّ‬
‫يجوز ـ وال يجدي شي ًئا ـ َأ ْن تتم َّث َل‬ ‫َّاس إلى اهلل ٍ‬
‫ُ‬ ‫خرى‪ ،‬ال‬ ‫مرة ُأ ٰ‬ ‫َّ‬ ‫ور ِّد الن ِ‬
‫ِ‬ ‫تكون مكافئ ًة للجاهل َّي ِة‬ ‫ُ‬ ‫ٍ‬
‫القائمة‬ ‫حينئذ ال‬ ‫مجردة؛ فإنَّها‬ ‫في «نظر َّية» َّ‬
‫متفوق ًة‬ ‫َ‬ ‫على َأ ْن‬ ‫عضوي‪ً ،‬‬ ‫ِ‬
‫تكون ِّ‬ ‫فضل ٰ‬ ‫ٍّ‬ ‫حركي‬
‫ٍّ‬ ‫فعل‪ ،‬والمتم ِّثلة في ُّ‬
‫تجم ٍع‬ ‫ً‬
‫وجود قائ ٍم بالفعل‪،‬‬ ‫ٍ‬ ‫ِ‬
‫إلغاء‬ ‫ِ‬
‫محاولة‬ ‫ِ‬
‫حالة‬ ‫المطلوب في‬ ‫عليها‪ ،‬كما هو‬
‫ُ‬
‫منهجه وفي‬ ‫ِ‬ ‫آخر يخال ُف ُه مخالف ًة َأساس َّي ًة في طبيعتِ ِه وفي‬ ‫ٍ‬ ‫ِ‬
‫إلقامة وجود َ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِِ‬ ‫ِ‬
‫تجم ٍع‬‫كل َّياته وجزئ َّياته؛ بل ال ُبدَّ لهذه المحاولة الجديدة َأ ْن تتم َّث َل في ُّ‬
‫قواعد ِه النَّظر َّية والتنظيم َّي ِة‪ ،‬وفي روابطِ ِه‬ ‫ِ‬ ‫قوى في‬ ‫حركي َأ ٰ‬ ‫ٍّ‬ ‫عضوي‬
‫ٍّ‬
‫الجاهلي القائم ً‬
‫فعل‪.‬‬ ‫ِّ‬ ‫ووشائج ِه من ذلك المجتمع‬ ‫ِ‬ ‫وعالقاتِ ِه‬

‫ظري ُة للعقيدِة اإلسالميَّة‪:‬‬ ‫القاعدة َّ‬


‫الن َّ‬ ‫ُ‬

‫ِ‬
‫مدار الت ِ‬
‫َّاريخ‬ ‫والقاعد ُة النَّظر َّي ُة ا َّلتي يقو ُم عليها اإلسال ُم ـ ٰ‬
‫على‬
‫ِ‬
‫«شهادة َأ َّل إل َه َّإل اهلل» َأي‪ :‬إفرا ُد اهلل ـ سبحانه ـ‬ ‫البشري ـ هي قاعدةُ‪:‬‬ ‫ِّ‬
‫لطان والحاكم َّي ِة‪ ..‬إفرا ُده بها اعتقا ًدا‬
‫وامة والس ِ‬
‫ُّ‬
‫والق ِ‬ ‫باألُلوهي ِة والربوبي ِة‪ِ ،‬‬
‫ُّ َّ‬ ‫َّ‬
‫عائر‪ ،‬وشريع ًة في واقع الحياة‪ ،‬فشهاد ُة َأن‬ ‫الش ِ‬ ‫مير‪ ،‬وعباد ًة في َّ‬ ‫الض ِ‬ ‫في َّ‬
‫فعل‪ ،‬وال تعتبر موجود ًة شر ًعا؛ َّإل في ِ‬
‫هذه‬ ‫ال إل َه َّإل اهلل‪ ،‬ال توجدُ ً‬
‫ُ‬
‫اعتبار‬ ‫المتكاملة‪ ،‬ا َّلتي تعطيها وجودا جدِّ يا حقيقيا يقوم ِ‬
‫عليه‬ ‫ِ‬ ‫الص ِ‬
‫ورة‬
‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫ًّ‬ ‫ًّ‬ ‫ً‬ ‫ُّ‬
‫ِ‬
‫غير مسل ٍم‪.‬‬ ‫مسلما‪َ ،‬أو َ‬
‫ً‬ ‫قائلها‬
‫ِ‬
‫القاعدة من الناحية النَّظر َّية‪َ ..‬أ ْن تعو َد حيا ُة‬ ‫تقرير هذه‬ ‫ِ‬ ‫ومعنى‬
‫ٰ‬
‫شأ ٍن من شؤونها‪ ،‬وال‬ ‫يقضون هم في َأ ِّي ْ‬
‫َ‬ ‫البشر بجملتِها إلى اهلل‪ ،‬ال‬ ‫ِ‬
‫‪149‬‬
‫ِ ِ‬
‫لهم َأ ْن يرج ُعوا‬ ‫جانب من جوانبِها‪ ،‬من عند َأنفسهم؛ بل ال ُبدَّ ْ‬ ‫ٍ‬ ‫في َأ ِي‬
‫ٍ‬
‫مصدر‬ ‫يجب َأ ْن يعرفو ُه من‬
‫ُ‬ ‫وحكم اهلل هذا‬ ‫ُ‬ ‫إلى حك ِم اهلل فيها ليتَّبعو ُه‪..‬‬ ‫ٰ‬
‫الش ِ‬
‫هادة ال َّثاني‬ ‫رسول اهلل‪ ،‬وهذا يتم َّث ُل في ِ‬
‫شطر َّ‬ ‫ُ‬ ‫ٍ‬
‫واحد يب ِّل ُغهم إ َّياه‪ ،‬وهو‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫رس ُ‬
‫ول اهلل»‪.‬‬ ‫ركن اإلسالم األَ َّول‪« :‬شهادة َأ َّن ُم َح َّمدً ا ُ‬ ‫من ِ‬
‫ِ‬
‫هذه هي القاعد ُة النَّظر َّي ُة‪ ..‬ا َّلتي يتم َّث ُل فيها اإلسال ُم ويقو ُم عليها‪..‬‬
‫ِ‬
‫احلياة ك ِّلها‪،‬‬ ‫ِ‬
‫شؤون‬ ‫ِ‬
‫للحياة حني ُت َط َّب ُق يف‬ ‫ً‬
‫كامل‬ ‫منهجا‬ ‫ُنشئ‬
‫ً‬ ‫وهي ت ُ‬
‫داخل ِ‬
‫دار‬ ‫ِ‬ ‫احلياة الفرد َّي ِة واجلامع َّي ِة يف‬
‫ِ‬ ‫املسلم َّ‬
‫كل فر ٍع من فرو ِع‬ ‫ُ‬ ‫يواج ُه به‬
‫ِ‬
‫عالقات املجتمع‬ ‫وخارجها‪ ،‬يف عالقاتِ ِه باملجتمع املسل ِم‪ ،‬ويف‬ ‫ِ‬ ‫اإلسالم‬
‫ِ‬
‫املسل ِم باملجتمعات األُ ٰ‬
‫خرى (‪.)1‬‬

‫اجلاهلي؟‬
‫َّ‬ ‫اجملتمع‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫املسلمون‬ ‫َ‬
‫كيف يقوِّي‬

‫يملك َأ ْن يتم َّث َل في «نظر َّي ٍة‬ ‫ُ‬ ‫ولك َّن اإلسال َم ـ كما قلنا ـ لم يك ْن‬
‫ٍ‬
‫يبقى معتن ُقوها‬ ‫ثم ٰ‬ ‫مجردة‪ ،‬يعتن ُقها من يعتن ُقها اعتقا ًدا ويزاو ُلها عبادةً‪َّ ،‬‬ ‫َّ‬
‫الجاهلي‬ ‫الحركي‬ ‫للتجم ِع‬ ‫العضوي‬ ‫ِ‬
‫الكيان‬ ‫على هذا الن َّْح ِو َأفرا ًدا ضم َن‬
‫ِّ‬ ‫ِّ‬ ‫ُّ‬ ‫ِّ‬ ‫ٰ‬
‫َّحو ـ مهما ك ُثر عد ُدهم ـ ال‬ ‫على هذا الن ِ‬ ‫فإن وجو َدهم ٰ‬ ‫فعل؛ َّ‬ ‫القائم ً‬
‫فعلي» لإلسالم؛ ألَ َّن األَفرا َد‬ ‫ٍ‬
‫«المسلمين‬
‫َ‬ ‫ٍّ‬ ‫«وجود‬ ‫يمك ُن َأ ْن يؤ ِّد َي ٰ‬
‫إلى‬
‫ون‬‫الجاهلي‪ ،‬سيظ ُّل َ‬
‫ِّ‬ ‫العضوي للمجتم ِع‬‫ِّ‬ ‫ِ‬
‫َّركيب‬ ‫نظر ًّيا» الدَّ اخلي َن في الت‬
‫العضوي‪..‬‬ ‫لمطالب هذا المجتمع‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫لالستجابة‬ ‫حتما‬ ‫مضطري َن‬
‫ِّ‬ ‫ً‬ ‫ِّ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫بوعي َأو ِ‬
‫الحاجات‬ ‫لقضاء‬ ‫وعي ـ‬ ‫بغير ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫كرها‪،‬‬ ‫كون ـ طو ًعا َأو ً‬ ‫سيتحر َ‬ ‫َّ‬
‫منهج حياة» (المؤ ِّلف)‪.‬‬
‫(( ( راجع فصل‪« :‬ال إله إلَّ اهلل ُ‬
‫‪150‬‬

‫َ‬
‫وسيدافعون عن‬ ‫ِ‬
‫لوجوده‪،‬‬ ‫الضرور َّي ِة‬ ‫ِ‬
‫لحياة هذا المجتمع َّ‬ ‫األَساس َّي ِة‬
‫العوامل ا َّلتي تهدِّ ُد وجو َده وكيانَه؛ ألَ َّن الكائ َن‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫وسيدفعون‬ ‫كيانِه‪،‬‬
‫ِ‬
‫عضائه سوا ٌء َأرادوا َأم لم يريدوا‪..‬‬ ‫بكل َأ‬ ‫ِ‬
‫الوظائف َّ‬ ‫العضوي يقو ُم بهذه‬
‫َّ‬
‫ِ‬
‫بتقوية‬ ‫يقومون ً‬
‫«فعل»‬ ‫َ‬ ‫«المسلمين نظر ًّيا» سيظ ُّل َ‬
‫ون‬ ‫إن األَفرا َد‬ ‫َأي‪َّ :‬‬
‫َ‬
‫يعملون «نظر ًّيا» إلزالتِه‪ ،‬وسيظ ُّل َ‬
‫ون خاليا ح َّي ًة‬ ‫َ‬ ‫الجاهلي ا َّلذي‬
‫ِّ‬ ‫المجتمع‬
‫واالمتداد! وسيعطونَه كفاياتِهم وخبراتِهم‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫البقاء‬ ‫ِ‬
‫بعناصر‬ ‫في كيانِه تُمدُّ ُه‬
‫تكون حركتُهم في ات ِ‬
‫ِّجاه‬ ‫َ‬ ‫بدل من َأن‬
‫ويقوى‪ ،‬وذلك ً‬ ‫ونشا َطهم ليحيا بها‬
‫ٰ‬
‫اإلسالمي(‪.)1‬‬ ‫ِ‬
‫إلقامة المجتمع‬ ‫الجاهلي‬ ‫ِ‬
‫تقويض هذا المجتمع‬
‫ِّ‬ ‫ِّ‬
‫حركي‪:‬‬
‫ٍّ‬ ‫إسالمي‬
‫ٍّ‬ ‫جتمٍع‬ ‫ُ‬
‫ضرورة إنشاِء ُّ‬

‫(أي‪:‬‬ ‫يكن ُبدٌّ (‪َ )2‬أ ْن تتم َّث َل القاعد ُة النَّظر َّي ُة لإلسالم َ‬
‫ومن َث َّم لم ْ‬
‫ِ‬
‫منذ ال َّلحظة األُ ٰ‬
‫ولى‪ ..‬لم يكن ُبدٌّ‬ ‫حركي ُ‬ ‫ٍّ‬ ‫عضوي‬
‫ٍّ‬ ‫تجم ٍع‬
‫العقيدةُ) في ُّ‬
‫ٌ‬
‫منفصل‬ ‫الجاهلي‪،‬‬
‫ِّ‬ ‫َّجم ِع‬
‫غير الت ُّ‬
‫آخر ُ‬ ‫حركي ُ‬ ‫ٌّ‬ ‫عضوي‬
‫ٌّ‬ ‫تجم ٌع‬ ‫َأ ْن َ‬
‫ينشأ ُّ‬
‫يستهدف‬
‫ُ‬ ‫الجاهلي ا َّلذي‬
‫ِّ‬ ‫الحركي‬
‫ِّ‬ ‫العضوي‬
‫ِّ‬ ‫َّجم ِع‬ ‫ٌّ‬
‫ومستقل عن الت ُّ‬
‫ِ‬
‫الجديد هو القياد َة‬ ‫َّجم ِع‬ ‫َ‬ ‫اإلسال ُم إلغا َءه‪ ،‬و َأ ْن‬
‫محور الت ُّ‬
‫ُ‬ ‫يكون‬
‫قيادة إسالم َّي ٍة‬
‫ٍ‬ ‫كل‬ ‫الجديد َة المتَم ِّثل َة في رسول اهلل ﷺ ومن ِ‬
‫بعده في ِّ‬ ‫ُ‬

‫(( ( تنبيه‪ :‬عبارة «المسلمون نظر ًيا»‪ :‬يعني بهم س ِّيد ُق ُطب ‪ ‬الذي ُولدوا كمسلمين ‪ ،‬وال‬
‫هم اإلسالم‪ ،‬ويعمل‬ ‫ُ‬
‫يحمل َّ‬ ‫يهتمون ألمر اإلسالم ‪ ..‬وهو يفرق بينهم‪ ،‬وبين المسلم ا َّلذي‬
‫في مجال الدَّ عوة‪.‬‬
‫َ‬ ‫ٍ‬ ‫ِّ‬ ‫ِّ‬ ‫ِ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫((( « ُبدّ » ‪ :‬اسم‪ ،‬وجمع‪ :‬أ َبدُّ ‪ ،‬وأ ْبدا ٌد ‪ ،‬و بدَ َدة‪ ..‬من كل ُبدٍّ ‪ :‬في كل حال‪ .‬أي‪ :‬ال محالة‪ ،‬ال‬
‫مناص‪ ،‬وال محيد‪.‬‬
‫‪151‬‬

‫إلى ُألوه َّي ِة اهلل وحدَ ه وربوب َّيتِه وقوامتِه وحاكم َّيتِ ِه‬
‫َّاس ٰ‬‫تستهدف ر َّد الن ِ‬
‫ُ‬
‫محمدً ا‬ ‫كل َمن يشهدُ َأ َّل إله َّإل اهلل و َأ َّن َّ‬
‫يخلع ُّ‬
‫َ‬ ‫وسلطانِ ِه وشريعتِ ِه ـ و َأ ْن‬
‫ُ‬
‫َّجم ِع ا َّلذي‬ ‫الجاهلي ـ َأي‪ :‬الت ُّ‬ ‫ِّ‬ ‫الحركي‬
‫ِّ‬ ‫َّجم ِع‬ ‫رسول اهلل‪ ،‬وال َءه من الت ُّ‬ ‫ُ‬
‫كانت‪ ،‬سوا ٌء كانت‬ ‫ٍ‬
‫صورة‬ ‫َّجم ِع ـ في َأ َّية‬ ‫ِ‬
‫ْ‬ ‫جا َء منه ـ ومن قيادة ذلك الت ُّ‬
‫والعرافي َن و َمن‬ ‫دنة والس ِ‬
‫حرة‬ ‫الكهنة والس ِ‬ ‫ِ‬ ‫قيادة دين َّي ٍة من‬ ‫ٍ‬ ‫ِ‬
‫صورة‬ ‫في‬
‫َّ‬ ‫َّ‬ ‫َّ‬
‫قيادة سياس َّي ٍة واجتماع َّي ٍة واقتصاد َّي ٍة ـ كا َّلتي‬ ‫ٍ‬ ‫ِ‬
‫صورة‬ ‫إليهم‪َ ،‬أو في‬
‫الحركي‬
‫ِّ‬ ‫العضوي‬
‫ِّ‬ ‫َّجم ِع‬ ‫يحصر وال َء ُه في الت ُّ‬ ‫َ‬ ‫لقريش ـ و َأ ْن‬ ‫ٍ‬ ‫كانت‬
‫الجديد‪ ،‬وفي قيادتِ ِه المسلمة‪.‬‬ ‫ِ‬ ‫اإلسالمي‬
‫ِّ‬
‫خول المسل ِم‬ ‫حظة األُولى لدُّ ِ‬ ‫منذ ال َّل ِ‬ ‫ولم يك ْن ُبدٌّ َأ ْن يتح َّق َق هذا ُ‬
‫ٰ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫رسول اهلل؛‬ ‫ُ‬ ‫محمدً ا‬ ‫في اإلسالم‪ ،‬ولنطقه بشهادة َأ ْن ال إل َه َّإل اهللُ و َأ َّن َّ‬
‫بمجر ِد قيا ِم‬ ‫َّ‬ ‫ألَ َّن وجو َد المجتمع المسل ِم ال يتح َّق ُق َّإل بهذا‪ ،‬ال يتح َّق ُق‬
‫لون في‬ ‫تبلغ كثرتُهم‪ ،‬ال يتم َّث َ‬ ‫فراد مهما ْ‬ ‫قلوب َأ ٍ‬ ‫ِ‬ ‫القاعدة النَّظر َّية في‬ ‫ِ‬

‫يعمل َأعضاؤه‬ ‫مستقل‪ُ ،‬‬ ‫ٌّ‬ ‫ذاتي‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫تجم ٍع‬
‫متناسق متعاون‪ ،‬له وجو ٌد ٌّ‬ ‫عضوي‬
‫ٍّ‬ ‫ُّ‬
‫وتعميق ِه‬
‫ِ‬ ‫وجود ِه‬
‫ِ‬ ‫صيل‬ ‫على ْتأ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫عمل عضو ًّيا ـ َ‬ ‫ً‬
‫الحي ـ ٰ‬ ‫ِّ‬ ‫الكائن‬ ‫عضاء‬ ‫كأ‬
‫تهاجم وجو َده‬ ‫ُ‬ ‫العوامل ا َّلتي‬ ‫ِ‬ ‫وتوسيعه‪ ،‬وفي الدِّ فا ِع عن كيانِه ضدَّ‬ ‫ِ‬

‫الجاهلي‪،‬‬ ‫قيادة المجتمع‬ ‫قيادة مستق َّل ٍة عن ِ‬ ‫تحت ٍ‬ ‫ويعملون هذا َ‬ ‫َ‬ ‫وكيانَه‪،‬‬
‫ِّ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫لتأ ِ‬ ‫وتوج ُههم ْ‬ ‫ُنس ُقها‪،‬‬
‫وجودهم‬ ‫وتعميق وتوسي ِع‬ ‫صيل‬ ‫ِّ‬ ‫تن ِّظ ُم حركتَهم وت ِّ‬
‫الجاهلي(‪.)1‬‬ ‫ِ‬
‫اآلخر‬ ‫ِ‬
‫الوجود‬ ‫ِ‬
‫وإزالة‬ ‫ِ‬
‫ومقاومة‬ ‫ِ‬
‫ولمكافحة‬ ‫اإلسالمي‪،‬‬
‫ِّ‬ ‫ِّ‬
‫ِ‬
‫الجهود ضدَّ‬ ‫ِالجماعي‪ ،‬وضرورته لتوحيد‬ ‫((( يشير سيد ُق ُطب ‪ ‬هنا إلى َأ ِ‬
‫همية وجود العمل‬
‫ِّ‬ ‫ٰ‬ ‫ِّ‬ ‫ُ‬
‫ِ‬
‫المعسكر المعادي‪.‬‬
‫‪152‬‬

‫قاعدة نظر َّي ٍة‬


‫ٍ‬ ‫وهكذا ُو ِجد اإلسالم‪ ..‬هكذا وجدَ متم ِّث ًل في‬
‫تجم ٌع‬ ‫نفس ال َّل ِ‬
‫حظة‬ ‫ِ‬ ‫مجملة ـ ولكنَّها شامل ٌة ـ يقو ُم عليها في‬ ‫ٍ‬
‫ُّ‬
‫الجاهلي ومواج ٌه‬ ‫ِّ‬ ‫ٌ‬
‫منفصل عن المجتمع‬ ‫ٌّ‬
‫مستقل‬ ‫حركي‪،‬‬
‫ٌّ‬ ‫عضوي‬
‫ٌّ‬
‫دة عن هذا‬ ‫صورة «نظرية» مجر ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫قط في‬‫لهذا المجتمع‪ ..‬ولم يوجدْ ُّ‬
‫َّ‬ ‫َّ‬
‫ِ‬
‫خرى‪ ،‬وال‬ ‫مر ًة ُأ ٰ‬ ‫الفعلي‪ ..‬وهكذا يمك ُن َأ ْن يوجدَ اإلسال ُم َّ‬ ‫ِّ‬ ‫الوجود‬
‫زمان‪ ،‬وفي َأ ِّي‬ ‫ٍ‬ ‫الجاهلي في َأ ِّي‬ ‫ِ‬
‫إنشائه في المجتمع‬ ‫ِ‬
‫إلعادة‬ ‫َ‬
‫سبيل‬
‫ِّ‬
‫نشأتِ ِه العضو َّي ِة الحرك َّي ِة‪.‬‬ ‫ِ‬
‫لطبيعة َ‬ ‫روري‬
‫ِّ‬ ‫الض‬ ‫ِ‬
‫الفقه َّ‬ ‫مكان ِ‬
‫بغير‬ ‫ٍ‬
‫***‬
‫املسلم‪:‬‬ ‫ُ‬
‫انفتاح اجملتمع ِ‬
‫ِ‬
‫القاعدة‬ ‫فإن اإلسالم ـ وهو يبني األُم َة المسلم َة على ِ‬
‫هذه‬ ‫وبعدُ ‪َّ :‬‬
‫ٰ‬ ‫َّ‬ ‫َ‬
‫العضوي‬
‫ّ‬ ‫على َأساس الت ُّ‬
‫َّجم ِع‬ ‫ويقيم وجو َدها ٰ‬‫ُ‬ ‫وفق هذا المنهج‪،‬‬
‫يستهدف‬
‫ُ‬ ‫َّجم ِع هي العقيد ُة ـ إنَّما َ‬
‫كان‬ ‫ُ‬
‫ويجعل آصر َة هذا الت ُّ‬ ‫ِالحركي‪،‬‬
‫ِّ‬
‫على جمي ِع‬ ‫ِ‬
‫إبراز «إنسان َّية اإلنسان» وتقويتَها وتمكينَها‪ ،‬وإعال َءها ٰ‬ ‫َ‬
‫على‬
‫اإلنساني‪ ،‬وكان يمضي في هذا ٰ‬ ‫ِّ‬ ‫ِ‬
‫الكائن‬ ‫الجوانب األُ ٰ‬
‫خرى في‬ ‫ِ‬
‫ِ‬
‫حكامه‪..‬‬ ‫ِ‬
‫وشرائعه و َأ‬ ‫قواعده وتعليماتِه‬
‫ِ‬ ‫منهجه الم َّط ِ‬
‫رد في ِّ‬
‫كل‬ ‫ِ‬
‫ِ‬
‫الكائنات‬ ‫الكائنات الحيوان َّي ِة ـ بل‬
‫ِ‬ ‫ُ‬
‫يشترك مع‬ ‫اإلنساني‬ ‫إن الكائ َن‬ ‫َّ‬
‫َّ‬
‫ٌ‬ ‫مر ًة َبأ َّن ُه‬ ‫ِ‬ ‫توهم َأ‬ ‫ٍ‬ ‫الماد َّي ِة ـ في‬
‫حيوان‬ ‫صحاب «الجهالة العلم َّية» َّ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫صفات‬
‫َ‬
‫اإلنسان مع‬ ‫كسائر الموا ِّد! ولك َّن‬‫ِ‬ ‫ومر ًة َبأ َّن ُه ماد ٌة‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫كسائر الحيوان‪َّ ،‬‬
‫«خصائص»‬
‫ُ‬ ‫الحيوان ومع الما َّد ِة له‬
‫ِ‬ ‫«الصفات» مع‬ ‫اشتراكه في هذه ِّ‬
‫ِ‬
‫ِ‬
‫«الجهالة‬ ‫صحاب‬ ‫اضطر َأ‬ ‫وتجعل منه كائنًا فريدً ا‪ ،‬كما‬ ‫ُ‬ ‫تم ِّي ُز ُه وت ْف ِر ُده‪،‬‬
‫ُ‬ ‫َّ‬
‫‪153‬‬

‫والحقائق الواقع َّي ُة تلوي َأعنا َقهم ل ًّيا‪،‬‬ ‫ُ‬ ‫خيرا َأ ْن يعترفوا‪،‬‬ ‫العلم َّية» َأ ً‬
‫ٍ‬
‫صراحة(‪.)1‬‬ ‫ٍ‬
‫إخالص وال‬ ‫غير‬ ‫ِ‬
‫االعتراف في ِ‬ ‫ون لهذا‬ ‫فيضطر َ‬ ‫ُّ‬
‫الباهرة للمنهج اإلسلامي في ِ‬
‫هذه‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫النتائج الواقع َّيـة‬ ‫كان مـن‬ ‫ولقـد َ‬
‫ِّ‬
‫آصرة العقيـدة وحدَ ها‪ ،‬دون‬ ‫ِ‬ ‫علـى‬ ‫َّجم ِع‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫اإلسلامي ٰ‬
‫ِّ‬ ‫القض َّيـة‪ ،‬وإلقامة الت ُّ‬
‫ِ‬
‫القريبة‬ ‫والمصالح األَرضي ِ‬
‫ـة‬ ‫ِ‬ ‫ـون وال ُّل ِ‬
‫غـة‪،‬‬ ‫الجنـس واألَرض وال َّل ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫واصـر‬ ‫َأ‬
‫َّ‬
‫«خصائـص اإلنسـان» فـي هذا‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫وإلبـراز‬ ‫ِ‬
‫ـخيفة!‬ ‫الس‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫الحـدود اإلقليم َّيـة َّ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫دون الص ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫الحيوان‪.‬‬ ‫المشـتركة بينه وبي َن‬ ‫فات‬ ‫َّجمـ ِع وتنميتها وإعالئها‪ِّ َ ،‬‬ ‫الت ُّ‬
‫ِ‬
‫املجتمع‬
‫ُ‬ ‫النتائج الواقع َّية الباهرة هلذا املنهج َأ ْن َأ َ‬
‫صبح‬ ‫ِ‬ ‫كان من‬‫َ‬
‫غات‪،‬‬ ‫لوان وال ُّل ِ‬
‫جناس واألَقوا ِم واألَ ِ‬ ‫ِ‬ ‫مفتوحا جلمي ِع األَ‬ ‫املسلم جمتم ًعا‬
‫ً‬ ‫ُ‬
‫خيفة! و َأ ْن صبت يف بوتقةِ‬ ‫العوائق احليواني ِة الس ِ‬ ‫ِ‬ ‫عائق من هذه‬ ‫بال ٍ‬
‫ُ َّ‬ ‫َّ َّ‬
‫وانصهرت‬‫ْ‬ ‫وكفاياتا‪،‬‬
‫ُ‬ ‫جناس البرش َّي ِة‬ ‫ِ‬ ‫خصائص األَ‬
‫ُ‬ ‫اإلسالمي‬
‫ِّ‬ ‫املجتمع‬
‫نشأ ْت مر َّك ًبا عضو ّي ًا فائ ًقا يف فرتة تعدُّ‬ ‫ومتازجت‪ ،‬و َأ َ‬
‫ْ‬ ‫ِ‬
‫البوتقة‬ ‫يف هذه‬
‫وصنعت هذه الكتل ُة العجيب ُة املتجانس ُة املتناسق ُة حضار ًة‬ ‫ْ‬ ‫نسب ًّيا قصريةً‪،‬‬
‫بعد‬ ‫زمانا جمتمع ًة‪ ،‬عىل ِ‬ ‫اقة البرشي ِة يف ِ‬ ‫رائع ًة ضخم ًة‪ ،‬حتوي خالص َة ال َّط ِ‬
‫ٰ‬ ‫َّ‬
‫الزمان‪.‬‬ ‫رق االت ِ‬
‫ِّصال يف َ‬ ‫املسافات وب ِ‬
‫طء ُط ِ‬ ‫ِ‬
‫ذلك َّ‬ ‫ُ‬
‫ُ‬
‫تناسق اجملتمع املسلم‪:‬‬

‫والفارسي‬
‫ُّ‬ ‫العربي‬
‫ُّ‬ ‫المتفو ِق‪:‬‬
‫ِّ‬ ‫اإلسالمي‬
‫ِّ‬ ‫اجتمع في المجتمع‬
‫َ‬ ‫لقد‬
‫وماني‬
‫ُّ‬ ‫والر‬
‫والهندي ُّ‬
‫ُّ‬ ‫يني‬
‫والص ُّ‬
‫ُّركي ِّ‬
‫والمغربي والت ُّ‬
‫ُّ‬ ‫والمصري‬
‫ُّ‬ ‫امي‬ ‫َّ‬
‫والش ُّ‬
‫ِ‬
‫صحاب «الدارونية الحديثة» (المؤ ِّلف)‪.‬‬ ‫ِ‬
‫هؤالء جوليان هاكسلي من َأ‬ ‫(( ( في مقدِّ ِ‬
‫مة‬
‫‪154‬‬
‫ِ‬
‫جناس‪.‬‬ ‫إلى ِ‬
‫آخر األَقوا ِم واألَ‬ ‫واإلفريقي‪ٰ ...‬‬
‫ُّ‬ ‫واإلندونيسي‬
‫ُّ‬ ‫واإلغريقي‬
‫ُّ‬
‫لتعمل متمازج ًة متعاون ًة متناسق ًة في ِ‬
‫بناء‬ ‫َ‬ ‫خصائصهم ك ُّلها‬ ‫عت‬
‫ُ‬ ‫وتجم ْ‬
‫َّ‬
‫ِ‬
‫والحضارة اإلسالم َّية‪ ،‬ولم تك ْن هذه الحضار ُة‬ ‫اإلسالمي‬ ‫المجتمع‬
‫ِّ‬
‫دائما «إسالم َّية» ‪ ،‬ولم تك ْن يو ًما‬
‫كانت ً‬
‫ْ‬ ‫الضخم ُة يو ًما ما «عرب َّية» إنَّما‬
‫َّ‬
‫دائما «عقيد َّية»‪.‬‬
‫«قوم َّية» إنَّما كانت ً‬
‫وبش ِ‬
‫عور التَّط ُّل ِع‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫احلب‪ُ ،‬‬ ‫عىل قد ِم املساواة وبآرصة ِّ‬ ‫ولقد اجتمعوا ك ُّلهم ٰ‬
‫ِ‬ ‫كفاياتم‪ ،‬و َأبرزوا َأ َ‬ ‫ِ‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬
‫خصائص‬ ‫عمق‬ ‫إ ٰىل وجهة واحدة؛ فبذلوا مجي ُعهم َأ ٰ‬
‫قىص‬
‫الشخص َّي ِة والقوم َّي ِة والتًّارخي َّي ِة يف بناء‬‫جناسهم‪ ،‬وص ُّبوا خالص َة جتارهبم َّ‬ ‫َأ ِ‬

‫وجتمع‬ ‫ينتسبون إليه مجيعا عىل قد ِم املس ِ‬


‫اواة‪،‬‬ ‫َ‬ ‫ِ‬
‫الواحد‪ ،‬ا َّلذي‬ ‫هذا املجتمع‬
‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ً ٰ‬
‫ِ‬
‫وتربز فيها إنسان َّيتُهم وحدَ ها بال‬ ‫ُ‬ ‫الواحد‪،‬‬ ‫بربم‬‫فيه بينَهم آرص ٌة تتع َّل ُق ِّ‬
‫آخر عىل ِ‬ ‫قط ألَ ِّي ُّ‬
‫جيتمع ُّ‬ ‫ٍ‬
‫مدار التَّاريخ!‪..‬‬ ‫جتم ٍع َ ٰ‬ ‫ْ‬ ‫عائق‪ ،‬وهذا ما مل‬
‫۞۞۞‬

‫اجلاهلي‪:‬‬
‫ِّ‬ ‫أمراض اجملتمع‬
‫ِ‬ ‫من‬

‫تجم ُع‬
‫ُّ‬ ‫َّاريخ القدي ِم هو‬
‫ري في الت ِ‬ ‫بش ٍّ‬‫تجم ٍع َ‬ ‫ُّ‬ ‫لقد كان َأ ُ‬
‫شهر‬
‫بالفعل َأ ً‬
‫جناسا متعدِّ دةً‪،‬‬ ‫ِ‬ ‫جمعت‬
‫ْ‬ ‫مثل؛ فقد‬‫الرومان َّي ِة ً‬ ‫ِ‬
‫اإلمبراطور َّية ُّ‬
‫ولغات متعدِّ دةً‪ ،‬و َألوانًا متعدِّ دةً‪ ،‬و َأمزج ًة متعدِّ دةً؛ ولك َّن هذا ك َّله‬ ‫ٍ‬

‫قيمة ُعليا كالعقيدة‪ ،‬لقد‬ ‫«آصرة إنسانية» ولم يتم َّث ْل في ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫على‬
‫َّ‬ ‫يقم ٰ‬
‫لم ْ‬
‫ِ‬
‫العبيد في‬ ‫ِ‬
‫وطبقة‬ ‫ِ‬
‫شراف‬ ‫ِ‬
‫طبقة األَ‬ ‫على َأساس‬ ‫َ‬
‫طبقي ٰ‬ ‫ٌّ‬ ‫تجم ٌع‬
‫هناك ُّ‬ ‫كان‬
‫ِ‬
‫سيادة‬ ‫على َأساس‬ ‫ٍ‬ ‫اإلمبراطور َّي ِة ك ِّلها من‬
‫عنصري ٰ‬ ‫ٌّ‬ ‫وتجم ٌّع‬
‫ُّ‬ ‫ناحية‪،‬‬
‫‪155‬‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫بصفة عا َّم ٍة ـ‬
‫ٍ‬
‫جناس األُ ٰ‬
‫خرى‪.‬‬ ‫ِ‬ ‫سائر األَ‬ ‫وعبودية‬ ‫وماني ـ‬
‫ِّ‬ ‫الر‬
‫الجنس ُّ‬‫ِ‬
‫مار ا َّلتي‬ ‫ِ‬ ‫إلى َأ ِ‬
‫اإلسالمي‪ ،‬ولم يؤت ال ِّث َ‬
‫ِّ‬ ‫َّجم ِع‬
‫فق الت ُّ‬ ‫يرتفع ُّ‬
‫قط ٰ‬ ‫ْ‬ ‫ومن َث َّم لم‬
‫اإلسالمي‪.‬‬
‫ُّ‬ ‫َّجم ُع‬
‫آتاها الت ُّ‬
‫ِ‬
‫تجم ُع‬ ‫ُّ‬ ‫عات ُأخـ ٰ‬
‫ـرى‪..‬‬ ‫تجم ٌ‬
‫ُّ‬ ‫الحديث‬ ‫قامت في الت ِ‬
‫َّاريخ‬ ‫ْ‬ ‫كذلك‬
‫وماني ا َّلذي‬
‫ِّ‬ ‫َّجم ِع ُّ‬
‫الر‬ ‫كان كالت ُّ‬ ‫اإلمبراطور َّي ِة البريطان َّي ِة مثالً‪ ..‬ولكنَّه َ‬
‫سيادة القوم َّي ِة‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫أساس‬ ‫على‬
‫تجم ًعا قوم ًّيا استغالل ًّيا‪ ،‬يقوم ٰ‬ ‫هو وري ُثه! ُّ‬
‫ِ‬
‫المستعمرات ا َّلتي ت َُض ُّمها اإلمبراطور َّي ُة‪ ..‬ومث ُله‬ ‫ِ‬
‫واستغالل‬ ‫اإلنجليز َّي ِة‪،‬‬
‫اإلمبراطور َّيات األَوروب َّي ُة ك ُّلها‪ :‬اإلمبراطور َّي ُة اإلسبان َّي ُة‪ ،‬والبرتغال َّي ُة‪،‬‬
‫ِ‬
‫الهابط‬ ‫ذلك المستوى‬ ‫وقت ما‪ ،‬واإلمبراطور َّي ُة الفرنس َّية‪ ..‬ك ُّلها في َ‬ ‫في ٍ‬
‫المقيت! و َأ ِ‬ ‫ِ‬
‫آخر‪ ،‬يتخ َّط ٰى‬
‫تجم ًعا من نو ٍع َ‬ ‫الشيوع َّي ُة َأ ْن َ‬
‫تقيم ُّ‬ ‫رادت ُّ‬ ‫البش ِع‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫على‬ ‫الجنس والقو ِم واألَرض وال ُّلغة وال َّلون‪ ،‬ولكنَّها لم ْ‬
‫تقم ُه ٰ‬ ‫ِ‬ ‫حواجز‬
‫َ‬
‫ِ‬
‫القاعدة «ال َّطبق َّية»‪.‬‬ ‫ٍ‬
‫قاعدة «إنسان َّية» عا َّمة‪ ،‬إنَّما َأقامتْه على‬

‫وماني القدي ِم‪ ،‬هذا‬


‫ِّ‬ ‫للتجم ِع ُّ‬
‫الر‬ ‫ُّ‬ ‫اآلخر‬
‫َ‬ ‫َّجم ُع هو الوج َه‬ ‫َ‬
‫فكان هذا الت ُّ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫طبقة‬ ‫قاعدة‬ ‫على‬ ‫على قاعدة طبقة «األَشراف» وذلك ُّ‬
‫تجم ٌع ٰ‬ ‫تجم ٌع ٰ‬
‫ُّ‬
‫ِ‬
‫الحقد‬ ‫ِ‬
‫عاليك ـ (البروليتريا) ـ والعاطف ُة ا َّلتي تسو ُد ُه هي عاطف ُة‬ ‫الص‬
‫َّ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫َّجم ِع‬
‫لمثل هذا الت ُّ‬ ‫ِ‬ ‫خرى! وما َ‬
‫كان‬ ‫سائر ال َّطبقات األُ ٰ‬ ‫األَسود ٰ‬
‫على‬
‫اإلنساني‪ ..‬فهو ابتدا ًء‬
‫ِّ‬ ‫ِ‬
‫الكائن‬ ‫يثمر َّإل َأسو َأ ما في‬ ‫ِ‬
‫البغيض َأ ْن َ‬ ‫الص ِ‬
‫غير‬ ‫َّ‬
‫فات الحيوان َّي ِة وحدَ ها‪ ،‬وتنميتِها وتمكينِها‬
‫إبراز الص ِ‬
‫على َأساس ِ ِّ‬ ‫قائم ٰ‬‫ٌ‬
‫‪156‬‬

‫والمسكن‬ ‫لإلنسان هي‪« :‬ال َّطعا ُم‬‫ِ‬ ‫«المطالب األَساس َّي َة»‬ ‫ِ‬
‫باعتبار َأ َّن‬
‫ُ‬ ‫َ‬
‫ِ‬
‫اإلنسان‬ ‫َ‬
‫تاريخ‬ ‫ِ‬
‫باعتبار َأ َّن‬ ‫ِ‬
‫الحيوان األَ َّول َّي ُة ـ‬ ‫مطالب‬ ‫والجنس» ـ وهي‬
‫ُ‬ ‫ُ‬
‫ِ‬
‫البحث عن ال َّطعام!!‬ ‫ُ‬
‫تاريخ‬ ‫هو‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫خصائص‬ ‫خص‬ ‫إبراز َأ ِّ‬ ‫اني في‬ ‫الر َّب ِّ‬‫تفر َد اإلسال ُم بمنهجه َّ‬ ‫لقد َّ‬
‫يزال‬ ‫اإلنساني‪ ،‬وما ُ‬ ‫بناء المجتمع‬ ‫وإعالئها في ِ‬ ‫ِ‬ ‫اإلنسان وتنميتِها‬‫ِ‬
‫ِّ‬
‫ٍ‬
‫قاعدة‬ ‫على َأ ِّي‬ ‫ٍ‬ ‫إلى َأ ِّي‬ ‫َ‬ ‫متفر ًدا‪ ..‬وا َّلذي َن‬
‫آخر‪ ،‬يقو ُم ٰ‬ ‫منهج َ‬ ‫يعدلون عنه ٰ‬ ‫ِّ‬
‫آخر هذا النَّتِ ِن‬ ‫إلى ِ‬ ‫ِ‬
‫الجنس َأو األَرض َأو ال َّطبقة‪ٰ ...‬‬ ‫ِ‬ ‫خرى من القو ِم َأو‬ ‫ُأ ٰ‬
‫ِ‬
‫اإلنسان‬ ‫َ‬
‫يريدون لهذا‬ ‫اإلنسان ح ًّقا! هم ا َّلذي َن ال‬‫ِ‬ ‫خيف؛ هم َأعدا ُء‬ ‫الس ِ‬
‫َّ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫َ‬
‫يريدون‬ ‫فطر ُه اهلل‪ ،‬وال‬‫يتفر َد في هذا الكون بخصائصه العليا كما َ‬ ‫َأ ْن َّ‬
‫وخصائصها وتجاربِها في‬ ‫ِ‬ ‫كفايات َأ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫جناسه‬ ‫ينتفع َبأ ٰ‬
‫قصى‬ ‫َ‬ ‫لمجتمعه َأ ْن‬
‫ٍ‬
‫وتناسق‪..‬‬ ‫ٍ‬
‫امتزاج‬

‫هلل ـ سبحانه ـ في َأمثالِهم‪:‬‬ ‫وهم ا َّلذي َن ُ‬


‫يقول ا ُ‬ ‫ُ‬
‫﴿ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ * ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ‬
‫ﮠﮡﮢﮣ*ﮥﮦﮧﮨﮩﮪﮫ‬
‫ﮬﮭﮮﮯﮰﮱﯓ* ﯕﯖﯗﯘﯙﯚﯛ‬
‫ﯜ ﯝ﴾ [الكهف‪ 103 :‬ـ ‪.]106‬‬
‫ظ‬ ‫َ‬
‫وصدق اهلل الع�مي‪..‬‬
‫سياق الجهاد في اإلسالم في «زاد المعاد»‬ ‫ص اإلما ُم اب ُن الق ِّيم َ‬ ‫َّ‬
‫لخ َ‬
‫هديه مع الك َّف ِ‬
‫ار‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ترتيب‬ ‫«فصل في‬ ‫ٌ‬ ‫الفصل ا َّلذي عقدَ ه باسم‪:‬‬ ‫ِ‬ ‫في‬
‫لقي اهللَ ع َّز َّ‬
‫وجل»(‪:)1‬‬ ‫إلى ِ‬
‫حين َ‬ ‫ث ٰ‬ ‫حين ُب ِع َ‬
‫والمنافقين‪ ،‬من ِ‬
‫َ‬
‫ِ‬
‫ذي َخ َل َق‪،‬‬ ‫وحى إليه ر ُّب ُه ‪َ ‬أ ْن ي ْق َر َأ باسم ر ِّبه ا َّل ْ‬ ‫( َأ َّو ُل ما َأ ٰ‬
‫نفسه‪ ،‬ولم ْيأ ُم ْر ُه إ ْذ َ‬ ‫وذلك َأو َل ُنبوتِ ِه‪َ ،‬فأمره َأ ْن يقر َأ في ِ‬
‫ذاك ب َت ْبليغٍ‪،‬‬ ‫َ‬ ‫َُ‬ ‫َ َّ ُ َّ‬
‫ُث َّم َأن َْز َل عليه‪﴿ :‬ﮬﮭ *ﮯﮰ﴾ [المدثر‪1 :‬ـ ‪ .]2‬فن َّب َأ ُه بقوله ﴿ﭻ﴾‬
‫و َأرس َل ُه بـ‪﴿ :‬ﮬﮭ﴾‪.‬‬

‫عشري َت ُه األَ َ‬ ‫ُثم َأمره َأن ي ِ‬


‫نذر َمن‬‫قربني‪ُ ،‬ث َّم َأن َْذ َر قو َم ُه‪ُ ،‬ث َّم َأ َ‬ ‫َ‬ ‫نذ َر‬ ‫ُ‬ ‫َّ َ ُ‬
‫العاملني‪َ ،‬فأقا َم َ‬
‫بضع‬ ‫َ‬ ‫العرب قاطب ًة‪ُ ،‬ث َّم َأ َ‬
‫نذر‬ ‫َ‬ ‫العرب‪ُ ،‬ث َّم َأ َ‬
‫نذر‬ ‫ِ‬ ‫حوهلُم من‬
‫ٍ‬ ‫بغري ٍ‬ ‫عوة ِ‬ ‫نذر بالدَّ ِ‬ ‫ِِ ِ‬
‫بالكف‬
‫ِّ‬ ‫جزية‪ ،‬و ُيؤ َم ُر‬ ‫قتال وال‬ ‫عش َة َسنَ ًة بعدَ ُن ُب َّوته ُي ُ‬ ‫َْ‬
‫فح‪.‬‬ ‫والص ِرب َّ‬
‫والص ِ‬ ‫َّ‬
‫قاتل َمن‬‫مر ُه َأن ُي َ‬ ‫ذن له في القتال‪ُ ،‬ث َّم َأ َ‬ ‫الهجر ِة‪ ،‬و ُأ َ‬
‫َ‬ ‫ذن ل ُه في‬ ‫ُث َّم ُأ َ‬
‫بقتال المشركي َن حت َّٰى‬ ‫ِ‬ ‫اعتزل ُه ولم ُيقاتل ُه‪ُ ،‬ث َّم َأمر ُه‬ ‫عم ِن َ‬ ‫ُف َّ‬ ‫قاتل ُه‪ ،‬ويك َّ‬
‫يكون الدِّ ي ُن ك ُّله هلل‪..‬‬‫َ‬
‫ِ‬
‫الفقرات في ما نُقل هنا وبين مطبوعة «زاد المعاد» البن‬ ‫ونقص في بعض‬ ‫فروق قليلة‪،‬‬ ‫َ‬
‫هناك ٌ‬ ‫(( (‬
‫ٌ‬
‫َّص من الطبعة المحققة لدارعالم الفوائد ‪،‬وما بين المعقوفتين زيادة منها ‪.‬‬
‫القيم‪ ،‬فقمنا بنقل الن ِّ‬
‫‪158‬‬

‫لح‬‫هل ُص ٍ‬ ‫مر باجلهاد ثالث َة َأقسا ٍم‪َ :‬أ َ‬ ‫كان الك َّف ُار معه بعد األَ ِ‬
‫ثم َ‬ ‫َّ‬
‫ِ‬ ‫مر َبأ ْن ُيتِ َّم ألَ ِ‬ ‫وه ٍ‬
‫لح‬ ‫والص ِ‬
‫هل العهد ُّ‬ ‫هل ذ َّمة‪ُ ..‬فأ َ‬ ‫ٍ‬
‫حرب‪ ،‬و َأ َ‬ ‫دنة‪ ،‬و َأ َ‬
‫هل‬ ‫ُ‬
‫ِ‬
‫خاف منهم خيان ًة‬ ‫َ‬ ‫العهد؛ فإن‬ ‫يوف هلم به ما استقا ُموا عىل‬‫عهدَ ُهم‪ ،‬و َأن ِّ َ‬
‫مر َأن‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫بنقض العهد‪ ،‬و ُأ َ‬ ‫علمهم‬
‫يقاتلهم حت َّٰى ُي ُ‬ ‫ُ‬ ‫عهدهم‪ ،‬ومل‬
‫ُ‬ ‫إليهم‬
‫ْ‬ ‫َ‬
‫نبذ‬
‫نقض عهدَ ُه‪..‬‬ ‫َ‬
‫يقاتل َمن َ‬
‫ِ‬
‫ببيان ُحكم هذه األَقسا ِم ك ِّلها‪:‬‬ ‫راءة»‬
‫نزلت‬
‫ْ‬ ‫نزلت سور ُة « َب َ‬
‫ْ‬ ‫ولما‬
‫َّ‬
‫يدخ ُلوا‬ ‫ِ‬
‫الكتاب حت َّٰى ُيعطوا الجز َي َة‪َ ،‬أو ُ‬ ‫عدوه من َأ ِ‬
‫هل‬ ‫قاتل َّ‬ ‫َفأمر َأن ُي َ‬
‫ار والمنافقي َن‪ ،‬والغل َظ ِة عليهم؛‬ ‫ِ‬
‫بجهاد الك َّف ِ‬ ‫مره فيها‬‫في اإلسالم‪ ،‬و َأ َ‬
‫يف والسنان‪ ،‬والمنافقين بالحج ِة وال ِّل ِ‬
‫سان‪.‬‬ ‫فجاهدَ الك َّفار بالس ِ‬
‫َ‬
‫َ ُ َّ‬ ‫ِّ‬ ‫َ َّ‬
‫ار‪ِ ،‬‬ ‫وأمره فيها بالرباء ِة من ع ِ‬
‫هود الك َّف ِ‬
‫َ‬
‫وجعل‬ ‫هودهم إليهم‪..‬‬
‫ْ‬ ‫ونبذ ُع‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ َُ‬
‫ِ‬
‫العهد يف ذلك ثالث َة َأقسامٍ‪:‬‬ ‫َأ َ‬
‫هل‬

‫وهم ا َّلذي َن ُ‬
‫نقضوا عهدَ ُه‪ ،‬ولم يستقيموا له‪،‬‬ ‫قسما َأ َ‬
‫مر ُه بقتالهم‪ُ ،‬‬ ‫ـ ً‬
‫وظهر عليهم‪.‬‬
‫َ‬ ‫فحار َب ُهم‬

‫يظاهروا عليه‪َ ،‬فأ َ‬


‫مر ُه َأن‬ ‫ُ‬ ‫وقسما لهم عهدٌ مؤ َّق ٌت لم ينْ ُقضوه ولم‬
‫ً‬ ‫ـ‬
‫إلى ُمدَّ تِهم‪.‬‬
‫تم لهم عهدَ ُهم ٰ‬
‫ُي َّ‬
‫مر‬‫مطلق‪َ ،‬فأ َ‬
‫ٌ‬ ‫وقسما لم يك ْن لهم عهدٌ ولم يحار ُبوه‪َ ،‬أو كان لهم عهدٌ‬ ‫ً‬ ‫ـ‬
‫شه ُر األَربع ُة‬
‫قاتلهم‪[ ..‬وهي األَ ُ‬
‫انسلخت ُ‬‫ْ‬ ‫شه ٍر‪ ،‬فإذا‬
‫َأن ُي َؤ ِّج َل ُهم َأربع َة َأ ُ‬
‫المذكور ُة في قوله‪﴿ :‬ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ﴾ [التوبة‪ .]2 :‬وهي‬
‫‪159‬‬

‫الح ُر ُم المذكور ُة في قوله‪﴿ :‬ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ﴾‬


‫ُ‬
‫[التوبة‪.]5 :‬‬
‫َّسيري‪َ ،‬أو ُلا يوم األَ ِ‬
‫ذان‪ ،‬وهو اليو ُم‬ ‫ُ‬ ‫شه ُر الت ِ َّ‬ ‫هاهنا‪ :‬هي َأ ُ‬
‫حل ُر ُم ُ‬
‫فا ُ‬
‫وقع فيه الت َّْأذي ُن‬ ‫حل ِّج األَ ِ‬ ‫ِ ِ‬
‫كرب ا َّلذي َ‬ ‫العارش من ذي احل َّجة‪ ،‬وهو يو ُم ا َ‬
‫ُ‬
‫ِ‬
‫اآلخر‪.‬‬ ‫العارش من ربي ٍع‬ ‫وآخرها‬
‫ُ‬ ‫بذلك‪،‬‬
‫ُ‬
‫المذكور َة في قوله‪﴿ :‬ﮤﮥﮦﮧ‬
‫َ‬ ‫وليست هي األَرب َع َة‬
‫ْ‬
‫ﮨﮩﮪﮫﮬﮭﮮﮯﮰﮱﯓﯔ‬
‫ﯕﯖ﴾ [ التوبة‪.] 36 :‬‬

‫احل َّج ِة‪،‬‬


‫تلك واحدٌ َفرد‪ ،‬وثالث ٌة سد‪ :‬رجب‪ ،‬وذو القعدَ ِة‪ ،‬وذو ِ‬
‫ٌ‬ ‫َْ ٌ‬ ‫ْ ٌ‬ ‫فإن َ‬ ‫َّ‬
‫فإن هذا ال ُيمك ُن؛ ألَ َّنا‬ ‫ربعة‪َّ ،‬‬ ‫رشكني يف هذه األَ ِ‬ ‫َ‬ ‫واملحر ُم‪ .‬ومل ُي َس ِّ ِي ا ُمل‬
‫َّ‬
‫ِ‬ ‫ٍ‬
‫انسالخها َأ ْن‬ ‫مر ُه بعد‬ ‫شه ٍر‪ُ ،‬ث َّم َأ َ‬‫غري متوالية‪ ،‬وهو إنَّام َأ َّج َل ُهم َأربع َة َأ ُ‬ ‫ُ‬
‫مطلق‬ ‫ٌ‬ ‫لعهد ِه‪ ،‬و َأ َّج َل َمن ال عهدَ له‪َ ،‬أو له عهدٌ‬ ‫َّاقض ِ‬ ‫فقتل الن َ‬ ‫يقات َل ُهم ] َ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫هؤالء‬ ‫للمويف بعهده عهدَ ُه إ ٰىل ُمدَّ ته؛ َفأ َ‬
‫سلم‬ ‫مر ُه َأن ُيت َّم ُ‬ ‫شه ٍر‪ ،‬و َأ َ‬ ‫َأربعة َأ ُ‬
‫الذ َّم ِة اجلزي َة‪.‬‬ ‫عىل َأهل ِّ‬ ‫ورضب ٰ‬ ‫َ‬ ‫عىل كفرهم إ ٰىل ُمدَّ هتم‪،‬‬ ‫ك ُّلهم‪ ،‬ومل ُيقيموا ٰ‬
‫ثالثة َأقسا ٍم‪:‬‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫مر الك َّف ِ‬
‫ار معه بعد نزول «براءة» ٰ‬
‫على‬ ‫فاستقر َأ ُ‬
‫َّ‬
‫لح‬ ‫والص ِ‬ ‫ِ‬ ‫حال َأ ِ‬ ‫هل ذ َّم ٍة‪ُ ..‬ث َّم آلت ُ‬ ‫عهد‪ ،‬و َأ ِ‬ ‫هل ٍ‬ ‫ُمحاربي َن له‪ ،‬و َأ ِ‬
‫هل العهد ُّ‬
‫َ‬
‫والمحاربون‬ ‫هل ذ َّم ٍة‪،‬‬‫قسمين‪ :‬محاربي َن‪ ،‬و َأ َ‬ ‫ِ‬ ‫إلى اإلسالم؛ فصاروا معه‬
‫مسلم مؤم ٌن به‪،‬‬
‫ٌ‬ ‫هل األَرض معه ثالث َة َأقسا ٍم‪:‬‬
‫فصار َأ ُ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫خائفون منه؛‬ ‫له‬
‫‪160‬‬

‫محارب‪..‬‬
‫ٌ‬ ‫وخائف‬
‫ٌ‬ ‫ومسالم له آم ٌن‪،‬‬
‫ٌ‬
‫يقبل منهم عالنيت َُهم‪ ،‬و َي ِك َل‬ ‫مر َأ ْن َ‬
‫و َأ َّما سير ُت ُه في المنافقي َن؛ فإ َّن ُه ُأ َ‬
‫مر ُه َأن ُي َ‬ ‫ِ‬
‫عرض‬ ‫والح َّجة‪ ،‬و َأ َ‬
‫ُ‬ ‫سرائرهم إلى اهلل‪ ،‬و َأن يجاهدَ ُهم بالعل ِم‬ ‫ُ‬
‫إلى نُفوسهم‪ ،‬ونها ُه َأن‬ ‫غلظ عليهم‪ ،‬و َأن يب ُل َغ بالقول البلي ِغ ٰ‬ ‫عنهم‪ ،‬و ُي َ‬
‫خبر َأ َّن ُه إن استغ َف َر لهم فل ْن‬
‫على ُقبورهم‪ ،‬و ُأ َ‬ ‫ُيص ِّل َي عليهم‪ ،‬و َأن يقو َم ٰ‬
‫ار والمنافقي َن»(‪.)1‬‬ ‫عدائ ِه من الك ُّف ِ‬
‫يغفر اهلل لهم‪ ..‬فهذه سير ُته في َأ ِ‬
‫ُ‬ ‫َ ُ‬
‫سامت‬
‫ٌ‬ ‫ملراحل اجلهاد يف اإلسالم‪ٰ َّ ،‬‬
‫تتجل‬ ‫ِ‬ ‫َّلخيص اجل ِّي ِد‬
‫ِ‬ ‫* ومن هذا الت‬
‫ِ‬
‫احلركي هلذا الدِّ ين‪ ،‬جدير ٌة بالوقوف َأ َ‬
‫مامها‬ ‫ِّ‬ ‫َأصيل ٌة وعميق ٌة يف املنهج‬
‫ٍ‬ ‫َ‬
‫إشارات ُمم َل ًة‪:‬‬ ‫نملك هنا؛ َّإل أ ْن َ‬
‫نشري إليها‬ ‫ُ‬ ‫ً‬
‫طويل‪ ،‬ولكنَّنا ال‬

‫مراحل اجلهاد يف اإلسالم‪:‬‬


‫ِ‬ ‫سات‬
‫َِ‬

‫وىل‪ :‬هي الواقع َّي ُة اجلدِّ َّي ُة يف منهج هذا الدِّ ين‪ ..‬فهو حرك ٌة‬ ‫ُ‬
‫السم ُة األ ٰ‬
‫ِّ‬
‫الواقعي‪..‬‬ ‫ِ‬
‫لوجوده‬ ‫ٍ‬
‫مكافئة‬ ‫َ‬
‫بوسائل‬ ‫تواج ُه واق ًعا برش ًّيا‪ ..‬وتواجه ُه‬
‫ِّ‬
‫إنَّها تواج ُه جاهل َّي ًة اعتقاد َّي ًة تصور َّي ًة‪ ،‬تقو ُم عليها َأنظم ٌة واقع َّي ٌة‬
‫قو ٍة ماد َّي ٍة‪ ..‬ومن َث َّم تواج ُه الحرك ُة‬ ‫ذات َّ‬ ‫لطات ُ‬‫ٌ‬ ‫عمل َّي ٌة‪ ،‬تسنُدها ُس‬
‫ِ‬
‫والبيان‬ ‫اإلسالمي ُة هذا الواقع ك َّله بما يكاف ُئه‪ ..‬تواجهه بالدَّ ِ‬
‫عوة‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َّ‬
‫ِ‬
‫إلزالة‬ ‫بالقو ِة والجهاد‬ ‫وتواجهه‬ ‫رات‪،‬‬‫المعتقدات والتَّصو ِ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫لتصحيح‬
‫َّ‬ ‫ُ‬ ‫ُّ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫َّاس‬ ‫جمهرة الن ِ‬ ‫ول بين‬ ‫َح ُ‬
‫والسلطات القائمة عليها‪ ،‬تلك ا َّلتي ت ُ‬ ‫األَنظمة ُّ‬

‫((( «زاد المعاد في هدي خير العباد» ج‪ ،3‬ص‪.184‬‬


‫‪161‬‬
‫ِ‬
‫بالقهر‬ ‫ُخض ُعهم‬ ‫رات‪ ،‬وت ِ‬ ‫للمعتقدات والتَّصو ِ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫بالبيان‬ ‫ِ‬
‫َّصحيح‬ ‫وبي َن الت‬
‫ُّ‬
‫ِ‬
‫بالبيان‬ ‫تكتفي‬ ‫ِ‬
‫الجليل‪ ..‬إنَّها حرك ٌة ال‬ ‫َّضليل وتُع ِّبدُ هم ِ‬
‫لغير ر ِّبهم‬ ‫ِ‬ ‫والت‬
‫ْ‬
‫ِ‬
‫لضمائر‬ ‫المادي‬ ‫القهر‬ ‫المادي‪ ،‬كما َأنَّها ال تستخد ُم‬ ‫في وجه الس ِ‬
‫لطان‬
‫َّ‬ ‫َ‬ ‫ِّ‬ ‫ُّ‬
‫إلخراج‬‫ِ‬ ‫يتحر ُك‬ ‫فراد‪ ..‬وهذه كتلك سوا ٌء في منهج هذا الدِّ ِ‬ ‫األَ ِ‬
‫ين‪ ،‬وهو َّ‬
‫العباد إلى العبود َّي ِة هلل وحدَ ه كما سيجيء‪.‬‬‫ِ‬ ‫النَّاس من عبود َّي ِة‬

‫والسم ُة ال َّثاني ُة يف منهج هذا الدِّ ين‪ :‬هي الواقع َّي ُة احلرك َّي ُة‪ ..‬فهو‬
‫ِّ‬
‫ِ‬
‫وحاجاتا‬ ‫ِ‬
‫ملقتضياتا‪،‬‬ ‫ُ‬
‫وسائل مكافئ ٌة‬ ‫ٍ‬
‫مرحلة هلا‬ ‫مراحل‪ُّ ،‬‬
‫كل‬ ‫َ‬ ‫حرك ٌة ُ‬
‫ذات‬
‫ِ‬
‫املرحلة ا َّلتي تليها‪..‬‬ ‫ٍ‬
‫مرحلة تس ِّلم إىل‬ ‫الواقع َّية‪ُّ ،‬‬
‫وكل‬
‫َ‬
‫مراحل‬ ‫دة‪ ،‬كما َأنَّه ال ُ‬
‫يقابل‬ ‫ات مجر ٍ‬ ‫يقابل الواقع بنظري ٍ‬ ‫فهو ال ُ‬
‫َّ‬ ‫َّ‬ ‫َ‬
‫ُّصوص القرآن َّي َة‬ ‫َ‬
‫يسوقون الن‬ ‫دة‪ ..‬وا َّلذي َن‬ ‫بوسائل متجم ٍ‬ ‫َ‬ ‫هذا الواق ِع‬
‫َ‬ ‫ِّ‬
‫راعون هذه‬ ‫َ‬ ‫على منهج هذا الدِّ ين في الجهاد‪ ،‬وال ُي‬ ‫ِ‬
‫لالستشهاد بها ٰ‬
‫المنهج‪،‬‬‫ُ‬ ‫مر بها هذا‬ ‫ِ‬
‫المراحل ا َّلتي َّ‬ ‫يدركون طبيع َة‬ ‫َ‬ ‫السم َة فيه‪ ،‬وال‬ ‫ِّ‬
‫يصنعون هذا‬‫َ‬ ‫ٍ‬
‫مرحلة منها‪ ..‬ا َّلذين‬ ‫بكل‬ ‫ِ‬
‫المختلفة ِّ‬ ‫ِ‬
‫ُّصوص‬ ‫وعالق َة الن‬
‫بسا مض ِّل ًل‪،‬‬ ‫منهج هذا الدِّ ي َن َل ً‬
‫َ‬ ‫يخلطون خل ًطا شديدً ا‪ ،‬و َي ْلبِ َ‬
‫سون‬ ‫َ‬
‫ِ‬
‫والقواعد النِّهائ َّية‪.‬‬ ‫ِ‬
‫المبادئ‬ ‫ُّصوص ما ال تحتم ُله من‬ ‫حم َ‬
‫لون الن‬
‫َ‬ ‫و ُي ِّ‬
‫نصا نهائ ًيا‪ ،‬يم ِّث ُل‬ ‫نص منها كما لو َ‬
‫كان ًّ‬ ‫يعتبرون َّ‬
‫كل ٍّ‬ ‫َ‬ ‫ذلك أنَّهم‬
‫َ‬
‫مهزومون روح ًّيا‬ ‫َ‬
‫ويقولون ـ وهم‬ ‫القواعدَ النِّهائ َّي َة في هذا الدِّ ين‪،‬‬
‫يبق‬ ‫ِ‬
‫اليائس لذراري المسلمي َن‪ ،‬ا َّلذين لم َ‬ ‫ِ‬
‫ضغط الواق ِع‬ ‫تحت‬
‫َ‬ ‫وعقل ًّيا‬
‫إن اإلسال َم ال يجاهدُ َّإل للدِّ فاعِ!‬
‫العنوان ـ‪َّ :‬‬
‫ُ‬ ‫لهم من اإلسالم َّإل‬
‫‪162‬‬

‫جميل بتخ ِّل ِيه عن منهجه‪ ،‬وهو‬


‫ً‬ ‫إلى هذا الدِّ ين‬ ‫ويحسبون َأنَّهم ُي ْس َ‬
‫دون ٰ‬ ‫َ‬
‫واغيت ك ِّلها من األَرض جمي ًعا‪ ،‬وتعبيدُ الن ِ‬
‫َّاس هلل وحدَ ه‪،‬‬ ‫ِ‬ ‫إزال ُة ال َّط‬
‫بقهرهم‬ ‫ِ‬
‫العباد! ال‬ ‫لرب‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ْ‬ ‫وإخراجهم من العبود َّية للعباد إلى العبود َّية ِّ‬ ‫ُ‬
‫ِ‬
‫بالتخلية بينَهم وب َين هذه العقيدة‪ ..‬بعد‬ ‫اعتناق عقيدتِه‪ ،‬ولك ْن‬‫ِ‬ ‫على‬
‫تدفع الجزي َة‪،‬‬ ‫قهرها حت َّٰى‬ ‫الحاكمة‪َ ،‬أو ِ‬ ‫ِ‬ ‫نظمة السياس َّي ِة‬‫تحطي ِم األَ ِ‬
‫َ‬
‫وهذه العقيدة‪ ،‬تعتن ُقها َأو‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫جماهيرها‬ ‫وتعل َن استسال َمها والتَّخلي َة بين‬
‫بكامل حر َّيتِها‪.‬‬
‫ِ‬ ‫ال تعتن ُقها‬
‫َ‬
‫والوسائل املتجدِّ دةَ‪ ،‬ال‬ ‫والسم ُة ال َّثالث ُة‪ :‬هي َأ َّن ِ‬
‫هذه احلرك َة الدَّ ائب َة‪،‬‬ ‫ِّ‬
‫ِ‬ ‫دة‪ ،‬وال عن َأهدافِه‬ ‫قواعده املحدَّ ِ‬
‫ِ‬
‫املرسومة‪.‬‬ ‫عن‬
‫ين ْ‬ ‫رج هذا الدِّ َ‬ ‫ُت ُ‬
‫يخاطب العشير َة األَقربي َن‪َ ،‬أو‬‫ُ‬ ‫منذ اليو ِم األَ َّو ِل ـ سوا ٌء وهو‬
‫فهو ـ ُ‬
‫يخاطب العالمي َن‪،‬‬
‫ُ‬ ‫العرب َأجمعين‪َ ،‬أو‬ ‫َ‬ ‫يخاطب‬
‫ُ‬ ‫قريشا‪َ ،‬أو‬
‫يخاطب ً‬
‫ُ‬
‫ٍ‬
‫واحد‬ ‫ٍ‬
‫هدف‬ ‫إلى‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬
‫ويطلب منهم االنتها َء ٰ‬ ‫ُ‬ ‫واحدة‪،‬‬ ‫بقاعدة‬ ‫إنَّما يخاط ُبهم‬
‫للعباد‪ ،‬ال مساوم َة في‬‫ِ‬ ‫والخروج من العبود َّي ِة‬ ‫إخالص العبود َّي ِة هلل‪،‬‬ ‫هو‬
‫ُ‬ ‫ُ‬
‫ِ‬
‫الواحد في‬ ‫ِ‬
‫الهدف‬ ‫تحقيق هذا‬ ‫ِ‬ ‫إلى‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ثم يمضي ٰ‬ ‫هذه القاعدة وال لي َن‪َّ ..‬‬
‫ٍ‬
‫مرحلة وسائ ُلها المتجدِّ دةُ‪،‬‬ ‫مراحل محدَّ ٍ‬
‫دة‪ِّ ،‬‬
‫لكل‬ ‫َ‬ ‫مرسومة‪ِ ،‬‬
‫ذات‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬
‫خطة‬
‫ِ‬ ‫على ِ‬
‫نحو ما َأسلفنا في الفقرة َّ‬
‫السابقة‪.‬‬ ‫ٰ‬
‫ِ‬ ‫الض ُ‬
‫الرابع ُة‪ :‬هي ذلك َّ‬
‫للعالقات بين المجتمع‬ ‫َّشريعي‬
‫ُّ‬ ‫بط الت‬ ‫والسم ُة َّ‬
‫ِّ‬
‫الملحوظ في ِ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ذلك‬ ‫خرى ـ على الن ِ‬
‫َّحو‬ ‫وسائر المجتمعات األُ ٰ‬ ‫ِ‬ ‫المسل ِم‬
‫الض ِ‬
‫بط‬ ‫ِ‬
‫«زاد المعاد» ـ وقيا ُم ذلك َّ‬ ‫َّلخيص الج ِّي ِد ا َّلذي نقلناه عن‬
‫ِ‬ ‫الت‬
‫‪163‬‬

‫العالمي ا َّلذي على البشر َّي ِة ك ِّلها‬


‫ُّ‬ ‫صل‬ ‫على َأساس َأ َّن اإلسال َم هلل هو األَ ُ‬ ‫ٰ‬
‫حائل من‬‫ٍ‬ ‫تقف لدعوتِه َبأ ِّي‬
‫ُسالمه بجملتِها فال ُ‬ ‫َأ ْن تفي َء إليه‪َ ،‬أو َأ ْن ت َ‬
‫يختاره َأو ال‬ ‫كل ٍ‬‫قو ٍة ماد َّي ٍة‪ ،‬و َأ ْن تخ ِّل َي بينَه وبي َن ِّ‬
‫ُ‬ ‫فرد‪،‬‬ ‫سياسي‪َ ،‬أو َّ‬
‫ٍّ‬ ‫نظا ٍم‬
‫فعل ذلك َأحدٌ‬ ‫فإن َ‬ ‫بمطلق إرادتِه‪ ،‬ولك ْن ال يقاو ُمه وال يحار ُبه! ْ‬ ‫ِ‬ ‫يختاره‬
‫ُ‬
‫كان على اإلسالم َأ ْن يقات َله حت َّٰى يقت َله‪َ ،‬أو حت َّٰى يعل َن استسال َمه!‬
‫۞۞۞‬
‫ُ‬
‫وأهدافه‪:‬‬ ‫مفهو ُم اجلهاد‬

‫يكتبون عن «الجهاد في اإلسالم‬ ‫َ‬ ‫ممن‬ ‫َ‬


‫والمهزومون روح ًّيا وعقل ًّيا َّ‬
‫طون بين منهج هذا الدِّ ين في‬ ‫ليدفعوا عن اإلسالم هذا «االتِّهام» ِ‬
‫يخل َ‬ ‫َ‬
‫اإلكراه على العقيدة‪ ،‬وبي َن منهجه في تحطي ِم‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫استنكار‬ ‫َّص على‬ ‫الن ِّ‬
‫َّاس وبينَه‪ ،‬وا َّلتي تُع ِّبدُ الن َ‬
‫َّاس‬ ‫القوى السياس َّي ِة الماد َّي ِة ا َّلتي ت ُ‬
‫َحول بين الن ِ‬
‫مران ال عالق َة بينهما‪ ،‬وال‬ ‫َّاس‪ ،‬وتمنعهم من العبودي ِة هلل‪ ..‬وهما َأ ِ‬ ‫للن ِ‬
‫َّ ِ‬ ‫ُ‬
‫ِ‬
‫لاللتباس فيهما‪..‬‬ ‫َ‬
‫مجال‬
‫ِ‬
‫الهزيمة!‬ ‫جل َ‬
‫تلك‬ ‫وقبل ذلك من َأ ِ‬
‫َ‬ ‫ِ‬
‫َّخليط‪،‬‬ ‫ومن َأ ِ‬
‫جل هذا الت‬
‫سمونَه اليو َم‪:‬‬
‫يحصروا الجها َد في اإلسالم‪ ،‬فيما ُي ُّ‬
‫ُ‬ ‫يحاولون َأ ْن‬
‫َ‬
‫«الحرب الدَّ فاع َّية»‪..‬‬
‫َ‬
‫َّاس اليو َم‪،‬‬ ‫ِ‬
‫بحروب الن ِ‬ ‫آخر ال عالق َة له‬ ‫والجها ُد في اإلسالم َأ ٌ‬
‫مر ُ‬
‫َ‬
‫بواعث الجهاد في اإلسالم ينبغي‬ ‫ِ‬
‫تكييفها كذلك‪َّ ..‬‬
‫إن‬ ‫وال بواعثِها‪ ،‬وال‬
‫‪164‬‬

‫ودوره في هذه األَرض‪ ،‬و َأهدافِه‬‫ِ‬ ‫طبيعة «اإلسالم» ذاتِه‪،‬‬ ‫ِ‬ ‫تلم ُسها في‬‫ُّ‬
‫ول بهذه‬ ‫رس َل من َأجلها هذا َّ‬
‫الر ُس َ‬ ‫هلل َأنَّه َأ َ‬
‫وذكر ا ُ‬
‫َ‬ ‫ال ُعليا ا َّلتي َّقررها ا ُ‬
‫هلل‪،‬‬
‫الرساالت‪.‬‬ ‫الر ِ‬
‫سالة‪ ،‬وجع َله‬
‫خاتم النَّب ِّيي َن‪ ،‬وجعلها خاتمة ِّ‬
‫َ‬ ‫ِّ‬
‫لتحرير «اإلنسان» في «األَرض» من‬ ‫ِ‬ ‫إعالن عا ٌّم‬
‫ٌ‬ ‫ين‬
‫إن هذا الدِّ َ‬ ‫َّ‬
‫ِ‬
‫للعباد‬ ‫يضا ـ وهي من العبود َّي ِة‬ ‫ِ‬
‫للعباد‪ ،‬وـ من العبود َّي ِة لهوا ُه ـ َأ ً‬ ‫العبود َّي ِة‬
‫بإعالن ُألوه َّي ِة اهلل وحدَ ه ـ سبحانه ـ وربوب َّي ِته للعالمين‪! ..‬‬
‫ِ‬ ‫ـ وذلك‬
‫الشامل ُة‬ ‫إعالن ربوب َّي ِة اهلل وحدَ ه للعالمي َن معناها‪ :‬الثور ُة َّ‬ ‫َ‬ ‫إن‬‫َّ‬
‫ِ‬
‫وضاعها‪،‬‬ ‫صورها و َأشكالِها و َأنظمتِها و َأ‬ ‫ِ‬ ‫كل‬ ‫ِ‬
‫البشر في ِّ‬ ‫على حاكم َّي ِة‬ ‫ٰ‬
‫ِ‬
‫للبشر‬ ‫الحكم فيه‬ ‫ِ‬
‫كل وض ٍع في َأرجاء األَرض‬ ‫على ِّ‬ ‫ُ‬
‫ُ‬ ‫الكامل ٰ‬ ‫َّمر ُد‬ ‫والت ُّ‬
‫للبشر في‬ ‫ِ‬ ‫مرادف‪ :‬األُلوه َّي ُة فيه‬ ‫ٍ‬ ‫آخر‬ ‫ٍ‬ ‫ور‪َ ..‬أو‬ ‫الص ِ‬ ‫ٍ‬
‫بتعبير َ‬ ‫بصورة من ُّ‬
‫ِ‬
‫البشر‪،‬‬ ‫مر فيه إلى‬ ‫الحكم ا َّلذي َمر ُّد األَ ِ‬ ‫ور‪ ..‬ذلك َأ َّن‬ ‫الص ِ‬ ‫ٍ‬
‫َ‬ ‫صورة من ُّ‬
‫بعضهم‬ ‫بجعل ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫للبشر‪،‬‬ ‫البشر‪ ،‬هو ْتألي ٌه‬ ‫لطات فيه هم‬ ‫ِ‬ ‫الس‬
‫ُ‬ ‫ومصدر ُّ‬‫ُ‬
‫ِ‬
‫لبعض َأربا ًبا من دون اهلل‪.‬‬ ‫ٍ‬

‫اهلل‪،‬‬ ‫َ ِ‬ ‫اإلعالن معناه انتزاع س ِ‬ ‫َ‬ ‫َّ‬


‫المغتصب ور ُّده إلى ِ‬ ‫لطان اهلل‬ ‫ُ ُ‬ ‫ُ‬ ‫إن هذا‬
‫يحكمون النَّاس بشرائع من ِ‬
‫عند َأنفسهم‪،‬‬ ‫َ‬ ‫ِ‬
‫المغتصبي َن له؛ ا َّلذي َن‬ ‫وطر ُد‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫َ‬
‫مكان العبيد‪..‬‬ ‫َّاس منهم‬ ‫ِ‬
‫األرباب ويقو ُم الن ُ‬ ‫َ‬
‫فيقومون منهم مقا َم‬
‫ِ‬
‫مملكة اهلل في األَرض‪َ ،‬أو‬ ‫ِ‬
‫إلقامة‬ ‫ِ‬
‫مملكة البشر؛‬ ‫تحطيم‬ ‫إن معنا ُه‬‫َّ‬
‫ُ‬
‫القرآني الكريم‪:‬‬
‫ِّ‬ ‫ِ‬
‫بالتعبير‬
‫﴿ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ﴾ [الزخرف‪.]84 :‬‬
‫‪165‬‬

‫﴿ﮈ ﮉ ﮊ ﮋﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑﮒ ﮓ ﮔ ﮕ﴾ [يوسف‪.]40 :‬‬


‫﴿ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ‬
‫ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂﮃ ﮄ ﮅ ﮆ‬
‫ﮇ ﮈ ﮉ﴾ [آل عمران‪.]64 :‬‬

‫ومملك ُة اهلل في األَرض ال تقو ُم َبأ ْن يتولى الحاكم َّي َة في األَرض‬


‫ِ‬ ‫مر في ُس ِ‬ ‫رجال َبأعيانِهم ـ هم‬
‫الكنيسة‪،‬‬ ‫لطان‬ ‫كان األَ ُ‬
‫دين ـ كما َ‬ ‫رجال ٍ‬
‫ُ‬ ‫ٌ‬
‫عرف باسم‬ ‫ُ‬
‫الحال فيما ُي ُ‬ ‫ِ‬
‫اآللهة‪ ،‬كما كان‬ ‫ينطقون باسم‬
‫َ‬ ‫ٌ‬
‫رجال‬ ‫وال‬
‫س!!‪ ،‬ـ ولكنَّها تقو ُم َبأ ْن‬ ‫اإللهي المقدَّ ِ‬
‫ِّ‬ ‫«الثيوقراطية»‪َ ،‬أو الحك ِم‬
‫وفق ما‬ ‫مر إلى اهلل‪َ ،‬‬ ‫يكون مر ُّد األَ ِ‬
‫َ‬ ‫تكون شريع ُة اهلل هي الحاكم ُة‪َ ،‬‬
‫وأ ْن‬ ‫َ‬
‫ٍ‬
‫شريعة مب َّينة‪.‬‬ ‫قرر ُه من‬ ‫َّ‬
‫وانتزاع‬ ‫ِ‬
‫البشر‪،‬‬ ‫ِ‬
‫مملكة‬ ‫مملكة اهلل في األَرض‪ ،‬وإزالـ ُة‬ ‫ِ‬ ‫وقيا ُم‬
‫ُ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ور ُّده إلى اهلل وحدَ ه‪ ..‬وسياد ُة‬ ‫يدي مغتصبيه من العباد َ‬ ‫السلطان من َأ ْ‬ ‫ُّ‬
‫يتم‬ ‫كل ُأ َ‬
‫ولئك ال ُّ‬ ‫القوانين البشر َّي ِة‪ُّ ..‬‬
‫ِ‬ ‫ريعة اإلله َّي ِة وحدَ ها‪ ،‬وإلغا ُء‬
‫الش ِ‬ ‫َّ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫العباد‪ ،‬والمغتصبي َن‬ ‫ِ‬
‫رقاب‬ ‫بمجرد التبلي ِغ والبيان؛ ألَ َّن المتس ِّلطي َن ٰ‬
‫على‬ ‫َّ‬
‫بمجر ِد التَّبلي ِغ‬
‫َّ‬ ‫مون في ُسلطانِهم‬ ‫لس ِ‬
‫لطان اهلل في األَرض‪ ،‬ال ُيس ِّل َ‬ ‫ُ‬
‫دين اهلل في األَرض!‬ ‫سل في ِ‬
‫إقرار ِ‬ ‫ِ‬
‫الر ِ‬ ‫يسر ِ‬
‫عمل ُّ‬ ‫كان َأ َ‬ ‫والبيان‪َّ ،‬‬
‫وإل فما َ‬
‫صلوات اهلل وسال ُمه عليهم ـ‬
‫ُ‬ ‫الر ُس ِل ـ‬ ‫ُ‬
‫تاريخ ُّ‬ ‫عكس ما عر َفه‬
‫ُ‬ ‫وهذا‬
‫وتاريخ هذا الدِّ ين على ممر األَ ِ‬
‫جيال!‬ ‫ُ‬
‫ٰ ِّ‬
‫‪166‬‬

‫احلركي‪:‬‬
‫ِّ‬ ‫مفهو ُم اجلهاد‬

‫لتحرير «اإلنسان» في «األَرض» من ِّ‬


‫كل‬ ‫ِ‬ ‫َ‬
‫اإلعالن العا َّم‬ ‫إن هذا‬ ‫َّ‬
‫بإعالن ُألوه َّي ِة اهلل وحدَ ه وربوب َّي ِته للعالمي َن‪ ،‬لم‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫سلطان اهلل‪،‬‬ ‫غير‬ ‫ٍ‬
‫سلطان ِ‬
‫يك ْن إعالنًا نظر ًّيا فلسف ًّيا سلب ًّيا‪ ..‬إنَّما كان إعالنًا حرك ًّيا واقع ًّيا إيجاب ًّيا‪..‬‬
‫ِ‬
‫بشريعة اهلل‪،‬‬ ‫البشر‬ ‫يحكم‬ ‫ِ‬
‫صورة نظا ٍم‬ ‫العملي في‬ ‫َّحقيق‬
‫إعالنًا يرا ُد له الت ُ‬
‫َ‬ ‫ُ‬ ‫ُّ‬
‫للعباد إلى العبود َّي ِة هلل وحدَ ه بال‬ ‫ِ‬ ‫ويخرجهم بالفعل من العبود َّي ِة‬ ‫ُ‬
‫ِ‬ ‫َّخذ َ‬ ‫شريك‪ ..‬ومن َث َّم لم يكن ُبدٌّ من َأ ْن يت َ‬ ‫ٍ‬
‫جانب‬ ‫شكل «الحركة» ٰ‬
‫إلى‬
‫َ‬
‫بوسائل‬ ‫بكل جوانبِه‬
‫البشري ِّ‬
‫َّ‬ ‫ِ‬
‫«البيان» ذلك ليواج َه «الواقع»‬ ‫ِ‬
‫شكل‬
‫لكل جوانبِه‪.‬‬ ‫ٍ‬
‫مكافئة ِّ‬

‫بوصفه‬ ‫ِ‬ ‫مس واليو َم وغدً ا‪ ،‬يواج ُه هذا الدِّ ي َن ـ‬ ‫اإلنساني‪َ ،‬أ ِ‬ ‫والواقع‬
‫ُّ‬ ‫ُ‬
‫ِ‬
‫سلطاناهللـ‬ ‫غير‬ ‫ٍ‬
‫سلطان ِ‬ ‫«اإلنسان»في«األَرض»من ِّ‬
‫كل‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫لتحرير‬ ‫إعالنًاعا ًّما‬
‫وعقبات سياس َّي ٍة‬
‫ٍ‬ ‫وعقبات ماد َّي ٍة واقع َّي ٍة‪..‬‬
‫ٍ‬ ‫بعقبات اعتقاد َّي ٍة تصور َّي ٍة‪،‬‬ ‫ٍ‬
‫ِ‬
‫العقائد‬ ‫ِ‬
‫عقبات‬ ‫ِ‬
‫جانب‬ ‫إلى‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬
‫واجتماع َّية واقتصاد َّية وعنصر َّية وطبق َّية‪ٰ ،‬‬
‫ُ‬
‫وتتفاعل معها‬ ‫وتختلط هذه بتلك‪،‬‬ ‫ُ‬ ‫ِ‬
‫الباطلة‪،‬‬ ‫المنحرفة والتَّصو ِ‬
‫رات‬ ‫ِ‬
‫ُّ‬
‫شديدة الت ِ‬
‫َّعقيد‪.‬‬ ‫ِ‬ ‫بصورة مع َّق ٍ‬
‫دة‬ ‫ٍ‬

‫فإن «الحركة»‬ ‫رات‪َّ ..‬‬ ‫«البيان» يواجه العقائدَ والتَّصو ِ‬ ‫ُ‬ ‫وإذا كان‬
‫ُّ‬ ‫ُ‬
‫ِ‬
‫السياسي‬
‫ُّ‬ ‫الس ُ‬
‫لطان‬ ‫خرى ـ وفي مقدِّ متها ُّ‬ ‫تواج ُه العقبات الماد َّي َة األُ ٰ‬
‫َّصور َّي ِة‪ ،‬والعنصر َّي ِة‪ ،‬وال َّطبق َّية‪،‬‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫العوامل االعتقاد َّية‪ ،‬والت ُّ‬ ‫القائم على‬
‫ُ‬
‫ُ‬
‫البيان‬ ‫ِ‬
‫المتشابكة ـ وهما م ًعا ـ‬ ‫واالجتماعي ِة‪ ،‬واالقتصادي ِة المع َّق ِ‬
‫دة‬ ‫َّ‬ ‫َّ‬
‫‪167‬‬

‫لكل‬ ‫ٍ‬
‫مكافئة ِّ‬ ‫َ‬
‫بوسائل‬ ‫البشري» بجملتِه؛‬ ‫«الواقع‬ ‫ِ‬
‫يواجهان‬ ‫والحرك ُة ـ‬
‫َّ‬ ‫َ‬
‫ِ‬
‫لإلنسان في‬ ‫حركة الت ِ‬
‫َّحرير‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫النطالق‬ ‫مكوناتِه‪ ..‬وهما م ًعا ال ُبدَّ منهما‬
‫ِّ‬
‫األَرض‪« ..‬اإلنسان» ك ِّله‪ ..‬في األَرض ك ِّلها‪ ،‬وهذه نقط ٌة ها َّم ٌة ال ُبدَّ من‬
‫مر ًة ُأ ٰ‬
‫خرى!‬ ‫ِ‬
‫تقريرها َّ‬
‫َّ‬
‫العبوديِة‪:‬‬ ‫معنى‬

‫وليس رسال ًة‬


‫َ‬ ‫العربي!‬
‫ِّ‬ ‫ِ‬
‫اإلنسان‬ ‫ِ‬
‫لتحرير‬ ‫ليس إعالنًا‬
‫ين َ‬
‫إن هذا الدِّ َ‬
‫َّ‬
‫ِ‬
‫«اإلنسان»‪..‬‬ ‫نوع‬
‫«اإلنسان»‪ُ ..‬‬
‫ُ‬ ‫إن موضو َعه هو‬ ‫ِ‬
‫بالعرب!‪َّ ..‬‬ ‫خاص ًة‬
‫َّ‬
‫إن اهللَ ـ سبحانه ـ ليس‬ ‫كل «األَرض»‪َّ .‬‬ ‫ومجا َله هو األَ ُ‬
‫رض‪ُّ ..‬‬
‫يعتنقون العقيد َة اإلسالم َّي َة‬
‫َ‬ ‫ِ‬
‫للعرب وحدَ هم‪ ،‬وال حت َّٰى لمن‬ ‫ر ًّبا‬
‫«رب العالمين»‪..‬‬
‫إن اهللَ هو ُّ‬
‫وحدَ هم‪َّ ..‬‬

‫إلى ر ِّبهم‪ ،‬و َأ ْن ينتز َعهم من‬


‫وهذا الدِّ ي ُن يريدُ َأ ْن ير َّد «العالمين» ٰ‬
‫ُبرى ـ في ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫خضوع‬
‫ُ‬ ‫نظر اإلسالم ـ هي‬ ‫العبود َّية لغيره‪ ،‬والعبود َّي ُة الك ٰ‬
‫ِ‬
‫البشر‪ ..‬وهذه هي «العبادة» ا َّلتي‬ ‫ناس من‬
‫يشر ُعها لهم ٌ‬ ‫ِ‬
‫البشر ألَحكا ٍم ِّ‬
‫يخرج من ِ‬
‫دين اهلل‪،‬‬ ‫ُ‬ ‫يتوج ُه بها ِ‬
‫لغير اهلل‬ ‫تكون َّإل هلل‪ ،‬و َأ ْن من َّ‬
‫ُ‬ ‫يقر ُر َأنَّها ال‬
‫ِّ‬
‫عى َأنَّه في هذا الدِّ ين‪.‬‬
‫مهما ا َّد ٰ‬
‫الش ِ‬
‫ريعة والحك ِم‬ ‫على َأ َّن «االتِّباع» في َّ‬ ‫ُ‬
‫رسول اهلل ﷺ ٰ‬ ‫نص‬
‫ولقد َّ‬
‫َّصارى «مشركين» مخالفي َن لما‬
‫ٰ‬ ‫هو «العباد ُة ا َّلتي َ‬
‫صار بها اليهو ُد والن‬
‫ِ‬
‫«عبادة» اهلل وحدَ ه‪.‬‬ ‫ُأمروا به من‬
‫‪168‬‬

‫عدي بن حات ٍم ‪َ ‬أنَّه َّ‬


‫لما بلغ ْت ُه‬ ‫ِّ‬ ‫الترمذي‪ ،‬ـ بإسناده ـ عن‬ ‫ُّ‬ ‫َأ َ‬
‫خرج‬
‫َنص َر في الجاهل َّية‪ُ ،‬فأ ِس َر ْت‬
‫الشا ِم‪ ،‬وكان قد ت َّ‬
‫ول اهلل ﷺ َّفر إلى َّ‬ ‫دعو ُة رس ِ‬
‫ُ‬
‫خته َفأعطاها‪،‬‬ ‫ول اهلل ﷺ على ُأ ِ‬ ‫ِ‬
‫ٰ‬ ‫ُأختُه وجماع ٌة من قومه‪ُ ،‬ث َّم َم َّن ُ‬
‫رس ُ‬
‫ول اهلل‬ ‫فرجعت إلى َأخيها َفر َّغبتْه في اإلسالم‪ ،‬وفي القدُ و ِم على رس ِ‬
‫ٰ ُ‬ ‫َ‬ ‫ٰ‬
‫عنقه ـ‬ ‫ول اهلل ﷺ وفي ِ‬ ‫َّاس بقدُ ومه؛ فدخل على رس ِ‬ ‫ﷺ فتحدَّ َ‬
‫ٰ ُ‬ ‫ث الن ُ‬
‫فض ٍة‪ ،‬وهو ـ َأي‪( :‬النَّبي ﷺ) ـ يقر ُأ ِ‬
‫هذه‬ ‫صليب من َّ‬ ‫َأي‪ :‬عدي ـ‬
‫ُّ‬ ‫ٌ‬
‫اآليـــ َة‪ ﴿..‬ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ﴾[التوبة‪.]31:‬‬
‫َّهم لم يعبدُ وهم! فقال‪َ « :‬ب َل ٰى! إِن َُّهم َح َّر ُموا َع َل ُ‬
‫يهم‬ ‫قال‪ :‬فقلت‪ :‬إن ْ‬
‫َ ِ‬ ‫الل‪َ ،‬‬
‫الح َ‬
‫اهم»(‪.)1‬‬ ‫فذلك عبا َدت ُُهم إ َّي ُ‬ ‫وه ْم‪،‬‬ ‫وأ َح ُّلوا َل ُه ُم َ‬
‫الحرا َم؛ فاتَّب ُع ُ‬ ‫َ‬

‫على َأ َّن االت َ‬


‫ِّباع‬ ‫وتفسير رسول اهلل ﷺ ِ‬
‫قاطع ٰ‬‫ٌ‬ ‫نص‬‫لقول اهلل سبحانه؛ ٌّ‬ ‫ُ‬
‫والحكم هو العباد ُة ا َّلتي ت ِ‬
‫ُخر ُج من الدِّ ين‪ ،‬و َأنَّها هي اتِّخا ُذ‬ ‫في َّ ِ‬
‫الشريعة ُ‬
‫لبعض‪ ..‬األَ ُ‬
‫مر ا َّلذي جا َء هذا الدِّ ي ُن ليلغ َيه‪ ،‬ويعل َن‬ ‫ٍ‬ ‫َّاس َأربا ًبا‬ ‫ِ‬
‫بعض الن ِ‬
‫«اإلنسان» في «األَرض» من العبود َّي ِة ِ‬
‫لغير اهلل‪.‬‬ ‫ِ‬ ‫تحرير‬
‫َ‬
‫حيارب االستبدا َد‪:‬‬
‫ُ‬ ‫اإلسال ُم‬
‫ِ‬
‫إلزالة «الواقع»‬ ‫ينطلق في «األَرض»‬ ‫َ‬ ‫ومن َث َّم لم يك ْن ُبدٌّ لإلسالم َأ ْن‬
‫ِ‬
‫وبالحركة مجتم َع ِ‬
‫ين‪ ..‬و َأ ْن‬ ‫ِ‬
‫بالبيان‬ ‫ِ‬
‫اإلعالن العا ِّم‪..‬‬ ‫المخالف لذلك‬ ‫ِ‬

‫لغير اهلل ـ َأي‪:‬‬‫َّاس ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬


‫السياس َّية ا َّلتي تُع ِّبدُ الن َ‬
‫الضربات للقوى ِّ‬ ‫يوج َه َّ‬
‫ِّ‬
‫ٌ‬
‫حديث غريب)‪ .‬وحسنه الشيخ األلباني في «السلسلة‬ ‫(( ( رواه الترمذي (‪ )3095‬وقال‪( :‬هذا‬
‫الصحيحة» برقم (‪.)3293‬‬
‫‪169‬‬
‫وسلطانِه ـ وا َّلتي ت ُ‬
‫َحول بينَهم وبي َن االستما ِع‬ ‫ِ‬
‫بغير شريعة اهلل ُ‬ ‫تحك ُُمهم ِ‬
‫الس ُ‬ ‫ٍ‬ ‫ِ‬
‫ثم‬‫لطان‪َّ ،‬‬ ‫يتعر ُض لها ُّ‬
‫بحر َّية ال َّ‬ ‫واعتناق «العقيدة» ُ‬ ‫إلى «البيان»‪،‬‬
‫َّحر ِر‬ ‫ِ‬
‫يسمح لحركة الت ُّ‬
‫ُ‬ ‫يقيم نظا ًما اجتماع ًّيا واقتصاد ًّيا وسياس ًّيا‬ ‫لكي َ‬
‫ِ‬
‫المسيطرة ـ سوا ٌء كانت سياس َّي ًة‬ ‫القو ِة‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫الفعلي ـ بعد إزالة َّ‬ ‫ِّ‬ ‫باالنطالق‬
‫ِ‬
‫العنصر الواحد!‬ ‫بحت ًة‪َ ،‬أو متل ِّبس ًة بالعنصر َّي ِة‪َ ،‬أم ال َّطبق َّي ِة َ‬
‫داخل‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫اعتناق‬ ‫َّاس على‬‫قط َأ ْن ُيكر َه الن َ‬‫قصد اإلسالم ُّ‬ ‫إنَّه لم يك ْن من‬
‫مجر َد «عقيدة» َّ‬
‫إن اإلسال َم كما قلنا‪:‬‬ ‫ِ‬
‫ليس َّ‬‫عقيدته‪ ..‬ولك َّن اإلسال َم َ‬
‫إلى‬ ‫ِ‬ ‫اإلنسان من العبود َّي ِة‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ٌ‬
‫يهدف ابتدا ًء ٰ‬
‫ُ‬ ‫للعباد‪ ،‬فهو‬ ‫لتحرير‬ ‫إعالن عا ٌّم‬
‫ِ‬
‫للبشر‪،‬‬ ‫ِ‬
‫البشر‬ ‫على َأساس حاكم َّي ِة‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫إزالة األَنظمة والحكومات ا َّلتي تقو ُم ٰ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ِ‬
‫بالفعل ـ‬ ‫يطلق األَفرا َد بعد ذلك َأ ً‬
‫حرارا ـ‬ ‫ثم ُ‬ ‫وعبود َّية اإلنسان لإلنسان‪َّ ..‬‬
‫الض ِ‬
‫غط‬ ‫ِ‬
‫اختيارهم ـ بعد رف ِع َّ‬ ‫ِ‬
‫بمحض‬ ‫ِ‬
‫اختيار العقيدة ا َّلتي يريدونَها‬ ‫في‬
‫رواحهم وعقولِهم ـ ولك َّن هذه‬ ‫المنير ألَ ِ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫البيان‬ ‫ياسي عنهم‪ ،‬وبعد‬ ‫الس ِّ‬
‫ِّ‬
‫التَّجرب َة ليس معناها َأ ْن يجعلوا إلههم هواهم‪َ ،‬أو َأ ْن يختاروا َبأ ِ‬
‫نفسهم‬ ‫َ‬
‫بعضا َأربابا من ِ‬
‫دون اهلل!‪..‬‬ ‫بعضهم ً‬ ‫ِ‬
‫للعباد! و َأن يتَّخذوا َ‬ ‫َأ ْن يكونوا عبيدً ا‬
‫ً‬
‫تكون قاعدتُه‬ ‫َ‬ ‫يجب َأ ْن‬
‫ُ‬ ‫البشر في األَرض‬‫َ‬ ‫يحكم‬
‫ُ‬ ‫إن النِّظا َم ا َّلذي‬
‫َّ‬
‫كل ٍ‬ ‫ليعتنق ُّ‬ ‫العبود َّي َة هلل وحدَ ه‪ ،‬وذلك بتل ِّقي َّ‬
‫فرد ـ‬ ‫ْ‬ ‫الشرائ ِع منه وحدَ ه‪َّ ،‬‬
‫ثم‬
‫ين» ك ُّله هلل؛‬ ‫ُ‬ ‫ٍ‬ ‫ظل هذا النِّظا ِم العا ِّم ـ ما يعتن ُقه من‬‫في ِّ‬
‫يكون «الدِّ ُ‬ ‫عقيدة! وبهذا‬
‫ِّباع والعبود َّي ُة ك ُّلها هلل‪..‬‬
‫والخضوع واالت ُ‬
‫ُ‬ ‫تكون الدَّ نيون ُة‬
‫ُ‬ ‫َأي‪:‬‬
‫‪170‬‬

‫المنهج‬
‫ُ‬ ‫ين‪ :‬هو‬
‫إن الدِّ َ‬ ‫ِ‬
‫مدلول «العقيدة»‪َّ .‬‬ ‫ين» َأ ُ‬
‫شمل من‬ ‫مدلول «الدِّ ِ‬
‫َ‬ ‫إن‬
‫َّ‬
‫يحكم الحياةَ‪ ،‬وهو في اإلسالم يعتمدُ على العقيدة‪ ..‬ولكنَّه‬ ‫ُ‬ ‫والنِّظا ُم ا َّلذي‬
‫جماعات‬
‫ٌ‬ ‫تخضع‬ ‫يمكن َأ ْن‬ ‫شمل من العقيدة‪ ..‬وفي اإلسالم‬ ‫عمومه َأ ُ‬‫ِ‬ ‫في‬
‫َ‬ ‫ُ‬
‫على َأساس العبود َّية هلل وحدَ ه‪ ،‬ولو لم‬
‫متنوع ٌة لمنهجه العا ِّم ا َّلذي يقو ُم ٰ‬ ‫ِّ‬
‫ِ‬
‫الجماعات عقيد َة اإلسالم‪.‬‬ ‫بعض هذه‬ ‫يعتنق ُ‬ ‫ْ‬

‫يدرك معها‬‫ُ‬ ‫َّحو المتقدِّ ِم ـ‬ ‫يدرك طبيع َة هذا الدِّ ين ـ على الن ِ‬
‫ُ‬ ‫وا َّلذي‬
‫جانب‬ ‫ِ‬ ‫إلى‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫حتم َّي َة‬
‫بالسيف ـ ٰ‬ ‫الحركي لإلسالم في صورة الجهاد َّ‬ ‫ِّ‬ ‫االنطالق‬
‫ويدرك َأ َّن ذلك لم يك ْن حرك ًة دفاع َّي ًة ـ بالمعنى الض ِّي ِق‬ ‫ُ‬ ‫ِ‬
‫بالبيان ـ‬ ‫الجهاد‬
‫َ‬
‫المنهزمون‬ ‫«الحرب الدَّ فاع َّية» كما يريدُ‬‫ِ‬ ‫ِ‬
‫اصطالح‬ ‫ا َّلذي ُي ُ‬
‫فهم اليو َم من‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫يصوروا‬ ‫الماكر‪َ ،‬أن ِّ‬ ‫الحاضر‪ ،‬و َأما َم هجو ِم المستشرقي َن‬ ‫ضغط الواق ِع‬ ‫َأما َم‬
‫ِ‬
‫لتحرير‬ ‫ٍ‬
‫وانطالق‬ ‫حرك َة الجهاد في اإلسالم ـ إنَّما كان حرك َة اندفا ٍع‬
‫البشري‪ ،‬وفي‬ ‫ِ‬
‫جوانب الواق ِع‬ ‫لكل‬ ‫ٍ‬
‫مكافئة ِّ‬ ‫َ‬
‫بوسائل‬ ‫ِ‬
‫«اإلنسان» في «األَرض»‬
‫ِّ‬
‫ٍ‬
‫مرحلة منها وسائ ُلها المتجدِّ دة‪.‬‬ ‫مراحل محدَّ ٍ‬
‫دة ِّ‬
‫لكل‬ ‫َ‬

‫اجلهاد لتحرير اإلنسان‪:‬‬

‫نسم َي حرك َة اإلسالم اجلهاد َّي َة حرك ًة دفاع َّي ًة‪ ،‬فال‬ ‫وإذا مل يكن ُبدٌّ َأن ِّ‬
‫ربه «دفا ًعا عن اإلنسان» ذاتِه‪ ،‬ضدَّ‬ ‫ِ‬
‫نغي مفهو َم كلمة «دفاع» ونعت َ‬ ‫ُبدَّ َأ ْن ِّ َ‬
‫العوامل ا َّلتي تتم َّث ُل‬
‫ُ‬ ‫حتر َره‪ ..‬هذه‬ ‫ِ‬
‫العوامل ا َّلتي تق ِّيدُ حر َّيتَه وت ُ‬
‫َعوق ُّ‬ ‫مجي ِع‬
‫ِ‬ ‫السياس َّي ِة‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫القائمة عىل‬ ‫َّصورات‪ ،‬كام تتم َّث ُل يف األَنظمة ِّ‬ ‫يف املعتقدات والت ُّ‬
‫احلواجز االقتصاد َّي ِة وال َّطبق َّي ِة والعنرص َّي ِة‪ ،‬ا َّلتي كانت سائد ًة يف األَرض‬‫ِ‬
‫‪171‬‬
‫تزال َأ ٌ‬
‫شكال منها سائد ًة يف اجلاهل َّية‬ ‫ك ِّلها يو َم جا َء اإلسال ُم‪ ،‬وا َّلتي ما ُ‬
‫الزمان!‬ ‫ِ‬
‫احلارضة يف هذا َّ‬

‫نستطيع َأن نواج َه حقيق َة‬ ‫كلمة «الدِّ فاع»‬ ‫ِ‬ ‫َّوس ِع في مفهو ِم‬
‫ُ‬ ‫وبهذا الت ُّ‬
‫اإلسالمي في «األَرض» بالجهاد‪ ،‬ونواج َه طبيع َة‬ ‫ِ‬
‫االنطالق‬ ‫بواعث‬ ‫ِ‬
‫ِّ‬
‫ِ‬
‫للعباد‪،‬‬ ‫اإلنسان من العبود َّي ِة‬‫ِ‬ ‫ِ‬
‫لتحرير‬ ‫ٌ‬
‫إعالن عا ٌّم‬ ‫اإلسالم ذاتَها‪ ،‬وهي َأنَّه‬
‫مملكة الهوى‬ ‫ِ‬ ‫وتقرير ُألوه َّي ِة اهلل وحدَ ه وربوب َّيتِه للعالمي َن‪ ،‬وتحطي ِم‬ ‫ِ‬
‫ريعة اإلله َّي ِة في عال ِم اإلنسان‪..‬‬ ‫الش ِ‬ ‫مملكة َّ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫وإقامة‬ ‫البشري في األَرض‪،‬‬ ‫ِّ‬
‫اإلسالمي بالمعنى‬ ‫ِ‬
‫للجهاد‬ ‫رات دفاع َّي ٍة‬ ‫إيجاد مبر ٍ‬ ‫ِ‬ ‫َأ َّما محاول ُة‬
‫ِّ‬ ‫ِّ‬
‫البحث عن‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ومحاولة‬ ‫للحرب الدِّ فاع َّي ِة‪،‬‬ ‫ِ‬ ‫العصري‬ ‫الض ِّي ِق للمفهو ِم‬ ‫َّ‬
‫ِّ‬
‫ِ‬
‫العدوان‬ ‫لمجر ِد صدِّ‬
‫َّ‬ ‫اإلسالمي كانت‬ ‫ِّ‬ ‫وقائع الجهاد‬ ‫َ‬
‫ِ‬
‫إلثبات َأ َّن‬ ‫َأسانيدَ‬
‫بعضهم‬ ‫رف ِ‬ ‫«الوطن اإلسالمي» ـ وهو في ُع ِ‬ ‫ِ‬ ‫المجاورة على‬‫ِ‬ ‫من القوى‬
‫ِّ‬
‫ِ‬ ‫ٍ‬ ‫َنم عن ق َّل ِة‬ ‫ِ‬
‫لطبيعة هذا الدِّ ين‪،‬‬ ‫إدراك‬ ‫العرب ـ فهي محاول ٌة ت ُّ‬ ‫جزير ُة‬
‫ِ‬
‫بالهزيمة‬ ‫ور ا َّلذي جا َء ليقو َم به في األَرض‪ ،‬كما َأنَّها تَشي‬ ‫ِ‬
‫ولطبيعة الدَّ ِ‬
‫ِ‬
‫الماكر على‬ ‫االستشراقي‬ ‫ِ‬
‫الحاضر‪ ،‬و َأما َم الهجوم‬ ‫ِ‬
‫ضغط الواق ِع‬ ‫َأما َم‬
‫ِّ‬
‫اإلسالمي!‬
‫ِّ‬ ‫الجهاد‬
‫الرو ِم‬ ‫َ‬
‫عدوان ُّ‬ ‫وعثمان ‪ ‬قد َأ َّمنوا‬
‫ُ‬ ‫وعمر‬
‫ُ‬ ‫كان َأبو ٍ‬
‫بكر‬ ‫ُرى لو َ‬‫ت ٰ‬
‫اإلسالمي‬
‫ِّ‬ ‫يقعدون إذن عن دف ِع المدِّ‬‫َ‬ ‫رس على الجزيرة‪َ ،‬أكانوا‬‫وال ُف ِ‬
‫يدفعون هذا المدَّ ‪ ،‬و َأمام الدَّ ِ‬
‫عوة‬ ‫َ‬ ‫طراف األَرض؟ وكيف كانوا‬ ‫ِ‬ ‫إلى َأ‬
‫َ‬ ‫ٰ‬
‫نظمة المجتمع‬‫ولة السياسية‪ ،‬و َأ ِ‬ ‫نظمة الدَّ ِ‬
‫العقبات المادي ُة من َأ ِ‬
‫ُ‬ ‫تلك‬
‫ِّ َّ‬ ‫َّ‬
‫‪172‬‬

‫االعتبارات العنصر َّي ِة‬


‫ِ‬ ‫ِ‬
‫الناشئة من‬ ‫العنصر َّي ِة وال َّطبق َّي ِة‪ ،‬واالقتصاد َّي ِة‬
‫وال َّطبقي ِة‪ ،‬وا َّلتي تحميها القو ُة المادي ُة للدَّ ِ‬
‫ولة كذلك؟!‬ ‫ِّ َّ‬ ‫َّ‬
‫تحرير «اإلنسان»‪ ..‬نو ِع‬
‫َ‬ ‫ُ‬
‫اإلنسان دعو ًة تعل ُن‬ ‫يتصو َر‬
‫َّ‬ ‫إنَّها سذاج ٌة َأن‬
‫ِ‬ ‫«اإلنسان» في «األَرض»‪ِّ ..‬‬
‫العقبات‬ ‫تقف َأما َم هذه‬
‫ثم ُ‬ ‫كل األَرض ‪َّ ..‬‬
‫ِ‬
‫والبيان حينما ُيخ َّلى‬ ‫والبيان!‪ ..‬إنَّها تجاهدُ بال ِّل ِ‬
‫سان‬ ‫ِ‬ ‫تجاهدُ ها بال ِّلسان‬
‫ٍ‬ ‫ِ‬
‫راح من جمي ِع‬ ‫الس ِ‬‫بينها وبي َن األَفراد‪ ،‬تخاط ُبهم بحر َّية‪ ،‬وهم مط َل ُقو َّ‬
‫رات‪ ..‬فهنا‪﴿ :‬ﯿ ﰀ ﰁ ﰂ﴾‪.‬‬ ‫تلك المؤ ِّث ِ‬
‫َ‬

‫بالقو ِة‪،‬‬ ‫ِ‬


‫رات املا ِّد َّي ُة؛ فال ُبدَّ من إزالتها َّ‬
‫العقبات واملؤ ِّث ُ‬
‫ُ‬ ‫َأ َّما َ‬
‫حني توجدُ َ‬
‫تلك‬
‫طليق من ِ‬
‫هذه األَغالل!‬ ‫وعقله‪ ،‬وهو ٌ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫اإلنسان‬ ‫ِ‬
‫خماطبة ِ‬
‫قلب‬ ‫للتمك ِ‬
‫ُّن من‬
‫ِ‬
‫حترير‬ ‫ُ‬
‫إعالن‬ ‫كانت َأهدا ُفها هي‬‫ْ‬ ‫إن اجلهاد رضور ٌة للدَّ ِ‬
‫عوة‪ ،‬إذا‬ ‫َّ‬
‫َ‬
‫كل‬ ‫ٍ‬
‫مكافئة له يف ِّ‬ ‫َ‬
‫بوسائل‬ ‫الفعيل‬ ‫الواقع‬ ‫ِ‬
‫اإلنسان إعالنًا جا ًّدا يواج ُه‬
‫َّ‬ ‫َ‬
‫َّظري! سـوا ٌء كان الوط ُن‬ ‫ِ‬ ‫جوانبِه‪ ،‬وال يكـتـفي‬
‫الفلسفي الن ِّ‬
‫ِّ‬ ‫بالبيان‬
‫دار اإلسالم ـ آمنًا َأم‬‫حيح‪ُ :‬‬ ‫الص ِ‬ ‫اإلسالمي َّ‬
‫ِّ‬ ‫اإلسالمي ـ وبالت ِ‬
‫َّعبري‬ ‫ُّ‬
‫مهدَّ ًدا من جريانِه‪.‬‬

‫لم‬ ‫الس ْل ِم‪ ،‬ال يقصدُ تلك ِّ‬


‫الس َ‬ ‫يسعى إلى ِّ‬ ‫ٰ‬ ‫فاإلسال ُم حين‬
‫يعتنق َأه ُلها‬
‫ُ‬ ‫الخاص َة ا َّلتي‬
‫َّ‬ ‫مجر ُد َأ ْن يؤ ِّم َن ُّ‬
‫الرقع َة‬ ‫َّ‬ ‫الرخيص َة‪ ،‬وهي‬

‫يكون فيها الدِّ ي ُن ك ُّله ِ‬


‫هلل؛‬ ‫ُ‬ ‫لم ا َّلتي‬ ‫العقيد َة اإلسالم َّي َة‪ ،‬إنَّما هو يريدُ ِّ‬
‫الس َ‬
‫َّاس‬
‫َّخذ فيها الن ُ‬ ‫تكون عبود َّي ُة الن ِ‬
‫َّاس ك ِّلهم فيها هلل‪ ،‬وا َّلتي ال يت ُ‬ ‫ُ‬ ‫َأي‪:‬‬
‫‪173‬‬
‫ِ‬
‫المراحل ا َّلتي‬ ‫ِ‬
‫بنهاية‬ ‫ِ‬
‫والع ْبر ُة‬ ‫اهلل‪،‬‬ ‫ِ‬ ‫بعضهم ً َ‬
‫بعضا أربا ًبا من دون ِ‬ ‫َ‬
‫وائل‬ ‫وصلت إليها الحرك ُة الجهاد َّي ُة في اإلسالم ـ َبأ ٍ‬
‫مر من اهلل ـ ال َبأ ِ‬ ‫ْ‬
‫واسطِها‪.‬‬
‫عوة وال َبأ ِ‬
‫َأيام الدَّ ِ‬
‫َّ‬
‫(فاستقر‬
‫َّ‬ ‫المراحل‪ ،‬كما يقول اإلما ُم اب ُن الق ِّيم‪:‬‬ ‫ُ‬ ‫انتهت هذه‬
‫ْ‬ ‫ولقد‬
‫على ثالثة َأقسا ٍم‪ :‬محاربي َن له‪ ،‬و َأ ِ‬ ‫ِ‬ ‫مر الك َّف ِ‬
‫هل‬ ‫ار معه ـ بعدَ نزول براءة ـ ٰ‬ ‫َأ ُ‬
‫لح إلى اإلسالم‪..‬‬ ‫والص ِ‬ ‫ِ‬
‫العهد‬ ‫هل‬‫حال َأ ِ‬ ‫آلت ُ‬ ‫هل ذ َّم ٍة‪ ،‬ثم ْ‬
‫عهد‪ ،‬و َأ ِ‬‫ٍ‬
‫ُّ‬
‫َ‬
‫خائفون منه‪..‬‬ ‫َ‬
‫والمحاربون له‬ ‫هل ذ َّم ٍة‪.‬‬ ‫ِ‬
‫محاربين و َأ َ‬ ‫ِ‬
‫قسمين‪:‬‬ ‫فصاروا‬
‫آمن «وهم‬ ‫مؤمن به‪ ،‬و ُمسال ٍم له ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫هل األَرض م َعه ثالث َة َأقسا ٍم‪ :‬مسل ٍم‬ ‫فصار َأ ُ‬
‫َ‬
‫ٍ‬
‫محارب )‪..‬‬ ‫ٍ‬
‫وخائف‬ ‫الجملة الس ِ‬
‫ابقة »‬ ‫ِ‬ ‫فهم من‬ ‫هل ِّ ِ‬ ‫َأ ُ‬
‫َّ‬ ‫الذ َّمة كما ُي ُ‬
‫ُ‬
‫مراحل اجلهاد‪:‬‬

‫طبيعة هذا الدِّ ين و َأهدافِه‪ ،‬ال كام‬


‫ِ‬ ‫املواقف املنطق َّي ُة مع‬
‫ُ‬ ‫وهذه هي‬
‫املسترشقني املاكر!‬
‫َ‬ ‫ِ‬
‫احلارض‪ ،‬و َأما َم هجو ِم‬ ‫املهزومون َأما َم الواق ِع‬
‫َ‬ ‫يفهم‬
‫ُ‬
‫ِ‬
‫العهد‬ ‫القتال في م َّك َة‪ ،‬وفي َأ َّو ِل‬
‫ِ‬ ‫هلل المسلمي َن عن‬
‫َف ا ُ‬
‫ولقد ك َّ‬
‫وقيل للمسلمين‪﴿ :‬ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ‬ ‫ِ‬
‫المدينة‪َ ،‬‬ ‫ِ‬
‫بالهجرة إلى‬
‫ﮓ﴾ [النساء‪..]77 :‬‬

‫ثم َأ ِذ َن هلم فيه فقيل هلم‪﴿ :‬ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕﭖ ﭗ ﭘ‬


‫َّ‬
‫ﭙﭚﭛ*ﭝﭞﭟﭠﭡﭢﭣﭤﭥﭦ‬
‫ﭧﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ‬
‫‪174‬‬

‫ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽﭾ ﭿ ﮀ ﮁ‬
‫ﮂ*ﮄﮅﮆﮇﮈﮉﮊﮋﮌﮍ‬
‫ﮎ ﮏ ﮐ ﮑﮒ ﮓ ﮔ ﮕ﴾ [احلج‪ 39 :‬ـ ‪.]41‬‬

‫القتال بعد ذلك ملن قات َلهم دون َم ْن مل يقات ْلهم‪،‬‬


‫َ‬ ‫ثم َفر َض عليهم‬
‫َّ‬
‫َ‬
‫فقيل هلم‪﴿ :‬ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ﴾ [البقرة‪.]190 :‬‬

‫املرشكني كا َّف ًة‪ ،‬فقيل هلـم‪﴿ :‬ﯡ‬


‫َ‬ ‫ثم َفر َض عليهم َ‬
‫قتال‬ ‫َّ‬
‫ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ﴾ [التوبة‪.]36 :‬‬

‫وقيل هلم‪﴿ :‬ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ‬


‫ﮆﮇﮈﮉﮊﮋﮌﮍﮎﮏﮐﮑ‬
‫ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ﴾ [التوبة‪.]29 :‬‬

‫ثم‬ ‫ثم ْ‬
‫مأذونًا به‪َّ ،‬‬ ‫(م َّر ًما‪َّ ،‬‬ ‫القتال ـ كام ُ‬
‫يقول اإلما ُم ابن القيم ـ ُ‬ ‫ُ‬ ‫فكان‬
‫ثم ْ‬ ‫ِ‬ ‫ْ‬
‫مورا به جلمي ِع املرشكني)‪..‬‬
‫مأ ً‬ ‫مورا به ملن بد َأهم بالقتال‪َّ ،‬‬
‫مأ ً‬
‫ِ‬
‫حاديث‬ ‫الواردة في الجهاد‪ِ ،‬‬
‫وجدِّ َّي َة األَ‬ ‫ِ‬ ‫ُّصوص القرآن َّي ِة‬
‫ِ‬ ‫إن ِجدِّ َّية الن‬
‫َّ‬
‫ِ‬
‫صدر اإلسالم‪،‬‬ ‫وجدِّ َّي َة الوقائ ِع الجهاد َّي ِة في‬
‫تحض عليه‪ِ ،‬‬
‫النَّبو َّية ا َّلتي ُّ‬
‫َ‬ ‫تمنع َأ ْن‬ ‫تاريخ ِه‪ِ َّ ،‬‬
‫ِ‬ ‫ٍ‬
‫يجول‬ ‫إن هذه الجدِّ ي َة الواضح َة ُ‬ ‫طويل من‬ ‫مدى‬
‫وعلى ً‬
‫ٰ‬
‫ِ‬
‫ضغط الواق ِع‬ ‫المهزومون َأما َم‬
‫َ‬ ‫َّفسير ا َّلذي يحاو ُله‬ ‫في الن ِ‬
‫َّفس ذلك الت ُ‬
‫اإلسالمي!‬
‫ِّ‬ ‫ِ‬
‫الماكر على الجهاد‬ ‫االستشراقي‬
‫ِّ‬ ‫ِ‬
‫الحاضر‪ ،‬و َأما َم الهجوم‬
‫َ‬
‫وقول‬ ‫الش ْأ ِن‪،‬‬ ‫يسمع َ‬
‫قول اهلل ـ سبحانه ـ في هذا َّ‬ ‫ُ‬ ‫و َم ْن ذا ا َّلذي‬
‫‪175‬‬

‫عارضا مق َّيدً ا‬
‫ً‬ ‫ثم يظنُّ ُه ْ‬
‫شأنًا‬ ‫اإلسالمي‪َّ ،‬‬
‫ِّ‬ ‫وقائع الجهاد‬
‫َ‬ ‫ويتابع‬
‫ُ‬ ‫رسوله ﷺ‬
‫مين الحدود؟!‬ ‫لتأ ِ‬ ‫ِ‬
‫حدود الدِّ فا ِع ْ‬ ‫ويقف عند‬
‫ُ‬ ‫تذهب وتجي ُء‪،‬‬ ‫ٍ‬
‫بمالبسات‬
‫ُ‬
‫اآليات ا َّلتي َأ ِذن لهم فيها‬
‫ِ‬ ‫لقد ب َّين اهللُ للمؤمني َن في َأ َّو ِل ما ِ‬
‫نزل من‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ائم األَ َ‬ ‫ِ‬
‫صيل في طبيعة هذه الحياة الدُّ نيا‪َ ،‬أن ُي َ‬
‫دفع‬ ‫الش ْأ َن الدَّ َ‬
‫بالقتال‪َ ،‬أ َّن َّ‬
‫الفساد عن األَرض‪﴿ :‬ﭑ ﭒ ﭓ‬ ‫ِ‬ ‫ٍ‬
‫ببعض‪ ،‬لدفع‬ ‫بعضهم‬ ‫َّاس ُ‬ ‫الن ُ‬
‫ﭔ ﭕﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ * ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ‬
‫ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ‬
‫ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ﴾ [الحج‪ 39 :‬ـ ‪.]40‬‬

‫الش ْأ ُن الدَّ ُ‬
‫ائم َأ ْن ال‬ ‫الش ْأ ُن الدَّ ُ‬
‫ائم ال الحال ُة العارض ُة‪َّ ،‬‬ ‫وإذن فهو َّ‬
‫والباطل في هذه األَرض‪ ،‬و َأنَّه مت َّٰى قا َم اإلسال ُم بإعالنِه‬
‫ُ‬ ‫الحق‬ ‫َ‬
‫يتعايش ُّ‬
‫ِ‬
‫للعباد‪،‬‬ ‫اإلنسان من العبود َّي ِة‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫وتحرير‬ ‫إلقامة ربوب َّي ِة اهلل للعالمين‪،‬‬
‫ِ‬ ‫العا ِّم‬
‫لطان اهلل في األَرض ولم ُيسالموه ُّ‬ ‫المغتصبون لس ِ‬
‫وانطلق هو‬
‫َ‬ ‫قط‪،‬‬ ‫َ ُ‬ ‫رماه‬
‫ويدفع عن «اإلنسان»‬
‫َ‬ ‫َّاس من سلطانهم‬
‫خرج الن َ‬ ‫َ‬
‫كذلك يد ِّم ُر عليهم ل ُي َ‬
‫يقف معها‬
‫ُ‬ ‫الغاصب‪ٌ ..‬‬
‫حال دائم ٌة ال‬ ‫َ‬ ‫الس َ‬
‫لطان‬ ‫في األَرض» ذلك ُّ‬
‫يكون الدِّ ي ُن ك ُّله هلل‪.‬‬
‫َ‬ ‫َّحريري حت َّٰى‬
‫ُّ‬ ‫الجهادي الت‬
‫ُّ‬ ‫ُ‬
‫االنطالق‬
‫ِّ‬
‫الكف عن اجلهاد‪:‬‬ ‫ُ‬
‫مرحلة‬
‫ٍ‬
‫مرحلة في‬ ‫مجر َد‬ ‫ِ‬
‫القتال في م َّك َة لم يكن َّإل‬ ‫الكف عن‬
‫َّ‬ ‫َّ‬
‫إن‬
‫َّ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬
‫بالهجرة‪ ،‬وا َّلذي َ‬
‫بعث‬ ‫العهد‬ ‫خ َّطة طويلة‪ ،‬كذلك كان األَ ُ‬
‫مر َأ َّو َل‬
‫‪176‬‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫لالنطالق لم‬ ‫الجماع َة المسلم َة في المدينة‪ ..‬بعد الفترة األُ ٰ‬
‫ولى‬
‫ِ‬ ‫مجر َد ْتأ ِ‬
‫لي ال ُبدَّ منه‪ ،‬ولكنَّه ليس‬ ‫هدف َأ َّو ٌّ‬
‫ٌ‬ ‫المدينة‪ ،‬هذا‬ ‫مين‬ ‫يك ْن َّ‬
‫ِ‬
‫االنطالق‪ ،‬ويؤ ِّم ُن قاعد َة‬ ‫هدف يضم ُن وسيل َة‬
‫ٌ‬ ‫الهدف األَ َ‬
‫خير‪ ،‬إنَّه‬ ‫َ‬
‫ِ‬
‫العقبات ا َّلتي‬ ‫ِ‬
‫وإلزالة‬ ‫ِ‬
‫«اإلنسان‪،‬‬ ‫ِ‬
‫لتحرير‬ ‫ِ‬
‫االنطالق‬ ‫االنطالق‪..‬‬
‫«اإلنسان ذاتَه من االنطالق!‬
‫َ‬ ‫تمنع‬
‫ُ‬
‫كان‬ ‫املسلمني يف م َّك َة عن اجلهاد بالس ِ‬
‫يف مفهو ٌم؛ ألَنَّه َ‬ ‫َ‬ ‫وكف َأيدي‬
‫ُّ‬
‫َّ‬
‫ِ‬ ‫ً‬
‫مكفول للدَّ عوة يف م َّك َة حر َّي ُة البالغ‪ ..‬كان صاح ُبها ـ عليه َّ‬
‫الصال ُة‬
‫سيوف بني هاش ٍم‪َ ،‬أ ْن يصدع بالدَّ ِ‬
‫عوة‪،‬‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫بحامية‬ ‫ُ‬
‫يملك‬ ‫والسال ُم ـ‬
‫َ‬ ‫َّ‬
‫والقلوب‪ ،‬ويواج َه هبا األَفرا َد‪ ..‬مل تكن‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫والعقول‬ ‫َ‬
‫اآلذان‬ ‫وخياطب هبا‬
‫َ‬
‫متنع األَفرا َد من‬ ‫ِ‬
‫هناك سلط ٌة سياس َّي ٌة من َّظم ٌة متن ُعه من إبال ِغ الدَّ عوة‪َ ،‬أو ُ‬
‫َ‬
‫وذلك يعو ُد‬ ‫القو ِة‪،‬‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫سامعه! فال رضور َة ـ يف هذه املرحلة ـ الستخدا ِم َّ‬
‫ِ‬
‫ِ‬
‫املرحلة‪ ،‬وقد خلَّصتُها «يف‬ ‫سباب ُأخرى لعلها كانت قائم ًة يف ِ‬
‫هذه‬ ‫ٍ‬ ‫إ ٰىل َأ‬
‫ٰ‬
‫تفسري قوله تعا ٰىل‪﴿ :‬ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ‬ ‫ِ‬ ‫ظالل القرآن» عند‬ ‫ِ‬
‫ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ﴾ [النساء‪.]77 :‬‬
‫ِ‬
‫َّلخيص هنا‪:‬‬ ‫ِ‬
‫بعض الت‬ ‫ِ‬
‫إثبات‬ ‫وال ْبأ َس يف‬

‫َّة‪:‬‬
‫املرحلة املكيِ‬
‫ِ‬ ‫َّة اجلهاد يف‬ ‫ُ‬
‫أسباب عدِم مشروعيِ‬
‫وإعداد‪ ،‬في ٍ‬
‫ٍ‬ ‫كانت فتر َة ٍ‬
‫بيئة‬ ‫تربية‬ ‫المك َّي َة ْ‬ ‫ذلك ألَ َّن الفتر َة َ‬
‫كان َ‬
‫* (ر َّبما َ‬
‫ِ‬
‫واإلعداد‬ ‫هداف التَّرب َّي ِة‬
‫ِ‬ ‫ظروف مع َّي ٍنة‪ ،‬ومن َأ‬
‫ٍ‬ ‫َ‬
‫وسط‬ ‫ٍ‬
‫مع َّينة‪ ،‬لقو ٍم مع َّي َ‬
‫نين‪،‬‬
‫‪177‬‬

‫على ما‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ات‪ ،‬ترب َي ُة ِ‬ ‫بالذ ِ‬


‫البيئة َّ‬‫هذه ِ‬ ‫في مثل ِ‬
‫الصبر ٰ‬ ‫العربي على‬
‫ِّ‬ ‫الفرد‬ ‫نفس‬
‫ِ‬
‫َ‬
‫يلوذون به‪،‬‬ ‫على شخصه‪َ ،‬أو ٰ‬
‫على َمن‬ ‫الضيم ٰ‬ ‫صبر عليه عادةً‪ ،‬من َّ‬ ‫ال َي ُ‬
‫َ‬
‫يلوذون‬ ‫ويتجر َد من ذاتِه‪ ،‬وال تعو َد ذاتُه وال من‬ ‫َّ‬ ‫شخصه‪،‬‬ ‫ِ‬ ‫خلص من‬ ‫ل َي َ‬
‫على‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫الحياة في ِ‬ ‫ِ‬
‫ودافع الحركة في حياته‪ ،‬وتربيتُه كذلك ٰ‬ ‫َ‬ ‫نظره‪،‬‬ ‫محور‬
‫َ‬ ‫به‬
‫هتاج ألَ َّو ِل‬ ‫ِ‬
‫يندفع ألَ َّو ِل مؤ ِّثر ـ كما هي طبيعتُه ـ وال َي ُ‬ ‫ُ‬ ‫ضبط َأعصابِه؛ فال‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫يتبع مجتم ًعا‬ ‫على َأ ْن َ‬
‫االعتدال في طبيعته وحركته‪ ،‬وتربيتُه ٰ‬ ‫ُ‬ ‫ُمه ِّي ٍج‪ُّ ،‬‬
‫فيتم‬
‫ف َّإل‬ ‫يتصر ُ‬
‫َّ‬ ‫مور حياتِه‪ ،‬وال‬ ‫مر من ُأ ِ‬ ‫كل َأ ٍ‬ ‫يرجع إليها في ِّ‬ ‫ُ‬ ‫من َّظ ًما له قياد ٌة‬
‫كان هذا هو‬ ‫لمألوفِه وعادتِه ـ وقد َ‬ ‫مره به ـ مهما يك ْن مخال ًفا ْ‬ ‫وفق ما ْتأ ُ‬ ‫َ‬
‫إلنشاء «المجتمع المسلم»‬ ‫ِ‬ ‫العربي‪،‬‬ ‫إعداد شخص َّي ِة‬ ‫ِ‬ ‫حجر األَساس في‬
‫ِّ‬ ‫َ‬
‫المتحضر‪ِ ،‬‬ ‫لقيادة موج ٍ‬
‫ٍ‬
‫جي َأو ال َق ِّ‬
‫بلي!)‪.‬‬ ‫اله َم ِّ‬
‫غير َ‬ ‫ِّ‬ ‫هة‪ ،‬المتر ِّقي‬ ‫َّ‬ ‫الخاض ِع‬

‫نفذ‪،‬‬ ‫كانت َأشدَّ َأ ًثرا َ‬


‫وأ َ‬ ‫ْ‬ ‫يضا؛ ألَ َّن الدَّ عو َة ِّ‬
‫السلم َّي َة‬ ‫كان ذلك َأ ً‬‫* (ور َّبام َ‬
‫القتال معها‬‫ف‪ ،‬وا َّلتي قدْ يدف ُعها ُ‬ ‫والش ِ‬
‫ذات ال ُعن ُْجه َّية َّ‬ ‫قريش‪ِ ،‬‬
‫ٍ‬ ‫مثل ِ‬
‫بيئة‬ ‫يف ِ‬
‫ٍ‬
‫جديدة‬ ‫ثارات دمو َّي ٍة‬
‫ٍ‬ ‫نشأ ِة‬
‫العناد‪ ،‬وإ ٰىل ْ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫زيادة‬ ‫هذه املرحلة ـ إ ٰىل‬ ‫ـ يف مثل ِ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫وحرب‬
‫َ‬ ‫والغرباء‪،‬‬ ‫ٍ‬
‫داحس‬ ‫حروب‬
‫َ‬ ‫املعروفة‪ ،‬ا َّلتي َأ ْ‬
‫ثارت‬ ‫العرب‬ ‫كثارات‬
‫وتكون هذه ال َّث ُ‬
‫ارات‬ ‫ُ‬ ‫قبائل بر َّمتِها‪،‬‬‫تفانت فيها ُ‬ ‫ْ‬ ‫سوس‪َ ،‬أعوا ًما طويل ًة‪،‬‬
‫ِ‬ ‫ال َب‬
‫ذلك َأبدً ا‪،‬‬
‫وذكرياتم باإلسالم؛ فال هتد ُأ بعد َ‬ ‫ِ‬ ‫ذهانم‬‫اجلديد ُة مرتبط ًة يف َأ ِ‬
‫ٍ (‪)1‬‬ ‫ٍ‬ ‫دعوة ٍ‬‫ٍ‬ ‫ويتحو ُل اإلسال ُم من‬
‫ودين إ ٰىل ثارات و ُذ ُحول ت ٰ‬
‫ُنسى معها وجهتُه‬ ‫َّ‬
‫األَساسي ُة‪ ،‬وهو يف ِ‬
‫مبدئه‪ ،‬فال تُذك َُر َأبدً ا!)‪.‬‬ ‫َّ‬

‫ول‪.‬‬ ‫حل ِه‪َ .‬أ ْي ْ‬


‫بثأره‪ ،‬والجمع ُذ ُح ٌ‬ ‫بذ ِ‬
‫طلب َ‬ ‫والعداوةُ‪ُ .‬‬
‫يقال‪َ :‬‬ ‫َ‬ ‫((( َّ‬
‫«الذ ْح ُل» ‪ :‬الحقدُ‬
‫‪178‬‬
‫ِ‬
‫داخل‬ ‫تلة في‬ ‫معركة وم ْق ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫ِ‬
‫إلنشاء‬ ‫يضا اجتنا ًبا‬ ‫كان ذلك َأ ً‬ ‫* (ور َّبما َ‬
‫عام ٌة‪ ،‬هي ا َّلتي ِّ‬ ‫تكن َ‬ ‫ِّ ٍ‬
‫المؤمنين‬
‫َ‬ ‫تعذ ُب‬ ‫هناك سلط ٌة نظام َّي ٌة َّ‬ ‫كل بيت‪ ،‬فلم ْ‬
‫كل ٍ‬ ‫موكول إلى َأ ِ‬
‫يعذبو َن ُه ويفتنون ُه‬ ‫فرد ِّ‬ ‫ولياء ِّ‬ ‫ً ٰ‬ ‫كان ذلك‬ ‫وتفتنُهم‪ ،‬إنَّما َ‬
‫ِ‬ ‫بالقتال ـ في ِ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫تقع معرك ٌة‬ ‫مثل هذه البيئة ـ َأ ْن َ‬ ‫اإلذن‬ ‫«ويؤ ِّدبو َن ُه»! ومعنى‬
‫قيلت حت َّٰى‬ ‫هو اإلسال ُم! ولقدْ‬ ‫ثم ُي ُ‬ ‫ٍ‬ ‫وم ْقتَل ٌة في ِّ‬
‫ْ‬ ‫قال‪ :‬هذا َ‬ ‫كل بيت‪َّ ..‬‬
‫ِ‬
‫قريش في الموس ِم‪،‬‬ ‫ٍ‬ ‫كانت دعاي ُة‬ ‫القتال! فقد ْ‬ ‫بالكف عن‬‫ِّ‬ ‫مر‬‫واإلسال ُم ْيأ ُ‬
‫ِ‬
‫الوالد‬ ‫فر ُق بي َن‬ ‫العرب القادمين للحج والت ِ‬
‫َّجارة‪َّ :‬‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫في َأ‬
‫محمدً ا ُي ِّ‬ ‫إن َّ‬ ‫ِّ‬ ‫َ‬ ‫واسط‬
‫كذلك ْيأ ُ‬
‫مر الولدَ‬ ‫َ‬ ‫فكيف لو َ‬
‫كان‬ ‫َ‬ ‫لقومه وعشيرتِه!‬ ‫تفريقه ِ‬ ‫ِ‬ ‫وولده‪َ ،‬‬
‫فوق‬ ‫ِ‬

‫مح َّلة؟)‪.‬‬ ‫بيت‪ ،‬وفي ِّ‬ ‫كل ٍ‬ ‫الولي‪ ..‬في ِّ‬ ‫والمولى ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫كل َ‬ ‫ِّ‬ ‫بقتل‬ ‫ٰ‬ ‫الوالد‪،‬‬ ‫بقتل‬

‫كثيرين من‬
‫َ‬ ‫هلل من َأ َّن‬
‫يعلمه ا ُ‬
‫ُ‬ ‫ذلك ـ َأ ً‬
‫يضا ـ لما‬ ‫كان َ‬ ‫* (ور َّبما َ‬
‫المسلمين عن دينِهم‪ِّ ،‬‬
‫ويعذبونَهم‪ ،‬هم‬ ‫َ‬ ‫نون َأ َ‬
‫وائل‬ ‫ذين َي ْفتِ َ‬
‫المعاندين ا َّل َ‬
‫َ‬
‫ِ‬ ‫جند اإلسالم المخلِ ِ‬‫سيكونون ِ‬
‫ص؛ بل من قادته‪َ ..‬ألم ْ‬
‫يكن‬ ‫َ‬ ‫َبأ ُ‬
‫نفسهم‬
‫اب من ِ‬
‫بين هؤالء؟!‪.‬‬ ‫بن الخ َّط ِ‬‫عمر ُ‬
‫ُ‬
‫بيئة قبل َّي ٍة‪ ،‬من‬
‫يضا؛ ألَ َّن النَّخو َة العربي َة‪ ،‬يف ٍ‬
‫َّ‬ ‫ذلك َأ ً‬ ‫* (ور ُّبام كان َ‬
‫وبخاص ٍة إذا‬
‫َّ‬ ‫يرتاجع!‬
‫ُ‬ ‫حيتمل األَ ٰ‬
‫ذى‪ ،‬وال‬ ‫ُ‬ ‫تثور للمظلو ِم ا َّلذي‬ ‫ِ‬
‫عاداتا َأ ْن َ‬
‫صح َة‬
‫ُثبت َّ‬
‫ظواهر كثري ٌة ت ُ‬
‫ُ‬ ‫وقعت‬
‫ْ‬ ‫َّاس فيهم‪ ..‬وقد‬ ‫عىل كرا ِم الن ِ‬
‫كان واق ًعا ٰ‬
‫َ‬
‫يرتك َأبا ٍ‬
‫بكر ـ وهو‬ ‫البيئة ـ فاب ُن الدَّ ِغنَّة مل َ‬
‫يرض َأ ْن َ‬ ‫ِ‬ ‫َّظرة ـ يف ِ‬
‫هذه‬ ‫هذه الن ِ‬
‫ِ‬
‫العرب!‬ ‫وخيرج من م َّك َة‪ ،‬ور َأ ٰى يف ذلك ً‬
‫عارا عىل‬ ‫ُ‬ ‫هياجر‬
‫ُ‬ ‫كريم ـ‬
‫ٌ‬ ‫ٌ‬
‫رجل‬
‫واره ومحايتَه‪..‬‬ ‫ِ‬
‫و َع َر َض عليه ج َ‬
‫‪179‬‬

‫ب‬ ‫الحصار لبني هاش ٍم في ِش ْع ِ‬


‫ِ‬ ‫ِ‬
‫صحيفة‬ ‫نقض‬ ‫وآخر هذه ال َّظ ِ‬
‫واهر ُ‬ ‫ُ‬
‫ت المحن ُة‪ ..‬بينما في ٍ‬
‫بيئة‬ ‫طال عليهم الجوع واشتدَّ ِ‬ ‫طالب‪ ،‬بعد ما َ‬ ‫ٍ‬ ‫َأبي‬
‫ُ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ُ‬
‫يكون‬ ‫الذ ِّل‪ ،‬قد‬
‫دت على ُّ‬
‫مر ْ‬ ‫خرى من بيئات «الحضارة» القديمة ا َّلتي َ‬ ‫ُأ ٰ‬
‫ِ‬
‫البيئة‪،‬‬ ‫ِ‬
‫واالحتقار من‬ ‫زء والس ِ‬
‫خرية‬ ‫السكوت على األَذى مدعا ًة لله ِ‬
‫ُّ‬ ‫ُ‬ ‫ٰ‬ ‫ُ‬ ‫ُّ‬
‫وتعظي ِم المؤذي ال َّظال ِم المعتدي!)‪.‬‬

‫املـسـلمني حينذاك‪،‬‬ ‫ِ‬


‫عـدد‬ ‫يضا ـ لق َّل ِة‬ ‫* (ور َّبام كـان ذلـك ـ َأ ً‬
‫َ‬
‫ِاجلزيرة‪َ ،‬أو بلغت‬ ‫ِ‬ ‫إىل بق َّي ِة‬ ‫ِ‬
‫وانحصارهم يف م َّك َة‪ ،‬حيث مل تبل ِغ الدَّ عو ُة ٰ‬
‫معركة داخل َّي ٍة‬
‫ٍ‬ ‫ِ‬
‫احلياد من‬ ‫تقف عىل‬ ‫القبائل ُ‬ ‫ُ‬ ‫ِ‬
‫كانت‬ ‫خبارها متناثرةً؛ حيث‬ ‫َأ ُ‬
‫ِ‬ ‫ِ ِ‬
‫املوقف‪ ،‬ففي ِ‬
‫مثل‬ ‫مصري‬
‫ُ‬ ‫يكون‬
‫ُ‬ ‫ترى ماذا‬ ‫وبعض َأبنائها‪ ،‬حت َّٰى ٰ‬ ‫ٍ‬
‫قريش‬ ‫بني‬
‫ِ‬
‫القليلة ـ‬ ‫ِ‬
‫املجموعة املسلمة‬ ‫احلالة قد تنتهي املعرك ُة املحدود ُة إ ٰىل ِ‬
‫قتل‬ ‫ِ‬ ‫هذه‬
‫الش ُك‪ ،‬وتنمحي اجلامع ُة‬ ‫قتل منهم ـ ويبقى ِّ‬ ‫ضعاف من س ُي ُ‬
‫َ‬ ‫حت َّٰى ولو َقتلوا َأ‬
‫واقعي‪ ،‬وهو‬ ‫ٌّ‬ ‫يقم يف األَرض لإلسالم نظا ٌم‪ ،‬وال ُوجدَ له ٌ‬
‫كيان‬ ‫املسلم ُة‪ ،‬ومل ْ‬
‫وليكون نظا ًما واقع ًّيا عمل ًّيا للحياة‪ ...‬إلخ)‪.‬‬ ‫َ‬ ‫ليكون منهاج ٍ‬
‫حياة‪،‬‬ ‫َ‬ ‫دي ٌن جا َء‬
‫َ‬
‫اجلها ُد َ‬
‫بعد اهلجرِة‪:‬‬

‫كانت المعاهد ُة‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬


‫بالهجرة ـ فقد‬ ‫ِ‬
‫العهد‬ ‫ِ‬
‫المدينة ـ في َأ َّو ِل‬ ‫َفأ َّما في‬
‫الش ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫رك‬ ‫بقي على ِّ‬ ‫رسول اهلل ﷺ مع اليهود من َأهلها‪ ،‬ومن َ‬ ‫ُ‬ ‫ا َّلتي عقدَ ها‬
‫المرحلة كذلك‪..‬‬ ‫ِ‬ ‫وفيما حولها‪ ،‬مالبس ًة تقتضيها طبيع ُة‬ ‫ِ‬
‫العرب فيها َ‬ ‫من‬
‫تقف له سلط ٌة سياس َّي ٌة تمن ُعه‬ ‫ِ‬
‫والبيان‪ ،‬ال ُ‬ ‫ً‬
‫مجال للتبلي ِغ‬ ‫َ‬
‫هناك‬ ‫َأ َّو ًل‪ :‬ألَ َّن‬
‫ولة المسلمة‬ ‫اعترف الجميع بالدَّ ِ‬
‫َ‬ ‫َّاس وبينَه‪ ،‬فقد‬ ‫وتحول بين الن ِ‬ ‫ُ‬
‫ُ‬
‫‪180‬‬

‫السياس َّي ِة؛‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬


‫الجديدة‪ ،‬وبقيادة رسول اهلل ﷺ في تصريف شؤونها ِّ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬

‫يثير حر ًبا‪ ،‬وال‬ ‫على َأ َّل يعقدَ َأحدٌ منهم‬ ‫ِ‬


‫صلحا وال َ‬ ‫ً‬ ‫فنصت المعاهد ُة ٰ‬ ‫َّ‬
‫ينشئ عالق ًة خارجي ًة؛ َّإل ِ‬
‫السلط َة‬ ‫واضحا َأ َّن ُّ‬
‫ً‬ ‫بإذن رسول اهلل ﷺ وكان‬ ‫َّ‬ ‫ُ َ‬
‫فالمجال َأمام الدَّ ِ‬
‫عوة‬ ‫ُ‬ ‫ِ‬
‫القيادة المسلمة‪،‬‬ ‫المدينة في ِ‬
‫يد‬ ‫ِ‬ ‫الحقيق َّي َة في‬
‫َ‬
‫ِ‬
‫االعتقاد قائم ٌة‪.‬‬ ‫َّاس وحر َّي ِة‬
‫مفتوح‪ ،‬والتَّخلي ُة بي َن الن ِ‬‫ٌ‬
‫ٍ‬
‫لقريش‪ ،‬ا َّلتي‬ ‫ِ‬
‫المرحلة‬ ‫َّفر َغ في هذه‬ ‫الر ُس َ‬ ‫ثان ًيا ‪َّ :‬‬
‫ول ﷺ كان يريدُ الت ُّ‬ ‫إن َّ‬
‫ِ‬
‫الواقعة‬ ‫القبائل األُخرى‪،‬‬
‫ِ‬ ‫رة في ِ‬
‫وجه‬ ‫تقوم معارضتُها لهذا الدِّ ين حجر ع ْث ٍ‬
‫َ‬ ‫ُ‬
‫ٍ‬ ‫في ِ‬
‫بادر‬
‫وبعض بنيها! لذلك َ‬‫ِ‬ ‫ٍ‬
‫قريش‬ ‫مر بي َن‬ ‫ينتهي إليه األَ ُ‬
‫ْ‬ ‫انتظار لما‬ ‫حالة‬
‫ابن ِ‬
‫عبد‬ ‫بإرسال «السرايا» ‪ ،‬وكان َأو َل ٍ‬
‫لواء عقد ُه لحمز َة ِ‬ ‫ِ‬ ‫ُ‬
‫رسول اهلل ﷺ‬
‫َّ‬ ‫َّ‬
‫سبعة َأ ٍ‬
‫شهر م َن الهجرة‪.‬‬ ‫ِ‬ ‫على ر ْأ ِ‬
‫س‬ ‫َ‬ ‫الم َّط ِ‬
‫ِرمضان ٰ‬ ‫لب في شهر‬
‫على ر ْأ ِ‬
‫س ثالث َة‬ ‫ِ‬
‫تسعة َأ ٍ‬ ‫السرايا‪ ،‬على ر ْأ ِ‬
‫ثم ٰ‬ ‫شهر‪َّ ،‬‬ ‫س‬ ‫توالت هذه َّ‬
‫ْ‬ ‫ثم‬
‫َّ‬
‫كانت سر َّي ُة عبد اهلل بن‬
‫ْ‬ ‫ثم‬
‫شهرا‪َّ ،‬‬ ‫عش َر ً‬‫س س َّت َة َ‬ ‫على ر ْأ ِ‬
‫ثم ٰ‬‫شهرا‪َّ ،‬‬
‫عش َر ً‬ ‫َ‬
‫شهرا‪..‬‬ ‫على ر ْأ ِ‬
‫س سبعة عشر ً‬ ‫جحش في رجب ٰ‬
‫الش ِ‬ ‫ٍ‬
‫هر احلرا ِم‪،‬‬ ‫ٌ‬
‫وقتال‪ ،‬وكان ذلك يف َّ‬ ‫قتل‬ ‫وهي َأ َّو ُل َغزاة َ‬
‫وقع فيها ٌ‬
‫آيات البقرة‪﴿ :‬ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳﭴ ﭵ‬
‫ُ‬ ‫نزلت فيها‬
‫ْ‬ ‫وا َّلتي‬
‫ﭶ ﭷ ﭸﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ‬
‫ﮄ ﮅ ﮆ ﮇﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ‬
‫ﮔ ﮕ ﮖ﴾ [البقرة‪..]217 :‬‬
‫‪181‬‬

‫الس ِنة‪ ،‬وهي ا َّلتي‬ ‫ِ‬


‫رمضان من هذه َّ‬
‫َ‬ ‫الكربى يف‬
‫ٰ‬ ‫ثم كانت غزو ُة ٍ‬
‫بدر‬ ‫َّ‬
‫نزلت فيها سور ُة األَنفال‪.‬‬
‫ْ‬
‫ِ‬
‫للقول َبأ َّن‬ ‫ٍ‬
‫مالبسات الواقعِ‪ ،‬ال تَدَ ُع ً‬
‫مجال‬ ‫الموقف من َ‬
‫خالل‬ ‫ِ‬ ‫ورؤي ُة‬
‫يقول‬ ‫ِ‬
‫الحركة اإلسالم َّية‪ ،‬كما ُ‬ ‫الض ِّي ِق كان هو قاعد َة‬ ‫ِ‬
‫بمفهومه َّ‬ ‫«الدِّ فاع»‬
‫ِ‬
‫الماكر!‪.‬‬ ‫االستشراقي‬
‫ِّ‬ ‫المهزومون َأما َم الواقع الحاضر‪ ،‬و َأما َم الهجوم‬
‫َ‬
‫ِ‬ ‫ٍ‬ ‫سباب دفاع َّي ٍة‬‫ٍ‬ ‫س َأ‬
‫تلم ِ‬
‫لحركة المدِّ‬ ‫بحتة‬ ‫إلى ُّ‬
‫يلجؤون ٰ‬
‫َ‬ ‫إن ا َّل َ‬
‫ذين‬ ‫َّ‬
‫وقت لم يعدْ‬‫بحركة الهجوم االستشراقي ِة‪ ،‬في ٍ‬ ‫ِ‬ ‫يؤخذون‬
‫َ‬ ‫اإلسالمي‪ ،‬إنَّما‬
‫َّ‬ ‫ِّ‬
‫عصم اهلل‪،‬‬
‫َ‬ ‫للمسلمين شوك ٌة؛ بل لم يعدْ للمسلمي َن إسال ٌم!‪ ..‬ـ َّإل َمن‬ ‫َ‬
‫بتحرير «اإلنسان» في‬‫ِ‬ ‫ِ‬
‫إعالن اإلسالم العا ِّم‬ ‫ِ‬
‫تحقيق‬ ‫على‬
‫صرون ٰ‬ ‫ممن ُي ِّ‬
‫َّ‬
‫لطان َّإل من س ِ‬
‫كل س ٍ‬
‫ليكون الدِّ ي ُن ك ُّله هلل ـ‬
‫َ‬ ‫لطان اهلل‪،‬‬ ‫ُ‬ ‫«األَرض» من ِّ ُ‬
‫ِ‬
‫للجهاد في اإلسالم!‬ ‫رات َأدب َّي ٍة‬
‫فيبحثون عن مبر ٍ‬
‫َ‬
‫ِّ‬
‫القرآن‪:‬‬
‫ِ‬ ‫القتال يف‬
‫ِ‬ ‫مرب ُ‬
‫ِّرات‬
‫ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬
‫ربرات َأدب َّية له َأ َ‬
‫كثر من‬ ‫اإلسالمي ليس يف حاجة إ ٰىل م ِّ‬ ‫ُّ‬ ‫واملدُّ‬
‫ُّصوص القرآن َّي ُة‪:‬‬ ‫املرب ِ‬
‫رات ا َّلتي مح َلتْها الن‬
‫ُ‬ ‫ِّ‬
‫﴿ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰﯱ‬
‫ﯲﯳﯴﯵﯶﯷﯸﯹﯺﯻﯼﯽ*ﭑﭒﭓ‬
‫ﭔﭕﭖﭗﭘﭙﭚﭛﭜﭝﭞﭟ‬
‫ﭠﭡﭢﭣﭤﭥﭦﭧﭨﭩﭪﭫﭬﭭﭮ‬
‫‪182‬‬

‫ﭯ * ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ‬
‫ﭾ ﭿ ﮀﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ﴾ [النساء‪ 74 :‬ـ ‪.]76‬‬

‫﴿ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ‬
‫ﮰﮱﯓ*ﯕﯖﯗﯘﯙﯚ‬
‫ﯛ ﯜ ﯝﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ * ﯧ ﯨ‬
‫ﯩ ﯪ ﯫ ﯬﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ﴾ [األَنفال‪ 38 :‬ـ ‪.]40‬‬

‫﴿ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ‬
‫ﮉﮊﮋﮌﮍﮎﮏﮐﮑﮒﮓ‬
‫ﮔﮕﮖﮗﮘﮙ*ﮛﮜﮝﮞﮟﮠ‬
‫ﮡ ﮢ ﮣ ﮤﮥ ﮦ ﮧ ﮨﮩ ﮪ‬
‫ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯﮰ ﮱ ﯓﯔ ﯕ ﯖ *‬
‫ﯘﯙﯚﯛﯜﯝﯞﯟ‬
‫ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬﯭ‬
‫ﯮﯯﯰ*ﭑﭒﭓﭔﭕﭖ‬
‫ﭗﭘﭙﭚﭛﭜﭝﭞﭟ﴾ [التوبة‪ 29 :‬ـ ‪.]32‬‬

‫وتحقيق منهجه في‬ ‫ِ‬ ‫تقرير ُألوه َّي ِة اهلل في األَرض‪،‬‬


‫ِ‬ ‫رات‬
‫مبر ُ‬ ‫إنَّها ِّ‬
‫ياطين‪ ،‬وتحطي ِم ُسلطان‬ ‫ِ‬ ‫ومناهج َّ‬
‫الش‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ياطين‬ ‫ِ‬
‫ومطاردة َّ‬
‫الش‬ ‫َّاس‪،‬‬ ‫ِ‬
‫حياة الن ِ‬
‫يحكمهم‬
‫َ‬ ‫يجوز َأ ْن‬
‫ُ‬ ‫َّاس عبيدٌ هلل وحدَ ه‪ ،‬ال‬
‫َّاس‪ ،‬والن ُ‬ ‫ِ‬
‫البشر ا َّلذي يتع َّبدُ الن َ‬
‫ريعة من هوا ُه ور ْأ ِيه! وهذا‬‫وبش ٍ‬ ‫نفسه‪َ ،‬‬ ‫عند ِ‬‫بسلطان من ِ‬
‫ٍ‬ ‫َأحدٌ من ِ‬
‫عباده‬
‫‪183‬‬
‫ِ‬
‫اعتناق‬ ‫تقرير مبدأِ‪﴿ :‬ﯿ ﰀ ﰁ ﰂ﴾‪َ ..‬أي‪ :‬ال إكرا َه على‬
‫ِ‬ ‫يكفي‪ ..‬مع‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫الخروج من س ِ‬
‫الس َ‬
‫لطان‬ ‫واإلقرار بمبدأ َأ َّن ُّ‬ ‫العبيد‪،‬‬ ‫لطان‬ ‫ُ‬ ‫ِ‬ ‫العقيدة‪ ،‬بعد‬
‫ك َّل ُه هلل‪َ ،‬أو َأ َّن الدِّ ين ك َّله هلل‪ ،‬بهذا االعتبار‪.‬‬

‫العظيم‪:‬‬
‫ُ‬ ‫عامر‬
‫بن ٍ‬ ‫عي ِ‬ ‫ُ‬
‫موقف ِر ْب ِّ‬

‫بإخراج الن ِ‬
‫َّاس‬ ‫ِ‬ ‫لإلنسان في األَرض‪،‬‬‫ِ‬ ‫رات الت ِ‬
‫َّحرير العا ِّم‬ ‫مبر ُ‬ ‫إنَّها ِّ‬
‫شريك‪ ..‬وهذه وحدَ ها‬ ‫ٍ‬ ‫للعباد إلى العبود َّي ِة هلل وحدَ ه بال‬
‫ِ‬ ‫من العبود َّي ِة‬
‫نفوس ال ُغ ِ‬
‫زاة م َن المسلمي َن‪،‬‬ ‫ِ‬ ‫رات ماثل ًة في‬
‫المبر ُ‬‫تكفي‪ ..‬لقد كانت هذه ِّ‬
‫ِ‬ ‫فلم َي َ‬
‫ُدافع عن‬
‫خرجه للجهاد‪ ،‬فيقول‪ :‬خرجنا ن ُ‬ ‫عما َأ َ‬ ‫سأ ْل َأحدٌ منهم َّ‬
‫الفرس َأو ُّ‬
‫الرو ِم علينا نح ُن‬ ‫ِ‬ ‫َ‬
‫عدوان‬ ‫وطنِنا المهدَّ ِد! َأو خرجنا نصدُّ‬
‫ِ‬
‫الغنيمة!‬ ‫ونستكثر من‬
‫ُ‬ ‫نوس ُع رقعتَنا‪،‬‬‫المسلمي َن! َأو خرجنا ِّ‬
‫عامر‪ ،‬وحذيف ُة بن ِم ْح َص ٍن‬
‫ٍ‬ ‫يقولون‪ ،‬كما قال ِر ْب ُّ‬
‫عي ب ُن‬ ‫َ‬ ‫لقد كانوا‬
‫رس في القادس َّي ِة‪ ،‬وهو‬
‫جيش ال ُف ِ‬
‫ِ‬ ‫والمغير ُة بن ُشعب َة جميعا لرستم ِ‬
‫قائد‬ ‫َ‬ ‫ً‬
‫ِ‬
‫المعركة‪ :‬ما ا َّلذي جا َء‬ ‫قبل‬‫ثالثة َأ َّيا ٍم متوال َي ٍة‪َ ،‬‬
‫واحد في ِ‬
‫ٍ‬ ‫َ‬
‫يسألهم واحدً ا بعدَ‬
‫إلى‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫الجواب‪( :‬اهللُ ابتع َثنا‬ ‫ُ‬
‫شاء من عبا َدة العباد ٰ‬ ‫لنخرج من َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫فيكون‬ ‫بكم؟‬
‫ديان إلى ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫عدل‬ ‫إلى َس َعتها‪ ،‬ومن َج ْو ِر األَ ِ ٰ‬ ‫عبادة اهلل وحدَ ه‪ ،‬ومن ض ْي ِق الدُّ نيا ٰ‬
‫فمن َقبِله منَّا قب ْلنا من ُه ورج ْعنا‬ ‫ِِ‬ ‫ِِ‬ ‫اإلسالم‪َ ..‬فأ َ‬
‫رسل رسو َل ُه بدينه ٰ‬
‫إلى خلقه‪َ ،‬‬
‫نفضي إلى الجن َِّة َأو ال َّظ ِ‬
‫فر)(‪.)1‬‬ ‫َ‬ ‫رض ُه‪ ،‬ومن َأ ٰ‬
‫بى قاتلنا ُه حت َّٰى‬ ‫عن ُه‪ ،‬وتركنا ُه َ‬
‫وأ َ‬

‫(( ( «البداية والنهاية» ‪:‬ج‪ ،9‬ص‪ . 622‬طبعة دار هجر ‪ ،‬بتحقيق التركي ‪.‬‬
‫‪184‬‬
‫ِ‬ ‫مربرا ذات ًّيا يف طبيعة هذا الدِّ ين ذاته‪ ،‬ويف‬
‫إعالنه العام‪ ،‬ويف‬ ‫إن هناك ً‬ ‫َّ‬
‫ِ‬
‫جوانبه‪ ،‬يف‬ ‫بوسائل ُمكافِ ٍئة ِّ‬
‫لكل‬ ‫َ‬ ‫ِ‬
‫ملقابلة الواق ِع َ‬
‫البش ِّي‬ ‫الواقعي‬ ‫ِ‬
‫منهجه‬
‫ِّ‬
‫قائم ابتدا ًء ـ ولو مل‬ ‫ربر َّ‬ ‫ٍ‬ ‫َ‬
‫يت ٌ‬ ‫الذا ُّ‬ ‫مراحل حمدَّ دة‪ ،‬بوسائل متجدِّ دة‪ ..‬وهذا امل ِّ‬
‫االعتداء عىل األَرض اإلسالم َّية وعىل املسلمني فيها ـ إنَّه‬ ‫ِ‬ ‫خطر‬
‫يوجد ُ‬
‫ِ‬
‫املجتمعات‬ ‫قات الفعل َّي ِة يف‬ ‫وطبيعة ا ُملعو ِ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫وواقعيته‬ ‫ِ‬
‫طبيعة املنهج‬ ‫رب ٌر يف‬
‫ِّ‬ ‫م ِّ‬
‫حمدودة ومؤ َّق ٍتة!‬
‫ٍ‬ ‫البسات دفاع َّي ٍة‬
‫ٍ‬ ‫جمر ِد ُم‬
‫البرش َّية‪ ..‬ال من َّ‬
‫لم مجاهدً ا بنفسه وماله‪..‬في‬ ‫الم ْس ُ‬
‫يخرج ُ‬
‫َ‬ ‫وإنَّه ليكفي َأ ْن‬
‫الق َيم ا َّلتي ال ينا ُله هو ِمن ورائها‬
‫سبيل هذه ِ‬
‫ِ‬ ‫«سبيل اهلل»‪ ..‬في‬
‫مغنم ذاتي‪..‬وال يخرجه لها مغنم ذاتي‪..‬‬

‫خاض‬
‫يكون قد َ‬‫ُ‬ ‫ِ‬
‫المعركة‬ ‫ِ‬
‫للجهاد في‬ ‫ينطلق‬
‫َ‬ ‫قبل َأ ْن‬
‫المسلم َ‬ ‫َّ‬
‫إن‬
‫َ‬
‫يطان‪ ..‬مع هوا ُه وشهواتِه‪ ..‬مع‬‫الش ِ‬ ‫نفسه‪ ،‬مع َّ‬ ‫كبر في ِ‬‫معرك َة الجهاد األَ ِ‬
‫ٍ‬
‫شارة‬ ‫كل‬‫وقوم ِه‪ ..‬مع ِّ‬
‫ِ‬ ‫ومصالح عشيرتِ ِه‬
‫ِ‬ ‫مصالح ِه‬
‫ِ‬ ‫مطامع ِه ورغباتِ ِه‪ ..‬مع‬
‫ِ‬

‫وتحقيق ُسلطانِه في‬


‫َ‬ ‫كل داف ٍع َّإل العبود َّي َة ِ‬
‫هلل‪،‬‬ ‫ِ‬
‫شارة اإلسالم‪ ..‬ومع ِّ‬ ‫ِ‬
‫غير‬
‫ِ‬
‫لسلطان اهلل‪..‬‬ ‫ِ‬
‫المغتصبي َن‬ ‫ِ‬
‫واغيت‬ ‫األَرض‪ ،‬وطرد س ِ‬
‫لطان ال َّط‬ ‫َ ُ‬
‫مرب ٌ‬
‫ِّرات غ ُري إسالمي ٍ‬
‫َّة للجهاِد‪:‬‬
‫ِ‬
‫حماية‬ ‫اإلسالمي في‬ ‫ِ‬
‫للجهاد‬ ‫يبحثون عن مبر ٍ‬
‫رات‬ ‫َ‬ ‫وا َّلذي َن‬
‫ِّ‬ ‫ِّ‬
‫قل من‬ ‫شأ ِن «المنهج» ويعتبرو َن ُه َأ َّ‬
‫ون من ْ‬ ‫يغض َ‬
‫اإلسالمي» ُّ‬
‫ِّ‬ ‫ِ‬
‫«الوطن‬
‫ِ‬
‫االعتبارات‪ ،‬إنَّها‬ ‫«الموطِن»‪ ..‬وهذه ليست نظر َة اإلسالم إلى ِ‬
‫هذه‬ ‫ٰ‬ ‫َْ‬
‫‪185‬‬

‫والمنهج ا َّلذي‬ ‫اإلسالمي؛ فالعقيد ُة‬ ‫نظر ٌة مستحدث ٌة غريب ٌة على ِ‬


‫الح ِّس‬
‫ُ‬ ‫ِّ‬
‫االعتبارات‬
‫ُ‬ ‫المنهج‪ ،‬هي‬
‫ُ‬ ‫والمجتمع ا َّلذي يسو ُد فيه هذا‬‫ُ‬ ‫تتم َّث ُل فيه‪،‬‬
‫اعتبار لها وال‬
‫َ‬ ‫رض ـ بذاتها ـ فال‬ ‫اإلسالمي‪َ ،‬أ َّما األَ ُ‬
‫ِّ‬ ‫الحس‬
‫ِّ‬ ‫الوحيد ُة في‬
‫اإلسالمي؛ إنَّما هي مستمدَّ ٌة من‬ ‫َّصو ِر‬ ‫وكل ٍ‬
‫قيمة ل َ‬ ‫وزن! ُّ‬‫َ‬
‫ِّ‬ ‫ألرض في الت ُّ‬
‫َ‬
‫وحقل‬ ‫محض َن العقيدة‪،‬‬‫ِ‬ ‫ُ‬
‫تكون‬ ‫وسلطانِه فيها‪ ،‬وبهذا‬ ‫ِ‬
‫سيادة منهج اهلل ُ‬
‫ِ‬
‫لتحرير «اإلنسان»‪.‬‬ ‫ِ‬
‫االنطالق‬ ‫ودار «اإلسالم»‪ ،‬ونقط َة‬ ‫المنهج‪َ ،‬‬
‫للعقيدة والمنهج‬‫ِ‬ ‫«دار اإلسالم» حماي ٌة‬ ‫ِ‬ ‫إن حـمـاي َة‬ ‫وحقيق ًة َّ‬
‫ِّهائي‪،‬‬ ‫ِ‬ ‫والمجتمع ا َّلذي يسو ُد فيه‬
‫الهدف الن َّ‬ ‫َ‬ ‫ليست‬ ‫المنهج‪ ،‬ولكنَّها‬ ‫ُ‬
‫اإلسالمي‪ ،‬إنَّما‬ ‫لحركة الجهاد‬‫ِ‬ ‫وليست حمايتُها هي الغا َي َة األَخير َة‬ ‫ْ‬
‫ِّ‬
‫ٍ‬
‫انطالق‬ ‫مملكة اهلل فيها‪ ،‬ثم الت ِ‬
‫ِّخاذها قاعد َة‬ ‫ِ‬ ‫حمايتُها هي الوسيل ُة لقيا ِم‬
‫َّ‬
‫اإلنساني؛ هو‬ ‫َّوع‬ ‫ِِ‬ ‫إلى األَرض ك ِّلها وإلى النَّو ِع‬
‫ُّ‬ ‫اإلنساني بجملته‪ ،‬فالن ُ‬
‫ِّ‬
‫الكبير!‬
‫ُ‬ ‫رض هي مجا ُله‬ ‫موضوع هذا الدِّ ين‪ ،‬واألَ ُ‬
‫ُ‬
‫عقبات‬
‫ٌ‬ ‫ِ‬
‫وجهه‬ ‫اإلهلي تقو ُم يف‬ ‫ِ‬
‫باملذهب‬ ‫َ‬
‫االنطالق‬ ‫وكام َأسل ْفنا َّ‬
‫فإن‬
‫ِّ‬
‫ِ‬
‫وهذه ك ُّلها‬ ‫ِ‬
‫البيئة‪..‬‬ ‫ولة‪ ،‬ونظا ِم املجتمع‪ ،‬و َأوضا ِع‬ ‫لطة الدَّ ِ‬
‫مادي ٌة من س ِ‬
‫ُ‬ ‫َّ‬
‫ينطلق اإلسالم ليح ِّطمها بالقو ِة‪ ،‬كي خيلو له وجه األَ ِ‬
‫فراد‬ ‫ُ‬ ‫هي ا َّلتي‬
‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َّ‬ ‫ُ ُ َ‬ ‫َ‬
‫خياطب ضامئرهم و َأفكارهم‪ ،‬بعد َأ ْن حيررها من األَ ِ‬
‫غالل‬ ‫ُ‬ ‫من الن ِ‬
‫َّاس‪،‬‬
‫ِّ َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫حر َّي َة االختيار‪.‬‬ ‫َ‬
‫ويرتك هلا بعدَ ذلك ِّ‬ ‫املاد َّي ِة‪،‬‬
‫حمالت المستشرقين على مبدأِ‬ ‫ُ‬ ‫يجب َأال تخد َعنا َأو ت ِ‬
‫ُفز َعنا‬
‫ٰ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬
‫ِ‬
‫ميزان القوى‬ ‫ضغط الواق ِع وثق ُله في‬
‫ُ‬ ‫«الجهاد»‪ ،‬و َأ َّل يث ُق َل على ِ‬
‫عاتقنا‬ ‫ٰ‬
‫‪186‬‬
‫ٍ‬
‫خارجة‬ ‫رات َأدب َّي ٍة‬
‫للجهاد اإلسالمي عن مبر ٍ‬ ‫ِ‬ ‫ُ‬
‫نبحث‬ ‫فنروح‬ ‫العالم َّي ِة‪،‬‬
‫ِّ‬ ‫ِّ‬ ‫َ‬
‫سينطلق‬
‫ُ‬ ‫مالبسات دفاع َّي ٍة وقت َّي ٍة‪ ،‬كان الجها ُد‬
‫ٍ‬ ‫ِ‬
‫طبيعة هذا الدِّ ين‪ ،‬في‬ ‫عن‬
‫ِ‬ ‫ِِ‬
‫في طريقه سوا ٌء وجدَ ْت َأ ْم ْ‬
‫لم توجد!‬
‫ِ‬
‫االعتبارات‬ ‫َّارخيي‪َ ،‬أ َّل َ‬
‫نغفل عن‬ ‫الواقع الت‬ ‫نستعرض‬
‫ُ‬ ‫وجيب ونح ُن‬
‫َّ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬
‫َ‬
‫نخلط‬ ‫الواقعي‪ ،‬و َأ َّل‬ ‫ِ‬
‫ومنهجه‬ ‫طبيعة هذا الدِّ ين‪ ،‬وإعالنِه العا ِّم‬ ‫ِ‬ ‫الذات َّي ِة يف‬
‫ِّ‬
‫املقتضيات الدفاع َّي ِة الوقت َّي ِة‪.‬‬
‫ِ‬ ‫وبني‬
‫بينها َ‬

‫املسلم‪:‬‬ ‫ُ‬
‫املفروضة على اجملتمع ِ‬ ‫ُ‬
‫املعركة‬

‫مجر َد‬ ‫يدافع المهاجمي َن له؛ ألَ َّن َّ‬


‫َ‬ ‫ح ًّقا إنَّه لم يك ْن ُبدٌّ لهذا الدِّ ين َأ ْن‬
‫ِ‬
‫اإلنسان‬ ‫ِ‬
‫وتحرير‬ ‫إعالن عا ٍّم لربوب َّي ِة اهلل للعالمين‪،‬‬
‫ٍ‬ ‫ِ‬
‫صورة‬ ‫وجوده في‬ ‫ِ‬
‫ِ‬ ‫من العبود َّي ِة ِ‬
‫حركي‬‫ٍّ‬ ‫تنظيمي‬
‫ٍّ‬ ‫لغير اهلل‪ ،‬وت ََم ُّث ِل هذا الوجود في ُّ‬
‫تجم ٍع‬
‫مستقل متم ِّي ٍز‬
‫ٍّ‬ ‫ِ‬
‫وميالد مجتم ٍع‬ ‫ِ‬
‫قيادات الجاهل َّية‪،‬‬ ‫غير‬ ‫ٍ‬
‫جديدة ِ‬ ‫تحت ٍ‬
‫قيادة‬ ‫َ‬
‫البشر بالحاكمي ِة؛ ألَ َّن الحاكمي َة ِ‬
‫فيه هلل وحدَ ه‪..‬‬ ‫ِ‬ ‫يعترف ألَ ٍ‬
‫حد من‬ ‫ُ‬ ‫ال‬
‫َّ‬ ‫َّ‬

‫يدفع‬ ‫ورة‪ ،‬ال ُبدَّ َأ ْن‬ ‫هذه الص ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬


‫وجود هذا الدِّ ين يف‬ ‫جمر َد‬ ‫َّ‬
‫َ‬ ‫ُّ‬ ‫إن َّ‬
‫ِ‬ ‫قاعدة العبود َّي ِة‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫للعباد ـ‬ ‫املجتمعات اجلاهل َّي َة م ْن حوله ـ القائمة ٰ‬
‫عىل‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫املجتمع‬
‫ُ‬ ‫يتحر َك‬‫حتاول سح َق ُه‪ ،‬دفا ًعا عن وجودها ذاته‪ ،‬وال ُبدَّ َأ ْن َّ‬ ‫َ‬ ‫َأ ْن‬
‫اجلديدُ للدِّ فا ِع عن ِ‬
‫نفسه‪..‬‬

‫ميالد اإلسالم ذاتِه‪ ،‬وهذه معرك ٌة‬


‫ِ‬ ‫هذه مالبس ٌة ال ُبدَّ منها‪ ،‬تولدُ مع‬
‫‪187‬‬

‫رصاع‬ ‫ِ‬
‫خوضها‪ ،‬وهذا‬ ‫خيار ل ُه يف‬ ‫مفروض ٌة عىل اإلسالم ً‬
‫فرضا‪ ،‬وال‬
‫ٌ‬ ‫َ‬
‫ً‬
‫طويل‪..‬‬ ‫َّعايش بينهام‬ ‫بني وجو َد ِ‬
‫ين ال يمك ُن الت ُ‬ ‫طبيعي َ‬
‫ٌّ‬
‫يدافع عن‬ ‫يكون ال ُبدَّ لإلسالم َأن‬
‫ُ‬ ‫ووفق هذه الن ِ‬
‫َّظرة‬ ‫حق‪َ ..‬‬ ‫هذا ك ُّل ُه ٌّ‬
‫َ‬
‫خيوض معرك ًة دفاع َّي ًة مفروض ًة عليه ً‬
‫فرضا‪..‬‬ ‫ِ‬
‫وجوده‪ ،‬وال ُبدَّ َأ ْن َ‬

‫هلل‪:‬‬ ‫َّ‬
‫العبوديِة لغ ِري ا ِ‬ ‫اإلنسان من‬
‫ِ‬ ‫ُ‬
‫إنقاذ‬
‫ِ‬
‫طبيعة‬ ‫إن من‬ ‫ِ‬
‫الحقيقة‪َّ ..‬‬ ‫هناك حقيق ٌة ُأخرى َأشدُّ َأصال ًة من ِ‬
‫هذه‬ ‫ولكن َ‬
‫ٰ‬ ‫ْ‬
‫ِ‬ ‫يتحر َك إلى األَما ِم‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫إلنقاذ «اإلنسان» في‬ ‫ابتداء؛‬
‫ً‬ ‫اإلسالمي ذاته َأ ْن َّ‬ ‫ِّ‬ ‫الوجود‬
‫حدود جغراف َّي ٍة‪،‬‬ ‫ٍ‬ ‫يقف عندَ‬ ‫يمكن َأ ْن َ‬ ‫ُ‬ ‫اهلل‪ ،‬وال‬ ‫ِ ِ‬
‫«األرض» من العبود َّية لغير ِ‬
‫َ‬
‫ِ‬
‫اإلنسان‪..‬‬ ‫نوع‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫َ‬ ‫وال َأ ْن‬
‫داخل حدود عنصر َّية‪ ،‬تاركًا «اإلنسان»‪َ ..‬‬ ‫ينزوي‬
‫َ‬
‫اهلل‪.‬‬ ‫ِ ِ‬ ‫ِ‬ ‫كل األَرض‪َّ ..‬‬ ‫في «األَرض»‪ِّ ..‬‬
‫للش ِّر والفساد والعبود َّية لغير ِ‬
‫زمان ت ُْؤثِ ُر فيه َأ َّل‬
‫ٌ‬ ‫جييء عليها‬ ‫ُ‬ ‫املعسكرات املعادي َة لإلسالم قد‬ ‫ِ‬ ‫إن‬
‫َّ‬
‫داخل‬‫َ‬ ‫ِ‬
‫للبرش‬ ‫ِ‬
‫البرش‬ ‫تزاول عبود َّي َة‬ ‫ُ‬ ‫هتاجم اإلسال َم‪ ،‬إذا تركَها اإلسال ُم‬ ‫َ‬
‫وشأ َنا‪ ،‬ومل يمدَّ إليها دعوتَه‬ ‫ْ‬ ‫وريض َأن َيدَ َعها‬ ‫َ‬ ‫حدودها اإلقليم َّي ِة‪،‬‬ ‫ِ‬

‫تعلن‬
‫َ‬ ‫هيادنا؛ َّإل َأ ْن‬ ‫ُ‬ ‫ولكن اإلسال َم ال‬ ‫َّ‬ ‫َّحريري العا َّم!‬
‫َّ‬ ‫وإعالنَه الت‬
‫بوابا لدعوتِه‬ ‫ِ‬
‫اجلزية‪ ،‬ضامنًا لفتحِ َأ ِ‬ ‫صورة َأ ِ‬
‫داء‬ ‫ِ‬ ‫لسلطانِه يف‬‫استسالمها ُ‬
‫َ‬
‫ِ‬
‫القائمة فيها‪.‬‬ ‫ِ‬
‫لطات‬ ‫الس‬ ‫ٍ‬
‫عوائق ماد َّية من ُّ‬
‫َ‬ ‫بال‬

‫إعالن عا ٌّم لربوب َّي ِة اهلل‬


‫ٌ‬ ‫هذه طبيع ُة هذا الدِّ ين‪ ،‬وهذه وظيفتُه‪ ،‬بحك ِم َأنَّه‬
‫‪188‬‬

‫َّاس َأجمعين!‬ ‫كل عبود َّي ٍة ِ‬


‫لغير اهلل في الن ِ‬ ‫ِ‬
‫اإلنسان من ِّ‬ ‫ِ‬
‫وتحرير‬ ‫للعالمين‪،‬‬
‫ره قاب ًعا َ‬ ‫بيعة‪ ،‬وتصو ِ‬ ‫وفرق بين تصو ِر اإلسالم على هذه ال َّط ِ‬
‫داخل‬ ‫ُّ‬ ‫ٰ‬ ‫ٌ َ ُّ‬
‫ِ‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬
‫االعتداء! إنَّه في هذه‬ ‫خوف‬
‫ُ‬ ‫يحرك ُه َّإل‬ ‫حدود إقليم َّية َأو عنصر َّية ال ِّ‬
‫ِ‬
‫االنطالق!‬ ‫مبرراتِه الذات َّي َة في‬ ‫ِ‬
‫الصورة األَخيرة يفقدُ ِّ‬
‫ِ‬
‫ُّ‬
‫مق‪ ،‬عند ت ََذك ُِّر‬ ‫بوضوح و ُع ٍ‬ ‫ِ‬ ‫إن مبر ِ‬
‫ٍ‬ ‫تبرز‬ ‫اإلسالمي ُ‬
‫ِّ‬ ‫االنطالق‬ ‫رات‬ ‫َّ ِّ‬
‫إنسان‪ ،‬وال‬ ‫ٍ‬ ‫منهج‬
‫َ‬ ‫وليس‬‫َ‬ ‫للحياة البشر َّي ِة‪،‬‬ ‫ِ‬ ‫منهج اهلل‬‫ُ‬ ‫َأ َّن هذا الدِّ ي َن هو‬
‫جناس!‪ ..‬ونحن ال‬ ‫ِ‬ ‫جنس من األَ‬ ‫ٍ‬ ‫َّاس‪ ،‬وال نظا َم‬ ‫شيعة من الن ِ‬ ‫ٍ‬ ‫مذهب‬
‫َ‬
‫رات خارج َّي ٍة؛ َّإل حي َن َت ْفت ُُر في ِح ِّسنا هذه الحقيق ُة‬ ‫نبحث عن مبر ٍ‬
‫ِّ‬ ‫ُ‬
‫ننسى َأ َّن القض َّي َة هي قض َّي ُة ُألوه َّي ِة اهلل‪ ،‬وعبود َّي ِة العباد‪.‬‬ ‫ٰ‬ ‫الهائل ُة‪ ..‬حين‬
‫ُ‬
‫يبحث‬ ‫إنسان ما هذه الحقيق َة الهائل َة‪َّ ،‬‬
‫ثم‬ ‫ٌ‬ ‫يستحضر‬
‫َ‬ ‫إنَّه ال يمك ُن َأ ْن‬
‫ِ‬
‫اإلسالمي!‬
‫ِّ‬ ‫للجهاد‬ ‫مبر ٍر َ‬
‫آخر‬ ‫عن ِّ‬
‫تصو ِر َأ َّن اإلسال َم‬
‫ريق‪ ،‬بني ُّ‬ ‫مفرق ال َّط ِ‬ ‫واملساف ُة قد ال تبدو كبري ًة عند ِ‬

‫الذ ِّات‬ ‫ِ‬


‫وجوده َّ‬ ‫اختيار له فيها‪ ،‬وبحك ِم‬ ‫ٍ‬
‫معركة ال‬ ‫ِ‬
‫خلوض‬ ‫مضطرا‬ ‫كان‬
‫َ‬ ‫ًّ‬
‫وتصو ِر َأنَّه‬ ‫مج ُه‪،‬‬ ‫ِ‬
‫املجتمعات اجلاهل َّية األُخرى ا َّلتي ال ُبدَّ َأ ْن هتا َ‬ ‫ِ‬
‫ووجود‬
‫ُّ‬
‫فيدخل يف ِ‬ ‫ِ‬
‫هذه املعركة‪.‬‬ ‫َ‬ ‫هو بذاته ال ُبدَّ َأ ْن َّ‬
‫يتحر َك ابتدا ًء‪،‬‬
‫ِ‬
‫احلالتني‬ ‫ريق قد ال تبدو كبريةً‪ ،‬فهو يف كلتا‬ ‫ِ‬
‫مفرق ال َّط ِ‬ ‫املساف ُة عن‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ُ‬
‫حتم‪ ،‬ولكنَّها يف هناية ال َّطريق تبدو هائل ًة شاسع ًة‪ُ ،‬تغيِّ ُ‬
‫سيدخل املعرك َة ً‬
‫ِ‬
‫خطريا‪.‬‬
‫ً‬ ‫كبريا‪..‬‬
‫تغيريا ً‬ ‫املشاعر‪ ،‬واملفهومات اإلسالم َّي َة ً‬
‫َ‬
‫‪189‬‬

‫العوائق‪:‬‬
‫ِ‬ ‫ُ‬
‫إزالة‬

‫ليقر َر‬
‫منهجا إله ًّيا‪ ،‬جاء ِّ‬
‫ً‬ ‫ِ‬
‫اعتبار اإلسالم‬ ‫َ‬
‫هناك مساف ًة هائل ًة بين‬ ‫َّ‬
‫إن‬
‫ويصب هذا‬ ‫ٍ‬
‫واحد‪،‬‬ ‫البشر جميعا ٍ‬
‫إلله‬ ‫ِ‬ ‫ُألوه َّي َة اهلل في األَرض‪ ،‬وعبود َّي َة‬
‫َّ‬ ‫ً‬
‫َّاس‬ ‫اإلنساني ا َّلذي َّ‬
‫يتحر ُر فيه الن ُ‬ ‫ُّ‬ ‫المجتمع‬
‫ُ‬ ‫واقعي‪ ،‬هو‬
‫ٍّ‬ ‫َّقرير في ٍ‬
‫قالب‬ ‫الت َ‬
‫العباد؛ فال تحكمهم َّإل شريع ُة اهلل‪،‬‬ ‫ِ‬ ‫لرب‬ ‫ِ‬
‫من العبود َّية للعباد‪ ،‬بالعبود َّية ِّ‬
‫آخر تتم َّث ُل فيها ُألوه َّيتُه‪ ..‬فمن‬ ‫ٍ‬
‫بتعبير َ‬ ‫لطان اهلل‪َ ،‬أو‬
‫ا َّلتي يتم َّث ُل فيها ُس ُ‬
‫وجدان األَ ِ‬
‫فراد‬ ‫َ‬ ‫ليخاطب‬ ‫ِ‬
‫طريقه‪،‬‬ ‫ِ‬
‫العقبات ك ِّلها من‬ ‫إذن َأن ُي َ‬
‫زيل‬ ‫ح ِّقه ْ‬
‫َ‬
‫ِ‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫وعقو َلهم َ‬
‫ياسي‪،‬‬
‫الس ِّ‬ ‫موانع مصطنعة من نظا ِم الدَّ ولة ِّ‬ ‫َ‬ ‫حواجز‪ ،‬وال‬ ‫دون‬
‫ِ‬
‫اعتبار اإلسالم‬ ‫إن َ‬
‫هناك مساف ًة هائل ًة بين‬ ‫َّاس االجتماع َّي ِة‪َّ ..‬‬
‫َأو َأوضا ِع الن ِ‬
‫وطن بعينِه؛ فمن ح ِّقه فقط‬
‫ٍ‬ ‫ِ‬
‫واعتباره نظا ًما محل ًّيا في‬ ‫على هذا الن ِ‬
‫َّحو‪،‬‬ ‫ٰ‬
‫ِ‬
‫حدوده اإلقليم َّية!‬ ‫ِ‬
‫داخل‬ ‫َأ ْن َ‬
‫يدفع الهجو َم عليه في‬
‫ِ‬
‫احلالتني سيجاهدُ ‪،‬‬ ‫تصو ٌر‪ ..‬ولو َأ َّن اإلسال َم يف كلتا‬ ‫تصو ٌر‪َ ..‬‬
‫وذاك ُّ‬ ‫هذا ُّ‬
‫خيتلف اختال ًفا‬ ‫لبواعث هذا اجلهاد و َأهدافِه ِ‬ ‫ِ‬
‫ُ‬ ‫ونتائجه‪،‬‬ ‫َّصو َر ِّ َّ‬
‫الكل‬ ‫ولك َّن الت ُّ‬
‫ِّ‬
‫واالتاه‪.‬‬ ‫يدخل يف صمي ِم اخل َّط ِة‬
‫ُ‬ ‫ِ‬
‫االعتقاد كام‬ ‫يدخل يف صمي ِم‬ ‫ُ‬ ‫بعيدً ا‪،‬‬

‫ليس نِ ْح َل َة قو ٍم‪،‬‬ ‫حق اإلسالم َأ ْن َّ‬


‫يتحر َك ابتدا ًء‪ ..‬فاإلسال ُم َ‬ ‫إن من ِّ‬ ‫َّ‬
‫ٍ‬ ‫ٍ‬
‫منهج إله‪ ،‬ونظا ُم عا َل ٍم‪ ..‬ومن ح ِّقه َأ ْن َّ‬
‫يتحر َك‬ ‫ُ‬ ‫وطن‪ ،‬ولكنَّ ُه‬ ‫وال نظا َم‬
‫حر َّي ِة «اإلنسان»‬ ‫تغل من ِّ‬
‫الحواجز من األَ ِ‬
‫نظمة واألَوضا ِع ا َّلتي ُّ‬ ‫َ‬ ‫ليح ِّط َم‬
‫ِ‬
‫اعتناق‬ ‫كرههم على‬‫يهاجم األَفراد ل ُي َ‬ ‫االختيار‪ ،‬وحس ُبه َأنَّه ال‬‫ِ‬ ‫في‬
‫ُ‬
‫‪190‬‬
‫ِ‬
‫ثيرات‬ ‫ليحر َر األَفرا َد من ْ‬
‫التأ‬ ‫وضاع‬ ‫يهاجم األَنظم َة واألَ‬ ‫عقيدتِه‪ ،‬إنَّما‬
‫ِّ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬
‫لحر َّي ِة االختيار‪.‬‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫الفاسدة‪ ،‬المفسدة للفطرة‪ ،‬المق ِّيدة ِّ‬
‫ِ‬

‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬


‫عبادة اهلل‬ ‫َّاس» من عبادة العباد ٰ‬
‫إلى‬ ‫حق اإلسالم َأ ْن ُي َ‬
‫خرج «الن َ‬ ‫من ِّ‬
‫وتحرير الن ِ‬
‫َّاس‬ ‫َ‬ ‫وحدَ ه؛ ليح ِّق َق إعالنَه العا َّم بربوب َّي ِة اهلل للعالمي َن‪،‬‬
‫اإلسالمي وفي‬
‫ِّ‬ ‫َّصو ِر‬
‫أجمعين‪ ..‬وعباد ُة اهلل وحدَ ه ال تتح َّق ُق ـ في الت ُّ‬
‫اإلسالمي؛ فهو وحدَ ه النِّظا ُم ا َّلذي‬
‫ِّ‬ ‫العملي ـ َّإل في ِّ‬
‫ظل النِّظا ِم‬ ‫ِّ‬ ‫الواق ِع‬
‫بيضهم‪،‬‬ ‫سودهم و َأ ِ‬ ‫ومحكومهم‪َ ،‬أ ِ‬
‫ِ‬ ‫حاك ِمهم‬
‫للعباد ك ِّلهم‪ِ ،‬‬
‫ِ‬ ‫يشرع اهلل ِ‬
‫فيه‬ ‫ِّ ُ ُ‬
‫الجميع‬
‫ُ‬ ‫يخضع له‬
‫ُ‬ ‫فقيرهم وغن ِّيهم‪ ،‬تشري ًعا واحدً ا‬ ‫ودانيهم‪ِ ،‬‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫قاصيهم‬
‫َّاس العبا َد؛ ألَنَّهم يتل َّق َ‬ ‫ِ‬ ‫على الس ِ‬
‫واء‪َ ..‬أ َّما في ِ‬
‫ون‬ ‫سائر األَنظمة‪ ،‬فيعبدُ الن ُ‬ ‫َّ‬
‫بشر‬‫خصائص األُلوه َّي ِة‪َ ،‬فأ ُّيما ٍ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫العباد‪ ،‬وهو من‬ ‫َّشريع لحياتَهم من‬
‫َ‬ ‫الت‬
‫نفسه؛ فقد ا َّدعى األُلوه َّية‬ ‫عند ِ‬‫َّاس من ِ‬ ‫لطان التَّشري ِع للن ِ‬ ‫ادعى ِ‬
‫لنفسه ُس َ‬ ‫َّ ٰ‬
‫قول َأم لم يعل ْن هذا اال ِّدعاء‪ .‬و َأ ُّيما‬ ‫وعمل‪ ،‬سوا ٌء ا َّدعاها ً‬ ‫ً‬ ‫اختصاصا‬
‫ً‬
‫بحق‬ ‫اعترف له ِّ‬‫َ‬ ‫الحق‪ ،‬فقد‬‫ِّ‬ ‫البشر بذلك‬ ‫ِ‬ ‫اعترف لذلك‬ ‫َ‬ ‫آخر‬
‫بشر َ‬ ‫ٍ‬
‫ِ‬
‫سماها باسمها َأم لم ُي َس ِّمها!‬ ‫األُلوه َّية‪ ،‬سوا ٌء َّ‬
‫ِ‬
‫بوسيلة‬ ‫قنع بإبال ِغ عقيدتِه للن ِ‬
‫َّاس‬ ‫ٍ‬
‫مجر َد عقيدة‪ ،‬حت َّٰى َي َ‬ ‫ليس َّ‬ ‫واإلسال ُم َ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫لتحرير‬ ‫يزحف‬
‫ُ‬ ‫حركي‬
‫ٍّ‬ ‫تنظيمي‬
‫ٍّ‬ ‫منهج يتم َّث ُل في ُّ‬
‫تجم ٍع‬ ‫ٌ‬ ‫البيان‪ ..‬إنَّما هو‬
‫وفق‬ ‫حياة رعاياها َ‬ ‫عات األُخرى ال تمكِّنه من تنظي ِم ِ‬ ‫َّجم ُ‬ ‫كل الن ِ‬ ‫ِّ‬
‫ُ‬ ‫ٰ‬ ‫َّاس‪ ،‬والت ُّ‬
‫بوصفها‬ ‫ِ‬ ‫يزيل هذه األَنظم َة‬
‫منهجه هو‪ ،‬ومن َث َّم يتحت َُّم على اإلسالم َأن َ‬
‫َ‬
‫يكون الدِّ ي ُن‬ ‫معنى َأن‬ ‫َّحرير العا ِّم‪ ،‬وهذا ـ كما قلنا من ُ‬ ‫قات للت ِ‬ ‫معو ٍ‬
‫قبل ـ ٰ‬ ‫ِّ‬
‫‪191‬‬

‫العباد لذاتِه‪ ،‬كما هو‬


‫ِ‬ ‫لعبد من‬‫تكون هناك دينون ٌة وال طاع ٌة ٍ‬ ‫َ‬ ‫ك ُّل ُه هلل؛ فال‬
‫ِ‬ ‫على عبود َّي ِة‬ ‫ِ‬ ‫الش ْأ ُن في ِ‬
‫العباد للعباد!‬ ‫سائر األَنظمة ا َّلتي تقو ُم ٰ‬ ‫َّ‬

‫ليس لإلكراِه على ِّ‬


‫الدين‪:‬‬ ‫اجلها ُد َ‬
‫ِ‬
‫ضغط‬ ‫تحت‬
‫َ‬ ‫َّ‬
‫إن الباحثي َن اإلسالم ِّيي َن المعاصري َن المهزومي َن‬
‫يتحر َ‬
‫جون‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫الواق ِع‬
‫الماكر‪َّ ،‬‬ ‫االستشراقي‬
‫ِّ‬ ‫ضغط الهجوم‬ ‫وتحت‬
‫َ‬ ‫الحاضر‪،‬‬
‫صوروا اإلسال َم حرك َة ٍ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫قهر‬ ‫تلك الحقيقة؛ ألَ َّن المستشرقي َن َّ‬ ‫تقرير َ‬ ‫من‬
‫يعرفون ج ِّيدً ا َأ َّن‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫والمستشرقون الخبثا ُء‬ ‫ِ‬
‫لإلكراه على العقيدة‪،‬‬ ‫بالس ِ‬
‫يف‬ ‫َّ‬
‫اإلسالمي‬
‫ِّ‬ ‫بواعث الجهاد‬ ‫َ‬ ‫يشو َ‬
‫هون‬ ‫ليست هي الحقيق َة‪ ،‬لكنَّهم ِّ‬ ‫ْ‬ ‫هذه‬
‫ِ‬
‫سمعة‬ ‫َ‬
‫المهزومون ـ عن‬ ‫َ‬
‫المنافحون ـ‬ ‫بهذه ال َّط ِ‬
‫ريقة‪ ..‬ومن َث َّم يقو ُم‬
‫رات الدِّ فاع َّي ِة!‬
‫س المبر ِ‬
‫ِّ‬ ‫تلم ِ‬
‫إلى ُّ‬ ‫َ‬
‫فيلجؤون ٰ‬ ‫بنفي هذا االتِّها ِم‪،‬‬
‫اإلسالم ِ‬
‫«تحرير اإلنسان» ابتدا ًء‪.‬‬ ‫ِ‬ ‫طبيعة اإلسالم ووظيفتِه‪ ،‬وح ِّقه في‬ ‫ِ‬ ‫َ‬
‫ويغفلون عن‬

‫املهزومني ـ ذلك‬
‫َ‬ ‫ني ـ‬ ‫الباحثني العرص ِّي َ‬
‫َ‬ ‫وقد َغ َّش ٰى عىل َأ ِ‬
‫فكار‬ ‫ٰ‬
‫الض ِ‬
‫مري‪ ،‬ال‬ ‫جمر ُد «عقيدة ٍ» يف َّ‬ ‫ِ‬
‫لطبيعة «الدِّ ين»‪َ ..‬‬
‫وأنَّه َّ‬ ‫الغريب‬
‫ُّ‬ ‫َّصو ُر‬
‫الت ُّ‬
‫يكون اجلها ُد للدِّ ِ‬
‫ين‪ ،‬جها ًدا‬ ‫ُ‬ ‫ِ‬
‫للحياة‪ ،‬ومن َث َّم‬ ‫شأ َن هلا باألَ ِ‬
‫نظمة الواقع َّية‬ ‫ْ‬
‫الضمري!‬ ‫لفرض العقيدة عىل َّ‬‫ِ‬
‫ِ‬
‫للحياة‬ ‫منهج اهلل‬
‫ُ‬ ‫ليس كذلك في اإلسالم؛ فاإلسال ُم‬ ‫مر َ‬ ‫لك َّن األَ َ‬
‫إفراد اهلل وحدَ ه باألُلوه َّي ِة ـ متم ِّثل ًة في‬
‫ِ‬ ‫على‬
‫منهج يقو ُم ٰ‬ ‫ٌ‬ ‫البشر َّي ِة‪ ،‬وهو‬
‫بكل تفصيالتِها اليوم َّي ِة! فالجها ُد له‬ ‫الحاكم َّي ِة ـ وين ِّظ ُم الحيا َة الواقع َّي َة ِّ‬
‫‪192‬‬

‫حر َّي ِة‬


‫إلى ِّ‬ ‫ٌ‬
‫موكول ٰ‬ ‫مر‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫لتقرير المنهج وإقامة النِّظا ِم‪َ ،‬أ َّما العقيد ُة َفأ ٌ‬ ‫جها ٌد‬
‫ِ‬ ‫االقتنا ِع في ِّ‬
‫ثم‬‫ظل النِّظا ِم العا ِّم‪ ..‬بعد رف ِع جمي ِع المؤ ِّثرات‪ ..‬ومن َّ‬
‫وتصبح له صور ٌة جديد ٌة كامل ٌة‪.‬‬ ‫ُ‬ ‫يختلف األَ ُ‬
‫مر من َأساسه‪،‬‬ ‫ُ‬

‫اإللهي‪،‬‬ ‫المنهج‬ ‫اإلسالمي‪ ،‬ا َّلذي يتم َّث ُل فيه‬ ‫َّجم ُع‬ ‫ِ‬
‫ُّ‬ ‫ُ‬ ‫ُّ‬ ‫وحيثما وجدَ الت ُّ‬
‫ِ‬
‫وتقرير النِّظا ِم‪،‬‬ ‫واالنطالق لتس ُّلم الس ِ‬
‫لطان‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫الحركة‬ ‫حق‬‫يمنحه َّ‬ ‫هلل‬ ‫َّ‬
‫ُّ‬ ‫ُ‬ ‫فإن ا َ‬
‫هلل َأيدي‬‫كف ا ُ‬
‫ِ‬
‫الوجدان‪ ،‬فإذا َّ‬ ‫لحر َّي ِة‬ ‫ِ‬
‫مسألة العقيدة الوجدان َّية ِّ‬
‫ترك َ ِ‬
‫مع ِ‬

‫مسأل ُة مبدأٍ‪،‬‬
‫مسأل ُة ِخ َّط ٍة ال َ‬
‫الجماعة المسلمة فتر ًة عن الجهاد؛ فهذه َ‬ ‫ِ‬

‫ِ‬
‫الواضح‬ ‫وعلى هذا األَساس‬ ‫ٍ‬
‫عقيدة‪،‬‬ ‫مسأل ُة‬ ‫ِ‬
‫الحركة ال َ‬ ‫ِ‬
‫مقتضيات‬ ‫َ‬
‫مسأل ُة‬
‫ٰ‬
‫المراحل التَّاريخ َّي ِة‬
‫ِ‬ ‫ُّصوص القرآن َّي َة المتعدِّ دةَ‪ ،‬في‬
‫َ‬ ‫نفهم الن‬
‫َ‬ ‫يمك ُن َأ ْن‬
‫ِّ‬
‫لخط‬ ‫اللة العا َّم ِة‬
‫نخلط بين داللتِها المرحلي ِة‪ ،‬والدَّ ِ‬
‫َّ‬ ‫َ‬ ‫المتجدِّ ِ‬
‫دة‪ ،‬وال‬
‫ويل‪.‬‬ ‫الحركة اإلسالمية ال َّث ِ‬
‫ابت ال َّط ِ‬ ‫ِ‬
‫َّ‬
‫(‪)1‬‬

‫كن األَ َّو ِل في العقيدة اإلسالم َّية‪،‬‬ ‫الر ِ‬ ‫شطر ُّ‬


‫ُ‬ ‫العبود َّي ُة هلل وحدَ ُه هي‬
‫ول اهلل ﷺ ـ في كيف َّي ِة‬ ‫ِ‬
‫شهادة‪َ :‬أن َل إل َه َّإل اهلل‪ ،‬والتَّل ِّقي عن رس ِ‬
‫ُ‬ ‫المتم ِّث ُل في‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ول اهلل‪.‬‬ ‫شطرها ال َّثاني‪ ،‬المتم ِّث ُل في شهادة َأ َّن َّ‬
‫محمدً ا َر ُس ُ‬ ‫هذه العبود َّية ـ هو ُ‬
‫كل‬ ‫بشطريها؛ ألَ َّن َّ‬ ‫والقلب المؤمن المسلم هو ا َّلذي تتم َّث ُل فيه ِ‬
‫هذه القاعد ُة‬
‫َ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬
‫مقتضى لها‪.‬‬ ‫ركان اإلسالم‪ ،‬إنَّما هو‬‫اإليمان‪ ،‬و َأ ِ‬
‫ِ‬ ‫ما بعدَ ها من مقو ِ‬
‫مات‬
‫ً‬ ‫ِّ‬
‫ِ‬
‫والقدر‬ ‫ِ‬
‫اآلخر‪،‬‬ ‫ورسله‪ ،‬واليو ِم‬‫ِ‬ ‫اهلل‪ ،‬وكتبِه‪،‬‬ ‫ِ‬ ‫ُ‬
‫فاإليمان بمالئكة ِ‬
‫ثم الحدو ُد‬ ‫والحج‪َّ ،‬‬
‫ُّ‬ ‫والصيا ُم‪،‬‬
‫والزكاةُ‪ِّ ،‬‬
‫الصالةُ‪َّ ،‬‬‫وشره‪ ،‬وكذلك َّ‬ ‫خيره ِّ‬ ‫ِ‬
‫ِ‬
‫َّوجيهات‬
‫ُ‬ ‫َّشريعات‪ ،‬والت‬
‫ُ‬ ‫والمعامالت والت‬
‫ُ‬ ‫َّعازير‪ ،‬والح ُّل ُ‬
‫والحرم ُة‪،‬‬ ‫والت ُ‬
‫قاعدة العبود َّي ِة هلل وحدَ ُه‪ ،‬كما َأ َّن‬‫ِ‬
‫اإلسالم َّي ُة‪ ..‬إنَّما تقو ُم ك ُّلها ٰ‬
‫على‬
‫ُ‬
‫رسول اهلل ﷺ عن ر ِّبه‪.‬‬ ‫المرجع فيها ك ِّلها هو ما ب َّلغ ُه لنا‬
‫َ‬
‫ومقتضياتا‬
‫ُ‬ ‫املسلم هو ا َّلذي تتم َّث ُل فيه َ‬
‫تلك القاعد ُة‬ ‫ُ‬ ‫واملجتمع‬
‫ُ‬
‫مسلم‪.‬‬ ‫ُ‬
‫يكون‬ ‫ِ‬
‫ومقتضياتا فيه ال‬ ‫مجي ًعا؛ ألَنَّه بغري َت َ ُّث ِل َ‬
‫تلك القاعدة‬
‫ً‬

‫الم َحدِّ ث ناصر الدِّ ين َاأللباني ‪ ‬عن هذا الفصل‪( :‬هناك ٌ‬


‫فصل ق ِّيم جدًّ ا‬ ‫((( قال شيخنا العلَّمة ُ‬
‫في كتاب «معالم في الطريق» َأظ ُّن عنوانه‪« :‬ال إله َّإل اهلل منهج حياة» و َأنا َأعتقد َأ َّن العنوان‬
‫السلفيين ما تبنَّوا معناه‪ .)...‬انظر ما تقدم‪ ،‬ص ‪ 63‬من هذا الكتاب‪.‬‬
‫كثير من إخواننا َّ‬
‫هذا ٌ‬
‫‪194‬‬

‫ني‪:‬‬ ‫مكانة َّ‬


‫الش َ‬ ‫ُ‬
‫هادت ِ‬

‫رس ُ‬
‫ول اهلل؛‬ ‫محمدً ا ُ‬
‫َّ‬ ‫هلل‪ ،‬و َأ َّن‬
‫تصبح شهاد ُة َأن َل إل َه َّإل ا ُ‬
‫ُ‬ ‫ثم‬
‫ومن َّ‬
‫ِ‬
‫بحذافيرها‪ ،‬فال تقو ُم‬ ‫كامل تقو ُم عليه حيا ُة األُ َّمة المسلمة‬
‫ٍ‬ ‫ٍ‬
‫لمنهج‬ ‫قاعد ًة‬
‫تكون حياة إسالم َّي ًة‬
‫ُ‬ ‫هذه الحيا ُة َقبل َأن تقو َم هذه القاعدةُ‪ ،‬كما َأنَّها ال‬
‫خرى معها‪َ ،‬أو‬ ‫ٍ‬ ‫ِ‬ ‫قامت على ِ ِ‬
‫على قاعدة ُأ ٰ‬
‫غير هذه القاعدة‪َ ،‬أو قامت ٰ‬ ‫ٰ‬ ‫ْ‬ ‫إذا‬
‫عدَّ ِة قواعدَ َأجنب َّي ٍة عنها‪:‬‬

‫﴿ﮈ ﮉ ﮊ ﮋﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑﮒ ﮓ ﮔ ﮕ﴾ [يوسف‪.]40 :‬‬

‫و﴿ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ﴾ [النساء‪.]80 :‬‬


‫۞۞۞‬
‫ِ‬
‫الفصل‬ ‫ِ‬
‫كلمة‬ ‫ِ‬
‫حتديد‬ ‫احلاسم يفيدُ نا يف‬ ‫املطلق‬ ‫املوجز‬ ‫َّقرير‬
‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫* هذا الت ُ‬
‫حقيقة هذا الدِّ ين‪ ،‬ويف حركتِه الواقع َّية كذلك‪:‬‬
‫ِ‬ ‫يف قضايا َأساس َّي ٍة يف‬
‫ِ‬
‫«طبيعة املجتمع املسلم»‪.‬‬ ‫ِ‬
‫حتديد‬ ‫إنَّه ُيفيدُ نا َأ َّو ًل‪ :‬يف‬
‫ِ‬
‫حتديد «منهج املجتمع املسلم»‪.‬‬ ‫ويفيدُ نا ثان ًيا‪ :‬يف‬
‫ِ‬
‫املجتمعات‬ ‫ِ‬
‫مواجهة‬ ‫ِ‬
‫حتديد «منهج اإلسالم يف‬ ‫ويفيدُ نا ثال ًثا‪ :‬يف‬
‫اجلاهل َّية»‪.‬‬
‫ِ‬
‫مواجهة واقع احلياة‬ ‫ِ‬
‫حتديد «منهج اإلسالم يف‬ ‫ويفيدُ نا راب ًعا‪ :‬يف‬
‫البرش َّية»‪.‬‬
‫‪195‬‬
‫ِ‬
‫احلركة اإلسالم َّية‬ ‫ِ‬
‫اخلطورة يف منهج‬ ‫وهي قضايا َأساس َّي ٌة بالغ ُة‬
‫قديم وحدي ًثا‪.‬‬
‫ً‬
‫۞۞۞‬
‫املسلم‪:‬‬ ‫العبودي ُة هلل ُ‬
‫أساس اجملتمع ِ‬ ‫َّ‬

‫لطبيعة «المجتمع المسلم» هي َأ َّن‬ ‫ِ‬ ‫السم َة األُولى المم ِّيز َة‬ ‫َّ‬
‫إن ِّ‬
‫قاعدة العبود َّي ِة هلل وحدَ ُه في َأ ِ‬
‫مره ك ِّله‪..‬‬ ‫ِ‬ ‫على‬
‫المجتمع يقو ُم ٰ‬
‫َ‬ ‫هذا‬
‫هذه العبود َّي ُة ا َّلتي تم ِّث ُلها و ُت َك ِّي ُفها شهاد ُة َأن ال إله َّإل اهلل‪ ،‬و َأ َّن‬
‫ُ‬
‫رسول اهلل‪.‬‬ ‫محمدً ا‬
‫َّ‬
‫الش ِ‬
‫عائر‬ ‫االعتقادي‪ ،‬كام تتم َّث ُل يف َّ‬
‫ِّ‬ ‫َّصو ِر‬
‫وتتم َّث ُل هذه العبود َّي ُة يف الت ُّ‬
‫الشائ ِع القانون َّي ِة سوا ًء‪.‬‬‫التَّع ُّبد َّية‪ ،‬كام تتم َّث ُل يف َّ‬

‫فليس عبدً ا هلل من ال يعتقدُ بوحدان َّي ِة اهلل سبحانه‪﴿ :‬ﯞ ﯟ ﯠ‬


‫ﯡ ﯢ ﯣﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨﯩ ﯪ ﯫ * ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ‬
‫ﯳ ﯴﯵ ﯶ ﯷ ﯸ﴾ [النحل‪ 51 :‬ـ ‪.]52‬‬
‫حد ِ‬
‫غري اهلل ـ‬ ‫عائر التَّعبدي ِة ألَ ٍ‬
‫بالش ِ‬
‫وليس عبدً ا هلل وحدَ ُه َمن يتقدَّ ُم َّ‬
‫ُّ َّ‬
‫م َعه َأو من دونِه ـ ‪﴿:‬ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ *‬
‫ﯝ ﯞ ﯟﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ﴾ [األَنعام‪ 162 :‬ـ ‪.]163‬‬
‫َ ٍ‬
‫رائع القانون َّي َة من أحد سوى ِ‬
‫اهلل‪،‬‬ ‫الش َ‬ ‫ليس عبدً ا هلل وحدَ ُه َمن يتل َّقى َّ‬
‫سول ﷺ‪﴿ :‬ﮭ ﮮ ﮯ‬ ‫الر ُ‬‫هلل به‪ ،‬وهو َّ‬ ‫عن ال َّط ِ‬
‫ريق ا َّلذي ب َّلغنا ا ُ‬
‫‪196‬‬

‫ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ﴾ [الشورى‪.]21 :‬‬

‫﴿ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ﴾ [احلرش‪.]7 :‬‬

‫المجتمع ا َّلذي تتم َّث ُل فيه العبود َّي ُة هلل وحدَ ُه‬
‫ُ‬ ‫المسلم‪،‬‬
‫ُ‬ ‫المجتمع‬
‫ُ‬ ‫هذا هو‬
‫شعائرهم وعباداتِهم‪ ،‬كما‬ ‫ِ‬ ‫وتصوراتِهم‪ ،‬كما تتم َّث ُل في‬ ‫ُّ‬
‫معتقدات َأ ِ‬
‫فراده‬ ‫ِ‬ ‫في‬
‫ِ‬
‫الجوانب‬ ‫جانب من هذه‬ ‫ٍ‬ ‫الجماعي وتشريعاتِهم‪ ..‬و َأ ُّيما‬ ‫ِّ‬
‫تتم َّث ُل في ِ‬
‫نظامهم‬
‫ف ركنِه‬‫الوجود‪ ،‬لِتَخ ُّل ِ‬
‫ِ‬ ‫نفسه عن‬ ‫ف اإلسال ُم ُ‬
‫ِ‬
‫الوجود؛ فقد تخ َّل َ‬ ‫ف عن‬ ‫َخ َّل َ‬
‫ت َ‬
‫ِ‬
‫ُ‬
‫رسول اهلل‪.‬‬ ‫محمدً ا‬ ‫األَ َّول‪ ،‬وهو شهاد ُة َأن َل إل َه َّإل اهلل‪ ،‬و َأ َّن َّ‬
‫فيحسن‬
‫ُ‬ ‫االعتقادي»‪..‬‬
‫ِّ‬ ‫َّصو ِر‬
‫إن العبود َّي َة هلل تتم َّث ُل في «الت ُّ‬ ‫ولقد قلنا‪َّ :‬‬
‫َّصور ا َّلذي َ‬
‫ينشأ‬ ‫اإلسالمي‪ ..‬إنَّه الت ُّ‬‫ُّ‬ ‫االعتقادي‬
‫ُّ‬ ‫َّصو ُر‬
‫نقول ما هو الت ُّ‬ ‫َأن َ‬
‫اني‪،‬‬ ‫الر َّب ِّ‬
‫مصدرها َّ‬ ‫ِ‬ ‫لحقائق العقيدة من‬ ‫ِ‬ ‫البشري‪ ،‬من تل ِّق ِيه‬ ‫ِّ‬ ‫في اإلدراك‬
‫الكون ا َّلذي‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ولحقيقة‬ ‫لحقيقة ر ِّبه‪،‬‬ ‫ِ‬ ‫اإلنسان في إدراكِه‬ ‫ُ‬ ‫وا َّلذي يتك َّي ُ‬
‫ف به‬
‫ينتسب إليها ـ غيبِها‬ ‫الحياة ا َّلتي‬‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ولحقيقة‬ ‫وش ِ‬
‫هوده ـ‬ ‫يعيش فيه ـ غيبِه ُ‬ ‫ُ‬
‫ُ‬
‫ف‬ ‫ثم ُي َك ِّي ُ‬ ‫ِ ِ‬ ‫ِ‬ ‫نفسه‪َ ..‬أي‪:‬‬ ‫ولحقيقة ِ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫اإلنسان ذاته‪َّ ..‬‬ ‫لحقيقة‬ ‫وشهودها ـ‬
‫تعامل‬‫ً‬ ‫الحقائق جمي ًعا؛ تعام َله مع ر ِّبه‬ ‫ِ‬ ‫على َأساسه تعام َله مع ِ‬
‫هذه‬ ‫ٰ‬
‫ونواميسه ومع األَ ِ‬
‫حياء‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫الكون‬ ‫تتم َّث ُل فيه عبود َّيتُه هلل وحدَ ُه‪ ،‬وتعام َله مع‬
‫تعامل يستمدُّ ُأصو َله‬ ‫ً‬ ‫البشري وتشكيالتِه‪،‬‬ ‫ِّ‬ ‫فراد النَّو ِع‬‫وعوالِمها‪ ،‬ومع َأ ِ‬

‫رسول اهلل ﷺ ـ تحقي ًقا لعبود َّي ِته هلل وحدَ ُه في‬ ‫ُ‬ ‫دين اهلل ـ كما ب َّلغها‬ ‫من ِ‬
‫ِ‬
‫الحياة ك َّله‪.‬‬ ‫َ‬
‫نشاط‬ ‫ُ‬
‫يشمل‬ ‫َّعامل‪ ..‬وهو بهذه الص ِ‬
‫ورة‬ ‫هذا الت ِ‬
‫ُّ‬
‫۞۞۞‬
‫‪197‬‬

‫املسلم؟‬
‫ُ‬ ‫ُ‬
‫اجملتمع‬ ‫كيف ُ‬
‫ينشأ‬
‫ُ‬
‫ينشأ هذا‬ ‫َ‬
‫فكيف‬ ‫المسلم»‬
‫ُ‬ ‫«المجتمع‬
‫ُ‬ ‫تقر َر َأ َّن هذا هو‬
‫فإذا َّ‬
‫منهج هذه النَّشأة؟‬
‫ُ‬ ‫المجتمع؟ ما‬
‫ُ‬
‫تقر ُر َأ َّن‬ ‫تنشأ جماع ٌة من الن ِ‬
‫َّاس ِّ‬ ‫المجتمع ال يقو ُم حت َّٰى َ‬ ‫َ‬ ‫َّ‬
‫إن هذا‬
‫لغير اهلل‪ ..‬ال تَدي ُن‬ ‫عبود َّيتَها الكامل َة هلل وحدَ ُه‪ ،‬و َأنَّها ال ت َِدي ُن بالعبود َّي ِة ِ‬
‫لغير اهلل في‬ ‫َّصو ِر‪ ،‬وال تَدي ُن بالعبود َّي ِة ِ‬ ‫ِ‬
‫لغير اهلل في االعتقاد والت ُّ‬ ‫بالعبود َّي ِة ِ‬
‫ثم‬ ‫والشرائعِ‪َّ ..‬‬ ‫والشعائر‪ ..‬وال تَدي ُن بالعبود َّي ِة ِ‬
‫لغير اهلل في النِّظا ِم َّ‬ ‫ِ‬
‫العبادات َّ‬
‫ِ‬ ‫على َأساس هذه العبود َّي ِة‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ْتأ ُ‬
‫الخالصة‪..‬‬ ‫بالفعل في تنظي ِم حياتها ك ِّلها ٰ‬ ‫خذ‬
‫غير اهلل ـ معه َأو دونه ـ وتن ِّقي‬ ‫حد ِ‬ ‫االعتقاد في ُألوهي ِة َأ ٍ‬
‫ِ‬ ‫ضمائرها من‬ ‫تن ِّقي‬
‫َّ‬ ‫َ‬
‫غير اهلل؛ معه َأو ِمن دونِه‪.‬‬ ‫حد ِ‬ ‫شعائرها من التَّل ِّقي عن َأ ٍ‬
‫َ‬
‫ُ‬
‫ويكون هذا‬ ‫تكون هذه اجلامع ُة مسلم ًة‪،‬‬ ‫ُ‬ ‫ٍ‬
‫وعندئذ فقط ـ‬ ‫ٍ‬
‫عندئذ ـ‬
‫َّاس‬ ‫ناس من الن ِ‬
‫يقر َر ٌ‬‫مسلم كذلك‪َ ..‬فأ َّما ق ْب َل َأ ْن ِّ‬ ‫ً‬ ‫املجتمع ا َّلذي َأقامتْه‬
‫ُ‬
‫َ‬
‫يكونون‬ ‫فإنم ال‬ ‫َّحو ا َّلذي تقدَّ م ـ َّ‬ ‫إخالص عبود َّيتِهم هلل ـ عىل الن ِ‬ ‫َ‬
‫ُ‬
‫يكون‬ ‫عىل هذا األَساس فال‬ ‫حياتم ٰ‬ ‫َ‬ ‫قبل َأن ين ِّظموا‬ ‫مسلمني‪ ..‬و َأ َّما َ‬
‫َ‬
‫مسلم‪ ..‬ذلك َأ َّن القاعد َة األُوىل ا َّلتي يقو ُم عليها اإلسال ُم‪،‬‬ ‫ً‬ ‫جمتم ُعهم‬
‫املسلم ـ هي شهاد ُة َأن َل إل َه َّإل اهلل‪ ،‬و َأ َّن‬
‫ُ‬ ‫املجتمع‬
‫ُ‬ ‫وا َّلتي يقو ُم عليها‬
‫(‪)1‬‬
‫بشطرهيا‪..‬‬
‫َ‬ ‫تقم‬ ‫رس ُ‬
‫ول اهلل ـ مل ْ‬ ‫حممدً ا ُ‬
‫َّ‬
‫نشأ ِة المجتمع المسل ِم‪ ..‬كما َ‬
‫نشأ في غربته‬ ‫وشروط َ‬
‫َ‬ ‫يصف س ِّيد ُق ُطب ‪ ‬قواعدَ‬
‫ُ‬ ‫((( تنبيه‪ :‬هنا‬
‫ُ‬
‫واضح في األصول بين‬
‫ٌ‬ ‫ُ‬ ‫ِ‬
‫إلى تكفير المجتمعات! والفرق‬ ‫ف كالمه هذا ٰ‬ ‫األُ ٰ‬
‫ولى‪ ،‬وال ُي ْص َر ُ‬
‫ِ‬
‫الشيء‪ ،‬وبين إنزالِه للواق ِع َأو للمع َّين!‬
‫صل َّ‬ ‫ِ‬
‫بيان حك ِم َأ ِ‬
‫‪198‬‬
‫ِ‬
‫وإقامة‬ ‫إسالمي‪،‬‬ ‫اجتماعي‬ ‫ِ‬
‫إقامة نظا ٍم‬ ‫قبل الت ِ‬
‫َّفكير في‬ ‫وإذن فإنَّه َ‬
‫ٍّ‬ ‫ٍّ‬
‫على َأساس هذا النِّظامِ‪ ..‬ينبغي َأ ْن يتَّج َه االهتما ُم َأ َّو ًل‬ ‫مجتم ٍع مسل ٍم ٰ‬
‫ٍ‬ ‫فراد من العبود َّي ِة ِ‬
‫ضمائر األَ ِ‬
‫صورة من‬ ‫لغير اهلل ـ في َأ ِّ‬
‫ي‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫تخليص‬ ‫إلى‬
‫ٰ‬
‫ضمائرهم‬ ‫ُ‬ ‫يجتمع األَفرا ُد ا َّلذين تخ َّلصت‬
‫َ‬ ‫وأ ْن‬ ‫ِ‬
‫صورها ا َّلتي َأسلفنا ـ َ‬
‫ٍ‬
‫جماعة مسلمة‪..‬‬ ‫من العبود َّي ِة ِ‬
‫لغير اهلل في‬
‫فرادها من العبود َّية‬ ‫خلصت ضمائر َأ ِ‬ ‫ْ‬ ‫وهذه الجماع ُة ا َّلتي‬
‫ُ‬
‫المجتمع‬
‫ُ‬ ‫ُ‬
‫ينشأ منها‬ ‫لغير اهلل‪ ..‬اعتقا ًدا وعباد ًة وشريع ًة؛ هي ا َّلتي‬ ‫ِ‬
‫يعيش في هذا المجتمع بعقيدتِه‬ ‫وينضم إليها من يريدُ َأ ْن َ‬ ‫ُّ‬ ‫المسلم‪،‬‬
‫ُ‬
‫آخر‬ ‫ٍ‬
‫بتعبير َ‬ ‫وعبادتِه وشريعتِه‪ ،‬ا َّلتي تتم َّث ُل فيها العبود َّي ُة هلل وحدَ ُه‪َ ..‬أو‬
‫ول اهلل‪.‬‬ ‫رس ُ‬
‫محمدً ا ُ‬‫تتم َّث ُل فيها شهاد ُة َأن َل إل َه َّإل اهلل‪ ،‬و َأ َّن َّ‬
‫الجماعة المسلمة األُولــى‪ ،‬ا َّلتي َأ ِ‬
‫قامت‬ ‫ِ‬ ‫كانت نشأ ُة‬ ‫ْ‬ ‫وهكذا‬
‫ٍ‬
‫مسلمة‪،‬‬ ‫ٍ‬
‫جماعة‬ ‫كل‬‫تكون نشأ ُة ِّ‬
‫ُ‬ ‫المسلم األَ َّو َل‪ ..‬وهكذا‬ ‫المجتمع‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫وهكذا يقو ُم ُّ‬
‫كل مجتم ٍع مسلم‪.‬‬
‫ٍ‬
‫ومجموعات من‬ ‫انتقال َأ ٍ‬
‫فراد‬ ‫ِ‬ ‫المسلم إنَّما ُ‬
‫ينشأ من‬ ‫المجتمع‬ ‫َّ‬
‫إن‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫لغير اهلل ـ معه َأو من دونه ـ إلى العبود َّي ِة هلل وحدَ ُه‬ ‫َّاس من العبود َّي ِة ِ‬ ‫الن ِ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ٍ‬
‫على‬
‫تقيم نظا َم حياتها ٰ‬ ‫تقرير هذه المجموعات َأ ْن َ‬ ‫ثم من‬‫بال شريك‪َّ ،‬‬
‫ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫مشتق‬
‫ٍّ‬ ‫جديد‪،‬‬ ‫يتم ميال ٌد جديدٌ لمجتم ٍع‬ ‫َأساس هذه العبود َّية‪ ..‬وعندئذ ُّ‬
‫ِ‬
‫للحياة‬ ‫جديدة‪ ،‬ونظا ٍم‬‫ٍ‬ ‫ٍ‬
‫بعقيدة‬ ‫ٍ‬
‫ومواجه له‬ ‫الجاهلي القدي ِم‪،‬‬ ‫من المجتمع‬
‫ِّ‬
‫هذه العقيدة‪ ،‬وتتم َّث ُل فيه قاعد ُة اإلسالم‬ ‫جديد‪ ،‬يقوم على َأساس ِ‬ ‫ٍ‬
‫ٰ‬ ‫ُ‬
‫ِ‬
‫رسول اهلل‪..‬‬ ‫بشطر ْيه‪ ..‬شهادة َأن َل إل َه َّإل اهلل‪ ،‬و َأ َّن َّ‬
‫محمدً ا ُ‬ ‫َ‬ ‫ولى‬‫األُ ٰ‬
‫‪199‬‬

‫اإلسالمي‬ ‫بكامله إىل املجتمع‬‫ِ‬ ‫القديم‬ ‫اجلاهيل‬ ‫املجتمع‬ ‫ينضم‬ ‫وقد‬


‫ِّ‬ ‫ُ‬ ‫ُّ‬ ‫ُ‬ ‫ُّ‬
‫اإلسالمي َأو حيار ُبه‪ ..‬وإن‬ ‫املجتمع‬ ‫ينضم‪ ،‬كام َأنَّه قد ُي ُ‬
‫ادن‬ ‫ِ‬
‫اجلديد وقد ال‬
‫َّ‬ ‫َ‬ ‫ُّ‬
‫اجلاهيل حر ًبا ال هواد َة فيها‪ ،‬سوا ٌء‬ ‫املجتمع‬ ‫جرت َبأ ْن يش َّن‬ ‫السنَّة قد‬ ‫ِ‬
‫ُّ‬ ‫ُ‬ ‫ْ‬ ‫كانت ُّ‬
‫جمموعات ـ َأو‬
‫ٌ‬ ‫نشوئه ـ وهو َأفرا ٌد َأو‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫مرحلة‬ ‫عىل طالئ ِع هذا املجتمع يف‬ ‫ٰ‬
‫تاريخ الدَّ عوةِ‬
‫ِ‬ ‫َ‬
‫حدث يف‬ ‫فعل‪ ،‬وهو ما‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫عىل هذا املجتمع نفسه بعد قيامه ً‬ ‫ٰ‬
‫والسال ُم ـ ِ‬
‫بغري استثناء‪.‬‬ ‫ٍ‬ ‫منذ ٍ‬ ‫اإلسالم َّية ُ‬
‫الصال ُة َّ‬ ‫حممد ـ عليه َّ‬ ‫نوح ‪ ‬إ ٰىل َّ‬
‫يتقر ُر وجو ُده؛ َّإل‬ ‫املسلم اجلديدَ ال ُ‬
‫ينشأ‪ ،‬وال َّ‬ ‫َ‬ ‫املجتمع‬
‫َ‬ ‫وطبيعي َأ َّن‬
‫ٌّ‬
‫قو ِة‬ ‫اجلاهيل القدي ِم‪َّ ،‬‬
‫ِّ‬ ‫ضغط املجتمع‬ ‫َ‬ ‫القو ِة يواج ُه هبا‬‫بلغ درج ًة من َّ‬ ‫إذا َ‬
‫ِ‬ ‫وقو ِة التنظي ِم‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫والبناء‬ ‫وقوة اخلُ ُلق والبناء الن ِّ‬
‫َّفيس‪َّ ،‬‬ ‫َّصو ِر‪َّ ،‬‬
‫االعتقاد والت ُّ‬
‫اجلاهيل‬
‫ِّ‬ ‫ضغط املجتمع‬ ‫َ‬ ‫القو ِة ا َّلتي يواج ُه هبا‬
‫وسائر َأنوا ِع َّ‬ ‫ِ‬ ‫اجلامعي‪،‬‬
‫ِّ‬
‫قل يصمدُ له!‬ ‫عليه‪َ ،‬أو عىل األَ ِّ‬ ‫ويتغ َّلب ِ‬
‫ُ‬
‫۞۞۞‬
‫اجلاهلي‪ ،‬ومنهج اإلسالم يف مواجهته‪:‬‬
‫ُّ‬ ‫ُ‬
‫اجملتمع‬

‫منهج اإلسالم في‬


‫ُ‬ ‫الجاهلي»؟ وما هو‬
‫ُّ‬ ‫«المجتمع‬
‫ُ‬ ‫ولكن ما هو‬
‫ْ‬
‫مواجهتِه؟‬

‫غير المجتمع المسلمِ! وإذا‬ ‫كل مجتم ٍع ِ‬ ‫الجاهلي‪ :‬هو ُّ‬ ‫َّ‬ ‫المجتمع‬
‫َ‬ ‫إن‬
‫َّ‬
‫كل مجتم ٍع ال ُيخْ لِ ُص عبود َّي َت ُه‬ ‫الموضوعي قلنا‪ :‬إنَّه هو ُّ‬
‫َّ‬ ‫َأردنا التَّحديدَ‬
‫الش ِ‬
‫عائر‬ ‫االعتقادي‪ ،‬وفي َّ‬
‫ِّ‬ ‫َّصو ِر‬
‫هلل وحدَ ُه‪ ،‬متم ِّثل ًة هذه العبود َّي ُة في الت ُّ‬
‫الشرائ ِع القانون َّي ِة‪.‬‬
‫التع ُّبد َّي ِة‪ ،‬وفي َّ‬
‫‪200‬‬

‫الجاهلي»‬ ‫الموضوعي تَدْ ُخ ُل في ِ‬


‫إطار «المجتمع‬ ‫ِ‬
‫َّعريف‬
‫وبهذا الت‬
‫ِّ‬ ‫ِّ‬
‫فعل!‬ ‫ِ‬
‫القائمة اليو َم في األَرض ً‬ ‫ِ‬
‫المجتمعات‬ ‫جميع‬
‫ُ‬
‫بإلحادها في اهلل ـ سبحانه ـ‬ ‫ِ‬ ‫الشيوع َّي ُة‪َ .‬أ َّو ًل‪:‬‬ ‫المجتمعات ُّ‬
‫ُ‬ ‫ُ‬
‫تدخل فيه‬ ‫*‬
‫الوجود إلى «الما َّد ِة‪َ ،‬أو‬
‫ِ‬ ‫ورج ِع الفاعل َّي ِة في هذا‬ ‫وجوده َأ ً‬
‫صل َ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫وبإنكار‬
‫ِ‬
‫«االقتصاد»‪،‬‬ ‫وتاريخ ِه إلى‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫اإلنسان‬ ‫بيعة»‪ ،‬ورج ِع الفاعلي ِة في ِ‬
‫حياة‬ ‫«ال َّط ِ‬
‫َّ‬
‫دوات اإلنتاجِ »‪..‬‬ ‫«أ ِ‬ ‫َأو َ‬
‫ِ‬
‫فرض َأ َّن القياد َة‬ ‫على‬ ‫ِ‬
‫للحزب ـ ٰ‬ ‫بإقامة نظا ِم العبود َّي ِة فيه‬
‫ِ‬ ‫وثان ًيا‪:‬‬
‫َّب‬ ‫ثم ما يترت ُ‬‫الجماع َّي َة في هذا النِّظا ِم حقيق ٌة واقع ٌة ـ ال هلل سبحانه! َّ‬
‫لخصائص «اإلنسان» وذلك‬ ‫ِ‬ ‫ٍ‬
‫إهدار‬ ‫َّصو ِر‪ ،‬وهذا النِّظا ِم من‬ ‫ذلك الت ُّ‬ ‫على َ‬ ‫ٰ‬
‫ِ‬
‫مطالب الحيوان‪ ،‬وهي‪:‬‬ ‫«المطالب األَساس َّية» له هي فقط‬ ‫ِ‬
‫باعتبار َأ َّن‬
‫ُ‬ ‫َ‬
‫ِ‬
‫حاجات‬ ‫والجنس‪ ،‬وحرمانُه من‬ ‫والملبس والمسك ُن‬ ‫راب‬ ‫ال َّطعا ُم َّ‬
‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫والش ُ‬
‫الحيوان‪ ،‬وفي َأ َّولِها‪ :‬العقيد ُة في اهللِ‪،‬‬ ‫ِ‬ ‫«اإلنساني» المتم ِّي ِز عن‬
‫ِّ‬
‫ِ‬
‫روحه‬
‫عن‬ ‫حر َّي ُة الت ِ‬
‫َّعبير ِ‬ ‫َ‬
‫وكذلك ِّ‬ ‫وحر َّي ُة الت ِ‬
‫َّعبير عنها‪،‬‬ ‫ِّ‬ ‫ِ‬
‫اختيارها‪،‬‬ ‫وحر َّي ُة‬
‫ِّ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫خصائص «إنسان َّيته» ‪ ،‬هذه الفرد َّي ُة ا َّلتي‬ ‫خص‬ ‫«فرد َّيته» وهي من َأ ِّ‬
‫ص‪ ،‬وفي‬ ‫َّخص ِ‬ ‫ِ‬
‫العمل والت ُّ‬ ‫ِ‬
‫اختيار نو ِع‬ ‫تتج َّل ٰى في الملك َّي ِة الفرد َّي ِة‪ ،‬وفي‬
‫ِ‬
‫«الحيوان»‬ ‫آخر ما يم ِّي ُز «اإلنسان» عن‬ ‫إلى ِ‬ ‫َّعبير الفنِّي عن َّ ِ‬ ‫الت ِ‬
‫«الذات» ٰ‬ ‫ِّ‬
‫كثيرا ما‬ ‫يوعي والنِّظا َم ُّ‬ ‫َّصو َر ُّ‬ ‫ِ‬
‫«اآللة» إ ْذ َّ‬ ‫َأو عن‬
‫يوعي سواء‪ً ،‬‬ ‫الش َّ‬ ‫الش َّ‬ ‫إن الت ُّ‬
‫ِ‬
‫مرتبة اآللة!‬ ‫إلى‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ُ‬
‫يهبط باإلنسان من مرتبة الحيوان ٰ‬
‫ِ‬
‫الهند‬ ‫المجتمعات الوثن َّي ُة ـ وهي ما ُ‬
‫تزال قائم ًة في‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬
‫وتدخل فيه‬ ‫*‬
‫االعتقادي القائم‬ ‫بتصو ِرها‬ ‫تدخل فيه ـ َأ َّو ًل‪:‬‬
‫ُ‬ ‫ين وإ ْفريق َّي َة ـ‬ ‫ِ‬
‫واليابان والفل ِّب ِ‬
‫ِّ‬ ‫ُّ‬
‫‪201‬‬
‫الش ِ‬
‫عائر‬ ‫وتدخل فيه ثان ًيا‪ :‬بتقديم َّ‬ ‫ُ‬ ‫غير اهلل ـ معه َأو ِمن دونِه ـ‬
‫ليه ِ‬ ‫على ْتأ ِ‬
‫ٰ‬
‫تدخل‬‫ُ‬ ‫َعتقدُ ُبألوه َّيتِها‪ ..‬كذلك‬ ‫والمعبودات ا َّلتي ت ِ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫اآللهة‬ ‫التَّع ُّبد َّية لشتَّى‬
‫لغير اهلل وشريعتِه‪ ،‬سوا ٌء استُمدَّ ْت‬ ‫المرجع فيها ِ‬ ‫ُ‬ ‫وشرائع‪،‬‬
‫َ‬
‫بإقامة َأ ٍ‬
‫نظمة‬ ‫ِ‬ ‫فيه‬
‫حرة ُّ‬
‫والشيوخِ ‪،‬‬ ‫والكهنة والسدَ ِنة والس ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫المعابد‬ ‫رائع من‬ ‫هذه األَنظم ُة َّ‬
‫َّ‬ ‫َّ‬ ‫والش ُ‬
‫تملك سلط َة التَّشري ِع َ‬
‫دون‬ ‫ُ‬ ‫هيئات مدن َّي ٍة «علمان َّية»‬
‫ٍ‬ ‫َأو استمدَّ تْها من‬
‫عب» َأو‬
‫«الش ِ‬ ‫شريعة اهلل‪َ ..‬أي‪َ :‬أ َّن لها الحاكم َّي َة العليا باسم َّ‬ ‫ِ‬
‫الرجو ِع ٰ‬
‫إلى‬ ‫ُّ‬
‫ُ‬
‫تكون‬ ‫كان‪ ..‬ذلك َأ َّن الحاكم َّية ال ُعليا ال‬ ‫كائن َمن َ‬ ‫«الحزب» َأو باسم ٍ‬
‫ِ‬ ‫باسم‬
‫ُزاول َّإل بال َّط ِ‬
‫ريقة ا َّلتي ب َّلغها عن ُه ُر ُس ُله‪.‬‬ ‫َّإل هلل ـ سبحانَه ـ وال ت ُ‬
‫المجتمعات اليهودي ُة والنَّصراني ُة في َأ ِ‬
‫رجاء األَرض‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬
‫وتدخل فيه‬ ‫*‬
‫َّ‬ ‫َّ‬
‫المجتمعات َأو ًل‪ :‬بتصورها االعتقادي المحر ِ‬
‫ف‪،‬‬ ‫جمي ًعا‪ُ ..‬‬
‫تدخل فيه هذه‬
‫َّ‬ ‫ِّ‬ ‫ُّ‬ ‫ُ َّ‬
‫ٍ‬
‫صورة من‬ ‫ُ‬
‫يجعل له شركا َء في‬ ‫ا َّلذي ال ُيفر ُد اهللَ ـ سبحانه ـ باألُلوه َّي ِة؛ بل‬
‫الشرك‪ ،‬سواء بالبنو ِة َأو بالت ِ‬
‫غير‬ ‫بتصو ِر اهلل ـ سبحانه ـ ٰ‬
‫على ِ‬ ‫ُّ‬ ‫َّثليث‪َ ،‬أم‬ ‫َّ‬ ‫ٌ‬ ‫صور ِّ‬‫ِ‬

‫غير حقيقتِها‪:‬‬ ‫ِ ِ‬
‫وتصو ِر عالقة خلقه به ٰ‬
‫على ِ‬ ‫ُّ‬ ‫حقيقتِه‪،‬‬

‫﴿ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ‬
‫ﮤﮥ ﮦ ﮧ ﮨﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯﮰ‬
‫ﮱ ﯓﯔ ﯕ ﯖ﴾ [التوبة‪.]30 :‬‬
‫﴿ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ‬
‫ﮙﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ‬
‫ﮥ﴾ [المائدة‪.]73 :‬‬
‫‪202‬‬

‫﴿ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭﯮ ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ‬
‫ﯳ ﯴ﴾ [المائدة‪﴿ .]64 :‬ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗﭘ‬
‫ﭙ ﭚ ﭛ ﭜﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ﴾ [المائدة‪.]18 :‬‬
‫ِ‬
‫وطقوسها‪،‬‬ ‫ِ‬
‫ومراسمها‬ ‫بشعائرها التَّع ُّبد َّي ِة‬
‫ِ‬ ‫وتدخل فيه كذلك‬ ‫ُ‬
‫ُ‬ ‫المنحرفة َّ ِ‬ ‫ِ‬ ‫رات االعتقاد َّي ِة‬ ‫المنبثقة من التَّصو ِ‬ ‫ِ‬
‫تدخل فيه‬ ‫الضا َّلة‪َّ ..‬‬
‫ثم‬ ‫ُّ‬
‫ِ‬
‫باإلقرار‬ ‫وشرائعها‪ ،‬وهي ك ُّلها ال تقو ُم على العبود َّي ِة هلل وحدَ ُه‪،‬‬ ‫ِ‬ ‫َبأنظمتِها‬
‫ٍ‬
‫هيئات‬ ‫تقيم‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫السلطان من شرعه؛ بل ُ‬ ‫بحق الحاكم َّية‪ ،‬واستمداد ُّ‬ ‫له وحدَ ُه ِّ‬
‫وقديما‬
‫ً‬ ‫تكون َّإل هلل ـ سبحانه ـ‬ ‫ُ‬ ‫حق الحاكم َّي ِة ال ُعليا ا َّلتي ال‬‫البشر‪ ،‬لها ُّ‬ ‫ِ‬ ‫من‬
‫يشر َ‬
‫عون‬ ‫والرهبان‪ِّ ،‬‬ ‫أل ِ‬
‫حبار ُّ‬ ‫الحق ل َ‬ ‫بالشرك؛ ألَنَّهم جعلوا هذا َّ‬ ‫وصمهم اهللُ ِّ‬
‫َ‬
‫يشرعونَه‪:‬‬ ‫َ‬ ‫ِ‬
‫لهم من عند َأنفسهم؛‬
‫فيقبلون منهم ما ِّ‬
‫﴿ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ‬
‫ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬﯭ‬
‫ﯮ ﯯ ﯰ﴾ [التوبة‪.]31 :‬‬
‫حبار والر ِ‬ ‫ِ‬
‫هبان‪ ،‬ولم يكونوا‬ ‫يعتقدون في ُألوه َّية األَ ِ ُّ‬‫َ‬ ‫وهم لم يكونوا‬
‫بحق‬ ‫َ‬
‫يعترفون لهم ِّ‬ ‫عائر التَّع ُّبد َّي ِة‪ ،‬إنَّما كانوا فقط‬
‫بالش ِ‬ ‫مون لهم َّ‬ ‫يتقدَّ َ‬
‫قبلون منهم ما يشرعونَه لهم‪ ،‬بما لم ْيأ ْ ِ‬ ‫الحاكم َّي ِة‪ ،‬ف َي‬
‫ذن به اهللُ‪َ ،‬فأ ٰ‬
‫ولى‬ ‫ِّ‬ ‫َ‬
‫رك والك ِ‬ ‫بالش ِ‬
‫ليسوا‬
‫لناس منهم ُ‬ ‫ٍ‬ ‫ُفر‪ ،‬وقد جعلوا ذلك‬ ‫وصموا اليو َم ِّ‬ ‫َأن ُي َ‬
‫َأ ً‬
‫حبارا وال رهبانًا‪ ..‬وك ُّلهم سوا ٌء‪.‬‬
‫المجتمعات ا َّلتي‬
‫ُ‬ ‫الجاهلي تلك‬
‫ِّ‬ ‫يدخل في ِ‬
‫إطار المجتمع‬ ‫ُ‬ ‫خيرا‬
‫وأ ً‬‫َ‬
‫تزعم ِ‬
‫لنفسها َأنَّها «مسلمة»!‬ ‫ُ‬
‫‪203‬‬

‫اإلطار؛ ألَنَّها تعتقدُ ُبألوه َّي ِة‬


‫ِ‬ ‫تدخل في هذا‬ ‫ُ‬ ‫المجتمعات ال‬
‫ُ‬ ‫وهذه‬
‫يضا‪ ،‬ولكنَّها‬ ‫عائر التَّع ُّبد َّي َة ِ‬
‫لغير اهلل َأ ً‬ ‫غير اهلل‪ ،‬وال ألَنَّها تقدِّ ُم َّ‬ ‫حد ِ‬ ‫َأ ٍ‬
‫الش َ‬
‫اإلطار؛ ألَنَّها ال تدي ُن بالعبود َّي ِة هلل وحدَ ُه في نظا ِم‬ ‫ِ‬ ‫تدخل في هذا‬ ‫ُ‬
‫ِ ٍ‬ ‫حياتِها؛ فهي ـ ْ‬
‫خص‬ ‫وإن لم تعتقدْ ُبألوه َّية َأحد َّإل اهلل ـ تعطي َأ َّ‬
‫غير اهلل‪ ،‬فتتل َّق ٰى من هذه‬ ‫لغير اهلل‪ ،‬فتدي ُن بحاكم َّي ِة ِ‬ ‫خصائص األُلوه َّي ِة ِ‬
‫ِ‬
‫وق َي َمها‪ ،‬وموازينَها‪ ،‬وعاداتِها وتقاليدَ ها‪..‬‬ ‫الحاكمي ِة نظامها‪ ،‬وشرائعها ِ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َّ‬
‫مات حياتِها تقري ًبا(‪!)1‬‬‫وكل مقو ِ‬
‫َّ ِّ‬
‫واهللُ ـ سبحانه ـ ُ‬
‫يقول عن الحاكمي َن‪﴿ :‬ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ‬
‫ﮪ ﮫ ﮬ﴾ [المائدة‪.]44 :‬‬

‫املحكومني‪﴿ :‬ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ‬
‫َ‬ ‫ُ‬
‫ويقول عن‬
‫ﭙﭚﭛﭜﭝﭞﭟﭠﭡﭢﭣﭤﭥﭦ‬
‫إلـى قـولـه‪﴿ ...‬ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ‬
‫ﭧ ﭨ﴾‪ٰ ...‬‬
‫ﯢﯣﯤﯥﯦﯧﯨﯩﯪﯫﯬﯭ‬
‫ﯮ﴾ [النساء‪ 60 :‬ـ ‪.]65‬‬

‫حال ُأمته‪ ..‬وليس كال َم‬ ‫يوضح َ‬ ‫ٍ‬


‫داعية‬ ‫ِ‬
‫المجتمعات كال ُم‬ ‫وصف س ِّيد ُق ُطب ‪ ‬لهذه‬ ‫ُ‬ ‫ تنبيه‪:‬‬‫(((‬
‫ُ‬
‫ِ‬
‫يصف وص ًفا دقي ًقا هذه المجتمعات َبأ َّن جاهل َّيتها جاهلي ُة‬ ‫ُ‬ ‫يصدر َأحكا ًما شرع َّي ًة؛ فهو‬ ‫ٍ‬
‫قاض‬
‫ُ‬
‫ِ‬
‫إخالص‬ ‫ِ‬
‫والجهل بما يح ُّبه اهللُ‪ ..‬من‬ ‫بحقيقة األُلوه َّي ِة‪،‬‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫والجهل‬ ‫الذنوب‪،‬‬ ‫ِ‬
‫بانتشار ُّ‬ ‫ٍ‬
‫معصية‬
‫ِ‬
‫الجاهلية‬ ‫تحت حك ِم‬ ‫ِ‬
‫الكفر َألبتَّة؛ ألَ َّن َ‬ ‫َ‬
‫إطالق‬ ‫العبودية له وحده ال شريك له‪ ..‬وال يقصدُ بها‬ ‫ِ‬
‫إسالمي‪،‬‬
‫ٍّ‬ ‫غير‬
‫وينظم حياتهم نظا ٌم ُ‬‫ُ‬ ‫ويحكمهم‬
‫ُ‬ ‫صناف شت َّٰى من الن ِ‬
‫َّاس ا َّلذين يسو ُدهم‬ ‫ٌ‬ ‫يقع َأ‬
‫ُخ ِر ُج عن‬
‫عمال مهما كثرت ال ت ْ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫والحكم هنا في بعض سمات الجاهل َّية و َأعمالها‪ ،‬وهذه األَ ُ‬ ‫ُ‬
‫الملة؛ ألَ َّن المعصي َة ال ت ُ‬
‫ُخرج العبدَ من اإليمان مهما كبرت؛ طالما َأنه ال يعتقدُ استحال َلها‪.‬‬
‫‪204‬‬
‫بالش ِ‬
‫رك‬ ‫قبل ِّ‬ ‫َّصارى من ُ‬ ‫وصف اليهو َد والن‬ ‫َ‬ ‫كما َأنَّه ـ سبحانه ـ قد‬
‫ٰ‬
‫حبار والر ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ ِ‬
‫هبان َأربا ًبا‬ ‫ُفر والح ْيدة عن عبادة اهلل وحدَ ُه‪ ،‬واتِّخاذ األَ ِ ُّ‬ ‫والك ِ‬
‫َ‬
‫يقولون‬ ‫هبان ما يجع ُله ا َّلذي َن‬ ‫حبار والر ِ‬
‫أل ِ ُّ‬ ‫لمجر َد َأ ْن جعلوا ل َ‬
‫َّ‬ ‫من دونِه‪،‬‬
‫واعتبر اهللُ ـ سبحانه ـ ذلك‬ ‫َاس منهم!‬ ‫نفسهم‪ :‬إنَّهم «مسلمون» لن ٍ‬ ‫عن َأ ِ‬
‫َ‬
‫مريم ر ًّبا يؤ ِّلهونَه‬ ‫ِّخاذهم عيسى اب َن‬ ‫اليهود والنَّصارى ِشركًا كات ِ‬ ‫ِ‬ ‫من‬
‫َ‬ ‫ٰ‬
‫خروج‬
‫ٌ‬ ‫خروج من العبود َّي ِة هلل وحدَ ُه‪ ،‬فهي‬ ‫ٌ‬ ‫ويعبدونَه سواء؛ فهذه كتلك‬
‫ِ‬
‫شهادة َأ ْن َل إل َه َّإل اهلل‪.‬‬ ‫دين اهلل‪ ،‬ومن‬‫من ِ‬

‫بعضها يعل ُن صراح ًة « َع ْلمان َّيتَه» وعدَ َم عالقتِ ِه‬ ‫المجتمعات ُ‬‫ُ‬ ‫وهذه‬
‫خرج الدِّ ي َن من‬‫وبعضها يعل ُن َأنَّه «يحتر ُم الدِّ ين» ولكنَّه ُي ُ‬ ‫ُ‬ ‫صل‪،‬‬‫بالدِّ ين َأ ً‬
‫ويقيم نظا َمه على‬ ‫صل‪ ،‬ويقول‪ :‬إنَّه ُينْكر «الغيب َّية»‬ ‫االجتماعي َأ ً‬ ‫ِ‬
‫نظامه‬
‫ُ‬ ‫ِّ‬
‫جاهل ال ُ‬ ‫ٌ‬ ‫باعتبار َأ َّن ِ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫يقول‬ ‫تناقض الغيب َّي َة! وهو ٌ‬
‫زعم‬ ‫ُ‬ ‫العلم َّي َة‬ ‫«العلم َّية»‬
‫ويشر ُع‬
‫ِّ‬ ‫يجعل الحاكم َّي َة الفعل َّي َة ِ‬
‫لغير اهلل‪،‬‬ ‫ُ‬ ‫وبعضها‬
‫ُ‬ ‫الجه ُال(‪،)1‬‬
‫َّ‬ ‫به َّإل‬
‫عند نفسه‪ :‬هذه شريع ُة اهلل!‪ ..‬وك ُّلها‬ ‫يقول عما يشر ُعه من ِ‬
‫ِّ‬ ‫ثم ُ َّ‬ ‫ما يشا ُء‪َّ ،‬‬
‫سوا ٌء في َأنَّها ال تقو ُم على العبود َّي ِة هلل وحدَ ُه‪..‬‬
‫ِ‬
‫املجتمعات اجلاهل َّية‬ ‫موقف اإلسالم من هذه‬‫َ‬ ‫تعي هذا؛ َّ‬
‫فإن‬ ‫وإذا َّ َ‬
‫االعرتاف بإسالم َّي ِة هذه‬
‫َ‬ ‫يرفض‬
‫ُ‬ ‫ٍ‬
‫واحدة‪ :‬إنَّه‬ ‫ٍ‬
‫عبارة‬ ‫ك ِّلها يتحدَّ ُد يف‬
‫ِ‬
‫اعتباره‪.‬‬ ‫املجتمعات ك ِّلها‪ ،‬ورشع َّيتِها يف‬
‫ِ‬

‫والش ِ‬
‫ارات ا َّلتي‬ ‫والل ِ‬
‫فتات َّ‬ ‫ِ‬
‫العنوانات َّ‬ ‫ينظر إلى‬ ‫َّ‬
‫إن اإلسال َم ال ُ‬

‫تعالى‪﴿ :‬ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ﴾ في الجزء‬


‫ٰ‬ ‫(( ( ُيراجع ما جاء في تفسير قوله‬
‫السابع من الظالل‪( .‬المؤ ِّلف)‪.‬‬
‫‪205‬‬
‫ٍ‬
‫حقيقة‬ ‫المجتمعات على اختالفِها‪ ،‬إنَّها ك َّلها تلتقي في‬
‫ُ‬ ‫تحم ُلها هذه‬
‫ِ‬
‫الكاملة هلل وحدَ ُه‪،‬‬ ‫واحدة وهي َأ َّن الحيا َة فيها ال تقو ُم على العبود َّي ِة‬‫ٍ‬
‫ٍ‬
‫واحدة‪،‬‬ ‫المجتمعات األُخرى ـ في ٍ‬
‫صفة‬ ‫ِ‬ ‫تلتقي ـ مع ِ‬
‫سائر‬ ‫وهي من َث َّم‬
‫ٰ‬ ‫ْ‬
‫صفة «الجاهل َّية»‪.‬‬ ‫ِ‬

‫۞۞۞‬
‫املسلم‪:‬‬ ‫ُ‬
‫طبيعة اجملتمع ِ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫مواجهة‬ ‫وهذا يقو ُدنا إلى القض َّية األَخيرة‪ ،‬وهي ُ‬
‫منهج اإلسالم في‬
‫الز ِ‬
‫مان‪ ..‬وهنا ينف ُعنا ما‬ ‫وإلى ِ‬
‫آخر َّ‬ ‫ٰ‬ ‫البشري ك ِّل ِه‪ ..‬اليو َم وغدً ا‬
‫ِّ‬ ‫الواق ِع‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫وقيامه على‬ ‫«طبيعة المجتمع المسلم»‬ ‫ولى عن‬ ‫َّقررناه في الفقرة األُ ٰ‬
‫العبودي ِة هلل وحدَ ه في َأ ِ‬
‫مره ك ِّله‪.‬‬ ‫ُ‬ ‫َّ‬
‫جييب إجاب ًة حاسم ًة عن هذا الس ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ؤال‪:‬‬ ‫ُّ‬ ‫إن حتديدَ هذه ال َّطبيعة ُ‬
‫َّ‬

‫ترجع إليه الحيا ُة البشر َّي ُة وتقو ُم عليه؟ َأهو‬


‫ُ‬ ‫ما األَ ُ‬
‫صل ا َّلذي‬
‫البشري َأ ًّيا كان؟‬ ‫الواقع‬ ‫ِ‬
‫للحياة؟ َأم هو‬ ‫ومنهجه‬ ‫دين اهلل‬
‫ُّ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬
‫يتلعثم فيها‬ ‫ؤال إجاب ًة حاسم ًة ال‬ ‫يجيب على هذا الس ِ‬ ‫ُ‬ ‫َّ‬
‫إن اإلسال َم‬
‫ُ‬ ‫ُّ‬ ‫ٰ‬
‫ترجع إليه الحيا ُة البشر َّي ُة‬
‫َ‬ ‫يجب َأن‬‫ُ‬ ‫صل ا َّلذي‬‫إن األَ َ‬
‫وال يتر َّد ُد لحظ ًة‪َّ ..‬‬
‫إن شهاد َة َأن َل إل َه َّإل اهلل‪ ،‬و َأ َّن‬‫ومنهجه للحياة‪َّ ..‬‬ ‫دين اهلل‪،‬‬ ‫ِ‬
‫ُ‬ ‫بجملتها هو ُ‬
‫ول اهلل‪ ،‬ا َّلتي هي رك ُن اإلسالم األَ َّول‪ ،‬ال تقو ُم وال ت َُؤ َّد ٰى َّإل‬ ‫رس ُ‬
‫محمدً ا ُ‬ ‫َّ‬
‫صل‪ ..‬و َأ َّن العبود َّي َة هلل وحدَ ُه مع التل ِّقي في كيف َّي ِة‬‫يكون هذا هو األَ َ‬ ‫َ‬ ‫َأ ْن‬
‫‪206‬‬
‫ف بهذا األَ ِ‬ ‫ِ‬
‫صل‪،‬‬ ‫هذه العبود َّية عن رسول اهلل ﷺ ال تتح َّق ُق َّإل َأ ْن ُي َ‬
‫عتر َ‬
‫كامل بال تلعث ٍم وال تر ُّد ٍد‪:‬‬
‫َّبع اتِّبا ًعا ً‬
‫ثم ُيت َ‬
‫َّ‬
‫﴿ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ﴾ [احلرش‪.]7 :‬‬
‫إن اإلسال َم َ‬
‫يسأ ُل‪﴿ :‬ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ﴾‪.‬‬ ‫ثم َّ‬
‫َّ‬
‫وجييب‪﴿:‬ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ﴾‪.‬‬
‫ُ‬

‫﴿ﯷ ﯸ ﯹ ﯺ ﯻ ﯼ﴾‪.‬‬

‫ويرزق كذلك ـ هو ا َّلذي حيك ُُم‪ ..‬ودينُه‬


‫ُ‬ ‫يعلم ـ وا َّلذي ُ‬
‫خيلق‬ ‫وا َّلذي ُ‬
‫ِ‬
‫للحياة‪ ،‬هو األَ ُ‬
‫ترجع إليه احلياةُ‪َ ..‬أ َّما ُ‬
‫واقع‬ ‫ُ‬ ‫صل ا َّلذي‬ ‫منهجه‬
‫ُ‬ ‫ا َّلذي هو‬
‫عىل علم البرش‬ ‫وتنحرف‪ ،‬وتقو ُم ٰ‬
‫ُ‬ ‫َِ‬
‫البش ونظر َّي ُاتم ومذاه ُبهم فهي تَفسدُ‬
‫يعلمون‪ ،‬وا َّلذين مل ُيؤتَوا من العل ِم َّإل ً‬
‫قليل!‬ ‫َ‬ ‫ا َّلذي َن ال‬
‫اإلسالمي‪:‬‬
‫ِّ‬ ‫شريع‬
‫الت ِ‬‫أصول َّ‬
‫ُ‬

‫ليس مائ ًعا‪ ..‬فهو محدَّ ٌد‬ ‫ِ‬


‫ومنهجه للحياة َ‬‫ُ‬ ‫غامضا‪،‬‬
‫ً‬ ‫ليس‬
‫ودين اهلل َ‬ ‫ُ‬
‫ُ‬ ‫محصور فيما ب َّلغ ُه‬ ‫رس ُ‬ ‫بشطر َّ ِ‬
‫ِ‬
‫رسول‬ ‫ٌ‬ ‫ول اهلل‪ ،‬فهو‬ ‫الشهادة ال َّثاني‪َّ :‬‬
‫محمدٌ ُ‬
‫نص فالن َُّّص هو‬ ‫َ‬
‫هناك ٌّ‬ ‫فإن كان‬ ‫ُّصوص في األُ ِ‬
‫صول‪ْ ..‬‬ ‫ِ‬ ‫اهلل ﷺ من الن‬
‫يجيء‬
‫ُ‬ ‫نص فهنا‬ ‫َ‬
‫هناك ٌّ‬ ‫يكن‬
‫وإن لم ْ‬
‫الحكم‪ ،‬وال اجتها َد مع الن َِّّص‪ْ ،‬‬
‫ُ‬
‫وفق األَ ِ‬
‫هواء‬ ‫رة في منهج اهلل ذاتِه‪ ،‬ال َ‬
‫وفق ُأصولِه المقر ِ‬
‫دور االجتهاد ـ َ‬
‫َّ‬ ‫ُ‬
‫والر ِ‬
‫غبات ـ ‪﴿ :‬ﰀ ﰁ ﰂ ﰃ ﰄ ﰅ ﰆ ﰇ﴾ [النساء‪..]59 :‬‬ ‫َّ‬
‫‪207‬‬

‫وليست‬ ‫مقر َر ٌة ومعروف ٌة‪،‬‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫واألُ ُ‬


‫ْ‬ ‫المقر َر ُة لالجتهاد واالستنباط َّ‬ ‫ِّ‬ ‫صول‬
‫حد َأ ْن َ‬ ‫غامض ًة وال مائع ًة‪ ..‬فليس ألَ ٍ‬
‫شرع‬
‫ُ‬ ‫يشر ُعه‪ :‬هذا‬ ‫يقول لشر ٍع ِّ‬
‫لطـات‬‫ِ‬ ‫الس‬ ‫َ‬ ‫تكون الحاكم َّي ُة هلل ُم ْعلن ًة‪ ،‬و َأن‬ ‫َ‬ ‫اهلل؛ َّإل َأن‬
‫مصدر ُّ‬ ‫ُ‬ ‫يكون‬
‫البشر‪،‬‬ ‫ِ‬ ‫«الحـزب» وال َأ ٌّي من‬
‫ُ‬ ‫ـعب» وال‬ ‫«الش ُ‬ ‫هلل ـ سبـحـانه ـ ال َّ‬ ‫هـو ا ُ‬
‫ِ‬ ‫وسن َِّة رسوله‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ُ‬
‫يكون‬ ‫لمعرفة ما يريدُ ه اهللُ‪ ،‬وال‬ ‫كتاب اهلل ُ‬ ‫و َأن َي ْرج َع ٰ‬
‫إلى‬
‫عي ُسلطانًا باسم اهلل؛ كذلك ا َّلذي عرفتْه َأوربا‬ ‫لكل من يريدُ َأ ْن يدَّ َ‬ ‫هذا ِّ‬
‫ذات يو ٍم باسم «الثيوقراطية» َأو «الحك ِم المقدس» فليس شي ٌء من هذا‬ ‫َ‬
‫ينطق باسم اهلل َّإل رسو ُله ﷺ وإنَّما‬ ‫يملك َأحدٌ َأن َ‬ ‫ُ‬ ‫في اإلسالم‪ ،‬وما‬
‫نصوص مع َّين ٌة‪ ،‬هي ا َّلتي تحدِّ ُد ما َ‬
‫شرع اهلل‪..‬‬ ‫ٌ‬ ‫هناك‬
‫ين للواقع»‪:‬‬
‫معنى «الدِّ ُ‬
‫استخدامها كذلك‪.‬‬
‫ُ‬ ‫ويساء‬
‫ُ‬ ‫فهمها‪،‬‬
‫ساء ُ‬ ‫إن كلم َة «الدِّ ين للواقع» ُي ُ‬
‫َّ‬
‫ين للواقعِ‪ .‬ولكن َأ ُّ‬
‫ي واقعٍ!‬ ‫إن هذا الدِّ َ‬ ‫نعم َّ‬
‫نفسه‪ ،‬وفق منهجه‪ ،‬منطب ًقا عىل‬ ‫الواقع ا َّلذي ينشئه هذا الدِّ ُ‬
‫ين ُ‬ ‫ُ‬ ‫إ َّن ُه‬
‫ِ‬
‫شمولا‪.‬‬ ‫للحاجات اإلنسان َّي ِة احلقيق َّي ِة يف‬
‫ِ‬ ‫الفطرة البرش َّي ِة يف سوائها‪ُ ،‬‬
‫وم ِّق ًقا‬ ‫ِ‬

‫لق‪:‬‬ ‫يقر ُرها ا َّلذي َخ َل َق‪ ،‬وا َّلذي ُ‬


‫يعلم َمن َخ َ‬ ‫احلاجات ا َّلتي ِّ‬
‫ُ‬ ‫هذه‬
‫﴿ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ﴾ [الملك‪.]14 :‬‬

‫سند من ُه‪ ،‬وعن حك ٍم‬ ‫ويبحث له عن ٍ‬ ‫َ‬ ‫ليقره‬


‫الواقع َّ‬
‫َ‬ ‫والدِّ ي ُن ال يواج ُه‬
‫الواقع ل َي ِز َن ُه بميزانِه‪،‬‬
‫َ‬
‫ِ‬
‫املستعارة! إنَّام يواج ُه‬ ‫كالل ِ‬
‫فتة‬ ‫رشعي يع ِّل ُقه عليه َّ‬‫ٍّ‬
‫غريه إن كان ال‬
‫وينشئ واق ًعا َ‬
‫َ‬ ‫يلغي‪،‬‬
‫ْ‬ ‫ويلغي منه ما‬
‫َ‬ ‫يقر‪،‬‬
‫قر منه ما ُّ‬
‫ف ُي َّ‬
‫‪208‬‬

‫املعني َبأ َّن اإلسال َم‪:‬‬ ‫الواقع‪ ،‬وهذا هو‬ ‫ِ‬


‫يرتضيه‪ ،‬وواق ُعه ا َّلذي ينش ُئه هو‬
‫ُّ‬ ‫ُ‬
‫ِ‬
‫الص ِ‬
‫حيح!‬ ‫جيب َأن تعن َيه يف مفهومها َّ‬
‫دين للواقعِ‪َ ،‬أو ما ُ‬‫ٌ‬
‫سؤ ٌال‪:‬‬ ‫ولع َّله ُ‬
‫يثار هنا َ‬
‫جيب َأ ْن تصو َغ واق َعهم؟!‬ ‫ِ‬
‫البرش هي ا َّلتي ُ‬ ‫َأليست مصلح ُة‬
‫وجييب عليه‪:‬‬
‫ُ‬ ‫يطرحه اإلسال ُم‪،‬‬
‫ُ‬ ‫نرجع إىل الس َؤ ِ‬
‫ال ا َّلذي‬ ‫ُ‬ ‫ومرة ُأ ٰ‬
‫خرى‬
‫ُّ‬
‫ـ ﴿ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ﴾؟‬
‫ـ ﴿ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ﴾!‬
‫متضمن ٌة في شر ِع اهلل‪ ،‬كما َأنز َل ُه اهلل‪ ،‬وكما ب َّلغه‬
‫َّ‬ ‫ِ‬
‫البشر‬ ‫إن مصلح َة‬‫َّ‬
‫ِ‬
‫مخالفة ما‬ ‫ذات يو ٍم َأ َّن مصلحتَهم في‬ ‫ِ‬
‫للبشر َ‬ ‫ُ‬
‫رسول اهلل‪ ..‬فإذا بدا‬ ‫عنه‬
‫شرع اهلل لهم‪.‬‬
‫َ‬
‫فهم‪َ ..‬أ َّو ًل‪« :‬واهمون» فيما بدا لهم‪.‬‬
‫﴿ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴﯵ ﯶ ﯷ ﯸ ﯹ ﯺ * ﯼ‬
‫ﯽ ﯾ ﯿ * ﰁ ﰂ ﰃ﴾ [النجم‪ 23 :‬ـ ‪.]25‬‬
‫وهم‪ ..‬ثان ًيا‪« :‬كافرون» ‪ ..‬فما يدَّ عي َأحدٌ َأ َّن المصلح َة فيما يراه‬
‫يبقى لحظ ًة واحد ًة ٰ‬
‫على هذا الدِّ ين‪ ،‬ومن‬ ‫ثم ٰ‬ ‫هو مخال ًفا لما َ‬
‫شرع اهلل‪َّ ،‬‬
‫َأ ِ‬
‫هل هذا الدِّ ين!‬
‫مير والواق ِع ٰ‬
‫على‬ ‫الض ِ‬‫االعتقادي في َّ‬
‫َّ‬ ‫يقيم بنا َءه‬
‫إن اإلسال َم حي َن ُ‬ ‫َّ‬
‫ويجعل هذه العبود َّي َة متم ِّثل ًة في‬ ‫ُ‬ ‫ِ‬
‫الكاملة هلل وحدَ ُه‪،‬‬ ‫َأساس العبود َّي ِة‬
‫ِ‬
‫باعتبار َأ َّن هذه العبود َّي َة‬ ‫واء‪،‬‬ ‫ريعة على الس ِ‬ ‫والش ِ‬ ‫َّ‬ ‫ِ‬
‫والعبادة‬ ‫ِ‬
‫االعتقاد‬
‫َّ‬
‫ِ‬
‫لشهادة َأن‬ ‫العملي‬ ‫ُ‬
‫المدلول‬ ‫الكامل َة هلل وحدَ ُه ـ في صورتِها هذه ـ هي‬
‫ُّ‬
‫َل إل َه َّإل اهلل‪ ..‬و َأ َّن التَّل ِّق َي في كيف َّي ِة هذه العبود َّي ِة عن رسول اهلل ﷺ‬
‫ِ‬
‫رس ُ‬
‫ول اهلل‪.‬‬ ‫محمدً ا ُ‬ ‫العملي كذلك لشهادة َأ َّن َّ‬ ‫ُّ‬ ‫ُ‬
‫المدلول‬ ‫وحدَ ُه‪ ،‬هو‬
‫بحيث تم ِّث ُل‬
‫ُ‬ ‫على هذا األَساس‪،‬‬
‫قيم بنا َءه ك َّله ٰ‬
‫إن اإلسال َم حين ُي ُ‬ ‫َّ‬
‫ِ‬
‫الحياة في اإلسالم‪،‬‬ ‫منهج‬
‫رسول اهلل َ‬ ‫شهاد ُة َأن ال إله َّإل اهلل‪ ،‬و َأ َّن َّ‬
‫محمدً ا ُ‬
‫خصائصه‪..‬‬
‫َ‬ ‫ُقر ُر‬
‫مالمح هذا المنهج‪ ،‬وت ِّ‬
‫َ‬ ‫ُصو ُر‬
‫وت ِّ‬
‫ِ‬ ‫على هذا الن ِ‬
‫َّحو الفريد‪ ،‬ا َّلذي ِّ‬
‫يفر ُقه‬ ‫قيم بنا َء ُه ٰ‬
‫إن اإلسال َم حين ُي ُ‬ ‫َّ‬
‫إلى َأ ٍ‬
‫صل‬ ‫نظمة األُخرى ا َّلتي عرفتها البشر َّية‪ ..‬إنَّما‬ ‫عن جمي ِع األَ ِ‬
‫يرجع ٰ‬
‫ُ‬
‫اإلنساني وحدَ ُه‪،‬‬ ‫ِ‬
‫الوجود‬ ‫ِ‬
‫الوجود ك ِّله‪ ،‬ال عن‬ ‫ِ‬
‫تقريره عن‬ ‫شمل في‬‫َأ َ‬
‫ِّ‬
‫للحياة اإلنسان َّي ِة وحدَ ُها‪.‬‬
‫ِ‬ ‫ٍ‬
‫منهج‬ ‫ِ‬
‫للوجود ك ِّله‪ ،‬ال‬ ‫ٍ‬
‫منهج‬ ‫وإلى‬
‫ٰ‬
‫على َأساس َأ َّن هذا الوجو َد ك َّله من‬
‫اإلسالمي يقو ُم ٰ‬
‫ُّ‬ ‫َّصو ُر‬
‫إ َّن َه الت ُّ‬
‫َّجهت إراد ُة اهلل إلى كونِه فكان‪ ،‬و َأود َعه اهللُ ـ سبحانه ـ‬
‫خلق اهلل‪ ،‬ات ْ‬ ‫ِ‬
‫‪210‬‬
‫تتناسق بها حرك ُة َأ ِ‬ ‫يتحر ُك بها‪ ،‬وا َّلتي‬
‫جزائه فيما بينَها‪ ،‬كما‬ ‫ُ‬ ‫قوانينَه ا َّلتي َّ‬
‫تتناسق بها حركتُه الك ِّل َّي ُة سواء‪:‬‬
‫ُ‬
‫﴿ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ﴾ [النمل‪.]40 :‬‬
‫﴿ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ﴾ [الفرقان‪.]2 :‬‬
‫ِ‬
‫حركه‪،‬‬ ‫الكوني مشيئ ًة تُد ِّبره‪ ،‬وقدَ ًرا ُي ِّ‬ ‫ِّ‬ ‫الوجود‬ ‫إن ورا َء هذا‬ ‫َّ‬
‫ِ‬
‫الوجود ك ِّلها‪،‬‬ ‫ِ‬
‫مفردات هذا‬ ‫ينس ُق بين‬ ‫ينس ُقه؛ هذا الن ُ‬
‫َّاموس ِّ‬ ‫وناموسا ِّ‬ ‫ً‬
‫تتعارض‪ ،‬وال‬ ‫ُ‬ ‫تختل وال‬‫ُّ‬ ‫وين ِّظ ُم حركاتِها جمي ًعا‪ ،‬فال تصطد ُم وال‬
‫إلى ما شـا َء اهلل ـ كما َأ َّن هذا‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫تتو َّق ُ‬
‫المستمرة ـ ٰ‬
‫َّ‬ ‫المنتظمة‬ ‫الحركة‬ ‫ف عن‬
‫ِ‬
‫حركُه‪،‬‬ ‫مستسلم للمشيئة ا َّلتي تد ِّب ُره‪ ،‬والقدَ ِر ا َّلذي ُي ِّ‬ ‫ٌ‬ ‫خاضع‬
‫ٌ‬ ‫الوجو َد‬
‫ٍ‬ ‫ٍ‬
‫يخطر له في لحظة واحدة َأ ْن َّ‬
‫يتمر َد‬ ‫ُ‬ ‫ينس ُقه‪ ،‬بحيث ال‬ ‫ِ‬
‫َّاموس ا َّلذي ِّ‬ ‫والن‬
‫َّاموس‪ ،‬وهو لهذا‬ ‫المشيئة‪َ ،‬أو َأن يتنكَّر للقدَ ر‪َ ،‬أو َأ ْن‬ ‫ِ‬
‫يخالف الن َ‬ ‫َ‬ ‫على‬
‫ب والفسا ُد َّإل َأ ْن يشا َء اهلل‪﴿ :‬ﮅ ﮆ ﮇ‬ ‫صالح ال يدركُه ال َع َط ُ‬ ‫ٌ‬ ‫ك ِّله‬
‫ﮈﮉﮊﮋﮌﮍﮎﮏﮐﮑﮒﮓﮔ‬
‫ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜﮝ ﮞ ﮟ ﮠ‬
‫ﮡﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ﴾ [األعراف‪.]54 :‬‬
‫۞۞۞‬
‫الكون‪:‬‬
‫ِ‬ ‫بنواميس هذا‬
‫ِ‬ ‫ُ‬
‫اإلنسان حمكو ٌم‬

‫تحكم فطرتَه‬ ‫الكوني‪ ،‬والقواني ُن ا َّلتي‬ ‫ِ‬


‫الوجود‬ ‫ُ‬
‫واإلنسان من هذا‬
‫ُ‬ ‫ِّ‬
‫يحكم الوجو َد ك َّله‪ ..‬لقد خل َقه ا ُ‬
‫هلل‬ ‫ِ‬
‫َّاموس ا َّلذي‬ ‫ٍ‬
‫بمعزل عن ذلك الن‬ ‫ليست‬
‫ُ‬
‫‪211‬‬

‫طين هذه األَرض‪،‬‬ ‫المادي من ِ‬ ‫ِّ‬ ‫خلق هذا الوجو َد ـ وهو في تكوينِه‬ ‫ـ كما َ‬
‫جعلت من ُه إنسانًا‪،‬‬‫ْ‬ ‫على ما َّد ِة ال ِّط ِ‬
‫ين‬ ‫ٍ‬
‫خصائص زائدة ٰ‬ ‫َ‬ ‫وما وه َبه اهللُ من‬
‫الجسمي‬
‫ِّ‬ ‫ناحية كيانِه‬
‫ِ‬ ‫خاضع من‬ ‫ٌ‬ ‫تقديرا‪ ،‬وهو‬
‫ً‬ ‫إنَّما رز َقه اهلل إ َّياه مقدَّ ًرا‬
‫عطى وجو َده‬ ‫بى ـ ُي ٰ‬ ‫رضي َأم َأ ٰ‬ ‫َ‬ ‫بيعي ا َّلذي سنَّه اهللُ له ـ‬ ‫ِ‬
‫َّاموس ال َّط ِّ‬ ‫للن‬
‫بيه و ُأ ِّمه ـ فهما‬ ‫بمشيئة اهلل ال بمشيئتِه هو‪ ،‬وال بمشيئة َأ ِ‬ ‫ِ‬ ‫وخل َقه ابتدا ًء‬
‫وفق‬ ‫يملكان َأ ْن يعطيا الجني َن وجو َده ـ وهو ُيو َلدُ َ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫يلتقيان ولكنَّهما ال‬
‫ِ‬
‫وظروف الوالدة‪.‬‬ ‫ِ‬
‫الحمل‬ ‫َّاموس ا َّلذي وض َعه اهللُ لمدَّ ة‬ ‫ِ‬ ‫الن‬
‫ِ‬
‫بمقاديره هذه‪ ،‬ويتن َّف ُسه‬ ‫وهو يتن َّف ُس هذا الهوا َء ا َّلذي َأوجدَ ُه اهللُ‬
‫بالقدْ ِر وبالكيف َّية ا َّلتي َأرادها اهلل له‪.‬‬
‫ويشرب‪ ،‬ويم ِّث ُل‬
‫ُ‬ ‫كل‬ ‫ويعطش‪ْ ،‬يأ ُ‬
‫ُ‬ ‫ويجوع‬
‫ُ‬ ‫يحس َ‬
‫ويتأ َّل ُم‪،‬‬ ‫ُّ‬ ‫وهو‬
‫ٍ‬
‫إرادة‬ ‫ِ‬
‫ناموس اهلل‪ ،‬عن غير‬ ‫يعيش‪ ..‬وفق‬ ‫ِ‬
‫وبالجملة ُ‬ ‫راب‪..‬‬ ‫ال َّطعا َم َّ‬
‫والش َ‬
‫وكل ما فيه‪،‬‬ ‫الكوني‪ِّ ،‬‬ ‫ِ‬
‫الوجود‬ ‫شأ ُن هذا‬ ‫شأنُه في هذا ْ‬ ‫ٍ‬
‫اختيار‪ْ ،‬‬ ‫منه وال‬
‫ِّ‬
‫ِ‬
‫وناموسه‪.‬‬ ‫ِ‬
‫لمشيئة اهلل وقدَ ِره‬ ‫ِ‬
‫المطلق‬ ‫وكل َم ْن فيه‪ ،‬في الخضو ِع‬ ‫ِّ‬
‫اإلنسان‪ ،‬وا َّلذي‬
‫َ‬ ‫وخلق‬
‫َ‬ ‫الكوني‬
‫َّ‬ ‫خلق هذا الوجو َد‬ ‫واهللُ ا َّلذي َ‬
‫الكوني‪ ،‬هو‬ ‫خضع لها الوجو َد‬ ‫ِ‬
‫لنواميسه ا َّلتي َأ‬ ‫َ‬
‫اإلنسان‬ ‫خضع‬ ‫َأ‬
‫َّ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫تنظيما‬
‫ً‬ ‫لإلنسان «شريعة» لتنظي ِم حياتِه اإلراد َّي ِة‪،‬‬ ‫ِ‬ ‫ـ سبحانه ـ ا َّلذي س َّن‬
‫هي َّإل‬
‫إن َ‬ ‫على هذا األَساس ـ ْ‬ ‫فالشريع ُة ـ ٰ‬ ‫متناس ًقا مع حياتِه ال َّطبيع َّية؛ َّ‬
‫ِ‬ ‫اإللهي العا ِّم ا َّلذي‬ ‫ِ‬
‫اإلنسان‪ ،‬وفطر َة‬ ‫يحكم فطر َة‬
‫ُ‬ ‫ِّ‬ ‫َّاموس‬ ‫اع من الن‬‫ق َّط ٌ‬
‫وينس ُقها ك َّلها جمل ًة واحدةً‪.‬‬ ‫ِ‬
‫الوجود العا ِّم‪ِّ ،‬‬
‫‪212‬‬

‫نهي‪ ،‬وال و ْع ٍد وال‬ ‫مر وال ٍ‬ ‫ِ‬


‫كلمات اهللِ‪ ،‬وال َأ ٍ‬ ‫كلمة من‬ ‫ٍ‬ ‫وما من‬
‫ِ‬
‫َّاموس العا ِّم‪،‬‬ ‫شطر من الن‬ ‫ٍ‬
‫توجيه‪َّ ..‬إل هي‬ ‫وعيد‪ ،‬وال تشري ٍع وال‬ ‫ٍ‬
‫ٌ‬
‫نسميها ‪ :‬القواني َن ال َّطبيع َّي َة ـ َأي‪:‬‬ ‫ِ‬
‫القوانين ا َّلتي ِّ‬ ‫صدق‬‫َ‬ ‫وصادق ٌة في ذاتِها‬
‫لحظة‪ ،‬بحك ِم ما في‬ ‫ٍ‬ ‫كل‬‫القواني َن اإلله َّي َة الكون َّي َة ـ ا َّلتي نراها تتح َّق ُق في ِّ‬
‫زلي َأود َعه اهلل فيها‪ ،‬وهي تتح َّق ُق بقدَ ِر اهلل‪.‬‬ ‫حق َأ ٍّ‬‫طبيعتِها من ٍّ‬
‫ٌ‬
‫شريعة كونيَّة‪:‬‬ ‫معنى‬
‫ِ‬
‫البشر هي ـ من َث َّم ـ شريع ٌة‬ ‫و«الشريع ُة» ا َّلتي سنَّها اهلل لتنظي ِم ِ‬
‫حياة‬ ‫َّ‬
‫ِ‬
‫الكون العا ِّم‪ ،‬ومتناسق ٌة م َعه‪..‬‬ ‫ِ‬
‫بناموس‬ ‫بمعنى َأنَّها متَّصل ٌة‬
‫ٰ‬ ‫كون َّي ٌة؛‬
‫ِ‬
‫الحياة‬ ‫تحقيق الت ِ‬
‫َّناسق بين‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ضرورة‬ ‫ناشئ من‬ ‫ومن َث َّم َّ‬
‫فإن االلتزا َم بها‬
‫ٌ‬
‫ِ‬
‫تحقيق‬ ‫ِ‬
‫ضرورة‬ ‫يعيش فيه‪ ..‬بل من‬ ‫ُ‬ ‫ِ‬
‫الكون ا َّلذي‬ ‫ِ‬
‫وحركة‬ ‫ِ‬
‫واإلنسان‬
‫ِ‬
‫والقوانين ا َّلتي‬ ‫ِ‬
‫البشر المضمرةَ‪،‬‬ ‫تحكم فِطر َة‬
‫ُ‬ ‫ِ‬
‫القوانين ا َّلتي‬ ‫الت ِ‬
‫َّناسق بين‬
‫الشخصي ِة المضم ِ‬ ‫ِ‬
‫رة‪،‬‬ ‫َّ ُ َ‬ ‫بين َّ‬‫تحكم حياتَهم ال َّظاهرةَ‪ ،‬وضرورة االلتئا ِم َ‬ ‫ُ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫والشخص َّية ال َّظاهرة لإلنسان‪..‬‬ ‫َّ‬

‫نن الكون َّي ِة‪ ،‬وال‬


‫الس ِ‬
‫جميع ُّ‬
‫َ‬ ‫يملكون َأ ْن يدركُوا‬
‫َ‬ ‫البشر ال‬
‫ُ‬ ‫ولما َ‬
‫كان‬
‫يحكم فطرتَهم‬ ‫ِ‬
‫َّاموس العا ِّم‪ ،‬وال حت َّٰى بهذا ا َّلذي‬ ‫ِ‬
‫طراف الن‬ ‫َأ ْن يحي ُطوا َبأ‬
‫ُ‬
‫يملكون َأ ْن‬
‫َ‬ ‫رضوا َأم َأ َبوا ـ فإنَّهم ـ من َث َّم ـ ال‬‫ذاتَها و ُيخض ُعهم له ـ ُ‬
‫حياة الن ِ‬
‫َّاس‬ ‫ِ‬ ‫المطلق بين‬
‫ُ‬ ‫َّناسق‬ ‫ِ‬
‫البشر نظا ًما يتح َّق ُق به الت ُ‬ ‫ِ‬
‫لحياة‬ ‫يشرعوا‬
‫ِّ‬
‫المضمرة وحياتِهم‬ ‫ِ‬ ‫َّناسق بين فطرتِهم‬
‫الكون‪ ،‬وال حتَّى الت ُ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫وحركة‬
‫مره‬‫البشر‪ ،‬ومد ِّب ُر َأ ِ‬
‫ِ‬ ‫وخالق‬
‫ُ‬ ‫ِ‬
‫الكون‬ ‫خالق‬‫ُ‬ ‫ُ‬
‫يملك هذا‬ ‫ال َّظ ِ‬
‫اهرة؛ إنَّما‬
‫‪213‬‬

‫اختاره وارتضا ُه‪.‬‬ ‫ِ‬


‫الواحد ا َّلذي‬ ‫ِ‬
‫َّاموس‬ ‫وفق الن‬ ‫و َأ ِ‬
‫مرهم‪َ ،‬‬
‫َ‬
‫والكون‪:‬‬
‫ِ‬ ‫ريعة‬
‫الش ِ‬‫ني َّ‬ ‫الت ُ‬
‫ناسق ب َ‬ ‫َّ‬
‫لتحقيق ذلك الت ِ‬
‫َّناسق‪..‬‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫بشريعة اهلل واج ًبا‬ ‫ُ‬
‫العمل‬ ‫يصبح‬ ‫َ‬
‫وكذلك‬
‫ُ‬
‫فوق وجوبِه لتح ُّق ِق اإلسالم اعتقا ًدا‪.‬‬
‫وذلك َ‬

‫فال وجود لإلسالم في حياة فرد‪َ ،‬أو حياة جماعة؛ َّإل بإخالص‬
‫رسول اهلل ﷺ‬ ‫العبود َّية هلل وحدَ ُه‪ ،‬وبالتلقي في كيف َّية هذه العبود َّية عن ُ‬
‫ِ‬
‫شهادة َأ َّن ال إله َّإل اهلل‪،‬‬ ‫وحدَ ُه‪ ،‬تحقي ًقا لمدلول ركن اإلسالم األَ َّول‪:‬‬
‫رسول اهلل‪.‬‬
‫محمدً ا ُ‬
‫وأ َّن َّ‬‫َ‬
‫ِ‬
‫الكون‬ ‫ِ‬
‫وناموس‬ ‫ِ‬
‫البشر‬ ‫ِ‬
‫حياة‬ ‫ِ‬
‫المطلق بين‬ ‫تحقيق الت ِ‬
‫َّناسق‬ ‫ِ‬ ‫وفي‬
‫للحياة من الفس ِ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫اد‪ ..‬إنَّهم ـ في‬ ‫َ‬ ‫للبشر‪ ،‬كما َأ َّن فيه َّ‬
‫الصيان َة‬ ‫الخير‬ ‫ُّ‬
‫كل‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫يعيشون في سال ٍم من َأنفسهم‪َ ..‬فأ َّما َّ‬
‫السال ُم مع‬ ‫َ‬ ‫الحالة وحدَ ها ـ‬ ‫هذه‬
‫وتطابق ات ِ‬
‫َّجاههم مع‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫الكون‪،‬‬ ‫ِ‬
‫حركة‬ ‫تطابق حركتِهم مع‬ ‫ِ‬ ‫ُ‬
‫فينشأ من‬ ‫ِ‬
‫الكون‬
‫توافق حركتِهم مع دواف ِع‬ ‫ِ‬ ‫ُ‬
‫فينشأ من‬ ‫ِّجاهه‪ ..‬و َأما السالم مع َأ ِ‬
‫نفسهم‬ ‫َّ َّ ُ‬
‫ات ِ‬

‫المرء وفطرتِه؛ ألَ َّن شريع َة اهلل‬ ‫ِ‬ ‫حيحة‪ ،‬فال تقو ُم المعرك ُة بي َن‬‫ِ‬ ‫الص‬ ‫ِ‬
‫فطرتهم َّ‬
‫ٍ‬
‫وهدوء‪..‬‬ ‫المضمرة في ٍ‬
‫يسر‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫والفطرة‬ ‫الحركة ال َّظ ِ‬
‫اهرة‬ ‫ِ‬ ‫تنس ُق بي َن‬
‫ِّ‬
‫َّاس‪ ،‬ونشاطِهم‬ ‫ِ‬
‫ارتباط الن ِ‬ ‫آخر في‬ ‫تنسيق ُ‬
‫ٌ‬ ‫وينشأ عن هذا الت ِ‬
‫َّنسيق‬ ‫ُ‬
‫طرف من‬ ‫ٌ‬ ‫موح ٍد‪ ،‬هو‬ ‫منهج َّ‬ ‫ٍ‬ ‫وفق‬‫حينئذ َ‬‫ٍ‬ ‫العا ِّم؛ ألَنَّهم جمي ًعا يس ُل َ‬
‫كون‬
‫الكوني العا ِّم‪.‬‬
‫ِّ‬ ‫ِ‬
‫َّاموس‬ ‫الن‬
‫وتعرفِهـا‬ ‫ِ‬
‫طريـق اهتدائهـا ُّ‬ ‫ِ‬ ‫الخيـر للبشـر َّية عـن‬
‫ُ‬ ‫كذلـك يتح َّق ُ‬
‫ـق‬
‫‪214‬‬
‫ِ‬
‫والكنوز‬ ‫ِ‬
‫المكنونة فيـه‪،‬‬ ‫ِ‬
‫اقـات‬ ‫ِ‬
‫الكـون‪ ،‬وال َّط‬ ‫ِ‬
‫سـرار هـذا‬ ‫إلى َأ‬ ‫في ٍ‬
‫يسـر ٰ‬
‫ِ‬
‫لتحقيق‬ ‫ِ‬
‫شـريعة اهللِ‪،‬‬ ‫وفق‬‫طوائه‪ ،‬واسـتخدا ِم هـذا ك ِّل ِه َ‬ ‫المذخـورة في َأ ِ‬
‫ِ‬
‫ِ‬
‫شـريعة اهلل‬ ‫ُ‬
‫ومقابل‬ ‫تعـارض وال اصطدا ٍم‪..‬‬ ‫ٍ‬ ‫البشـري العا ِّم‪ ،‬بال‬ ‫ِ‬
‫الخيـر‬
‫ِّ‬
‫البشـر‪﴿ :‬ﯣﯤﯥﯦﯧﯨﯩ‬ ‫ِ‬ ‫هـو َأهـوا ُء‬
‫ﯪﯫ﴾ [المؤمنـون‪.]71 :‬‬
‫والكوني‪:‬‬
‫ِّ‬ ‫الديينِّ‬
‫للحق ِّ‬ ‫ظرة اإلسالمي ُ‬
‫َّة ِّ‬ ‫َّ‬
‫الن ُ‬

‫الحق ا َّلذي يقو ُم عليه هذا‬ ‫توحدُ النَّظر ُة اإلسالم َّي ُة بين ِّ‬ ‫ومن َث َّم ِّ‬
‫مر‬‫ويصلح عليه َأ ُ‬
‫ُ‬ ‫رض‪،‬‬ ‫وات واألَ ُ‬
‫الس ٰم ُ‬ ‫والحق ا َّلذي تقو ُم عليه َّ‬ ‫ِّ‬ ‫الدِّ ي ُن‪،‬‬
‫حق واحدٌ‬ ‫ويجازي من َيتعدَّ ْو َن ُه‪ ..‬فهو ٌّ‬ ‫هلل به‬ ‫ِ‬
‫ْ‬ ‫يحاسب ا ُ‬
‫ُ‬ ‫واآلخرة‪،‬‬ ‫الدُّ نيا‬
‫ِ‬
‫الوجود في‬ ‫الكوني العا ُّم ا َّلذي َأرا َده ا ُ‬
‫هلل لهذا‬ ‫ُّ‬ ‫َّاموس‬
‫ال يتعدَّ ُد‪ ،‬وهو الن ُ‬
‫الوجود من‬‫ِ‬ ‫كل ما في‬ ‫ويؤخ ُذ به ُّ‬
‫َ‬ ‫يخضع له‪،‬‬ ‫ِ‬
‫حوال‪ ،‬وا َّلذي‬ ‫جمي ِع األَ‬
‫ُ‬
‫عوالم و َأشياء و َأ ٍ‬
‫حياء‪.‬‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫﴿ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥﯦ ﯧ ﯨ * ﭑ ﭒ‬
‫ﭓﭔﭕﭖﭗﭘﭙﭚ*ﭜﭝﭞ‬
‫ﭟﭠﭡﭢ*ﭤﭥﭦﭧﭨﭩﭪﭫ‬
‫ﭬﭭ*ﭯﭰﭱﭲﭳ*ﭵﭶﭷﭸﭹ‬
‫ﭺﭻﭼ*ﭾﭿﮀﮁﮂﮃﮄ‬
‫*ﮆﮇﮈﮉﮊﮋﮌﮍﮎﮏﮐ*ﮒﮓ‬
‫ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ * ﮡ ﮢ‬
‫ﮣ ﮤ ﮥﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ *‬
‫‪215‬‬

‫ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ﴾ [األَنبياء‪ 10 :‬ـ ‪.]20‬‬


‫الكون‪:‬‬
‫ِ‬ ‫صدام مع فطرِته ومع‬
‫الكافر يف ٍ‬
‫ُ‬

‫عماقها؛ فطبيع ُة تكوينِه‬‫الحق في َأ ِ‬


‫َّ‬ ‫ُ‬
‫تدرك هذا‬ ‫ِ‬
‫اإلنسان‬ ‫وفطر ُة‬
‫إلى فطرتِه َبأ َّن هذا الوجو َد‬
‫توحي ٰ‬
‫ْ‬ ‫الكون ك ِّله من حولِه‬
‫ِ‬ ‫وطبيع ُة هذا‬
‫ِ‬
‫َّاموس‪،‬‬ ‫ثابت على الن‬ ‫صيل فيه‪ ،‬و َأنَّه ٌ‬
‫الحق َأ ٌ‬
‫َّ‬ ‫الحق‪ ،‬و َأ َّن‬
‫ِّ‬ ‫قائم على‬
‫ٌ‬
‫تختلف دورتُه‪ ،‬وال يصطد ُم‬ ‫ُ‬ ‫الس ُبل‪ ،‬وال‬
‫تتفر ُق به ُّ‬
‫يضطرب‪ ،‬وال َّ‬ ‫ُ‬ ‫ال‬
‫الش ِ‬
‫اردة‪ ،‬وال‬ ‫العابرة وال َف ْل ِتة َّ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫المصادفة‬ ‫وفق‬
‫يسير َ‬ ‫ٍ‬
‫ببعض‪ ،‬وال ُ‬ ‫بعضه‬
‫ُ‬
‫قيق‬‫نظام ِه الدَّ ِ‬
‫الجامحة! إنَّما يمضي في ِ‬ ‫ِ‬ ‫ب والر ِ‬
‫غبة‬ ‫وفق الهوى المتق ِّل ِ َّ‬ ‫َ‬
‫تقديرا‪..‬‬
‫ً‬ ‫المحك ِم المقدَّ ِر‬

‫اإلنسان وفطرتِه عندما‬


‫ِ‬ ‫يقع ـ بي َن‬ ‫قاق ـ َأ َّو َل ما ُ‬
‫الش ُ‬ ‫ومن َث َّم ُ‬
‫يقع ِّ‬
‫تحت ْتأ ِ‬
‫ثير هوا ُه‪ ،‬وذلك عندما‬ ‫َ‬ ‫الكامن في َأ ِ‬
‫عماقها‬ ‫ِ‬ ‫ِالحق‬
‫ِّ‬ ‫َيحيدُ عن‬
‫ِ‬
‫شريعة اهلل‪ ،‬وعندما‬ ‫الهوى ال من‬ ‫َّخذ شريع ًة لحياتِه مستمدَّ ًة من هذا‬‫يت ُ‬
‫ٰ‬
‫الكوني الخاض ِع لمواله!‬ ‫ِ‬
‫الوجود‬ ‫يستسلم هلل استسال َم هذا‬ ‫ال‬
‫ِّ‬ ‫ُ‬
‫ِ‬ ‫قاق يقع بين األَ ِ‬
‫والجماعات واألُم ِم واألَ ِ‬
‫جيال‪،‬‬ ‫فراد‬ ‫الش ِ ُ‬ ‫ُ‬
‫ومثل هذا ِّ‬
‫َ‬
‫وسائل‬ ‫وذخائره‬
‫ُ‬ ‫فتنقلب قوا ُه‬
‫ُ‬ ‫والكون من حولِهم؛‬
‫ِ‬ ‫البش ِر‬
‫يقع بين َ‬
‫كما ُ‬
‫َ ِ ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬
‫وسائل عمران‪ ،‬و َأ َ‬
‫سباب‬ ‫َ‬
‫تكون‬ ‫بدل من َأن‬
‫شقاء‪ً ،‬‬ ‫تدمير و َأ َ‬
‫سباب‬
‫ِ‬
‫اإلنسان‪.‬‬ ‫ٍ‬
‫سعادة لبني‬
‫ِ‬
‫شريعة اهلل في األَرض ليس‬ ‫الهدف ال َّظ َ‬
‫اهر من قيا ِم‬ ‫َ‬ ‫وإذن َّ‬
‫فإن‬
‫‪216‬‬
‫ِ‬
‫متكاملتان‪،‬‬ ‫ِ‬
‫مرحلتان‬ ‫العمل لآلخرة‪ ..‬فالدُّ نيا واآلخر ُة م ًعا‬ ‫ِ‬ ‫مجر َد‬
‫َّ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫تنس ُق‬
‫المرحلتين في حياة هذا اإلنسان‪ِّ ،‬‬ ‫وشريع ُة اهلل هي ا َّلتي ِّ‬
‫تنس ُق بين‬
‫اإللهي العا ِّم‪.‬‬
‫ِّ‬ ‫ِ‬
‫َّاموس‬ ‫الحيا َة ك َّلها مع الن‬
‫ِ‬
‫اآلخرة؛ بل‬ ‫يؤج ُل سعاد َة الن ِ‬
‫َّاس إلى‬ ‫ِ‬
‫َّاموس ال ِّ‬ ‫َّناسق مع الن‬
‫والت ُ‬
‫ِ‬
‫تتم تما َمها‬
‫ثم ُّ‬
‫ولى كذلك‪َّ ،‬‬ ‫يجع ُلها واقع ًة ومتح ِّق َق ًة في المرحلة األُ ٰ‬
‫وتبلغ كما َلها في الدَّ ِار اآلخرة‪.‬‬ ‫ُ‬
‫۞۞۞‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫َّصو ِر‬
‫وللوجود‬ ‫للوجود ك ِّله‪،‬‬ ‫اإلسالمي‬
‫ِّ‬ ‫ساس الت ُّ‬ ‫هذا هو َأ ُ‬
‫يختلف في طبيعتِه‬ ‫ُ‬ ‫تصو ٌر‬ ‫ِ‬
‫ذلك الوجود العا ِّم‪ ،‬وهو ُّ‬ ‫ظل َ‬ ‫اإلنساني في ِّ‬
‫ِّ‬
‫تصو ٍر َ‬
‫آخر عرفتْه البشر َّي ُة‪ ،‬ومن َث َّم تقو ُم عليه‬ ‫كل ُّ‬ ‫اختال ًفا جوهر ًّيا عن ِّ‬
‫التزامات ال تقوم على َأي تصو ٍر آخر في جمي ِع األَ ِ‬
‫نظمة والنَّظر َّيات‪..‬‬ ‫ٌ‬
‫َ‬ ‫ُّ‬ ‫ُ ٰ ِّ‬
‫والكون‪:‬‬
‫ِ‬ ‫ريعة‬ ‫اإلنسان َّ‬
‫والش ِ‬ ‫ِ‬ ‫الت ُ‬
‫ناسق بني‬ ‫َّ‬
‫ِ‬
‫االرتباط‬ ‫َّصو ِر ـ هو مقتضى‬ ‫ِ‬ ‫َّ‬
‫إن االلتزا َم بشريعة اهلل ـ في هذا الت ُّ‬
‫يحكم فطر َة‬ ‫ِ‬
‫َّاموس ا َّلذي‬ ‫ِ‬
‫الكون‪ ،‬وبين الن‬ ‫ِ‬
‫وحياة‬ ‫ِ‬
‫البشر‬ ‫ِ‬
‫حياة‬ ‫التَّا ِّم بي َن‬
‫ُ‬
‫ِ‬
‫َّاموس العا ِّم‪،‬‬ ‫ِ‬
‫المطابقة بين هذا الن‬ ‫ثم ضرور ُة‬ ‫َ‬ ‫البش ِر‬
‫َ‬
‫الكون‪َّ ،‬‬ ‫ويحكم هذا‬‫ُ‬
‫ِ‬
‫البشر هلل‬ ‫ِ‬
‫بالتزامها عبود َّي ُة‬ ‫ِ‬
‫اإلنسان‪ ،‬وتتح َّق ُق‬ ‫والش ِ‬
‫ريعة ا َّلتي تن ِّظ ُم حيا َة بني‬ ‫َّ‬
‫ٌ‬
‫إنسان‪.‬‬ ‫الكون هلل وحدَ ه ال يدَّ عيها ِ‬
‫لنفسه‬ ‫ِ‬ ‫وحدَ ُه‪ ،‬كما َأ َّن عبود َّي َة هذا‬
‫ُ‬
‫جرى‬ ‫الحوار ا َّلذي‬ ‫يشير‬ ‫َّطابق والت ِ‬ ‫ِ‬
‫ضرورة هذا الت ِ‬
‫ٰ‬ ‫ُ‬ ‫َّناسق ُ‬ ‫وإلى‬
‫ٰ‬
‫إبراهيم ‪ ‬ـ َأبي هذه األُ َّمة المسلمة ـ وبين «ن ُْمرود» المتج ِّب ِر‬
‫َ‬ ‫بين‬
‫‪217‬‬

‫يستطع ـ مع‬ ‫ِ‬


‫العباد في األَرض‪ ،‬وا َّلذي لم‬ ‫بحق الس ِ‬
‫لطان على‬
‫ْ‬ ‫المدَّ عي ِّ ُّ‬
‫ِ‬ ‫لطان على األَ ِ‬
‫فالك واألَجرا ِم في‬ ‫بحق الس ِ‬
‫الكون‪،‬‬ ‫عي ِّ ُّ‬ ‫ذلك ـ َأ َّن يدَّ َ‬
‫الس َ‬
‫لطان في‬ ‫ُ‬
‫يملك ُّ‬ ‫إن ا َّلذي‬ ‫إبراهيم ‪ ‬وهو ُ‬
‫يقول له‪َّ :‬‬ ‫َ‬ ‫هت َأما َم‬ ‫و ُب َ‬
‫ِ‬
‫البشر‪،‬‬ ‫ِ‬
‫حياة‬ ‫الس ُ‬
‫لطان في‬ ‫َ‬ ‫ينبغي َأن‬ ‫الكون هو وحدَ ُه ا َّلذي‬ ‫ِ‬
‫يكون له ُّ‬ ‫ْ‬
‫ِ‬
‫البرهان‪:‬‬ ‫على هذا‬ ‫ِ‬
‫ولم َيحر جوا ًبا ٰ‬
‫﴿ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ‬
‫ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃﮄ ﮅ ﮆ ﮇ‬
‫ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓﮔ ﮕ ﮖ‬
‫ﮗ ﮘ ﮙ﴾ [البقرة‪.]258 :‬‬
‫هلل العظيم‪:‬‬ ‫ُ‬
‫وصدق ا ُ‬
‫﴿ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ‬
‫ﯳﯴﯵﯶ﴾ [آل عمران‪.]83 :‬‬
‫ِ‬
‫المجتمعات‪ :‬مجتمع‬ ‫ِ‬
‫اثنين من‬ ‫ِ‬
‫نوعين‬ ‫يعرف َّإل‬
‫ُ‬ ‫اإلسال ُم ال‬
‫جاهلي‪..‬‬
‫ٍّ‬ ‫إسالمي‪ ،‬ومجتمع‬
‫ٍّ‬
‫المجتمع ا َّلذي ُيط َّب ُق فيه اإلسال ُم‬
‫ُ‬ ‫اإلسالمي»‪ :‬هو‬
‫ُّ‬ ‫«المجتمع‬
‫ُ‬
‫ونظاما‪ ،‬وخل ًقا وسلوكًا‪..‬‬
‫ً‬ ‫عقيد ًة وعبادةً‪ ،‬وشريع ًة‬
‫المجتمع ا َّلذي ال ُيط َّب ُق فيه اإلسال ُم‪،‬‬
‫ُ‬ ‫الجاهلي»‪ :‬هو‬‫ُّ‬ ‫و«المجتمع‬
‫ُ‬
‫ونظام ُه وشرائ ُع ُه‪،‬‬ ‫يم ُه وموازينُ ُه‪،‬‬ ‫ِ‬
‫ُ‬ ‫وتصورا ُت ُه‪ ،‬وق ُ‬
‫ُّ‬ ‫تحكمه عقيدتُه‬‫ُ‬ ‫وال‬
‫وسلو ُك ُه‪..‬‬‫وخ ُل ُق ُه ُ‬
‫ُ‬

‫ون َأن َ‬
‫َّفسهم‬ ‫سم َ‬
‫ممن ُي ُّ‬
‫ناسا َّ‬ ‫اإلسالمي هو ا َّلذي ُّ‬
‫يضم ً‬ ‫ُّ‬ ‫المجتمع‬
‫ُ‬ ‫ليس‬
‫َ‬
‫قانون هذا المجتمع‪ْ ،‬‬
‫وإن‬ ‫َ‬ ‫«مسلمين» بينما شريع ُة اإلسالم ليست هي‬
‫اإلسالمي هو ا َّلذي‬
‫ُّ‬ ‫المجتمع‬
‫ُ‬ ‫وليس‬
‫البيت الحرا َم! َ‬
‫َ‬ ‫وحج‬
‫َّ‬ ‫ص َّل ٰى وصا َم‬
‫وفصل ُه‬ ‫ِ ِ‬ ‫ِ‬
‫غير ما َّقرر ُه اهللُ ـ سبحانه ـ َّ‬
‫يبتدع لنفسه إسال ًما من عند نفسه؛ َ‬
‫ُ‬
‫المتطو َر»!‬
‫ِّ‬ ‫ويسميه ً‬
‫مثل‪« :‬اإلسال َم‬ ‫ِّ‬ ‫رسو ُله ﷺ‬
‫اجلاهلي‪:‬‬
‫ِّ‬ ‫صوُر اجملتمع‬
‫ٍ‬
‫صور شت َّٰى ـ ك ُّلها جاهل َّي ٌة ـ ‪:‬‬ ‫الجاهلي» قد يتم َّث ُل في‬
‫ُّ‬ ‫و«المجتمع‬
‫ُ‬
‫ِ‬
‫ويفس ُر الت َ‬
‫َّاريخ‬ ‫تعالى‪ِّ ،‬‬ ‫ٰ‬ ‫قد يتم َّث ُل في صورة مجتم ٍع ُ‬
‫ينكر وجو َد اهلل‬
‫‪220‬‬

‫يسم ِيه «االشتراك َّية العلم َّية» نظا ًما‪.‬‬


‫تفسيرا ماد ًّيا َجدل ًّيا‪ ،‬ويط ِّب ُق ما ِّ‬
‫ً‬
‫يجعل له‬ ‫ُ‬ ‫تعالى‪ ،‬ولك ْن‬
‫ٰ‬ ‫ينكر وجو َد اهلل‬ ‫وقد يتم َّث ُل في مجتم ٍع ال ُ‬
‫ملكوت األَرض؛ فال يط ِّب ُق شريع َت ُه في‬ ‫ِ‬ ‫وات‪ ،‬ويعز ُله عن‬‫ملكوت السم ِ‬
‫َ َّ ٰ‬
‫البش ِر‪،‬‬ ‫الحياة‪ ،‬وال يحكِّم قيمه ا َّلتي جعلها هو قيما ثابت ًة في ِ‬
‫حياة َّ‬ ‫ِ‬ ‫نظا ِم‬
‫ً‬ ‫ُ ََُ‬
‫ِ‬
‫والمساجد‪ ،‬ولكنَّ ُه‬ ‫ِ‬
‫والكنائس‬ ‫َّاس َأ ْن يعبدُ وا اهللَ في البِ َي ِع‬
‫ويبيح للن ِ‬
‫ُ‬
‫شريعة اهلل في حياتِهم‪ ،‬وهو بذلك‬ ‫ِ‬ ‫حر ُم عليهم َأن ُيطال ُبوا بتحكي ِم‬ ‫ُي ِّ‬
‫تعالى‪:‬‬
‫ٰ‬ ‫ينص عليها قول ُه‬‫ينكر‪َ ،‬أو يع ِّط ُل ُألوه َّي َة اهلل في األَرض‪ ،‬ا َّلتي ُّ‬ ‫ُ‬
‫﴿ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ﴾ [الزخرف‪.]84 :‬‬
‫المجتمع في ِ‬
‫دين اهلل ا َّلذي يحدِّ ُده قو ُله‪:‬‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬
‫يكون هذا‬ ‫ومن َث َّم ال‬

‫﴿ﮈﮉﮊﮋﮌﮍﮎﮏﮐﮑﮒﮓﮔﮕ﴾ [يوسف‪.]40 :‬‬


‫ِ‬
‫بوجود اهلل ـ سبحانَه ـ ولو‬ ‫يكون مجتم ًعا جاهل ًّيا‪ ،‬ولو َأ َّقر‬ ‫ُ‬ ‫وبذلك‬
‫ِ‬
‫والمساجد‪.‬‬ ‫ِ‬
‫والكنائس‬ ‫عائر هللِ‪ ،‬في البِ َي ِع‬ ‫َّاس يقدِّ َ‬
‫مون َّ‬ ‫َ‬
‫الش َ‬ ‫ترك الن َ‬
‫ُ‬
‫احلضارة‪:‬‬ ‫اإلسال ُم هو‬

‫«المجتمع‬
‫ُ‬ ‫تلك ـ هو وحدَ ُه‬ ‫اإلسالمي» ـ بصفتِه َ‬ ‫ُّ‬ ‫«المجتمع‬
‫ُ‬
‫مجتمعات‬
‫ٌ‬ ‫ِ‬ ‫بكل ِ‬
‫صورها المتعدِّ دة ـ‬ ‫والمجتمعات الجاهل َّي ُة ـ ِّ‬
‫ُ‬ ‫المتحض ُر»‬
‫ِّ‬
‫ِ‬
‫الحقيقة الكبيرة‪.‬‬ ‫إيضاح ِ‬
‫لهذه‬ ‫ٍ‬ ‫متخ ِّلف ٌة! وال ُبدَّ من‬
‫«نحو‬
‫َ‬ ‫تحت ال َّطب ِع بعنوان‪:‬‬ ‫ٍ‬
‫كتاب لي َ‬ ‫مر ًة عن‬ ‫كنت قد َأ ُ‬
‫علنت َّ‬ ‫لقد ُ‬
‫ِ‬ ‫مجتم ٍع‬
‫فحذفت‬
‫ُ‬ ‫اإلعالن التَّالي عنه‬ ‫عدت في‬
‫ُ‬ ‫متحضر»‪َّ ..‬‬
‫ثم‬ ‫ِّ‬ ‫إسالمي‬
‫ٍّ‬
‫‪221‬‬
‫ِ‬
‫البحث ـ كما هو موضو ُعه ـ‬ ‫ُ‬
‫عنوان‬ ‫َ‬
‫يكون‬ ‫«متحض ٍر» مكتف ًيا َبأ ْن‬
‫ِّ‬ ‫كلم َة‪:‬‬
‫إسالمي(‪..)1‬‬
‫ٍّ‬ ‫«نحو مجتم ٍع‬
‫ففسـر ُه‬ ‫ِ‬ ‫ٍ‬ ‫ولفت هذا الت ُ‬
‫جزائري (يكت ُب ُه بالفرنسـ َّية) َّ‬
‫ٍّ‬ ‫كاتب‬ ‫نظر‬
‫َّعديل َ‬ ‫َ‬
‫ـف‬ ‫ناشـئ مـن «عمل َّي ِة دفا ٍع نفسـ َّي ٍة داخل َّي ٍة عن اإلسلام» و َأ ِس َ‬‫ٌ‬ ‫علـى َأ َّن ُه‬
‫ٰ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫غيـر الواعيـة ـ تحر ُمنـي مواجهـ َة «المشـكلة ٰ‬
‫»على‬ ‫ألَ َّن هـذه العمل َّيـ َة ـ َ‬
‫(‪)2‬‬
‫حقيقتِها!‬
‫كنت ُأفك ُِّر على‬ ‫كنت مث َله من ُ‬
‫قبل‪ُ ..‬‬ ‫الكاتب‪ ..‬لقد ُ‬
‫َ‬ ‫َأنا َأ ُ‬
‫عذر هذا‬
‫حضارة اإلنسان‪ ،‬والت ِ‬
‫َّعبير‬ ‫ِ‬ ‫القرن العشرين؛ ا َّلذين كتبوا عن‬ ‫ِ‬ ‫برز مفكِّري‬ ‫(( ( س ِّيد ُق ُطب ‪ ‬من َأ ِ‬
‫واستعالء إيمانه‪ ..‬ومقالته (العبيد) في كتابه «دراسات‬ ‫ِ‬ ‫عن عزَّ ته‪ ..‬وكرامتِه‪ ..‬وحر َّيته‪..‬‬
‫الحر َّي ِة‬ ‫البشري المنحرف عن فطرته‪ ..‬ومعاني ِّ‬
‫ِ‬
‫ِّ‬
‫فضح الس ِ‬
‫لوك‬ ‫ِ ُّ‬ ‫ُتب في‬‫إسالم َّية» من َأروع ما ك َ‬
‫بالض ِ‬
‫رورة‬ ‫فالمسلم َّ‬ ‫ف الحضار َة اإلنسان َّي َة؛ َبأنَّها هي دي ُن اإلسالم ُّ‬
‫الحق‪..‬‬ ‫عر َ‬ ‫ِ‬
‫ُ‬ ‫الحقيق َّية‪ .‬وقد َّ‬
‫تكون الحاكم َّي ُة ال ُعليا والمطلق ُة في‬ ‫ُ‬ ‫خارج دينه القويم‪ ،‬وعندما‬ ‫ِ‬ ‫تحض َر له من‬ ‫متحض ٌر؛ فال ُّ‬ ‫ِّ‬
‫الصور ُة الحقيق َّي ُة‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫تكون هذه هي ُّ‬ ‫تعالى وحدَ ه‪ ..‬بتطبيق شرعه وتنفيذ أمره؛‬ ‫ٰ‬ ‫المجتمع هلل‬
‫ِ‬
‫ُ‬
‫وتكون‬ ‫كامل وحقيق ًّيا من العبود َّية للبشر ولغيره‪..‬‬ ‫تحريرا ً‬ ‫ً‬ ‫البشر‬
‫ُ‬ ‫يتحر ُر فيها‬ ‫الوحيد ُة ا َّلتي َّ‬
‫ِ‬ ‫َ‬ ‫ِ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫الحقيقي‬
‫ِّ‬ ‫َّحرر‬ ‫هذه هي الحضار ُة األصل َّي ُة؛ أل َّن حضار َة اإلنسان تقتضي قاعد ًة أساس َّي ًة من الت ُّ‬
‫حر َّي َة وال كرام َة لإلنسان‬ ‫المطلقة ِّ ٍ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫لكل فرد من المجتمع‪ ،‬وال ِّ‬ ‫الكرامة‬ ‫الكامل لإلنسان‪ ،‬ومن‬
‫يطيعون‪..‬‬ ‫َ‬ ‫وبعضه عبيدٌ‬ ‫ُ‬ ‫يكون َأربا ًبا ُي َش ِّر َ‬
‫عون‪،‬‬ ‫ُ‬ ‫بعضه‬ ‫كل فرد من َأفراده في مجتمع ُ‬ ‫ِ‬ ‫ٍ‬ ‫مم َّث ًل في ِّ‬
‫ووجوب‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ويعر ُفهم معنى العورة‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫اإلسال ُم ا َّلذي ْيأتي للعراة في َأفريقيا؛‬
‫فيستر عوراتهم‪ِّ ،‬‬ ‫ُ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫للصالة‪ ،‬وحرم َة األَ‬ ‫ِ‬
‫الغير‪،‬‬ ‫َ‬
‫وحقوق‬ ‫عراض والدِّ ماء‪،‬‬ ‫َّطه َر َّ‬ ‫سترها‪ ،‬ويع ِّل ُمهم النَّظا َف َة والت ُّ‬
‫ِ‬
‫للحق‪ ،‬واحترا َم القيادة المسلمة مع احترا ِم الحياة وترقيتها‪،‬‬ ‫ِ‬ ‫واالنتصار ِّ‬ ‫والحيا َة االجتماع َّي َة‪،‬‬
‫َ‬
‫مستوى‬ ‫ً‬ ‫غير ذلك؟ فمع َأ ِّي‬ ‫َّحض ُر يرف ُعهم إليهما اإلسال ُم؛ فما الحضار ُة َ‬ ‫فها هي الحضار ُة والت ُّ‬
‫َّحض ِر بهذا الدِّ ين‪ ،‬ولهذا فاإلسال ُم هو‬ ‫قمة الت ُّ‬ ‫ِ‬ ‫َ‬ ‫يستطيع َأن‬ ‫ُ‬
‫يكون في َّ‬ ‫ُ‬ ‫اإلنسان‬ ‫ما ِّد ٍّي كان فيه‬
‫تعالى‪،‬‬ ‫الغربي عندما ْيأتيه اإلسال ُم فيرب ُطه باهلل‬ ‫ِ‬ ‫الر ُ‬
‫جل‬ ‫الحضارةُ‪ .‬فالحضار ُة ا َّلتي‬
‫ٰ‬ ‫ُّ‬ ‫يحتاجها َّ‬ ‫ُ‬
‫الخاص َة ال َّطاغي َة‪ ،‬ويلغي‬ ‫َّ‬ ‫رب العالمين‪ ..‬ال الما َّدةَ‪ ،‬وال اآلل َة‪ ،‬وال ال َّل َّذةَ‪ ،‬وال المنفع َة‬ ‫ويؤ ِّل ُه َّ‬
‫عوب؛ فاإلسال ُم هو الحضارةُ‪.‬‬ ‫الش ِ‬ ‫المرير‪ ،‬واستعبا َد ُّ‬ ‫َ‬ ‫اإلباحي َة المقيت َة‪ ،‬وال ُّظ َ‬
‫لم‬
‫((( وهو المفكر الجزائري األستاذ مالك بن بني ‪.‬‬
‫‪222‬‬
‫ِ‬
‫الكتابة عن هذا‬ ‫َّرت في‬ ‫َّحو ا َّلذي يفكِّر هو ِ‬
‫عليه اآلن‪ ..‬عندما فك ُ‬ ‫الن ِ‬
‫ُ‬
‫مر ٍة! وكانت المشكل ُة عندي ـ كما هي عندَ ه اليوم ـ‬ ‫ِ‬
‫الموضو ِع ألَ َّول َّ‬
‫ِ‬
‫«تعريف الحضارة»!‬ ‫هي مشكل ُة‪:‬‬
‫واسب ال َّثقاف َّي ِة في تكويني‬
‫ِ‬ ‫الر‬ ‫ِ‬
‫صت بعدُ من ضغط َّ‬ ‫لم َأكن قد تخ َّل ُ‬
‫ٍ‬ ‫ٍ‬
‫مصادر َأجنب َّية‪ ..‬غريبة ٰ‬
‫على‬ ‫َ‬ ‫رواسب آتي ٌة من‬
‫ُ‬ ‫َّفسي‪ ،‬وهي‬ ‫العقلي والن ِّ‬
‫ِّ‬
‫اإلسالمي الواضحِ في‬
‫ِّ‬ ‫الرغ ِم من اتِّجاهي‬ ‫اإلسالمي‪ ..‬وعلى َّ‬‫ِّ‬ ‫حسي‬‫ِّ‬
‫تصوري وت ْط ِم ُسه!‬ ‫ُّ‬ ‫واسب كانت ُت َغ ِّب ُش‬ ‫َ‬ ‫الحين؛ َّإل َأ َّن هذه َّ‬
‫الر‬ ‫ِ‬ ‫َ‬
‫ذلك‬
‫وربي ـ ُي ُ‬
‫خايل لي‪ ،‬و ُيغ ِّب ُش‬ ‫الفكر األَ ُّ‬ ‫ُ‬ ‫«الحضارة» ـ كما هو‬ ‫َّ‬ ‫تصو ُر‬
‫كان ُّ‬
‫الرؤي َة الواضح َة األَصيل َة‪.‬‬
‫ويحرمني ُّ‬
‫ُ‬ ‫تصوري‪،‬‬
‫ُّ‬

‫المتحض ُر»(‪.)1‬‬ ‫«المجتمع‬ ‫«المجتمعالمسلم»هو‬ ‫الصورةُ‪..‬‬ ‫ِ‬


‫ِّ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫ثمانجلت ُّ‬
‫َّ‬
‫ِ‬
‫العكس‬ ‫ضيف شي ًئا جديدً ا‪ ..‬على‬ ‫ُ‬ ‫«المتحض ِر» إذن َل ْغ ٌو‪ ،‬ال ُي‬
‫ِّ‬ ‫فكلم ُة‬
‫الل األَجنب َّي َة الغرب َّي َة ا َّلتي‬ ‫ِ‬
‫القارئ تلك ال ِّظ َ‬ ‫حس‬
‫إلى ِّ‬‫تنقل هذه الكلم ُة ٰ‬ ‫ُ‬
‫الرؤي َة الواضح َة األَصيل َة!‬ ‫تصوري‪ ،‬وتحر ُمني ُّ‬ ‫كانت ُت َغ ِّب ُش ُّ‬
‫الحضارة»‪..‬‬ ‫ِ‬
‫«تعريف‬ ‫على‬
‫َّ‬ ‫االختالف إذن هو ٰ‬
‫ُ‬
‫ِ‬
‫الحقيقة!‬ ‫إيضاح إذن ِ‬
‫لهذه‬ ‫ٍ‬ ‫وال ُبدَّ من‬
‫۞۞۞‬
‫الصادقين‪ :‬فس ِّيد‬ ‫(( ( االعتراف بالخطأ‪ ..‬فضيلة وشجاعة‪ ..‬عزيزة نادرة‪ ..‬وهو من صفة العلماء َّ‬
‫للحق والحقيقة‬ ‫الذاتي الدَّ ائم‪ ،‬ونقد ّ‬
‫كل ما يراه مخال ًفا ِّ‬ ‫ُق ُطب ‪ ‬كان من صفاته النبيلة؛ النَّقد َّ‬
‫ٍ‬
‫والصواب‪ ..‬فكان يتراجع عن تصوراته ومبادئه و َأفكاره في َأ ِّي وقت كان‪ ..‬وبدون َأ ِّي تر ُّد ٍّد‬ ‫َّ‬
‫مر بمراحلة‬ ‫قد‬ ‫السبب‪..‬‬ ‫بهذا‬ ‫ب‬ ‫ُ‬
‫ط‬ ‫ُ‬
‫ق‬ ‫د‬ ‫ي‬ ‫س‬ ‫َّ‬
‫ن‬ ‫َ‬
‫أ‬ ‫فنجد‬ ‫خاطئة!‬ ‫و‬ ‫َ‬
‫أ‬ ‫باطلة‪،‬‬ ‫َّها‬
‫ن‬ ‫َ‬
‫أ‬ ‫له‬ ‫ن‬ ‫ي‬ ‫تب‬ ‫إذا‬ ‫؛‬ ‫َأو ع ٍ‬
‫ُقدة‬
‫َّ‬ ‫ِّ‬ ‫َّ َ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫ِّ‬
‫عديدة في حياته األدبية والدعوية‪ ..‬وفي كل مرحلة كانت نحو األحسن واألفضل!‬ ‫َ‬
‫‪223‬‬

‫ُ‬
‫احلضارة‪:‬‬ ‫احلاكمي ُ‬
‫َّة هلل هي‬

‫تكـون الحاكم َّيـ ُة ال ُعليـا فـي مجتمـ ٍع هلل وحـدَ ُه ـ متم ِّثلـ ًة‬ ‫ُ‬ ‫حيـن‬
‫الصـور َة الوحيـد َة ا َّلتي‬ ‫ُ‬ ‫ـريعة اإللهي ِ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫سـيادة َّ‬
‫تكـون هذه هـي ُّ‬ ‫ـة ـ‬ ‫َّ‬ ‫الش‬ ‫فـي‬
‫وتكون‬ ‫ُ‬ ‫ِ‬
‫للبشـر‪..‬‬ ‫كاملا وحقيق ًّيا من العبود َّي ِة‬ ‫ً‬ ‫تحر ًرا‬
‫البش ُـر ُّ‬‫يتحـر ُر فيها َ‬
‫َّ‬
‫اإلنسـان تقتضـي قاعد ًة‬ ‫ِ‬ ‫هـذه هـي «الحضـار َة اإلنسـان َّي َة» ألَ َّن َّ‬
‫حضار َة‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫َّحر ِر‬ ‫ٍ‬
‫المطلقة‬ ‫الكرامة‬ ‫لإلنسـان‪ ،‬ومـن‬ ‫ِ‬
‫الكامل‬ ‫الحقيقي‬
‫ِّ‬ ‫َأساسـ َّية مـن الت ُّ‬
‫ِ‬
‫لإلنسـان‬ ‫الحقيقة ـ وال كرام َة‬‫ِ‬ ‫حر َّيـ َة ـ في‬ ‫ِّ ٍ‬
‫لـكل فرد فـي المجتمع‪ ..‬وال ِّ‬
‫فـرد مـن َأ ِ‬ ‫كل ٍ‬
‫عون‪،‬‬ ‫يشـر َ‬
‫رباب ِّ‬ ‫بعضـه َأ ٌ‬ ‫فـراده ـ في مجتمـ ٍع ُ‬ ‫لا فـي ِّ‬ ‫ُم َم َّث ً‬
‫طيعون!‬
‫َ‬ ‫وبعضـه عبيـدٌ ُي‬
‫ُ‬
‫ينحصر فقط في األَحكا ِم‬ ‫ُ‬ ‫َّشريع ال‬
‫َ‬ ‫نبادر فنب ِّي َن َأ َّن الت‬
‫َ‬ ‫وال ُبدَّ َأ ْن‬
‫الش ِ‬
‫ريعة ـ‬ ‫ِ‬
‫لكلمة َّ‬ ‫الضي ُق في األَ ِ‬
‫ذهان اليو َم‬ ‫ِ‬
‫القانون َّية ـ كما هو المفهو ُم َّ ِّ‬
‫والعادات والتَّقاليدُ ‪ ..‬ك ُّلها‬ ‫رات والمناهج‪ِ ،‬‬
‫والق َي ُم والموازي ُن‪،‬‬ ‫َّصو ُ‬
‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫فالت ُّ‬
‫يخضع األَفرا ُد لضغطِه‪.‬‬ ‫ُ‬ ‫تشريع‬
‫ٌ‬
‫ويخضع‬
‫ُ‬ ‫الض َ‬
‫غوط‪،‬‬ ‫ٍ‬
‫لبعض ـ هذه ُّ‬ ‫بعضهم‬
‫َّاس ـ ُ‬
‫يصنع الن ُ‬
‫ُ‬ ‫وحين‬
‫متحر ًرا‪،‬‬
‫ِّ‬ ‫المجتمع‬
‫ُ‬ ‫ُ‬
‫يكون هذا‬ ‫اآلخر منهم في مجتمعٍ‪ ،‬ال‬
‫ُ‬ ‫البعض‬
‫ُ‬ ‫لها‬
‫وبعضه عبيدٌ ـ كما َأسلفنا ـ وهو ـ من‬
‫ُ‬ ‫بعضه َأ ٌ‬
‫رباب‪،‬‬ ‫مجتمع ُ‬
‫ٌ‬ ‫إنَّما هو‬
‫جاهلي» !‬
‫ٌّ‬ ‫«مجتمع‬
‫ٌ‬ ‫اإلسالمي؛‬
‫ِّ‬ ‫ف‪َ ..‬أو بالمصطلح‬
‫مجتمع متخ ِّل ٌ‬
‫ٌ‬ ‫َث َّم ـ‬
‫المجتمع ا َّلذي يهيم ُن عليه إل ٌه‬
‫ُ‬ ‫اإلسالمي‪ :‬هو وحدَ ُه‬
‫ُّ‬ ‫والمجتمع‬
‫ُ‬
‫ِ‬
‫عبادة اهلل وحدَ ُه‪ ،‬وبذلك‬ ‫إلى‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫َّاس من عبادة العباد ٰ‬
‫ويخرج فيه الن ُ‬
‫ُ‬ ‫واحدٌ ‪،‬‬
‫‪224‬‬
‫ِ‬
‫اإلنسان‪،‬‬ ‫ترتكز إليه حضار ُة‬ ‫الكامل‪ ،‬ا َّلذي‬
‫َ‬ ‫الحقيقي‬ ‫َّحرر‬ ‫يتحر َ‬
‫ُ‬ ‫َّ‬ ‫رون الت َ‬ ‫َّ‬
‫وتتم َّث ُل فيه كرامتُه كما قدَّ رها اهللُ له‪ ،‬وهو يعل ُن خالفتَه في األَرض‬
‫تكريمه في المأل األَ ٰ‬
‫على‪..‬‬ ‫َ‬ ‫عنه‪ ،‬ويعل ُن كذلك‬
‫۞۞۞‬
‫املسلم‪:‬‬ ‫ُ‬
‫رابطة اجملتمع ِ‬ ‫ُ‬
‫العقيدة‬

‫َّجم ِع األَساس َّي ُة في مجتم ٍع هي العقيد َة‬ ‫ُ‬


‫تكون آصر ُة الت ُّ‬ ‫وحين‬
‫ٍ‬
‫واحد‪،‬‬ ‫ويكون هذا ك ُّله صادرا من ٍ‬
‫إله‬ ‫ُ‬ ‫ِ‬
‫الحياة‪،‬‬ ‫ومنهج‬ ‫َّصو َر والفكر َة‬
‫ً‬ ‫َ‬ ‫والت ُّ‬
‫رباب َأرض َّي ٍة تتم َّث ُل فيها‬
‫صادرا من َأ ٍ‬
‫ً‬ ‫ِ‬
‫للبشر‪ ،‬وليس‬ ‫تتم َّث ُل ِّ‬
‫السياد ُة ال ُعليا‬
‫َّجم ُع مم ِّث ًل ألَ ٰ‬
‫على ما في اإلنسان»‬ ‫ُ‬
‫يكون ذلك الت ُّ‬ ‫ِ‬
‫للبشر‪..‬‬ ‫ِ‬
‫البشر‬ ‫عبود َّي ُة‬
‫الروح والفكر‪..‬‬
‫خصائص‪ ..‬خصائص ُّ‬
‫َ‬ ‫من‬
‫الجنس وال َّل َ‬
‫ون‬ ‫َ‬ ‫َّجم ِع في مجتم ٍع هي‬ ‫تكون آصر ُة الت ُّ‬ ‫ُ‬ ‫َفأ َّما حين‬
‫الجنس وال َّل َ‬
‫ون‬ ‫فظاهر َأ َّن‬ ‫رض‪ ..‬وما إلى ذلك من الر ِ‬
‫وابط؛‬ ‫والقو َم واألَ َ‬
‫َ‬ ‫ٌ‬ ‫َّ‬ ‫ٰ‬
‫يبقى‬
‫فاإلنسان ٰ‬
‫ُ‬ ‫ِ‬
‫لإلنسان‪..‬‬ ‫الخصائص ال ُعليا‬
‫َ‬ ‫والقو َم واألَ َ‬
‫رض ال تم ِّث ُل‬
‫يبقى إنسانًا بعد‬ ‫الجنس وال َّل ِ‬
‫ون والقو ِم واألَرض‪ ،‬ولكنَّه ال ٰ‬ ‫ِ‬ ‫إنسانًا بعد‬
‫الروح والفكر!‬
‫ُّ‬
‫وتصو َره‬
‫ُّ‬ ‫الحر ِة ـ َأن يغ ِّي َر عقيدتَه‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫بمحض إرادته َّ‬ ‫ُ‬
‫يملك ـ‬ ‫ثم هو‬
‫َّ‬
‫جنسه‪ ،‬كما َأنَّه‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫يملك َأ ْن يغ ِّي َر لونَه وال َ‬
‫ُ‬ ‫ومنهج حياته‪ ،‬ولكنَّه ال‬
‫َ‬ ‫كره‬
‫وف َ‬
‫يملك َأ ْن يحدِّ َد مولدَ ه في قو ٍم‪ ،‬وال في َأ ٍ‬
‫رض‪..‬‬ ‫ُ‬ ‫ال‬
‫على َأ ٍ‬
‫مر يتع َّل ُق بإرادتهم‬ ‫ٰ‬ ‫َّاس‬
‫يتجم ُع فيه الن ُ‬
‫َّ‬ ‫فالمجتمع ا َّلذي‬
‫ُ‬
‫‪225‬‬

‫المجتمع ا َّلذي‬
‫ُ‬ ‫المتحض ُر‪َ ..‬أ َّما‬
‫ِّ‬ ‫المجتمع‬
‫ُ‬ ‫اتي هو‬
‫الذ ِّ‬ ‫ِ‬
‫واختيارهم َّ‬ ‫الحر ِة‬
‫َّ‬
‫المجتمع‬
‫ُ‬ ‫مر خارجٍ عن إرادتِهم اإلنسان َّي ِة‪ ،‬فهو‬
‫على َأ ٍ‬
‫َّاس ٰ‬
‫يتجم ُع فيه الن ُ‬
‫َّ‬
‫الجاهلي» !‬
‫ُّ‬ ‫«المجتمع‬
‫ُ‬ ‫اإلسالمي‪ ..‬هو‬
‫ِّ‬ ‫ف‪َ ..‬أو بالمصطلح‬
‫المتخ ِّل ُ‬

‫المجتمع ا َّلذي ت َُم ِّث ُل فيه العقيد ُة‬


‫ُ‬ ‫اإلسالمي وحدَ ُه‪ :‬هو‬
‫ُّ‬ ‫والمجتمع‬
‫ُ‬
‫تعتبر فيه العقيد ُة هي الجنس َّي َة ا َّلتي‬
‫ُ‬ ‫َّجم ِع األَساس َّي َة‪ ،‬وا َّلذي‬
‫رابط َة الت ُّ‬
‫ومي‪،‬‬ ‫حمر‪ ،‬واألَ ِ‬
‫بيض‪ ،‬واألَ ِ‬‫سود‪ ،‬واألَ ِ‬ ‫تجمع بين األَ ِ‬
‫والر ِّ‬ ‫والعربي‪ُّ ،‬‬
‫ِّ‬ ‫صفر‪،‬‬ ‫ُ‬
‫ٍ‬
‫واحدة‪َ ،‬ر ُّبها اهللُ‪،‬‬ ‫جناس األَرض في ُأ َّم ٍة‬
‫ِ‬ ‫والحبشي‪ ،‬وسائر ِ َأ‬ ‫والفارسي‪،‬‬
‫ِّ‬ ‫ِّ‬
‫َ‬
‫يلتقون‬ ‫والكل فيها َأندا ٌد‬
‫ُّ‬ ‫وعبود َّيتُها له وحدَ ُه‪ ،‬واألَكر ُم فيها هو األَ ٰ‬
‫تقى‪،‬‬
‫يشر ْعه َأحدٌ من العباد!‬ ‫على َأ ٍ‬
‫مر شر َعه اهللُ لهم‪ ،‬ولم ِّ‬ ‫ٰ‬
‫۞۞۞‬
‫املسلم‪:‬‬
‫اإلنسان يف اجملتمع ِ‬
‫ِ‬ ‫ُ‬
‫قيمة‬

‫اإلنسان هي القيم َة ال ُعليا في مجتمعٍ‪،‬‬ ‫ِ‬ ‫تكون «إنسان َّي ُة‬ ‫ُ‬ ‫وحين‬
‫يكون‬
‫ُ‬ ‫ِ‬
‫واالعتبار‪،‬‬ ‫موضع التَّكري ِم‬
‫َ‬ ‫الخصائص اإلنسان َّي ُة فيه هي‬ ‫ُ‬ ‫وتكون‬
‫ُ‬
‫ٍ‬
‫صورة ـ هي‬ ‫تكون «الما َّدةُ» ـ في َأ َّية‬
‫ُ‬ ‫متحض ًرا‪َ ..‬فأ َّما حين‬ ‫ِّ‬ ‫المجتمع‬ ‫هذا‬
‫ُ‬
‫الماركسي‬ ‫صورة «النَّظر َّية» كما في الت ِ‬
‫َّفسير‬ ‫ِ‬ ‫سواء في‬ ‫القيم َة ال ُعليا‪..‬‬
‫ِّ‬ ‫ٌ‬
‫ِ‬
‫وسائر‬ ‫ي» كما في َأمريكا َ‬
‫وأور َّبا‬ ‫صور «اإلنتاجِ الما ِّد ِّ‬ ‫ِ‬ ‫للتَّاريخِ ! َأم في‬
‫ِ‬
‫ي قيم ًة ُعليا ت ُْهدَ ُر في سبيلها ُ‬
‫القيم‬ ‫اإلنتاج الما ِّد َّ‬
‫َ‬ ‫المجتمعات ا َّلتي ت ُ‬
‫َعتبر‬
‫يكون مجتم ًعا مخت ِّل ًفا‪َ ..‬أو‬ ‫ُ‬ ‫المجتمع‬
‫َ‬ ‫فإن هذا‬
‫والخصائص اإلنسان َّية‪َّ ..‬‬ ‫ُ‬
‫اإلسالمي؛ مجتم ًعا جاهل ًّيا!‬
‫ِّ‬ ‫بالمصطلح‬
‫‪226‬‬

‫يحتقر الما َّدةَ‪ ،‬ال في‬ ‫ُ‬ ‫اإلسالمي‪ ..‬ال‬


‫َّ‬ ‫المتحض َر‪..‬‬
‫ِّ‬ ‫المجتمع‬
‫َ‬ ‫إن‬
‫َّ‬
‫الكون ا َّلذي‬ ‫ُ‬ ‫ف منها هذا‬ ‫(باعتبارها هي ا َّلتي َ‬
‫يتأ َّل ُ‬ ‫ِ‬ ‫صورة النَّظر َّية‬‫ِ‬

‫ي»‬ ‫ِ‬
‫صور «اإلنتاجِ الما ِّد ِّ‬ ‫يضا) وال في‬ ‫ونتأ َّث ُر ِبه‪ ،‬ونُؤ ِّث ُر فيه َأ ً‬
‫نعيش فيه َ‬ ‫ُ‬
‫عن اهللِ‪ ،‬ولكنَّه فقط‬ ‫الخالفة في األَرض ِ‬ ‫ِ‬ ‫«فاإلنتاج» المادي من مقو ِ‬
‫مات‬ ‫ِّ‬ ‫ِّ ُّ‬ ‫ُ‬
‫ِ‬
‫«اإلنسان»‬ ‫خصائص‬
‫ُ‬ ‫يعتبرها هي القيم َة ال ُعليا ا َّلتي ت ُْهدَ ُر في سبيلِها‬ ‫ال ُ‬
‫وتهدر فيها قاعد ُة‬ ‫ِ‬
‫الفرد وكرامتُه‪،‬‬ ‫حر َّي ُة‬
‫ُ‬ ‫ومقوماتُه!‪ ..‬وتُهدَ ُر من أجلها ِّ‬ ‫ِّ‬
‫أخالق المجتمع وحرماتُه‪..‬‬ ‫ُ‬ ‫ُهدر فيها‬
‫ومقوماتُها‪ ،‬وت ُ‬ ‫ِّ‬ ‫«األُسرة»‬
‫المجتمعات الجاهل َّي ُة من القيم ال ُعليا‪،‬‬
‫ُ‬ ‫تهدره‬
‫ُ‬ ‫إلى آخر ما‬
‫ٰ‬
‫ِ‬
‫اإلنتاج الما ِّد ِّي!‬ ‫ِ‬
‫والحرمات‪ ،‬لتح ِّق َق الوفر َة في‬ ‫ِ‬
‫والفضائل‬
‫«القيم اإلنسان َّي ُة واألَ ُ‬
‫خالق اإلنسان َّي ُة» ا َّلتي تقو ُم‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬
‫تكون‬ ‫وحين‬
‫متحض ًرا‪.‬‬
‫ِّ‬ ‫المجتمع‬
‫ُ‬ ‫ُ‬
‫يكون هذا‬ ‫السائد َة في مجتمعٍ‪،‬‬
‫عليها‪ ،‬هي َّ‬
‫خالق اإلنسان َّي ُة ليست َ‬
‫مسأل ًة غامض ًة مائع ًة‪،‬‬ ‫والقيم اإلنسان َّي ُة واألَ ُ‬
‫ُ‬
‫ٍ‬
‫حال‬ ‫على‬ ‫«متطورةً» متغ ِّير ًة متبدِّ ل ًة‪ ،‬ال‬
‫تستقر ٰ‬
‫ُّ‬ ‫ِّ‬ ‫قيما‬ ‫وليست كذلك ً‬
‫تزعم‬
‫ُ‬ ‫َّفسير الما ِّد ُّي للت ِ‬
‫َّاريخ‪ ،‬وكما‬ ‫يزعم الت ُ‬ ‫ُ‬ ‫صل‪ ،‬كما‬ ‫إلى َأ ٍ‬
‫ترجع ٰ‬
‫ُ‬ ‫وال‬
‫«االشتراك َّي ُة العلم َّي ُة»!‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫القيم واألَ ُ‬
‫اإلنسان‬ ‫خصائص‬
‫َ‬ ‫اإلنسان‬ ‫ُنمي في‬ ‫خالق ا َّلتي ت ِّ‬ ‫ُ‬ ‫إنَّها‬
‫الجانب ا َّلذي يم ِّي ُز ُه‬ ‫ِ‬
‫َ‬ ‫ب فيه هذا‬‫دون الحيوان‪ ،‬وا َّلتي تُغ ِّل ُ‬ ‫ا َّلتي َّ‬
‫يتفر ُد بها َ‬
‫تنمي فيه‬ ‫القيم واألَ َ‬
‫خالق ا َّلتي ِّ‬ ‫َ‬ ‫رزه عن الحيوان‪ ،‬وليست هي‬ ‫و َي ْع ُ‬
‫ِ‬
‫الحيوان‪.‬‬ ‫ُ‬
‫يشترك فيها مع‬ ‫الجوانب ا َّلتي‬ ‫وتغ ِّلب‬
‫َ‬
‫‪227‬‬

‫وحاسم‬
‫ٌ‬ ‫ٌ‬
‫فاصل‬ ‫يبرز فيها ٌّ‬
‫خط‬ ‫الوضع ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫المسأل ُة هذا‬ ‫توضع‬
‫ُ‬ ‫وحين‬
‫المستمر َة ا َّلتي يحاو ُلها «التَّطور ُّي َ‬
‫ون»!‬ ‫َّ‬ ‫و«ثابت‪ ،‬ال ُ‬
‫يقبل عمل ّي َة التَّميي ِع‬ ‫ٌ‬
‫ون»!‬
‫ون العلم ُّي َ‬
‫و«االشتراك ُّي َ‬
‫ُ‬
‫الفرق بني القيم اإلسالميَّة واجلاهليَّة‪:‬‬

‫القيم‬ ‫اصطالح البيئة و ُعر ُفها هو ا َّلذي يحدِّ ُد‬ ‫ُ‬


‫يكون‬ ‫ٍ‬
‫عندئذ ال‬
‫َ‬ ‫ُ‬
‫ُ‬
‫يكون‬ ‫ٍ‬
‫عندئذ ال‬ ‫ثابت‪..‬‬ ‫ٌ‬
‫ميزان ٌ‬ ‫اختالف ِ‬
‫البيئة‬ ‫ِ‬ ‫ُ‬
‫يكون ورا َء‬ ‫األَخالق َّي َة‪ ،‬إنَّما‬
‫قيم و َأ ٌ‬
‫خالق‬ ‫خرى «صناع َّية»! وال ٌ‬ ‫خالق «زراع َّية» و ُأ ٰ‬
‫قيم و َأ ٌ‬ ‫هناك ٌ‬
‫رأسمال َّية» و ُأخرى «اشتراك َّية» وال قيم و َأخالق «برجواز َّية» و ُأ ٰ‬
‫خرى‬ ‫ْ‬
‫ِ‬
‫المعيشة‬ ‫تكون هناك َأخالق من صن ِع ِ‬
‫البيئة ومستوى‬ ‫ُ‬ ‫«صعلوك َّية»! وال‬
‫والشكل َّي ِة‪..‬‬
‫َّ‬ ‫السطح َّي ِة‬ ‫ِ‬ ‫إلى ِ‬
‫آخر هذه التَّغ ُّيرات َّ‬
‫ِ‬
‫وطبيعة المرحلة‪ٰ ..‬‬
‫ِ‬

‫هناك ـ من وراء ذلك ك ِّل ِه ـ قيم و َأخالق «إنسان َّية» وقيم‬ ‫َ‬ ‫ُ‬
‫تكون‬ ‫إنَّما‬
‫اإلسالمي‪:‬‬
‫ِّ‬ ‫َّعبير ـ َأو بالمصطلح‬ ‫و َأخالق «حيوان َّية» ـ إذا َّ‬
‫صح هذا الت ُ‬
‫خالق جاهل َّي ٌة‪.‬‬
‫وأ ٌ‬ ‫وقيم َ‬
‫خالق إسالم َّي ٌة‪ٌ ،‬‬ ‫قيم َ‬
‫وأ ٌ‬ ‫ٌ‬
‫تنمي‬‫قيمه و َأخال َقه هذه «اإلنسان َّية» ـ َأي‪ :‬ا َّلتي ِّ‬ ‫يقر ُر َ‬ ‫َّ‬
‫إن اإلسال َم ِّ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫الحيوان ـ ويمضي في‬ ‫تفر ُقه وتم ِّي ُزه عن‬‫الجوانب ا َّلتي ِّ‬
‫َ‬ ‫اإلنسان‬ ‫في‬
‫ِ‬
‫المجتمعات ا َّلتي يهيم ُن عليها‪ ،‬سوا ٌء‬ ‫كل‬ ‫إنشائها وتثبيتِها وصيانتِها في ِّ‬‫ِ‬
‫طور الص ِ‬ ‫ور َّ ِ‬
‫ناعة‪ ،‬وسواء‬ ‫الزراعة‪َ ،‬أم في ِ ِّ‬ ‫المجتمعات في َط ِ‬
‫ُ‬ ‫كانت هذه‬
‫ٍ‬
‫مجتمعات حضر َّي ًة‬ ‫عي‪َ ،‬أم‬ ‫الر ِ‬ ‫ُ‬ ‫ٍ‬
‫مجتمعات بدو َّي ًة‬
‫تعيش على َّ‬ ‫كانت‬
‫المجتمعات فقير ًة َأو غن َّي ًة‪..‬‬
‫ُ‬ ‫مستقرةً‪ ،‬وسوا ٌء كانت هذه‬
‫َّ‬
‫‪228‬‬
‫ِ‬
‫َّكسـة‬ ‫ويحر ُسـها من الن‬ ‫بالخصائص اإلنسـان َّي ِة‪،‬‬
‫ِ‬ ‫إنَّـه يرتقي ُص ُعدً ا‬
‫ُ‬
‫ِ‬
‫واالعتبـارات يمضي‬ ‫الصاعـدَ فـي القيـم‬ ‫َ‬ ‫إلـى الحيواني ِ‬
‫ـة؛ ألَ َّن‬
‫الخـط َّ‬ ‫َّ‬
‫انتكـس هـذا‬ ‫اإلنسـاني‪ ..‬فـإذا‬ ‫الحيوانـي إلـى المرتفـع‬ ‫مـن الـدَّ ِ‬
‫رك‬
‫َ‬ ‫ِّ‬ ‫ِّ‬
‫يكـون ذلـك حضـارةً! إنَّمـا هـو‬ ‫َ‬ ‫حضـارة المـا َّد ِة ـ فلـن‬
‫ِ‬ ‫ُّ‬
‫الخـط ـ مـع‬
‫ـف» َأو هـو «الجاهل َّيـ ُة»!‬ ‫«التَّخ ُّل ُ‬

‫۞۞۞‬
‫ُ‬
‫قاعدة اجملتمع‪:‬‬ ‫ُ‬
‫األسرة‬

‫تكون «األُسرةُ» هي قاعد َة المجتمع‪ ،‬وتقو ُم هذه األُسر ُة‬


‫ُ‬ ‫وحين‬
‫ِ‬
‫الجيل‬ ‫وتكون رعاي ُة‬
‫ُ‬ ‫ِ‬
‫َّوجين في العمل‪،‬‬ ‫على َأساس «الت ُّ‬
‫َّخصص» بين الز‬ ‫ٰ‬
‫ِ‬
‫وظائف األُسرة‪..‬‬
‫متحض ًرا‪..‬‬
‫ِّ‬ ‫المجتمع‬
‫ُ‬ ‫يكون هذا‬
‫ُ‬ ‫َّاشئ هي َأ َّ‬
‫هم‬ ‫الن ِ‬

‫ُ‬
‫تكون‬ ‫اإلسالمي ـ‬
‫ِّ‬ ‫ظل المنهج‬ ‫َّحو ـ في ِّ‬ ‫على هذا الن ِ‬ ‫ذلك َأ َّن األَسر َة ٰ‬
‫القيم واألَ ُ‬
‫خالق «اإلنسان َّي ُة» ا َّلتي َأشرنا‬ ‫هي البيئ َة ا َّلتي ُ‬
‫تنشأ و ُتن ََّم ٰى فيها ُ‬
‫يستحيل َأن َ‬
‫تنشأ‬ ‫ُ‬ ‫الجيل الن ِ‬
‫َّاشئ‪ ،‬وا َّلتي‬ ‫ِ‬ ‫الفقرة الس ِ‬
‫ابقة‪ ،‬مم َّثل ًة في‬ ‫ِ‬ ‫إليها في‬
‫َّ‬
‫وحدة األُ ِ‬
‫سرة؛ َفأ َّما حين‬ ‫ِ‬ ‫خرى ِ‬ ‫ٍ‬
‫العالقات الجنس َّي ُة‬
‫ُ‬ ‫ُ‬
‫تكون‬ ‫غير‬ ‫في وحدة ُأ ٰ‬
‫رعي» هي قاعد َة المجتمع‪ ،‬حين‬ ‫«غير َّ‬
‫الش ِّ‬ ‫َّسل ُ‬‫يسمونها» والن ُ‬
‫«الحر ُة كما ُّ‬
‫َّ‬
‫ِ‬ ‫الجنسين على َأساس الهوى والن ِ‬
‫واالنفعال‪ ،‬ال‬ ‫َّزوة‬ ‫ٰ‬ ‫ِ ٰ‬ ‫العالقات بين‬
‫ُ‬ ‫تقو ُم‬
‫تصبح‬ ‫سرة‪ ..‬حين‬ ‫ص الوظيفي في األُ ِ‬ ‫َّخص ِ‬ ‫ِ‬ ‫على َأساس‬
‫ُ‬ ‫ِّ‬ ‫الواجب والت ُّ‬ ‫ٰ‬
‫الزين َة وال َغواي َة والفتن َة‪ ..‬وحين تتخ َّلى المر َأ ُة عن‬‫وظيف ُة المر َأ ِة هي َّ‬
‫وظيفتِها األَساس َّية في رعاية الجيل الجديد‪ ،‬وت ُْؤثِ ُر هي ـ َأو ُي ْؤثِ ُر لها‬
‫‪229‬‬

‫تنفق‬ ‫ٍ‬
‫طائرة‪ ..‬حين ُ‬ ‫ٍ‬
‫سفينة َأو‬ ‫تكون مضيف ًة في ٍ‬
‫فندق َأو‬ ‫َ‬ ‫المجتمع ـ َأ ْن‬
‫ُ‬
‫ِ‬
‫«صناعة‬ ‫دوات» وال تنف ُقها في‬‫وصناعة األَ ِ‬
‫ِ‬ ‫ي‬‫طاقتَها في «اإلنتاجِ الما ِّد ِّ‬
‫عز و َأكر ُم من «اإلنتاجِ‬
‫غلى و َأ ُّ‬ ‫ٍ‬
‫اإلنتاج الما ِّد َّي يومئذ َأ ٰ‬ ‫َ‬ ‫اإلنسان َّي ِة» ألَ َّن‬
‫اإلنساني‪..‬‬ ‫ِ‬
‫بالقياس‬ ‫الحضاري»‬ ‫يكون هنا هو «التَّخ ُّل ُ‬
‫ف‬ ‫ُ‬ ‫ٍ‬
‫عندئذ‬ ‫اإلنساني»‬
‫ِّ‬ ‫ُّ‬ ‫ِّ‬
‫اإلسالمي‪.‬‬
‫ِّ‬ ‫تكون هي «الجاهل َّي ُة» بالمصطلح‬ ‫ُ‬ ‫َأو‬
‫الجنسين قض َّي ٌة حاسم ٌة في‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫والعالقات بين‬ ‫وقضي ُة األُ ِ‬
‫سرة‬ ‫َّ‬
‫إسالمي‪..‬‬ ‫جاهلي َأم‬ ‫متحض ٍر‪،‬‬ ‫ِّ‬ ‫ف َأم‬‫صفة المجتمع‪ ،‬متخ ِّل ٍ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫تحديد‬
‫ٍّ‬ ‫ٍّ‬
‫َّزعات الحيوان َّي ُة في‬
‫ُ‬ ‫خالق والن‬ ‫القيم واألَ ُ‬ ‫والمجتمعات ا َّلتي تسو ُد فيها ُ‬
‫ُ‬
‫متحضرةً‪ ،‬مهما ْ‬
‫تبلغ من‬ ‫ِّ‬ ‫ٍ‬
‫مجتمعات‬ ‫َ‬
‫تكون‬ ‫العالقة ال يمك ُن َأن‬ ‫ِ‬ ‫هذه‬
‫خطئ‬
‫المقياس ال ُي ُ‬‫َ‬ ‫إن هذا‬ ‫والعلمي! َّ‬
‫ِّ‬ ‫واالقتصادي‬
‫ِّ‬ ‫ناعي‬
‫الص ِّ‬ ‫َّفو ِق ِّ‬
‫الت ُّ‬
‫«اإلنساني»‪.‬‬
‫ِّ‬ ‫قياس مدى التَّقدُّ م‬ ‫ِ‬ ‫في‬
‫خالقي»‬ ‫ينحسر المفهو ُم «األَ‬ ‫ِ‬
‫الحديثة‬ ‫ِ‬
‫المجتمعات الجاهل َّية‬ ‫وفي‬
‫ُّ‬ ‫ُ‬
‫«اإلنساني» عن ال َّطاب ِع‬
‫ِّ‬ ‫كل ما له عالق ٌة بالتَّم ُّي ِز‬ ‫يتخلى عن ِّ‬ ‫ٰ‬ ‫بحيث‬
‫ِ‬ ‫«الحيواني»! ففي ِ‬
‫العالقات الجنس َّي ُة ُ‬
‫غير‬ ‫ُ‬ ‫تعتبر‬
‫ُ‬ ‫المجتمعات ال‬ ‫هذه‬ ‫ِّ‬
‫الشا َّذ ُة ـ رذيل ًة َأخالق َّي ًة‪..‬‬
‫العالقات الجنس َّي ُة َّ‬ ‫ُ‬ ‫الشرع َّي ِة ـ وال حتَّى‬‫َّ‬
‫المعامالت االقتصاد َّي ِة ـ‬‫ِ‬ ‫ينحصر في‬ ‫ُ‬ ‫خالقي يكا ُد‬
‫َّ‬ ‫إن المفهو َم األَ‬‫َّ‬
‫ولة» ففضيح ُة كريستين‬ ‫«مصلحة الدَّ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫حدود‬ ‫والسياس َّي ِة َأحيانًا ـ في‬ ‫ِّ‬
‫رف المجتمع‬ ‫مثل ـ لم تكن في ُع ِ‬ ‫اإلنجليزي ـ ً‬ ‫ِ‬
‫الوزير‬ ‫كيلر وبروفيمو‬
‫ْ‬ ‫ِّ‬
‫الجنسي‪ ..‬إنَّما كانت فضيح ًة؛ ألَ َّن‬
‫ِّ‬ ‫اإلنجليزي فضيح ًة بسبب جانبِها‬
‫ِّ‬
‫الروسي‪ ،‬ومن‬ ‫ِّ‬ ‫البحري‬
‫ِّ‬ ‫ِ‬
‫للملحق‬ ‫كريستين كيلر كانت صديق ًة كذلك‬
‫‪230‬‬
‫ِ‬
‫الفتاة!‬ ‫ِ‬
‫الوزير بهذه‬ ‫ِ‬
‫عالقة‬ ‫هناك خطر على َأسرار الدَّ ِ‬
‫ولة في‬ ‫َ‬ ‫ُ‬
‫يكون‬ ‫هنا‬
‫ٌ ٰ‬
‫اإلنجليزي!‬
‫ِّ‬ ‫وكذلك ألَنَّه افت َ‬
‫ُضح كذ ُبه على البرلمان‬
‫وفضائح‬
‫ُ‬ ‫مريكي‪،‬‬
‫ِّ‬ ‫الشيوخِ األَ‬ ‫والفضائح المماثل ُة في مجلس ُّ‬
‫ُ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫اإلنجليز واألَمريكان ا َّلذي َن هربوا ٰ‬
‫إلى روسيا‪.‬‬ ‫ِ‬
‫الجواسيس والمو َّظفي َن‬
‫الجنسي! ولكن بسبب الخطر‬ ‫ِ‬
‫شذوذهم‬ ‫فضائح بسبب‬ ‫إنَّها ليست‬
‫ِّ‬ ‫َ‬
‫على َأسرار الدَّ ولة!‬
‫ٰ‬
‫اجلاهلي‪:‬‬
‫ِّ‬ ‫ختل ُف اجملتمع‬
‫ُّ‬
‫ِ‬ ‫والروائ ُّي َ‬ ‫والص َحف ُّي َ‬
‫المجتمعات الجاهل َّية هنا‬ ‫ون في‬ ‫ون ِّ‬ ‫َّ‬ ‫وال ُكت ُ‬
‫َّاب‬
‫«الح َّرةَ»‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫وجات‪َّ :‬‬ ‫ِ‬ ‫وهناك‪ ،‬يقولونَها صريح ًة‬
‫إن االتِّصاالت ُ‬ ‫والز‬
‫للفتيات َّ‬
‫الفتى رفيقتَه‪َ ،‬أو‬
‫ٰ‬ ‫يخدع‬
‫َ‬ ‫الرذيل ُة األَخالق َّي ُة َأ ْن‬ ‫رذائل َأخالق َّي ًة‪َّ .‬‬
‫َ‬ ‫ليست‬
‫الزوج ُة‬ ‫َ‬ ‫الو َّد؛ بل الرذيل ُة َأن‬ ‫ِ‬
‫تحافظ َّ‬ ‫ص له ُ‬ ‫تخدع الفتا ُة رفي َقها‪ ،‬وال تُخل َ‬ ‫َ‬
‫لزوجها قد خمدت! والفضيل ُة َأ ْن‬ ‫ِ‬ ‫الحب‬ ‫ِ‬
‫على ع َّفتها؛ إذا كانت شهو ُة‬
‫ِّ‬ ‫ٰ‬
‫ٍ‬
‫تعطيه جسدَ ها َبأمانة!‪..‬‬ ‫صديق ِ‬ ‫ٍ‬ ‫تبحث لها عن‬‫َ‬

‫ومئات التَّوجيهات اإلخبار َّية‪،‬‬


‫ُ‬ ‫حمورها!‬ ‫ِ‬
‫القصص هذا ُ‬ ‫عرشات من‬
‫ٌ‬
‫إحياءاتا‪..‬‬
‫ُ‬ ‫ِ‬
‫والفكاهات هذه‬ ‫والرسوم الكاريكاتوري ِة‪ ،‬والن ِ‬
‫ُّكت‬ ‫َّ‬ ‫ُّ‬
‫متحض ٍ‬ ‫ِ‬
‫رة‪ ..‬من‬ ‫ِّ‬ ‫مجتمعات متخ ِّلف ٌة‪ُ ..‬‬
‫غير‬ ‫ٌ‬ ‫المجتمعات‬ ‫ُ‬
‫مثل هذه‬
‫«اإلنساني»‪.‬‬ ‫ِ‬
‫«اإلنسان» وبمقياس ِّ‬
‫خط التَّقدُّ م‬ ‫نظر‬ ‫ِ‬
‫وجهة ِ‬
‫ِّ‬
‫ِ‬
‫َّزوات‬ ‫«الضبط» للن‬
‫َّ‬ ‫خط التَّقدُّ ِم اإلنساني يسير في ات ِ‬
‫ِّجاه‬ ‫إن َّ‬ ‫َّ‬
‫ُ‬ ‫ِّ‬
‫ِ‬
‫وحصرها في نطاق «األُسرة» ٰ‬
‫على َأساس «الواجب» لتؤ ِّد َي‬ ‫ِ‬ ‫الحيوان َّي ِة‪،‬‬
‫‪231‬‬

‫إنساني‬ ‫جيل‬ ‫ِ‬


‫ليست ال َّل َّذ ُة غايتَها‪ ،‬وإنَّما هي إعدا ُد ٍ‬ ‫بذلك «وظيف ًة إنسان َّية»‬
‫ٍّ‬
‫ِ‬
‫الحضارة «اإلنسان َّية» ا َّلتي يم ِّي ُزها‬ ‫ِ‬
‫ميراث‬ ‫الحاضر في‬ ‫َ‬
‫الجيل‬ ‫يخ ُل ُ‬
‫ف‬
‫َ‬
‫ِ‬
‫خصائص‬ ‫يترقى في‬
‫ٰ‬ ‫الخصائص اإلنسان َّي ِة‪ ..‬وال يمك ُن إعدا ُد ٍ‬
‫جيل‬ ‫ِ‬ ‫بروز‬
‫ُ‬
‫سرة مح ٍ‬
‫وطة‬ ‫حضن ُأ ٍ‬ ‫ِ‬ ‫اإلنسان‪ ،‬ويبتعدُ عن خصائص الحيوان؛ َّإل في َم‬ ‫ِ‬
‫َ ُ‬
‫الواجب‬‫ِ‬ ‫على َأساس‬ ‫ٍ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫بضمانات األَ ِ‬
‫العاطفي‪ ،‬وقائمة ٰ‬
‫ِّ‬ ‫واالستقرار‬ ‫من‬
‫ارئة‪ .‬وفي المجتمع ا َّلذي تنش ُئه‬ ‫االنفعاالت ال َّط ِ‬
‫ِ‬ ‫رجح مع‬ ‫ا َّلذي ال َ‬
‫يتأ ُ‬
‫ينحسر فيه‬
‫ُ‬ ‫واإليحاءات الخبيث ُة المسموم ُة‪ ،‬وا َّلذي‬
‫ُ‬ ‫َّوجيهات‬
‫ُ‬ ‫تلك الت‬
‫الجنس‪ ،‬ال يمك ُن َأن يقو َم‬
‫ِ‬ ‫كل ِ‬
‫آداب‬ ‫فيتخلى عن ِّ‬
‫ٰ‬ ‫خالقي‪،‬‬
‫ُّ‬ ‫المفهو ُم األَ‬
‫اإلنساني‪..‬‬
‫ُّ‬ ‫ذلك المحض ُن‬
‫مانات‬
‫ُ‬ ‫والض‬
‫واإليحاءات َّ‬
‫ُ‬ ‫خالق‬ ‫من َأجل ذلك ك ِّل ِه تكون ِ‬
‫الق َي ُم واألَ ُ‬
‫اللئق َة باإلنسان‪.‬‬‫اإلسالم َّي ُة هي َّ‬

‫اإلسالمي هو‬
‫ُّ‬ ‫المجتمع‬
‫ُ‬ ‫ُ‬
‫ويكون‬ ‫ُ‬
‫ويكون «اإلسال ُم هو الحضارة»‬
‫المقياس ال َّث ِ‬
‫ابت ا َّلذي ال يتم َّي ُع َأو ال‬ ‫ِ‬ ‫المتحض َر‪ ..‬بذلك‬
‫ِّ‬ ‫المجتمع‬
‫َ‬
‫«يتطو ُر»‪.‬‬
‫َّ‬
‫۞۞۞‬
‫األرض‪:‬‬
‫اإلنسان يف ِ‬
‫ِ‬ ‫خالفة‬
‫ِ‬ ‫معنىٰ‬
‫و َأخيرا فإ َّنه حين يقوم «اإلنسان» بالخالفة عن «اهلل» في َأ ِ‬
‫رضه‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫ً‬
‫ص من العبود َّي ِة‬
‫ص عبود َّيت ُه هلل‪ ،‬و َي ْخ ُل َ‬
‫ِ‬
‫حيح‪َ :‬بأن ُي ْخل َ‬
‫الص ِ‬‫وجهها َّ‬ ‫على ِ‬ ‫ٰ‬
‫االعتراف بشرع َّي ِة منهج‬
‫َ‬ ‫ويرفض‬‫َ‬ ‫منهج اهلل وحدَ ُه‪،‬‬‫َ‬ ‫لغيره‪ ،‬و َأ َّن يح ِّق َق‬
‫‪232‬‬

‫تحكيم‬
‫َ‬ ‫وينكر‬
‫َ‬ ‫غيره‪ ،‬و َأن ُي َحك َِّم شريع َة اهلل وحدَ ُها في حياتِه ك ِّلها‪،‬‬
‫خالق ا َّلتي قررها اهلل له‪ ،‬وي ِ‬
‫سق َط‬ ‫يعيش بالق َيم واألَ ِ‬‫شريعة سواها‪ ،‬و َأن َ‬ ‫ٍ‬
‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫َّ َ‬
‫المدَّ عاةَ‪.‬‬ ‫الق َي َم واألَ َ‬
‫خالق ُ‬

‫َّواميس الكون َّي ِة ا َّلتي‬


‫ِ‬ ‫ف بـعد ذلـك كـ َّله إلـى الن‬ ‫ثم َبأن َّ‬
‫يتعر َ‬ ‫َّ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫الحياة‪،‬‬ ‫ترقية‬ ‫الكون الما ِّد ِّي‪ ،‬ويستخد َمها في‬ ‫هلل في هذا‬‫َأودعها ا ُ‬
‫رزاقها و َأقواتِها ا َّلتي َأود َعها اهلل‬
‫خامات األَرض و َأ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫استنباط‬ ‫وفي‬
‫على‬ ‫َ‬
‫اإلنسان القدرة ٰ‬ ‫َّواميس الكون َّي َة َأختا َمها‪َ ،‬‬
‫ومنح‬ ‫َ‬ ‫إ َّياها‪ ،‬وج َع َل تلك الن‬
‫ِ‬
‫الخالفة‪َ ..‬أي‪ :‬حين ُ‬
‫ينهض‬ ‫ِ‬
‫بالقدر ا َّلذي يلز ُم له في‬ ‫فض هذه األَختا ِم‬
‫ِّ‬
‫وشرطِه‪.‬‬
‫على عهد اهلل ْ‬
‫ِ‬
‫بالخالفة في األَرض ٰ‬
‫ِ‬

‫ويقيم‬
‫ُ‬ ‫الرزق‪ ،‬ويصن ُِّع الما َّد َة الخام َة‪،‬‬ ‫ينابيع ِّ‬
‫َ‬ ‫يفج ُر‬
‫ويصبح وهو ِّ‬
‫ُ‬
‫الخبرات الفنِّ َّي ِة ا َّلتي‬
‫ِ‬ ‫كل‬‫ُتيح ُه له ُّ‬
‫المتنوع َة‪ ،‬ويستخد ُم ما ت ُ‬
‫ِّ‬
‫ِ‬
‫ناعات‬ ‫الص‬
‫ِّ‬
‫يصنع هذا‬‫ُ‬ ‫يصبح وهو‬ ‫ُ‬ ‫تاريخه ك ِّل ِه‪ ،..‬حين‬
‫ِ‬ ‫ُ‬
‫اإلنسان في‬ ‫َ‬
‫حصل عليها‬
‫على هذا الن ِ‬ ‫ِ‬
‫َّحو ـ عباد ًة اهلل ـ‬ ‫ك َّله «ربان ًّيا» يقوم بالخالفة عن اهلل ٰ‬
‫المجتمع قد‬ ‫ُ‬
‫ويكون هذا‬ ‫ِ‬
‫الحضارة‪،‬‬ ‫اإلنسان َ‬
‫كامل‬ ‫ُ‬ ‫ٍ‬
‫يومئذ يكون هذا‬
‫ُ‬
‫قم َة الحضارة‪..‬‬ ‫َ‬
‫بلغ َّ‬

‫ي» ـ وحدَ ُه ـ فال ُي َّ‬


‫سم ٰى في اإلسالم حضارةً‪..‬‬ ‫«اإلبداع الما ِّد ُّ‬
‫ُ‬ ‫َفأ َّما‬
‫وتكون معه الجاهل َّي ُة‪ ..‬وقد ذك ََر اهللُ من هذا اإلبدا ِع الما ِّد ِّي‬
‫ُ‬ ‫ُ‬
‫يكون‬ ‫فقد‬
‫نماذج‪:‬‬
‫َ‬ ‫ِ‬
‫معرض وض ِع الجاهل َّية‬ ‫في‬
‫‪233‬‬

‫﴿ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ * ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ *‬
‫ﯯﯰﯱﯲ*ﯴﯵﯶ* ﯸﯹﯺﯻ‬
‫ﯼ*ﯾﯿﰀ*ﰂﰃ*ﰅﰆﰇﰈ‬
‫ﰉ ﰊ﴾ [الشعراء‪ 128 :‬ـ ‪.]135‬‬
‫﴿ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ * ﮖ ﮗ ﮘ * ﮚ ﮛ‬
‫ﮜﮝ*ﮟﮠﮡﮢﮣ*ﮥﮦﮧ*‬
‫[الشعراء‪:‬‬ ‫ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ * ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ﴾‬
‫‪ 146‬ـ ‪.]152‬‬
‫﴿ﯸ ﯹ ﯺ ﯻ ﯼ ﯽ ﯾ ﯿ ﰀ ﰁ ﰂ ﰃ‬
‫ﰄ ﰅ ﰆ ﰇ ﰈ ﰉ ﰊ ﰋ * ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕﭖ‬
‫ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ﴾ [األَنَّعام‪ 44 :‬ـ ‪.]45‬‬
‫﴿ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ‬
‫ﯭﯮﯯﯰﯱﯲﯳﯴﯵﯶﯷﯸ‬
‫ﯹ﴾ [يونس‪.]24 :‬‬
‫اإلبداع‬
‫َ‬ ‫يحتقر‬
‫ُ‬ ‫يحتقر الما َّدةَ‪ ،‬وال‬
‫ُ‬ ‫ولكن اإلسال َم ـ كما َأسلفنا ـ ال‬
‫َّ‬
‫ون من التَّقدُّ ِم ـ في ِّ‬
‫ظل منهج اهلل ـ نعم ًة‬ ‫يجعل هذا ال َّل َ‬
‫ُ‬ ‫ي؛ إنَّما هو‬
‫الما ِّد َّ‬
‫على طاعتهم‪:‬‬ ‫من نِعم اهلل على ِ‬
‫عباده‪ِّ ،‬‬
‫جزاء ٰ‬‫ً‬ ‫يبش ُرهم به‬ ‫ٰ‬ ‫َ‬
‫﴿ﯼ ﯽ ﯾ ﯿ ﰀ ﰁ * ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ *‬
‫ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ﴾ [نوح‪ 10 :‬ـ ‪.]12‬‬
‫‪234‬‬

‫﴿ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ‬
‫ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ﴾ [األعراف‪.]96 :‬‬
‫ناعي‪ ،‬والق َي ُم ا َّلتي‬ ‫المهم هو القاعد ُة ا َّلتي يقو ُم عليها التَّقدُّ ُم ِّ‬
‫الص ُّ‬ ‫ُّ‬
‫مجموعها «الحضار ُة اإلنسان َّي ُة»‪..‬‬ ‫ِ‬ ‫ف من‬ ‫المجتمع‪ ،‬وا َّلتي َ‬
‫يتأ َّل ُ‬ ‫تسو ُد‬
‫َ‬
‫۞۞۞‬
‫حركة َأفراِده‪:‬‬
‫ِ‬ ‫املسلم ُ‬
‫وليد‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬
‫اجملتمع‬

‫اإلسالمي‪ ،‬وطبيع َة تكوينِ ِه‬ ‫ِّ‬ ‫انطالق المجتمع‬ ‫ِ‬ ‫فإن قاعد َة‬‫وبعد‪َّ ..‬‬
‫تنطبق عليه َأ ٌّي من النَّظر َّيات‬ ‫ُ‬ ‫ِ‬
‫تجعالن منه مجتم ًعا فريدً ا ال‬ ‫العضوي‪،‬‬
‫ِّ‬
‫العضوي‪..‬‬
‫ِّ‬ ‫المجتمعات الجاهل َّية وطبيع َة تكوينِها‬
‫َ‬ ‫ا َّلتي ِّ‬
‫تفسر قيا َم‬
‫مستمرةٌ‪ ،‬وهي ا َّلتي ُت َع ِّي ُن‬
‫َّ‬ ‫اإلسالمي وليدُ الحركة‪ ،‬والحرك ُة فيه‬
‫ُّ‬ ‫المجتمع‬
‫ُ‬
‫شخاص فيه ِ‬ ‫قدار األَ‬
‫وق َي َمهم‪ ،‬ومن َث َّم تحدِّ ُد وظائ َفهم فيه ومراكزَهم‪.‬‬ ‫ِ‬ ‫َأ َ‬
‫المجتمع ابتدا ًء حرك ٌة آتي ٌة من خارج‬ ‫ُ‬ ‫والحرك ُة ا َّلتي يتو َّلدُ عنها هذا‬
‫ٍ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫عقيدة‬ ‫البشري‪ ..‬إنَّها تتم َّث ُل في‬‫ِّ‬ ‫المحيط‬ ‫ِ‬
‫خارج‬ ‫رضي‪ ،‬ومن‬ ‫النِّطاق األَ ِّ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ٍ‬
‫والحياة والت ِ‬
‫َّاريخ‬ ‫للوجود‬ ‫خاصا‬
‫تصو ًرا ًّ‬
‫ُنشئ لهم ُّ‬ ‫للبش ِر‪ ،‬ت ُ‬ ‫آتية من اهلل َ‬
‫َّصو َر‪..‬‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫يترجم هذا الت ُّ‬‫ُ‬ ‫منهجا للعمل‬ ‫ً‬ ‫والغايات‪ ،‬وتحدِّ ُد لهم‬ ‫والق َيم‬
‫نفوس النَّاس‪ ،‬وال‬‫ِ‬ ‫ُطلق الحرك َة ليست منبثق ًة من‬ ‫الدَّ فع ُة األُولى ا َّلتي ت ُ‬
‫ِ‬
‫خارج النِّطاق األَ ِّ‬
‫رضي‪،‬‬ ‫ِ‬ ‫الكون‪ ..‬إنَّها ـ كما قلنا ـ آتي ٌة لهم من‬ ‫ِ‬ ‫من ما َّد ِة‬
‫ِ‬
‫لطبيعة المجتمع‬ ‫ري‪ ..‬وهذا هو المم ِّي ُز األَ َّو ُل‬ ‫ِ‬
‫المحيط َ‬ ‫ِ‬
‫البش ِّ‬ ‫خارج‬ ‫ومن‬
‫اإلسالمي وتركيبِه‪.‬‬
‫ِّ‬
‫‪235‬‬
‫ِ‬
‫محيط‬ ‫ِ‬
‫اإلنسـان‪ ،‬وعـن‬ ‫ِ‬
‫محيط‬ ‫خـارج عن‬‫ٍ‬ ‫ٍ‬
‫عنصر‬ ‫ينطلق مـن‬‫ُ‬ ‫إنَّـه‬
‫الغيبـي ا َّلذي لم يكـن َأحدٌ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ِّ‬ ‫ري‬‫العنصـر ال َقـدَ ِّ‬ ‫الكـون المـا ِّد ِّي‪ .‬وبهـذا‬
‫ِ‬
‫لإلنسـان َيدٌ‬ ‫َ‬
‫يكون‬ ‫ـب ِحسـا َبه‪ ،‬ودون َأن‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫البشـر يتو َّق ُعـه‪َ ،‬أو يحس ُ‬ ‫مـن‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫الحركة فـي قيا ِم المجتمع‬ ‫خطوات‬ ‫تبدأ ُأ ٰ‬
‫ولـى‬ ‫مر ـ ُ‬ ‫ابتـداء األَ ِ‬ ‫فيـه ـ في‬
‫إنسـان يؤمـن ِ‬
‫بهذه‬ ‫ٌ‬ ‫يضـا‪.‬‬‫عمـل «اإلنسـان» َأ ً‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬
‫ويبـدأ معهـا‬ ‫اإلسلامي‪،‬‬
‫ُ‬ ‫ِّ‬
‫ِ‬
‫بقـدر اهلل وحدَ ُه‪.‬‬ ‫ِ‬
‫الجارية‬ ‫الغيبـي‪،‬‬ ‫ِ‬
‫المصدر‬ ‫ـة له مـن ذلك‬ ‫العقيـدة اآلتي ِ‬
‫ِّ‬ ‫َ‬
‫يبدأ وجو ُد المجتمع‬ ‫ِ‬
‫بهذه العقيدة‪ُ ،‬‬ ‫اإلنسان الواحدُ‬ ‫يؤمن هذا‬
‫ُ‬ ‫وحين ُ‬
‫وينطوي‬
‫َ‬ ‫اإلنسان الواحدَ لن يتل َّق ٰى هذه العقيد َة‬
‫َ‬ ‫إن‬
‫«حكما»‪َّ ..‬‬ ‫ً‬ ‫اإلسالمي‬
‫ِّ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫سينطلق بها‪ ..‬هذه طبيعتُها‪ ..‬طبيع ُة الحركة الح َّية‪..‬‬ ‫ُ‬ ‫نفسه‪ ..‬إنَّه‬‫على ِ‬
‫ٰ‬
‫ستتجاوزه‬
‫ُ‬ ‫تعلم َأنَّها‬ ‫ِ‬
‫القلب ُ‬ ‫إلى هذا‬
‫دفعت بها ٰ‬
‫ْ‬ ‫القو َة ال ُعليا ا َّلتي‬
‫إن َّ‬ ‫َّ‬
‫ِ‬
‫القلب‬ ‫إلى هذا‬
‫وصلت بها هذه العقيد ُة ٰ‬
‫ْ‬ ‫ا!‪..‬إن الدَّ فع َة الح َّي َة ا َّلتي‬
‫َّ‬ ‫حتم‬
‫ً‬
‫ِ‬
‫ستمضي في طريقها ُقدُ ًما‪.‬‬
‫فإن ِ‬
‫هذه العقيد َة‬ ‫المؤمنون بهذه العقيدة ثالث َة ٍ‬
‫نفر؛ َّ‬ ‫َ‬ ‫وحين يبلغُ‬
‫ٌ‬
‫منفصل‬ ‫ٌّ‬
‫مستقل‪،‬‬ ‫إسالمي‬
‫ٌّ‬ ‫مجتمع‬
‫ٌ‬ ‫مجتمع‪،‬‬
‫ٌ‬ ‫نتم اآلن‬ ‫تقول لهم‪َ :‬أ ُ‬ ‫ذاتَها ُ‬
‫يدين لهذه العقيدة‪ ،‬وال تسو ُد فيه ِق َي ُمها‬‫الجاهلي ا َّلذي ال ُ‬
‫ِّ‬ ‫عن المجتمع‬
‫المجتمع‬ ‫ُ‬
‫يكون‬ ‫األَساسي ُة ـ ِ‬
‫الق َي ُم ا َّلتي َأسلفنا اإلشار َة إليها ـ وهنا‬
‫ُ‬ ‫َّ‬
‫ً‬
‫«فعل»!‬ ‫اإلسالمي قدْ ُو ِجدَ‬
‫ُّ‬
‫يصبحـون مئ ًة‪ ،‬والمئـ ُة َأل ًفا‪،‬‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫يصبحون َ‬
‫عشـرةً‪ ،‬والعشـر ُة‬ ‫وال َّثالثـ ُة‬
‫ويتقـر ُر وجـو ُد المجتمع‬
‫َّ‬ ‫ويبرز‬
‫ُ‬ ‫عش َـر َأل ًفـا‪..‬‬
‫َـي َ‬ ‫َ‬
‫يصبحـون اثن ْ‬ ‫واألَ ُ‬
‫لـف‬
‫اإلسالمي !‬
‫ّ‬
‫‪236‬‬

‫املسلم‪:‬‬
‫طابع اجملتمع ِ‬ ‫ُ‬
‫احلركة هي ُ‬
‫ِ‬
‫الوليد ا َّلذي‬ ‫قامت بين المجتمع‬ ‫ْ‬ ‫تكون المعرك ُة قد‬
‫ُ‬ ‫وفي ال َّط ِ‬
‫ريق‬
‫ِ‬
‫بوجوده‬ ‫َ‬
‫وانفصل‬ ‫وانفصل ِبق َيمه واعتباراتِه‪،‬‬
‫َ‬ ‫وتصو ِره‪،‬‬ ‫انفصل بعقيدتِه‬
‫َ‬
‫ُّ‬
‫ُ‬
‫وتكون‬ ‫خذ منه َأفرا ُده ـ‬‫الجاهلي ـ ا َّلذي َأ َ‬
‫ِّ‬ ‫وكينونتِه‪ ،‬عن المجتمع‬
‫زت‬ ‫ِّ‬
‫المستقل قد م َّي ْ‬ ‫ِ‬
‫البارز‬ ‫ِ‬
‫الوجود‬ ‫االنطالق إلى ِ‬
‫نقطة‬ ‫ِ‬ ‫الحرك ُة من ِ‬
‫نقطة‬
‫ٰ‬
‫فراد هذا المجتمع‪ ،‬و َأعطتْه وزنَه ومكانَه في هذا المجتمع ـ‬ ‫فرد من َأ ِ‬
‫كل ٍ‬
‫َّ‬
‫ويكون وزنُه هذا معتَر ًفا ل ُه ِبه‬
‫ُ‬ ‫اإلسالمي ـ‬
‫ِّ‬ ‫ِ‬
‫واالعتبار‬ ‫ِ‬
‫الميزان‬ ‫حسب‬
‫َ‬
‫إن عقيدتَه ِ‬‫نفسه‪َ ،‬أو يعل َن عنه؛ بل َّ‬
‫وق َي َم ُه‬ ‫دون َأن يزك َِّي َ‬‫من المجتمع َ‬
‫نفسه عن‬ ‫ٍ‬ ‫ُ‬ ‫ِ‬ ‫السائد َة في ِ‬
‫ليواري َ‬
‫َ‬ ‫يومئذ؛‬ ‫لتضغط عليه‬ ‫مجتمعه‬ ‫نفسه‪ ،‬وفي‬ ‫َّ‬
‫ِ‬
‫البيئة!‬ ‫نظار المتط ِّلع ِة ِ‬
‫إليه في‬ ‫األَ ِ‬
‫َ‬
‫وطابع هذا‬
‫ُ‬ ‫طابع العقيدة اإلسالم َّية‪،‬‬ ‫ُ‬ ‫ولك َّن «الحرك َة» ا َّلتي هي‬
‫فرد من َأ ِ‬
‫فراد‬ ‫كل ٍ‬ ‫إن َّ‬
‫يتوارى! َّ‬ ‫تدع َأحدً ا‬ ‫المجتمع ا َّلذي َ‬
‫ٰ‬ ‫انبثق منها‪ ،‬ال ُ‬
‫يتحر َك! الحرك َة في عقيدتِه‪ ،‬والحرك َة في‬ ‫َّ‬ ‫هذا المجتمع ال ُبدَّ َأن‬
‫العضوي‪َّ ..‬‬
‫إن‬ ‫ِ‬
‫تكوين هذا المجتمع‬ ‫ِ‬
‫مجتمعه‪ ،‬وفي‬ ‫ِ‬
‫دمه‪ ،‬والحرك َة في‬
‫ِّ‬
‫ِ‬
‫نفوس َم ْن حو َله‪،‬‬ ‫الجاهلي َة من حولِه‪ ،‬وبقي ٌة من رواسبِها في ِ‬
‫نفسه وفي‬ ‫َّ‬ ‫َّ‬
‫إلى يو ِم القيامة‪.‬‬ ‫ٍ‬
‫ماض ٰ‬ ‫مستمرةٌ‪ ،‬والجها ُد‬
‫َّ‬ ‫والمعرك ُة‬
‫وضع ِّ‬
‫كل‬ ‫ِ‬
‫الحركة‪ ،‬يتحدَّ ُد‬ ‫الحركة‪ ،‬وفي َأ ِ‬
‫ثناء‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫إيقاعات‬ ‫على‬
‫ُ‬ ‫ٰ‬
‫العضوي لهذا‬ ‫ويتم التَّكوي ُن‬ ‫ٍ‬
‫ُّ‬ ‫فرد في هذا المجتمع‪ ،‬وتتحدَّ ُد وظيفتُه‪ُّ ،‬‬
‫ِ‬
‫وظائفه‪.‬‬ ‫ِ‬
‫ومجموعة‬ ‫مجموعة َأ ِ‬
‫فراده‬ ‫ِ‬ ‫المجتمع بالت ِ‬
‫َّناسق بين‬
‫‪237‬‬

‫خصائص المجتمع‬ ‫ِ‬ ‫َّشأةُ‪ ،‬وهذا التَّكوين؛ خاصي ِ‬


‫تان من‬ ‫هذه الن َ‬
‫َّ‬ ‫ُ‬
‫زان طاب َعه وشك َله‪،‬‬ ‫زان وجوده وتركيبه‪ ،‬وتُمي ِ‬ ‫اإلسالمي تُميزانِه‪ ،‬تُمي ِ‬
‫ِّ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ِّ‬ ‫ِّ ِّ‬
‫ِ‬
‫وتجعالن‬ ‫يضا‪،‬‬ ‫ِ‬
‫واإلجراءات التَّنفيذ َّي َة لهذا النِّظا ِم َأ ً‬ ‫وتُمي ِ‬
‫زان نظا َمه‪،‬‬ ‫ِّ‬
‫بمفهومات اجتماع َّي ٍة َأجنب َّي ٍة‬ ‫ٍ‬ ‫المالمح ك َّلها مستق َّل ًة‪ ،‬ال تُعا َل ُج‬
‫َ‬ ‫هذه‬
‫ٍ‬
‫بإجراءات‬ ‫غريب عن طبيعتِها‪ ،‬وال تن َّف ُذ‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬
‫منهج‬ ‫وفق‬
‫ُدر ُس َ‬ ‫عنها‪ ،‬وال ت َّ‬
‫ٍ‬
‫مستمدَّ ة من نظا ٍم َ‬
‫آخر‪.‬‬
‫۞۞۞‬
‫َّة واقعي ٌ‬
‫َّة‪:‬‬ ‫الق َي ُم اإلسالمي ُ‬
‫ِ‬
‫للحضارة ـ‬ ‫ِّ‬
‫المستقل‬ ‫ريفنا‬‫إن المجتمع اإلسالمي ـ كما يبدو من تع ِ‬ ‫َّ‬
‫ْ‬ ‫َّ‬ ‫َ‬
‫ذكريات الماضي؛ إنَّما هو َط ِل َب ُة‬ ‫ِ‬ ‫صورة تاريخ َّي ٍة‪ُ ،‬يبحث عنها في‬
‫ٍ‬ ‫مجر َد‬
‫ليس َّ‬
‫هدف يمك ُن َأ َّن تستشر َفه البشر َّي ُة ك ُّلها اليو َم‬ ‫ٌ‬ ‫ِ‬
‫المستقبل‪ ،‬إنه‬ ‫مل‬ ‫ِ‬
‫الحاضر و َأ ُ‬
‫هذه الجاهل َّية‬ ‫دة الجاهلية ا َّلتي تتردى فيها‪ ،‬سواء في ِ‬ ‫وغدًا‪ ،‬لترتفع به من وه ِ‬
‫ٌ‬ ‫َّ ٰ‬ ‫َّ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬
‫األممالمتقدِّم ُةصناع ًّياواقتصاد ًّيا‪،‬واألُ َّم ُمالمتخ ِّلف ُة َأ ً‬
‫يضا‪.‬‬ ‫ُ‬
‫ِ‬
‫اإلنسان‪ ،‬لم تبل ْغها‬ ‫إجمال هي ِق َي ُم‬
‫ً‬ ‫تلك ِ‬
‫الق َيم ا َّلتي َأشرنا إليها‬ ‫إن َ‬ ‫َّ‬
‫ِ‬
‫«الحضارة اإلسالم َّية» ‪.‬‬ ‫اإلنساني ُة َّإل في ِ‬
‫فترة‬ ‫َّ‬
‫ِ‬
‫«الحضارة اإلسالم َّية» إنَّها‬ ‫ِ‬
‫بمصطلح‬ ‫(ويجب َأ ْن ننبه إلى ما ِ‬
‫نعنيه‬ ‫ِّ َ ٰ‬ ‫ُ‬
‫صناعي‪،‬‬ ‫كل تقدُّ ٍم‬ ‫الق َي ُم‪ ،‬وليست هي َّ‬ ‫توافرت فيها تلك ِ‬ ‫ْ‬ ‫الحضار ُة ا َّلتي‬
‫ٍّ‬
‫ف ِ‬
‫الق َيم عنها)!‬ ‫َأو اقتصادي‪َ ،‬أو علمي مع تخ ُّل ِ‬
‫ٍّ‬ ‫ٍّ‬
‫‪238‬‬

‫الق َي ُم ليست «مثال َّي ًة خيال َّي ًة» إنَّما هي ِق َي ٌم واقع َّي ٌة عمل َّي ٌة‪،‬‬
‫وهذه ِ‬
‫ِ‬
‫المفهومات اإلسالم َّية‬ ‫ظل‬ ‫البشري ـ في ِّ‬ ‫ِ‬
‫بالجهد‬ ‫يمك ُن تحقي ُقها‬
‫ِّ‬
‫ِ‬
‫الحياة‬ ‫َّظر عن نو ِع‬ ‫بغض الن ِ‬ ‫كل ٍ‬
‫بيئة ِّ‬ ‫حيحة ـ يمك ُن تحقي ُقها في ِّ‬ ‫ِ‬ ‫الص‬
‫َّ‬
‫والعلمي‪..‬؛ فهي‬ ‫واالقتصادي‬ ‫ناعي‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ِّ‬ ‫ِّ‬ ‫الص ِّ‬ ‫السائدة فيها‪ ،‬وعن تقدُّ مها َّ‬ ‫َّ‬
‫ِ‬
‫حقول‬ ‫العقيدي ذاتِه ـ التَّقدُّ َم في كا َّف ِة‬
‫ِّ‬ ‫ِ‬
‫بالمنطق‬ ‫تشج ُع‬
‫تعارض ـ بل ِّ‬‫ُ‬ ‫ال‬
‫ِ‬
‫البالد‬ ‫اليدين في‬ ‫ِ‬ ‫تقف مكتوف َة‬ ‫الوقت ذاتِه ال ُ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫الخالفة‪ ،‬ولكنَّها في‬
‫ِ‬
‫الحقول بعد‪.‬‬ ‫ا َّلتي لم تتقدَّ م في ِ‬
‫هذه‬ ‫ْ‬
‫كل ٍ‬
‫بيئـة‪..‬‬ ‫ٍ‬
‫مـكان‪ ،‬وفـي ِّ‬ ‫كل‬ ‫إن الحضـار َة يمكـ ُن َأ ْن تقـو َم فـي ِّ‬ ‫َّ‬
‫بهـذه ِ‬
‫الق َيـم‪َ .‬أ َّمـا َأشـكا ُلها الما ِّد َّيـ ُة ا َّلتـي تت ُ‬
‫َّخذهـا فلا َحـدَّ‬ ‫ِ‬ ‫تقـو ُم‬
‫بيئـة تسـتخدم المقـدَّ ِ‬
‫رات الموجـود َة بهـا ً‬
‫فعلا‬ ‫كل ٍ‬ ‫لهـا‪ ،‬ألَنَّهـا فـي ِّ‬
‫ُ‬
‫و ُتن َِّميهـا‪.‬‬

‫وحجمـه ونـو ِع‬ ‫ِ‬ ‫ناحيـة شـكلِه‬‫ِ‬ ‫إذن ـ مـن‬‫اإلسلامي ْ‬ ‫المجتمـع‬


‫ُّ‬ ‫ُ‬
‫لكـن وجـو َده‬ ‫ـائدة فيـه ـ ليـس صـور ًة تاريخ َّيـ ًة ثابتـ ًة‪،‬‬ ‫الحيـاة الس ِ‬
‫ِ‬
‫َّ‬ ‫َّ‬
‫ُ‬
‫نقـول‪:‬‬ ‫ثابتـة‪ ..‬وحيـن‬ ‫ٍ‬ ‫يرتكنـان إلـى ِقيـ ٍم تاريخي ٍ‬
‫ـة‬ ‫ِ‬ ‫وحضارتَـه‬
‫َّ‬ ‫ٰ َ‬
‫تاريـخ مع َّي ٍن‪..‬‬ ‫ِ‬
‫ٍ‬ ‫رفـت في‬ ‫ـم قد ُع ْ‬ ‫«تاريخ َّيـة» ال نعنـي َّإل َأ َّن هـذه الق َي َ‬
‫مـن فـي‬ ‫بالز ِ‬‫َّاريـخ‪ ،‬وال عالقـ َة لهـا َّ‬ ‫ِ‬ ‫ليسـت مـن صنـ ِع الت‬
‫ْ‬ ‫َّ‬
‫وإل فهـي‬
‫انـي‪ ..‬من‬ ‫مصدر ر َّب ٍّ‬ ‫ٍ‬ ‫جـاءت إلى البشـر َّي ِة مـن‬ ‫ْ‬ ‫طبيعتِهـا‪ ،‬إنَّهـا حقيقـ ٌة‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫يضـا‪.‬‬ ‫الوجـود المـا ِّد ِّي َأ ً‬ ‫وراء‬ ‫ـري‪ ،‬ومـن‬ ‫وراء الواقـ ِع َ‬
‫البش ِّ‬
‫‪239‬‬

‫احلضارة يف اجملتمع املسلم‪:‬‬

‫متنوع ًة في تركيبِها‬
‫شكال ِّ‬‫َّخذ َأ ً‬ ‫والحضار ُة اإلسالم َّي ُة يمك ُن َأ ْن تت َ‬
‫صول ِ‬
‫والق َي َم ا َّلتي تقو ُم عليها ثابت ٌة‪،‬‬ ‫َّشكيلي‪ ،‬ولكن األُ َ‬ ‫الما ِّد ِّي والت‬
‫ِّ‬
‫ِ‬
‫على‬
‫َّجم ُع ٰ‬ ‫مات هذه الحضارة‪( :‬العبود َّي ُة هلل وحدَ ُه‪ ،‬والت ُّ‬ ‫مقو ُ‬‫ألَنَّها هي ِّ‬
‫اإلنسان على الماد ِة‪ ،‬وسياد ُة ِ‬
‫الق َيم‬ ‫ِ‬ ‫واستعالء إنسان َّي ِة‬ ‫ِ‬
‫آصرة العقيدة فيه‪،‬‬
‫َّ‬ ‫ُ‬
‫اإلنسان ال حيوانيتَه‪ ..‬وحرم ُة األُ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫سرة‪،‬‬ ‫َّ‬ ‫تنمي إنسان َّي َة‬‫اإلنسان َّية ا َّلتي ِّ‬
‫وتحكيم منهج اهلل‬
‫ُ‬ ‫عهد اهلل وشرطِه‪..‬‬ ‫ِ‬ ‫على‬‫والخالف ُة في األَرض ٰ‬
‫هذه الخالفة)‪..‬‬ ‫شؤون ِ‬ ‫ِ‬ ‫وشريعتِه وحدَ ها في‬

‫ابتة‪،‬‬ ‫سس ال َّث ِ‬


‫هذه األُ ِ‬ ‫الحضارة اإلسالمية ا َّلتي تقوم على ِ‬ ‫ِ‬ ‫«أ َ‬
‫شكال»‬ ‫إن َ‬
‫َّ‬
‫ُ ٰ‬ ‫َّ‬
‫والعلمي؛ ألَنَّها تستخد ُم‬ ‫ِ‬ ‫َ‬
‫ِّ‬ ‫واالقتصادي‬
‫ِّ‬ ‫ناعي‬
‫الص ِّ‬ ‫تتأ َّث ُر بدرجة التَّقدُّ ِم ِّ‬
‫تختلف َأشكا ُلها‪..‬‬ ‫َ‬ ‫بيئة‪ ..‬ومن َث َّم ال ُبدَّ َأن‬ ‫كل ٍ‬ ‫فعل في ِّ‬ ‫الموجو َد منها ً‬
‫ِ‬
‫البيئات‬ ‫خول كا َّف ِة‬‫ِ‬ ‫لتضمن المرون َة الكافي َة لدُّ‬ ‫َ‬
‫تختلف‬ ‫ال ُبدَّ َأن‬
‫َ‬
‫مات‬‫بالقيم والمقو ِ‬ ‫ف ِ‬ ‫اإلسالمي‪ ،‬والتَّك ُّي َ‬ ‫ِ‬
‫اإلطار‬ ‫ِ‬
‫والمستويات في‬
‫ِّ‬ ‫َ‬ ‫ِّ‬
‫للحضارة ـ ليست‬ ‫ِ‬ ‫شكال الخارج َّي ِة‬ ‫ِ‬ ‫اإلسالم َّية‪ ..‬وهذه المرون ُة ـ في األَ‬
‫الحضارةُ؛ إنَّما هي‬ ‫تنبثق منها تلك َّ‬ ‫مفروض ًة على العقيدة اإلسالم َّية ا َّلتي ُ‬
‫والفرق بينهما بعيدٌ جدًّ ا!‬‫ُ‬ ‫من طبيعتِها‪ ،‬ولك َّن المرون َة ليست هي التَّم ُّيع‪..‬‬
‫واسط إفريق َّي َة بين‬ ‫ِ‬ ‫الحضار َة في َأ‬ ‫نشئ‬
‫َ‬ ‫كان اإلسال ُم ُي ُ‬‫َ‬ ‫لقد‬
‫ُ‬
‫ويدخل‬ ‫وجوده هناك تكتسي األَجسا ُم العاري ُة ‪،‬‬ ‫ِ‬ ‫بمجر ِد‬ ‫الع ِ‬
‫راة؛ ألَنَّه‬
‫َّ‬ ‫ُ‬
‫اإلسالمي‬ ‫يتضمنُها التَّوجي ُه‬ ‫ِ‬
‫حضارة ال ِّل ِ‬
‫باس ا َّلتي‬ ‫َّاس في‬
‫ُّ‬ ‫َّ‬ ‫الن ُ‬
‫‪240‬‬

‫إلى‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫ِ‬


‫كذلك من الخمول البليد ٰ‬ ‫َّاس في الخروجِ‬ ‫ويبدأ الن ُ‬ ‫المباش ُر ‪،‬‬
‫ويخرجون‬
‫َ‬ ‫ي‪،‬‬ ‫الكون الما ِّد ِّ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫كنوز‬ ‫ِ‬
‫الستغالل‬ ‫الموج ِه‬
‫َّ‬ ‫ِ‬
‫العمل‬ ‫ِ‬
‫نشاط‬
‫وينتقلون‬
‫َ‬ ‫طور األُ َّم ِة‪،‬‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫كذلك من َطور القبيلة ـ َأو العشيرة ـ ٰ‬
‫إلى‬ ‫ِ‬

‫رب العالمين‪..‬‬ ‫ِ‬


‫إلى عبادة ِّ‬ ‫من عبادة الطوطم المنعزلة ٰ‬
‫البيئة‪،‬‬ ‫ِ‬ ‫فما هي الحضار ُة إن لم تكن هي هذا؟ إنَّها حضار ُة ِ‬
‫هذه‬ ‫ْ‬
‫ُ‬ ‫فعل‪َ ..‬فأ َّما حين‬ ‫ِ‬ ‫على إمكان َّياتِها‬
‫يدخل اإلسال ُم في‬ ‫القائمة ً‬ ‫ا َّلتي تعتمدُ ٰ‬
‫ِ‬
‫الحضارة‬ ‫ِ‬
‫شكال‬ ‫آخر من َأ‬ ‫ابتة ـ ً‬ ‫بيئة ُأخرى فإنَّه ينشئ ـ بقي ِم ِه ال َّث ِ‬ ‫ٍ‬
‫شكل َ‬ ‫َ‬ ‫ُ ُ‬ ‫ٰ‬
‫وينميها‪.‬‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫يستخد ُم فيه موجودات هذه البيئة‪ ،‬وإمكان َّياتها الفعل َّية ِّ‬
‫على‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫وهكذا ال يتو َّق ُ‬
‫ف قيا ُم الحضارة ـ بطريقة اإلسالم ومنهجه ـ ٰ‬
‫ٍ‬ ‫ٍ‬
‫والعلمي‪.‬‬
‫ِّ‬ ‫واالقتصادي‬
‫ِّ‬ ‫ناعي‬
‫الص ِّ‬ ‫درجة مع َّينة من التَّقدُّ ِم ِّ‬
‫كانت الحضار ُة حين تقو ُم تستخد ُم هذا التَّقدُّ َم ـ عند‬ ‫ِ‬ ‫ْ‬
‫وإن‬
‫وترفع َأهدا َفه‪.‬‬ ‫وجوده ـ وتدف ُعه إلى األَما ِم دف ًعا‪،‬‬ ‫ِ‬
‫ُ‬
‫ُمو ُه وا ِّطـرا َد ُه‪..‬‬ ‫ُ‬
‫وتكفـل ن َّ‬ ‫ُ‬
‫يكـون‪،‬‬ ‫كمـا َأنَّها تُنشـ ُئه إنشـا ًء حين ال‬
‫علـى ُأصولِها المسـتق َّلة‪.‬‬
‫ٰ‬
‫ٍ‬
‫حـال قائم ًة‬ ‫تظل فـي ِّ‬
‫كل‬ ‫ولكنَّهـا ُّ‬
‫الخـاص‪ ،‬وتركي ُبـه‬ ‫ُّ‬ ‫اإلسلامي طاب ُعـه‬
‫ِّ‬ ‫ويبقـى للمجتمـ ِع‬
‫ٰ‬
‫ِ‬
‫انطالقـه األُولـى‪ ،‬ا َّلتـي يتم َّي ُـز بها من‬ ‫ِ‬
‫نقطـة‬ ‫ِ‬
‫َّاشـئان عـن‬ ‫العضـوي‪ ،‬الن‬
‫ُّ‬
‫ِ‬
‫مجتمعـات الجاهل َّيـة‪..‬‬ ‫ِّ‬
‫كل‬
‫﴿ﮚ ﮛﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ﴾ [البقرة‪.]138 :‬‬
‫لركن اإلسالم األَ َّو ِل؛‬
‫ِ‬ ‫طر األَ َّو ُل‬ ‫العبود َّي ُة المطلق ُة هلل وحدَ ُه هي َّ‬
‫الش ُ‬
‫ِ‬
‫لشهادة َأن َل إل َه َّإل اهلل‪.‬‬ ‫المطابق‬
‫ُ‬ ‫ُ‬
‫المدلول‬ ‫فهي‬
‫طر‬ ‫ول اهلل ﷺ هو َّ‬ ‫كيفية هذه العبود َّي ِة عن رس ِ‬
‫ِ‬ ‫والتَّل ِّقي في‬
‫الش ُ‬ ‫ُ‬
‫لش ِ‬
‫هادة َأ َّن‬ ‫ُ‬ ‫الر ِ‬
‫محمدً ا‬
‫َّ‬ ‫المطابق َ‬
‫ُ‬ ‫المدلول‬ ‫كن؛ فهو‬ ‫ال َّثاني لهذا ُّ‬
‫منهج حياة»‪..‬‬ ‫ُ‬ ‫فصل ‪« :‬ال إله َّإل اهلل؛‬
‫ِ‬ ‫ول اهلل‪ ..‬كما جا َء في‬ ‫رس ُ‬
‫ُ‬
‫إلها‪ ..‬عقيد ًة‬‫والعبود َّي ُة المطلق ُة هلل وحدَ ُه؛ تتم َّث ُل في اتِّخاذ اهلل وحدَ ُه ً‬
‫غير اهلل‬ ‫تكون ألَ ٍ‬
‫حد ِ‬ ‫ُ‬ ‫المسلم َأ َّن «األُلوه َّي َة»‬ ‫وعباد ًة وشريع ًة‪ ..‬فال يعتقدُ‬
‫ُ‬
‫خلقه‪ ،‬وال يعتقدُ َأ َّن‬‫لغيره من ِ‬ ‫تكون ِ‬‫ُ‬ ‫ـ سبحانه ـ وال يعتقدُ َأ َّن «العبادة»‬
‫الفصل َأ ً‬
‫يضا‪.‬‬ ‫ِ‬ ‫حد من ِ‬
‫عباده‪ ..‬كما جا َء في ذلك‬ ‫تكون ألَ ٍ‬
‫ُ‬ ‫«الحاكم َّية»‬
‫والش ِ‬
‫عائر‬ ‫َّ‬ ‫ِ‬
‫واالعتقاد‬ ‫مدلول العبود َّي ِة‬
‫َ‬ ‫ولقد َأ وضحنا هناك‬
‫َ‬
‫مدلول «الحاكم َّية» وعالقتَه‬ ‫نوضح‬
‫ُ‬ ‫ِ‬
‫الفصل‬ ‫والحاكم َّي ِة‪ ،‬وفي هذا‬
‫«بال َّثقافة»‪.‬‬
‫ينحصر في تَل ِّقي‬
‫ُ‬ ‫اإلسالمي ال‬
‫ِّ‬ ‫َّصو ِر‬ ‫َ‬
‫مدلول «الحاكم َّية» في الت ُّ‬ ‫َّ‬
‫إن‬
‫الشرائ ِع القانون َّية من اهلل وحدَ ُه‪ ،‬والتَّحاك ِم إليها وحدَ ها‪ ،‬والحك ِم‬
‫َّ‬
‫ينحصر في‬
‫ُ‬ ‫«الشريعة» في اإلسالم ال‬ ‫َ‬
‫مدلول َّ‬ ‫دون سواها‪َّ ..‬‬
‫إن‬ ‫بها َ‬
‫‪242‬‬
‫ِ‬
‫وضاعه؛‬ ‫ِ‬
‫ونظامه و َأ‬ ‫ِ‬
‫صول الحك ِم‬ ‫َّشريعات القانون َّي ِة‪ ،‬وال حت َّٰى في ُأ‬
‫ِ‬ ‫الت‬
‫َّصو ِر‬ ‫مدلول َّ ِ‬
‫َ‬ ‫الض ِّي َق ال يم ِّث ُل‬ ‫َ‬ ‫َّ‬
‫اإلسالمي!‬
‫ِّ‬ ‫«الشريعة» والت ُّ‬ ‫المدلول َّ‬ ‫إن هذا‬
‫ريعة يف اإلسالم‪:‬‬
‫الش ِ‬‫مفهو ُم َّ‬

‫الحياة البشر َّي ِة‪..‬‬


‫ِ‬ ‫هلل لتنظي ِم‬
‫كل ما شر َعه ا ُ‬ ‫إن «شريع َة اهلل» تعني َّ‬ ‫َّ‬
‫صول األَ ِ‬
‫خالق‪،‬‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫صول الحك ِم‪ ،‬و ُأ‬ ‫ِ‬
‫االعتقاد‪ ،‬و ُأ‬ ‫ِ‬
‫صول‬ ‫وهذا يتم َّث ُل في ُأ‬
‫يضا‪.‬‬ ‫ِ‬
‫المعرفة َأ ً‬ ‫صول‬ ‫ِ‬ ‫صول الس ِ‬
‫لوك‪ ،‬و ُأ‬ ‫ِ‬ ‫و ُأ‬
‫ُّ‬
‫تصو ِر‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫َّصو ِر ـ ُّ‬
‫مقومات هذا الت ُّ‬
‫بكل ِّ‬‫َّصو ِر ـ ِّ‬ ‫يتم َّث ُل في االعتقاد والت ُّ‬
‫ِ‬
‫الحياة‪،‬‬ ‫ِ‬
‫وحقيقة‬ ‫وش ِ‬
‫هوده‪،‬‬ ‫الكون‪ ،‬و َغ ِ‬
‫يبه ُ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫وحقيقة‬ ‫حقيقة األُلوه َّي ِة‪،‬‬
‫ِ‬
‫ِ‬
‫الحقائق‬ ‫واالرتباطات بين ِ‬
‫هذه‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫اإلنسان‪،‬‬ ‫ِ‬
‫وحقيقة‬ ‫وشهودها‪،‬‬‫ِ‬ ‫غيبِها‬
‫َ‬
‫ِ‬
‫اإلنسان م َعها‪.‬‬ ‫ِ‬
‫وتعامل‬ ‫ك ِّلها‪،‬‬
‫السياس َّي ِة واالجتماع َّي ِة واالقتصاد َّي ِة‪،‬‬ ‫ويتم َّث ُل في األَوضا ِع ِّ‬
‫صول ا َّلتي تقو ُم عليها‪ ،‬لتتم َّث َل فيها العبود َّي ُة الكامل ُة لله وحدَ ه‪.‬‬ ‫ِ‬ ‫واألُ‬

‫وضاع‪ .‬وهو‬ ‫َ‬ ‫َّشريعات القانون َّي ِة‪ ،‬ا َّلتي تن ِّظ ُم هذه األَ‬
‫ِ‬ ‫ويتم َّث ُل في الت‬
‫الض ِّي ِق ا َّلذي ال يم ِّث ُل حقيق َة‬
‫ريعة» غال ًبا بمعناها َّ‬ ‫«الش ِ‬ ‫اسم َّ‬ ‫يطلق عليه ُ‬ ‫ما ُ‬
‫اإلسالمي‪.‬‬ ‫َّصو ِر‬ ‫ِ‬
‫ِّ‬ ‫مدلولها في الت ُّ‬
‫ِ‬
‫والموازين ا َّلتي‬ ‫لوك‪ ،‬في ِ‬
‫الق َيم‬ ‫خالق والس ِ‬ ‫قواعد األَ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ويتم َّث ُل في‬
‫ُّ‬
‫ِ‬
‫الحياة‬ ‫ُ‬
‫حداث في‬ ‫شخاص واألَشيا ُء واألَ‬ ‫المجتمع‪ ،‬ويقو ُم بها األَ‬ ‫تسو ُد‬
‫ُ‬ ‫َ‬
‫االجتماع َّي ِة‪.‬‬
‫صول الن ِ‬
‫َّشاط‬ ‫ِ‬ ‫بكل جوانبِها‪ ،‬وفي ُأ‬ ‫ِ‬
‫«المعرفة» ِّ‬ ‫ثم يتم َّث ُل في‬
‫َّ‬
‫‪243‬‬

‫الفكري والفن ِِّّي جمل ًة‪ .‬وفي هذا ك ِّله ال ُبدَّ من التَّل ِّقي عن اهللِ‪ ،‬كالتَّل ِّقي‬
‫ِّ‬
‫ٍ‬
‫بسواء‪..‬‬ ‫المتداو ِل ـ سوا ًء‬
‫َ‬ ‫الشرع َّي ِة ـ بمدلولِها َّ‬
‫الض ِّي ِق‬ ‫في األَحكا ِم َّ‬
‫ِ‬
‫والقانون ـ‬ ‫المختص بالحك ِم‬
‫ِّ‬ ‫مر في «الحاكم َّية» ـ في مدلولِها‬ ‫واألَ ُ‬
‫ٍ‬
‫تقريرات‪.‬‬ ‫بشأنِه من‬
‫اآلن مفهو ًما بعد ا َّلذي سقنا ُه َ‬ ‫يكون َ‬ ‫ُ‬ ‫قد‬
‫لوك‪ ،‬وفي ِ‬ ‫خالق والس ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫قواعد األَ‬
‫ِ‬
‫والموازين‬ ‫الق َيم‬ ‫ُّ‬ ‫واألَ ُ‬
‫مر في‬
‫إن‬‫إلى حدٍّ ما! إ ْذ َّ‬ ‫َ‬
‫كذلك ٰ‬ ‫يكون مفهو ًما‬ ‫ُ‬ ‫المجتمع‪ ،‬قد‬
‫َ‬ ‫ا َّلتي تسو ُد‬
‫لوك ا َّلتي تسو ُد في مجتم ٍع‬ ‫خالق والس ِ‬ ‫ِ‬
‫الق َي َم والموازي َن وقواعدَ األَ َ‬
‫ُّ‬
‫ائد في هذا المجتمع‪،‬‬ ‫ما‪ ،‬ترجع مباشر ًة إلى التَّصو ِر االعتقادي الس ِ‬
‫ِّ َّ‬ ‫ُّ‬ ‫ُ‬
‫حقائق العقيدة ا َّلتي يتك َّي ُفها‬
‫َ‬ ‫ِ‬
‫المصدر ا َّلذي تتل َّق ٰى منه‬ ‫وتتل َّقى من ِ‬
‫ذات‬ ‫ٰ‬
‫َّصور‪.‬‬
‫ذلك الت ُّ‬
‫مفهو ُم ِّ‬
‫الفن يف اإلسالم‪:‬‬
‫ِ‬
‫البحوث‬ ‫مثل هذه‬ ‫على ُق َّر ِاء ِ‬ ‫ُ‬
‫يكون غري ًبا ـ حت َّٰى ٰ‬ ‫َأ َّما األَ ُ‬
‫مر ا َّلذي قد‬
‫َّصو ِر‬ ‫شأن الن ِ‬ ‫جوع في َ‬
‫الفكري والفن ِِّّي إلى الت ُّ‬
‫ِّ‬ ‫َّشاط‬ ‫الر ُ‬‫اإلسالم َّية!ِ ـ فهو ُّ‬
‫اني‪.‬‬
‫الر َّب ِّ‬ ‫ِ‬
‫مصدره َّ‬ ‫وإلى‬
‫اإلسالمي ٰ‬
‫ِّ‬
‫ِ‬
‫باعتبار‬ ‫بيان هذه القض َّي ِة‬
‫يتضم ُن َ‬ ‫َّ‬ ‫كتاب ٌ‬
‫كامل‬ ‫صدر ٌ‬
‫ِ‬
‫وفي النَّشاط الفن ِِّّي َ‬
‫اإلنسان وانفعاالتِه‬
‫ِ‬ ‫َّشاط الفنِّي ك َّله‪ ،‬هو تعبير إنساني عن تصو ِ‬
‫رات‬ ‫ُّ‬ ‫ٌّ‬ ‫ٌ‬ ‫َّ‬ ‫َأ َّن الن َ‬
‫نفس إنسان َّي ٍة‪ ..‬وهذه ك ُّلها‬
‫والحياة في ٍ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫الوجود‬ ‫ِ‬
‫صورة‬ ‫واستجاباتِه‪ ،‬وعن‬
‫لكل‬ ‫اإلسالمي بشمولِه ِّ‬
‫ُّ‬ ‫تصو ُرها‬ ‫َّفس المسلمة ُّ‬ ‫يحكمها ـ بل ُينش ُئها ـ في الن ِ‬
‫ُ‬
‫ِ‬
‫والحياة‪،‬‬ ‫ِ‬
‫الكون والن ِ‬
‫َّفس‬ ‫ِ‬
‫ببارئ‬ ‫والحياة! وعالقتِها‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫الكون والن ِ‬
‫َّفس‬ ‫ِ‬
‫جوانب‬
‫‪244‬‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫وجوده‪،‬‬ ‫وغاية‬ ‫الكون‪،‬‬ ‫ِ‬
‫ومركزه في‬ ‫اإلنسان‪،‬‬ ‫لحقيقة هذا‬ ‫وبتصو ِرها َّ‬
‫خاص ًة‬ ‫ُّ‬
‫اإلسالمي‪ ،‬ا َّلذي ليس‬
‫ِّ‬ ‫َّصو ِر‬
‫متضمن ٌة في الت ُّ‬
‫َّ‬ ‫وق َي ِم حياتِه‪ ...‬وك ُّلها‬
‫ووظيفتِه‪ِ ،‬‬

‫وح ُمؤ ِّث ٌر ف َّع ٌال ٌ‬


‫دافع‬ ‫اعتقادي َح ٌّي ُم ٍ‬
‫ٌّ‬ ‫تصو ٌر‬
‫فكري‪ ،‬إنَّما هو ُّ‬ ‫ٍّ‬ ‫تصو ٍر‬ ‫مجر َد ُّ‬ ‫هو َّ‬
‫اإلنساني(‪.)1‬‬ ‫ِ‬
‫الكيان‬ ‫ٍ‬
‫انبعاث في‬ ‫كل‬ ‫على ِّ‬
‫ِّ‬ ‫مسيطر ٰ‬ ‫ٌ‬
‫َّصو ِر‬ ‫ِ‬ ‫َفأما قضي ُة الن ِ‬
‫الفكري‪ ،‬وضرور ُة ر ِّد هذا النَّشاط إلى الت ُّ‬ ‫ِّ‬ ‫َّشاط‬ ‫َّ‬ ‫َّ‬
‫الكاملة هلل وحدَ ُه‪ ،‬فهذه‬ ‫ِ‬ ‫اني‪ ،‬تحقي ًقا للعبود َّي ِة‬ ‫ِ‬
‫ومصدره الر َّب ِّ‬ ‫اإلسالمي‬
‫ِّ‬
‫إلى‬ ‫ِ‬
‫بالقياس ٰ‬ ‫ُ‬
‫تكون‬ ‫كامل؛ ألَنَّها قد‬ ‫هي القض َّي ُة ا َّلتي تقتضي منَّا بيانًا ً‬
‫يرون حتم َّية ر ِّد الحاكم َّي ِة‬
‫َ‬ ‫البيان ـ حتَّى المسلمي َن منهم ا َّلذي َن‬ ‫ِ‬ ‫ُق َّر ِاء هذا‬
‫ٍ‬
‫مطروقة!‬ ‫والتَّشري ِع هلل وحدَ ُه ـ غريب ًة َأو َ‬
‫غير‬
‫۞۞۞‬
‫املسلم‪:‬‬
‫املسلم من غ ِري ِ‬
‫ُ‬ ‫ما َّ‬
‫يتلقا ُه‬
‫ِ‬
‫بحقائق العقيدة‪،‬‬ ‫يختص‬
‫ُّ‬ ‫يملك َأ ْن يتل َّق ٰى في َأ ٍ‬
‫مر‬ ‫ُ‬ ‫المسلم ال‬‫َ‬ ‫َّ‬
‫إن‬
‫بالخ ِ‬ ‫ِ‬
‫بالعبادة‪َ ،‬أو‬ ‫ِ‬
‫للوجود‪َ ،‬أو‬ ‫َّصو ِر العا ِّم‬
‫لق‬ ‫ُ‬ ‫يختص‬
‫ُّ‬ ‫يختص‬
‫ُّ‬ ‫َأو الت ُّ‬
‫صول في النِّظا ِم‬ ‫بالمبادئ واألُ ِ‬
‫ِ‬ ‫يختص‬ ‫ِ‬
‫والموازين‪َ ،‬أو‬ ‫والق َيم‬ ‫لوك‪ِ ،‬‬ ‫والس ِ‬
‫ُّ‬ ‫ُّ‬
‫بتفسير بواعثِ‬
‫ِ‬ ‫يختص‬ ‫االقتصادي‪َ ،‬أو‬ ‫االجتماعي‪َ ،‬أو‬ ‫ياسي‪َ ،‬أو‬
‫ُّ‬ ‫ِّ‬ ‫ِّ‬ ‫الس ِّ‬ ‫ِّ‬
‫ِ‬
‫المصدر‬ ‫ذلك‬ ‫اإلنساني‪َّ ..‬إل من َ‬ ‫ِ‬
‫اإلنساني‪ ،‬وبحركة الت ِ‬
‫َّاريخ‬ ‫ِ‬
‫النَّشاط‬
‫ِّ‬ ‫ِّ‬
‫يثق في دينِه وتقوا ُه‪،‬‬ ‫اني‪ ،‬وال يتل َّق ٰى في هذا ك ِّله َّإل عن مسل ٍم ُ‬ ‫الر َّب ِّ‬
‫ومزاولتِه لعقيدتِه في واقع الحياة‪.‬‬
‫ِ‬
‫كالكيمياء‪،‬‬ ‫ِ‬
‫البحتة‪،‬‬ ‫يملك َأ ْن يتل َّق ٰى في العلو ِم‬ ‫ُ‬ ‫المسلم‬ ‫ولكن‬
‫َ‬ ‫َّ‬

‫(المؤَ ِّلف) ‪.‬‬


‫(( ( كتاب «منهج الفن اإلسالمي» لمحمد ُق ُطب ُ‬
‫‪245‬‬

‫رق‬ ‫ناعة‪ ،‬والز ِ‬


‫ِّراعة‪ ،‬و ُط ِ‬ ‫ك‪ ،‬وال ِّطب‪ ،‬والص ِ‬ ‫حياء‪ ،‬وال َف َل ِ‬ ‫بيعة‪ ،‬واألَ ِ‬
‫وال َّط ِ‬
‫ِّ‬ ‫ِّ‬
‫ِ‬
‫وطرق‬ ‫العمل الفنِّ َّي ِة‪،‬‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫وطرق‬ ‫ِ‬
‫البحتة ـ‬ ‫اإلدارة ـ من الناحية الفنِّ َّي ِة اإلدار َّي ِة‬
‫ِ‬
‫إلى ِ‬
‫آخر ما يشب ُه هذا الن َ‬
‫َّشاط‪..‬‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫الحرب والقتال ـ من الجانب الفن ِِّّي ـ ٰ‬
‫يتلقى في هذا ك ِّله عن المسل ِم ِ‬
‫وغير المسلمِ‪..‬‬ ‫ٰ‬ ‫يملك َأن‬
‫ُ‬
‫لتوفير‬‫ِ‬ ‫يسعى‬
‫ٰ‬ ‫صل في المجتمع المسل ِم حين يقو ُم‪َ ،‬أن‬ ‫وإن كان األَ ُ‬
‫يجب‬ ‫ٍ‬
‫كفاية‪،‬‬ ‫فروض‬ ‫َ‬ ‫ِ‬
‫باعتبارها‬ ‫الحقول ك ِّلها‪،‬‬ ‫ِ‬ ‫فايات في هذه‬ ‫ِ‬ ‫هذه ِ‬
‫الك‬
‫ُ‬
‫المجتمع ك ُّله إذا لم يو ِّف ْر هذه‬ ‫ُ‬ ‫وإل َأثِ َم‬ ‫ص فيها َأفرا ٌد منه؛ َّ‬ ‫يتخص َ‬ ‫َّ‬ ‫َأن‬
‫ُ‬ ‫ِ‬
‫وتنتج‪..‬‬ ‫ُ‬ ‫وتعمل‬ ‫ُ‬
‫وتعيش‬ ‫الجو ا َّلذي َّ‬
‫تتكو ُن فيه‬ ‫الكفايات‪ ،‬ولم يو ِّف ْر لها َّ‬
‫للفرد المسل ِم َأ ْن يتل َّقى في ِ‬
‫هذه‬ ‫ِ‬ ‫فإن‬ ‫ولكن إلى َأ ْن يتح َّق َق هذا‪َّ ،‬‬
‫ٰ‬
‫وأن‬ ‫وغير المسلمِ‪َ ،‬‬ ‫ِ‬ ‫البحتة وتطبيقاتِها العمل َّي ِة من المسل ِم‬ ‫ِ‬ ‫العلو ِم‬
‫وغير‬ ‫َ‬ ‫وغير المسلمِ‪َ ،‬‬ ‫ِ‬ ‫بجهد المسل ِم‬ ‫ِ‬
‫المسلم َ‬
‫َ‬ ‫يشغل فيها‬ ‫وأن‬ ‫ينتفع فيها‬ ‫َ‬
‫«أ ْنت ُْم َأ ْع َل ُم‬‫قول رسول اهلل ﷺ‪َ :‬‬ ‫اخلة في ِ‬ ‫مور الدَّ ِ‬ ‫المسلم‪ ..‬ألَنَّها من األُ ِ‬
‫ور ُد ْن َياك ُْم»‪..‬‬ ‫بِ ُأ ُم ِ‬
‫ِ‬
‫والكون‬ ‫ِ‬
‫الحياة‬ ‫تصو ِر المسل ِم عن‬ ‫ِ‬
‫بتكوين‬ ‫وهي ال تتع َّل ُق‬
‫ُّ‬
‫ِ‬
‫بالوجود‬ ‫وحقيقة وظيفتِه‪ ،‬ونو ِع ارتباطاتِه‬ ‫ِ‬ ‫وجوده‪،‬‬‫ِ‬ ‫ِ‬
‫وغاية‬ ‫ِ‬
‫واإلنسان‪،‬‬
‫والشرائ ِع واألَ ِ‬
‫نظمة‬ ‫بالمبادئ َّ‬‫ِ‬ ‫الوجود ك ِّله‪ ،‬وال تتع َّل ُق‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫بخالق‬ ‫من حولِه‪،‬‬
‫خالق‬ ‫وجماعات‪ ،‬وال تتع َّل ُق باألَ ِ‬ ‫ٍ‬ ‫واألَوضا ِع ا َّلتي تن ِّظ ُم حياتَه َأفرا ًدا‬
‫والموازين ا َّلتي تسو ُد مجتم َعه‬ ‫ِ‬ ‫والق َيم‬ ‫والعادات ِ‬ ‫ِ‬ ‫واآلداب والت ِ‬
‫َّقاليد‬ ‫ِ‬
‫خطر فيها من زي ِغ عقيدتِه‪،‬‬ ‫مالمح هذا المجتمع‪ .‬ومن َث َّم فال َ‬ ‫َ‬ ‫وتؤ ِّل ُ‬
‫ف‬
‫ارتداده إلى الجاهل َّية!‬ ‫ِ‬ ‫َأو‬
‫‪246‬‬

‫املسلم‪:‬‬ ‫جيوز َأ ُ‬
‫خذه عن غ ِري ِ‬ ‫ما ال ُ‬
‫ٍ‬
‫مجتمعات‪،‬‬ ‫اإلنساني ك ِّله َأفرا ًدا َأو‬ ‫بتفسير الن ِ‬
‫َّشاط‬ ‫ِ‬ ‫َفأ َّما ما يتع َّل ُق‬
‫ِّ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫تاريخه» وما‬ ‫«حركة‬ ‫وإلى‬ ‫إلى «نفس» اإلنسان‪ٰ ،‬‬ ‫وهو التَّع ُّل ُق بالنَّظرة ٰ‬
‫اإلنسان ذاتِه‬
‫ِ‬ ‫ونشأ ِة هذا‬ ‫َ‬ ‫ِ‬
‫الحياة‪،‬‬ ‫ونشأ ِة‬
‫َ‬ ‫ِ‬
‫الكون‪،‬‬ ‫نشأ ِة هذا‬ ‫بتفسير َ‬ ‫ِ‬ ‫يختص‬ ‫ُّ‬
‫ناحية ما ورا َء ال َّطبيعة ـ (وهو ما ال تتع َّل ُق به العلو ُم البحت ُة من‬ ‫ِ‬ ‫ـ من‬
‫الشرائ ِع القانون َّي ِة‬ ‫شأ ُن َّ‬ ‫فالشأ ُن فيه ـ ْ‬ ‫ْ‬ ‫وطب‪ ...‬إلخ)‬ ‫ٍّ‬ ‫لك‬‫وطبيعة و َف ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫كيميا َء‬
‫مرتبط بالعقيدة ارتبا ًطا‬ ‫ٌ‬ ‫صول ا َّلتي تن ِّظ ُم حياتَه ونشا َطه ـ‬ ‫والمبادئ واألُ ِ‬ ‫ِ‬
‫يثق في دينِه‬ ‫يجوز للمسلم َأن يتل َّق ٰى فيه َّإل عن مسل ٍم‪ُ ،‬‬ ‫ُ‬ ‫مباش ًرا؛ فال‬ ‫ِ‬

‫يرتبط هذا‬ ‫َ‬ ‫والمهم َأن‬


‫ُّ‬ ‫ويعلم عنه َأنَّه يتل َّق ٰى في هذا ك ِّله عن اهلل‪..‬‬ ‫ُ‬ ‫وتقوا ُه‪،‬‬
‫مقتضى عبود َّي ِته هلل وحدَ ُه‪َ ،‬أو‬ ‫ٰ‬ ‫يعلم َأ َّن هذا‬ ‫ِ‬
‫حس المسل ِم بعقيدته‪ ،‬و َأن َ‬ ‫في ِّ‬
‫ِ‬
‫رسول اهلل» ‪.‬‬ ‫محمدً ا ُ‬ ‫مقتضى شهادته‪َ « :‬أن َل إل َه َّإل اهلل‪ ،‬و َأ َّن َّ‬ ‫ٰ‬
‫كو َن منه‬ ‫ِ‬ ‫آثار الن ِ‬ ‫كل ِ‬ ‫على ِّ‬ ‫ِ‬
‫الجاهلي‪ ،‬ولكن ال ل ُي ِّ‬ ‫ِّ‬ ‫َّشاط‬ ‫إنَّه قد َي َّطل ُع ٰ‬
‫تنحرف‬
‫ُ‬ ‫ليعرف كيف‬ ‫َ‬ ‫الشؤون ك ِّلها‪ ،‬إنَّما‬ ‫ِ‬ ‫تصو َره ومعرفتَه في هذه‬ ‫ُّ‬
‫االنحرافات البشر َّي ِة‪،‬‬ ‫ِ‬ ‫ويقو ُم هذه‬ ‫ِّ‬ ‫يصح ُح‬
‫ِّ‬ ‫كيف‬ ‫َ‬ ‫وليعرف‬
‫َ‬ ‫الجاهل َّي ُة!‬
‫ِ‬ ‫َّصو ِر‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫وحقائق‬ ‫اإلسالمي‪،‬‬
‫ِّ‬ ‫مقومات الت ُّ‬ ‫الصحيحة في ِّ‬ ‫إلى ُأصولها َّ‬ ‫بر ِّدها ٰ‬
‫العقيدة اإلسالم َّية‪.‬‬
‫ثقافات جاهلي ٌ‬
‫َّة‪:‬‬ ‫ٌ‬

‫ِ‬
‫«تفسير التَّاريخِ‬ ‫ِ‬ ‫ِّجاهات «الفلسفة» بجملتِها‪ ،‬وات‬
‫ِّجاهات‬ ‫ِ‬ ‫إن ات‬ ‫َّ‬
‫ِّجاهات «عـل ِم النَّفس» بجـمـلتِها ـ عدا‬
‫ِ‬ ‫اإلنساني» بجمـلتِها‪ ،‬وات‬
‫ِّ‬
‫‪247‬‬

‫ومباحث‬‫َ‬ ‫َّفسيرات العا َّم ِة لها ـ‬ ‫ِ‬ ‫والمشاهدات دون الت‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫المالحظات‬
‫ديان المقارنة» بجملتها‪،‬‬ ‫دراسة «األَ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ِّجاهات‬ ‫خالق بجملتِها‪ ،‬وات‬ ‫«األَ ِ‬
‫والمذاهب االجتماع َّية» بجملتِها ـ فيما‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫َّفسيرات‬ ‫ِّجاهات «الت‬ ‫ِ‬ ‫وات‬
‫النتائج‬ ‫ِ‬
‫المباشرة‪ ،‬ال‬ ‫ِ‬
‫والمعلومات‬ ‫المشاهدات واإلحصائي ِ‬
‫ات‬ ‫ِ‬ ‫عدا‬
‫َ‬ ‫َّ‬
‫إن هذه‬ ‫َّوجيهات الك ِّل َّي َة الناشئ َة عنها ـ َّ‬ ‫ِ‬ ‫العا َّم َة المستخلص َة منها وال الت‬
‫قديما‬ ‫اإلسالمي ـ‬ ‫الجاهلي ـ َأي‪ِ :‬‬
‫غير‬ ‫ِ‬
‫الفكر‬ ‫ِّجاهات ك َّلها في‬ ‫ِ‬ ‫االت‬
‫ً‬ ‫ِّ‬ ‫ِّ‬
‫ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫متأ ِّثر ٌة َتأ ُّثرا ِ‬ ‫وحدي ًثا‪َ ،‬‬
‫على‬‫بتصورات اعتقاد َّية جاهل َّية‪ ،‬وقائم ٌة ٰ‬ ‫ُّ‬ ‫مباش ًرا‬ ‫ً‬
‫يتضم ُن في ُأصولِه‬ ‫َّ‬ ‫ومعظمها ـ إن لم يكن ك ُّلها ـ‬ ‫ُ‬ ‫رات‪،‬‬ ‫هذه التَّصو ِ‬
‫ُّ‬
‫َّصو ِر‬ ‫يني جمل ًة‪ ،‬وللت ُّ‬ ‫َّصو ِر الدِّ ِّ‬ ‫ظاهرا َأو خف ًّيا للت ُّ‬ ‫ً‬ ‫المنهج َّي ِة َعدا ًء‬
‫خاص!‬ ‫اإلسالمي على ٍ‬
‫وجه‬
‫ٍّ‬ ‫ِّ ٰ‬
‫مر‬‫والعلمي! ليس كاألَ ِ‬ ‫الفكري‬ ‫لوان من الن ِ‬
‫َّشاط‬ ‫واألَمر في هذه األَ ِ‬
‫ِّ‬ ‫ِّ‬ ‫ُ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ب‪ ،‬وما إليها‪ ،‬ما‬ ‫في علو ِم الكيمياء وال َّطبيعة والفلك واألَحياء وال ِّط ِّ‬
‫َّتائج الواقع َّية‪َ ،‬‬
‫دون‬ ‫وتسجيل الن ِ‬ ‫ِ‬ ‫َّجربة الواقع َّية‬ ‫حدود الت ِ‬ ‫ِ‬ ‫دامت هذه في‬
‫صوره‪،‬‬ ‫ِ‬ ‫صورة من‬ ‫ٍ‬ ‫الفلسفي في‬ ‫تجاوز هذه الحدو َد إلى الت ِ‬
‫َّفسير‬ ‫َ‬ ‫َأن‬
‫ِّ‬
‫المشاهدات وترتيبِها في‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫إثبات‬ ‫ِ‬
‫لمجال‬ ‫مثل‬ ‫كتجاوز الداروين َّي ِة ً‬ ‫ِ‬ ‫وذلك‬
‫ِ‬ ‫ٍ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫للقول كذلك‬ ‫حاجة‬ ‫وبغير‬ ‫القول ـ بغير ٍ‬
‫دليل‬ ‫مجال‬ ‫عل ِم األَحياء‪ٰ ،‬‬
‫إلى‬
‫خارجة عن‬ ‫ٍ‬ ‫قو ٍة‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫َّإل الرغب َة‬
‫الفتراض وجود َّ‬ ‫والهوى ـ إنَّه ال ضرور َة‬ ‫ٰ‬
‫وتطو ِرها‪.‬‬ ‫ِ‬ ‫لتفسير ِ‬ ‫ِ‬
‫ُّ‬ ‫الحياة‬ ‫نشأة‬ ‫العال ِم ال َّط ِّ‬
‫بيعي‬
‫ِ‬ ‫الص ِ‬ ‫ِ‬
‫الشؤون‪،‬‬ ‫ادق عن تلك‬ ‫إن لدى المسل ِم الكفاي َة من بيان ر ِّبه َّ‬
‫َّ‬
‫ِ‬
‫المجاالت‬ ‫ِ‬
‫البشر في هذه‬ ‫محاوالت‬
‫ُ‬ ‫وفي المستوى ا َّلذي تبدُ و فيه‬
‫‪248‬‬
‫فضل عن َأ َّن األَمر يتع َّل ُق تع ُّل ًقا ِ‬
‫مباش ًرا بالعقيدة‪،‬‬ ‫هزيل ًة ومضحك ًة‪ً ..‬‬
‫َ‬
‫ِ‬
‫الكاملة هلل وحدَ ُه‪.‬‬ ‫وبالعبود َّي ِة‬
‫قافة اإلنساني ُ‬
‫َّة‪:‬‬ ‫الث ُ‬‫َّ‬

‫دين‪..‬‬ ‫جنس وال َ‬ ‫وطن له وال َ‬ ‫إنساني» ال َ‬‫ٌّ‬ ‫إن حكاي َة َأ َّن «ال َّثقاف َة ٌ‬
‫تراث‬ ‫َّ‬
‫البحتة وتطبيقاتِها العلم َّي ِة‬ ‫ِ‬ ‫هي حكاي ٌة صحيح ٌة عندما تتع َّل ُق بالعلو ِم‬
‫َّفسيرات الفلسف َّي ِة «الميتافيزيق َّية»‬‫ِ‬ ‫دون َأ ْن تجاو َز هذه المنطق َة إلى الت‬
‫ِ‬
‫اإلنسان‬ ‫ِ‬
‫لنفس‬ ‫َّفسيرات الفلسف َّي ِة‬
‫ِ‬ ‫هذه العلومِ‪ ،‬وال إلى الت‬ ‫ِ‬ ‫لنتائجِ‬
‫َّعبيرات الشعور َّي ِة جمي ًعا‪،‬‬ ‫ِ‬ ‫دب والت‬ ‫وتاريخه‪ ،‬وال إلى الف ِّن واألَ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ونشاطِه‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫يهمها‬ ‫إحدى مصايد اليهود العالم َّية‪ ،‬ا َّلتي ُّ‬ ‫ٰ‬ ‫ولكنَّها فيما ورا َء ذلك‬
‫حواجز العقيدة‬‫ُ‬ ‫الحواجز ك ِّلها‪ ،‬بما في ذلك ـ بل في َأ َّو ِل ذلك ـ‬ ‫ِ‬ ‫تمييع‬
‫ُ‬
‫إلى جس ِم العال ِم ك ِّله‪ ،‬وهو ُم ْس َترخٍ مخدَّ ٌر‪،‬‬ ‫َّصو ِر‪ ،‬لكي ين ُف َذ اليهو ُد ٰ‬‫والت ُّ‬
‫وي‪،‬‬ ‫يطاني‪ ،‬وفي َأ َّوله نشا ُطهم ِّ‬
‫الر َب ِّ‬ ‫َّ‬ ‫زاول اليهو ُد فيه نشا َطهم َّ‬
‫الش‬ ‫ُي ُ‬
‫صحاب‬ ‫ِ‬ ‫إلى َأ‬‫تؤول ٰ‬ ‫ُ‬ ‫حصيلة َكدِّ البشر َّي ِة ك ِّلها‪،‬‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫جعل‬ ‫ا َّلذي ينتهي إلى‬
‫الربو َّي ِة من اليهود!‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫المؤسسات المال َّية ِّ‬ ‫َّ‬
‫البحتة وتطبيقاتِها‬ ‫ِ‬ ‫يعتبر َأ َّن هناك ـ فيما ورا َء العلو ِم‬ ‫ولك َّن اإلسال َم ُ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫نوعين ِ‬ ‫ِ‬ ‫العمل َّي ِة ـ‬
‫قواعد‬ ‫اثنين من ال َّثقافة‪ :‬ال َّثقاف ُة اإلسالم َّي ُة القائم ُة ٰ‬
‫على‬
‫ترجع ك ُّلها‬ ‫ُ‬ ‫مناهج شت َّٰى‬
‫َ‬ ‫اإلسالمي‪ ،‬وال َّثقاف ُة الجاهل َّي ُة القائم ُة ٰ‬
‫على‬ ‫ِّ‬ ‫َّصو ِر‬‫الت ُّ‬
‫يرجع إلى اهلل في‬ ‫إلها ال‬ ‫ِ‬
‫الفكر َّ‬ ‫قاعدة ِ‬
‫ِ‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬
‫ُ‬ ‫ري ً‬ ‫البش ِّ‬ ‫إقامة‬ ‫واحدة‪..‬‬ ‫قاعدة‬ ‫إلى‬
‫ٰ‬
‫والواقعي‬ ‫الفكري‬ ‫حقول الن ِ‬
‫َّشاط‬ ‫ِ‬ ‫ميزانِه‪ ..‬وال َّثقاف ُة اإلسالم َّي ُة شامل ٌة ِّ‬
‫لكل‬
‫ِّ‬ ‫ِّ‬
‫‪249‬‬

‫نمو هذا‬ ‫ِ‬


‫والخصائص ما ُ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫يكفل َّ‬ ‫والمناهج‬ ‫القواعد‬ ‫اإلنساني‪ ،‬وفيها من‬
‫ِّ‬
‫دائما‪.‬‬ ‫ِ‬
‫النَّشاط وحيو َّيتَه ً‬
‫َّة‪:‬‬ ‫اإلسال ُم ُ‬
‫أصل احلضارِة الغربيِ‬
‫قامت عليه الحضار ُة‬ ‫ْ‬ ‫َّجريبي‪ ،‬ا َّلذي‬
‫َّ‬ ‫نعلم َأ َّن االتِّجا َه الت‬
‫ويكفي َأ ْن َ‬
‫الصناع َّي ُة األَوروب َّي ُة الحاضرةُ‪ ،‬لم ينشأ ابتدا ًء في ُأوروبا‪ ،‬وإنَّما َ‬
‫نشأ‬
‫ِ‬
‫مستمدًّ ا ُأصو َله من‬ ‫ِ‬
‫والمشرق‪،‬‬ ‫ِ‬
‫ندلس‬ ‫الجامعات اإلسالم َّية في األَ‬ ‫ِ‬ ‫في‬
‫الكون وطبيعتِه الواقع َّية‪ ،‬ومدَّ خراتِه‬‫ِ‬ ‫اإلسالمي وتوجيهاتِه‪ ،‬إلى‬ ‫ِّ‬ ‫َّصو ِر‬
‫الت ُّ‬
‫ت النَّهض ُة العلم َّي ُة في َأوروبا بهذا المنهج‪،‬‬ ‫و َأقواتِه‪ ..‬ثم استق َّل ِ‬
‫َّ‬
‫اإلسالمي‬
‫ِّ‬ ‫واستمر ْت ُتن َِّم ِيه وت َُر ِّقيه‪ ،‬بينما ُر ِكدَ وت َ‬
‫ُرك نهائ ًّيا في العال ِم‬ ‫َّ‬
‫بعضها‬ ‫َ‬
‫عوامل ُ‬ ‫بسبب ُب ْع ِد هذا العال ِم تدريج ًّيا عن اإلسالم؛ بفعل‬ ‫ِ‬
‫وبعضها يتم َّث ُل في الهجوم عليه من العال ِم‬ ‫ُ‬ ‫تركيب المجتمع‪،‬‬ ‫ِ‬ ‫كامل في‬ ‫ٌ‬
‫قطعت َأوربا ما بين المنهج ا َّلذي َ‬
‫اقتبستْه‪،‬‬ ‫ْ‬ ‫ثم‬
‫هيوني‪َّ ..‬‬‫ِّ‬ ‫والص‬‫ليبي ُّ‬ ‫الص ِّ‬ ‫َّ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫دت به نهائ ًّيا بعيدً ا عن اهلل‪،‬‬ ‫وشر ْ‬‫وبي َن ُأصوله االعتقاد َّية اإلسالم َّية‪َ ،‬‬
‫ُ‬
‫تستطيل على النَّاس ـ بغ ًيا‬ ‫ِ‬
‫الكنيسة‪ ،‬ا َّلتي كانت‬ ‫شرودها عن‬ ‫ِ‬ ‫في َأ ِ‬
‫ثناء‬
‫وعدوا ـ باسم اهلل!(‪.)1‬‬ ‫ً‬
‫ِ‬
‫إنتاج‬ ‫شأ ُن‬ ‫وربي بجملتِه ـ َ‬
‫شأنُه ْ‬ ‫الفكر األَ ِّ‬ ‫ِ‬ ‫تاج‬ ‫ِ‬
‫صبح ن ُ‬ ‫وكذلك َأ َ‬ ‫َ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫آخر‪ ،‬ذا‬‫الجاهلي في جمي ِع األَزمان في جميع ِالبقا ِع ـ شي ًئا َ‬ ‫ِّ‬ ‫الفكر‬
‫ٍ‬ ‫َّصو ِر‬ ‫ِ‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬
‫ومعادية‬ ‫اإلسالمي‪،‬‬
‫ِّ‬ ‫مقومات الت ُّ‬ ‫طبيعة مختلفة من َأساسها عن ِّ‬
‫اإلسالمي‪..‬‬
‫ِّ‬ ‫َّصو ِر‬
‫صيل للت ُّ‬‫الوقت ذاتِه عدا ًء َأ ً‬ ‫ِ‬ ‫في‬
‫(( ( راجع فصل‪( :‬الفصام النكد) في كتاب‪« :‬المستقبل لهذا الدين» (المؤ ِّلف)‪.‬‬
‫‪250‬‬

‫تصو ِره وحدَ ها‪ ،‬و َأ َّل‬ ‫ِ‬ ‫ووجب على المسل ِم َأ ْن‬
‫مقومات ُّ‬ ‫إلى ِّ‬ ‫يرجع ٰ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫إن استطاع ِ‬ ‫المصدر الرباني ِ‬
‫خذ َّإل عن‬ ‫وإل فال ْيأ ْ‬ ‫بنفسه‪َّ ،‬‬ ‫َ‬ ‫ِ َّ ِّ‬ ‫ْيأ َ‬
‫خذ َّإل من‬
‫خذ عنه‪.‬‬ ‫مسل ٍم تقي‪ ،‬يعلم عن دينِه وتقواه ما يطمئنُه إلى األَ ِ‬
‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫ٍّ‬
‫۞۞۞‬
‫العلم عن صاحِبه‪:‬‬ ‫ُ‬
‫ينفصل ُ‬ ‫ال‬
‫العلم» ال يعر ُفها اإلسال ُم فيما‬ ‫احب ِ‬ ‫«الع ْلم» عن «ص ِ‬
‫إن حكاي َة َفص ِل ِ‬ ‫َّ‬
‫َ‬ ‫ْ‬
‫ِ‬
‫اإلنسان‬ ‫رة في ِ‬
‫نظرة‬ ‫بمفهومات العقيدة المؤ ِّث ِ‬
‫ِ‬ ‫بكل العلو ِم المتع ِّل ِ‬
‫قة‬ ‫يختص ِّ‬ ‫ُّ‬
‫َّشاط اإلنساني‪ ،‬واألَوضا ِع ِ‬
‫والق َيم واألَخالقِ‬ ‫والحياة والن ِ‬
‫ِ‬ ‫إلى الوجودِ‬
‫ِّ‬
‫اإلنسان ونشاطِه من ِ‬
‫هذه النَّواحي‪.‬‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫بنفس‬ ‫ِ‬
‫وسائر ما يتع َّل ُق‬ ‫ِ‬
‫والعادات‪،‬‬
‫غري املسلمِ‪َ ،‬أو عن ِ‬
‫غري‬ ‫املسلم عن ِ‬ ‫ُ‬ ‫يتسامح يف َأن يتل َّقى‬
‫ُ‬ ‫إن اإلسال َم‬ ‫َّ‬
‫ك‪ ،‬أو‬ ‫بيعة‪َ ،‬أو ال َف َل ِ‬
‫البحتة‪َ ،‬أو ال َّط ِ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫الكيمياء‬ ‫املسلمني‪ ،‬يف عل ِم‬ ‫َّقي من‬
‫َ‬ ‫الت ِّ‬
‫وأ ِ‬
‫مثالا؛‬ ‫عامل اإلدار َّي ِة والكتاب َّي ِة‪َ ..‬‬
‫َّراعة َأو األَ ِ‬‫ناعة َأو الز ِ‬ ‫ال ِّطب‪َ ،‬أو الص ِ‬
‫ِّ‬ ‫ِّ‬
‫خذ عنه يف هذا ك ِّله!‬ ‫مسلم تق ًّيا ْيأ ُ‬ ‫ِ‬
‫وذلك يف احلاالت ا َّلتي ال جيدُ فيها ً‬
‫َّاشئ من‬
‫نفسهم المسلمي َن اليوم‪ ،‬الن ُ‬ ‫ون َأ َ‬ ‫يسم َ‬‫واقع َمن ُّ‬ ‫ُ‬ ‫كما هو‬
‫ِ‬ ‫َّصو ِر‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫لمقتضيات‬ ‫اإلسالمي‬
‫ِّ‬ ‫ُب ْعده ِم عن دينهم ومنهجهم‪ ،‬وعن الت ُّ‬
‫هذه العلو ِم‬ ‫الخالفة من ِ‬ ‫ِ‬ ‫بإذن اهلل ـ وما يلزم ِ‬
‫لهذه‬ ‫الفة في األَرض ـ ِ‬ ‫الخ ِ‬ ‫ِ‬
‫ُ‬
‫ِ‬
‫المختلفة‪..‬‬ ‫ِ‬
‫والمهارات‬ ‫ِ‬
‫والخبرات‬
‫صول عقيدتِه‪ ،‬وال مقو ِ‬
‫مات‬ ‫يتسامح في َأن يتل َّق ٰى ُأ َ‬ ‫ولكنَّه ال‬
‫ِّ‬ ‫ُ‬
‫ِ‬
‫وتفسير‬ ‫ِ‬
‫تاريخه‬ ‫منهج‬ ‫وسيرة نب ِّي ِه‪ ،‬وال‬
‫ِ‬ ‫تفسير قرآنِه وحديثِه‬ ‫تصو ِره‪ ،‬وال‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫ُّ‬
‫منهج سياستِه‪ ،‬وال‬
‫َ‬
‫ِ‬
‫حكمه‪ ،‬وال‬ ‫ِ‬
‫مجتمعه‪ ،‬وال نظا َم‬ ‫مذهب‬
‫َ‬ ‫نشاطه‪ ،‬وال‬
‫‪251‬‬

‫غير إسالم َّي ٍة‪ ،‬وال َأ ْن‬


‫مصادر ِ‬
‫َ‬ ‫ِ‬
‫وتعبيره‪ ..‬إلخ‪ ،‬من‬ ‫وأدبِه‬ ‫ِ‬
‫موجبات َفنِّه َ‬
‫ٍ‬
‫شيء من هذا ك ِّله‪.‬‬ ‫يثق في دينِه وتقواه في‬
‫غير مسل ٍم ُ‬‫يتل َّق ٰى عن ِ‬

‫وحبه للقراءِة ِّ‬


‫واالطالع‪:‬‬ ‫َّة ُّ‬ ‫جتربة سيد ُق ُطب َّ‬
‫الثقافي ُ‬ ‫ُ‬

‫ربعين َسنَّ ًة كامل ًة!‬


‫َ‬ ‫يقرأ َأ‬
‫عاش ُ‬‫إنسان َ‬
‫ٌ‬ ‫يكتب هذا الكال َم‬
‫ُ‬ ‫إن ا َّلذي‬
‫َّ‬
‫ِ‬
‫حقول‬ ‫الع في معظ ِم‬ ‫كان عم ُله األَ َّو ُل فيها هو القراء َة واال ِّط َ‬
‫ثم عا َد‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫تخصصه‪ ،‬وما هو من هواياته‪َّ ..‬‬ ‫المعرفة اإلنسان َّية‪ ..‬ما هو من ُّ‬
‫إلى‬ ‫ً‬
‫ضئيل ٰ‬ ‫ً‬
‫ضئيل‬ ‫كل ما قر َأ ُه‬ ‫وتصو ِره؛ فإذا هو يجدُ َّ‬
‫ُّ‬ ‫مصادر عقيدتِه‬
‫ِ‬ ‫إلى‬
‫ٰ‬
‫يكون َّإل كذلك ـ وما‬‫َ‬ ‫الضخ ِم ـ وما كان يمك ُن َأن‬ ‫جانب ذلك الر ِ‬
‫صيد َّ‬ ‫ِ‬
‫َّ‬
‫عرف الجاهل َّي َة‬
‫َ‬ ‫قضى فيه َأربعي َن َسنَ ًة من عمره؛ فإنَّما‬ ‫ٰ‬ ‫هو بناد ٍم ٰ‬
‫على ما‬
‫وعلى‬‫ٰ‬ ‫وعلى قزامتِها‪..‬‬
‫ٰ‬ ‫وعلى ضآلتِها‬ ‫ٰ‬ ‫على حقيقتِها‪ ،‬وعلى انحرافِها‪،‬‬ ‫ٰ‬
‫غرورها وا ِّدعائها كذلك!!‬ ‫ِ‬ ‫وعلى‬ ‫ِ‬
‫وانتفاشها‪،‬‬ ‫َج ْعجعتِها‬
‫ٰ‬
‫ِ‬
‫هذين‬ ‫المسـلم بيـن‬ ‫يجمع‬ ‫ِ‬
‫اليقيـن َأنَّـه ال يمكـ ُن َأ ْن‬ ‫علـم‬ ‫ـم‬ ‫ِ‬
‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫و َعل َ‬
‫ِ‬
‫المصدريـن فـي التَّل ِّقي!‬

‫قافة عن غ ِري املسلمني‪:‬‬


‫الث ِ‬‫أخذ َّ‬
‫حتريم ِ‬
‫ُ‬

‫إن‬ ‫ِ‬
‫الفقرة ر ْأ ًيا لي ُأبديه‪َّ ..‬‬ ‫سبق في هذه‬ ‫فليس ا َّلذي َ‬ ‫ومع ذلك َ‬
‫ِ‬
‫ميزان اهلل من َأن يعتمدَ‬ ‫فتى فيه بالر ْأ ِي‪ ..‬إنَّه َأ ُ‬
‫ثقل في‬ ‫كبر من َأن ُي ٰ‬ ‫األَ َ‬
‫مر َأ ُ‬
‫ُ‬
‫وقول نب ِّيه ﷺ‬ ‫قول اهلل ـ سبحانه ـ‬‫على ر ْأيه‪ ،‬إنَّما هو ُ‬ ‫المسلم فيه ٰ‬
‫ُ‬
‫يرجع ا َّلذين‬
‫ُ‬ ‫ونرجع فيه إلى اهلل والرس ِ‬
‫ول‪ ،‬كما‬ ‫ُ‬ ‫ن َُحك ُِّم ُه في هذا ْ‬
‫الشأن‪،‬‬
‫َّ ُ‬
‫َ‬
‫يختلفون فيه‪.‬‬ ‫آمنوا إلى اهلل والرس ِ‬
‫ول فيما‬ ‫َّ ُ‬
‫‪252‬‬

‫َّصارى في‬ ‫ِ‬


‫لليهود والن‬ ‫ِّهائي‬ ‫ِ‬ ‫ُ‬
‫ٰ‬ ‫يقول اهلل ـ سبحانه ـ عن الهدف الن ِّ‬
‫بصفة عا َّم ٍة‪:‬‬
‫ٍ‬ ‫شأ ِن المسلمي َن‬
‫ْ‬
‫﴿ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ‬
‫ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢﮣ ﮤ‬
‫ﮥﮦﮧﮨﮩﮪﮫﮬﮭﮮﮯﮰ﴾ [البقرة‪.]109 :‬‬
‫﴿ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ‬
‫ﭠﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ‬
‫ﭲ﴾ [البقرة‪.]120 :‬‬
‫﴿ﰁ ﰂ ﰃ ﰄ ﰅ ﰆ ﰇ ﰈ ﰉ ﰊ ﰋ‬
‫ﰌ ﰍ ﰎ﴾ [آل عمران‪.]100 :‬‬
‫الحافظ َأبو يعلى‪ ،‬عن حم ٍ‬
‫اد‪ ،‬عن‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬
‫رسول اهلل ﷺ فيما رواه‬ ‫ُ‬
‫ويقول‬
‫َّ‬ ‫ٰ‬
‫عبي‪ ،‬عن ٍ‬
‫جابر ‪:‬‬ ‫َّ‬
‫الش ِّ‬
‫َاب َع ْن َش ْي ٍء؛ َفإِن َُّه ْم َل ْن َي ْهدُ وك ُْم َو َقدْ َض ُّلوا‪،‬‬ ‫«ل ت َْس َأ ُلوا َأ ْه َل ا ْلكِت ِ‬ ‫َ‬
‫َوإِ َّنك ُْم إِ َّما َأ ْن ت َُصدِّ ُقوا بِ َباطِ ٍل‪َ ،‬وإِ َّما َأ ْن ُتك َِّذ ُبوا بِ َح ٍّق‪َ ،‬وإِ َّن ُه َواهلل َل ْو ك َ‬
‫َان‬
‫وس ٰى َح ًّيا َب ْي َن َأ ْظ ُه ِرك ُْم َما َح َّل َل ُه إِ َّل َأ ْن َي َّتبِ َعنِي»(‪.)1‬‬
‫ُم َ‬
‫سو ُء نيَّة املستشرق َ‬
‫ني يف أحباثهم اإلسالميَّة‪:‬‬

‫شأ ِن‬
‫َّصارى في ْ‬ ‫ِ‬
‫لليـهـود والن‬ ‫ِّـهائي‬
‫ٰ‬ ‫الـهدف الن ُّ‬
‫ُ‬ ‫وحـين يتـحدَّ ُد‬

‫يعلى في «مسنده»‪ .)102/4( :‬و َأحمد‪ .)338/3( :‬والبزار كما في «كشف‬


‫ٰ‬ ‫(( ( رواه َأبو‬
‫األَستار»‪( .)79/1( :‬كلهم من طريق مجالد بن سعيد‪ ،‬وقد ُض ِّعف‪ .‬وله ُطرق ُأ ٰ‬
‫خرى‬
‫مجموعها حسن‪ ،‬يقتضي َأن له َأ ً‬
‫صل) كما قال الهيثمي في «مجمع الزوائد» (‪.)١٧٤/١‬‬
‫‪253‬‬

‫ُ‬
‫يكون‬ ‫يقر ُره اهللُ ـ سبحانه ـ‬ ‫على ذلك الن ِ‬
‫َّحو القاط ِع ا َّلذي ِّ‬ ‫المسلمي َن ٰ‬
‫ٍ‬
‫مبحث‬ ‫يصدرون عن ن َّي ٍة ط ِّي ٍبة في َأ ِّي‬
‫َ‬ ‫ِ‬
‫البالهة ال َّظ ُّن لحظ ًة َبأنَّهم‬ ‫من‬
‫االسالمي‪َ ،‬أو‬ ‫قة بالعقيدة اإلسالم َّية‪َ ،‬أو الت ِ‬
‫َّاريخ‬ ‫المباحث المتع ِّل ِ‬
‫ِ‬ ‫من‬
‫ِّ‬
‫ِ‬
‫اقتصاده‪َ ،‬أو‬ ‫َّوجيه في نظا ِم المجتمع المسل ِم‪َ ،‬أو في سياستِه‪َ ،‬أو‬ ‫الت ِ‬

‫ُّون ذلك‬ ‫إلى ٍ‬


‫نور‪ ..‬وا َّلذي َن يظن َ‬ ‫هدى‪َ ،‬أو ٰ‬‫ً‬ ‫إلى‬ ‫إلى ٍ‬
‫خير‪َ ،‬أو ٰ‬ ‫َ‬
‫يقصدون ٰ‬
‫هم الغافلون!‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫تقرير اهلل سبحانَه ـ إنَّما ُ‬ ‫هؤالء النَّاس ـ بعد‬ ‫فيما عند‬
‫للمسلم‪:‬‬ ‫ُ‬
‫الوحيد‬ ‫ريفان هما املصدُر‬
‫الش ِ‬ ‫الوحيان َّ‬
‫ِ‬
‫ِ‬
‫قول اهلل سبحانه‪﴿ :‬ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ‬ ‫ِ‬ ‫كذلك يتحدَّ ُد من‬
‫جوع إليه‬ ‫يجب على المسل ِم ُّ‬
‫الر ُ‬ ‫ُ‬ ‫المصدر الوحيدُ ا َّلذي‬
‫ُ‬ ‫ﭠ﴾‪..‬‬
‫الل‪ ،‬وليس في ِ‬
‫غيره‬ ‫ؤون؛ فليس ورا َء هدى اهلل َّإل َّ‬
‫الض ُ‬ ‫الش ِ‬ ‫في ِ‬
‫هذه ُّ‬
‫َّص‪﴿ :‬ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ‬ ‫ِ‬
‫القصر الوارد ُة في الن ِّ‬ ‫هدً ى‪ ،‬كما تُفيدُ صيغ ُة‬
‫ﮱ ﯓ﴾‪..‬‬
‫مدلول هذا النَّص‪ ،‬وال إلى ْتأ ِ‬
‫ويله كذلك!‬ ‫ِ‬ ‫الش ِّك في‬ ‫وال َ‬
‫سبيل إلى َّ‬
‫ٰ‬ ‫ِّ‬
‫عم ْن يتو َّل ٰى عن ِ‬
‫ذكر اهلل‪،‬‬ ‫ِ‬
‫باإلعراض َّ‬ ‫القاطع‬
‫ُ‬ ‫كذلك َي ِر ُد األَ ُ‬
‫مر‬
‫على َأ َّن َ‬
‫مثل هذا ال‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫وينص ٰ‬‫ُّ‬ ‫الحياة الدُّ نيا‪،‬‬ ‫شؤون‬ ‫على‬
‫ويقصر اهتما َمه ٰ‬ ‫ُ‬
‫ظاهرا‬
‫ً‬ ‫والمسلم َمن ِْه ٌّي عن اتِّبا ِع ال َّظ ِّن‪ ،‬وأنَّه ال ُ‬
‫يعلم َّإل‬ ‫ُ‬ ‫َي ْع َل ُم َّإل ظنًّا‪،‬‬
‫صحيحا‪﴿ .‬ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ‬ ‫علما‬ ‫ِ‬
‫ً‬ ‫يعلم ً‬
‫من الحياة الدُّ نيا‪ ،‬فهو ال ُ‬
‫ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ * ﭺ ﭻ ﭼ ﭽﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ‬
‫ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ﴾ [النجم‪ 29 :‬ـ ‪.]30‬‬
‫‪254‬‬

‫﴿ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ﴾ [الروم‪.]7 :‬‬


‫العال يف اإلسالم‪:‬‬
‫مفهو ُم ِِ‬
‫شأ ُن‬ ‫ذكر اهلل‪ ،‬وال يريدُ َّإل الحيا َة الدُّ نيا ـ وهو ْ‬ ‫يغفل عن ِ‬ ‫وا َّلذي ُ‬
‫«العلم»‬
‫َ‬ ‫اهر‪ ،‬وليس هذا هو‬ ‫يعلم َّإل هذا ال َّظ َ‬‫جمي ِع «العلماء!» اليو َم ـ ال ُ‬
‫يجوز َأ َّن‬ ‫ُ‬ ‫شأنِه‪ ،‬إنَّما‬
‫كل ْ‬ ‫المسلم في صاحبِه فيتل َّق ٰى عنه في ِّ‬ ‫ُ‬ ‫ا َّلذي ُ‬
‫يثق‬
‫تفسيرا‪ ،‬وال‬ ‫البحت‪ ،‬وال يتل َّق ٰى منه‬ ‫ِ‬ ‫حدود ِ‬
‫علمه الما ِّد ِّي‬ ‫ِ‬ ‫يتل َّق ٰى عنه في‬
‫ً‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ْتأ ً‬
‫ليس‬ ‫َّفس‪َ ،‬أو متع َّلقاتها التَّصوير َّية‪ ..‬كما إنَّه َ‬ ‫للحياة‪َ ،‬أو الن ِ‬ ‫ويل عا ًّما‬
‫ِ‬
‫تعالى‪:‬‬ ‫ٰ‬ ‫ُثني عليه‪ ،‬كقوله‬ ‫اآليات القرآن َّي ُة وت ْ‬
‫ُ‬ ‫لم ا َّلذي ت ُ‬
‫ُشير إليه‬ ‫هو الع َ‬
‫َ‬
‫ينتزعون‬ ‫يفـهم ا َّلذي َن‬
‫ُ‬ ‫﴿ﯴ ﯵ ﯶ ﯷ ﯸ ﯹ ﯺ﴾ كـما‬
‫مواضعها؟ فهذا‬ ‫ِ‬ ‫سياقها ليستشهدُ وا بها في ِ‬
‫غير‬ ‫النُّصوص القرآنية من ِ‬
‫َّ‬ ‫َ‬
‫الكامل‪﴿ :‬ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ‬ ‫ُ‬ ‫نصها‬ ‫ٍ‬ ‫الس ُ‬
‫َّقريري وار ٌد في آية هذا ُّ‬ ‫ُّ‬ ‫ؤال الت‬ ‫ُّ‬
‫ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ﯱﯲ ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ ﯷ‬
‫ﯸ ﯹ ﯺﯻ ﯼ ﯽ ﯾ ﯿ﴾ [الزمر‪.]9 :‬‬
‫حذر اآلخر َة ويرجو رحم َة‬ ‫وقائما‪َ ،‬ي ُ‬
‫ً‬ ‫القانت آنا َء ال َّل ِ‬
‫يل‪ ،‬ساجدً ا‬ ‫ُ‬ ‫فهذا‬
‫العلم‬
‫ُ‬ ‫العلم‪ ..‬ا َّلذي ُ‬
‫تشير إليه اآلي ُة‪،‬‬ ‫ُ‬ ‫يعلم‪ ..‬وهذا هو‬‫ر ِّبه‪ ..‬هو هذا ا َّلذي ُ‬
‫الف َط َر ف ُت ْل ِحدُ في اهلل!‬
‫ا َّلذي يهدي إلى اهلل وتقواه‪ ..‬ال العلم ا َّلذي يفسدُ ِ‬
‫ُ‬ ‫ُ‬
‫العلم باإلميان‪:‬‬ ‫ُ‬
‫ارتباط ِ‬
‫والفرائـض الدِّ ين َّي ِة‬
‫ِ‬ ‫علـى علـ ِم العقيـدة‬
‫ٰ‬ ‫مقصـورا‬
‫ً‬ ‫ليـس‬
‫العلـم َ‬
‫َ‬ ‫َّ‬
‫إن‬
‫ِ‬
‫بالقوانيـن‬ ‫ـق‬ ‫ٍ‬
‫شـيء‪ ،‬ويتع َّل ُ‬ ‫علـى ِّ‬
‫كل‬ ‫ُ‬
‫يشـتمل‬ ‫فالعلـم‬ ‫والشـرائعِ‪..‬‬‫َّ‬
‫ٰ‬ ‫ُ‬
‫ِ‬
‫والفرائض‬ ‫ِ‬
‫خالفـة األَرض‪ ،‬تَع ُّل َقـه بالعقيـدة‬ ‫ِ‬
‫وتسـخيرها فـي‬ ‫ال َّطبيعي ِ‬
‫ـة‬ ‫َّ‬
‫‪255‬‬

‫ـة‪ ..‬ليس‬ ‫والشـرائعِ‪ ..‬ولكـن العلـم ا َّلـذي ينقطع عـن قاعدتِـه اإليماني ِ‬ ‫َّ‬
‫َّ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َّ‬
‫َ‬
‫هنـاك ارتبا ًطا بين‬ ‫هله‪َّ ..‬‬‫القـرآن‪ ،‬ويثني علـى َأ ِ‬ ‫هـو العلـم ا َّلذي ِ‬
‫إن‬ ‫ٰ‬ ‫ُ ُ‬ ‫يعنيه‬ ‫َ‬
‫حياء‪ ،‬وعلـ ِم ال َّط ِ‬
‫بيعة‪ ،‬وعل ِم‬ ‫لك‪ ،‬وعلـ ِم األَ ِ‬
‫ـة وعل ِم ال َف ِ‬ ‫القاعـدة اإليماني ِ‬
‫ِ‬
‫َّ‬
‫ِ‬
‫َّواميس‬ ‫وسـائر العلو ِم المتع ِّل ِ‬
‫قـة بالن‬ ‫ِ‬ ‫طبقات األَرض‪..‬‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫الكيميـاء‪ ،‬وعل ِم‬
‫والقوانيـن الحيو َّي ِة(‪..)1‬‬
‫ِ‬ ‫ـة‪،‬‬ ‫الكوني ِ‬
‫َّ‬
‫ِ‬
‫لالبتعاد‬ ‫المنحرف‬
‫ُ‬ ‫يستخدمها الهوى‬ ‫إنَّها ك َّلها تؤ ِّدي إلى اهللِ‪ ،‬حين ال‬
‫ُ‬
‫سف ـ‬ ‫َّهضة العلمية ـ مع األَ ِ‬ ‫عن اهلل‪ ..‬كما اتَّجه المنهج األَوربي في الن ِ‬ ‫ِ‬
‫َّ‬ ‫ِّ ُّ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬
‫َّاريخ األَور ِّب ِّي خاص ًة‪،‬‬ ‫قامت في الت ِ‬ ‫ْ‬ ‫المالبسات الن َِّك ِ‬
‫دة ا َّلتي‬ ‫ِ‬ ‫بسبب تلك‬‫ِ‬
‫آثاره العميق َة‬ ‫ثم َ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ترك َ‬ ‫بين المشتغل َين بالعل ِم وبي َن الكنيسة الغاشمة! َّ‬
‫َ‬
‫وترك‬ ‫طبيعة الت ِ‬
‫َّفكير األَور ِّب ِّي‪،‬‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫الفكر األَور ِّب ِّي ك ِّلها‪ ،‬وفي‬ ‫ِ‬
‫مناهج‬ ‫في‬
‫يني جمل ًة ـ ال‬ ‫َّصو ِر الدِّ ِّ‬
‫صل الت ُّ‬ ‫المسم َم َة بال َعداء ألَ ِ‬‫َّ‬ ‫واسب‬
‫َ‬ ‫الر‬
‫تلك َّ‬
‫ِ‬
‫نتجه‬‫كل ما َأ َ‬ ‫للكنيسة وحدَ ها ـ في ِّ‬ ‫َسي وحدَ ُه وال‬ ‫َّصو ِر الكن ِّ‬
‫صل الت ُّ‬‫ألَ ِ‬

‫ِ‬
‫واإلنسان‪..‬‬ ‫ِ‬
‫والكون‪..‬‬ ‫رات اإلسالم َّية‪ ،‬عن اهللِ‪..‬‬ ‫بإسهاب عن التَّصو ِ‬ ‫ٍ‬ ‫(( ( تك َّلم س ِّيد ُق ُطب ‪‬‬
‫ُّ‬
‫ِ‬
‫وعالقة‬ ‫ِ‬
‫وكوابحها‪..‬‬ ‫ِ‬
‫ودوافعها‬ ‫َّفس البشرية‪،‬‬ ‫والموت‪ ..‬والدُّ نيا واآلخرة‪ ..‬والن ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫والحياة‪..‬‬
‫ِ‬
‫النظريات اإلسالم َّي َة المقابل َة‬ ‫ٍ‬
‫كتصورات تم ِّث ُل‬ ‫ِ‬
‫والحياة واألَحياء؛‬‫ِ‬ ‫ِ‬
‫وبالكون‬ ‫ِ‬
‫بالمخلوق‪،‬‬ ‫ِ‬
‫الخالق‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫النظريات اإلسالمي َة ا َّلتي قامت‬ ‫للنظريات الغربية‪ ..‬ا َّلتي قامت عليها الحضار ُة الغربي ُة‪َ .‬فأ َ‬
‫وضح‬
‫خيرة مع رسول اهلل ﷺ وا َّلتي‬ ‫الحلقة األَ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ثم مع‬ ‫عليها الحضار ُة اإلسالم َّي ُة منذ فجر التَّاريخ‪َّ ،‬‬
‫رات ماركس‪ ،‬وفرويد‪،‬‬ ‫التمكين القادم ُة لإلسالم؛ فواجه تصو ِ‬ ‫ِ‬ ‫ستقو ُم عليها ـ إن شاء اهلل ـ دور ُة‬
‫ُّ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ودوركايم‪ ،‬ونيتشه‪ ،‬وغيرهم‪ ..‬كما واجه نزعات اإللحاد الغربي َة‪ ،‬واستند إلى العلو ِم الحديثة في‬
‫خالق‬ ‫بوجود ٍ‬‫ِ‬ ‫حقائق هذا الدِّ ين؛‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫لتقرير‬ ‫والكيمياء‪ ،‬وغيرها‪..‬‬ ‫ِ‬ ‫حياء‪ ،‬والجيولوجياِ‪،‬‬ ‫الفلك‪ ،‬واألَ ِ‬ ‫ِ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ِ‬
‫والوضوح‬ ‫العظمة‬ ‫مر الحياة واألَحياء‪ ،‬والوجود ك ِّله‪ ،‬وعالقاته المتشابكة‪ ..‬و َأنه ٰ‬
‫تعالى من‬ ‫يدبر َأ َ‬ ‫ُ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫َّ‬ ‫ٍ‬
‫بحيث يجده كل عال ٍم‪ ،‬وباحث في نهاية كل طريق يسلكُه‪ ،‬وتكل َم عن آالف التَّوافقات في‬ ‫ِّ‬ ‫ِ‬ ‫ٍ‬ ‫ُّ‬ ‫ُ‬
‫َ‬ ‫ِ‬ ‫َ‬ ‫ِ‬ ‫َ‬ ‫ِ‬
‫على‬‫توافقات مقصود ٌة لقيا ِم هذه الحياة‪ ،‬وهذا اإلنسان‪ ،‬وهذا ال َعالم ٰ‬ ‫ٌ‬ ‫الحياة واألحياء‪ ،‬وأنَّها‬
‫ِ‬
‫الخصوص‪ ،‬و َأ َّن من ورائها حكم ًة بالغ ًة عُليا‪.‬‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫وجه‬
‫‪256‬‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫كانت فلسف ًة‬
‫ْ‬ ‫المعرفة‪ ،‬سوا ٌء‬ ‫حقول‬ ‫ٍ‬
‫حقل من‬ ‫كل‬ ‫الفكر األَ ُّ‬
‫وربي‪ ،‬في ِّ‬ ‫ُ‬
‫ميتافيزيق َّي ًة‪َ ،‬أو كانت ُبحو ًثا علم َّي ًة بحت ًة ال عالق َة لها ـ في ال َّظاهر ـ‬
‫بالموضو ِع الدِّ ِّ‬
‫يني!(‪.)1‬‬
‫َّة‪:‬‬ ‫جاهلي ُ‬
‫َّة العلوِم الغربيِ‬
‫كل‬ ‫الفكر في ِّ‬ ‫ِ‬ ‫تاج هذا‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫تقر َر َأ َّن‬
‫الغربي‪ ،‬ون َ‬
‫ِّ‬ ‫الفكر‬ ‫مناهج‬
‫َ‬ ‫وإذا َّ‬
‫المسم َم ِة‬ ‫َّ‬ ‫ِ‬
‫واسب‬ ‫الر‬
‫تلك َّ‬ ‫على َأساس َ‬ ‫حقول المعرفة‪ ،‬يقو ُم ابتدا ًء ٰ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫بالع ِ‬
‫ِّتاج‬ ‫المناهج وهذا الن َ‬ ‫َ‬ ‫فإن َ‬
‫تلك‬ ‫يني جمل ًة‪َّ ،‬‬ ‫َّصو ِر الدِّ ِّ‬ ‫صل الت ُّ‬ ‫داء ألَ ِ‬ ‫َ‬
‫ٍ‬ ‫خاص ًة؛ ألَنَّه يعتمدُ هذا ال َعدا َء‬ ‫َّصو ِر‬
‫بصفة‬ ‫َّ‬ ‫اإلسالمي‬
‫ِّ‬ ‫َأشدُّ َعدا ًء للت ُّ‬
‫تمييع العقيدة‬ ‫كثيرة ـ في خ َّط ٍة متعم ٍ‬
‫دة ـ‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬
‫حاالت‬ ‫ويتحر ٰى في‬ ‫خاص ٍة‪،‬‬
‫َ‬ ‫َّ‬ ‫َّ‬ ‫َّ‬
‫ِ‬
‫سس ا َّلتي يقو ُم عليها‬ ‫تحطيم األُ ِ‬ ‫َ‬ ‫َّصو ِر والمفهومات اإلسالم َّية‪َّ ،‬‬
‫ثم‬ ‫والت ُّ‬
‫مقوماتِه‪.‬‬ ‫كل ِّ‬ ‫تم ُّي ُز المجتمع المسل ِم في ِّ‬
‫الفكر‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫مناهج‬ ‫على‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ُ‬ ‫ومن َث َّم‬
‫الم ْزرية االعتما ُد ٰ‬ ‫يكون من الغفلة ُ‬
‫ثم‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫وعلى نتاجه كذلك في الدِّ راسات اإلسالم َّية‪ ..‬ومن َّ‬ ‫ٰ‬ ‫الغربي‪،‬‬
‫ِّ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫َجب الح ْيط ُة كذلك في أثناء دراسة العلو ِم البحتة ـ ا َّلتي ال بدَّ لنا في‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ت ُ‬
‫ٍ‬
‫فلسفية‬ ‫مصادرها الغرب َّي ِة ـ من َأ َّي ِة ظِ ٍ‬
‫الل‬ ‫ِ‬ ‫الحاضر من تل ِّقيها من‬ ‫ِ‬ ‫موقفنا‬‫ِ‬
‫يني جمل ًة‪،‬‬ ‫َّصو ِر الدِّ ِّ‬‫الل معادي ٌة في َأساسها للت ُّ‬ ‫تتع َّل ُق بها؛ ألَ َّن هذه ال ِّظ َ‬
‫خاص ٍة‪ ،‬و َأ ُّي َقدْ ٍر منها يكفي لتسمي ِم الينبو ِع‬ ‫ٍ‬
‫اإلسالمي بصفة َّ‬ ‫ِّ‬ ‫َّصو ِر‬
‫وللت ُّ‬
‫الصافي‪.‬‬ ‫اإلسالمي َّ‬‫ِّ‬

‫(الم َؤ ِّلف)‪.‬‬
‫(( ( يراجع فصل‪( :‬الفصام النكد) في كتاب «المستقبل لهذا الدين» ُ‬
‫لحقيقـة الر ِ‬
‫وابط‬ ‫ِ‬ ‫ٍ‬
‫جديـد‬ ‫بتصو ٍر‬ ‫إلـى هذه البشـر َّي ِة‬
‫َّ‬ ‫ُّ‬ ‫جا َء اإلسلا ُم ٰ‬
‫ِ‬
‫واالعتبارات‪،‬‬ ‫لحقيقـة ِ‬
‫الق َيـم‬ ‫ِ‬ ‫ٍ‬
‫جديـد‬ ‫بتصـو ٍر‬ ‫ِ‬
‫والوشـائج‪ ،‬يـو َم جاءها‬
‫ُّ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫االعتبارات‪.‬‬ ‫ـم وهـذه‬ ‫ولحقيقـة الجهـة ا َّلتـي تتَل َّق ٰى منهـا هذه الق َي َ‬
‫السلط َة هي‬
‫وليجعل هذه ُّ‬ ‫َ‬ ‫إلى ر ِّبه‪،‬‬ ‫َ‬
‫اإلنسان ٰ‬ ‫جا َء اإلسال ُم لير َّد‬
‫السلط َة الوحيد َة ا َّلتي يتل َّقى منها موازينَه ِ‬
‫وق َي َمه‪ ،‬كما تل َّق ٰى منها وجو َده‬ ‫ٰ‬ ‫ُّ‬
‫صدر‬
‫َ‬ ‫ووشائجه‪ ،‬كما َأنَّه من إرادتِها‬
‫ِ‬ ‫يرجع إليها بروابطِه‬
‫ُ‬ ‫وحياتَه‪ ،‬وا َّلتي‬
‫وإليها يعو ُد‪.‬‬
‫َّاس في اهللِ؛ فإذا انبت َّْت‬ ‫ليقر َر َأ َّن هناك وشيج ًة واحد ًة ُ‬
‫تربط الن َ‬ ‫جاء ِّ‬
‫َ‬
‫ِ‬
‫هذه الوشيج ُة‪ ،‬فال ص َل َة وال مو َّدةَ‪:‬‬
‫﴿ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ‬
‫ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ﴾‬
‫[المجادلة‪..]22 :‬‬
‫للش ِ‬ ‫َ ِ‬ ‫َ‬
‫يطان‬ ‫هناك حز ًبا واحدً ا هلل ال يتعدَّ ُد‪ ،‬و َأحزا ًبا ُأ ٰ‬
‫خرى ك َّلها َّ‬ ‫وأ َّن‬
‫اغوت‪﴿ :‬ﭱﭲﭳﭴﭵﭶﭷﭸﭹﭺﭻﭼ‬ ‫ِ‬ ‫ولل َّط‬
‫ﭽﭾﭿﮀﮁﮂﮃﮄﮅﮆ﴾ [النساء‪.]76 :‬‬
‫‪258‬‬

‫آخر ال يؤ ِّدي إليه‪:‬‬


‫طريق َ‬ ‫يصل إلى اهللِ‪ُّ ،‬‬
‫وكل ٍ‬ ‫َ‬
‫وأ َّن َ‬
‫هناك طري ًقا واحدً ا ُ‬
‫﴿ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ‬
‫ﮆ﴾ [األَنعام‪.]153 :‬‬
‫اإلسالمي‪ ،‬وما عداه من النُّظ ِم‬
‫ُّ‬ ‫نظاما واحدً ا هو النِّظا ُم‬ ‫َ‬
‫وأ َّن هناك ً‬
‫فهو جاهل َّي ٌة‪﴿ :‬ﯾﯿﰀﰁﰂﰃﰄﰅﰆﰇﰈ﴾‬
‫[المائدة‪.]50 :‬‬
‫هناك شريع ًة واحد ًة هي شريع ُة اهللِ‪ ،‬وما عداها فهو ٌ‬
‫باطل‪:‬‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫وأ َّن‬
‫﴿ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ‬
‫ﮣ﴾ [الجاثية‪.]18 :‬‬
‫الض ُ‬
‫الل‪﴿ :‬ﯽ ﯾ‬ ‫َ‬
‫هناك ح ًّقا واحدً ا ال يتعدَّ ُد‪ ،‬وما عداه فهو َّ‬ ‫َ‬
‫وأ َّن‬
‫ﯿ ﰀ ﰁﰂ ﰃ ﰄ﴾ [يونس‪.]32 :‬‬
‫معنىٰ داِر اإلسالم‪:‬‬

‫دار اإلسالم‪ ،‬تلك ا َّلتي تقو ُم فيها‬ ‫دارا واحد ًة هي ُ‬ ‫وأ َّن هناك ً‬ ‫َ‬
‫الدَّ ول ُة المسلم ُة‪ ،‬فتُهيم ُن عليها شريع ُة اهلل‪ ،‬وتُقا ُم فيها حدو ُده‪ ،‬ويتو َّلى‬
‫ٍ‬
‫حرب‪ ،‬عالق ُة‬ ‫دار‬
‫بعضا‪ ،‬وما عداها فهو ُ‬ ‫بعضهم ً‬ ‫المسلمون فيها َ‬‫َ‬
‫ِ ٍ‬
‫على عهد َأمان‪ ،‬ولكنَّها ليست َ‬
‫دار‬ ‫المهادن ُة ٰ‬ ‫ُ‬
‫القتال‪ ،‬وإ َّما ُ‬ ‫المسل ِم بها إ َّما‬
‫هلها وبي َن المسلمي َن(‪:)1‬‬ ‫إسال ِم‪ ،‬وال والء بين َأ ِ‬
‫َ َ‬

‫فدار اإلسالم هي البال ُد‬ ‫نص عليه الفقها ُء ‪ُ ‬‬ ‫(( ( تنبيه‪ :‬ما قاله سيد ُق ُطب ‪ ‬هنا هو عي ُن ما َّ‬
‫إظهار اإلسالم كما هو‬ ‫يستطيع َأهلها‬ ‫ِ‬
‫تظهر فيها َأحكا ُم اإلسالم كما عند الحنف َّية‪َ ،‬أو‬ ‫ا َّلتي‬
‫َ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬
‫ِ‬
‫الحــرب عندهم‪ :‬هي الدَّ ُار ا َّلتي ال تط َّب ُق فيها َأحكا ُم اإلسالم الدِّ ين َّي ُة‬ ‫ودار‬ ‫ِ‬
‫عندَ الشافع َّية‪ُ ،‬‬
‫‪259‬‬

‫﴿ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ‬
‫ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊﮋ ﮌ ﮍ ﮎ‬
‫ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ‬
‫ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ‬
‫تحكمها دول ٌة‬ ‫يادة اإلسالم َّية؛ سواء َأكانت هذه البال ُد‬ ‫نطاق الس ِ‬
‫ُ‬ ‫خارج َ ِّ‬ ‫َ‬ ‫والسياس َّي ُة لوجودها‬ ‫ِّ‬
‫يكون بين سكَّانها المقيمي َن بها إقام ًة دائم ًة‬ ‫ِ‬ ‫َ‬ ‫دول متعدِّ دةٌ‪ ،‬ويستوي َأن‬ ‫تحكمها ٌ‬ ‫م‬ ‫َ‬
‫أ‬ ‫ٌ‪،‬‬
‫ة‬ ‫واحد‬
‫ُ‬
‫َ‬
‫المسألةُ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫مسلمون َأو ال يكون‪ ،‬ما دام المسلمون عاجزي َن عن إظهار أحكام اإلسالم‪ .‬وهذه‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ِ‬ ‫َّازلة بعد عهد الص ِ‬ ‫المسائل الن ِ‬ ‫ِ‬
‫نص‬ ‫واختلف العلما ُء فيها لعد ِم وجود ٍّ‬ ‫َ‬ ‫حابة والتَّابعي َن‪،‬‬ ‫َّ‬ ‫من‬
‫ٍ‬ ‫ٍ‬
‫شيخ اإلسالم اب ُن تيم َّي َة ‪ ‬بحالة وسط لذلك‬ ‫فتى ُ‬ ‫اجتهادي؛ لذلك َأ ٰ‬ ‫ٌّ‬ ‫َقسيمه َأ ٌ‬
‫مر‬ ‫قاطعٍ‪ ،‬فت ُ‬
‫حرب‬‫ٍ‬ ‫ِ‬
‫الواق ِع المتجدِّ د في عهده‪ ،‬وهي حال ُة البلد ا َّلذي ليس بلدَ إسال ٍم صر ًفا‪ ..‬وال بلدَ‬ ‫ِ‬
‫الشهيرة‪.‬‬ ‫فتوى الماردين َّي ِة َّ‬ ‫ٰ‬ ‫صر ًفا‪ ،‬وذلك في‬
‫دولة اإلسالم؛ بل‬ ‫سقوط ِ‬ ‫ِ‬ ‫جديد لتغ ُّي ِر واقعها بعد‬ ‫ٍ‬ ‫حال األُمة اليوم‪ ..‬فيحتاج إلى ٍ‬
‫فقه‬ ‫و َأ َّما ُ‬ ‫ ‬
‫ُ ٰ‬ ‫َ‬ ‫َّ‬
‫إلى هذا التَّقسي ِم؛ ألَنَّنا ُ‬ ‫ِ‬ ‫ٍ‬
‫نعيش واق ًعا مختل ًفا‬ ‫إلى معرفة األَحكا ِم ا َّلتي قادت ٰ‬ ‫نحن في حاجة ٰ‬
‫للغياب في واق ٍع لم يعدْ موجو ًدا‪ ..‬كما‬ ‫ِ‬ ‫داعي‬ ‫تقريرات فقهنا فيما سبق‪ ..‬فال‬ ‫ِ‬ ‫عن واق ِع‬
‫َ‬
‫عاجزون عن جهادِ‬ ‫َ‬ ‫ِ‬
‫لب وحكمه؛ ألَنَّنا‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ٍ‬
‫َأنَّنا لسنا بحاجة اليوم لحديث عن فقه جهاد ال َّط ِ‬ ‫ٍ‬
‫بجهاد ال َّطلب؟! ففقهاء األُ َّمة‬ ‫ِ‬
‫حاضرنا؛‬ ‫َ‬ ‫فقهنا ُ‬
‫يعيش‬ ‫قادرون َأن يجعلوا َ‬ ‫َ‬ ‫الدَّ فعِ‪ ،‬فكيف‬
‫ارع الحكيم‪.‬‬ ‫الش ُ‬ ‫تلك األحكام على الواق ِع بحسب ما يقتضيه َّ‬ ‫َ‬ ‫تنزيل َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬
‫نحاول‬ ‫فيجب َأن‬
‫الحكم على البلدان مجزَّ ًأ‪ ..‬بحسب‬ ‫ِ‬ ‫حيح لواقعنا اليوم ـ واهلل َأعلم ـ َأن يكون‬ ‫ُ‬
‫ُ‬ ‫الص ُ‬ ‫والقول َّ‬
‫تعرضوا‬ ‫ِ‬ ‫ٍ‬
‫وحال المسل ِم فيها؛ ُفر َّب بلد‬ ‫ِ‬ ‫حالِها‬
‫على بعضهم‪ ،‬إذا َّ‬ ‫تجب فيه الهجر ُة ٰ‬ ‫ُ‬ ‫إسالمي‬
‫ٍّ‬
‫كافر‪ ،‬لك َّن غالب َّيتَه‬ ‫بشعائر دينِهم‪ ،‬ورب ٍ‬ ‫ِ‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬
‫حاكمه ٌ‬ ‫ُ‬ ‫بلد‬ ‫ُ َّ‬ ‫جائر يمن ُعهم من القيام‬ ‫الضطهاد‬
‫وشعائر اإلسالم فيه ظاهرةٌ‪.‬‬ ‫ُ‬ ‫مسلمون‪..‬‬‫َ‬
‫الحرب ال يعني َأ َّن‬ ‫ِ‬ ‫ولة َأو المجتمع بالجاهل َّية َأو ِ‬
‫دار‬ ‫حال الدَّ ِ‬‫يصف س ِّيد ‪َ ‬‬ ‫ُ‬ ‫فعندما‬ ‫ ‬
‫كل َأ ِ‬ ‫يضا وص ُفه الدَّ َار باإلسالم ال يعني َأ َّن َّ‬
‫كفار‪ ،‬و َأ ً‬
‫فالحكم على‬
‫ُ‬ ‫َ‬
‫مسلمون؛‬ ‫فرادها‬ ‫َأفرا َدها ٌ‬
‫الشرع َّية‬‫صول َّ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫بقواعد األُ‬ ‫ِ‬
‫الكفر‬ ‫يظهر منه من اإلسالم َأو‬ ‫ِ‬ ‫ُ‬ ‫الفرد هنا َأو َ‬ ‫ِ‬
‫بحسب ما ُ‬ ‫يكون‬ ‫هناك‬
‫ينطبق‬
‫َ‬ ‫يخص َأنظمتَها وقوانينَها‪ ،‬وال يمك ُن َأ ْن‬ ‫الوصف للمجتم ِع َأو الدَّ ِ‬
‫ولة‬ ‫َ‬ ‫المرع َّي ِة؛ ألَ َّن‬
‫ُّ‬
‫بغير ذلك؛ فقدْ َ‬
‫جهل حقيق َة اإلسالم!‬ ‫على األَ ِ‬
‫فراد َّإل إذا اعتقدُ وا هذا الكفر‪ ..‬و َمن قال ِ‬
‫‪260‬‬

‫* ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ‬
‫ﯘﯙ*ﯛﯜﯝﯞﯟﯠﯡﯢ‬
‫ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ * ﯯ ﯰ‬
‫ﯱﯲﯳﯴﯵﯶﯷ﴾ [األَنفال‪ 72 :‬ـ ‪.]75‬‬
‫املسلم لعقيدِته فقط‪:‬‬
‫انتما ُء ِ‬
‫الكاملة‪ ،‬وبهذا الجز ِم القاط ِع جا َء اإلسال ُم‪ ..‬جا َء‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫َّصاعة‬ ‫بهذه الن‬
‫ِ‬
‫وشائج‬ ‫وشائج األَرض وال ِّطين‪ ،‬ومن‬ ‫ِ‬ ‫اإلنسان ويخ ِّل ُصه من‬‫َ‬ ‫يرفع‬
‫ُ‬
‫وطن للمسل ِم َّإل‬ ‫ين ـ فال َ‬ ‫وشائج األَرض وال ِّط ِ‬
‫ِ‬ ‫ال َّلح ِم والدَّ ِم ـ وهي من‬
‫على َأساس‬ ‫ِ‬ ‫ُ‬ ‫ا َّلذي تُقا ُم فيه شريع ُة اهلل‪ ،‬فتقو ُم‬
‫الروابط بينَه وبي َن سكانه ٰ‬
‫عضوا في‬ ‫ِ‬
‫االرتباط في اهللِ‪ ،‬وال جنس َّي َة للمسل ِم َّإل عقيدتُه ا َّلتي تجع ُله‬
‫ً‬
‫تنبثق‬‫دار اإلسالم‪ ،‬وال قراب َة للمسل ِم َّإل تلك ا َّلتي ُ‬ ‫األُ َّمة المسلمة في ِ‬
‫فتصل الوشيج َة بينه وبين َأ ِ‬
‫هله في اهلل‪.‬‬ ‫ُ‬ ‫من العقيدة في اهللِ‪،‬‬
‫وزوجه وعشير َت ُه‪ ،‬ما لم‬
‫َ‬ ‫ليست قراب ُة المسل ِم َأبا ُه و ُأ َّم ُه و َأخا ُه‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫بالرح ِم‪﴿ :‬ﭑ ﭒ‬ ‫الخالق‪ ،‬فتت ُ‬
‫َّصل من َث َّم َّ‬ ‫تنعقد اآلصر ُة األُ ٰ‬
‫ولى في‬
‫ﭓﭔﭕﭖﭗﭘﭙﭚﭛﭜﭝﭞﭟﭠ‬
‫ﭡﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ﴾ [النساء‪.]1 :‬‬
‫ِ‬
‫اختالف‬ ‫ِ‬
‫بالمعروف مع‬ ‫ِ‬
‫الوالدين‬ ‫ِ‬
‫صاحبة‬ ‫يمنع هذا من ُم‬ ‫وال‬
‫ُ‬
‫ٍ‬
‫فعندئذ ال صل َة‬ ‫ِ‬
‫للجبهة المسلمة؛‬ ‫ف المعادي‬ ‫الص ِّ‬
‫العقيدة‪ ،‬ما لم يقفا في َّ‬
‫المثل في ج ٍ‬
‫الء‪:‬‬ ‫وال مصاحب َة(‪ .)1‬وعبدُ اهلل بن ِ‬
‫عبد اهلل ِ‬
‫بن ُأ َب ٍّي يعطينا َ‬
‫َ‬ ‫ُ‬
‫((( تنبيه‪ :‬هناك فرق بين عقيدة المعاداة وبين البر والقسط واإلحسا ‮ن ‬!‬
‫فمعاداة المسلم للك َّفار ال تعني‮‬اإلساءة لهم باألَقوال َأو األَفعال ‮‪‬،‬وتجاوز ما وضــعه لنا‬ ‫ ‬
‫‪261‬‬

‫والده رأس النفاق ‪:‬‬ ‫بن ُأ ٍّ‬


‫بي من ِ‬ ‫عبد اهلل ِ‬
‫بن ِ‬‫عبد اهلل ِ‬ ‫ُ‬
‫موقف ِ‬
‫ُ‬
‫رسول اهلل ﷺ‬ ‫ابن ٍ‬
‫زياد‪َ ،‬‬
‫قال‪ :‬دعا‬ ‫ٍ‬
‫جرير(‪ )1‬بسنده‪ ،‬عن ِ‬ ‫روى اب ُن‬

‫ى‬ َأساس العدل واإلحسان؛‬ ‫ي‬معاملتهم ا َّلتي مبن َّية عل ‮‬ ‫ديننا الحنيف من شروط وضوابط ف ‮‬
‫دون مح َّبة القلب وميله‪،‬‮‬و َأباح اإلسالم تبادل المصالح بيننا وبينهم بما‮‬يعود بالنفع على‬
‫‬وقرر شيئًا من التسامح مع بعض الفئات من ال ُك َّفار المسالمين والمعاهدين‮‬ ‫المسلمين‪،‬‮ َّ‬
‫‬يأمر بحسن المعاملة‬ ‫ى‬حساب الدِّ ين‮‪‬.‬والشارع الحكي ‮م ْ‬ ‫الَّ‬يكون عل ‮‬ ‫‬غير الحرب ِّيين‬بشرط َأ ‮‬
‫ي ‬مواالتهم ومح َّبتهم؛ ألَ َّ‮ن ‬البر والصلة‬ ‫مع الجميع ما داموا‮ ‬غير محاربين ‮‪‬ ،‬وهذا ال‮ ‬يعن ‮‬
‫ي‬الشريعة‪َ ‬.‬أ َّما إذا كان هؤالء ال ُك َّفار‬ ‫واإلحسان ال‮‬يستلزم التحابب والتواد المنهي‮‬عنه ف ‮‬
‫محرمة شرعًا باإلجما ‮ع‪‬.‬‬ ‫فإن‬صلتهم َّ‬ ‫محاربين َّ‮‬
‫‬يرون‬ َأ َّ‮ن‬مواال َ‮ة‬المؤمني َ‮‬ ‫َ‮‬ ‫‬السن ‮َّة‬والجماعة‮‪ :‬فهم‬ ‫ِ‬ ‫ت عندنا َ‬أ ْه ُ ‮‬
‫ن‬بعضهم‬ ‫ل ُّ‬ ‫فمواالة الكُفار درجا ‮‬ ‫ ‬
‫واجب‬شرعًا ‮‪‬،‬ومعاداة بعضهم لبعض ‮‪‬،‬ومواالتهم‬ ‫ٌ‮‬ ‫لبعض ‮‪‬،‬ومعاداتهم لل ُك َّفار والمشركين؛‬
‫‬ودرجات‬متفاوتة؛ منها م‮ا‬ ُيوجب‬ ‫‮‬ ‫ٍ‬ ‫ى ُ‬ش َع ٍ‮‬
‫ب‬ ‫لل ُك َّفار والمشركين؛ محر ٌ‮م‬شرعًا ‮‪‬،‬والمواالة تقع عل ‮‬
‫فكل‬من تو َّلى‬ ‫خص‬من المواالة؛ ُّ ‮‬ ‫ي‬ َأ ُّ ‮‬ ‫والمحرمات؛ فالتول ‮‬ ‫َّ‬ ‫الر َّد َة ‮‪‬،‬ومنها ما هو دون ذلك من الكبائر‬ ‫ِّ‬
‫ٍ‬
‫‬مواالة‬لل ُك َّفا ‮ر‬ ُيك ِّف ُ‮ر‬صاحبها ‮‪‬،‬ومواال ُ‮ة‬ال ُك َّفا ‮ر‬نوعان‮‪‬:‬‬
‫‮‬ ‫كافر‬مرتد ‮‪‬،‬وليس ُّ ‮‬
‫كل‬ ‫ال ُك َّفار فهو ٌ‮‬
‫ي‬تكون بالقلب‬ ‫والر َّد ِة؛ وه ‮‬
‫ي‬الكُفر ِّ‬ ‫‬المواالة الكُبرى‮‪‬:‬تُخرج صاحبها من اإلسالم ‮‪‬،‬وتُسقطه ف ‮‬ ‫ ‬
‫ن‬ ُيح ُّبهم ‮‪‬،‬ومودتهم والرضا‬ ‫ِ‬ ‫وحب‬ َم ‮‬‫ِّ ‮‬ ‫ي‬بالقلب‮‪‬:‬فيكون بح ِّبهم‬ ‫َأو بالعمل ‮‪َ ‬،‬أو بكليهما‮‪َ ‬.‬أ َّما التو َّل ‮‬
‫ي‬ ‫ن‬يبغضهم ‮‪‬،‬وموافقتهم بالقلب والميل إليهم بالباطن‮‪‬.‬و َأ َّما التو ِّل ‮‬ ‫ِ‬ ‫عنهم ‮‪‬،‬ومعاداة وبغض َم ‮‬
‫ِ‬
‫‬بالفعل‮‪‬:‬فيكون بنصرة الك َّفار والدِّ فا ِ‮ع‬عنهم ‮‪‬،‬والتَّحالف معهم ضدَّ‮‬المسلمي َن ‮‪َ ‬،‬أو بمعاونتهم‬
‫ي‬بالقلب‬ ‫ى‬إنزال العذاب والفتنة بالمسلمين ‮‪َ ‬،‬أو إعانتهم بالمال والبدن والرأي‮‪‬.‬و َأ َّما التو ِّل ‮‬ ‫عل ‮‬
‫ن ‬‪.‬‬
‫ي‬الباط ‮‬ ‫ِ‮‬
‫‬والميل‬لهم ف ‮‬ ‫ِ‬
‫بالظاهر ‮‪،‬‬ ‫ي‬ال َّظاهر والباطن؛ َأي‮‪‬:‬انقياد لهم‬ ‫والفعل‮‪‬:‬فتكون بموافقتهم ف ‮‬
‫ٍ‬
‫‬المواال ُ‮ة‬الصغرى‮‪‬:‬هي‮‬المواال ُ‮ة‬دون مواالة ‮‪‬،‬وتكون دون صور المواالة الكُبرى‬بمراتب‪،‬‮‬ ‫ ‬
‫ض‬للوعيد ‮‪‬،‬ولكن ال‮‬ َيخرج من‬ ‫‬وهي‮‬من الكبائر العظام ‮‪‬،‬وصاح ُبها على‬شفا هلكة ‮‪‬،‬و ُم ِّ‬
‫تعر ٌ ‮‬
‫‬دنيوي؛ من َأجل مآرب‬
‫ٍّ‬ ‫ٍ‬
‫لغرض‮‬ ‫اإلسالم‮‪‬.‬وتكون بالمو َّدة والميل والمداهنة لبعض الك َّفار‬
‫ٍ‬ ‫ٍ‮‬
‫عرقية ‬ َأو قبل َّي ‮ة ‬مع سالمة االعتقاد وعدم إضمار ن َّية الكفر ِّ‬
‫والر َّدة عن‬ ‫مادية‪،‬‮ ‬ َأو روابط‬
‫شأ ُن‮ ‬صاحبه في‮ ‬ذلك ْ‬
‫شأ َن‮‬ ‫اإلسالم ومعه العلم بالمعصية ‮‪‬ ،‬والخوف من الذنب‪،‬‮ ‬ويكون ْ‬
‫ِ‬
‫‬ح ُّظه وقس ُطه من‬ ‫‬ولكل ٍ‬
‫‬كثير‬من ال ُعصاة الذين‮‬يقترفون بعض الذنوب دون استحاللها ‮‪ ِّ ،‬‮‬ ‫ٍ‮‬
‫‬ذنب‮ َ‬
‫الوعيد؛ بحسب ن َّية الفاعل وقصده‮‪‬.‬‬
‫((( تفسير الطبري ‪ ،‬ج‪ ،22‬ص ‪ ، 666‬ط‪ .‬دار هجر ‪ ،‬تحقيق التركي ‪.‬‬
‫‪262‬‬

‫بوك؟»‪ ،‬قال‪:‬‬ ‫يقول َأ َ‬ ‫ى ما ُ‬ ‫بن ُأ َب ٍّي‪ ،‬قال‪َ :‬‬ ‫عبد اهلل ِ‬ ‫عبدَ اهلل بن ِ‬
‫«أال ت ََر ٰ‬ ‫َ‬
‫ِ‬
‫المدينة‬ ‫لئن رج ْعنا إلى‬ ‫ُ‬ ‫نت و ُأ ِّمي‪ ،‬قال‪:‬‬ ‫يقول َأبِي؟ َبأبي َأ َ‬ ‫ما ُ‬
‫«يقول ْ‬
‫نت‬ ‫رسول اهلل‪َ ،‬أ َ‬ ‫َ‬ ‫ذل»‪ ،‬فقال‪ :‬فقدَ صدَ َق واهلل يا‬ ‫جن األَع ُّز منها األَ َّ‬ ‫خر َّ‬ ‫ل ُي ِ‬
‫وإن‬ ‫رسول اهلل‪َّ ،‬‬ ‫َ‬ ‫قدمت المدين َة يا‬ ‫َ‬ ‫ذل‪َ ،‬أ َما واهلل لقدْ‬ ‫وهو األَ ُّ‬ ‫عز َ‬ ‫واهلل األَ ُّ‬
‫ِ‬
‫ليعلمون ما بها َأحدٌ َأ ُّبر بوالده منِّي‪ ،‬ولئ ْن كان ُيرضي اهللَ‬ ‫َ‬ ‫يثرب‬
‫َ‬ ‫هل‬‫َأ َ‬
‫فلما‬ ‫رسول اهلل ﷺ‪« :‬ال»‪َّ ..‬‬ ‫ُ‬ ‫فقال‬ ‫آتيهما بر ْأ ِسه آلتيهما به‪َ ،‬‬ ‫َ‬ ‫ورسو َله َأ ْن‬
‫بيه‪،‬‬ ‫يف ألَ ِ‬ ‫عبد اهلل بن ُأبي على بابِها بالس ِ‬ ‫قدما المدين َة قام عبدُ اهلل بن ِ‬ ‫ِ‬
‫َّ‬ ‫ٰ‬ ‫ٍّ‬ ‫ُ‬
‫ذل؟‬ ‫عز منها األَ َّ‬ ‫المدينة ليخرج َّن األَ ُّ‬ ‫ِ‬ ‫القائل‪ :‬لئن رج ْعنا إلى‬ ‫ُ‬ ‫نت‬ ‫قال‪َ :‬أ َ‬
‫ويك ظ ُّلها وال‬ ‫العز َة لك َأو لرسول اهلل ﷺ؟ واهلل ال ْيأ َ‬ ‫لتعر َف َّن َّ‬‫َأما واهلل ِ‬
‫لخزرج! ابني يمن ُعني‬ ‫ِ‬ ‫بإذن م َن اهلل ورسوله‪ ،‬فقال‪ :‬يا َل‬ ‫تأويه َأبدً ا؛ َّإل ٍ‬ ‫ِ‬

‫بإذن‬‫يأويه َأبدً ا َّإل ٍ‬ ‫ِ‬ ‫فقال‪ :‬واهلل ال‬ ‫ابني يمن ُعني بيتِي! َ‬ ‫ِ‬ ‫بيتِي! يا َل‬
‫لخزرج ْ‬
‫بإذن من اهلل‬ ‫رجال فك َّلموه‪ ،‬فقال‪ :‬واهلل ال يدخلن؛ َّإل ٍ‬ ‫ٌ‬ ‫فاجتمع إليه‬ ‫من ُه‪،‬‬
‫َّ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬
‫إليه فقولوا له‪َ :‬خ ِّل ِه‬ ‫ورسوله‪َ ،‬فأتوا النَّبِي ﷺ َفأخبروه‪ ،‬فقال‪« :‬اذهبوا ِ‬
‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫َّ‬
‫مر النَّبِ ِّي ﷺ فنعم‪..‬‬
‫ومس َكنَه»‪َ ،‬فأتَو ُه‪ ،‬فقال‪َ :‬أما إ ْذ جا َء َأ ُ‬
‫كلهم ٌ‬
‫إخوة‪:‬‬ ‫املؤمنون ُّ‬
‫َ‬

‫فالمؤمنون ك ُّلهم إخوةٌ‪ ،‬ولو لم‬


‫َ‬ ‫انعقدت آصر ُة العقيدة‬
‫ْ‬ ‫فإذا‬
‫على سبيل ال َق ِ‬
‫صر‬ ‫صهر‪﴿ :‬ﯜ ﯝ ﯞ﴾‪ٰ ...‬‬ ‫نسب وال ٌ‬
‫يجمعهم ٌ‬
‫ْ‬
‫والت ِ‬
‫َّوكيد‪:‬‬
‫﴿ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ‬
‫ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ﴾ [األَنفال‪.]72 :‬‬
‫‪263‬‬
‫ِ‬
‫المتعاقبة‪،‬‬ ‫الجيل الواحدَ إلى األَ ِ‬
‫جيال‬ ‫َ‬ ‫تتجاوز‬
‫ُ‬ ‫وهي والي ٌة‬
‫الحب‬ ‫ِ‬
‫برباط‬ ‫وآخرها َبأ َّولها‪،‬‬ ‫ِ‬
‫بآخرها‪،‬‬ ‫وتربِ ُط َأ َّو َل هذه األُ َّمة‬
‫ِّ‬ ‫َ‬
‫كين‪﴿:‬ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ‬ ‫الم ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫والمو َّدة والوالء والتَّعاطف َ‬
‫ﯪﯫﯬﯭﯮﯯﯰﯱﯲﯳﯴﯵ‬
‫ﯶ ﯷ ﯸ ﯹ ﯺ ﯻ ﯼ ﯽﯾ ﯿ ﰀ ﰁ ﰂ‬
‫ﰃﰄﰅ* ﭑﭒﭓﭔﭕﭖ‬
‫ﭗﭘﭙﭚﭛﭜﭝﭞﭟﭠﭡ‬
‫ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ﴾ [الحشر‪ 9 :‬ـ ‪.]10‬‬
‫۞۞۞‬
‫َ‬
‫األنبيا ُء ٌ‬
‫قدوة ألقواِمهم‪:‬‬
‫هط الكري ِم من األَ ِ‬
‫نبياء ا َّلذي َن‬ ‫مثال للمسلمين بالر ِ‬
‫هلل األَ َ‬
‫َ َّ‬ ‫ويضرب ا ُ‬
‫ُ‬
‫مان‪﴿ :‬ﯽ ﯾ‬ ‫الز ِ‬ ‫ارب في ِش ِ‬
‫عاب َّ‬ ‫الض ِ‬ ‫ِ‬
‫اإليمان َّ‬ ‫ِ‬
‫موكب‬ ‫سب ُقوهم في‬
‫ﯿﰀﰁﰂﰃﰄﰅﰆﰇﰈﰉﰊﰋ*‬
‫ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣﭤ ﭥ‬
‫ﭦﭧﭨﭩﭪ* ﭬﭭﭮﭯﭰﭱﭲﭳﭴﭵ‬
‫ﭶ ﭷﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ﴾ [هود‪ 45 :‬ـ ‪.]47‬‬

‫﴿ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰﮱ ﯓ ﯔ‬
‫ﯕﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ﴾ [البقرة‪.]124 :‬‬
‫‪264‬‬

‫﴿ﯵ ﯶ ﯷ ﯸ ﯹ ﯺ ﯻ ﯼ ﯽ ﯾ ﯿ ﰀ ﰁ ﰂ‬
‫ﰃ ﰄ ﰅ ﰆﰇ ﰈ ﰉ ﰊ ﰋ ﰌ ﰍ ﰎ ﰏ ﰐ ﰑﰒ ﰓ‬
‫ﰔ﴾ [البقرة‪.]126 :‬‬
‫الض ِ‬
‫الل‪:‬‬ ‫اإلصرار على َّ‬ ‫منهم‬ ‫إبراهيم َأباه و َأه َله حين ٰ‬ ‫ُ‬
‫َ‬ ‫يرى ُ‬ ‫ُ‬ ‫ويعتزل‬
‫﴿ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ‬
‫ﯯ ﯰ﴾ [مريم‪.]48 :‬‬
‫ِ‬
‫وقومه ما فيه ُأسو ٌة و ُقدوةٌ‪﴿ :‬ﮣ ﮤ ﮥ‬ ‫إبراهيم‬ ‫ويحكي اهللُ عن‬
‫َ‬
‫ﮦﮧﮨﮩﮪﮫﮬﮭﮮﮯﮰﮱﯓﯔ‬
‫ﯕﯖﯗﯘﯙﯚﯛﯜﯝﯞﯟﯠﯡﯢ‬
‫ﯣ﴾ [الممتحنة‪.]4 :‬‬

‫يعتزلـون َأه َلهـم وقو َمهـم و َأ َ‬


‫رضهم‬ ‫َ‬ ‫ِ‬
‫الكهـف‬ ‫صحـاب‬ ‫والفتيـ ُة َأ‬
‫ُ‬
‫إلـى ر ِّبهـم بعقيدتِهم‪ ،‬حين َع َّـز عليهم‬
‫ويفـروا ٰ‬
‫ُّ‬ ‫ليخلصـوا هلل بدينِهـم‪،‬‬
‫ُ‬
‫والعشـيرة‪﴿:‬ﯘ ﯙ‬ ‫ِ‬ ‫الوطـن واألَ ِ‬
‫هـل‬ ‫ِ‬ ‫َأ ْن يجـدُ وا لهـا مكانًـا فـي‬
‫ﯚﯛﯜﯝ*ﯟﯠﯡﯢﯣﯤ‬
‫ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭﯮ ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ *‬
‫ﯴ ﯵ ﯶ ﯷ ﯸ ﯹﯺ ﯻ ﯼ ﯽ ﯾ‬
‫ﯿﰀ ﰁ ﰂ ﰃ ﰄ ﰅ ﰆ ﰇ * ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ‬
‫ﭕﭖﭗﭘﭙﭚﭛﭜﭝﭞﭟﭠﭡﭢ‬
‫ﭣ﴾ [الكهـف‪ 13 :‬ـ ‪.]16‬‬
‫‪265‬‬
‫ٍ‬
‫ُ‬
‫تفترق‬ ‫وامر َأ ُة نوح‪ ،‬وامر َأ ُة لوط؛ ُي َف َّر ُق بينهما وبي َن َ‬
‫زوجيهما حين‬
‫العقيدةُ‪﴿:‬ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗﮘ‬
‫ﮙﮚﮛﮜﮝﮞﮟﮠﮡﮢﮣ‬
‫ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ﴾ [التحريم‪.]10 :‬‬

‫الض َّفة األُ ٰ‬


‫خرى‪﴿ :‬ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ‬ ‫فرعون على ِّ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫وامرأ ُة‬
‫ﮰﮱﯓﯔﯕﯖﯗﯘﯙﯚﯛﯜﯝﯞ‬
‫ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ﴾ [التحريم‪.]11 :‬‬

‫وابط‪ ..‬وشيج ُة‬‫ائج والر ِ‬ ‫مثال في جمي ِع َ‬


‫الوش ِ‬ ‫وهكذا تتعدَّ ُد األَ ُ‬
‫َّ‬
‫إبراهيم‪،‬‬
‫َ‬ ‫قص ِة‬‫والوطن في َّ‬‫ِ‬ ‫نوح‪ ،‬ووشيج ُة ال ُب َّنو ِة‬‫قصة ٍ‬ ‫ِ‬
‫األَ َّبوة في َّ‬
‫ِ‬
‫الكهف‪،‬‬ ‫ِ‬
‫صحاب‬ ‫قص ِة َأ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ووشيج ُة األَ ِ‬
‫والوطن جمي ًعا في َّ‬ ‫والعشيرة‬ ‫هل‬
‫ولوط‪ ،‬وامر َأ ِة فرعون‪..‬‬ ‫ٍ‬ ‫قصص امر َأتَي ٍ‬
‫نوح‬ ‫ِ‬ ‫الزوج َّية في‬‫ورابط ُة َّ‬

‫حابة‪:‬‬
‫الص ِ‬‫عند َّ‬ ‫ُ‬
‫املفاصلة َ‬
‫لحقيقة الر ِ‬
‫وابط‬ ‫ِ‬ ‫تصو ِره‬ ‫الكريم في‬ ‫الموكب‬ ‫وهكذا يمضي‬
‫َّ‬ ‫ُّ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬
‫الوسط؛ فتجدَ هذا الرصيدَ من األَ ِ‬
‫مثال‬ ‫ُ‬ ‫ائج‪ ..‬حت َّٰى تجي َء األُ َّم ُة‬ ‫َ‬
‫والوش ِ‬
‫َّ‬
‫ِ‬
‫المؤمنة‪،‬‬ ‫أل َّم ِة‬
‫اني ل ُ‬ ‫َّجارب‪ ،‬فتمضي على الن ِ‬ ‫ِ‬ ‫والن ِ‬
‫الر َّب ِّ‬
‫َّهج َّ‬ ‫َّماذج والت‬
‫ُ‬
‫تفترق العقيدةُ‪،‬‬ ‫البيت الواحدُ ‪ ،‬حين‬
‫ُ‬ ‫ُ‬
‫ويفترق‬ ‫ُ‬
‫وتفترق العشير ُة الواحدةُ‪،‬‬
‫ويقول اهلل ـ سبحانه ـ في ِ‬
‫صفة المؤمني َن‬ ‫ُ ُ‬ ‫تنبت الوشيج ُة األُ ٰ‬
‫ولى‪،‬‬ ‫وحيث ُ‬‫ُ‬
‫الكريم‪﴿ :‬ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ‬ ‫َ‬ ‫قو َله‬
‫‪266‬‬

‫ﭚﭛﭜﭝﭞﭟﭠﭡﭢﭣﭤ‬
‫ﭥﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮﭯ‬
‫ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷﭸ ﭹ ﭺ ﭻ‬
‫ﭼ ﭽﭾ ﭿ ﮀ ﮁﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ﴾ [المجادلة‪.]22 :‬‬
‫عمه َأبي ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫ِ‬
‫لهب‪،‬‬ ‫محمد ﷺ وبي َن ِّ‬ ‫وحين انبت َّْت وشيج ُة القرابة بين َّ‬
‫َ‬
‫المهاجرون‬ ‫«أبو جهل»(‪ ،)1‬وحين َ‬
‫قاتل‬ ‫بن هشا ٍم َ‬ ‫عمرو ِ‬‫عمه ِ‬ ‫ِ‬
‫وابن َّ‬
‫َّصلت وشيج ُة العقيدة‬ ‫حينئذ ات ْ‬ ‫ٍ‬ ‫َأه َلهم و َأقربا َءهم وقت ُلوهم يو َم ٍ‬
‫بدر‪..‬‬
‫َّصلت الوشيج ُة‬ ‫ِ‬ ‫هل وإخوةٌ‪ ،‬وات‬ ‫نصار‪ ،‬فإذا هم َأ ٌ‬ ‫بين المهاجري َن واألَ ِ‬
‫شي‪،‬‬ ‫الح َب ِّ‬
‫ٍ‬
‫وبالل َ‬ ‫الرومي‪،‬‬ ‫ِّ‬ ‫ٍ‬
‫صهيب‬ ‫العرب وإخوانِهم‪:‬‬ ‫ِ‬ ‫بين المسلم َين‬
‫ِ‬
‫الجنس‪ ،‬وعصب َّي ُة‬ ‫القبيلة‪ ،‬وعصب َّي ُة‬ ‫ِ‬ ‫وتوارت عصب َّي ُة‬
‫ْ‬ ‫الفارسي‪،‬‬ ‫َ‬
‫وسلمان‬
‫ِّ‬
‫وها َفإِنَّها ُمنْتِنَ ٌة»(‪..)2‬‬ ‫رسول اهلل ﷺ‪َ « :‬د ُع َ‬ ‫ُ‬ ‫األَرض‪ ،‬وقال لهم‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫إلى َع َصبِ َّية‪َ ،‬و َل ْي َس منَّا َم ْن َقات ََل ٰ‬
‫على‬ ‫وقال لهم‪َ « :‬ل ْي َس منَّا َم ْن َد َعا ٰ‬
‫مر هذا الن ِ‬
‫َّتن‪..‬‬ ‫فانتهى َأ ُ‬
‫ٰ‬ ‫على َع َصبِ َّي ٍة»(‪..)3‬‬
‫ات ٰ‬ ‫َع َصبِ َّي ٍة‪َ ،‬و َل ْي َس ِمنَّا َم ْن َم َ‬
‫ِ‬
‫الجنس‪ .‬واخت َف ْت‬ ‫َت هذه النَّعرةُ‪ ..‬نعر ُة‬ ‫َّسب‪ ،‬ومات ْ‬ ‫َتن عصب َّي ِة الن ِ‬ ‫ن ِ‬
‫ِ‬
‫اآلفاق العليا‪ ،‬بعيدً ا‬ ‫البشر َأ َر َج‬ ‫واستروح‬
‫َ‬ ‫تلك ال َّلوث ُة‪ ..‬لوث ُة القو ِم‪،‬‬
‫ُ‬
‫ولوثة ال ِّطين واألَرض‪..‬‬ ‫ِ‬ ‫عن نتن ال َّلحم والدَّ م‪،‬‬

‫((( تنبيه‪ :‬أبوجهل من بني مخزوم‪ ..‬والنبي ﷺ من بني هاشم؛ فهو ليس ابن عم النبي ﷺ كما‬
‫قال س ِّيد ُق ُطب ‪.‬‬
‫(( ( رواه البخاري (‪ )4622‬من حديث جابر بن عبد اهلل ‪.‬‬
‫(( ( رواه َأبو داود (‪ )5121‬من حديث جبير بن مطعم ‪.‬‬
‫‪267‬‬

‫ما معنىٰ داِر اإلسالم؟‬

‫منذ ذلك اليو ِم لم يعدْ وط ُن المسل ِم هو األَ َ‬


‫رض‪ ،‬إنَّما عا َد وطنُه هو‬ ‫ُ‬
‫وتحكم فيها شريع ُة اهلل‬
‫ُ‬ ‫تسيطر عليها عقيدتُه‬
‫ُ‬ ‫«دار اإلسالم»‪ ..‬الدَّ ُار ا َّلتي‬
‫َ‬
‫ويدافع عنها‪ ،‬ويستشهدُ لحمايتِها‬
‫ُ‬ ‫وحدَ ها‪ ،‬الدَّ ُار ا َّلتي ْيأ وي إليها‬
‫«دار اإلسالم» ِّ‬
‫لكل َم ْن يدي ُن باإلسالم عقيدةً‪،‬‬ ‫ِ‬
‫و َمدِّ رقعتها‪ ..‬وهي ُ‬
‫لكل من يرتَضي شريع َة اإلسالم‬ ‫وكذلك ِّ‬
‫َ‬ ‫ويرتضي شريعتَه شريع ًة‪..‬‬
‫الكتاب َّي ِة ا َّلذي َن‬
‫يانات ِ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫صحاب الدِّ‬ ‫مسلما ـ َ‬
‫كأ‬ ‫ً‬ ‫نظا ًما ـ ولو لم يك ْن‬
‫يعيشون في ِ‬
‫«دار اإلسالم»‪..‬‬ ‫َ‬

‫تحكم فيها شريعتُه‬


‫ُ‬ ‫رض ا َّلتي ال يهيم ُن فيها اإلسال ُم وال‬ ‫واألَ ُ‬
‫المعاه ِد كذلك‪..‬‬
‫َ‬ ‫الذ ِّم ِّي‬ ‫ِ‬
‫بالقياس إلى المسل ِم‪ ،‬وإلى ِّ‬ ‫ِ‬
‫الحرب‬ ‫«دار‬
‫هي ُ‬
‫وصهره‪،‬‬
‫ُ‬ ‫كان فيها مولدُ ه‪ ،‬وفيها قرابتُه من الن ِ‬
‫َّسب‬ ‫المسلم ولو َ‬ ‫ُ‬ ‫يحار ُبها‬
‫وفيها َأموا ُله ومناف ُعه‪.‬‬
‫سقط ر ْأ ِسه‪ ،‬وفيها عش ْيرتُه‬
‫محمدٌ ﷺ م َّك َة وهي َم ُ‬ ‫حارب َّ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫وكذلك‬
‫تصبح‬
‫ْ‬ ‫ودور َأصحابِه و َأموا ُلهم ا َّلتي تركُوها‪ ،‬فلم‬
‫ُ‬ ‫داره‬‫و َأه ُله‪ ،‬وفيها ُ‬
‫دار إسال ٍم له وألُ َّمتِه َّإل حي َن ْ‬
‫دانت لإلسالم و ُط ِّب َقت فيها شريعتُه‪.‬‬ ‫َ‬
‫۞۞۞‬
‫ليس كلم ًة ُ‬
‫تقال‬ ‫هذا هو اإلسال ُم‪ ..‬هذا هو وحدَ ه‪ ..‬فاإلسال ُم َ‬
‫إسالمي!‬ ‫ٌ‬
‫وعنوان‬ ‫رض عليها الفت ٌة إسالم َّي ٌة‬ ‫بال ِّل ِ‬
‫سان‪ ،‬وال ميال ًدا في َأ ٍ‬
‫ٌّ‬
‫ِ‬
‫مسلمان‪.‬‬ ‫مولد في ٍ‬
‫بيت َأبوا ُه‬ ‫وال وراث ُة ٍ‬
‫‪268‬‬

‫﴿ﯜﯝﯞﯟﯠﯡﯢﯣﯤﯥﯦ‬
‫ﯧﯨﯩﯪﯫﯬﯭﯮ﴾ [النساء‪.]65 :‬‬
‫دار اإلسالم‪ ..‬ال‬ ‫ِ‬
‫هذا هو وحدَ ُه اإلسال ُم‪ ،‬وهذه هي وحدَ ها ُ‬
‫هر‪ ،‬وال القبيل ُة وال العشيرةُ‪.‬‬
‫الص ُ‬
‫َّسب وال ِّ‬
‫الجنس‪ ،‬وال الن ُ‬
‫ُ‬ ‫األَ ُ‬
‫رض وال‬
‫الوال ُء لإلسالم َ‬
‫وحده‪:‬‬

‫يـن ليتط َّلعـوا‬ ‫ِ‬


‫صـوق بال ِّط ِ‬ ‫البشـر مـن ال ُّل‬ ‫لقـد َأ َ‬
‫طلـق اإلسلا ُم‬
‫َ‬
‫ِ‬
‫البهيمـة‪ ..‬ليرتف ُعـوا‬ ‫قيـد الـدَّ ِم‪ِ ..‬‬
‫قيـد‬ ‫إلـى الس ِ‬
‫ـماء‪ ،‬و َأطل َقهـم مـن ِ‬
‫َّ‬
‫فـي ع ِّل ِّييـ َن‪.‬‬
‫ويدافع عنه‪ ،‬ليس قطع َة َأ ٍ‬
‫رض‪،‬‬ ‫ُ‬ ‫يحن إليه‪،‬‬
‫ُّ‬ ‫وطن المسل ِم ا َّلذي‬
‫ُ‬
‫عرف بها ليست جنس َّي َة ُح ْكمٍ‪ ،‬وعشير ُة المسل ِم‬ ‫وجنس َّي ُة المسل ِم ا َّلتي ُي ُ‬
‫ويدفع عنها ليست قراب َة دمٍ‪ ،‬وراي ُة المسل ِم ا َّلتي يعت ُّز‬
‫ُ‬ ‫ا َّلتي ْيأوي إليها‬
‫وانتصار المسل ِم ا َّلذي يه ُفوا إليه‬
‫ُ‬ ‫بها ويستشهدُ تحتها ليست راي َة قومٍ‪،‬‬
‫قال اهللُ عنه‪﴿ :‬ﭱﭲ‬ ‫ٍ‬
‫جيش‪ ،‬إنَّما هو كما َ‬ ‫ويشكر اهللَ عليه‪ ،‬ليس غلب َة‬
‫ُ‬
‫ﭳﭴﭵ*ﭷﭸﭹﭺﭻﭼﭽ*‬
‫ﭿﮀﮁﮂﮃﮄﮅﮆ﴾ [النصر‪ 1 :‬ـ ‪... ]3‬‬
‫سائر الر ِ‬ ‫تحت ِ‬
‫ايات‪ ..‬والجها ُد‬ ‫ِ َّ‬ ‫َ‬
‫دون‬ ‫راية العقيدة‬ ‫َ‬ ‫َّصر‬
‫إنَّه الن ُ‬
‫والذيا ُد عن‬ ‫ِ‬
‫هداف‪ِّ ،‬‬ ‫ٍ‬
‫هدف من األَ‬ ‫دين اهلل وشريعتِه ال ألَ ِّي‬ ‫ِ‬
‫لنصرة ِ‬
‫َّجر ُد بعد هذا ك ِّله هللِ‪،‬‬ ‫تلك ال َأ َّي ِة ٍ‬
‫دار‪ ،‬والت ُّ‬ ‫«دار اإلسالم» بشروطِها َ‬ ‫ِ‬
‫هل‪َ ،‬أو‬
‫ذود عن َأ ٍ‬‫رض‪َ ،‬أو قو ٍم‪َ ،‬أو ٍ‬ ‫معة وال َحم َّي ًة ألَ ٍ‬ ‫ال لم ْغن ٍم وال لس ٍ‬
‫ُ‬ ‫َ‬
‫‪269‬‬
‫ِ‬
‫الفتنة عن ِ‬
‫دين اهلل‪:‬‬ ‫لحمايتِهم من‬
‫ولد؛ َّإل ِ‬
‫ٍ‬

‫جل ُ‬
‫يقاتل‬ ‫الر ِ‬ ‫ُ‬
‫رسول اهلل ﷺ عن َّ‬ ‫موسى ‪ ‬قال‪ُ :‬س َئل‬ ‫ٰ‬ ‫عن َأبي‬
‫ِ‬
‫سبيل اهلل؟ فقال‪:‬‬ ‫ويقاتل ريا ًء‪َ ،‬أ ُّي ذلك في‬
‫ُ‬ ‫ُ‬
‫ويقاتل حم َّي ًة‪،‬‬ ‫شجاع ًة‪،‬‬
‫ُون كَلِ َم ُة اهلل ِه َي ال ُع ْليا؛ َف ُه َو في َسبِ ِ‬
‫يل اهللِ»(‪.)1‬‬ ‫«م ْن َقات ََل لِتك َ‬
‫َ‬
‫غير‬ ‫ٍ‬
‫هدف ِ‬ ‫حرب ألَ ِّي‬
‫ٍ‬ ‫الشهادةُ‪ ،‬ال في َأ َّي ِة‬ ‫ُ‬
‫تكون َّ‬ ‫وفي هذا وحدَ ُه‬
‫ِ‬
‫الواحد‪ ..‬هلل‪..‬‬ ‫ِ‬
‫الهدف‬ ‫هذا‬

‫احلرب وداِر اإلسالم‪:‬‬


‫ِ‬ ‫مفهو ُم داِر‬

‫المسلم في عقيدتِه‪ ،‬وتصدُّ ُه عن دينِه‪ ،‬وتع ِّط ُل‬


‫َ‬ ‫ُحارب‬
‫ُ‬ ‫وكل َأ ٍ‬
‫رض ت‬ ‫ُّ‬
‫كان فيها َأه ُله‪ ،‬وعشيرتُه‪ ،‬وقو ُمه‪،‬‬‫«دار حرب» ‪ ،‬ولو َ‬ ‫ِ‬ ‫َ‬
‫عمل شريعته؛ فهي ُ‬
‫وما ُله‪ ،‬وتجارتُه‪..‬‬

‫«دار‬
‫وتعمل فيها شريعتُه؛ فهي ُ‬ ‫ُ‬ ‫رض تقو ُم فيها عقيدتُه‪،‬‬ ‫وكل َأ ٍ‬‫ُّ‬
‫هل وال عشير ٌة وال قو ٌم وال تجارةٌ‪.‬‬‫إسالم»‪ ،‬ولو لم يك ْن له فيها َأ ٌ‬
‫ٍ‬
‫حيـاة وشـريع ٌة مـن اهللِ‪..‬‬ ‫ومنهـاج‬ ‫تحكمهـا عقيـد ٌة‬ ‫دار‬
‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫الوطـ ُن‪ٌ :‬‬
‫الل ِ‬
‫ئـق «باإلنسـان»‪.‬‬ ‫ِ‬
‫الوطـن َّ‬ ‫هـذا هـو معنى‬

‫اللئقة‬ ‫ٍ‬
‫حيـاة‪ ،‬وهـذه هـي اآلصـر ُة َّ‬ ‫ومنهـاج‬ ‫والجنسـ َّي ُة‪ :‬عقيـد ٌة‬
‫ُ‬
‫باآلدم ِّييـ َن‪.‬‬

‫(( ( رواه البخاري (‪.)123‬‬


‫‪270‬‬

‫ون واألَرض‪،‬‬ ‫والجنس وال َّل ِ‬


‫ِ‬ ‫ِ‬
‫والقبيلة والقو ِم‬ ‫ِ‬
‫العشيرة‬ ‫إن عصب َّي َة‬ ‫َّ‬
‫ِ‬
‫فترات‬ ‫عصب َّي ٌة صغير ٌة متخ ِّلف ٌة‪ ..‬عصب َّي ٌة جاهل َّي ٌة عرفتْها البشر َّي ُة في‬
‫ِ‬
‫الوصف ا َّلذي‬ ‫«منْتِنَ ًة» بهذا‬ ‫ُ‬
‫رسول اهلل ﷺ‪ُ :‬‬ ‫وسماها‬
‫وحي‪َّ ،‬‬ ‫الر ِّ‬
‫ِ‬
‫انحطاطها ُّ‬
‫واالشمئزاز‪.‬‬
‫ُ‬ ‫َّقز ُز‬
‫يفوح منه الت ُّ‬
‫ُ‬

‫هل اليهو ُد ُ‬
‫شعب اهلل املختاُر؟‬
‫ِ‬
‫وقومهم‪،‬‬ ‫ِ‬
‫بجنسهم‬ ‫المختار‬ ‫شعب ال َّل ِه‬ ‫ولما ا َّدعى اليهو ُد َأنَّهم‬
‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫َّ‬
‫ِ‬
‫اإليمان وحدَ ُه‬ ‫ميزان ِ‬
‫الق َيم إلى‬ ‫َ‬ ‫عوى‪ ،‬ور َّد‬ ‫ِ‬ ‫ر َّد ال َّل ُه‬
‫عليهم هذه الدَّ ٰ‬
‫ِ‬
‫وطان‪:‬‬ ‫جناس واألَ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫وتغاير األَقوا ِم واألَ‬ ‫على توالي األَ ِ‬
‫جيال‬ ‫ٰ‬
‫﴿ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜﭝ ﭞ‬
‫ﭟﭠﭡ*ﭣﭤﭥﭦﭧﭨﭩﭪﭫﭬ‬
‫ﭭﭮﭯﭰﭱﭲﭳﭴﭵﭶ‬
‫ﭷﭸﭹﭺﭻﭼﭽﭾﭿﮀﮁ* ﮃﮄ‬
‫ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑﮒ ﮓ‬
‫ﮔﮕ ﮖ ﮗ ﮘ * ﮚ ﮛﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡﮢ ﮣ‬
‫ﮤ ﮥ﴾ [البقرة‪ 135 :‬ـ ‪.]138‬‬
‫ُّ‬
‫تستظل‬ ‫المختار ح ًّقا‪ :‬فهو األُ َّم ُة المسلم ُة ا َّلتي‬
‫ُ‬ ‫شعب ال َّل ِه‬
‫ُ‬ ‫َفأ َّما‬
‫لوان واألَ ِ‬
‫جناس واألَقوا ِم واألَ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫اختالف ما بينَها من األَ‬ ‫ِ ِ‬
‫وطان‪:‬‬ ‫براية ال َّله ٰ‬
‫على‬

‫﴿ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ‬
‫‪271‬‬

‫ﭧﭨﭩ﴾ [آل عمران‪.]110 :‬‬

‫العربـي‪،‬‬
‫ُّ‬ ‫عيـل األَ َّو ِل فيهـا َأبـو ٍ‬
‫بكـر‬ ‫الر ِ‬ ‫ُ‬
‫يكـون مـن َّ‬ ‫األُ َّمـ ُة ا َّلتـي‬
‫الفارسـي‪ ،‬وإخوانُهم‬
‫ُّ‬ ‫ُ‬
‫وسـلمان‬ ‫ومـي‪،‬‬
‫الر ُّ‬
‫وصهيـب ُّ‬
‫ٌ‬ ‫الحبشـي‪،‬‬
‫ُّ‬ ‫ٌ‬
‫وبلال‬
‫الرائعِ‪ ..‬الجنسـ َّي ُة فيها‬ ‫على هذا الن ِ‬
‫َّسـق َّ‬ ‫تتوالـى َأجيا ُلها ٰ‬
‫ٰ‬ ‫الكـرا ُم‪ ،‬وا َّلتـي‬
‫هلل‪،‬‬
‫والحاكم فيها هـو ا ُ‬
‫ُ‬ ‫دار اإلسلام‪،‬‬
‫هـي العقيـدةُ‪ ،‬والوطـ ُن فيهـا هـو ُ‬
‫ُ‬
‫القـرآن‪.‬‬ ‫سـتور فيهـا هو‬
‫ُ‬ ‫والدُّ‬

‫ُ‬
‫وضوابط ُّ‬
‫للدعاِة‪:‬‬ ‫ٌ‬
‫توجيهات‬
‫ِ‬
‫وللقرابة هو ا َّلذي ينبغي َأ ْن‬ ‫فيع للدَّ ِار‪ ،‬وللجنس َّي ِة‬ ‫الر ُ‬
‫َّصو ُر َّ‬ ‫هذا الت ُّ‬
‫َ‬
‫يكون من‬ ‫عوة إلى اهللِ‪ ،‬وا َّلذي ينبغي َأ ْن‬ ‫صحاب الدَّ ِ‬‫ِ‬ ‫ِ‬
‫قلوب َأ‬ ‫على‬
‫يسيطر ٰ‬ ‫َ‬
‫رات الجاهلية الدَّ ِ‬
‫خيلة‪،‬‬ ‫تختلط به َأوشاب(‪ )1‬التَّصو ِ‬ ‫ُ‬ ‫بحيث ال‬ ‫ُ‬ ‫ِ‬
‫الوضوح‬
‫َّ‬ ‫ُّ‬ ‫ُ‬
‫رك‬ ‫والش ُ‬
‫ِّ‬ ‫رك باألَرض‪،‬‬ ‫الش ُ‬ ‫رك الخف َّي ُة‪ِّ :‬‬ ‫الش ِ‬‫صور ِّ‬ ‫تتسر ُب إليه‬ ‫وال‬
‫ُ‬ ‫َّ‬
‫رك بالمناف ِع الص ِ‬
‫غيرة‬ ‫والش ُ‬‫َّسب‪ِّ ،‬‬ ‫رك بالن ِ‬ ‫والش ُ‬‫رك بالقو ِم‪ِّ ،‬‬ ‫والش ُ‬ ‫بالجنس‪ِّ ،‬‬‫ِ‬
‫َّ‬
‫واحدة فيض ُعها‬‫ٍ‬ ‫القريبة‪ ،‬تلك ا َّلتي يجمعها اهلل ـ سبحانه ـ في ٍ‬
‫آية‬ ‫ِ‬
‫ُ‬ ‫ُ‬
‫ٍ‬ ‫ِ‬ ‫في ك َّف ٍة‪،‬‬
‫خرى‪ ،‬و َيدَ ُع للن ِ‬
‫َّاس‬ ‫اإليمان ومقتضياته في ك َّفة ُأ ٰ‬ ‫َ‬ ‫ويضع‬
‫ُ‬
‫الخيار‪﴿ :‬ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ‬
‫َ‬
‫ﮃﮄﮅﮆﮇﮈﮉﮊ‬
‫ﮋﮌﮍﮎﮏﮐﮑﮒﮓﮔﮕ‬

‫ب‪.‬‬
‫وش ٌ‬ ‫َّاس والَ ْو ُ‬
‫باش‪ ،‬واحدُ هم ْ‬ ‫«األوشاب»‪ :‬الَ ْخ ُ‬
‫الط م َن الن ِ‬ ‫ُ‬ ‫(((‬
‫‪272‬‬

‫ﮖﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ﴾ [التوبة‪.]24 :‬‬


‫صحاب الدَّ ِ‬
‫عوة إلى اهلل َ‬
‫تلك‬ ‫ِ‬ ‫نفوس َأ‬
‫ِ‬ ‫كذلك ال ينبغي َأ ْن تقو َم في‬ ‫َ‬
‫دار‬ ‫وحقيقة اإلسالم‪ ،‬وفي ِ‬
‫صفة ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫حقيقة الجاهل َّية‬ ‫السطح َّي ُة في‬ ‫الش ُ‬
‫ُّ‬
‫كوك َّ‬
‫ودار اإلسالم‪..‬‬ ‫الحرب ِ‬
‫ِ‬

‫تصوراتِه ويقينِه‪ ..‬إنَّه ال إسال َم في‬


‫الكثير منهم في ُّ‬
‫ُ‬ ‫فمن هنا ُيؤتى‬
‫دار إسال ٍم َّإل ا َّلتي‬
‫يحكمها اإلسال ُم وال تقو ُم فيها شريعتُه‪ ،‬وال َ‬
‫ُ‬ ‫َأ ٍ‬
‫رض ال‬
‫الكفر‪،‬‬
‫ُ‬
‫ِ‬
‫اإليمان َّإل‬ ‫يهيم ُن عليها اإلسال ُم بمنهجه وقانونِه‪ ،‬وليس ورا َء‬
‫الل‪..‬‬ ‫الحق َّإل َّ‬
‫الض ُ‬ ‫دون اإلسالم َّإل الجاهل َّي ُة‪َ ..‬‬
‫وليس بعد ِّ‬ ‫وليس َ‬
‫َ‬
‫ِ‬
‫نفوسـنا‬ ‫تكـون واضحـ ًة فـي‬
‫َ‬ ‫هنـاك حقيقـ ٌة َأ َّول َّيـ ٌة؛ ينبغـي َأ َّن‬
‫يؤمنـون بـه‪ ،‬وا َّلذين ال‬ ‫َ‬ ‫تما ًمـا ونحـن نقـدِّ ُم اإلسلا َم للن ِ‬
‫َّـاس‪ :‬ا َّلذي َن‬
‫اإلسلا ِم‬ ‫طبيعة ِ‬ ‫ِ‬ ‫تنبثق مـن‬‫السـواء‪ ..‬هـذه الحقيقـ ُة ُ‬ ‫َ‬
‫يؤمنـون بـه على َّ‬
‫تاريخه‪.‬‬ ‫ِ‬ ‫وتنبـع مـن‬ ‫ذاتِـه‪،‬‬
‫ُ‬
‫كامل ذو‬ ‫ٌ‬ ‫تصو ٌر‬ ‫ِ‬
‫والحياة‪،‬‬ ‫ِ‬
‫للوجود‬ ‫ٌّ‬
‫مستقل‬ ‫تصو ٌر‬ ‫إن اإلسال َم‬ ‫َّ‬
‫ُّ‬ ‫ُّ‬
‫ِ‬
‫للحياة ك ِّلها‪،‬‬ ‫ٌّ‬
‫مستقل‬ ‫ذاتي‬ ‫زة‪ ،‬ومن َث َّم ُ‬ ‫خصائص متمي ٍ‬
‫منهج ٌّ‬ ‫ٌ‬ ‫ينبثق منه‬ ‫ِّ‬ ‫َ‬
‫خصائص مع َّي ٍنة‪.‬‬ ‫َ‬ ‫مقوماتِها وارتباطاتِها‪ ،‬ويقو ُم عليه نظا ٌم ذو‬ ‫بكل ِّ‬ ‫ِّ‬

‫رات الجاهل َّية‬ ‫يخالف مخالف ًة َأساسي ًة سائر التَّصو ِ‬ ‫َّصو ُر‬
‫ُّ‬ ‫َ‬ ‫َّ‬ ‫ُ‬ ‫هذا الت ُّ‬
‫جزئيات َع َرض َّي ٍة‬ ‫ٍ‬ ‫رات في‬ ‫هذه التَّصو ِ‬
‫ُّ‬
‫قديما وحدي ًثا‪ .‬وقد يلتقي مع ِ‬
‫ً‬
‫ات مختلف ٌة عن‬ ‫تنبثق منها هذه الجزئ َّي ُ‬ ‫صول ا َّلتي ُ‬ ‫جانب َّي ٍة‪ ،‬ولك َّن األُ َ‬
‫ِ‬
‫نظائرها‪.‬‬ ‫ِ‬
‫سائر ما عرفتْه البشر َّي ُة من‬

‫توافق هذا‬
‫ُ‬ ‫نشئ حيا ًة إنسان َّي ًة‬ ‫ووظيف ُة اإلسالم األُ ٰ‬
‫ولى هي َأ ْن ُي َ‬
‫ٍ‬ ‫ٍ‬
‫يقيم في األَرض نظا ًما ُ‬
‫يتبع‬ ‫َّصو َر‪ ،‬وتم ِّثل ُه في صورة واقع َّية‪ ،‬و َأن َ‬
‫الت ُّ‬
‫خرج هذه األُ َّم َة المسلم َة‬ ‫اختاره اهللُ‪ ،‬وهو ُي ُ‬
‫َ‬ ‫اني ا َّلذي‬
‫المنهج الر َّب َّ‬
‫َ‬
‫‪274‬‬

‫لتم ِّث َله وتقو َم عليه‪ ،‬وهو ـ سبحانه ـ ُ‬


‫يقول‪﴿ :‬ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ‬
‫[آل‬ ‫ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ﴾‬
‫عمران‪.]110 :‬‬
‫ِ‬
‫هذه األُ َّمة‪﴿ :‬ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ‬ ‫ِ‬
‫صفة‬ ‫ُ‬
‫ويقول في‬
‫ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ﴾‬
‫[الحج‪.]41 :‬‬
‫۞۞۞‬
‫ملصطلح اجلاهليَّة‪:‬‬
‫ِ‬ ‫جامع ٌ‬
‫ومانع‬ ‫تعريف ٌ‬
‫دقيق ٌ‬ ‫ٌ‬
‫وليست وظيف ُة اإلسالم إذن َأ ْن يصطلح مع التَّصو ِ‬
‫رات‬ ‫ُّ‬ ‫َ‬
‫ِ‬
‫القائمة في‬ ‫ائدة في األَرض‪ ،‬وال األَوضا ِع الجاهل َّية‬‫الجاهلية الس ِ‬
‫َّ َّ‬
‫َ‬
‫تكون هذه وظيفتُه‬ ‫مكان‪ ..‬لم تكن ِ‬
‫هذه وظيفتُه يو َم جا َء‪ ،‬ولن‬ ‫ٍ‬ ‫ِّ‬
‫كل‬
‫ْ‬
‫ِ‬
‫المستقبل‪..‬‬ ‫اليو َم‪ ،‬وال في‬
‫االنحراف عن العبود َّي ِة هلل‬
‫ُ‬ ‫فالجاهل َّي ُة هي الجاهل َّي ُة؛ الجاهل َّي ُة هي‬
‫والشرائعِ‪،‬‬ ‫ُ‬
‫واستنباط النُّظمِ‪َّ ،‬‬ ‫ِ‬
‫الحياة‪،‬‬ ‫اإللهي في‬ ‫وحدَ ُه‪ ،‬وعن المنهج‬
‫ِّ‬
‫آخر ِ‬
‫غير‬ ‫ٍ‬ ‫ِ‬ ‫َّقاليد ِ‬
‫والعادات والت ِ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫مصدر َ‬ ‫والموازين من‬ ‫والق َيم‪،‬‬ ‫والقوانين‬
‫َّاس من‬ ‫نقل الن ِ‬
‫اإللهي‪ ..‬واإلسال ُم هو اإلسال ُم‪ ،‬ووظيفتُه هي ُ‬ ‫ِّ‬ ‫ِ‬
‫المصدر‬
‫الجاهل َّية إلى اإلسالم!‬
‫َّاس للن ِ‬
‫َّاس‬ ‫ِ‬
‫بعض الن ِ‬ ‫َّاس للن ِ‬
‫َّاس؛ بتشري ِع‬ ‫«الجاهل َّي ُة»‪ :‬هي عبود َّي ُة الن ِ‬
‫ِ‬ ‫ما لم ْيأ ْ‬
‫َّشريع‪..‬‬
‫ُ‬ ‫الصور ُة ا َّلتي ُّ‬
‫يتم بها هذا الت‬ ‫هلل‪ ،‬كائن ًة ما كانت ُّ‬
‫ذن به ا ُ‬
‫‪275‬‬

‫َّـاس هلل وحـدَ ُه‪ ،‬بِتل ِّقيهم منـه وحدَ ُه‬


‫و«اإلسلا ُم»‪ :‬هـو عبود َّيـ ُة الن ِ‬
‫وقيمهـم وموازينَهم‪،‬‬ ‫ِ‬
‫تصوراتهـم وعقائدَ هـم‪ ،‬وشـرائ َعهم وقوانينَهم‪َ ،‬‬ ‫ُّ‬
‫ِ‬
‫العبيد!‬ ‫والتَّحـرر من عبودي ِ‬
‫ـة‬ ‫َّ‬ ‫ُّ ُ‬
‫دوره في‬ ‫ِ‬
‫وطبيعة ِ‬ ‫طبيعة اإلسالم‪،‬‬‫ِ‬ ‫هذه الحقيق ُة المنبثق ُة من‬
‫َ‬
‫يؤمنون به‪،‬‬ ‫َّاس‪ :‬ا َّلذي َن‬ ‫األَرض‪ ،‬هي ا َّلتي ُ‬
‫يجب َأن نقدِّ َم بها اإلسال َم للن ِ‬
‫يؤمنون به على الس ِ‬
‫واء!‬ ‫َ‬ ‫وا َّلذين ال‬
‫َّ‬
‫َ‬
‫مداهنة مع اجلاهليَّة‪:‬‬ ‫ال‬
‫ِ‬
‫ناحية‬ ‫ِ‬
‫الحلول مع الجاهل َّية»‪ ،‬ال من‬ ‫نصاف‬
‫َ‬ ‫يقبل َأ‬
‫«إن اإلسال َم ال ُ‬
‫َّ‬
‫َّصو ِر‪..‬فإ َّما إسال ٌم‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫َّصو ِر‪ ،‬وال من ناحية األَوضا ِع المنبثقة من هذا الت ُّ‬
‫الت ُّ‬
‫آخر نص ُفه إسال ٌم ونص ُفه جاهل َّي ٌة‬
‫وضع ُ‬
‫ٌ‬ ‫َ‬
‫هنالك‬ ‫وإ َّما جاهل َّي ٌة‪ ،‬وليس‬
‫يقب ُله اإلسال ُم ويرضا ُه‪ ..‬فنظر ُة اإلسالم واضح ٌة في َأ َّن َّ‬
‫الحق واحدٌ ال‬
‫س‬ ‫ِ‬
‫قابلين للتَّل ُّب ِ‬ ‫غير‬
‫الل‪ ،‬وهما ُ‬ ‫الض ُ‬‫الحق فهو َّ‬ ‫يتعدَّ ُد‪ ،‬و َأ َّن ما عدا هذا َّ‬
‫حكم الجاهل َّية‪ ،‬وإ َّما شريع ُة اهلل‪،‬‬
‫ُ‬ ‫حكم اهللِ‪ ،‬وإ َّما‬
‫ُ‬ ‫واالمتزاج‪ ،‬و َأنَّه إ َّما‬
‫ِ‬
‫المعنى متواتر ٌة كثيرةٌ‪:‬‬
‫ٰ‬ ‫واآليات القرآن َّي ُة في هذا‬
‫ُ‬ ‫الهوى‪..‬‬
‫ٰ‬ ‫وإ َّما‬

‫﴿ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ‬
‫ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ﴾ [المائدة‪.]49 :‬‬

‫﴿ﯦ ﯧﯨ ﯩ ﯪ ﯫﯬ ﯭ ﯮ ﯯ﴾‪.‬‬
‫[الشورى‪.]15 :‬‬
‫‪276‬‬

‫﴿ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮﯯ ﯰ ﯱ ﯲ‬
‫ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ ﯷ ﯸﯹ ﯺ ﯻ ﯼ ﯽ ﯾ ﯿ﴾‬
‫[القصص‪.]50 :‬‬
‫﴿ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ‬
‫ﮣ * ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ‬
‫ﮱﯓ ﯔ ﯕ ﯖ﴾ [الجاثية‪ 18 :‬ـ ‪.]19‬‬
‫﴿ﯾ ﯿ ﰀﰁ ﰂ ﰃ ﰄ ﰅ ﰆ ﰇ ﰈ﴾‬
‫[المائدة‪.]50 :‬‬
‫ِّباع‬ ‫ثالث لهما‪ .‬إما االستجاب ُة هلل والرس ِ‬ ‫مران ال َ‬ ‫فهما َأ ِ‬
‫ول‪ ،‬وإ َّما ات ُ‬ ‫َّ ُ‬ ‫َّ‬
‫هلل‬ ‫الحكم بما َأ َ‬
‫نزل ا ُ‬ ‫ُ‬ ‫حكم الجاهل َّية‪ ،‬إ َّما‬
‫ُ‬ ‫حكم اهللِ‪ ،‬وإ َّما‬
‫ُ‬ ‫الهوى‪ ،‬إ َّما‬
‫ٰ‬
‫ِ‬ ‫عما َأ َ‬
‫ريح الجاز ِم‬ ‫الص ِ‬
‫هلل‪ ..‬وليس بعدَ هذا التَّوكيد َّ‬ ‫نزل ا ُ‬ ‫ك ِّله‪ ،‬وإ َّما الفتن ُة َّ‬
‫للم ِ‬
‫حال‪..‬‬ ‫للجدال َأو ِ‬
‫ِ‬ ‫ٌ‬
‫مجال‬ ‫من اهلل ـ سبحانه ـ‬

‫البشري َة‪:‬‬
‫َّ‬ ‫جا َء اإلسال ُم ليقو َد‬

‫قيادة البشر َّي ِة‪،‬‬‫ِ‬ ‫إقصاء الجاهل َّية من‬ ‫ُ‬ ‫إذن هي‬‫وظيف ُة اإلسالم ْ‬
‫المالمح‪ ،‬األَ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫صيل‬ ‫ِ‬ ‫ِّ‬
‫المستقل‬ ‫الخاص‪،‬‬ ‫ِّ‬ ‫على منهجه‬ ‫وتو ِّلي هذه القيادة ٰ‬
‫واليسر‪.‬‬ ‫الخير للبشر َّية‬ ‫ِ‬
‫الرشيدة‬ ‫ِ‬
‫القيادة‬ ‫ِ‬
‫بهذه‬ ‫ِ‬
‫الخصائص‪ ،‬يريدُ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫واليسر ا َّلذي ُ‬
‫ينشأ‬ ‫ِ‬
‫خالقها‪،‬‬ ‫إلى‬ ‫ِ‬ ‫الخير ا َّلذي ُ‬
‫َ‬ ‫ينشأ من ر ِّد البشر َّية ٰ‬ ‫َ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫من الت ِ‬
‫الخاص‬
‫ِّ‬ ‫على منهجه‬ ‫َّنسيق بين حركة البشر َّية‪ ،‬وتو ِّلي هذه القيادة ٰ‬
‫ص من‬ ‫َخ ُل ُ‬ ‫ترتفع إلى المستوى الكري ِم ا َّلذي َأرا َده ا ُ‬
‫هلل لها‪ ،‬وت ْ‬ ‫ُ‬ ‫ِّ‬
‫المستقل‪،‬‬
‫‪277‬‬
‫ِ‬
‫الفرس‪:‬‬ ‫رستم قائدُ‬
‫ُ‬ ‫عامر‪ ،‬حين َ‬
‫سأ َله‬ ‫ربعي ب ُن ٍ‬
‫الهوى‪َ .‬أو كما قال ُّ‬
‫ٰ‬ ‫حك ِم‬
‫ِ‬
‫عبادة‬ ‫شاء‪ ،‬من‬
‫ُخرج َمن َ‬ ‫ما ا َّلذي جاء بكم؟ فكان جوا ُبه‪( :‬اهللُ ابتَعثنا لن َ‬
‫ِ‬
‫واآلخرة‪،‬‬ ‫إلى َس َع ِة الدُّ نيا‬ ‫ِ‬
‫عبادة اهلل وحدَ ُه‪ ،‬ومن ِ‬ ‫ِ‬
‫ضيق الدُّ نيا ٰ‬ ‫إلى‬
‫العباد ٰ‬
‫ديان إلى ِ‬
‫عدل اإلسالم)‪.‬‬ ‫ومن َج ْو ِر األَ ِ ٰ‬
‫َّاس المم َّث ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫لة في‬ ‫على شهوات الن ِ ُ َ‬ ‫لم يجئ اإلسال ُم إذن ل ُير ِّب َت ٰ‬
‫وتقاليدهم‪ ..‬سوا ٌء منها‬ ‫ِ‬ ‫وضاعهم وعاداتِهم‬ ‫ِ‬ ‫تصوراتِهم و َأنظمتِهم و َأ‬‫ُّ‬
‫الش ِ‬
‫رق‬ ‫اآلن‪ ،‬في َّ‬ ‫تخوض البشر َّي ُة فيه َ‬ ‫ُ‬ ‫عاصر مجي َء اإلسالم‪َ ،‬أو ما‬ ‫ما َ‬
‫وينسخه ً‬
‫نسخا‪،‬‬ ‫َ‬ ‫ليلغي هذا ك َّله إلغا ًء‪،‬‬‫َ‬ ‫ِ‬
‫الغرب سوا ًء‪ ..‬إنَّما جا َء‬ ‫َأو في‬
‫لينشئ الحيا َة إنشا ًء‪،‬‬
‫َ‬ ‫الخاص ِة‪ ،‬جاء‬
‫َّ‬
‫ويقيم الحيا َة البشري َة على َأ ِ‬
‫سسه‬ ‫ٰ‬ ‫َّ‬ ‫َ‬
‫ِ‬
‫بمحوره ارتبا ًطا‪.‬‬ ‫ُ‬
‫وترتبط‬ ‫تنبثق منه انبثا ًقا‪،‬‬
‫لينشئ حيا ًة ُ‬
‫َ‬
‫َّاس في‬ ‫ِ‬
‫الحياة ا َّلتي ُ‬ ‫ٍ‬ ‫وقد تُشابِ ُه‬
‫يعيشها الن ُ‬ ‫جزئيات في‬ ‫جزئيات منه‬
‫ٌ‬
‫ِ‬
‫مصادفة هذا‬ ‫مجر ُد‬
‫وليس ْت منها؛ إنَّما هي َّ‬ ‫ليست هي‪َ ،‬‬ ‫ْ‬ ‫الجاهل َّية‪ ،‬ولكنَّها‬
‫الش ِ‬ ‫الجانبي في الفروعِ‪َ ،‬أ َّما َأ ُ‬ ‫ِ‬
‫مختلف‬
‫ٌ‬ ‫جرة فهو‬ ‫صل َّ‬ ‫ِّ‬ ‫التَّشابه ال َّظ ِّ‬
‫اهري‬
‫تما ًما‪ ،‬تلك شجر ٌة ُت ْط ِل ُعها حكم ُة اهلل‪ ،‬وهذه شجر ٌة ُت ْط ِل ُعها َأهوا ُء َ‬
‫البشر‪:‬‬
‫﴿ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ﴾‬
‫[األعراف‪.]58 :‬‬

‫ال التقا َء بني اإلسالم واجلاهليَّة‪:‬‬

‫يختلف َخ َب ُثها‬
‫ُ‬ ‫قديما‪ ،‬وخب َث ْت حدي ًثا‪..‬‬ ‫ِ‬
‫وهذه الجاهل َّي ُة خب َث ْت‬
‫ً‬
‫البش ِر‬
‫صله‪ ..‬إنَّه هوى َ‬ ‫وشكله‪ ،‬ولكنَّه واحدٌ في م ْغ ِر ِسه و َأ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫مظهره‬ ‫في‬
‫َ‬
‫‪278‬‬
‫ِ‬
‫وغرضهم‪،‬‬ ‫يملكون التَّخ ُّلص من ِ‬
‫جهلهم‬ ‫ُ‬ ‫ال المغرضي َن‪ ،‬ا َّلذين ال‬ ‫الج َّه ِ‬
‫َ‬ ‫ُ‬
‫ٍ‬
‫جناس ُيغ ِّلبونَها على‬ ‫ٍ‬
‫طبقات‪َ ،‬أو ُأم ٍم‪َ ،‬أو َأ‬ ‫ومصلح ُة َأ ٍ‬
‫فراد منهم‪َ ،‬أو‬
‫وتشر َع‬ ‫فتنسخ هذا ك َّله‪،‬‬
‫َ‬ ‫ِ‬
‫والخير؛ حت َّٰى تجي َء شريع ُة اهلل‬ ‫والحق‬
‫ِّ‬ ‫ِ‬
‫العدل‬
‫ِّ‬
‫هواهم‪ ،‬وال‬
‫ُ‬ ‫ِ‬
‫البشر‪ ،‬وال ي ِّلوثه‬ ‫َّاس جمي ًعا تشري ًعا ال يشو ُبه ُ‬
‫جهل‬ ‫للن ِ‬
‫فريق منهم‪.‬‬ ‫تميل به مصلح ُة ٍ‬ ‫ُ‬
‫َّاس‪،‬‬ ‫ومناهج الن ِ‬ ‫ِ‬ ‫طبيعة منهج اهلل‬ ‫ِ‬ ‫صيل بين‬ ‫الفارق األَ ُ‬ ‫ُ‬ ‫وألَ َّن هذا هو‬
‫َّوفيق بينهما‬ ‫ويستحيل الت ُ‬ ‫ُ‬ ‫ٍ‬
‫واحد‪،‬‬ ‫يستحيل االلتقا ُء بينهما في نظا ٍم‬ ‫ُ‬ ‫فإنَّه‬
‫منهج نص ُف ُه من هنا ونص ُفه من‬ ‫ٍ‬ ‫تلفيق‬‫ُ‬ ‫ُ‬
‫ويستحيل‬ ‫ٍ‬
‫واحد‪،‬‬ ‫في وض ٍع‬
‫منهجا مع‬ ‫ً‬ ‫فكذلك هو ال ُ‬
‫يقبل‬ ‫َ‬ ‫رك به؛‬ ‫يغفر َأ َّن ُي ْش َ‬ ‫هناك‪ ،‬وكما َأ َّن اهللَ ال ُ‬
‫ِ‬
‫اليقين‪.‬‬ ‫تلك على ِ‬
‫وجه‬ ‫بسواء؛ ألَ َّن هذه هي َ‬ ‫ٍ‬ ‫كتلك سوا ًء‬‫َ‬ ‫منهجه‪ ..‬هذه‬
‫ٰ‬
‫نفوسنا‬ ‫ِ‬ ‫والوضوح في‬‫ِ‬ ‫القو ِة‬ ‫َ‬ ‫هذه الحقيق ُة ينبغي َأن‬
‫تكون من َّ‬
‫اإلدالء بها وال‬ ‫ِ‬ ‫نتلجلج في‬ ‫ُ‬
‫بحيث ال‬ ‫ونح ُن نقدِّ ُم اإلسال َم للن ِ‬
‫َّاس‪،‬‬
‫ُ‬
‫شك منها‪ ،‬وال نتركُهم حت َّٰى يستيقنوا َأ َّن‬ ‫َّاس في ٍّ‬ ‫نتلعثم‪ ،‬وال ندَ ُع الن َ‬‫ُ‬
‫تصوراتِهم‬ ‫تبديل‪ ..‬سيبدِّ ُل ُّ‬ ‫ً‬ ‫يفيئون إليه سيبدِّ ُل حياتَهم‬ ‫َ‬ ‫اإلسال َم حين‬
‫الحياة ك ِّلها‪ ،‬كما سيبدِّ ُل َأوضا َعهم كذلك‪ ،‬سيبدِّ ُلها ليعط َيهم‬ ‫ِ‬ ‫عن‬
‫ويرفع َأوضا َعهم‪،‬‬ ‫َ‬ ‫تصوراتِهم‬ ‫ليرفع ُّ‬ ‫َ‬ ‫يقاس‪ ،‬سيبدِّ ُلها‬ ‫خيرا منها بما ال ُ‬ ‫ً‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫اإلنسان‪ ،‬ولن‬ ‫بحياة‬ ‫اللئق‬ ‫قرب إلى المستوى الكري ِم َّ‬ ‫ويجع َلهم َأ َ‬
‫الهابطة ا َّلتي هم فيها‪ ،‬ال َّل ُه َّم َّإل‬ ‫ِ‬ ‫يبقي لهم شي ًئا من َأوضا ِع الجاهل َّية‬ ‫َ‬
‫اإلسالمي‬ ‫ات النِّظا ِم‬ ‫يكون لها من جزئي ِ‬ ‫َ‬ ‫يتصادف َأن‬
‫ُ‬ ‫ِ‬
‫الجزيئات ا َّلتي‬
‫ّ‬ ‫َّ‬
‫إلى‬‫ستكون مشدود ًة ٰ‬ ‫ُ‬ ‫تكون هي بعينِها؛ ألَنَّها‬ ‫َ‬ ‫شبي ٌه‪ ،‬وحت َّٰى هذه لن‬
‫‪279‬‬

‫َ‬
‫مشدودون إليه‬ ‫صل ا َّلذي هم‬ ‫عن األَ ِ‬
‫يختلف اختال ًفا ب ِّينًا ِ‬ ‫ُ‬ ‫صل ٍ‬
‫كبير‬ ‫َأ ٍ‬
‫الوقت ذاتِه لن يسل َبهم‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫الخبيث! وهو في‬ ‫صل الجاهل َّية الن َِّك ِد‬
‫اآلن‪َ ،‬أ ِ‬
‫ِ‬
‫البحتة» بل سيدف ُعها قو َّي ًة إلى األَما ِم‪..‬‬ ‫المعرفة «العلم َّي ِة‬
‫ِ‬ ‫شي ًئا من‬
‫ٍ‬
‫مذهب‬ ‫َّاس؛ حت َّٰى يدركُوا َأ َّن اإلسال َم ليس هو َأ َّي‬ ‫يجب َألَّ َ‬
‫ندع الن َ‬ ‫ُ‬
‫المذاهب االجتماعي ِة الوضعي ِة‪ ،‬كما َأنَّه ليس َأي نظا ٍم من َأ ِ‬
‫نظمة‬ ‫ِ‬ ‫من‬
‫َ َّ‬ ‫َّ‬ ‫َّ‬
‫وش َياتِها(‪ )1‬وراياتِها جمي ًعا‪ ..‬وإنَّما‬ ‫سمائها ِ‬ ‫الحك ِم الوضعي ِة‪ ..‬بشتَّى َأ ِ‬
‫ٰ‬ ‫َّ‬
‫ِّ‬
‫المستقل‪،‬‬ ‫وتصو ِره‬
‫ُّ‬ ‫هو اإلسال ُم فقط! اإلسال ُم بشخص َّيتِه المستق َّل ِة‪،‬‬
‫ِ‬
‫خيرا مما تح ُلم به‬ ‫و َأوضاعه المستق َّلة‪ .‬اإلسال ُم ا َّلذي يح ِّق ُق للبشر َّية ً‬
‫هذه األَوضاع‪.‬‬ ‫وراء ِ‬‫ك ِّله من ِ‬

‫ادر مباشر ًة من اهلل‬


‫الص ُ‬ ‫ُ‬
‫الجميل َّ‬ ‫المتناسق‬
‫ُ‬ ‫َّظيف‬
‫فيع الن ُ‬
‫الر ُ‬
‫اإلسال ُم َّ‬
‫ِ‬
‫الكبير‪.‬‬ ‫العلي‬
‫ِّ‬
‫۞۞۞‬

‫َّمحة‪:‬‬ ‫تكون بالثِّ ِ‬


‫قة والر ِ‬ ‫ُ‬ ‫عوة إىلٰ ِ‬
‫دين اإلسالم‬ ‫الد ُ‬
‫َّ‬

‫َ‬
‫اإلدراك‬ ‫فإن هذا‬ ‫على هذا الن ِ‬
‫َّحو‪َّ ،‬‬ ‫ُ‬
‫ندرك حقيق َة اإلسالم ٰ‬ ‫وحين‬
‫وقو ٍة‪،‬‬ ‫ٍ‬
‫َّاس ونحن نقدِّ ُم لهم اإلسال َم في ثقة َّ‬ ‫نخاطب الن َ‬
‫ُ‬ ‫بطبيعتِه سيجع ُلنا‬
‫الحق‪َ ،‬‬
‫وأ َّن‬ ‫يستيقن َأ َّن ما معه هو ُّ‬ ‫ورحمة‪ِ ..‬‬
‫ثقة ا َّلذي‬ ‫ٍ‬ ‫عطف كذلك‬ ‫ٍ‬ ‫وفي‬
‫ُ‬
‫ُ‬
‫الباطل‪.‬‬ ‫َّاس هو‬
‫ما عليه الن ُ‬
‫لوان الب ِ‬
‫هائ ِم َس َوا ٌد في‬ ‫مثل ِعدَ ٍ‬
‫ات‪ .‬وهي في َأ ِ‬ ‫والجمع ِش َي ٌ‬
‫ات ُ‬ ‫ل َم ُة‪ ،‬و َأ ْص ُلها وشية‪،‬‬
‫«الش َي ُة»‪ :‬الع َ‬
‫((( ِّ‬
‫َ‬ ‫ُ‬
‫ِ‬
‫بالعكس‪.‬‬ ‫َب ٍ‬
‫ياض َأو‬
‫‪280‬‬

‫كيف يسعدُ هم‪،‬‬


‫َ‬ ‫يعرف‬
‫ُ‬ ‫ِ‬
‫البشر‪ ،‬وهو‬ ‫يرى ِش ْقو َة‬ ‫ِ‬
‫وعطف ا َّلذي ٰ‬
‫ِ‬
‫يعرف َأين الهدى ا َّلذي َ‬
‫ليس‬ ‫ُ‬ ‫ضالل الن ِ‬
‫َّاس وهو‬ ‫َ‬ ‫ورحمة ا َّلذي ٰ‬
‫يرى‬
‫هدى!‬
‫بعدَ ه ً‬
‫على شهواتِهم‬ ‫ت ٰ‬ ‫تدس ًسا‪ ،‬ولن َنر ِّب َ‬ ‫نتدس َس إليهم باإلسالم ُّ‬ ‫لن َّ‬
‫راحة‪ ،‬هذه‬ ‫سنكون صرحاء معهم غاي َة الص ِ‬ ‫ُ‬ ‫ِ‬
‫المنحرفة‪..‬‬ ‫وتصوراتِهم‬
‫َّ‬ ‫َ‬ ‫ُّ‬
‫األوضاع‬
‫ُ‬ ‫يطهركُم‪ ..‬هذه‬ ‫هلل يريدُ َأ ْن ِّ‬ ‫الجاهل َّي ُة ا َّلتي َأنتم فيها ٌ‬
‫نجس‪ ،‬وا ُ‬
‫هلل يريدُ َأ ْن يط ِّي َبكم‪ ،‬هذه الحيا ُة ا َّلتي تحيونها‬ ‫ث‪ ،‬وا ُ‬‫ا َّلتي َأنتم فيها َخ َب ٌ‬
‫وبؤس و َن َكدٌ ‪،‬‬
‫ٌ‬ ‫هلل يريدُ َأ ْن يرف َعكم‪ ..‬هذا ا َّلذي َأنَّتم فيه ِشقو ٌة‬ ‫دون‪ ،‬وا ُ‬‫ٌ‬
‫ويرحمكم ويسعدَ كم‪..‬‬ ‫َ‬ ‫ف عنكم‬ ‫واهلل يريدُ َأ ْن يخ ِّف َ‬

‫وقيمكم‪ ،‬وسيرف ُعكم‬


‫َ‬ ‫وأوضا َعكم‬ ‫تصوراتِكم َ‬
‫ُّ‬ ‫واإلسال ُم سيغ ِّي ُر‬
‫وإلى َأوضا ٍع‬ ‫ٍ‬
‫تنكرون معها هذه الحيا َة ا َّلتي تعيشونَها‪ٰ ،‬‬
‫َ‬ ‫إلى حياة ُأ ٰ‬
‫خرى‬ ‫ٰ‬
‫وإلى‬ ‫ِ‬
‫مشارق األَرض ومغاربِها‪ٰ ،‬‬ ‫تحتقرون معها َأوضا َعكم في‬
‫َ‬ ‫ُأ ٰ‬
‫خرى‬
‫قيمكم الس ِ‬
‫ائدة في األَرض جمي ًعا‪..‬‬ ‫قي ٍم ُأخرى تشمئزُّون معها من ِ‬
‫َّ‬ ‫ٰ‬
‫ِ‬
‫للحياة اإلسالم َّية؛‬ ‫لش ْق َوتِكُم ـ لم َتروا صور ًة واقع َّي ًة‬
‫وإذا كنتم َأنتم ـ ِ‬
‫دون قيا ِم ِ‬
‫هذه‬ ‫ِ‬
‫للحيلولة َ‬ ‫ألَ َّن َأعدا َءكم ـ َأعدا َء هذا الدِّ ين ـ يتكت َ‬
‫َّلون‬
‫ورة؛ فنح ُن قد ر َأيناها ـ والحمدُ هلل ـ‬ ‫هذه الص ِ‬ ‫الحياة‪ ،‬ودون تجس ِد ِ‬ ‫ِ‬
‫ُّ‬ ‫ُّ‬
‫وتصو ِرنا‬ ‫ِ‬
‫وتاريخنا‬ ‫ضمائرنا من خالل قرآنِنا وشريعتِنا‬ ‫ِ‬ ‫مم َّثل ًة في‬
‫ُّ‬
‫ِ‬
‫مجيئه!‬ ‫نشك في‬ ‫ِ‬
‫للمستقبل ا َّلذي ال ُّ‬ ‫المبد ِع‬
‫۞۞۞‬
‫‪281‬‬

‫َّاس‪ ،‬ونحن نقدِّ ُم لهم اإلسال َم؛ ألَ َّن‬


‫نخاطب الن َ‬
‫َ‬ ‫هكذا ينبغي َأ ْن‬
‫َّاس‬ ‫خاطب اإلسال ُم الن َ‬ ‫َ‬ ‫الصور ُة ا َّلتي‬ ‫هذه هي الحقيق ُة؛ وألَ َّن هذه هي ُّ‬
‫الرو ِم‪َ ،‬أم في‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫بها َأو َل ٍ‬
‫فارس َأم في ُّ‬ ‫مرة؛ سوا ٌء في الجزيرة العرب َّية َأم في َ‬ ‫َّ َّ‬
‫َّاس فيه‪.‬‬ ‫ٍ‬ ‫َأ ِّي‬
‫خاطب الن َ‬ ‫َ‬ ‫مكان‬

‫الحب‬ ‫هذه هي الحقيق ُة‪ ،‬وخاطبهم ِ‬


‫بلغة‬ ‫نظر إليهم من َع ٍل؛ ألَ َّن ِ‬
‫ِّ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫وفاص َلهم مفاصل ًة كامل ًة‬ ‫َ‬ ‫والعطف؛ ألَنَّه حقيق ٌة كذلك في طبيعتِه‪،‬‬ ‫ِ‬

‫يقل لهم َأبدً ا‪:‬‬ ‫هذه هي طريقتُه‪ ..‬ولم ْ‬ ‫غموض فيها وال تردد؛ ألَ َّن ِ‬ ‫َ‬ ‫ال‬
‫ُّ َ‬
‫ٍ‬
‫بتعديالت‬ ‫وقيمهم َّإل‬ ‫وتصوراتِهم‬ ‫يمس حياتَهم و َأوضا َعهم‬
‫َ‬ ‫ُّ‬ ‫إنَّه ل ْن َّ‬
‫ِ‬ ‫ٍ‬
‫بعضنا‬ ‫يقول ُ‬ ‫فوها‪ ..‬كما ُ‬ ‫طفيفة! َأو َأنَّه ُي ْشبِ ُه ُن ُظ َمهم و َأوضا َعهم ا َّلتي َأل َ‬
‫عنوان‪« :‬ديمقراط َّي ِة‬ ‫ِ‬ ‫تحت‬ ‫مر ًة َ‬ ‫إليهم اإلسال َم‪َّ ..‬‬ ‫ُ‬ ‫َّاس وهو يقدِّ ُم‬ ‫اليو َم للن ِ‬
‫ومر ًة َبأ َّن األَ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫وضاع‬
‫َ‬ ‫تحت عنوان‪« :‬اشتراك َّية اإلسالم»! َّ‬ ‫ومر ًة َ‬ ‫اإلسالم»! َّ‬
‫تحتاج من‬ ‫عالمهم ال‬ ‫ِ‬ ‫والسياس َّي َة والقانون َّي َة القائم َة في‬ ‫االقتصاد َّي َة‬
‫ُ‬ ‫ِّ‬
‫س النَّاع ِم والت ِ‬ ‫َّدس ِ‬ ‫إلى ِ‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬
‫َّربيت‬ ‫آخر هذا الت ُّ‬ ‫اإلسالم َّإل لتعديالت طفيفة!! ٰ‬
‫ِ (‪)1‬‬
‫الشهوات!‬ ‫على َّ‬

‫((( تنبيـه‪ :‬رأي سـ ِّيد ُق ُطـب ‪ ‬فـي ُأسـلوب الدعوة هـو امتداد للدعـوة النبويـة‪ ..‬ا َّلتي اتفق‬
‫ِ‬
‫ومناهجـه ابتدا ًء‪ ..‬وليـس إِيرا َد‬ ‫ِ‬
‫حقائق ِ‬
‫اإلسلا ِم‬ ‫تقديم‬ ‫بـأ َّن على الدُّ ِ‬
‫عـاة‬ ‫عليهـا العلمـاء‪َ ..‬‬
‫َ‬
‫صـول الدِّ ين‪،‬‬‫ِ‬ ‫إلى ُأ‬ ‫َ‬ ‫ثـم إِعطـا َء الن ِ‬ ‫ِ‬ ‫ُّ‬
‫الحـق‪ ،‬ودعوتَهـم ٰ‬ ‫ِّ‬ ‫ميـزان‬ ‫َّاس‬ ‫والـر َّد عليهـا‪َّ ..‬‬
‫الشـبهات َّ‬
‫والش ِ‬
‫ـفقة‪،‬‬ ‫حمـة َّ‬ ‫ِ‬ ‫والر‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫قـدر عقولهـم بالحكمـة والموعظـة الحسـنة َّ‬ ‫علـى‬
‫ٰ‬ ‫ومخاطبتَهـم‬
‫الشـرع َّي ِة لد َّقتِها‬ ‫ِ‬
‫لفـاظ َّ‬ ‫واسـتعمال األَ‬
‫َ‬ ‫نفوسـهم وسـيل ٌة لهدايتِهم‪،‬‬ ‫مداخل ِ‬
‫ِ‬ ‫علـى‬
‫ٰ‬ ‫ف‬‫َّعـر َ‬
‫والت ُّ‬
‫كالشـورى والديمقراط َّية!‬ ‫ِ‬
‫والملتويـة‪..‬‬ ‫ِ‬
‫خيلـة‬ ‫ِ‬
‫لفـاظ الدَّ‬ ‫ُّـب األَ‬ ‫ِ‬
‫ٰ‬ ‫وانضباطهـا‪ ،‬وتجن َ‬
‫‪282‬‬

‫ُ‬
‫االنتقال من اجلاهليَّة إىل اإلسالم‪:‬‬

‫واالنتقال من هذه الجاهل َّية ا َّلتي ُّ‬


‫تعم‬ ‫ُ‬ ‫مختلف جدًّ ا‪،‬‬
‫ٌ‬ ‫إن األَ َ‬
‫مر‬ ‫كل‪َّ .‬‬ ‫َّ‬
‫الحياة اإلسالم َّية‬ ‫ِ‬ ‫وج َه األَرض إلى اإلسالم نقل ٌة واسع ٌة بعيدةٌ‪ ،‬وصور ُة‬
‫الشقو ُة ا َّلتي‬‫وهذه ِّ‬ ‫ِ‬ ‫قديما وحدي ًثا‪،‬‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫لصور الحياة الجاهل َّية ً‬ ‫مغاير ٌة تما ًما‬
‫ات النُّظ ِم‬ ‫تغييرات طفيف ٌة في جزئي ِ‬ ‫ٌ‬ ‫تعانيها البشر َّي ُة لن يرف َعها عنها‬
‫َّ‬
‫تلك النَّقل ُة الواسع ُة البعيدةُ‪،‬‬ ‫البشر منها َّإل َ‬ ‫َ‬ ‫ينجي‬
‫َ‬ ‫واألَوضاعِ‪ ،‬ولن‬
‫إلى نظا ِم‬ ‫البشر ٰ‬‫ِ‬ ‫الخالق‪ ،‬ومن نُظ ِم‬ ‫ِ‬ ‫إلى منهج‬ ‫الخ ْل ِق ٰ‬
‫مناهج َ‬ ‫ِ‬ ‫النَّقل ُة من‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫العبيد‪.‬‬ ‫إلى حك ِم ِّ‬
‫رب‬ ‫البشر‪ ،‬ومن َأحكا ِم العبيد ٰ‬ ‫رب‬
‫ِّ‬
‫َّاس‬‫ندع الن َ‬‫ونصدع‪ ،‬و َأ َّل َ‬ ‫َ‬ ‫نجهر بها‬ ‫َ‬ ‫هذه حقيق ٌة‪ .‬وحقيق ٌة مث ُلها َأ ْن‬
‫مر‪ ،‬وقد‬ ‫َّاس هذا في َأ َّو ِل األَ ِ‬ ‫س‪ .‬وقد يكر ُه الن ُ‬ ‫شك منها وال َل ْب ٍ‬ ‫في ٍّ‬
‫مثل هذا و َأشف ُقوا‬ ‫كرهوا َ‬
‫َّاس كذلك ُ‬ ‫َ‬
‫شفقون‪ ،‬ولك َّن الن َ‬ ‫يجفلون منه و ُي‬‫َ‬
‫وآذاهم َأ َّن ُيح ِّق َر‬ ‫عوة إلى اإلسالم؛ َأج َفلوا‬ ‫العهد بالدَّ ِ‬
‫ِ‬ ‫منه في َأ َّو ِل‬
‫ْ‬
‫َ‬
‫ويعتزل‬ ‫نكر َأوضا َعهم‪،‬‬ ‫ِ‬
‫عيب آلهتَهم‪ ،‬و ُي َ‬
‫تصوراتهم‪ ،‬و َي َ‬ ‫ُّ‬ ‫محمدٌ ﷺ‬ ‫َّ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫عاداتِهم وتقاليدَ هم‪ ،‬ويت َ ِ‬
‫وقيما‬‫َّخذ لنفسه وللق َّلة المؤمنة مع ُه َأوضا ًعا ً‬
‫ِ‬
‫وتقاليدها‪.‬‬ ‫وتقاليدَ غير َأوضا ِع الجاهلية ِ‬
‫وقيمها‬ ‫َّ‬ ‫َ‬
‫الحق ا َّلذي لم يعج ْبهم َأ َّو َل َّ‬
‫مرة‪ ،‬وا َّلذي‬ ‫ثم فاؤوا إلى ِّ‬
‫ثم ماذا؟ َّ‬
‫َّ‬
‫َأجفلوا منه‪﴿ :‬ﭜ ﭝ ﭞ * ﭠ ﭡ ﭢ﴾ [المدثر‪ 50 :‬ـ ‪.]51‬‬
‫ٍ‬
‫وحيلة‪ ،‬وا َّلذي‬ ‫قو ٍة‬ ‫َ‬ ‫وا َّلذي حار ُبوه وداف ُعوه ِّ‬
‫يملكون من َّ‬ ‫بكل ما‬
‫قاتلوهم ً‬
‫قتال عنيدً ا‬ ‫ْ‬ ‫ضعاف في م َّك َة‪َّ ،‬‬
‫ثم‬ ‫ٌ‬ ‫عذبوا َأه َله عذا ًبا شديدً ا وهم‬
‫َّ‬
‫وهم َأقويا ُء في المدينة‪..‬‬
‫‪283‬‬

‫ُ‬
‫بدايات َّ‬
‫الدعوِة‪:‬‬
‫ِ‬
‫فضل منها‬ ‫تكن الدَّ عو ُة في َأ َّو ِل عهدها في وض ٍع َأ ٰ‬
‫قوى وال َأ َ‬ ‫ولم ِ‬
‫اآلن‪ ..‬كانت مجهول ًة مستنكر ًة من الجاهل َّية‪ ،‬وكانت محصور ًة في‬ ‫َ‬
‫وكانت غريب ًة‬
‫ْ‬ ‫صحاب الجاه والس ِ‬
‫لطان فيها‪،‬‬ ‫ُّ‬ ‫ِ‬ ‫عاب م َّك َة‪ ،‬مطارد ًة من َأ‬ ‫ِش ِ‬
‫ِ‬
‫ات ضخم ٌة عاتي ٌة‬ ‫ف بها امبراطور َّي ٌ‬ ‫في زمانها في العالم ِك ِّله‪ ،‬وكانت ت ُ‬
‫َح ُّ‬
‫مبادئها و َأهدافِها‪.‬‬
‫ِ‬ ‫كل‬ ‫تنكر َّ‬
‫ُ‬
‫ولكنَّها مع هذا ك ِّله كانت قو َّي ًة‪ ،‬كما هي اليو َم قو َّي ٌة‪ ،‬وكما هي غدً ا‬
‫طبيعة هذه العقيدة ذاتِها‪،‬‬‫ِ‬ ‫القو ِة الحقيق َّي ِة كامن ٌة في‬
‫عناصر َّ‬
‫َ‬ ‫قو َّي ٌة‪َّ ..‬‬
‫إن‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫تعمل في َأسوأ ال ُّظروف و َأشدِّ ها ً‬
‫حرجا‪.‬‬ ‫تملك َأ ْن َ‬‫ُ‬ ‫ومن َث َّم فهي‬
‫الواضح ا َّلذي تقو ُم عليه‪ ،‬وفي‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫البسيط‬ ‫الحق‬ ‫تكم ُن في‬
‫ِّ‬ ‫إنَّها ُ‬
‫طويل‪ ،‬وفي قدرتِها‬ ‫ً‬ ‫تملك َأن تقاو َم سلطانَها‬ ‫ُ‬ ‫ِ‬
‫الفطرة ا َّلتي ال‬ ‫تناسقها مع‬ ‫ِ‬
‫ٍ‬
‫مرحلة كانت البشر َّي ُة‬ ‫طريق التَّقدُّ ِم‪ ،‬في َأ ِّي ِة‬
‫ِ‬ ‫قيادة البشر َّي ِة ُص ُعدً ا في‬
‫على ِ‬
‫ٰ‬
‫والعقلي‪ ..‬كما‬ ‫ِّ‬ ‫والعلمي‬
‫ِّ‬ ‫واالجتماعي‬
‫ِّ‬ ‫االقتصادي‬
‫ِّ‬ ‫من الت ََّأ ُّخ ِر َأو التَّقدُّ ِم‬
‫بكل قواها الما ِّد َّي ِة‪،‬‬‫َأنَّها تكم ُن في صراحتِها هذه وهي تواج ُه الجاهل َّي َة ِّ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫شهوات الجاهل َّية‪،‬‬ ‫َخ ِر ُم حر ًفا واحدً ا من ُأصولها‪ ،‬وال تر ِّب ُت ٰ‬
‫على‬ ‫فال ت ْ‬
‫بالحق صد ًعا مع إشعار النَّاس‬
‫ِّ‬ ‫تصدع‬
‫ُ‬ ‫تدس ًسا‪ ،‬إنَّما‬
‫تتدس ُس إليها ُّ‬
‫وال َّ‬
‫َبأنَّها ٌ‬
‫خير ورحم ٌة وبرك ٌة‪.‬‬
‫ومداخل قلوبِهم‪،‬‬
‫َ‬ ‫علم طبيع َة تكوينِهم‬ ‫خلق َ‬
‫البش َر َ‬ ‫هلل ا َّلذي َ‬
‫وا ُ‬
‫وقو ٍة‪،‬‬ ‫ٍ‬
‫بالحق صد ًعا‪ ،‬في صراحة َّ‬
‫ِّ‬ ‫تصدع‬
‫ُ‬ ‫تستجيب حين‬
‫ُ‬ ‫ويعلم كيف‬ ‫ُ‬
‫وبال تلعث ٍم وال وصوصة!ٍ‬
‫ْ َ‬
‫‪284‬‬

‫إلى‬ ‫ٍ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫َّفس البشر َّي َة فيها االستعدا ُد‬ ‫َّ‬
‫الكامل من حياة ٰ‬ ‫لالنتقال‬ ‫إن الن َ‬
‫َّعديالت الجزئي ِة في َأ ٍ‬
‫ِ‬ ‫ٍ‬
‫حيان‬ ‫َّ‬ ‫يسر عليها من الت‬‫يكون َأ َ‬
‫ُ‬ ‫حياة‪ ،‬وذلك قدْ‬
‫على منه و َأ ُ‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬
‫كمل‬ ‫آخر َأ ٰ‬
‫إلى نظا ٍم َ‬ ‫ُ‬
‫الكامل من نظا ِم حياة ٰ‬ ‫ُ‬
‫واالنتقال‬ ‫كثيرة‪..‬‬
‫يبر ُر‬ ‫منطق الن ِ‬
‫َّفس‪ ..‬ولكن ما ا َّلذي ِّ‬ ‫ِ‬ ‫يبر ُره في‬
‫انتقال له ما ِّ‬ ‫ٌ‬ ‫نظف‪،‬‬‫و َأ ُ‬
‫اإلسالمي‬
‫ُّ‬ ‫إلى نظا ِم اإلسالم‪ ،‬إذا كان النِّظا ُم‬ ‫االنتقال من نظا ِم الجاهل َّية ٰ‬‫َ‬
‫وتعديل طفي ًفا هناك؟‬ ‫ً‬ ‫ال يزيدُ َّإل ً‬
‫تغييرا طفي ًفا هنا‪،‬‬
‫ِ‬
‫المنطق؛ ألَنَّه على األَ ِّ‬ ‫إن البقاء على النِّظا ِم ْ ِ‬
‫قل‬ ‫قرب إلى‬‫المألوف َأ ُ‬ ‫َ‬ ‫َّ‬
‫ِ‬
‫واالنتقال‬ ‫َّعديل؛ فال ضرور َة ل َط ْر ِحه‪،‬‬ ‫لإلصالح والت ِ‬ ‫ِ‬ ‫قائم‪ٌ ،‬‬
‫قابل‬ ‫نظا ٌم ٌ‬
‫ِ‬
‫خصائصه!‬ ‫غير قائ ٍم وال مط َّب ٍق‪ ،‬مادا َم َأ َّن ُه شبي ٌه به في معظ ِم‬
‫إلى نظا ٍم ِ‬
‫ٰ‬
‫۞۞۞‬

‫اإلسال ُم ٌّ‬
‫قوي بذاِته‪:‬‬
‫ثون عن اإلسالم يقدِّ مونَه للن ِ‬
‫َّاس‬ ‫بعض ا َّلذي َن يتحدَّ َ‬ ‫َ‬
‫كذلك نجدُ َ‬
‫يدفعون به َأ َّن‬
‫َ‬ ‫يحاولون هم دفع الت ِ‬
‫ُّهمة عنه! ومن ب ْي ِن ما‬ ‫َ‬ ‫َّهم‬ ‫َ‬
‫َ‬ ‫كأنَّه ُمت ٌ‬
‫تعيب على اإلسالم مث َله‪ ،‬و َأ َّن‬
‫ُ‬ ‫تفعل كذا وكذا مما‬ ‫األَنظم َة الحاضر َة ُ‬
‫«الحضارات»‬
‫ُ‬ ‫يصنع شي ًئا ـ في هذه األُمور ـ َّإل ما تصن ُعه‬
‫ْ‬ ‫اإلسال َم لم‬
‫لف و َأرب ِع ٍ‬
‫مئة عا ٍم!‬ ‫الحديث ُة بعد َأ ٍ‬

‫وساء َ‬
‫ذلك دفا ًعا!‬ ‫َ‬ ‫ان َ‬
‫ذلك دفا ًعا!‬ ‫وه َ‬ ‫َ‬
‫رات له من النُّظ ِم الجاهلية والتَّصر ِ‬
‫فات‬ ‫َّخذ المبر ِ‬
‫إن اإلسال َم ال يت ُ‬ ‫َّ‬
‫ُّ‬ ‫َّ‬ ‫ِّ‬
‫الن َِّك ِ‬
‫«الحضارات» ا َّلتي ُ‬
‫تبهر الكثيري َن‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬
‫تنبعث منها‪ .‬وهذه‬ ‫دة ا َّلتي‬
‫‪285‬‬
‫ِ‬ ‫ٍ‬ ‫ِ‬
‫سوى نظ ٍم جاهل َّية في صميمها‪ .‬وهي ٌ‬
‫نظم‬ ‫ٰ‬ ‫ليست‬
‫ْ‬ ‫وتهز ُم َأ َ‬
‫رواحهم‪،‬‬
‫حال‬‫تقاس إلى اإلسالم‪ ..‬وال عبر َة َبأ َّن َ‬ ‫ُ‬ ‫معيب ٌة مهلهل ٌة هابط ٌة حين‬
‫«العالم‬ ‫اإلسالمي َأو‬ ‫يسمى الوط َن‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫هلها ٍ‬ ‫َأ ِ‬
‫َ‬ ‫َّ‬ ‫السكان في ما َّ‬ ‫بخير من حال ُّ‬
‫بتركهم لإلسالم ال ألَنَّهم‬ ‫البؤس ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫إلى هذا‬ ‫اإلسالمي»! فهؤالء صاروا ٰ‬ ‫َّ‬
‫خير منها بما ال‬ ‫وحج ُة اإلسالم ا َّلتي يدلِي بها للن ِ‬
‫َّاس‪َ :‬أنَّه ٌ‬ ‫َّ‬ ‫َ‬
‫مسلمون‪..‬‬
‫وليرفع البشر َّي َة عن وهدتِها ال‬ ‫َ‬
‫يقاس‪ ،‬و َأنَّه جاء ليغيرها ال ِ‬
‫ليق َّرها‪،‬‬ ‫َ ِّ َ‬ ‫ُ‬
‫الوحل ا َّلذي يبدو في ِ‬
‫ثوب «الحضارة»‪..‬‬ ‫ِ‬ ‫َمر َغها في هذا‬ ‫َ‬
‫ليبارك ت ُّ‬
‫ٍ‬
‫ِ‬
‫بعض‬ ‫مشابهات في‬ ‫س لإلسالم‬ ‫فال تبلغْ بنا الهزيم ُة َأن َّ‬
‫نتلم ِ‬
‫بعض األَ ِ‬
‫فكار‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫القائمة‪ ،‬وفي‬ ‫ِ‬
‫المذاهب‬ ‫ِ‬
‫بعض‬ ‫ِ‬
‫القائمة‪ ،‬وفي‬ ‫األَ ِ‬
‫نظمة‬
‫سواء‪..‬‬ ‫ِ‬
‫الغرب‬ ‫رق َأو في‬‫الش ِ‬
‫نرفض هذه األَنظم َة في َّ‬
‫ُ‬ ‫فنحن‬ ‫ِ‬
‫القائمة؛‬
‫ً‬ ‫ُ‬
‫إلى ما يريدُ اإلسال ُم‬ ‫ِ‬
‫بالقياس ٰ‬ ‫نرفضها ك َّلها ألَنَّها منح َّط ٌة ومتخ ِّلف ٌة‬ ‫إنَّنا ُ‬
‫َأ َّن يبلغَ بالبشر َّي ِة إليه‪.‬‬
‫ِ‬
‫الحقيقة‪ ،‬ونقدِّ ُم لهم القاعد َة العقيد َّي َة‬ ‫َّاس بهذه‬ ‫نخاطب الن َ‬‫ُ‬ ‫وحين‬
‫عماق فطرتِهم ما‬ ‫يكون لديهم في َأ ِ‬ ‫ُ‬ ‫الش ِ‬
‫امل‪،‬‬ ‫اإلسالمي َّ‬ ‫ِّ‬ ‫َّصو ِر‬
‫للت ُّ‬
‫إلى وضعٍ؛ ولكنَّنا‬ ‫تصو ٍر‪ ،‬ومن وض ٍع ٰ‬ ‫ُّ‬ ‫تصو ٍر ٰ‬
‫إلى‬ ‫ُّ‬ ‫َ‬
‫االنتقال من‬ ‫يبر ُر‬
‫ِّ‬
‫فعل‬ ‫نقول لهم‪ :‬تعا َلوا من نظا ٍم قائ ٍم ً‬ ‫مقنعة حين ُ‬ ‫ٍ‬ ‫بح َّج ٍة‬‫ال نخاط ُبهم ُ‬
‫غير مطب ٍق‪ ،‬ال يغير في ِ‬
‫وحجتُه‬ ‫َّ‬ ‫نظامكم القائم َّإل ً‬
‫قليل‪،‬‬ ‫ِّ ُ‬ ‫آخر ِ َّ‬ ‫إلى نظا ٍم َ‬ ‫ٰ‬
‫يفعل هو‪ ،‬وال يك ِّل ُفكم‬ ‫مر وذاك مث َلما ُ‬ ‫تفعلون في هذا األَ ِ‬ ‫َ‬ ‫إليكم َأنَّكم‬
‫وضاعكم وشهواتِكم‪ ،‬وس ُيبقي لكم‬ ‫ِ‬ ‫القليل من عاداتِكم و َأ‬ ‫َ‬ ‫تغيير‬
‫َ‬ ‫َّإل‬
‫مسا خفي ًفا!‬‫يمسه َّإل ًّ‬ ‫صون عليه منها وال ُّ‬ ‫َ‬ ‫كل ما ِ‬
‫تحر‬ ‫َّ‬
‫‪286‬‬

‫فضل‬ ‫ليس ُمغر ًيا في طبيعتِه‪ً ،‬‬ ‫ِ‬


‫ظاهره‪َ ،‬‬ ‫سهل في‬‫هذا ا َّلذي يبدو ً‬
‫رات‬‫على َأنَّه ليس هو الحقيق َة‪ ..‬فالحقيق ُة َأ َّن اإلسالم يبدِّ ُل التَّصو ِ‬
‫ُّ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ٰ‬
‫رائع والقواني َن‬
‫الش َ‬ ‫وضاع‪ ،‬كما يبدِّ ُل َّ‬
‫َ‬ ‫ُّظم واألَ‬
‫والمشاعر‪ ،‬كما يبدِّ ُل الن َ‬
‫َ‬
‫ِ‬
‫الحياة الجاهل َّية‪ ،‬ا َّلتي تحياها‬ ‫ِ‬
‫قاعدة‬ ‫إلى‬ ‫ٍ‬ ‫تبديل َأساس ًّيا ال َي ُّ‬
‫ً‬
‫مت بصلة ٰ‬
‫إلى‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ً‬ ‫البشر َّي ُة‪ ..‬ويكفي َأ ْن ينق َلهم جمل ًة‬
‫وتفصيل مـن عـبـادة العباد ٰ‬
‫ِ‬
‫عبادة اهلل وحدَ ُه‪..‬‬
‫﴿ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ﴾‪.‬‬
‫﴿ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ﴾‪.‬‬

‫ُهم ُة ُّ‬
‫الدعاِة إىل اهلل‪:‬‬ ‫م َّ‬
‫ٍ‬
‫شرك‬ ‫َ‬
‫مسأل ُة‬ ‫ٍ‬
‫وإيمان‪،‬‬ ‫مسأل ُة ٍ‬
‫كفر‬ ‫َ‬ ‫والمسأل ُة في حقيقتِها هي‬ ‫َ‬
‫واضحا‪..‬‬
‫ً‬ ‫َ‬
‫يكون‬ ‫مسأل ُة جاهل َّي ٍة وإسال ٍم‪ .‬وهذا ما ينبغي َأ ْن‬ ‫ٍ‬
‫وتوحيد‪َ ،‬‬
‫عون ـ وهم َي ْح َي ْو َن حيا َة الجاهل َّية‪،‬‬
‫َّاس ليسوا مسلمي َن ـ كما يدَّ َ‬ ‫َّ‬
‫إن الن َ‬
‫يخدع اآلخري َن‪ ،‬فيعتقدَ َأ َّن‬ ‫َ‬ ‫نفسه َأو‬
‫يخدع َ‬
‫َ‬ ‫يحب َأ ْن‬
‫ُّ‬ ‫وإذا َ‬
‫كان فيهم من‬
‫يستقيم مع هذه الجاهل َّية فل ُه ذلك‪ ،‬ولك َّن انخدا َعه‬ ‫َ‬ ‫اإلسال َم يمك ُن َأ ْن‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫وليس‬
‫َ‬ ‫َأو خدا َعه ال يغ ِّي ُر من حقيقة الواق ِع شي ًئا‪َ ..‬‬
‫ليس هذا إسال ًما‪،‬‬
‫ِ‬
‫هؤالء الجاهلي َن إلى‬ ‫هؤالء مسلمي َن‪ ،‬والدَّ عو ُة اليو َم إنَّما تقو ُم لتر َّد‬ ‫ِ‬
‫ٍ‬
‫جديد‪.‬‬ ‫ولتجعل منهم مسلمي َن من‬ ‫َ‬ ‫اإلسالم‪،‬‬

‫واإلخالص له‪:‬‬
‫ُ‬ ‫جر ُد هلل‬ ‫اعية َّ‬
‫الت ُّ‬ ‫الد ِ‬ ‫ُ‬
‫وظيفة َّ‬

‫علوا‬ ‫لننال منهم َأ ً‬


‫جرا‪ ،‬وال نريدُ ًّ‬ ‫َّاس إلى اإلسالم َ‬
‫ونحن ال ندعو الن َ‬
‫ُ‬
‫‪287‬‬

‫نفسنا إطال ًقا‪ ،‬وحسا ُبنا‬ ‫في األَرض وال فسادا‪ ،‬وال نريدُ شيئًا خاص ًا ألَ ِ‬
‫َّ‬ ‫ً‬
‫َّاس إلى اإلسالم ألَنَّنا‬ ‫نحن ندعو الن َ‬ ‫ُ‬ ‫ليس على الن ِ‬
‫َّاس؛ إنَّما‬ ‫جرنا َ‬ ‫وأ ُ‬ ‫َ‬
‫اعية إلى‬ ‫نحبهم ونريدُ لهم الخير‪ ..‬مهما آ َذونا؛ ألَ َّن هذه هي طبيع ُة الدَّ ِ‬
‫َ‬ ‫ُّ‬
‫اإلسالم‪ ،‬وهذه هي دواف ُعه‪..‬‬
‫ِ‬
‫َّكاليف‬ ‫يجب َأ ْن يعلموا منَّا حقيق َة اإلسالم‪ ،‬وحقيق َة الت‬ ‫ومن َث َّم‬
‫ُ‬
‫العميق ا َّلذي يحم ُله لهم‪ ،‬كما‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫الخير‬ ‫ِ‬
‫مقابل‬ ‫ا َّلتي سيطل ُبها إليهم‪ ،‬في‬
‫عليه من الجاهل َّية‪ ..‬إنَّها‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫حقيقة ما هم‬ ‫يجب َأ ْن يعرفوا ر ْأ َينا في‬ ‫ُ‬
‫«الهوى» ما دا َم َأنَّها‬ ‫شيء من اإلسالم‪ ،‬إنَّها‬ ‫ٍ‬ ‫الجاهل َّي ُة وليست في‬
‫ٰ‬
‫الحق‪..‬‬ ‫َّ‬ ‫ليست هي‬ ‫ْ‬ ‫الل» ما دام َأنَّها‬‫«الض ُ‬
‫«الشريع َة» إنَّها َّ‬ ‫ليست هي َّ‬ ‫ْ‬
‫الل!‬ ‫الحق َّإل َّ‬
‫الض ُ‬ ‫فماذا بعد ِّ‬
‫۞۞۞‬
‫اإلسال ُم َ‬
‫فوق االتِّهام‪:‬‬

‫ُ‬ ‫ِ‬
‫وليس فيه‬‫نضطر للدِّ فا ِع عنه‪َ ،‬‬
‫ُّ‬ ‫نخجل منه‪ ،‬وما‬ ‫إسالمنا ما‬ ‫وليس في‬
‫َ‬
‫ِ‬
‫على حقيقته‪َّ ..‬‬
‫إن‬ ‫ِ‬ ‫تدس ًسا‪َ ،‬أو ما‬ ‫نتدس ُس به للن ِ‬
‫الجهر به ٰ‬ ‫نتلعثم في‬
‫ُ‬ ‫َّاس ُّ‬ ‫ما َّ‬
‫الش ِ‬
‫رق‪ ،‬و َأما َم َأوضا ِع الجاهل َّية هنا‬ ‫ِ‬
‫الغرب‪ ،‬و َأما َم َّ‬ ‫الروحي َة َأما َم‬
‫الهزيم َة ُّ‬
‫َّاس‪« ..‬المسلمين»‪َّ ..‬‬
‫يتلم ُس لإلسالم‬ ‫بعض الن ِ‬ ‫تجعل َ‬ ‫ُ‬ ‫وهناك‪ ،‬هي ا َّلتي‬
‫ِ‬
‫«الحضارة»‬ ‫ٍ‬
‫موافقات جزئ َّي ًة من النُّظ ِم البشر َّية‪َ ،‬أو يتلم ُس من َأ ِ‬
‫عمال‬ ‫َّ‬
‫بعض األُمور‪..‬‬
‫ِ‬ ‫عمال اإلسالم‪ ،‬وقضا َءه في‬ ‫الجاهل َّية ما يسندُ به َأ َ‬
‫فليس هو‬ ‫ِ‬
‫واالعتذار؛ َ‬ ‫يحتاج للدِّ فا ِع والت ِ‬
‫َّبرير‬ ‫ُ‬ ‫َ‬
‫هناك من‬ ‫إ َّن ُه إذا َ‬
‫كان‬
‫ا َّلذي يقدِّ ُم اإلسال َم للنَّاس‪ ..‬وإنَّما هو َ‬
‫ذاك ا َّلذي يحيا في هذه الجاهل َّية‬
‫‪288‬‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫والعيوب‪ ،‬ويريدُ َأن َّ‬
‫يتلم َس‬ ‫َّقائص‬ ‫بالمتناقضات وبالن‬ ‫المليئة‬ ‫المهلهلة‬
‫يهاجمون اإلسال َم و ُي ْل ِج َ‬
‫ئون‬ ‫َ‬ ‫ِ‬
‫وهؤالء هم ا َّلذي َن‬ ‫رات للجاهل َّي ِة‪،‬‬ ‫المبر ِ‬
‫ِّ‬
‫مضطر‬
‫ٌّ‬ ‫َّهم‬ ‫يجهلون حقيقتَه إلى الدِّ فا ِع عنه‪َ ،‬‬
‫كأنَّه مت ٌ‬ ‫َ‬ ‫بعض ُم ِح ِّبيه ا َّلذين‬ ‫َ‬
‫ِ‬
‫قفص االتِّهام!‬ ‫نفسه في‬ ‫للدِّ فا ِع عن ِ‬

‫َّة‪:‬‬ ‫مواجهة سيِّد ُق ُطب للجاهليِ‬


‫َّة الغربيِ‬ ‫ُ‬

‫القالئل المنتسبي َن إلى‬ ‫َ‬ ‫هؤالء كانوا يواجهونَنا ـ نحن‬ ‫ِ‬ ‫بعض‬ ‫ُ‬
‫بعضنا‬ ‫نوات ا َّلتي قضـيتُها هـناك ـ وكان ُ‬ ‫اإلسالم في َأمريكا في الس ِ‬
‫َّ‬
‫موقف الدِّ فا ِع والت ِ‬
‫َّبرير‪..‬‬ ‫َ‬ ‫يت ُ‬
‫َّخذ‬
‫موقف المهاج ِم للجاهل َّي ِة الغرب َّي ِة‪..‬‬ ‫َ‬ ‫العـكس َأت ُ‬
‫َّخذ‬ ‫ِ‬ ‫وكنت على‬
‫ُ‬
‫وضاعها االجتماع َّي ِة‬ ‫ِ‬ ‫المهلهلة‪َ ،‬أو في َأ‬‫ِ‬ ‫سواء في معتقداتِها الدِّ ِ‬
‫ينية‬ ‫ٌ‬
‫رات عن األَقاني ِم وعن‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫َّصو ُ‬ ‫واالقتصاد َّية واألَخالق َّية المؤذية‪ ..‬هذه الت ُّ‬
‫ٍ‬
‫ضمير‪..‬‬ ‫عقل وال‬ ‫تستقيم في ٍ‬ ‫الفداء‪ ،‬وهي ال‬ ‫ِ‬ ‫الخطيئة وعن‬‫ِ‬
‫ُ‬
‫كالحة‪..‬‬‫ٍ‬ ‫ٍ‬
‫بشاعة‬ ‫ورباها وما فيها من‬ ‫باحتكارها ِ‬
‫ِ‬ ‫وهذه الر ْأسمال َّي ُة‬
‫ِ‬
‫مطارق‬ ‫تحت‬ ‫َ‬ ‫َّكافل َّإل‬
‫وهذه الفرد َّي ُة األثر ُة ا َّلتي ينعد ُم معها الت ُ‬
‫وحر َّي ُة البهائ ِم‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫الجاف للحياة‪ِّ ..‬‬ ‫ُّ‬ ‫َّصو ُر الما ِّد ُّي التَّاف ُه‬ ‫القانون‪ ..‬وهذا الت ُّ‬
‫الر ِ‬ ‫ِ‬
‫«حر َّي َة‬
‫يسمونَها ِّ‬ ‫قيق ا َّلتي ُّ‬ ‫ُ‬
‫وسوق َّ‬ ‫االختالط»‪..‬‬ ‫«حر َّي َة‬
‫يسمونَها ِّ‬‫ا َّلتي ُّ‬
‫ف المضا ُّد لواقع الحياة في نظ ِم‬ ‫والحرج والتَّك ُّل ُ‬
‫ُ‬ ‫خف‬ ‫َ‬
‫المرأة»‪ُّ ..‬‬
‫والس ُ‬
‫ثم‪ ..‬ما في‬ ‫ُ‬ ‫واج وال َّط ِ‬
‫الز ِ‬
‫الخبيث‪َّ ..‬‬ ‫العنصري الحا ُّد‬
‫ُّ‬ ‫َّفريق‬
‫الق‪ ،‬والت ُ‬ ‫َّ‬
‫ٍ‬
‫وبشاشة‪ ،‬وتط ُّل ٍع إلى ٍ‬ ‫مو وإنسان َّي ٍة‬ ‫ٍ‬
‫لع‬‫آفاق‪ ،‬ت َّط ُ‬ ‫ٰ‬ ‫وس ٍّ‬‫منطق ُ‬ ‫اإلسالم من‬
‫البشر َّي ُة دونَها وال تبل ُغها‪.‬‬
‫‪289‬‬
‫ِ‬ ‫ِ ِ‬ ‫ِ‬
‫ومن مواجهة الواق ِع في الوقت ذاته‪ ،‬ومعالجته معالج ًة تقو ُم ٰ‬
‫على‬
‫الفطرة اإلنساني ِة الس ِ‬
‫ليمة‪.‬‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫قواعد‬
‫َّ َّ‬
‫نواجهها في واقع الحياة الغرب َّي ِة‪ ..‬وهي‬ ‫ُ‬ ‫حقائق‬
‫َ‬ ‫وكانت ِ‬
‫هذه‬
‫ضوء اإلسالم‪،‬‬ ‫ِ‬ ‫تعرض في‬ ‫ُخ ِج ُل َأصحا َبها حين‬ ‫حقائق كانت ت ْ‬ ‫ُ‬
‫ُ‬
‫تعيش فيه‬ ‫ينهزمون َأما َم ذلك ِ‬
‫النتن ا َّلذي ُ‬ ‫َ‬ ‫ناسا ـ يدَّ عون اإلسال َم ـ‬
‫ولك َّن ً‬
‫ِ‬ ‫ٍ‬ ‫ليتلم َ‬
‫المضطرب‬ ‫الركاب‬
‫سون لإلسالم مشابهات في هذا ِّ‬ ‫الجاهل َّي ُة‪ ،‬حت َّٰى َّ‬
‫(‪)1‬‬
‫رق َأ ً‬
‫يضا!‬ ‫الش ِ‬ ‫ِ‬
‫البشعة في َّ‬ ‫ناعة الما ِّد َّي ِة‬
‫الش ِ‬ ‫الغرب‪ ،‬وفي تلك َّ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫البائس في‬

‫ودخل َأمريكا (‪ ١٩٤٨‬ـ‬ ‫َ‬ ‫كثب‪،‬‬ ‫ِ‬


‫المجتمعات الجاهل َّي َة‪ ،‬و ور َأها عن ٍ‬ ‫((( س ِّيد ُق ُطب ‪ ‬ع َ‬
‫َرف‬
‫ِ‬
‫عتبر من َأبرز ال ُكت ِ‬ ‫ٍ‬ ‫ِ‬
‫َّاب المعاصري َن‬ ‫قوة؛ بل هو ُي ُ‬ ‫كتب عنهم من مركز َّ‬ ‫ثم َ‬ ‫‪١٩٥٠‬م) وقر َأ كت َبهم‪َّ ..‬‬
‫الغربي‬ ‫االستعمار‬ ‫ٍ‬
‫ا َّلذين نقدوا الحضار َة الغرب َّي َة بعل ٍم وثقة‪ ،‬وكشفوا عوراتها‪ ،‬وفضحوا‬
‫َّ‬ ‫َ‬
‫والشيوع َّية‪..‬‬‫ألنظمة الر ْأسمال َّية ُّ‬
‫اإلسالمي‪ ،‬وقدَّ م نقدً ا الذعًا ل َ‬
‫ِّ‬ ‫و َأطماعَه في العال ِم‬
‫الرسالة» سنة (‪1952‬م)‬ ‫ُشر في «مجلة ِّ‬ ‫هير «إسالم َأمريكاني» ا َّلذي ن َ‬ ‫الش َ‬ ‫ولعل مقا َله َّ‬
‫َّ‬ ‫ ‬
‫يقول ‪( :‬اإلسال ُم ا َّلذي يريدُ ه‬ ‫ُ‬ ‫يفضح سياس َة َأمريكا وعمالئها في المنطقة‪ ،‬وفيه‬ ‫ُ‬
‫ِ‬ ‫الش ِ‬
‫االستعمار‪ ،‬وليس‬
‫َ‬ ‫ليس هو اإلسال َم ا َّلذي يقاو ُم‬ ‫رق األَوسط‪َ ،‬‬ ‫األَميركان وحلفاؤهم في َّ‬
‫يحكم؛ ألَ َّن اإلسال َم حين‬ ‫َ‬ ‫يريدون لإلسالم َأن‬ ‫َ‬ ‫هو اإلسال َم ا َّلذي يقاو ُم ال ُّط َ‬
‫غيان؛ إنَّهم ال‬
‫وأ َّن طر َد‬ ‫القو ِة فريض ٌة‪َ ،‬‬‫عوب َأ َّن إعدا َد َّ‬ ‫الش َ‬ ‫خرى‪ ،‬وسيع ِّل ُم ُّ‬ ‫نشأ ًة ُأ ٰ‬ ‫عوب َ‬ ‫الش َ‬ ‫يحكم س ُين َِّش ُئ ُّ‬ ‫ُ‬
‫عدو)‪.‬‬
‫وباء؛ فكالهما ٌّ‬ ‫ِ‬
‫الشيوع َّي َة كاالستعمار ٌ‬ ‫َ‬
‫المستعمر فريض ٌة‪ ،‬وأ َّن ُّ‬ ‫ِ‬
‫ويصف َأمريكا َبأنها الورش ُة‬ ‫ِ‬
‫ُ‬ ‫منبع الفساد الخ ُل ِّ‬
‫قي‪،‬‬ ‫يرى َأ َّن الحضار َة الغرب َّي َة هي ُ‬ ‫وكان ‪ٰ ‬‬ ‫ ‬
‫غير‬ ‫ُ‬ ‫ٍ‬ ‫ا َّلتي ُ‬
‫الغزل ُ‬ ‫الروحِ ‪ ،‬حتَّى‬ ‫حيواني خال من ُّ‬ ‫ٌّ‬ ‫جسدي‬
‫ٌّ‬ ‫الحب‬
‫ُّ‬ ‫وح‪ ،‬قال‪( :‬حتَّى‬ ‫الر ُ‬‫تنقصها ُّ‬
‫الشهوةَ)‪.‬‬ ‫يعرفون َّإل َّ‬ ‫َ‬ ‫موجود فيه‪َ ،‬فأمريكا جميل ٌة لكنَّهم ال‬ ‫ٍ‬
‫الش ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫عور‬ ‫واالرتقاء‪ ،‬بينما هو في عال ِم ُّ‬ ‫قم َة الن ِّ‬
‫ُّمو‬ ‫والعمل َّ‬ ‫(شعب يبلغُ في عال ِم العل ِم‬ ‫ٌ‬ ‫وقال‪:‬‬ ‫ ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫بعض نواحي‬ ‫ِ‬ ‫بدائي في‬
‫ٍّ‬ ‫قل من‬ ‫ولى؛ بل َأ ُّ‬ ‫مدارج البشر َّية األُ ٰ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬
‫يفارق‬ ‫بدائي لم‬ ‫ٌّ‬ ‫والسلوك‬ ‫ُّ‬
‫ِ‬
‫والسلوك)‪.‬‬ ‫ِ‬ ‫ُّ‬
‫الشعور ُّ‬
‫مور التَّرفيه َّي ِة‬
‫يضا ـ َأنَّه انتقدَ العقل َّي َة األَمريك َّي َة‪ ..‬حت َّٰى في األُ ِ‬ ‫اقب ـ َأ ً‬ ‫ومن فطنتِه وذكائه ال َّث ِ‬ ‫ ‬
‫ِ‬
‫لمس فيه االستهان َة ُ‬
‫بالمثل‬ ‫وخصوصا لعب َة كرة القد ِم األَمريكية ـ وهو ما َ‬ ‫ً‬ ‫من األَ ِ‬
‫لعاب ـ‬
‫‪290‬‬

‫نواجه اجلاهلي َ‬
‫َّة حولنا؟‬ ‫ُ‬ ‫َ‬
‫كيف‬

‫إلى َأ ْن َأ َ‬
‫قول‪ :‬إنَّنا نح ُن ا َّلذين نقدِّ ُم‬ ‫ٍ‬
‫ولست في حاجة بعد هذا ٰ‬ ‫ُ‬
‫تصوراتِها‪،‬‬ ‫ٍ‬ ‫َّاس‪ ،‬ليس لنا َأ ْن‬
‫اإلسال َم للن ِ‬
‫نجاري الجاهل َّي َة في شيء من ُّ‬ ‫َ‬
‫تقاليدها؛ مهما يشتدُّ‬‫ِ‬ ‫ٍ‬
‫شيء من‬ ‫ِ‬
‫وضاعها‪ ،‬وال في‬ ‫ٍ‬
‫شيء من َأ‬ ‫وال في‬
‫ضغ ُطها علينا‪.‬‬
‫رات اإلسالمية‪ ،‬والت ِ‬ ‫إحالل التَّصو ِ‬
‫َّقاليد‬ ‫َّ‬ ‫ُّ‬ ‫ُ‬ ‫ولى هي‬ ‫إن وظيفتَنا األُ ٰ‬ ‫َّ‬
‫ِ‬
‫بمجاراة الجاهل َّية‪،‬‬ ‫مكان هذه الجاهل َّية‪ ،‬ولن يتح َّق َق هذا‬ ‫ِ‬ ‫اإلسالم َّية في‬
‫ِ‬
‫البعض منَّا‪..‬‬ ‫ريق‪ ،‬كما قد ُي َخ َّي ُل إلى‬ ‫ٍ‬
‫خطوات في َأ َّو ِل ال َّط ِ‬ ‫والس ِير معها‬
‫َّ‬
‫منذ َأ َّو ِل ال َّط ِ‬
‫ريق‪..‬‬ ‫ِ‬
‫الهزيمة ُ‬ ‫ُ‬
‫إعالن‬ ‫إن هذا معنا ُه‬‫َّ‬

‫مريكي بدائ ًّيا في اإلعجاب بالقوى العضل َّي ِة‪،‬‬ ‫ُّ‬ ‫خالق! قال ‪( :‬ويبدو األَ‬ ‫والمبادئ واألَ ِ‬ ‫ِ‬
‫خالق في حياتِه الفرد َّي ِة‬ ‫والمبادئ واألَ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫بالمثل‬ ‫يستهين‬
‫ُ‬ ‫بقدر ما‬ ‫بوجه عا ٍّم‪ِ :‬‬ ‫ٍ‬ ‫والقوى الما ِّد َّي ِة‬
‫وعالقات‬‫ِ‬ ‫العمل َبأ ِ‬
‫نواعه‪،‬‬ ‫ِ‬ ‫وفي حياتِه العائل َّي ِة وفي حياتِه االجتماع َّي ِة‪ ،‬فيما عدا دائر َة‬
‫ريقة األَمريك َّي ِة‬ ‫كرة القد ِم على ال َّط ِ‬ ‫مباريات ِ‬
‫ِ‬ ‫تتابع‬
‫الجماهير وهي ُ‬ ‫ِ‬ ‫ومنظر‬
‫ُ‬
‫ِ‬
‫والمال‪.‬‬ ‫ِ‬
‫االقتصاد‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫عب‪،‬‬ ‫تشترك في ال َّل ِ‬ ‫ُ‬ ‫إن القد َم ال‬ ‫نصيب‪ ،‬إذ َّ‬ ‫ٍ‬ ‫ي‬‫ليس لها من اسمها كرة القد ِم َأ ُّ‬ ‫الخشنة ا َّلتي َ‬
‫الهدف‪،‬‬ ‫ِ‬ ‫ليقذف بها إلى‬ ‫َ‬ ‫ويجري بها‬ ‫يخطف الكر َة بين ِ‬
‫يديه‪،‬‬ ‫َ‬ ‫العب َأن‬
‫ٍ‬ ‫كل‬ ‫يحاول ُّ‬ ‫ُ‬ ‫إنَّما‬
‫َ‬
‫ٍ‬ ‫بكل ٍ‬ ‫ٍ‬
‫منظر‬ ‫ُ‬ ‫شراسة‪،‬‬ ‫وكل‬‫عنف ِّ‬ ‫وسيلة‪ِّ ،‬‬ ‫بكل‬ ‫يعوقو ُه ِّ‬ ‫اآلخر َأن ِّ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫الفريق‬ ‫يحاول العبو‬ ‫ُ‬ ‫بينما‬
‫والمصارعة الوحشي ِة الدَّ امية‪ِ،‬‬ ‫ِ‬ ‫حفالت المالكمةِ‬ ‫ِ‬ ‫تتابع هذه ال ُّلعب َة‪َ ،‬أو تشاهدُ‬ ‫ِ‬
‫َّ‬ ‫الجماهير وهي ُ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫الحيواني‪ ،‬المنبعث من إعجابِها بالعنف القاسي‪ ،‬وعد ِم التفاتها ٰ‬
‫إلى‬ ‫ِّ‬ ‫هياجها‬ ‫منظرها في‬ ‫ُ‬
‫ِ‬ ‫َّ‬ ‫ِ‬ ‫َ‬ ‫الس ِ‬ ‫ْ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫عب ُ‬ ‫قواعد ال َّل ِ‬ ‫ِ‬
‫وصراخها‬ ‫ُ‬ ‫المهشمة‪،‬‬ ‫ائل واألوصال‬ ‫وأصوله‪ ،‬بقدر ما هي مأخوذ ٌة بالدَّ ِم َّ‬
‫المنظر‬
‫ُ‬ ‫هش ْم َأضال َعه‪ ،‬اعجنْ ُه عجينًا! هذا‬ ‫دق عن َقه‪ِّ ،‬‬ ‫رأسه‪َّ ،‬‬ ‫يشج ُع فري َقه‪ :‬ح ِّط ْم َ‬ ‫كل ِّ‬ ‫هاتف ًة‪ٌّ ،‬‬
‫بالقو ِة العضل َّي ِة وتهواها) انظر‪« :‬مجلة‬ ‫َّ‬ ‫عور ا َّلتي ُّ‬
‫تفتن‬ ‫الش ِ‬ ‫للشك في بدائ َّي ِة ُّ‬ ‫ِّ‬ ‫مجال‬ ‫ً‬ ‫يدع‬
‫ال ُ‬
‫الرسالة» العدد‪َ ( .959 :‬أمريكا ا َّلتي ر َأيت)‪.‬‬
‫‪291‬‬

‫والتقاليد االجتماع َّي ِة‬


‫ِ‬ ‫رات االجتماعي ِة الس ِ‬
‫ائدة‪،‬‬ ‫َّ َّ‬
‫إن ض ْغ َط التَّصو ِ‬
‫ُّ‬ ‫َّ‬
‫وبخاص ٍة في ُدنيا المر َأ ِة‪.‬‬
‫َّ‬ ‫عنيف‪،‬‬
‫ٌ‬ ‫ساحق‬
‫ٌ‬ ‫ٌ‬
‫ضغط‬ ‫الش ِ‬
‫ائعة‪،‬‬ ‫َّ‬
‫والمر َأ ُة المسلم ُة ِ‬
‫تواج ُه في هذه الجاهل َّية ضغ ًطا قاس ًيا مشؤو ًما‬
‫ليس منه ُبدٌّ ‪ ،‬ال ُبدَّ َأن َن ْث ُب َت َأ َّو ًل‪ ،‬وال ُبدَّ َأن‬
‫مما َ‬ ‫ح ًّقا‪ ..‬ولكن ال ُبدَّ َّ‬
‫نستعلي ثانيا‪ ،‬وال بدَّ َأن نُري الجاهلي َة حقيق َة الدَّ ر ِك ا َّلذي هي ِ‬
‫فيه‪،‬‬ ‫ْ‬ ‫َّ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َ ً‬
‫للحياة اإلسالم َّية ا َّلتي نريدُ ها‪.‬‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫المشرقة‬ ‫ِ‬
‫اآلفاق ال ُعليا‬ ‫ِ‬
‫بالقياس إلى‬
‫ِ‬
‫الخطوات‪ ،‬كما‬ ‫ِ‬
‫بعض‬ ‫نجاري الجاهل َّي َة في‬ ‫يكون هذا َبأن‬
‫َ‬ ‫ولن‬
‫َ‬
‫كل؛ إنَّما هي‬ ‫َ‬
‫وننعزل‪َّ ..‬‬ ‫وننزوي عنها‬
‫َ‬ ‫يكون َبأ ْن نقاط َعها َ‬
‫اآلن‬ ‫َ‬ ‫َأنَّه لن‬
‫بالحق في‬
‫ِّ‬ ‫دع‬
‫والص ُ‬‫والعطاء مع التَّر ُّفعِ‪َّ ،‬‬
‫ُ‬ ‫المخالط ُة مع التَّم ُّي ِز‪ ،‬واألَ ُ‬
‫خذ‬
‫ِ‬
‫باإليمان في تواضعٍ‪.‬‬ ‫واالستعالء‬
‫ُ‬ ‫مو َّد ٍة‪،‬‬
‫ِ‬
‫وسط‬ ‫نعيش في‬ ‫ِ‬
‫الواقعة‪ :‬وهي َأنَّنا ُ‬ ‫ِ‬
‫بالحقيقة‬ ‫واالمتال ُء بعد هذا ك ِّله‬
‫جاهلي ٍة‪ ،‬و َأنَّنا َأهدى طري ًقا من ِ‬
‫هذه الجاهل َّية‪ ،‬و َأنَّها نقل ٌة بعيد ٌة واسع ٌة‪،‬‬ ‫ٰ‬ ‫َّ‬
‫هو ٌة فاصل ٌة ال يقا ُم فو َقها‬ ‫هذه النَّقل ُة من الجاهل َّية إلى اإلسالم‪ ،‬و َأنَّها َّ‬
‫هل الجاهل َّية‬ ‫لينتقل عليه َأ ُ‬
‫َ‬ ‫ريق؛ ولك ْن‬ ‫ِ‬
‫منتصف ال َّط ِ‬ ‫ِ‬
‫لاللتقاء في‬ ‫َم َم ٌّر‬
‫اإلسالمي‪،‬‬
‫َّ‬ ‫يسمى الوط َن‬‫يعيشون فيما َّ‬ ‫َ‬ ‫ممن‬ ‫إلى اإلسالم‪ ،‬سوا ٌء كانوا َّ‬
‫«اإلسالمي»‬
‫ِّ‬ ‫ِ‬
‫الوطن‬ ‫يعيشون في ِ‬
‫غير‬ ‫َ‬ ‫مسلمون‪َ ،‬أم كانوا‬
‫َ‬ ‫ويزعمون َأنَّهم‬
‫َ‬
‫قوة ا َّلتي هم‬ ‫الش ِ‬ ‫ولينجوا من هذه ِّ‬ ‫وليخرجوا من ال ُّظ ِ‬
‫لمات إلى النُّور‪،‬‬
‫ُ‬ ‫ُ‬
‫ِ‬
‫بالخير ا َّلذي ذقناه نح ُن ا َّلذي َن عر ْفنا اإلسال َم وحاو ْلنا َأ َّن‬ ‫وينعموا‬
‫ُ‬ ‫فيها‪،‬‬
‫‪292‬‬

‫مر اهللُ ـ سبحانَه ـ َر ُسو َله ﷺ َأ ْن يقو َله‪:‬‬


‫فلنقل ما َأ َ‬
‫وإل ْ‬‫نعيش ِبه‪َّ ..‬‬
‫َ‬

‫﴿ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ﴾ [الكافرون‪. )1(]6 :‬‬

‫خطأ واتَّهموه‬‫ً‬ ‫فهموه‬‫وصريح على ا َّلذين ُ‬ ‫ٌ‬ ‫واضح‬


‫ٌ‬ ‫(( ( تنبيه‪ :‬كال ُم س ِّيد ُق ُطب ‪ ‬هنا فيه ر ٌّد‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫اصلة الحس َّي ِة للمجتم ِع‬ ‫ِ‬
‫ِ‬
‫والمدارس‬ ‫المساجد‪،‬‬ ‫مقاطعة‬ ‫والعزلة‪ ،‬مثل‪:‬‬ ‫َبأ َّن ُه يدعو إلى ُ‬
‫الم َف‬
‫وغيرها؛‬‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ِّجارة‬ ‫ِ‬
‫عمال الت‬ ‫ِ‬
‫وممارسة َأ‬ ‫ِ‬
‫كالوظائف والتَّعلي ِم‪،‬‬ ‫سات الدَّ ِ‬
‫ولة‬ ‫والجامعات‪ ،‬ومؤس ِ‬ ‫ِ‬
‫َّ‬
‫الواجب‬ ‫ِ‬
‫الكافر‪ ،‬بينما‬ ‫ِ‬
‫تقوية المجتمع‬ ‫َ‬
‫يساهمون في‬ ‫ِ‬
‫انسالخهم يجع ُلهم‬ ‫بحج ِة َأ َّن عد َم‬
‫ُ‬ ‫َّ‬
‫ِ‬
‫على هدمه!‬ ‫َأ ْن يعم ُلوا ٰ‬
‫مرحلتان‪ :‬مفاصل ٌة شعور َّي ٌة ومفاصل ٌة‬ ‫ِ‬ ‫يرى َأ َّن المفاصل َة‬ ‫حقيقة األَ ِ‬ ‫ِ‬
‫مر فإنَّه ‪ٰ ‬‬ ‫* وفي‬ ‫ ‬
‫ِ‬
‫َّاس بالدُّ خول في اإلسالم‪،‬‬ ‫تبدأ دعو ًة للن ِ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬
‫(إن الخُ طو َة األولى‬ ‫عمل َّي ٌة‪ ،‬قال ‪َّ :‬‬
‫ِ‬
‫صور‬ ‫صورة من‬‫ٍ‬ ‫خلقه ـ في‬ ‫حد من ِ‬ ‫ينونة ألَ ٍ‬ ‫ِ‬ ‫ونبذ الدَّ‬ ‫شريك‪ِ ،‬‬ ‫ٍ‬ ‫والدينونة هلل وحدَ ه بال‬‫ِ‬

‫دون ا َّلذين‬
‫الموح َ‬ ‫المؤمنون‬ ‫ُ‬
‫ويقف‬ ‫ِ‬
‫قسمين‪،‬‬ ‫ينقسم القو ُم الواحدُ‬ ‫ثم‬ ‫ِ‬
‫ِّ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫الدَّ ينونة ـ َّ‬
‫حد من ِ‬
‫خلق اهلل‬ ‫يدينون ألَ ٍ‬
‫َ‬ ‫المشركون ا َّلذين‬
‫َ‬ ‫ُ‬
‫ويقف‬ ‫يدينون هلل وحدَ ه ص ًّفا ـ َأو ُأ َّم ًة ـ‬
‫َ‬
‫المؤمنين والت ِ‬
‫َّدمير‬ ‫َ‬ ‫ِ‬
‫بنصر‬ ‫يحق وعدُ اهلل‬‫ثم ُّ‬ ‫المشركين‪َّ ،‬‬
‫َ‬ ‫المؤمنون‬
‫َ‬ ‫ُ‬
‫يفاصل‬ ‫ثم‬ ‫ص ًّفا َ‬
‫آخر‪َّ ،‬‬
‫تطول فتر ُة الدَّ ِ‬ ‫على ِ‬ ‫ٍ‬
‫عوة َ‬
‫قبل‬ ‫ُ‬ ‫البشري‪ ،‬ولقد‬
‫ِّ‬ ‫مدار التَّاريخِ‬ ‫وقع با ِّطراد ٰ‬
‫المشركين‪ ،‬كما َ‬
‫َ‬ ‫على‬
‫ُ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫منذ ال َّلحظة األ ٰ‬
‫ولى)‪.‬‬ ‫يجب َأ ْن َّ‬
‫تتم ُ‬ ‫ُ‬ ‫الشعور َّي َة‬‫ولكن المفاصل َة العقيد َّي َة ُّ‬
‫َّ‬ ‫المفاصلة العمل َّية‪،‬‬
‫ج‪/٤‬ص‪« ١٩٤٧‬الظالل» سورة هود‪.‬‬
‫هناك عزل ٌة َّإل العزل َة‬
‫َ‬ ‫تكن‬ ‫ِ‬
‫والمفاصلة‪ ،‬قال َأ ً‬ ‫ِ‬ ‫مسأ ِلة‬
‫توضيح َ‬ ‫ِ‬
‫يضا‪( :‬فلم ْ‬ ‫العزلة‬ ‫* وفي‬ ‫ ‬
‫َّفسي لهذه‬ ‫ِ‬ ‫غريبة عنه في َأ ِ‬
‫ٍ‬ ‫الجديد‪ ،‬وعد ِم خلطِه َبأ َّي ِة رق ٍع‬ ‫ِ‬ ‫َّصو ِر‬
‫َّكوين الن ِّ‬ ‫ثناء الت‬ ‫اإليماني‬
‫ِّ‬ ‫بالت ُّ‬
‫َّصو ِر‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫الخاص‬‫ِّ‬ ‫اإليماني‬
‫ِّ‬ ‫دائما إلى إنشاء هذا الت ُّ‬ ‫المستمر ُة متَّجه ًة ً‬‫َّ‬ ‫الجماعة‪ ،‬وكانت التَّربي ُة‬
‫ائدة في العال ِم ك ِّله يومذاك‪ ،‬وفي‬ ‫رات الس ِ‬ ‫المنعزل بحقيقتِه وطبيعتِه عن التَّصو ِ‬ ‫ِ‬ ‫المم َّي ِز‪،‬‬
‫َّ‬ ‫ُّ‬
‫ِ‬ ‫َّاس ا َّلذين ُ‬ ‫ٍ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫نفوسهم فلم‬ ‫َّصو ُر المتم ِّي ُز في‬
‫ينشأ هذا الت ُّ‬ ‫خاصة‪َ .‬أ َّما الن ُ‬‫الجزيرة العرب َّية بصفة َّ‬
‫ِ‬
‫الحوادث‬ ‫ِ‬
‫بوتقة‬ ‫يصهرون في‬
‫َ‬ ‫حداث‪ ،‬بل كانوا‬‫ِ‬ ‫ومضطرب األَ‬
‫ِ‬ ‫بمعزل عن واقع الحياة‬ ‫ٍ‬ ‫يكونوا‬
‫الواحد مر ٍ‬
‫ات كثيرةً‪،‬‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫والخلق‬ ‫ِ‬
‫الواحد‬ ‫صهرهم في األَ ِ‬
‫مر‬ ‫يوما بعد يومٍ‪ ،‬ومر ًة بعد ٍ‬
‫َّ‬ ‫مرة‪ ،‬ويعا ُد ُ‬
‫َّ‬ ‫َّ‬ ‫ً‬
‫ ‬ ‫عة) ج‪/٦‬ص‪« .٣٥٣٦‬الظالل» سورة الممتحنة‪.‬‬ ‫رات متنو ٍ‬
‫وتحت مؤ ِّث ٍ‬
‫َ‬
‫ِّ‬
‫‪293‬‬

‫‪.............................................................‬‬
‫بالقلب‪ ،‬وال‬ ‫ِ‬ ‫ُ‬
‫تكون‬ ‫فمن خالل كال ِم س ِّيد ُق ُطب ‪ ‬تب َّي َن‪َ :‬أ َّن ُه يرى المفاص َلة المعنو َّي َة ا َّلتي‬ ‫ ‬
‫هل‬ ‫تكون اعتقاد َّي ًة؛ فال مح َّب َة وال مناصر َة مع َأ ِ‬ ‫َ‬ ‫يجب َأ َن‬ ‫ُ‬ ‫هلل‪ ،‬وهذه‬ ‫لع عليها َأحدٌ َّإل ا ُ‬ ‫ي َّط ُ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫تمنع المفاصل ُة عنده‬ ‫والمنَ َعة‪َ ،‬أو في حالة االستضعاف‪ ،‬وال ُ‬ ‫القوة َ‬ ‫وتكون في حالة َّ‬ ‫ُ‬ ‫الباطل‪،‬‬ ‫ِ‬
‫القدوة ال َّطيبةِ‬ ‫ِ‬ ‫َّاس‪ ،‬وتقديم‬ ‫قارب والن ِ‬ ‫هل واألَ ِ‬ ‫ِ‬
‫الصلة والمعاملة ال َّط ِّيبة مع األَ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫َّ‬ ‫من إحسان ِّ‬
‫فتكون في‬ ‫ُ‬ ‫وأ َّما المفاصل ُة العمل َّي ُة‪:‬‬ ‫لهم من ُح ْس ِن المعاشرة ماداموا لم ُيظهروا العدا َء‪َ .‬‬ ‫ِ‬
‫مثل المعاصي‪ ،‬وفيما‬ ‫ِ‬
‫بعض المواقف‪ِ ،‬‬ ‫ِ‬ ‫مسأ ٍلة‪َ ،‬أو‬ ‫يكون في َ‬ ‫ُ‬ ‫اهرة‪ ،‬وقد‬ ‫المعامالت المادي ِة ال َّظ ِ‬ ‫ِ‬
‫َّ‬
‫َّاس‬ ‫ُ‬ ‫ف به شرع اهللِ‪ ،‬فال يخال ُطهم‪َ ،‬أو يشاركُهم في ِ‬ ‫يخا َل ُ‬
‫نعتزل الن َ‬ ‫باطلهم‪ ،‬قال ‪( : ‬حيث‬ ‫ُ‬
‫ذكى منهم‬ ‫نفسا‪َ ،‬أو َأ ٰ‬ ‫رحب منهم ً‬ ‫طيب منهم قل ًبا‪َ ،‬أو َأ ُ‬ ‫روحا‪َ ،‬أو َأ ُ‬ ‫طهر منهم ً‬ ‫نحس َأنَّنا َأ ُ‬ ‫ألَنَّنا ُّ‬
‫ِ‬
‫إن العظم َة‬ ‫وأق َّلها مؤون ًة! َّ‬ ‫بل‪َ ،‬‬ ‫الس ِ‬ ‫يسر ُّ‬ ‫اخترنا ألَنفسنا َأ َ‬ ‫كبيرا‪ ،‬لقد ْ‬ ‫نكون قد صنعنا شيئًا ً‬ ‫ُ‬ ‫عقل‪ ،‬ال‬ ‫ً‬
‫على ضعفهم ونقصهم‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫َ‬ ‫الحقيق َّي َة َأ ْن‬
‫السماحة‪ ،‬والعطف ٰ‬ ‫عين بروحِ َّ‬ ‫َّاس متش ِّب َ‬ ‫نخالط هؤالء الن َ‬
‫نستطيع‪،‬‬ ‫إلى مستوانا ِ‬
‫بقدر ما‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ُ‬ ‫تطهيرهم وتنقيتهم ورفعهم ٰ‬ ‫الرغبة الحقيق َّية في‬ ‫وخطئهم‪ ،‬وروحِ َّ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫آفاقنا العليا ِ‬ ‫إنَّه ليس معنى هذا َأ ْن نتخ َّلى عن ِ‬
‫ونثني‬ ‫َ‬ ‫َّاس‪،‬‬ ‫السامية‪َ ،‬أو َأ ْن نتم َّل َق هؤالء الن َ‬ ‫ومثلنا َّ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫ٰ‬ ‫ٰ‬ ‫َ‬
‫المتناقضات وسع َة‬ ‫ِ‬ ‫َّوفيق بين ِ‬
‫هذه‬ ‫َ‬ ‫ت‬ ‫ال‬ ‫إن‬
‫َّ‬ ‫ا‪،‬‬ ‫ً‬
‫ق‬ ‫ف‬ ‫َ‬
‫أ‬ ‫منهم‬ ‫على‬ ‫َ‬
‫أ‬ ‫َّنا‬
‫ن‬ ‫َ‬
‫أ‬ ‫هم‬ ‫نشعر‬ ‫ن‬ ‫ْ‬ ‫َ‬
‫أ‬ ‫و‬ ‫َ‬
‫أ‬ ‫هم‪،‬‬ ‫ِ‬ ‫رذائل‬ ‫على‬
‫ٰ‬ ‫َ‬ ‫ٰ‬
‫الرسالة ا َّلتي كتبها س ِّيد‬ ‫ِ‬ ‫«من‬ ‫)‪.‬‬ ‫ِ‬
‫ة‬ ‫ي‬ ‫الحقيق‬ ‫ُ‬
‫ة‬ ‫العظم‬ ‫هو‬ ‫ٍ‬
‫جهد‬ ‫من‬ ‫َّوفيق‬
‫ُ‬ ‫ت‬ ‫ال‬ ‫هذا‬ ‫ه‬ ‫ب‬ ‫ل‬ ‫َّ‬ ‫يتط‬ ‫لما‬ ‫ِ‬
‫در‬ ‫الص‬
‫ِّ‬ ‫َّ‬ ‫ُ‬ ‫َّ‬
‫قبل إعدامه مباشرةً»‪.‬‬ ‫ِ‬ ‫إلى ُأخته َ‬ ‫ِ‬ ‫ب‬ ‫ُق ُط‬
‫ٰ‬
‫القدوة ال َّطيبةِ‬ ‫ِ‬ ‫ُّ‬ ‫يعطف على الن ِ‬ ‫قيق ‪ ‬ا َّلذي‬ ‫الر ِ‬ ‫الر ِ‬ ‫فهل ُ‬
‫ِّ‬ ‫على تقديم‬ ‫ويحث ٰ‬ ‫َّاس‬ ‫ُ‬ ‫جل َّ‬ ‫مثل هذا َّ‬ ‫ ‬
‫يحكم‬ ‫بالخير لهم‪َ ،‬أو‬ ‫ِ‬ ‫يسعى‬ ‫يتمنى َأو‬ ‫لهم مع المعاشرة الحسنة؛ يقاط ُعهم ويعاديهم وال‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ُ‬ ‫ٰ‬ ‫ٰ‬
‫بالكفر؟!‬ ‫ِ‬ ‫عليهم‬
‫كان يدعو للت ِ‬ ‫ِ‬ ‫مر الع ِ‬ ‫ِ‬
‫َّمييز‬ ‫تكفير المجتمع‪ ،‬و َأنَّه َ‬ ‫زلة‪َ ،‬أو‬ ‫تظهر جل ًّيا حقيق ُة موقفه من َأ ِ ُ‬ ‫ومن هنا ُ‬ ‫ ‬
‫بواجب‬ ‫ِ‬ ‫الراقي مع معايشة المجتمع‪ ،‬والقيا ِم‬ ‫ِ‬ ‫الص ِ‬ ‫الشعور َّية بالفه ِم‬ ‫ِ‬ ‫والعزلة ُّ‬ ‫ِ‬
‫حيح َّ‬ ‫اإلسالمي َّ‬ ‫ِّ‬
‫ِ‬ ‫ٍ‬ ‫عوة فيه َ‬ ‫الدَّ ِ‬
‫حيح لإلسالم؛‬ ‫الص ِ‬ ‫الكبر‪ ،‬وإنَّما هو استعال ٌء بالفه ِم َّ‬ ‫استعالء يدعو إلى‬ ‫دون‬
‫بديل‪.‬‬ ‫ُظمه وتشريعاتِه ً‬ ‫بغير اإلسالم ون ِ‬ ‫نقبل ِ‬ ‫وهو ا َّلذي يجع ُلنا ال ُ‬
‫***‬
‫لقول اهلل تعالى‪﴿ :‬ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ‬ ‫ِ‬ ‫تفسيره‬ ‫* َأ َّما‬ ‫ ‬
‫ُ‬
‫ﯠ ﯡ ﯢ ﯣﯤ ﯥ ﯦ﴾ [يونس‪ .]87 :‬وا َّلتي ُف ِه َم منها‬
‫ِ‬
‫مطاردة‬ ‫ِ‬
‫حال‬ ‫اعتزال جاهل َّي ِة المجتمع‪ ،‬وفي‬
‫َ‬ ‫اعتزال المجتمع ذاتِه‪ ،‬فإنَّما َ‬
‫كان يقصدُ‬ ‫ُ‬
‫إلى موسى وهارون َأن يتَّخذا لبني‬ ‫ِ‬
‫تفسير اآلية‪َ ( :‬أوحى ا ُ‬
‫هلل ٰ‬ ‫ِ‬ ‫فيقول في‬ ‫ُ‬ ‫المؤمني َن‪،‬‬
‫مصر في‬ ‫للر ِ‬
‫حيل من‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫خاص ًة بهم‪ ،‬وذلك‬ ‫َ‬
‫َ‬ ‫لفرز هم وتنظيمهم استعدا ًدا َّ‬ ‫َّ‬ ‫إسرائيل بيو تًا‬
‫‪294‬‬

‫‪..............................................................‬‬

‫الله‪ ،‬وتلك‬ ‫بنصر ِ‬ ‫ِ‬ ‫واالستبشار‬ ‫نفوسهم‪،‬‬ ‫ِ‬ ‫تطهير بيوتِهم‪ ،‬وتزكي َة‬ ‫المختار؛ وك َّلفهم‬ ‫ِ‬ ‫الوقت‬ ‫ِ‬ ‫ ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫ِ‬ ‫أل ِ‬ ‫تان ل َ‬ ‫َّعبئة النِّظام َّية‪ ،‬وهما م ًعا ضرور َّي ِ‬ ‫جوار الت ِ‬ ‫ِ‬ ‫الروح َّي ُة إلى‬
‫والجماعات‪،‬‬ ‫فراد‬ ‫هي التَّعبئ ُة ُّ‬
‫ِ‬
‫قبيل المعارك والمش َّقات‪.‬‬ ‫ِ‬ ‫وبخاص ٍة َ‬ ‫َّ‬
‫تنبئ بأ َّنَ‬ ‫تزال إلى هذه ال َّلحظة‪ِ،‬‬ ‫ُ‬ ‫َّجارب ما‬ ‫ولكن الت‬ ‫ِ‬
‫الروح َّية‪،‬‬ ‫ِ‬
‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َّ‬ ‫يستهين قو ٌم بهذه التَّعبئة ُّ‬ ‫ُ‬ ‫ولقد‬ ‫ ‬
‫الجندي الخائر العقيدة ال‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫الح األ َّو ُل في المعركة‪ ،‬وأ َّن األدا َة الحرب َّي َة في يد‬ ‫ِ‬ ‫َ‬
‫ِّ‬ ‫الس ُ‬ ‫العقيد َة هي َّ‬
‫العصبة المؤمنةِ‬ ‫ِ‬ ‫يعرضها الله على‬ ‫ُ‬ ‫الشدَّ ة‪ ،‬وهذه التَّجرب ُة ا َّلتي‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫كثيرا في ساعة ِّ‬ ‫تساوي شيئًا ً‬
‫إسرائيل‪ ،‬فهي تجرب ٌة إيمان َّي ٌة خالص ٌة‪.‬‬ ‫َ‬ ‫خاص ًة ببني‬ ‫ليكون لها فيها ُأسوةٌ‪ ،‬ليست َّ‬ ‫َ‬
‫ت الفتنةُ‬ ‫ذات يو ٍم مطاردين في المجتمع الجاهلي‪ ،‬وقد عم ِ‬ ‫نفسهم َ‬ ‫َ‬
‫َّ‬ ‫ِّ‬ ‫َ‬ ‫المؤمنون أ َ‬ ‫َ‬ ‫وقد يجدُ‬ ‫ ‬
‫فرعون في‬ ‫ِ‬
‫الحال على عهد‬ ‫ُ‬ ‫َّاس‪ ،‬وأنتنت البيئ ُة ـ وكذلك َ‬
‫كان‬ ‫ِ‬ ‫َ‬ ‫وتج َّب َر ال َّط‬
‫َ‬ ‫اغوت‪ ،‬وفسدَ الن ُ‬ ‫ُ‬
‫هلل إلى ُأمور‪ٍ:‬‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫هذه الفترة ـ وهنا يرشدُ هم ا ُ‬
‫ِ‬
‫العصبـة‬ ‫ـع‬ ‫وشـرها ـ مـا َأ‬ ‫ِ‬ ‫اعتـزال الجاهل َّيـة بنتنِهـا‬ ‫ُ‬
‫وتجم ُ‬ ‫ُّ‬ ‫مكـن ذلـك ـ‬ ‫َ‬ ‫ِّ‬ ‫وفسـادها‬ ‫ـ‬ ‫ ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫المؤمنـة الخي ِ‬ ‫ِ‬
‫وتدر َبهـا وتن ِّظمهـا‪ ،‬حت ٰ‬
‫َّـى‬ ‫ِّ‬ ‫لتطه َرهـا وتز ِّك َيهـا‪،‬‬ ‫علـى نفسـها‪ِّ ،‬‬ ‫ٰ‬ ‫َّظيفـة‬ ‫ـرة الن‬ ‫ِّ‬
‫تـي وعـدُ اهلل لهـا‪.‬‬ ‫ْيأ َ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ُ‬
‫باالنعزال عن‬ ‫تحس فيها‬ ‫اعتزال معابد الجاهل َّية واتِّخا ُذ بيوت العصبة المسلمة مساجدَ ‪ُّ ،‬‬ ‫ـ‬ ‫ ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫وتزاول بالعبادة ذاتها‬ ‫ُ‬ ‫وتزاول فيها عبادتَها لر ِّبها على نهجٍ صحيحٍ ؛‬ ‫ُ‬ ‫الجاهلي؛‬ ‫المجتمع‬
‫ِّ‬
‫جو العبادة ال َّط ِ‬ ‫ِ‬
‫هور)‪.‬‬ ‫نو ًعا من التَّنظي ِم في َّ‬
‫اض ُط ِهدُ وا‪ ،‬ولم يستطيعوا ممارس َة‬ ‫إسرائيل قد ْ‬ ‫َ‬ ‫َّعبئة هذه ال شي َء يمن ُعها؛ فبنو‬ ‫ففكرة الت ِ‬ ‫ ‬
‫ِ‬
‫البيوت‪.‬‬ ‫العبادة عالني ًة في المجتمع‪َ ..‬فأمرهم اهلل بالص ِ‬
‫الة في‬ ‫ِ‬
‫ُ َّ‬ ‫َ‬
‫الفرائض فال تُص َّل ٰى‬ ‫ُ‬ ‫َّوافل في بيتِه‪َ ،‬أ َّما‬ ‫المسلم الن َ‬ ‫ُ‬ ‫وهدي نب ِّيه ﷺ َأ ْن ُيص ِّل َي‬ ‫ِ‬ ‫فمن سن َِّة اإلسالم‬ ‫ ‬
‫شرعي‪َ ،‬أو‬ ‫ٍ‬
‫لعذر‬ ‫المساجد َّإل‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫الجماعة في‬ ‫ِ‬
‫صالة‬ ‫وجوب‬ ‫اجح‬ ‫ُ‬ ‫ِ‬
‫ٍّ‬ ‫ُ‬ ‫الر ُ‬ ‫القول َّ‬ ‫البيوت؛ بل‬ ‫في‬
‫ِ‬
‫للقبض على المسل ِم وسجنه وإيذائه‪ ،‬كما‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫هناك فتن ٌة‪َ ،‬أو َأصبحت المساجدُ مصيد ًة‬ ‫ِ‬ ‫َ‬ ‫كانت‬
‫ْ‬
‫هذه الحقيق َة!‬ ‫المسلمون ِ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫وعاش‬ ‫ول اإلسالم َّية‪،‬‬ ‫كثر الدُّ ِ‬‫جرى ذلك في َأ ِ‬ ‫ٰ‬
‫َ‬
‫فرعون ـ‬ ‫ِ‬
‫كمثل عهد‬ ‫ِ‬ ‫الجاهلي ـ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ث عن احتمال َّية مطاردة المجتمع‬ ‫فس ِّيد ُق ُطب إ ًذا يتحدَّ ُ‬ ‫ ‬
‫ِّ‬
‫َّاس والبيئ ُة‪.‬‬
‫اغوت‪ ،‬ويفسدَ الن ُ‬
‫ُ‬ ‫للمؤمني َن‪ ،‬و َأ ْن َّ‬
‫تعم الفتن ُة‪ ،‬ويتج َّب َر ال َّط‬
‫البيوت‪ ،‬وعد ِم الص ِ‬ ‫ِ‬ ‫إن سيدً ا َأفتى بالص ِ‬ ‫ِ‬
‫واإلجحاف َأ ْن َ‬
‫الة في‬ ‫َّ‬ ‫الة في‬ ‫َّ‬ ‫ٰ‬ ‫نقول‪ِّ َّ :‬‬ ‫ومن ال ُّظل ِم‬ ‫ ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫هي قض َّيتُه؟!‬ ‫على َأ َّن هذه َ‬
‫فكره وكتاباته ٰ‬ ‫المساجد‪ ،‬واعتزال المجتمع؟! ونقدِّ م َ‬
‫(‪)١‬‬

‫﴿ﮫﮬﮭﮮﮯﮰﮱﯓﯔ﴾ [آل عمران‪.]6 :‬‬


‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫الذ ِ‬
‫حالة‬ ‫على‬
‫نصب ٰ‬ ‫هن من هذا التَّوجيه‪َ ،‬أنَّه َي ُّ‬ ‫يتبادر إلى ِّ‬
‫ُ‬ ‫َأ َّو ُل ما‬
‫كبر و َأبعدُ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫الجهاد المم َّثلة في القتال‪ ..‬ولك َّن حقيق َة هذا التَّوجي َه ومدا ُه َأ ُ‬
‫ِ‬
‫الكثيرة‪.‬‬ ‫بكل مالبساتِها‬ ‫ِ‬
‫المفردة‪ِّ ،‬‬ ‫ِ‬
‫الحالة‬ ‫من هذه‬

‫مشاق‬‫ِّ‬ ‫على‬
‫يصبر العبدُ ٰ‬ ‫ُ‬ ‫اإليمان»‪َ :‬فبِ ِه‬
‫ِ‬ ‫طرحه س ِّيد ُق ُطب ‪ ‬هو «استعال ُء‬ ‫َ‬ ‫((( من روائ ِع ما‬
‫تمكين في األَرض‪ ،‬ولكنَّه ينتهي‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬
‫بملك َأو سلطان‪َ ،‬أو‬ ‫ٍ‬ ‫ِ‬
‫ريق الوع ِر ا َّلذي لن‬‫هذا ال َّط ِ‬
‫ينتهي ُ‬ ‫َ‬
‫ِ‬ ‫ودينِه‬
‫المؤمن بربه ِ‬ ‫والش ِ‬
‫رحاب اهللِ‪َّ ،‬‬
‫ونفسه يمن َُح ُه طاق َة‬ ‫ِ ِّ‬ ‫سبيل اهلل؛ فاعتزازُ‬ ‫ِ‬ ‫هادة في‬ ‫ِ‬ ‫في‬
‫شريف‪،‬‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬
‫عون‬ ‫ب‪ ،‬ومواجه َة المحتاجي َن ِّ‬
‫بكل‬ ‫بالعمل ال َّط ِّي ِ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫الحياة‬ ‫ِ‬
‫مواجهة‬ ‫ِ‬
‫المواجهة‪:‬‬
‫والحق بالقو ِة والص ِ‬ ‫ومواجهة َأ ِ‬‫ِ‬
‫على‬‫على‪َ ..‬أ ٰ‬ ‫إن المؤم َن هو األَ ٰ‬ ‫والشموخِ ‪َّ ..‬‬ ‫البة ُّ‬ ‫َّ‬ ‫َّ‬ ‫ِّ‬ ‫عداء الدِّ ِ‬
‫ين‬
‫ومنهاجا‪ ..‬واستعال ُء‬
‫ً‬ ‫على شريع ًة‬ ‫وشعورا وخل ًقا وسلوكًا‪ ،‬و َأ ٰ‬ ‫ً‬ ‫ضميرا‬
‫ً‬ ‫ومصدرا‪ ،‬و َأ ٰ‬
‫على‬ ‫ً‬ ‫سندً ا‬
‫ثرى من َأ ِ‬ ‫ِ‬
‫قطار هذه األَرض بما‬ ‫قوى و َأ ٰ‬ ‫اإليمان يج َع ُل الحقيق َة اإليمان َّي َة في ن َظ ِر صاحبها َأ ٰ‬
‫الكاسب في‬ ‫ُ‬ ‫ف وال المهان َة‪ ..‬فإذا هو‬ ‫ف التَّو ُّق َ‬ ‫جم َعت‪ ،‬ويب َع ُث فيه الحم َّي َة ا َّلتي ال ِ‬
‫تعر ُ‬
‫عظيم‪ ،‬وإن است ِ‬ ‫كل ٍ‬
‫عظم؛ لذلك كان‬ ‫كسب َأ ُ‬ ‫ٌ‬ ‫ُشهدَ ‪ ..‬فذاك‬ ‫ٌ‬ ‫ب‬
‫حال؛ إن انت ََصر‪ ..‬فهذا ك َْس ٌ‬ ‫ِّ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫المؤم ُن من واق ِع هذه العزَّ ة‪ ،‬ومن َمع ِ‬ ‫ِ‬
‫َّمسك بح ِّقه‪،‬‬ ‫اإليماني‪ُ ،‬مطا َل ًبا بالت ُّ‬
‫ِّ‬ ‫ين هذا االستعالء‬
‫اني‪..‬‬ ‫ٌ‬ ‫فمشروع س ِّيد ُق ُطب ‪‬‬ ‫ُّزول عن ِ‬ ‫وعد ِم الت ِ‬
‫َّفريط فيه‪َ ،‬أو الن ِ‬
‫متكامل ر َّب ٌّ‬ ‫مشروع‬
‫ٌ‬ ‫ُ‬ ‫بعضه‪.‬‬
‫دار األَرق ِم المك َّي ُة‪..‬‬ ‫ريفين‪ ،‬و ُأسوتُه مدرس ُة ِ‬ ‫ِ‬ ‫الش‬ ‫ِ‬
‫الوحيين َّ‬ ‫تربوي؛ ما َّدتُه ُمستقا ٌة من‬
‫ٌّ‬ ‫إيماني‪..‬‬
‫ٌّ‬
‫الحي‬
‫ِّ‬ ‫الشديدة‪ ..‬كما أ َّن نموذجه‬‫َ‬ ‫عانى أصحاب هذه المدرسة النبوية من المعاناة َّ‬ ‫َ‬ ‫ٰ‬ ‫وما‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ابر‪..‬‬ ‫الص ُ‬ ‫جاع‪َّ ..‬‬ ‫الش ُ‬ ‫امخ‪ُّ ..‬‬‫الش ُ‬ ‫ُ‬
‫العمالق َّ‬ ‫قتدى به في االستعالء باإليمان؛ هو ذلك‬ ‫ا َّلذي ُي ٰ‬
‫ِ‬
‫وزن له في ال ُعرف‪ ،‬وال‬ ‫الشامخات‪ ..‬العبدُ األَسو ُد‪ ..‬ا َّلذي ال َ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫جبال م َّك َة َّ‬ ‫ثبوت‬
‫َ‬ ‫ابت‬‫ال َّث ُ‬
‫يتحو ُل هذا‬ ‫بضاعة مزجاة! و َف ْج َأ ًة‬ ‫ٍ‬ ‫شترى َ‬
‫َّ‬ ‫كأ ِّي‬ ‫ٰ‬ ‫باع و ُي‬‫قيم َة له في المجتمع؛ بل كان ُي ُ‬
‫‪296‬‬
‫ِ‬
‫المؤمن‬ ‫يكون عليها ُش ُ‬
‫عور‬ ‫َ‬ ‫إنَّه يم ِّث ُل الحال َة الدَّ ائم َة ا َّلتي ينبغي َأن‬
‫سواء‪.‬‬ ‫ِ‬
‫شخاص‬ ‫حداث‪ِ ،‬‬
‫والق َيم‪ ،‬واألَ‬ ‫ِ‬ ‫شياء‪ ،‬واألَ‬‫أل ِ‬ ‫وتقديره ل َ‬ ‫وتصو ُره‬
‫ً‬ ‫ُ‬ ‫ُّ‬
‫ِ‬
‫المؤمن‬ ‫نفس‬ ‫يجب َأن‬ ‫ِ‬
‫االستعالء ا َّلتي‬ ‫إنَّه يم ِّث ُل حال َة‬
‫تستقر عليها ُ‬‫َّ‬ ‫ُ‬
‫ِ‬
‫باإليمان‬ ‫ِ‬
‫االستعالء‬ ‫حد‪،‬‬ ‫وكل َأ ٍ‬ ‫وكل ٍ‬
‫قيمة‪ِّ ،‬‬ ‫وكل وضعٍ‪ِّ ،‬‬ ‫شيء‪ِّ ،‬‬ ‫ٍ‬ ‫كل‬ ‫إزاء ِّ‬
‫َ‬
‫غير َأ ِ‬
‫صل اإليمان‪.‬‬ ‫صل ِ‬ ‫ِ‬
‫المنبثقة من َأ ٍ‬ ‫وقي ِمه على جمي ِع ِ‬
‫الق َيم‬ ‫ٰ‬ ‫َ‬
‫الحائدة عن منهج اإليمان‪،‬‬ ‫ِ‬ ‫على قوى األَرض‬
‫وعلى‬‫ٰ‬ ‫االستعالء ٰ‬
‫ُ‬
‫ِ‬
‫تقاليد األَرض ا َّلتي‬ ‫وعلى‬ ‫ِ‬
‫اإليمان‪،‬‬ ‫تنبثق من َأ ِ‬
‫صل‬ ‫قي ِم األَرض ا َّلتي لم ْ‬
‫ٰ‬
‫ُ‬
‫اإليمان‪،‬‬ ‫قوانين األَرض ا َّلتي لم ِّ‬
‫يشر ْعها‬ ‫ِ‬ ‫وعلى‬
‫ٰ‬ ‫ُ‬
‫اإليمان‪،‬‬ ‫لم َي ُص ْغها‬
‫ُ‬
‫اإليمان‪.‬‬ ‫وعلى َأوضا ِع األَرض ا َّلتي لم ُينش ْئها‬
‫ٰ‬
‫ِ‬
‫المال‪،‬‬ ‫ِ‬
‫وفقر‬ ‫ِ‬
‫العدد‪،‬‬ ‫القو ِة‪ ،‬وق َّل ِة‬ ‫ِ‬
‫ضعف‬ ‫االستعالء‪ ُ..‬مع‬
‫َّ‬
‫والكثرة والغنى على الس ِ‬
‫واء‪.‬‬ ‫ِ‬ ‫القو ِة‬ ‫ِ‬
‫َّ‬ ‫ٰ‬ ‫كاالستعالء مع َّ‬
‫ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫لمدرسة ِ‬ ‫الحبشي بعد انتسابِه‬
‫مغوار‪ ،‬يواج ُه‬ ‫صنديد‬ ‫إلى ٍ‬
‫بطل‬ ‫دار األَرق ِم اإليمان َّية‪ٰ ..‬‬ ‫ُّ‬ ‫العبدُ‬ ‫ ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ُفر و َأسيا َدها‪ ..‬في صحراء م َّك َة الحارقة؛‬ ‫ئم َة الك ِ‬
‫فينتصر عليهم باستعالئه بإيمانه في‬ ‫ُ‬ ‫َأ َّ‬
‫اإلسالمي في صدارتِه‪ ..‬ويدخ ُله من َأوس ِع‬ ‫ُّ‬ ‫سج ُل ُه الت ُ‬
‫َّاريخ‬ ‫عظيما‪ُ ،‬ي ِّ‬ ‫ً‬ ‫انتصارا‬
‫ً‬
‫ِ‬
‫ثالثة َأ َّيا ٍم‬
‫باب الجن َِّة َّإل َل ُه‪..‬‬‫فتح ُ‬
‫يدي َمن ال ُي ُ‬‫الخلد بين ْ‬
‫اآلخرة‪ ،‬جن َِّة ُ ِ‬
‫ِ‬ ‫يدخل في ِ‬
‫دار‬ ‫ُ‬ ‫َأبوابِه‪َّ ..‬‬
‫ثم‬
‫ِ‬
‫تم التَّسلي ِم!‬‫الصالة و َأ ُّ‬ ‫فضل َّ‬ ‫عليه َأ ُ‬
‫هممه نحو‬ ‫وشحذ ِ‬ ‫ِ‬ ‫بمبادئ دينِه العظي ِم‪..‬‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫المؤمن‬ ‫ِ‬
‫إيمان‬ ‫ِ‬
‫تجديد‬ ‫مشروع‬ ‫فمشروع س ِّيد ‪‬‬ ‫ ‬
‫ُ‬ ‫ُ‬
‫والرياد َة‬ ‫ِ‬ ‫مستقبل َأ َ‬
‫ٍ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫نهضة ُأ َّمتِه‬
‫ِ‬
‫السياد َة ِّ‬ ‫فضل لها مع شريعة اهلل؛ تضم ُن ِّ‬ ‫وصناعة‬ ‫المجيدة‪..‬‬
‫ائم من الخضو ِع لنمط َّي ِة الواق ِع‬ ‫َّحذير الدَّ َ‬ ‫والسعاد َة في الدَّ ِ‬
‫ارين‪ ..‬والت َ‬
‫ِ‬
‫على المعمورة‪َّ ..‬‬
‫الفاشية‪ ،‬وإنَّما عصر الس ِ‬
‫عادة؛‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫البائسة‬ ‫ِ‬
‫العصور‬ ‫ٍ‬
‫عصر من‬ ‫ِ‬
‫َّقولب في‬ ‫والت ِ‬
‫َّحرير منها‪َ ،‬أو الت‬
‫ُ َّ‬
‫عصر‬
‫ُ‬ ‫بمرحلتيه الم ِّك َّي ِة والمدن َّي ِة؛ هو‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫الفريد‪..‬‬ ‫القرآني‬
‫ِّ‬ ‫ِ‬
‫الجيل‬ ‫عصر‬
‫ُ‬ ‫َّبوي‪..‬‬
‫العصر الن ُّ‬
‫ُ‬ ‫هو‬
‫ٍ‬ ‫ٍ‬
‫القويم‪.‬‬
‫ُ‬ ‫الحكيم‪ ،‬وهد ُيه‬
‫ُ‬ ‫يؤس ُس لحضارة جديدة‪ُ ..‬يظ ُّلها ُ‬
‫شرع اهلل‬ ‫الحق‪ ..‬ا َّلذي ِّ‬
‫اإلسالم ِّ‬
‫‪297‬‬

‫اجتماعي‬ ‫االستعالء ا َّلذي ال يتهاوى َأمام قو ٍة باغي ٍة‪ ،‬وال ُع ٍ‬


‫رف‬
‫ٍّ‬ ‫َ‬ ‫َ َّ‬ ‫ٰ‬ ‫ُ‬
‫ِ‬
‫اإليمان‪.‬‬ ‫َّاس وال سندَ له م َن‬ ‫ٍ‬
‫مقبول عندَ الن ِ‬ ‫وض ٍع‬
‫باطل‪ ،‬وال ْ‬ ‫ٍ‬ ‫وال تشري ٍع‬
‫بات في الجهاد؛ َّإل حال ًة واحد ًة من‬ ‫َّماسك وال َّث ِ‬
‫ِ‬ ‫وليست حال ُة الت‬
‫العظيم‪.‬‬ ‫اإللهي‬ ‫ِ‬
‫االستعالء ا َّلتي يشم ُلها هذا التَّوجي ُه‬ ‫ِ‬
‫حاالت‬
‫ُ‬ ‫ُّ‬
‫۞۞۞‬
‫املنحرف‪:‬‬
‫ِ‬ ‫االستعال ُء على اجملتمع‬
‫ٍ‬
‫دافعة‪ ،‬وال‬ ‫َخ ٍ‬
‫وة‬ ‫مفردة‪ ،‬وال ن ْ‬ ‫ٍ‬ ‫باإليمان ليس مجرد َع ْز ٍ‬
‫مة‬ ‫ِ‬ ‫واالستعال ُء‬
‫َّ َ‬ ‫َ‬
‫ِ‬
‫المركوز في‬ ‫الحق ال َّث ِ‬
‫ابت‬ ‫القائم على ِّ‬ ‫فائرة؛ إنَّما هو االستعال ُء‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬
‫حماسة‬
‫ُ‬
‫منطق القو ِة‪ ،‬وتصو ِر ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ِ‬
‫واصطالح‬ ‫البيئة‪،‬‬ ‫ُّ‬ ‫الحق الباقي ورا َء ِ َّ‬ ‫الوجود‪ِّ ،‬‬ ‫طبيعة‬
‫يموت‪.‬‬
‫ُ‬ ‫الحي ا َّلذي ال‬ ‫ٌ‬
‫موصول باهلل‬ ‫َّاس؛ ألَنَّه‬ ‫ِ‬
‫وتعارف الن ِ‬ ‫المجتمع‪،‬‬
‫ِّ‬
‫احق‪ ،‬ووزنَه‬ ‫الس َ‬ ‫السائدَ ‪ ،‬و ُعر َفه العا َّم‪ ،‬وضغ َطه َّ‬ ‫إن للمجتم ِع منط َقه َّ‬ ‫َّ‬
‫ركين‪ ،‬وعلى من يواجهه بال ٍ‬
‫سند‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬
‫بركن‬ ‫ليس يحتمي منه‬ ‫ال َّث َ‬
‫ُ‬ ‫ٰ َ‬ ‫على َمن َ‬‫قيل ٰ‬
‫يصعب‬ ‫ائعة إيحاؤهما ا َّلذي‬ ‫الش ِ‬
‫فكار َّ‬‫ائدة واألَ ِ‬ ‫رات الس ِ‬ ‫متين‪ ..‬وللتَّصو ِ‬ ‫ٍ‬
‫ُ‬ ‫َّ‬ ‫ُّ‬
‫ٍ‬ ‫ِ‬ ‫ص منه ِ‬
‫رات‬ ‫على حقيقة تَص ُغ ُر في ظ ِّلها تلك الت ُّ‬
‫َّصو ُ‬ ‫االستقرار ٰ‬ ‫بغير‬ ‫التَّخ ُّل ُ‬
‫ِ‬ ‫ٍ‬ ‫ِ‬
‫كبر و َأ ٰ‬
‫قوى‪.‬‬ ‫مصدرها و َأ َ‬ ‫على من‬‫مصدر َأ ٰ‬ ‫واالستمداد من‬ ‫واألَ ُ‬
‫فكار‪،‬‬
‫ائد‪ ،‬و ُعرفِه العا ِّم‪،‬‬ ‫ْطقه الس ِ‬
‫َّ‬
‫وجه المجتمع‪ ،‬ومن ِ‬ ‫ِ‬ ‫وا َّلذي ُ‬
‫يقف في‬
‫يشعر‬
‫ُ‬ ‫وتصوراتِه‪ ،‬وانحرافاتِه ونزواتِه‪..‬‬ ‫ُّ‬ ‫فكاره‬ ‫وق َي ِمه واعتباراتِه‪ ،‬و َأ ِ‬
‫ٍ‬ ‫ِ‬ ‫بال ُغ ِ‬
‫َّاس‪،‬‬ ‫قوى من الن ِ‬‫إلى سند َأ ٰ‬ ‫بالوهن‪ ،‬ما لم يك ْن يستندُ ٰ‬ ‫يشعر‬
‫ُ‬ ‫ربة كما‬
‫ِ‬
‫الحياة‪.‬‬ ‫ثبت من األَرض‪ ،‬و َأكر َم م َن‬ ‫و َأ َ‬
‫‪298‬‬
‫غط‪ ،‬وينو ُء به ال ِّث ُ‬
‫قل‪ ،‬ويهدُّ ه‬ ‫الض َ‬ ‫واهللُ ال ُ‬
‫يترك المؤم َن وحيدً ا يواج ُه َّ‬
‫ثم يجي ُء هذا التَّوجي ُه‪:‬‬ ‫والح ُ‬
‫زن‪ ،‬ومن َّ‬ ‫الوه ُن ُ‬
‫﴿ﮫﮬﮭﮮﮯﮰﮱﯓﯔ﴾ [آل عمران‪.]139 :‬‬
‫َ‬
‫الحزن‪ ،‬هما‬ ‫يجي ُء هذا التَّوجي ُه ليواج َه الوه َن كما يواج ُه‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫يواجههما‬
‫ُ‬ ‫َّفس في هذا المقا ِم‪..‬‬ ‫الشعوران المباشران ال َّلذان ُيساوران الن َ‬ ‫ُّ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ينظر من َع ٍل‬‫الص ِبر وال َّثبات‪ ،‬االستعالء ا َّلذي ُ‬ ‫بمجرد َّ‬ ‫َّ‬ ‫باالستعالء ال‬
‫ِ‬
‫واالعتبارات‬ ‫الش ِ‬
‫ائعة‪،‬‬ ‫ائدة‪ ،‬والتَّصو ِ‬
‫رات َّ‬ ‫والقيم الس ِ‬ ‫إلى القو ِة ال َّطاغي ِة‪ِ ،‬‬
‫ُّ‬ ‫َ َّ‬ ‫َّ‬ ‫َّ‬
‫الض ِ‬
‫الل‪.‬‬ ‫ِ‬
‫المتجمعة على َّ‬ ‫ِ‬
‫والجماهير‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫واألَوضا ِع والتَّقاليد والعادات‪،‬‬
‫ِّ‬
‫وسلوكه‪:‬‬
‫ِ‬ ‫املؤمن يف عقيدِته‬
‫علو ِ‬ ‫ُّ‬
‫ُ‬
‫تكون‬ ‫ومصدرا‪ ..‬فما‬
‫ً‬ ‫على‪ ..‬األَ ٰ‬
‫على سندً ا‬ ‫المؤمن هو األَ ٰ‬
‫َ‬ ‫إن‬
‫َّ‬
‫السائد ُة في األَرض؟‬ ‫ُ ِ‬ ‫ُ‬ ‫رض ك ُّلها؟ وما‬ ‫األَ ُ‬
‫تكون الق َي ُم َّ‬ ‫َّاس؟ وما‬
‫يكون الن ُ‬
‫يرجع‪،‬‬
‫ُ‬ ‫الشائع ُة عند الن ِ‬
‫َّاس؟ وهو من اهلل يتل َّق ٰى‪ ،‬وإلى اهلل‬ ‫واالعتبارات َّ‬
‫ُ‬
‫يسير؟‬
‫وعلى منهجه ُ‬ ‫ٰ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ُ‬
‫فاإليمان‬ ‫الوجود‪..‬‬ ‫لحقيقة‬ ‫وتـصـو ًرا‬
‫ُّ‬ ‫وهـو األَ ٰ‬
‫عـلى إدراكًـا‬
‫ٍ‬
‫صورة‬ ‫الواحد في هذه الص ِ‬
‫ورة ا َّلتي جا َء بها اإلسال ُم هو َأ ُ‬
‫كمل‬ ‫ِ‬ ‫باهلل‬
‫ُّ‬
‫الركا ِم‬ ‫إلى َ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ذلك ُّ‬ ‫الصور ُة ٰ‬‫تقاس هذه ُّ‬ ‫الكبرى‪ ،‬وحين ُ‬
‫ٰ‬ ‫بالحقيقة‬ ‫للمعرفة‬
‫الفلسفات‬
‫ُ‬ ‫جاءت به‬
‫ْ‬ ‫ِ‬
‫والمذاهب‪ ،‬سوا ٌء ما‬ ‫ِ‬
‫والعقائد‬ ‫من التَّصو ِ‬
‫رات‬ ‫ُّ‬
‫المحرف ُة‪،‬‬
‫َّ‬ ‫انتهت إليه العقائدُ الوثن َّي ُة والكتاب َّي ُة‬ ‫ْ‬ ‫قديما‪ ،‬وما‬
‫ً‬ ‫الكبرى‬
‫ٰ‬
‫الصور ُة‬‫اس هذه ُّ‬ ‫المذاهب الما ِّد َّي ُة الكالح ُة‪ ..‬حين ُت َق ُ‬
‫ُ‬ ‫َ (‪)1‬‬
‫تسفتْه‬
‫وما ا ْع َ‬
‫ف فِي َاأل ْم ِر‪ ،‬أي‪َ :‬ف َع َل ُه ِم ْن َغ ْي ِر َت ْف ِك ٍير َو َال َر ِو َّي ٍة‪ .‬والمعنى‪:‬‬
‫((( «ا ْعت ََس َفه»‪ :‬استخد َم ُه‪ ،‬وا ْعت ََسفَ ‪ :‬ع ََس َ‬
‫ْاستخدمته و َم َشت به على غير ُهدً ى ‪.‬‬
‫‪299‬‬
‫ِ‬
‫وهذه‬ ‫الركا ِم‬
‫ذلك ُّ‬ ‫َ‬ ‫المشرق ُة الواضح ُة الجميل ُة المتناسق ُة‪ٰ ،‬‬
‫إلى‬
‫قط‪ .‬وما من‬ ‫فات‪ ،‬تتج َّل ٰى عظم ُة العقيدة اإلسالم َّية كما لم َتت ََج َّل ُّ‬ ‫التَّعس ِ‬
‫ُّ‬
‫كل َمن هناك(‪.)1‬‬ ‫على ِّ‬ ‫َ‬
‫علون ٰ‬ ‫يعرفون هذه المعرف َة هم األَ‬
‫َ‬ ‫شك َأ َّن ا َّلذي َن‬ ‫ٍّ‬
‫ِ‬
‫والموازين ا َّلتي تُوز َُن بها الحيا ُة‬ ‫تصو ًرا للقي ِم‬
‫ُّ‬ ‫وهو األَ ٰ‬
‫على‬
‫ِ‬ ‫شياء واألَ‬
‫المعرفة‬ ‫شخاص» فالعقيد ُة المنبثق ُة عن‬ ‫ُ‬ ‫حداث واألَ ُ‬
‫ُ‬ ‫و«األَ‬
‫بحقائق ِ‬
‫الق َيم في‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫المعرفة‬ ‫باهلل‪ ،‬بصفاتِه كما جا َء بها اإلسال ُم‪ ،‬ومن‬
‫الص ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫غير‪.‬‬ ‫الكبير ال في ميدان األَرض َّ‬ ‫الوجود‬
‫على‬ ‫تصو ًرا للقي ِم َأ ٰ‬ ‫ُّ‬ ‫تمنح المؤم َن‬ ‫َ‬ ‫شأنها َأ ْن‬ ‫هذه العقيد ُة من ْ‬
‫َ‬
‫يدركون‬ ‫البشر‪ ،‬ا َّلذين ال‬ ‫ِ‬ ‫المختلفة في َأيدي‬‫ِ‬ ‫ِ‬
‫الموازين‬ ‫تلك‬‫ضبط من َ‬ ‫و َأ َ‬
‫الواحد؛‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫الجيل‬ ‫واحد في‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬
‫ميزان‬ ‫على‬ ‫قدامهم‪ ،‬وال َيث ُب َ‬ ‫تحت َأ ِ‬ ‫َّإل ما َ‬
‫تون ٰ‬
‫إلى ٍ‬
‫حين‪.‬‬ ‫الواحدة من ٍ‬ ‫ِ‬ ‫الواحدة؛ بل في الن ِ‬ ‫ِ‬ ‫بل في األُ َّمة‬
‫حين ٰ‬ ‫َّفس‬
‫فإن عقيدتَه‬ ‫وخـلـ ًقا وسلوكًا؛ َّ‬ ‫وشـعورا‪ُ ،‬‬ ‫ً‬ ‫ضميرا‬ ‫ً‬ ‫وهو األَ ٰ‬
‫على‬
‫ثلى‪ ،‬هي بذاتِها موحي ٌة‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫الم ٰ‬ ‫والصفات ُ‬ ‫ِّ‬ ‫سنى‪،‬‬
‫الح ٰ‬ ‫في اهلل ذي األَسماء ُ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫والخالفة‬ ‫الص ِ‬
‫الح‬ ‫والعمل َّ‬ ‫بالرفعة والنَّظافة وال َّطهارة والع َّفة والت ٰ‬
‫َّقوى‪،‬‬ ‫ِّ‬
‫اآلخرة‪ ،‬الجزاءِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫على إيحاء العقيدة عن الجزاء في‬ ‫ِ‬ ‫ً‬ ‫ِ‬
‫فضل ٰ‬ ‫الراشدة‪.‬‬ ‫َّ‬
‫ضمير‬ ‫ُ‬ ‫متاعب الدُّ نيا وآال ُمها جمي ًعا‪ ،‬ويطمئ ُّن إليه‬ ‫ُ‬ ‫تهون َأما َمه‬
‫ُ‬ ‫ا َّلذي‬
‫ٍ‬
‫نصيب‪.‬‬ ‫الحياة الدُّ نيا ِ‬
‫بغير‬ ‫ِ‬ ‫خرج من‬ ‫ِ‬
‫المؤمن‪ ،‬ولو َ‬
‫كل مـا‬ ‫يراجـع المؤمـ ُن َّ‬ ‫ُ‬ ‫ونظامـا‪ ،‬وحيـن‬ ‫ً‬ ‫علـى شـريع ًة‬ ‫وهـو األَ ٰ‬
‫ِ‬ ‫إلى شـريعتِه‬
‫ونظامه‪ ،‬فسـيرا ُه‬ ‫قديمـا وحدي ًثا‪ ،‬ويق ْي ُسـه ٰ‬ ‫عرفتْـه البشـر َّي ُة ً‬

‫(الم َؤ ِّلف)‪.‬‬
‫َّصور اإلسالمي ومقوماته» ُ‬
‫((( ُيراجع‪ :‬فصل (تيه وركام) في كتاب‪« :‬خصائص الت ُّ‬
‫‪300‬‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ٍ‬
‫ِ‬
‫جانـب‬ ‫ك َّلـ ُه َأشـ َبه شـيء بمحـاوالت األَطفـال وخ ْبـط ال ُع ْميـان‪ٰ ،‬‬
‫إلـى‬
‫الضا َّل ِة من‬
‫وسـينظر إلى البشـر َّي ِة َّ‬
‫ُ‬ ‫ِ‬
‫الكامل‪،‬‬ ‫ِ‬
‫َّاضجـة والنِّظـا ِم‬ ‫ِ‬
‫ـريعة الن‬ ‫َّ‬
‫الش‬
‫نفسـه َّإل‬ ‫وشـ ْقوتها‪ ،‬وال يجدُ في ِ‬ ‫بؤسـها ِ‬‫وإشـفاق على ِ‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬
‫عطف‬ ‫ٍ‬
‫عل في‬
‫ٰ‬
‫والض ِ‬
‫الل‪.‬‬ ‫ـقوة َّ‬ ‫الش ِ‬ ‫علـى ِّ‬ ‫االسـتعال َء‬
‫ٰ‬
‫۞۞۞‬
‫ِ‬
‫الجوفاء‪،‬‬ ‫ِ‬
‫المظاهر‬ ‫يقفون َأمام‬
‫َ‬ ‫المسلمون األَ ُ‬
‫وائل‬ ‫َ‬ ‫وهكذا كان‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫المتن ِّفجة(‪ ،)1‬واالعتبارات ا َّلـتـي كـانـت تتع َّبدُ الن َ‬
‫َّاس في‬ ‫والقـوى ُ‬
‫الجاهل َّية‪ ..‬والجاهل َّي ُة ليست فتر ًة من الز ِ‬
‫َّمان‪ ،‬وإنَّما هي حال ٌة من‬
‫المجتمع عن نهجِ اإلسالم‪ ،‬في الماضي‬ ‫انحرف‬ ‫تتكر ُر ك َّلما‬ ‫ِ‬
‫ُ‬ ‫َ‬ ‫الحاالت َّ‬
‫السواء‪..‬‬ ‫ِ‬
‫والمستقبل على َّ‬ ‫ِ‬
‫والحاضر‬
‫۞۞۞‬
‫بن َ‬
‫شعبة‪:‬‬ ‫ٌ‬
‫وموقف للمغريِة ِ‬ ‫اإلميان‪،‬‬
‫ِ‬ ‫استعال ُء‬

‫وضاعها‬‫ِ‬ ‫ِ‬
‫صور الجاهل َّية و َأ‬ ‫وقف المغير ُة ب ُن ُشعب َة َأما َم‬ ‫َ‬ ‫هكذا‬
‫ِ‬
‫المشهور‪( :‬عن َأبي‬ ‫معسكر رستم ِ‬
‫قائد ال ُف ِ‬
‫رس‬ ‫ِ‬ ‫وتصوراتِها في‬ ‫ِ‬
‫وقيمها‬
‫َ‬ ‫ُّ‬
‫إلى َأ ِ‬ ‫ِ‬
‫فارس‬
‫هل َ‬ ‫لما جا َء المغير ُة إلى ال َقنطرة‪ ،‬فع َبرها ٰ‬ ‫َّهدي قال‪َّ :‬‬
‫عثمان الن ِّ‬ ‫َ‬
‫رستم في إجازتِه‪ ،‬ولم ُيغ ِّيروا شي ًئا من شارتِهم‬ ‫َ‬ ‫ْ‬
‫واستأذنوا‬ ‫َأ ُ‬
‫جلسوه‪،‬‬
‫قبل المغير ُة ب ُن شعب َة والقو ُم في ِز ِّيهم‪ ،‬عليهم الت ُ‬
‫ِّيجان‬ ‫تقوي ًة لتهاونِهم‪َ ،‬فأ َ‬
‫هب‪ ،‬وبسطهم على َغ ْلو ًة ـ وال َغلوةُ‪ :‬مساف ُة ِ‬
‫رمية‬ ‫ٰ‬ ‫بالذ ِ ُ ُ‬ ‫ياب المنسوج ُة َّ‬ ‫وال ِّث ُ‬
‫إلى صاحبِهم حت َّٰى‬ ‫طوة ـ ال ُ‬ ‫مئة ُخ ِ‬ ‫مئة َأو َأرب ِع ِ‬
‫بثالث ِ‬
‫ِ‬ ‫سه ٍم وتقدَّ ر‬
‫يصل ٰ‬
‫(( ( «المتن ِّف ِ‬
‫جة» ‪َ :‬ن َف ْج ُت الشي َء فانْتفج؛ َأي‪ :‬ر َفعتُه وع َّظ ْمتُه‪ .‬فمعناه‪ :‬التَّعا ُظم والتَّك ُّبـر ُ‬
‫والخ َيالء‪.‬‬ ‫ُ‬
‫‪301‬‬
‫ِ‬ ‫يمشي على َغ ٍ‬
‫جلس‬‫ضفائر يمشي؛ حت َّٰى َ‬
‫َ‬ ‫قبل المغير ُة ول ُه َأ ُ‬
‫ربع‬ ‫لوة‪ ،‬و َأ َ‬ ‫َ ٰ‬
‫فترتروه و َأنز ُلوه ومغ ُثوه(‪ ،)1‬فقال‪:‬‬ ‫سريره ووسادتِه‪ ،‬فوثبوا ِ‬
‫عليه‬ ‫ِ‬ ‫على‬
‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫ٰ‬
‫معشر‬
‫َ‬ ‫رى قو ًما َأسف َه منكُم‪ ،‬إنا‬ ‫عنكم األَحال ُم‪ ،‬وال َأ ٰ‬
‫ُ‬ ‫كانت تَب ُل ُغنا‬
‫ْ‬
‫يكون محار ًبا لصاحبِه‪،‬‬ ‫َ‬ ‫بعضا‪َّ ،‬إل َأ ْن‬
‫بعضنا ً‬ ‫العرب سوا ٌء ال يستعبدُ ُ‬ ‫ِ‬
‫نتواسى‪ ،‬وكان َأحس َن من ا َّلذي‬ ‫ٰ‬ ‫تواسون قو َمكم كما‬‫َ‬ ‫فظننت َأنَّكم‬ ‫ُ‬
‫مر ال‬‫بعض‪ ،‬و َأ َّن هذا األَ َ‬ ‫ٍ‬ ‫بعضكم َأ ُ‬
‫رباب‬ ‫صنعتُم َأن تخبرونِي َأ َّن َ‬
‫دعوتموني‪ ..‬اليو َم‬
‫ُ‬ ‫يستقيم فيكُم‪ ،‬فال نصن َعه‪ ..‬ولم آتِكُم‪ ،‬ولك ْن‬ ‫ُ‬
‫مغلوبون‪ ،‬و َأ َّن ُم ْلكًا ال يقو ُم ٰ‬
‫على‬ ‫َ‬ ‫مضمحل‪ ،‬و َأنَّكم‬
‫ٌّ‬ ‫علمت َأ َّن َأ َ‬
‫مركم‬ ‫ُ‬
‫ِ‬
‫العقول)‪.‬‬ ‫يرة‪ ،‬وال على ِ‬
‫هذه‬ ‫هذه الس ِ‬
‫ٰ‬ ‫ِّ‬
‫عامر‪:‬‬
‫بن ٍ‬ ‫لربعي ِ‬
‫ِّ‬ ‫ٌ‬
‫موقف‬
‫قبـل ِ‬
‫وقعة‬ ‫رسـتم هذا وحاشـيتِه َ‬ ‫عامر مع‬ ‫ربعـي ب ُن ٍ‬ ‫وقف‬
‫كذلـك َ‬
‫َ‬ ‫ُّ‬
‫ربعـي ب َن ٍ‬
‫عامر‬ ‫َّ‬ ‫قبل القادسـ َّي ِة‬ ‫وقاص َ‬ ‫ٍ‬ ‫رسـل سـعدُ ب ُن َأبي‬ ‫القادسـ َّي ِة‪َ ( :‬أ َ‬
‫فدخـل ِ‬
‫عليه‬ ‫َ‬ ‫ميرهـم؛‬ ‫الجيـوش الفارسـ َّي ِة و َأ ِ‬ ‫ِ‬ ‫رسـول إلـى رسـتم ِ‬
‫قائـد‬ ‫ً‬
‫َ‬ ‫ٰ‬
‫ِ (‪)2‬‬ ‫ِ‬
‫اليواقيت‬
‫َ‬ ‫الحريـر ‪ ،‬و َأ َ‬
‫ظهـر‬ ‫رابـي‬
‫والز ِّ‬ ‫َّمـارق َّ‬ ‫مجلسـه بالن‬
‫َ‬ ‫وقـد ز َّينـوا‬
‫مينة‪،‬‬ ‫متعة ال َّث ِ‬
‫وعليه تاجه‪ ،‬وغير ذلك مـن األَ ِ‬ ‫ِ‬ ‫لـئ ال َّثمين َة العظيمـ َة‪،‬‬ ‫َّ‬
‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫والل َ‬
‫بثياب ص ٍ‬ ‫ٍ‬
‫س‬ ‫فيقـة وت ُْر ٍ‬ ‫ٍ َ‬ ‫ربعـي‬
‫ٌّ‬ ‫َ‬
‫ودخل‬ ‫سـرير مـن ٍ‬
‫ذهب‪،‬‬ ‫على‬
‫جلس ٰ‬ ‫وقـد َ‬
‫ِ‬
‫البسـاط‪،‬‬ ‫طرف‬‫يـزل راكبهـا حتَّى داس بهـا على ِ‬ ‫قصيـرة‪ ،‬ولم ْ‬ ‫ٍ‬ ‫س‬ ‫و َف َـر ٍ‬
‫ٰ‬ ‫ٰ َ‬ ‫َ‬
‫سلاحه وبيضتُه‬ ‫الوسـائد‪ ،‬وأق َب َـل وعليه‬ ‫ِ‬ ‫ببعـض َ‬
‫تلك‬ ‫ِ‬ ‫ثـم َ‬
‫نـزل ورب َطها‬
‫ُ‬

‫(الم َؤ ِّلف)‪.‬‬
‫حركوه وزعزعُوه‪« .‬ومغثوه » ‪ :‬صرعُوه ُ‬
‫«ترتروه» ‪َّ :‬‬
‫((( ُ‬
‫(الم َؤ ِّلف)‪.‬‬
‫َّرابي» ‪ :‬ال ُبسط المخملة ُ‬
‫(((« الن ََّمارق » ‪ :‬الوسائد والحشايا لالتِّكاء‪ .‬و«الز ُّ‬
‫‪302‬‬

‫سلاح َك‪ .‬فقـال‪ :‬إنِّي لـم آتِكـم‪ ،‬وإنَّما‬


‫َ‬ ‫ـع‬ ‫ِ‬
‫علـى ر ْأسـه‪ .‬فقالـوا لـه‪َ :‬ض ْ‬
‫ٰ‬
‫رجعـت‪ُ .‬‬
‫فقال‬ ‫ُ‬ ‫تركتمونـي هكـذا َّ‬
‫وإل‬ ‫ُ‬ ‫جئتُكـم حيـن َد َعوت ُُمونـي‪ْ ،‬‬
‫فـإن‬
‫فخـرق‬ ‫ِ‬
‫َّمـارق‬ ‫قبـل يتـوك َُّأ علـى ِ‬
‫رمحـه َ‬
‫فـوق الن‬ ‫رسـتم‪ :‬ائذنُـوا لـه‪َ .‬فأ َ‬
‫َّ‬ ‫ٰ‬ ‫ُ‬
‫ُخـرج من‬
‫َ‬ ‫رسـتم‪ :‬مـا جـا َء بكـم؟ َ‬
‫فقـال‪ :‬اهللُ ابتعثنا لن‬ ‫ُ‬ ‫عا َّمتهـا‪َ .‬‬
‫فقـال له‬
‫ِ‬
‫سـعة‬ ‫إلى‬ ‫ِ‬
‫عبـادة اهلل وحـدَ ُه‪ ،‬ومن ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ضيق الدُّ نيا ٰ‬ ‫إلى‬
‫شـاء مـن عبـادة العباد ٰ‬
‫َ‬
‫ِ‬
‫إلى عدل اإلسلام) ‪.‬‬ ‫ـور األَ ِ‬ ‫ِ‬
‫الدُّ نيـا واآلخـرة‪ ،‬ومـن َج ِ‬
‫ديـان ٰ‬
‫۞۞۞‬
‫اجلمر‪:‬‬
‫ِ‬ ‫ُ‬
‫القابض على‬ ‫ُ‬
‫املؤمن‬
‫المجر ِد من‬
‫َّ‬ ‫ِ‬
‫المغلوب‬ ‫َ‬
‫موقف‬ ‫المسلم‬
‫ُ‬ ‫ُ‬
‫ويقف‬ ‫وتتبدَّ ُل األَ ُ‬
‫حوال‬
‫إلى غالبِه من ٍ‬
‫عل‬ ‫وينظر ٰ‬ ‫ُ‬ ‫على‪،‬‬‫شعوره َبأنَّه األَ ٰ‬
‫ُ‬ ‫القو ِة الما ِّد َّي ِة؛ فال يفار ُقه‬
‫َّ‬
‫مفر منها‪،‬‬‫كر ًة ال َّ‬ ‫ِ‬
‫لإليمان َّ‬ ‫وتمضي‪َ ،‬‬
‫وأ َّن‬ ‫ْ‬ ‫ويستيقن َأنَّها فتر ٌة‬
‫ُ‬ ‫ما دا َم مؤمنًا‪،‬‬
‫يموتون‪،‬‬
‫َ‬ ‫َّاس ك َّلهم‬ ‫إن الن َ‬
‫رأ ًسا‪َّ ،‬‬ ‫كانت القاضي َة؛ فإنَّه ال يحنِي لها ْ‬ ‫ِ‬ ‫وه ْبها‬‫َ‬
‫ِ‬ ‫يغادر هذه األَ َ‬
‫يغادرها‬
‫ُ‬ ‫رض إلى الجنَّة‪ ،‬وغال ُبه‬ ‫ُ‬ ‫َأ َّما هو ف ُيست َ‬
‫َشهدُ ‪ ،‬وهو‬
‫يسمع ندا َء ر ِّب ِه الكري ِم‪:‬‬
‫ُ‬ ‫َّان‪ ..‬وهو‬ ‫َّان شت َ‬
‫َّار‪ .‬وشت َ‬ ‫إلى الن ِ‬

‫﴿ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ * ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ‬
‫ﮌﮍ ﮎ ﮏ * ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ‬
‫ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ﴾‬
‫[آل عمران‪ 196 :‬ـ ‪.]198‬‬
‫مغاير‬
‫ٌ‬ ‫وضاع ك ُّلها‬
‫ٌ‬ ‫وقيم و َأ‬
‫ٌ‬ ‫رات‬
‫وتصو ٌ‬
‫ُّ‬ ‫المجتمع عقائدُ‬
‫َ‬ ‫وتسو ُد‬
‫شعوره َبأنَّه األَ ٰ‬
‫على‪،‬‬ ‫ُ‬ ‫وقيمه وموازينِه؛ فال يفار ُقه‬
‫ِ‬ ‫وتصو ِره‬
‫ُّ‬ ‫لعقيدتِه‬
‫‪303‬‬
‫ٍ‬
‫كرامة‬ ‫إليهم من ٍ‬
‫عل في‬ ‫وينظر‬ ‫ون‪،‬‬ ‫ِ‬
‫الموقف الدُّ ِ‬ ‫ِ‬
‫هؤالء ك َّلهم في‬ ‫َ‬
‫وبأ َّن‬
‫ْ‬ ‫ُ‬
‫ِ‬
‫الخير‬ ‫ورغبة في هدايتِهم إلى‬
‫ٍ‬ ‫ٍ‬
‫وعطف‪،‬‬ ‫ٍ‬
‫رحمة كذلك‬ ‫ٍ‬
‫واعتزاز‪ ،‬وفي‬
‫فق ا َّلذي ُ‬
‫يعيش فيه‪.‬‬ ‫ِ‬
‫ورفعهم إلى األُ ِ‬ ‫ا َّلذي م َعه‪،‬‬
‫ريشـه‪ ،‬وت ُ‬
‫ُحيط‬ ‫ويرفع صوتَه وين ُف ُش َ‬
‫ُ‬ ‫ـب‪،‬‬ ‫الباطل و َي َ‬
‫صخ ُ‬ ‫ُ‬ ‫ضـج‬
‫و َي ُّ‬
‫ترى‬ ‫ِ‬
‫والبصائر؛ فال ٰ‬ ‫ِ‬
‫بصـار‬ ‫ُغشـي على األَ‬
‫الهـاالت المصطنع ُة ا َّلتي ت ِّ‬
‫ُ‬ ‫به‬
‫وينظر‬
‫ُ‬ ‫كالح لئيـ ٍم‪..‬‬ ‫ـائ ٍه(‪ )1‬دمي ٍم‪ ،‬و َف ْج ٍ‬
‫ـر ٍ‬ ‫ـح َش ِ‬ ‫ِ‬
‫الهـاالت من ُق ْب ٍ‬ ‫مـا ورا َء‬
‫ِ‬
‫المخدوعة؛‬ ‫ِ‬
‫المنتفش‪ ،‬وإلـى الجمـو ِع‬ ‫ِ‬
‫الباطـل‬ ‫المؤمـ ُن مـن َع ٍل إلـى‬
‫الحـق ا َّلـذي م َعـه‪،‬‬
‫ِّ‬ ‫إصـراره علـى‬
‫ُ‬ ‫ينقـص‬
‫ُ‬ ‫ُ‬
‫يحـزن‪ ،‬وال‬ ‫فلا َي ِهـ ُن وال‬
‫ِ‬
‫هداية‬ ‫َ‬
‫كذلك فـي‬ ‫تضعـف رغبتُه‬
‫ُ‬ ‫َّهـج ا َّلـذي يتَّب ُعه‪ ،‬وال‬
‫وثباتُـه على الن ِ‬
‫الضا ِّليـ َن والمخدوعي َن(‪.)2‬‬
‫َّ‬
‫ِ‬
‫الخليعة‪،‬‬ ‫ويمضي مع نزواتِه‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫الهابطة‪،‬‬ ‫المجتمع في شهواتِه‬ ‫ُ‬
‫ويغرق‬
‫ُ‬
‫وينطلق من األَ ِ‬
‫غالل‬ ‫ُ‬ ‫يستمتع‬
‫ُ‬ ‫ين‪ ،‬حاس ًبا َأنَّه‬‫بالوحل وال ِّط ِ‬
‫ِ‬ ‫ويلصق‬
‫ُ‬
‫ٍ‬
‫حالل‪،‬‬ ‫وكل ط ِّي ٍبة‬ ‫متعة ٍ‬
‫بريئة‪ُّ ،‬‬ ‫كل ٍ‬ ‫والقيود‪ ،‬وت َِع ُّز في ِ‬
‫مثل هذا المجتمع ُّ‬ ‫ِ‬

‫ِ‬ ‫(( ( َ ِ‬
‫الوجه‪.‬‬ ‫رجل َأ ْش َو ُه‪ُ :‬‬
‫قبيح‬ ‫شو َه‪ٌ .‬‬‫«شائه» ‪ :‬من َّ‬
‫رخيصا‬
‫ً‬ ‫تعالى لس ِّي ٍد ُق ُطب ‪َ ‬أن يتمثل هذه الفكرة في واقعه حياته؛ فقد بذل حياته ثمنًا‬
‫كتب اهلل ٰ‬
‫َ‬ ‫((( ‬
‫استعلى‬
‫ٰ‬ ‫اعتذارا لقاتله‪ ..‬كان من الممكن َأن ينقذ حياته بذلك‪ ،‬ولكنَّه‬
‫ً‬ ‫ألَفكاره‪ ..‬ورفض َأن يقدم‬
‫بإيمانه‪ ..‬ور َأها رخيصة َأمام عزَّ ة نفسه‪ ..‬وها نحن اليوم نتعلم منه هذا الفقه َّ‬
‫السديد؛ نتعلمه نظر ًيا‬
‫يقدمها لنا من فكره وقلمه‪ ،‬ونتعلمه تطبي ًقا من واقعه ومواقفه العظيمة؛ لذلك بقيت هذه الفكرة‬
‫على قيد الحياة‪ ..‬ولم تمت بموته‪ ،‬وكيف ال‪ ..‬وهو القائل‪( :‬كل فكرة عاشت قد اقتاتت قلب‬ ‫ٰ‬
‫شبرا‬
‫ً‬ ‫بالبشرية‬ ‫تدفع‬ ‫ولم‬ ‫ميتة‪،‬‬ ‫لدت‬‫و‬‫ُ‬ ‫فقد‬ ‫س‪،‬‬ ‫المقدَّ‬ ‫الغذاء‬ ‫هذا‬ ‫م‬ ‫ع‬
‫ُ َْ‬‫ْ‬
‫ط‬ ‫ت‬ ‫لم‬ ‫تي‬ ‫َّ‬
‫ل‬ ‫ا‬ ‫فكار‬‫َ‬ ‫األ‬ ‫ا‬ ‫م‬
‫َّ‬ ‫َ‬
‫أ‬ ‫إنسان‪..‬‬
‫واحدً ا إلى األَمام) « َأفراح الروح» رسالة بعث بها إلى ُأخته َأمينة قطب‪.‬‬
‫‪304‬‬

‫وينظر المؤم ُن‬


‫ُ‬ ‫الوح ُل وال ِّطي ُن‪.‬‬
‫وإل ْ‬ ‫يبقى َّإل َ‬
‫الم ْش َر ُع(‪ )1‬اآلس ُن‪َّ ،‬‬ ‫وال ٰ‬
‫ين‪ ..‬وهو ُم ْف َر ٌد وحيدٌ ؛‬ ‫اللصقي َن بال ِّط ِ‬ ‫ِ‬
‫الوحل َّ‬ ‫من َع ٍل إلى الغارقي َن في‬
‫َّظيف ال َّطاهر‪،‬‬
‫يخلع ردا َءه الن َ‬
‫َ‬ ‫نفسه َأ ْن‬ ‫ُ‬
‫يحزن‪ ،‬وال تراو ُده ُ‬ ‫فال يه ُن وال‬
‫ِ‬
‫اليقين‪.‬‬ ‫ولذ ِة‬ ‫ِ‬
‫اإليمان َّ‬ ‫ِ‬
‫بمتعة‬ ‫على‬ ‫وينغمس في الح َ ِ‬
‫مأة‪ ،‬وهو األَ ٰ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫الجمر في المجتمع‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫كالقابض على‬ ‫على دينِه‬‫قابضا ٰ‬ ‫ويقف المؤم ُن ً‬‫ُ‬
‫ِ‬
‫االهتمامات‬ ‫الفضيلة‪ ،‬وعن ِ‬
‫الق َيم ال ُعليا‪ ،‬وعن‬ ‫ِ‬ ‫عن الدِّ ين‪ ،‬وعن‬ ‫الش ِ‬
‫ارد ِ‬ ‫َّ‬
‫َ‬
‫اآلخرون هازئي َن‬ ‫ويقف‬
‫ُ‬ ‫ٌ‬
‫جميل‪..‬‬ ‫نظيف‬
‫ٌ‬ ‫طاهر‬ ‫كل ما هو‬‫َّبيلة‪ ،‬وعن ِّ‬‫الن ِ‬
‫ٌ‬
‫تصوراتِه‪ ،‬ضاحكي َن من ِق َي ِمه‪ ..‬فما َي ِه ُن المؤم ُن‬ ‫بو ْقفته‪ ،‬ساخري َن من ُّ‬
‫ِ‬

‫يقول‬ ‫والضاحكي َن‪ ،‬وهو ُ‬ ‫الساخري َن والهازئي َن َّ‬ ‫عل إلى َّ‬ ‫ينظر من ٍ‬ ‫وهو ُ‬
‫ِ‬
‫اإليمان‬ ‫ِ‬
‫موكب‬ ‫هط الكرا ِم ا َّلذي َن سب ُقوه في‬ ‫قال واحدٌ من الر ِ‬ ‫كما َ‬
‫َّ‬
‫الل ِ‬ ‫ِ‬
‫الوضيء‪ ،‬في ال َّط ِ‬ ‫ِ‬
‫نوح ‪:‬‬ ‫حب ال ِّطويل‪ٌ ،‬‬ ‫ريق َّ‬ ‫العريق‬
‫﴿ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ﴾ [هود‪.]38 :‬‬
‫ِ‬
‫البائسـة‬ ‫ِ‬
‫القافلـة‬ ‫ِ‬
‫الوضـيء‪ ،‬ونهايـ َة‬ ‫ِ‬
‫الموكـب‬ ‫يـرى نهايـ َة‬ ‫وهـو‬
‫ٰ‬
‫تعالى‪:‬‬
‫ٰ‬ ‫فـي قولِـه‬
‫﴿ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ ﯷ * ﯹ ﯺ ﯻ‬
‫ﯼ*ﯾﯿﰀﰁﰂﰃ* ﰅﰆﰇﰈﰉ‬
‫ﰊ*ﰌﰍﰎﰏ*ﰑﰒﰓﰔﰕﰖ*‬
‫ﭑﭒﭓ*ﭕﭖﭗﭘﭙﭚ﴾ [المطففيـن‪ 29 :‬ـ ‪.]36‬‬
‫ِ‬ ‫(( ( « الم ْشرع» ‪ :‬م ْشرع ُة ِ‬
‫الماء‪ :‬هي َم ِ‬
‫ون منها و َي ْس َت ُقون‪.‬‬ ‫ور ُد الشاربة ا َّلتي يشرعُها الن ُ‬
‫َّاس؛ فيشر ُب َ‬ ‫َ َ ُ َ َ‬
‫‪305‬‬

‫للمؤمنين‪:‬‬
‫َ‬ ‫الكافرين‬
‫َ‬ ‫القرآن الكريم َ‬
‫قول‬ ‫ُ‬ ‫قص علينا‬
‫وقديما َّ‬
‫ً‬
‫﴿ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ‬
‫ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ﴾ [مريم‪.]73 :‬‬
‫بمحم ٍد ﷺ؟ َأم الفقرا ُء‬
‫َّ‬ ‫َ‬
‫يؤمنون‬ ‫ِ‬
‫الفريقين؟ الكبرا ُء ا َّلذي َن ال‬ ‫َأ ُّي‬
‫وعمرو اب ُن‬ ‫ِ‬
‫الحارث‪،‬‬ ‫َّضر ب ُن‬ ‫ِ‬ ‫ون حو َله؟ َأ ُّي‬‫ا َّلذي َن يلت ُّف َ‬
‫ُ‬ ‫الفريقين؟ الن ُ‬
‫وعم ٌار‬ ‫حرب؟ َأم ٌ‬ ‫ٍ‬ ‫سفيان ِ‬
‫َ‬ ‫ِ‬
‫المغيرة‪ ،‬و َأبو‬ ‫هشا ٍم‪ ،‬والوليدُ ب ُن‬
‫بالل َّ‬ ‫بن‬
‫فكان َأتبا ُعه‬
‫خيرا َأ َ‬‫محمدٌ ﷺ ً‬
‫كان ما يدعو إليه َّ‬ ‫اب؟ َأ َف َل ْو َ‬ ‫وصهيب َ‬
‫وخ َّب ٌ‬ ‫ٌ‬
‫خطر‪،‬‬ ‫ٍ‬
‫قريش وال‬ ‫َ‬
‫سلطان لهم في‬ ‫َّفر‪ ،‬ا َّلذي َن ال‬ ‫ِ‬
‫هؤالء الن ِ‬ ‫َ‬
‫يكونون هم‬
‫َ‬
‫معارضوه هم‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬
‫ويكون‬ ‫كـ«دار األَرقمِ» ‪،‬‬
‫ِ‬ ‫بيت متواض ٍع‬ ‫يجتمعون في ٍ‬
‫َ‬ ‫وهم‬
‫ِ‬
‫والجاه والس ِ‬
‫لطان؟!‬ ‫ِ‬
‫والمجد‬ ‫الض ِ‬
‫خمة‪،‬‬ ‫ِ‬
‫الفخمة َّ‬ ‫َأولئك َأصحاب الن ِ‬
‫َّدوة‬
‫ُّ‬ ‫ُ‬
‫ُ‬
‫املؤمن يعلو بإمياِنه‪:‬‬

‫كل‬ ‫ِ‬
‫اآلفاق ال ُعليا في ِّ‬ ‫منطق المحجوبي َن عن‬ ‫ُ‬ ‫منطق األَرض‪،‬‬ ‫ُ‬ ‫إنَّه‬
‫الز ِ‬
‫ينة‬ ‫مجرد ًة من ِّ‬ ‫ومكان‪ .‬وإنَّها لحكم ُة اهلل َأن َ‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬
‫تقف العقيد ُة َّ‬ ‫زمان‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫وال ِّط ِ‬
‫اعتزاز‬
‫َ‬ ‫ربى من حاك ٍم‪ ،‬وال‬ ‫عوامل اإلغراء‪ ،‬ال ُق ٰ‬ ‫الء‪ ،‬عاطل ًة من‬
‫لغريزة‪ ،‬وإنَّما هو الجهدُ والمش َّق ُة‬‫ٍ‬ ‫بلذ ٍة‪ ،‬وال دغدغ َة‬ ‫هتاف َّ‬‫َ‬ ‫بس ٍ‬
‫لطان‪ ،‬وال‬ ‫ُّ‬
‫نفسه‬ ‫يقين من ِ‬
‫على ٍ‬ ‫قبل عليها من ُي ُ‬ ‫والجها ُد واالستشها ُد‪ ..‬ل ُي َ‬
‫قبل‪ ،‬وهو ٰ‬
‫دون ما تواضعوا ِ‬
‫عليه‬ ‫َّاس‪ ،‬ومن ِ‬ ‫َأنَّه يريدُ ها لذاتِها خالص ًة هلل من ِ‬
‫دون الن ِ‬
‫ُ‬
‫والمنافع‪ ،‬ومن‬ ‫المطامع‬ ‫ولينصرف عنها من ِ‬
‫يبتغي‬ ‫َ‬ ‫يات‪،‬‬‫من قي ٍم وم ْغ ِر ٍ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬
‫ِ‬
‫العتبارات‬ ‫يقيم‬ ‫يطلب َ‬ ‫الزين َة واألُ َّبه َة‪ ،‬ومن‬ ‫ِ‬
‫والمتاع‪ ،‬و َمن ُ‬
‫َ‬ ‫المال‬ ‫ُ‬ ‫يشتهي ِّ‬
‫ِ‬
‫ميزان اهللِ‪.‬‬ ‫ف في‬ ‫َّاس وزنًا حين ت ِ‬
‫َخ ُّ‬ ‫الن ِ‬
‫‪306‬‬
‫وتصوراتِـه وموازينَـه مـن الن ِ‬
‫َّـاس‬ ‫ُّ‬ ‫المؤمـن ال يسـتمدُّ ق َي َمـ ُه‬
‫َ‬ ‫إن‬
‫َّ‬
‫رب الن ِ‬
‫َّـاس‪ ،‬وهو‬ ‫تقدير الن ِ‬
‫َّـاس‪ ،‬إنَّما يسـتمدُّ ها من ِّ‬ ‫ِ‬ ‫علـى‬
‫ٰ‬ ‫يأسـى‬
‫ٰ‬ ‫َّـى‬
‫حت ٰ‬
‫رجح‬ ‫َّـى َ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫يتأ َ‬ ‫الخلق حت ٰ‬ ‫شـهوات‬ ‫وكافيـه‪ ..‬إنَّـه ال يسـتمدُّ ها من‬ ‫َح ْسـ ُبه‬
‫الحق ال َّث ِ‬
‫ابـت ا َّلذي ال‬ ‫ِ‬
‫ميـزان ِّ‬ ‫ِ‬
‫الخلـق‪ ،‬إنَّما يسـتمدُّ ها من‬ ‫ِ‬
‫شـهوات‬ ‫مـع‬
‫ِ‬
‫المحدود‪،‬‬ ‫يميـل‪ ..‬إنَّـه ال يتل َّقاهـا من هـذا العا َل ِم الفانـي‬
‫ُ‬ ‫رجـح وال‬ ‫َ‬
‫يتأ‬
‫ُ‬
‫الوجـود‪َ ،‬فأنَّى يجدُ في ِ‬
‫نفسـه وهنًا‪،‬‬ ‫ِ‬ ‫ضميره من ينابيـ ِع‬ ‫ِ‬ ‫تنبثـق فـي‬
‫ُ‬ ‫إنَّمـا‬
‫ٰ‬
‫الحق‪،‬‬ ‫ِ‬
‫وميـزان ِّ‬ ‫بـرب الن ِ‬
‫َّـاس‪،‬‬ ‫ٌ‬
‫موصول ِّ‬ ‫َأو يجـدُ فـي قلبِـه حزنًا‪ ،‬وهـو‬
‫ِ‬
‫الوجود؟‬ ‫وينابيـ ِع‬
‫للض ِ‬
‫الل‬ ‫الل؟ وليك ْن َّ‬ ‫الحق َّإل َّ‬
‫الض ُ‬ ‫ِّ‬ ‫الحق‪ ..‬فماذا بعدَ‬
‫ِّ‬ ‫إ َّن ُه على‬
‫وجماهير ُه‪َّ ..‬‬
‫إن‬ ‫ُ‬ ‫ُسلطا ُن ُه‪ ،‬وليك ْن له َه ْي ُله وهي َلمانُه‪ ،‬ولتك ْن معه جمو ُع ُه‬
‫الل‪،‬‬ ‫الحق َّإل َّ‬
‫الض ُ‬ ‫ِّ‬ ‫وليس بعدَ‬
‫الحق َ‬
‫الحق شي ًئا‪ ،‬إنَّه على ِّ‬
‫هذا ال يغ ِّي ُر من ِّ‬
‫بالحق‬
‫ِّ‬ ‫الحق ـ وهو مؤم ٌن ـ ولن َي َ‬
‫عدل‬ ‫الض َ‬
‫الل على ِّ‬ ‫يختار مؤم ٌن َّ‬
‫َ‬ ‫ولن‬
‫المالبسات واألَ ُ‬
‫حوال‪..‬‬ ‫ُ‬ ‫ِ‬
‫كانت‬ ‫الض َ‬
‫الل كائن ًة ما‬ ‫َّ‬
‫﴿ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ ﯶﯷ ﯸ ﯹ‬
‫ﯺ * ﯼ ﯽ ﯾ ﯿ ﰀ ﰁ ﰂ ﰃﰄ ﰅ ﰆ ﰇ ﰈ‬
‫ﰉ﴾ [آل عمران‪ 8 :‬ـ ‪..]9‬‬
‫﴿ﭑ ﭒ ﭓ * ﭕ ﭖ * ﭘ ﭙ * ﭛ ﭜ‬
‫ﭝ*ﭟﭠﭡ*ﭣﭤﭥﭦ*ﭨﭩﭪﭫﭬ‬
‫ﭭ*ﭯﭰﭱﭲﭳﭴﭵﭶﭷ*ﭹﭺﭻ‬
‫ﭼ ﭽﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ * ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ‬
‫ﮉﮊﮋﮌﮍﮎﮏﮐﮑﮒ*ﮔﮕﮖ‬
‫ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞﮟ ﮠ ﮡ ﮢ * ﮤ‬
‫ﮥﮦﮧ*ﮩﮪﮫﮬ*ﮮﮯﮰ* ﯓﯔﯕ*‬
‫ﯗ ﯘ ﯙ﴾ [البروج‪ 1 :‬ـ ‪..]16‬‬
‫البروج ـ حقيق ٌة‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫سورة‬ ‫وردت في‬ ‫ِ‬
‫خدود ـ كما‬ ‫صحاب األُ‬
‫ِ‬ ‫قص َة َأ‬ ‫َّ‬
‫ْ‬ ‫إن َّ‬
‫كل ٍ‬
‫جيل‪.‬‬ ‫كل َأ ٍ‬
‫رض وفي ِّ‬ ‫اعون إلى اهلل في ِّ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫المؤمنون الدَّ‬ ‫َبأن َ‬
‫يتأ َّملها‬
‫ِ‬
‫َّعقيبات عليها‪،‬‬ ‫سلوب مع مقدِّ متِها والت‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫بإيرادها في هذا األُ‬ ‫ُ‬
‫فالقرآن‬
‫خط بها خطو ًطا‬ ‫المصاحبة لها‪ ..‬كان َي ُّ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫َّوجيهات‬ ‫ِ‬
‫َّقريرات والت‬ ‫والت‬
‫البشر فيها‪ ،‬واحتماالتِها‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ودور‬ ‫طبيعة الدَّ ِ‬
‫عوة إلى اهللِ‪،‬‬ ‫ِ‬ ‫تصو ِر‬
‫عميق ًة في ُّ‬
‫وسع رقع ًة من األَرض‪ ،‬و َأبعدُ مدً ى‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫المتو َّقعة في مجالها الواس ِع ـ وهو َأ ُ‬
‫نفوسهم‬
‫َ‬ ‫ريق‪ ،‬و ُي ِعدُّ‬‫معالم ال َّط ِ‬
‫َ‬ ‫يرسم للمؤمني َن‬‫ُ‬
‫ِ‬
‫الحياة الدُّ نيا ـ وكان‬ ‫من‬
‫‪308‬‬

‫وفق‬
‫القدر المرسو ُم‪َ ،‬‬ ‫ِ‬
‫االحتماالت ا َّلتي ِ‬
‫يجري بها‬ ‫هذ ِه‬‫لتل ِّقي َأي من ِ‬
‫ُ‬ ‫ٍّ‬
‫ِ‬
‫المستور‪.‬‬ ‫ِ‬
‫المكنونة في ِ‬
‫غيب اهلل‬ ‫ِ‬
‫الحكمة‬

‫أصحاب األخدوِد علىٰ ديِنهم‪:‬‬


‫ِ‬ ‫ُ‬
‫ثبات‬
‫ِ‬ ‫إنَّها قص ُة ٍ‬
‫تعرضت‬ ‫ثم َّ‬‫واستعلنت حقيق َة إيمانها‪َّ ،‬‬
‫ْ‬ ‫فئة آمنَت بر ِّبها‪،‬‬ ‫َّ‬
‫حر َّي ِة‬ ‫للفتنة من َأ ٍ‬
‫عداء ج َّباري َن َب َّطاشي َن مستهتري َن ِّ‬ ‫ِ‬
‫بحق «اإلنسان» في ِّ‬
‫ِ‬
‫اإلنسان عندَ اهلل‬ ‫ِ‬
‫وبكرامة‬ ‫ِ‬
‫الحميد‪،‬‬ ‫ِ‬
‫العزيز‬ ‫ِ‬
‫واإليمان باهلل‬ ‫بالحق‪،‬‬
‫ِّ‬ ‫ِ‬
‫االعتقاد‬
‫ِ‬
‫بمنظرها في‬ ‫يكون لعب ًة يتس َّلى ال ُّطغا ُة بآال ِم تعذيبِها‪ ،‬و َي َّ‬
‫تله َ‬
‫ون‬ ‫َ‬ ‫عن َأن‬
‫ِ‬
‫بالحريق!‬ ‫ِ‬
‫َّعذيب‬ ‫َأ ِ‬
‫ثناء الت‬
‫وانتصرت فيها‬ ‫ِ‬
‫الفتنة‪،‬‬ ‫ِ‬
‫القلوب على‬ ‫ُ‬
‫اإليمان بهذه‬ ‫ارتفع‬ ‫وقد‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫ِ‬
‫لتهديد الج َّباري َن ال ُّطغاة‪ ،‬ولم ُت ْف َت ْن‬ ‫ْ‬
‫ترضخ‬ ‫ِ‬
‫الحياة‪ ،‬فلم‬ ‫العقيد ُة على‬
‫تموت‪.‬‬
‫َ‬ ‫عن دينِها‪ ،‬وهي ت ُ‬
‫ُحرق بالن َِّار حت َّٰى‬
‫ِ‬
‫للحياة‪ ،‬فلم يسـتذ َّلها‬ ‫القلوب مـن عبود َّيتِهـا‬ ‫رت هـذه‬ ‫تحـر ْ‬
‫ُ‬ ‫لقد َّ‬
‫وانطلقت‬ ‫ِ‬
‫البشـعة‪،‬‬ ‫المـوت بهـذه ال َّط ِ‬
‫ريقـة‬ ‫ِ‬
‫البقـاء وهـي تُعايـ ُن‬ ‫حـب‬
‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ُّ‬
‫ِ‬
‫بانتصار‬ ‫على ذواتِهـا‬
‫وارتفعـت ٰ‬
‫ْ‬ ‫ِ‬
‫قيـود األَرض وجواذبِهـا جمي ًعا‪،‬‬ ‫مـن‬
‫ِ‬
‫الحيـاة فيها‪.‬‬ ‫العقيـدة على‬

‫ِخ َّس ُة ُّ‬


‫الطغاة‪:‬‬
‫ِ‬
‫الكريمة كانت‬ ‫رة الر ِ‬
‫فيعة‬ ‫المؤمنة الخي ِ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫القلوب‬ ‫ِ‬
‫مقابل هذه‬ ‫وفي‬
‫َّ‬ ‫ِّ‬
‫ِ‬
‫صحاب هذه‬
‫ُ‬ ‫هناك جبِ َّل ٌت جاحد ٌة ِّ‬
‫شرير ٌة مجرم ٌة لئيم ٌة‪ ،‬وجلس َأ‬
‫‪309‬‬

‫مون‪،‬‬ ‫المؤمنون َ‬
‫ويتأ َّل َ‬ ‫َ‬ ‫َّ‬
‫يتعذ ُب‬ ‫يشهدون كيف‬‫َ‬ ‫ت على النَّار‪،‬‬ ‫الجبل ِ‬
‫َّ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫يتحو َ‬
‫لون‬ ‫َّ‬ ‫بمنظر الحياة َتأك ُلها الن َُّار‪ ،‬واألَ ُّ‬
‫ناسي الكرا ُم‬ ‫يتله َ‬
‫ون‬ ‫جلسوا َّ‬
‫وقو ًدا وترا ًبا‪.‬‬

‫شـيخ‪ ،‬من‬ ‫ٌ‬ ‫طفل َأو‬


‫عجـوز‪ٌ ،‬‬‫ٌ‬ ‫لقـي فتًـى َأو فتاةٌ‪ ،‬صب َّيـ ٌة َأو‬ ‫وك َّلمـا ُأ َ‬
‫ارتفعت النَّشـو ُة الخسيسـ ُة في‬ ‫ِ‬ ‫المؤمنيـ َن الخ ِّيريـ َن الكـرا ِم في الن ِ‬
‫َّـار‪،‬‬
‫ِ‬ ‫المجنـون بالدِّ ِ‬
‫ماء واألَ‬ ‫ُ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫شلاء!‬ ‫ـعار‬
‫الس ُ‬ ‫نفـوس ال ُّطغـاة‪ ،‬وعربدَ ُّ‬
‫الحـادث البشـع ا َّلـذي انتكسـت فيـه ِجبِلاَّ ُت ال ُّط ِ‬
‫غاة‪،‬‬ ‫ُ‬ ‫هـذا هو‬
‫َ‬ ‫ُ‬
‫المرو ِع‬ ‫ِ‬
‫َّعذيـب‬ ‫ـت تَلت َُّذ مشـهدَ الت‬ ‫فراح ْ‬ ‫ـت فـي هذه الح َ ِ‬
‫ِّ‬ ‫مـأة‪َ ،‬‬ ‫َ‬ ‫وارتكس ْ‬‫َ‬
‫ُ‬
‫فالوحش‬ ‫وحش ُّ‬
‫قـط‪،‬‬ ‫يرتكس فيها ٌ‬ ‫ِ‬
‫العنيـف‪ ،‬بهذه الخساسـة ا َّلتي لـم‬ ‫ِ‬
‫ْ‬
‫الفريسـة في لؤ ٍم وخس ٍ‬
‫ـة!‬ ‫ِ‬ ‫َّ‬
‫ليلتـذ آال َم‬ ‫يفتـرس لي ْق َ‬
‫تـات‪ ،‬ال‬
‫َّ‬ ‫ُ‬
‫رت‬
‫وتحر ْ‬
‫َّ‬ ‫رواح المؤمني َن‪،‬‬ ‫ارتفعت فيه َأ ُ‬‫ْ‬ ‫الحادث ا َّلذي‬
‫ُ‬ ‫وهو ذاتُه‬
‫ف به البشر َّي ُة في‬‫الرفيعِ‪ ،‬ا َّلذي ت َْش ُر ُ‬ ‫ذلك األَ ْو ِج َّ‬
‫السامي َّ‬ ‫إلى َ‬‫وانطل َقت ٰ‬
‫ِ‬
‫والعصور‪.‬‬ ‫جمي ِع األَ ِ‬
‫جيال‬

‫املواجهة؟‬
‫ِ‬ ‫املنتصر يف هذِه‬
‫ُ‬ ‫من‬
‫ِ‬
‫اإليمان‪،‬‬ ‫انتصر على‬ ‫غيان ِ‬
‫قد‬ ‫حساب األَرض يبدو َأ َّن ال ُّط َ‬ ‫ِ‬ ‫في‬
‫َ‬
‫الفئة الخي ِ‬
‫رة‬ ‫نفوس ِ‬
‫ِ‬ ‫الذ ْرو َة العالي َة‪ ،‬في‬ ‫اإليمان ا َّلذي َ‬
‫بلغ تلك ِّ‬ ‫َ‬ ‫و َأ َّن هذا‬
‫ِّ‬
‫ِ‬
‫المعركة‬ ‫حساب في‬ ‫وزن وال‬ ‫ِ‬
‫المستعلية‪ ..‬لم يك ْن له ٌ‬ ‫الكريمة ال َّث ِ‬
‫ابتة‬ ‫ِ‬
‫ٌ‬
‫اإليمان وال ُّطغيان!‬
‫َ‬ ‫ا َّلتي َ‬
‫دارت بي َن‬
‫‪310‬‬

‫تذكر‬ ‫ِ‬
‫الحادث‪ ،‬كما ال‬ ‫وايات ا َّلتي ور َدت في هذا‬ ‫الر‬
‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫تذكر ِّ‬ ‫ُ‬ ‫وال‬
‫غاة في األَرض بجريمتِهم‬ ‫ولئك ال ُّط ِ‬
‫خذ ُأ َ‬
‫هلل قد َأ َ‬
‫ُّصوص القرآن َّي ُة؛ َأ َّن ا َ‬
‫ُ‬ ‫الن‬
‫ٍ‬
‫شعيب وقو َم‬ ‫ٍ‬
‫صالح وقو َم‬ ‫نوح وقوم ٍ‬
‫هود وقو َم‬ ‫خذ قو َم ٍ‬ ‫عة‪ ،‬كما َأ َ‬ ‫البش ِ‬
‫ِ‬
‫َ‬
‫ٍ‬
‫مقتدر‪.‬‬ ‫فرعون وجنو َده َأ ْخ َذ ٍ‬
‫عزيز‬ ‫َ‬ ‫لوط‪َ ،‬أو كما َأ َ‬
‫خذ‬ ‫ٍ‬

‫حساب األَرض تبدو هذه الخاتم ُة َأسيف ًة َأليم ًة!‬


‫ِ‬ ‫ففي‬
‫إلى‬
‫ارتفعت ٰ‬
‫ْ‬ ‫وتذهب الفئ ُة المؤمن ُة ا َّلتي‬
‫ُ‬ ‫َأ َفهكذا ينتهي األَ ُ‬
‫مر‪،‬‬
‫تذهب‬ ‫ِ‬
‫خدود؟ بينما‬ ‫ِ‬
‫الفاجعة في األُ‬ ‫اإليمان؟ تذهب مع ِ‬
‫آالمها‬ ‫ِ‬ ‫ِذ ِ‬
‫روة‬
‫ُ‬ ‫ُ‬
‫الحمأ ِة ناجي ًة؟‬
‫َ‬ ‫إلى هذه‬
‫تكس ْت ٰ‬‫الفئ ُة الباغي ُة‪ ،‬ا َّلتي ْار َ‬
‫ِ‬
‫الخاتمة‬ ‫ِ‬
‫هـذه‬ ‫الص ِ‬
‫در شـي ٌء َأما َم‬ ‫ُ‬ ‫حسـاب األَرض‬
‫ِ‬
‫يحيك في َّ‬ ‫فـي‬
‫األَ ِ‬
‫سيفة !‬
‫ٍ‬
‫حقيقة‬ ‫ويكشف لهم عن‬
‫ُ‬ ‫القرآن ُي َع ِّل ُم المؤمني َن شي ًئا َ‬
‫آخر‪،‬‬ ‫َ‬ ‫ولك َّن‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫بطبيعة ِ‬
‫الق َيم ا َّلتي َي ِزن َ‬ ‫ِ‬
‫المعركة ا َّلتي‬ ‫وبمجال‬ ‫ُون بها‪،‬‬ ‫ُأ ٰ‬
‫خرى‪ ،‬و ُي َب ِّص ُرهم‬
‫يخوضونَها‪.‬‬

‫اإلميان‪:‬‬
‫ِ‬ ‫انتصاُر‬
‫ٍ‬
‫وحرمان‪..‬‬ ‫َ‬
‫لذائذ وآال ٍم‪ ،‬ومن متا ٍع‬ ‫يالبسها من‬ ‫وسائر ما‬ ‫َّ‬
‫إن الحيا َة‬
‫ُ‬ ‫َ‬
‫ِ‬
‫السلع َة ا َّلتي ِّ‬
‫تقر ُر‬ ‫الكبرى في الميزان‪ ..‬وليست هي ِّ‬
‫ٰ‬ ‫ليست هي القيم َة‬ ‫ْ‬
‫الغلبة ال َّظ ِ‬
‫اهرة؛‬ ‫ِ‬ ‫مقصورا على‬ ‫ليس‬ ‫ِ‬ ‫الر ِ‬
‫ً‬ ‫َّصر َ‬
‫بح والخسارة‪ ،‬والن ُ‬ ‫حساب ِّ‬
‫َ‬
‫ِ‬
‫الكثيرة‪.‬‬ ‫َّصر‬ ‫ِ‬
‫صور الن ِ‬ ‫فهذه صور ٌة واحد ٌة من‬
‫‪311‬‬

‫السلع َة‬ ‫ِ‬


‫ميزان اهلل هي قيم ُة العقيدة‪َّ ،‬‬ ‫إن القيم َة‬
‫َّ‬
‫وإن ِّ‬ ‫الكبرى في‬
‫ٰ‬
‫ٍ‬
‫صورة‬ ‫َّصر في َأرف ِع‬ ‫ِ‬
‫اإليمان‪َّ ،‬‬ ‫سوق اهلل هي سلع ُة‬ ‫ِ‬ ‫الرائج َة في‬
‫وإن الن َ‬ ‫َّ‬
‫وانتصار‬
‫ُ‬ ‫وانتصار العقيدة على األَل ِم‪،‬‬
‫ُ‬ ‫وح على الما َّد ِة‪،‬‬
‫الر ِ‬ ‫انتصار ُّ‬
‫ُ‬ ‫هو‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫رواح المؤمني َن على‬‫انتصر ْت َأ ُ‬
‫َ‬ ‫الحادث‬ ‫الفتنة‪ ..‬وفي هذا‬ ‫اإليمان على‬
‫وانتصرت‬ ‫ِ‬
‫والحياة‪،‬‬ ‫جواذب األَرض‬‫ِ‬ ‫على‬ ‫ِ‬
‫الخوف واألَل ِم‪،‬‬
‫ْ‬ ‫وانتصر ْت ٰ‬
‫َ‬
‫ِ‬
‫عصار‪..‬‬ ‫البشري ك َّله في جمي ِع األَ‬ ‫الجنس‬ ‫ف‬‫انتصارا ُي َش ِّر ُ‬ ‫ِ‬
‫الفتنة‬ ‫على‬
‫َّ‬ ‫َ‬ ‫ً‬
‫االنتصار‪..‬‬
‫ُ‬ ‫وهذا هو‬

‫َّاس‬
‫سباب‪ ،‬ولك َّن الن َ‬
‫ُ‬ ‫وتختلف األَ‬
‫ُ‬ ‫َ‬
‫يموتون‪،‬‬ ‫َّاس جمي ًعا‬ ‫َّ‬
‫إن الن َ‬
‫االرتفاع‪،‬‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫يرتفعون هذا‬ ‫االنتصار‪ ،‬وال‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫ينتصرون هذا‬ ‫جمي ًعا ال‬
‫االنطالق إلى ِ‬
‫هذه‬ ‫َ ٰ‬ ‫َ‬
‫ينطلقون هذا‬ ‫َّحر َر‪ ،‬وال‬ ‫يتحر َ‬
‫رون هذا الت ُّ‬ ‫َّ‬ ‫وال‬
‫َ‬
‫لتشارك‬ ‫ِ‬
‫عباده‬ ‫ٍ‬
‫كريمة من‬ ‫اآلفاق‪ ..‬إنَّما هو اختيار اهلل وتكريمه ٍ‬
‫لفئة‬ ‫ِ‬
‫ُ‬ ‫ُ‬
‫ِ‬
‫المأل‬ ‫ِ‬
‫المجد في‬ ‫ِ‬
‫المجد‪،‬‬ ‫دون الن ِ‬
‫َّاس في‬ ‫ِ‬
‫الموت‪ ،‬وتنفر َد َ‬ ‫َّاس في‬ ‫الن َ‬
‫ِ‬
‫الحساب نظر َة‬ ‫يضا‪ .‬إذا نح ُن وضعنا في‬ ‫َّاس َأ ً‬ ‫األَ ٰ‬
‫على‪ ،‬وفي دنيا الن ِ‬
‫جيال بعدَ األَ ِ‬
‫جيال!‬ ‫األَ ِ‬

‫مع ُّ‬
‫الطغاِة‪:‬‬ ‫َ‬
‫مساومة َ‬ ‫ال‬

‫ِ‬
‫مقابل‬ ‫ينجوا بحياتِهم في‬
‫المؤمنين َأن ُ‬
‫َ‬
‫ِ‬
‫استطاعة‬ ‫كان في‬
‫لقد َ‬
‫ِ‬ ‫الهزيمة إليمانِهم‪،‬‬
‫ِ‬
‫كانت‬ ‫يخسرون هم َأ ُ‬
‫نفسهم؟ وكم‬ ‫َ‬ ‫ولكن كم كانوا‬
‫ْ‬
‫يقتلون هذا المعنى‬
‫َ‬ ‫يخسرون وهم‬
‫َ‬ ‫تخسر؟ كم كانوا‬
‫ُ‬ ‫البشر َّي ُة ك ُّلها‬
‫‪312‬‬

‫حر َّي ٍة‪ ،‬وانحطاطِها‬ ‫ِ‬ ‫ٍ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬


‫معنى زهادة الحياة بال عقيدة‪ ،‬وبشاعتها بال ِّ‬ ‫ٰ‬ ‫ِ‬
‫الكبير‪،‬‬
‫ِ‬
‫جساد؟‬ ‫يسيطر ال ُّطغا ُة على األَرواحِ بعد سيطرتِهم على األَ‬ ‫حين‬
‫ُ‬
‫كبير جدًّ ا‪ ،‬هذا ا َّلذي ربحو ُه وهم‬
‫كريم جدًّ ا‪ ،‬ومعنًى ٌ‬
‫ٌ‬ ‫إنَّه معنًى‬
‫فتحترق َأجسا ُدهم‬
‫ُ‬ ‫يجدون َم َّس الن َِّار‪،‬‬
‫َ‬ ‫َب ْعدُ في األَرض‪ ،‬ربحو ُه وهم‬
‫الفاني ُة‪ ،‬وينتصر هذا المعنى الكريم ا َّلذي تُزك ِ‬
‫ِّيه الن َُّار!‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬

‫صر‪:‬‬ ‫مقياس َّ‬


‫الن ِ‬ ‫ُ‬

‫وليس هو الحيا َة‬ ‫ليس هو األَ َ‬ ‫ِ‬ ‫َ‬ ‫ثم َّ‬


‫رض وحدَ ها‪َ ،‬‬ ‫مجال المعركة َ‬ ‫إن‬ ‫َّ‬
‫جيل من األَ ِ‬
‫جيال‪.‬‬ ‫َّاس في ٍ‬ ‫ِ‬
‫الدُّ نيا وحدَ ها‪ ،‬وشهو ُد المعركة ليسوا هم الن َ‬
‫ِ‬
‫حداث األَرض ويشهدُ ها و ُي ِ‬
‫شهدُ عليها‪،‬‬ ‫يشارك في َأ‬
‫ُ‬ ‫أل األَ ٰ‬
‫على‬ ‫إن الم َ‬‫َّ‬
‫ِ‬
‫ميزان‬ ‫ِ‬
‫وغير‬ ‫جيل من َأجيالِها‪،‬‬ ‫ِ‬
‫ميزان األَرض في ٍ‬ ‫غير‬ ‫ٍ‬
‫بميزان ِ‬ ‫ِ‬
‫ويزنُها‬
‫ِ‬ ‫يضم من األَ ِ‬ ‫األَرض في َأجيالِها جمي ًعا‪ .‬والم ُ‬
‫الكريمة‬ ‫رواح‬ ‫أل األَ ٰ‬
‫على ُّ‬
‫شك َأ َّن ثنا َء‬
‫َّاس‪ .‬وما من ٍّ‬ ‫رض من الن ِ‬ ‫تضم األَ ُ‬ ‫ِ‬
‫ضعاف ما‬ ‫ضعاف َأ‬
‫َ‬ ‫َأ‬
‫ُّ‬
‫هل األَرض‬ ‫ٍ‬ ‫ِ‬
‫رأي َأ ِ‬
‫ميزان من ِ‬ ‫رجح في َأ ِّي‬
‫كبر و َأ ُ‬
‫وتكريمه َأ ُ‬
‫َ‬ ‫المأل األَ ٰ‬
‫على‬
‫ِ‬
‫اإلطالق!‬ ‫ِ‬
‫وتقديرهم على‬

‫يلحق‬
‫ُ‬ ‫صيل ا َّلذي‬ ‫ِ‬
‫المجال األَ ِ‬ ‫َ‬
‫هناك اآلخرةُ‪ ،‬وهي‬ ‫ذلك ك ِّله‬
‫وبعدَ َ‬
‫ِ‬
‫الواقعة‪ ،‬وال في‬ ‫ِ‬
‫الحقيقة‬ ‫ُ‬
‫ينفصل عنه‪ ،‬ال في‬ ‫مجال األَرض‪ ،‬وال‬
‫ُ‬ ‫به‬
‫ِ‬
‫الحقيقة‪.‬‬ ‫المؤمن ِ‬
‫بهذه‬ ‫ِ‬ ‫حس‬
‫ِّ‬
‫‪313‬‬
‫ِ‬
‫إذن لم تنته‪ ،‬وخاتمتُها الحقيق َّي ُة لم تجي ْء بعدُ ‪ُ ،‬‬
‫والحك ُْم‬ ‫فالمعرك ُة ْ‬
‫ِ‬
‫صحيح؛ ألَنَّه‬
‫ٍ‬ ‫عليها بالجزء ا َّلذي ُع ِر َض منها على األَرض حك ٌْم ُ‬
‫غير‬
‫الز ِ‬
‫هيد‪.‬‬ ‫والش ِ‬
‫طر َّ‬ ‫الص ِ‬
‫غير منها َّ‬ ‫الش ِ‬
‫حك ٌْم على َّ‬
‫طر َّ‬
‫۞۞۞‬

‫للمواقف‪:‬‬
‫ِ‬ ‫اإلمياني‬
‫ُّ‬ ‫املقياس‬
‫ُ‬
‫ِ‬
‫المجال‪ ،‬ا َّلتي تع ِّن‬ ‫الض ِّيق ُة‬
‫ولى‪ :‬هي النَّظر ُة القصير ُة َّ‬ ‫النَّظر ُة األُ ٰ‬
‫المدى‪ :‬هي ا َّلتي‬ ‫الشامل ُة البعيد ُة‬‫ول‪ .‬والنَّظر ُة ال َّثاني ُة َّ‬ ‫ِ‬
‫لإلنسان ال َع ُج ِ‬
‫ٰ‬
‫القرآن المؤمني َن عليها؛ ألَنَّها تم ِّث ُل الحقيق َة ا َّلتي يقو ُم عليها‬ ‫ُ‬ ‫ُي َر ِّو ُض‬
‫حيح‪.‬‬
‫الص ُ‬
‫اإليماني َّ‬
‫ُّ‬ ‫َّصو ُر‬
‫الت ُّ‬
‫اإليمان وال َّط ِ‬
‫اعة‪،‬‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫للمؤمنين جزا ًء على‬ ‫ومن َث َّم كان وعدُ اهلل‬
‫ِ‬
‫القلب‪:‬‬ ‫ِ‬
‫الحياة‪ ،‬هو َ‬
‫طمأنَين َة‬ ‫على ٰ فِت َِن‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫والص ِبر على‬
‫واالنتصار ٰ‬ ‫االبتالء‪،‬‬ ‫َّ‬
‫﴿ﰈ ﰉ ﰊ ﰋ ﰌ ﰍﰎ ﰏ ﰐ ﰑ ﰒ‬
‫ﰓ﴾ [الرعد‪.]28 :‬‬
‫الر ِ‬
‫حمن‪﴿ :‬ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ‬ ‫ضوان والو ُّد من َّ‬
‫ُ‬ ‫الر‬
‫وهو ِّ‬
‫ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ﴾ [مريم‪.]96 :‬‬

‫ول اهلل ﷺ‪« :‬إِذا َم َ‬


‫ات َو َلدُ‬ ‫رس ُ‬ ‫الذك ُْر في المأل األَ ٰ‬
‫على‪ :‬قال ُ‬ ‫وهو ِّ‬
‫ُ‬ ‫بضتُم و َلدَ ع ِ‬ ‫قال ا ِ ِ ِ‬ ‫ِ‬
‫بضتُم‬ ‫فيقول‪َ :‬ق ْ‬ ‫بدي؟ فيقو ُل َ‬
‫ون‪ :‬نَعم‪.‬‬ ‫َ‬ ‫ال َعبد َ ُ‬
‫هلل ل َمالئكته‪َ :‬ق ْ ْ‬
‫‪314‬‬

‫ون‪َ :‬ح ِمدَ َك‬‫قال َع ْب ِدي؟ َفيقو ُل َ‬ ‫فيقول‪َ :‬ماذا َ‬


‫ُ‬ ‫َعم‪.‬‬ ‫فؤاد ِه؟ َفيقو ُل َ‬
‫ون‪ :‬ن ْ‬
‫َثمر َة ِ‬
‫َ‬
‫الح ْم ِد»(‪.)1‬‬
‫يت َ‬ ‫وس ُّمو ُه َب َ‬ ‫ِ‬
‫الجنَّة‪َ ،‬‬
‫ُ ِ ِ ِ‬
‫فيقول‪ :‬ا ْبنُوا ل َع ْبدي َبيتًا في َ‬ ‫واست َْر َج َع‪.‬‬
‫ْ‬
‫بـدي بـي‪،‬‬ ‫ـل‪َ :‬أنـا ِعنـدَ َظـن ع ِ‬ ‫وج َّ‬ ‫ُ‬
‫ِّ َ‬ ‫هلل عـ َّز َ‬
‫«يقـول ا ُ‬ ‫وقـال ﷺ‪:‬‬
‫ـه َذكرتُـ ُه في َن ْف ِسـي‪،‬‬ ‫وأنَـا معـه حيـن ي ْذكُرنِـي؛ َفـإِذا َذكَرنِـي فـي َن ْف ِس ِ‬
‫َ َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬
‫لي ِشـ ْب ًرا‬
‫َـرب إِ َّ‬
‫أل ٍ ِ ِ‬
‫خيـر منْـه؛ َفإِن ا ْقت َ‬ ‫لأ َذكَرتُـ ُه فـي م ٍ‬
‫َ‬
‫وإِ ْن َذكَرنـي فـي م ٍ‬
‫َ‬
‫ـت ِمنْـ ُه َبا ًعـا‪ ،‬وإِ ْن‬
‫إلـي ِذ َرا ًعـا اقتَر ْب ُ‬ ‫ِ ِ‬
‫ـت إ َليـه ذ َرا ًعـا‪ ،‬وإِ ِن َ‬
‫اقتـر َب َّ‬ ‫ا ْقتَر ْب ُ‬
‫َأتانـي َي ْم ِشـي َأتيتُـ ُه َه ْر َو َلـ ًة»(‪.)2‬‬
‫على َبأ ِ‬
‫مر المؤمني َن في األَرض‪:‬‬ ‫ِ‬
‫اشتغال المأل األَ ٰ‬
‫ُ‬ ‫وهو‬

‫﴿ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ‬
‫ﯛﯜﯝﯞﯟﯠﯡﯢﯣﯤ‬
‫ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ﴾ [غافر‪.]7 :‬‬
‫للش ِ‬
‫هداء‪﴿ :‬ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ‬ ‫وهو الحيا ُة عندَ اهلل ُّ‬
‫ﮙ ﮚ ﮛﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ * ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ‬
‫ﮨﮩﮪﮫﮬﮭﮮﮯﮰﮱﯓﯔ‬
‫ﯕﯖ* ﯙﯚﯛﯜﯝﯞﯟﯠﯡﯢ‬
‫ﯣ﴾ [آل عمران‪ 169 :‬ـ ‪.]171‬‬

‫(( ( رواه الترمذي (‪ )1021‬وقال‪ :‬حسن غريب‪ .‬وابن حبان في «الصحيح» (‪ )2948‬من حديث‬
‫َأبي موسى األَشعري ‪.‬‬
‫(( ( رواه البخاري (‪ .)6970‬ومسلم (‪ )2675‬من حديث َأبي هريرة ‪.‬‬
‫‪315‬‬

‫إمهال اهلل تعاىلٰ ُّ‬


‫للطغاة‪:‬‬ ‫ُ‬
‫المكذبيـن وال ُّط ِ‬
‫غـاة والمجرمي َن‬ ‫ِّ‬ ‫كان وعـدُ ه المتكـرر ْبأ ِ‬
‫خـذ‬ ‫كمـا َ‬
‫ِّ ُ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ٍ‬
‫حيـن‪ ..‬وإن َ‬
‫كان‬ ‫فـي اآلخرة‪ ،‬واإلملاء لهم فـي األَرض واإلمهال ٰ‬
‫إلى‬
‫ِ‬
‫اآلخرة‬ ‫َّركيـز ك َّل ُه علـى‬
‫بعضهم فـي الدُّ نيا‪ ..‬ولكـ َّن الت َ‬ ‫َأحيانًـا قـد َأ َ‬
‫خـذ َ‬
‫خير‪:‬‬ ‫ِ‬
‫الجـزء األَ ِ‬ ‫في‬
‫﴿ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ * ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ‬
‫ﮌﮍ ﮎ ﮏ﴾ [آل عمران‪ 196 :‬ـ ‪.]197‬‬
‫﴿ﯶ ﯷ ﯸ ﯹ ﯺ ﯻ ﯼﯽ ﯾ‬
‫ﯿﰀﰁﰂﰃ* ﭑﭒﭓﭔﭕ‬
‫ﭖ ﭗﭘ ﭙ ﭚ﴾ [إبراهيم‪ 42 :‬ـ ‪.]43‬‬
‫﴿ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ * ﭫ ﭬ ﭭ‬
‫ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ * ﭵ ﭶ ﭷ ﭸﭹ ﭺ ﭻ ﭼ‬
‫ﭽ ﭾ﴾ [المعارج‪ 42 :‬ـ ‪.]44‬‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫َّصلت‬ ‫على‪ ،‬وات‬‫َّاس بحياة المأل األَ ٰ‬ ‫َّصلت حيا ُة الن ِ‬ ‫وهكذا ات ْ‬
‫ِ‬
‫المعركة بين‬ ‫َ‬
‫مجال‬ ‫رض وحدَ ها هي‬ ‫باآلخرة‪ ،‬ولم ت ُع ِد األَ ُ‬‫ِ‬ ‫الدُّ نيا‬
‫واإليمان وال ُّطغيان‪ .‬ولم ت ُع ِد الحيا ُة‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫والباطل‪،‬‬ ‫والحق‬
‫ِّ‬ ‫ِ‬
‫الخير َّ‬
‫والش ِّر‪،‬‬
‫الصراعِ‪ ..‬كما‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫الدُّ نيا هي خاتم َة‬
‫الفصل في هذا ِّ‬ ‫المطاف‪ ،‬وال موعدَ‬
‫ٍ‬
‫وحرمان‪ ،‬لم ت ُعدْ‬ ‫َ‬
‫لذائذ وآال ٍم و َمتا ٍع‬ ‫وكل ما يتع َّل ُق بها من‬ ‫َأ َّن الحيا َة َّ‬
‫ِ‬
‫الميزان‪.‬‬ ‫هي القيم َة ال ُعليا في‬
‫‪316‬‬

‫وانفسح‬ ‫مان‪،‬‬ ‫الز ِ‬ ‫ُ‬


‫المجال في َّ‬ ‫وانفسح‬ ‫ِ‬
‫المكان‪،‬‬ ‫ُ‬
‫المجال في‬ ‫انفسح‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫رت‬ ‫ِ‬
‫المؤمنة‪ ،‬وك ُب ْ‬ ‫آفاق الن ِ‬
‫َّفس‬ ‫َّسعت ُ‬ ‫ِ‬
‫والموازين‪ ،‬وات ْ‬ ‫المجال في ِ‬
‫الق َيم‬ ‫ُ‬
‫رض وما عليها‪ ،‬والحيا ُة الدُّ نيا وما يتع َّل ُق بها‪،‬‬ ‫رت األَ ُ‬ ‫اهتماماتُها‪ ،‬فص ُغ ِ‬
‫َ‬
‫وكانت‬ ‫ْ‬ ‫ِ‬
‫والحيوات‪،‬‬ ‫ِ‬
‫اآلفاق‬ ‫عرف من‬
‫َ‬ ‫ِ‬
‫بمقدار ما ر َأ ٰى وما‬ ‫وك ُبر المؤم ُن‬
‫َّصو ِر‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫اإليماني‬
‫ِّ‬ ‫القمة في إنشاء هذا الت ُّ‬‫صحاب األُخدود في َّ‬ ‫ِ‬ ‫قص ُة َأ‬
‫َّ‬
‫ِ‬
‫الكبير الكري ِم‪.‬‬ ‫الش ِ‬
‫امل‬ ‫الواس ِع َّ‬
‫۞۞۞‬

‫تاريخ ُّ‬
‫الدعوة إىل اهلل‪:‬‬ ‫مناذج منوعة من ِ‬
‫ِ‬ ‫صحاب األُ‬
‫ِ‬ ‫قص ُة َأ‬ ‫ِ‬ ‫َ‬
‫خدود وسور ُة ال ُب ِ‬
‫روج‬ ‫آخر تُطل ُقه َّ‬
‫إشعاع ُ‬‫ٌ‬ ‫هناك‬
‫ٍ‬
‫احتمال‪.‬‬ ‫وموقف الدَّ ِ‬
‫اعية َأما َم ِّ‬
‫كل‬ ‫ِ‬ ‫طبيعة الدَّ ِ‬
‫عوة إلى اهللِ‪،‬‬ ‫ِ‬ ‫َ‬
‫حول‬
‫ٍ‬
‫نهايات في‬ ‫منوع ًة من‬ ‫تاريخ الدَّ ِ‬
‫ُ‬
‫نماذج َّ‬‫َ‬ ‫عوة إلى اهلل‬ ‫لقد شهدَ‬
‫ِ‬
‫عوات‪..‬‬ ‫ٍ‬
‫مختلفة للدَّ‬ ‫األَرض‬
‫شعيب‪ ،‬وقو ِم ٍ‬
‫لوط‪،‬‬ ‫ٍ‬ ‫هود‪ ،‬وقو ِم‬ ‫نوح‪ ،‬وقو ِم ٍ‬
‫مصارع قو ِم ٍ‬ ‫شهدَ‬
‫َ‬
‫ُ‬
‫القرآن‬ ‫ِ‬
‫يذكر‬ ‫العدد‪ ،‬مجرد الن ِ‬
‫َّجاة‪ .‬ولم‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫القليلة‬ ‫ِ‬
‫المؤمنة‬ ‫ِ‬
‫الفئة‬ ‫ونجا َة‬
‫َّ َ‬
‫ِ‬
‫والحياة‪.‬‬ ‫دورا بعدَ ذلك في األَرض‬
‫للنَّاجي َن ً‬
‫ِّ‬
‫للمكذبي َن‬ ‫تقر ُر َأ َّن اهللَ ‪ ‬يريدُ َأحيانًا َأ ْن ُي ِّ‬
‫عج َل‬ ‫َّماذج ِّ‬
‫وهذه الن ُ‬
‫ٍ‬ ‫ال ُّط ِ‬
‫وفى؛ فهو‬‫العذاب في الدُّ نيا‪َ ،‬أ َّما الجزا ُء األَ ٰ‬‫ِ‬ ‫بقسط من‬ ‫غاة‬
‫َ‬
‫هناك‪.‬‬ ‫مرصو ٌد لهم‬
‫‪317‬‬

‫موسـى‬ ‫ِ‬
‫وجنـوده‪ ،‬ونجا َة‬ ‫َ‬
‫فرعون‬ ‫مص َـر َع‬ ‫ِ‬ ‫ُ‬
‫ٰ‬ ‫تاريـخ الدَّ عـوة ْ‬ ‫وشـهدَ‬
‫ِ‬
‫َّمكيـن للقـو ِم فـي األَرض فتـر ًة كانـوا فيهـا َأ َ‬
‫صلح ما‬ ‫ِ‬ ‫وقومـه‪ ،‬مـع الت‬
‫وإلى‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫وإن لم يرت ُقوا ُّ‬ ‫ِ‬
‫تاريخهـم‪ْ ،‬‬
‫قـط إلى االسـتقامة الكاملة‪ٰ ،‬‬ ‫كانـوا في‬
‫غير‬ ‫ً‬ ‫ِ‬ ‫ديـن اهلل فـي األَرض‬ ‫ِ‬
‫إقامـة ِ‬
‫نمـوذج ُ‬
‫ٌ‬ ‫شـامل‪ ..‬وهذا‬ ‫للحياة‬ ‫منهجا‬
‫ً‬
‫َّمـاذج األُ ٰ‬
‫ولى‪.‬‬ ‫ِ‬ ‫الن‬

‫مصرع المشركي َن ا َّلذي َن است ْع َصوا‬ ‫عوة كذلك‬ ‫تاريخ الدَّ ِ‬


‫ُ‬ ‫وشهدَ‬
‫َ‬
‫انتصارا ً‬
‫كامل‪.‬‬ ‫ً‬ ‫وانتصار المؤمني َن‬
‫َ‬ ‫بمحم ٍد ﷺ‬
‫َّ‬
‫ِ‬
‫واإليمان‬ ‫الهدى‬
‫ٰ‬ ‫على‬
‫ِ‬
‫الوحيدة في‬ ‫للمر ِة‬ ‫انتصار العقيدة في ِ‬‫ِ‬
‫وتم َّ‬ ‫انتصارا عجي ًبا‪َّ .‬‬
‫ً‬ ‫نفوسهم‬ ‫مع‬
‫ٍ‬ ‫ِ‬
‫صورة لم تعر ْفها‬ ‫الحياة في‬ ‫منهج اهلل مهيمنًا على‬
‫قيم ُ‬‫تاريخ البشر َّية َأ ْن ُأ َ‬
‫ِ‬
‫قط‪ ،‬من ُ‬
‫قبل وال من بعدُ ‪..‬‬ ‫البشر َّي ُة ُّ‬
‫ِ‬
‫خدود‪..‬‬‫صحاب األُ‬
‫ِ‬ ‫نموذج َأ‬ ‫وشهدَ ـ كما ر َأينا ـ‬
‫َ‬

‫ِّ‬
‫سجل الت ِ‬
‫َّاريخ اإليمانِّي في‬ ‫ظهورا في‬
‫ً‬ ‫قل‬‫خرى َأ َّ‬
‫نماذج ُأ ٰ‬
‫َ‬ ‫وشهدَ‬
‫ِ‬
‫ِّهايات‬ ‫تتراوح بين هذه الن‬ ‫نماذج‬ ‫يزال يشهدُ‬ ‫ِ‬
‫والحديث‪ .‬وما ُ‬ ‫القدي ِم‬
‫ُ‬ ‫َ‬
‫ِ‬ ‫على ِ‬
‫القرون‪.‬‬ ‫مدار‬ ‫ا َّلتي حف َظها ٰ‬
‫ِ‬
‫ِ‬
‫جانب‬ ‫حادث األُخدود‪ٰ ،‬‬
‫إلى‬ ‫ُ‬ ‫َّموذج ا َّلذي يم ِّث ُله‬
‫ِ‬ ‫ولم يك ْن ُبدٌّ من الن‬
‫ِ‬
‫والبعيد‪..‬‬ ‫ِ‬
‫القريب منها‬ ‫خرى‪.‬‬‫َّماذج األُ ٰ‬
‫الن ِ‬
‫‪318‬‬

‫دروس وع ٌرب ُّ‬


‫للدعاِة‪:‬‬ ‫ٌ‬

‫ؤخ ُذ‬ ‫َ‬


‫المؤمنون‪ ،‬وال ُي َ‬ ‫ينجو فيه‬‫َّموذج ا َّلذي ال ُ‬
‫ِ‬ ‫لم يك ْن ُبدٌّ من هذا الن‬
‫ِ‬
‫دعوة اهلل ـ َأنَّهم‬ ‫ِ‬
‫صحاب‬ ‫ليستقر في ِح ِّس المؤمني َن ـ َأ‬ ‫َ‬
‫الكافرون! ذلك‬
‫َّ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ٍ‬
‫ليس لهم من‬ ‫ون إلى نهاية كهذه النِّهاية في طريقهم إلى اهلل‪ ،‬و َأ ْن َ‬ ‫قد ُيد َع َ‬
‫مر العقيدة إلى اهللِ!‬
‫مرهم و َأ ُ‬ ‫مر شي ٌء‪ ،‬إنَّما َأ ُ‬‫األَ ِ‬

‫ثم يذه ُبوا‪ ،‬وواج ُبهم َأ ْن يختاروا اهللَ‪،‬‬‫إن عليهم َأن ُيؤ ُّدوا واج َبهم‪َّ ،‬‬
‫َّ‬
‫وأ ْن‬ ‫ِ‬
‫الفتنة‪َ ،‬‬ ‫ِ‬
‫باإليمان على‬ ‫وأ ْن يستع ُلوا‬ ‫ِ‬
‫الحياة‪َ ،‬‬ ‫وأ ْن يؤثِروا العقيد َة على‬
‫َ‬
‫وبأعدائِهم‪ ،‬كما ُ‬
‫يفعل‬ ‫هلل بهم َ‬ ‫ثم ُ‬
‫يفعل ا ُ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫العمل والنِّـ َّية‪َّ ،‬‬ ‫هلل في‬ ‫يصد ُقوا ا َ‬
‫ِ‬
‫ِّهايات ا َّلتي‬ ‫ٍ‬
‫نهاية من تلك الن‬ ‫إلى‬ ‫ِ‬
‫وينتهي بهم ٰ‬ ‫يشاء‪.‬‬
‫ُ‬ ‫بدعوتِ ِه ودين ِ ِه ما‬
‫إلى ِ‬ ‫ِ‬
‫يعلمه هو ويرا ُه‪.‬‬
‫غيرها مما ُ‬ ‫تاريخ اإليمان‪َ ،‬أو ٰ‬ ‫ُ‬ ‫عر َفها‬

‫إنَّهم ُأجرا ُء عندَ اهلل‪َ ،‬أينما وحي ُثما وكيفما َأرا َدهم َأ ْن يعم ُلوا‪،‬‬
‫وليس لهم وال عليهم َأ ْن تتَّج َه الدَّ عو ُة‬
‫جر المعلو َم! َ‬ ‫وقبضوا األَ َ‬
‫عم ُلوا ُ‬
‫شأ ُن األَ ِ‬
‫جير!‬ ‫صاحب األَ ِ‬
‫مر‪ ،‬ال َ‬ ‫ِ‬ ‫فذلك َ‬
‫شأ ُن‬ ‫َ‬ ‫ٍ‬
‫مصير‪،‬‬ ‫إلى َأ ِّي‬
‫ٰ‬
‫القلـب‪ِ ،‬‬
‫ورفع ًة في‬ ‫ِ‬ ‫ولـى َ‬
‫طمأنين ًة فـي‬ ‫يقبضـون الدُّ فعـ َة األُ ٰ‬
‫َ‬ ‫وهـم‬
‫ِ‬
‫والجواذب‪،‬‬ ‫(‪)1‬‬
‫َّصـو ِر‪ ،‬وانطال ًقا من األَ ْوهـاق‬ ‫ً‬
‫وجمال في الت ُّ‬ ‫الش ِ‬
‫ـعور‪،‬‬ ‫ُّ‬
‫ِ‬
‫حوال‪.‬‬ ‫كل ٍ‬
‫حال مـن األَ‬ ‫ِ‬
‫والقلق‪ ،‬فـي ِّ‬ ‫ِ‬
‫الخـوف‬ ‫وتحـر ًرا مـن‬
‫ُّ‬
‫يؤخذ به ويو َث ُق‪ ،‬و َأص ُل ُه للدَّ ِّ‬
‫واب‪ .‬والمعنى‪ :‬الت ََّح ُّرر‬ ‫ُ‬ ‫ِ‬
‫خص‬ ‫((( «ا ْل َو َه ُق» ‪َ :‬ح ْب ٌل ُي ْل َقى في ُعن ُِق َّ‬
‫الش‬
‫الح ْبس وال ُقيود‪.‬‬ ‫من َ‬
‫‪319‬‬
‫ِ‬
‫وذكرا وكرام ًة‪،‬‬
‫ً‬ ‫يقبضون الدُّ فع َة ال َّثاني َة ثنا ًء في المأل األَ ٰ‬
‫على‬ ‫َ‬ ‫وهم‬
‫هذه األَرض الص ِ‬
‫غيرة‪.‬‬ ‫وهم بعدُ في ِ‬
‫َّ‬ ‫َْ‬
‫ونعيما‬ ‫يسيرا‬ ‫ِ‬ ‫يقبضون الدُّ فع َة‬
‫َ‬
‫ً‬ ‫الكبرى في اآلخرة حسا ًبا ً‬ ‫ٰ‬ ‫ثم هم‬
‫ضوان اهللِ‪ ،‬و َأنَّهم‬ ‫كبر منها جمي ًعا‪ِ ،‬ر‬ ‫ٍ‬
‫َ‬
‫مختارون‬ ‫ُ‬ ‫كل دفعة ما هو َأ ُ‬ ‫كبيرا‪ .‬ومع ِّ‬ ‫ً‬
‫يفعل بهم في األَرض ما يشا ُء‪.‬‬ ‫وستارا ل ُقدرتِه‪ُ ،‬‬ ‫ً‬ ‫ليكونوا َأدا ًة لقدَ ِره‬
‫۞۞۞‬

‫حابة‪:‬‬
‫الص ِ‬ ‫ٌ‬
‫أمثلة من ص ِرب َّ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ختـارة مـن‬ ‫وهكـذا انتهـت التَّرب َّيـ ُة القرآن َّيـ ُة بالفئـة ُ‬
‫الم‬
‫َّطـو ِر‪ ،‬ا َّلـذي أطل َقهـم‬ ‫ِ‬ ‫الص ِ‬
‫ـدر األَ َّول ٰ‬
‫إلـى هـذا الت ُّ‬ ‫المسـلمي َن فـي َّ‬
‫نفسـهم من األَ ِ‬
‫مـر َألب َّت َة‪،‬‬ ‫وشـخوصهم؛ َفأ ُ‬
‫خرجوا َأ َ‬
‫ِ‬ ‫ـر ذواتِهـم ُ‬ ‫مـن َأ ْم ِ‬
‫علـى َأ ِّي‬
‫ٰ‬ ‫مـر‪ ،‬ورضـوا ِخ ْيـر َة اهلل‬ ‫صاحـب األَ ِ‬
‫ِ‬ ‫وعم ُلـوا ُأجـرا َء عنـد‬
‫ٍ‬
‫حـال‪.‬‬ ‫وعلـى َأ ِّي‬ ‫وضـ ٍع‬
‫ٰ‬
‫ُوج ُه‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫َّ‬ ‫ِ‬
‫وكانت التَّرب َّي ُة النَّبو َّي ُة‬
‫تتمش ٰى مع التَّوجيهات القرآن َّية‪ ،‬وت ِّ‬
‫ِ‬ ‫الص ِبر عـلى الدَّ ِ‬ ‫ِ‬
‫المـخـتار حت َّٰى‬ ‫ور‬ ‫نظار إلى الجنَّة‪ ،‬وإلى َّ‬ ‫القلوب واألَ َ‬
‫َ‬
‫ِ‬
‫واآلخرة سوا ًء‪.‬‬ ‫ذن اهللُ بما يشا ُء في الدُّ نيا‬ ‫ْيأ َ‬

‫الشـديدَ في‬ ‫العذاب َّ‬


‫َ‬ ‫عذ َ‬
‫بون‬ ‫ـارا و ُأ َّمه و َأبا ُه ‪ُ ‬ي َّ‬
‫يـرى َع َّم ً‬
‫كان ﷺ ٰ‬
‫ِ‬ ‫يقول‪« :‬صبرا َآل ي ِ‬
‫اس ٍ‬
‫الجنَّ ُة»(‪.)1‬‬
‫ُـم َ‬
‫ـر‪َ ،‬م ْوعدُ ك ُ‬ ‫على َأ ْن َ َ ْ ً َ‬ ‫مكَّـ َة؛ فما يزيدُ ٰ‬
‫وحسنه األلباني‬
‫َّ‬ ‫ووصله الحاكم‬
‫«السيرة» ‪ :‬ج‪ ،1‬ص ‪ ، 302‬بالغًا‪َ ،‬‬
‫(( ( رواه ابن إسحاق في ِّ‬
‫السيرة » للغزالي ‪ .‬ص ‪ ، 111‬طبعة دار القلم‪ :‬دمشق ‪.‬‬
‫لطرقه في تخريج « فقه ِّ‬
‫‪320‬‬

‫إلى رسول اهلل ﷺ وهو‬ ‫رت ‪ ‬قال‪َ :‬شكونا ٰ‬ ‫بن األَ ِّ‬ ‫اب ِ‬ ‫وعن خ َّب ِ‬
‫تستنصر لنا؟ َأو تدعو لنا؟ فقال‪:‬‬ ‫الكعبة‪ ،‬فقلنا‪َ :‬أال‬ ‫ِ‬ ‫ظل‬ ‫توسدٌ ُبر َد ًة في ِّ‬
‫ُ‬ ‫ُم ِّ‬
‫الر ُج ُل ف ُيح َف ُر َل ُه في األَرض َف ُي ْج َع ُل فِيها‪،‬‬ ‫ؤخ ُذ َّ‬ ‫َان َم ْن َق ْب َلكُم ُي َ‬
‫« َقدْ ك َ‬
‫مش ُط َبأم َش ِ‬
‫اط‬ ‫ين‪ ،‬و ُي ْ‬‫رأ ِس ِه ف ُيج َع ُل نِ ْص َف ِ‬
‫على ْ‬ ‫َ‬ ‫بالمن ِ‬ ‫ُثم ي ْؤتى ِ‬
‫ْ‬ ‫فيوض ُع ٰ‬ ‫ْشار‬ ‫َّ ُ ٰ‬
‫هلل‬ ‫ِ‬ ‫ِِ‬ ‫بعدُ ه َ‬ ‫حم ِه وع ْظ ِم ِه‪ ،‬ما ي ِ‬ ‫ون َل ِ‬ ‫الح ِ‬
‫ذلك َع ْن دينه‪ ،‬واهلل ل ُيت َّم َّن ا ُ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ديد َما ُد َ‬ ‫َ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫إلى َح ْض َر َم ْو َت؛ َفال‬ ‫نعاء ٰ‬ ‫اكب م ْن َص َ‬ ‫الر ُ‬ ‫مر حت َّٰى َيس َير َّ‬ ‫َعالى هذا األَ َ‬
‫ت ٰ‬
‫ون»(‪.)1‬‬‫ج ُل َ‬‫على َغن َِم ِه‪ ،‬و َلكنَّكُم ت َْس َت ْع ِ‬
‫ْب ٰ‬ ‫هلل‪ِّ ،‬‬
‫والذئ َ‬ ‫اف إلَّ ا َ‬
‫َيخَ ُ‬

‫۞۞۞‬

‫كم اإلهليَّة‪:‬‬
‫حل ُ‬
‫اِ‬
‫ِ‬
‫الكون‬ ‫كل ٍ‬
‫حال‪ ،‬و ُمد ِّب ُر هذا‬ ‫كل وض ٍع وورا َء ِّ‬
‫إن هلل حكم ًة ورا َء ِّ‬ ‫َّ‬
‫المنس ُق ألَحداثِه وروابطِه‪ ،‬هو ا َّلذي‬‫ِّ‬ ‫ِ‬
‫وآخره‪،‬‬ ‫على َأ َّولِه‬
‫لع ٰ‬‫ك ِّله‪ ،‬الم َّط ُ‬
‫ِ‬
‫المستور‪ ،‬الحكم َة ا َّلتي تت ُ‬
‫َّفق مع‬ ‫يعرف الحكم َة المكنون َة في غيبِه‬
‫ُ‬
‫الس ِير ال َّط ِ‬
‫ويل‪.‬‬ ‫مشيئتِه في ِّ‬
‫خط َّ‬
‫ِ‬
‫حكمة‬ ‫ٍ‬
‫وقرون ـ عن‬ ‫يكشف لنا ـ بعد َأ ٍ‬
‫جيال‬ ‫ُ‬ ‫بعض األَ ِ‬
‫حيان‬ ‫ِ‬ ‫وفي‬
‫لون‪:‬‬ ‫يدركون حكمتَه‪ ،‬ولع َّلهم كانوا َ‬
‫يسأ َ‬ ‫َ‬ ‫معاصروه‬ ‫ٍ‬
‫حادث لم يك ْن‬
‫ُ‬
‫يقع هذا؟‬
‫رب ُ‬‫لماذا؟ لماذا يا ِّ‬
‫يعرف‬
‫ُ‬ ‫الجهل ا َّلذي َيتو َّقا ُه المؤم ُن؛ ألَنَّه‬
‫ُ‬ ‫نفسه هو‬ ‫الس ُ‬
‫ؤال ُ‬ ‫وهذا ُّ‬
‫(( ( رواه البخاري (‪ )6544‬من حديث‪.‬‬
‫‪321‬‬

‫تصو ِره‪ ،‬و ُب ْعدَ‬ ‫ِ‬


‫المجال في ُّ‬ ‫كل قدَ ٍر؛ وألَ َّن َس َع َة‬ ‫ابتدا ًء َأ َّن َ‬
‫هناك حكم ًة ورا َء ِّ‬
‫َّفكير ابتدا ًء في‬ ‫والموازين ت ِ‬
‫ُغنيه عن الت ِ‬ ‫ِ‬ ‫والمكان ِ‬
‫والق َيم‬ ‫ِ‬ ‫الز ِ‬
‫مان‬ ‫المدى في َّ‬
‫ٰ‬
‫ٍ‬
‫واطمئنان‪.‬‬ ‫دورة القدَ ِر في استسال ٍم‬ ‫ؤال؛ فيسير مع ِ‬ ‫مثل هذا الس ِ‬ ‫ِ‬
‫ُ‬ ‫ُّ‬
‫اآلخرة ُ‬
‫غاية ُّ‬
‫الدعاِة‪:‬‬ ‫ُ‬

‫القلوب‬ ‫لحمل األَ ِ‬


‫مانة‪ ،‬وهذه‬ ‫ِ‬ ‫نشئ قلو ًبا ُي ِعدُّ ها‬ ‫ُ‬ ‫لقد َ‬
‫ُ‬ ‫القرآن ُي ُ‬ ‫كان‬
‫بحيث ال تتط َّل ُع ـ وهي‬ ‫ُ‬ ‫َّجر ِد‬ ‫ِ‬
‫والقوة والت ُّ‬ ‫َّ‬
‫تكون من الص ِ‬
‫البة‬ ‫َّ‬ ‫َ‬ ‫يجب َأ ْن‬
‫كان ُ‬
‫هذه األَ ٍ‬
‫رض‪ ،‬وال‬ ‫شيء في ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫إلى‬ ‫ٍ‬ ‫وتحتمل َّ‬
‫ُ‬ ‫ٍ‬ ‫تبذل َّ‬ ‫ُ‬
‫كل شيء ـ ٰ‬ ‫شيء‪،‬‬ ‫كل‬
‫ضوان ِ‬
‫الله‪ ..‬قلو ًبا مستعدَّ ًة لقط ِع‬ ‫َ‬ ‫اآلخرة‪ ،‬وال ترجو َّإل ِر‬‫ِ‬ ‫تنظر َّإل إلى‬‫ُ‬
‫ٍ‬
‫وتضحية حتَّى‬ ‫ٍ‬
‫وعذاب‬ ‫ٍ‬
‫وحرمان‬ ‫ٍ‬
‫وشقاء‬ ‫ب‬‫رحلة األَرض ك ِّلها في ن ََص ٍ‬ ‫ِ‬

‫انتصار‬ ‫قريب‪ ،‬ولو َ‬


‫كان هذا الجزا ُء هو‬ ‫ٍ‬ ‫جزاء في هذه األَرض‬ ‫الموت‪ ،‬بال ٍ‬ ‫ِ‬
‫َ‬
‫كان هذا الجزا ُء هو‬ ‫وظهور المسلمي َن؛ بل لو َ‬ ‫عوة‪ ،‬وغلب َة اإلسالم‬ ‫الدَّ ِ‬
‫َ‬
‫بالمكذبي َن األَ َّولي َن!‬
‫ِّ‬ ‫ٍ‬
‫مقتدر‪ ،‬كما َ‬
‫فعل‬ ‫هالك ال َّظالمي َن َبأ ْخ ِذهم َأ ْخ َذ ٍ‬
‫عزيز‬ ‫َ‬

‫ليـس َأما َمها في‬


‫تعلـم َأ ْن َ‬ ‫ُ‬ ‫القلـوب‪ ،‬ا َّلتي‬
‫ُ‬ ‫جـدت هـذه‬ ‫ْ‬ ‫َّـى إذا ُو‬
‫حت ٰ‬
‫تنتظر اآلخر َة‬ ‫مقابـل ـ و َأ ْن‬
‫ٍ‬ ‫مقابل ـ َأ ِّي‬
‫ٍ‬ ‫تعطـي بال‬ ‫رحلـة األَرض َّإل َأ ْن‬ ‫ِ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫َّـى إذا ُو ِجـدَ ْت هذه‬ ‫ِ‬
‫والباطل؛ حت ٰ‬ ‫الحـق‬
‫ِّ‬ ‫ِ‬
‫للفصل بيـ َن‬ ‫وحدَ هـا موعـدً ا‬
‫علـى مـا باي َعـت وعاهـدَ ت‪،‬‬ ‫ٰ‬ ‫هلل منهـا ِصـدْ َق ن َّيتِهـا‬ ‫وعلـم ا ُ‬
‫َ‬ ‫القلـوب‪،‬‬
‫ُ‬
‫لنفسـها‪ ،‬ولكـن لتقو َم‬ ‫آتاهـا النَّصـر فـي األَرض‪ ،‬وائتمنَهـا عليـه‪ ..‬ال ِ‬
‫َ‬
‫مانـة منذ كانَت لـم تُوعَدْ‬ ‫داء األَ ِ‬ ‫هـل ألَ ِ‬ ‫اإللهـي‪ ،‬وهي َأ ٌ‬ ‫َبأ ِ‬
‫مانـة المنهـج‬
‫ِّ‬
‫‪322‬‬
‫ٍ‬ ‫ٍ‬
‫شـيء من‬ ‫إلـى‬
‫ـع ٰ‬ ‫بشـيء مـن المغنـ ِم فـي الدُّ نيـا تتقاضـا ُه‪ ،‬ولـم تتط َّل ْ‬
‫المغنـ ِم فـي األَرض تُعطا ُه‪ .‬وقـد َّ‬
‫تجـر َد ْت هلل ح ًّقا يو َم كانـت ال ُ‬
‫تعلم‬
‫لهـا جـزا ًء َّإل رضا ُه‪.‬‬
‫وذكر فيها َأ ُ‬ ‫ِ‬
‫خذ‬ ‫المغانم‪َ ،‬‬
‫ُ‬ ‫وذكر فيها‬
‫َّصر‪َ ،‬‬ ‫وكل اآليات ا َّلتي ُذ َ‬
‫كر فيها الن ُ‬ ‫ُّ‬
‫المدينة‪ ..‬بعد ذلك‪..‬‬‫ِ‬ ‫يدي المؤمني َن نز َل ْت في‬‫المشركين في األَرض َبأ ِ‬
‫َ‬
‫وانتظاره وتط ُّل ِعه‪.‬‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫المؤمن‬ ‫ِ‬
‫برنامج‬ ‫خارج‬
‫َ‬ ‫صبحت هذه األُ ُ‬
‫مور‬ ‫وبعد َأ ْن َأ َ‬
‫َ‬
‫تكـون لهـذا‬ ‫ـت َأ ْن‬ ‫َّصـر ذاتُـه؛ ألَ َّن مشـيئ َة اهلل َ‬
‫اقتض ْ‬ ‫وجـا َء الن ُ‬
‫صـورة عملي ٍ‬
‫ٍ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ـة‬ ‫َّ‬ ‫المنهـج واقع َّيـ ٌة فـي الحيـاة اإلنسـان َّية‪ِّ ،‬‬
‫تقـر ُره فـي‬
‫ِ‬
‫َّصـب‬ ‫جيـال‪ ..‬فلـم يكـ ْن جـزا ًء علـى الت ِ‬
‫َّعـب والن‬ ‫دة تراهـا األَ ُ‬ ‫محـدَّ ٍ‬
‫ِ‬
‫َّضحيـة واآلال ِم‪ ،‬إنَّمـا كان َقـدَ ًرا من قـدَ ِر اهلل تكْمـ ُن ورا َءه حكم ٌة‬
‫والت‬
‫ُ‬
‫نحـاول رؤيتَهـا َ‬
‫اآلن‪.‬‬

‫لدعاِة ِّ‬
‫احلق‪:‬‬ ‫وصايا ُ‬

‫كل َأ ٍ‬
‫رض‬ ‫وهذه ال َّلفت ُة جدير ٌة َبأ ْن يتد َّب َرها الدُّ عا ُة إلى اهللِ‪ ،‬في ِّ‬
‫معالم ال َّط ِ‬
‫ريق واضح ًة بال‬ ‫َ‬ ‫جيل؛ فهي كفيل ٌة َبأ ْن تُر َيهم‬ ‫ٍ‬ ‫وفي ِّ‬
‫كل‬
‫إلى نهايتِه‪،‬‬ ‫يريدون َأ ْن يقط ُعوا ال َّط َ‬
‫ريق ٰ‬ ‫َ‬ ‫ش‪ ،‬و َأ ْن تث ِّب َت ُخطى ا َّلذي َن‬
‫َغ َب ٍ‬
‫كانت هذه النِّهاي ُة‪.‬‬
‫ْ‬ ‫كيفما‬
‫يلتفتون في َأ ِ‬
‫ثناء‬ ‫َ‬ ‫ُ‬
‫يكون‪ ،‬فال‬ ‫وبهم ما‬‫قدر اهلل بدعوتِه ِ‬ ‫ُ‬
‫يكون ُ‬ ‫ثم‬
‫َّ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ال َّط ِ‬
‫المفروش بالجماج ِم واألَشالء‪ ،‬وبالعرق والدِّ ماء‪ٰ ،‬‬
‫إلى‬ ‫ِ‬ ‫ريق الدَّ امي‬
‫‪323‬‬

‫هذه األَرض‪ ..‬ولك ْن‬ ‫والباطل في ِ‬‫ِ‬ ‫الحق‬


‫ِّ‬ ‫نصر َأو َغ َل ٍبة‪َ ،‬أو َف ٍ‬
‫يصل بين‬ ‫ٍ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫هلل يريدُ َأ ْن‬
‫يصنع بهم شي ًئا من هذا لدعوته ولدينه َف ُّ‬
‫سيتم ما‬ ‫َ‬ ‫إذا َ‬
‫كان ا ُ‬
‫رض ليست‬ ‫ِ‬
‫َّضحيات‪ ..‬ال‪ ،‬فاألَ ُ‬ ‫يريدُ ُه اهللُ‪ ..‬ال جزا ًء على اآلال ِم والت‬
‫على َأيدي‬ ‫ِ‬ ‫لقدر اهلل في َأ ِ‬‫جزاء‪ ..‬وإنَّما تحقي ًقا ِ‬ ‫ٍ‬
‫مر دعوته ومنهجه ٰ‬ ‫دار‬
‫َ‬
‫وح ْس ُبهم هذا‬ ‫مضي بهم من األَ ِ‬ ‫ناس من ِ‬ ‫ٍ‬
‫مر ما يشا ُء‪َ ،‬‬ ‫َ‬ ‫يختارهم ل ُي‬
‫ُ‬ ‫عباده‬
‫تهون إلى جانبِه وتصغر ِ‬
‫هذه الحياةُ‪ُّ ،‬‬ ‫الكريم‪ ،‬ا َّلذي‬
‫وكل ما‬ ‫ْ ُ‬ ‫ُ ٰ‬ ‫ُ‬ ‫االختيار‬
‫ُ‬
‫ِ‬
‫سرا َء َأو َّ‬
‫ضرا َء(‪.)1‬‬ ‫يقع في رحلة األَرض من َّ‬ ‫ُ‬
‫ُ‬
‫املعركة معركة عقيدِة‪:‬‬
‫ِ‬ ‫يشير إليها َأحدُ الت‬
‫على‬
‫َّعقيبات القرآن َّية ٰ‬
‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫هنالك حقيق ٌة ُأ ٰ‬
‫خرى‬ ‫َ‬
‫تعالى‪﴿ :‬ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ‬ ‫ٰ‬ ‫خدود في قولِه‬
‫ِ‬ ‫قص ِة األُ‬
‫َّ‬
‫َ‬
‫اعون إلى‬ ‫َ‬
‫المؤمنون الدَّ‬ ‫يتأ َّملها‬ ‫ﭷ﴾[البروج‪ .]8 :‬حقيق ٌة ِ‬
‫ينبغي َأ ْن َ‬
‫كل ٍ‬
‫جيل‪.‬‬ ‫كل َأ ٍ‬
‫رض‪ ،‬وفي ِّ‬ ‫اهلل في ِّ‬
‫ِ‬
‫صميمها معرك ُة‬ ‫ِ‬
‫وخصومهم هي في‬ ‫إن المعرك َة بين المؤمني َن‬
‫َّ‬

‫جل في عُاله ـ‬ ‫هادة؛ قبل َأن يؤ ِّد َيها لر ِّبه ـ َّ‬ ‫الش ِ‬ ‫((( هكذا تك َّل َم س ِّيد ُق ُطب ‪ ‬عن َّ‬
‫صدق ومح َّب ٍة؛ ألَ َّن َّ‬
‫الشها َدةَ‪ :‬ليست نهاية فرد‪..‬‬ ‫ٍ‬ ‫ِ‬
‫المرحومة ِّ‬
‫بكل‬ ‫ثم ألُ َّمته‬ ‫ٍ‬
‫إخالص‪َّ ..‬‬ ‫ِّ‬
‫بكل‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫وقو ٌة إيجاب َّي ٌة؛‬ ‫ٍ‬ ‫ِ‬
‫وقرع‬
‫ٌ‬ ‫الحياة‪،‬‬ ‫مسار‬ ‫لتعديل‬ ‫قصة حياة؛ بل هي طاق ٌة ج َّبارةٌ‪َّ ..‬‬ ‫وال نهاية َّ‬
‫عميق له‪ ،‬وإفقا ٌد لشرع َّيتِه‪،‬‬‫ٌ‬ ‫ٌ‬
‫وإسقاط‬ ‫ِ‬
‫للباطل‪،‬‬ ‫وإزعاج ٍ‬
‫داو‬ ‫ٌ‬ ‫الحق‪،‬‬
‫ِّ‬ ‫اللة على‬ ‫صاخب للدَّ ِ‬
‫ٌ‬
‫ُّ‬ ‫فصدق ‪ ‬عندما َ‬ ‫َ‬ ‫ِ‬
‫وهزيم ٌة النتفاشته!‬
‫الشمو ِع ال َ‬
‫روح‬ ‫عرائس من ُّ‬
‫َ‬ ‫(ستظل كلماتُنا‬ ‫قال‪:‬‬
‫وكتبت لها الحياةُ!)‪.‬‬ ‫وح‪،‬‬ ‫ِ‬
‫ْ‬ ‫الر ُ‬ ‫فيها وال حياةَ؛ حت َّٰى إذا متْنا في سبيلها د َّب ْت فيها ُّ‬
‫‪324‬‬

‫َ‬
‫ينقمون‬ ‫وإن خصو َمهم ال‬ ‫ِ‬
‫اإلطالق‪َّ ،‬‬ ‫آخر على‬ ‫ٍ‬
‫وليست شي ًئا َ‬
‫ْ‬ ‫عقيدة‬
‫يسخطون منهم َّإل العقيدةَ‪..‬‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫اإليمان‪ ،‬وال‬ ‫منهم َّإل‬

‫ليست معرك ًة سياس َّي ًة‪ ،‬وال معرك ًة اقتصاد َّي ًة‪ ،‬وال معرك ًة‬‫ْ‬ ‫إنَّها‬
‫وس ُه َل َح ُّل‬
‫كانت شيئًا من هذا َل َس ُه َل وق ُفها‪َ ،‬‬ ‫ْ‬ ‫عنصر َّي ًة‪ ..‬ولو‬
‫ٍ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫إيمان‪َّ ..‬إما‬
‫ٌ‬ ‫وإما‬
‫كفر َّ‬‫إشكالها‪ ،‬ولكنَّها في صميمها معرك ُة عقيدة؛ َّإما ٌ‬
‫جاهل َّي ٌة َّ‬
‫وإما إسال ٌم!‬
‫َ‬
‫المال‬ ‫على رسول اهلل ﷺ‬ ‫ضون ٰ‬ ‫َ‬ ‫كبار المشركي َن َي ِ‬
‫عر‬ ‫كان ُ‬ ‫ولقد َ‬
‫ٍ‬
‫واحد‪َ ،‬أن َيدَ َع معرك َة العقيدة و َأن‬ ‫ٍ‬
‫شيء‬ ‫ِ‬
‫مقابل‬ ‫تاع في‬‫والم َ‬
‫والحك َْم َ‬
‫ُ‬
‫ٍ‬
‫شيء مما َأرادو ُه ما‬ ‫إلى‬ ‫مر! ولو َأجا َبهم ـ َ‬‫ُيدْ ِه َن في هذا األَ ِ‬
‫حاشاه ـ ٰ‬
‫ِ‬
‫اإلطالق!‬ ‫بق َي ْت بينَهم وبينَه معرك ٌة على‬

‫يجب َأ ْن يسـتيقنَه‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬


‫إنَّهـا قض َّيـ ُة عقيـدة ومعرك ُة عقيـدة‪ ..‬وهذا مـا ُ‬
‫لهذه‬ ‫ٍ‬
‫لشـيء َّإل ِ‬ ‫المؤمنـون حيثمـا واجهوا عدوا لهـم؛ فإنَّه ال ِ‬
‫يعاديهم‬ ‫َ‬
‫ًّ‬
‫العقيـدة‪﴿ ،‬ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ﴾ [البـروج‪ ، ]8 :‬و ُي ْخ ِلصوا له‬
‫والخضوع!‬
‫َ‬ ‫وحدَ ه ال َّطاعـ َة‬
‫للمعركة راي ًة غير ِ‬
‫راية‬ ‫ِ‬ ‫يحاول َأعدا ُء المؤمني َن َأ ْن يرفعوا‬
‫ُ‬ ‫وقد‬
‫َ‬
‫يموهوا على‬ ‫العقيدة‪ ،‬راي ًة اقتصاد َّي ًة َأو سـياسـ َّي ًة َأو عنـصـر َّي ًة‪ ،‬كي ِّ‬
‫رواحهم شعل َة العقيدة‪ .‬فمن‬ ‫ويطفئوا في َأ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫المعركة‪،‬‬ ‫المؤمني َن حقيق َة‬
‫واجب المؤمني َن َأال ُي ْخدَ عوا‪ ،‬ومن واجبِهم َأ ْن يدركُوا َأ َّن هذا تموي ٌه‬ ‫ِ‬
‫‪325‬‬
‫ِ‬ ‫لغرض مبي ٍ‬
‫المعركة إنَّما يريدُ َأ ْن يخد َعهم عن‬ ‫ت‪ ،‬و َأ َّن ا َّلذي ُيغ ِّي ُر راي َة‬ ‫ٍ َّ‬
‫الص ِ‬ ‫ٍ‬ ‫ِ‬ ‫الحقيقي فيها‪ ،‬الن ِ‬ ‫سالح الن ِ‬
‫ور‪ ،‬سوا ٌء جا َء‬ ‫َّصر في َأ َّية صورة من ُّ‬ ‫ِّ‬ ‫َّصر‬ ‫ِ‬
‫ِ‬
‫خدود‪،‬‬ ‫ِ‬
‫حادث األُ‬ ‫وقع للمؤمني َن في‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫وحي كما َ‬
‫الر ِّ‬‫في صورة االنطالق ُّ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫َ‬
‫حدث‬ ‫وحي ـ كما‬ ‫َأم في صورة الهيمنة ـ النَّاشئة من االنطالق ُّ‬
‫الر ِّ‬
‫للجيل األَ َّو ِل من المسلمي َن‪.‬‬
‫ِ‬

‫الصليب َّي ِة‬ ‫ِ‬


‫الراية في محاولة َّ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫نموذجا من تمويه َّ‬ ‫ً‬ ‫ونح ُن نشهدُ‬
‫َّاريخ‪،‬‬ ‫ِ‬
‫المعركة‪ ،‬و َأن ت َُز ِّو َر الت َ‬ ‫ِ‬
‫حقيقة‬ ‫العالم َّي ِة اليو َم َأ ْن تخد َعنا عن‬
‫كل‪ ..‬إنَّما‬ ‫ِ‬
‫لالستعمار‪َّ ..‬‬ ‫الصليب َّي َة كانت ً‬
‫ستارا‬ ‫الحروب َّ‬
‫َ‬ ‫فتزعم لنا َأ َّن‬
‫َ‬
‫الصليب َّي ِة‪ ،‬ا َّلتي لم‬ ‫وح َّ‬‫للر ِ‬
‫تار ُّ‬‫الس َ‬ ‫خرا هو ِّ‬ ‫االستعمار ا َّلذي جا َء َ‬
‫متأ ً‬ ‫ُ‬ ‫َ‬
‫كان‬
‫مت‬ ‫الوسطى! وا َّلتي تح َّط ْ‬ ‫ِ‬
‫القرون‬ ‫كانت في‬
‫فور كما ْ‬ ‫الس ِ‬
‫ٰ‬ ‫تعدْ قادر ًة على ُّ‬
‫صالح‬ ‫ِ‬
‫العناصر‪ ،‬وفيهم‬ ‫ِ‬
‫بقيادة مسلمي َن من شتَّى‬ ‫ِ‬
‫صخرة العقيدة‬ ‫على‬
‫ُ‬ ‫ٰ‬
‫العناصر ا َّلتي نس َي ْت قوم َّيتَها‬
‫ُ‬ ‫المملوكي‪،‬‬
‫ِّ‬ ‫الكردي‪ ،‬وتُوران شاه‬
‫ُّ‬ ‫الدِّ ين‬
‫تحت ِ‬
‫راية العقيدة‪..‬‬ ‫فانتصرت َ‬
‫ْ‬ ‫وذكرت ْعقيدتَها‬
‫َ‬
‫﴿ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ﴾ [البروج‪. ]8 :‬‬

‫الخادعون!‬
‫َ‬ ‫هون‬
‫الم َم ِّو َ‬
‫وكذب ُ‬
‫َ‬ ‫العظيم‪،‬‬
‫ُ‬ ‫َ‬
‫وصدق اهلل‬
‫ ‬

‫‪5.....................................................................‬‬

‫‪17.................................................................‬‬
‫(‪ )1‬س ِّيد ُق ُطب اإلنسان‪19............................................................‬‬
‫(‪ )2‬س ِّيد ُق ُطب المفكِّر ‪23............................................................‬‬
‫َأ َّو ًل ـ المراحل الفكرية لحياته‪23......................................................:‬‬
‫ِ‬
‫لنهضة األُ َّمة‪24................................................ :‬‬ ‫ثان ًيا ـ مشروعُه الفكري‬

‫ثال ًثا ـ منهجه الدَّ ُّ‬


‫عوي‪27...............................................................:‬‬
‫راب ًعا ـ هل لس ِّيد ُق ُطب جماعة وأتباع؟ ‪29...............................................‬‬
‫السلف‪31................................... .‬‬
‫خامسا ـ عقيدته ونقده للمخالفين لمنهج َّ‬
‫ً‬
‫(‪ )3‬فكر سيد ُق ُطب في الميزان ‪33....................................................‬‬
‫زات ِ‬
‫فكره‪33................................................................ :‬‬ ‫َأ َّو ًل ـ مم ِّي ُ‬
‫ثان ًياـ تأثير كالمه وكتاباته‪34........................................................... :‬‬

‫الشرس ُة ٰ‬
‫على فكره‪37................................................... :‬‬ ‫ثال ًثا ـ الهجم ُة َّ‬

‫فئات ا َّلذين واجهوا َ‬


‫فكره‪39................................................... :‬‬ ‫راب ًعا ـ ُ‬
‫على فكره‪41................................................ .‬‬
‫واعتراضات ٰ‬
‫ٌ‬ ‫خامسا ـ نقدٌ‬
‫ً‬
‫ين عـند س ِّيد ُق ُطب ُأ ِسـيء فهـمهما‪« :‬الجاهل َّية»‬
‫مصطلح ِ‬
‫َ‬ ‫تـوضـيـح ألَ ِّ‬
‫هـم‬ ‫ٌ‬ ‫سادسا ـ‬
‫ً‬
‫و«الحاكم َّية»‪44....................................................................... .‬‬
‫‪328‬‬
‫ِّرين في س ِّيد ُق ُطب ‪57...................................‬‬ ‫ِ‬
‫شهادات العلماء والمفك َ‬
‫ُ‬ ‫(‪)4‬‬
‫الكبير‪ ..‬محمد ُق ُطب ‪57....................................... : ‬‬
‫ُ‬ ‫‪ ١‬ـ ُأستا ُذنا المفكر‬
‫‪ ٢‬ـ األُستاذ سالم البهنساوي ‪58.................................................... :‬‬
‫العلم ُة‪ ..‬بكر بن عبد الله َأبو زيد ‪61.................................... :‬‬
‫شيخنا َّ‬
‫‪٣‬ـ ُ‬
‫العلم ُة عبد العزيز بن عبد الله بن باز ‪63.................................:‬‬
‫شيخنا َّ‬
‫‪٤‬ـ ُ‬
‫العلم ُة محمد ناصر الدِّ ين األَلباني ‪63.........................:‬‬
‫ث َّ‬‫شيخنا المحدِّ ُ‬
‫‪٥‬ـ ُ‬
‫شيخنا َّ‬
‫العلمة عبد الله بن عبد الرحمن الجبرين ‪64............................ :‬‬ ‫‪٦‬ـ ُ‬
‫‪ ٧‬ـ فضيلة الشيخ َّ‬
‫العلمة حمود بن عقالء ُّ‬
‫الشعيبي ‪64.............................. :‬‬
‫‪ ٨‬ـ فضيل ُة الشيخ عبد العزيز بن عبد الله آل الشيخ‪ ،‬مفتي السعودية‪66..................:‬‬
‫‪ ٩‬ـ فضيلة العالمة الشيخ الفاضل بن عاشور ‪67.................................... :‬‬
‫‪10‬ـ فضيلة الشيخ العالمة األَديب الفقيه علي الطنطاوي‪68.........................:‬‬

‫(‪ )5‬كتاب «معالم في الطريق»‪69.....................................................‬‬


‫***‬
‫‪81.................................................................‬‬
‫‪83........................................................................‬‬

‫‪85....................................................................‬‬
‫للبشر َّي ِة جديدة! ‪86......................................................‬‬ ‫ٍ‬
‫قيادة َّ‬ ‫ال ُبدَّ من‬

‫* إنهيار الشيوعية ‪ ....................................................................‬ح(‪86/)1‬‬

‫المنهج‪87............................ .‬‬
‫َ‬ ‫القيم‪ ،‬وهذا‬
‫تلك َ‬ ‫يملك َ‬
‫ُ‬ ‫اإلسال ُم وحدَ ه هو ا َّل ْ‬
‫ذي‬
‫هل األُ َّم ُة المسلم ُة موجودةٌ؟‪88.........................................................‬‬
‫ِ‬

‫* تنبيه‪ :‬مقصد س ِّيد ُق ُطب بانقطاع وجود األمة المسلمة ‪...................................‬ح‪89/‬‬

‫* تنبيه‪ :‬مقصد س ِّيد ُق ُطب بنفي صلة األمة باإلسالم ‪.......................................‬ح‪89/‬‬

‫(( ( كل عنوان وضع بجواره حرف (ح) فهو من تعليقات وتنبيهات المعتني في الحاشية‪.‬‬
‫‪329‬‬
‫لقيادة البشر َّي ِة؟‪90.......................................................‬‬
‫ِ‬ ‫يؤه ُلنا‬
‫ما ا َّلذي ِّ‬
‫واقع العال ِم اليو َم؟ ‪92................................................................‬‬
‫ما ُ‬
‫* تنبيه ‪ :‬مقصد س ّيد ُق ُطب بوصف الجاهلية في العالم ككل‪...............................‬ح‪92/‬‬

‫اإلسالمي ‪94.................................................‬‬ ‫ِ‬


‫البعث‬ ‫معالم طريق طليعة‬
‫ِّ‬ ‫ُ‬
‫كتبت «معالم في ال َّطريق»‪95........................... :‬‬ ‫ِ‬ ‫رج َّو ِة‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫المرتقبة ُ‬ ‫لهذه ال َّطليعة َ‬
‫الم ُ‬

‫‪97..................................................................‬‬
‫ُ‬
‫والقرآن‪98................................................................... :‬‬ ‫الصحاب ُة‬
‫َّ‬
‫* تنبيه‪ :‬مقصد س ِّيد ُق ُطب باستشهاده بحديث‪« :‬لو كان موسى ح ًّيا» ‪......................‬ح‪100/‬‬

‫منهج التَّلقي عند الجيل الفريد‪101. ...................................................:‬‬


‫العزل ُة ُّ‬
‫الشعور َّية عن المجتمع الجاهلي‪103. .......................................... :‬‬
‫* تنبيه‪ :‬مقصد س ِّيد ُق ُطب بمصطلح (المجتمع الجاهلي) ‪................................‬ح‪107/‬‬

‫الجاهلي‪107. ...............................................:‬‬
‫ِّ‬ ‫االستعال ُء على المجتمع‬
‫* الحديث عن تنبؤ س ِّيد ُق ُطب عن مواجهة جلَّ ده ‪.......................................‬ح‪108/‬‬

‫‪109.........................................................‬‬
‫القرآن المكي في ِ‬
‫بناء العقيدة‪110. ................................................:‬‬ ‫ِ‬ ‫دور‬
‫ِّ‬ ‫ُ‬
‫العقيد ُة َأ َّو ًل‪111. ..................................................................... :‬‬
‫الجاهلي األَ َّو ِل‪113. ................................................... :‬‬
‫ِّ‬ ‫ُ‬
‫حال المجتمع‬
‫ٍ‬
‫إصالح‪115. ............................................... :‬‬ ‫دعو ٌة ر َّبان َّي ٌة وليست حرك َة‬
‫الجزيرة العرب َّي ِة قبل بعثة النبي ﷺ‪117. .........................‬‬
‫ِ‬ ‫خالقي في‬
‫ُّ‬ ‫المستوى األَ‬

‫صور الدَّ عارة في المجتمع الجاهلي القديم ‪118. ......................................‬‬


‫ِ‬
‫الفرد والمجتمع‪120. ...........................................:‬‬ ‫ِ‬
‫إصالح‬ ‫طريق‬
‫ُ‬ ‫العقيد ُة‬
‫* العقيدة الصحيحة وأثر بنائها في المجتمع المسلم ‪............................‬ح‪120/‬‬
‫ِ‬
‫القلوب والعقول َأ َّو ًل وأثر ذلك‪122. .............................‬‬ ‫ُ‬
‫تكون في‬ ‫إقام ُة الدِّ ين‬
‫‪330‬‬
‫أمراض المجتمع؟‪123. ............................................‬‬
‫َ‬ ‫تعالج العقيد ُة‬
‫ُ‬ ‫كيف‬
‫واقعي‪126. ............................................................. :‬‬ ‫ٌّ‬ ‫حركي‬
‫ٌّ‬ ‫منهج‬
‫ٌ‬
‫ِ‬
‫الجيل المسل ِم‪126. ................................................ :‬‬ ‫ِ‬
‫َّشريع بعدَ إنشاء‬ ‫الت‬
‫ُ‬
‫فهم الواق ِع من مسؤول َّي ِة الدُّ عاة‪129. .................................................. :‬‬‫ُ‬
‫* تنبيه‪ :‬مقصد س ِّيد ُق ُطب بتوضيح مراحل الدعوة والبدء بالعقيدة ‪........................‬ح‪129/‬‬
‫العجل ُة آف ُة الدُّ عاة‪130. ................................................................:‬‬
‫ِ‬
‫عرض العقيدة‪131. ............................................. :‬‬ ‫القرآني في‬
‫ُّ‬ ‫سلوب‬
‫ُ‬ ‫األُ‬

‫المكي‪133. ................................................ :‬‬ ‫ِ‬


‫للعهد‬ ‫ضرور ُة فه ِم الدُّ ِ‬
‫عاة‬
‫ِّ‬
‫العقيد ُة ليست نظر َّي ًة ذهن َّي ًة‪134. .......................................................:‬‬
‫واقعي‪135. .............................................................:‬‬
‫ٌّ‬ ‫منهج‬
‫العقيد ُة ٌ‬
‫ليس مفهو ًما نظر ًّيا‪138. ...................................................... :‬‬
‫اإلسال ُم َ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫أشكال ضغوط الجاهل َّية‪140. ..................................................... :‬‬ ‫من‬
‫* تنبيه‪ :‬مقصد س ِّيد ُق ُطب بدعوته إلى رفض ما يسمى بتطوير الفقه اإلسالمي‪.............‬ح‪142/‬‬

‫‪145............................................‬‬
‫حركي‪147. ......................................................... :‬‬
‫ٍّ‬ ‫كتجم ٍع‬
‫ُّ‬ ‫الجاهل َّي ُة‬
‫ِ‬
‫للعقيدة اإلسالم َّية‪148. ............................................... :‬‬ ‫القاعد ُة النَّظر َّي ُة‬
‫الجاهلي؟ ‪149. .......................................‬‬
‫َّ‬ ‫المجتمع‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫المسلمون‬ ‫يقوي‬
‫كيف ِّ‬‫َ‬
‫حركي‪150. ............................................. :‬‬ ‫إسالمي‬ ‫تجم ٍع‬ ‫ِ‬
‫ٍّ‬ ‫ٍّ‬ ‫ضرور ُة إنشاء ُّ‬
‫* تنبيه‪ :‬مقصد س ِّيد ُق ُطب بقوله‪ :‬المسلمون نظر ًّيا‪........................................‬ح‪150/‬‬
‫انفتاح المجتمع المسل ِم‪152. ......................................................... :‬‬
‫ُ‬
‫تناسق المجتمع المسلم‪153. ......................................................... :‬‬
‫ُ‬
‫الجاهلي‪154. ...................................................:‬‬
‫ِّ‬ ‫ِ‬
‫أمراض المجتمع‬ ‫من‬

‫‪157.............................................................‬‬
‫ِ‬
‫مراحل الجهاد في اإلسالم‪160. ...............................................:‬‬ ‫ِسمات‬
‫‪331‬‬
‫مفهو ُم الجهاد وأهدا ُفه‪163. ...........................................................:‬‬
‫الحركي‪166. .......................................................... :‬‬
‫ِّ‬ ‫مفهو ُم الجهاد‬
‫معنى العبود َّي ِة‪167. ................................................................... :‬‬
‫يحارب االستبدا َد‪168. .......................................................:‬‬
‫ُ‬ ‫اإلسال ُم‬
‫الجهاد لتحرير اإلنسان‪170. .......................................................... :‬‬
‫ُ‬
‫مراحل الجهاد‪173. ...................................................................:‬‬
‫الكف عن الجهاد‪175. ........................................................ :‬‬ ‫ِّ‬ ‫مرحل ُة‬
‫المرحلة المك َّي ِة‪176. ................................ :‬‬
‫ِ‬ ‫أسباب عد ِم مشروع َّي ِة الجهاد في‬ ‫ُ‬
‫الهجرة‪179. .............................................................. :‬‬ ‫ِ‬ ‫الجها ُد بعدَ‬
‫ِ‬
‫القرآن‪181. ........................................................ :‬‬ ‫ِ‬
‫القتال في‬ ‫رات‬
‫مبر ُ‬ ‫ِّ‬
‫عامر العظيم‪183. .................................................... :‬‬ ‫بن ٍ‬ ‫ربعي ِ‬‫ِّ‬ ‫موقف‬‫ُ‬
‫ِ‬
‫للجهاد‪181. .....................................................:‬‬ ‫غير إسالم َّي ٍة‬
‫رات ُ‬
‫مبر ٌ‬
‫ِّ‬
‫المعرك ُة المفروض ُة على المجتمع المسل ِم‪186. ....................................... :‬‬
‫لغير ِ‬
‫الله‪187. ...............................................:‬‬ ‫اإلنسان من العبود َّي ِة ِ‬
‫ِ‬ ‫إنقا ُذ‬
‫ِ‬
‫العوائق‪189. .................................................................... :‬‬ ‫إزال ُة‬
‫ِ‬
‫لإلكراه على الدِّ ين‪191. ..................................................:‬‬ ‫ليس‬
‫الجها ُد َ‬

‫‪193...........................................‬‬
‫الشهادت ِ‬
‫َين‪194. .................................................................:‬‬ ‫مكان ُة َّ‬
‫أساس المجتمع المسل ِم‪195. .............................................:‬‬
‫ُ‬ ‫العبود َّي ُة لله‬
‫المسلم؟‪197. .....................................................‬‬
‫ُ‬ ‫المجتمع‬
‫ُ‬ ‫كيف ُ‬
‫ينشأ‬
‫* تنبيه‪ :‬توضيح لوصف سيد ُق ُطب قواعد وشروط نشأة المجتمع المسلم‪................‬ح‪197/‬‬

‫الجاهلي‪ ،‬ومنهج اإلسالم في مواجهته‪199. .................................:‬‬


‫ُّ‬ ‫المجتمع‬
‫ُ‬
‫* تنبيه‪ :‬توضيح لتوصيف سيد ُق ُطب المجتمعات المعاصرة ‪.............................‬ح‪203/‬‬
‫‪332‬‬
‫طبيع ُة المجتمع المسل ِم‪205. ..........................................................:‬‬
‫اإلسالمي‪206. ........................................................:‬‬
‫ِّ‬ ‫ُ‬
‫أصول التَّشري ِع‬
‫يجب َأ ْن تصو َغ واق َعهم؟! ‪208. ........................‬‬
‫ُ‬ ‫ِ‬
‫البشر هي ا َّلتي‬ ‫َأليست مصلح ُة‬

‫‪209....................................................................‬‬
‫ِ‬
‫الكون‪210. ............................................ :‬‬ ‫ِ‬
‫بنواميس هذا‬ ‫ُ‬
‫اإلنسان محكو ٌم‬
‫معنى شريع ٌة كون َّي ٌة‪212. ...............................................................:‬‬
‫ِ‬
‫والكون‪213. .....................................................:‬‬ ‫الش ِ‬
‫ريعة‬ ‫َّناسق بي َن َّ‬
‫الت ُ‬
‫والكوني‪214. ..........................................:‬‬
‫ِّ‬ ‫يني‬
‫للحق الدِّ ِّ‬
‫ِّ‬ ‫النَّظر ُة اإلسالم َّي ُة‬
‫ِ‬
‫الكون‪215. ........................................... :‬‬ ‫الكافر في صدا ٍم مع فطرتِه ومع‬ ‫ُ‬
‫ِ‬
‫والكون‪216. ...........................................:‬‬ ‫والش ِ‬
‫ريعة‬ ‫ِ‬
‫اإلنسان َّ‬ ‫َّناسق بين‬
‫الت ُ‬

‫‪219..........................................................‬‬
‫الجاهلي‪219. .........................................................:‬‬
‫ِّ‬ ‫صور المجتمع‬
‫ُ‬
‫اإلسال ُم هو الحضارةُ‪220. ............................................................:‬‬
‫التحضر عند سيد ُق ُطب ‪.........................................................‬ح‪221/‬‬
‫ُّ‬ ‫* معنى‬

‫* االعتراف بالخطأ فضيلة‪...............................................................‬ح‪222/‬‬

‫الحاكم َّي ُة لله هي الحضارةُ‪223. .......................................................:‬‬


‫العقيد ُة رابط ُة المجتمع المسل ِم‪224. ................................................. :‬‬
‫ِ‬
‫اإلنسان في المجتمع المسل ِم‪225. ............................................... :‬‬ ‫قيم ُة‬
‫ُ‬
‫الفرق بين القيم اإلسالم َّية والجاهل َّية‪227. ............................................ :‬‬
‫األسر ُة قاعد ُة المجتمع‪228. .......................................................... :‬‬
‫الجاهلي‪230. ....................................................... :‬‬
‫ِّ‬ ‫تخ ُّل ُ‬
‫ف المجتمع‬
‫ِ‬
‫األرض‪231. .................................................:‬‬ ‫ِ‬
‫اإلنسان في‬ ‫ِ‬
‫خالفة‬ ‫معنى‬
‫ٰ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫المسلم وليدُ حركة َأفراده‪234. .............................................. :‬‬ ‫المجتمع‬
‫ُ‬ ‫ُ‬
‫‪333‬‬
‫الحرك ُة هي ُ‬
‫طابع المجتمع المسل ِم‪236. .............................................. :‬‬
‫الق َي ُم اإلسالم َّي ُة واقع َّي ٌة‪237. ...........................................................:‬‬

‫الحضارة في المجتمع المسلم‪239............................................. :‬‬

‫‪241.........................................................‬‬
‫الش ِ‬
‫ريعة في اإلسالم‪242. ...................................................... :‬‬ ‫مفهو ُم َّ‬
‫مفهو ُم الف ِّن في اإلسالم‪243. ......................................................... :‬‬
‫المسلم من ِ‬
‫غير المسل ِم‪244. ................................................. :‬‬ ‫ُ‬ ‫ما يتل َّقا ُه‬
‫خذه عن ِ‬
‫غير المسل ِم‪246. ................................................ :‬‬ ‫ما ال يجوزُ َأ ُ‬
‫ثقافات جاهل َّي ٌة‪246. .................................................................. :‬‬
‫ٌ‬
‫ال َّثقاف ُة اإلنسان َّي ُة‪248. ................................................................. :‬‬
‫الحضارة الغرب َّي ِة‪249. .................................................. :‬‬
‫ِ‬ ‫اإلسال ُم ُ‬
‫أصل‬
‫العلم عن صاحبِه‪251. ......................................................:‬‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬
‫ينفصل‬ ‫ال‬
‫ِ‬
‫للقراءة واال ِّطالع‪251. .................................:‬‬ ‫تجرب ُة سيد ُق ُطب ال َّثقاف َّي ُة وح ُّبه‬
‫غير المسلمين‪251. ............................................:‬‬ ‫قافة عن ِ‬ ‫أخذ ال َّث ِ‬
‫تحريم ِ‬
‫ُ‬
‫سو ُء ن َّية المستشرقي َن في أبحاثهم اإلسالم َّية‪252. ..................................... :‬‬
‫المصدر الوحيدُ للمسل ِم‪253. ..................................:‬‬ ‫ِ‬
‫ريفان هما‬ ‫ِ‬
‫الوحيان َّ‬
‫الش‬
‫ُ‬
‫مفهو ُم العالِ ِم في اإلسالم‪254. ........................................................:‬‬
‫ُ‬
‫ارتباط العل ِم باإليمان‪254. ............................................................:‬‬

‫* التصورات اإلسالمية عن الخلق في كالم سيد ُق ُطب‪...................................‬ح‪255/‬‬

‫جاهل َّي ُة العلو ِم الغرب َّي ِة‪256. ............................................................:‬‬

‫‪257...................................................‬‬
‫معنى ِ‬
‫دار اإلسالم‪258. ............................................................... :‬‬ ‫ٰ‬
‫‪334‬‬
‫* تنبيه ‪ :‬مقصد سيد ُق ُطب بأن هناك دار ًا واحدة هي دار اإلسالم ‪...................‬ح‪258/‬ـ ‪259‬‬

‫انتما ُء المسل ِم لعقيدتِه فقط‪260. ...................................................... :‬‬


‫* تنبيه ‪ :‬الفرق بين عقيدة المعاداة وبين البر والقسط واإلحسان ‪. ..................‬ح‪260/‬ـ‪261‬‬
‫بن ُأبي من ِ‬ ‫عبد ال َّله ِ ِ‬
‫موقف ِ‬
‫والده رأس النفاق‪261. .........................:‬‬ ‫بن عبد ال َّله ِ ٍّ‬ ‫ُ‬
‫المؤمنون ك ُّلهم إخوةٌ‪262. ............................................................ :‬‬
‫َ‬
‫ِ‬
‫ألقوامهم‪263. ...........................................................:‬‬ ‫األَنبيا ُء قدو ٌة‬
‫المفاصل ُة عندَ الص ِ‬
‫حابة‪265. ..........................................................:‬‬ ‫َّ‬
‫دار اإلسالم؟ ‪267. ............................................................‬‬ ‫معنى ِ‬
‫ما ٰ‬
‫الوال ُء لإلسالم وحدَ ه‪268. ............................................................:‬‬
‫الحرب ِ‬
‫ودار اإلسالم‪269. .................................................:‬‬ ‫ِ‬ ‫مفهو ُم ِ‬
‫دار‬
‫المختار؟ ‪270. ...................................................‬‬
‫ُ‬ ‫شعب ال َّله‬
‫ُ‬ ‫هل اليهو ُد‬
‫وضوابط للدُّ ِ‬
‫عاة‪271. ...................................................... :‬‬ ‫ُ‬ ‫توجيهات‬
‫ٌ‬

‫‪273..................................................................‬‬
‫ِ‬
‫لمصطلح الجاهل َّية‪274. .................................... :‬‬ ‫ومانع‬
‫ٌ‬ ‫جامع‬
‫ٌ‬ ‫دقيق‬
‫تعريف ٌ‬
‫ٌ‬
‫ال مداهن َة مع الجاهل َّية‪275. ...........................................................:‬‬
‫جا َء اإلسال ُم ليقو َد البشر َّي َة‪276. .......................................................:‬‬
‫ال التقا َء بين اإلسالم والجاهل َّية‪277. ..................................................:‬‬
‫قة والر ِ‬
‫حمة‪279. ................................... :‬‬ ‫تكون بال ِّث ِ‬
‫ُ‬ ‫إلى ِ‬
‫دين اإلسالم‬
‫َّ‬ ‫الدَّ عو ُة ٰ‬
‫* تنبيه‪ :‬توضيح لرأي سيد ُق ُطب في أسلوب الدعوة ‪.....................................‬ح‪281/‬‬
‫ُ‬
‫االنتقال من الجاهل َّية إلى اإلسالم‪282. ............................................... :‬‬
‫بدايات الدَّ ِ‬
‫عوة‪283. .................................................................. :‬‬ ‫ُ‬
‫قوي بذاتِه‪284. .............................................................. :‬‬
‫اإلسال ُم ٌّ‬
‫مهم ُة الدُّ ِ‬
‫عاة إلى الله‪286. .............................................................:‬‬ ‫ُ َّ‬
‫‪335‬‬
‫َّجر ُد ل َّله‬ ‫ِ‬
‫واإلخالص له‪286. ......................................... :‬‬
‫ُ‬ ‫وظيف ُة الدَّ اعية الت ُّ‬
‫اإلسال ُم َ‬
‫فوق االتِّهام‪287. .............................................................:‬‬
‫األمريكي‪288. .......................................... :‬‬
‫ِّ‬ ‫مواجه ُة س ِّيد ُق ُطب للمجتم ِع‬
‫كيف نواج ُه الجاهل َّي َة حولنا؟ ‪290. .....................................................‬‬
‫َ‬
‫* تنبيه ‪ :‬معرفة سيد ُق ُطب للمجتمعات الجاهلية عن كثب ‪. .......................‬ح‪289/‬ـ‪290‬‬

‫* تنبيه ‪ :‬مقصد سيد ُق ُطب بالمفاصلة مع المجتمع ‪...............................‬ح‪ 292/‬ـ ‪294‬‬

‫‪295...........................................................‬‬
‫* استعالء اإليمان ومشروع سيد ُق ُطب ‪..........................................‬ح‪ 292/‬ـ ‪294‬‬
‫ِ‬
‫المنحرف‪297. ..............................................:‬‬ ‫االستعال ُء على المجتمع‬
‫ِ‬
‫وسلوكه‪298. ................................................. :‬‬ ‫المؤمن في عقيدتِه‬
‫ِ‬ ‫علو‬
‫ُّ‬
‫بن شعب َة‪300. ...................................... :‬‬ ‫ِ‬
‫وموقف للمغيرة ِ‬
‫ٌ‬ ‫ِ‬
‫استعال ُء اإليمان‪،‬‬
‫بن ٍ‬
‫عامر‪301. ........................................................... :‬‬ ‫لربعي ِ‬
‫ِّ‬ ‫موقف‬
‫ٌ‬
‫ِ‬
‫الجمر ‪302. .....................................................:‬‬ ‫القابض على‬
‫ُ‬ ‫المؤمن‬
‫المؤم ُن يعلو بإيمانِه‪305. ............................................................. :‬‬

‫‪307.................................................................‬‬
‫على دينِهم‪308. ..............................................:‬‬ ‫ِ‬
‫أصحاب األخدود ٰ‬ ‫ِ‬ ‫ثبات‬
‫ُ‬
‫ِخ َّس ُة ال ُّطغاة‪308. ..................................................................... :‬‬
‫ِ‬
‫المواجهة؟ ‪309. ..................................................‬‬ ‫من المنتصر في ِ‬
‫هذه‬ ‫ُ‬
‫ِ‬
‫اإليمان‪310. .................................................................. :‬‬ ‫انتصار‬
‫ُ‬
‫ِ‬
‫مع ال ُّطغاة‪311. ............................................................ :‬‬ ‫ال مساوم َة َ‬
‫مقياس الن ِ‬
‫َّصر‪312. ....................................................................:‬‬ ‫ُ‬
‫ِ‬
‫للمواقف‪313. ..................................................... :‬‬ ‫اإليماني‬ ‫المقياس‬
‫ُّ‬ ‫ُ‬
‫‪336‬‬
‫تعالى لل ُّطغاة‪315. ..........................................................:‬‬
‫ٰ‬ ‫إمهال ال َّله‬
‫ُ‬
‫ِ‬
‫تاريخ الدُّ عوة إلى الله‪316. .......................................... :‬‬ ‫نماذج منوعة من‬
‫عاة‪318. ............................................................. :‬‬‫دروس وعبر للدُّ ِ‬
‫ٌ‬ ‫ٌ‬
‫صبر الص ِ‬
‫حابة‪319. .......................................................... :‬‬ ‫أمثل ٌة من ِ َّ‬
‫كم اإلله َّية‪320. ...................................................................:‬‬ ‫ِ‬
‫الح ُ‬
‫عاة‪321. .............................................................. :‬‬‫اآلخر ُة غاي ُة الدُّ ِ‬

‫الحق‪322. .............................................................. :‬‬ ‫وصايا لدُ ِ‬


‫عاة ِّ‬ ‫َ َ‬
‫المعرك ُة معركة عقيدة‪323. ............................................................:‬‬

‫* س ِّيد ُق ُطب وكالمه عن الشهادة ‪........................................................‬ح‪323/‬‬

‫‪327. ...............................................................‬‬

‫۞۞۞‬
‫تَ‬ ‫َّ َ ْ‬
‫مت ِب ــحــمـ ِـد اهلل �ــعــاىل ووتيفـ ِـقــه‬
‫َّ‬
‫َّ‬ ‫و«احلـ َـمـ ُـد هلل الي ب�ـ نـ�ـ ْـعـ َـتــه َتـ ُ‬
‫ـم الــصــا حلــات»‪.‬‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬

‫‪ISBN : 978- 605- 2107 - 39- 3‬‬

You might also like