Professional Documents
Culture Documents
مَعالم في الطريق
مَعالم في الطريق
مجر َد
َّ لوكهم ووجدانِهم..ال حياة ..يعيشونَه في فِكْرهم وس ِ
ُ
ٍ منهج
َ لها
ثمن ما ِ
تبليغها َبأ ِ ثم بتضحيتِهم في سبيل ٍ
شعارات جوفا َء ال حيا َة فيهاَّ ..
نبياء ف لمسيرة األَ ِ الخ َل ِ
الضعيف َأن يقدِّ َمه؛ فكانوا نِ ْع َم َ
ِ يمك ُن للعبد
ألجيال المسلمة ِمن َب ْع ِدهم، ِ
لواقعهم ..ول َ مشاعل ٍ
نور َ من قبلهم ،و َغدَ وا
ٍ
هداية في التَّاريخ.. ِ
وعالمات
* فهو َم ْع َل َم ٌة ..إيمان َّي ٌة ..تربو َّي ٌة ..دعو َّي ٌة ..إصالح َّي ٌةَ ..أدب َّي ٌة؛ َأضا َء ْت
بمفاهيم رائد ،وجدَّ دت ـ منهج فكري حركي ٍ ٍ معالم على مدى ُع ٍ
قود
َ ٍّ ٍّ َ ٰ ٰ
السائد َة في عصره. عديدة ـ نمط َّي َة الت ِ
َّفكير َّ
اإلسالمي في العصر الحديث، ِّ * وهو َر ِائدٌ من ُر َّواد الفكر
عديدةَّ ..إل َأ َّن ذكراه باق َية في كُتبه ٍ ٍ
عقود رحل عنَّا منذ عمالقَ .. ٌ ومفك ٌِّر
الشطر المثاني ومؤلفاته ..فقد حفظ القرآن وهو طفل صغير ..وعاش َّ
وعمل ،ومات في ظالله شهيدً ا ..وتع َّلم منه ً علما
من حياته مع القرآن ً
َ
يفهمون ما ِ
القرآن العظيم ،وكيف قون معاني يتذو َ جي ُله و َم ْن بعدَ ..
كيف َّ
الالت الثر َّي ِة لآليات ،وما تدعو إليه من ِق َي ٍم
ِ وراء السور من ِ
الح َك ِم ،والدَّ ُّ َ
جمال َّي ٍة و َأخالق َّي ٍة وتربو َّي ٍة وإيمان َّية.
دين اإلسالم ب ُل َغ ِة كأ ِ
برز المفكِّري َن ا َّلذي َن قدَّ موا حقيق َة ِ * ومضى َ
وإنسان ..وقدرتِهٍ ٍ
ومكان ٍ
زمان عصرنا ..بشمولِه وحيو َّيتِه وصالح َّيتِه ِّ
لكل
وتحقيق الت ِ
َّوازن ِ وعلى عالج مشكالت الحضارة، على الحكم واإلدارة،
ٰ
ِ ِ
والحياة الدُّ نيا واآلخرة. وح والمادة، بين متط َّلبات ُّ
الر ِ
8
صاحب مشرو ٍع لنهضة األُ َّمة من جديد؛ قدَّ م مفهو ًما جديدً ا للت ِ
َّغيير ُ *
يتجاوز حـدو َد المجتمع إلى العال ِم َبأ ِ
سره ..من ُ الش ِ
امل الكامل ..ا َّلذي َّ
وفق عملي ٍة محك ٍ
َمة، اإلسالميَ ، الجاهلي بالنِّظام ِ
استبدال النِّظام خالل
َّ ِّ ِّ
ومتدرجة. ٍ
مدروسة
ِّ
وآثارهم لم ت َُم ْت؛ فقد خ َّلف من بعده تُرا ًثا * من ِ
الق َّلة ا َّلذين ماتوا
ُ
ومواقف بطول َّي ًة ..ستُـبقي َ
ذكـره خـالدً ا ،ومكانتَه َ وآثارا جليل ًة،
ً عظيما،
ً
مم َّيز ًة في النُّفوس.
ِ
تاريخ مجرى ٍ
فريدة؛ ت َُم ِّث ُل عالم ًة فارق ًة في ٍ
مدرسة صاحب *
ٰ ُ
شطر
َ وجهه
َ المنعطف ا َّلذي و َّلى فيه الت ُ
َّاريخ ُ اإلسالمي ..وهي
ِّ ِ
الفكر
وعمل؛ً ً
وقول فـكرا وتـنـظِ ًيرا ْ
وتألي ًفا ً
الش ِ
ريعة.. إلى ُأصول َّ
العودة ٰ
ُ
الحديث منها ،فيقال: اإلسالمي
ُّ الفكر
ُ بحيث يمكن َأن َّ
يؤر َخ
قبل س ِّيد ُق ُطب ،وما بعدَ س ِّيد ُق ُطب!) .
(ما َ
قل َأ ْن تجدَ انيَّ ،
تعبيري ر َّب ٌّ
ٌّ سلوب
ٌ صحاب األَقالم المؤ ِّثرة؛ له ُأ
ِ * من َأ
ِ
ومالمسة الواقع.. وس َع ِة الن ِ
َّظر، نظيره ..وذلك لما تم َّيز به من ُعمق التَّفكيرَ ، َ
على صاحبه ٍ ٍ ٍ ٍ
صاحب تجربة إيمان َّية مريرة قاس َية في مدرسة اليوسف َّية ـ ٰ َ وكان
إيماني
ٍّ نبوي.. ٍّ رباني
ٍّ ٍ
بمنظار والسالم ـ جعلته ين ُظ ُر لواقع األُ َّمة الصالة َّ َّ
ات والنَّظر َّيات. بعيد عن الفرضي ِ عمليٍ ..
َّ ٍّ
الق َّل ِة ا َّلذي َن تركوا َأ ًثرا إيجاب ًّيا في األَجيال ..فما من * من ال ُكتَّاب ِ
لفكره وكتاباتِه َ أ ٌثر في مجتمعهاَّ ..إل وكان ِ ِ ٍ
مسلمة َأ َّثرت في ٍ
مجموعة
نفوس َأ ِ
كثيرا. قليل كان َأم ً بنائهاً .. ِ
9
ِ له ٌم َأ َّكدَ
الجماعة المسلمة؛ وعدَّ ها َضرور ًة على وجودٰ * من ِّظ ٌر ُم َ
ِ
وقيادة البشر َّية ..كما ت َُشك ُِّل ضرور ًة تربو َّية إقامة شر ِع اهلل،َشرعي ًة تتم َّث ُل في ِ
َّ
الفرد المسلم، ِ ِ
تربية الجماعة ..هي المسؤول ُة عنِ تتجسدُ في ِ
كون هذه َّ
ِ
ورعاية األُسرة المسلمة. ِ
الشمول َّي ِة لواقع األُ َّمة؛بفكره ونظرتِه ُّ ِ * َأثرى المكتب َة اإلسالم َّي َة
وصحح بوصلتَها ..وكانت كتاباتُه عن العقيدة من َأ ِّ
هم َّ َفأيقظها من ُسباتها
ِ ترك َأثرا عمي ًقا في نفوس َأ ِ ِ
الجيل بناء الصحوة اإلسالم َّية ..حيث َ ً عوامل َّ
العائد إلى اهلل؛ فجعل ُج َّل اهتمامه في مؤ َّلفاته لقض َّية بناء العقيدة في ِ
ِ ِ الربان َّي َة ..وتهيئتِه ِ
ركائزه.. إلقامة المجتمع المسلم ..وتربيته التربي َة اإليمان َّي َة َّ
ناتج لعباده؛ فر َأ ٰى َأ َّنِ شريعة اهلل ا َّلتي ارتضاهاِ وتحكي ِم
ضياع المسلمي َن ٌ َ
الصحيحة.. عن عد ِم ِ
الحق؛ فيجب دعوتُهم إلى العقيدة َّ فهمهم لإلسالم ِّ
ٍ ِ معنى «ال إله َّإل اهلل» ِ
النبي ﷺ منهج حياة ..كما ع َّل َم ُّ َ باعتبارها ٰ يمهم وتعل ُ
مدرسة ِ
دار األَرق ِم المك َّية. ِ على ذلك ..في َأصحا َبه الكرام ،ور َّباهم ٰ
إخالصه لمبادئه ..وإيمانُه ُ فكاره هو كتب الحيا َة ألَ ِ إن ا َّلذي َ * َّ
نموذجا
ً جعل منها صدق ..مما َ ٍ بها ..وتجسيدُ ه لها في حياتِه الدعو َّية ِّ
بكل
على هذا َ
نحافظ ٰ الصادق؛ الذي يحتم علينا ـ نحن الدُّ عا َة ـ َأن ِ
للمؤمن َّ
االعتبار لحضارتِنا
َ الناشئ عليه؛ لكي نُعيدَ َ َ
الجيل َّموذج ال َف ِّذ ..ونر ِّب َي
ِ الن
الموت
َ َّموذج الفريد ِمن َقبل ..وا َّلذي ِّ
يفض ُل َ العريقة ا َّلتي َع َر َفت هذا النِ
ٍ
قلـوب َّقـد كانـت منبعثـة مـنمحـاوالت الن ِ
ِ بعـضننكـر َأ َّن َ إنَّنـا ال
ُ
فالحـق ال يعلو عليـه َأحدٌ ،فال ِّ
ننز ُه سـ ِّيدً ا ُّ الحق؛
ـة إلظهـار ِّ مخلصـة ،ومحب ٍ
ٍ
ُ َّ
ُ
ويؤخذ ٍ
إنسـان َّإل وحاشـا هلل ـ َأن ندَّ َ
عي له العصمـ َةَ ( :فما ْ
من َ مـن الخطـأ ـ
13
مالك إمـا ُم ِ
دار ِ
القبـر ﷺ ) كما كان اإلمـا ُم ٌ صاحـب هذا
َ منـه ويـر ُّد عليـه َّإل
الهجرة يـر ِّد ُده.
ٌ
عبث ِ
وفكره.. َّيل من شخص َّي ِة س ِّيد ُق ُطب إن محاول َة الن ِ
َّ
ِ
بالخيبة معركة َلسوف يبو ُء صاح ُبها ٍ ُّزول معه في وسذاجة! والن َ
ِ
بروحه وحمى كلماتِه ٍ
صدق، جل قد َب َّل َغ فِك َْره بِك ُِّلفالر َ ِ
ٰ والخسران؛ َّ
قرير العين، مرفوع الر ْأ ِ إلى ر ِّبه ـ َّ ِ
سَ ، َ جل في ُعاله ـ ودمه ..وسار ٰ
تعالى!
ٰ عزيزا شهيدً اْ ..
إن شا َء اهلل ً ً
شامخا
إن كتاب َه «في ظالل ال ُقرآن» هو عمد ٌة إِ َّننَا نقول ِّ
بكل ثقة واطمئنان َّ :
بالغي ،بل
ٍّ لمستقبل هذه األُ َّمة المرحومة ،فهو ليس مجر َد تفسير َأ ٍّ
دبي
فترة الحياة في ظالل القرآن ..كُتِبت في معتركهو خواطر وانطباعات من ِ
الصافي
الحياة اإليمانية ..وفي المدرسة ال ُّيوسف َّية العمل َّية ..ذات النَّبع َّ
دستور لمقاومة
ٌ ا َّلذي تمتدُ جذوره لمدرسة دار األَرقم المك َّية ..فال ِّظالل
اومة المجاهدة.. الم َق ِ االحتالل واالستبداد ،وطاق ُة ٍ
نور ل ُ
أل َّمة ُ
ٍ
بشـكل ِ
إلنصـاف سـ ِّيد ُق ُطـب و َأن تُقـر َأ كتاباتُه آن األَ ُ
وان * لقـد َ
برز رو ِ
اإلسلامي
ِّ ِ
الفكر اد باعتبـاره َأحدَ َأ ِ َّ
ِ موضوعـي ،و َأ ْن ت ُْح َف َ
ـظ مكانتُه.. ٍّ
ِ
القرن العشـرين.. ِ
َّجديـد في ِ
واإلصلاح والت
ِ
حـوة فـي هـذه والص ِ ِ َ راجيـ َن َأ ْن
الوعـي َّ بعـث ملهمـا لنـا فـي
يكـون ً
ٍ
دخيلة ومفاهيـم وشـذ مـن َأ ٍ
فكار َّ انحرف
َ جديد..ومصح ًحا لما األُ َّمـة مـن
َ ِّ
علـى هـذا الدِّ يـن القويم.
ٰ
14
ِ
الفريد كان االهتما ُم بنشر هذا الكتاب ِ
الجليلَ .. المنطلق
من هذا ُ
الصحوة المباركة في العصر الحديث.. ِ
الرائد ،دليل َّ
َّ
2ـ َض ُ
بط ما ُيشكل من كلمات وعبارات بالكتاب؛ َّ
لئل تلتبس
الم َعاني على القارئ الكريم ..مع وضع عالمات التَّرقيم المناسبة ،وتلوين
َ
بعض الكلمات ا َّلتي كان يضعها بين تنصيص ألَهميتها .
والم َفكِّر ..و َأبرز االنتقادات ا َّلتي ُو ِّجهت لفكره ..وشهادات العلماء له..
ُ
الم َعالم»..
الم إلى َ
«الم َع َ
وسميتهَ :
َّ
على توفيقه أن أعانني على ِخدْ مة هذا الكتاب تعالى ٰ ٰ كما َأشكره
المبارك ..و َأرجو اهلل َأن ُي ْص ِلح به ما َفسد من العقائد والمناهج ،و َأن يجعله
والصراط المستقيم. للرجو ِع إلى ِّ
الحق ِّ ناف ًعا ..وداف ًعا ُّ
«م ْن َصن ََع إِ َل ْيك ُْم َم ْع ُرو ًفا َفكَافِئُو ُه؛ َفإِ ْن َل ْم ت ِ
َجدُ وا َما قال النَّبِ ُّي ﷺَ :
ُتكَافِئُو َن ُهَ ،فا ْد ُعوا َل ُه َحت َّٰى ت ََر ْوا َأ َّنك ُْم َقدْ كَا َف ْأت ُُمو ُه»(.)1
الشكر ِّ
لكل َمن وتقديرا واعترا ًفا بالجميلَ ..أتقدَّ م بجزيل ُّ
ً ووفا ًء
رأي َأو ِ
إبداء ٍ علي في إتما ِم هذا العمل المتواضع ..من ٌ
فضل َّ كان ل ُه
كل َمن استفدت من كتاباته ومقاالته( )2من ٍ
نصيحةَ ..أو ِّ ٍ
راجعة َأو ُم
الصالح.
السلف َّ
وفهم َّ
َ وسنَّ َة نب ِّي ِه ﷺ
خالف كتا َب ُه ُ
َ و َأ ْب َر ُأ إلى اهلل َّ
مما
رب العالمين. ِ
واهللُ من وراء القصد ،والحمدُ هلل ِّ
كتبه
ِ
باستـشـهاده عـام (١٩٦٦م) َف ُكتُب هذه المرحلة َأ َ
ودع فيها خالص َة
عمله ..وهـي: ُ تجربتِه ،وعصار َة َأ ِ
فكاره ،وزبـد َة ِ
التصور
ُّ و«خصائص
ُ ُ
و«المستقبل لهذا الـدِّ ين» «هذا الدِّ ين»
و«معالم في ال َّطريق» و«في
ُ اإلسالمي»
ِّ التصو ِر
ُّ مـات
ـو ُ و«م َق ِّ
اإلسـالمي» ُ
ِّ
ظالل القرآن»(.)1
ديب الن ِ
َّاقد ..وبين اسع بين س ِّيد ُق ُطب األَ ِ الفرق ََّ
الش َ ُتب تُب ِّي ُن
وهذه الك ُ
اإلسالمي و ُمنَ ِّظ ِر األُ َّمة. ِ
المجاهد ،والمفك ِِّر س ِّيد الدَّ اعية
ِّ
ِ
لنهضة األُ َّمة: ثان ًيا ـ مشرو ُعه الفكري
ٍ
عبر
كل فترة مرت بها َ إن األُ َّمـ َة اإلسالم َّية اليو َم َأ ُ
حوج ما تكون من ِّ َّ
اإلصالح ،وعن مشرو ِع نهضتِها ،وعن ِ
إنقاذها من ِ ِ
الحديث عن التَّاريخ إلى
ِ
لحال وتنطلق هذه الحاج ُة من هذا الواق ِع المؤل ِم
ُ ِ
الكاسحة.. العدو ِ
غزوات
ِّ
ِ ِ ِ
الروح في ِ
ونفخ ُّ إحيائها، إلى
مس الحاجة ٰ األُ َّمة الجريحة ..فهي اليو َم في َأ ِّ
ِ
للحياة من جديد. ِ
وهجها ِ
وإعادة جسدها ،وتقوي ِم ِ
بنائها، ِ
فرادها؛ بل ُّ ٍ آلحاد َأ ِ
ِ وصناع ُة مشرو ِع األُ َّمة ..ليس
حسب بـ َكل فرد مطا َل ٌ
والمشاركة في إقامتِهِ ،
وبنائه في األَرض بنا ًء ِ ِ
إعداده، ِ
بالمساهمة في ِ
وسعه ـ
ِ
البناء، لتاريخ هذه األُ َّمة في
ِ ِ
الحياة فيها من جديد؛ امتدا ًدا يم ِّكنُها من صناعة
المبثوثة في ِ
ِ بقو ٍة ،تحقي ًقا للخير ِّي ِة ِ
نفوسهم، وتمكين َأفرادها من العمل الجا ِّد َّ
هم صفاتِهم الحميدة. وا َّلتي هي من َأ ِّ
ٍ
جديد بمكتبة الغرباء بإذن اهلل. ((( وقد عزمنا على نشر هذه الكتب في ثوب
25
َ
قليلون، كثيرون ..ولك َّن العاملي َن منهم َ إن العلما َء في األُ َّمة َّ
إنقاذ األُ َّمة ونهضتِها!
ِ مشروع في
ٌ قل منهم َمن له ٍ
بكثير! و َأ ُّ والربان ِّيي َن َأ ُّ
قل َّ
َ
قليلون، كثيرون ..لك َّن المفكِّري َن المو َّفقي َن َ َّاب اإلسالم ُّي َ
ون وكذا ال ُكت ُ
المشاريع الفكر َّي َة الك ٰ
ُبرى َ ٍ
بكثير جدًّ ا؛ ألَ َّن والمن ِّظري َن لمشاري ِع األُ َّمة َأ ُّ
قل
ُ
العقول الكبيرة! تصن ُعها
ِ
عصره؛ برزهم في العبقري س ِّيد ُق ُطب من َأ ِ ُّ و ُيعدُّ األُستا ُذ
ِ
ودفعه ِ
لتمكينه فعل ًّيا، الحياة البشر َّي ِة
ِ فمشرو ُعه هو مركز َّي ُة اإلسالم في
ِ
الوجود. ِ
لالستمرار في الوجود ..بمعنى َأ َّن اإلسال َم هو غاي ُة روح ًّيا
افتتاح كتابِه «المستقبل لهذا الدِّ ين»: ِ يقول في
مقوماتِها.. حياة بشر َّي ٍة واقع َّي ٍة ِّ
بكل ِّ
ٍ منهج حياة.. ُ منهج..
ٌ (اإلسال ُم
ِ
مكان
َ الوجود ،ويحدِّ ُد يفس ُر طبيع َة االعتقادي ا َّلذي ِّ
َّ التصو َر
ُّ يشم ُل منهج َ ٌ
ُّظم ُ ِ الوجود ،كما يحدِّ ُد غاي َةِ ِ
ويشمل الن َ اإلنساني،
ِّ وجوده اإلنسان في هذا
االعتقادي وتستندُ إليه، التصو ِر تنبثق من ذلك والتنظيمات الواقعي َة ا َّلتي ُ ِ
ِّ ُّ
خالقي والينبو ِع حياة البشر ،كالنِّظام األَ وتجعل له صور ًة واقعي ًة متم ِّثل ًة في ِ ُ
ِّ َّ
لطة ا َّلتي يستمدُّ منها ،والنِّظام سس ا َّلتي يقوم عليها ،والس ِ ينبثق منه ،واألُ ِ ا َّلذي ُ
ُّ ُ
ومقوماتِه ،والنِّظام وأسسه ِّ
وخصائصه ،والنِّظا ِم االجتماعي ُ ِ ِ
ِّ
ِ السياسي وشكلِه ِّ
ِ ِ ِ ِ
ولي وعالقاته وارتباطاته. االقتصادي وفلسفته وتشكيالته ،والنِّظا ِم الدَّ ِّ ِّ
منهج
َ ِ
باعتباره َ
المستقبل لهذا الدِّ ين ،بهذا االعتبار، ونحن نعتقدُ َأ َّنُ
ٍ ِ ٍ
بعضها عن منفصل ُ المقومات ك ِّلها مترابط ًةَ ،
غير ِّ على تلك يشتمل ٰ ُ حياة،
الحياة البشر َّي ِة ،المل ِّب ِية لشت َّٰى
ِ ِ
جوانب مة لشت َّٰىمات المن ِّظ ِ بعض ،المقو ِ
ِّ ٍ
وجه الن ِ
َّشاط اإلنسان َّية. المهيمنة على شتَّى َأ ِ
ِ اإلنسان الحقيق َّي ِة،
ِ ِ
حاجات
ٰ ٰ
26
ٍ
منعزلة عقيدة وجدان َّي ٍة
ٍ مجر َد االعتبار ـ ليس ِ ين ـ بهذا
َّ وهذا الدِّ ُ
صح َأ َّن هناك كل مجاالتِها الواقع َّية ـ ْ
إن َّ عن واقع الحياة البشر َّي ِة في ِّ
منعزلة عن واق ِع الحياة ٍ عقيدة وجدان َّي ٍة
ٍ مجر َد يمكن َأ ْن
يكون َّ
َ ُ دينًا إله ًّيا
رادىين ُف ٰ
المؤمنون بهذا الدِّ ََ شعائر تعبد َّي ٍة يؤ ِّديها
َ مجر َد
وليس َّ َ البشر َّية ـ
ِ ٍ َأو
اآلخرة طريق إلى فتكون لهم صف ُة هذا الدِّ ين! وليس َّ
مجر َد َ مجتمعين،
َ
ِ
لتحقيق طرق ُأخرى آخر َأو ٌ
طريق ٌُ خروي؛ بينما هناك
ِّ الفردوس األُ
ِ ِ
لتحقيق
ِ
وتنظيمات الدِّ ين.)1()... وغير نظ ِم
غير منهج الدِّ ينُ ،
رضيُ ، الفردوس األَ ِّ
ِ
مرحلة تاريخ َّي ٍة كانت األُ َّم ُة فيها ٍ ظهر في فمشروع س ِّيد ُق ُطب َ ُ
َّاريخواإلسالمي ،بد َأ رحلتَه في الت ِ العربي الفكر صعبة جدًّ ا؛ ألَ َّن ٍ ٍ
بحالة
َّ َّ َ
هول َأماموالذ ِ دمة ُّ بشيء من الص ِ ٍ دولة الخالفة.. رمز ِ الحديث بعد انهيار ِ ِ
َّ
فوقع
َ الغربي الكافر؛ِّ الكبير ..بينَه وبي َن العال ِم ِ الحضاري
ِّ ِ
للفارق اكتشافِه
ُخبِها ..بي َن ما يؤم ُن المظلومة ..وفي رجاالتِها ون َ ِ َّفسي في األُ َّمة َّمز ُق الن ُّ الت ُّ
على باإليمان ..وبي َن الواق ِع الحق ،و َأ َّن ُأ َّمتَه هي األَ ٰ به من َأ َّن دينَه هو الدِّ ي ُن ُّ
واستكبار اآلخرين، ِ وعلو اآلخرين ،وهوانِه ِّ انكشف َأما َمه؛ بين ذ َّلتِه َ ا َّلذي
وقو ِة اآلخري َن ،وتخ ُّل ِفه وتقدُّ ِم اآلخري َن! وضعفه َّ
ِ
عوي:
ُّ ثال ًثا ـ منهجه الدَّ
تعالى وسن َِّة رسوله ﷺ ٰ ِ
كتاب اهلل هو دعو ُة األُ َّمة لالجتما ِع ٰ
على
ِ ِ ِ والتَّحاك ِم إليهماِ ،
إلىصورها و َأشكالها ،والدَّ عوة ٰ ونبذ الجاهل َّية بجمي ِع
ِ
سبيل ِ
والمحن في ِ
الفتن والص ِبر على ِ ِ ِ كل َِّ
ذلك بالحكمة والموعظة الحسنةَّ ،
القاعدة الص ِ
لبة ا َّلتي ِ ِ
وبناء ٍ
مواجهة، كل ِ
المكافئة عندَ ِّ القو ِة ِ
ُّ ذلك ،وإعداد َّ
وينشرها بين الن ِ
َّاس يحمل مبادئ هذه الدَّ ِ
عوة، ُ تكون نوا َة المجتمع ا َّلذي
ُ
ُ
28
منهجا
ً على قراءة فكر س ِّيد ُق ُطب تعطي صاحبها َّ
وإن المواظبة ٰ
تعالى؛ فيمتلك من خالل قراءته َأدا ًة للغوصٰ جديدً ا للتعامل مع كتاب اهلل
والس ِير مع ِ في فهم معاني كال ِم اهلل
السورة ببعضهاَّ ،تعالى ،وربط موضوعات ُّ
ٰ
ِ
والتوقف مل ًّيا عند للسورة،
السياق القرآني بانسجام مع الوحدة الموضوع َّية ُّ ِّ
ِ
واستنباط المعاني الجديدة لآليات، األَلفاظ القرآنية ِ
ذات الدالالت العميقة، َّ
والتفري ِع عليها بما يتناسب مع ثقافة عصرنا ..كل ذلك ٰ
على طريقة س ِّيد .
ٍ
بثروة من األَفكار والقراءة في كتب س ِّيد ُق ُطب ِّ
تزود صاح َبها
فكار المنحرفة ِ
مواجهة األَ ِ ٍ
بثبات ُ
وشموخٍ في المتميزة ..وتجعله يقف
تعالى باإلنكار والنقدَ ،أو ا ِّدعاء عد ِم
ٰ على شرع اهلل
ٰ ا َّلتي تتطاول
بصائر ٍ
جديدة تُنير ٍ
رؤية صالحيته لعصرنا؛ فتكون هذه األَفكار بمثابة
َ
36
المسحورين َبأفكار ال َعلمانيين ا َّلذين يريدون َأن يصنعوا واق ًعا من
جيال ثق ًة بهذافكار تمنح األَ َ
الضالة المنحرفة ..وهي َأ ٌ
نسج شهواتهم َّ ْ
الدِّ ين وهذه العقيدة الرصينة؛ فيستقر في َأعماق نفوسهم َأ َّن دي َن اهلل
العليم الخالق
ُ ٍ
ومكان ..و َأنَّه ال َيص ُلح للتشريع َّإل ٍ
زمان صالح ِّ
لكل تعالى
ُ ٌ ٰ
ِ فكاره عن تعدُّ ِد الزوجات،
وإعطاء َّ
الذكَر على سبيل المثال َأ َ بما خلق .انظر ٰ
ِ ومسأ ِلة َقوامة الرجل على المر َأة،
َ
وفلسفة ضعف حظ األَ ٰ
نثى من الميراث، َ
والتكامل بين الرجل والمر َأة ..كل ذلك في ظالله عن سورة النساء.
ِ الزواج،
تعالى﴿ :ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ
ٰ وكذلك عند قوله
ﮦ ﮧ ﮨ ﮩﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ
ﯓ ﯔ[ ﴾...فاطر.]27 :
َ
يكون مواقف َأ ِ
عداء اإلسالم ..وال يمك ُن َأ ْن ِ فموق ُفهم هذا يلتقي مع
وخصوصا ِ
الخندق، ويقاتل مع ُه في ِ
نفس َ ٍ
واحد.. صف
وعدو ُه في ٍّ المسلم
ً ُّ ُ
ِ
وحشد إلى إيقاظِها ِ تاريخ األُ َّمة ا َّلذي
ِ ِ ِ
نحتاج فيه ٰ ُ الحرج من الوقت في هذا
ومواجهة مخ َّططاتِهم المدم ِ
رة! ِ لمقاومة األَ ِ
عداء ِ َأ ِ
فرادها
ِّ
ِ
الحماس ضدَّ مشرو ِع نصف هذا
َ ظه ُرواالمقابل لم ُي ِ
ِ وهم في
قيمها األَ ِ
عداء ومؤامراتِهم ،والقي ِم الغرب َّي ِة ا َّلتي تغزو ُأ َّمتنا،
وتستهدف َ
ُ
نخرا.
وتنخرها ً
ُ
39
ون:
السطح ُّي َ
2ـ َّ
فقهم ،وق َّل ِة
لضيق ُأ ِ
ِ ِ
فكره واستيعا َبه؛ فهم
َ ا َّلذي َن لم ُيحسنُوا
ِ
يقل ،و َأسندوا إليه َأ ً
فكارا فقولوه ما لم ْولهوى في نفوسهمَّ ..
ً علمهم،
ٍ
قاصر. باطل ًة بفه ٍم
40
بون ضدَّ ِ
فكره ،وهم على َأنواع : الم َت َع ِّص َ
3ـ ُ
ويستعين بهم
ُ مخالفيهم،
ْ على
ٰ ِ
الطين بالس
يستعينون َّ
َ منهم ا َّلذين
عاة ِ
العلماء الربانيين والدُّ ِ فهؤالء ُخصو ُمِ الطين على المصلحين؛ الس
َّ ِّ َ ُ َّ
َّاريخ ِ
واالستعمار ،والت ُ للعدو تاريخ الدَّ ِ
عوة ..وهم مط َّي ٌة ِ المخلصين في
ِّ
ِ ِ
َّب، الجائرة؛ إ َّما ٌ
جهل مرك ٌ الخصومة يشهد لهذا! وداف ُعهم األَ ُ
ساس لهذه
كان ٍ
شخص َ مقيتَ ،أو حسدٌ ٌ
قاتل ..وإذا اجتمعت جمي ُعها في ٌ ب َأو ُّ
تعص ٌ
شباب األُ َّمة!
ِ ذلك طا َّم ًة ٰ
على
ِ ِ ِ ِ
وآرائه فكره بعض الدُّ عاة الذين َّ
تعصبوا ضدَّ بون من
المتعص َ
ِّ ومنهم
ِ
العمل غريب على مرفوض فكره َبأنَّه ِ ِ ِ
ٌ ٌ في فقه الدَّ عوة والحركة ،واتَّهموا َ
السجن! ِ
المريرة ا َّلتي َ اإلسالمي؛ ألَ َّنه نتاج الت ِ
عاشها في ِّ َّجربة ُ ُ ِّ
المنصفون:
َ المعتدلون
َ 4ـ
ِ
والجماعة السنَّة ِ
باعتدال منهج َأ ِ وهم ا َّلذي َن تعاملوا مع ِ
هل ُّ فكره ُ
ِ
مرحلة إلى ِ ووسط َّيتِ ِه وشمول َّي ِته ،وبالمنهج َّي ِة العلم َّي ِة؛ فلم يبالِغوا في
تقديره ٰ
ب التعص ِ ٍ
حرف كت َبه ،ولم يغا ُلوا في ِ
وقبول ِّ
كل ِ
العصمة، ِ
َّقديس ،وا ِّدعاءالت
ُّ
ضدَّ ه ،ومجافاتِه ومهاجمتِه ،كما َ
فعل اآلخرون.
والسن َِّة َ
وفق ِ
بالكتاب ُّ
ِ
العادل ،المتم ِّث ِل ِ
بميزان اإلسالم فكره
ووزنُوا َ
ئمة األَعال ِم؛ َفأ ُ ِ ِ
كثير ـ وهلل
الحق ،وهو ٌ
وافق منه َّ خذوا ما َ قواعد وضوابط األَ َّ
نادر. الحق ،وهو ٌ
قليل ٌ جانب َّ
َ فكر ِه ما
ورفضوا من ِ ُ الحمدُ ـ
41
على فكره:
واعتراضات ٰ
ٌ خامسا ـ نقدٌ
ً
ِ
بعض على ِ ِ إن كثر َة َِّ
لفكره واعتراضهم ٰ نقد غير المنصفين
حول ِ
فكره حدث ُش ٍ
بهات َ َ األُ ِ
مور ـ سوا ٌء من الموافقي َن له َأم المخالفي َن ـ َأ
ِ
صورته عند ِ
تشويه بهات في ساهمت هذه ُّ
الش ُ ْ ومشروعه العمالق ..وقد ِ
حدثت نو ًعا من خاص ًة ..و َأ ِ ِ المسلمي َن عا َّم ًة ،والمث َّقفي َن
ْ الصحوة َّ وشباب َّ
حق ..و ُأسي َءبغير ٍّ ِ
فكاره؛ ف ُظ ِل َم س ِّيد ُق ُطب ِ التَّشن ُِّج في النَّظر إلى ك ِ
ُتبه و َأ ٰ
ذنب. ٍ
جريرة وال ٍ إليه بال
ـ وهناك قراءات خبيثة ماكرة لفكر س ِّيد ُق ُطب من قبل األَجهزة األَمنية
شماعة
إلى َّ
في النُّظم القمعية؛ فيهدفون لتحويل شخصيته وفكره وكتاباتهٰ ..
السجون والمعتقالت؛ يع ِّلقون عليها الثمرات َّ
المرة لسياساتهم القمعية في ُّ
مما َأفرز لنا َّ
دوامات التطرف ا َّلتي ال تنتهي!
بيب ـ َأ َّن س ِّيد ُق ُطب تبن َّٰى قضايا شرع َّي ًة
واعلم ـ َأ ُّيها القارئ ال َّل ُ
اهر.. بماء عينه ..ثم ختمها ِ
بدمه ال َّط ِ كبيرةًَ ،أوضحها في كتاباتِه ا َّلتي كتبها ِ
َّ
جلهاُّ ..
وكل َّفيس من َأ ِ وضحى بالغالي والن ِ
َّ ً
مناضل.. وعاش في ظاللِهَ
ِ
لنهضة األُ َّمة من ُسباتها. ِ ِ على ِ
ومشروعه وفهمه فكره كان عالم ًة دا َّلة ٰ
ذلك َ
ِ
مضمون ما قدَّ َم ُه الغريب في األَ ِ
مر؛ َأ َّن المسلمي َن ابتعدوا عن ولك َّن
َ
ٍ
تحتَ مقصود العمالق من خير ٍعظي ٍم؛ بسبب استخدا ٍم َأ ٍّ
مني ُ الر ُ
جل هذا َّ
لفاظ بعينِها؛ بسبب بدع وغبار التَّكفير ..ولتصيد البعض ألَ ٍ
ُّ ِ ِ
اإلرهاب، حج ِة
َّ
عقلي. ٍ
قصور جهل عقي ٍمَ ،أو
ٍ مرضيَ ،أو نفسي ٍ
انحراف غالبة من ال ُغالةَ ،أو
ٍّ ٍّ ٍّ
ُطلب
المعاني ت ُ
َ نعلم َأ َّو ًل َأ َّن
فيجب َأن َ
ُ 3ـ كتاباته األَدب َّية والبالغية؛
لفاظ؛ فمن طلب المعاني من األَ ِ
لفاظ َّ
ضل ..وقوا ُم من المفاهي ِم ال من األَ ِ
َ َ َ
ِ
وسعة ِ
العبارة، َّمثيل ،ور َّق ِة
َّخييل والت ِ الكتابات األَدبي ِة يقوم على الت ِ
َّشبيه والت ِ ِ
َّ
ِ
وللعاطفة على الفكر. التَّعبير ..وفي هذا غلب ٌة للحس على ال َّل ِ
فظ، ِّ
الم ِر ِنة ِ ِ
خاض بعباراته األَدب َّية َ ومشكل ُة س ِّيد ُق ُطب ـ َ
غفر اهلل له ـ أ َّن ُه َ
ومسائل ع َقد َّي ٍة ..وهي في األَساس توقيف َّي ٌة بالنُّصوص َ هذه في قضايا
ِ
المسائل ِ
بعض دبي َ
حول تتحم ُل َألفا ًظا َأدبي ًة؛ فكال ُمه األَ ُّ
َّ َّ
الشرع َّية ،وال
44
((( انظر مقدمة محمد ُق ُطب لكتاب «مقومات التصور اإلسالمي» ص ٨ـ ،٩حيث ر َّد على هذه
التهمة وغيرها.
45
يده لمة ..بقلمه السيال المبارك ..ا َّلذي كان في ِ واغيت وال َّظ ِ
ِ جيوش ال َّط
َ
َّ
تعالى ..وال ُمعتد ًيا الحق ..ال ُي ْخطى ُء متج ِّب ًرا على اهلل
ِّ ِ
صاحب كس ِ
وط
ٰ َ
ظالما لعباده المكرمين؛ َف َطار َدهم في عال ِم ً على شرعه الحكيم ..وال
ٰ
لون الجاهل َّي َة بجمي ِع ِ
واقعهم ،وب َّي َن َأنَّهم يم ِّث َ والضمائر ..وفي
َّ األَ ِ
فكار
سماتها و َأشكالها .والجاهل َّي ُة ليست فتر ًة تاريخ ًّي ًة ..وإنَّما هي حال ٌة نفس َّي ٌة
الحكم بما
َ يرفض
ُ تنظيمي
ٌّ ووضع
ٌ بهدي ر ِّبها الكريم، ِ ترفض االهتدا َءُ
بكل َأ ِ
نواعه.. ِ
لمكافحة ال ُّظلم ِّ ثـم َس َّخ َر حياتَه الدَّ عو َّي َة َأ َ
تعالى! َّ
ٰ نزل اهللُ
ِ
مقتضيات اإلسالم.. َ
وجعل ذلك من ِ
ورموزه.. ِ
البغي وحر َض ضـدَّ قـوى َّ
بحرارة إيمانِ ِه
ِ الحنيف
َ وعرض الدِّ ي َن
َ ووقف مع المظلومي َن وقف ًة قو َّي ًة..
َ
يزعج
ُ ِ
بقدر ما القلوب المؤمن َة،
َ تصو ًرا ح ًّيا يست ُق ُط ُ
ب وطرح ُه ُّ
َ الص ِ
ادق.. َّ
مريكاني!
ِّ نصار اإلسالم األَ
َأ َ
ِ
الخرافة ..ا َّلذي تح ُّب ُه وتنشر ُه الجاهل َّي ُة ُّراب عن إسال ِم كما َأ َ
زال الت َ
الحق.. َّ برز دي َن اإلسالم ِ
طماعها؛ َفأ َ قديما وحدي ًثا ..وتستخد ُمه مط َّي ًة ألَ ً
لغير اهلل ِ يعرف االنحنا َءُ ِ
َّمكين ..ا َّلذي ال والقو ِة والت
َّ الحر َّي ِة
ِّ إسال ِم
ِ
الحلول مع نظا ِم الجاهل َّية؛ ألَ َّن دي َن اإلسالم ِ
نصاف تعالى ..وال يؤم ُن َبأ
ٰ
ِ
القلب ،وشريع ٌة في الحياة ..اإلسال ُم هو منظوم ٌة متكامل ٌة ..عقيد ٌة في
يسع العبا َد َّإل َأن ِ ِ ِ
واضح للكون والدِّ ين واإلنسان والحياة ..ال ُ
ٌ تصو ٌر
ُّ
كامل َأو ُيعرضوا عنه.
يقبلو ُه ً
ِ
َّشويهات ا َّلتي عر َف سيد ُق ُطب
اإلسال َم بعيدً ا عن الت وهكذا َّ
46
مظاهر فرديَ ،أو في وح َصر ْت ُه في تد ُّي ٍن ِ ِ َع ِلقت به ُ
َ ٍّ عصور االنحطاطَ ، منذ
العادات والت ِ
ِ
وحجبت حقائ ُق ُه عن فذهب بها ُء اإلسالمُ ، َ َّقاليد؛ َأ َ
قرب إلى
عن المسلمين َأ ِ
نفسهم! َّاس ..بل ِ
الن ِ
َ
ِ
لكتاب اهلل قد استعمل كلمة المفس ِر
ِّ ونسي هؤالء َأ َّن س ِّيدَ ُق ُط ِ
ب
قرآني﴿ :ﯾ ﯿ ﰀﰁ ﰂ ﰃ ﰄ ﰅ ٌّ مصطلح
ٌ على َأنَّها
«الجاهل َّية» ٰ
ٍ
بزمن ليست محدَّ د ًة ﰆ ﰇ ﰈ﴾ [المائدة .]٥٠ :والجاهل َّي ُة في القرآن َ
َ
والجهل بما بحقيقة األُلوه َّي ِة،
ِ َ
الجهل فهي تعني ٍ
مع َّي ٍن َأو مكان مع َّي ٍن؛ َ
قصدُ بها ِ ِ
إخالص العبود َّية له وحدَ ه الشريك له ،وال ُي َ تعالى من
ٰ يح ُّب ُه اهلل
صناف شت َّٰى من الن ِ
َّاس ٌ مسمى الجاهل َّية َأ
تحت َّ
َ يقع ِ
الكفر َألبتَّة؛ بل ُ ُ
إطالق
إسالمي.
ٍّ ويحكمهم و ُينَ ِّظ ُم حياتَهم نظا ٌم ُ
غير ُ ا َّلذي َن يسو ُدهم
47
ِ
وصف ِ
الكفر في مصطلح «الجاهل َّية» ولم يستخد ْم َ
لفظ ثم إ َّن ُه استخد َم
َ َّ
كل كتاباتِه. بتكفير ٍ
فرد َأو مجتم ٍع في ِّ ِ يصر ْح ِ
المجتمعات اإلسالم َّية؛ فلم ِّ
الشرع َّي ِة ،و ُأريدَ به
ُّصوص َّ ِ ولفظ «الجاهل َّية» استُخد َم في النُ
ُ
تسلك تعمل َأو
ُ ِ
المجتمعات ا َّلتي ِ
بالمعصية؛ ألَ َّن األَفرا َد َأو ُ
العمل
تكون كافرةً؛ ألَنَّها لم
َ شترط َأ ْن
ُ توصف بذلك ،وال ُي
ُ َ
سلوك الجاهل َّية
ِ ِ
تعتقد الجاهل َّية ،كما في قوله تعالى﴿ :ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ
المنهي عنها هنا جاهل َّي ُة
ُّ ﭼ ﭽ﴾ [األَحزاب .]33 :فالجاهل َّي ُة
العمل ـ َأي :المعصية ـ وليست جاهل َّي َة االعتقاد.
ِ
ِ
للقتال بينَهم بقوله: ِ
والخزرج َّبي ﷺ استعدا َد األَ ِ
وس وصف الن ُّ َ وقد
َّبي ﷺ ألَ ِّ
بي «أبِدَ ْع َوى ا ْلجاهل َّي ِة َو َأنَا َب ْي َن َأ ْظ ُه ِرك ُْم...؟!» .وكذلك ُ
قول الن ِّ َ
السوداء! َ
فقال قال له :يا اب َن َّ رجل ُبأ ِّم ِه ُ
حيث َ الغفاري عندما ع َّي َر ً ِّ ذر
ٍّ
بعض عاداتِها ،ولم ْ
يقل َأحدٌ َ :بأ َّن اهلِ َّي ٌة» َأ ْيُ :
يك ج ِ ِ
ك ْام ُرؤٌ ف َ َ له ﷺ« :إِ َّن َ
ِ
لحكم الكفر؛ َ
ُ كانت الجاهل َّي ُة هنا هي العمل! فلوِ كفر بهذا
ذر قد َ َأبا ٍّ
الكفر ا َّلذي ُي ْخ ِر ُج صاح َبه من الم َّل ِة هو ا َّلذي
َ وطلب استتاب َت ُه؛ ألَ َّن
َ بر َّدتِه
ِ
كان َأو ً
كثيرا. قليل َ
اإليمان ً يخالف َأ َ
صل ُ
سمات الجاهل َّية و َأعمالِها ..وهذه األَ ُ
عمال ِ ِ
بعض فالحكم هنا في
ُ
جاهلي مهما َّ ٍ ُخرج عن الم َّل ِة؛ َّإل إذا
قل ٍّ باعتقاد اقترنت
ْ مهما ك ُثرت ال ت ُ
ِ
كثرت؛ طالما
ْ اإليمان مهما ُخرج العبدَ من هذا االعتقا ُد ،والمعصي ُة ال ت ُ
ِ ِ السن َِّة َأنَّه ال يستح ُّلها؛ ألَ َّن
باعتقاد والجماعة ـ يتح َّق ُق الكفر ـ عند َأهل ُّ َ
48
تعالى﴿ :ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ
ٰ ِ
تفسير قوله قـال سـ ِّيـد ُق ُطب في
ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ
ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ﴾ [األنـفـال: ]72 :
تكون
ُ عضاء في المجتمع المسلمِ ،ومن َث َّم ال ِ
(فهؤالء األَفرا ُد ليسوا َأ
ً
ولكن هناك رابط ُة العقيدة).
ْ بينَهم وبينَه والي ٌة،
كافر..
الجاهلي ٌ
ِّ يعيش في المجتمع ٍ
شخص ُ فليس ُّ
كل َ
49
ِ
المجتمعات بالجاهل َّية ..ال يعني َأنه وصف س ِّي ِد ُق ُطب َ وعليهَّ :
فإن
السطح ِّيين! ِ كل َأ ِعلى ِّ
بعض َّ
بالكفر ..كما يظ ُّن ُ فرادها كم ٰ ُح ٌ
ِ
مصطلح املجتمع
َ اإلرجاءَّ :
إن ب عليهم عقيد ُة بعض من َت ْغ ُل َ وقال ُ
وصف الز ٌم للت ِ
َّكفري! ٌ اجلاهيل ..هو
ِّ
السنَّة واجلامعة ئم َة َأ ِ
هل ُّ إن َأ َّ القول يلزم منه َأ ْن َ
نقولَّ : ُ َ
سبحان اهلل! فهذا
َّكفري عندَ هم: ِ
قواعد الت ِ باطل باإلمجاع؛ ألَ َّن من
قول ٌ رون العبا َد! وهذا ٌ
ُيك ِّف َ
املعي؛ فالتكفري املطلق يكون لالعتقاد َّكفري َّ ِ ِ
املطلق والت ِ التفريق بني الت ِ
َّكفري
واألَقوال واألَعامل ..وال يعني هذا تكفري فاعله َأو تكفري األَعيان بالرضورة؛
حتَّى تُقام عليه احلُ َّج ُة و ُت َب َّي له ا َمل َح َّج َة؛ ألَ َّن َمن َ
ثبت إسالمه بيقني مل ُي َزل
بالش ِّك ؛ بل ال يزول َّإل بعد إقامة احلجة وإزالة ُّ
الشبهة. ذلك عنه َّ
تعالى ﴿ :ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ
ٰ ِ
تفسير قوله وفي
الكافر في
ُ ُ
(يدخل ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ﴾ [الزمر .]٥٣ :قال س ِّيد ُق ُطب :
الكفر؛ ألَ َّن اهللَ
َ ويبطن
ُ اإليمان
َ يظهر
كان ُ ِ
هادتين؛ حت َّٰى لو َ ُّطق َّ
بالش اإلسالم بالن ِ
فكر س ِّيد ُق ُطب صل هلا يف ِ املجتمعات هتم ٌة ال َأ َِ ِ
تكفري فتهم ُة
ِ رشعي ،و َأسو ُأ َأ
حوالا ٍّ و َأحس ُن َأحواهلا َأ ْن تكون قراء ٌة فقه َّي ٌة اجتهاد َّي ٌة ٍّ
لنص
غرضها تشوي ُه نيَ ،أو قراء ٌة علامن َّي ٌة ماكر ٌة خبيث ٌة؛ ُ َّأنا قراء ٌة مريض ٌة َّ
للسطح ِّي َ
ِ ِ
فكر س ِّيد ُق ُطب ومرشوعه ،ال صيان ُة اإلسالم من ال ُّغ ِّ
لو!
50
ولة وشؤونِها،
إن الحاكمي َة هلل مطل ًقا؛ تعني المشروعي َة العليا للدَّ ِ
َّ ُ َّ َأيَّ :
فات الحاكمي َن عن هذا المبدأ.
تصر ُ
حت َّٰى ال تحرفها ُّ
مانـع ..فهـو مـن
ٌ جامـع
ٌ ٌ
شـامل مصطلـح
ٌ فمصطلـح الحاكم َّيـةِ: ُ
ِ
الخوارج ِ
بسـبب اسـتخدا ِم يجوز ر ُّدها
ُ اإلبداعـات األَدب َّي ِة لسـ ِّيد ُق ُطب؛ فال
ِ
ِ
المصطلح َّشـنيع على
ُ يجوز الت
ُ كان خاط ًئا ،ولذا ال الخوارج َ
ِ له ،واسـتخدا ُم
ِ
الخـوارج له. لمجـر ِد اسـتخدا ِمَّ
تعالى ،ومن ُ
اإليمان باهلل ِ
والجماعة؛ السن َِّة ِ
عقيدة َأ ِ واعلم َأ َّن من
ٰ هل ُّ
ِ
بإقرار سمائه وصفاتِه ،وذلك اإليمان بوحدانيتِه و ُألوهي ِته و َأ ِ
َّ ُ ِ
اإليمان باهلل؛
الربوب َّي ِة ،وتوحيدُ ِ
والعمل بها ،وهي :توحيدُ ُّ
ِ
واعتقادها َّوحيد ال َّث ِ
الثة َأنوا ِع الت ِ
ِ
والصفات. األُلوه َّية ،وتوحيدُ األَسماء ِّ
بحق التَّشري ِع هلل وحدَ ه،
ِّ اإلقرار ِ
اإليمان؛ ِ
مقتضيات َّ
وإن م ْن
ُ
ٍ
شيء على ِّ
كل ُ َ
الملك وله الحمدُ ،وهو ٰ شريك له ،له كم هلل وحدَ ه الفالح ُ
ُ
تعالى﴿ :ﮈ ﮉ ﮊ ﮋﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ﴾ [يوسف.]40 : ٰ قدير ،قال
ٌ
صرف
ُ يجوز
ُ ِ
حكمه ،وال تجوز منازع ُة اهلل في
ُ فالحكم هلل ،والعباد ُة هلل ،وال
ُ
شيء من ذلك ِ
لغيره مطل ًقا! ٍ
الحاكم األَوحدُ ،وهذه الحاكم َّي ُة نابع ٌة ُ فالحاكم َّي ُة تعنيَ :أ َّن اهللَ هو
ِ
للعبادة المستحق
ُّ بكل ما فيه ،و َأ َّن اهللَ وحدَ ه ِ
الكون ِّ خالق
ُ من َأ َّن اهللَ
يمنحه الخالق ،ومن َث َّم
ُ حق ينفر ُد به إن ال َّطاع َة المطلق َة ٌّ اعة؛ بل َّ وال َّط ِ
ُ
والحاكم واألَ ُب َّ ِ
وج والز ُ ُ لمن شا َء من عباده بالحدود ا َّلتي يشا ُء ،فالن ُّ
َّبي
طاعتُهم ممنوح ٌة ومشروط ٌة.
52
رعي ،فهذا
الش ِّ الكوني ،وتشري ِع الحك ِم َّ
ِّ الحك ِم ِ
بتقدير ُ األَ َّول :ما يتع َّل ُق
المشر ُع وحدَ ه،
ِّ الر ِّب سبحانه ،وهو الربوب َّي ِة ،ألنَّه من ِ
فعل َّ
ِ
تحت توحيد ُّ داخل َ ٌ
قال تعالى﴿ :ﮞﮟﮠﮡﮢﮣﮤﮥﮦ﴾ [األعراف.]54 :
ٍ
مقتض والتقسيم بال ِ
الثالثة، داخل في األَنوا ِع
ٌ فليس له وج ٌه؛ ألَن ُه ِ
ُ التَّوحيد َ
داعي له.
َ ُ
يكون زياد َة كال ٍم ال
منصوص ِ ِ ِ
عليه شر ًعا؛ بل هو ٍ تقسيم التَّوحيد َبأنواعه ُ
غير َ ثم اعلم َأ َّنَّ
السنَّة والجماعة لما استقرؤوا َ
والتأ ُّم ِل؛ فعلما ُء َأ ِ ِ ْ
مأخو ٌذ من
هل ُّ االستقراء
بعضهم نو ًعا راب ًعا
ظهر لهم هذا ،وزا َد ُالسنَّ َة َ ِ
الكتاب ُّ نصوص
ُ جاءت ِبه
ْ ما
هو توحيدُ المتاب َع ِة ،وهذا ك ُّله باالستقراء.
ٍ
ِ
بإخالص العظيم وجدَ فيه آيات ْتأ ُ
مر َ َ
القرآن شك َأ َّن من تد َّب َر
فال َّ
تعالى﴿ :ﯸ ﯹ ﯺ ﯻ ﯼ ﯽ ﯾ
ٰ ِ
تفسير قوله وفي
ﯿ ﰀ ﰁ ﰂ ﰃ ﰄ ﰅ ﰆ ﰇ ﰈ ﰉ ﰊ ﰋ﴾
[األَنعامُ .]44 :
يقول س ِّيد ُق ُطب :
2ـ الحاكم َّي ُة ال تعني َأ َّن اهلل تعالى هو ا َّلذي يو ِّلي العلما َء واألُمرا َء
ليحكموا باسمه؛ بل المقصو ُد بها الحاكم َّي ُة التَّشريع َّي ُة فحسبَ ،أ َّما سندُ
ِ ِ
الحل وال َع ْقد ـ فهي
تم ِّثل بأهل َ السلطة السياس َّية فمرج ُع ُه إلى األُ َّمة ـ ُ
الم َ ُّ
تختار حكَّا َمها ،وهي ا َّلتي تُحاس ُبهم وتراق ُبهم؛ بل تعز ُلهم .والت ُ
َّفريق ُ ا َّلتي
موهم ومض ِّل ٌل ،فليس معنى الحاكم َّي ِة ٌ والخلط بينهما ُ مهم، بي َن األَ ِ
مرين ٌّ
دولة ثيوقراطية. الدَّ عو ُة إلى ٍ
ٰ
حد تكون هلل وحدَ ه ،وليست ألَ ٍ َ يجب َأ ْن 3ـ الحاكم َّي ُة التَّشريع َّي ُة ا َّلتي
ُ
خلقه هي الحاكم َّي ُة ال ُعليا والمطلق ُة ا َّلتي ال يحدُّ ها وال ُيق ِّيدُ ها شي ٌء؛ ِ من
ُ
القرآن ِ
َّوحيد ،كما ب َّي َن دالئل وحداني ِة األُلوهي ِة ،بل من مقو ِ
مات الت ِ فهي من
ِّ َّ َّ
تعالى﴿ :ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ
ٰ في قوله
ﮙ﴾ [األنعام.]114 :
ِ
للعباد َقدْ ٌر من إصدار َأحكا ٍم َ
يكون تنفي َأ ْن وهذه الحاكم َّي ُة ال
ْ
ِ
غالب النصوص الشرع َّية في
ُ مسائل النوازل بضوابط شرع َّية؛ ألَ َّن ِ في
56
ٌ
استقالل َ
يكون لهم تمنع َأ ْن
ُ األَ ِ
مر كل َّي ًة إجمال َّي ًة ال تفصيل َّي ًة ..إنَّما هي
ِ الشارع الحكيم؛ كالتَّشري ِع في َأ ِ مأ ٍ غير ْ
العبادات، مر ذون به من َّ بالتَّشري ِع ُ
والتَّشري ِع ا َّلذي ُي ِح ّل ما َح َّرم اهلل ،و ُي َح ِّرم ما َأحل اهلل ،و ُي ْس ِقط ما
فرض اهلل؛ ألَ َّن هذه المسائل من العبادات التوقيف َّية.
ِ نص فيهَ ،أو في
المرسلة.. ِ
المصالح َشريع في النوازلَ ،أو فيما ال َّ
ُ َأ َّما الت
حق العلماء
نصيب ـ بضوابطه الشرعية ـ فهذا من ِّ ِ
لالجتهاد فيه َأي فيما
ٌ
والسالم. العاملين؛ ألَنَّهم ورثة األَنبياء عليهم َّ
الصال ُة َّ
4
ِّ
والمفك َ
رين ُ
شهادات العلماِء
في سيِّد ُق ُطب
َ
يكون ِ
وفكره وآرائـه ..ال ُبدَّ َأ ْن حيح لمنهج سـ ِّيد ُق ُطب
الص ُ ال َف ْه ُ
ـم َّ
ِ
والعدل.. ِ
المشـهود لهم بالعلـ ِم الصادقي َن.. ِ عـن ِ
طريق العلمـاء والمفكِّري َن َّ
وفهموا مرام َيه؛ عمق ِ
كالمـه ب ..و َأدركوا َ عاصـروه وعرفو ُه عن ُق ْـر ٍ وا َّلذيـن
ُ ُ
ِ
استشـهاده في وترحمـوا عليـه ،وشـهدُ وا علـى َأثنَـوا عليـه
وعلـى مـا قـدَّ َمَّ ،
ٰ
سـبيل دينِ ِ
ـه ،وداف ُعـوا عنـه ..ولـم ُيك ِّفـروه ولم يبدِّ ْعـ ُه َأحـدٌ منهم َألبتَـ َة! بل ِ
وج ِه مـن ك َّفـر ُه وبدَّ َعه.. وقـف َأ ُ
كثرهـم في ْ َ
ِ
هؤالء الكرامِ: ومن
شعورا منه
ً الحقيقي لـ «ال إله َّإل اهلل»
ِّ حول موضو ٍع مع َّي ٍن ،هو ُ
بيان المعنى َ
ِ على حقيقتِه،
المواصفات وبيان
ُ يدركون هذا المعنى ٰ
َ كثيرا من الن ِ
َّاس ال َبأ َّن ً
شعورا منه َبأ َّن ً
كثيرا من ً والسنَّة، ِ
الكتاب ُّ وردت في
ْ ِ
لإليمان كما الحقيق َّي ِة
حرصا َّاس عنه ،ولكنَّ ُه مع َ همل َأو غ َ ِ
المواصفات قد ُأ َ
حرص ً َ ذلك َفل الن ُ هذه
إصدار َأحكا ٍم على النَّاس،
ُ على َأ ْن يب ِّي َن َأ َّن َ
كالمه ليس مقصو ًدا به شديدً ا ٰ
ِ
الحقيقة ،ليتب َّينوا هم َأنفسهم وإنَّما المقصود ِبه تعري ُفهم بما غف ُلوا عنه من ِ
هذه ُ
بعيدون عن هذا ال َّط ِ
ريق َ طريق اهلل كما ينبغيَ ،أم َأنَّهم
على ِمستقيمين ٰ
َ إن كانوا ْ
(نحن
ُ مر ٍة يقول: فينبغي عليهم َأ ْن يعو ُدوا إليه ،ولقد سمعتُه بنفسي َأ َ
كثر من َّ ْ
ولكن
َّ إصدار األَحكام على النَّاس،
َ ليست
ْ همتنا
وإن َم َّ
دعا ٌة ولسنا قضاةًَّ ،
ِ
الحقيقي،
َّ يعرفون ُمقتضاها
َ همتنا تعري ُفهم بحقيقة ال إله َّإل اهلل؛ ألَ َّن الن َ
َّاس ال َم َّ
ِ
شريعة اهلل)... إلى
َّحاكم ٰ
ُ وهو الت
الحكم على الن ِ
َّاس يستلز ُم وجو َد َ (إن
يقولَّ : مر ٍة ُ كثر من َّ كما سمعتُه َأ َ
ليس في َأيدينا ،ولذلك ٍ ٍ
فنحن ال
ُ مر َ ك ،وهذا َأ ٌ الش َّ
تقبل َّ قاطعة ال ُ قرينة
فضل عن كونِنا دعو ًة ولسنا دول ًة ،دعو ٌة نتعر ُض لقض َّية الحك ِم على النَّاسً ، َّ
إصدار األَحكا ِم عليهم.)1()... ُ الحقائق للن ِ
َّاس ال ِ بيان
همتُها ُ َم َّ
ِ
سجن كان يص ِّلي في ِ
االنحرافات ،وقد َ وسيد ُق ُطب بريء من ِ
هذه ٌ ِّ
ِ ِ
اإلخوان؛ ألَنَّه األَ ُ
كثر حف ًظا في الوقت ا َّلذي خلف إما ٍم من ِ
غير َ ليمان طره
الصلوات. كانت تقا ُم فيه ُ
بعض َّ
الش ِ
هيد س ِّيد ُق ُطب وصاف ا َّلتي َأطلقها ٌّ
كل من َّ ُ العبارات واألَ
ُ فهذه
ِ
المجتمعات بالجاهل َّية ـ قد فون
يص َستاذنا المودودي َأو غيرهم ـ ممن ِ وأ َِ
َّ ُ ِّ
قول الله: ِ
واالعتقاد ،كما في ِ ِ
الكفر الوصف يرا ُد به جاهل َّي ُة
َ علمنا َأ َّن هذا
﴿ﯾ ﯿ ﰀﰁ ﰂ ﰃ ﰄ ﰅ ﰆ ﰇ ﰈ﴾ [المائدة.]50 :
ِ
المجتمعات َأو األَفرا َد والعمل ،ألَ َّن
ِ ِ
المعصية وقد ُي َرا ُد به جاهل َّي ُة
60
الوصف بالجاهل َّية قد يرا ُد به جاهل َّي ُة َ الشرع ّية هناَ :أ َّن والقاعد ُة َّ
المجتمع من َأجلِه
ُ العمل ا َّلذي ُو ِص َ
ف ِ المعصية ،حسب نو ِع ِ الكفر َأو
ِ
وقال :هذا َ الخمر َ
فنبذهم يشربون مسلمين ى الوصف .فمن َ ِ
َ َ َ رأ ٰ بهذا
العمل هنا َ تكفيرهم؛ ألَ َّن
َ القول َبأ َّن ُه َأرا َد
ُ يمكن
ُ جاهلي ..فال ٌّ مجتمع
ٌ
ٍ
ُ
تخالف وقوانين
َ تشريعات يضعون
َ ناقش ا َّل َ
ذين ومن َ كفراْ . وليس ً معصي ٌة َ
حسن ،فوص َفهم بالجاهل َّية ،كان ُ فضل َ
وأ على َأنَّهم َأ ُ ون ٰ ويصر َ ُّ تشريع اهلل،
َ
كفر.
العمل هنا ٌ َ الكفر؛ ألَ َّن
ِ مرا ُده هنا جاهل َّي َة
ِ
العباد، هيد س ِّيد ُق ُطب؛ فإنَّه تك َّلم عن حاكم َّي ِة
الش ِ نفهم َأ َ
قوال َّ وبهذا
ُ
عنوان المجتمع ِ تحت
َ ُ
يدخل ض حاكم َّي ِة اهلل مطل ًقا ،ثم قال( :بهذاور ْف ِ
يحكم اإلسال ُم حياتَه)(.)1
ُ الجاهلي ُّ
كل مجتم ٍع ال ِّ
مشوارها ِ جرأ ٌة عظيم ٌة ما عهدتها األُ َّم ُة اإلسالم َّي ُة في هذه َ شك َأ َّن ِ وال َّ
كتببقراءة ِ ِ ليس لي عناي ٌة قبل عا ِم (1342هـ) ...ألَنَّني من ُ ويل َ ال َّط ِ
قبل َ
ٍ لكن َ الر ِ
قراءات إلى هول ما ذكرتُم دفعني ٰ َّاسَّ .. وإن تداو َلها الن ُ جل ْ هذا َّ
مشر ًفا وح ًّقا ِ دة في عام ِة ِ متعدِّ ٍ
كثيرا وإيمانًا ِّ خيرا ً فوجدت في كتبه ً ُ كتبه؛ َّ
ٍ ِ ِ
عثرات في فاضحا لمخ َّططات العداء لإلسالمٰ ..
على ً وتشريحاً بلج، َأ َ
الحق ينقضها قو ُله ُّ وكثير منها ُ بعبارات ليتَه لم ي ُف ْه بها، ٍ ٍ
واسترسال سياقاتِ ِه
ٌ
ِ ٍ
خدمة إلى
ثم اتَّج َه ٰ جل كان َأدي ًبا ن َّقادةًَّ .. والر ُ والكمال عزيزٌَّ ، ُ آخر
مكان َ في
العطرة؛ ِ يرة النَّبو َّي ِة فة ،والس ِ القرآن العظي ِم والسن َِّة المشر ِ ِ اإلسالم من خالل
ِّ َّ ُّ
سبيل اهلل ِ موقف ِه في ِ على
صر ٰ وأ َّ عصر ِهَ ،
ِ مواقف في قضايا َ كان من فكان ما َ
ٍ ِ ِ لب منه َأن يس ِّط َر ِِ
اعتذار، كلمات بقلمه وكشف عن سالفته ،و ُط َ َ تعالى،
ٰ
ِ
كتب به كلم ًة للشهادة لن َأ َ (إن ُأصب ًعا َأرفع ُه َّ فقال كلمتَه اإليمان َّي َة المشهورةََّ : َ
ِ
بالمغفرة، عاء ل ُهفالواجب على الجمي ِع الدُّ ُ ُ نحو ذلك، تضارها!) َأو كلم ًة َ ُّ
يوجب خطأ ُه ال َ وإن ِ
خطأ ُه فيهَّ ، َ وبيان ما تح َّققنا ُ ِ ِ
واالستفاد ُة من علمه،
ُ
علمه وال هجر ِ
كتبه! ِ حرماننَا من
َ
َ
إسماعيل مضوا ،من َأ ِ
مثال َأبي ٍ
سالف َ ِ
بحال َأ اعتبر ـ رعاك اهلل ـ حا َله
ْ
لديهما
َ ابن تيم َّي َة مع ما
شيخ اإلسالم ُ
دافع عنهما ُ
والجيالني ..كيف َ
ِّ الهروي
ِّ
َ
«منازل والسنَّة ،وانظر ِ من ال َّطوا ِّم؛ ألَ َّن األَ َ
صل في مسلكهما نصر ُة اإلسالم ُّ
يمكن قبو ُلها ..ومع ذلك ُ
فابن ُ عجائب ال
َ تعالى َتر
ٰ للهروي
ِّ السائرين» َّ
ِ
شرحه «مدارج يجر ُمه فيها ،وذلك في ِ يعتذر عنه َأشدَّ الق ِّي ِم
االعتذار وال ِّ ُ
بسطت في كتابِي« :تصنيف النَّاس بين ال َّظ ِّن واليقين».)1()...
ُ السالكين» وقد
َّ
(( ( «الخطاب الذهبي في الرد على ربيع المدخلي» بكر َأبو زيد.
63
((( فتاوى برنامج «نور على الدرب» وانظر :الموقع الرسمي لسماحة الشيخ عبد العزيز
https://binbaz.org.sa/old/38125 ابن باز:
((( انظر :كلمة كلمة حق وإنصاف في مؤلفات سيد ُق ُطب في موقع طريق اإلسالم الرابط:
https://ar.islamway.net/lesson/37412
و«حياة األلباني وآثاره وثناء العلماء عليه» للشيخ محمد بن إبراهيم الشيباني ص 536ـ .537
64
((( نشرت في «سيد ُق ُطب صاحب الظالل» لتوفيق الواعي وإبراهيم منير ص 114ـ ، 115ط1
مكتبة المنار اإلسالمية بالكويت .وفي موقع الشيخ اإللكتروني .
65
السعودية:
َّ الشيخ عبد العزيز بن عبد ال َّله آل الشيخ ،مفتي
٨ـ فضيل ُة َّ
تفسير ُ وبعض َأقواله ،فقال وفقه اهلل( :يا إخواني ِ ُس ِئ َل عن س ِّيد ُق ُطب
ظالل ِ تفسيرا؛ لكنَّه قال :في ليس
كتاب َ ٌ س ِّيد ُق ُطب «في ظالل القرآن» هو
ً
تعيش في ظالله، القرآن نظا ُم األُ َّمة ُ ُ يقول للمسلمين :هذا كأنَّه ُ القرآن ،يعني َ
ِ
القرآن وأقبلوا بقلوبِكم على الصافيَ ، فاست ُقوا من آدابِه ،وانهلوا من معينه َّ
إلى آخره. ِ عالج مشاكلِكم َّ
وتفريج همومكم ٰ َ وحل قضاياكم َ لتجدُ وا فيه
كتب به الس ِّيدُ سلوب ا َّلذي َ ياق ،هذا األُ الس ِ ٌ ٍ والكتاب له ُأ
ُ سلوب عال في ِّ ُ
العبارات َأ َّن فيها شركًا َأو ِ ِ
بعض بدء من بعض النَّاس بادئَ ذي ٍ يظن ُ كتا َبه قد ُّ
ِ قدحا في األَنبياء َأو َأ َّن َ
العبارة لوجدها َّظر فيوأ َّن !...ولو َأعاد الن َ َأ َّن فيها ً
ِ فهم هذا األُ
قراءة تمر َس في سلوب َّإل َمن َّ َ ُأسلو ًبا َأدب ًّيا راق ًيا عال ًيا ،لكن ال َي ُ
خطاء ،لكن ٍ مالحظات كغيره وال يخلو من َأ ٍ والكتاب ال يخلو من كتابه،
ُ
جل هو صاحب ٍ والر ُ ِ
تربية ُ الكاتب كت َبه غير ًة وحم َّي ًة لإلسالمَّ ، ُ الجملة: في
جل له والر ُ قرأ به يستفيدُ َّ ... إن َ طالب العلم ْ ُ عام ٍةَ ...أنا َأ ُ
قول: ٍ
وعلو ٍم ثقاف َّية َّ
خطاء
ٌ كتب كان فيها َأ
وله ٌ تعلمون َأنه استشهدَ َأو َ
قتل شهيدً ا َ جها ٌد،
((( كتبه الشيخ حمود بن عقالء الشعيبي بتاريخ 1421/5/16هـ ،ونشر على العديد من
المواقع اإللكترونية ونقله الدكتور صالح الصاوي في موقع فتاوى الصاوي:
http://fatawaalsawy.com
67
والقرآن
ُ السابق،
منهجه َّ
َ ِ
القرآن ر َّبما عدَّ لت ِ
تفسير فتراجع عنها؛ ألَ َّن كتاب َة
َ
ٍ ِ اعتنى به َ الشك َأ َّن َمن
كثر من قراءته ينق ُله من حال ٰ
إلى حال)(.)1 وأ َ ٰ َّ
((( من « برنامج نور على الدرب » ،وسمعته بنفسي ،وهو موجود بصفحة الشيخ اإللكترونية.
الم َف ِّسر صاحب «التحرير والتنوير» تُو ِّفي قبل والده بثالث سنوات (1909م -
((( هو ابن ُ
ُّ
1970م) وهو إما ُم في اللغة وعلومها ،وإما ٌم في علوم َّ
الشرع ومنها التفسير الذي كتب
ُ فيه (التفسير ورجاله) مفتي َأهل تونس في ع ْ
َصره ،وعميد كلية الزيتونة للشريعة وأصول
الم ْجمع ال ُّلغوي بالقاهرة ،وعضوية رابطة العالم االسالمي بمكة، الدِّ ين ،وعضوية َ
ؤسسات الثقافية واالسالمية.
الم َّ
والعضوية في كثير من ُ
َّ ُ ُ ُ ُ
المفكِّر األستاذ س ِّيد قطب ؛ رسالة ألولئك الذين ُيغْمطون س ِّيدً اَ وهذه شهادته في َأخيه ُ
الشرع ومنها التفسير ،هذه شهادة رجل لم يكن من ح َّقه في ا ِّدعاء َأنَّه ال معرفة له بعلوم َّ
مدرسة س ِّيد الفكرية ،وال يجامل َأحدً ا ،ولكن يعرف كيف َ
يتأول للنَّاس ل ُيحسن ال َّظن
الم َح ِامل ..فرحمهم اللَّه جمي ًعا .
فيهم ،ويحمل كالمهم على خير َ
68
الحقيقي بين
ّ الفلسفي الموقف ِّ يعتبر س ِّيد ُق ُطب بمنهجه وقال َأ ً
يضا ُ ( :
منهج التَّدين ومنهج حركة ِ
الفكْر؛ َلَنه ُيقاوم العيوب ا َّلتي َأ ْحدَ َثها النَّاس في
ْهجين ،فهو ُي َقاوم ُ
الج ُمود في الدِّ ين ،ويقاوم االستهتار والوقاحة المن َ
كل من َِّ
والش َطط في حرية الفكر ،فينتهي بذلك إلى َأ َّن غاية الفكر ُ
الح ّر هي تأييد َّ
الح ّر )(.)2 ِ الدِّ ين َ
الحق هي حماية الفكْر ُ
وأ َّن غاية الدِّ ين ِّ
((( «ومضات فكر» ،ص . 447ط .الدار العربية للكتاب ،تونس 1982م .
((( املصدر السابق ،ص . 449
((( جملة «الرسالة» :العدد 648سنة 1945م ،ص .1313
5
كتاب «معالم في الطريق»
ُي َعدُّ هذا الكتاب آخر ما َصدر لس ِّيد ُق ُطب قبل اعتقاله األَخير عام
1965م(.)1
الغرب للعال ِم قد ِ يرى س ِّيد ُق ُطب َ أ َّن قياد َة الكتاب ٰ ِ وفي هذا
الق َيم تملك رصيدً ا من ِ ُ باتت الالزوال؛ ألَ َّن حضارتَهم ْ َأوشكت على َّ
قوتِهم الماد َّي ِة واالقتصاد َّي ِة والعسكر َّية؛ فال ُبدَّ رغم َّ يسمح لهم بالقيادة! َ ُ
الحضارة الماد َّي ِة ..ا َّلتي وص َل ْت إليها ِ يملك القدرةَ ..وتنمي َة ُ إيجاد ٍ
بديل ِ من
ويزو ُد اإلنسان َّي َة
الماديِّ ،ِّ طريق العبقر َّي ِة األُوروب َّي ِة في اإلبدا ِعِ البشر َّي ُة عن
تلك يملك َُ الحق وحدَ ه ا َّلذي صيل؛ فاإلسال ُم دي ُن ِّ ومنهج َأ ٍٍ ٍ
جديدة.. بقي ٍم
وذلك المنهج. َ القيم
َ
ويرفع راي َة المشروع، يحمل هذا ُ ِ
الجيل ا َّلذي ِ
صفات عرض
َ ثم
ُ َ َّ
ِ عيل األَ َّو ُل ..فتحدَّ َ
الر ُ ِ
«الجيل ث عن اإلسالم المنشود عال ًيا؛ مثلما حم َلها َّ
ِ
القرآني الفريد».
اإلسالمي ،وتك َّل َم تربية المجتمععرض طبيع َة المنهج القرآني في ِ
ثم َ
ِّ ِّ َّ
ِ
رابـطة عـلى َّبوي؛ كيف كان مجتم ًعا مبن ًّيا ِ ِ
ٰ عن خصائصه ،وعن المجتمع الن ِّ
وحدتها ات مختلف ٌة َّ وعرب ورو ٌم وعرق َّي ٌ
ٌ ِ
الفرس ٌ
رجـال مـن العقيدة ،فـيه
((( انظر :مقدمة «مقومات التصور اإلسالمي» لشقيقه محمد ُق ُطب ،ص .5ط الشروق .
70
* شهادات للكتاب:
* يقول الدكتور جعفر شيخ إدريس في وصف كتاب المعالم:
ثم ذكر انتباه س ِّيد ُق ُطب هلذه النقطة ،ونقل كال ًما له من الكتاب
َّ
التأييد ،ما يعادل ثالث صفحات. بصيغة ْ
خرى ،تساءل عن السبب ،مع َأ َّن قرآن هذه الدعوة ال يزال وحديث
مرة ُأ ٰ
الرسول وهديه العميل وسريته الكريمة ..كلها بني َأيدينا كام كانت بني
يدي ذلك اجليل األَول ..ومل يغب َّإل شخص رسول اهلل ﷺ؟.)...
* نقد الكتاب:
خاصة من ال َع ْل َمانين الكارهين لما
وجهة للكتاب َّ الم َّاالنتقادات ُ
ُ َك ُث َرت
ِ
مستغ ِّلين مواقف ال ُغالة ا َّلذين زعموا َأ َّن مرجعهم هذا الكتاب ! أنزل اهلل؛
((( نُشر في « مجلة الرسالة» يناير سنة 1965م .العدد رقم . 1098
75
اس آخر غري اختالف طبيعة النَّ ْبع،ٍ َ ِ ويشري املؤ ِّلف إلى ۞
عامل أ َس ٍّ ُ
ذلك هو اختالف َمن َْهج ال َّت َل ِّقي َّ
عم كان عليه يف ذلك اجليل الفريد.
إِ َّنم يف اجليل األَ َّول ،مل يكونوا يقرءون القرآن ب َق ْصد الثقافة
واالطالع ،وال بقصد الت ََّذوق وا َملتَاع ،إنَّام كانوا َي َت َل ُّقون القرآن ل َي َت َل ُّقوا
وشأن اجلامعة ا َّلتي يعيشون فيها ،ليعملوا به فورخاصة شأهنم ْ َأ ْمر اهلل يف َّ
َس َم ِعه ..فمنهج ال َّت َل ِّقي للتنفيذ والعمل هو ا َّلذي َصنَع اجليل األَ َّول،
ومنهج التلقي للدِّ راسة واملتاع هو ا َّلذي خرج األَجيال ا َّلتي تليه.
۞ كام ُيشري املؤ ِّلف إلى عامل ثالث ،هو َأ َّن اجليل األَ َّول دخل يف
كل ماضيه يف اجلاهلية ،وعاش يف عزلة ِ
اإلسالم وقد َخ َلع عىل عتبته َّ
شعورية كاملة بني ماضيه يف جاهليته وحارضه يف إسالمهَ ،أما األَجيال
76
ا َّلتي تليه فلم يقدر هلا َأن تتخ َّلص هنائ ًّيا من ضغط املجتمع اجلاهيل
والتصورات اجلاهلية والقيادة اجلاهلية يف خاصة نفوسهم .
وعندما تعرض ا ُمل َؤ ِّلف إلى طبيعة املنهج القرآينَ ،أشار إلى
القرآن َّ
ظل طوال الفرتة املك َّية -ثالثة َع َش عا ًما ُ -يعالج فحسب َ َأ َّن
القضية األُولى ،والقضية الكربى والقضية األَساس َّية يف الدِّ ين اجلديد،
قضية العقيدة ممثلة يف قاعدهتا الرئيس َّية :األُلوه َّية و العبود َّية وما بينهام من
عالقة ،وكان القرآن ـ وهو يبني العقيدة يف ضامئر اجلامعة املسلمة ـ خيوض
هبا معركة ضخمة مع اجلاهل َّية ورواسبها ،فظهر بناء العقيدة ،ال يف صورة
نظرية ،وال يف صورة الهوت ،وال يف صورة جدل كالمي ،ولكن يف صورة
جتمع عضوي حيوي ،وتكوين تنظيمي مبارش للحياة ،كان هذا القرآن
املكي يفرس لإلنسان رس وجوده ووجود هذا الكون من حوله ،وكانت هذه
هي القضية الكربى ا َّلتي يقوم عليها وجود اإلنسان ،وستظل هي القضية
الكربى ا َّلتي يقوم عليها وجوده على توايل األَزمان .
إن طبيعة هذا الدِّ ين هي ا َّلتي قضت هبذا املنهج ،فهو دين يقوم َّ
كله على قاعدة األُلوه َّية الواحدة ..كل تنظيامته وكل ترشيعاته تنبثق
ِ
من هذا األَصل الكبري ،وهذا جانب من ِّ
س هذا الدِّ ين وطبيعتهُ ،يدِّ د
منهجه يف بناء نفسه ويف امتداده ،وجيعل بناء العقيدة ومتكينها ،وشموهلا
واستغراقها لشعاب النفس كلها ،رضورة من رضورات النشأة
الصحيحة ،وضامنًا من ضامنات االحتامل ،والتناسق بني الظاهر من
الشجرة يف اهلواء ،والضارب من جذورها يف األَعامق .
77
جانب آخر من طبيعة هذا الدِّ ين يت ََج َّل يف هذا املنهج ٌ وهناك
حركي جاد ،جاء ل َي ْحكُم احلياة يف ٌّ عميل
ٌّ القويمِ ،
فاإلسالم َمن َْه ٌج
واقعها ،ويواجه هذا الواقع ليقيض فيه َبأ ْم ِره ،يقره َأ ْو يعدِّ له َأ ْو ّ
يغيه
من َأ َساسه ،فهو ليس نظرية تتعامل مع ال ُف ُروض ،ولكنه َمن َْه ٌج يتعامل
مع الواقع ،وا َّلذين يريدون من ِ
اإلسالم اليوم َأن َي ُصوغ نظريات ،و َأن
يصوغ قوالب نظام ،و َأن يصوغ ترشيعات للحياة -بينام ليس عىل وجه
األَريض جمتمع قد قرر ً
فعل رشيعة اهلل َو ْحدَ ها -هؤالء ال يدركون
طبيعة هذا الدِّ ين ،ولذلك يريدون منه َأنَّه ّ
يغي طبيعته ومنهجه وتارخيه،
و حياولون أن يستعجلوه عن طريقه وخطواته ،ل ُي َل ِّبي رغبات يف نفوسهم
إنَّام تنشئها اهلزيمة الداخلية يف َأرواحهم .
وعندما َأ َشار املؤ ِّلف إىل َأ َّن «ال اله إِ َّل اهلل» منهج حياة ،ذكر أن
العبودية هلل َو ْحده هي شطر الركن األَ َّول يف العقيدة ِ
اإلسالمية ا ُملت ََم ِّثل
يف «شهادة أن ال إِله إِ َّل اهلل» وال َّت َل ِّقي عن رسول اهلل يف كيفية هذه
العبود َّية ـ هو شطرها الثاين ا ُملت ََم ِّثل يف «شهادة َأ َّن َّ
حممدً ا رسول اهلل»
والقلب املؤمن املسلم هو ا َّلذي تتمثل فيه هذه القاعدة بشطرهيا؛ ألَ َّن
كل ما بعدها من ُم َق ِّومات اإليامن و َأركان ِ
اإلسالم إنَّام هو ُمقتَضى هلام،
واملجتمع املسلم كذلك هو ا َّلذي تتمثل فيه تلك القاعده ومقتضياهتا
حممدً ا رسول اهلل».. مجيعاِ ،
وم ْن ثم ت ُْصبِح «شهادة َأ َّن ال إله إِ َّل اهلل َ
وأ َّن َّ ً
تقوم عليه حياة األُ َّمة املسلمة بحذافريها.
قاعدة ملنهج كامل ّ
78
وبعد :فمام ال ريب فيه َأن كتاب األُستاذ س ِّيد ُق ُطب َو ْث َب ٌة جريئة
إسالمي جديد ،إذا ُأ ِريدَ إنقاذ ثيف التفكري ،تؤكد أ َّنه ال بدَّ من بع ٍ
ٍّ َْ ُ ُ
«م َع ِال يف ال َّطريق»
البرش َّية من شقوة اجلاهل َّية ،وال ُبدَّ هلذا ال َب ْعث من َ
ُت ْلقي َأضواء على َد ْو ِره و ُم ِه َّمته و َغايته ،و ُن َقط ال َبدْ ء فيه ،وال ُبدَّ هلذه
ال َأن ُت َقام من املصدر األَ َّول للعقيدة ،وهو القرآن :من توجيهاته ا َملع ِ
َ
األَساس َّية ،ومن الت ََّص ُّور ا َّلتي َأنْشأه يف نفوس َّ
الصفوة ا ُملختارة ا َّلتي
َصنَع اهلل هبا يف األَ ْرض ُمعجزة التاريخ .
79
اإلسالم قد َم َّر بتجربة القيادة ،وتس َّبب۞ واملؤ ِّلف ُيدْ رك بالطبع َأ َّن ِ
مرة ،فإذا َأ َرا َد ُه على َأن يدخل جتربة ِ
املجتمع ا ُمل ْسلم يف فشلها َأكثر من َّ
80
جديدة ،فال ُبدَّ من تسليط األَضواء َأ َّو ًل على َأسباب ال َف َشل ،لتبدأ َم َع ِال
وسا يف منهج الكتاب . واضحا َم ْل ُم ً
ً الطريق ،وهذا ما مل يكن
97 ............................................
109 ......................................
145 ............................
157 .........................................
193 .......................................
209 ...............................................
219 .......................................
241 .....................................
257 .................................
273 .............................................
295 ........................................
309 .............................................
***
ِ بسبب الت ِ ِ ِ عىل حا َّف ِة
بالفناء َّهديد اهلاوية ..ال تقف البرش َّي ُة اليو َم ٰ
ُ
املرض ..ولكن وليس هو ُ َ عىل ر ْأ ِسها ..فهذا َع َر ٌض للمرض، ِ
املع َّلق ٰ
ِ ِ ِ
بسبب إفالسها يف عامل «القيم» ا َّلتي يمك ُن َأن َ
تنمو احليا ُة اإلنسان َّي ُة يف
صحيحا(.)1 وترتقى تر ِّق ًّيا سليم، ِ
ً ٰ نموا ً
ظالهلا ًّ
ِ يب ا َّلذي مل يعدْ لديه ما واضح َّ
يعطيه كل الوضوح يف العاملِ الغر ِّ ٌ وهذا
باستحقاق ِه
ِ ضمري ُه
َ للبرش َّية من «القيم» بل ا َّلذي مل يعدْ لديه ما ُي ُ
قنع
حيث اإلفالسُ ، ِ
انتهت «الدِّ يمقراط َّي ُة» فيه إ ٰىل ما يشب ُه للوجود ،بعدما
َ
ٍ
وبخاصة قي، ببطء ـ وتقتبس من َأ ِ ٍ بد َأت
الش ِّ نظمة املعسكر َّ ُ تستعري ـ
ُ
يف األَنظمة االقتصاد َّية ! َ
حتت اسم االشرتاك َّية!
ات اجلامع َّي ُة الشقي ِ
نفسه ..فالنَّظر َّي ُ ِ ُ
املعسكر َّ ِّ احلال يف كذلك
ِ
كبريا يف اجتذبت يف َأ َّول عهدها عد ًدا ً
ْ ويف مقدِّ متها املاركس َّي ُة ،ا َّلتي
(( ( يستعمل س ِّيد ُق ُطب في كتابته النقطتين المتجاورتين( )..ويكثر استعمالها في النصوص
األَدبية والشعرية ..تظهر كعالمة فصل بين مقاطع الكالم في النصوص ا َّلتي تحاول محاكاة
على َأ َّن في
الحديث العفويَ ..أو الشفوي َأشبه بفاصل زمنيَ ..أو مكان محذوف لتدال ٰ
مضمرا ،وقد تُستعمل النقطتان في نهاية فقرات لم تتمَ ..أو
ً موضعهما كال ًما محذو ًفا َأو
على بعض الجمل الطويلة.
مفتوحة على فقرات تالية ..وقد ينطبق هذا ٰ
86
السديد بربع قرن؛ انهارت الماركس َّي ُة في معاقلها ((( رحم اهلل س ِّيد ُق ُطب ..فبعد كتابة هذا الكالم َّ
دمار َأمريكا قاب قوسين َأو يوعي ..وإن شا َء اهلل َ الش ِّ السبعين عا ًما من قيام الحكم ُّ بعد قرابة َّ
َّ َ
فكري يقوم على اإللحاد ،وأن الماد َة هي ٌّ مذهب ٌ السنن الكون َّية! ُّ
فالشيوعية: دنى ..بحسب ُّ َأ ٰ
ِ
الطبقات وبالعامل االقتصادي ..وقد ظهرت في ويفس ُر التَّاريخ بصراع
ِّ كل شيء، َأ ُ
ساس ِّ
البلشفية ا َّلتي ظهرت ِ وتجسدت في الثورة يد كارل ماركس وفريدريك انجلز، َألمانيا على ِ
َّ ٰ
ِ
على حساب غيرها بالحديد ٍ
وتوسعت ٰ َّ في روسيا سنة (1917م) بتخطيط من اليهود..
ِ
شعوب ُمح َيت بسببها من التَّاريخ؛ كثيرا ..وهناك َ
ٌ المسلمون وغيرهم منها ً تضر َر
والنَّار ،وقد َّ
َّ
السوفيتي ..الذي تفك َ
َّك َّ َ ِ واآلن َأصبحت ُّ
الشيوع َّية في ذمة التَّاريخ ،بعد أن تخل ٰى عنها االتحا ُد ُّ
قابلة للتَّطبيق! دول مستقلة ،تخ َّلت ك ُّلها عن الماركسي ِة ،واعتبرتها نظري ًة غير ٍ بدوره إلى ٍ
َ َّ ٰ
87
وره؛ ألَنَّهانتهى َد ُ
ٰ الغربي قد
َّ االقتصاد َّية والعسكر َّية ..ولك ْن ألَ َّن النِّظام
يسمح له بالقيادة. يملك رصيدً ا من ِ
«الق َيم» ُ لم يعدْ
ُ
وصلت إليهاْ احلضارة املاد َّي ِة ا َّلتي
ِ متلك إبقا َء وتنمي َة ٍ
قيادة ُ ال ُبدَّ م ْن
وتزو ُد البرش َّي َة
املاديِّ ،
ِّ طريق العبقر َّي ِة األُوروب َّي ِة يف اإلبدا ِع
ِ البرش َّي ُة ،عن
وبمنهج َأ ٍ
صيل ٍ جديدة ِجدَّ ًة كامل ًة ـ بالقياس إ ٰىل ما عرف ْت ُه البرش َّي ُة ـ ٍ ِبق َي ٍم
الوقت ذاتِه.ِ وواقعي يف
ٍّ يب
وإجيا ٍّ
املنهج.
َ القيم ،وهذا
تلك َ يملك َ
ُ واإلسال ُم ـ وحدَ ه ـ هو ا َّل ْ
ذي
ور ا َّلذي بد َأ ْت مطال ُعه ِ
لقد أ َّدت الن َّْهض ُة العلم َّي ُة َ
دورها ..هذا هو الدَّ ُ
ووصلت إىل ِذ ِ
روتا امليالدي، عش ِ ِ مع ِ
ْ ٰ ِّ ادس َ َ
الس َ
عرص النَّهضة يف القرن َّ
عش ..ومل تعدْ ُ
متلك رصيدً ا جديدً ا. َّاسع َ َ
عش والت َ َ
خالل القرنني ال َّثام َن َ َ
ِ
الفترة، رز ْت فـي َ
تلك ت «الوطن َّي ُة» و«القوم َّي ُة» ا َّلـتـي َب َ كـذلك َأد ِ
َّ
تملك ُ ِ
القرون ..ولم تعدْ عات اإلقليمي ُة عام ًة دورها خالل ِ
هذه َّجم ُ
َ َّ َّ والت ُّ
فشلت األَنظم ُة الفرد َّي ُة واألَنظم ُة ِ ثم
خرى رصيدً ا جديدً اَّ .. هي األُ ٰ
ِ
المطاف. الجماع َّي ُة في نهاية
حرجا ولقد جاء دور «اإلسالم» ودور «األُمة» في َأشدِّ الس ِ
اعات
ً َّ َّ ُ َ ُ
المادي
ِّ دور اإلسالم ا َّلذي ال يتنك َُّر لإلبدا ِع وحير ًة واضطرا ًبا ..جا َء ُ
ِ
منذ َأ ْن َع ِهدَ اهللُ
ولى ُ في األَرض؛ ألَنَّه يعدُّ ه من وظيفة اإلنسان األُ ٰ
خاصة ـ عباد ًة هلل، ٍ ٍ
شروط تحت
َ ويعتبر ُه ـ ِ
بالخالفة في األَرض، ِ
إليه
ُ
اإلنساني. ِ
الوجود وتحقي ًقا لغاية
ِّ
88
﴿ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ
ﭳ ﭴ ﭵ﴾ [البقرة.]143 :
۞۞۞
ٌ
موجودة؟ ُ
املسلمة هل ُ
األم ُ
َّة ِ
ٍ
كثيرة ..فاألُ َّم ُة ٍ
قرون انقطع ُ
منذ و«وجود» األُمة المسلمة يعتبر ِ
قد
َ ُ َّ ُ
كان
«قوما» َ كان ُ
يعيش فيها اإلسال ُم .وليست ً رضا» َ ليست َ
«أ ً ْ المسلم ُة
اإلسالمي ..إنَّما
ِّ يعيشون بالنِّظام
َ ِ
عصور التَّاريخِ ٍ
عصر من َأجدا ُد ْ
هم في
هم،
وأوضا ُع ْ راتهمَ ،
ُصو ْ ُهم،وت ُّ «األُ َّم ُةالمسلم ُة»جماع ٌةمنالبشر ُ
تنبثقحيات ْ
89
ٍ
كدولة لها نظامها ((( تنبيه :يقصد س ِّيد ُق ُطب بانقطا ِع وجود ُاأل َّمة المسلمة؛ انقطاعُه
يحمون هذه األَحكام ،وليس كما ظن ُ
بعض َ الخاصة ورجالها ا َّلذين
َّ و َأحكامها
ِ
الماليين في دين اإلسالم في حياة المسلمين؛ فالمسلمون بمئات انقطاع ِ
َ الغُالة..
اإلسالمي
ِّ َأنحاء المعمورةَ ..أ َّما األُ َّمة المسلم ُة الر َّبان َّي ُة ا َّلتي تتبن َّٰى بناء المجتمع
وخصوصا بعد انهيار ٍ
موجودة اآلن.. غير
ً وتحكم بشريعة اإلسالم؛ فهي ُ ُ الراشد..
الدولة العثمانية!ِ رمز الخالفة..
الح ْك ِم بما َأنزل اهلل تعالى من
الصلة باإلسالم يعني به :عد َم ُ نفي س ِّيد ُق ُطب هنا ِّ ((( تنبيهُ :
نظمة القائمة في بالد المسلمين ..وال يعني حيا َة األَ ِ
فراد َألبتَّة! ِقب ِل األَ ِ
َ
90
رات
وتصو ٌ
ُّ مم ُأ ٰ
خرى، خرى و ُأ ٌ
فكار ُأ ٰ
وقد تو َّل ْت قياد َة البرش َّية َأ ٌ
خرى فرت ًة طويل ًة .وقد َأبدعت العبقر َّي ُة األوروب ّية ـ يف وضاع ُأ ٰ
ٌ خرى ،و َأُأ ٰ
قافة» و«األَ ِ
نظمة» و«اإلنتاجِ هذه الفرتة ـ رصيدً ا ضخم من «العلمِ» و«ال َّث ِ
ً
تفر ُط فيه وال تقف البرشي ُة عىل ِ املادي» ..وهو رصيدٌ
قمته ،وال ِّ َّ ٰ َّ ضخم ُ ٌ ِّ
ٍ
ُ
يكون اإلسالمي» يكا ُد
َّ خاص ًة َأ َّن ما ُي َّ
سم ٰى «العامل َ فيم ْن يم ِّث ُل ُه بسهولة! َّ
الزينة! عاطل من ٍّ
كل هذه ِّ ً
ِ
«البعث ِ
االعتبارات ك ِّلها ـ من ِ
هذه ولك ْن ال ُبدَّ ـ مع
ِ
البعث وبي َن ِ
محاولة ِ
تكن المساف ُة شاسع ًة بين اإلسالمي» مهما
ِّ
اإلسالمي هي الخطو ُة األُولى ا َّلتي ِ
البعث ِ
القيادة .فمحاول ُة تس ُّل ِم
ِّ
َخ ِّطيها!
ال يمك ُن ت َ
۞۞۞
َّ
البشريِة ؟ ما َّالذي يؤهُ
ِّلنا لقيادِة
ِ
وجه على َ على ب ِّي ٍنة من األَ ِ
مر ،ينبغي َأ ْن َ
ندرك ـ ٰ نكون ٰ ولكي
ِ ِ ِ ِ ِ
عناصرها
َ نخطئ
َ كي المؤهالت هذه األُ َّمة للقيادة البشر َّيةْ ،التَّحديد ـ ّ
ِ ِ
في محاولة البعث األُ ٰ
ولى.
َ
نحاول المادي .فمن واجبِنا َأ ْن َّ اإلبداع
َ يعني َأ ْن َ
نهمل إن هذا ال ْ َّ
لقيادة البشر َّي ِة
ِ «المؤهل» ا َّلذي نتقدَّ ُم به ِّ بوصف ِه
ِ فيه جهدَ نا .ولك ْن ال
ِ
لوجودنا. ِ
بوصفه ضرور ًة ذات َّي ًة المرحلة الر ِ
اهنة .إنَّما ِ في
َّ
اإلسالمي» ا َّلذي ُ
ينوط ُّ «التصو ُر
ُّ بوصف ِه واج ًبا ُ
يفرضه علينا ِ كذلك
خاص ٍة ـ عباد ًة هللِ، ٍ
تحت شروط ََّ ِ
باإلنسان خالف َة األَرض ،ويجع ُلها ـ
اإلنساني.
ِّ وتحقي ًقا لغاية الوجود
المادي ـ ول ْن
ِّ لقيادة البشر َّي ِة ـ ِ
غير اإلبدا ِع ِ
مؤه ٍل َ
آخر ال ُبدَّ ْ
إذن من ِّ
يسمح للبشر َّية َأ ْن
ُ المؤه ُل سوى «العقيدة» و«المنهج» ا َّلذي ِّ َ
يكون هذا
ِ
آخر يل ِّبي حاج َة تصو ٍر َ
تحت إشراف ُّ َ تحتفظ ِ
بنتاج العبقر َّية الماد َّية، َ
والمنهج في المادي ،و َأ ْن تتم َّث َل العقيد ُة اإلبداع ِ
الفطرة كما يل ِّبيها
ُ ُّ ُ
إنسانيَ ،أي :في مجتمع مسلم.
ٍّ تجم ٍع
ُّ
۞۞۞
92
اإلسالمي:
ِّ البعث ُ
معامل طريق طليعة ِ
ِ
سبيل اهلل» و«نشأ ُة اإلسالمي وال َّثقافة» و«الجها ُد في
ُّ َّصو ُر
القرآني» ..و«الت ُّ
ِّ ((( «طبيع ُة المنهج
(المؤَ ِّلف).
وخصائصه» ُ .
ُ المجتمع المسل ِم
صحاب الدَّ عوة
ُ يقف َأما َمها َأهنالك ظاهر ٌة تارخي َّي ٌة ينبغي َأ ْن َ
َ
طويل ،ذلك ً ٍ
زمان ،و َأ ْن يق ُفوا َأما َمها رض ،ويف ِّ
كل كل َأ ٍ اإلسالم َّية ،يف ِّ
واتاهها. ذات َأ ٍثر حاس ٍم يف منهج الدَّ ِ
عوة َّ َأ َّنا ُ
جيل الص ِ
حابة جيل من النَّاس ـ َ جت هذه الدَّ عو ُة ً خر ْ
َّ لقد َّ
ِ
تاريخ تاريخ اإلسالم ك ِّل ِه ،وفي
ِ جيل مم َّي ًزا فيرضوان اهلل عليهم ـ ًُ
ِ ِ
خرى.. مر ًة ُأ ٰ ُخر ُج هذا ال ِّط َ
راز َّ ثم لم َت ُعدْ ت ِّ
البشر َّية جميعهَّ ،
ِ
مدار الت ِ
َّاريخ .ولك ْن لم على
راز ٰ ذلك ال ِّط ِ
نعم ُوجدَ َأفرا ٌد من َ
ٍ ٍ ِ
واحد ،كما مكان الضخ ِم ،فيالعدد َّ مثل َ
ذلك قط َأ ْن َّ
تجم َع ُ يحدث ُّ
ْ
الفترة األُولى من حياة هذه الدَّ ِ
عوة. ِ وقع في
ٰ َ
الوقوف َأما َمه
ُ ٍ
مدلول ينبغي هذه ظاهر ٌة واضح ٌة واقع ٌةُ ،
ذات
سره.
إلى ِّ
نهتدي ٰ
ْ طويل ،لع َّلنا
ً
َ
وحديث رسول اهلل ﷺ وهد َيه قرآن هذه الدَّ عوة بي َن َأيدينا،
َ َّ
إن
العملي ،وسيرتَه الكريم َة ك َّلها بين َأيدينا كذلك ،كما كانت بي َن َأ ْ
يدي َّ
شخص
ُ يغب َّإل يتكر ْر في الت ِ
َّاريخ ..ولم ْ ذي لم َّ الجيل األَ َّو ِل ،ا َّل ْ
ِ َ
ذلك
الس ُّر؟
فهل هذا هو ِّ رسول اهلل ﷺ ْ
98
شخص رسول اهلل ﷺ حتميا لقيا ِم هذه الدَّ ِ
عوة، ِ كان وجو ُد
لو َ
ًّ
هلل دعو ًة للن ِ ِ ِ
َّاس كا َّف ًة ،وما جع َلها َ
آخر وإيتائها ثمراتها ،ما جع َلها ا ُ
ِ ٍ
َّاس في هذه األَرض ٰ
إلى ِ
آخر الزَّمان.. مر الن ِ رسالة ،وما وك ََّل إليها َأ َ
وعلم َأ َّن ِ
هذه الدَّ عو َة كرِ ،
الذ ِ ِ
بحفظ ِّ ولك َّن اهلل ـ سبحانه ـ تك َّف َل
َ
فاختاره
َ ثمارها. يمك ُن َأ ْن تقو َم بعدَ رسول اهلل ﷺ ويمك ُن َأ ْن َ
تؤتي َ
ِ ٍ ِ
الرسالة ،و َأ ٰ
بقى هذا الدِّ ي َن من جواره بعد ثالثة وعشري َن عا ًما من ِّ إلىٰ
تفس ُر ِ فإن غيب َة
وإذن َّ
ْ الز ِ إلى ِ ِ
شخص رسول اهلل ﷺ ال ِّ مان.. آخر َّ بعده ٰ
تلك ال َّظاهر َة وال تع ِّل ُلها.
َ
۞۞۞
الص ُ
حابة والقرآن: َّ
ِ
آثار َ
ذلك النَّبع.
99
(المؤَ ِّلف).
((( رواه النَّسائي ُ
قلت :رواه مسلم ( )746في حديث طويل لعائشة .
100
منهج َّ
التلقي عند اجليل الفريد:
ِ
اختالف طبيعة النَّبع ،ذلك هو غري عامل َأ
ٌ
آخر ُ سايس ُ
ٌّ هناك
كان ِ عم َ
عليه يف ذلك اجليل الفريد.. اختالف منهج التَّل ِّق ْي َّ
ُ
بقصد ال َّث ِ
قافة ِ َ
القرآن َ
يقرؤون الجيل األَ َّول ـ لم يكونُوا
ِ إِ َّنهم ـ في
َ َّذو ِق والمتاع .لم يك ْن َأحدُ هم يتل َّقى ِ
القرآن واال ِّطالعِ ،وال بقصد الت ُّ
إلى حصيلتِ ِه من
ليضيف ٰ
َ قافة لمجر ِد ال َّث ِ
قافة ،وال َّ
زاد ال َّث ِ
ليستكثر به من ِ
َ
محصول يم ُ
أل به َجعب َت ُه. ً القضايا العلم َّي ِة والفقه َّي ِة
ِ
القرآن آفا ًقا ِ
يفتح هلم من شعور التَّل ِّقي للتنفيذ ..كان ُ ُ عور ..
الش ُ هذا ُّ
املعرفة ،مل تكن لِ ُت ْفتَح عليهم لو َأنم قصدُ وا ِ
إليه ِ من املتاعِ ،وآفا ًقا من
َّ َ
َ
العمل ،وخي ِّف ُ ِ ِ ِ
ف س هلم بشعور البحث والدِّ راسة واال ِّطالعِ ،وكان ُي َي ِّ ُ
نفوسهم ويف ِ وحيو ُله يف ِ َ َّكاليف ،وخي ِْلطِ عنهم ثِ َق َل الت
بذواتمِّ ، القرآن
داخل األَ ِ
ذهان، َ تبقى ٍ ٍ ٍ ِ
متحركة ال ٰ ِّ ثقافة واقعي ،وإ ٰىل ٍّ منهج حياتم إ ٰىل
خط ِ ِ
سري احلياة. حتو ُل َّ آثارا و َأحدا ًثا ِّ تتحو ُل ً الصحائف ،إنَّام َّ وال يف بطون َّ
ِ ِ
لمن ُي ْقبِ ُل عليه بهذه ُّ
الروحِ :روحِ يمنح كنو َز ُه َّإل ْالقرآن ال ُ
َ إن هذاَّ
كتاب
عقلي ،وال ٍَّ كتاب متا ٍع
ليكون َ َ ج ْئللعمل؛ إ َّن ُه لم َي ِ
ِ المن ِْشئ َِة ِ
المعرفة ُ
كان هذا ك َّل ُه من محتوياتِ ِه ـ قص ٍة وتاريخٍ ـ ْ
وإن َ كتاب َّ َ وفن ،وال
دب ٍّ َأ ٍ
هلل ـ ُسبحانَه ـ ليكون منهاج ٍ
وكان ا ُ
َ خالصا.
ً منهاجا إله ًّيا
ً حياة، َ َ جاء
إنَّما َ
بعضا:
بعضه ً خذهم بهذا المنهج ُم َف َّر ًقاُ ،
يتلو ُ ْيأ ُ
الش َّ
عورية عن اجملتمع اجلاهلي: ُ
العزلة ُّ
ِ
باالنتباه والتَّسجيل. جدير ثالث هناك ٌ
عامل ٌ
ٌ
والم ْصلحي َن َأن يتنبهوا لها ..ويولوها اهتما َمهم َأثنا َءري بالدُّ عاة ُ
((( هذه فكر ٌة مهمة! َح ٌّ
تدريسهم للقرآن ،وذلك بربطِه بالس ِ
يرة النبو َّية ..وبواقع الحياة التي نعيشها. ِّ
104
ِ
ماضيه عىل عتبتِه َّ
كل ُ الر ُ لقد َ
خيلع ٰ
يدخل يف اإلسالم ُ حني
جل َ كان َّ
يشعر يف ال َّلحظة ا َّلتي جيي ُء فيها إ ٰىل اإلسالم َأ َّن ُه يبد ُأ
ُ يف اجلاهل َّيةَ ،
كان
عاشها يف اجلاهل َّية، االنفصال عن حياتِه ا َّلتي َ
ِ منفصل َّ
كل ً عهدً ا جديدً ا،
الش ِّ
اك احلذر ِ
املسرتيب َّ موقف
َ كل ما َع ِهدَ ُه يف جاهل َّيته يقف من ِّ وكان ُ
يصلح لإلسالم! كل هذا ِر ْج ٌس ال املتخوف ،ا َّلذي ُ ِ
ي ُّس َأ َّن َّ
ُ ِّ
وهبذا اإلحساس كان يتل َّق ٰى َهدْ َي اإلسالم اجلديد ،فإذا غلبتْه
تكاليف اإلسالم ِ ضعف عن مرةَ ،وإذا
َ مرةً ،وإذا اجتذبتْه عادات ُه َّ
نفسه َّ
ُ
نفس ِه َأ َّن ُه يف
قرارة ِ
ِ احلال باإلثم واخلطيئة ،و َأ َ
درك يف ِ شعر يف
مرةًَ .. َّ
ٍ ٍ
عىل
يكون ٰ َ جديد َأ ْن ُ
حياول من وقع فيه ،وعا َدَّطه ِر مما َ
حاجة إىل الت ُّ
القرآين.
ِّ و ْفق اهلَدْ ي
ونظامنا
ُ تكون َأخال ُقناَ ،
وأوضا ُعنا، َ شعورنا باهلل؟ كيف يريدُ َأ ْن
ُ
الواقعي في الحياة؟
ُّ
اجلاهلي:
ّ االستعال ُء على اجملتمع
الجاهلي»
()1 ِ
ضغط «المجتمع ص منثـم ال ُبـدَّ لـنـا مـن التخ ُّل ِ
ِّ َّ
ِ
والقيادة الجاهل َّية ..في رات الجاهلية ،والت ِ
َّقاليد الجاهل َّية، والتَّصو ِ
َّ ُّ
ِ خاص ِة
طلح مع واق ِع هذا المجتمع نص َ همتُنا َأ ْن ْ
ليست َم َّ
ْ نفوسنا.. َّ
ِ
صفة فة ـ بهذه الص ِِ ِ
بالوالء له ،فهو الجاهلي ،وال َأ ْن ندي َن
ِّ ِّ
نصطلح معه. َ قابل ألَ ْن غير ٍ
الجاهل َّية ـ ُ
إن مهمتَنا َأ ْن نغير من َأ ِ
المجتمع َأ ً
خيرا. َ نفسنا َأ َّو ًل ،لنغ ِّي َر هذا ِّ َ َّ َ َّ
تغيري هذا
مهمتُنا هي ُ همتَنا األُو ٰىل هي ُ
تغيري واق ِع هذا املجتمعَّ ، َّ
إن َم َّ
اجلاهيل من َأساسه.
ِّ الواق ِع
اإلسالمي،
ِّ الواقع ا َّلذي يصطد ُم اصطدا ًما َأساس ًّيا باملنهج
ُ هذا
والض ِ
غط َأ ْن َ
نعيش كام يريدُ ِ
بالقهر َّ اإلسالمي ،وا َّلذي حير ُمنا َّصو ِر
ِّ وبالت ُّ
اإلهلي َأ ْن َ
نعيش. ُّ املنهج
ُ لنا
المجتمع غير
َ ((( تنبيه :مصطلح «المجتمع الجاهلي» في عبارات س ِّيد ُق ُطب يعني َأ َّن
ملتزم بقيم ومفاهيم دين اإلسالم في جميع مجاالت الحياة ..وقد يكون ذلك المجتمع
كافرا كالمجتمعات الغربيةَ ،أو يكون غير كافر لِ ُب ْع ِده عن مفاهيم الدِّ ين بارتكابه
ً
المعاصي ..مثل مجتمعاتنا في العالم اإلسالمي؛ فليس كل شخص يعيش في المجتمع
على ِّ
كل حكم ٰ
ٌ فإن وصفه المجتمعات بالجاهلية ال يعني َأنه
كافرا ..وعليه َّ
الجاهلي ُيعدُّ ً
َأفرادها بالكُفر كما يظن بعضهم!
108
َخرج من كتاب« :في ظالل القرآن» من التَّعريف بسورة َاألنعام في الجزء َّ
السابع من (( ( ُم ْست ٌ
(المؤَ ِّلف). ٍ ٍ
الطبعة ال َّثانية المن َّقحة مع إضافات قليلةُ .
110
ِ
وجوده في هذا إنَّها قض َّي ُة «اإلنسان» ا َّلتي ال تتغ َّي ُر؛ ألَنَّها قض َّي ُة
مصير ِه.
ِ ِ
الكون وقض َّي ُة
ِ
بخالق حياء..وقض َّي ُة عالقتِه وبهؤالء األَ ِ
ِ ِ
الكون، قض َّي ُة عالقتِه بهذا
وخالق هذه األَ ِ
حياء ،وهي قض َّي ٌة ال تتغ َّي ُر؛ ألَنَّها قض َّي ُة ِ ِ
الكون، هذا
ِ
واإلنسان. ِ
الوجود
على
ٰ وستظل هي القض َّي َة الكبرى ا َّلتي يقو ُم عليها وجو ُده
ُّ
توالي األَ ِ
زمان.
111
العقيدة َأوًَّل:
ُ
َّل: اجلاهلي َ
األو ِ ِّ ُ
حال اجملتمع
ِ
العرب و َأغناها رسول اهلل ﷺ بهذا الدِّ ين ،و َأخصب ِ
بالد ُ لقد ُب َ
عث
ُ
يدي ِ
غيرهم من األَ ِ ليست في ِ
ِ
جناس! العرب ،إنَّما هي في َأ ْ يد ْ
الستجابت له
ْ رسول اهلل ﷺ ِ
هذه الدَّ عو َة ُ ور َّبما َ
قيل :إ َّن ُه لو دعا
ٍ
معارض ٍ
اتجاه عش َر عا ًما فييعاني ثالث َة َ بدل ِم ْن َأ ْن العرب قاطب ًةً ،
َ ُ
صحاب الس ِ ألَ ِ
لطان في الجزيرة. ِ ُّ هواء َأ
العرب
ُ يستجيب ل ُه
َ كان خلي ًقا ـ بعدَ َأ ْن حممدً ا ﷺ َ قيلَّ :
إن َّ ور َّبام َ
ِ
والسيادةَ ،وبعدَ استجام ِع فيهم القياد َة ِّهذه االستجاب َة ،وبعدَ َأ ْن يو ُّلو ُه ُ
ِ
إقرار فوق َم ْف ِر َق ْي ِه ـ َأ ْن يستخد َم هذا ك َّل ُه يف ِ
واملجد َ لطان يف ِ
يديه، الس ِ
ُّ
لطان ربِّ م بعدَ َأ ْنَّاس لس ِ ِ ِ ِ ِ
عقيدة التَّوحيد ا َّلتي ُبع َث هبا ،يف تعبيد الن ِ ُّ
البرشي!
ِّ لسلطانِ ِه
دهم ُّ ع َّب ْ
يوج ْه رسو َل ُه ﷺالحكيم ،لم ِّ ُ العليم
ُ هلل ـ سبحانَه ـ وهو ولك َّن ا َ
َ
يحتمل يصدع بـ «ال إل َه َّإل اهللُ» و َأ ْن
َ إلى َأ ْن
وجه ُه ٰ
هذا التَّوجي َه! إنَّما َّ
كل هذا العن ِ تستجيب له َّ ِ
َاء! َ ُ تيهو والق َّل ُة ا َّل ْ
إن اهللَ ـ سبحانه ـ ال يريدُ َأ ْن ُيعن َِّت رسو َله والمؤمني َن م َع َه، لماذا؟ َّ
ريق َأ ْنليس ال َّط ُ
ريقَ ، ليس هو ال َّط َ يعلم َأ َّن هذا َ
إنَّما هو ـ سبحانه ـ ُ
طاغوت فارسي ،إلى ِ ٍ رومانيَ ،أو ٍ رض من ِ ص األَ َ
يد ٰ ٍّ ٍّ طاغوت يد تُخ ِّل َ
عربي. ٍ
طاغوت
ٍّ
115
ويجب َأ ْن تخ ُل َ
ص هلل.. ُ هلل،
رض ِإن األَ َ
طاغوت! َّ
ٌ اغوت ك ُّل ُه
ُ فال َّط
ترتفع عليها راي ُة« :ال إل َه َّإل ا ُ
هلل». َ تخلص هلل َّإل َأ ْن
ُ وال
ٍ ِ
طاغوت َّاس يف هذه األَرض ْ
من يتحر َر الن ُ
َّ ريق َأ ْن
وليس ال َّط ُ
َ
طاغوت! اغوت ك ُّلهعريب .فال َّط ٍ روماينَ ،أو
ٌ ُ إىل طاغوت ٍّ فاريسٰ ،
ٍّ ٍّ
ترتفع
َ يكونون عبيدً ا هلل وحدَ ُه َّإل َأ ْن
َ َّاس عبيدٌ هلل وحدَ ه ،والإن الن َ َّ
راي ُة« :ال إل َه َّإل ا ُ
هلل».
ِ
بمدلوالت لغته :ال العارف
ُ العربي
ُّ هلل» كما يدركُها«ال إل َه َّإل ا ُ
حد على َأ ٍ سلطان ألَ ٍ ِ
حد؛ ٰ َ اهلل ،وال هلل ،وال شريع َة َّإل م َن ِ حاكم َّي َة َّإل ِ
لطان ك َّل ُه هلل ،وألَ َّن «الجنس َّي َة» ا َّلتي يريدُ ها اإلسال ُم للن ِ
َّاس الس َ ألَ َّن ُّ
ِ
والفارسي،
ُّ وماني
ُّ والر
العربي ُّ
ُّ يتساوى فيها
ٰ هي جنس َّي ُة العقيدة ،ا َّلتي َ
تحت ِ
راية اهلل. جناس واألَ ِ
لوان َ ِ وسائر األَ
ُ
وهذا هو الطريق.
۞۞۞
إصالح:
ٍ َ
حركة رباني ٌ
َّة وليست ٌ
دعوة َّ
كأسوأِ
العربي َ والمجتمع رسول اهلل ﷺ بهذا الدِّ ين، ُ و ُب َ
عث
ُّ ُ
َ
المال ُ
تملك والعدالةِ .ق َّل ٌة قليل ٌة
ِ ِ
للثروة المجتمع توزي ًعا
ُ ُ
يكون ما
فتتضاعف تجارتُها وما ُلها ،وكثر ٌة كثير ٌة ال
ُ بالربا ُ
وتتعامل ِّ والتِّجارةَ،
116
َ
يملكون معها يملكون ال َّثرو َة
َ والجوع ،وا َّلذي َن
َ ظف
الش َ تملك َّإل َّ
ُ
ِ
والمجد جمي ًعا! ِ
المال وجماهير كثير ٌة ضائع ٌة من رف والمكان َة، َّ
الش َ
ُ
محم ٍد ﷺ َأ ْن يرف َعها راي ًة َّ
ِ
استطاعة قيل :إنَّه َ
كان في ور َّبما َ
شراف ،و َأ ْن ُيطل َقها دعو ًة ِ ِ
طبقة األَ على اجتماع َّي ًة ،و َأ ْن َ
يثيرها حر ًبا ٰ
ِ
الفقراء. غنياء على موال األَ ِ تعديل األَوضاعِ ،ور َّد َأ ِ
َ تستهدف
ُ
ري.
البش ِّ لسلطانِه َ ِ
لسلطان ر ِّبهم بعدَ َأ ْن ع َّبدَ ُهم ُّ َّاس ُّالن ِ
ويستقر ِ
تكافل الجميعِ، ِ
عـدالة التَّوزيعِ ،وم ْن يقضي ِبه اهللُ مـن ما
ُّ ْ
ْ ِ ِ معه في ِ
والمأخوذ من ُه سوا ًء أ َّن ُه ين ِّف ُذ نظا ًما َ
شر َع ُه اهللُ، اآلخذ قلب
واآلخرة سوا ًء .فالِ والحسنى في الدُّ نيا الخير ويرجو على ال َّط ِ
اعة فيه
ٰ َ
األمور ك ُّلها تسير ِ قلوب بال َّطمعِ ،وال
ُ قلوب بالحقد ،وال ُ ٌ تمتلئ
ُ ٌ تمتلئ
ُ
وتختنق
ُ القلوب ك ُّلها واإلرهاب ،وال تفسدُ ِ ِ
َّخويفيف والعصا ،وبالت بالس ِ
ُ َّ
على ِ
غير «ال إل َه َّإل اهللُ». يقع في األَوضا ِع ا َّل ْ
تي تقو ُم ٰ األَ ُ
رواح ،كما ُ
۞۞۞
َّة قبل بعثة النيب ﷺ:
خالقي يف اجلزيرِة العربيِ
ُّ
املستوى َ
األ
الستجابت ل ُه ـ في
ْ ُ
رسول اهلل ﷺ ذلك قائل :إنَّه لو َ
صنع ور َّبما َ
قال ٌ
فتصبح
ُ تتطه ُر َأخال ُقها ،وتزكو َأ ُ
رواحها، َأ َّو ِل األَ ِ
مر ـ جمهر ٌة صالح ٌةَّ ،
ِ
اإلنسـان نسـب ويعـرف
ُ ثـر وتت ُّب َعـه، ((( «القا َفـة» :جمـع ِ
قائـف :وهـو َمـن ُيحسـ ُن معرفـ َة َاأل ِ
َ
ِ
ونظـره إلـى األَعضـاء. بفراسـتِ ِه
(المؤَ ِّلف) .
(( ( رواه البخاري في «كتاب النكاح» [رقم 4834من حديث عائشة ُ ]
120
ِ قرب إلى َق ِ
بدل م ْن َأ ْن َ
تثير دعو ُة «ال إله َّإل اهلل» وحملهاً ، بول العقيدة َأ َ ٰ
منذ َأ َّو ِل ال َّط ِ
ري ِق. المعارض َة القو َّي َة ُ
۞۞۞
يعلم ريق! َ
كان ُ هو ال َّط ُ ليس هذا َ يعلم َأ ْن َ
كان ُ ولك َّن اهللَ ـ سبحانه ـ َ
ٍ ٍ على َأ َأ َّن األَ َ
وتقر ُر
تضع الموازي َنِّ ، ساس من عقيدةُ ، خالق ال تقو ُم َّإل ٰ
والقيم ،والجزا َء القيم ،كما تقرر السلط َة ا َّلتي تستندُ إليها ِ
هذه الموازي ُن ِ
ُ ِّ ُ ُّ َ
ُوقعه على الم ِ ِ
لتزمي َن والمخالفي َن. ُ السلط ُة ،وت ُ ُ ا َّلذي تمل ُك ُه هذه ُّ
القيم لطة ُّ
تظل وتحديد هذه الس ِ ِ هذه العقيدة، تقرير ِ ِ و َأنَّه َ
قبل
ُ ُّ
متأرجح ًة كذلك ،بال خالق ا َّلتي تقو ُم عليها َ وتظل األَ ُ
ُّ متأرجح ًة،ك ُّلها َ
ٍ
جزاء! ٍ
سلطان ،وبال ٍ
ضابط ،وبال
يوضع في َأيديهم ليقو ُموا به حوال ..و ُأمناء على الس ِ
لطان ا َّلذي ِ واألَ
ُ ُّ َ
يكون لهمَ دون َأن
عدل اهلل يقيمونَهَ ، شريعة اهلل ُين ِْفذونَها ،وعلى ِ ِ على
ٰ ٰ
ِ لطان شيء ألَ ِ ذلك الس ِ
لقومهم وال نفسهم ،وال لعشيرتهم ،وال ٌ من َ ُّ
يديهم هلل ،ولدينِه وشريعتِه، لطان ا َّلذي في َأ ِ الس ُ ُ
يكون ُّ
ِ
لجنسهم .إنَّما
ذي آتاهم إ َّياه. اهلل ،هو ا َّل ْ َ َ
يعلمون أ َّن ُه م َن ِ ألَنَّهم
ِ
على هذا المستوى ولم يك ْن شي ٌء من هذا المنهج المبارك ليتح َّق َق ٰ
الراي َة وإل َأ ْن َ
ترفع الدَّ عو ُة هذه َّ الرفيعَِّ ،إل َأ ْن تبد َأ الدَّ عو ُة ذلك البد َءَّ .َّ
َ
تسلك وإل َأ ْن
ترفع معها سواهاَّ .
َ وحدَ ها ..راي َة ال إل َه َّإل اهلل ..وال
الميس َر في حقيقتِ ِه.
َّ َ
المبارك ِ
ظاهره، الوعر َّ
الشاق في َ الدَّ عو ُة هذا ال َّط َ
ريق
َ
أمراض اجملتمع؟ ُ
العقيدة ُ
تعاجل كيف
ِ
القلوب ِ
تقرير« :ال إله َّإل اهللُ» في المكي ك ِّله في ِ
القرآن ذلك ْ
شأ ُن
ِّ
ِ
اختيار على مش َّقتِه في ال َّظ ِ
اهر ـ وعد ِم ريق ـ ٰ واختيار هذا ال َّط ِ
ِ ِ
والعقول،
ِ ِ
على هذا ال َّطريق.
واإلصرار ٰ السبل الجانب َّية األُ ٰ
خرى، ُّ
َ
دون ِ
االعتقاد وحدَ ها، تناول قض َّي ِة
ِ ِ
القرآن في َفأ َّما ْ
شأ ُن هذا
124
صدوره إليها ،وال تتلك َُّأ في ِ فور ٍ ِ
على شيء منه َ تعترض ٰ ُ والقبول ،ال
بطل الربا ،و ُأ َ الخمر ،و ُأ َ تنفيذه بمجر ِد تل ِّقيها له ..وهكذا ُأ ِ ِ
بطل ِّ ُ بطلت ُ َّ
ِ
القرآن، بآيات من ٍ العادات الجاهل َّي ُة ك ُّلهاُ ..أ ْ
بطلت ُ الميسر ،و ُأ ِ
بطلت ِ
ُ
الحكومات األَرض َّي ُة تجهدُ في ُ ول ﷺ ،بينما كلمات من الرس ِ ٍ َأو
َّ ُ
ندها وضاعها ،وج ِ ِ شيء من هذا ك ِّله بقوانينها وتشريعاتِها ،و ُن ُظ ِمها و َأ ٍ
ُ
تبلغ َّإل َأن ْ ِ وسلطاتِها ،ودعايتِها
اهر من بط ال َّظ َ تض َ وإعالمها ،فال ُ
ِ
والمنكرات(!)1 المخالفات ،بينما المجتمع يعج بالمنْهي ِ
ات َّ ُ ُّ
۞۞۞
ِ
ظالل الطبعة المن َّق ِ
حة من كتاب «في ِ ِ
الخامس من ِ
الجزء الخمر في
َ حر َم اهللُ
كيف َّ
يراجع َ
ُ (( (
العالم
ُ خسر
َ َ
عجزت أميركا عن ذلك ،في كتاب «ماذا ْ القرآن» ص 75ـ .85وكيف
ً َ
بانحطاط المسلمين؟» للسيد أبي الحسن الندوي ،منقول عن كتاب «تنقيحات» للسيد ِ
حركي واقعي:
ٌّ ٌ
منهج
طبيعة هذا الدِّ ين يتج َّل ٰى في هذا المنهج ِ آخر من وجانب ُ
ٌ
ليحكم الحيا َة
َ حركي جا ٌّد ..جا َء ٌّ عملي
ٌّ منهج
ٌ القوي ِمَّ .
إن هذا الدِّ ي َن
مره ُي ِق ُّرهَ ،أو ُيعدِّ ُلهَ ،أو واقعها ،ويواجه هذا الواقع ليقضي ِ
فيه َبأ ِ َ َ َ
في ِ
ٍ ٍ
فعل ،في واقعة ً لحاالت يغ ِّي ُره من َأساسه..ومن َث َّم فهو ال ِّ
يشر ُع َّإل
يعترف ابتدا ًء بحاكم َّي ِة اهلل وحدَ ه..
ُ مجتم ٍع
ُ
يتعامل ِ
«الفروض»! ..إن ُه «منهج» ُ
تتعامل مع ليس «نظرية» إ َّن ُه َ
المسلم ا َّلذي ُّ
يقر ُ المجتمع
ُ مع «الواقع»! ..فال ُبدَّ َأ َّو ًل َأ ْن يقو َم
ويرفض َأ ْن
ُ َ
عقيدةَ :أ َّن ال إل َه َّإل اهلل ،وأ ْن الحاكم َّي َة ليست َّإل ِ
هلل، َ
ويرفض شرع َّي َة َأ ِّي وض ٍع ال يقو ُم
ُ حد من ِ
دون اهلل يقر بالحاكمي ِة ألَ ٍ
َّ َّ
هذه القاعدة..على ِ
ٰ
۞۞۞
إلى
تحتاج ٰ
ُ تكون له حيا ٌة واقع َّي ٌة
ُ المجتمع ً
فعل، ُ وحين يقو ُم هذا
ِ
تقرير النُّظ ِم ٍ
وعندئذ فقط يبد ُأ هذا الدِّ ي ُن في وإلى تشريعٍ.. تنظي ٍم
ٰ
والشرائعِ ،رافضي َن صل للنُّظ ِم َّ الشرائعِ ،لقو ٍم مستسلمي َن َأ ً
وفي س ِّن َّ
صل ِ
لغيرها من النُّظ ِم َّ
والشرائعِ.. َأ ً
سلطان على َأ ِ
نفسهم ٍ يكون للمؤمنين ِ
بهذه العقيدة من َ وال ُبدَّ َأ ْن
ٰ َ
127
َّة ُّ
الدعاة: الواقع من مسؤوليِ
فهم ِ ُ
صحاب الدَّ ِ
عوة اإلسالم َّية؛ َأنَّهم ِ يكون مفهو ًما ألَ
َ ينبغي َأ ْن َ
كذلك
ْ
يجب َأ ْن يدعوهم َأ َّو ًل ِ
إنشاء هذا الدِّ ين، ِ
إلعادة َّاس َ
ُ يدعون الن َ حي َن
ِ
نفسهم مسلمي َن ،وتشهدُ يدعون َأ ََ اعتناق العقيدة( )1ـ حت َّٰى لو كانوا إلى
ٰ
مسلمون! ـ يجب َأ ْن يع ِّلموهم َأ َّن اإلسال َم:َ ِ
الميالد َبأنَّهم شهادات
ُ لهم
الحقيقي ـ وهو ر ُّد
ِّ عقيدة «ال إل َه َّإل اهلل» ـ بمدلولِها
ِ إقرار
ُ هو َ
«أ َّو ًل»
سلطان اهلل باد ِ
ِ ِ الحاكم َّي ِة هلل في َأ ِ
عاء ِّ مرهم ك ِّله ،وطر ُد المعتدي َن ٰ
على
وإقرارها في ِ
وشعائرهم، ِ
ضمائرهم إقرارها في نفسهم،الحق ألَ ِ
هذا ِّ
ُ ُ
ِ
وواقعهم.. ِ
وضاعهم َأ
ِ ِ
َّاس إلى اإلسالم ،كانت دعوة الن ِ ساسولتك ْن هذه القض َّي ُة هي َأ َ
مر ٍة ..هذه الدَّ عو ُة ا َّلتي تك َّف َل بها ِ
ساس دعوتهم إلى اإلسالم َأ َّول َّ هي َأ َ
دخل في هذا الدِّ ين عشر عا ًما كامل ًة ..فإذا َ َ
طوال ثالث َة َ المكي
ُّ ُ
القرآن
ِ
فهذه ال ُعصب ُة هي ا َّلتي صيل ـ ُعصب ٌة من الن ِ
َّاس.. ِ
بمفهومه هذا األَ ِ ـ
ِ
لمزاولة اسم «المجتمع المسلم» ..المجتمع ا َّلذي يص ُل ُح يطلق عليها ُ ُ
نفس ِه َأ ْن
النِّظام اإلسالمي في حياتِه االجتماعي ِة ،ألَ َّنه قرر بينَه وبين ِ
َ ُ َّ َ ُ َّ ِّ
على هذا األَساس ،و َأال يحكِّم في حياتِه ك ِّلها َّإل اهلل.
تقو َم حياتُه ك ُّلها ٰ
توضيح
ٌ فهم من هذا الكال ِم َأ َّن س ِّيد ُق ُطب يك ِّف ُر هؤالء المسلمي َن ،وإنَّما هو ((( تنبيه :ال ُي ُ
ِ ِ تطبيق َأ ِ ِ ِ
المكي
ِّ الشريعة؛ كما كان في العهد وامر َّ ُ لمراحل الدَّ عوة النَّبو َّية :العقيد ُة َأ َّو ًلَّ ..
ثم ِ
ثم َس ِمعنا و َأطعنا.المدني ،يعني :آمنَّا وصدَّ قنا َأ َّو ًلَّ ..ِّ ثم
َّ
130
ص َأ َّو ًل هلل ،وتعل َن عبود َّيتها له وحدَ ه، إن القلوب يجب َأن ت ْ ِ َّ
ُخل َ ُ َ
ناحية المبدأِ..
ِ غيره ..من آخر ِ كل شر ٍع َ ِ
ورفض ِّ شرع ِه وحدَ ه،
ِ ب َق ِ
بول
الشر ِع ُير ِّغبها فيه! تفصيل عن َ
ذلك َّ ٍ ُخاطب َبأ ِّي
َ قبل َأ ْن ت
َ
131
املكي:
ّ للعهد فهم ُّ
الدعاِة ِ ُ
ضرورة ِ
ِ
بسبب يقض ثالث َة عشر عاما كامل ًة في ِ
بناء العقيدة ِ َ
القرآن لم َّ
إن
َ ً
كل! فلو َأرا َد اهللُ ألَ َ ِ
القرآن جمل ًة
َ نزل هذا للمرة األُ ٰ
ولىَّ .. يتنز ُل َّ
كان َّ َأ َّن ُه َ
كثر َأو َأ َّ
قل، عشر عا ًماَ ،أو َأ َ
ترك َأصحا َبه يدرسو َن ُه ثالث َة َ
واحدةًُ ،ث َّم َ
حت َّٰى يستوعبوا «النَّظر َّي َة اإلسالم َّي َة».
منهجا مع َّينًا
ً آخرَ ،
كان يريدُ مرا َ ولك َّن اهللَ ـ سبحانه ـ كان يريدُ َأ ً
واحد.. ٍ عقيدة في ٍ
وقت ٍ ٍ
حركة ،وبنا َء ٍ
جماعة ،وبنا َء متفر ًداُ ،
كان يريدُ بنا َء ِّ
135
يبني
َ يبني الجماع َة والحرك َة بالعقيدةَ ،
وأ ْن َ كان يريدُ َأ ْن
َ
واقع تكون العقيد ُة هي
َ ..كان يريدُ َأ ْن
َ ِ
والحركة ِ
بالجماعة العقيد َة
َ
الحركي ِ
الجماعة واقع يكون
َ الفعليَ ،
وأ ْن الحركي ِ
الجماعة
ُّ ُ َّ َّ
يعلم هلل ـ ُس ْبحا َن ُه ـ ِ المجسم َة
ُ وكان ا ُ
َ للعقيدة.. َّ الصور َةالفعلي هو ُّ
ُّ
ٍ ِ
هنالكَ بين يو ٍم وليلة ،فلم ْ
يكن يتم َ
ُّفوس والجماعات ال ُّ ِ َأ َّن َ
بناء الن
ِ
ُّفوس بناء العقيدة المدى ا َّلذي يستغر ُقه ُ
بناء الن يستغرق ُ َ بدٌّ َأ ْن
ِ
كانت الجماع ُة هي العقيدي، َّكوين
نضج الت ِ
والجماعة ..حت َّٰى إذا
ُّ ُ َ
الواقعي لهذا النُّضوجِ .
َّ المظهر
َ
۞۞۞
واقعي:
ٌّ منهج ُ
العقيدة ٌ
ِ
القرآن ص من منهج هذه هي طبيع ُة هذا الدِّ ين ـ كما تُستَخ َل ُ
تغييرها تلبي ًة
َ َ
نحاول نعرف طبيع َت ُه هذه ،و َألَّ َ المكي ـ وال ُبدَّ َأن ِّ
ات البشر َّي ِة! فهو بهذه شكال النَّظري ِ
َّ ِ ٍ
مهزومة َأما َم َأ لرغبات معج ٍ
لة َّ
ِ
تحويلها عن طبيعتِها هذه ِ حركي.. ٍّ عضوي ٍّ تجم ٍع ُّ متحر ٍك ،وفي ِّ
لمجر ِد َأنَّنا نريدُ َأ ْن نواج َهَّ والمعرفة ال َّثقاف َّي ِة،ِ ِ
راسة إلى «نظر َّية»للدِّ ٰ
ات البشر َّي َة الهزيل َة بـ «نظر َّي ٍة إسالم َّية». النَّظري ِ
ّ
نفوس ح َّي ٍة ،وفي ٍ تحب َأ ْن تتم َّث َل في ُّ إن العقيد َة اإلسالم َّي َة َّ
تتفاعل مع الجاهل َّية ُ ٍ
حركة عضوي ،وفي تجم ٍع تنظي ٍم
ٍّ واقعي ،وفي ُّ ٍّ
نفوس َأصحابِها ـ ِ الراسبة في ِ تتفاعل مع الجاهل َّية ُ ِم ْن حولِها ،كما
نفوسهم، تدخل العقيد ُة إلى ِ َ قبل َأ ْن هل الجاهل َّية َ بوصفهم كانوا من َأ ِ ِ
ٰ
تشغل من ُ الجاهلي ـ وهي في صورتِها هذه ِّ
ِ
الوسط وتنتز َعها من
وسع و َأ َ ِ ِ ِ
شمل ضخم و َأ َ َ يضا ـ مساح ًة َأ الحياة َأ ً والعقول ـ ومن القلوب
تشمل ـ مساح َة النَّظر َّية وما َّدتها، ُ وتشمل ـ فيما ُ مما تشغ ُله «النَّظر َّي ُة» َّ
تقتصر عليها.
ُ ولكنَّها ال
ِ
وللحياة، الكوين، ِ
وللوجود أللوه َّية،سالمي ل ُ َّصو َر ٍ
اإل َّ
ِّ َّ إن الت ُّ
يب، شامل ٌٌ ِ
واقعي إجيا ٌّ
ٌّ تصو ٌر
كامل ،ولكنَّه كذلك ُّ تصو ٌر
ولإلنسانُّ ..
معريف؛ ألَ َّن هذا ذهني تصو ٍر وهو يكره ـ بطبيعتِه ـ َأ ْن يتم َّث َل يف ِ
ٍّ ٍّ جمرد َُّّ ُ
ِ
حي، ناس ،ويف تنظي ٍم ٍّ وجيب َأ ْن يتم َّث َل يف َأ َّ
ُ خيالف طبيع َت ُه وغاي َت ُه، ُ
حركة واقع َّي ٍة..
ٍ ويف
الحي
ِّ ينمو من خالل األَ ِّ
ناسي والتَّنظي ِم ِ
َّكوين َأ ْن َ وطريقتُه في الت
يكتملُ ِ
الوقت ا َّلذي ِ
نفس َ
يكتمل نظر ًّيا في ِ
والحركة الواقع َّية؛ حت َّٰى
ِ
صورة يظل مم َّث ًل في ِ
صورة «النَّظر َّية» بل ُّ ينفصل في َ فيه واقع ًّيا ،وال
137
الواقعي ،وال
َّ الحركي
َّ ُّمو
يسبق الن َّ
نظري ُ
ٍّ نمو الحركيُّ ..
وكل ٍّ ِّ «الواقعِ»
ِ
طبيعة هذا الدِّ ين إلى ِ يتم َّث ُل من خالله ،هو ٌ
بالقياس ٰ وخطر كذلك،
ٌ خطأ
الذاتي. ِ
وطريقة تركيبِه وغايتِ ِه،
ِّ
ُ
يقول﴿ :ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ واهللُ ـ سبحانه ـ
ﭣ ﭤ﴾ [اإلسراء.]106 :
َّكويني،
ُّ ليتم البنا ُء الت
ْث مقصو ٌد كذلكَّ ، والمك ُ رق مقصو ٌدُ ، فال َف ُ
صورة «نظر َّية»! ٍ صورة «من َّظ ٍ
مة ح َّية» ال في ٍ ٍ
عقيدة في ف من المؤ َّل ُ
ِ
صحاب هذا الدِّ ين ج ِّيدً ا َأنَّه ـ كما َأنَّه في ذاته ٌ
دين ُ يعرف َأ
َ يجب َأ ْنُ
متواف مع طبيعتِ ِه، ٍ رباني كذلك،ٌّ منهج
ٌ ِ
العمل منهج ُه في
َ فإن
رباني ـ َّ ٌّ
حقيقة هذا الدِّ ين عن منهجه في العمل. ِ يمكن ُ
فصل َ
وأ َّن ُه ال
ُ
َّصو َرويجب َأ ْن يعرفوا كذلك َأ َّن هذا الدِّ ي َن ـ كما َأنَّه جا َء ليغ َّي َر الت ُّ ُ
الحيوي ـ فكذلك هو قد جا َء ليغ ِّي َر َّ الواقع
َ االعتقادي ،ومن َث َّم يغ ِّي ُر
َّ
الحيوي..
ُّ الواقع
ُ االعتقادي ،ويغ َّي ُر به
ُّ َّصو ُر المنهج ا َّلذي ُي ٰ
بنى به الت ُّ َ
خاصا
ً ٍ
تفكير منهج
َ لينشئ
َ يبني ُأ َّم ًةُ ..ث َّم
ليبني عقيد ًة وهو ْ َ جاء
تصو ًرا اعتقاد ًّيا وواق ًعا حيو ًّيا ،وال بنفس الدَّ ِ
رجة ا َّلتي ِ
ينشئ بها ُّ ُ به،
الخاص،
ِّ االعتقادي
ِّ وتصو ِره
ُّ الخاص،ِّ ِ
تفكيره َ
انفصال بي َن منهج
الخاص ..فك ُّلها حزم ٌة واحدةٌ.. الحيوي ِ
وبنائه
ِّ ِّ
فلنعرف
ْ ذي ب َّينَّا ُه، العمل على الن ِ
َّحو ا َّل ْ ِ منهجه في
َ فإذا نح ُن عرفنا
138
ضغوط اجلاهليَّة:
ِ أشكال
ِ من
ِ ِ
الحال فيما بطبيعة صحصل النَّظر َّية؛ فهو َأ ُّ
صح هذا في َأ ِ وإذا َّ
اإلسالميَ ،أو
ُّ َّصو ُر يختص بتقديم ُأ ِ
سس النِّظا ِم ا َّلذي يتم َّث ُل فيه الت ُّ ُّ
لة لهذا النِّظام.َّشريعات المفص ِ
ِ تقديم الت
َّ
ِ
بعض ِ
عصاب على َأ
تضغط ُٰ إن الجاهل َّي َة ا َّلتي حو َلنا ـ كما َأنَّها َّ
يتعج َ
لون عوة اإلسالم َّية ،فتجعلهم صحاب الدَّ ِ ِ المخلصي َن من َأ ِ
َّ
ِ
ُحرجهم، تتعمدُ َأحيانًا َأ ْن ت َ
اإلسالمي ـ هي كذلك َّ ِّ خطوات المنهج
عون إليه؟ وماذا َأعد ْدتم نظامكم ا َّلذي تدْ َتفصيالت ِ ُ فتسأ َلهمَ :أي َن
141
ِ
الحديثة؟! صول ِ فقه مقن ٍَّن على األُودراسات ،ومن ٍ ٍ ٍ
بحوث ِ
لتنفيذه من
شريعة اإلسالم في ِ ِ
إلقامة الز ِ
مان َّاس في هذا َّ َ
كأ َّن ا َّلذي
ينقص الن َ ُ
والبحوث الفقه َّي ِة اإلسالم َّية.
ِ مجر ُد األَحكا ِم الفقه َّي ِة األَرض ،هو َّ
تحكمهم
َ راضون َبأ ْن
َ مستسلمون لحاكم َّي ِة اهلل َ هم َ
وكأنَّما ْ
يجدون من «المجتهدين» فقها مقنَّنًا بال َّط ِ
ريقة َ َّهم فقط ال
ً شريعتُه ،ولكن ْ
ذي ٍ
قلب يرتفع عليها ُّ يجب َأ ْن الحديثة! ..وهي سخري ٌة هازل ٌة ِ
كل ْ َ ُ
ٍ
بحرمة! حس لهذا الدِّ ين ُي ُّ
نبذلنفسها ت َِع َّل ًة في ِ
اإلحراج َّإل َأ ْن تجدَ ِ ِ إن الجاهل َّي َة ال تريدُ بهذا َّ
تصرف العصب َة َ وإل َأ ْن ِ
للبشرَّ .. ِ
البشر ِ
واستبقاء عبود َّي ِة ِ
شريعة اهلل،
بناء العقيدة في المسلم َة عن منهجها الرباني ،فتجع َلها تتجاوز مرحل َة ِ
ُ َّ َّ ِّ
ِ صحاب الدَّ ِ
ِ منهج َأ ٍ ٍ
طبيعته عوة اإلسالم َّية عن ُحو َل َ صورة حرك َّية ،و َأن ت ِّ
مالمح النِّظا ِم من ِ
الحركة ،وتتحدَّ ُد تتبلور فيها النَّظر َّي ُة من خالل ا َّلتي
ُ ُ
الحياة اإلسالم َّيةِ ِ
مواجهة َّشريعات في
ُ ِ
الممارسة ،وتُس َّن فيها الت خالل
الواقع َّية بمشكالتها الحقيق َّية.
ِ
للمناورة! صحاب الدَّ ِ
عوة اإلسالم َّية َأ َّل يستجيبوا ِ واجب َأ
ِ ومن
وعلى دينِهم!
ٰ على حركتِهم غريب ٰ ٍ إمالء منهجٍ
َ من واجبِهم َأ ْن يرفضوا
يوقنون.
َ ذين ال من واجبِهم َأ َّل يستخ َّف ُ
هم ا َّل َ
اإلحراج ،و َأ ْن يستع ُلوا عليها،
ِ ومن واجبِهم َأ ْن يكشفوا مناور َة
142
ِ و َأ ْن ُ
اإلسالمي»
ِّ الفقه «تطوير
َ السخري َة الهازل َة في ما َّ
يسم ٰى: يرفضوا ُّ
ٍ
شريعة سواها. ورفضه ِّ
لكل َ ِ
لشريعة اهلل في مجتم ٍع ال يعل ُن خضو َعه
ِ
العمل اجلا ِّد ..التَّلهي َة يرفضوا هذه التَّله َي َة عن
ُ من واجبِهم َأ ْن
ِ
اهلواء ..و َأ ْن يرفضوا هذه اخلدع َة اخلبيث َة(!)1 ِ
البذور يف ِ
باستنبات
َ
ويجحدون ينكرون مبد َأ األُلوه َّي ِة، َ ٍ
قصيرة ـ ٍ
فترات َأفرا ًدا معدود ًة في
الحقَ ،أوحقيقة ر ِّبهم ِّ ِ يخطئون معرف َةَ وجو َد اهلل َألب َّت َة ،إنَّما هم كانُوا
ِ ِ ِ
والعبادة ،وإ َّما في االعتقاد صورة يشركون مع اهلل آله ًة ُأ ٰ
خرى :إ َّما في َ
َّاس من خرج به الن ُ كاآلخر َي ُ ِ ٌ
شرك صورة الحاكم َّي ِة واالتِّباعِ ،وكالهما ِ
طال ثم ينكرونَه إذا َ ٍ دين اهلل ،ا َّلذي كانوا يعرفونَه على ِ
يد ِّ ِ
كل رسولَّ ، ٰ ِ
َ
ويعودون خرجهم منها، ون إلى الجاهل َّية ا َّلتي َأ َ عليهم األَمدُ ،ويرتدُّ َ ُ
ِ ِ إلى ِّ ِ
والعبادة ،وإ َّما في االتِّبا ِع االعتقاد مر ًة ُأ ٰ
خرى ،إ َّما في الشرك باهلل َّ
والحاكم َّي ِة ،وإ َّما فيهما جمي ًعا..
146
على ِ ِ
تستهدف
ُ البشري .إنَّها
ِّ مدار الت ِ
َّاريخ هذه طبيع ُة الدَّ عوة إلى اهلل ٰ
إلى ِ ِ ِ ِ
وإخراجهم من عبادة العباد ٰ َ العباد، لرب
«اإلسالم» ..إسال َم العباد ِّ
ِ
وشرائعهم ِ
العباد في حاكم َّيتهم عبادة اهلل وحدَ ه ،بإخراجهم من س ِ
لطان ِ
ُ
كل لطان اهلل وحاكم َّيتِه وشريعتِه وحدَ ه في ِّ ِ
وتقاليدهم ،إلى س ِ
ٰ ُ وق َي ِمهم
ؤون الحياة.شأن من ُش ِ ٍ
ٍ ِ
سل على َأيدي ُّ
الر ِ محمد ﷺ كما جا َء ٰ على يد َّ وفي هذا جا َء اإلسالم ٰ
ِ
الكون ك ِّله ا َّلذي إلى حاكم َّي ِة اهلل ْ
كشأ ِن الكرا ِم قب َله ..جا َء ل َير َّد النَّاس ٰ
السلط ُةالسلط ُة ا َّلتي تن ِّظ ُم حياتَهم هي ُّ َ
تكون ُّ فيجب َأ ْن
ُ َّاس؛
يحتوي الن َ
وتدبير ِ
ٍ بمنهج وس ٍ ا َّلتي تن ِّظ ُم وجو َده ،فال ُّ
غير المنهج لطان ٍ ُ يشذوا هم
والس ِ
لطان والت ِ
ف وجو َدهم
صر ُالكون ك َّله؛ بل ا َّلذي ُي ِّ
َ صرفَّدبير ا َّلذي ُي ِّ ُّ
ِ نفسهم في ِ
َ
محكومون َّاساإلرادي من حياتهم؛ فالن ُِّ غير الجانب هم َأ َ
ِ
ومرضهم، وصحتِهم
َّ ونموهم،
ِّ نشأتِهم
بقواني َن فطر َّي ٍة من صن ِع اهلل في َ
ِ
اجتماعهم ِ
القوانين في َ
محكومون بهذه وحياتِهم وموتِهم ،كما هم
َ
يملكون وعواقب ما َي ُح ُّل بهم نتيج ًة لحركتِهم االختيار َّي ِة ذاتِها ،وهم ال ِ
ُصر ُفه. َ
الكون وت ِّ تحكم هذا ُ القوانين الكون َّي ِة ،ا َّلتي
ِ تغيير سن َِّة اهلل في
َ
اإلرادي من
ِّ ومن َث ّم ينبغي َأ ْن يثو ُبوا إلى اإلسالم في الجانب
شؤون ِ
هذه ِ شأ ٍن من حياتِهم ،فيجعلوا شريع َة اهلل هي الحاكم َة في ِّ
كل ْ
الفطري،
ِّ اإلرادي في حياتِهم والجانب
ِّ
ِ
الحياة ،تنسي ًقا بين الجانب
147
الكوني(.)1 ِ
الوجود ِ
هذين وبي َن بشطر ْيه ِ
وجودهم ك ِّله وتنسي ًقا بين
ِّ َ
۞۞۞
حركي:
ٍّ كتجمٍع
ُّ اجلاهلي ُ
َّة
والش ِ ِ ِ على حاكم َّي ِة
ذوذ للبشرُّ ، البشر ولك َّن الجاهل َّي َة ا َّلتي تقو ُم ٰ
اإلرادي في الكوني ،والتَّصاد ِم بين منهج الجانب ِ
الوجود بهذا عن
ِّ ِّ
واجهها ُّ ِ ِ ِ
كل َ الفطري ..هذه الجاهل َّي ُة ا َّل ْ
تي ِّ اإلنسان والجانب حياة
رسول اهلل ﷺُ واجهها عوة إلى اإلسالم هلل وحدَ ه ،وا َّلتي رسول بالدَّ ِ
ٍ
َ
بدعوتِه ..هذه الجاهلي ُة لم تكن مم َّثل ًة في «نظرية» مجر ٍ
دة؛ بل ر َّبما َّ َّ ْ َّ
ِ َأحيانًا لم تك ْن لها «نظر َّية» على
كانت متم ِّثل ًة ً
دائما ْ اإلطالق! إنَّما
لقيادة هذا المجتمع، ِ حركي ،متم ِّثل ًة في مجتمعٍ ،خاض ٍع تجم ٍع
ٍّ في ُّ
وتقاليده وعاداتِه.
ِ ِ
ومشاعره ِ
ومفاهيمه لتصوراتِه وق َي ِمه
ُّ وخاض ٍع
َّناسق
َّكامل والت ُ َّفاعل والت ُ وهو جمتمع عضوي بني َأ ِ
فراده ذلك الت ُ ٌّ ٌ
ٍ
بإرادة يتحر ُك ـ العضوي ،ا َّلذي ُ والوال ُء والت ُ
املجتمع َّ
َ جيعل هذا ُّ َّعاون
وجوده ،والدِّ فا ِع عن كيانِه، ِ ِ ٍ
واعية َأو غري واعية ـ للمحافظة ٰ
عىل ِ ٍ
المودودي َأ ِ
مير للسيد َأبي َاألعلى ِ (( ( يراجع بتوس ٍع في هذه الن ِ
ِّ «مبادئ اإلسالم» َّ كتاب:
ُ ُّقطة ُ ُّ
ِّ
(المؤَ لف). ِ
الجماعة اإلسالم َّية في باكستانُ .
148
هذه الجاهل َّية، إلغاء ِ ِ فإن محاول َة على هذا الن ِ
َّحو؛ َّ تجم ٍع
حركي ٰ ّ في ُّ
يجوز ـ وال يجدي شي ًئا ـ َأ ْن تتم َّث َل َّاس إلى اهلل ٍ
ُ خرى ،ال مرة ُأ ٰ َّ ور ِّد الن ِ
ِ تكون مكافئ ًة للجاهل َّي ِة ُ ٍ
القائمة حينئذ ال مجردة؛ فإنَّها في «نظر َّية» َّ
متفوق ًة َ على َأ ْن عضويً ، ِ
تكون ِّ فضل ٰ ٍّ حركي
ٍّ فعل ،والمتم ِّثلة في ُّ
تجم ٍع ً
وجود قائ ٍم بالفعل، ٍ ِ
إلغاء ِ
محاولة ِ
حالة المطلوب في عليها ،كما هو
ُ
منهجه وفي ِ آخر يخال ُف ُه مخالف ًة َأساس َّي ًة في طبيعتِ ِه وفي ٍ ِ
إلقامة وجود َ
ِ ِ ِ ِِ ِ
تجم ٍعكل َّياته وجزئ َّياته؛ بل ال ُبدَّ لهذه المحاولة الجديدة َأ ْن تتم َّث َل في ُّ
قواعد ِه النَّظر َّية والتنظيم َّي ِة ،وفي روابطِ ِه ِ قوى في حركي َأ ٰ ٍّ عضوي
ٍّ
الجاهلي القائم ً
فعل. ِّ ووشائج ِه من ذلك المجتمع ِ وعالقاتِ ِه
ِ
مدار الت ِ
َّاريخ والقاعد ُة النَّظر َّي ُة ا َّلتي يقو ُم عليها اإلسال ُم ـ ٰ
على
ِ
«شهادة َأ َّل إل َه َّإل اهلل» َأي :إفرا ُد اهلل ـ سبحانه ـ البشري ـ هي قاعدةُ: ِّ
لطان والحاكم َّي ِة ..إفرا ُده بها اعتقا ًدا
وامة والس ِ
ُّ
والق ِ باألُلوهي ِة والربوبي ِةِ ،
ُّ َّ َّ
عائر ،وشريع ًة في واقع الحياة ،فشهاد ُة َأن الش ِ مير ،وعباد ًة في َّ الض ِ في َّ
فعل ،وال تعتبر موجود ًة شر ًعا؛ َّإل في ِ
هذه ال إل َه َّإل اهلل ،ال توجدُ ً
ُ
اعتبار المتكاملة ،ا َّلتي تعطيها وجودا جدِّ يا حقيقيا يقوم ِ
عليه ِ الص ِ
ورة
ُ ُ ًّ ًّ ً ُّ
ِ
غير مسل ٍم. مسلماَ ،أو َ
ً قائلها
ِ
القاعدة من الناحية النَّظر َّيةَ ..أ ْن تعو َد حيا ُة تقرير هذه ِ ومعنى
ٰ
شأ ٍن من شؤونها ،وال يقضون هم في َأ ِّي ْ
َ البشر بجملتِها إلى اهلل ،ال ِ
149
ِ ِ
لهم َأ ْن يرج ُعوا جانب من جوانبِها ،من عند َأنفسهم؛ بل ال ُبدَّ ْ ٍ في َأ ِي
ٍ
مصدر يجب َأ ْن يعرفو ُه من
ُ وحكم اهلل هذا ُ إلى حك ِم اهلل فيها ليتَّبعو ُه.. ٰ
الش ِ
هادة ال َّثاني رسول اهلل ،وهذا يتم َّث ُل في ِ
شطر َّ ُ ٍ
واحد يب ِّل ُغهم إ َّياه ،وهو
ِ ِ
رس ُ
ول اهلل». ركن اإلسالم األَ َّول« :شهادة َأ َّن ُم َح َّمدً ا ُ من ِ
ِ
هذه هي القاعد ُة النَّظر َّي ُة ..ا َّلتي يتم َّث ُل فيها اإلسال ُم ويقو ُم عليها..
ِ
احلياة ك ِّلها، ِ
شؤون ِ
للحياة حني ُت َط َّب ُق يف ً
كامل منهجا ُنشئ
ً وهي ت ُ
داخل ِ
دار ِ احلياة الفرد َّي ِة واجلامع َّي ِة يف
ِ املسلم َّ
كل فر ٍع من فرو ِع ُ يواج ُه به
ِ
عالقات املجتمع وخارجها ،يف عالقاتِ ِه باملجتمع املسل ِم ،ويف ِ اإلسالم
ِ
املسل ِم باملجتمعات األُ ٰ
خرى (.)1
اجلاهلي؟
َّ اجملتمع
َ َ
املسلمون َ
كيف يقوِّي
يملك َأ ْن يتم َّث َل في «نظر َّي ٍة ُ ولك َّن اإلسال َم ـ كما قلنا ـ لم يك ْن
ٍ
يبقى معتن ُقوها ثم ٰ مجردة ،يعتن ُقها من يعتن ُقها اعتقا ًدا ويزاو ُلها عبادةًَّ ، َّ
الجاهلي الحركي للتجم ِع العضوي ِ
الكيان على هذا الن َّْح ِو َأفرا ًدا ضم َن
ِّ ِّ ُّ ِّ ٰ
َّحو ـ مهما ك ُثر عد ُدهم ـ ال على هذا الن ِ فإن وجو َدهم ٰ فعل؛ َّ القائم ً
فعلي» لإلسالم؛ ألَ َّن األَفرا َد ٍ
«المسلمين
َ ٍّ «وجود يمك ُن َأ ْن يؤ ِّد َي ٰ
إلى
ونالجاهلي ،سيظ ُّل َ
ِّ العضوي للمجتم ِعِّ ِ
َّركيب نظر ًّيا» الدَّ اخلي َن في الت
العضوي.. لمطالب هذا المجتمع ِ ِ
لالستجابة حتما مضطري َن
ِّ ً ِّ
ِ ِ بوعي َأو ِ
الحاجات لقضاء وعي ـ بغير ٍ ٍ كرها، كون ـ طو ًعا َأو ً سيتحر َ َّ
منهج حياة» (المؤ ِّلف).
(( ( راجع فصل« :ال إله إلَّ اهلل ُ
150
َ
وسيدافعون عن ِ
لوجوده، الضرور َّي ِة ِ
لحياة هذا المجتمع َّ األَساس َّي ِة
العوامل ا َّلتي تهدِّ ُد وجو َده وكيانَه؛ ألَ َّن الكائ َن
َ َ
وسيدفعون كيانِه،
ِ
عضائه سوا ٌء َأرادوا َأم لم يريدوا.. بكل َأ ِ
الوظائف َّ العضوي يقو ُم بهذه
َّ
ِ
بتقوية يقومون ً
«فعل» َ «المسلمين نظر ًّيا» سيظ ُّل َ
ون إن األَفرا َد َأيَّ :
َ
يعملون «نظر ًّيا» إلزالتِه ،وسيظ ُّل َ
ون خاليا ح َّي ًة َ الجاهلي ا َّلذي
ِّ المجتمع
واالمتداد! وسيعطونَه كفاياتِهم وخبراتِهم ِ ِ
البقاء ِ
بعناصر في كيانِه تُمدُّ ُه
تكون حركتُهم في ات ِ
ِّجاه َ بدل من َأن
ويقوى ،وذلك ً ونشا َطهم ليحيا بها
ٰ
اإلسالمي(.)1 ِ
إلقامة المجتمع الجاهلي ِ
تقويض هذا المجتمع
ِّ ِّ
حركي:
ٍّ إسالمي
ٍّ جتمٍع ُ
ضرورة إنشاِء ُّ
(أي: يكن ُبدٌّ (َ )2أ ْن تتم َّث َل القاعد ُة النَّظر َّي ُة لإلسالم َ
ومن َث َّم لم ْ
ِ
منذ ال َّلحظة األُ ٰ
ولى ..لم يكن ُبدٌّ حركي ُ ٍّ عضوي
ٍّ تجم ٍع
العقيدةُ) في ُّ
ٌ
منفصل الجاهلي،
ِّ َّجم ِع
غير الت ُّ
آخر ُ حركي ُ ٌّ عضوي
ٌّ تجم ٌع َأ ْن َ
ينشأ ُّ
يستهدف
ُ الجاهلي ا َّلذي
ِّ الحركي
ِّ العضوي
ِّ َّجم ِع ٌّ
ومستقل عن الت ُّ
ِ
الجديد هو القياد َة َّجم ِع َ اإلسال ُم إلغا َءه ،و َأ ْن
محور الت ُّ
ُ يكون
قيادة إسالم َّي ٍة
ٍ كل الجديد َة المتَم ِّثل َة في رسول اهلل ﷺ ومن ِ
بعده في ِّ ُ
(( ( تنبيه :عبارة «المسلمون نظر ًيا» :يعني بهم س ِّيد ُق ُطب الذي ُولدوا كمسلمين ،وال
هم اإلسالم ،ويعمل ُ
يحمل َّ يهتمون ألمر اإلسالم ..وهو يفرق بينهم ،وبين المسلم ا َّلذي
في مجال الدَّ عوة.
َ ٍ ِّ ِّ ِ َ َ
((( « ُبدّ » :اسم ،وجمع :أ َبدُّ ،وأ ْبدا ٌد ،و بدَ َدة ..من كل ُبدٍّ :في كل حال .أي :ال محالة ،ال
مناص ،وال محيد.
151
إلى ُألوه َّي ِة اهلل وحدَ ه وربوب َّيتِه وقوامتِه وحاكم َّيتِ ِه
َّاس ٰتستهدف ر َّد الن ِ
ُ
محمدً ا كل َمن يشهدُ َأ َّل إله َّإل اهلل و َأ َّن َّ
يخلع ُّ
َ وسلطانِ ِه وشريعتِ ِه ـ و َأ ْن
ُ
َّجم ِع ا َّلذي الجاهلي ـ َأي :الت ُّ ِّ الحركي
ِّ َّجم ِع رسول اهلل ،وال َءه من الت ُّ ُ
كانت ،سوا ٌء كانت ٍ
صورة َّجم ِع ـ في َأ َّية ِ
ْ جا َء منه ـ ومن قيادة ذلك الت ُّ
والعرافي َن و َمن دنة والس ِ
حرة الكهنة والس ِ ِ قيادة دين َّي ٍة من ٍ ِ
صورة في
َّ َّ َّ
قيادة سياس َّي ٍة واجتماع َّي ٍة واقتصاد َّي ٍة ـ كا َّلتي ٍ ِ
صورة إليهمَ ،أو في
الحركي
ِّ العضوي
ِّ َّجم ِع يحصر وال َء ُه في الت ُّ َ لقريش ـ و َأ ْن ٍ كانت
الجديد ،وفي قيادتِ ِه المسلمة. ِ اإلسالمي
ِّ
خول المسل ِم حظة األُولى لدُّ ِ منذ ال َّل ِ ولم يك ْن ُبدٌّ َأ ْن يتح َّق َق هذا ُ
ٰ
ِ ِ
رسول اهلل؛ ُ محمدً ا في اإلسالم ،ولنطقه بشهادة َأ ْن ال إل َه َّإل اهللُ و َأ َّن َّ
بمجر ِد قيا ِم َّ ألَ َّن وجو َد المجتمع المسل ِم ال يتح َّق ُق َّإل بهذا ،ال يتح َّق ُق
لون في تبلغ كثرتُهم ،ال يتم َّث َ فراد مهما ْ قلوب َأ ٍ ِ القاعدة النَّظر َّية في ِ
يعمل َأعضاؤه مستقلُ ، ٌّ ذاتي ٍ ٍ تجم ٍع
متناسق متعاون ،له وجو ٌد ٌّ عضوي
ٍّ ُّ
وتعميق ِه
ِ وجود ِه
ِ صيل على ْتأ ِ ِ ِ عمل عضو ًّيا ـ َ ً
الحي ـ ٰ ِّ الكائن عضاء كأ
تهاجم وجو َده ُ العوامل ا َّلتي ِ وتوسيعه ،وفي الدِّ فا ِع عن كيانِه ضدَّ ِ
الجاهلي، قيادة المجتمع قيادة مستق َّل ٍة عن ِ تحت ٍ ويعملون هذا َ َ وكيانَه،
ِّ
ِ ِ لتأ ِ وتوج ُههم ْ ُنس ُقها،
وجودهم وتعميق وتوسي ِع صيل ِّ تن ِّظ ُم حركتَهم وت ِّ
الجاهلي(.)1 ِ
اآلخر ِ
الوجود ِ
وإزالة ِ
ومقاومة ِ
ولمكافحة اإلسالمي،
ِّ ِّ
ِ
الجهود ضدَّ ِالجماعي ،وضرورته لتوحيد ((( يشير سيد ُق ُطب هنا إلى َأ ِ
همية وجود العمل
ِّ ٰ ِّ ُ
ِ
المعسكر المعادي.
152
والحقائق الواقع َّي ُة تلوي َأعنا َقهم ل ًّيا، ُ خيرا َأ ْن يعترفوا، العلم َّية» َأ ً
ٍ
صراحة(.)1 ٍ
إخالص وال غير ِ
االعتراف في ِ ون لهذا فيضطر َ ُّ
الباهرة للمنهج اإلسلامي في ِ
هذه ِ ِ
النتائج الواقع َّيـة كان مـن ولقـد َ
ِّ
آصرة العقيـدة وحدَ ها ،دون ِ علـى َّجم ِع ِ ِ
اإلسلامي ٰ
ِّ القض َّيـة ،وإلقامة الت ُّ
ِ
القريبة والمصالح األَرضي ِ
ـة ِ ـون وال ُّل ِ
غـة، الجنـس واألَرض وال َّل ِ ِ ِ
واصـر َأ
َّ
«خصائـص اإلنسـان» فـي هذا ِ ِ
وإلبـراز ِ
ـخيفة! الس ِ ِ
الحـدود اإلقليم َّيـة َّ
ِ ِ دون الص ِ ِ ِ
الحيوان. المشـتركة بينه وبي َن فات َّجمـ ِع وتنميتها وإعالئهاِّ َ ، الت ُّ
ِ
املجتمع
ُ النتائج الواقع َّية الباهرة هلذا املنهج َأ ْن َأ َ
صبح ِ كان منَ
غات، لوان وال ُّل ِ
جناس واألَقوا ِم واألَ ِ ِ مفتوحا جلمي ِع األَ املسلم جمتم ًعا
ً ُ
خيفة! و َأ ْن صبت يف بوتقةِ العوائق احليواني ِة الس ِ ِ عائق من هذه بال ٍ
ُ َّ َّ َّ
وانصهرتْ وكفاياتا،
ُ جناس البرش َّي ِة ِ خصائص األَ
ُ اإلسالمي
ِّ املجتمع
نشأ ْت مر َّك ًبا عضو ّي ًا فائ ًقا يف فرتة تعدُّ ومتازجت ،و َأ َ
ْ ِ
البوتقة يف هذه
وصنعت هذه الكتل ُة العجيب ُة املتجانس ُة املتناسق ُة حضار ًة ْ نسب ًّيا قصريةً،
بعد زمانا جمتمع ًة ،عىل ِ اقة البرشي ِة يف ِ رائع ًة ضخم ًة ،حتوي خالص َة ال َّط ِ
ٰ َّ
الزمان. رق االت ِ
ِّصال يف َ املسافات وب ِ
طء ُط ِ ِ
ذلك َّ ُ
ُ
تناسق اجملتمع املسلم:
والفارسي
ُّ العربي
ُّ المتفو ِق:
ِّ اإلسالمي
ِّ اجتمع في المجتمع
َ لقد
وماني
ُّ والر
والهندي ُّ
ُّ يني
والص ُّ
ُّركي ِّ
والمغربي والت ُّ
ُّ والمصري
ُّ امي َّ
والش ُّ
ِ
صحاب «الدارونية الحديثة» (المؤ ِّلف). ِ
هؤالء جوليان هاكسلي من َأ (( ( في مقدِّ ِ
مة
154
ِ
جناس. إلى ِ
آخر األَقوا ِم واألَ واإلفريقيٰ ...
ُّ واإلندونيسي
ُّ واإلغريقي
ُّ
لتعمل متمازج ًة متعاون ًة متناسق ًة في ِ
بناء َ خصائصهم ك ُّلها عت
ُ وتجم ْ
َّ
ِ
والحضارة اإلسالم َّية ،ولم تك ْن هذه الحضار ُة اإلسالمي المجتمع
ِّ
دائما «إسالم َّية» ،ولم تك ْن يو ًما
كانت ً
ْ الضخم ُة يو ًما ما «عرب َّية» إنَّما
َّ
دائما «عقيد َّية».
«قوم َّية» إنَّما كانت ً
وبش ِ
عور التَّط ُّل ِع ِ ِ
احلبُ ، عىل قد ِم املساواة وبآرصة ِّ ولقد اجتمعوا ك ُّلهم ٰ
ِ كفاياتم ،و َأبرزوا َأ َ ِ ٍ ٍ
خصائص عمق إ ٰىل وجهة واحدة؛ فبذلوا مجي ُعهم َأ ٰ
قىص
الشخص َّي ِة والقوم َّي ِة والتًّارخي َّي ِة يف بناءجناسهم ،وص ُّبوا خالص َة جتارهبم َّ َأ ِ
اجلاهلي:
ِّ أمراض اجملتمع
ِ من
تجم ُع
ُّ َّاريخ القدي ِم هو
ري في الت ِ بش ٍّتجم ٍع َ ُّ لقد كان َأ ُ
شهر
بالفعل َأ ً
جناسا متعدِّ دةً، ِ جمعت
ْ مثل؛ فقدالرومان َّي ِة ً ِ
اإلمبراطور َّية ُّ
ولغات متعدِّ دةً ،و َألوانًا متعدِّ دةً ،و َأمزج ًة متعدِّ دةً؛ ولك َّن هذا ك َّله ٍ
قيمة ُعليا كالعقيدة ،لقد «آصرة إنسانية» ولم يتم َّث ْل في ٍ ٍ على
َّ يقم ٰ
لم ْ
ِ
العبيد في ِ
وطبقة ِ
شراف ِ
طبقة األَ على َأساس َ
طبقي ٰ ٌّ تجم ٌع
هناك ُّ كان
ِ
سيادة على َأساس ٍ اإلمبراطور َّي ِة ك ِّلها من
عنصري ٰ ٌّ وتجم ٌّع
ُّ ناحية،
155
ِ ِ بصفة عا َّم ٍة ـ
ٍ
جناس األُ ٰ
خرى. ِ سائر األَ وعبودية وماني ـ
ِّ الر
الجنس ُِّ
مار ا َّلتي ِ إلى َأ ِ
اإلسالمي ،ولم يؤت ال ِّث َ
ِّ َّجم ِع
فق الت ُّ يرتفع ُّ
قط ٰ ْ ومن َث َّم لم
اإلسالمي.
ُّ َّجم ُع
آتاها الت ُّ
ِ
تجم ُع ُّ عات ُأخـ ٰ
ـرى.. تجم ٌ
ُّ الحديث قامت في الت ِ
َّاريخ ْ كذلك
وماني ا َّلذي
ِّ َّجم ِع ُّ
الر كان كالت ُّ اإلمبراطور َّي ِة البريطان َّي ِة مثالً ..ولكنَّه َ
سيادة القوم َّي ِة
ِ ِ
أساس على
تجم ًعا قوم ًّيا استغالل ًّيا ،يقوم ٰ هو وري ُثه! ُّ
ِ
المستعمرات ا َّلتي ت َُض ُّمها اإلمبراطور َّي ُة ..ومث ُله ِ
واستغالل اإلنجليز َّي ِة،
اإلمبراطور َّيات األَوروب َّي ُة ك ُّلها :اإلمبراطور َّي ُة اإلسبان َّي ُة ،والبرتغال َّي ُة،
ِ
الهابط ذلك المستوى وقت ما ،واإلمبراطور َّي ُة الفرنس َّية ..ك ُّلها في َ في ٍ
المقيت! و َأ ِ ِ
آخر ،يتخ َّط ٰى
تجم ًعا من نو ٍع َ الشيوع َّي ُة َأ ْن َ
تقيم ُّ رادت ُّ البش ِع
ِ ِ
على الجنس والقو ِم واألَرض وال ُّلغة وال َّلون ،ولكنَّها لم ْ
تقم ُه ٰ ِ حواجز
َ
ِ
القاعدة «ال َّطبق َّية». ٍ
قاعدة «إنسان َّية» عا َّمة ،إنَّما َأقامتْه على
والمسكن لإلنسان هي« :ال َّطعا ُمِ «المطالب األَساس َّي َة» ِ
باعتبار َأ َّن
ُ َ
ِ
اإلنسان َ
تاريخ ِ
باعتبار َأ َّن ِ
الحيوان األَ َّول َّي ُة ـ مطالب والجنس» ـ وهي
ُ ُ
ِ
البحث عن ال َّطعام!! ُ
تاريخ هو
ِ ِ ِ
خصائص خص إبراز َأ ِّ اني في الر َّب ِّتفر َد اإلسال ُم بمنهجه َّ لقد َّ
يزال اإلنساني ،وما ُ بناء المجتمع وإعالئها في ِ ِ اإلنسان وتنميتِهاِ
ِّ
ٍ
قاعدة على َأ ِّي ٍ إلى َأ ِّي َ متفر ًدا ..وا َّلذي َن
آخر ،يقو ُم ٰ منهج َ يعدلون عنه ٰ ِّ
آخر هذا النَّتِ ِن إلى ِ ِ
الجنس َأو األَرض َأو ال َّطبقةٰ ... ِ خرى من القو ِم َأو ُأ ٰ
ِ
اإلنسان َ
يريدون لهذا اإلنسان ح ًّقا! هم ا َّلذي َن الِ خيف؛ هم َأعدا ُء الس ِ
َّ
ِ ِ
َ
يريدون فطر ُه اهلل ،واليتفر َد في هذا الكون بخصائصه العليا كما َ َأ ْن َّ
وخصائصها وتجاربِها في ِ كفايات َأ ِ ِ ِ
جناسه ينتفع َبأ ٰ
قصى َ لمجتمعه َأ ْن
ٍ
وتناسق.. ٍ
امتزاج
لحهل ُص ٍ مر باجلهاد ثالث َة َأقسا ٍمَ :أ َ كان الك َّف ُار معه بعد األَ ِ
ثم َ َّ
ِ مر َبأ ْن ُيتِ َّم ألَ ِ وه ٍ
لح والص ِ
هل العهد ُّ هل ذ َّمةُ ..فأ َ ٍ
حرب ،و َأ َ دنة ،و َأ َ
هل ُ
ِ
خاف منهم خيان ًة َ العهد؛ فإن يوف هلم به ما استقا ُموا عىلعهدَ ُهم ،و َأن ِّ َ
مر َأن ِ ِ
بنقض العهد ،و ُأ َ علمهم
يقاتلهم حت َّٰى ُي ُ ُ عهدهم ،ومل
ُ إليهم
ْ َ
نبذ
نقض عهدَ ُه.. َ
يقاتل َمن َ
ِ
ببيان ُحكم هذه األَقسا ِم ك ِّلها: راءة»
نزلت
ْ نزلت سور ُة « َب َ
ْ ولما
َّ
يدخ ُلوا ِ
الكتاب حت َّٰى ُيعطوا الجز َي َةَ ،أو ُ عدوه من َأ ِ
هل قاتل َّ َفأمر َأن ُي َ
ار والمنافقي َن ،والغل َظ ِة عليهم؛ ِ
بجهاد الك َّف ِ مره فيهافي اإلسالم ،و َأ َ
يف والسنان ،والمنافقين بالحج ِة وال ِّل ِ
سان. فجاهدَ الك َّفار بالس ِ
َ
َ ُ َّ ِّ َ َّ
ارِ ، وأمره فيها بالرباء ِة من ع ِ
هود الك َّف ِ
َ
وجعل هودهم إليهم..
ْ ونبذ ُع ُ َ َ َُ
ِ
العهد يف ذلك ثالث َة َأقسامٍ: َأ َ
هل
وهم ا َّلذي َن ُ
نقضوا عهدَ ُه ،ولم يستقيموا له، قسما َأ َ
مر ُه بقتالهمُ ، ـ ً
وظهر عليهم.
َ فحار َب ُهم
محارب..
ٌ وخائف
ٌ ومسالم له آم ٌن،
ٌ
يقبل منهم عالنيت َُهم ،و َي ِك َل مر َأ ْن َ
و َأ َّما سير ُت ُه في المنافقي َن؛ فإ َّن ُه ُأ َ
مر ُه َأن ُي َ ِ
عرض والح َّجة ،و َأ َ
ُ سرائرهم إلى اهلل ،و َأن يجاهدَ ُهم بالعل ِم ُ
إلى نُفوسهم ،ونها ُه َأن غلظ عليهم ،و َأن يب ُل َغ بالقول البلي ِغ ٰ عنهم ،و ُي َ
خبر َأ َّن ُه إن استغ َف َر لهم فل ْن
على ُقبورهم ،و ُأ َ ُيص ِّل َي عليهم ،و َأن يقو َم ٰ
ار والمنافقي َن»(.)1 عدائ ِه من الك ُّف ِ
يغفر اهلل لهم ..فهذه سير ُته في َأ ِ
ُ َ ُ
سامت
ٌ ملراحل اجلهاد يف اإلسالمٰ َّ ،
تتجل ِ َّلخيص اجل ِّي ِد
ِ * ومن هذا الت
ِ
احلركي هلذا الدِّ ين ،جدير ٌة بالوقوف َأ َ
مامها ِّ َأصيل ٌة وعميق ٌة يف املنهج
ٍ َ
إشارات ُمم َل ًة: نملك هنا؛ َّإل أ ْن َ
نشري إليها ُ ً
طويل ،ولكنَّنا ال
وىل :هي الواقع َّي ُة اجلدِّ َّي ُة يف منهج هذا الدِّ ين ..فهو حرك ٌة ُ
السم ُة األ ٰ
ِّ
الواقعي.. ِ
لوجوده ٍ
مكافئة َ
بوسائل تواج ُه واق ًعا برش ًّيا ..وتواجه ُه
ِّ
إنَّها تواج ُه جاهل َّي ًة اعتقاد َّي ًة تصور َّي ًة ،تقو ُم عليها َأنظم ٌة واقع َّي ٌة
قو ٍة ماد َّي ٍة ..ومن َث َّم تواج ُه الحرك ُة ذات َّ لطات ٌُ عمل َّي ٌة ،تسنُدها ُس
ِ
والبيان اإلسالمي ُة هذا الواقع ك َّله بما يكاف ُئه ..تواجهه بالدَّ ِ
عوة ُ َ َّ
ِ
إلزالة بالقو ِة والجهاد وتواجهه رات،المعتقدات والتَّصو ِ
ِ ِ
لتصحيح
َّ ُ ُّ
ِ ِ ِ ِ
َّاس جمهرة الن ِ ول بين َح ُ
والسلطات القائمة عليها ،تلك ا َّلتي ت ُ األَنظمة ُّ
والسم ُة ال َّثاني ُة يف منهج هذا الدِّ ين :هي الواقع َّي ُة احلرك َّي ُة ..فهو
ِّ
ِ
وحاجاتا ِ
ملقتضياتا، ُ
وسائل مكافئ ٌة ٍ
مرحلة هلا مراحلُّ ،
كل َ حرك ٌة ُ
ذات
ِ
املرحلة ا َّلتي تليها.. ٍ
مرحلة تس ِّلم إىل الواقع َّيةُّ ،
وكل
َ
مراحل دة ،كما َأنَّه ال ُ
يقابل ات مجر ٍ يقابل الواقع بنظري ٍ فهو ال ُ
َّ َّ َ
ُّصوص القرآن َّي َة َ
يسوقون الن دة ..وا َّلذي َن بوسائل متجم ٍ َ هذا الواق ِع
َ ِّ
راعون هذه َ على منهج هذا الدِّ ين في الجهاد ،وال ُي ِ
لالستشهاد بها ٰ
المنهج،ُ مر بها هذا ِ
المراحل ا َّلتي َّ يدركون طبيع َة َ السم َة فيه ،وال ِّ
يصنعون هذاَ ٍ
مرحلة منها ..ا َّلذين بكل ِ
المختلفة ِّ ِ
ُّصوص وعالق َة الن
بسا مض ِّل ًل، منهج هذا الدِّ ي َن َل ً
َ يخلطون خل ًطا شديدً ا ،و َي ْلبِ َ
سون َ
ِ
والقواعد النِّهائ َّية. ِ
المبادئ ُّصوص ما ال تحتم ُله من حم َ
لون الن
َ و ُي ِّ
نصا نهائ ًيا ،يم ِّث ُل نص منها كما لو َ
كان ًّ يعتبرون َّ
كل ٍّ َ ذلك أنَّهم
َ
مهزومون روح ًّيا َ
ويقولون ـ وهم القواعدَ النِّهائ َّي َة في هذا الدِّ ين،
يبق ِ
اليائس لذراري المسلمي َن ،ا َّلذين لم َ ِ
ضغط الواق ِع تحت
َ وعقل ًّيا
إن اإلسال َم ال يجاهدُ َّإل للدِّ فاعِ!
العنوان ـَّ :
ُ لهم من اإلسالم َّإل
162
ودوره في هذه األَرض ،و َأهدافِهِ طبيعة «اإلسالم» ذاتِه، ِ تلم ُسها فيُّ
ول بهذه رس َل من َأجلها هذا َّ
الر ُس َ هلل َأنَّه َأ َ
وذكر ا ُ
َ ال ُعليا ا َّلتي َّقررها ا ُ
هلل،
الرساالت. الر ِ
سالة ،وجع َله
خاتم النَّب ِّيي َن ،وجعلها خاتمة ِّ
َ ِّ
لتحرير «اإلنسان» في «األَرض» من ِ إعالن عا ٌّم
ٌ ين
إن هذا الدِّ َ َّ
ِ
للعباد يضا ـ وهي من العبود َّي ِة ِ
للعباد ،وـ من العبود َّي ِة لهوا ُه ـ َأ ً العبود َّي ِة
بإعالن ُألوه َّي ِة اهلل وحدَ ه ـ سبحانه ـ وربوب َّي ِته للعالمين! ..
ِ ـ وذلك
الشامل ُة إعالن ربوب َّي ِة اهلل وحدَ ه للعالمي َن معناها :الثور ُة َّ َ إنَّ
ِ
وضاعها، صورها و َأشكالِها و َأنظمتِها و َأ ِ كل ِ
البشر في ِّ على حاكم َّي ِة ٰ
ِ
للبشر الحكم فيه ِ
كل وض ٍع في َأرجاء األَرض على ِّ ُ
ُ الكامل ٰ َّمر ُد والت ُّ
للبشر في ِ مرادف :األُلوه َّي ُة فيه ٍ آخر ٍ ورَ ..أو الص ِ ٍ
بتعبير َ بصورة من ُّ
ِ
البشر، مر فيه إلى الحكم ا َّلذي َمر ُّد األَ ِ ور ..ذلك َأ َّن الص ِ ٍ
َ صورة من ُّ
بعضهم بجعل ِ ِ ِ
للبشر، البشر ،هو ْتألي ٌه لطات فيه هم ِ الس
ُ ومصدر ُُّ
ِ
لبعض َأربا ًبا من دون اهلل. ٍ
احلركي:
ِّ مفهو ُم اجلهاد
بوصفه ِ مس واليو َم وغدً ا ،يواج ُه هذا الدِّ ي َن ـ اإلنسانيَ ،أ ِ والواقع
ُّ ُ
ِ
سلطاناهللـ غير ٍ
سلطان ِ «اإلنسان»في«األَرض»من ِّ
كل ِ ِ
لتحرير إعالنًاعا ًّما
وعقبات سياس َّي ٍة
ٍ وعقبات ماد َّي ٍة واقع َّي ٍة..
ٍ بعقبات اعتقاد َّي ٍة تصور َّي ٍة، ٍ
ِ
العقائد ِ
عقبات ِ
جانب إلى ٍ ٍ ٍ ٍ
واجتماع َّية واقتصاد َّية وعنصر َّية وطبق َّيةٰ ،
ُ
وتتفاعل معها وتختلط هذه بتلك، ُ ِ
الباطلة، المنحرفة والتَّصو ِ
رات ِ
ُّ
شديدة الت ِ
َّعقيد. ِ بصورة مع َّق ٍ
دة ٍ
فإن «الحركة» راتَّ .. «البيان» يواجه العقائدَ والتَّصو ِ ُ وإذا كان
ُّ ُ
ِ
السياسي
ُّ الس ُ
لطان خرى ـ وفي مقدِّ متها ُّ تواج ُه العقبات الماد َّي َة األُ ٰ
َّصور َّي ِة ،والعنصر َّي ِة ،وال َّطبق َّية، ِ ِ
العوامل االعتقاد َّية ،والت ُّ القائم على
ُ
ُ
البيان ِ
المتشابكة ـ وهما م ًعا ـ واالجتماعي ِة ،واالقتصادي ِة المع َّق ِ
دة َّ َّ
167
لكل ٍ
مكافئة ِّ َ
بوسائل البشري» بجملتِه؛ «الواقع ِ
يواجهان والحرك ُة ـ
َّ َ
ِ
لإلنسان في حركة الت ِ
َّحرير ِ ِ
النطالق مكوناتِه ..وهما م ًعا ال ُبدَّ منهما
ِّ
األَرض« ..اإلنسان» ك ِّله ..في األَرض ك ِّلها ،وهذه نقط ٌة ها َّم ٌة ال ُبدَّ من
مر ًة ُأ ٰ
خرى! ِ
تقريرها َّ
َّ
العبوديِة: معنى
المنهج
ُ ين :هو
إن الدِّ َ ِ
مدلول «العقيدة»َّ . ين» َأ ُ
شمل من مدلول «الدِّ ِ
َ إن
َّ
يحكم الحياةَ ،وهو في اإلسالم يعتمدُ على العقيدة ..ولكنَّه ُ والنِّظا ُم ا َّلذي
جماعات
ٌ تخضع يمكن َأ ْن شمل من العقيدة ..وفي اإلسالم عمومه َأ ُِ في
َ ُ
على َأساس العبود َّية هلل وحدَ ه ،ولو لم
متنوع ٌة لمنهجه العا ِّم ا َّلذي يقو ُم ٰ ِّ
ِ
الجماعات عقيد َة اإلسالم. بعض هذه يعتنق ُ ْ
يدرك معهاُ َّحو المتقدِّ ِم ـ يدرك طبيع َة هذا الدِّ ين ـ على الن ِ
ُ وا َّلذي
جانب ِ إلى ِ ِ ِ حتم َّي َة
بالسيف ـ ٰ الحركي لإلسالم في صورة الجهاد َّ ِّ االنطالق
ويدرك َأ َّن ذلك لم يك ْن حرك ًة دفاع َّي ًة ـ بالمعنى الض ِّي ِق ُ ِ
بالبيان ـ الجهاد
َ
المنهزمون «الحرب الدَّ فاع َّية» كما يريدُِ ِ
اصطالح ا َّلذي ُي ُ
فهم اليو َم من
ِ ِ ِ
يصوروا الماكرَ ،أن ِّ الحاضر ،و َأما َم هجو ِم المستشرقي َن ضغط الواق ِع َأما َم
ِ
لتحرير ٍ
وانطالق حرك َة الجهاد في اإلسالم ـ إنَّما كان حرك َة اندفا ٍع
البشري ،وفي ِ
جوانب الواق ِع لكل ٍ
مكافئة ِّ َ
بوسائل ِ
«اإلنسان» في «األَرض»
ِّ
ٍ
مرحلة منها وسائ ُلها المتجدِّ دة. مراحل محدَّ ٍ
دة ِّ
لكل َ
نسم َي حرك َة اإلسالم اجلهاد َّي َة حرك ًة دفاع َّي ًة ،فال وإذا مل يكن ُبدٌّ َأن ِّ
ربه «دفا ًعا عن اإلنسان» ذاتِه ،ضدَّ ِ
نغي مفهو َم كلمة «دفاع» ونعت َ ُبدَّ َأ ْن ِّ َ
العوامل ا َّلتي تتم َّث ُل
ُ حتر َره ..هذه ِ
العوامل ا َّلتي تق ِّيدُ حر َّيتَه وت ُ
َعوق ُّ مجي ِع
ِ السياس َّي ِة ِ ِ ِ
القائمة عىل َّصورات ،كام تتم َّث ُل يف األَنظمة ِّ يف املعتقدات والت ُّ
احلواجز االقتصاد َّي ِة وال َّطبق َّي ِة والعنرص َّي ِة ،ا َّلتي كانت سائد ًة يف األَرضِ
171
تزال َأ ٌ
شكال منها سائد ًة يف اجلاهل َّية ك ِّلها يو َم جا َء اإلسال ُم ،وا َّلتي ما ُ
الزمان! ِ
احلارضة يف هذا َّ
نستطيع َأن نواج َه حقيق َة كلمة «الدِّ فاع» ِ َّوس ِع في مفهو ِم
ُ وبهذا الت ُّ
اإلسالمي في «األَرض» بالجهاد ،ونواج َه طبيع َة ِ
االنطالق بواعث ِ
ِّ
ِ
للعباد، اإلنسان من العبود َّي ِةِ ِ
لتحرير ٌ
إعالن عا ٌّم اإلسالم ذاتَها ،وهي َأنَّه
مملكة الهوى ِ وتقرير ُألوه َّي ِة اهلل وحدَ ه وربوب َّيتِه للعالمي َن ،وتحطي ِم ِ
ريعة اإلله َّي ِة في عال ِم اإلنسان.. الش ِ مملكة َّ ِ ِ
وإقامة البشري في األَرض، ِّ
اإلسالمي بالمعنى ِ
للجهاد رات دفاع َّي ٍة إيجاد مبر ٍ ِ َأ َّما محاول ُة
ِّ ِّ
البحث عن ِ ِ
ومحاولة للحرب الدِّ فاع َّي ِة، ِ العصري الض ِّي ِق للمفهو ِم َّ
ِّ
ِ
العدوان لمجر ِد صدِّ
َّ اإلسالمي كانت ِّ وقائع الجهاد َ
ِ
إلثبات َأ َّن َأسانيدَ
بعضهم رف ِ «الوطن اإلسالمي» ـ وهو في ُع ِ ِ المجاورة علىِ من القوى
ِّ
ِ ٍ َنم عن ق َّل ِة ِ
لطبيعة هذا الدِّ ين، إدراك العرب ـ فهي محاول ٌة ت ُّ جزير ُة
ِ
بالهزيمة ور ا َّلذي جا َء ليقو َم به في األَرض ،كما َأنَّها تَشي ِ
ولطبيعة الدَّ ِ
ِ
الماكر على االستشراقي ِ
الحاضر ،و َأما َم الهجوم ِ
ضغط الواق ِع َأما َم
ِّ
اإلسالمي!
ِّ الجهاد
الرو ِم َ
عدوان ُّ وعثمان قد َأ َّمنوا
ُ وعمر
ُ كان َأبو ٍ
بكر ُرى لو َت ٰ
اإلسالمي
ِّ يقعدون إذن عن دف ِع المدَِّ رس على الجزيرةَ ،أكانواوال ُف ِ
يدفعون هذا المدَّ ،و َأمام الدَّ ِ
عوة َ طراف األَرض؟ وكيف كانوا ِ إلى َأ
َ ٰ
نظمة المجتمعولة السياسية ،و َأ ِ نظمة الدَّ ِ
العقبات المادي ُة من َأ ِ
ُ تلك
ِّ َّ َّ
172
ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽﭾ ﭿ ﮀ ﮁ
ﮂ*ﮄﮅﮆﮇﮈﮉﮊﮋﮌﮍ
ﮎ ﮏ ﮐ ﮑﮒ ﮓ ﮔ ﮕ﴾ [احلج 39 :ـ .]41
ثم ثم ْ
مأذونًا بهَّ ، (م َّر ًماَّ ، القتال ـ كام ُ
يقول اإلما ُم ابن القيم ـ ُ ُ فكان
ثم ْ ِ ْ
مورا به جلمي ِع املرشكني)..
مأ ً مورا به ملن بد َأهم بالقتالَّ ،
مأ ً
ِ
حاديث الواردة في الجهادِ ،
وجدِّ َّي َة األَ ِ ُّصوص القرآن َّي ِة
ِ إن ِجدِّ َّية الن
َّ
ِ
صدر اإلسالم، وجدِّ َّي َة الوقائ ِع الجهاد َّي ِة في
تحض عليهِ ،
النَّبو َّية ا َّلتي ُّ
َ تمنع َأ ْن تاريخ ِهِ َّ ،
ِ ٍ
يجول إن هذه الجدِّ ي َة الواضح َة ُ طويل من مدى
وعلى ً
ٰ
ِ
ضغط الواق ِع المهزومون َأما َم
َ َّفسير ا َّلذي يحاو ُله في الن ِ
َّفس ذلك الت ُ
اإلسالمي!
ِّ ِ
الماكر على الجهاد االستشراقي
ِّ ِ
الحاضر ،و َأما َم الهجوم
َ
وقول الش ْأ ِن، يسمع َ
قول اهلل ـ سبحانه ـ في هذا َّ ُ و َم ْن ذا ا َّلذي
175
عارضا مق َّيدً ا
ً ثم يظنُّ ُه ْ
شأنًا اإلسالميَّ ،
ِّ وقائع الجهاد
َ ويتابع
ُ رسوله ﷺ
مين الحدود؟! لتأ ِ ِ
حدود الدِّ فا ِع ْ ويقف عند
ُ تذهب وتجي ُء، ٍ
بمالبسات
ُ
اآليات ا َّلتي َأ ِذن لهم فيها
ِ لقد ب َّين اهللُ للمؤمني َن في َأ َّو ِل ما ِ
نزل من
ِ ِ ائم األَ َ ِ
صيل في طبيعة هذه الحياة الدُّ نياَ ،أن ُي َ
دفع الش ْأ َن الدَّ َ
بالقتالَ ،أ َّن َّ
الفساد عن األَرض﴿ :ﭑ ﭒ ﭓ ِ ٍ
ببعض ،لدفع بعضهم َّاس ُ الن ُ
ﭔ ﭕﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ * ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ
ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ
ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ﴾ [الحج 39 :ـ .]40
الش ْأ ُن الدَّ ُ
ائم َأ ْن ال الش ْأ ُن الدَّ ُ
ائم ال الحال ُة العارض ُةَّ ، وإذن فهو َّ
والباطل في هذه األَرض ،و َأنَّه مت َّٰى قا َم اإلسال ُم بإعالنِه
ُ الحق َ
يتعايش ُّ
ِ
للعباد، اإلنسان من العبود َّي ِة
ِ ِ
وتحرير إلقامة ربوب َّي ِة اهلل للعالمين،
ِ العا ِّم
لطان اهلل في األَرض ولم ُيسالموه ُّ المغتصبون لس ِ
وانطلق هو
َ قط، َ ُ رماه
ويدفع عن «اإلنسان»
َ َّاس من سلطانهم
خرج الن َ َ
كذلك يد ِّم ُر عليهم ل ُي َ
يقف معها
ُ الغاصبٌ ..
حال دائم ٌة ال َ الس َ
لطان في األَرض» ذلك ُّ
يكون الدِّ ي ُن ك ُّله هلل.
َ َّحريري حت َّٰى
ُّ الجهادي الت
ُّ ُ
االنطالق
ِّ
الكف عن اجلهاد: ُ
مرحلة
ٍ
مرحلة في مجر َد ِ
القتال في م َّك َة لم يكن َّإل الكف عن
َّ َّ
إن
َّ
ِ ِ ٍ ٍ
بالهجرة ،وا َّلذي َ
بعث العهد خ َّطة طويلة ،كذلك كان األَ ُ
مر َأ َّو َل
176
ِ ِ
لالنطالق لم الجماع َة المسلم َة في المدينة ..بعد الفترة األُ ٰ
ولى
ِ مجر َد ْتأ ِ
لي ال ُبدَّ منه ،ولكنَّه ليس هدف َأ َّو ٌّ
ٌ المدينة ،هذا مين يك ْن َّ
ِ
االنطالق ،ويؤ ِّم ُن قاعد َة هدف يضم ُن وسيل َة
ٌ الهدف األَ َ
خير ،إنَّه َ
ِ
العقبات ا َّلتي ِ
وإلزالة ِ
«اإلنسان، ِ
لتحرير ِ
االنطالق االنطالق..
«اإلنسان ذاتَه من االنطالق!
َ تمنع
ُ
كان املسلمني يف م َّك َة عن اجلهاد بالس ِ
يف مفهو ٌم؛ ألَنَّه َ َ وكف َأيدي
ُّ
َّ
ِ ً
مكفول للدَّ عوة يف م َّك َة حر َّي ُة البالغ ..كان صاح ُبها ـ عليه َّ
الصال ُة
سيوف بني هاش ٍمَ ،أ ْن يصدع بالدَّ ِ
عوة، ِ ِ
بحامية ُ
يملك والسال ُم ـ
َ َّ
والقلوب ،ويواج َه هبا األَفرا َد ..مل تكن
َ َ
والعقول َ
اآلذان وخياطب هبا
َ
متنع األَفرا َد من ِ
هناك سلط ٌة سياس َّي ٌة من َّظم ٌة متن ُعه من إبال ِغ الدَّ عوةَ ،أو ُ
َ
وذلك يعو ُد القو ِة، ِ ِ
سامعه! فال رضور َة ـ يف هذه املرحلة ـ الستخدا ِم َّ
ِ
ِ
املرحلة ،وقد خلَّصتُها «يف سباب ُأخرى لعلها كانت قائم ًة يف ِ
هذه ٍ إ ٰىل َأ
ٰ
تفسري قوله تعا ٰىل﴿ :ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ِ ظالل القرآن» عند ِ
ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ﴾ [النساء.]77 :
ِ
َّلخيص هنا: ِ
بعض الت ِ
إثبات وال ْبأ َس يف
َّة:
املرحلة املكيِ
ِ َّة اجلهاد يف ُ
أسباب عدِم مشروعيِ
وإعداد ،في ٍ
ٍ كانت فتر َة ٍ
بيئة تربية المك َّي َة ْ ذلك ألَ َّن الفتر َة َ
كان َ
* (ر َّبما َ
ِ
واإلعداد هداف التَّرب َّي ِة
ِ ظروف مع َّي ٍنة ،ومن َأ
ٍ َ
وسط ٍ
مع َّينة ،لقو ٍم مع َّي َ
نين،
177
مح َّلة؟). بيت ،وفي ِّ كل ٍ الولي ..في ِّ والمولى ِ ِ ِ
كل َ ِّ بقتل ٰ الوالد، بقتل
كثيرين من
َ هلل من َأ َّن
يعلمه ا ُ
ُ ذلك ـ َأ ً
يضا ـ لما كان َ * (ور َّبما َ
المسلمين عن دينِهمِّ ،
ويعذبونَهم ،هم َ نون َأ َ
وائل ذين َي ْفتِ َ
المعاندين ا َّل َ
َ
ِ جند اإلسالم المخلِ ِسيكونون ِ
ص؛ بل من قادتهَ ..ألم ْ
يكن َ َبأ ُ
نفسهم
اب من ِ
بين هؤالء؟!. بن الخ َّط ِعمر ُ
ُ
بيئة قبل َّي ٍة ،من
يضا؛ ألَ َّن النَّخو َة العربي َة ،يف ٍ
َّ ذلك َأ ً * (ور ُّبام كان َ
وبخاص ٍة إذا
َّ يرتاجع!
ُ حيتمل األَ ٰ
ذى ،وال ُ تثور للمظلو ِم ا َّلذي ِ
عاداتا َأ ْن َ
صح َة
ُثبت َّ
ظواهر كثري ٌة ت ُ
ُ وقعت
ْ َّاس فيهم ..وقد عىل كرا ِم الن ِ
كان واق ًعا ٰ
َ
يرتك َأبا ٍ
بكر ـ وهو البيئة ـ فاب ُن الدَّ ِغنَّة مل َ
يرض َأ ْن َ ِ َّظرة ـ يف ِ
هذه هذه الن ِ
ِ
العرب! وخيرج من م َّك َة ،ور َأ ٰى يف ذلك ً
عارا عىل ُ هياجر
ُ كريم ـ
ٌ ٌ
رجل
واره ومحايتَه.. ِ
و َع َر َض عليه ج َ
179
ﭯ * ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ
ﭾ ﭿ ﮀﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ﴾ [النساء 74 :ـ .]76
﴿ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ
ﮰﮱﯓ*ﯕﯖﯗﯘﯙﯚ
ﯛ ﯜ ﯝﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ * ﯧ ﯨ
ﯩ ﯪ ﯫ ﯬﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ﴾ [األَنفال 38 :ـ .]40
﴿ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ
ﮉﮊﮋﮌﮍﮎﮏﮐﮑﮒﮓ
ﮔﮕﮖﮗﮘﮙ*ﮛﮜﮝﮞﮟﮠ
ﮡ ﮢ ﮣ ﮤﮥ ﮦ ﮧ ﮨﮩ ﮪ
ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯﮰ ﮱ ﯓﯔ ﯕ ﯖ *
ﯘﯙﯚﯛﯜﯝﯞﯟ
ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬﯭ
ﯮﯯﯰ*ﭑﭒﭓﭔﭕﭖ
ﭗﭘﭙﭚﭛﭜﭝﭞﭟ﴾ [التوبة 29 :ـ .]32
العظيم:
ُ عامر
بن ٍ عي ِ ُ
موقف ِر ْب ِّ
بإخراج الن ِ
َّاس ِ لإلنسان في األَرض،ِ رات الت ِ
َّحرير العا ِّم مبر ُ إنَّها ِّ
شريك ..وهذه وحدَ ها ٍ للعباد إلى العبود َّي ِة هلل وحدَ ه بال
ِ من العبود َّي ِة
نفوس ال ُغ ِ
زاة م َن المسلمي َن، ِ رات ماثل ًة في
المبر ُتكفي ..لقد كانت هذه ِّ
ِ فلم َي َ
ُدافع عن
خرجه للجهاد ،فيقول :خرجنا ن ُ عما َأ َ سأ ْل َأحدٌ منهم َّ
الفرس َأو ُّ
الرو ِم علينا نح ُن ِ َ
عدوان وطنِنا المهدَّ ِد! َأو خرجنا نصدُّ
ِ
الغنيمة! ونستكثر من
ُ نوس ُع رقعتَنا،المسلمي َن! َأو خرجنا ِّ
عامر ،وحذيف ُة بن ِم ْح َص ٍن
ٍ يقولون ،كما قال ِر ْب ُّ
عي ب ُن َ لقد كانوا
رس في القادس َّي ِة ،وهو
جيش ال ُف ِ
ِ والمغير ُة بن ُشعب َة جميعا لرستم ِ
قائد َ ً
ِ
المعركة :ما ا َّلذي جا َء قبلثالثة َأ َّيا ٍم متوال َي ٍةَ ،
واحد في ِ
ٍ َ
يسألهم واحدً ا بعدَ
إلى ِ ِ الجواب( :اهللُ ابتع َثنا ُ
شاء من عبا َدة العباد ٰ لنخرج من َ َ ُ فيكون بكم؟
ديان إلى ِ ِ ِ
عدل إلى َس َعتها ،ومن َج ْو ِر األَ ِ ٰ عبادة اهلل وحدَ ه ،ومن ض ْي ِق الدُّ نيا ٰ
فمن َقبِله منَّا قب ْلنا من ُه ورج ْعنا ِِ ِِ اإلسالمَ ..فأ َ
رسل رسو َل ُه بدينه ٰ
إلى خلقهَ ،
نفضي إلى الجن َِّة َأو ال َّظ ِ
فر)(.)1 َ رض ُه ،ومن َأ ٰ
بى قاتلنا ُه حت َّٰى عن ُه ،وتركنا ُه َ
وأ َ
(( ( «البداية والنهاية» :ج ،9ص . 622طبعة دار هجر ،بتحقيق التركي .
184
ِ مربرا ذات ًّيا يف طبيعة هذا الدِّ ين ذاته ،ويف
إعالنه العام ،ويف إن هناك ً َّ
ِ
جوانبه ،يف بوسائل ُمكافِ ٍئة ِّ
لكل َ ِ
ملقابلة الواق ِع َ
البش ِّي الواقعي ِ
منهجه
ِّ
قائم ابتدا ًء ـ ولو مل ربر َّ ٍ َ
يت ٌ الذا ُّ مراحل حمدَّ دة ،بوسائل متجدِّ دة ..وهذا امل ِّ
االعتداء عىل األَرض اإلسالم َّية وعىل املسلمني فيها ـ إنَّه ِ خطر
يوجد ُ
ِ
املجتمعات قات الفعل َّي ِة يف وطبيعة ا ُملعو ِ
ِ ِ
وواقعيته ِ
طبيعة املنهج رب ٌر يف
ِّ م ِّ
حمدودة ومؤ َّق ٍتة!
ٍ البسات دفاع َّي ٍة
ٍ جمر ِد ُم
البرش َّية ..ال من َّ
لم مجاهدً ا بنفسه وماله..في الم ْس ُ
يخرج ُ
َ وإنَّه ليكفي َأ ْن
الق َيم ا َّلتي ال ينا ُله هو ِمن ورائها
سبيل هذه ِ
ِ «سبيل اهلل» ..في
مغنم ذاتي..وال يخرجه لها مغنم ذاتي..
خاض
يكون قد َُ ِ
المعركة ِ
للجهاد في ينطلق
َ قبل َأ ْن
المسلم َ َّ
إن
َ
يطان ..مع هوا ُه وشهواتِه ..معالش ِ نفسه ،مع َّ كبر في ِمعرك َة الجهاد األَ ِ
ٍ
شارة كلوقوم ِه ..مع ِّ
ِ ومصالح عشيرتِ ِه
ِ مصالح ِه
ِ مطامع ِه ورغباتِ ِه ..مع
ِ
املسلم: ُ
املفروضة على اجملتمع ِ ُ
املعركة
رصاع ِ
خوضها ،وهذا خيار ل ُه يف مفروض ٌة عىل اإلسالم ً
فرضا ،وال
ٌ َ
ً
طويل.. َّعايش بينهام بني وجو َد ِ
ين ال يمك ُن الت ُ طبيعي َ
ٌّ
يدافع عن يكون ال ُبدَّ لإلسالم َأن
ُ ووفق هذه الن ِ
َّظرة حقَ .. هذا ك ُّل ُه ٌّ
َ
خيوض معرك ًة دفاع َّي ًة مفروض ًة عليه ً
فرضا.. ِ
وجوده ،وال ُبدَّ َأ ْن َ
هلل: َّ
العبوديِة لغ ِري ا ِ اإلنسان من
ِ ُ
إنقاذ
ِ
طبيعة إن من ِ
الحقيقةَّ .. هناك حقيق ٌة ُأخرى َأشدُّ َأصال ًة من ِ
هذه ولكن َ
ٰ ْ
ِ يتحر َك إلى األَما ِم ِ ِ
إلنقاذ «اإلنسان» في ابتداء؛
ً اإلسالمي ذاته َأ ْن َّ ِّ الوجود
حدود جغراف َّي ٍة، ٍ يقف عندَ يمكن َأ ْن َ ُ اهلل ،وال ِ ِ
«األرض» من العبود َّية لغير ِ
َ
ِ
اإلنسان.. نوع ٍ ٍ َ وال َأ ْن
داخل حدود عنصر َّية ،تاركًا «اإلنسان»َ .. ينزوي
َ
اهلل. ِ ِ ِ كل األَرضَّ .. في «األَرض»ِّ ..
للش ِّر والفساد والعبود َّية لغير ِ
زمان ت ُْؤثِ ُر فيه َأ َّل
ٌ جييء عليها ُ املعسكرات املعادي َة لإلسالم قد ِ إن
َّ
داخلَ ِ
للبرش ِ
البرش تزاول عبود َّي َة ُ هتاجم اإلسال َم ،إذا تركَها اإلسال ُم َ
وشأ َنا ،ومل يمدَّ إليها دعوتَه ْ وريض َأن َيدَ َعها َ حدودها اإلقليم َّي ِة، ِ
تعلن
َ هيادنا؛ َّإل َأ ْن ُ ولكن اإلسال َم ال َّ َّحريري العا َّم!
َّ وإعالنَه الت
بوابا لدعوتِه ِ
اجلزية ،ضامنًا لفتحِ َأ ِ صورة َأ ِ
داء ِ لسلطانِه يفاستسالمها ُ
َ
ِ
القائمة فيها. ِ
لطات الس ٍ
عوائق ماد َّية من ُّ
َ بال
العوائق:
ِ ُ
إزالة
ليقر َر
منهجا إله ًّيا ،جاء ِّ
ً ِ
اعتبار اإلسالم َ
هناك مساف ًة هائل ًة بين َّ
إن
ويصب هذا ٍ
واحد، البشر جميعا ٍ
إلله ِ ُألوه َّي َة اهلل في األَرض ،وعبود َّي َة
َّ ً
َّاس اإلنساني ا َّلذي َّ
يتحر ُر فيه الن ُ ُّ المجتمع
ُ واقعي ،هو
ٍّ َّقرير في ٍ
قالب الت َ
العباد؛ فال تحكمهم َّإل شريع ُة اهلل، ِ لرب ِ
من العبود َّية للعباد ،بالعبود َّية ِّ
آخر تتم َّث ُل فيها ُألوه َّيتُه ..فمن ٍ
بتعبير َ لطان اهللَ ،أو
ا َّلتي يتم َّث ُل فيها ُس ُ
وجدان األَ ِ
فراد َ ليخاطب ِ
طريقه، ِ
العقبات ك ِّلها من إذن َأن ُي َ
زيل ح ِّقه ْ
َ
ِ ٍ ٍ وعقو َلهم َ
ياسي،
الس ِّ موانع مصطنعة من نظا ِم الدَّ ولة ِّ َ حواجز ،وال دون
ِ
اعتبار اإلسالم إن َ
هناك مساف ًة هائل ًة بين َّاس االجتماع َّي ِةَّ ..
َأو َأوضا ِع الن ِ
وطن بعينِه؛ فمن ح ِّقه فقط
ٍ ِ
واعتباره نظا ًما محل ًّيا في على هذا الن ِ
َّحو، ٰ
ِ
حدوده اإلقليم َّية! ِ
داخل َأ ْن َ
يدفع الهجو َم عليه في
ِ
احلالتني سيجاهدُ ، تصو ٌر ..ولو َأ َّن اإلسال َم يف كلتا تصو ٌرَ ..
وذاك ُّ هذا ُّ
خيتلف اختال ًفا لبواعث هذا اجلهاد و َأهدافِه ِ ِ
ُ ونتائجه، َّصو َر ِّ َّ
الكل ولك َّن الت ُّ
ِّ
واالتاه. يدخل يف صمي ِم اخل َّط ِة
ُ ِ
االعتقاد كام يدخل يف صمي ِم ُ بعيدً ا،
املهزومني ـ ذلك
َ ني ـ الباحثني العرص ِّي َ
َ وقد َغ َّش ٰى عىل َأ ِ
فكار ٰ
الض ِ
مري ،ال جمر ُد «عقيدة ٍ» يف َّ ِ
لطبيعة «الدِّ ين»َ ..
وأنَّه َّ الغريب
ُّ َّصو ُر
الت ُّ
يكون اجلها ُد للدِّ ِ
ين ،جها ًدا ُ ِ
للحياة ،ومن َث َّم شأ َن هلا باألَ ِ
نظمة الواقع َّية ْ
الضمري! لفرض العقيدة عىل َِّ
ِ
للحياة منهج اهلل
ُ ليس كذلك في اإلسالم؛ فاإلسال ُم مر َ لك َّن األَ َ
إفراد اهلل وحدَ ه باألُلوه َّي ِة ـ متم ِّثل ًة في
ِ على
منهج يقو ُم ٰ ٌ البشر َّي ِة ،وهو
بكل تفصيالتِها اليوم َّي ِة! فالجها ُد له الحاكم َّي ِة ـ وين ِّظ ُم الحيا َة الواقع َّي َة ِّ
192
اإللهي، المنهج اإلسالمي ،ا َّلذي يتم َّث ُل فيه َّجم ُع ِ
ُّ ُ ُّ وحيثما وجدَ الت ُّ
ِ
وتقرير النِّظا ِم، واالنطالق لتس ُّلم الس ِ
لطان ِ ِ
الحركة حقيمنحه َّ هلل َّ
ُّ ُ فإن ا َ
هلل َأيديكف ا ُ
ِ
الوجدان ،فإذا َّ لحر َّي ِة ِ
مسألة العقيدة الوجدان َّية ِّ
ترك َ ِ
مع ِ
مسأل ُة مبدأٍ،
مسأل ُة ِخ َّط ٍة ال َ
الجماعة المسلمة فتر ًة عن الجهاد؛ فهذه َ ِ
ِ
الواضح وعلى هذا األَساس ٍ
عقيدة، مسأل ُة ِ
الحركة ال َ ِ
مقتضيات َ
مسأل ُة
ٰ
المراحل التَّاريخ َّي ِة
ِ ُّصوص القرآن َّي َة المتعدِّ دةَ ،في
َ نفهم الن
َ يمك ُن َأ ْن
ِّ
لخط اللة العا َّم ِة
نخلط بين داللتِها المرحلي ِة ،والدَّ ِ
َّ َ المتجدِّ ِ
دة ،وال
ويل. الحركة اإلسالمية ال َّث ِ
ابت ال َّط ِ ِ
َّ
()1
رس ُ
ول اهلل؛ محمدً ا ُ
َّ هلل ،و َأ َّن
تصبح شهاد ُة َأن َل إل َه َّإل ا ُ
ُ ثم
ومن َّ
ِ
بحذافيرها ،فال تقو ُم كامل تقو ُم عليه حيا ُة األُ َّمة المسلمة
ٍ ٍ
لمنهج قاعد ًة
تكون حياة إسالم َّي ًة
ُ هذه الحيا ُة َقبل َأن تقو َم هذه القاعدةُ ،كما َأنَّها ال
خرى معهاَ ،أو ٍ ِ قامت على ِ ِ
على قاعدة ُأ ٰ
غير هذه القاعدةَ ،أو قامت ٰ ٰ ْ إذا
عدَّ ِة قواعدَ َأجنب َّي ٍة عنها:
لطبيعة «المجتمع المسلم» هي َأ َّن ِ السم َة األُولى المم ِّيز َة َّ
إن ِّ
قاعدة العبود َّي ِة هلل وحدَ ُه في َأ ِ
مره ك ِّله.. ِ على
المجتمع يقو ُم ٰ
َ هذا
هذه العبود َّي ُة ا َّلتي تم ِّث ُلها و ُت َك ِّي ُفها شهاد ُة َأن ال إله َّإل اهلل ،و َأ َّن
ُ
رسول اهلل. محمدً ا
َّ
الش ِ
عائر االعتقادي ،كام تتم َّث ُل يف َّ
ِّ َّصو ِر
وتتم َّث ُل هذه العبود َّي ُة يف الت ُّ
الشائ ِع القانون َّي ِة سوا ًء.التَّع ُّبد َّية ،كام تتم َّث ُل يف َّ
ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ﴾ [الشورى.]21 :
المجتمع ا َّلذي تتم َّث ُل فيه العبود َّي ُة هلل وحدَ ُه
ُ المسلم،
ُ المجتمع
ُ هذا هو
شعائرهم وعباداتِهم ،كما ِ وتصوراتِهم ،كما تتم َّث ُل في ُّ
معتقدات َأ ِ
فراده ِ في
ِ
الجوانب جانب من هذه ٍ الجماعي وتشريعاتِهم ..و َأ ُّيما ِّ
تتم َّث ُل في ِ
نظامهم
ف ركنِهالوجود ،لِتَخ ُّل ِ
ِ نفسه عن ف اإلسال ُم ُ
ِ
الوجود؛ فقد تخ َّل َ ف عن َخ َّل َ
ت َ
ِ
ُ
رسول اهلل. محمدً ا األَ َّول ،وهو شهاد ُة َأن َل إل َه َّإل اهلل ،و َأ َّن َّ
فيحسن
ُ االعتقادي»..
ِّ َّصو ِر
إن العبود َّي َة هلل تتم َّث ُل في «الت ُّ ولقد قلناَّ :
َّصور ا َّلذي َ
ينشأ اإلسالمي ..إنَّه الت ُُّّ االعتقادي
ُّ َّصو ُر
نقول ما هو الت ُّ َأن َ
اني، الر َّب ِّ
مصدرها َّ ِ لحقائق العقيدة من ِ البشري ،من تل ِّق ِيه ِّ في اإلدراك
الكون ا َّلذي ِ ِ
ولحقيقة لحقيقة ر ِّبه، ِ اإلنسان في إدراكِه ُ وا َّلذي يتك َّي ُ
ف به
ينتسب إليها ـ غيبِها الحياة ا َّلتيِ ِ
ولحقيقة وش ِ
هوده ـ يعيش فيه ـ غيبِه ُ ُ
ُ
ف ثم ُي َك ِّي ُ ِ ِ ِ نفسهَ ..أي: ولحقيقة ِ
ِ ِ
اإلنسان ذاتهَّ .. لحقيقة وشهودها ـ
تعاملً الحقائق جمي ًعا؛ تعام َله مع ر ِّبه ِ على َأساسه تعام َله مع ِ
هذه ٰ
ونواميسه ومع األَ ِ
حياء ِ ِ
الكون تتم َّث ُل فيه عبود َّيتُه هلل وحدَ ُه ،وتعام َله مع
تعامل يستمدُّ ُأصو َله ً البشري وتشكيالتِه، ِّ فراد النَّو ِعوعوالِمها ،ومع َأ ِ
رسول اهلل ﷺ ـ تحقي ًقا لعبود َّي ِته هلل وحدَ ُه في ُ دين اهلل ـ كما ب َّلغها من ِ
ِ
الحياة ك َّله. َ
نشاط ُ
يشمل َّعامل ..وهو بهذه الص ِ
ورة هذا الت ِ
ُّ
۞۞۞
197
املسلم؟
ُ ُ
اجملتمع كيف ُ
ينشأ
ُ
ينشأ هذا َ
فكيف المسلم»
ُ «المجتمع
ُ تقر َر َأ َّن هذا هو
فإذا َّ
منهج هذه النَّشأة؟
ُ المجتمع؟ ما
ُ
تقر ُر َأ َّن تنشأ جماع ٌة من الن ِ
َّاس ِّ المجتمع ال يقو ُم حت َّٰى َ َ َّ
إن هذا
لغير اهلل ..ال تَدي ُن عبود َّيتَها الكامل َة هلل وحدَ ُه ،و َأنَّها ال ت َِدي ُن بالعبود َّي ِة ِ
لغير اهلل في َّصو ِر ،وال تَدي ُن بالعبود َّي ِة ِ ِ
لغير اهلل في االعتقاد والت ُّ بالعبود َّي ِة ِ
ثم والشرائعَِّ .. والشعائر ..وال تَدي ُن بالعبود َّي ِة ِ
لغير اهلل في النِّظا ِم َّ ِ
العبادات َّ
ِ على َأساس هذه العبود َّي ِة ِ ِ ْتأ ُ
الخالصة.. بالفعل في تنظي ِم حياتها ك ِّلها ٰ خذ
غير اهلل ـ معه َأو دونه ـ وتن ِّقي حد ِ االعتقاد في ُألوهي ِة َأ ٍ
ِ ضمائرها من تن ِّقي
َّ َ
غير اهلل؛ معه َأو ِمن دونِه. حد ِ شعائرها من التَّل ِّقي عن َأ ٍ
َ
ُ
ويكون هذا تكون هذه اجلامع ُة مسلم ًة، ُ ٍ
وعندئذ فقط ـ ٍ
عندئذ ـ
َّاس ناس من الن ِ
يقر َر ٌمسلم كذلكَ ..فأ َّما ق ْب َل َأ ْن ِّ ً املجتمع ا َّلذي َأقامتْه
ُ
َ
يكونون فإنم ال َّحو ا َّلذي تقدَّ م ـ َّ إخالص عبود َّيتِهم هلل ـ عىل الن ِ َ
ُ
يكون عىل هذا األَساس فال حياتم ٰ َ قبل َأن ين ِّظموا مسلمني ..و َأ َّما َ
َ
مسلم ..ذلك َأ َّن القاعد َة األُوىل ا َّلتي يقو ُم عليها اإلسال ُم، ً جمتم ُعهم
املسلم ـ هي شهاد ُة َأن َل إل َه َّإل اهلل ،و َأ َّن
ُ املجتمع
ُ وا َّلتي يقو ُم عليها
()1
بشطرهيا..
َ تقم رس ُ
ول اهلل ـ مل ْ حممدً ا ُ
َّ
نشأ ِة المجتمع المسل ِم ..كما َ
نشأ في غربته وشروط َ
َ يصف س ِّيد ُق ُطب قواعدَ
ُ ((( تنبيه :هنا
ُ
واضح في األصول بين
ٌ ُ ِ
إلى تكفير المجتمعات! والفرق ف كالمه هذا ٰ األُ ٰ
ولى ،وال ُي ْص َر ُ
ِ
الشيء ،وبين إنزالِه للواق ِع َأو للمع َّين!
صل َّ ِ
بيان حك ِم َأ ِ
198
ِ
وإقامة إسالمي، اجتماعي ِ
إقامة نظا ٍم قبل الت ِ
َّفكير في وإذن فإنَّه َ
ٍّ ٍّ
على َأساس هذا النِّظامِ ..ينبغي َأ ْن يتَّج َه االهتما ُم َأ َّو ًل مجتم ٍع مسل ٍم ٰ
ٍ فراد من العبود َّي ِة ِ
ضمائر األَ ِ
صورة من لغير اهلل ـ في َأ ِّ
ي ِ ِ
تخليص إلى
ٰ
ضمائرهم ُ يجتمع األَفرا ُد ا َّلذين تخ َّلصت
َ وأ ْن ِ
صورها ا َّلتي َأسلفنا ـ َ
ٍ
جماعة مسلمة.. من العبود َّي ِة ِ
لغير اهلل في
فرادها من العبود َّية خلصت ضمائر َأ ِ ْ وهذه الجماع ُة ا َّلتي
ُ
المجتمع
ُ ُ
ينشأ منها لغير اهلل ..اعتقا ًدا وعباد ًة وشريع ًة؛ هي ا َّلتي ِ
يعيش في هذا المجتمع بعقيدتِه وينضم إليها من يريدُ َأ ْن َ ُّ المسلم،
ُ
آخر ٍ
بتعبير َ وعبادتِه وشريعتِه ،ا َّلتي تتم َّث ُل فيها العبود َّي ُة هلل وحدَ ُهَ ..أو
ول اهلل. رس ُ
محمدً ا ُتتم َّث ُل فيها شهاد ُة َأن َل إل َه َّإل اهلل ،و َأ َّن َّ
الجماعة المسلمة األُولــى ،ا َّلتي َأ ِ
قامت ِ كانت نشأ ُة ْ وهكذا
ٍ
مسلمة، ٍ
جماعة كلتكون نشأ ُة ِّ
ُ المسلم األَ َّو َل ..وهكذا المجتمع
َ َ
وهكذا يقو ُم ُّ
كل مجتم ٍع مسلم.
ٍ
ومجموعات من انتقال َأ ٍ
فراد ِ المسلم إنَّما ُ
ينشأ من المجتمع َّ
إن
َ َ
لغير اهلل ـ معه َأو من دونه ـ إلى العبود َّي ِة هلل وحدَ ُه َّاس من العبود َّي ِة ِ الن ِ
ِ ِ ِ ٍ
على
تقيم نظا َم حياتها ٰ تقرير هذه المجموعات َأ ْن َ ثم منبال شريكَّ ،
ٍ ٍ ِ ِ
مشتق
ٍّ جديد، يتم ميال ٌد جديدٌ لمجتم ٍع َأساس هذه العبود َّية ..وعندئذ ُّ
ِ
للحياة جديدة ،ونظا ٍمٍ ٍ
بعقيدة ٍ
ومواجه له الجاهلي القدي ِم، من المجتمع
ِّ
هذه العقيدة ،وتتم َّث ُل فيه قاعد ُة اإلسالم جديد ،يقوم على َأساس ِ ٍ
ٰ ُ
ِ
رسول اهلل.. بشطر ْيه ..شهادة َأن َل إل َه َّإل اهلل ،و َأ َّن َّ
محمدً ا ُ َ ولىاألُ ٰ
199
غير المجتمع المسلمِ! وإذا كل مجتم ٍع ِ الجاهلي :هو ُّ َّ المجتمع
َ إن
َّ
كل مجتم ٍع ال ُيخْ لِ ُص عبود َّي َت ُه الموضوعي قلنا :إنَّه هو ُّ
َّ َأردنا التَّحديدَ
الش ِ
عائر االعتقادي ،وفي َّ
ِّ َّصو ِر
هلل وحدَ ُه ،متم ِّثل ًة هذه العبود َّي ُة في الت ُّ
الشرائ ِع القانون َّي ِة.
التع ُّبد َّي ِة ،وفي َّ
200
غير حقيقتِها: ِ ِ
وتصو ِر عالقة خلقه به ٰ
على ِ ُّ حقيقتِه،
﴿ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ
ﮤﮥ ﮦ ﮧ ﮨﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯﮰ
ﮱ ﯓﯔ ﯕ ﯖ﴾ [التوبة.]30 :
﴿ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ
ﮙﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ
ﮥ﴾ [المائدة.]73 :
202
﴿ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭﯮ ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ
ﯳ ﯴ﴾ [المائدة﴿ .]64 :ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗﭘ
ﭙ ﭚ ﭛ ﭜﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ﴾ [المائدة.]18 :
ِ
وطقوسها، ِ
ومراسمها بشعائرها التَّع ُّبد َّي ِة
ِ وتدخل فيه كذلك ُ
ُ المنحرفة َّ ِ ِ رات االعتقاد َّي ِة المنبثقة من التَّصو ِ ِ
تدخل فيه الضا َّلةَّ ..
ثم ُّ
ِ
باإلقرار وشرائعها ،وهي ك ُّلها ال تقو ُم على العبود َّي ِة هلل وحدَ ُه، ِ َبأنظمتِها
ٍ
هيئات تقيم ِ ِ ِ ِ
السلطان من شرعه؛ بل ُ بحق الحاكم َّية ،واستمداد ُّ له وحدَ ُه ِّ
وقديما
ً تكون َّإل هلل ـ سبحانه ـ ُ حق الحاكم َّي ِة ال ُعليا ا َّلتي الالبشر ،لها ُّ ِ من
يشر َ
عون والرهبانِّ ، أل ِ
حبار ُّ الحق ل َ بالشرك؛ ألَنَّهم جعلوا هذا َّ وصمهم اهللُ ِّ
َ
يشرعونَه: َ ِ
لهم من عند َأنفسهم؛
فيقبلون منهم ما ِّ
﴿ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ
ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬﯭ
ﯮ ﯯ ﯰ﴾ [التوبة.]31 :
حبار والر ِ ِ
هبان ،ولم يكونوا يعتقدون في ُألوه َّية األَ ِ َُّ وهم لم يكونوا
بحق َ
يعترفون لهم ِّ عائر التَّع ُّبد َّي ِة ،إنَّما كانوا فقط
بالش ِ مون لهم َّ يتقدَّ َ
قبلون منهم ما يشرعونَه لهم ،بما لم ْيأ ْ ِ الحاكم َّي ِة ،ف َي
ذن به اهللَُ ،فأ ٰ
ولى ِّ َ
رك والك ِ بالش ِ
ليسوا
لناس منهم ُ ٍ ُفر ،وقد جعلوا ذلك وصموا اليو َم ِّ َأن ُي َ
َأ ً
حبارا وال رهبانًا ..وك ُّلهم سوا ٌء.
المجتمعات ا َّلتي
ُ الجاهلي تلك
ِّ يدخل في ِ
إطار المجتمع ُ خيرا
وأ ًَ
تزعم ِ
لنفسها َأنَّها «مسلمة»! ُ
203
املحكومني﴿ :ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ
َ ُ
ويقول عن
ﭙﭚﭛﭜﭝﭞﭟﭠﭡﭢﭣﭤﭥﭦ
إلـى قـولـه﴿ ...ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ
ﭧ ﭨ﴾ٰ ...
ﯢﯣﯤﯥﯦﯧﯨﯩﯪﯫﯬﯭ
ﯮ﴾ [النساء 60 :ـ .]65
بعضها يعل ُن صراح ًة « َع ْلمان َّيتَه» وعدَ َم عالقتِ ِه المجتمعات ُُ وهذه
خرج الدِّ ي َن منوبعضها يعل ُن َأنَّه «يحتر ُم الدِّ ين» ولكنَّه ُي ُ ُ صل،بالدِّ ين َأ ً
ويقيم نظا َمه على صل ،ويقول :إنَّه ُينْكر «الغيب َّية» االجتماعي َأ ً ِ
نظامه
ُ ِّ
جاهل ال ُ ٌ باعتبار َأ َّن ِ
ِ ِ
يقول تناقض الغيب َّي َة! وهو ٌ
زعم ُ العلم َّي َة «العلم َّية»
ويشر ُع
ِّ يجعل الحاكم َّي َة الفعل َّي َة ِ
لغير اهلل، ُ وبعضها
ُ الجه ُال(،)1
َّ به َّإل
عند نفسه :هذه شريع ُة اهلل! ..وك ُّلها يقول عما يشر ُعه من ِ
ِّ ثم ُ َّ ما يشا ُءَّ ،
سوا ٌء في َأنَّها ال تقو ُم على العبود َّي ِة هلل وحدَ ُه..
ِ
املجتمعات اجلاهل َّية موقف اإلسالم من هذهَ تعي هذا؛ َّ
فإن وإذا َّ َ
االعرتاف بإسالم َّي ِة هذه
َ يرفض
ُ ٍ
واحدة :إنَّه ٍ
عبارة ك ِّلها يتحدَّ ُد يف
ِ
اعتباره. املجتمعات ك ِّلها ،ورشع َّيتِها يف
ِ
والش ِ
ارات ا َّلتي والل ِ
فتات َّ ِ
العنوانات َّ ينظر إلى َّ
إن اإلسال َم ال ُ
۞۞۞
املسلم: ُ
طبيعة اجملتمع ِ
ِ ِ ِ
مواجهة وهذا يقو ُدنا إلى القض َّية األَخيرة ،وهي ُ
منهج اإلسالم في
الز ِ
مان ..وهنا ينف ُعنا ما وإلى ِ
آخر َّ ٰ البشري ك ِّل ِه ..اليو َم وغدً ا
ِّ الواق ِع
ِ ِ ِ
وقيامه على «طبيعة المجتمع المسلم» ولى عن َّقررناه في الفقرة األُ ٰ
العبودي ِة هلل وحدَ ه في َأ ِ
مره ك ِّله. ُ َّ
جييب إجاب ًة حاسم ًة عن هذا الس ِ ِ ِ
ؤال: ُّ إن حتديدَ هذه ال َّطبيعة ُ
َّ
﴿ﯷ ﯸ ﯹ ﯺ ﯻ ﯼ﴾.
طين هذه األَرض، المادي من ِ ِّ خلق هذا الوجو َد ـ وهو في تكوينِه ـ كما َ
جعلت من ُه إنسانًا،ْ على ما َّد ِة ال ِّط ِ
ين ٍ
خصائص زائدة ٰ َ وما وه َبه اهللُ من
الجسمي
ِّ ناحية كيانِه
ِ خاضع من ٌ تقديرا ،وهو
ً إنَّما رز َقه اهلل إ َّياه مقدَّ ًرا
عطى وجو َده بى ـ ُي ٰ رضي َأم َأ ٰ َ بيعي ا َّلذي سنَّه اهللُ له ـ ِ
َّاموس ال َّط ِّ للن
بيه و ُأ ِّمه ـ فهما بمشيئة اهلل ال بمشيئتِه هو ،وال بمشيئة َأ ِ ِ وخل َقه ابتدا ًء
وفق يملكان َأ ْن يعطيا الجني َن وجو َده ـ وهو ُيو َلدُ َ ِ ِ
يلتقيان ولكنَّهما ال
ِ
وظروف الوالدة. ِ
الحمل َّاموس ا َّلذي وض َعه اهللُ لمدَّ ة ِ الن
ِ
بمقاديره هذه ،ويتن َّف ُسه وهو يتن َّف ُس هذا الهوا َء ا َّلذي َأوجدَ ُه اهللُ
بالقدْ ِر وبالكيف َّية ا َّلتي َأرادها اهلل له.
ويشرب ،ويم ِّث ُل
ُ كل ويعطشْ ،يأ ُ
ُ ويجوع
ُ يحس َ
ويتأ َّل ُم، ُّ وهو
ٍ
إرادة ِ
ناموس اهلل ،عن غير يعيش ..وفق ِ
وبالجملة ُ راب.. ال َّطعا َم َّ
والش َ
وكل ما فيه، الكونيِّ ، ِ
الوجود شأ ُن هذا شأنُه في هذا ْ ٍ
اختيارْ ، منه وال
ِّ
ِ
وناموسه. ِ
لمشيئة اهلل وقدَ ِره ِ
المطلق وكل َم ْن فيه ،في الخضو ِع ِّ
اإلنسان ،وا َّلذي
َ وخلق
َ الكوني
َّ خلق هذا الوجو َد واهللُ ا َّلذي َ
الكوني ،هو خضع لها الوجو َد ِ
لنواميسه ا َّلتي َأ َ
اإلنسان خضع َأ
َّ َ َ
تنظيما
ً لإلنسان «شريعة» لتنظي ِم حياتِه اإلراد َّي ِة، ِ ـ سبحانه ـ ا َّلذي س َّن
هي َّإل
إن َ على هذا األَساس ـ ْ فالشريع ُة ـ ٰ متناس ًقا مع حياتِه ال َّطبيع َّية؛ َّ
ِ اإللهي العا ِّم ا َّلذي ِ
اإلنسان ،وفطر َة يحكم فطر َة
ُ ِّ َّاموس اع من النق َّط ٌ
وينس ُقها ك َّلها جمل ًة واحدةً. ِ
الوجود العا ِّمِّ ،
212
فال وجود لإلسالم في حياة فردَ ،أو حياة جماعة؛ َّإل بإخالص
رسول اهلل ﷺ العبود َّية هلل وحدَ ُه ،وبالتلقي في كيف َّية هذه العبود َّية عن ُ
ِ
شهادة َأ َّن ال إله َّإل اهلل، وحدَ ُه ،تحقي ًقا لمدلول ركن اإلسالم األَ َّول:
رسول اهلل.
محمدً ا ُ
وأ َّن ََّ
ِ
الكون ِ
وناموس ِ
البشر ِ
حياة ِ
المطلق بين تحقيق الت ِ
َّناسق ِ وفي
للحياة من الفس ِ
ِ ِ ِ
اد ..إنَّهم ـ في َ للبشر ،كما َأ َّن فيه َّ
الصيان َة الخير ُّ
كل
ِ ِ
يعيشون في سال ٍم من َأنفسهمَ ..فأ َّما َّ
السال ُم مع َ الحالة وحدَ ها ـ هذه
وتطابق ات ِ
َّجاههم مع ِ ِ
الكون، ِ
حركة تطابق حركتِهم مع ِ ُ
فينشأ من ِ
الكون
توافق حركتِهم مع دواف ِع ِ ُ
فينشأ من ِّجاهه ..و َأما السالم مع َأ ِ
نفسهم َّ َّ ُ
ات ِ
المرء وفطرتِه؛ ألَ َّن شريع َة اهلل ِ حيحة ،فال تقو ُم المعرك ُة بي َنِ الص ِ
فطرتهم َّ
ٍ
وهدوء.. المضمرة في ٍ
يسر ِ ِ
والفطرة الحركة ال َّظ ِ
اهرة ِ تنس ُق بي َن
ِّ
َّاس ،ونشاطِهم ِ
ارتباط الن ِ آخر في تنسيق ُ
ٌ وينشأ عن هذا الت ِ
َّنسيق ُ
طرف من ٌ موح ٍد ،هو منهج َّ ٍ وفقحينئذ ٍَ العا ِّم؛ ألَنَّهم جمي ًعا يس ُل َ
كون
الكوني العا ِّم.
ِّ ِ
َّاموس الن
وتعرفِهـا ِ
طريـق اهتدائهـا ُّ ِ الخيـر للبشـر َّية عـن
ُ كذلـك يتح َّق ُ
ـق
214
ِ
والكنوز ِ
المكنونة فيـه، ِ
اقـات ِ
الكـون ،وال َّط ِ
سـرار هـذا إلى َأ في ٍ
يسـر ٰ
ِ
لتحقيق ِ
شـريعة اهللِ، وفقطوائه ،واسـتخدا ِم هـذا ك ِّل ِه َ المذخـورة في َأ ِ
ِ
ِ
شـريعة اهلل ُ
ومقابل تعـارض وال اصطدا ٍم.. ٍ البشـري العا ِّم ،بال ِ
الخيـر
ِّ
البشـر﴿ :ﯣﯤﯥﯦﯧﯨﯩ ِ هـو َأهـوا ُء
ﯪﯫ﴾ [المؤمنـون.]71 :
والكوني:
ِّ الديينِّ
للحق ِّ ظرة اإلسالمي ُ
َّة ِّ َّ
الن ُ
الحق ا َّلذي يقو ُم عليه هذا توحدُ النَّظر ُة اإلسالم َّي ُة بين ِّ ومن َث َّم ِّ
مرويصلح عليه َأ ُ
ُ رض، وات واألَ ُ
الس ٰم ُ والحق ا َّلذي تقو ُم عليه َّ ِّ الدِّ ي ُن،
حق واحدٌ ويجازي من َيتعدَّ ْو َن ُه ..فهو ٌّ هلل به ِ
ْ يحاسب ا ُ
ُ واآلخرة، الدُّ نيا
ِ
الوجود في الكوني العا ُّم ا َّلذي َأرا َده ا ُ
هلل لهذا ُّ َّاموس
ال يتعدَّ ُد ،وهو الن ُ
الوجود منِ كل ما في ويؤخ ُذ به ُّ
َ يخضع له، ِ
حوال ،وا َّلذي جمي ِع األَ
ُ
عوالم و َأشياء و َأ ٍ
حياء. َ َ
﴿ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥﯦ ﯧ ﯨ * ﭑ ﭒ
ﭓﭔﭕﭖﭗﭘﭙﭚ*ﭜﭝﭞ
ﭟﭠﭡﭢ*ﭤﭥﭦﭧﭨﭩﭪﭫ
ﭬﭭ*ﭯﭰﭱﭲﭳ*ﭵﭶﭷﭸﭹ
ﭺﭻﭼ*ﭾﭿﮀﮁﮂﮃﮄ
*ﮆﮇﮈﮉﮊﮋﮌﮍﮎﮏﮐ*ﮒﮓ
ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ * ﮡ ﮢ
ﮣ ﮤ ﮥﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ *
215
ون َأن َ
َّفسهم سم َ
ممن ُي ُّ
ناسا َّ اإلسالمي هو ا َّلذي ُّ
يضم ً ُّ المجتمع
ُ ليس
َ
قانون هذا المجتمعْ ،
وإن َ «مسلمين» بينما شريع ُة اإلسالم ليست هي
اإلسالمي هو ا َّلذي
ُّ المجتمع
ُ وليس
البيت الحرا َم! َ
َ وحج
َّ ص َّل ٰى وصا َم
وفصل ُه ِ ِ ِ
غير ما َّقرر ُه اهللُ ـ سبحانه ـ َّ
يبتدع لنفسه إسال ًما من عند نفسه؛ َ
ُ
المتطو َر»!
ِّ ويسميه ً
مثل« :اإلسال َم ِّ رسو ُله ﷺ
اجلاهلي:
ِّ صوُر اجملتمع
ٍ
صور شت َّٰى ـ ك ُّلها جاهل َّي ٌة ـ : الجاهلي» قد يتم َّث ُل في
ُّ و«المجتمع
ُ
ِ
ويفس ُر الت َ
َّاريخ تعالىِّ ، ٰ قد يتم َّث ُل في صورة مجتم ٍع ُ
ينكر وجو َد اهلل
220
«المجتمع
ُ تلك ـ هو وحدَ ُه اإلسالمي» ـ بصفتِه َ ُّ «المجتمع
ُ
مجتمعات
ٌ ِ بكل ِ
صورها المتعدِّ دة ـ والمجتمعات الجاهل َّي ُة ـ ِّ
ُ المتحض ُر»
ِّ
ِ
الحقيقة الكبيرة. إيضاح ِ
لهذه ٍ متخ ِّلف ٌة! وال ُبدَّ من
«نحو
َ تحت ال َّطب ِع بعنوان: ٍ
كتاب لي َ مر ًة عن كنت قد َأ ُ
علنت َّ لقد ُ
ِ مجتم ٍع
فحذفت
ُ اإلعالن التَّالي عنه عدت في
ُ متحضر»َّ ..
ثم ِّ إسالمي
ٍّ
221
ِ
البحث ـ كما هو موضو ُعه ـ ُ
عنوان َ
يكون «متحض ٍر» مكتف ًيا َبأ ْن
ِّ كلم َة:
إسالمي(..)1
ٍّ «نحو مجتم ٍع
ففسـر ُه ِ ٍ ولفت هذا الت ُ
جزائري (يكت ُب ُه بالفرنسـ َّية) َّ
ٍّ كاتب نظر
َّعديل َ َ
ـف ناشـئ مـن «عمل َّي ِة دفا ٍع نفسـ َّي ٍة داخل َّي ٍة عن اإلسلام» و َأ ِس ٌَ علـى َأ َّن ُه
ٰ
ِ ِ
غيـر الواعيـة ـ تحر ُمنـي مواجهـ َة «المشـكلة ٰ
»على ألَ َّن هـذه العمل َّيـ َة ـ َ
()2
حقيقتِها!
كنت ُأفك ُِّر على كنت مث َله من ُ
قبلُ .. الكاتب ..لقد ُ
َ َأنا َأ ُ
عذر هذا
حضارة اإلنسان ،والت ِ
َّعبير ِ القرن العشرين؛ ا َّلذين كتبوا عن ِ برز مفكِّري (( ( س ِّيد ُق ُطب من َأ ِ
واستعالء إيمانه ..ومقالته (العبيد) في كتابه «دراسات ِ عن عزَّ ته ..وكرامتِه ..وحر َّيته..
الحر َّي ِة البشري المنحرف عن فطرته ..ومعاني ِّ
ِ
ِّ
فضح الس ِ
لوك ِ ُّ ُتب فيإسالم َّية» من َأروع ما ك َ
بالض ِ
رورة فالمسلم َّ ف الحضار َة اإلنسان َّي َة؛ َبأنَّها هي دي ُن اإلسالم ُّ
الحق.. عر َ ِ
ُ الحقيق َّية .وقد َّ
تكون الحاكم َّي ُة ال ُعليا والمطلق ُة في ُ خارج دينه القويم ،وعندما ِ تحض َر له من متحض ٌر؛ فال ُّ ِّ
الصور ُة الحقيق َّي ُة ُ َ ِ ِ ِ
تكون هذه هي ُّ تعالى وحدَ ه ..بتطبيق شرعه وتنفيذ أمره؛ ٰ المجتمع هلل
ِ
ُ
وتكون كامل وحقيق ًّيا من العبود َّية للبشر ولغيره.. تحريرا ً ً البشر
ُ يتحر ُر فيها الوحيد ُة ا َّلتي َّ
ِ َ ِ َ َ
الحقيقي
ِّ َّحرر هذه هي الحضار ُة األصل َّي ُة؛ أل َّن حضار َة اإلنسان تقتضي قاعد ًة أساس َّي ًة من الت ُّ
حر َّي َة وال كرام َة لإلنسان المطلقة ِّ ٍ ِ ِ ِ
لكل فرد من المجتمع ،وال ِّ الكرامة الكامل لإلنسان ،ومن
يطيعون.. َ وبعضه عبيدٌ ُ يكون َأربا ًبا ُي َش ِّر َ
عون، ُ بعضه كل فرد من َأفراده في مجتمع ُ ِ ٍ مم َّث ًل في ِّ
ووجوب ِ ِ
ويعر ُفهم معنى العورة ِ ِ
اإلسال ُم ا َّلذي ْيأتي للعراة في َأفريقيا؛
فيستر عوراتهمِّ ، ُ
ِ ِ ِ للصالة ،وحرم َة األَ ِ
الغير، َ
وحقوق عراض والدِّ ماء، َّطه َر َّ سترها ،ويع ِّل ُمهم النَّظا َف َة والت ُّ
ِ
للحق ،واحترا َم القيادة المسلمة مع احترا ِم الحياة وترقيتها، ِ واالنتصار ِّ والحيا َة االجتماع َّي َة،
َ
مستوى ً غير ذلك؟ فمع َأ ِّي َّحض ُر يرف ُعهم إليهما اإلسال ُم؛ فما الحضار ُة َ فها هي الحضار ُة والت ُّ
َّحض ِر بهذا الدِّ ين ،ولهذا فاإلسال ُم هو قمة الت ُّ ِ َ يستطيع َأن ُ
يكون في َّ ُ اإلنسان ما ِّد ٍّي كان فيه
تعالى، الغربي عندما ْيأتيه اإلسال ُم فيرب ُطه باهلل ِ الر ُ
جل الحضارةُ .فالحضار ُة ا َّلتي
ٰ ُّ يحتاجها َّ ُ
الخاص َة ال َّطاغي َة ،ويلغي َّ رب العالمين ..ال الما َّدةَ ،وال اآلل َة ،وال ال َّل َّذةَ ،وال المنفع َة ويؤ ِّل ُه َّ
عوب؛ فاإلسال ُم هو الحضارةُ. الش ِ المرير ،واستعبا َد ُّ َ اإلباحي َة المقيت َة ،وال ُّظ َ
لم
((( وهو المفكر الجزائري األستاذ مالك بن بني .
222
ِ
الكتابة عن هذا َّرت في َّحو ا َّلذي يفكِّر هو ِ
عليه اآلن ..عندما فك ُ الن ِ
ُ
مر ٍة! وكانت المشكل ُة عندي ـ كما هي عندَ ه اليوم ـ ِ
الموضو ِع ألَ َّول َّ
ِ
«تعريف الحضارة»! هي مشكل ُة:
واسب ال َّثقاف َّي ِة في تكويني
ِ الر ِ
صت بعدُ من ضغط َّ لم َأكن قد تخ َّل ُ
ٍ ٍ
مصادر َأجنب َّية ..غريبة ٰ
على َ رواسب آتي ٌة من
ُ َّفسي ،وهي العقلي والن ِّ
ِّ
اإلسالمي الواضحِ في
ِّ الرغ ِم من اتِّجاهي اإلسالمي ..وعلى َِّّ حسيِّ
تصوري وت ْط ِم ُسه! ُّ واسب كانت ُت َغ ِّب ُش َ الحين؛ َّإل َأ َّن هذه َّ
الر ِ َ
ذلك
وربي ـ ُي ُ
خايل لي ،و ُيغ ِّب ُش الفكر األَ ُّ ُ «الحضارة» ـ كما هو َّ تصو ُر
كان ُّ
الرؤي َة الواضح َة األَصيل َة.
ويحرمني ُّ
ُ تصوري،
ُّ
ُ
احلضارة: احلاكمي ُ
َّة هلل هي
تكـون الحاكم َّيـ ُة ال ُعليـا فـي مجتمـ ٍع هلل وحـدَ ُه ـ متم ِّثلـ ًة ُ حيـن
الصـور َة الوحيـد َة ا َّلتي ُ ـريعة اإللهي ِ
ِ ِ
سـيادة َّ
تكـون هذه هـي ُّ ـة ـ َّ الش فـي
وتكون ُ ِ
للبشـر.. كاملا وحقيق ًّيا من العبود َّي ِة ً تحر ًرا
البش ُـر ُّيتحـر ُر فيها َ
َّ
اإلنسـان تقتضـي قاعد ًة ِ هـذه هـي «الحضـار َة اإلنسـان َّي َة» ألَ َّن َّ
حضار َة
ِ ِ ِ َّحر ِر ٍ
المطلقة الكرامة لإلنسـان ،ومـن ِ
الكامل الحقيقي
ِّ َأساسـ َّية مـن الت ُّ
ِ
لإلنسـان الحقيقة ـ وال كرام َةِ حر َّيـ َة ـ في ِّ ٍ
لـكل فرد فـي المجتمع ..وال ِّ
فـرد مـن َأ ِ كل ٍ
عون، يشـر َ
رباب ِّ بعضـه َأ ٌ فـراده ـ في مجتمـ ٍع ُ لا فـي ِّ ُم َم َّث ً
طيعون!
َ وبعضـه عبيـدٌ ُي
ُ
ينحصر فقط في األَحكا ِم ُ َّشريع ال
َ نبادر فنب ِّي َن َأ َّن الت
َ وال ُبدَّ َأ ْن
الش ِ
ريعة ـ ِ
لكلمة َّ الضي ُق في األَ ِ
ذهان اليو َم ِ
القانون َّية ـ كما هو المفهو ُم َّ ِّ
والعادات والتَّقاليدُ ..ك ُّلها رات والمناهجِ ،
والق َي ُم والموازي ُن، َّصو ُ
ُ ُ فالت ُّ
يخضع األَفرا ُد لضغطِه. ُ تشريع
ٌ
ويخضع
ُ الض َ
غوط، ٍ
لبعض ـ هذه ُّ بعضهم
َّاس ـ ُ
يصنع الن ُ
ُ وحين
متحر ًرا،
ِّ المجتمع
ُ ُ
يكون هذا اآلخر منهم في مجتمعٍ ،ال
ُ البعض
ُ لها
وبعضه عبيدٌ ـ كما َأسلفنا ـ وهو ـ من
ُ بعضه َأ ٌ
رباب، مجتمع ُ
ٌ إنَّما هو
جاهلي» !
ٌّ «مجتمع
ٌ اإلسالمي؛
ِّ فَ ..أو بالمصطلح
مجتمع متخ ِّل ٌ
ٌ َث َّم ـ
المجتمع ا َّلذي يهيم ُن عليه إل ٌه
ُ اإلسالمي :هو وحدَ ُه
ُّ والمجتمع
ُ
ِ
عبادة اهلل وحدَ ُه ،وبذلك إلى ِ ِ
َّاس من عبادة العباد ٰ
ويخرج فيه الن ُ
ُ واحدٌ ،
224
ِ
اإلنسان، ترتكز إليه حضار ُة الكامل ،ا َّلذي
َ الحقيقي َّحرر يتحر َ
ُ َّ رون الت َ َّ
وتتم َّث ُل فيه كرامتُه كما قدَّ رها اهللُ له ،وهو يعل ُن خالفتَه في األَرض
تكريمه في المأل األَ ٰ
على.. َ عنه ،ويعل ُن كذلك
۞۞۞
املسلم: ُ
رابطة اجملتمع ِ ُ
العقيدة
المجتمع ا َّلذي
ُ المتحض ُرَ ..أ َّما
ِّ المجتمع
ُ اتي هو
الذ ِّ ِ
واختيارهم َّ الحر ِة
َّ
المجتمع
ُ مر خارجٍ عن إرادتِهم اإلنسان َّي ِة ،فهو
على َأ ٍ
َّاس ٰ
يتجم ُع فيه الن ُ
َّ
الجاهلي» !
ُّ «المجتمع
ُ اإلسالمي ..هو
ِّ فَ ..أو بالمصطلح
المتخ ِّل ُ
اإلنسان هي القيم َة ال ُعليا في مجتمعٍ، ِ تكون «إنسان َّي ُة ُ وحين
يكون
ُ ِ
واالعتبار، موضع التَّكري ِم
َ الخصائص اإلنسان َّي ُة فيه هي ُ وتكون
ُ
ٍ
صورة ـ هي تكون «الما َّدةُ» ـ في َأ َّية
ُ متحض ًراَ ..فأ َّما حين ِّ المجتمع هذا
ُ
الماركسي صورة «النَّظر َّية» كما في الت ِ
َّفسير ِ سواء في القيم َة ال ُعليا..
ِّ ٌ
ِ
وسائر ي» كما في َأمريكا َ
وأور َّبا صور «اإلنتاجِ الما ِّد ِّ ِ للتَّاريخِ ! َأم في
ِ
ي قيم ًة ُعليا ت ُْهدَ ُر في سبيلها ُ
القيم اإلنتاج الما ِّد َّ
َ المجتمعات ا َّلتي ت ُ
َعتبر
يكون مجتم ًعا مخت ِّل ًفاَ ..أو ُ المجتمع
َ فإن هذا
والخصائص اإلنسان َّيةَّ .. ُ
اإلسالمي؛ مجتم ًعا جاهل ًّيا!
ِّ بالمصطلح
226
ي» ِ
صور «اإلنتاجِ الما ِّد ِّ يضا) وال في ونتأ َّث ُر ِبه ،ونُؤ ِّث ُر فيه َأ ً
نعيش فيه َ ُ
عن اهللِ ،ولكنَّه فقط الخالفة في األَرض ِ ِ «فاإلنتاج» المادي من مقو ِ
مات ِّ ِّ ُّ ُ
ِ
«اإلنسان» خصائص
ُ يعتبرها هي القيم َة ال ُعليا ا َّلتي ت ُْهدَ ُر في سبيلِها ال ُ
وتهدر فيها قاعد ُة ِ
الفرد وكرامتُه، حر َّي ُة
ُ ومقوماتُه! ..وتُهدَ ُر من أجلها ِّ ِّ
أخالق المجتمع وحرماتُه.. ُ ُهدر فيها
ومقوماتُها ،وت ُ ِّ «األُسرة»
المجتمعات الجاهل َّي ُة من القيم ال ُعليا،
ُ تهدره
ُ إلى آخر ما
ٰ
ِ
اإلنتاج الما ِّد ِّي! ِ
والحرمات ،لتح ِّق َق الوفر َة في ِ
والفضائل
«القيم اإلنسان َّي ُة واألَ ُ
خالق اإلنسان َّي ُة» ا َّلتي تقو ُم ُ ُ
تكون وحين
متحض ًرا.
ِّ المجتمع
ُ ُ
يكون هذا السائد َة في مجتمعٍ،
عليها ،هي َّ
خالق اإلنسان َّي ُة ليست َ
مسأل ًة غامض ًة مائع ًة، والقيم اإلنسان َّي ُة واألَ ُ
ُ
ٍ
حال على «متطورةً» متغ ِّير ًة متبدِّ ل ًة ،ال
تستقر ٰ
ُّ ِّ قيما وليست كذلك ً
تزعم
ُ َّفسير الما ِّد ُّي للت ِ
َّاريخ ،وكما يزعم الت ُ ُ صل ،كما إلى َأ ٍ
ترجع ٰ
ُ وال
«االشتراك َّي ُة العلم َّي ُة»!
ِ ِ القيم واألَ ُ
اإلنسان خصائص
َ اإلنسان ُنمي في خالق ا َّلتي ت ِّ ُ إنَّها
الجانب ا َّلذي يم ِّي ُز ُه ِ
َ ب فيه هذادون الحيوان ،وا َّلتي تُغ ِّل ُ ا َّلتي َّ
يتفر ُد بها َ
تنمي فيه القيم واألَ َ
خالق ا َّلتي ِّ َ رزه عن الحيوان ،وليست هي و َي ْع ُ
ِ
الحيوان. ُ
يشترك فيها مع الجوانب ا َّلتي وتغ ِّلب
َ
227
وحاسم
ٌ ٌ
فاصل يبرز فيها ٌّ
خط الوضع ُ َ َ
المسأل ُة هذا توضع
ُ وحين
المستمر َة ا َّلتي يحاو ُلها «التَّطور ُّي َ
ون»! َّ و«ثابت ،ال ُ
يقبل عمل ّي َة التَّميي ِع ٌ
ون»!
ون العلم ُّي َ
و«االشتراك ُّي َ
ُ
الفرق بني القيم اإلسالميَّة واجلاهليَّة:
هناك ـ من وراء ذلك ك ِّل ِه ـ قيم و َأخالق «إنسان َّية» وقيم َ ُ
تكون إنَّما
اإلسالمي:
ِّ َّعبير ـ َأو بالمصطلح و َأخالق «حيوان َّية» ـ إذا َّ
صح هذا الت ُ
خالق جاهل َّي ٌة.
وأ ٌ وقيم َ
خالق إسالم َّي ٌةٌ ، قيم َ
وأ ٌ ٌ
تنميقيمه و َأخال َقه هذه «اإلنسان َّية» ـ َأي :ا َّلتي ِّ يقر ُر َ َّ
إن اإلسال َم ِّ
ِ ِ
الحيوان ـ ويمضي في تفر ُقه وتم ِّي ُزه عنالجوانب ا َّلتي ِّ
َ اإلنسان في
ِ
المجتمعات ا َّلتي يهيم ُن عليها ،سوا ٌء كل إنشائها وتثبيتِها وصيانتِها في ِِّ
طور الص ِ ور َّ ِ
ناعة ،وسواء الزراعةَ ،أم في ِ ِّ المجتمعات في َط ِ
ُ كانت هذه
ٍ
مجتمعات حضر َّي ًة عيَ ،أم الر ِ ُ ٍ
مجتمعات بدو َّي ًة
تعيش على َّ كانت
المجتمعات فقير ًة َأو غن َّي ًة..
ُ مستقرةً ،وسوا ٌء كانت هذه
َّ
228
ِ
َّكسـة ويحر ُسـها من الن بالخصائص اإلنسـان َّي ِة،
ِ إنَّـه يرتقي ُص ُعدً ا
ُ
ِ
واالعتبـارات يمضي الصاعـدَ فـي القيـم َ إلـى الحيواني ِ
ـة؛ ألَ َّن
الخـط َّ َّ
انتكـس هـذا اإلنسـاني ..فـإذا الحيوانـي إلـى المرتفـع مـن الـدَّ ِ
رك
َ ِّ ِّ
يكـون ذلـك حضـارةً! إنَّمـا هـو َ حضـارة المـا َّد ِة ـ فلـن
ِ ُّ
الخـط ـ مـع
ـف» َأو هـو «الجاهل َّيـ ُة»! «التَّخ ُّل ُ
۞۞۞
ُ
قاعدة اجملتمع: ُ
األسرة
ُ
تكون اإلسالمي ـ
ِّ ظل المنهج َّحو ـ في ِّ على هذا الن ِ ذلك َأ َّن األَسر َة ٰ
القيم واألَ ُ
خالق «اإلنسان َّي ُة» ا َّلتي َأشرنا هي البيئ َة ا َّلتي ُ
تنشأ و ُتن ََّم ٰى فيها ُ
يستحيل َأن َ
تنشأ ُ الجيل الن ِ
َّاشئ ،وا َّلتي ِ الفقرة الس ِ
ابقة ،مم َّثل ًة في ِ إليها في
َّ
وحدة األُ ِ
سرة؛ َفأ َّما حين ِ خرى ِ ٍ
العالقات الجنس َّي ُة
ُ ُ
تكون غير في وحدة ُأ ٰ
رعي» هي قاعد َة المجتمع ،حين «غير َّ
الش ِّ َّسل ُيسمونها» والن ُ
«الحر ُة كما ُّ
َّ
ِ الجنسين على َأساس الهوى والن ِ
واالنفعال ،ال َّزوة ٰ ِ ٰ العالقات بين
ُ تقو ُم
تصبح سرة ..حين ص الوظيفي في األُ ِ َّخص ِ ِ على َأساس
ُ ِّ الواجب والت ُّ ٰ
الزين َة وال َغواي َة والفتن َة ..وحين تتخ َّلى المر َأ ُة عنوظيف ُة المر َأ ِة هي َّ
وظيفتِها األَساس َّية في رعاية الجيل الجديد ،وت ُْؤثِ ُر هي ـ َأو ُي ْؤثِ ُر لها
229
تنفق ٍ
طائرة ..حين ُ ٍ
سفينة َأو تكون مضيف ًة في ٍ
فندق َأو َ المجتمع ـ َأ ْن
ُ
ِ
«صناعة دوات» وال تنف ُقها فيوصناعة األَ ِ
ِ يطاقتَها في «اإلنتاجِ الما ِّد ِّ
عز و َأكر ُم من «اإلنتاجِ
غلى و َأ ُّ ٍ
اإلنتاج الما ِّد َّي يومئذ َأ ٰ َ اإلنسان َّي ِة» ألَ َّن
اإلنساني.. ِ
بالقياس الحضاري» يكون هنا هو «التَّخ ُّل ُ
ف ُ ٍ
عندئذ اإلنساني»
ِّ ُّ ِّ
اإلسالمي.
ِّ تكون هي «الجاهل َّي ُة» بالمصطلح ُ َأو
الجنسين قض َّي ٌة حاسم ٌة في ِ ِ
والعالقات بين وقضي ُة األُ ِ
سرة َّ
إسالمي.. جاهلي َأم متحض ٍر، ِّ ف َأمصفة المجتمع ،متخ ِّل ٍ ِ ِ
تحديد
ٍّ ٍّ
َّزعات الحيوان َّي ُة في
ُ خالق والن القيم واألَ ُ والمجتمعات ا َّلتي تسو ُد فيها ُ
ُ
متحضرةً ،مهما ْ
تبلغ من ِّ ٍ
مجتمعات َ
تكون العالقة ال يمك ُن َأن ِ هذه
خطئ
المقياس ال ُي َُ إن هذا والعلمي! َّ
ِّ واالقتصادي
ِّ ناعي
الص ِّ َّفو ِق ِّ
الت ُّ
«اإلنساني».
ِّ قياس مدى التَّقدُّ م ِ في
خالقي» ينحسر المفهو ُم «األَ ِ
الحديثة ِ
المجتمعات الجاهل َّية وفي
ُّ ُ
«اإلنساني» عن ال َّطاب ِع
ِّ كل ما له عالق ٌة بالتَّم ُّي ِز يتخلى عن ِّ ٰ بحيث
ِ «الحيواني»! ففي ِ
العالقات الجنس َّي ُة ُ
غير ُ تعتبر
ُ المجتمعات ال هذه ِّ
الشا َّذ ُة ـ رذيل ًة َأخالق َّي ًة..
العالقات الجنس َّي ُة َّ ُ الشرع َّي ِة ـ وال حتَّىَّ
المعامالت االقتصاد َّي ِة ـِ ينحصر في ُ خالقي يكا ُد
َّ إن المفهو َم األََّ
ولة» ففضيح ُة كريستين «مصلحة الدَّ ِ ِ ِ
حدود والسياس َّي ِة َأحيانًا ـ في ِّ
رف المجتمع مثل ـ لم تكن في ُع ِ اإلنجليزي ـ ً ِ
الوزير كيلر وبروفيمو
ْ ِّ
الجنسي ..إنَّما كانت فضيح ًة؛ ألَ َّن
ِّ اإلنجليزي فضيح ًة بسبب جانبِها
ِّ
الروسي ،ومن ِّ البحري
ِّ ِ
للملحق كريستين كيلر كانت صديق ًة كذلك
230
ِ
الفتاة! ِ
الوزير بهذه ِ
عالقة هناك خطر على َأسرار الدَّ ِ
ولة في َ ُ
يكون هنا
ٌ ٰ
اإلنجليزي!
ِّ وكذلك ألَنَّه افت َ
ُضح كذ ُبه على البرلمان
وفضائح
ُ مريكي،
ِّ الشيوخِ األَ والفضائح المماثل ُة في مجلس ُّ
ُ
ِ ِ
اإلنجليز واألَمريكان ا َّلذي َن هربوا ٰ
إلى روسيا. ِ
الجواسيس والمو َّظفي َن
الجنسي! ولكن بسبب الخطر ِ
شذوذهم فضائح بسبب إنَّها ليست
ِّ َ
على َأسرار الدَّ ولة!
ٰ
اجلاهلي:
ِّ ختل ُف اجملتمع
ُّ
ِ والروائ ُّي َ والص َحف ُّي َ
المجتمعات الجاهل َّية هنا ون في ون ِّ َّ وال ُكت ُ
َّاب
«الح َّرةَ» ِ ِ
وجاتَّ : ِ وهناك ،يقولونَها صريح ًة
إن االتِّصاالت ُ والز
للفتيات َّ
الفتى رفيقتَهَ ،أو
ٰ يخدع
َ الرذيل ُة األَخالق َّي ُة َأ ْن رذائل َأخالق َّي ًةَّ .
َ ليست
الزوج ُة َ الو َّد؛ بل الرذيل ُة َأن ِ
تحافظ َّ ص له ُ تخدع الفتا ُة رفي َقها ،وال تُخل َ َ
لزوجها قد خمدت! والفضيل ُة َأ ْن ِ الحب ِ
على ع َّفتها؛ إذا كانت شهو ُة
ِّ ٰ
ٍ
تعطيه جسدَ ها َبأمانة!.. صديق ِ ٍ تبحث لها عنَ
اإلسالمي هو
ُّ المجتمع
ُ ُ
ويكون ُ
ويكون «اإلسال ُم هو الحضارة»
المقياس ال َّث ِ
ابت ا َّلذي ال يتم َّي ُع َأو ال ِ المتحض َر ..بذلك
ِّ المجتمع
َ
«يتطو ُر».
َّ
۞۞۞
األرض:
اإلنسان يف ِ
ِ خالفة
ِ معنىٰ
و َأخيرا فإ َّنه حين يقوم «اإلنسان» بالخالفة عن «اهلل» في َأ ِ
رضه ُ ُ ً
ص من العبود َّي ِة
ص عبود َّيت ُه هلل ،و َي ْخ ُل َ
ِ
حيحَ :بأن ُي ْخل َ
الص ِوجهها َّ على ِ ٰ
االعتراف بشرع َّي ِة منهج
َ ويرفضَ منهج اهلل وحدَ ُه،َ لغيره ،و َأ َّن يح ِّق َق
232
تحكيم
َ وينكر
َ غيره ،و َأن ُي َحك َِّم شريع َة اهلل وحدَ ُها في حياتِه ك ِّلها،
خالق ا َّلتي قررها اهلل له ،وي ِ
سق َط يعيش بالق َيم واألَ ِشريعة سواها ،و َأن َ ٍ
ُ ُ َّ َ
المدَّ عاةَ. الق َي َم واألَ َ
خالق ُ
ويقيم
ُ الرزق ،ويصن ُِّع الما َّد َة الخام َة، ينابيع ِّ
َ يفج ُر
ويصبح وهو ِّ
ُ
الخبرات الفنِّ َّي ِة ا َّلتي
ِ كلُتيح ُه له ُّ
المتنوع َة ،ويستخد ُم ما ت ُ
ِّ
ِ
ناعات الص
ِّ
يصنع هذاُ يصبح وهو ُ تاريخه ك ِّل ِه ،..حين
ِ ُ
اإلنسان في َ
حصل عليها
على هذا الن ِ ِ
َّحو ـ عباد ًة اهلل ـ ك َّله «ربان ًّيا» يقوم بالخالفة عن اهلل ٰ
المجتمع قد ُ
ويكون هذا ِ
الحضارة، اإلنسان َ
كامل ُ ٍ
يومئذ يكون هذا
ُ
قم َة الحضارة.. َ
بلغ َّ
﴿ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ * ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ *
ﯯﯰﯱﯲ*ﯴﯵﯶ* ﯸﯹﯺﯻ
ﯼ*ﯾﯿﰀ*ﰂﰃ*ﰅﰆﰇﰈ
ﰉ ﰊ﴾ [الشعراء 128 :ـ .]135
﴿ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ * ﮖ ﮗ ﮘ * ﮚ ﮛ
ﮜﮝ*ﮟﮠﮡﮢﮣ*ﮥﮦﮧ*
[الشعراء: ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ * ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ﴾
146ـ .]152
﴿ﯸ ﯹ ﯺ ﯻ ﯼ ﯽ ﯾ ﯿ ﰀ ﰁ ﰂ ﰃ
ﰄ ﰅ ﰆ ﰇ ﰈ ﰉ ﰊ ﰋ * ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕﭖ
ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ﴾ [األَنَّعام 44 :ـ .]45
﴿ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ
ﯭﯮﯯﯰﯱﯲﯳﯴﯵﯶﯷﯸ
ﯹ﴾ [يونس.]24 :
اإلبداع
َ يحتقر
ُ يحتقر الما َّدةَ ،وال
ُ ولكن اإلسال َم ـ كما َأسلفنا ـ ال
َّ
ون من التَّقدُّ ِم ـ في ِّ
ظل منهج اهلل ـ نعم ًة يجعل هذا ال َّل َ
ُ ي؛ إنَّما هو
الما ِّد َّ
على طاعتهم: من نِعم اهلل على ِ
عبادهِّ ،
جزاء ًٰ يبش ُرهم به ٰ َ
﴿ﯼ ﯽ ﯾ ﯿ ﰀ ﰁ * ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ *
ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ﴾ [نوح 10 :ـ .]12
234
﴿ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ
ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ﴾ [األعراف.]96 :
ناعي ،والق َي ُم ا َّلتي المهم هو القاعد ُة ا َّلتي يقو ُم عليها التَّقدُّ ُم ِّ
الص ُّ ُّ
مجموعها «الحضار ُة اإلنسان َّي ُة».. ِ ف من المجتمع ،وا َّلتي َ
يتأ َّل ُ تسو ُد
َ
۞۞۞
حركة َأفراِده:
ِ املسلم ُ
وليد ُ ُ
اجملتمع
اإلسالمي ،وطبيع َة تكوينِ ِه ِّ انطالق المجتمع ِ فإن قاعد َةوبعدَّ ..
تنطبق عليه َأ ٌّي من النَّظر َّيات ُ ِ
تجعالن منه مجتم ًعا فريدً ا ال العضوي،
ِّ
العضوي..
ِّ المجتمعات الجاهل َّية وطبيع َة تكوينِها
َ ا َّلتي ِّ
تفسر قيا َم
مستمرةٌ ،وهي ا َّلتي ُت َع ِّي ُن
َّ اإلسالمي وليدُ الحركة ،والحرك ُة فيه
ُّ المجتمع
ُ
شخاص فيه ِ قدار األَ
وق َي َمهم ،ومن َث َّم تحدِّ ُد وظائ َفهم فيه ومراكزَهم. ِ َأ َ
المجتمع ابتدا ًء حرك ٌة آتي ٌة من خارج ُ والحرك ُة ا َّلتي يتو َّلدُ عنها هذا
ٍ ِ ِ
عقيدة البشري ..إنَّها تتم َّث ُل فيِّ المحيط ِ
خارج رضي ،ومن النِّطاق األَ ِّ
ِ ِ ٍ
والحياة والت ِ
َّاريخ للوجود خاصا
تصو ًرا ًّ
ُنشئ لهم ُّ للبش ِر ،ت ُ آتية من اهلل َ
َّصو َر.. ِ ِ
يترجم هذا الت ُُّ منهجا للعمل ً والغايات ،وتحدِّ ُد لهم والق َيم
نفوس النَّاس ،والِ ُطلق الحرك َة ليست منبثق ًة من الدَّ فع ُة األُولى ا َّلتي ت ُ
ِ
خارج النِّطاق األَ ِّ
رضي، ِ الكون ..إنَّها ـ كما قلنا ـ آتي ٌة لهم من ِ من ما َّد ِة
ِ
لطبيعة المجتمع ري ..وهذا هو المم ِّي ُز األَ َّو ُل ِ
المحيط َ ِ
البش ِّ خارج ومن
اإلسالمي وتركيبِه.
ِّ
235
ِ
محيط ِ
اإلنسـان ،وعـن ِ
محيط خـارج عنٍ ٍ
عنصر ينطلق مـنُ إنَّـه
الغيبـي ا َّلذي لم يكـن َأحدٌ ِ ِ
ِّ ريالعنصـر ال َقـدَ ِّ الكـون المـا ِّد ِّي .وبهـذا
ِ
لإلنسـان َيدٌ َ
يكون ـب ِحسـا َبه ،ودون َأن ِ ِ
البشـر يتو َّق ُعـهَ ،أو يحس ُ مـن
ِ ِ ِ
الحركة فـي قيا ِم المجتمع خطوات تبدأ ُأ ٰ
ولـى مر ـ ُ ابتـداء األَ ِ فيـه ـ في
إنسـان يؤمـن ِ
بهذه ٌ يضـا.عمـل «اإلنسـان» َأ ً ُ ُ
ويبـدأ معهـا اإلسلامي،
ُ ِّ
ِ
بقـدر اهلل وحدَ ُه. ِ
الجارية الغيبـي، ِ
المصدر ـة له مـن ذلك العقيـدة اآلتي ِ
ِّ َ
يبدأ وجو ُد المجتمع ِ
بهذه العقيدةُ ، اإلنسان الواحدُ يؤمن هذا
ُ وحين ُ
وينطوي
َ اإلنسان الواحدَ لن يتل َّق ٰى هذه العقيد َة
َ إن
«حكما»َّ .. ً اإلسالمي
ِّ
ِ ِ
سينطلق بها ..هذه طبيعتُها ..طبيع ُة الحركة الح َّية.. ُ نفسه ..إنَّهعلى ِ
ٰ
ستتجاوزه
ُ تعلم َأنَّها ِ
القلب ُ إلى هذا
دفعت بها ٰ
ْ القو َة ال ُعليا ا َّلتي
إن َّ َّ
ِ
القلب إلى هذا
وصلت بها هذه العقيد ُة ٰ
ْ ا!..إن الدَّ فع َة الح َّي َة ا َّلتي
َّ حتم
ً
ِ
ستمضي في طريقها ُقدُ ًما.
فإن ِ
هذه العقيد َة المؤمنون بهذه العقيدة ثالث َة ٍ
نفر؛ َّ َ وحين يبلغُ
ٌ
منفصل ٌّ
مستقل، إسالمي
ٌّ مجتمع
ٌ مجتمع،
ٌ نتم اآلن تقول لهمَ :أ ُ ذاتَها ُ
يدين لهذه العقيدة ،وال تسو ُد فيه ِق َي ُمهاالجاهلي ا َّلذي ال ُ
ِّ عن المجتمع
المجتمع ُ
يكون األَساسي ُة ـ ِ
الق َي ُم ا َّلتي َأسلفنا اإلشار َة إليها ـ وهنا
ُ َّ
ً
«فعل»! اإلسالمي قدْ ُو ِجدَ
ُّ
يصبحـون مئ ًة ،والمئـ ُة َأل ًفا،
َ َ
يصبحون َ
عشـرةً ،والعشـر ُة وال َّثالثـ ُة
ويتقـر ُر وجـو ُد المجتمع
َّ ويبرز
ُ عش َـر َأل ًفـا..
َـي َ َ
يصبحـون اثن ْ واألَ ُ
لـف
اإلسالمي !
ّ
236
املسلم:
طابع اجملتمع ِ ُ
احلركة هي ُ
ِ
الوليد ا َّلذي قامت بين المجتمع ْ تكون المعرك ُة قد
ُ وفي ال َّط ِ
ريق
ِ
بوجوده َ
وانفصل وانفصل ِبق َيمه واعتباراتِه،
َ وتصو ِره، انفصل بعقيدتِه
َ
ُّ
ُ
وتكون خذ منه َأفرا ُده ـالجاهلي ـ ا َّلذي َأ َ
ِّ وكينونتِه ،عن المجتمع
زت ِّ
المستقل قد م َّي ْ ِ
البارز ِ
الوجود االنطالق إلى ِ
نقطة ِ الحرك ُة من ِ
نقطة
ٰ
فراد هذا المجتمع ،و َأعطتْه وزنَه ومكانَه في هذا المجتمع ـ فرد من َأ ِ
كل ٍ
َّ
ويكون وزنُه هذا معتَر ًفا ل ُه ِبه
ُ اإلسالمي ـ
ِّ ِ
واالعتبار ِ
الميزان حسب
َ
إن عقيدتَه ِنفسهَ ،أو يعل َن عنه؛ بل َّ
وق َي َم ُه دون َأن يزك َِّي َمن المجتمع َ
نفسه عن ٍ ُ ِ السائد َة في ِ
ليواري َ
َ يومئذ؛ لتضغط عليه مجتمعه نفسه ،وفي َّ
ِ
البيئة! نظار المتط ِّلع ِة ِ
إليه في األَ ِ
َ
وطابع هذا
ُ طابع العقيدة اإلسالم َّية، ُ ولك َّن «الحرك َة» ا َّلتي هي
فرد من َأ ِ
فراد كل ٍ إن َّ
يتوارى! َّ تدع َأحدً ا المجتمع ا َّلذي َ
ٰ انبثق منها ،ال ُ
يتحر َك! الحرك َة في عقيدتِه ،والحرك َة في َّ هذا المجتمع ال ُبدَّ َأن
العضويَّ ..
إن ِ
تكوين هذا المجتمع ِ
مجتمعه ،وفي ِ
دمه ،والحرك َة في
ِّ
ِ
نفوس َم ْن حو َله، الجاهلي َة من حولِه ،وبقي ٌة من رواسبِها في ِ
نفسه وفي َّ َّ
إلى يو ِم القيامة. ٍ
ماض ٰ مستمرةٌ ،والجها ُد
َّ والمعرك ُة
وضع ِّ
كل ِ
الحركة ،يتحدَّ ُد الحركة ،وفي َأ ِ
ثناء ِ ِ
إيقاعات على
ُ ٰ
العضوي لهذا ويتم التَّكوي ُن ٍ
ُّ فرد في هذا المجتمع ،وتتحدَّ ُد وظيفتُهُّ ،
ِ
وظائفه. ِ
ومجموعة مجموعة َأ ِ
فراده ِ المجتمع بالت ِ
َّناسق بين
237
الق َي ُم ليست «مثال َّي ًة خيال َّي ًة» إنَّما هي ِق َي ٌم واقع َّي ٌة عمل َّي ٌة،
وهذه ِ
ِ
المفهومات اإلسالم َّية ظل البشري ـ في ِّ ِ
بالجهد يمك ُن تحقي ُقها
ِّ
ِ
الحياة َّظر عن نو ِع بغض الن ِ كل ٍ
بيئة ِّ حيحة ـ يمك ُن تحقي ُقها في ِّ ِ الص
َّ
والعلمي..؛ فهي واالقتصادي ناعي ِ ِ
ِّ ِّ الص ِّ السائدة فيها ،وعن تقدُّ مها َّ َّ
ِ
حقول العقيدي ذاتِه ـ التَّقدُّ َم في كا َّف ِة
ِّ ِ
بالمنطق تشج ُع
تعارض ـ بل ُِّ ال
ِ
البالد اليدين في ِ تقف مكتوف َة الوقت ذاتِه ال ُ ِ ِ
الخالفة ،ولكنَّها في
ِ
الحقول بعد. ا َّلتي لم تتقدَّ م في ِ
هذه ْ
كل ٍ
بيئـة.. ٍ
مـكان ،وفـي ِّ كل إن الحضـار َة يمكـ ُن َأ ْن تقـو َم فـي ِّ َّ
بهـذه ِ
الق َيـمَ .أ َّمـا َأشـكا ُلها الما ِّد َّيـ ُة ا َّلتـي تت ُ
َّخذهـا فلا َحـدَّ ِ تقـو ُم
بيئـة تسـتخدم المقـدَّ ِ
رات الموجـود َة بهـا ً
فعلا كل ٍ لهـا ،ألَنَّهـا فـي ِّ
ُ
و ُتن َِّميهـا.
متنوع ًة في تركيبِها
شكال َِّّخذ َأ ً والحضار ُة اإلسالم َّي ُة يمك ُن َأ ْن تت َ
صول ِ
والق َي َم ا َّلتي تقو ُم عليها ثابت ٌة، َّشكيلي ،ولكن األُ َ الما ِّد ِّي والت
ِّ
ِ
على
َّجم ُع ٰ مات هذه الحضارة( :العبود َّي ُة هلل وحدَ ُه ،والت ُّ مقو ُألَنَّها هي ِّ
اإلنسان على الماد ِة ،وسياد ُة ِ
الق َيم ِ واستعالء إنسان َّي ِة ِ
آصرة العقيدة فيه،
َّ ُ
اإلنسان ال حيوانيتَه ..وحرم ُة األُ ِ ِ ِ
سرة، َّ تنمي إنسان َّي َةاإلنسان َّية ا َّلتي ِّ
وتحكيم منهج اهلل
ُ عهد اهلل وشرطِه.. ِ علىوالخالف ُة في األَرض ٰ
هذه الخالفة).. شؤون ِ ِ وشريعتِه وحدَ ها في
وضاع .وهو َ َّشريعات القانون َّي ِة ،ا َّلتي تن ِّظ ُم هذه األَ
ِ ويتم َّث ُل في الت
الض ِّي ِق ا َّلذي ال يم ِّث ُل حقيق َة
ريعة» غال ًبا بمعناها َّ «الش ِ اسم َّ يطلق عليه ُ ما ُ
اإلسالمي. َّصو ِر ِ
ِّ مدلولها في الت ُّ
ِ
والموازين ا َّلتي لوك ،في ِ
الق َيم خالق والس ِ قواعد األَ ِ ِ ويتم َّث ُل في
ُّ
ِ
الحياة ُ
حداث في شخاص واألَشيا ُء واألَ المجتمع ،ويقو ُم بها األَ تسو ُد
ُ َ
االجتماع َّي ِة.
صول الن ِ
َّشاط ِ بكل جوانبِها ،وفي ُأ ِ
«المعرفة» ِّ ثم يتم َّث ُل في
َّ
243
الفكري والفن ِِّّي جمل ًة .وفي هذا ك ِّله ال ُبدَّ من التَّل ِّقي عن اهللِ ،كالتَّل ِّقي
ِّ
ٍ
بسواء.. المتداو ِل ـ سوا ًء
َ الشرع َّي ِة ـ بمدلولِها َّ
الض ِّي ِق في األَحكا ِم َّ
ِ
والقانون ـ المختص بالحك ِم
ِّ مر في «الحاكم َّية» ـ في مدلولِها واألَ ُ
ٍ
تقريرات. بشأنِه من
اآلن مفهو ًما بعد ا َّلذي سقنا ُه َ يكون َ ُ قد
لوك ،وفي ِ خالق والس ِ ِ ِ
قواعد األَ
ِ
والموازين الق َيم ُّ واألَ ُ
مر في
إنإلى حدٍّ ما! إ ْذ َّ َ
كذلك ٰ يكون مفهو ًما ُ المجتمع ،قد
َ ا َّلتي تسو ُد
لوك ا َّلتي تسو ُد في مجتم ٍع خالق والس ِ ِ
الق َي َم والموازي َن وقواعدَ األَ َ
ُّ
ائد في هذا المجتمع، ما ،ترجع مباشر ًة إلى التَّصو ِر االعتقادي الس ِ
ِّ َّ ُّ ُ
حقائق العقيدة ا َّلتي يتك َّي ُفها
َ ِ
المصدر ا َّلذي تتل َّق ٰى منه وتتل َّقى من ِ
ذات ٰ
َّصور.
ذلك الت ُّ
مفهو ُم ِّ
الفن يف اإلسالم:
ِ
البحوث مثل هذه على ُق َّر ِاء ِ ُ
يكون غري ًبا ـ حت َّٰى ٰ َأ َّما األَ ُ
مر ا َّلذي قد
َّصو ِر شأن الن ِ جوع في َ
الفكري والفن ِِّّي إلى الت ُّ
ِّ َّشاط الر ُاإلسالم َّية!ِ ـ فهو ُّ
اني.
الر َّب ِّ ِ
مصدره َّ وإلى
اإلسالمي ٰ
ِّ
ِ
باعتبار بيان هذه القض َّي ِة
يتضم ُن َ َّ كتاب ٌ
كامل صدر ٌ
ِ
وفي النَّشاط الفن ِِّّي َ
اإلنسان وانفعاالتِه
ِ َّشاط الفنِّي ك َّله ،هو تعبير إنساني عن تصو ِ
رات ُّ ٌّ ٌ َّ َأ َّن الن َ
نفس إنسان َّي ٍة ..وهذه ك ُّلها
والحياة في ٍ ِ ِ
الوجود ِ
صورة واستجاباتِه ،وعن
لكل اإلسالمي بشمولِه ِّ
ُّ تصو ُرها َّفس المسلمة ُّ يحكمها ـ بل ُينش ُئها ـ في الن ِ
ُ
ِ
والحياة، ِ
الكون والن ِ
َّفس ِ
ببارئ والحياة! وعالقتِها
ِ ِ
الكون والن ِ
َّفس ِ
جوانب
244
ِ ِ ِ ِ ِ
وجوده، وغاية الكون، ِ
ومركزه في اإلنسان، لحقيقة هذا وبتصو ِرها َّ
خاص ًة ُّ
اإلسالمي ،ا َّلذي ليس
ِّ َّصو ِر
متضمن ٌة في الت ُّ
َّ وق َي ِم حياتِه ...وك ُّلها
ووظيفتِهِ ،
املسلم: جيوز َأ ُ
خذه عن غ ِري ِ ما ال ُ
ٍ
مجتمعات، اإلنساني ك ِّله َأفرا ًدا َأو بتفسير الن ِ
َّشاط ِ َفأ َّما ما يتع َّل ُق
ِّ
ِ ِ ِ ِ
تاريخه» وما «حركة وإلى إلى «نفس» اإلنسانٰ ، وهو التَّع ُّل ُق بالنَّظرة ٰ
اإلنسان ذاتِه
ِ ونشأ ِة هذا َ ِ
الحياة، ونشأ ِة
َ ِ
الكون، نشأ ِة هذا بتفسير َ ِ يختص ُّ
ناحية ما ورا َء ال َّطبيعة ـ (وهو ما ال تتع َّل ُق به العلو ُم البحت ُة من ِ ـ من
الشرائ ِع القانون َّي ِة شأ ُن َّ فالشأ ُن فيه ـ ْ ْ وطب ...إلخ) ٍّ لكوطبيعة و َف ٍ ٍ كيميا َء
مرتبط بالعقيدة ارتبا ًطا ٌ صول ا َّلتي تن ِّظ ُم حياتَه ونشا َطه ـ والمبادئ واألُ ِ ِ
يثق في دينِه يجوز للمسلم َأن يتل َّق ٰى فيه َّإل عن مسل ٍمُ ، ُ مباش ًرا؛ فال ِ
ِ
«تفسير التَّاريخِ ِ ِّجاهات «الفلسفة» بجملتِها ،وات
ِّجاهات ِ إن ات َّ
ِّجاهات «عـل ِم النَّفس» بجـمـلتِها ـ عدا
ِ اإلنساني» بجمـلتِها ،وات
ِّ
247
ومباحثَ َّفسيرات العا َّم ِة لها ـ ِ والمشاهدات دون الت ِ ِ
المالحظات
ديان المقارنة» بجملتها، دراسة «األَ ِ ِ ِ
ِّجاهات خالق بجملتِها ،وات «األَ ِ
والمذاهب االجتماع َّية» بجملتِها ـ فيما ِ ِ
َّفسيرات ِّجاهات «الت ِ وات
النتائج ِ
المباشرة ،ال ِ
والمعلومات المشاهدات واإلحصائي ِ
ات ِ عدا
َ َّ
إن هذه َّوجيهات الك ِّل َّي َة الناشئ َة عنها ـ َّ ِ العا َّم َة المستخلص َة منها وال الت
قديما اإلسالمي ـ الجاهلي ـ َأيِ :
غير ِ
الفكر ِّجاهات ك َّلها في ِ االت
ً ِّ ِّ
ٍ ٍ ٍ متأ ِّثر ٌة َتأ ُّثرا ِ وحدي ًثاَ ،
علىبتصورات اعتقاد َّية جاهل َّية ،وقائم ٌة ٰ ُّ مباش ًرا ً
يتضم ُن في ُأصولِه َّ ومعظمها ـ إن لم يكن ك ُّلها ـ ُ رات، هذه التَّصو ِ
ُّ
َّصو ِر يني جمل ًة ،وللت ُّ َّصو ِر الدِّ ِّ ظاهرا َأو خف ًّيا للت ُّ ً المنهج َّي ِة َعدا ًء
خاص! اإلسالمي على ٍ
وجه
ٍّ ِّ ٰ
مروالعلمي! ليس كاألَ ِ الفكري لوان من الن ِ
َّشاط واألَمر في هذه األَ ِ
ِّ ِّ ُ
ِ ِ ِ ِ
ب ،وما إليها ،ما في علو ِم الكيمياء وال َّطبيعة والفلك واألَحياء وال ِّط ِّ
َّتائج الواقع َّيةَ ،
دون وتسجيل الن ِ ِ َّجربة الواقع َّية حدود الت ِ ِ دامت هذه في
صوره، ِ صورة من ٍ الفلسفي في تجاوز هذه الحدو َد إلى الت ِ
َّفسير َ َأن
ِّ
المشاهدات وترتيبِها في ِ ِ
إثبات ِ
لمجال مثل كتجاوز الداروين َّي ِة ً ِ وذلك
ِ ٍ ِ ِ ِ ِ
للقول كذلك حاجة وبغير القول ـ بغير ٍ
دليل مجال عل ِم األَحياءٰ ،
إلى
خارجة عن ٍ قو ٍة ِ ِ َّإل الرغب َة
الفتراض وجود َّ والهوى ـ إنَّه ال ضرور َة ٰ
وتطو ِرها. ِ لتفسير ِ ِ
ُّ الحياة نشأة العال ِم ال َّط ِّ
بيعي
ِ الص ِ ِ
الشؤون، ادق عن تلك إن لدى المسل ِم الكفاي َة من بيان ر ِّبه َّ
َّ
ِ
المجاالت ِ
البشر في هذه محاوالت
ُ وفي المستوى ا َّلذي تبدُ و فيه
248
فضل عن َأ َّن األَمر يتع َّل ُق تع ُّل ًقا ِ
مباش ًرا بالعقيدة، هزيل ًة ومضحك ًةً ..
َ
ِ
الكاملة هلل وحدَ ُه. وبالعبود َّي ِة
قافة اإلنساني ُ
َّة: الث َُّ
دين.. جنس وال َ وطن له وال َ إنساني» ال ٌَّ إن حكاي َة َأ َّن «ال َّثقاف َة ٌ
تراث َّ
البحتة وتطبيقاتِها العلم َّي ِة ِ هي حكاي ٌة صحيح ٌة عندما تتع َّل ُق بالعلو ِم
َّفسيرات الفلسف َّي ِة «الميتافيزيق َّية»ِ دون َأ ْن تجاو َز هذه المنطق َة إلى الت
ِ
اإلنسان ِ
لنفس َّفسيرات الفلسف َّي ِة
ِ هذه العلومِ ،وال إلى الت ِ لنتائجِ
َّعبيرات الشعور َّي ِة جمي ًعا، ِ دب والت وتاريخه ،وال إلى الف ِّن واألَ ِ ِ ونشاطِه
ِ ِ ِ
يهمها إحدى مصايد اليهود العالم َّية ،ا َّلتي ُّ ٰ ولكنَّها فيما ورا َء ذلك
حواجز العقيدةُ الحواجز ك ِّلها ،بما في ذلك ـ بل في َأ َّو ِل ذلك ـ ِ تمييع
ُ
إلى جس ِم العال ِم ك ِّله ،وهو ُم ْس َترخٍ مخدَّ ٌر، َّصو ِر ،لكي ين ُف َذ اليهو ُد ٰوالت ُّ
وي، يطاني ،وفي َأ َّوله نشا ُطهم ِّ
الر َب ِّ َّ زاول اليهو ُد فيه نشا َطهم َّ
الش ُي ُ
صحاب ِ إلى َأتؤول ٰ ُ حصيلة َكدِّ البشر َّي ِة ك ِّلها، ِ ِ
جعل ا َّلذي ينتهي إلى
الربو َّي ِة من اليهود! ِ ِ
المؤسسات المال َّية ِّ َّ
البحتة وتطبيقاتِها ِ يعتبر َأ َّن هناك ـ فيما ورا َء العلو ِم ولك َّن اإلسال َم ُ
ِ ِ نوعين ِ ِ العمل َّي ِة ـ
قواعد اثنين من ال َّثقافة :ال َّثقاف ُة اإلسالم َّي ُة القائم ُة ٰ
على
ترجع ك ُّلها ُ مناهج شت َّٰى
َ اإلسالمي ،وال َّثقاف ُة الجاهل َّي ُة القائم ُة ٰ
على ِّ َّصو ِرالت ُّ
يرجع إلى اهلل في إلها ال ِ
الفكر َّ قاعدة ِ
ِ ٍ ٍ
ُ ري ً البش ِّ إقامة واحدة.. قاعدة إلى
ٰ
والواقعي الفكري حقول الن ِ
َّشاط ِ ميزانِه ..وال َّثقاف ُة اإلسالم َّي ُة شامل ٌة ِّ
لكل
ِّ ِّ
249
تصو ِره وحدَ ها ،و َأ َّل ِ ووجب على المسل ِم َأ ْن
مقومات ُّ إلى ِّ يرجع ٰ
َ َ
إن استطاع ِ المصدر الرباني ِ
خذ َّإل عن وإل فال ْيأ ْ بنفسهَّ ، َ ِ َّ ِّ ْيأ َ
خذ َّإل من
خذ عنه. مسل ٍم تقي ،يعلم عن دينِه وتقواه ما يطمئنُه إلى األَ ِ
ُ ُ ٍّ
۞۞۞
العلم عن صاحِبه: ُ
ينفصل ُ ال
العلم» ال يعر ُفها اإلسال ُم فيما احب ِ «الع ْلم» عن «ص ِ
إن حكاي َة َفص ِل ِ َّ
َ ْ
ِ
اإلنسان رة في ِ
نظرة بمفهومات العقيدة المؤ ِّث ِ
ِ بكل العلو ِم المتع ِّل ِ
قة يختص ِّ ُّ
َّشاط اإلنساني ،واألَوضا ِع ِ
والق َيم واألَخالقِ والحياة والن ِ
ِ إلى الوجودِ
ِّ
اإلنسان ونشاطِه من ِ
هذه النَّواحي. ِ ِ
بنفس ِ
وسائر ما يتع َّل ُق ِ
والعادات،
غري املسلمَِ ،أو عن ِ
غري املسلم عن ِ ُ يتسامح يف َأن يتل َّقى
ُ إن اإلسال َم َّ
ك ،أو بيعةَ ،أو ال َف َل ِ
البحتةَ ،أو ال َّط ِ
ِ ِ
الكيمياء املسلمني ،يف عل ِم َّقي من
َ الت ِّ
وأ ِ
مثالا؛ عامل اإلدار َّي ِة والكتاب َّي ِةَ ..
َّراعة َأو األَ ِناعة َأو الز ِ ال ِّطبَ ،أو الص ِ
ِّ ِّ
خذ عنه يف هذا ك ِّله! مسلم تق ًّيا ْيأ ُ ِ
وذلك يف احلاالت ا َّلتي ال جيدُ فيها ً
َّاشئ من
نفسهم المسلمي َن اليوم ،الن ُ ون َأ َ يسم َواقع َمن ُّ ُ كما هو
ِ َّصو ِر ِ ِ
لمقتضيات اإلسالمي
ِّ ُب ْعده ِم عن دينهم ومنهجهم ،وعن الت ُّ
هذه العلو ِم الخالفة من ِ ِ بإذن اهلل ـ وما يلزم ِ
لهذه الفة في األَرض ـ ِ الخ ِ ِ
ُ
ِ
المختلفة.. ِ
والمهارات ِ
والخبرات
صول عقيدتِه ،وال مقو ِ
مات يتسامح في َأن يتل َّق ٰى ُأ َ ولكنَّه ال
ِّ ُ
ِ
وتفسير ِ
تاريخه منهج وسيرة نب ِّي ِه ،وال
ِ تفسير قرآنِه وحديثِه تصو ِره ،وال
َ َ ُّ
منهج سياستِه ،وال
َ
ِ
حكمه ،وال ِ
مجتمعه ،وال نظا َم مذهب
َ نشاطه ،وال
251
إن ِ
الفقرة ر ْأ ًيا لي ُأبديهَّ .. سبق في هذه فليس ا َّلذي َ ومع ذلك َ
ِ
ميزان اهلل من َأن يعتمدَ فتى فيه بالر ْأ ِي ..إنَّه َأ ُ
ثقل في كبر من َأن ُي ٰ األَ َ
مر َأ ُ
ُ
وقول نب ِّيه ﷺ قول اهلل ـ سبحانه ـعلى ر ْأيه ،إنَّما هو ُ المسلم فيه ٰ
ُ
يرجع ا َّلذين
ُ ونرجع فيه إلى اهلل والرس ِ
ول ،كما ُ ن َُحك ُِّم ُه في هذا ْ
الشأن،
َّ ُ
َ
يختلفون فيه. آمنوا إلى اهلل والرس ِ
ول فيما َّ ُ
252
شأ ِن
َّصارى في ْ ِ
لليـهـود والن ِّـهائي
ٰ الـهدف الن ُّ
ُ وحـين يتـحدَّ ُد
ُ
يكون يقر ُره اهللُ ـ سبحانه ـ على ذلك الن ِ
َّحو القاط ِع ا َّلذي ِّ المسلمي َن ٰ
ٍ
مبحث يصدرون عن ن َّي ٍة ط ِّي ٍبة في َأ ِّي
َ ِ
البالهة ال َّظ ُّن لحظ ًة َبأنَّهم من
االسالميَ ،أو قة بالعقيدة اإلسالم َّيةَ ،أو الت ِ
َّاريخ المباحث المتع ِّل ِ
ِ من
ِّ
ِ
اقتصادهَ ،أو َّوجيه في نظا ِم المجتمع المسل ِمَ ،أو في سياستِهَ ،أو الت ِ
ـة ..ليس والشـرائعِ ..ولكـن العلـم ا َّلـذي ينقطع عـن قاعدتِـه اإليماني ِ َّ
َّ ُ َ َّ
َ
هنـاك ارتبا ًطا بين هلهَّ ..القـرآن ،ويثني علـى َأ ِ هـو العلـم ا َّلذي ِ
إن ٰ ُ ُ يعنيه َ
حياء ،وعلـ ِم ال َّط ِ
بيعة ،وعل ِم لك ،وعلـ ِم األَ ِ
ـة وعل ِم ال َف ِ القاعـدة اإليماني ِ
ِ
َّ
ِ
َّواميس وسـائر العلو ِم المتع ِّل ِ
قـة بالن ِ طبقات األَرض.. ِ ِ
الكيميـاء ،وعل ِم
والقوانيـن الحيو َّي ِة(..)1
ِ ـة، الكوني ِ
َّ
ِ
لالبتعاد المنحرف
ُ يستخدمها الهوى إنَّها ك َّلها تؤ ِّدي إلى اهللِ ،حين ال
ُ
سف ـ َّهضة العلمية ـ مع األَ ِ عن اهلل ..كما اتَّجه المنهج األَوربي في الن ِ ِ
َّ ِّ ُّ ُ َ
َّاريخ األَور ِّب ِّي خاص ًة، قامت في الت ِ ْ المالبسات الن َِّك ِ
دة ا َّلتي ِ بسبب تلكِ
آثاره العميق َة ثم َ ِ ِ
ترك َ بين المشتغل َين بالعل ِم وبي َن الكنيسة الغاشمة! َّ
َ
وترك طبيعة الت ِ
َّفكير األَور ِّب ِّي، ِ ِ
الفكر األَور ِّب ِّي ك ِّلها ،وفي ِ
مناهج في
يني جمل ًة ـ ال َّصو ِر الدِّ ِّ
صل الت ُّ المسم َم َة بال َعداء ألَ َِّ واسب
َ الر
تلك َّ
ِ
نتجهكل ما َأ َ للكنيسة وحدَ ها ـ في ِّ َسي وحدَ ُه وال َّصو ِر الكن ِّ
صل الت ُّألَ ِ
ِ
واإلنسان.. ِ
والكون.. رات اإلسالم َّية ،عن اهللِ.. بإسهاب عن التَّصو ِ ٍ (( ( تك َّلم س ِّيد ُق ُطب
ُّ
ِ
وعالقة ِ
وكوابحها.. ِ
ودوافعها َّفس البشرية، والموت ..والدُّ نيا واآلخرة ..والن ِ ِ ِ
والحياة..
ِ
النظريات اإلسالم َّي َة المقابل َة ٍ
كتصورات تم ِّث ُل ِ
والحياة واألَحياء؛ِ ِ
وبالكون ِ
بالمخلوق، ِ
الخالق
ِ ِ ِ
النظريات اإلسالمي َة ا َّلتي قامت للنظريات الغربية ..ا َّلتي قامت عليها الحضار ُة الغربي ُةَ .فأ َ
وضح
خيرة مع رسول اهلل ﷺ وا َّلتي الحلقة األَ ِ ِ ثم مع عليها الحضار ُة اإلسالم َّي ُة منذ فجر التَّاريخَّ ،
رات ماركس ،وفرويد، التمكين القادم ُة لإلسالم؛ فواجه تصو ِ ِ ستقو ُم عليها ـ إن شاء اهلل ـ دور ُة
ُّ
ِ ِ ِ
ودوركايم ،ونيتشه ،وغيرهم ..كما واجه نزعات اإللحاد الغربي َة ،واستند إلى العلو ِم الحديثة في
خالق بوجود ٍِ حقائق هذا الدِّ ين؛ ِ ِ
لتقرير والكيمياء ،وغيرها.. ِ حياء ،والجيولوجياِ، الفلك ،واألَ ِ ِ
ِ ِ ِ ِ ِ ِ
ِ
والوضوح العظمة مر الحياة واألَحياء ،والوجود ك ِّله ،وعالقاته المتشابكة ..و َأنه ٰ
تعالى من يدبر َأ َ ُ
ِ ِ َّ ٍ
بحيث يجده كل عال ٍم ،وباحث في نهاية كل طريق يسلكُه ،وتكل َم عن آالف التَّوافقات في ِّ ِ ٍ ُّ ُ
َ ِ َ ِ َ ِ
علىتوافقات مقصود ٌة لقيا ِم هذه الحياة ،وهذا اإلنسان ،وهذا ال َعالم ٰ ٌ الحياة واألحياء ،وأنَّها
ِ
الخصوص ،و َأ َّن من ورائها حكم ًة بالغ ًة عُليا. ِ ِ
وجه
256
ِ ِ
كانت فلسف ًة
ْ المعرفة ،سوا ٌء حقول ٍ
حقل من كل الفكر األَ ُّ
وربي ،في ِّ ُ
ميتافيزيق َّي ًةَ ،أو كانت ُبحو ًثا علم َّي ًة بحت ًة ال عالق َة لها ـ في ال َّظاهر ـ
بالموضو ِع الدِّ ِّ
يني!(.)1
َّة: جاهلي ُ
َّة العلوِم الغربيِ
كل الفكر في ِّ ِ تاج هذا ِ ِ تقر َر َأ َّن
الغربي ،ون َ
ِّ الفكر مناهج
َ وإذا َّ
المسم َم ِة َّ ِ
واسب الر
تلك َّ على َأساس َ حقول المعرفة ،يقو ُم ابتدا ًء ٰ
ِ ِ
بالع ِ
ِّتاج المناهج وهذا الن َ َ فإن َ
تلك يني جمل ًةَّ ، َّصو ِر الدِّ ِّ صل الت ُّ داء ألَ ِ َ
ٍ خاص ًة؛ ألَنَّه يعتمدُ هذا ال َعدا َء َّصو ِر
بصفة َّ اإلسالمي
ِّ َأشدُّ َعدا ًء للت ُّ
تمييع العقيدة كثيرة ـ في خ َّط ٍة متعم ٍ
دة ـ ٍ ٍ
حاالت ويتحر ٰى في خاص ٍة،
َ َّ َّ َّ
ِ
سس ا َّلتي يقو ُم عليها تحطيم األُ ِ َ َّصو ِر والمفهومات اإلسالم َّيةَّ ،
ثم والت ُّ
مقوماتِه. كل ِّ تم ُّي ُز المجتمع المسل ِم في ِّ
الفكر ِ ِ
مناهج على ِ ِ ُ ومن َث َّم
الم ْزرية االعتما ُد ٰ يكون من الغفلة ُ
ثم ِ ِ
وعلى نتاجه كذلك في الدِّ راسات اإلسالم َّية ..ومن َّ ٰ الغربي،
ِّ
ِ ِ
َجب الح ْيط ُة كذلك في أثناء دراسة العلو ِم البحتة ـ ا َّلتي ال بدَّ لنا في ِ ِ
ت ُ
ٍ
فلسفية مصادرها الغرب َّي ِة ـ من َأ َّي ِة ظِ ٍ
الل ِ الحاضر من تل ِّقيها من ِ موقفناِ
يني جمل ًة، َّصو ِر الدِّ ِّالل معادي ٌة في َأساسها للت ُّ تتع َّل ُق بها؛ ألَ َّن هذه ال ِّظ َ
خاص ٍة ،و َأ ُّي َقدْ ٍر منها يكفي لتسمي ِم الينبو ِع ٍ
اإلسالمي بصفة َّ ِّ َّصو ِر
وللت ُّ
الصافي. اإلسالمي َِّّ
(الم َؤ ِّلف).
(( ( يراجع فصل( :الفصام النكد) في كتاب «المستقبل لهذا الدين» ُ
لحقيقـة الر ِ
وابط ِ ٍ
جديـد بتصو ٍر إلـى هذه البشـر َّي ِة
َّ ُّ جا َء اإلسلا ُم ٰ
ِ
واالعتبارات، لحقيقـة ِ
الق َيـم ِ ٍ
جديـد بتصـو ٍر ِ
والوشـائج ،يـو َم جاءها
ُّ
ِ ِ ِ
االعتبارات. ـم وهـذه ولحقيقـة الجهـة ا َّلتـي تتَل َّق ٰى منهـا هذه الق َي َ
السلط َة هي
وليجعل هذه ُّ َ إلى ر ِّبه، َ
اإلنسان ٰ جا َء اإلسال ُم لير َّد
السلط َة الوحيد َة ا َّلتي يتل َّقى منها موازينَه ِ
وق َي َمه ،كما تل َّق ٰى منها وجو َده ٰ ُّ
صدر
َ ووشائجه ،كما َأنَّه من إرادتِها
ِ يرجع إليها بروابطِه
ُ وحياتَه ،وا َّلتي
وإليها يعو ُد.
َّاس في اهللِ؛ فإذا انبت َّْت ليقر َر َأ َّن هناك وشيج ًة واحد ًة ُ
تربط الن َ جاء ِّ
َ
ِ
هذه الوشيج ُة ،فال ص َل َة وال مو َّدةَ:
﴿ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ
ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ﴾
[المجادلة..]22 :
للش ِ َ ِ َ
يطان هناك حز ًبا واحدً ا هلل ال يتعدَّ ُد ،و َأحزا ًبا ُأ ٰ
خرى ك َّلها َّ وأ َّن
اغوت﴿ :ﭱﭲﭳﭴﭵﭶﭷﭸﭹﭺﭻﭼ ِ ولل َّط
ﭽﭾﭿﮀﮁﮂﮃﮄﮅﮆ﴾ [النساء.]76 :
258
دار اإلسالم ،تلك ا َّلتي تقو ُم فيها دارا واحد ًة هي ُ وأ َّن هناك ً َ
الدَّ ول ُة المسلم ُة ،فتُهيم ُن عليها شريع ُة اهلل ،وتُقا ُم فيها حدو ُده ،ويتو َّلى
ٍ
حرب ،عالق ُة دار
بعضا ،وما عداها فهو ُ بعضهم ً المسلمون فيها ََ
ِ ٍ
على عهد َأمان ،ولكنَّها ليست َ
دار المهادن ُة ٰ ُ
القتال ،وإ َّما ُ المسل ِم بها إ َّما
هلها وبي َن المسلمي َن(:)1 إسال ِم ،وال والء بين َأ ِ
َ َ
فدار اإلسالم هي البال ُد نص عليه الفقها ُء ُ (( ( تنبيه :ما قاله سيد ُق ُطب هنا هو عي ُن ما َّ
إظهار اإلسالم كما هو يستطيع َأهلها ِ
تظهر فيها َأحكا ُم اإلسالم كما عند الحنف َّيةَ ،أو ا َّلتي
َ ُ ُ
ِ
الحــرب عندهم :هي الدَّ ُار ا َّلتي ال تط َّب ُق فيها َأحكا ُم اإلسالم الدِّ ين َّي ُة ودار ِ
عندَ الشافع َّيةُ ،
259
﴿ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ
ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊﮋ ﮌ ﮍ ﮎ
ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ
ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ
تحكمها دول ٌة يادة اإلسالم َّية؛ سواء َأكانت هذه البال ُد نطاق الس ِ
ُ خارج َ ِّ َ والسياس َّي ُة لوجودها ِّ
يكون بين سكَّانها المقيمي َن بها إقام ًة دائم ًة ِ َ دول متعدِّ دةٌ ،ويستوي َأن تحكمها ٌ م َ
أ ٌ،
ة واحد
ُ
َ
المسألةُ ِ ِ
مسلمون َأو ال يكون ،ما دام المسلمون عاجزي َن عن إظهار أحكام اإلسالم .وهذه
َ َ َ
ِ َّازلة بعد عهد الص ِ المسائل الن ِ ِ
نص واختلف العلما ُء فيها لعد ِم وجود ٍّ َ حابة والتَّابعي َن، َّ من
ٍ ٍ
شيخ اإلسالم اب ُن تيم َّي َة بحالة وسط لذلك فتى ُ اجتهادي؛ لذلك َأ ٰ ٌّ َقسيمه َأ ٌ
مر قاطعٍ ،فت ُ
حربٍ ِ
الواق ِع المتجدِّ د في عهده ،وهي حال ُة البلد ا َّلذي ليس بلدَ إسال ٍم صر ًفا ..وال بلدَ ِ
الشهيرة. فتوى الماردين َّي ِة َّ ٰ صر ًفا ،وذلك في
دولة اإلسالم؛ بل سقوط ِ ِ جديد لتغ ُّي ِر واقعها بعد ٍ حال األُمة اليوم ..فيحتاج إلى ٍ
فقه و َأ َّما ُ
ُ ٰ َ َّ
إلى هذا التَّقسي ِم؛ ألَنَّنا ُ ِ ٍ
نعيش واق ًعا مختل ًفا إلى معرفة األَحكا ِم ا َّلتي قادت ٰ نحن في حاجة ٰ
للغياب في واق ٍع لم يعدْ موجو ًدا ..كما ِ داعي تقريرات فقهنا فيما سبق ..فال ِ عن واق ِع
َ
عاجزون عن جهادِ َ ِ
لب وحكمه؛ ألَنَّنا ِ ِ ٍ
َأنَّنا لسنا بحاجة اليوم لحديث عن فقه جهاد ال َّط ِ ٍ
بجهاد ال َّطلب؟! ففقهاء األُ َّمة ِ
حاضرنا؛ َ فقهنا ُ
يعيش قادرون َأن يجعلوا َ َ الدَّ فعِ ،فكيف
ارع الحكيم. الش ُ تلك األحكام على الواق ِع بحسب ما يقتضيه َّ َ تنزيل َ َ ُ
نحاول فيجب َأن
الحكم على البلدان مجزَّ ًأ ..بحسب ِ حيح لواقعنا اليوم ـ واهلل َأعلم ـ َأن يكون ُ
ُ الص ُ والقول َّ
تعرضوا ِ ٍ
وحال المسل ِم فيها؛ ُفر َّب بلد ِ حالِها
على بعضهم ،إذا َّ تجب فيه الهجر ُة ٰ ُ إسالمي
ٍّ
كافر ،لك َّن غالب َّيتَه بشعائر دينِهم ،ورب ٍ ِ ٍ ٍ
حاكمه ٌ ُ بلد ُ َّ جائر يمن ُعهم من القيام الضطهاد
وشعائر اإلسالم فيه ظاهرةٌ. ُ مسلمون..َ
الحرب ال يعني َأ َّن ِ ولة َأو المجتمع بالجاهل َّية َأو ِ
دار حال الدَّ ِيصف س ِّيد َ ُ فعندما
كل َأ ِ يضا وص ُفه الدَّ َار باإلسالم ال يعني َأ َّن َّ
كفار ،و َأ ً
فالحكم على
ُ َ
مسلمون؛ فرادها َأفرا َدها ٌ
الشرع َّيةصول َّ ِ ِ
بقواعد األُ ِ
الكفر يظهر منه من اإلسالم َأو ِ ُ الفرد هنا َأو َ ِ
بحسب ما ُ يكون هناك
ينطبق
َ يخص َأنظمتَها وقوانينَها ،وال يمك ُن َأ ْن الوصف للمجتم ِع َأو الدَّ ِ
ولة َ المرع َّي ِة؛ ألَ َّن
ُّ
بغير ذلك؛ فقدْ َ
جهل حقيق َة اإلسالم! على األَ ِ
فراد َّإل إذا اعتقدُ وا هذا الكفر ..و َمن قال ِ
260
* ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ
ﯘﯙ*ﯛﯜﯝﯞﯟﯠﯡﯢ
ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ * ﯯ ﯰ
ﯱﯲﯳﯴﯵﯶﯷ﴾ [األَنفال 72 :ـ .]75
املسلم لعقيدِته فقط:
انتما ُء ِ
الكاملة ،وبهذا الجز ِم القاط ِع جا َء اإلسال ُم ..جا َء ِ ِ
َّصاعة بهذه الن
ِ
وشائج وشائج األَرض وال ِّطين ،ومن ِ اإلنسان ويخ ِّل ُصه منَ يرفع
ُ
وطن للمسل ِم َّإل ين ـ فال َ وشائج األَرض وال ِّط ِ
ِ ال َّلح ِم والدَّ ِم ـ وهي من
على َأساس ِ ُ ا َّلذي تُقا ُم فيه شريع ُة اهلل ،فتقو ُم
الروابط بينَه وبي َن سكانه ٰ
عضوا في ِ
االرتباط في اهللِ ،وال جنس َّي َة للمسل ِم َّإل عقيدتُه ا َّلتي تجع ُله
ً
تنبثقدار اإلسالم ،وال قراب َة للمسل ِم َّإل تلك ا َّلتي ُ األُ َّمة المسلمة في ِ
فتصل الوشيج َة بينه وبين َأ ِ
هله في اهلل. ُ من العقيدة في اهللِ،
وزوجه وعشير َت ُه ،ما لم
َ ليست قراب ُة المسل ِم َأبا ُه و ُأ َّم ُه و َأخا ُه
ِ ِ
بالرح ِم﴿ :ﭑ ﭒ الخالق ،فتت ُ
َّصل من َث َّم َّ تنعقد اآلصر ُة األُ ٰ
ولى في
ﭓﭔﭕﭖﭗﭘﭙﭚﭛﭜﭝﭞﭟﭠ
ﭡﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ﴾ [النساء.]1 :
ِ
اختالف ِ
بالمعروف مع ِ
الوالدين ِ
صاحبة يمنع هذا من ُم وال
ُ
ٍ
فعندئذ ال صل َة ِ
للجبهة المسلمة؛ ف المعادي الص ِّ
العقيدة ،ما لم يقفا في َّ
المثل في ج ٍ
الء: وال مصاحب َة( .)1وعبدُ اهلل بن ِ
عبد اهلل ِ
بن ُأ َب ٍّي يعطينا َ
َ ُ
((( تنبيه :هناك فرق بين عقيدة المعاداة وبين البر والقسط واإلحسا ن !
فمعاداة المسلم للك َّفار ال تعنياإلساءة لهم باألَقوال َأو األَفعال ،وتجاوز ما وضــعه لنا
261
ى َأساس العدل واإلحسان؛ يمعاملتهم ا َّلتي مبن َّية عل ديننا الحنيف من شروط وضوابط ف
دون مح َّبة القلب وميله،و َأباح اإلسالم تبادل المصالح بيننا وبينهم بمايعود بالنفع على
وقرر شيئًا من التسامح مع بعض الفئات من ال ُك َّفار المسالمين والمعاهدين المسلمين، َّ
يأمر بحسن المعاملة ىحساب الدِّ ين.والشارع الحكي م ْ الَّيكون عل غير الحرب ِّيينبشرط َأ
ي مواالتهم ومح َّبتهم؛ ألَ َّن البر والصلة مع الجميع ما داموا غير محاربين ،وهذا ال يعن
يالشريعةَ .أ َّما إذا كان هؤالء ال ُك َّفار واإلحسان اليستلزم التحابب والتواد المنهيعنه ف
محرمة شرعًا باإلجما ع. فإنصلتهم َّ محاربين َّ
يرون َأ َّنمواال َةالمؤمني َ َ السن َّةوالجماعة :فهم ِ ت عندنا َأ ْه ُ
نبعضهم ل ُّ فمواالة الكُفار درجا
واجبشرعًا ،ومعاداة بعضهم لبعض ،ومواالتهم ٌ لبعض ،ومعاداتهم لل ُك َّفار والمشركين؛
ودرجاتمتفاوتة؛ منها ما ُيوجب ٍ ى ُش َع ٍ
ب لل ُك َّفار والمشركين؛ محر ٌمشرعًا ،والمواالة تقع عل
فكلمن تو َّلى خصمن المواالة؛ ُّ ي َأ ُّ والمحرمات؛ فالتول َّ الر َّد َة ،ومنها ما هو دون ذلك من الكبائر ِّ
ٍ
مواالةلل ُك َّفا ر ُيك ِّف ُرصاحبها ،ومواال ُةال ُك َّفا رنوعان:
كافرمرتد ،وليس ُّ
كل ال ُك َّفار فهو ٌ
يتكون بالقلب والر َّد ِة؛ وه
يالكُفر ِّ المواالة الكُبرى:تُخرج صاحبها من اإلسالم ،وتُسقطه ف
ن ُيح ُّبهم ،ومودتهم والرضا ِ وحب َم ِّ يبالقلب:فيكون بح ِّبهم َأو بالعمل َ ،أو بكليهماَ .أ َّما التو َّل
ي نيبغضهم ،وموافقتهم بالقلب والميل إليهم بالباطن.و َأ َّما التو ِّل ِ عنهم ،ومعاداة وبغض َم
ِ
بالفعل:فيكون بنصرة الك َّفار والدِّ فا ِععنهم ،والتَّحالف معهم ضدَّالمسلمي َن َ ،أو بمعاونتهم
يبالقلب ىإنزال العذاب والفتنة بالمسلمين َ ،أو إعانتهم بالمال والبدن والرأي.و َأ َّما التو ِّل عل
ن .
يالباط ِ
والميللهم ف ِ
بالظاهر ، يال َّظاهر والباطن؛ َأي:انقياد لهم والفعل:فتكون بموافقتهم ف
ٍ
المواال ُةالصغرى:هيالمواال ُةدون مواالة ،وتكون دون صور المواالة الكُبرىبمراتب،
ضللوعيد ،ولكن ال َيخرج من وهيمن الكبائر العظام ،وصاح ُبها علىشفا هلكة ،و ُم ِّ
تعر ٌ
دنيوي؛ من َأجل مآرب
ٍّ ٍ
لغرض اإلسالم.وتكون بالمو َّدة والميل والمداهنة لبعض الك َّفار
ٍ ٍ
عرقية َأو قبل َّي ة مع سالمة االعتقاد وعدم إضمار ن َّية الكفر ِّ
والر َّدة عن مادية، َأو روابط
شأ ُن صاحبه في ذلك ْ
شأ َن اإلسالم ومعه العلم بالمعصية ،والخوف من الذنب، ويكون ْ
ِ
ح ُّظه وقس ُطه من ولكل ٍ
كثيرمن ال ُعصاة الذينيقترفون بعض الذنوب دون استحاللها ِّ ، ٍ
ذنب َ
الوعيد؛ بحسب ن َّية الفاعل وقصده.
((( تفسير الطبري ،ج ،22ص ، 666ط .دار هجر ،تحقيق التركي .
262
بوك؟» ،قال: يقول َأ َ ى ما ُ بن ُأ َب ٍّي ،قالَ : عبد اهلل ِ عبدَ اهلل بن ِ
«أال ت ََر ٰ َ
ِ
المدينة لئن رج ْعنا إلى ُ نت و ُأ ِّمي ،قال: يقول َأبِي؟ َبأبي َأ َ ما ُ
«يقول ْ
نت رسول اهللَ ،أ َ َ ذل» ،فقال :فقدَ صدَ َق واهلل يا جن األَع ُّز منها األَ َّ خر َّ ل ُي ِ
وإن رسول اهللَّ ، َ قدمت المدين َة يا َ ذلَ ،أ َما واهلل لقدْ وهو األَ ُّ عز َ واهلل األَ ُّ
ِ
ليعلمون ما بها َأحدٌ َأ ُّبر بوالده منِّي ،ولئ ْن كان ُيرضي اهللَ َ يثرب
َ هلَأ َ
فلما رسول اهلل ﷺ« :ال»َّ .. ُ فقال آتيهما بر ْأ ِسه آلتيهما بهَ ، َ ورسو َله َأ ْن
بيه، يف ألَ ِ عبد اهلل بن ُأبي على بابِها بالس ِ قدما المدين َة قام عبدُ اهلل بن ِ ِ
َّ ٰ ٍّ ُ
ذل؟ عز منها األَ َّ المدينة ليخرج َّن األَ ُّ ِ القائل :لئن رج ْعنا إلى ُ نت قالَ :أ َ
ويك ظ ُّلها وال العز َة لك َأو لرسول اهلل ﷺ؟ واهلل ال ْيأ َ لتعر َف َّن ََّأما واهلل ِ
لخزرج! ابني يمن ُعني ِ بإذن م َن اهلل ورسوله ،فقال :يا َل تأويه َأبدً ا؛ َّإل ٍ ِ
بإذنيأويه َأبدً ا َّإل ٍ ِ فقال :واهلل ال ابني يمن ُعني بيتِي! َ ِ بيتِي! يا َل
لخزرج ْ
بإذن من اهلل رجال فك َّلموه ،فقال :واهلل ال يدخلن؛ َّإل ٍ ٌ فاجتمع إليه من ُه،
َّ ُ َ
إليه فقولوا لهَ :خ ِّل ِه ورسولهَ ،فأتوا النَّبِي ﷺ َفأخبروه ،فقال« :اذهبوا ِ
ُ ُ َّ
مر النَّبِ ِّي ﷺ فنعم..
ومس َكنَه»َ ،فأتَو ُه ،فقالَ :أما إ ْذ جا َء َأ ُ
كلهم ٌ
إخوة: املؤمنون ُّ
َ
﴿ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰﮱ ﯓ ﯔ
ﯕﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ﴾ [البقرة.]124 :
264
﴿ﯵ ﯶ ﯷ ﯸ ﯹ ﯺ ﯻ ﯼ ﯽ ﯾ ﯿ ﰀ ﰁ ﰂ
ﰃ ﰄ ﰅ ﰆﰇ ﰈ ﰉ ﰊ ﰋ ﰌ ﰍ ﰎ ﰏ ﰐ ﰑﰒ ﰓ
ﰔ﴾ [البقرة.]126 :
الض ِ
الل: اإلصرار على َّ منهم إبراهيم َأباه و َأه َله حين ٰ ُ
َ يرى ُ ُ ويعتزل
﴿ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ
ﯯ ﯰ﴾ [مريم.]48 :
ِ
وقومه ما فيه ُأسو ٌة و ُقدوةٌ﴿ :ﮣ ﮤ ﮥ إبراهيم ويحكي اهللُ عن
َ
ﮦﮧﮨﮩﮪﮫﮬﮭﮮﮯﮰﮱﯓﯔ
ﯕﯖﯗﯘﯙﯚﯛﯜﯝﯞﯟﯠﯡﯢ
ﯣ﴾ [الممتحنة.]4 :
حابة:
الص ِعند َّ ُ
املفاصلة َ
لحقيقة الر ِ
وابط ِ تصو ِره الكريم في الموكب وهكذا يمضي
َّ ُّ ُ ُ
الوسط؛ فتجدَ هذا الرصيدَ من األَ ِ
مثال ُ ائج ..حت َّٰى تجي َء األُ َّم ُة َ
والوش ِ
َّ
ِ
المؤمنة، أل َّم ِة
اني ل ُ َّجارب ،فتمضي على الن ِ ِ والن ِ
الر َّب ِّ
َّهج َّ َّماذج والت
ُ
تفترق العقيدةُ، البيت الواحدُ ،حين
ُ ُ
ويفترق ُ
وتفترق العشير ُة الواحدةُ،
ويقول اهلل ـ سبحانه ـ في ِ
صفة المؤمني َن ُ ُ تنبت الوشيج ُة األُ ٰ
ولى، وحيث ُُ
الكريم﴿ :ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ َ قو َله
266
ﭚﭛﭜﭝﭞﭟﭠﭡﭢﭣﭤ
ﭥﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮﭯ
ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷﭸ ﭹ ﭺ ﭻ
ﭼ ﭽﭾ ﭿ ﮀ ﮁﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ﴾ [المجادلة.]22 :
عمه َأبي ٍ ٍ ِ
لهب، محمد ﷺ وبي َن ِّ وحين انبت َّْت وشيج ُة القرابة بين َّ
َ
المهاجرون «أبو جهل»( ،)1وحين َ
قاتل بن هشا ٍم َ عمرو ِعمه ِ ِ
وابن َّ
َّصلت وشيج ُة العقيدة حينئذ ات ْ ٍ َأه َلهم و َأقربا َءهم وقت ُلوهم يو َم ٍ
بدر..
َّصلت الوشيج ُة ِ هل وإخوةٌ ،وات نصار ،فإذا هم َأ ٌ بين المهاجري َن واألَ ِ
شي، الح َب ِّ
ٍ
وبالل َ الرومي، ِّ ٍ
صهيب العرب وإخوانِهم: ِ بين المسلم َين
ِ
الجنس ،وعصب َّي ُة القبيلة ،وعصب َّي ُة ِ وتوارت عصب َّي ُة
ْ الفارسي، َ
وسلمان
ِّ
وها َفإِنَّها ُمنْتِنَ ٌة»(..)2 رسول اهلل ﷺَ « :د ُع َ ُ األَرض ،وقال لهم
ِ ِ
إلى َع َصبِ َّيةَ ،و َل ْي َس منَّا َم ْن َقات ََل ٰ
على وقال لهمَ « :ل ْي َس منَّا َم ْن َد َعا ٰ
مر هذا الن ِ
َّتن.. فانتهى َأ ُ
ٰ على َع َصبِ َّي ٍة»(..)3
ات ٰ َع َصبِ َّي ٍةَ ،و َل ْي َس ِمنَّا َم ْن َم َ
ِ
الجنس .واخت َف ْت َت هذه النَّعرةُ ..نعر ُة َّسب ،ومات ْ َتن عصب َّي ِة الن ِ ن ِ
ِ
اآلفاق العليا ،بعيدً ا البشر َأ َر َج واستروح
َ تلك ال َّلوث ُة ..لوث ُة القو ِم،
ُ
ولوثة ال ِّطين واألَرض.. ِ عن نتن ال َّلحم والدَّ م،
((( تنبيه :أبوجهل من بني مخزوم ..والنبي ﷺ من بني هاشم؛ فهو ليس ابن عم النبي ﷺ كما
قال س ِّيد ُق ُطب .
(( ( رواه البخاري ( )4622من حديث جابر بن عبد اهلل .
(( ( رواه َأبو داود ( )5121من حديث جبير بن مطعم .
267
﴿ﯜﯝﯞﯟﯠﯡﯢﯣﯤﯥﯦ
ﯧﯨﯩﯪﯫﯬﯭﯮ﴾ [النساء.]65 :
دار اإلسالم ..ال ِ
هذا هو وحدَ ُه اإلسال ُم ،وهذه هي وحدَ ها ُ
هر ،وال القبيل ُة وال العشيرةُ.
الص ُ
َّسب وال ِّ
الجنس ،وال الن ُ
ُ األَ ُ
رض وال
الوال ُء لإلسالم َ
وحده:
جل ُ
يقاتل الر ِ ُ
رسول اهلل ﷺ عن َّ موسى قالُ :س َئل ٰ عن َأبي
ِ
سبيل اهلل؟ فقال: ويقاتل ريا ًءَ ،أ ُّي ذلك في
ُ ُ
ويقاتل حم َّي ًة، شجاع ًة،
ُون كَلِ َم ُة اهلل ِه َي ال ُع ْليا؛ َف ُه َو في َسبِ ِ
يل اهللِ»(.)1 «م ْن َقات ََل لِتك َ
َ
غير ٍ
هدف ِ حرب ألَ ِّي
ٍ الشهادةُ ،ال في َأ َّي ِة ُ
تكون َّ وفي هذا وحدَ ُه
ِ
الواحد ..هلل.. ِ
الهدف هذا
«دار
وتعمل فيها شريعتُه؛ فهي ُ ُ رض تقو ُم فيها عقيدتُه، وكل َأ ٍُّ
هل وال عشير ٌة وال قو ٌم وال تجارةٌ.إسالم» ،ولو لم يك ْن له فيها َأ ٌ
ٍ
حيـاة وشـريع ٌة مـن اهللِ.. ومنهـاج تحكمهـا عقيـد ٌة دار
ُ ُ الوطـ ُنٌ :
الل ِ
ئـق «باإلنسـان». ِ
الوطـن َّ هـذا هـو معنى
اللئقة ٍ
حيـاة ،وهـذه هـي اآلصـر ُة َّ ومنهـاج والجنسـ َّي ُة :عقيـد ٌة
ُ
باآلدم ِّييـ َن.
هل اليهو ُد ُ
شعب اهلل املختاُر؟
ِ
وقومهم، ِ
بجنسهم المختار شعب ال َّل ِه ولما ا َّدعى اليهو ُد َأنَّهم
ُ ُ َّ
ِ
اإليمان وحدَ ُه ميزان ِ
الق َيم إلى َ عوى ،ور َّد ِ ر َّد ال َّل ُه
عليهم هذه الدَّ ٰ
ِ
وطان: جناس واألَ
ِ ِ
وتغاير األَقوا ِم واألَ على توالي األَ ِ
جيال ٰ
﴿ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜﭝ ﭞ
ﭟﭠﭡ*ﭣﭤﭥﭦﭧﭨﭩﭪﭫﭬ
ﭭﭮﭯﭰﭱﭲﭳﭴﭵﭶ
ﭷﭸﭹﭺﭻﭼﭽﭾﭿﮀﮁ* ﮃﮄ
ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑﮒ ﮓ
ﮔﮕ ﮖ ﮗ ﮘ * ﮚ ﮛﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡﮢ ﮣ
ﮤ ﮥ﴾ [البقرة 135 :ـ .]138
ُّ
تستظل المختار ح ًّقا :فهو األُ َّم ُة المسلم ُة ا َّلتي
ُ شعب ال َّل ِه
ُ َفأ َّما
لوان واألَ ِ
جناس واألَقوا ِم واألَ ِ ِ ِ
اختالف ما بينَها من األَ ِ ِ
وطان: براية ال َّله ٰ
على
﴿ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ
271
العربـي،
ُّ عيـل األَ َّو ِل فيهـا َأبـو ٍ
بكـر الر ِ ُ
يكـون مـن َّ األُ َّمـ ُة ا َّلتـي
الفارسـي ،وإخوانُهم
ُّ ُ
وسـلمان ومـي،
الر ُّ
وصهيـب ُّ
ٌ الحبشـي،
ُّ ٌ
وبلال
الرائعِ ..الجنسـ َّي ُة فيها على هذا الن ِ
َّسـق َّ تتوالـى َأجيا ُلها ٰ
ٰ الكـرا ُم ،وا َّلتـي
هلل،
والحاكم فيها هـو ا ُ
ُ دار اإلسلام،
هـي العقيـدةُ ،والوطـ ُن فيهـا هـو ُ
ُ
القـرآن. سـتور فيهـا هو
ُ والدُّ
ُ
وضوابط ُّ
للدعاِة: ٌ
توجيهات
ِ
وللقرابة هو ا َّلذي ينبغي َأ ْن فيع للدَّ ِار ،وللجنس َّي ِة الر ُ
َّصو ُر َّ هذا الت ُّ
َ
يكون من عوة إلى اهللِ ،وا َّلذي ينبغي َأ ْن صحاب الدَّ ِِ ِ
قلوب َأ على
يسيطر ٰ َ
رات الجاهلية الدَّ ِ
خيلة، تختلط به َأوشاب( )1التَّصو ِ ُ بحيث ال ُ ِ
الوضوح
َّ ُّ ُ
رك والش ُ
ِّ رك باألَرض، الش ُ رك الخف َّي ُةِّ : الش ِصور ِّ تتسر ُب إليه وال
ُ َّ
رك بالمناف ِع الص ِ
غيرة والش َُّسبِّ ، رك بالن ِ والش ُرك بالقو ِمِّ ، والش ُ بالجنسِّ ،ِ
َّ
واحدة فيض ُعهاٍ القريبة ،تلك ا َّلتي يجمعها اهلل ـ سبحانه ـ في ٍ
آية ِ
ُ ُ
ٍ ِ في ك َّف ٍة،
خرى ،و َيدَ ُع للن ِ
َّاس اإليمان ومقتضياته في ك َّفة ُأ ٰ َ ويضع
ُ
الخيار﴿ :ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ
َ
ﮃﮄﮅﮆﮇﮈﮉﮊ
ﮋﮌﮍﮎﮏﮐﮑﮒﮓﮔﮕ
ب.
وش ٌ َّاس والَ ْو ُ
باش ،واحدُ هم ْ «األوشاب» :الَ ْخ ُ
الط م َن الن ِ ُ (((
272
رات الجاهل َّية يخالف مخالف ًة َأساسي ًة سائر التَّصو ِ َّصو ُر
ُّ َ َّ ُ هذا الت ُّ
جزئيات َع َرض َّي ٍة ٍ رات في هذه التَّصو ِ
ُّ
قديما وحدي ًثا .وقد يلتقي مع ِ
ً
ات مختلف ٌة عن تنبثق منها هذه الجزئ َّي ُ صول ا َّلتي ُ جانب َّي ٍة ،ولك َّن األُ َ
ِ
نظائرها. ِ
سائر ما عرفتْه البشر َّي ُة من
توافق هذا
ُ نشئ حيا ًة إنسان َّي ًة ووظيف ُة اإلسالم األُ ٰ
ولى هي َأ ْن ُي َ
ٍ ٍ
يقيم في األَرض نظا ًما ُ
يتبع َّصو َر ،وتم ِّثل ُه في صورة واقع َّية ،و َأن َ
الت ُّ
خرج هذه األُ َّم َة المسلم َة اختاره اهللُ ،وهو ُي ُ
َ اني ا َّلذي
المنهج الر َّب َّ
َ
274
﴿ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ
ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ﴾ [المائدة.]49 :
﴿ﯦ ﯧﯨ ﯩ ﯪ ﯫﯬ ﯭ ﯮ ﯯ﴾.
[الشورى.]15 :
276
﴿ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮﯯ ﯰ ﯱ ﯲ
ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ ﯷ ﯸﯹ ﯺ ﯻ ﯼ ﯽ ﯾ ﯿ﴾
[القصص.]50 :
﴿ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ
ﮣ * ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ
ﮱﯓ ﯔ ﯕ ﯖ﴾ [الجاثية 18 :ـ .]19
﴿ﯾ ﯿ ﰀﰁ ﰂ ﰃ ﰄ ﰅ ﰆ ﰇ ﰈ﴾
[المائدة.]50 :
ِّباع ثالث لهما .إما االستجاب ُة هلل والرس ِ مران ال َ فهما َأ ِ
ول ،وإ َّما ات ُ َّ ُ َّ
هلل الحكم بما َأ َ
نزل ا ُ ُ حكم الجاهل َّية ،إ َّما
ُ حكم اهللِ ،وإ َّما
ُ الهوى ،إ َّما
ٰ
ِ عما َأ َ
ريح الجاز ِم الص ِ
هلل ..وليس بعدَ هذا التَّوكيد َّ نزل ا ُ ك ِّله ،وإ َّما الفتن ُة َّ
للم ِ
حال.. للجدال َأو ِ
ِ ٌ
مجال من اهلل ـ سبحانه ـ
البشري َة:
َّ جا َء اإلسال ُم ليقو َد
قيادة البشر َّي ِة،ِ إقصاء الجاهل َّية من ُ إذن هيوظيف ُة اإلسالم ْ
المالمح ،األَ ِ ِ ِ
صيل ِ ِّ
المستقل الخاص، ِّ على منهجه وتو ِّلي هذه القيادة ٰ
واليسر. الخير للبشر َّية ِ
الرشيدة ِ
القيادة ِ
بهذه ِ
الخصائص ،يريدُ
َ َ
واليسر ا َّلذي ُ
ينشأ ِ
خالقها، إلى ِ الخير ا َّلذي ُ
َ ينشأ من ر ِّد البشر َّية ٰ َ
ِ ِ ِ من الت ِ
الخاص
ِّ على منهجه َّنسيق بين حركة البشر َّية ،وتو ِّلي هذه القيادة ٰ
ص من َخ ُل ُ ترتفع إلى المستوى الكري ِم ا َّلذي َأرا َده ا ُ
هلل لها ،وت ْ ُ ِّ
المستقل،
277
ِ
الفرس: رستم قائدُ
ُ عامر ،حين َ
سأ َله ربعي ب ُن ٍ
الهوىَ .أو كما قال ُّ
ٰ حك ِم
ِ
عبادة شاء ،من
ُخرج َمن َ ما ا َّلذي جاء بكم؟ فكان جوا ُبه( :اهللُ ابتَعثنا لن َ
ِ
واآلخرة، إلى َس َع ِة الدُّ نيا ِ
عبادة اهلل وحدَ ُه ،ومن ِ ِ
ضيق الدُّ نيا ٰ إلى
العباد ٰ
ديان إلى ِ
عدل اإلسالم). ومن َج ْو ِر األَ ِ ٰ
َّاس المم َّث ِ ِ ِ
لة في على شهوات الن ِ ُ َ لم يجئ اإلسال ُم إذن ل ُير ِّب َت ٰ
وتقاليدهم ..سوا ٌء منها ِ وضاعهم وعاداتِهم ِ تصوراتِهم و َأنظمتِهم و َأُّ
الش ِ
رق اآلن ،في َّ تخوض البشر َّي ُة فيه َ ُ عاصر مجي َء اإلسالمَ ،أو ما ما َ
وينسخه ً
نسخا، َ ليلغي هذا ك َّله إلغا ًء،َ ِ
الغرب سوا ًء ..إنَّما جا َء َأو في
لينشئ الحيا َة إنشا ًء،
َ الخاص ِة ،جاء
َّ
ويقيم الحيا َة البشري َة على َأ ِ
سسه ٰ َّ َ
ِ
بمحوره ارتبا ًطا. ُ
وترتبط تنبثق منه انبثا ًقا،
لينشئ حيا ًة ُ
َ
َّاس في ِ
الحياة ا َّلتي ُ ٍ وقد تُشابِ ُه
يعيشها الن ُ جزئيات في جزئيات منه
ٌ
ِ
مصادفة هذا مجر ُد
وليس ْت منها؛ إنَّما هي َّ ليست هيَ ، ْ الجاهل َّية ،ولكنَّها
الش ِ الجانبي في الفروعَِ ،أ َّما َأ ُ ِ
مختلف
ٌ جرة فهو صل َّ ِّ التَّشابه ال َّظ ِّ
اهري
تما ًما ،تلك شجر ٌة ُت ْط ِل ُعها حكم ُة اهلل ،وهذه شجر ٌة ُت ْط ِل ُعها َأهوا ُء َ
البشر:
﴿ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ﴾
[األعراف.]58 :
يختلف َخ َب ُثها
ُ قديما ،وخب َث ْت حدي ًثا.. ِ
وهذه الجاهل َّي ُة خب َث ْت
ً
البش ِر
صله ..إنَّه هوى َ وشكله ،ولكنَّه واحدٌ في م ْغ ِر ِسه و َأ ِ ِ ِ
مظهره في
َ
278
ِ
وغرضهم، يملكون التَّخ ُّلص من ِ
جهلهم ُ ال المغرضي َن ،ا َّلذين ال الج َّه ِ
َ ُ
ٍ
جناس ُيغ ِّلبونَها على ٍ
طبقاتَ ،أو ُأم ٍمَ ،أو َأ ومصلح ُة َأ ٍ
فراد منهمَ ،أو
وتشر َع فتنسخ هذا ك َّله،
َ ِ
والخير؛ حت َّٰى تجي َء شريع ُة اهلل والحق
ِّ ِ
العدل
ِّ
هواهم ،وال
ُ ِ
البشر ،وال ي ِّلوثه َّاس جمي ًعا تشري ًعا ال يشو ُبه ُ
جهل للن ِ
فريق منهم. تميل به مصلح ُة ٍ ُ
َّاس، ومناهج الن ِ ِ طبيعة منهج اهلل ِ صيل بين الفارق األَ ُ ُ وألَ َّن هذا هو
َّوفيق بينهما ويستحيل الت ُ ُ ٍ
واحد، يستحيل االلتقا ُء بينهما في نظا ٍم ُ فإنَّه
منهج نص ُف ُه من هنا ونص ُفه من ٍ تلفيقُ ُ
ويستحيل ٍ
واحد، في وض ٍع
منهجا مع ً فكذلك هو ال ُ
يقبل َ رك به؛ يغفر َأ َّن ُي ْش َ هناك ،وكما َأ َّن اهللَ ال ُ
ِ
اليقين. تلك على ِ
وجه بسواء؛ ألَ َّن هذه هي َ ٍ كتلك سوا ًءَ منهجه ..هذه
ٰ
نفوسنا ِ والوضوح فيِ القو ِة َ هذه الحقيق ُة ينبغي َأن
تكون من َّ
اإلدالء بها وال ِ نتلجلج في ُ
بحيث ال ونح ُن نقدِّ ُم اإلسال َم للن ِ
َّاس،
ُ
شك منها ،وال نتركُهم حت َّٰى يستيقنوا َأ َّن َّاس في ٍّ نتلعثم ،وال ندَ ُع الن َُ
تصوراتِهم تبديل ..سيبدِّ ُل ُّ ً يفيئون إليه سيبدِّ ُل حياتَهم َ اإلسال َم حين
الحياة ك ِّلها ،كما سيبدِّ ُل َأوضا َعهم كذلك ،سيبدِّ ُلها ليعط َيهم ِ عن
ويرفع َأوضا َعهم، َ تصوراتِهم ليرفع ُّ َ يقاس ،سيبدِّ ُلها خيرا منها بما ال ُ ً
ِ ِ
اإلنسان ،ولن بحياة اللئق قرب إلى المستوى الكري ِم َّ ويجع َلهم َأ َ
الهابطة ا َّلتي هم فيها ،ال َّل ُه َّم َّإل ِ يبقي لهم شي ًئا من َأوضا ِع الجاهل َّية َ
اإلسالمي ات النِّظا ِم يكون لها من جزئي ِ َ يتصادف َأن
ُ ِ
الجزيئات ا َّلتي
ّ َّ
إلىستكون مشدود ًة ٰ ُ تكون هي بعينِها؛ ألَنَّها َ شبي ٌه ،وحت َّٰى هذه لن
279
َ
مشدودون إليه صل ا َّلذي هم عن األَ ِ
يختلف اختال ًفا ب ِّينًا ِ ُ صل ٍ
كبير َأ ٍ
الوقت ذاتِه لن يسل َبهم
ِ ِ
الخبيث! وهو في صل الجاهل َّية الن َِّك ِد
اآلنَ ،أ ِ
ِ
البحتة» بل سيدف ُعها قو َّي ًة إلى األَما ِم.. المعرفة «العلم َّي ِة
ِ شي ًئا من
ٍ
مذهب َّاس؛ حت َّٰى يدركُوا َأ َّن اإلسال َم ليس هو َأ َّي يجب َألَّ َ
ندع الن َ ُ
المذاهب االجتماعي ِة الوضعي ِة ،كما َأنَّه ليس َأي نظا ٍم من َأ ِ
نظمة ِ من
َ َّ َّ َّ
وش َياتِها( )1وراياتِها جمي ًعا ..وإنَّما سمائها ِ الحك ِم الوضعي ِة ..بشتَّى َأ ِ
ٰ َّ
ِّ
المستقل، وتصو ِره
ُّ هو اإلسال ُم فقط! اإلسال ُم بشخص َّيتِه المستق َّل ِة،
ِ
خيرا مما تح ُلم به و َأوضاعه المستق َّلة .اإلسال ُم ا َّلذي يح ِّق ُق للبشر َّية ً
هذه األَوضاع. وراء ِك ِّله من ِ
َ
اإلدراك فإن هذا على هذا الن ِ
َّحوَّ ، ُ
ندرك حقيق َة اإلسالم ٰ وحين
وقو ٍة، ٍ
َّاس ونحن نقدِّ ُم لهم اإلسال َم في ثقة َّ نخاطب الن َ
ُ بطبيعتِه سيجع ُلنا
الحقَ ،
وأ َّن يستيقن َأ َّن ما معه هو ُّ ورحمةِ ..
ثقة ا َّلذي ٍ عطف كذلك ٍ وفي
ُ
ُ
الباطل. َّاس هو
ما عليه الن ُ
لوان الب ِ
هائ ِم َس َوا ٌد في مثل ِعدَ ٍ
ات .وهي في َأ ِ والجمع ِش َي ٌ
ات ُ ل َم ُة ،و َأ ْص ُلها وشية،
«الش َي ُة» :الع َ
((( ِّ
َ ُ
ِ
بالعكس. َب ٍ
ياض َأو
280
يقل لهم َأبدً ا: هذه هي طريقتُه ..ولم ْ غموض فيها وال تردد؛ ألَ َّن ِ َ ال
ُّ َ
ٍ
بتعديالت وقيمهم َّإل وتصوراتِهم يمس حياتَهم و َأوضا َعهم
َ ُّ إنَّه ل ْن َّ
ِ ٍ
بعضنا يقول ُ فوها ..كما ُ طفيفة! َأو َأنَّه ُي ْشبِ ُه ُن ُظ َمهم و َأوضا َعهم ا َّلتي َأل َ
عنوان« :ديمقراط َّي ِة ِ تحت مر ًة َ إليهم اإلسال َمَّ .. ُ َّاس وهو يقدِّ ُم اليو َم للن ِ
ومر ًة َبأ َّن األَ ِ ِ
وضاع
َ تحت عنوان« :اشتراك َّية اإلسالم»! َّ ومر ًة َ اإلسالم»! َّ
تحتاج من عالمهم ال ِ والسياس َّي َة والقانون َّي َة القائم َة في االقتصاد َّي َة
ُ ِّ
س النَّاع ِم والت ِ َّدس ِ إلى ِ ٍ ٍ
َّربيت آخر هذا الت ُّ اإلسالم َّإل لتعديالت طفيفة!! ٰ
ِ ()1
الشهوات! على َّ
((( تنبيـه :رأي سـ ِّيد ُق ُطـب فـي ُأسـلوب الدعوة هـو امتداد للدعـوة النبويـة ..ا َّلتي اتفق
ِ
ومناهجـه ابتدا ًء ..وليـس إِيرا َد ِ
حقائق ِ
اإلسلا ِم تقديم بـأ َّن على الدُّ ِ
عـاة عليهـا العلمـاءَ ..
َ
صـول الدِّ ين،ِ إلى ُأ َ ثـم إِعطـا َء الن ِ ِ ُّ
الحـق ،ودعوتَهـم ٰ ِّ ميـزان َّاس والـر َّد عليهـاَّ ..
الشـبهات َّ
والش ِ
ـفقة، حمـة َّ ِ والر ِ ِ ِ ِ ِ
قـدر عقولهـم بالحكمـة والموعظـة الحسـنة َّ علـى
ٰ ومخاطبتَهـم
الشـرع َّي ِة لد َّقتِها ِ
لفـاظ َّ واسـتعمال األَ
َ نفوسـهم وسـيل ٌة لهدايتِهم، مداخل ِ
ِ علـى
ٰ فَّعـر َ
والت ُّ
كالشـورى والديمقراط َّية! ِ
والملتويـة.. ِ
خيلـة ِ
لفـاظ الدَّ ُّـب األَ ِ
ٰ وانضباطهـا ،وتجن َ
282
ُ
االنتقال من اجلاهليَّة إىل اإلسالم:
ُ
بدايات َّ
الدعوِة:
ِ
فضل منها تكن الدَّ عو ُة في َأ َّو ِل عهدها في وض ٍع َأ ٰ
قوى وال َأ َ ولم ِ
اآلن ..كانت مجهول ًة مستنكر ًة من الجاهل َّية ،وكانت محصور ًة في َ
وكانت غريب ًة
ْ صحاب الجاه والس ِ
لطان فيها، ُّ ِ عاب م َّك َة ،مطارد ًة من َأ ِش ِ
ِ
ات ضخم ٌة عاتي ٌة ف بها امبراطور َّي ٌ في زمانها في العالم ِك ِّله ،وكانت ت ُ
َح ُّ
مبادئها و َأهدافِها.
ِ كل تنكر َّ
ُ
ولكنَّها مع هذا ك ِّله كانت قو َّي ًة ،كما هي اليو َم قو َّي ٌة ،وكما هي غدً ا
طبيعة هذه العقيدة ذاتِها،ِ القو ِة الحقيق َّي ِة كامن ٌة في
عناصر َّ
َ قو َّي ٌةَّ ..
إن
ِ ِ
تعمل في َأسوأ ال ُّظروف و َأشدِّ ها ً
حرجا. تملك َأ ْن َُ ومن َث َّم فهي
الواضح ا َّلذي تقو ُم عليه ،وفي ِ ِ
البسيط الحق تكم ُن في
ِّ إنَّها ُ
طويل ،وفي قدرتِها ً تملك َأن تقاو َم سلطانَها ُ ِ
الفطرة ا َّلتي ال تناسقها مع ِ
ٍ
مرحلة كانت البشر َّي ُة طريق التَّقدُّ ِم ،في َأ ِّي ِة
ِ قيادة البشر َّي ِة ُص ُعدً ا في
على ِ
ٰ
والعقلي ..كما ِّ والعلمي
ِّ واالجتماعي
ِّ االقتصادي
ِّ من الت ََّأ ُّخ ِر َأو التَّقدُّ ِم
بكل قواها الما ِّد َّي ِة،َأنَّها تكم ُن في صراحتِها هذه وهي تواج ُه الجاهل َّي َة ِّ
ِ ِ
شهوات الجاهل َّية، َخ ِر ُم حر ًفا واحدً ا من ُأصولها ،وال تر ِّب ُت ٰ
على فال ت ْ
بالحق صد ًعا مع إشعار النَّاس
ِّ تصدع
ُ تدس ًسا ،إنَّما
تتدس ُس إليها ُّ
وال َّ
َبأنَّها ٌ
خير ورحم ٌة وبرك ٌة.
ومداخل قلوبِهم،
َ علم طبيع َة تكوينِهم خلق َ
البش َر َ هلل ا َّلذي َ
وا ُ
وقو ٍة، ٍ
بالحق صد ًعا ،في صراحة َّ
ِّ تصدع
ُ تستجيب حين
ُ ويعلم كيف ُ
وبال تلعث ٍم وال وصوصة!ٍ
ْ َ
284
إلى ٍ ِ ِ َّفس البشر َّي َة فيها االستعدا ُد َّ
الكامل من حياة ٰ لالنتقال إن الن َ
َّعديالت الجزئي ِة في َأ ٍ
ِ ٍ
حيان َّ يسر عليها من التيكون َأ َ
ُ حياة ،وذلك قدْ
على منه و َأ ُ ٍ ٍ
كمل آخر َأ ٰ
إلى نظا ٍم َ ُ
الكامل من نظا ِم حياة ٰ ُ
واالنتقال كثيرة..
يبر ُر منطق الن ِ
َّفس ..ولكن ما ا َّلذي ِّ ِ يبر ُره في
انتقال له ما ِّ ٌ نظف،و َأ ُ
اإلسالمي
ُّ إلى نظا ِم اإلسالم ،إذا كان النِّظا ُم االنتقال من نظا ِم الجاهل َّية َٰ
وتعديل طفي ًفا هناك؟ ً ال يزيدُ َّإل ً
تغييرا طفي ًفا هنا،
ِ
المنطق؛ ألَنَّه على األَ ِّ إن البقاء على النِّظا ِم ْ ِ
قل قرب إلىالمألوف َأ ُ َ َّ
ِ
واالنتقال َّعديل؛ فال ضرور َة ل َط ْر ِحه، لإلصالح والت ِ ِ قائمٌ ،
قابل نظا ٌم ٌ
ِ
خصائصه! غير قائ ٍم وال مط َّب ٍق ،مادا َم َأ َّن ُه شبي ٌه به في معظ ِم
إلى نظا ٍم ِ
ٰ
۞۞۞
اإلسال ُم ٌّ
قوي بذاِته:
ثون عن اإلسالم يقدِّ مونَه للن ِ
َّاس بعض ا َّلذي َن يتحدَّ َ َ
كذلك نجدُ َ
يدفعون به َأ َّن
َ يحاولون هم دفع الت ِ
ُّهمة عنه! ومن ب ْي ِن ما َ َّهم َ
َ كأنَّه ُمت ٌ
تعيب على اإلسالم مث َله ،و َأ َّن
ُ تفعل كذا وكذا مما األَنظم َة الحاضر َة ُ
«الحضارات»
ُ يصنع شي ًئا ـ في هذه األُمور ـ َّإل ما تصن ُعه
ْ اإلسال َم لم
لف و َأرب ِع ٍ
مئة عا ٍم! الحديث ُة بعد َأ ٍ
وساء َ
ذلك دفا ًعا! َ ان َ
ذلك دفا ًعا! وه َ َ
رات له من النُّظ ِم الجاهلية والتَّصر ِ
فات َّخذ المبر ِ
إن اإلسال َم ال يت ُ َّ
ُّ َّ ِّ
الن َِّك ِ
«الحضارات» ا َّلتي ُ
تبهر الكثيري َن ُ ُ
تنبعث منها .وهذه دة ا َّلتي
285
ِ ٍ ِ
سوى نظ ٍم جاهل َّية في صميمها .وهي ٌ
نظم ٰ ليست
ْ وتهز ُم َأ َ
رواحهم،
حالتقاس إلى اإلسالم ..وال عبر َة َبأ َّن َ ُ معيب ٌة مهلهل ٌة هابط ٌة حين
«العالم اإلسالمي َأو يسمى الوط َن ِ ِ هلها ٍ َأ ِ
َ َّ السكان في ما َّ بخير من حال ُّ
بتركهم لإلسالم ال ألَنَّهم البؤس ِ ِ ِ
إلى هذا اإلسالمي»! فهؤالء صاروا ٰ َّ
خير منها بما ال وحج ُة اإلسالم ا َّلتي يدلِي بها للن ِ
َّاسَ :أنَّه ٌ َّ َ
مسلمون..
وليرفع البشر َّي َة عن وهدتِها ال َ
يقاس ،و َأنَّه جاء ليغيرها ال ِ
ليق َّرها، َ ِّ َ ُ
الوحل ا َّلذي يبدو في ِ
ثوب «الحضارة».. ِ َمر َغها في هذا َ
ليبارك ت ُّ
ٍ
ِ
بعض مشابهات في س لإلسالم فال تبلغْ بنا الهزيم ُة َأن َّ
نتلم ِ
بعض األَ ِ
فكار ِ ِ
القائمة ،وفي ِ
المذاهب ِ
بعض ِ
القائمة ،وفي األَ ِ
نظمة
سواء.. ِ
الغرب رق َأو فيالش ِ
نرفض هذه األَنظم َة في َّ
ُ فنحن ِ
القائمة؛
ً ُ
إلى ما يريدُ اإلسال ُم ِ
بالقياس ٰ نرفضها ك َّلها ألَنَّها منح َّط ٌة ومتخ ِّلف ٌة إنَّنا ُ
َأ َّن يبلغَ بالبشر َّي ِة إليه.
ِ
الحقيقة ،ونقدِّ ُم لهم القاعد َة العقيد َّي َة َّاس بهذه نخاطب الن َُ وحين
عماق فطرتِهم ما يكون لديهم في َأ ِ ُ الش ِ
امل، اإلسالمي َّ ِّ َّصو ِر
للت ُّ
إلى وضعٍ؛ ولكنَّنا تصو ٍر ،ومن وض ٍع ٰ ُّ تصو ٍر ٰ
إلى ُّ َ
االنتقال من يبر ُر
ِّ
فعل نقول لهم :تعا َلوا من نظا ٍم قائ ٍم ً مقنعة حين ُ ٍ بح َّج ٍةال نخاط ُبهم ُ
غير مطب ٍق ،ال يغير في ِ
وحجتُه َّ نظامكم القائم َّإل ً
قليل، ِّ ُ آخر ِ َّ إلى نظا ٍم َ ٰ
يفعل هو ،وال يك ِّل ُفكم مر وذاك مث َلما ُ تفعلون في هذا األَ ِ َ إليكم َأنَّكم
وضاعكم وشهواتِكم ،وس ُيبقي لكم ِ القليل من عاداتِكم و َأ َ تغيير
َ َّإل
مسا خفي ًفا!يمسه َّإل ًّ صون عليه منها وال ُّ َ كل ما ِ
تحر َّ
286
ُهم ُة ُّ
الدعاِة إىل اهلل: م َّ
ٍ
شرك َ
مسأل ُة ٍ
وإيمان، مسأل ُة ٍ
كفر َ والمسأل ُة في حقيقتِها هي َ
واضحا..
ً َ
يكون مسأل ُة جاهل َّي ٍة وإسال ٍم .وهذا ما ينبغي َأ ْن ٍ
وتوحيدَ ،
عون ـ وهم َي ْح َي ْو َن حيا َة الجاهل َّية،
َّاس ليسوا مسلمي َن ـ كما يدَّ َ َّ
إن الن َ
يخدع اآلخري َن ،فيعتقدَ َأ َّن َ نفسه َأو
يخدع َ
َ يحب َأ ْن
ُّ وإذا َ
كان فيهم من
يستقيم مع هذه الجاهل َّية فل ُه ذلك ،ولك َّن انخدا َعه َ اإلسال َم يمك ُن َأ ْن
ِ ِ
وليس
َ َأو خدا َعه ال يغ ِّي ُر من حقيقة الواق ِع شي ًئاَ ..
ليس هذا إسال ًما،
ِ
هؤالء الجاهلي َن إلى هؤالء مسلمي َن ،والدَّ عو ُة اليو َم إنَّما تقو ُم لتر َّد ِ
ٍ
جديد. ولتجعل منهم مسلمي َن من َ اإلسالم،
واإلخالص له:
ُ جر ُد هلل اعية َّ
الت ُّ الد ِ ُ
وظيفة َّ
نفسنا إطال ًقا ،وحسا ُبنا في األَرض وال فسادا ،وال نريدُ شيئًا خاص ًا ألَ ِ
َّ ً
َّاس إلى اإلسالم ألَنَّنا نحن ندعو الن َ ُ ليس على الن ِ
َّاس؛ إنَّما جرنا َ وأ ُ َ
اعية إلى نحبهم ونريدُ لهم الخير ..مهما آ َذونا؛ ألَ َّن هذه هي طبيع ُة الدَّ ِ
َ ُّ
اإلسالم ،وهذه هي دواف ُعه..
ِ
َّكاليف يجب َأ ْن يعلموا منَّا حقيق َة اإلسالم ،وحقيق َة الت ومن َث َّم
ُ
العميق ا َّلذي يحم ُله لهم ،كما ِ ِ
الخير ِ
مقابل ا َّلتي سيطل ُبها إليهم ،في
عليه من الجاهل َّية ..إنَّها ِ ِ
حقيقة ما هم يجب َأ ْن يعرفوا ر ْأ َينا في ُ
«الهوى» ما دا َم َأنَّها شيء من اإلسالم ،إنَّها ٍ الجاهل َّي ُة وليست في
ٰ
الحق.. َّ ليست هي ْ الل» ما دام َأنَّها«الض ُ
«الشريع َة» إنَّها َّ ليست هي َّ ْ
الل! الحق َّإل َّ
الض ُ فماذا بعد ِّ
۞۞۞
اإلسال ُم َ
فوق االتِّهام:
ُ ِ
وليس فيهنضطر للدِّ فا ِع عنهَ ،
ُّ نخجل منه ،وما إسالمنا ما وليس في
َ
ِ
على حقيقتهَّ ..
إن ِ تدس ًساَ ،أو ما نتدس ُس به للن ِ
الجهر به ٰ نتلعثم في
ُ َّاس ُّ ما َّ
الش ِ
رق ،و َأما َم َأوضا ِع الجاهل َّية هنا ِ
الغرب ،و َأما َم َّ الروحي َة َأما َم
الهزيم َة ُّ
َّاس« ..المسلمين»َّ ..
يتلم ُس لإلسالم بعض الن ِ تجعل َ ُ وهناك ،هي ا َّلتي
ِ
«الحضارة» ٍ
موافقات جزئ َّي ًة من النُّظ ِم البشر َّيةَ ،أو يتلم ُس من َأ ِ
عمال َّ
بعض األُمور..
ِ عمال اإلسالم ،وقضا َءه في الجاهل َّية ما يسندُ به َأ َ
فليس هو ِ
واالعتذار؛ َ يحتاج للدِّ فا ِع والت ِ
َّبرير ُ َ
هناك من إ َّن ُه إذا َ
كان
ا َّلذي يقدِّ ُم اإلسال َم للنَّاس ..وإنَّما هو َ
ذاك ا َّلذي يحيا في هذه الجاهل َّية
288
ِ ِ ِ ِ ِ
والعيوب ،ويريدُ َأن َّ
يتلم َس َّقائص بالمتناقضات وبالن المليئة المهلهلة
يهاجمون اإلسال َم و ُي ْل ِج َ
ئون َ ِ
وهؤالء هم ا َّلذي َن رات للجاهل َّي ِة، المبر ِ
ِّ
مضطر
ٌّ َّهم يجهلون حقيقتَه إلى الدِّ فا ِع عنهَ ،
كأنَّه مت ٌ َ بعض ُم ِح ِّبيه ا َّلذين َ
ِ
قفص االتِّهام! نفسه في للدِّ فا ِع عن ِ
القالئل المنتسبي َن إلى َ هؤالء كانوا يواجهونَنا ـ نحن ِ بعض ُ
بعضنا نوات ا َّلتي قضـيتُها هـناك ـ وكان ُ اإلسالم في َأمريكا في الس ِ
َّ
موقف الدِّ فا ِع والت ِ
َّبرير.. َ يت ُ
َّخذ
موقف المهاج ِم للجاهل َّي ِة الغرب َّي ِة.. َ العـكس َأت ُ
َّخذ ِ وكنت على
ُ
وضاعها االجتماع َّي ِة ِ المهلهلةَ ،أو في َأِ سواء في معتقداتِها الدِّ ِ
ينية ٌ
رات عن األَقاني ِم وعن ِ ِ ِ
َّصو ُ واالقتصاد َّية واألَخالق َّية المؤذية ..هذه الت ُّ
ٍ
ضمير.. عقل وال تستقيم في ٍ الفداء ،وهي ال ِ الخطيئة وعنِ
ُ
كالحة..ٍ ٍ
بشاعة ورباها وما فيها من باحتكارها ِ
ِ وهذه الر ْأسمال َّي ُة
ِ
مطارق تحت َ َّكافل َّإل
وهذه الفرد َّي ُة األثر ُة ا َّلتي ينعد ُم معها الت ُ
وحر َّي ُة البهائ ِم ِ ِ
الجاف للحياةِّ .. ُّ َّصو ُر الما ِّد ُّي التَّاف ُه القانون ..وهذا الت ُّ
الر ِ ِ
«حر َّي َة
يسمونَها ِّ قيق ا َّلتي ُّ ُ
وسوق َّ االختالط».. «حر َّي َة
يسمونَها ِّا َّلتي ُّ
ف المضا ُّد لواقع الحياة في نظ ِم والحرج والتَّك ُّل ُ
ُ خف َ
المرأة»ُّ ..
والس ُ
ثم ..ما في ُ واج وال َّط ِ
الز ِ
الخبيثَّ .. العنصري الحا ُّد
ُّ َّفريق
الق ،والت ُ َّ
ٍ
وبشاشة ،وتط ُّل ٍع إلى ٍ مو وإنسان َّي ٍة ٍ
لعآفاق ،ت َّط ُ ٰ وس ٍّمنطق ُ اإلسالم من
البشر َّي ُة دونَها وال تبل ُغها.
289
ِ ِ ِ ِ
ومن مواجهة الواق ِع في الوقت ذاته ،ومعالجته معالج ًة تقو ُم ٰ
على
الفطرة اإلنساني ِة الس ِ
ليمة. ِ ِ
قواعد
َّ َّ
نواجهها في واقع الحياة الغرب َّي ِة ..وهي ُ حقائق
َ وكانت ِ
هذه
ضوء اإلسالم، ِ تعرض في ُخ ِج ُل َأصحا َبها حين حقائق كانت ت ْ ُ
ُ
تعيش فيه ينهزمون َأما َم ذلك ِ
النتن ا َّلذي ُ َ ناسا ـ يدَّ عون اإلسال َم ـ
ولك َّن ً
ِ ٍ ليتلم َ
المضطرب الركاب
سون لإلسالم مشابهات في هذا ِّ الجاهل َّي ُة ،حت َّٰى َّ
()1
رق َأ ً
يضا! الش ِ ِ
البشعة في َّ ناعة الما ِّد َّي ِة
الش ِ الغرب ،وفي تلك َّ ِ ِ
البائس في
نواجه اجلاهلي َ
َّة حولنا؟ ُ َ
كيف
إلى َأ ْن َأ َ
قول :إنَّنا نح ُن ا َّلذين نقدِّ ُم ٍ
ولست في حاجة بعد هذا ٰ ُ
تصوراتِها، ٍ َّاس ،ليس لنا َأ ْن
اإلسال َم للن ِ
نجاري الجاهل َّي َة في شيء من ُّ َ
تقاليدها؛ مهما يشتدُِّ ٍ
شيء من ِ
وضاعها ،وال في ٍ
شيء من َأ وال في
ضغ ُطها علينا.
رات اإلسالمية ،والت ِ إحالل التَّصو ِ
َّقاليد َّ ُّ ُ ولى هي إن وظيفتَنا األُ ٰ َّ
ِ
بمجاراة الجاهل َّية، مكان هذه الجاهل َّية ،ولن يتح َّق َق هذا ِ اإلسالم َّية في
ِ
البعض منَّا.. ريق ،كما قد ُي َخ َّي ُل إلى ٍ
خطوات في َأ َّو ِل ال َّط ِ والس ِير معها
َّ
منذ َأ َّو ِل ال َّط ِ
ريق.. ِ
الهزيمة ُ ُ
إعالن إن هذا معنا ُهَّ
مريكي بدائ ًّيا في اإلعجاب بالقوى العضل َّي ِة، ُّ خالق! قال ( :ويبدو األَ والمبادئ واألَ ِ ِ
خالق في حياتِه الفرد َّي ِة والمبادئ واألَ ِ ِ ِ
بالمثل يستهين
ُ بقدر ما بوجه عا ٍّمِ : ٍ والقوى الما ِّد َّي ِة
وعالقاتِ العمل َبأ ِ
نواعه، ِ وفي حياتِه العائل َّي ِة وفي حياتِه االجتماع َّي ِة ،فيما عدا دائر َة
ريقة األَمريك َّي ِة كرة القد ِم على ال َّط ِ مباريات ِ
ِ تتابع
الجماهير وهي ُ ِ ومنظر
ُ
ِ
والمال. ِ
االقتصاد
ِ ِ ِ
عب، تشترك في ال َّل ِ ُ إن القد َم ال نصيب ،إذ َّ ٍ يليس لها من اسمها كرة القد ِم َأ ُّ الخشنة ا َّلتي َ
الهدف، ِ ليقذف بها إلى َ ويجري بها يخطف الكر َة بين ِ
يديه، َ العب َأن
ٍ كل يحاول ُّ ُ إنَّما
َ
ٍ بكل ٍ ٍ
منظر ُ شراسة، وكلعنف ِّ وسيلةِّ ، بكل يعوقو ُه ِّ اآلخر َأن ِّ ِ ِ
الفريق يحاول العبو ُ بينما
والمصارعة الوحشي ِة الدَّ اميةِ، ِ حفالت المالكمةِ ِ تتابع هذه ال ُّلعب َةَ ،أو تشاهدُ ِ
َّ الجماهير وهي ُ
ِ ِ ِ ِ
الحيواني ،المنبعث من إعجابِها بالعنف القاسي ،وعد ِم التفاتها ٰ
إلى ِّ هياجها منظرها في ُ
ِ َّ ِ َ الس ِ ْ ِ ِ عب ُ قواعد ال َّل ِ ِ
وصراخها ُ المهشمة، ائل واألوصال وأصوله ،بقدر ما هي مأخوذ ٌة بالدَّ ِم َّ
المنظر
ُ هش ْم َأضال َعه ،اعجنْ ُه عجينًا! هذا دق عن َقهِّ ، رأسهَّ ، يشج ُع فري َقه :ح ِّط ْم َ كل ِّ هاتف ًةٌّ ،
بالقو ِة العضل َّي ِة وتهواها) انظر« :مجلة َّ عور ا َّلتي ُّ
تفتن الش ِ للشك في بدائ َّي ِة ُّ ِّ مجال ً يدع
ال ُ
الرسالة» العددَ ( .959 :أمريكا ا َّلتي ر َأيت).
291
دون ا َّلذين
الموح َ المؤمنون ُ
ويقف ِ
قسمين، ينقسم القو ُم الواحدُ ثم ِ
ِّ َ ُ الدَّ ينونة ـ َّ
حد من ِ
خلق اهلل يدينون ألَ ٍ
َ المشركون ا َّلذين
َ ُ
ويقف يدينون هلل وحدَ ه ص ًّفا ـ َأو ُأ َّم ًة ـ
َ
المؤمنين والت ِ
َّدمير َ ِ
بنصر يحق وعدُ اهللثم ُّ المشركينَّ ،
َ المؤمنون
َ ُ
يفاصل ثم ص ًّفا َ
آخرَّ ،
تطول فتر ُة الدَّ ِ على ِ ٍ
عوة َ
قبل ُ البشري ،ولقد
ِّ مدار التَّاريخِ وقع با ِّطراد ٰ
المشركين ،كما َ
َ على
ُ ِ ِ ِ
منذ ال َّلحظة األ ٰ
ولى). يجب َأ ْن َّ
تتم ُ ُ الشعور َّي َةولكن المفاصل َة العقيد َّي َة ُّ
َّ المفاصلة العمل َّية،
ج/٤ص« ١٩٤٧الظالل» سورة هود.
هناك عزل ٌة َّإل العزل َة
َ تكن ِ
والمفاصلة ،قال َأ ً ِ مسأ ِلة
توضيح َ ِ
يضا( :فلم ْ العزلة * وفي
َّفسي لهذه ِ غريبة عنه في َأ ِ
ٍ الجديد ،وعد ِم خلطِه َبأ َّي ِة رق ٍع ِ َّصو ِر
َّكوين الن ِّ ثناء الت اإليماني
ِّ بالت ُّ
َّصو ِر ِ ِ
الخاصِّ اإليماني
ِّ دائما إلى إنشاء هذا الت ُّ المستمر ُة متَّجه ًة ًَّ الجماعة ،وكانت التَّربي ُة
ائدة في العال ِم ك ِّله يومذاك ،وفي رات الس ِ المنعزل بحقيقتِه وطبيعتِه عن التَّصو ِ ِ المم َّي ِز،
َّ ُّ
ِ َّاس ا َّلذين ُ ٍ ِ ِ
نفوسهم فلم َّصو ُر المتم ِّي ُز في
ينشأ هذا الت ُّ خاصةَ .أ َّما الن ُالجزيرة العرب َّية بصفة َّ
ِ
الحوادث ِ
بوتقة يصهرون في
َ حداث ،بل كانواِ ومضطرب األَ
ِ بمعزل عن واقع الحياة ٍ يكونوا
الواحد مر ٍ
ات كثيرةً، ِ ِ
والخلق ِ
الواحد صهرهم في األَ ِ
مر يوما بعد يومٍ ،ومر ًة بعد ٍ
َّ مرة ،ويعا ُد ُ
َّ َّ ً
عة) ج/٦ص« .٣٥٣٦الظالل» سورة الممتحنة. رات متنو ٍ
وتحت مؤ ِّث ٍ
َ
ِّ
293
.............................................................
بالقلب ،وال ِ ُ
تكون فمن خالل كال ِم س ِّيد ُق ُطب تب َّي َنَ :أ َّن ُه يرى المفاص َلة المعنو َّي َة ا َّلتي
هل تكون اعتقاد َّي ًة؛ فال مح َّب َة وال مناصر َة مع َأ ِ َ يجب َأ َن ُ هلل ،وهذه لع عليها َأحدٌ َّإل ا ُ ي َّط ُ
ِ ِ ِ ِ ِ
تمنع المفاصل ُة عنده والمنَ َعةَ ،أو في حالة االستضعاف ،وال ُ القوة َ وتكون في حالة َّ ُ الباطل، ِ
القدوة ال َّطيبةِ ِ َّاس ،وتقديم قارب والن ِ هل واألَ ِ ِ
الصلة والمعاملة ال َّط ِّيبة مع األَ ِ ِ ِ ِ
َّ من إحسان ِّ
فتكون في ُ وأ َّما المفاصل ُة العمل َّي ُة: لهم من ُح ْس ِن المعاشرة ماداموا لم ُيظهروا العدا َءَ . ِ
مثل المعاصي ،وفيما ِ
بعض المواقفِ ، ِ مسأ ٍلةَ ،أو يكون في َ ُ اهرة ،وقد المعامالت المادي ِة ال َّظ ِ ِ
َّ
َّاس ُ ف به شرع اهللِ ،فال يخال ُطهمَ ،أو يشاركُهم في ِ يخا َل ُ
نعتزل الن َ باطلهم ،قال ( : حيث ُ
ذكى منهم نفساَ ،أو َأ ٰ رحب منهم ً طيب منهم قل ًباَ ،أو َأ ُ روحاَ ،أو َأ ُ طهر منهم ً نحس َأنَّنا َأ ُ ألَنَّنا ُّ
ِ
إن العظم َة وأق َّلها مؤون ًة! َّ بلَ ، الس ِ يسر ُّ اخترنا ألَنفسنا َأ َ كبيرا ،لقد ْ نكون قد صنعنا شيئًا ً ُ عقل ،ال ً
على ضعفهم ونقصهم ِ ِ ِ ِ َ الحقيق َّي َة َأ ْن
السماحة ،والعطف ٰ عين بروحِ َّ َّاس متش ِّب َ نخالط هؤالء الن َ
نستطيع، إلى مستوانا ِ
بقدر ما ِ ِ ِ ِ ِ ِ
ُ تطهيرهم وتنقيتهم ورفعهم ٰ الرغبة الحقيق َّية في وخطئهم ،وروحِ َّ
ِ ِ آفاقنا العليا ِ إنَّه ليس معنى هذا َأ ْن نتخ َّلى عن ِ
ونثني َ َّاس، الساميةَ ،أو َأ ْن نتم َّل َق هؤالء الن َ ومثلنا َّ ُ ُ ٰ ٰ َ
المتناقضات وسع َة ِ َّوفيق بين ِ
هذه َ ت ال إن
َّ ا، ً
ق ف َ
أ منهم على َ
أ َّنا
ن َ
أ هم نشعر ن ْ َ
أ و َ
أ هم، ِ رذائل على
ٰ َ ٰ
الرسالة ا َّلتي كتبها س ِّيد ِ «من ). ِ
ة ي الحقيق ُ
ة العظم هو ٍ
جهد من َّوفيق
ُ ت ال هذا ه ب ل َّ يتط لما ِ
در الص
ِّ َّ ُ َّ
قبل إعدامه مباشرةً». ِ إلى ُأخته َ ِ ب ُق ُط
ٰ
القدوة ال َّطيبةِ ِ ُّ يعطف على الن ِ قيق ا َّلذي الر ِ الر ِ فهل ُ
ِّ على تقديم ويحث ٰ َّاس ُ جل َّ مثل هذا َّ
يحكم بالخير لهمَ ،أو ِ يسعى يتمنى َأو لهم مع المعاشرة الحسنة؛ يقاط ُعهم ويعاديهم وال ِ ِ
ُ ٰ ٰ
بالكفر؟! ِ عليهم
كان يدعو للت ِ ِ مر الع ِ ِ
َّمييز تكفير المجتمع ،و َأنَّه َ زلةَ ،أو تظهر جل ًّيا حقيق ُة موقفه من َأ ِ ُ ومن هنا ُ
بواجب ِ الراقي مع معايشة المجتمع ،والقيا ِم ِ الص ِ الشعور َّية بالفه ِم ِ والعزلة ُّ ِ
حيح َّ اإلسالمي َّ ِّ
ِ ٍ عوة فيه َ الدَّ ِ
حيح لإلسالم؛ الص ِ الكبر ،وإنَّما هو استعال ٌء بالفه ِم َّ استعالء يدعو إلى دون
بديل. ُظمه وتشريعاتِه ً بغير اإلسالم ون ِ نقبل ِ وهو ا َّلذي يجع ُلنا ال ُ
***
لقول اهلل تعالى﴿ :ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ِ تفسيره * َأ َّما
ُ
ﯠ ﯡ ﯢ ﯣﯤ ﯥ ﯦ﴾ [يونس .]87 :وا َّلتي ُف ِه َم منها
ِ
مطاردة ِ
حال اعتزال جاهل َّي ِة المجتمع ،وفي
َ اعتزال المجتمع ذاتِه ،فإنَّما َ
كان يقصدُ ُ
إلى موسى وهارون َأن يتَّخذا لبني ِ
تفسير اآليةَ ( :أوحى ا ُ
هلل ٰ ِ فيقول في ُ المؤمني َن،
مصر في للر ِ
حيل من ِ ِ خاص ًة بهم ،وذلك َ
َ لفرز هم وتنظيمهم استعدا ًدا َّ َّ إسرائيل بيو تًا
294
..............................................................
الله ،وتلك بنصر ِ ِ واالستبشار نفوسهم، ِ تطهير بيوتِهم ،وتزكي َة المختار؛ وك َّلفهم ِ الوقت ِ
َ َ
ِ أل ِ تان ل َ َّعبئة النِّظام َّية ،وهما م ًعا ضرور َّي ِ جوار الت ِ ِ الروح َّي ُة إلى
والجماعات، فراد هي التَّعبئ ُة ُّ
ِ
قبيل المعارك والمش َّقات. ِ وبخاص ٍة َ َّ
تنبئ بأ َّنَ تزال إلى هذه ال َّلحظةِ، ُ َّجارب ما ولكن الت ِ
الروح َّية، ِ
ُ َ َّ يستهين قو ٌم بهذه التَّعبئة ُّ ُ ولقد
الجندي الخائر العقيدة ال ِ ِ َ َ
الح األ َّو ُل في المعركة ،وأ َّن األدا َة الحرب َّي َة في يد ِ َ
ِّ الس ُ العقيد َة هي َّ
العصبة المؤمنةِ ِ يعرضها الله على ُ الشدَّ ة ،وهذه التَّجرب ُة ا َّلتي ِ ِ
كثيرا في ساعة ِّ تساوي شيئًا ً
إسرائيل ،فهي تجرب ٌة إيمان َّي ٌة خالص ٌة. َ خاص ًة ببني ليكون لها فيها ُأسوةٌ ،ليست َّ َ
ت الفتنةُ ذات يو ٍم مطاردين في المجتمع الجاهلي ،وقد عم ِ نفسهم َ َ
َّ ِّ َ المؤمنون أ َ َ وقد يجدُ
فرعون في ِ
الحال على عهد ُ َّاس ،وأنتنت البيئ ُة ـ وكذلك َ
كان ِ َ وتج َّب َر ال َّط
َ اغوت ،وفسدَ الن ُ ُ
هلل إلى ُأمورٍ: ِ ِ
هذه الفترة ـ وهنا يرشدُ هم ا ُ
ِ
العصبـة ـع وشـرها ـ مـا َأ ِ اعتـزال الجاهل َّيـة بنتنِهـا ُ
وتجم ُ ُّ مكـن ذلـك ـ َ ِّ وفسـادها ـ
ِ ِ المؤمنـة الخي ِ ِ
وتدر َبهـا وتن ِّظمهـا ،حت ٰ
َّـى ِّ لتطه َرهـا وتز ِّك َيهـا، علـى نفسـهاِّ ، ٰ َّظيفـة ـرة الن ِّ
تـي وعـدُ اهلل لهـا. ْيأ َ
ِ ِ ِ ِ ُ
باالنعزال عن تحس فيها اعتزال معابد الجاهل َّية واتِّخا ُذ بيوت العصبة المسلمة مساجدَ ُّ ، ـ
ِ ِ
وتزاول بالعبادة ذاتها ُ وتزاول فيها عبادتَها لر ِّبها على نهجٍ صحيحٍ ؛ ُ الجاهلي؛ المجتمع
ِّ
جو العبادة ال َّط ِ ِ
هور). نو ًعا من التَّنظي ِم في َّ
اض ُط ِهدُ وا ،ولم يستطيعوا ممارس َة إسرائيل قد ْ َ َّعبئة هذه ال شي َء يمن ُعها؛ فبنو ففكرة الت ِ
ِ
البيوت. العبادة عالني ًة في المجتمعَ ..فأمرهم اهلل بالص ِ
الة في ِ
ُ َّ َ
الفرائض فال تُص َّل ٰى ُ َّوافل في بيتِهَ ،أ َّما المسلم الن َ ُ وهدي نب ِّيه ﷺ َأ ْن ُيص ِّل َي ِ فمن سن َِّة اإلسالم
شرعيَ ،أو ٍ
لعذر المساجد َّإل ِ ِ
الجماعة في ِ
صالة وجوب اجح ُ ِ
ٍّ ُ الر ُ القول َّ البيوت؛ بل في
ِ
للقبض على المسل ِم وسجنه وإيذائه ،كما ِ ِ هناك فتن ٌةَ ،أو َأصبحت المساجدُ مصيد ًة ِ َ كانت
ْ
هذه الحقيق َة! المسلمون ِ
َ َ
وعاش ول اإلسالم َّية، كثر الدُّ ِجرى ذلك في َأ ِ ٰ
َ
فرعون ـ ِ
كمثل عهد ِ الجاهلي ـ ِ ِ
ث عن احتمال َّية مطاردة المجتمع فس ِّيد ُق ُطب إ ًذا يتحدَّ ُ
ِّ
َّاس والبيئ ُة.
اغوت ،ويفسدَ الن ُ
ُ للمؤمني َن ،و َأ ْن َّ
تعم الفتن ُة ،ويتج َّب َر ال َّط
البيوت ،وعد ِم الص ِ ِ إن سيدً ا َأفتى بالص ِ ِ
واإلجحاف َأ ْن َ
الة في َّ الة في َّ ٰ نقولِّ َّ : ومن ال ُّظل ِم
ِ ِ ِ
هي قض َّيتُه؟! على َأ َّن هذه َ
فكره وكتاباته ٰ المساجد ،واعتزال المجتمع؟! ونقدِّ م َ
()١
مشاقِّ على
يصبر العبدُ ٰ ُ اإليمان»َ :فبِ ِه
ِ طرحه س ِّيد ُق ُطب هو «استعال ُء َ ((( من روائ ِع ما
تمكين في األَرض ،ولكنَّه ينتهي ٍ ٍ
بملك َأو سلطانَ ،أو ٍ ِ
ريق الوع ِر ا َّلذي لنهذا ال َّط ِ
ينتهي ُ َ
ِ ودينِه
المؤمن بربه ِ والش ِ
رحاب اهللَِّ ،
ونفسه يمن َُح ُه طاق َة ِ ِّ سبيل اهلل؛ فاعتزازُ ِ هادة في ِ في
شريف، ٍ ٍ
عون ب ،ومواجه َة المحتاجي َن ِّ
بكل بالعمل ال َّط ِّي ِ
ِ ِ
الحياة ِ
مواجهة ِ
المواجهة:
والحق بالقو ِة والص ِ ومواجهة َأ ِِ
علىعلىَ ..أ ٰ إن المؤم َن هو األَ ٰ والشموخِ َّ .. البة ُّ َّ َّ ِّ عداء الدِّ ِ
ين
ومنهاجا ..واستعال ُء
ً على شريع ًة وشعورا وخل ًقا وسلوكًا ،و َأ ٰ ً ضميرا
ً ومصدرا ،و َأ ٰ
على ً سندً ا
ثرى من َأ ِ ِ
قطار هذه األَرض بما قوى و َأ ٰ اإليمان يج َع ُل الحقيق َة اإليمان َّي َة في ن َظ ِر صاحبها َأ ٰ
الكاسب في ُ ف وال المهان َة ..فإذا هو ف التَّو ُّق َ جم َعت ،ويب َع ُث فيه الحم َّي َة ا َّلتي ال ِ
تعر ُ
عظيم ،وإن است ِ كل ٍ
عظم؛ لذلك كان كسب َأ ُ ٌ ُشهدَ ..فذاك ٌ ب
حال؛ إن انت ََصر ..فهذا ك َْس ٌ ِّ
ِ ِ ِ ِ ِ
المؤم ُن من واق ِع هذه العزَّ ة ،ومن َمع ِ ِ
َّمسك بح ِّقه، اإليمانيُ ،مطا َل ًبا بالت ُّ
ِّ ين هذا االستعالء
اني.. ٌ فمشروع س ِّيد ُق ُطب ُّزول عن ِ وعد ِم الت ِ
َّفريط فيهَ ،أو الن ِ
متكامل ر َّب ٌّ مشروع
ٌ ُ بعضه.
دار األَرق ِم المك َّي ُة.. ريفين ،و ُأسوتُه مدرس ُة ِ ِ الش ِ
الوحيين َّ تربوي؛ ما َّدتُه ُمستقا ٌة من
ٌّ إيماني..
ٌّ
الحي
ِّ الشديدة ..كما أ َّن نموذجهَ عانى أصحاب هذه المدرسة النبوية من المعاناة َّ َ ٰ وما
ِ ِ
ابر.. الص ُ جاعَّ .. الش ُ امخُّ ..الش ُ ُ
العمالق َّ قتدى به في االستعالء باإليمان؛ هو ذلك ا َّلذي ُي ٰ
ِ
وزن له في ال ُعرف ،وال الشامخات ..العبدُ األَسو ُد ..ا َّلذي ال َ ِ ِ
جبال م َّك َة َّ ثبوت
َ ابتال َّث ُ
يتحو ُل هذا بضاعة مزجاة! و َف ْج َأ ًة ٍ شترى َ
َّ كأ ِّي ٰ باع و ُيقيم َة له في المجتمع؛ بل كان ُي ُ
296
ِ
المؤمن يكون عليها ُش ُ
عور َ إنَّه يم ِّث ُل الحال َة الدَّ ائم َة ا َّلتي ينبغي َأن
سواء. ِ
شخاص حداثِ ،
والق َيم ،واألَ ِ شياء ،واألَأل ِ وتقديره ل َ وتصو ُره
ً ُ ُّ
ِ
المؤمن نفس يجب َأن ِ
االستعالء ا َّلتي إنَّه يم ِّث ُل حال َة
تستقر عليها َُّ ُ
ِ
باإليمان ِ
االستعالء حد، وكل َأ ٍ وكل ٍ
قيمةِّ ، وكل وضعٍِّ ، شيءِّ ، ٍ كل إزاء ِّ
َ
غير َأ ِ
صل اإليمان. صل ِ ِ
المنبثقة من َأ ٍ وقي ِمه على جمي ِع ِ
الق َيم ٰ َ
الحائدة عن منهج اإليمان، ِ على قوى األَرض
وعلىٰ االستعالء ٰ
ُ
ِ
تقاليد األَرض ا َّلتي وعلى ِ
اإليمان، تنبثق من َأ ِ
صل قي ِم األَرض ا َّلتي لم ْ
ٰ
ُ
اإليمان، قوانين األَرض ا َّلتي لم ِّ
يشر ْعها ِ وعلى
ٰ ُ
اإليمان، لم َي ُص ْغها
ُ
اإليمان. وعلى َأوضا ِع األَرض ا َّلتي لم ُينش ْئها
ٰ
ِ
المال، ِ
وفقر ِ
العدد، القو ِة ،وق َّل ِة ِ
ضعف االستعالء ُ..مع
َّ
والكثرة والغنى على الس ِ
واء. ِ القو ِة ِ
َّ ٰ كاالستعالء مع َّ
ٍ ٍ ِ ِ
لمدرسة ِ الحبشي بعد انتسابِه
مغوار ،يواج ُه صنديد إلى ٍ
بطل دار األَرق ِم اإليمان َّيةٰ .. ُّ العبدُ
ِ ِ ِ ِ
ُفر و َأسيا َدها ..في صحراء م َّك َة الحارقة؛ ئم َة الك ِ
فينتصر عليهم باستعالئه بإيمانه في ُ َأ َّ
اإلسالمي في صدارتِه ..ويدخ ُله من َأوس ِع ُّ سج ُل ُه الت ُ
َّاريخ عظيماُ ،ي ِّ ً انتصارا
ً
ِ
ثالثة َأ َّيا ٍم
باب الجن َِّة َّإل َل ُه..فتح ُ
يدي َمن ال ُي ُالخلد بين ْ
اآلخرة ،جن َِّة ُ ِ
ِ يدخل في ِ
دار ُ َأبوابِهَّ ..
ثم
ِ
تم التَّسلي ِم!الصالة و َأ ُّ فضل َّ عليه َأ ُ
هممه نحو وشحذ ِ ِ بمبادئ دينِه العظي ِم..
ِ ِ
المؤمن ِ
إيمان ِ
تجديد مشروع فمشروع س ِّيد
ُ ُ
والرياد َة ِ مستقبل َأ َ
ٍ ِ ِ نهضة ُأ َّمتِه
ِ
السياد َة ِّ فضل لها مع شريعة اهلل؛ تضم ُن ِّ وصناعة المجيدة..
ائم من الخضو ِع لنمط َّي ِة الواق ِع َّحذير الدَّ َ والسعاد َة في الدَّ ِ
ارين ..والت َ
ِ
على المعمورةَّ ..
الفاشية ،وإنَّما عصر الس ِ
عادة؛ ِ ِ
البائسة ِ
العصور ٍ
عصر من ِ
َّقولب في والت ِ
َّحرير منهاَ ،أو الت
ُ َّ
عصر
ُ بمرحلتيه الم ِّك َّي ِة والمدن َّي ِة؛ هو
ِ ِ
الفريد.. القرآني
ِّ ِ
الجيل عصر
ُ َّبوي..
العصر الن ُّ
ُ هو
ٍ ٍ
القويم.
ُ الحكيم ،وهد ُيه
ُ يؤس ُس لحضارة جديدةُ ..يظ ُّلها ُ
شرع اهلل الحق ..ا َّلذي ِّ
اإلسالم ِّ
297
(الم َؤ ِّلف).
َّصور اإلسالمي ومقوماته» ُ
((( ُيراجع :فصل (تيه وركام) في كتاب« :خصائص الت ُّ
300
ِ ِ ِ ِ ٍ
ِ
جانـب ك َّلـ ُه َأشـ َبه شـيء بمحـاوالت األَطفـال وخ ْبـط ال ُع ْميـانٰ ،
إلـى
الضا َّل ِة من
وسـينظر إلى البشـر َّي ِة َّ
ُ ِ
الكامل، ِ
َّاضجـة والنِّظـا ِم ِ
ـريعة الن َّ
الش
نفسـه َّإل وشـ ْقوتها ،وال يجدُ في ِ بؤسـها ِوإشـفاق على ِ ٍ ٍ
عطف ٍ
عل في
ٰ
والض ِ
الل. ـقوة َّ الش ِ علـى ِّ االسـتعال َء
ٰ
۞۞۞
ِ
الجوفاء، ِ
المظاهر يقفون َأمام
َ المسلمون األَ ُ
وائل َ وهكذا كان
ِ ِ
المتن ِّفجة( ،)1واالعتبارات ا َّلـتـي كـانـت تتع َّبدُ الن َ
َّاس في والقـوى ُ
الجاهل َّية ..والجاهل َّي ُة ليست فتر ًة من الز ِ
َّمان ،وإنَّما هي حال ٌة من
المجتمع عن نهجِ اإلسالم ،في الماضي انحرف تتكر ُر ك َّلما ِ
ُ َ الحاالت َّ
السواء.. ِ
والمستقبل على َّ ِ
والحاضر
۞۞۞
بن َ
شعبة: ٌ
وموقف للمغريِة ِ اإلميان،
ِ استعال ُء
وضاعهاِ ِ
صور الجاهل َّية و َأ وقف المغير ُة ب ُن ُشعب َة َأما َم َ هكذا
ِ
المشهور( :عن َأبي معسكر رستم ِ
قائد ال ُف ِ
رس ِ وتصوراتِها في ِ
وقيمها
َ ُّ
إلى َأ ِ ِ
فارس
هل َ لما جا َء المغير ُة إلى ال َقنطرة ،فع َبرها ٰ َّهدي قالَّ :
عثمان الن ِّ َ
رستم في إجازتِه ،ولم ُيغ ِّيروا شي ًئا من شارتِهم َ ْ
واستأذنوا َأ ُ
جلسوه،
قبل المغير ُة ب ُن شعب َة والقو ُم في ِز ِّيهم ،عليهم الت ُ
ِّيجان تقوي ًة لتهاونِهمَ ،فأ َ
هب ،وبسطهم على َغ ْلو ًة ـ وال َغلوةُ :مساف ُة ِ
رمية ٰ بالذ ِ ُ ُ ياب المنسوج ُة َّ وال ِّث ُ
إلى صاحبِهم حت َّٰى طوة ـ ال ُ مئة ُخ ِ مئة َأو َأرب ِع ِ
بثالث ِ
ِ سه ٍم وتقدَّ ر
يصل ٰ
(( ( «المتن ِّف ِ
جة» َ :ن َف ْج ُت الشي َء فانْتفج؛ َأي :ر َفعتُه وع َّظ ْمتُه .فمعناه :التَّعا ُظم والتَّك ُّبـر ُ
والخ َيالء. ُ
301
ِ يمشي على َغ ٍ
جلسضفائر يمشي؛ حت َّٰى َ
َ قبل المغير ُة ول ُه َأ ُ
ربع لوة ،و َأ َ َ ٰ
فترتروه و َأنز ُلوه ومغ ُثوه( ،)1فقال: سريره ووسادتِه ،فوثبوا ِ
عليه ِ على
ُ ُ ٰ
معشر
َ رى قو ًما َأسف َه منكُم ،إنا عنكم األَحال ُم ،وال َأ ٰ
ُ كانت تَب ُل ُغنا
ْ
يكون محار ًبا لصاحبِه، َ بعضاَّ ،إل َأ ْن
بعضنا ً العرب سوا ٌء ال يستعبدُ ُ ِ
نتواسى ،وكان َأحس َن من ا َّلذي ٰ تواسون قو َمكم كماَ فظننت َأنَّكم ُ
مر البعض ،و َأ َّن هذا األَ َ ٍ بعضكم َأ ُ
رباب صنعتُم َأن تخبرونِي َأ َّن َ
دعوتموني ..اليو َم
ُ يستقيم فيكُم ،فال نصن َعه ..ولم آتِكُم ،ولك ْن ُ
مغلوبون ،و َأ َّن ُم ْلكًا ال يقو ُم ٰ
على َ مضمحل ،و َأنَّكم
ٌّ علمت َأ َّن َأ َ
مركم ُ
ِ
العقول). يرة ،وال على ِ
هذه هذه الس ِ
ٰ ِّ
عامر:
بن ٍ لربعي ِ
ِّ ٌ
موقف
قبـل ِ
وقعة رسـتم هذا وحاشـيتِه َ عامر مع ربعـي ب ُن ٍ وقف
كذلـك َ
َ ُّ
ربعـي ب َن ٍ
عامر َّ قبل القادسـ َّي ِة وقاص َ ٍ رسـل سـعدُ ب ُن َأبي القادسـ َّي ِةَ ( :أ َ
فدخـل ِ
عليه َ ميرهـم؛ الجيـوش الفارسـ َّي ِة و َأ ِ ِ رسـول إلـى رسـتم ِ
قائـد ً
َ ٰ
ِ ()2 ِ
اليواقيت
َ الحريـر ،و َأ َ
ظهـر رابـي
والز ِّ َّمـارق َّ مجلسـه بالن
َ وقـد ز َّينـوا
مينة، متعة ال َّث ِ
وعليه تاجه ،وغير ذلك مـن األَ ِ ِ لـئ ال َّثمين َة العظيمـ َة، َّ
ُ ُ والل َ
بثياب ص ٍ ٍ
س فيقـة وت ُْر ٍ ٍ َ ربعـي
ٌّ َ
ودخل سـرير مـن ٍ
ذهب، على
جلس ٰ وقـد َ
ِ
البسـاط، طرفيـزل راكبهـا حتَّى داس بهـا على ِ قصيـرة ،ولم ْ ٍ س و َف َـر ٍ
ٰ ٰ َ َ
سلاحه وبيضتُه الوسـائد ،وأق َب َـل وعليه ِ ببعـض َ
تلك ِ ثـم َ
نـزل ورب َطها
ُ
(الم َؤ ِّلف).
حركوه وزعزعُوه« .ومغثوه » :صرعُوه ُ
«ترتروه» َّ :
((( ُ
(الم َؤ ِّلف).
َّرابي» :ال ُبسط المخملة ُ
(((« الن ََّمارق » :الوسائد والحشايا لالتِّكاء .و«الز ُّ
302
﴿ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ * ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ
ﮌﮍ ﮎ ﮏ * ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ
ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ﴾
[آل عمران 196 :ـ .]198
مغاير
ٌ وضاع ك ُّلها
ٌ وقيم و َأ
ٌ رات
وتصو ٌ
ُّ المجتمع عقائدُ
َ وتسو ُد
شعوره َبأنَّه األَ ٰ
على، ُ وقيمه وموازينِه؛ فال يفار ُقه
ِ وتصو ِره
ُّ لعقيدتِه
303
ٍ
كرامة إليهم من ٍ
عل في وينظر ون، ِ
الموقف الدُّ ِ ِ
هؤالء ك َّلهم في َ
وبأ َّن
ْ ُ
ِ
الخير ورغبة في هدايتِهم إلى
ٍ ٍ
وعطف، ٍ
رحمة كذلك ٍ
واعتزاز ،وفي
فق ا َّلذي ُ
يعيش فيه. ِ
ورفعهم إلى األُ ِ ا َّلذي م َعه،
ريشـه ،وت ُ
ُحيط ويرفع صوتَه وين ُف ُش َ
ُ ـب، الباطل و َي َ
صخ ُ ُ ضـج
و َي ُّ
ترى ِ
والبصائر؛ فال ٰ ِ
بصـار ُغشـي على األَ
الهـاالت المصطنع ُة ا َّلتي ت ِّ
ُ به
وينظر
ُ كالح لئيـ ٍم.. ـائ ٍه( )1دمي ٍم ،و َف ْج ٍ
ـر ٍ ـح َش ِ ِ
الهـاالت من ُق ْب ٍ مـا ورا َء
ِ
المخدوعة؛ ِ
المنتفش ،وإلـى الجمـو ِع ِ
الباطـل المؤمـ ُن مـن َع ٍل إلـى
الحـق ا َّلـذي م َعـه،
ِّ إصـراره علـى
ُ ينقـص
ُ ُ
يحـزن ،وال فلا َي ِهـ ُن وال
ِ
هداية َ
كذلك فـي تضعـف رغبتُه
ُ َّهـج ا َّلـذي يتَّب ُعه ،وال
وثباتُـه على الن ِ
الضا ِّليـ َن والمخدوعي َن(.)2
َّ
ِ
الخليعة، ويمضي مع نزواتِه
ِ ِ
الهابطة، المجتمع في شهواتِه ُ
ويغرق
ُ
وينطلق من األَ ِ
غالل ُ يستمتع
ُ ين ،حاس ًبا َأنَّهبالوحل وال ِّط ِ
ِ ويلصق
ُ
ٍ
حالل، وكل ط ِّي ٍبة متعة ٍ
بريئةُّ ، كل ٍ والقيود ،وت َِع ُّز في ِ
مثل هذا المجتمع ُّ ِ
ِ (( ( َ ِ
الوجه. رجل َأ ْش َو ُهُ :
قبيح شو َهٌ .«شائه» :من َّ
رخيصا
ً تعالى لس ِّي ٍد ُق ُطب َ أن يتمثل هذه الفكرة في واقعه حياته؛ فقد بذل حياته ثمنًا
كتب اهلل ٰ
َ (((
استعلى
ٰ اعتذارا لقاتله ..كان من الممكن َأن ينقذ حياته بذلك ،ولكنَّه
ً ألَفكاره ..ورفض َأن يقدم
بإيمانه ..ور َأها رخيصة َأمام عزَّ ة نفسه ..وها نحن اليوم نتعلم منه هذا الفقه َّ
السديد؛ نتعلمه نظر ًيا
يقدمها لنا من فكره وقلمه ،ونتعلمه تطبي ًقا من واقعه ومواقفه العظيمة؛ لذلك بقيت هذه الفكرة
على قيد الحياة ..ولم تمت بموته ،وكيف ال ..وهو القائل( :كل فكرة عاشت قد اقتاتت قلب ٰ
شبرا
ً بالبشرية تدفع ولم ميتة، لدتوُ فقد س، المقدَّ الغذاء هذا م ع
ُ َْْ
ط ت لم تي َّ
ل ا فكارَ األ ا م
َّ َ
أ إنسان..
واحدً ا إلى األَمام) « َأفراح الروح» رسالة بعث بها إلى ُأخته َأمينة قطب.
304
يقول والضاحكي َن ،وهو ُ الساخري َن والهازئي َن َّ عل إلى َّ ينظر من ٍ وهو ُ
ِ
اإليمان ِ
موكب هط الكرا ِم ا َّلذي َن سب ُقوه في قال واحدٌ من الر ِ كما َ
َّ
الل ِ ِ
الوضيء ،في ال َّط ِ ِ
نوح : حب ال ِّطويلٌ ، ريق َّ العريق
﴿ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ﴾ [هود.]38 :
ِ
البائسـة ِ
القافلـة ِ
الوضـيء ،ونهايـ َة ِ
الموكـب يـرى نهايـ َة وهـو
ٰ
تعالى:
ٰ فـي قولِـه
﴿ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ ﯷ * ﯹ ﯺ ﯻ
ﯼ*ﯾﯿﰀﰁﰂﰃ* ﰅﰆﰇﰈﰉ
ﰊ*ﰌﰍﰎﰏ*ﰑﰒﰓﰔﰕﰖ*
ﭑﭒﭓ*ﭕﭖﭗﭘﭙﭚ﴾ [المطففيـن 29 :ـ .]36
ِ (( ( « الم ْشرع» :م ْشرع ُة ِ
الماء :هي َم ِ
ون منها و َي ْس َت ُقون. ور ُد الشاربة ا َّلتي يشرعُها الن ُ
َّاس؛ فيشر ُب َ َ َ ُ َ َ
305
للمؤمنين:
َ الكافرين
َ القرآن الكريم َ
قول ُ قص علينا
وقديما َّ
ً
﴿ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ
ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ﴾ [مريم.]73 :
بمحم ٍد ﷺ؟ َأم الفقرا ُء
َّ َ
يؤمنون ِ
الفريقين؟ الكبرا ُء ا َّلذي َن ال َأ ُّي
وعمرو اب ُن ِ
الحارث، َّضر ب ُن ِ ون حو َله؟ َأ ُّيا َّلذي َن يلت ُّف َ
ُ الفريقين؟ الن ُ
وعم ٌار حرب؟ َأم ٌ ٍ سفيان ِ
َ ِ
المغيرة ،و َأبو هشا ٍم ،والوليدُ ب ُن
بالل َّ بن
فكان َأتبا ُعه
خيرا َأ َمحمدٌ ﷺ ً
كان ما يدعو إليه َّ اب؟ َأ َف َل ْو َ وصهيب َ
وخ َّب ٌ ٌ
خطر، ٍ
قريش وال َ
سلطان لهم في َّفر ،ا َّلذي َن ال ِ
هؤالء الن ِ َ
يكونون هم
َ
معارضوه هم ُ ُ
ويكون كـ«دار األَرقمِ» ،
ِ بيت متواض ٍع يجتمعون في ٍ
َ وهم
ِ
والجاه والس ِ
لطان؟! ِ
والمجد الض ِ
خمة، ِ
الفخمة َّ َأولئك َأصحاب الن ِ
َّدوة
ُّ ُ
ُ
املؤمن يعلو بإمياِنه:
كل ِ
اآلفاق ال ُعليا في ِّ منطق المحجوبي َن عن ُ منطق األَرض، ُ إنَّه
الز ِ
ينة مجرد ًة من ِّ ومكان .وإنَّها لحكم ُة اهلل َأن َ ٍ ٍ
تقف العقيد ُة َّ زمان
ِ ِ وال ِّط ِ
اعتزاز
َ ربى من حاك ٍم ،وال عوامل اإلغراء ،ال ُق ٰ الء ،عاطل ًة من
لغريزة ،وإنَّما هو الجهدُ والمش َّق ُةٍ بلذ ٍة ،وال دغدغ َة هتاف ََّ بس ٍ
لطان ،وال ُّ
نفسه يقين من ِ
على ٍ قبل عليها من ُي ُ والجها ُد واالستشها ُد ..ل ُي َ
قبل ،وهو ٰ
دون ما تواضعوا ِ
عليه َّاس ،ومن ِ َأنَّه يريدُ ها لذاتِها خالص ًة هلل من ِ
دون الن ِ
ُ
والمنافع ،ومن المطامع ولينصرف عنها من ِ
يبتغي َ يات،من قي ٍم وم ْغ ِر ٍ
َ َ ُ
ِ
العتبارات يقيم يطلب َ الزين َة واألُ َّبه َة ،ومن ِ
والمتاع ،و َمن ُ
َ المال ُ يشتهي ِّ
ِ
ميزان اهللِ. ف في َّاس وزنًا حين ت ِ
َخ ُّ الن ِ
306
وتصوراتِـه وموازينَـه مـن الن ِ
َّـاس ُّ المؤمـن ال يسـتمدُّ ق َي َمـ ُه
َ إن
َّ
رب الن ِ
َّـاس ،وهو تقدير الن ِ
َّـاس ،إنَّما يسـتمدُّ ها من ِّ ِ علـى
ٰ يأسـى
ٰ َّـى
حت ٰ
رجح َّـى َ ِ ِ ِ
يتأ َ الخلق حت ٰ شـهوات وكافيـه ..إنَّـه ال يسـتمدُّ ها من َح ْسـ ُبه
الحق ال َّث ِ
ابـت ا َّلذي ال ِ
ميـزان ِّ ِ
الخلـق ،إنَّما يسـتمدُّ ها من ِ
شـهوات مـع
ِ
المحدود، يميـل ..إنَّـه ال يتل َّقاهـا من هـذا العا َل ِم الفانـي
ُ رجـح وال َ
يتأ
ُ
الوجـودَ ،فأنَّى يجدُ في ِ
نفسـه وهنًا، ِ ضميره من ينابيـ ِع ِ تنبثـق فـي
ُ إنَّمـا
ٰ
الحق، ِ
وميـزان ِّ بـرب الن ِ
َّـاس، ٌ
موصول ِّ َأو يجـدُ فـي قلبِـه حزنًا ،وهـو
ِ
الوجود؟ وينابيـ ِع
للض ِ
الل الل؟ وليك ْن َّ الحق َّإل َّ
الض ُ ِّ الحق ..فماذا بعدَ
ِّ إ َّن ُه على
وجماهير ُهَّ ..
إن ُ ُسلطا ُن ُه ،وليك ْن له َه ْي ُله وهي َلمانُه ،ولتك ْن معه جمو ُع ُه
الل، الحق َّإل َّ
الض ُ ِّ وليس بعدَ
الحق َ
الحق شي ًئا ،إنَّه على ِّ
هذا ال يغ ِّي ُر من ِّ
بالحق
ِّ الحق ـ وهو مؤم ٌن ـ ولن َي َ
عدل الض َ
الل على ِّ يختار مؤم ٌن َّ
َ ولن
المالبسات واألَ ُ
حوال.. ُ ِ
كانت الض َ
الل كائن ًة ما َّ
﴿ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ ﯶﯷ ﯸ ﯹ
ﯺ * ﯼ ﯽ ﯾ ﯿ ﰀ ﰁ ﰂ ﰃﰄ ﰅ ﰆ ﰇ ﰈ
ﰉ﴾ [آل عمران 8 :ـ ..]9
﴿ﭑ ﭒ ﭓ * ﭕ ﭖ * ﭘ ﭙ * ﭛ ﭜ
ﭝ*ﭟﭠﭡ*ﭣﭤﭥﭦ*ﭨﭩﭪﭫﭬ
ﭭ*ﭯﭰﭱﭲﭳﭴﭵﭶﭷ*ﭹﭺﭻ
ﭼ ﭽﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ * ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ
ﮉﮊﮋﮌﮍﮎﮏﮐﮑﮒ*ﮔﮕﮖ
ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞﮟ ﮠ ﮡ ﮢ * ﮤ
ﮥﮦﮧ*ﮩﮪﮫﮬ*ﮮﮯﮰ* ﯓﯔﯕ*
ﯗ ﯘ ﯙ﴾ [البروج 1 :ـ ..]16
البروج ـ حقيق ٌة
ِ ِ
سورة وردت في ِ
خدود ـ كما صحاب األُ
ِ قص َة َأ َّ
ْ إن َّ
كل ٍ
جيل. كل َأ ٍ
رض وفي ِّ اعون إلى اهلل في ِّ
َ َ
المؤمنون الدَّ َبأن َ
يتأ َّملها
ِ
َّعقيبات عليها، سلوب مع مقدِّ متِها والت
ِ ِ
بإيرادها في هذا األُ ُ
فالقرآن
خط بها خطو ًطا المصاحبة لها ..كان َي ُّ ِ ِ
َّوجيهات ِ
َّقريرات والت والت
البشر فيها ،واحتماالتِها ِ ِ
ودور طبيعة الدَّ ِ
عوة إلى اهللِ، ِ تصو ِر
عميق ًة في ُّ
وسع رقع ًة من األَرض ،و َأبعدُ مدً ى ِ ِ
المتو َّقعة في مجالها الواس ِع ـ وهو َأ ُ
نفوسهم
َ ريق ،و ُي ِعدُّمعالم ال َّط ِ
َ يرسم للمؤمني َنُ
ِ
الحياة الدُّ نيا ـ وكان من
308
وفق
القدر المرسو ُمَ ، ِ
االحتماالت ا َّلتي ِ
يجري بها هذ ِهلتل ِّقي َأي من ِ
ُ ٍّ
ِ
المستور. ِ
المكنونة في ِ
غيب اهلل ِ
الحكمة
مون، المؤمنون َ
ويتأ َّل َ َ َّ
يتعذ ُب يشهدون كيفَ ت على النَّار، الجبل ِ
َّ
ِ ِ
يتحو َ
لون َّ بمنظر الحياة َتأك ُلها الن َُّار ،واألَ ُّ
ناسي الكرا ُم يتله َ
ون جلسوا َّ
وقو ًدا وترا ًبا.
املواجهة؟
ِ املنتصر يف هذِه
ُ من
ِ
اإليمان، انتصر على غيان ِ
قد حساب األَرض يبدو َأ َّن ال ُّط َ ِ في
َ
الفئة الخي ِ
رة نفوس ِ
ِ الذ ْرو َة العالي َة ،في اإليمان ا َّلذي َ
بلغ تلك ِّ َ و َأ َّن هذا
ِّ
ِ
المعركة حساب في وزن وال ِ
المستعلية ..لم يك ْن له ٌ الكريمة ال َّث ِ
ابتة ِ
ٌ
اإليمان وال ُّطغيان!
َ ا َّلتي َ
دارت بي َن
310
تذكر ِ
الحادث ،كما ال وايات ا َّلتي ور َدت في هذا الر
ُ ُ تذكر ِّ ُ وال
غاة في األَرض بجريمتِهم ولئك ال ُّط ِ
خذ ُأ َ
هلل قد َأ َ
ُّصوص القرآن َّي ُة؛ َأ َّن ا َ
ُ الن
ٍ
شعيب وقو َم ٍ
صالح وقو َم نوح وقوم ٍ
هود وقو َم خذ قو َم ٍ عة ،كما َأ َ البش ِ
ِ
َ
ٍ
مقتدر. فرعون وجنو َده َأ ْخ َذ ٍ
عزيز َ لوطَ ،أو كما َأ َ
خذ ٍ
اإلميان:
ِ انتصاُر
ٍ
وحرمان.. َ
لذائذ وآال ٍم ،ومن متا ٍع يالبسها من وسائر ما َّ
إن الحيا َة
ُ َ
ِ
السلع َة ا َّلتي ِّ
تقر ُر الكبرى في الميزان ..وليست هي ِّ
ٰ ليست هي القيم َة ْ
الغلبة ال َّظ ِ
اهرة؛ ِ مقصورا على ليس ِ الر ِ
ً َّصر َ
بح والخسارة ،والن ُ حساب ِّ
َ
ِ
الكثيرة. َّصر ِ
صور الن ِ فهذه صور ٌة واحد ٌة من
311
َّاس
سباب ،ولك َّن الن َ
ُ وتختلف األَ
ُ َ
يموتون، َّاس جمي ًعا َّ
إن الن َ
االرتفاع،
َ َ
يرتفعون هذا االنتصار ،وال
َ َ
ينتصرون هذا جمي ًعا ال
االنطالق إلى ِ
هذه َ ٰ َ
ينطلقون هذا َّحر َر ،وال يتحر َ
رون هذا الت ُّ َّ وال
َ
لتشارك ِ
عباده ٍ
كريمة من اآلفاق ..إنَّما هو اختيار اهلل وتكريمه ٍ
لفئة ِ
ُ ُ
ِ
المأل ِ
المجد في ِ
المجد، دون الن ِ
َّاس في ِ
الموت ،وتنفر َد َ َّاس في الن َ
ِ
الحساب نظر َة يضا .إذا نح ُن وضعنا في َّاس َأ ً األَ ٰ
على ،وفي دنيا الن ِ
جيال بعدَ األَ ِ
جيال! األَ ِ
مع ُّ
الطغاِة: َ
مساومة َ ال
ِ
مقابل ينجوا بحياتِهم في
المؤمنين َأن ُ
َ
ِ
استطاعة كان في
لقد َ
ِ الهزيمة إليمانِهم،
ِ
كانت يخسرون هم َأ ُ
نفسهم؟ وكم َ ولكن كم كانوا
ْ
يقتلون هذا المعنى
َ يخسرون وهم
َ تخسر؟ كم كانوا
ُ البشر َّي ُة ك ُّلها
312
يلحق
ُ صيل ا َّلذي ِ
المجال األَ ِ َ
هناك اآلخرةُ ،وهي ذلك ك ِّله
وبعدَ َ
ِ
الواقعة ،وال في ِ
الحقيقة ُ
ينفصل عنه ،ال في مجال األَرض ،وال
ُ به
ِ
الحقيقة. المؤمن ِ
بهذه ِ حس
ِّ
313
ِ
إذن لم تنته ،وخاتمتُها الحقيق َّي ُة لم تجي ْء بعدُ ُ ،
والحك ُْم فالمعرك ُة ْ
ِ
صحيح؛ ألَنَّه
ٍ عليها بالجزء ا َّلذي ُع ِر َض منها على األَرض حك ٌْم ُ
غير
الز ِ
هيد. والش ِ
طر َّ الص ِ
غير منها َّ الش ِ
حك ٌْم على َّ
طر َّ
۞۞۞
للمواقف:
ِ اإلمياني
ُّ املقياس
ُ
ِ
المجال ،ا َّلتي تع ِّن الض ِّيق ُة
ولى :هي النَّظر ُة القصير ُة َّ النَّظر ُة األُ ٰ
المدى :هي ا َّلتي الشامل ُة البعيد ُةول .والنَّظر ُة ال َّثاني ُة َّ ِ
لإلنسان ال َع ُج ِ
ٰ
القرآن المؤمني َن عليها؛ ألَنَّها تم ِّث ُل الحقيق َة ا َّلتي يقو ُم عليها ُ ُي َر ِّو ُض
حيح.
الص ُ
اإليماني َّ
ُّ َّصو ُر
الت ُّ
اإليمان وال َّط ِ
اعة، ِ ِ
للمؤمنين جزا ًء على ومن َث َّم كان وعدُ اهلل
ِ
القلب: ِ
الحياة ،هو َ
طمأنَين َة على ٰ فِت َِن ِ ِ والص ِبر على
واالنتصار ٰ االبتالء، َّ
﴿ﰈ ﰉ ﰊ ﰋ ﰌ ﰍﰎ ﰏ ﰐ ﰑ ﰒ
ﰓ﴾ [الرعد.]28 :
الر ِ
حمن﴿ :ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ضوان والو ُّد من َّ
ُ الر
وهو ِّ
ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ﴾ [مريم.]96 :
﴿ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ
ﯛﯜﯝﯞﯟﯠﯡﯢﯣﯤ
ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ﴾ [غافر.]7 :
للش ِ
هداء﴿ :ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ وهو الحيا ُة عندَ اهلل ُّ
ﮙ ﮚ ﮛﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ * ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ
ﮨﮩﮪﮫﮬﮭﮮﮯﮰﮱﯓﯔ
ﯕﯖ* ﯙﯚﯛﯜﯝﯞﯟﯠﯡﯢ
ﯣ﴾ [آل عمران 169 :ـ .]171
(( ( رواه الترمذي ( )1021وقال :حسن غريب .وابن حبان في «الصحيح» ( )2948من حديث
َأبي موسى األَشعري .
(( ( رواه البخاري ( .)6970ومسلم ( )2675من حديث َأبي هريرة .
315
تاريخ ُّ
الدعوة إىل اهلل: مناذج منوعة من ِ
ِ صحاب األُ
ِ قص ُة َأ ِ َ
خدود وسور ُة ال ُب ِ
روج آخر تُطل ُقه َّ
إشعاع ٌُ هناك
ٍ
احتمال. وموقف الدَّ ِ
اعية َأما َم ِّ
كل ِ طبيعة الدَّ ِ
عوة إلى اهللِ، ِ َ
حول
ٍ
نهايات في منوع ًة من تاريخ الدَّ ِ
ُ
نماذج ََّ عوة إلى اهلل لقد شهدَ
ِ
عوات.. ٍ
مختلفة للدَّ األَرض
شعيب ،وقو ِم ٍ
لوط، ٍ هود ،وقو ِم نوح ،وقو ِم ٍ
مصارع قو ِم ٍ شهدَ
َ
ُ
القرآن ِ
يذكر العدد ،مجرد الن ِ
َّجاة .ولم ِ ِ
القليلة ِ
المؤمنة ِ
الفئة ونجا َة
َّ َ
ِ
والحياة. دورا بعدَ ذلك في األَرض
للنَّاجي َن ً
ِّ
للمكذبي َن تقر ُر َأ َّن اهللَ يريدُ َأحيانًا َأ ْن ُي ِّ
عج َل َّماذج ِّ
وهذه الن ُ
ٍ ال ُّط ِ
وفى؛ فهوالعذاب في الدُّ نياَ ،أ َّما الجزا ُء األَ ِٰ بقسط من غاة
َ
هناك. مرصو ٌد لهم
317
موسـى ِ
وجنـوده ،ونجا َة َ
فرعون مص َـر َع ِ ُ
ٰ تاريـخ الدَّ عـوة ْ وشـهدَ
ِ
َّمكيـن للقـو ِم فـي األَرض فتـر ًة كانـوا فيهـا َأ َ
صلح ما ِ وقومـه ،مـع الت
وإلى ِ ِ وإن لم يرت ُقوا ُّ ِ
تاريخهـمْ ،
قـط إلى االسـتقامة الكاملةٰ ، كانـوا في
غير ً ِ ديـن اهلل فـي األَرض ِ
إقامـة ِ
نمـوذج ُ
ٌ شـامل ..وهذا للحياة منهجا
ً
َّمـاذج األُ ٰ
ولى. ِ الن
ِّ
سجل الت ِ
َّاريخ اإليمانِّي في ظهورا في
ً قلخرى َأ َّ
نماذج ُأ ٰ
َ وشهدَ
ِ
ِّهايات تتراوح بين هذه الن نماذج يزال يشهدُ ِ
والحديث .وما ُ القدي ِم
ُ َ
ِ على ِ
القرون. مدار ا َّلتي حف َظها ٰ
ِ
ِ
جانب حادث األُخدودٰ ،
إلى ُ َّموذج ا َّلذي يم ِّث ُله
ِ ولم يك ْن ُبدٌّ من الن
ِ
والبعيد.. ِ
القريب منها خرى.َّماذج األُ ٰ
الن ِ
318
ثم يذه ُبوا ،وواج ُبهم َأ ْن يختاروا اهللَ،إن عليهم َأن ُيؤ ُّدوا واج َبهمَّ ،
َّ
وأ ْن ِ
الفتنةَ ، ِ
باإليمان على وأ ْن يستع ُلوا ِ
الحياةَ ، وأ ْن يؤثِروا العقيد َة على
َ
وبأعدائِهم ،كما ُ
يفعل هلل بهم َ ثم ُ
يفعل ا ُ
ِ ِ
العمل والنِّـ َّيةَّ ، هلل في يصد ُقوا ا َ
ِ
ِّهايات ا َّلتي ٍ
نهاية من تلك الن إلى ِ
وينتهي بهم ٰ يشاء.
ُ بدعوتِ ِه ودين ِ ِه ما
إلى ِ ِ
يعلمه هو ويرا ُه.
غيرها مما ُ تاريخ اإليمانَ ،أو ٰ ُ عر َفها
إنَّهم ُأجرا ُء عندَ اهللَ ،أينما وحي ُثما وكيفما َأرا َدهم َأ ْن يعم ُلوا،
وليس لهم وال عليهم َأ ْن تتَّج َه الدَّ عو ُة
جر المعلو َم! َ وقبضوا األَ َ
عم ُلوا ُ
شأ ُن األَ ِ
جير! صاحب األَ ِ
مر ،ال َ ِ فذلك َ
شأ ُن َ ٍ
مصير، إلى َأ ِّي
ٰ
القلـبِ ،
ورفع ًة في ِ ولـى َ
طمأنين ًة فـي يقبضـون الدُّ فعـ َة األُ ٰ
َ وهـم
ِ
والجواذب، ()1
َّصـو ِر ،وانطال ًقا من األَ ْوهـاق ً
وجمال في الت ُّ الش ِ
ـعور، ُّ
ِ
حوال. كل ٍ
حال مـن األَ ِ
والقلق ،فـي ِّ ِ
الخـوف وتحـر ًرا مـن
ُّ
يؤخذ به ويو َث ُق ،و َأص ُل ُه للدَّ ِّ
واب .والمعنى :الت ََّح ُّرر ُ ِ
خص ((( «ا ْل َو َه ُق» َ :ح ْب ٌل ُي ْل َقى في ُعن ُِق َّ
الش
الح ْبس وال ُقيود. من َ
319
ِ
وذكرا وكرام ًة،
ً يقبضون الدُّ فع َة ال َّثاني َة ثنا ًء في المأل األَ ٰ
على َ وهم
هذه األَرض الص ِ
غيرة. وهم بعدُ في ِ
َّ َْ
ونعيما يسيرا ِ يقبضون الدُّ فع َة
َ
ً الكبرى في اآلخرة حسا ًبا ً ٰ ثم هم
ضوان اهللِ ،و َأنَّهم كبر منها جمي ًعاِ ،ر ٍ
َ
مختارون ُ كل دفعة ما هو َأ ُ كبيرا .ومع ِّ ً
يفعل بهم في األَرض ما يشا ُء. وستارا ل ُقدرتِهُ ، ً ليكونوا َأدا ًة لقدَ ِره
۞۞۞
حابة:
الص ِ ٌ
أمثلة من ص ِرب َّ
ِ ِ ِ
ختـارة مـن وهكـذا انتهـت التَّرب َّيـ ُة القرآن َّيـ ُة بالفئـة ُ
الم
َّطـو ِر ،ا َّلـذي أطل َقهـم ِ الص ِ
ـدر األَ َّول ٰ
إلـى هـذا الت ُّ المسـلمي َن فـي َّ
نفسـهم من األَ ِ
مـر َألب َّت َة، وشـخوصهم؛ َفأ ُ
خرجوا َأ َ
ِ ـر ذواتِهـم ُ مـن َأ ْم ِ
علـى َأ ِّي
ٰ مـر ،ورضـوا ِخ ْيـر َة اهلل صاحـب األَ ِ
ِ وعم ُلـوا ُأجـرا َء عنـد
ٍ
حـال. وعلـى َأ ِّي وضـ ٍع
ٰ
ُوج ُه ِ ِ َّ ِ
وكانت التَّرب َّي ُة النَّبو َّي ُة
تتمش ٰى مع التَّوجيهات القرآن َّية ،وت ِّ
ِ الص ِبر عـلى الدَّ ِ ِ
المـخـتار حت َّٰى ور نظار إلى الجنَّة ،وإلى َّ القلوب واألَ َ
َ
ِ
واآلخرة سوا ًء. ذن اهللُ بما يشا ُء في الدُّ نيا ْيأ َ
إلى رسول اهلل ﷺ وهو رت قالَ :شكونا ٰ بن األَ ِّ اب ِ وعن خ َّب ِ
تستنصر لنا؟ َأو تدعو لنا؟ فقال: الكعبة ،فقلناَ :أال ِ ظل توسدٌ ُبر َد ًة في ِّ
ُ ُم ِّ
الر ُج ُل ف ُيح َف ُر َل ُه في األَرض َف ُي ْج َع ُل فِيها، ؤخ ُذ َّ َان َم ْن َق ْب َلكُم ُي َ
« َقدْ ك َ
مش ُط َبأم َش ِ
اط ين ،و ُي ْرأ ِس ِه ف ُيج َع ُل نِ ْص َف ِ
على ْ َ بالمن ِ ُثم ي ْؤتى ِ
ْ فيوض ُع ٰ ْشار َّ ُ ٰ
هلل ِ ِِ بعدُ ه َ حم ِه وع ْظ ِم ِه ،ما ي ِ ون َل ِ الح ِ
ذلك َع ْن دينه ،واهلل ل ُيت َّم َّن ا ُ ُ َ ديد َما ُد َ َ
ِ ِ
إلى َح ْض َر َم ْو َت؛ َفال نعاء ٰ اكب م ْن َص َ الر ُ مر حت َّٰى َيس َير َّ َعالى هذا األَ َ
ت ٰ
ون»(.)1ج ُل َعلى َغن َِم ِه ،و َلكنَّكُم ت َْس َت ْع ِ
ْب ٰ هللِّ ،
والذئ َ اف إلَّ ا َ
َيخَ ُ
۞۞۞
كم اإلهليَّة:
حل ُ
اِ
ِ
الكون كل ٍ
حال ،و ُمد ِّب ُر هذا كل وض ٍع وورا َء ِّ
إن هلل حكم ًة ورا َء ِّ َّ
المنس ُق ألَحداثِه وروابطِه ،هو ا َّلذيِّ ِ
وآخره، على َأ َّولِه
لع ٰك ِّله ،الم َّط ُ
ِ
المستور ،الحكم َة ا َّلتي تت ُ
َّفق مع يعرف الحكم َة المكنون َة في غيبِه
ُ
الس ِير ال َّط ِ
ويل. مشيئتِه في ِّ
خط َّ
ِ
حكمة ٍ
وقرون ـ عن يكشف لنا ـ بعد َأ ٍ
جيال ُ بعض األَ ِ
حيان ِ وفي
لون: يدركون حكمتَه ،ولع َّلهم كانوا َ
يسأ َ َ معاصروه ٍ
حادث لم يك ْن
ُ
يقع هذا؟
رب ُلماذا؟ لماذا يا ِّ
يعرف
ُ الجهل ا َّلذي َيتو َّقا ُه المؤم ُن؛ ألَنَّه
ُ نفسه هو الس ُ
ؤال ُ وهذا ُّ
(( ( رواه البخاري ( )6544من حديث.
321
لدعاِة ِّ
احلق: وصايا ُ
كل َأ ٍ
رض وهذه ال َّلفت ُة جدير ٌة َبأ ْن يتد َّب َرها الدُّ عا ُة إلى اهللِ ،في ِّ
معالم ال َّط ِ
ريق واضح ًة بال َ جيل؛ فهي كفيل ٌة َبأ ْن تُر َيهم ٍ وفي ِّ
كل
إلى نهايتِه، يريدون َأ ْن يقط ُعوا ال َّط َ
ريق ٰ َ ش ،و َأ ْن تث ِّب َت ُخطى ا َّلذي َن
َغ َب ٍ
كانت هذه النِّهاي ُة.
ْ كيفما
يلتفتون في َأ ِ
ثناء َ ُ
يكون ،فال وبهم ماقدر اهلل بدعوتِه ِ ُ
يكون ُ ثم
َّ
ِ ِ ال َّط ِ
المفروش بالجماج ِم واألَشالء ،وبالعرق والدِّ ماءٰ ،
إلى ِ ريق الدَّ امي
323
جل في عُاله ـ هادة؛ قبل َأن يؤ ِّد َيها لر ِّبه ـ َّ الش ِ ((( هكذا تك َّل َم س ِّيد ُق ُطب عن َّ
صدق ومح َّب ٍة؛ ألَ َّن َّ
الشها َدةَ :ليست نهاية فرد.. ٍ ِ
المرحومة ِّ
بكل ثم ألُ َّمته ٍ
إخالصَّ .. ِّ
بكل
ِ ِ ِ وقو ٌة إيجاب َّي ٌة؛ ٍ ِ
وقرع
ٌ الحياة، مسار لتعديل قصة حياة؛ بل هي طاق ٌة ج َّبارةٌَّ .. وال نهاية َّ
عميق له ،وإفقا ٌد لشرع َّيتِه،ٌ ٌ
وإسقاط ِ
للباطل، وإزعاج ٍ
داو ٌ الحق،
ِّ اللة على صاخب للدَّ ِ
ٌ
ُّ فصدق عندما َ َ ِ
وهزيم ٌة النتفاشته!
الشمو ِع ال َ
روح عرائس من ُّ
َ (ستظل كلماتُنا قال:
وكتبت لها الحياةُ!). وح، ِ
ْ الر ُ فيها وال حياةَ؛ حت َّٰى إذا متْنا في سبيلها د َّب ْت فيها ُّ
324
َ
ينقمون وإن خصو َمهم ال ِ
اإلطالقَّ ، آخر على ٍ
وليست شي ًئا َ
ْ عقيدة
يسخطون منهم َّإل العقيدةَ..
َ َ
اإليمان ،وال منهم َّإل
ليست معرك ًة سياس َّي ًة ،وال معرك ًة اقتصاد َّي ًة ،وال معرك ًةْ إنَّها
وس ُه َل َح ُّل
كانت شيئًا من هذا َل َس ُه َل وق ُفهاَ ، ْ عنصر َّي ًة ..ولو
ٍ ِ ِ
إيمانَّ ..إما
ٌ وإما
كفر َّإشكالها ،ولكنَّها في صميمها معرك ُة عقيدة؛ َّإما ٌ
جاهل َّي ٌة َّ
وإما إسال ٌم!
َ
المال على رسول اهلل ﷺ ضون ٰ َ كبار المشركي َن َي ِ
عر كان ُ ولقد َ
ٍ
واحدَ ،أن َيدَ َع معرك َة العقيدة و َأن ٍ
شيء ِ
مقابل تاع فيوالم َ
والحك َْم َ
ُ
ٍ
شيء مما َأرادو ُه ما إلى مر! ولو َأجا َبهم ـ َُيدْ ِه َن في هذا األَ ِ
حاشاه ـ ٰ
ِ
اإلطالق! بق َي ْت بينَهم وبينَه معرك ٌة على
الخادعون!
َ هون
الم َم ِّو َ
وكذب ُ
َ العظيم،
ُ َ
وصدق اهلل
5.....................................................................
17.................................................................
( )1س ِّيد ُق ُطب اإلنسان19............................................................
( )2س ِّيد ُق ُطب المفكِّر 23............................................................
َأ َّو ًل ـ المراحل الفكرية لحياته23......................................................:
ِ
لنهضة األُ َّمة24................................................ : ثان ًيا ـ مشروعُه الفكري
الشرس ُة ٰ
على فكره37................................................... : ثال ًثا ـ الهجم ُة َّ
85....................................................................
للبشر َّي ِة جديدة! 86...................................................... ٍ
قيادة َّ ال ُبدَّ من
المنهج87............................ .
َ القيم ،وهذا
تلك َ يملك َ
ُ اإلسال ُم وحدَ ه هو ا َّل ْ
ذي
هل األُ َّم ُة المسلم ُة موجودةٌ؟88.........................................................
ِ
(( ( كل عنوان وضع بجواره حرف (ح) فهو من تعليقات وتنبيهات المعتني في الحاشية.
329
لقيادة البشر َّي ِة؟90.......................................................
ِ يؤه ُلنا
ما ا َّلذي ِّ
واقع العال ِم اليو َم؟ 92................................................................
ما ُ
* تنبيه :مقصد س ّيد ُق ُطب بوصف الجاهلية في العالم ككل...............................ح92/
97..................................................................
ُ
والقرآن98................................................................... : الصحاب ُة
َّ
* تنبيه :مقصد س ِّيد ُق ُطب باستشهاده بحديث« :لو كان موسى ح ًّيا» ......................ح100/
الجاهلي107. ...............................................:
ِّ االستعال ُء على المجتمع
* الحديث عن تنبؤ س ِّيد ُق ُطب عن مواجهة جلَّ ده .......................................ح108/
109.........................................................
القرآن المكي في ِ
بناء العقيدة110. ................................................: ِ دور
ِّ ُ
العقيد ُة َأ َّو ًل111. ..................................................................... :
الجاهلي األَ َّو ِل113. ................................................... :
ِّ ُ
حال المجتمع
ٍ
إصالح115. ............................................... : دعو ٌة ر َّبان َّي ٌة وليست حرك َة
الجزيرة العرب َّي ِة قبل بعثة النبي ﷺ117. .........................
ِ خالقي في
ُّ المستوى األَ
145............................................
حركي147. ......................................................... :
ٍّ كتجم ٍع
ُّ الجاهل َّي ُة
ِ
للعقيدة اإلسالم َّية148. ............................................... : القاعد ُة النَّظر َّي ُة
الجاهلي؟ 149. .......................................
َّ المجتمع
َ َ
المسلمون يقوي
كيف َِّ
حركي150. ............................................. : إسالمي تجم ٍع ِ
ٍّ ٍّ ضرور ُة إنشاء ُّ
* تنبيه :مقصد س ِّيد ُق ُطب بقوله :المسلمون نظر ًّيا........................................ح150/
انفتاح المجتمع المسل ِم152. ......................................................... :
ُ
تناسق المجتمع المسلم153. ......................................................... :
ُ
الجاهلي154. ...................................................:
ِّ ِ
أمراض المجتمع من
157.............................................................
ِ
مراحل الجهاد في اإلسالم160. ...............................................: ِسمات
331
مفهو ُم الجهاد وأهدا ُفه163. ...........................................................:
الحركي166. .......................................................... :
ِّ مفهو ُم الجهاد
معنى العبود َّي ِة167. ................................................................... :
يحارب االستبدا َد168. .......................................................:
ُ اإلسال ُم
الجهاد لتحرير اإلنسان170. .......................................................... :
ُ
مراحل الجهاد173. ...................................................................:
الكف عن الجهاد175. ........................................................ : ِّ مرحل ُة
المرحلة المك َّي ِة176. ................................ :
ِ أسباب عد ِم مشروع َّي ِة الجهاد في ُ
الهجرة179. .............................................................. : ِ الجها ُد بعدَ
ِ
القرآن181. ........................................................ : ِ
القتال في رات
مبر ُ ِّ
عامر العظيم183. .................................................... : بن ٍ ربعي ِِّ موقفُ
ِ
للجهاد181. .....................................................: غير إسالم َّي ٍة
رات ُ
مبر ٌ
ِّ
المعرك ُة المفروض ُة على المجتمع المسل ِم186. ....................................... :
لغير ِ
الله187. ...............................................: اإلنسان من العبود َّي ِة ِ
ِ إنقا ُذ
ِ
العوائق189. .................................................................... : إزال ُة
ِ
لإلكراه على الدِّ ين191. ..................................................: ليس
الجها ُد َ
193...........................................
الشهادت ِ
َين194. .................................................................: مكان ُة َّ
أساس المجتمع المسل ِم195. .............................................:
ُ العبود َّي ُة لله
المسلم؟197. .....................................................
ُ المجتمع
ُ كيف ُ
ينشأ
* تنبيه :توضيح لوصف سيد ُق ُطب قواعد وشروط نشأة المجتمع المسلم................ح197/
209....................................................................
ِ
الكون210. ............................................ : ِ
بنواميس هذا ُ
اإلنسان محكو ٌم
معنى شريع ٌة كون َّي ٌة212. ...............................................................:
ِ
والكون213. .....................................................: الش ِ
ريعة َّناسق بي َن َّ
الت ُ
والكوني214. ..........................................:
ِّ يني
للحق الدِّ ِّ
ِّ النَّظر ُة اإلسالم َّي ُة
ِ
الكون215. ........................................... : الكافر في صدا ٍم مع فطرتِه ومع ُ
ِ
والكون216. ...........................................: والش ِ
ريعة ِ
اإلنسان َّ َّناسق بين
الت ُ
219..........................................................
الجاهلي219. .........................................................:
ِّ صور المجتمع
ُ
اإلسال ُم هو الحضارةُ220. ............................................................:
التحضر عند سيد ُق ُطب .........................................................ح221/
ُّ * معنى
241.........................................................
الش ِ
ريعة في اإلسالم242. ...................................................... : مفهو ُم َّ
مفهو ُم الف ِّن في اإلسالم243. ......................................................... :
المسلم من ِ
غير المسل ِم244. ................................................. : ُ ما يتل َّقا ُه
خذه عن ِ
غير المسل ِم246. ................................................ : ما ال يجوزُ َأ ُ
ثقافات جاهل َّي ٌة246. .................................................................. :
ٌ
ال َّثقاف ُة اإلنسان َّي ُة248. ................................................................. :
الحضارة الغرب َّي ِة249. .................................................. :
ِ اإلسال ُم ُ
أصل
العلم عن صاحبِه251. ......................................................: ُ ُ
ينفصل ال
ِ
للقراءة واال ِّطالع251. .................................: تجرب ُة سيد ُق ُطب ال َّثقاف َّي ُة وح ُّبه
غير المسلمين251. ............................................: قافة عن ِ أخذ ال َّث ِ
تحريم ِ
ُ
سو ُء ن َّية المستشرقي َن في أبحاثهم اإلسالم َّية252. ..................................... :
المصدر الوحيدُ للمسل ِم253. ..................................: ِ
ريفان هما ِ
الوحيان َّ
الش
ُ
مفهو ُم العالِ ِم في اإلسالم254. ........................................................:
ُ
ارتباط العل ِم باإليمان254. ............................................................:
257...................................................
معنى ِ
دار اإلسالم258. ............................................................... : ٰ
334
* تنبيه :مقصد سيد ُق ُطب بأن هناك دار ًا واحدة هي دار اإلسالم ...................ح258/ـ 259
273..................................................................
ِ
لمصطلح الجاهل َّية274. .................................... : ومانع
ٌ جامع
ٌ دقيق
تعريف ٌ
ٌ
ال مداهن َة مع الجاهل َّية275. ...........................................................:
جا َء اإلسال ُم ليقو َد البشر َّي َة276. .......................................................:
ال التقا َء بين اإلسالم والجاهل َّية277. ..................................................:
قة والر ِ
حمة279. ................................... : تكون بال ِّث ِ
ُ إلى ِ
دين اإلسالم
َّ الدَّ عو ُة ٰ
* تنبيه :توضيح لرأي سيد ُق ُطب في أسلوب الدعوة .....................................ح281/
ُ
االنتقال من الجاهل َّية إلى اإلسالم282. ............................................... :
بدايات الدَّ ِ
عوة283. .................................................................. : ُ
قوي بذاتِه284. .............................................................. :
اإلسال ُم ٌّ
مهم ُة الدُّ ِ
عاة إلى الله286. .............................................................: ُ َّ
335
َّجر ُد ل َّله ِ
واإلخالص له286. ......................................... :
ُ وظيف ُة الدَّ اعية الت ُّ
اإلسال ُم َ
فوق االتِّهام287. .............................................................:
األمريكي288. .......................................... :
ِّ مواجه ُة س ِّيد ُق ُطب للمجتم ِع
كيف نواج ُه الجاهل َّي َة حولنا؟ 290. .....................................................
َ
* تنبيه :معرفة سيد ُق ُطب للمجتمعات الجاهلية عن كثب . .......................ح289/ـ290
295...........................................................
* استعالء اإليمان ومشروع سيد ُق ُطب ..........................................ح 292/ـ 294
ِ
المنحرف297. ..............................................: االستعال ُء على المجتمع
ِ
وسلوكه298. ................................................. : المؤمن في عقيدتِه
ِ علو
ُّ
بن شعب َة300. ...................................... : ِ
وموقف للمغيرة ِ
ٌ ِ
استعال ُء اإليمان،
بن ٍ
عامر301. ........................................................... : لربعي ِ
ِّ موقف
ٌ
ِ
الجمر 302. .....................................................: القابض على
ُ المؤمن
المؤم ُن يعلو بإيمانِه305. ............................................................. :
307.................................................................
على دينِهم308. ..............................................: ِ
أصحاب األخدود ٰ ِ ثبات
ُ
ِخ َّس ُة ال ُّطغاة308. ..................................................................... :
ِ
المواجهة؟ 309. .................................................. من المنتصر في ِ
هذه ُ
ِ
اإليمان310. .................................................................. : انتصار
ُ
ِ
مع ال ُّطغاة311. ............................................................ : ال مساوم َة َ
مقياس الن ِ
َّصر312. ....................................................................: ُ
ِ
للمواقف313. ..................................................... : اإليماني المقياس
ُّ ُ
336
تعالى لل ُّطغاة315. ..........................................................:
ٰ إمهال ال َّله
ُ
ِ
تاريخ الدُّ عوة إلى الله316. .......................................... : نماذج منوعة من
عاة318. ............................................................. :دروس وعبر للدُّ ِ
ٌ ٌ
صبر الص ِ
حابة319. .......................................................... : أمثل ٌة من ِ َّ
كم اإلله َّية320. ...................................................................: ِ
الح ُ
عاة321. .............................................................. :اآلخر ُة غاي ُة الدُّ ِ
327. ...............................................................
۞۞۞
تَ َّ َ ْ
مت ِب ــحــمـ ِـد اهلل �ــعــاىل ووتيفـ ِـقــه
َّ
َّ و«احلـ َـمـ ُـد هلل الي ب�ـ نـ�ـ ْـعـ َـتــه َتـ ُ
ـم الــصــا حلــات». ِ ِ