Professional Documents
Culture Documents
Document
Document
عرفت فكرة حقوق اإلنسان مع وجوده لكنها قد مرت بمراحل جعلت من هذه الفكرة تتطور و تختلف حسب الفترات الزمنية التي
تواكبها ،و بحسب التطورات و التراكمات الذي انفرد بها كل عصر ،فهي بدأت بالظهور للمرة األولى بصورتها البدائية منذ بداية
تكوين الحياة المُشتركة لمجموعات من ال َب شر في العصور القديمة ،ومن الجدير بالذكر أن حقوق اإلنسان آنذاك كان يشوبها نوع من
الحشمة ،ألنَّ اإلنسان في تلك المجتمعات@ كان أكثر اهماال لحقوقه ليس الحال كما هو عليه اآلن بمفهوم حقوق اإلنسان الحديث الذي
ينبذ كل اعتداء و كل تعسف و اهانة للكرامة و الظلم .
وهذا المصطلح لم يشكل مفهوما جديد في تاريخ البشرية ولكنه أخذ أشكاال عديدة في السابق ،وكان نتاج تفاعل ما عرفه كل عصر
من تطوير لهذا المفهوم ،عن طريق رفض كل ما من شأنه المساس بهذه الحقوق ،و اقرار مواثيق ذات صبغة دستورية التي عملت
على فتح المجال لحقوق اإلنسان من أجل ايصالها إلى ضفة المجتمع الدولي.
المطلب األول:
سنخصص هذا المطلب للحديث عن تبلور فكرة حقوق اإلنسان في العصور الوسطى (الفقرة األولى) مرورا إلى عصر النهضة
(الفقرة الثانية )
الفقرة األولى :فكرة حقوق اإلنسان في العصور الوسطى
العصور الوسطى :الحقبة التاريخية التي تقع بين العصور القديمة وعصر النهضة ..ومدتها ۱۰قرون ،وتبدأ من انهيار
االمبراطورية الرومانية الغربية سنة ٤٧٦م وانتهت في النصف األول من القرن ١٥
لم يكن مفهوم حقوق االنسان بالمعنى الشامل الذي ندركه نحن اآلن في العصور الوسطى ،إذ شهدت هذه األخيرة أحداثا وأفكارا
أسهمت@ في دعم حقوق االنسان في تاريخ البشرية .ويعتبر ميثاق العهد األعظم والمعروف بــــ(الماغناكارتا) الذي صدر عام 1215
من أهم الوثائق التي صدرت في الغرب عن حقوق االنسان .تجدر اإلشارة إلى أن عبارة ماغنا كارتا تعني باللغة الالتينية " الميثاق
العظيم" و هو ميثاق يعتبر األول من نوعه في تاريخ الحضارة الغربية و رمزا لمبادئ الحرية و الديمقراطية .تمت صياغته من قبل
النبالء البريطانيون في القرن الثالث عشر الميالدي بهدف تقليص صالحيات الملك جون الكالند و هو ملك إنكلترا سابقا و قدرته
على االنفراد بالحكم ،إن هذا الملك عرف عنه القساوة و حب السلطة و النفوذ .فجاءت هذه الوثيقة الدستورية و فرضت على الملك
جون في القرن الثالث عشر وقيدت سلطته إذ احتوت على 63مادة كان موضوعها األساسي هو ضمان حقوق االقطاع في وجه
الملكp .1
إن ميثاق المانغا كارتا يحتوي على أحكام أساسية فيما يتعلق بحق الملكية والتقاضي وضمان الحرية الشخصية ،وحرية التنقل
والتجارة ،وعدم فرض ضرائب بدون موافقة البرلمان ،و بعض بنودها نصت كذلك على حماية حقوق الكنيسة والتجار وسكان المدن
والقرى ،كما أنها كفلت حقوق النساء واألطفال في الميراث ،اضافة إلى تأكيدها على أنه ال يجوز معاقبة@ األشخاص على ارتكاب أي
جرائم إال إذا أدينوا بشكل قانوني . 2ولقد كان للماجنا كارتا أثرها البعيد في انكلترا وسائر أوربا فمن أشهر بنود الميثاق ،هوالذي
ينص على أنه "ال يجوز اعتقال أي شخص حر أو سجنه أو تجريده من ممتلكاته أو تجريمه أو نفيه أو معاقبته بدون وجه حق بأي
شكل من األشكال أو مهاجمته ،إال بعد صدور حكم عادل من قبل أقرانه أو بموجب قانون البالد" ،الذي ترجم كمصدر إلهامل
إلعالنات حقوقية.3
أصدرت ماغنا كارتا مرة أخرى في عام 1216ولكن بنسخة ذات أحكام أقل ،حيث ألغيت بعض األحكام المؤقتة الموجودة في
النسخة األولى ،خصوصا ً تلك األحكام التي توجه تهديدات صريحة إلى سلطة الحاكم وقد اعتمدت هذه الوثيقة قانونا عام 1225م .
4
و بهذا أصبحت ماغنا كارتا حجر الزاوية في بناء الحرية و من بين أهم الوثائق القانونية األكثر أهمية في العالم ككل ،فالحقوقيون
يرون أو تذهب أفكارهم باألحرى أن اإلعالم العالمي لحقوق اإلنسان الذي تم تبنيه عام 1948استلهم من مبادئ ماغنا كارتا و
غيرها من المواثيق الحقوقية في الغرب فهذه الوثيقة تمثل شرعية دستورية كانت ترمي إلى حماية حقوق االنسان و االعالء بقيمته
و حمايته ضذ أي انتهاك ،و بالتالي فهي دشنت مقاربة الحريات الفردية و فتحت المجال لضمان الحقوق األساسية.
الفقرة الثانية :مارسيلو بادو
ال يمككنا الحديث عن حقوق اإلنسان في العصور الوسطى دون تسليط الضوء على أهم المفكرين و الفالسفة الذين اهتموا بجانب
عامة ترتبط بفكرة حقوق االنسان و دافعوا عنها خالل هذه الحقبة الزمنية ،إذ جاءت@ اسهامتهم الفكرية بالتزامن مع ما شهدته أروبا
1عبد هللا بن عبد المحسن التركي ،حقوق االنسان في االسالم ،وزارة الشؤون اإلسالمية و األوقاف و الدعوة و اإلرشاد المملكة العربية
السعودية الطبعة األولى ،1998الصفحة 12
2مقال منشور في الموقع www.bbc.com/arabic/
3شيرازاد أحمد عبد الرحمن ،التطور التاريخي لحقوق اإلنسان ،مجلة كلية التربية األساسية ،العدد السادس و السبعون ،2012الصفحة257:
4الموقع اإللكتروني/https://ar.m.wikipedia.org/wiki :
من أحداث وتطورات ،و من بين أهم الفالسفة في تلك المرحلة هو مارسيليو بادوا .عرف عن هذا األخير الواقعية في فلسفته إذ اعتبر
أن الدولة مؤسسة من طبقات و أن الكنيسة كسائر الطبقات ،فهو نادى بضرورة الحكم بقانون مصدره الشعب وليس الكنيسة ،وأقر أن
ليس هنالك حاجة للكنيسة ،بالتالي فهو آمن بفكرة الخضوع إلى قانون وضعي مستمد من الشعب.
نسب إلى مارسيليو بادوا انه أول من نادى في العصور الوسطى بمبدأ حق الشعوب في السيادة ،إذ ميز بين األمة وهي مصدر السلطة
وبين الحكومة وهي األداة المنفذة إلرادة األمة ،وقرر بادوا حق الشعب في السلطة التشريعية وسيادة هذه السلطة على السلطة
التنفيذية ،إذ انه طبقا ً آلرائه يختار الشعب@ السلطة التنفيذية ويكون له حق اإلشراف عليها وتكون هي مسئولة أمامه ،كما نادى بحق
الشعب في معاقبة@ الحكام إذا انتهكوا القوانين التي سنها الشعب ،ومن حق الشعوب خلع حكامها@ و إبعادهم عن السلطة .5
تجب اإلشارة إلى أنه ظهرت افكار فلسفية جديدة ،حاولت الى حد ما االنتصار الى احترام كرامة االنسان وأدميته اذ ان قيام
المجتمعات@ أمر يعود الى طبيعة البشر لكون االنسان كائن اجتماعي بطبعه ال يمكن أن يعيش معزوالً عن بني جنسه وان الغاية من
وجود النظم االجتماعية هو تنفيذ القانون الطبيعي الذي يتضمن مجموعة من المبادئ االخالقية السامي ويرتكز على مبدأ العدل
والقانون الطبيعي اسمى من القانون الوضعي نظرا لطابعه االخالقي وألنه نابع من الفكر اإللهي الذي أبدع العالم ،وظهر مفكرون
عدة في ذلك العصر تناولوا بالذات موضوع الدولة والسلطة ،كان من ابرزهم القديس توماس األكويني الذي جاءت@ فكرته مخالفة
6
لفكرة مارسيلو بادوا
الفقرة الثانية :
مع فجر عصر النهضة وبدايات العصور الحديثة حدث تقدم في مجاالت مختلفة وعلى وجه الخصوص في مجال األفكار
والنظريات السياسية األمر الذي أثار الجدل الفكري المتعلق بمفهوم الحقوق والحريات العامة ،و قد قدمت الواليات المتحدة األمريكية
في بداية تكونها كدولة فيدرالية مستقلة ،وثيقتين أساسيتين في ميدان الحقوق والحريات اإلنسانية وهما الئحة فرجينيا للحقوق
والدستور الفيدرالي.
في القرن الثامن عشر انتقلت الحركة المطالبة بحقوق اإلنسان والحريات الفردية إلى أمريكا ،التي كانت المستعمرة الثالثة عشر
لبريطانيا ،ف بسبب عدم تمثيلها داخل البرلمان البريطاني ،وزيادة الضرائب عليها خاضت@ حربا ضد بريطانيا في ما يعرف بالحرب
الثورية األميركية عام 1775وتمكنت من االنتصار ،ثم تبنت إعالن االستقالل عن التاج البريطاني في الرابع من يوليو .71776
إن إعالن وثيقة االستقالل عام ، 1776والتي تحدثت ألول مرة عن األمة األمريكية ،أعقبه صدور الئحة فريدة في تاريخ
المساعي من اجل الدفاع عن حقوق اإلنسان في والية فرجينيا وهي " Virginia Billأي " الئحة فرجينيا للحقوق" ، 1776وهي
الالئحة التي تعد أول سند تنص مواده على حقوق الفرد والحريات الفردية وحقوق اإلنسان .8وقد جاء في المادة األولى من هذه
الالئحة " :إن البشر جميعا ً متساوون وأحرار وغير تابعين ويتمتعون بالحقوق الذاتية والفطرية .وال يمكن حرمان األجيال القادمة من
هذه الحقوق عبر أي من االتفاقيات والقرارات سواء بالحرمان من التمتع بالحياة والحريات أو الحرمان من حيازة الملكية والتمتع
بالسعادة واألمن"
تضمنت هذه االئحة مبادئ عديدة يمكن تلخيصها في هذه العوارض :
يولد الناس أحراراً ومتساوين في الحقوق والواجبات. -
حق الملكية هو حق طبيعي. -
ال امتياز ألحد من المواطنين أو لمجموعة منهم. -
لكل مواطن الحق في معرفة التهمة الموجهة إليه ،والحق في الدفاع عن نفسه ،وال يدان المتهم إال بعد قرار جماعي من -
هيئة المحلفين وال يمكن حجز حرية أي إنسان إال بموجب قانون؛ شرط توافر األدلة الملموسة ضده.
ال يجوز التضييق على الصحافة ومصادرة حريتها. -
ال يجوز منع حرية االعتقاد الديني الذي يكون للناس حق ممارسته وفق ضمائرهم. -
و فيما يتعلق بالدستور الفيدرالي الذي صدر في ،1787و بدأ العمل بتطبيقه في األول من يناير سنة ،1787ومنذ صدوره حتى
1971كان قد تم تعديله ستة وعشرون مرة حيث تناولت هذه التعديالت قضايا مختلفة يمكن إيجازها في ما يلي:9
5عالء محمد مطر ،تاريخ حقوق اإلنسان ،رسالة لنيل دبلوم الماستر ،جامعة االسراء ،كلية الحقوق بعمان ،السنة الجامعية ،2016ص 71
6حميد حنون خالد ،اإلسالم الفكري في تطور فكرة حقوق اإلنسان ،مجلة العلوم القانونية ،المجلد 26العدد 1يونيو ،2011الصفحتين :
11/12
7الموقع اإللكترونيhttps://www.aljazeera.net :
عبد الحكيم شفاي ،حقوق االنسان :المفهوم ،المرجعية ،المعايير @،اآلليات و التحديات ،ص13 8
عالء محمد مطر ،تاريخ حقوق اإلنسان ،مرجع سابق ،ص92 9
التعديالت العشر األولى صدرت في 1791بعد أن تبناها الكونغرس دفعة واحدة ،وصادقت عليها أغلبية الدول األعضاء -
تتعلق ثمانية منها بضمان الحقوق الشخصية والملكية الفردية ،بينما يتناول التعديالن اآلخران صالحيات الدول فيما يتعلق
بشؤونها الداخلية ،والحفاظ عليها من تدخالت الدولة االتحادية ونظراً ألهميتها الدستورية فقد وصفت هذه التعديالت بقانون
الحقوق.
التعديل الثالث عشر :يتعلق بإلغاء الرق في الواليات المتحدة األمريكية سنة .1865 -
التعديل الرابع عشر :يقضي بتعميم حق االقتراع على كل مواطني الواليات المتحدة دون تمييز بسبب العرق أو اللون أو -
حالة عبودية سابقة ،وقد صدر في 1870
التعديل السادس عشر :صدر في ،1913ويقضي بمنح الكونغرس حق فرض وجباية الضرائب على المداخيل -
التعديل الثاني والعشرين صدر في ، 1951ويمنع انتخاب رئيس الواليات المتحدة األمريكية ألكثر من واليتين متتاليتين، -
وذلك كرد فعل على تجديد انتخاب فرانكلين روزفلت لسدة للمرة الثالثة في عام .1944
التعديل الرابع والعشرون :ألغى شرط الحد األدنى من الضريبة الذي يجب أن يدفعه المواطن لكي يتمتع بممارسة@ حق -
االقتراع صدر في .1964
التعديل السادس والعشرين :صدر في ،1971ويخفض سن حق االقتراع من 21إلى 18سنة. -
الفقرة الثانية :الثورة الفرنسية في عصر النهضة
إن أهم ما جاءت به فرنسا في عصر النهضة و فيما يتعلق بحقوق اإلنسان هو إعالن حقوق اإلنسان و المواطنين إضافة إلى الدستور
الفرنسي الصادر سنة 1791
لنبدأ أوال مع إعالن حقوق اإلنسان و المواطن الذي أصدرته الجمعية التأسيسية الوطنية الفرنسية في 26أغسطس ،1789و يعتبر
اإلعالن من وثائق الثورة الفرنسية األساسية التي تعرف فيها الحقوق الفردية و الجماعية لألمة .إذ أنه شكل لحقوق اإلنسان ثورة
استمدت أفكارها من المفاهيم المتجددة التي كان فالسفة عصر األنوار وعلى رأسهم روسو و ومونتسكيو قد طرحوها ،والتي ركزت
على السلطة وطريقة ممارستها والحريات العامة والفردية التي تساهم بتطور المجتمع ،10فهو اعتبر بمثابة أرضية خصبة لترسيخ قيم
أخالقية و إجتماعية تسمح للفرد بالتطور و االنطالق لتحقيق انسانيته.
يتوفر اإلعالن على مقدمة و 17مادة ،حيث تضمنت المقدمة (إن ممثلي الشعب الفرنسي المشاركين في المجمع العام توصلوا إلى
حقيقة مفادها أن عدم االحترام والوعي تجاه حقوق اإلنسان وتجاهلها هما العلة والسبب لكل األيام السود والكوارث الشاملة وفساد
الحكومات) ،ليشير في المادة الثالثة منه إلى أن مبدأ مبدأ المساواة هو األساس الوحيد الذي تقوم عليه الحقوق ،و إلى المادة المالية أي
الرابعة منه الذي ذهبت إلى اعتبار أن "الحرية" هي ممارسة@ أي عمل دون الحاق خسارة باآلخرين" .لتقر المادة 11إلى أن حرية
الفكر وحرية االعتقاد هما جوهر الحقوق اإلنسانية" ،لتختم المادة السابعة عشر بأن الملكية حق مضمون ومقدس وأنه ال يمكن حرمان
أحد منها إال عندما تقتضي الضرورة العامة المثبتة قانونيا ً ذلك ،وبصورة واضحة وبشرط التعويض العادل والمسبق.11
فاعالن حقوق النسان جاء كرد فعل للثورة الفرنسية التي كان سببها انتهاك حقوق اإلنسان ،وقد تميزت هذه الوثيقة عن غيرها ممن
سبقها من الدول الغربية وخصوصا انجلترا والواليات المتحدة األمريكية بأنها أكثر شمولية ووضوحا بالنسبة لحماية حقوق اإلنسان
كما أنها لم تقتصر على حماية المواطن الفرنسي فقط ،بل اتسع نطاقها لتشمل جميع الناس .إن أهمية هذا اإلعالن تظهر بشكل واضح
من خالل كون أنه يضمن لكل المواطنين "الحرية وحق األمن وحق مقاومة الظلم واالستبداد" ،فبحسب اإلعالن إن القانون هو
عبارة عن إرادة الجمهور ،ووظيفته ضمان مساواة الحقوق ومنع ما فيه ضرر للهيئة االجتماعية."12
لقد وضع اإلعالن وسائل وآليات شبيهة بتلك المذكورة في الدستور األمريكي وميثاق الحقوق األمريكي الذي تمت صياغتهما في نفس
السنة ،مثل الدستور األمريكي فإنه يتطرق الى الحاجة لضمان األمن ،ويحدد مبادئ عامة للضرائب ،خاصة المساواة في الضرائب.
بعد إعالن حقوق إعالن حقوق اإلنسان والمواطن جاء الدستور الفرنسي الصادر سنة 1791ليؤكد الحقوق السابق ذكرها مضيفا ً
إليها رعاية الدولة لألطفال اللقطاء ومساعدة العجزة من الفقراء ،وتوفير العمل لألصحاء ،وتيسير التعليم لجميع المواطنين وضمنت
13المجاهد غزالن ،حقوق اإلنسان و الحريات األساسية مصادرها تطورها و آليات الرقابة و الحماية ،مطبعة المعارف الجديدة-الرباط ،2018
ص 22و 23