01 02 Minkunuz Alquran

You might also like

Download as pdf or txt
Download as pdf or txt
You are on page 1of 363

‫‪147‬‬ ‫من كنوز القرآن الكريم‪ ،‬تفسير آيات من الكتاب‬

‫العزيز‬

‫‪n‬‬
‫الحمد ل الذي أنزل على عبده الكتًب ولم يجعل له عوجًا‪ ،‬وأشهد أن‬
‫ل إله لإل ا وحده ل شريك له‪ ،‬أكم نل للمسلمين ديَنهم ومً جعل عليهم فيه‬
‫أن محمدا ا عبده ورسوله أكم لل الًَس إيمًنً ا وأحسَهم‬ ‫حرجًا‪ ،‬وأشهد ل‬
‫أخلقً ا وأرجحهم حجى‪ ،‬اللله لم ص يّل وسلم وبًرك عليه وعلى آله الط ييّبين‬
‫الغر الميًمين أعلم الهدى ومصًبيح الدجى‪ ،‬وعلى‬
‫المط لهرين وأصحًبه ي ّ‬
‫الذين جًؤوا من بعدهم متلخذين مً كًنوا عليه مَهجًا‪.‬‬
‫أمً بعد‪ ،‬فهذه كلمًت في تفسير آيًت من كتًب ا العزيز‪ ،‬وسبب‬
‫كتًبتهً أنله عَد تلوة القرآن الكريم ر‬
‫أمر بآيًت يبدو لي شيء من كَوزهً‪،‬‬
‫وكَت أودر إبراز تلك الكَوز‪ ،‬وقد تحقلق ذلك بحمد ا بهذا الكتًب‪ ،‬وعَد‬
‫من كنوز القرآن الكريم‪ ،‬تفسير آيات من الكتاب‬ ‫‪148‬‬
‫العزيز‬

‫تحريره رأيت الكتًبة في آيًت أخرى‪.‬‬


‫كلّهً قبل‬
‫سور القرآن ي‬
‫وقد اشتمل هذا الكتًب على الكلم في آيًت من ل‬
‫حزب المفصل‪ ،‬أكثرهً في موضع واحد من السورة‪ ،‬وبعضهً تكون‬
‫الكتًبة في أكثر من موضع مَهً‪ ،‬وأمً في حزب المفصل وأوله سورة‬
‫(ق) فًلكتًبة فيه في خمسة عشر موضعًا‪ ،‬وقد استفدت فيمً كتبته من‬
‫كتب التفسير لبن جرير والقرطبي وابن كثير والشوكًني والشَقيطي‬
‫رحمهم ا‪.‬‬
‫وأسأل ا ل‬
‫عز وج لل أن يَفع بهذا الكتًب‪ ،‬وأن يوفقَي وسًئر‬
‫المسلمين لمً تلحمد عًقبته في الدنيً والخرة‪ ،‬وصلى ا وسلم وبًرك‬
‫على نب ييًَّ محمد وعلى آله وصحبه‪.‬‬
‫‪149‬‬ ‫من كنوز القرآن الكريم‪ ،‬تفسير آيات من الكتاب‬
‫العزيز‬

‫سورة الفاتحة‬

‫‪‬‬

‫‪‬‬

‫‪‬‬

‫‪‬‬

‫‪.‬‬
‫سورة الفًتحة أعظم سورة في القرآن لحديث أبي سعيد بن المعلّى‬
‫أخرجه البخًري (‪ ،)4474‬وهي مشتملة على أنواع التوحيد الثلثة‪:‬‬
‫توحيد الربوبية‪ ،‬وتوحيد اللوهية‪ ،‬وتوحيد السمًء والصفًت؛ فتوحيد‬
‫والر ززق والحيًء والمًتة‬
‫ل‬ ‫الربوبية توحيد ا تعًلى بأفعًله‪ ،‬كًلخلق‬
‫وغير ذلك من أفعًله تعًلى‪ ،‬والمعَى أن ا واحد في أفعًله ل شريك له‬
‫في خلق الخلق وإحيًئهم وإمًتتهم‪.‬‬
‫من كنوز القرآن الكريم‪ ،‬تفسير آيات من الكتاب‬ ‫‪150‬‬
‫العزيز‬

‫وتوحيد اللوهية توحيده سبحًنه وتعًلى بأفعًل العبًد‪ ،‬كًلدعًء‬


‫والخوف والرجًء والتوكل والستعًنة والستغًثة والذبح وغير ذلك من‬
‫أفعًل العبًد‪ ،‬فإنه يتعين عليهم أن يجعلوهً خًلصة ل ‪ ،‬فل يشركوا مع‬
‫ا أحدا ا في عبًدته‪ ،‬فكمً أنه ل خًلق إلّ ا ول محيي إلل ا ول مميت‬
‫إلل ا‪ ،‬فإنه ل معبود حق إلل ا‪.‬‬
‫وتوحيد السمًء والصفًت إثبًت مً أثبته ا لَفسه أو أثبته له رسوله‬
‫من السمًء والصفًت من غير تحريف أو تأويل أو تعطيل‪ ،‬ومن‬
‫غير تكييف أو تشبيه أو تمثيل‪ ،‬كمً قًل ا ‪‬‬
‫‪‬‬

‫[الشورى‪،]11:‬‬
‫فإن هذه الية الكريمة واضحة الدللة لمذهب أهل السَة والجمًعة في‬
‫صفًت ا ‪ ،‬وهو الثبًت مع التَزيه‪ ،‬ففي قول ا ‪‬‬
‫‪‬‬

‫إثبًت اسمي السميع والبصير الدّالين على إثبًت صفتي السمع‬


‫والبصر ل ‪ ،‬وفي قوله تعًلى‬
‫تَزيهه تعًلى عن‬
‫مشًبهة المخلوقين في صفًتهم‪ ،‬فله سبحًنه وتعًلى سمع ل كأسمًع‬
‫المخلوقين‪ ،‬وله بصر ل كأبصًرهم؛ بل إن الية الولى من هذه السورة‬
‫العظيمة مشتملة على أنواع التوحيد الثلثة‪ ،‬أمً توحيد اللوهية فيدل‬
‫؛ لن إسًَد الحمد من‬ ‫عليه قوله‬
‫العبًد إلى ربهم عبًدة له وثًَء عليه‪ ،‬وهو من أفعًلهم‪.‬‬
‫‪151‬‬ ‫من كنوز القرآن الكريم‪ ،‬تفسير آيات من الكتاب‬
‫العزيز‬

‫وأمً توحيد الربوبية ففي قوله تعًلى‬


‫‪ ،‬فإنه سبحًنه وتعًلى رب كل‬
‫شيء وخًلقه ومليكه‪ ،‬كمً قًل ا ‪‬‬

‫‪‬‬

‫‪‬‬

‫[البقرة‪.]22 ،21 :‬‬ ‫‪‬‬

‫وأمً توحيد السمًء والصفًت فإن الية مشتملة على اسمين من‬
‫‪ ،‬والرب في قوله‬ ‫أسمًء ا‪ ،‬وهمً لفظ الجللة في قوله‬
‫‪ ،‬وفي الية جًء‬
‫ذكر الرب مضًفًا‪ ،‬وجًء ذكره في سورة يس مجردا ا عن الضًفة في‬
‫‪‬‬ ‫قوله‬
‫[يس‪. ]58:‬‬
‫من كنوز القرآن الكريم‪ ،‬تفسير آيات من الكتاب‬ ‫‪152‬‬
‫العزيز‬

‫والعًلمون هم كل نمن سوى ا‪ ،‬فًل سبحًنه وتعًلى بذاته وأسمًئه‬


‫وصفًته هو الخًلق‪ ،‬وكل من سواه مخلوق‪ ،‬قًل ا ‪ ‬عن موسى‬
‫‪‬‬ ‫وفرعون‬

‫‪‬‬

‫[الشعراء‪ 23 :‬ـ‬ ‫‪‬‬

‫‪.]24‬‬
‫‪‬‬ ‫و‬
‫اسمًن من أسمًء ا يدلن على صفة من صفًت ا هي الرحمة‪،‬‬
‫والرحمن من السمًء التي ل تطلق إلّ على ا‪ ،‬والرحيم جًء في القرآن‬
‫إطلقه على غيره‪ ،‬قًل ا ‪ ‬في نبيه محمد‬
‫‪‬‬

‫‪‬‬

‫[التوبة‪ ،]128 :‬قًل ابن كثير في تفسيره عَد تفسير‬


‫والحًصل أن من أسمًئه تعًلى مً‬ ‫((‬ ‫البسملة في أول سورة الفًتحة‪:‬‬
‫يسمى به غيره‪ ،‬ومَهً مً ل يسمى به غيره‪ ،‬كًسم ا والرحمن والخًلق‬
‫والرازق ونحو ذلك ))‪.‬‬
‫‪‬‬ ‫و‬
‫‪153‬‬ ‫من كنوز القرآن الكريم‪ ،‬تفسير آيات من الكتاب‬
‫العزيز‬

‫يدل على توحيد الربوبية‪ ،‬وا سبحًنه وتعًلى رب كل شيء ومليكه له‬
‫ملك السمًوات والرض ومً بيَهمً‪ ،‬وهو مًلك الدنيً والخرة‪ ،‬قًل ا‬
‫‪‬‬ ‫‪‬‬

‫‪‬‬

‫[المًئدة‪ ،]120 :‬وقًل‪:‬‬

‫‪‬‬

‫[الملك‪ ،]1 :‬وقًل‪:‬‬


‫‪‬‬

‫‪‬‬

‫‪‬‬ ‫‪‬‬ ‫‪‬‬

‫[المؤمَون‪.]89 ،88 :‬‬


‫ويوم الدين هو يوم الجزاء والحسًب‪ ،‬وإنمً نلص على كونه مًلك يوم‬
‫الدين مع أنه مًلك الدنيً والخرة لنه في ذلك اليوم يخضع الجميع لرب‬
‫العًلمين‪ ،‬بخلف الدنيً فإنه لوجد فيهً من طغى وتكبّر‪ ،‬بل لوجد من قًل‪:‬‬
‫(أنا ربكم العلى)‪ ،‬وقًل‪( :‬يأيها المل ما علمت لكم من إله غيري)‪.‬‬
‫و‬
‫يدل على توحيد اللوهية‪ ،‬وتقديم‬
‫من كنوز القرآن الكريم‪ ،‬تفسير آيات من الكتاب‬ ‫‪154‬‬
‫العزيز‬

‫المفعول على الفعلين يدل على الحصر‪ ،‬وأن العبًدة ل تكون إلّ ل‪ ،‬وأن‬
‫الستعًنة فيمً ل يقدر عليه إلّ ا ل تكون إلّ بًل‪ ،‬والجملة الولى تدل‬
‫على أن المسلم يأتي بعبًدته خًلصة لوجه ا مع موافقتهً لسَة رسول‬
‫ا ‪ ،‬والجملة الثًنية تدل على أن المسلم ل يستعين في أمور ديَه‬
‫ودنيًه إلّ بًل ‪.‬‬
‫و‬
‫يدل على توحيد اللوهية‪،‬‬
‫وهو دعًء‪ ،‬والدعًء من أنواع العبًدة‪ ،‬كمً قًل ا ‪:‬‬

‫‪‬‬

‫[الجن‪ ،]18 :‬وهذا الدعًء مشتمل على أعظم مطلوب للعبد‪ ،‬وهو الهداية‬
‫إلى الصراط المستقيم‪ ،‬الذي يحصل بسلوكه الخروج من الظلمًت إلى‬
‫الَور والظفر بسعًدة الدنيً والخرة‪ ،‬وحًجة العبد إلى هذه الهداية أعظم‬
‫من حًجته إلى الطعًم والشراب؛ لن الطعًم والشراب زاد حيًته الفًنية‪،‬‬
‫والهداية إلى الصراط المستقيم زاد حيًته البًقية الدائمة‪ ،‬ويشتمل هذا‬
‫الدعًء على طلب الثبًت على الهداية الحًصلة وعلى طلب المزيد من‬
‫الهداية‪ ،‬قًل ا ‪:‬‬

‫[محمد‪:‬‬ ‫‪‬‬

‫‪ ،]17‬وقًل عن أصحًب الكهف‪:‬‬


‫‪‬‬
‫‪155‬‬ ‫من كنوز القرآن الكريم‪ ،‬تفسير آيات من الكتاب‬
‫العزيز‬

‫[الكهف‪ ،]13 :‬وقًل‪:‬‬

‫[مريم‪ ،]76 :‬وفي الهداية إلى الصراط المستقيم سلوك‬


‫طريق المَعم عليهم من الَبيين والصديقين والشهداء والصًلحين‪ ،‬وهم‬
‫الذين جمعوا بين العلم والعمل‪ ،‬فيسأل العبد ربه الهداية إلى الصراط‬
‫المستقيم الذي تفضل ا به على رسله وأوليًئه‪ ،‬ويسأله أن يجَبه طريق‬
‫أعدائه الذين عَدهم علم ولم يعملوا به‪ ،‬وهم اليهود المغضوب عليهم‪،‬‬
‫والذين يعبدون ا على جهل وضلل‪ ،‬وهم الَصًرى الضًلون‪،‬‬
‫والحديث في بيًن أن المغضوب عليهم اليهود وأن الضًلين الَصًرى‬
‫أخرجه الترمذي (‪ )2954‬وغيره‪ ،‬وانظر تخريجه في السلسلة الصحيحة‬
‫لللبًني ~ (‪ ،)3263‬وفيه تسمية بعض الذين قًلوا بثبوته من أهل العلم‪،‬‬
‫تعًلى‪:‬‬ ‫ا‬ ‫لقول‬ ‫تفسيره‬ ‫في‬ ‫كثير‬ ‫ابن‬ ‫نقل‬ ‫وقد‬

‫‪‬‬

‫‪‬‬

‫‪‬‬

‫[التوبة‪ ]34 :‬عن سفيًن بن عييَة أنه قًل‪:‬‬


‫(( من فسد من علمًئًَ كًن فيه شبه من اليهود‪ ،‬ومن فسد من عبًّدنً كًن‬
‫من كنوز القرآن الكريم‪ ،‬تفسير آيات من الكتاب‬ ‫‪156‬‬
‫العزيز‬

‫فيه شبه من الَصًرى ))‪.‬‬


‫قًل شيخًَ الشيخ محمد المين الشَقيطي ~ في كتًبه أضواء البيًن‬
‫(‪ (( :)53/1‬واليهود والَصًرى وإن كًنوا ضًلين جميعً ا مغضوبً ا عليهم‬
‫خص به اليهود وإن شًركهم الَصًرى فيه؛‬
‫ّ‬ ‫جميعًا‪ ،‬فإن الغضب إنمً‬
‫لنهم يعرفون الحق ويَكرونه ويأتون البًطل عمداا‪ ،‬فكًن الغضب أخص‬
‫صفًتهم‪ ،‬والَصًرى جهلة ل يعرفون الحق‪ ،‬فكًن الضلل أخص‬
‫‪‬‬ ‫صفًتهم‪ ،‬وعلى هذا فقد يلبن ييّن أن‬
‫اليهود قوله تعًلى فيهم‪:‬‬

‫الية‪ ،‬وقوله فيهم أيضًا‪:‬‬

‫‪‬‬

‫الية‪ ،‬وقوله‪:‬‬

‫أن‬ ‫الية‪ ،‬وقد يب ييّن‬


‫الَصًرى قوله تعًلى‪:‬‬
‫‪‬‬ ‫‪‬‬

‫‪‬‬ ‫‪‬‬

‫‪‬‬
‫‪157‬‬ ‫من كنوز القرآن الكريم‪ ،‬تفسير آيات من الكتاب‬
‫العزيز‬

‫‪‬‬ ‫‪‬‬

‫))‪.‬‬
‫ويتبين ممً تقدّم أن سورة الفًتحة مشتملة في أكثر من موضع على‬
‫أنواع التوحيد الثلثة‪ :‬توحيد الربوبية وتوحيد اللوهية وتوحيد السمًء‬
‫والصفًت‪ ،‬ومن العلمًء من يقسم التوحيد إلى نوعين‪ :‬توحيد في المعرفة‬
‫والثبًت ويشتمل على توحيد الربوبية والسمًء والصفًت‪ ،‬وتوحيد في‬
‫الطلب والقصد وهو توحيد اللوهية‪ ،‬فل تًَفي بين القسمة الثًَئية‬
‫والثلثية‪ ،‬قًل ابن أبي العز الحَفي في شرح العقيدة الطحًوية (ص‪42 :‬‬
‫ـ ‪ (( :)43‬ثم التوحيد الذي دعت إليه رسل ا ونزلت به كتبه نوعًن‪:‬‬
‫توحيد في الثبًت والمعرفة‪ ،‬وتوحيد في الطلب والقصد‪.‬‬
‫فالول‪ :‬هو إثبًت حقيقة ذات الرب تعًلى وصفًته وأفعًله وأسمًئه‪،‬‬
‫ليس كمثله شيء في ذلك كله‪ ،‬كمً أخبر به عن نفسه‪ ،‬وكمً أخبر رسوله‬
‫‪ ،‬وقد أفصح القرآن عن هذا الَوع كل الفصًح‪ ،‬كمً في أول الحديد‬
‫وطه وآخر الحشر وأول‬
‫وأول آل عمران وسورة الخلص بكمًلهً‪ ،‬وغير ذلك‪.‬‬
‫السجدة ّ‬
‫والثاني‪ :‬وهو توحيد الطلب والقصد‪ ،‬مثل مً تضمَته سورة‬

‫و‬ ‫‪‬‬

‫‪‬‬
‫‪‬‬
‫وأول سورة‬
‫ّ‬ ‫‪،‬‬
‫من كنوز القرآن الكريم‪ ،‬تفسير آيات من الكتاب‬ ‫‪158‬‬
‫العزيز‬

‫وأول‬
‫وآخرهً‪ّ ،‬‬
‫وأول سورة العراف وآخرهً‪ ،‬وجملة‬
‫سورة يونس وأوسطهً وآخرهً‪ّ ،‬‬
‫سورة النعًم‪.‬‬
‫عي التوحيد‪ ،‬بل كل سورة في‬ ‫وغًلب سور القرآن متضمَة لَو ن‬
‫القرآن؛ فإن القرآن إمً خبر عن ا وأسمًئه وصفًته وأفعًله‪ ،‬فهو‬
‫التوحيد العلمي الخبري‪ ،‬وإمً دعوة إلى عبًدته وحده ل شريك له وخلع‬
‫مً يلعبد من دونه‪ ،‬فهو التوحيد الرادي الطلبي‪ ،‬وإمً أمر ونهي وإلزام‬
‫بطًعته‪ ،‬فذلك من حقوق التوحيد ومكملته‪ ،‬وإمً خبر عن إكرامه لهل‬
‫توحيده ومً فعل بهم في الدنيً ومً يكرمهم به في الخرة‪ ،‬فهو جزاء‬
‫توحيده‪ ،‬وإمً خبر عن أهل الشرك ومً فعل بهم في الدنيً من الَكًل ومً‬
‫ين لحل بهم في العقبى من العذاب فهو جزاء من خرج عن حكم التوحيد‪،‬‬
‫فًلقرآن كله في التوحيد وحقوقه وجزائه‪ ،‬وفي شأن الشرك وأهله‬
‫وجزائهم‪ ،‬فـ‬
‫توحيد‪،‬‬
‫توحيد‪،‬‬ ‫‪‬‬
‫توحيد‪،‬‬ ‫‪‬‬

‫توحيد‪،‬‬

‫توحيد متضمن لسؤال الهداية إلى طريق أهل التوحيد الذين أنعم عليهم‬
‫‪‬‬
‫‪159‬‬ ‫من كنوز القرآن الكريم‪ ،‬تفسير آيات من الكتاب‬
‫العزيز‬

‫الذين فًرقوا التوحيد ))‪.‬‬


‫ولعظم شأن سورة الفًتحة واشتمًلهً على توحيد ا في ربوبيته‬
‫وألوهيته وأسمًئه وصفًته‪ ،‬وعلى طلب الهداية إلى الصراط المستقيم‬
‫الذي حًجة المسلم إليه فوق كل حًجة‪ ،‬وضرورته إليه فوق كل‬
‫شرعت قراءتهً في كل ركعة من ركعًت الصلة‪ ،‬ففي‬ ‫ضرورة‪ ،‬ل‬
‫صحيح البخًري (‪ )756‬ومسلم (‪ )393‬عن عبًدة بن الصًمت > أن‬
‫قًل‪ (( :‬ل صلة لمن لم يقرأ بفًتحة الكتًب ))‪ ،‬وفي‬ ‫رسول ا‬
‫قًل‪ (( :‬من صلى‬ ‫صحيح مسلم (‪ )878‬عن أبي هريرة > عن الَبي‬
‫صلة لم يقرأ فيهً بأم القرآن فهي خداج ـ ثلثً ا ـ غير تمًم‪ ،‬فقيل لبي‬
‫هريرة‪ :‬إنً نكون وراء المًم؟ فقًل‪ :‬اقرأ بهً في نفسك؛ فإني سمعت‬
‫يقول‪ :‬قًل ا تعًلى قسمت الصلة بيَي وبين عبدي‬ ‫رسول ا‬
‫نصفين‪ ،‬ولعبدي مً سأل‪ ،‬فإذا قًل العبد‪:‬‬
‫‪ ،‬قًل ا‬
‫‪‬‬ ‫تعًلى‪ :‬حمدني عبدي‪ ،‬وإذا قًل‪:‬‬
‫‪ ،‬قًل ا تعًلى‪ :‬أثَى علي عبدي‪ ،‬فإذا قًل‪:‬‬
‫‪ ،‬قًل‪:‬‬ ‫‪‬‬
‫فوض إلي عبدي‪ ،‬فإذا قًل‪:‬‬ ‫مرة‪ :‬ل‬ ‫م ّجدني عبدي‪ ،‬وقًل ّ‬

‫‪ ،‬قًل‪ :‬هذا بيَي وبين عبدي ولعبدي مً‬


‫سأل‪ ،‬فإذا قًل‪:‬‬
‫من كنوز القرآن الكريم‪ ،‬تفسير آيات من الكتاب‬ ‫‪160‬‬
‫العزيز‬

‫‪‬‬
‫‪ ،‬قًل‪ :‬هذا لعبدي ولعبدي مً‬
‫سأل ))‪.‬‬
‫فإذا قًل‪:‬‬ ‫((‬ ‫ومعَى قول ا في هذا الحديث القدسي‪:‬‬

‫‪ ،‬قًل‪ :‬هذا بيَي وبين عبدي ولعبدي مً‬


‫سأل )) أن الجملة الولى وهي‬
‫مشتملة على العبًدة وهي ل‪ ،‬والجملة الثًنية‬
‫مشتملة على طلب العبد العون من ا‪ ،‬وأن ا تفضل عليه بأن له مً‬
‫سأل‪.‬‬
‫وقد استدل شيخًَ الشيخ محمد المين الشَقيطي بسورة الفًتحة على‬
‫ص ّحة خلفة أبي بكر >‪ ،‬فقًل في كتًبه أضواء البيًن (‪ (( :)51/1‬يؤخذ‬
‫من هذه الية الكريمة ص ّحة إمًمة أبي بكر الصدّيق >؛ لنه داخل فيمن‬
‫أ نمرنً ا في السبع المثًني والقرآن العظيم ـ أعَي الفًتحة ـ بأن نسأله أن‬
‫يهديًَ صراطهم‪ ،‬فد لل ذلك على أن صراطهم هو الصراط المستقيم‪،‬‬
‫وذلك في قوله‪:‬‬

‫‪ ،‬وقد بيلن الذين أنعم عليهم فعدل مَهم‬


‫أن أبً بكر > من الصديقين‪ ،‬فًتضح أنه داخل‬ ‫الصديقين‪ ،‬وقد بيلن‬
‫في الذين أنعم ا عليهم‪ ،‬الذين أمرنً ا أن نسأله الهداية إلى صراطهم‪،‬‬
‫‪161‬‬ ‫من كنوز القرآن الكريم‪ ،‬تفسير آيات من الكتاب‬
‫العزيز‬

‫فلم يبق لبس في أن أبً بكر > على الصراط المستقيم‪ ،‬ل‬
‫وأن إمًمته حق ))‪.‬‬
‫سورة البقرة‬
‫افتتح ا تسعً ا وعشرين سورة من سور القرآن أولهً سورة البقرة‬
‫بًلحروف المقطعة‪ ،‬وأشير حول هذه الحروف إلى مً يلي‪:‬‬
‫‪1‬ـ الحروف المقطعة التي وردت في أوائل السور هي‪ :‬الصًد واللم‬
‫والهًء والسين والحًء واليًء والراء واللف والميم والَون والقًف‬
‫(ص زلهل‬
‫والطًء والعين والكًف‪ ،‬وهي أربعة عشر حرفًا‪ ،‬يجمعهً جملة‪ :‬ي‬
‫(نص حكيم قًطع له سر)‪ ،‬وأق رل هذه الحروف‬
‫ص‬ ‫س نحيرا نمن ق ن‬
‫طعنك)‪ ،‬أو‬ ‫ل‬
‫ذكرا ا الكًف؛ حيث جًء مرة واحدة في سورة مريم‪ ،‬وأكثرهً الميم؛ حيث‬
‫جًء في سبعة عشر موضعًا‪.‬‬
‫‪2‬ـ هذه الحروف تَقسم إلى خمسة أقسًم‪:‬‬
‫‪.‬‬ ‫و‬ ‫و‬ ‫آحادية‪ :‬وهي‬
‫و‬ ‫و‬ ‫و‬ ‫وثنائية‪ :‬وهي‬
‫‪.‬‬
‫و‬ ‫و‬ ‫وثلثية‪ :‬وهي‬
‫‪.‬‬
‫‪.‬‬ ‫و‬ ‫ورباعية‪ :‬وهي‬
‫و‬ ‫‪‬‬ ‫وخماسية‪ :‬وهي‬
‫‪.‬‬ ‫‪‬‬

‫‪3‬ـ المشهور عَد كثير من العلمًء في معَى هذه الحروف قولهم‪ :‬ا‬
‫من كنوز القرآن الكريم‪ ،‬تفسير آيات من الكتاب‬ ‫‪162‬‬
‫العزيز‬

‫أعلم بمراده بذلك‪ ،‬وقد جًء التَويه بًلقرآن بعد ذكر هذه الحروف في‬
‫جميع السور المفتتحة بًلحروف المقطعة إلل في أربع سور هي‪ :‬مريم‬
‫والعَكبوت والروم والقلم‪ ،‬وقد جًء التَويه بًلقرآن فيهً في آخر مريم‬
‫والروم والقلم وفي أثًَء العَكبوت‪ ،‬فيلفهم من ذلك الشًرة إلى إعجًز‬
‫يؤلّف الًَس مَهً‬
‫القرآن‪ ،‬ووجه ذلك أن القرآن مؤللف من الحروف التي ي‬
‫يؤلّفوا من هذه الحروف كلمً ا‬‫كلمهم‪ ،‬ومع ذلك فإنهم ل يستطيعون أن ي‬
‫مثل هذا الكلم‪ ،‬قًل ابن كثير في تفسيره في أول سورة البقرة بعد أن‬
‫ذكر أقوالا في المراد بًلحروف المقطعة‪ ،‬قًل‪ (( :‬وقًل آخرون‪ :‬بل إنمً‬
‫ذلكرت هذه الحروف في أوائل السور التي ذلكرت فيهً بيًنً ا لعجًز‬
‫القرآن‪ ،‬وأن الخلق عًجزون عن معًرضته بمثله‪ ،‬هذا مع أنه مركب من‬
‫هذه الحروف المقطعة التي يتخًطبون بهً‪ ،‬وقد حكى هذا المذهب‬
‫الرازي في تفسيره عن المبرد وجمع من المحققين‪ ،‬وحكى القرطبي عن‬
‫وقرره الزمخشري في كشًفه ونصره أتم‬ ‫الفراء وقطرب نحو هذا‪ّ ،‬‬
‫نصر‪ ،‬وإليه ذهب الشيخ المًم العلمة أبو العبًس ابن تيمية وشيخًَ‬
‫الحًفظ المجتهد أبو الحجًج المزي وحكًه لي عن ابن تيمية )) إلى أن‬
‫قًل‪ (( :‬قلت‪ :‬ولهذا كل سورة افتلتحت بًلحروف فلبد أن يلذكر فيهً‬
‫النتصًر للقرآن وبيًن إعجًزه وعظمته‪ ،‬وهذا معلوم بًلستقراء‪ ،‬وهو‬
‫الواقع في تسع وعشرين سورة‪ ،‬ولهذا يقول تعًلى‪:‬‬

‫)) إلى أن قًل‪ (( :‬وغير ذلك من‬


‫اليًت الدالة على صحة مً ذهب إليه هؤلء لمن أمعن الَظر‪ ،‬وا‬
‫أعلم ))‪.‬‬
‫‪163‬‬ ‫من كنوز القرآن الكريم‪ ،‬تفسير آيات من الكتاب‬
‫العزيز‬

‫***‬
‫ـ قوله‪:‬‬
‫‪.‬‬
‫الكتًب هو القرآن‪ ،‬واللف واللم فيه للعهد‪ ،‬أي الكتًب المعهود في‬
‫الذهًن‪ ،‬وقد جًء ذكر الكتًب في القرآن كثيراا‪ ،‬والمراد به القرآن‬
‫العظيم‪ ،‬من ذلك في أول سورة آل عمران ويونس ويوسف والرعد‬
‫والحجر والشعراء والَمل والقصص ولقمًن والسجدة والزمر وغًفر‬
‫والزخرف والدخًن والجًثية والحقًف‪ ،‬وجًء في سورة مريم‪:‬‬

‫خمس مرات‪ ،‬وفي غير ذلك من اليًت‪.‬‬


‫وجًء ذكر الكتًب بًللفظ المفرد مرادا ا به الجَس أي الكتب‪ ،‬مثل قوله‬
‫تعًلى‪:‬‬
‫‪‬‬ ‫‪‬‬ ‫‪‬‬

‫‪‬‬

‫[البقرة‪ ،]177 :‬وقوله‪:‬‬


‫من كنوز القرآن الكريم‪ ،‬تفسير آيات من الكتاب‬ ‫‪164‬‬
‫العزيز‬

‫الية‪ ،‬وقوله‪:‬‬

‫[الحديد‪ ،]25 :‬فإن المراد بًلكتًب في هذه اليًت الكتب‪ ،‬واللف واللم‬
‫فيهً لستغراق الجَس‪ ،‬وقد جًء الجمع بين الكتًب مرادا ا به القرآن‪،‬‬
‫والكتًب مرادا ا به الكتب في قول ا ‪ ‬في سورة الَسًء‪:‬‬

‫‪‬‬ ‫‪‬‬
‫‪‬‬

‫‪‬‬

‫[الَسًء‪ ،]136 :‬وقوله في المًئدة‪:‬‬

‫[المًئدة‪ ،]48 :‬فإن المراد بًلكتًب الول في‬


‫‪165‬‬ ‫من كنوز القرآن الكريم‪ ،‬تفسير آيات من الكتاب‬
‫العزيز‬

‫اليتين القرآن‪ ،‬والمراد بًلكتًب الثًني فيهمً الكتب التي أنزلهً ا على‬
‫رسله قبل القرآن‪.‬‬
‫وجًء في القرآن كثيرا ا ذكر الكتًب مرادا ا به التوراة‪ ،‬واللف واللم‬
‫فيه للعهد الذهَي‪ ،‬ففي البقرة في موضعين‪ ،‬وفي النعًم في موضعين‪،‬‬
‫وفي هود والسراء والمؤمَون والفرقًن والقصص و(الم) السجدة‬
‫والصًفًت وفصلت وغير ذلك‪.‬‬
‫وجًء في القرآن ذكر اللف واللم في الكلمة مرادا ا بهً العهد‬
‫الذكري‪ ،‬مثل قوله‪:‬‬
‫‪‬‬
‫[الكهف‪ ،]80 :‬وقوله‪:‬‬

‫[الكهف‪ ،]82 :‬فإن اللف واللم في (الغلم) و(الجدار) ترجع إلى معهود‬
‫مذكور قبله في قوله‪:‬‬

‫‪‬‬ ‫[الكهف‪ ،]74 :‬وقوله‪:‬‬

‫[الكهف‪ ،]77 :‬ومثل قوله في سورة المزمل‪:‬‬


‫[المزمل‪،]16 :‬‬ ‫‪‬‬ ‫‪‬‬
‫فإنه راجع إلى قوله قبلهً‪:‬‬

‫[المزمل‪ ،]15 :‬ومثل‬ ‫‪‬‬ ‫‪‬‬


‫قوله‪:‬‬
‫من كنوز القرآن الكريم‪ ،‬تفسير آيات من الكتاب‬ ‫‪166‬‬
‫العزيز‬

‫[التوبة‪،]5 :‬‬
‫‪‬‬ ‫فإنه راجع إلى الربعة في قوله‪:‬‬

‫[التوبة‪ ،]2 :‬وهي أشهر التسيير والمهًل‬


‫للمشركين‪ ،‬قًل ابن كثير في تفسيره‪ (( :‬اختلف المفسرون في المراد‬
‫بًلشهر الحرم ههًَ مً هي؟ فذهب ابن جرير إلى أنهً المذكورة في قوله‬
‫تعًلى‪:‬‬

‫‪‬‬
‫الية [التوبة‪،]36 :‬‬ ‫‪‬‬
‫قًله أبو جعفر البًقر‪ ،‬ولكن قًل ابن جرير‪( :‬آخر الشهر الحرم في حقهم‬
‫ي بن أبي طلحة عن ابن عبًس‪،‬‬ ‫المحرم)‪ ،‬وهذا الذي ذهب إليه حكًه عل ّ‬
‫وإليه ذهب الضحًك أيضًا‪ ،‬وفيه نظر‪ ،‬والذي يظهر من حيث السيًق مً‬
‫ذهب إليه ابن عبًس في رواية العوفي عَه‪ ،‬وبه قًل مجًهد وعمرو بن‬
‫شعيب ومحمد بن إسحًق وقتًدة والسدي وعبد الرحمن بن زيد بن أسلم‬
‫أن المراد بهً أشهر التسيير الربعة المَصوص عليهً في قوله‪:‬‬
‫‪‬‬
‫‪ ،‬ثم قًل‪:‬‬

‫أي إذا انقضت الشهر الربعة التي حرمًَ‬


‫عليكم فيهً قتًلهم وأ لجلًَكم فيهً فحيثمً وجدتموهم فًقتلوهم؛ لن عود‬
‫العهد على مذكور أولى من مقدر‪ ،‬ثم إن الشهر الربعة المحرمة سيأتي‬
‫بيًن حكمهً في آية أخرى بعد في هذه السورة الكريمة ))‪.‬‬
‫‪167‬‬ ‫من كنوز القرآن الكريم‪ ،‬تفسير آيات من الكتاب‬
‫العزيز‬

‫***‬
‫‪.‬‬ ‫ـ قوله‪:‬‬
‫المتقون هم الملزمون لتقوى ا‪ ،‬والتقوى في اللغة من الوقًية‪ ،‬وهي‬
‫أن تجعل بيَك وبين الذي تخًفه وقًية تقيك مَه‪ ،‬كمً يتقي النسًن‬
‫حرهً والبرد بلبس اللبسة الثقيلة‪ ،‬والشوك‬ ‫الشمس بًتخًذه مً يظله من ّ‬
‫ومً يؤذي في الرض بًتخًذ الحذية وغير ذلك‪ ،‬وأمً في الشرع فتقوى‬
‫ا أن يجعل العبد بيَه وبين غضب ا وقًية تقيه مَه‪ ،‬وذلك بًمتثًل‬
‫المأمورات واجتًَب المَهيًت‪ ،‬فًلمعَى اللغوي هًَ عًم‪ ،‬والمعَى‬
‫الشرعي جزء من جزئيًت المعَى اللغوي‪ ،‬وكثيرا ا مً تأتي المعًني‬
‫الشرعية أجزاء من المعًني اللغوية‪ ،‬مثل الصوم‪ ،‬فإنه يطلق في اللغة‬
‫على كل إمسًك‪ ،‬ويطلق في الشرع على إمسًك مخصوص‪ ،‬وهو‬
‫المسًك عن الكل والشرب وسًئر المفطرات من طلوع الفجر إلى‬
‫غروب الشمس‪ ،‬ومثل الحج فإنه في اللغة يطلق على كل قصد‪ ،‬ويطلق في‬
‫الشرع على قصد البيت العتيق والطواف به والتيًن بشعًئر معيَة‪،‬‬
‫ومثل العمرة فإنهً تطلق على كل زيًرة‪ ،‬وتطلق في الشرع على زيًرة‬
‫البيت العتيق للطواف به والسعي بين الصفً والمروة‪.‬‬
‫وتقوى ا وصيته للولين والخرين‪ ،‬قًل ا ‪:‬‬

‫‪‬‬

‫[الَسًء‪ ،]131 :‬وبيلن ا أن تقواه‬ ‫‪‬‬


‫خير زاد‪ ،‬فقًل‪:‬‬
‫‪‬‬
‫من كنوز القرآن الكريم‪ ،‬تفسير آيات من الكتاب‬ ‫‪168‬‬
‫العزيز‬

‫[البقرة‪ ،]197 :‬ورتلب كل خير وسعًدة في الدنيً والخرة على التقوى‪ ،‬فقًل‪:‬‬
‫‪‬‬
‫[البقرة‪،]282 :‬‬
‫وقًل‪:‬‬
‫‪‬‬ ‫‪‬‬

‫‪‬‬
‫‪‬‬
‫[النفًل‪ ،]29 :‬وقًل‪:‬‬

‫[الطلق‪ ،]3 ،2 :‬وقًل‪:‬‬

‫[الطلق‪ ،]4 :‬وقًل‪:‬‬


‫‪‬‬

‫[الطلق‪.]5 :‬‬ ‫‪‬‬

‫***‬
‫‪‬‬ ‫ـ قوله‪:‬‬
‫‪.‬‬
‫الغيب في اللغة كل مً غًب عن النسًن‪ ،‬وفي الشرع كل مً غًب‬
‫عن النسًن ممً ل يلعرف إلّ بًلوحي‪ ،‬وذلك مثل الخبًر عن بدء الخلق‬
‫‪169‬‬ ‫من كنوز القرآن الكريم‪ ،‬تفسير آيات من الكتاب‬
‫العزيز‬

‫وعن الرسل وأممهم والخبًر عمً يجري في المستقبل مثل خروج‬


‫يأجوج ومأجوج وخروج الدابة وخروج المسيح الدجًل وغير ذلك‪ ،‬ومً‬
‫يجري في القبور من الَعيم والعذاب‪ ،‬ومً يحصل بعد البعث من الحشر‬
‫والحسًب ووزن العمًل والصراط والجَة ومً ألعدل فيهً من الَعيم‬
‫والًَر ومً ألعدّ فيهً من العذاب‪ ،‬ومثل مً هو موجود ممً ل نشًهده‬
‫كًلملئكة والجن ومً في السمًوات‪.‬‬
‫ومن اليمًن بًلغيب اليمًن بأصول اليمًن الستة المبيلَة في حديث‬
‫جبريل المشهور‪ ،‬وهي اليمًن بًل وملئكته وكتبه ورسله واليوم الخر والقدر‬
‫خيره وشره‪.‬‬
‫فإن اليمًن بأسمًء ا وصفًته وأفعًله ومعرفة عبًدته كل ذلك ل‬ ‫ل‬
‫‪،‬‬ ‫يلعرف إلّ عن طريق الوحي من كتًب ا ومن سَّة رسوله‬
‫واليمًن بًلملئكة وأصل خ زنلقهم وكيفيته ومً لك يلّفوا به من العمًل وغير‬
‫ذلك ممً يتعلّق بًلملئكة كله من اليمًن بًلغيب‪ ،‬واليمًن بًلرسل‬
‫س ّمي مَهم ومعرفة أممهم ومً جرى بين الرسل والمم من‬ ‫ومعرفة من ل‬
‫اليمًن بًلغيب‪ ،‬واليمًن بًلكتب ومعرفتهً ومعرفة أسمًئهً والرسل‬
‫التي ألنزلت عليهم من اليمًن بًلغيب‪ ،‬واليمًن بًليوم الخر ومعرفة مً‬
‫يحصل في القبر من نعيم أو عذاب وأهوال ومً يحصل بعد البعث من‬
‫حشر وحوض وحسًب وميزان وصراط وجَّة ونًر كله من اليمًن‬
‫بًلغيب‪ ،‬واليمًن بًلقضًء والقدر من اليمًن بًلغيب؛ فإن كل مً لكتب‬
‫في اللوح المحفوظ ممً سبق به قضًء ا وقدره ل يعلمه إلّ ا‪ ،‬فمً شًء‬
‫ا كًن ومً لم يشأ لم يكن‪ ،‬ول يعلم الًَس المقدلر إلّ بوقوعه أو بحصول‬
‫الخبر بوقوعه في المستقبل من الصًدق المصدوق ‪.‬‬
‫من كنوز القرآن الكريم‪ ،‬تفسير آيات من الكتاب‬ ‫‪170‬‬
‫العزيز‬

‫ولعظم شأن اليمًن بًلغيب جعله ا أول صفًت المتقين التي ذكرهً‬
‫في قوله تعًلى‪:‬‬
‫‪‬‬
‫‪‬‬
‫‪‬‬ ‫‪‬‬
‫‪‬‬ ‫‪‬‬
‫‪‬‬
‫‪‬‬

‫[البقرة‪.]3 ،2 :‬‬ ‫‪‬‬ ‫‪‬‬

‫***‬
‫ـ قوله‪:‬‬

‫‪‬‬
‫[البقرة‪.]16 :‬‬
‫في هذه الية إخبًر عن المًَفقين بأنهم رغبوا في الضللة ورضوهً‬
‫لنفسهم وتركوا الهدى وأعرضوا عَه فخسروا هذا الذي رغبوا فيه ومً‬
‫ربحت تجًرتهم فيه ولم يظفروا بًلهدى الذي تركوه‪ ،‬ولهذا قًل‪:‬‬

‫‪،‬‬ ‫‪‬‬
‫‪171‬‬ ‫من كنوز القرآن الكريم‪ ،‬تفسير آيات من الكتاب‬
‫العزيز‬

‫والبًء داخلة على الشيء المتروك‪ ،‬وهكذا كل شيء يلشترى‪ ،‬فإن البًء‬
‫فيه تدخل على المتروك وهو الثمن‪ ،‬ومن ذلك مً جًء في آيًت أخرى‬
‫عن بعض الكفًر‪ ،‬مثل قوله تعًلى‪:‬‬

‫‪‬‬
‫‪‬‬

‫[البقرة‪ ،]86 :‬وقوله‪:‬‬

‫‪‬‬

‫[البقرة‪ ،]175 :‬فإن البًء فيهمً داخلة على الشيًء المتروكة‪ ،‬ونظير ذلك‬
‫قول ا تعًلى‪:‬‬
‫‪‬‬

‫‪‬‬

‫‪‬‬

‫‪‬‬
‫من كنوز القرآن الكريم‪ ،‬تفسير آيات من الكتاب‬ ‫‪172‬‬
‫العزيز‬

‫‪‬‬ ‫‪‬‬
‫[البقرة‪ ،]61 :‬فإن البًء داخلة على المتروك‪ ،‬وهو المن‬
‫والسلوى الذي هو خير‪.‬‬
‫***‬
‫ـ قوله‪:‬‬

‫‪‬‬

‫‪‬‬
‫[البقرة‪.]22 ،21 :‬‬ ‫‪‬‬

‫اشتملت هًتًن اليتًن على ّأول أ ن زم رر أ ن نم نر ا به في المصحف‪ ،‬وهو‬


‫عبًدة ا‪ ،‬وهو أعظم مأمور به‪ ،‬وعلى ّأول نن زهي ر ننهى ا عَه فيه‪ ،‬وهو‬
‫الشرك بًل واتخًذ النداد له‪ ،‬وهو أعظم مَهي عَه‪ ،‬وفي هًتين اليتين‬
‫اللزام بتوحيد اللوهية‪ ،‬وهو عبًدة ا وحده وترك عبًدة من سواه‪،‬‬
‫وذلك في قوله في ّأول الية الولى‪:‬‬
‫‪ ،‬وقوله في آخر الية الثًنية‪:‬‬
‫‪173‬‬ ‫من كنوز القرآن الكريم‪ ،‬تفسير آيات من الكتاب‬
‫العزيز‬

‫‪‬‬
‫‪ ،‬وهذا هو معَى‬ ‫‪‬‬
‫‪‬‬ ‫ل إله إلّ ا؛ فإن قوله‪:‬‬
‫بمعَى (ل إله)‪ ،‬وقوله‪:‬‬
‫بمعَى (إلّ ا)‪،‬‬
‫وفيهمً تقرير توحيد الربوبية‪ ،‬وهو كون ا خًلقهم وخًلق من قبلهم‪،‬‬
‫وجًعل الرض تحتهم والسمًء فوقهم‪ ،‬الذي يَزل الغيث فيخرج به من‬
‫الرض أرزاقهم‪ ،‬والمراد من هذا التقرير لتوحيد الربوبية إلزام الكفًر‬
‫بتوحيد اللوهية‪ ،‬والمعَى‪ :‬كمً أنه ل خًلق‬ ‫الذين بلعث فيهم الرسول‬
‫إلّ ا ول رازق إلّ ا فإنه ل معبود حق سواه‪ ،‬ولهذا يأتي كثيرا ا في‬
‫القرآن تقرير التوحيد الذي أقروا به للزامهم بًلتوحيد الذي جحدوه‪ ،‬مثل‬
‫قوله تعًلى‪:‬‬
‫‪‬‬

‫‪‬‬

‫‪‬‬
‫‪‬‬
‫من كنوز القرآن الكريم‪ ،‬تفسير آيات من الكتاب‬ ‫‪174‬‬
‫العزيز‬

‫‪‬‬

‫‪‬‬
‫‪‬‬

‫‪‬‬ ‫‪‬‬

‫‪‬‬
‫‪175‬‬ ‫من كنوز القرآن الكريم‪ ،‬تفسير آيات من الكتاب‬
‫العزيز‬

‫‪‬‬

‫[الَمل‪60 :‬ـ ‪ ،]64‬فإن مً جًء في أوائل هذه‬


‫اليًت من تقرير توحيد الربوبية الذي أقروا به‪ ،‬أريد به مً جًء في‬
‫أواخرهً‪ ،‬وهو اللزام بًللوهية‪ ،‬وذلك في قوله‪:‬‬
‫‪ ،‬ولمً سأل عبد ا بن‬
‫قًئلا‪ :‬أي الذنب أعظم عَد ا؟ أجًبه‬ ‫مسعود > رسول ا‬
‫بقوله‪ (( :‬أن تجعل ل ندا ا وهو خلقك )) أخرجه البخًري (‪ )4477‬ومسلم‬
‫(‪.)257‬‬
‫***‬
‫ـ قوله‪:‬‬

‫‪‬‬ ‫‪‬‬

‫‪‬‬

‫[البقرة‪.]23 :‬‬
‫في هذه الية الكريمة بيًن إعجًز القرآن‪ ،‬وأن الذين نزل عليهم ـ‬
‫وهم أهل الفصًحة والبلغة ـ ت ل لحدّوا بأن يأتوا بسورة من مثله‪ ،‬وأقصر‬
‫سور القرآن سور العصر والكوثر والخلص‪ ،‬ومع ذلك لم يستطيعوا‪،‬‬
‫وقد كًن التحدي حصل بًلتيًن بمثله‪ ،‬ثم بعشر سور مثله‪ ،‬ثم بسورة من‬
‫من كنوز القرآن الكريم‪ ،‬تفسير آيات من الكتاب‬ ‫‪176‬‬
‫العزيز‬

‫مثله‪ ،‬وهذا التحدي مستمر‪ ،‬وقد أخبر ا بحصول عجز الجن والنس‬
‫مجتمعين عن التيًن بمثله‪ ،‬كمً قًل ا ‪:‬‬

‫‪‬‬

‫‪‬‬

‫‪‬‬

‫أقر بفصًحة القرآن‬


‫[السراء‪ ،]88 :‬ومن أهل الفصًحة والبلغة من ل‬
‫وبلغته‪ ،‬ففي صحيح البخًري (‪ )4854‬عن جبير بن مطعم > قًل‪:‬‬
‫يقرأ في المغرب بًلطور‪ ،‬فلمً بلغ هذه الية‪:‬‬ ‫سمعت الَبي‬ ‫((‬

‫‪‬‬

‫‪‬‬

‫‪‬‬ ‫‪‬‬

‫‪‬‬ ‫‪‬‬

‫كًد قلبي أن يطير ))‪،‬‬


‫يقرأ في المغرب بًلطور‪،‬‬ ‫وفيه (‪ )4023‬قول جبير‪ (( :‬سمعت الَبي‬
‫وذلك ّأول مً وقر اليمًن في قلبي ))‪ ،‬وفيه (‪ )3050‬عن محمد بن جبير‬
‫‪177‬‬ ‫من كنوز القرآن الكريم‪ ،‬تفسير آيات من الكتاب‬
‫العزيز‬

‫يقرأ في‬ ‫سمعت الَبي‬ ‫((‬ ‫عن أبيه ـ وكًن في أسًرى بدر ـ قًل‪:‬‬
‫المغرب بًلطور ))‪.‬‬
‫الَظًم المعتزلي من القول بًلصرفة‪ ،‬وهو أن العرب‬ ‫ّ‬ ‫ومً جًء عن‬
‫كًنوا قًدرين على التيًن بمثل القرآن‪ ،‬ولكَه لمً حصل التحدي عجزوا‬
‫بًطل؛ لنه كًن بإمكًنهم لمً عجزوا عَد التحدي أن يرجعوا إلى مً كًنوا‬
‫دونوه قبل ذلك من الكلم البليغ الذي يتًَفسون فيه في أسواقهم‪ ،‬فيختًروا‬
‫ّ‬
‫مَه مً يقًبلون به القرآن‪ ،‬لكَهم لم يفعلوا لنه ل قبل لهم في معًرضته‬
‫بشيء مثله‪.‬‬
‫ومن كلم العرب البليغ الوجيز مً يلذكر في علم البلغة وهو قولهم‪:‬‬
‫(القتل أنفى للقتل)‪ ،‬وقد جًء في القرآن الكريم في هذا المعَى قول ا‬
‫‪:‬‬

‫[البقرة‪ ،]179 :‬ولم تنسزلم تلك الجملة من الخلل‬ ‫‪‬‬


‫اللفظي والمعَوي‪ ،‬فًلخلل اللفظي في كونهً مكونة من ثلث كلمًت‬
‫مكررة‪ ،‬وأمً الخلل المعَوي فإنه ليس كل قتل نًفيً ا للقتل‪،‬‬
‫وواحدة مَهً ّ‬
‫بل من القتل مً يكون سببً ا للقتل والقتتًل‪ ،‬وأمً الية القرآنية‪ ،‬فقد جًء‬
‫فيهً ذكر القصًص وهو الذي يكون به نفي القتل وحصول الحيًة؛ لن‬
‫كف عن القتل‪ ،‬وأبقى على‬ ‫عرف أنه سيلقتل قصًصً ا إذا قنتل غيره ل‬ ‫من ن‬
‫حيًته وحيًة غيره‪.‬‬
‫ومن حًول التيًن بشيء مثل القرآن بً نء بًلخيبة وأعلن عجزه‬
‫س زخفه‪ ،‬ومن الول مً ذكره‬ ‫وإفلسه أو أتى بمً يبرهن على غبًئه و ل‬
‫الشوكًني في تفسير أول آية من سورة المًئدة قًل‪ (( :‬فيهً من البلغة مً‬
‫من كنوز القرآن الكريم‪ ،‬تفسير آيات من الكتاب‬ ‫‪178‬‬
‫العزيز‬

‫تتقًصر عَده القوى البشرية مع شمولهً لحكًم عدة‪ :‬مَهً الوفًء‬


‫بًلعقود‪ ،‬ومَهً تحليل بهيمة النعًم‪ ،‬ومَهً استثًَء مً سيتلى ممً ل يحل‪،‬‬
‫ومَهً تحريم الصيد على المحرم‪ ،‬ومَهً إبًحة الصيد لمن ليس بمحرم‪،‬‬
‫وقد حكى الَقًش أن أصحًب الفيلسوف الكَدي قًلوا له‪ :‬أيهً الحكيم!‬
‫اعمل لًَ مثل هذا القرآن‪ ،‬فقًل‪ :‬نعم! أعمل مثل بعضه‪ ،‬فًحتجب أيًمً ا‬
‫كثيرة ثم خرج‪ ،‬فقًل‪ :‬وا! مً أقدر ول يطيق هذا أحد؛ إني فتحت‬
‫فخر نجت سورة المًئدة‪ ،‬فَظرت فإذا هو قد نطق بًلوفًء‪،‬‬ ‫ن‬ ‫المصحف‬
‫ونهى عن الَكث‪ ،‬وحلل تحليلا عًمًا‪ ،‬ثم استثَى بعد استثًَء‪ ،‬ثم أخبر‬
‫عن قدرته وحكمته في سطرين‪ ،‬ول يقدر أحد أن يأتي بهذا ))‪.‬‬
‫ومن الثًني مً أورده الشيخ محمد رشيد رضً في تفسير المًَر (‪/1‬‬
‫‪ 78‬ـ ‪ )83‬بعَوان‪ :‬معًرضة نصرانية سخيفة للفًتحة الشريفة‪ ،‬ذكر فيهً‬
‫أن أحد الَصًرى حًول معًرضة الفًتحة بكلمًت زعم أنهً تغَي عن‬
‫سورة الفًتحة‪ ،‬وزعم أن مً بعد‬

‫حشو ل حًجة إليه‪ ،‬وسببه اشتمًل ذلك على وصف الَصًرى بًلضلل‪،‬‬
‫وبعد أن أتى الشيخ محمد رشيد رضً ببيًن شيء ممً اشتملت عليه‬
‫سورة الفًتحة من المعًني السًمية والفصًحة والبلغة‪ ،‬قًل‪:‬‬
‫(( هذه السورة الجليلة التي ذ لكرنًك ـ أيهً القًرئ! ـ بمجمل ممً فصلًَه‬
‫في تفسيرهً يزعم أحد دعًة الَصرانية في هذا العصر أنهً بمعزل من‬
‫البلغة؛ بأن كل مً بعد الصراط المستقيم فيهً (حشو وتحصيل حًصل)‪،‬‬
‫ومً قبله يمكن اختصًره بمً ل يض ييّع شيئً ا من معًَه كمً فعله بعضهم‪،‬‬
‫قًل هذا القول داعية من المبشرين المأجورين من قبل جمعيًت التبشير‬
‫‪179‬‬ ‫من كنوز القرآن الكريم‪ ،‬تفسير آيات من الكتاب‬
‫العزيز‬

‫النكليزية والميركًنية في كتًب لفلقه في إبطًل إعجًز القرآن بزعمه‪،‬‬


‫بل أنكر بلغته من أصلهً‪ ،‬قًل‪( :‬ومً أحسن قول بعضهم أنه لو قًل‪:‬‬
‫الحمد للرحمن‪ ،‬رب الكوان‪ ،‬الملك الديًن‪ ،‬لك العبًدة وبك المستعًن‪،‬‬
‫اهدنً صراط اليمًن‪ ،‬لوجز وجمع كل المعَى وتخلص من ضعف‬
‫التأليف والحشو والخروج عن الرديء كمً بين الرحيم ونستعين) اهـ‪.‬‬
‫أقول‪ :‬لقد كًن خيرا ا لهذا المتعصب المأجور لضلل عوام المسلمين‬
‫على شرط أن ل يذكر اسمه في كتيبه ول يفضح نفسه بين قومه‪ ،‬أن‬
‫يختصر لمستأجريه آلهتهم وكتبهم التي صدت جميع مستقلي الفكر من‬
‫أقوامهم وشعوبهم عن ديَهم‪ ،‬بل صدّت بعضهم عن كل دين؛ فإن‬
‫اختصًر الدراري السبع في السمًء أهون من اختصًر آيًت الفًتحة‬
‫السبع في الرض‪ ،‬وحسب العًلم من فضيحته إيراد سخًفته هذه‬
‫وتشهيره بهً لو كًن حيً ا يمشي بين الًَس‪ ،‬وأمً العًمي الجًهل الذي قد‬
‫يغتر بقول كل قًئل‪ ،‬ولسيمً إذا كًن الطعن بغير ديَه‪ ،‬فربمً يحتًج إلى‬
‫التَبيه لبعض فضًئح هذا الختصًر‪ ،‬وإن كًنت ل تخفى على أولي‬
‫البصًر ))‪ ،‬ثم ذكر ~ جملة من فضًئح هذا الختصًر المزعوم لسورة‬
‫الفًتحة من هذا الَصراني الضًل الجًهل الحًقد‪.‬‬
‫***‬
‫‪‬‬ ‫‪‬‬ ‫ـ قوله‪:‬‬
‫‪‬‬ ‫‪‬‬ ‫‪‬‬
‫‪‬‬

‫‪‬‬
‫من كنوز القرآن الكريم‪ ،‬تفسير آيات من الكتاب‬ ‫‪180‬‬
‫العزيز‬

‫‪‬‬ ‫‪‬‬

‫‪‬‬
‫‪‬‬

‫‪‬‬

‫[البقرة‪ 24 :‬ـ ‪.]25‬‬


‫جمع ا في هًتين اليتين بين الوعد والوعيد والترغيب والترهيب‪،‬‬
‫وكثيرا ا مً يأتي في القرآن الكريم الجمع بين ذلك في آية واحدة أو آيتين‬
‫أو أكثر؛ ليعبد المسلم ربه جًمعً ا بين الرغبة والرهبة والخوف والرجًء‪،‬‬
‫كمً قًل بعض أهل العلم عن الجمع بين الخوف والرجًء‪ :‬إنه كًلجًَحين‬
‫للطًئر؛ إذا كًنً سليمين سهل طيرانه‪ ،‬وإن اختل أحد الجًَحين لم يحصل‬
‫مَه الطيران‪.‬‬
‫ومن اليًت في ذلك قول ا ‪:‬‬
‫‪‬‬
‫‪‬‬
‫‪‬‬
‫‪181‬‬ ‫من كنوز القرآن الكريم‪ ،‬تفسير آيات من الكتاب‬
‫العزيز‬

‫‪‬‬

‫[البقرة‪ 38 :‬ـ ‪ ،]39‬وقوله‪:‬‬

‫‪‬‬ ‫اليًت [طه‪ 23 :‬ـ ‪ ،]24‬وقوله‪:‬‬

‫‪‬‬ ‫‪‬‬
‫‪‬‬ ‫[المًئدة‪ ،]98 :‬وقوله‪:‬‬
‫‪‬‬

‫‪‬‬
‫[النعًم‪ ،]147 :‬وقوله في ختًم‬
‫سورة النعًم‪:‬‬

‫[النعًم‪ ،]165 :‬وقوله في‬ ‫‪‬‬ ‫‪‬‬


‫العراف‪:‬‬

‫[العراف‪ ،]167 :‬وقوله‪:‬‬ ‫‪‬‬ ‫‪‬‬


‫من كنوز القرآن الكريم‪ ،‬تفسير آيات من الكتاب‬ ‫‪182‬‬
‫العزيز‬

‫‪‬‬ ‫‪‬‬
‫‪‬‬
‫[الحجر‪ 49 :‬ـ‬
‫‪ ،]50‬وقوله‪:‬‬
‫‪‬‬

‫[الرعد‪،]6 :‬‬
‫وقوله‪:‬‬

‫‪‬‬
‫[فصلت‪ ،]43 :‬وقوله‪:‬‬

‫‪‬‬
‫‪‬‬
‫‪‬‬
‫[الحديد‪ ،]20 :‬وقوله‪:‬‬

‫‪‬‬
‫[النفطًر‪13 :‬ـ ‪ ،]14‬وقوله‪:‬‬
‫‪183‬‬ ‫من كنوز القرآن الكريم‪ ،‬تفسير آيات من الكتاب‬
‫العزيز‬

‫[الزلزلة‪ 7 :‬ـ ‪ ،]8‬إلى غير ذلك من اليًت‪ ،‬وقد عمل أهل السَّة‬
‫بَصوص الوعد والوعيد‪ ،‬فجعلوا مرتكب الكبيرة مؤمًَ ا نًقص اليمًن‪،‬‬
‫مؤمًَ ا بإيمًنه فًسقً ا بكبيرته‪ ،‬فلم يضيفوا إليه اليمًن المطلق الكًمل‪ ،‬ولم‬
‫يسلبوه مطلق اليمًن‪ ،‬بخلف المرجئة الذين أعملوا نصوص الوعد‬
‫وأهملوا نصوص الوعيد‪ ،‬فًعتبروا مرتكب الكبيرة مؤمًَ ا كًمل اليمًن‪،‬‬
‫وقًلوا‪ :‬ل يضر مع اليمًن ذنب كمً ل يَفع مع الكفر طًعة!‬
‫وبخلف الخوارج والمعتزلة الذين أعملوا نصوص الوعيد وأهملوا‬
‫نصوص الوعد‪ ،‬فسلبوا مرتكب الكبيرة اليمًن‪ ،‬وقًلوا‪ :‬إنه خًلد مخلد في‬
‫فرطوا والخوارج والمعتزلة أفرطوا‪ ،‬وأهل السَّة‬ ‫الًَر! فًلمرجئة ل‬
‫والجمًعة اعتدلوا وتوسطوا‪ ،‬وسلموا من الفراط والتفريط‪ ،‬وقد قًل‬
‫الخطًبي ~‪:‬‬
‫كل طـرفي قصـد المور‬ ‫ول تغ لل في شيء من المر واقتصد‬
‫ذميم‬
‫***‬
‫‪‬‬ ‫ـ قوله‪:‬‬
‫‪‬‬
‫من كنوز القرآن الكريم‪ ،‬تفسير آيات من الكتاب‬ ‫‪184‬‬
‫العزيز‬

‫[البقرة‪:‬‬ ‫‪‬‬
‫‪.]28‬‬
‫جمع ا في هذه الية بين موتتين وحيًتين‪ ،‬فًلموتة الولى حيث كًن‬
‫النسًن في الرحم نطفة ثم علقة ثم مضغة قبل نفخ الروح فيه‪ ،‬والحيًة‬
‫الولى بعد نفخ الروح فيه‪ ،‬والموتة الثًنية عَد قبض روحه إذا بلغ أجله‪،‬‬
‫والحيًة الثًنية عَد البعث من القبور‪ ،‬وهذه الية مب ييَّة للحيًتين والموتتين‬
‫‪‬‬ ‫في قول ا ‪:‬‬

‫‪‬‬

‫[غًفر‪.]11 :‬‬
‫وفي هذه الية الكريمة اللزام بتوحيد اللوهية‪ ،‬وهو إفراد ا‬
‫بًلعبًدة وعدم الشراك به‪ ،‬وذلك بتقرير توحيد الربوبية‪ ،‬وأنه سبحًنه‬
‫مر عَد قول ا ‪:‬‬ ‫وتعًلى الخًلق المحيي المميت‪ ،‬وقد ل‬

‫اليتين بيًن‬
‫مجيء القرآن بتقرير توحيد الربوبية لللزام بتوحيد اللوهية‪ ،‬وذكر‬
‫قًل له في جواب سؤاله‪ :‬أي‬ ‫حديث عبد ا بن مسعود > أن الَبي‬
‫الذنب أعظم عَد ا ‪‬؟ قًل‪ (( :‬أن تجعل ل ندّا ا وهو خلقك ))‪.‬‬
‫***‬
‫ـ قوله‪:‬‬
‫‪185‬‬ ‫من كنوز القرآن الكريم‪ ،‬تفسير آيات من الكتاب‬
‫العزيز‬

‫‪‬‬

‫‪‬‬

‫‪‬‬

‫[البقرة‪.]33 :‬‬ ‫‪‬‬

‫في هذه الية الكريمة بيًن سعة علم ا ‪ ،‬وأنه عًلم غيب‬
‫السمًوات والرض ويعلم مً يخفيه العبًد ومً يعلَونه‪ ،‬وأنه ل يخفى عليه‬
‫شيء في الرض ول في السمًء‪.‬‬
‫وعلم الغيب على الطلق اختص به ا ‪ ،‬فلم يشًركه فيه أحد‪،‬‬
‫قًل ا ‪:‬‬
‫‪‬‬
‫[الَمل‪ ،]65 :‬وقًل‪:‬‬
‫‪‬‬

‫‪‬‬
‫من كنوز القرآن الكريم‪ ،‬تفسير آيات من الكتاب‬ ‫‪186‬‬
‫العزيز‬

‫[النعًم‪ ،]59 :‬وقًل‪:‬‬

‫‪‬‬

‫‪‬‬

‫[الجن‪ 26 :‬ـ ‪ ،]27‬وقًل عن‬ ‫‪‬‬


‫‪‬‬ ‫رسله‪:‬‬
‫‪‬‬
‫‪‬‬

‫[المًئدة‪ ،]109 :‬وقًل‬ ‫‪‬‬


‫عن نبيه إبراهيم‪:‬‬

‫‪‬‬

‫[إبراهيم‪ ،]38 :‬وأخبر عن نبيه نوح أنه قًل‪:‬‬


‫‪‬‬

‫أن يقول‬ ‫[هود‪ ،]31 :‬وأمر نبيه محمدا ا‬


‫‪187‬‬ ‫من كنوز القرآن الكريم‪ ،‬تفسير آيات من الكتاب‬
‫العزيز‬

‫‪‬‬ ‫لقومه أنه ل يعلم الغيب‪ ،‬فقًل‪:‬‬

‫[النعًم‪:‬‬
‫‪ ،]50‬وقًل‪:‬‬
‫‪‬‬ ‫‪‬‬
‫‪‬‬

‫[العراف‪ ،]188 :‬وبيلن تعًلى أن مً جًء في‬ ‫‪‬‬


‫عن مشًهدة مَه‬ ‫القرآن من أخبًر عن المم السًبقة لم يحصل للَبي‬
‫ومعًيَة‪ ،‬وإنمً كًن من وحي ا ‪ ،‬كمً قًل ا ‪ ‬بعد أن ذكر قصة‬
‫نوح في سورة هود‪:‬‬

‫‪‬‬

‫‪‬‬

‫[هود‪ ،]49 :‬وقًل في نهًية قصة يوسف‪:‬‬

‫‪‬‬
‫من كنوز القرآن الكريم‪ ،‬تفسير آيات من الكتاب‬ ‫‪188‬‬
‫العزيز‬

‫‪‬‬
‫[يوسف‪ ،]102 :‬والمعَى‪:‬‬ ‫‪‬‬
‫مً كَت لدى إخوة يوسف لمً تكلموا فيمً بيَهم في قتله أو إلقًئه في غيًبة‬
‫الجب‪ ،‬بل حصلت لك هذه الخبًر بًلوحي من ا ‪ ،‬ومثل ذلك مً‬
‫ذكره ا ‪ ‬عن مريم‪ ،‬فقًل‪:‬‬

‫‪‬‬

‫‪‬‬
‫‪‬‬

‫[آل عمران‪ ،]44 :‬وكذا مً ذكره ا‬ ‫‪‬‬


‫عن موسى في سورة القصص في قوله‪:‬‬

‫‪‬‬
‫‪189‬‬ ‫من كنوز القرآن الكريم‪ ،‬تفسير آيات من الكتاب‬
‫العزيز‬

‫‪‬‬

‫‪‬‬

‫‪‬‬

‫[القصص‪ 44 :‬ـ ‪ ،]46‬والمعَى أن‬


‫عن المًضين في هذه اليًت ونظًئرهً لم يكن بمشًهدة‬ ‫إخبًر الَبي‬
‫ومعًيَة‪ ،‬وإنمً كًن بًلوحي من ا ‪ ‬وكأنه شًهد معًين لهً‪ ،‬وقد قًل‬
‫‪ (( :‬وأما موسى فرجل آدم جعد على جمل أحمر مخطوم بخلبة‪،‬‬
‫كأني أنظر إليه إذ انحدر في الوادي يلبي )) رواه البخًري (‪)5913‬‬
‫ومسلم (‪ ،)422‬وقًل ‪ (( :‬كأني أنظر إلى يونس بن متى ‪ #‬على ناقة‬
‫حمراء جعدة عليه جبة من صوف‪ ،‬خطام ناقته خلبة وهو يلبي )) رواه‬
‫مسلم (‪.)420‬‬
‫على كثير من الغيوب ولم يطلعه على‬ ‫وقد أطلع ا بًلوحي نبيًَ‬
‫كل غيب؛ لن علم الغيب على الطلق ل يكون إلّ ل ‪ ،‬ولم يكن‬
‫يعلم براءة عًئشة < من الفك الذي لرميت به إلّ بعد نزول‬ ‫الَبي‬
‫لعًئشة‪ (( :‬يً عًئشة! فإنه بلغَي‬ ‫آيًت تتلى من سورة الَور‪ ،‬وقد قًل‬
‫عَك كذا وكذا‪ ،‬فإن كَت بريئة فسيبرئك ا‪ ،‬وإن كَت ألممت بذنب‬
‫فًستغفري ا وتوبي إليه )) رواه البخًري (‪ )2661‬ومسلم (‪.)7020‬‬
‫من كنوز القرآن الكريم‪ ،‬تفسير آيات من الكتاب‬ ‫‪190‬‬
‫العزيز‬

‫يعلم مكًن العقد الذي فقدته عًئشة وكًنت معه‬ ‫وكذا لم يكن الَبي‬
‫على التمًسه وأقًم الًَس معه وليسوا على‬ ‫في سفر‪ ،‬فأقًم رسول ا‬
‫مًء‪ ،‬فلمً أصبحوا نزلت آية التيمم‪ ،‬ولمً أثًروا الجمل الذي كًنت تركبه‬
‫عًئشة وجدوا العقد تحته‪ ،‬أخرجه البخًري (‪ )334‬ومسلم (‪ ،)816‬ولو‬
‫يعلم الغيب لخبرهم من أول المر أن العقد تحت‬ ‫كًن رسول ا‬
‫الجمل ولم يقيموا للتمًسه‪ ،‬وقًل ‪ (( :‬إنكم تختصمون إلي‪ ،‬ولع ّل‬
‫بعضكم ألحن بحجته من بعض‪ ،‬فمن قضيت له بحق أخيه شيئً ا بقوله‬
‫فإنمً أقطع له قطعة من الًَر فل يأخذهً )) رواه البخًري (‪)2680‬‬
‫يعلم الغيب لعرف المحق من المبطل من‬ ‫ومسلم (‪ ،)4473‬ولو كًن‬
‫المتخًصمين‪ ،‬ولمً قًلت جًرية‪ :‬وفيًَ نبي يعلم مً في غند‪ ،‬قًل لهً ‪:‬‬
‫(( دعي هذه‪ ،‬وقولي بًلذي كَت تقولين )) رواه البخًري (‪ ،)5147‬وثبت‬
‫ل‬
‫ليردن‬ ‫‪(( :‬‬ ‫ل يعلم بعد موته بمً حصل من أصحًبه بعده‪ ،‬قًل‬ ‫أنه‬
‫ي نًس من أصحًبي الحوض‪ ،‬حتى إذا عرفتهم اختللجوا دوني‪،‬‬ ‫عل ل‬
‫فأقول‪ :‬أصحًبي! فيقول‪ :‬ل تدري مً أحدثوا بعدك )) رواه البخًري‬
‫(‪ )6582‬ومسلم (‪ ،)5996‬والمراد بهؤلء الصحًب من ارتدّ بعد موته‬
‫وقلتل على أيدي الجيوش التي بعثهً أبو بكر > لقتًل المرتدّين‪.‬‬
‫وأمً قول البوصيري في البردة‪:‬‬
‫ومن علومك علم اللوح والقلم‬ ‫ل‬
‫فإن من جودك الدنيً وضرتهً‬
‫فهو من الغلو الذي ل يرضًه ا ول رسوله ؛ وذلك أن مثل هذا‬
‫الكلم ل يقًل إلّ ل‪ ،‬فهو سبحًنه الذي من جوده الدنيً والخرة‪ ،‬ومن‬
‫علمه علم اللوح والقلم‪.‬‬
‫وفيمً تقدّم من الَصوص دللة واضحة لَفي علم الغيب عن النس‪،‬‬
‫‪191‬‬ ‫من كنوز القرآن الكريم‪ ،‬تفسير آيات من الكتاب‬
‫العزيز‬

‫وأمً الملئكة فقد نفى ا سبحًنه علم الغيب عَهم بقوله عَهم‪:‬‬
‫‪‬‬

‫[البقرة‪ ،]32 :‬وأمً الجن فَفى علم الغيب‬


‫عَهم بقوله‪:‬‬
‫‪‬‬
‫‪‬‬ ‫‪‬‬

‫‪‬‬ ‫‪‬‬
‫‪‬‬
‫‪‬‬
‫[سبأ‪ ،]14 :‬وقوله عَهم‪:‬‬

‫[الجن‪.]10 :‬‬
‫***‬
‫ـ قوله‪:‬‬
‫من كنوز القرآن الكريم‪ ،‬تفسير آيات من الكتاب‬ ‫‪192‬‬
‫العزيز‬

‫[البقرة‪.]47 :‬‬
‫المراد بًلعًلمين الذين فلضل عليهم بَو إسرائيل هم عًلمو زمًنهم‪،‬‬
‫هي خير المم‪ ،‬قًل ا ‪:‬‬ ‫وأمة نبيًَ محمد‬

‫‪‬‬

‫[آل عمران‪،]110 :‬‬ ‫‪‬‬

‫وقًل‪:‬‬

‫‪‬‬ ‫‪‬‬

‫‪‬‬

‫‪‬‬

‫[البقرة‪ ،]143 :‬وخير هذه المة أصحًب رسول‬


‫‪ ،‬وقد امتلحن الصحًبة وبَو إسرائيل بمً يخًف مَه ويلطمع فيه‪،‬‬ ‫ا‬
‫فصبر الصحًبة } ولم يصبر بَو إسرائيل‪ ،‬قًل شيخًَ الشيخ محمد‬
‫على بَي‬ ‫المين الشَقيطي ~‪ (( :‬وممً يدل على أفضلية أمة محمد‬
‫إسرائيل أن البتلء الذي يظهر به الفضل وعدمه إنمً يكون بخوف أو‬
‫‪193‬‬ ‫من كنوز القرآن الكريم‪ ،‬تفسير آيات من الكتاب‬
‫العزيز‬

‫بخوف وابتلهم بطمع‪ ،‬وابتلى بَي‬ ‫أصحًب الَبي‬


‫ن‬ ‫طمع‪ ،‬وقد ابتلنى‬
‫إسرائيل بخوف وابتلهم بطمع‪ ،‬أمً الخوف الذي ابتلى ا ـ ج ّل وعل ـ‬
‫فهو أنهم لمً غزوا غزاة بدر وسًحل أبو سفيًن‬ ‫أصحًب محمد‬
‫ن‬ ‫به‬
‫س يلمت وأن الجيش‬
‫بًلعير واستَفر لهم الَفير‪ ،‬وجًءهم الخبر بأن العير ن‬
‫بذلك‪ ،‬قًل له المقداد بن عمرو >‪ :‬وا!‬ ‫أقبل إليهم‪ ،‬وأخبرهم الَبي‬
‫لو يسرت بًَ إلى بن زرك ال يغمًد لجًلدنً نمن دونه معك‪ ،‬ولو خضت بًَ هذا‬
‫البحر لخضًَه‪ ،‬ول نقول لك كمً قًل قوم موسى لموسى‪:‬‬

‫‪ ،‬بل إنًّ معك مقًتلون‪ ،‬ولمً أعًد الكلم قًل‬


‫له سعد بن معًذ >‪( :‬كأنك تعَيًَ معًشر النصًر)؛ لنهم اشترطوا عليه‬
‫ليلة العقبة أن يمَعوه ممً يمَعون مَه نسًءهم وأبًَءهم بشرط أن يكون‬
‫أنه‬ ‫في داخل المديَة‪ ،‬ولم يشترط عليهم خًرج المديَة‪ ،‬فأخبره الَبي‬
‫صبلر في‬
‫يعَيهم‪ ،‬فقًل كلمه المعروف المأثور‪ ،‬قًل‪( :‬وا! إنً لقوم ل‬
‫صدلق عَد اللقًء‪ ،‬وا! مً نكره أن تلقى بًَ عدوك حتى ترى‬ ‫الحرب‪ ،‬ل‬
‫يقر عيَك‪ ،‬وا! لقد تخلف عَك أقوام لو علموا أنك تلقى كيدا ا مً‬
‫مًَّ مً ر‬
‫تخلف عَك مَهم رجل)‪.‬‬
‫بخلف بَي إسرائيل لمً امتلحَوا بخوف كهذا صدر مَهم مً ذكره ا‬
‫في سورة المًئدة في قوله‪:‬‬
‫‪‬‬
‫من كنوز القرآن الكريم‪ ،‬تفسير آيات من الكتاب‬ ‫‪194‬‬
‫العزيز‬

‫‪‬‬
‫‪‬‬
‫[المًئدة‪ ،]22 :‬وقًلوا له‪:‬‬ ‫‪‬‬

‫‪‬‬

‫[المًئدة‪ ،]24 :‬كذلك‬


‫ابتلى بَي إسرائيل بصيد‪ ،‬وهو صيد السمك المذكور في العراف‬
‫المشًر له في البقرة‪:‬‬

‫[العراف‪:‬‬
‫‪ ،]163‬فحداهم القرم والطمع في أكل الحوت إلى أن اعتدوا في السبت‪،‬‬
‫في‬ ‫فمسخهم ا قردة‪ ،‬وقد امتحن ا ـ ج ّل وعل ـ أصحًب الَبي‬
‫عمرة الحديبية بًلصيد وهم محرمون‪ ،‬فهيّأ لهم جميع أنواع الصيد من‬
‫الوحوش والطير‪ ،‬من كبًرهً وصغًرهً‪ ،‬ولم ين زعت ن يد رجل مَهم ولم يصد‬
‫في الحرام‪ ،‬كمً بيَّه ج ّل وعل بقوله‪:‬‬
‫‪‬‬
‫‪‬‬

‫‪‬‬
‫‪195‬‬ ‫من كنوز القرآن الكريم‪ ،‬تفسير آيات من الكتاب‬
‫العزيز‬

‫[المًئدة‪ ،]94 :‬فمً مدل رجل مَهم يده إلى صيد‪.‬‬


‫فظهر بهذا أن كلتً المتين امتحَت بصيد‪ ،‬وأن هؤلء اعتدوا على‬
‫ذلك الصيد ف لمسخوا قردة‪ ،‬وأن أولئك اتقوا ا‪ ،‬وكذلك امتحَوا بخوف من‬
‫عدو فصبر هؤلء وثبتوا‪ ،‬وخًف هؤلء وجبَوا‪ ،‬فد لل هذا على أنهم أفضل‬
‫مَهم‪ ،‬وهذا ممً ل خلف فيه‪ ،‬وهذا ممً يبيّن أن قوله‪:‬‬

‫‪ ،‬أن المراد عًلم زمًنهم )) العذب‬


‫الَمير من مجًلس الشَقيطي في التفسير (‪ 57/1‬ـ ‪.)60‬‬
‫***‬
‫ـ قوله‪:‬‬

‫‪‬‬
‫‪‬‬
‫‪‬‬

‫‪‬‬ ‫‪‬‬ ‫‪‬‬


‫[البقرة‪.]61 :‬‬
‫هو وصف‬ ‫قوله‪:‬‬
‫للقتل كًشف ل مفهوم له‪ ،‬أي إن من شأن قتل الَبي أن يكون بغير حق‪،‬‬
‫ول يتصور أن يلقتل نبي بحق‪ ،‬ومثل هذه الية قول ا ‪:‬‬
‫من كنوز القرآن الكريم‪ ،‬تفسير آيات من الكتاب‬ ‫‪196‬‬
‫العزيز‬

‫‪‬‬
‫‪‬‬

‫‪‬‬

‫[آل عمران‪ ،]21 :‬وقوله‪:‬‬

‫‪‬‬
‫‪‬‬
‫‪‬‬
‫[آل عمران‪ ،]112 :‬وقوله‪:‬‬

‫‪‬‬

‫[الَسًء‪.]155 :‬‬
‫ومن الصفًت الكًشفة قوله‪:‬‬

‫[المؤمَون‪ ،]117 :‬أي إن من شأن من يدعو‬ ‫‪‬‬


‫‪197‬‬ ‫من كنوز القرآن الكريم‪ ،‬تفسير آيات من الكتاب‬
‫العزيز‬

‫غير ا أنه ل برهًن له بذلك‪ ،‬ول يلتصور أن يدعو غير ا ويكون له‬
‫وقوله‪:‬‬ ‫برهًن‪،‬‬ ‫به‬

‫‪‬‬
‫‪‬‬
‫‪‬‬
‫[المًئدة‪ ،]44 :‬فإن الذين أسلموا وصف‬ ‫‪‬‬
‫كًشف‪ ،‬ومعَى أسلموا استسلموا وانقًدوا ل ‪ ،‬كمً قًل ا ‪ ‬عن‬
‫‪‬‬ ‫إبراهيم‪:‬‬

‫[البقرة‪،]131 :‬‬
‫وقوله عن إبراهيم وإسمًعيل‪:‬‬

‫[البقرة‪،]128 :‬‬
‫وقوله‪:‬‬
‫‪‬‬
‫‪‬‬

‫‪‬‬
‫من كنوز القرآن الكريم‪ ،‬تفسير آيات من الكتاب‬ ‫‪198‬‬
‫العزيز‬

‫[البقرة‪.]133 :‬‬ ‫‪‬‬

‫صص‪ ،‬ومً تقدم من اليًت من أمثلة‬ ‫والوصف نوعًن‪ :‬كًشف ومخ ي ّ‬


‫صص فله مفهوم‪ ،‬مثل قول ا‬ ‫الوصف الكًشف‪ ،‬وأمً الوصف المخ ّ‬
‫‪:‬‬

‫[الَسًء‪]92 :‬؛ فإن‬


‫وصف الرقبة بًلمؤمَة مفهومه أنه ل يجزئ إعتًق الرقبة الكًفرة‪ ،‬وقد‬
‫جمع الوصفين الكًشف والمخصص قول ا ‪ ‬في المحرمًت‪:‬‬

‫‪‬‬

‫[الَسًء‪ ،]23 :‬فإن مفهوم قوله‪:‬‬


‫أن‬
‫الزوجة غير المدخول بهً ل تحرم بَتهً‪ ،‬كمً هو نص الجملة بعدهً‪:‬‬
‫‪‬‬ ‫‪‬‬

‫‪ ،‬وقوله‪:‬‬
‫وصف كًشف ل مفهوم له؛ لن الربيبة‬ ‫‪‬‬
‫تحرم على زوج أمهً سواء نشأت في حجره أو لم تَشأ‪ ،‬ويدل لذلك قوله‬
‫ي بًَتكن ول أخواتكن )) رواه البخًري‬‫لزوجًته‪ (( :‬فل تعرضزنن عل ل‬
‫‪199‬‬ ‫من كنوز القرآن الكريم‪ ،‬تفسير آيات من الكتاب‬
‫العزيز‬

‫كل بَت‬ ‫))‬ ‫بًَتكن‬ ‫((‬ ‫(‪ )5101‬ومسلم (‪ ،)3586‬فيدخل تحت قوله‪:‬‬
‫للزوجة‪ ،‬فيشمل بًَتهً وبًَت أبًَئهً وبًَت بًَتهً‪.‬‬
‫***‬
‫ـ قوله‪:‬‬
‫‪‬‬ ‫‪‬‬ ‫‪‬‬
‫‪‬‬ ‫‪‬‬
‫‪‬‬
‫‪‬‬
‫[البقرة‪.]104 :‬‬
‫هذه أول آية في القرآن بدأهً ا ‪ ‬بَدائه للمؤمَين‪ ،‬وتبلغ اليًت‬
‫المبدوءة بهذا الَداء قريبً ا من التسعين آية‪ ،‬آخرهً قوله تعًلى في سورة‬
‫التحريم‪:‬‬
‫‪‬‬ ‫‪‬‬ ‫‪‬‬
‫[التحريم‪،]8 :‬‬ ‫‪‬‬ ‫‪‬‬
‫والسور من الحديد إلى التحريم فيهً آيًت بدئت بهذا الَداء‪ ،‬إلّ سورة‬
‫‪‬‬ ‫الطلق ففيهً‪:‬‬

‫‪‬‬

‫[الطلق‪ ،]10 :‬وقد أورد ابن كثير في تفسير هذه‬


‫الية وتفسير الية الولى من سورة المًئدة أثرا ا عن عبد ا ابن‬
‫مسعود > أنه قًل‪ (( :‬إذا سمعت ا يقول‪:‬‬
‫من كنوز القرآن الكريم‪ ،‬تفسير آيات من الكتاب‬ ‫‪200‬‬
‫العزيز‬

‫فأرعهً سمعك؛ فإنه خير يأمر به أو شر‬ ‫‪‬‬


‫يَهى عَه ))‪ ،‬وقًل ابن كثير في تفسير هذه الية‪ (( :‬نهى ا تعًلى عبًده‬
‫المؤمَين أن يتشبهوا بًلكًفرين في مقًلهم وفعًلهم؛ وذلك أن اليهود كًنوا‬
‫يعًنون من الكلم مً فيه تورية لمً يقصدونه من التَقص‪ ،‬عليهم لعًئن‬
‫يورون بًلرعونة‪،‬‬‫ا‪ ،‬فإذا أرادوا أن يقولوا‪ :‬اسمع لًَ‪ ،‬يقولون‪ :‬راعًَ‪ّ ،‬‬
‫كمً قًل تعًلى‪:‬‬
‫‪‬‬
‫‪‬‬
‫‪‬‬ ‫‪‬‬ ‫‪‬‬
‫‪‬‬

‫‪‬‬
‫‪‬‬ ‫‪‬‬
‫‪‬‬

‫‪‬‬
‫‪‬‬
‫‪‬‬
‫[الَسًء‪ ،]46 :‬وكذلك جًءت الحًديث بًلخبًر عَهم بأنهم كًنوا إذا‬
‫سلّموا إنمً يقولون‪ :‬السًم عليكم‪ ،‬والسًم هو الموت‪ ،‬ولهذا ألمرنً أن نردّ‬
‫‪201‬‬ ‫من كنوز القرآن الكريم‪ ،‬تفسير آيات من الكتاب‬
‫العزيز‬

‫عليهم بـ (وعليكم)‪ ،‬وإنمً يستجًب لًَ فيهم ول يستجًب لهم فيًَ‪.‬‬


‫والغرض أن ا تعًلى نهى المؤمَين عن مشًبهة الكًفرين قولا‬
‫وفعلا فقًل‪:‬‬
‫‪‬‬ ‫‪‬‬ ‫‪‬‬

‫‪‬‬ ‫‪‬‬

‫‪‬‬

‫‪‬‬

‫))‪ ،‬والتورية في الكلم وكذا المعًريض فيه أن‬


‫يقول قولا يريد مَه معَى ويفهم السًمع معَى آخر‪ ،‬وهو جًئز إذا دعت‬
‫إليه حًجة ولم يكن فيه إسقًط لحق أو إلحًق ضرر بأحد‪ ،‬وفي الدب‬
‫أمً في‬ ‫المفرد للبخًري (‪ )884‬بسَد صحيح عن عمر > أنه قًل‪:‬‬
‫((‬

‫المعًريض مً يكفي المسلم الكذب؟ ))‪ ،‬وفيه أيضً ا (‪ )885‬بسَد صحيح‬


‫عن عمران بن حصين > أنه قًل‪ (( :‬إن في معًريض الكلم لمَدوحة‬
‫عن الكذب ))‪ ،‬ومن أمثلة ذلك مً رواه البخًري في صحيحه (‪)3911‬‬
‫إلى المديَة وهو مردف أبً‬ ‫عن أنس بن مًلك > قًل‪ (( :‬أقبل نبي ا‬
‫شًب ل يلعرف‪ ،‬قًل‪ :‬فيلقى‬ ‫بكر‪ ،‬وأبو بكر شيخ يلعرف ونبي ا‬
‫الرج لل أبً بكر‪ ،‬فيقول‪ :‬يً أبً بكر! من هذا الرجل الذي بين يديك؟ فيقول‪:‬‬
‫هذا الرجل يهديَي السبيل‪ ،‬قًل‪ :‬فيحسب الحًسب أنه إنمً يعَي الطريق‪،‬‬
‫وإنمً يعَي سبيل الخير ))‪.‬‬
‫***‬
‫ـ قوله‪:‬‬
‫من كنوز القرآن الكريم‪ ،‬تفسير آيات من الكتاب‬ ‫‪202‬‬
‫العزيز‬

‫‪‬‬

‫‪‬‬

‫‪‬‬

‫[البقرة‪:‬‬
‫‪.]120‬‬
‫في هذه الية دليل واضح على أن الكفًر من اليهود والَصًرى ل‬
‫يكفيهم من المسلمين ول يرضيهم عَهم أن يتًَزلوا عن شيء ممً هم‬
‫عليه من الحق والهدى‪ ،‬ومن أمثلة ذلك مً يحًول به بعض المسلمين في‬
‫هذا العصر من إظهًر السلم بمظهر يعجب الغربيين‪ ،‬وهو أن الجهًد‬
‫في السلم إنمً شرع للدفًع وليس للغزو والطلب‪ ،‬مع وجود الَصوص‬
‫الواضحة في الكتًب والسَّة الدالة على أن الجهًد مَه مً هو دفًع كغزوة‬
‫أحد‪ ،‬ومَه مً هو انتقًل وذهًب إلى بلد الكفًر لدعوتهم إلى الدخول في‬
‫السلم أو الدخول تحت حكمه وأخذ الجزية مَهم‪ ،‬فيشًهدون عدل‬
‫السلم و لحسن مً جًء به فيكون ذلك سببً ا في دخولهم السلم‪ ،‬وكيف‬
‫يكون الجهًد دفًعً ا فقط وقد ذهبت جيوش المسلمين في زمن الرسول‬
‫وبعده في عهد الخلفًء الراشدين ومن بعدهم إلى الكفًر في ديًرهم‬
‫حتى وصلوا إلى الهَد والسَد والصين شرقً ا وإلى المحيط الطلسي‬
‫غربًا؟! ومع تقديم هذا التًَزل مَهم فإن ذلك غير كًف لرضًء الكفًر‪،‬‬
‫‪203‬‬ ‫من كنوز القرآن الكريم‪ ،‬تفسير آيات من الكتاب‬
‫العزيز‬

‫بل ل يرضيهم إلّ مً ذكره ا في هذه الية من اتبًع ملتهم والسير على‬
‫نهجهم والخذ بديمقراطيتهم المزعومة المبَية على الحرية في العتقًد‬
‫والرأي‪ ،‬ولو كًن في ذلك السخرية بًلرسل الكرام عليهم الصلة‬
‫‪ ،‬وفي صحيح‬ ‫والسلم‪ ،‬ولسيمً خيرهم وأفضلهم نبيًَ محمد‬
‫الًَس في أفًَء‬
‫ن‬ ‫البخًري (‪ )3159‬عن جبير ابن حية قًل‪ (( :‬بعث عمر‬
‫المصًر يقًتلون المشركين‪...‬فَدبًَ عمرـ أي لقتًل الفرس ـ واستعمل‬
‫عليًَ الَعمًن بن مقرن‪ ،‬حتى إذا كًَّ بأرض العدو وخرج عليًَ عًم لل‬
‫كسرى في أربعين ألفًا‪ ،‬فقًم ترجمًن فقًل‪ :‬ليكلمَي رجل مَكم‪ ،‬فقًل‬
‫المغيرة‪ :‬سل عمً شئت‪ ،‬قًل‪ :‬مً أنتم؟ قًل‪ :‬نحن أنًس من العرب‪ ،‬كًَّ في‬
‫نمص الجلد والَوى من الجوع‪ ،‬ونلبس الوبر‬ ‫ّ‬ ‫شقًء شديد وبلء شديد‪،‬‬
‫والشعر‪ ،‬ونعبد الشجر والحجر‪ ،‬فبيًَ نحن كذلك إذ بعث رب السمًوات‬
‫ورب الرضين تعًلى ذكره وجلّت عظمته إليًَ نبيً ا من أنفسًَ نعرف أبًه‬
‫أن نقًتلكم حتى تعبدوا ا وحده أو‬ ‫وأمه‪ ،‬فأمرنً نبيلًَ رسول ربًَ‬
‫تؤتوا الجزية‪ ،‬وأخبرنً عن رسًلة ربًَ أنه من قلتل مًَ صًر إلى الجَّة‬
‫في نعيم لم ير مثلهً قط‪ ،‬ومن بقي مًَّ ملك رقًبكم ))‪.‬‬
‫(م زن) تأتي على‬
‫وقد ذكر ابن هشًم في مغَي اللبيب (‪ 14/2‬ـ ‪ )16‬أن ي‬
‫خمسة عشر وجهًا‪ ،‬ومن هذه الوجوه البدنل‪ ،‬ومن أمثلة هذا الوجه في‬
‫أي بدلا مَه‪ ،‬ومن‬ ‫القرآن قوله في هذه الية‪:‬‬
‫‪:‬‬ ‫ا‬ ‫قول‬ ‫أيضً ا‬ ‫ذلك‬ ‫أمثلة‬
‫‪‬‬

‫‪‬‬ ‫[التوبة‪ ،]38 :‬وقوله عن نوح‪:‬‬


‫من كنوز القرآن الكريم‪ ،‬تفسير آيات من الكتاب‬ ‫‪204‬‬
‫العزيز‬

‫[هود‪ ،]30 :‬وقوله عن صًلح‪:‬‬

‫[هود‪ ،]63 :‬وقوله‪:‬‬

‫[النبيًء‪ ،]42 :‬وقوله‪:‬‬ ‫‪‬‬

‫‪‬‬

‫[الزخرف‪ ،]60 :‬فإن‬ ‫‪‬‬ ‫‪‬‬

‫(من) في هذه اليًت بمعَى البدل‪.‬‬


‫ي‬
‫***‬
‫ـ قوله‪:‬‬
‫‪‬‬
‫‪‬‬

‫‪‬‬
‫‪205‬‬ ‫من كنوز القرآن الكريم‪ ،‬تفسير آيات من الكتاب‬
‫العزيز‬

‫[البقرة‪.]133 :‬‬ ‫‪‬‬

‫ذكر ا في هذه الية إسمًعيل من آبًء يعقوب وهو ع ّمه‪ ،‬قًل ابن‬
‫كثير‪:‬‬
‫(( وهذا من بًب التغليب؛ لن إسمًعيل عمه‪ ،‬قًل الَحًس‪ :‬والعرب‬
‫تسمي الع لم أبًا‪ ،‬نقله القرطبي ))‪ ،‬وقًل في تفسير سورة النعًم عَد قوله‬
‫تعًلى‪:‬‬
‫‪‬‬
‫‪‬‬
‫‪‬‬

‫وقوله في هذه‬ ‫((‬ ‫اليًت‪ ،‬قًل‪:‬‬


‫أي وهديًَ من‬ ‫الية‪:‬‬
‫ذريته‬
‫الية‪ ،‬وعود الضمير إلى نوح لنه أقرب المذكورين ظًهر ل إشكًل‬
‫فيه‪ ،‬وهو اختيًر ابن جرير‪ ،‬وعوده إلى إبراهيم لنه الذي سيق الكلم‬
‫من أجله حسن‪ ،‬لكن يشكل على ذلك لوط؛ فإنه ليس من ذرية إبراهيم‪،‬‬
‫بل هو ابن أخيه مًران بن آزر‪ ،‬اللهم إلّ أن يقًل‪ :‬إنه دخل في الذرية‬
‫تغليبًا‪ ،‬كمً في قوله‪:‬‬

‫‪‬‬ ‫‪‬‬
‫من كنوز القرآن الكريم‪ ،‬تفسير آيات من الكتاب‬ ‫‪206‬‬
‫العزيز‬

‫‪‬‬

‫‪،‬‬ ‫‪‬‬
‫فإسمًعيل عمه ودخل في آبًئه تغليبًا‪ ،‬وكمً قًل في قوله‪:‬‬

‫‪‬‬
‫‪ ،‬فدخل إبليس في أمر الملئكة بًلسجود وذل لم‬
‫على المخًلفة؛ لنه كًن في تشبه بهم‪ ،‬فعومل معًملتهم ودخل معهم‬
‫تغليبًا‪ ،‬وإلّ فهو كًن من الجن وطبيعته من الًَر والملئكة من الَور ))‪.‬‬
‫وفي كتًب المراسيل لبي داود (‪ )509‬قول المطلب بن عبد ا بن‬
‫حَطب وهو من التًبعين‪ (( :‬العم في كتًب ا ‪ ‬والد ))‪ ،‬ولعلّه أراد‬
‫بقوله‪ (( :‬في كتًب ا )) مً جًء في هذه الية من ذكر إسمًعيل في آبًء‬
‫يعقوب‪ ،‬وأورد الشيخ اللبًني ~ في السلسلة الصحيحة (‪ (( :)1041‬العم‬
‫والد )) مرفوعً ا عَد الطبراني بإسًَد فيه ضعف‪ ،‬وآخر مرسلا عَد سعيد‬
‫بن مَصور‪ ،‬وثًلثً ا عَد ابن وهب في الجًمع مرسلا أو معضلا‪ ،‬وفي‬
‫قًل في ع ّمه العبًس‪ (( :‬يً عمر! أمً‬ ‫صحيح مسلم (‪ )2277‬أن الَبي‬
‫شعرت أن ع لم الرجل صَو أبيه ))‪.‬‬
‫ن‬
‫***‬
‫‪‬‬ ‫ـ قوله‪:‬‬
‫‪207‬‬ ‫من كنوز القرآن الكريم‪ ،‬تفسير آيات من الكتاب‬
‫العزيز‬

‫‪‬‬ ‫‪‬‬ ‫‪‬‬


‫‪‬‬
‫‪‬‬
‫[البقرة‪.]137 :‬‬
‫يمثل الشيء ين يرد ويراد به نفس الشيء وحقيقته‪ ،‬والمعَى‪ :‬فإن آمَوا‬
‫بمً آمَتم به فقد اهتدوا‪ ،‬ومثله قول ا ‪:‬‬
‫‪‬‬

‫[الشورى‪:‬‬
‫‪ ،]11‬أي ليس كًل شيء‪ ،‬وكذا قوله‪:‬‬

‫‪‬‬

‫[الحقًف‪ ،]10 :‬أي عليه‪ ،‬وقوله‪:‬‬


‫‪‬‬ ‫‪‬‬ ‫‪‬‬

‫‪‬‬

‫[الصًفًت‪ 60 :‬ـ ‪ ]61‬أي لهذا‪ ،‬وفي صحيح البخًري (‪ )4981‬عن أبي‬


‫هريرة > قًل‪ :‬قًل الَبي ‪ (( :‬مً من النبيًء نبي إلّ ألعطي من اليًت‬
‫الحديث‪ ،‬قًل الحًفظ في الفتح في شرحه‬ ‫))‬ ‫مً يمثلله آمن عليه البشر‬
‫من كنوز القرآن الكريم‪ ،‬تفسير آيات من الكتاب‬ ‫‪208‬‬
‫العزيز‬

‫والمثزل يطلق ويراد به عين الشيء ومً يسًويه‪ ،‬والمعَى أن‬


‫(‪ (( :)6/9‬ي‬
‫كل نبي ألعطي آية أو أكثر من شأن من يشًهدهً من البشر أن يؤمن به‬
‫لجلهً ))‪ ،‬ومن أمثلة ورود مثل الشيء مرادا ا به مً يسًويه قول ا ‪:‬‬
‫‪‬‬

‫‪‬‬ ‫‪‬‬

‫[الطور‪ ،]34 :‬والمعَى‪ :‬فليأتوا بحديث‬


‫يسًويه في الفصًحة والبلغة ول سبيل لهم إلى ذلك؛ لقول ا ‪:‬‬

‫‪‬‬

‫‪‬‬

‫‪‬‬

‫[السراء‪.]88 :‬‬
‫***‬
‫ـ قوله‪:‬‬

‫‪‬‬

‫[البقرة‪.]143 :‬‬
‫‪209‬‬ ‫من كنوز القرآن الكريم‪ ،‬تفسير آيات من الكتاب‬
‫العزيز‬

‫عل لم ا تعًلى محيط بكل شيء‪ ،‬ول يخفى عليه خًفية في الرض‬
‫ول في السمًء‪ ،‬ول يتجدّد له علم بشيء لم يكن عًلمً ا به في الزل؛ قًل‬
‫ا ‪:‬‬

‫‪‬‬

‫وقًل‪:‬‬ ‫‪،]98‬‬ ‫[طه‪:‬‬


‫‪‬‬

‫[الطلق‪،]12 :‬‬
‫وقًل‪:‬‬
‫‪‬‬

‫[النعًم‪ ،]101 :‬وقًل في ختًم سورة الَسًء وسورة الَور‪:‬‬

‫النفًل‪:‬‬ ‫سورة‬ ‫ختًم‬ ‫في‬ ‫وقًل‬ ‫‪،‬‬

‫‪.‬‬
‫وأمً مً جًء في هذه الية ونظًئرهً‪ ،‬مثل قوله تعًلى‪:‬‬
‫من كنوز القرآن الكريم‪ ،‬تفسير آيات من الكتاب‬ ‫‪210‬‬
‫العزيز‬

‫‪‬‬
‫[سبأ‪ ،]21 :‬وقوله‪:‬‬
‫‪‬‬
‫[الجن‪ ،]28 :‬وقوله‪:‬‬
‫‪‬‬

‫[آل عمران‪ 166 :‬ـ ‪ ،]167‬وقوله‪:‬‬ ‫‪‬‬

‫[الحديد‪ ،]25 :‬فليس المراد من هذه‬


‫اليًت أن ا تعًلى يحصل له علم بشيء لم يكن عًلمً ا به في الزل‪،‬‬
‫وإنمً المراد حصول العلم الذي يظهر للًَس ويترتب عليه الثواب‬
‫والعقًب‪ ،‬قًل شيخًَ الشيخ محمد المين الشَقيطي ~ في أضواء البيًن‬
‫عَد هذه الية (‪ (( :)104/1‬ظًهر هذه الية قد يتوهم مَه الجًهل أنه‬
‫تعًلى يستفيد بًلختبًر علمً ا لم يكن يعلمه سبحًنه وتعًلى عن ذلك علوا ا‬
‫كبيراا‪ ،‬بل هو تعًلى عًلم بكل مً سيكون قبل أن يكون‪ ،‬وقد بيلن أنه ل‬
‫يستفيد بًلختبًر علمً ا لم يكن يعلمه بقوله ـ ج ّل وعل ـ‪:‬‬

‫‪‬‬
‫‪211‬‬ ‫من كنوز القرآن الكريم‪ ،‬تفسير آيات من الكتاب‬
‫العزيز‬

‫‪،‬‬
‫فقوله‪:‬‬
‫بعد قوله‪:‬‬
‫دليل قًطع على أنه لم يستفد‬
‫بًلختبًر شيئً ا لم يكن عًلمً ا به سبحًنه وتعًلى عن ذلك علوا ا كبيراا؛ لن‬
‫العليم بذات الصدور غَي عن الختبًر‪ ،‬وفي هذه الية بيًن عظيم لجميع‬
‫اليًت التي يذكر ا فيهً اختبًره لخلقه‪ ،‬ومعَى‬
‫أي علمً ا يترتب عليه الثواب والعقًب‪ ،‬فل‬
‫يًَفي أنه كًن عًلمً ا به قبل ذلك‪ ،‬وفًئدة الختبًر ظهور المر للًَس‪ ،‬أمً‬
‫س ّر والَجوى فهو عًلم بكل مً سيكون كمً ل يخفى ))‪.‬‬ ‫عًلم ال ّ‬
‫***‬
‫ـ قوله‪:‬‬
‫‪‬‬ ‫‪‬‬ ‫‪‬‬

‫‪‬‬

‫[البقرة‪.]177 :‬‬
‫في هذه الية دليل لليمًن بخمسة من أصول اليمًن الستة‪ ،‬وهي‬
‫اليمًن بًل وملئكته وكتبه ورسله واليوم الخر‪ ،‬والكتًب في الية‬
‫المراد به الكتب‪ ،‬واللف واللم فيه لستغراق الجَس‪ ،‬وقد د لل على‬
‫من كنوز القرآن الكريم‪ ،‬تفسير آيات من الكتاب‬ ‫‪212‬‬
‫العزيز‬

‫اليمًن بًلصول الستة حديث جبريل المشهور‪ ،‬وفيه سؤاله رسول ا‬


‫عن اليمًن؟ فأجًبه بقوله‪ (( :‬أن تؤمن بًل وملئكته وكتبه ورسله‬
‫أخرجه مسلم في صحيحه‬ ‫))‬ ‫واليوم الخر وتؤمن بًلقدر خيره وشره‬
‫(‪ ،)93‬وهو أول حديث عَده في كتًب اليمًن‪ ،‬ويدل لهذه الصول‬
‫الخمسة أيضً ا قوله تعًلى‪:‬‬
‫‪‬‬

‫‪‬‬

‫‪‬‬

‫‪‬‬

‫‪‬‬

‫[البقرة‪،]285 :‬‬
‫وفي قوله‪:‬‬
‫إشًرة إلى اليمًن بًليوم الخر‪ ،‬ويدل لهً أيضً ا قول ا ‪:‬‬
‫‪‬‬
‫‪213‬‬ ‫من كنوز القرآن الكريم‪ ،‬تفسير آيات من الكتاب‬
‫العزيز‬

‫‪‬‬

‫[الَسًء‪،]136 :‬‬
‫ويأتي في الكتًب والسَّة الجمع بين اليمًن بًل وبًليوم الخر كقوله‬
‫تعًلى‪:‬‬

‫‪‬‬

‫‪‬‬

‫[الَسًء‪،]59 :‬‬ ‫‪‬‬

‫‪ (( :‬من كًن يؤمن بًل واليوم الخر فل يؤذ جًره‪ ،‬ومن كًن‬ ‫وكقوله‬
‫يؤمن بًل واليوم الخر فليكرم ضيفه‪ ،‬ومن كًن يؤمن بًل واليوم الخر‬
‫فليقل خيرا ا أو ليصمت )) أخرجه البخًري (‪ )6018‬ومسلم (‪ )174‬عن‬
‫أبي هريرة >‪ ،‬ووجه الجمع بيَهمً أن اليمًن بًل أصل الصول‪ ،‬وهو‬
‫الذي يلبَى عليه بقية الصول ويلبَى عليه كل شيء يجب اليمًن به‪،‬‬
‫وفي ذكر اليمًن بًليوم الخر معه تَبيه على الحسًب والجزاء على‬
‫العمًل‪ :‬إن خيرا ا فخير وإن شرا ا فشر‪ ،‬فيل زقدم المسلم على فعل مً في تلك‬
‫الَصوص من الخير رجًء ثوابهً‪ ،‬ويبتعد عن المحظورات التي حذّير‬
‫مَهً فيهً خوفً ا من العقًب عليهً‪.‬‬
‫***‬
‫ـ قوله‪:‬‬
‫من كنوز القرآن الكريم‪ ،‬تفسير آيات من الكتاب‬ ‫‪214‬‬
‫العزيز‬

‫‪‬‬
‫[البقرة‪.]230 :‬‬ ‫‪‬‬

‫معَى الية أن الزوج إذا طلّق امرأته الطلق البًئن الذي ل رجعة‬
‫فيه‪ ،‬فإنهً ل تحل له إلّ بعد أن يتزوجهً غيره زواج رغبة‪ ،‬ثم يطلقهً‬
‫الزوج الثًني بعد استمتًعه بهً‪ ،‬والَكًح في الية يراد به الوطء؛ يدل‬
‫لذلك حديث عًئشة <‪ (( :‬أن رجلا طللق امرأة ثلثًا‪ ،‬فتزوجت فطلق‪،‬‬
‫للول؟ قًل‪ :‬ل! حتى يذوق عسيلتهً كمً ذاق‬ ‫فسئل الَبي ‪ :‬أتح رل ّ‬
‫الول )) رواه البخًري (‪ )5261‬ومسلم (‪.)3531‬‬
‫والَكًح يأتي يراد به الوطء‪ ،‬ويأتي مرادا ا به العقد‪ ،‬يقًل‪ :‬نكح فلن‬
‫ابَة فلن‪ ،‬أي عقد عليهً‪ ،‬ونكح فلن امرأته‪ ،‬أي وطئهً‪ ،‬وأكثر ورود‬
‫الَكًح في القرآن يراد به العقد‪ ،‬ومَه قوله تعًلى‪:‬‬

‫‪‬‬

‫‪‬‬
‫الية [الحزاب‪.]49 :‬‬ ‫‪‬‬

‫***‬
‫‪215‬‬ ‫من كنوز القرآن الكريم‪ ،‬تفسير آيات من الكتاب‬
‫العزيز‬

‫‪‬‬ ‫‪‬‬ ‫ـ قوله‪:‬‬


‫‪‬‬ ‫‪‬‬
‫‪‬‬ ‫‪‬‬ ‫‪‬‬
‫[البقرة‪.]238 :‬‬
‫في هذه الية الكريمة المر بًلمحًفظة على الصلوات الخمس‪ ،‬وتأكيد‬
‫المحًفظة على الصلة الوسطى لعطفهً على الصلوات وهي من جملتهً‪،‬‬
‫طف الخًص على العًم يفيد العتًَء بًلخًص لكونه ذلكر مفردا ا بعد‬
‫ع ل‬‫و ن‬
‫أن ذلكر مع غيره‪ ،‬وقد ذكر ا في أول سورة المؤمَون جملة من صفًت‬
‫المؤمَين وختمهً بقوله‪:‬‬
‫‪‬‬

‫[المؤمَون‪ ،]9 :‬وكذا في سورة‬ ‫‪‬‬

‫المعًرج وختمهً بقوله‪:‬‬

‫[المعًرج‪.]34 :‬‬ ‫‪‬‬

‫واختلف العلمًء في المراد بًلصلة الوسطى على أقوال‪ ،‬وأصحهً‬


‫أنهً صلة العصر؛ يدل لذلك مً أخرجه مسلم في صحيحه (‪ )1425‬عن‬
‫يوم الحزاب‪ (( :‬شغلونً عن الصلة‬ ‫ي > قًل‪ :‬قًل رسول ا‬ ‫عل ّ‬
‫الوسطى صلة العصر‪ ،‬مل ا بيوتهم وقبورهم نًراا‪ ،‬ثم صلهً بين‬
‫العشًءين بين المغرب والعشًء ))‪ ،‬ومً أخرجه أيضً ا (‪ )1426‬عن ابن‬
‫عن صلة العصر‬ ‫مسعود > قًل‪ (( :‬حبس المشركون رسول ا‬
‫اصفرت‪ ،‬فقًل رسول ا ‪ :‬شغلونً عن‬ ‫ّ‬ ‫احمرت الشمس أو‬
‫ّ‬ ‫حتى‬
‫الصلة الوسطى صلة العصر‪ ،‬مل ا أجوافهم وقبورهم نًرا ا ))‪ ،‬وفي‬
‫من كنوز القرآن الكريم‪ ،‬تفسير آيات من الكتاب‬ ‫‪216‬‬
‫العزيز‬

‫يوم‬ ‫ي > قًل‪ (( :‬كًَ مع الَبي‬


‫صحيح البخًري (‪ )6396‬عن عل ّ‬
‫الخَدق فقًل‪ :‬مل ا قبورهم وبيوتهم نًرا ا كمً شغلونً عن الصلة‬
‫الوسطى حتى غًبت الشمس‪ ،‬وهي صلة العصر ))‪.‬‬
‫قًل القرطبي في تفسير هذه الية‪ (( :‬والوسطى تأنيث الوسط‪،‬‬
‫ط الشيء خيره وأعدله‪ ،‬ومَه قوله تعًلى‪:‬‬ ‫ووس ل‬

‫وقد تقدّم‪ ،‬وقًل أعرابي يمدح‬


‫‪:‬‬ ‫الَبي‬
‫وأكرم الًَس أ ل ّمـً ا ل‬
‫بـرة ا وأبـــً‬ ‫ن‬ ‫طرا ا في مفًخرهم‬ ‫يً أوس ن‬
‫ط الًَس ّ‬
‫القوم ينسيطهم‪ :‬أي صًر في وسطهم ))‪.‬‬
‫ن‬ ‫ووسط ن‬
‫فلن‬ ‫ن‬
‫والمر بًلمحًفظة على صلة العصر بخصوصهً بعد المر‬
‫بًلمحًفظة على الصلوات عمومً ا يدل على عظم شأنهً‪ ،‬ويدل لذلك أيضً ا‬
‫قوله ‪ (( :‬الذي تفوته صلة العصر فكأنمً لوتر أهله ومًله )) رواه‬
‫البخًري (‪ )552‬ومسلم (‪ )1417‬عن ابن عمر {‪ ،‬وقوله ‪ (( :‬من‬
‫ترك صلة العصر فقد حبط عمله )) رواه البخًري (‪ )553‬عن‬
‫بريدة >‪ ،‬ويدل لفضلهً مع صلة الفجر قوله ‪ (( :‬يتعًقبون فيكم‬
‫ملئكة بًلليل وملئكة بًلَهًر‪ ،‬ويجتمعون في صلة الفجر وصلة‬
‫العصر )) الحديث‪ ،‬أخرجه البخًري (‪ )555‬ومسلم (‪ )1432‬عن أبي‬
‫هريرة >‪ ،‬وقوله ‪ (( :‬إنكم سترون ربكم كمً ترون القمر ل تضًمون‬
‫في رؤيته‪ ،‬فإن استطعتم أل تلغلبوا على صلة قبل طلوع الشمس وقبل‬
‫غروبهً فًفعلوا‪ ،‬ثم قرأ‪:‬‬
‫‪‬‬
‫‪217‬‬ ‫من كنوز القرآن الكريم‪ ،‬تفسير آيات من الكتاب‬
‫العزيز‬

‫)) أخرجه البخًري (‪ )554‬ومسلم‬


‫‪ (( :‬من صلى البردنين دخل الجَّة ))‬ ‫(‪ )1434‬عن جرير >‪ ،‬وقوله‬
‫رواه البخًري (‪ )574‬ومسلم (‪ )1438‬عن أبي موسى >‪.‬‬
‫وأمً توسط العصر بين الصلوات؛ فلن قبلهً صلتين في الَهًر‪،‬‬
‫وبعدهً صلتين في الليل‪ ،‬وأيضً ا فهي الوسطى بين الصلوات بعد‬
‫فرضهً ليلة المعراج‪ ،‬وأمً أداء الصلوات فقد بدأ بًلظهر حيث نزل‬
‫في يومين بًدئً ا بصلة الظهر‪ ،‬رواه الترمذي‬ ‫جبريل وأ لم الَبي‬
‫(‪ )149‬بإسًَد حسن‪.‬‬
‫***‬
‫ـ قوله‪:‬‬

‫[البقرة‪.]253 :‬‬
‫دلت هذه الية على تفضيل الرسل بعضهم على بعض‪ ،‬ومثلهً قول‬
‫ا ‪:‬‬
‫من كنوز القرآن الكريم‪ ،‬تفسير آيات من الكتاب‬ ‫‪218‬‬
‫العزيز‬

‫[السراء‪ ،]55 :‬وأمً الَهي عن التخيير بين‬ ‫‪‬‬


‫النبيًء في قوله ‪ (( :‬ل تخ ييّروا بين النبيًء )) رواه البخًري (‪)2412‬‬
‫ومسلم (‪ ،)6156‬وفي لفظ لهمً (‪ (( :)6153( )2411‬ل تخ ييّروني على‬
‫موسى )) فمحمول على أنه كًن قبل أن يوحى إليه بًلتفضيل‪ ،‬أو حمل‬
‫التفضيل على العصبية كمً هو سبب الحديث‪ ،‬وهو الستبًب الذي‬
‫حصل بين مسلم ويهودي‪ ،‬قًل أبو سعيد الخدري >‪ (( :‬بيًَ رسول ا‬
‫جًلس جًء يهودي فقًل‪ :‬يً أبً القًسم! ضرب وجهي رجل من‬
‫أصحًبك‪ ،‬فقًل‪ :‬نمن؟ قًل‪ :‬رجل من النصًر‪ ،‬قًل‪ :‬ادعوه‪ ،‬فقًل‪:‬‬
‫أضربته؟ قًل‪ :‬سمعته بًلسوق يحلف‪ :‬والذي اصطفى موسى على‬
‫؟! فأخذتَي غضبة ضربت‬ ‫البشر! قلت‪ :‬أي خبيث! على محمد‬
‫وجهه‪ ،‬فقًل الَبي ‪ (( :‬ل تخ ييّروا بين النبيًء )) الحديث‪.‬‬
‫فمن النبيًء من اتخذه ا خليلا‪ ،‬وهو إبراهيم ـ عليه الصلة والسلم‬
‫ـ كمً قًل ا ‪:‬‬
‫[الَسًء‪،]125 :‬‬
‫كمً قًل ‪ (( :‬إني أبرأ إلى ا أن يكون لي مَكم‬ ‫ونبيًَ محمد‬
‫خليل؛ فإن ا تعًلى قد اتخذني خليلا كمً اتخذ إبراهيم خليلا )) الحديث‬
‫رواه مسلم (‪.)1188‬‬
‫ومَهم من كلمه ا كموسى عليه الصلة والسلم‪ ،‬قًل ا ‪:‬‬
‫‪‬‬
‫[الَسًء‪ ،]164 :‬وقًل‪:‬‬
‫‪‬‬
‫[العراف‪،]143 :‬‬
‫‪219‬‬ ‫من كنوز القرآن الكريم‪ ،‬تفسير آيات من الكتاب‬
‫العزيز‬

‫كلّمه ا ليلة عرج به إلى السمًء‪.‬‬ ‫وكَبيًَ محمد‬


‫ونوح وإبراهيم‬ ‫وأفضل الرسل أولو العزم مَهم‪ ،‬وهم نبيًَ محمد‬
‫وموسى وعيسى‪ ،‬وقد جمعهم ا ‪ ‬في قوله في سورة الحزاب‪:‬‬

‫‪‬‬
‫‪‬‬
‫[الحزاب‪:‬‬
‫‪ ،]7‬وقوله في سورة الشورى‪:‬‬

‫‪‬‬

‫‪‬‬
‫‪‬‬
‫‪‬‬
‫[الشورى‪ ،]13 :‬وقد‬ ‫‪‬‬ ‫‪‬‬
‫قًل ابن كثير في تفسير قوله ‪:‬‬
‫‪‬‬
‫‪ (( :‬وقد‬
‫اختلفوا في تعداد أولي العزم على أقوال‪ ،‬وأشهرهً أنهم نوح وإبراهيم‬
‫نص على أسمًئهم‬
‫وموسى وعيسى وخًتم النبيًء كلهم محمد ‪ ،‬وقد ل‬
‫من بين النبيًء في آيتين من سورتي الحزاب والشورى‪ ،‬وقد يحتمل أن‬
‫من كنوز القرآن الكريم‪ ،‬تفسير آيات من الكتاب‬ ‫‪220‬‬
‫العزيز‬

‫(من) في قوله‪:‬‬ ‫يكون المراد بأولي العزم جميع الرسل‪ ،‬وتكون ي‬


‫لبيًن الجَس‪ ،‬وا أعلم ))‪.‬‬
‫وقًل شيخًَ الشيخ محمد المين الشَقيطي ~ في أضواء البيًن‬
‫(‪ 434/7‬ـ ‪ (( :)435‬واعلم أن القول بأن المراد بأولي العزم جميع الرسل‬
‫(من) في قوله‪:‬‬‫ـ عليهم الصلة والسلم ـ وأن لفظة ي‬
‫بيًنية يظهر أنه خلف التحقيق؛ كمً د ّل على‬
‫تعًلى‪:‬‬ ‫كقوله‬ ‫القرآنية‪،‬‬ ‫اليًت‬ ‫بعض‬ ‫ذلك‬

‫‪‬‬
‫الية‪ ،‬فأمر ا ـ ج ّل وعل ـ نبيه في آية القلم هذه بًلصبر‪ ،‬ونهًه عن‬
‫أن يكون مثل يونس؛ لنه هو صًحب الحوت‪ ،‬وكقوله‪:‬‬

‫‪،‬فآية‬
‫القلم وآية طه المذكورتًن كلتًهمً تدل على أن أولي العزم من الرسل‬
‫بأن يصبر كصبرهم ليسوا جميع الرسل‪ ،‬والعلم عَد‬ ‫الذين ألمر الَبي‬
‫ا تعًلى ))‪.‬‬
‫وقًل ابن كثير في تفسير آية الحزاب‪ :‬وقًل أبو بكر البزار‪ :‬حدثًَ‬
‫ي حدثًَ أبو أحمد حدثًَ حمزة الزيًت حدثًَ عدي بن ثًبت‬
‫عمرو ابن عل ّ‬
‫عن أبي حًزم عن أبي هريرة > قًل‪( :‬خيًر ولد آدم خمسة‪ :‬نوح‬
‫وإبراهيم وموسى وعيسى ومحمد‪ ،‬وخيرهم محمد صلى ا عليهم وسلم‬
‫أجمعين‪ ،‬موقوف وحمزة فيه ضعف)‪ ،‬ورجًل هذا السًَد رجًل‬
‫‪221‬‬ ‫من كنوز القرآن الكريم‪ ،‬تفسير آيات من الكتاب‬
‫العزيز‬

‫البخًري ومسلم إلّ حمزة الزيًت وهو من رجًل مسلم‪ ،‬وقد قًل عَه‬
‫الحًفظ في التقريب‪(( :‬صدوق زاهد ربمً وهم ))‪ ،‬وهذا الثر موقوف وله‬
‫حكم الرفع‪ ،‬وقًل في تفسير آية التفضيل بين النبيًء في سورة السراء‪:‬‬
‫(( ول خلف أن الرسل أفضل من بقية النبيًء‪ ،‬وأن أولي العزم مَهم‬
‫صً ا في آيتين من القرآن ))‪ ،‬فذكرهمً‪،‬‬
‫أفضلهم‪ ،‬وهم الخمسة المذكورون ن ّ‬
‫أفضلهم‪ ،‬ثم بعده إبراهيم‪ ،‬ثم موسى‬ ‫ثم قًل‪ (( :‬ول خلف أن محمدا ا‬
‫على المشهور‪ ،‬وقد بسطًَ هذا بدلئله في غير هذا الموضع‪ ،‬وا‬
‫الموفق ))‪.‬‬
‫***‬
‫‪‬‬ ‫ـ قوله‪:‬‬
‫‪‬‬
‫‪‬‬
‫‪‬‬

‫‪‬‬ ‫‪‬‬

‫‪‬‬ ‫‪‬‬
‫‪‬‬

‫‪‬‬
‫‪‬‬
‫من كنوز القرآن الكريم‪ ،‬تفسير آيات من الكتاب‬ ‫‪222‬‬
‫العزيز‬

‫‪‬‬ ‫‪‬‬
‫[البقرة‪.]255 :‬‬
‫‪1‬ـ هذه آية الكرسي‪ ،‬وهي أعظم آية في كتًب ا لحديث أبي بن‬
‫يً أبً المَذر! أتدري أي آية من‬ ‫((‬ ‫‪:‬‬ ‫كعب > قًل‪ :‬قًل رسول ا‬
‫كتًب ا معك أعظم؟ قًل‪ :‬قلت‪ :‬ا ورسوله أعلم‪ .‬قًل‪ :‬يً أبً المَذر!‬
‫أتدري أي آية من كتًب ا معك أعظم؟ قًل‪ :‬قلت‪:‬‬
‫‪‬‬

‫‪ .‬قًل‪ :‬فضرب في صدري وقًل‪ :‬وا!‬ ‫‪‬‬

‫ليهَك العلم أبً المَذر )) رواه مسلم (‪.)1885‬‬


‫‪2‬ـ هذه الية مشتملة على عشر جمل‪ ،‬ومثلهً قوله تعًلى في سورة‬
‫الشورى‪:‬‬

‫‪‬‬
‫‪223‬‬ ‫من كنوز القرآن الكريم‪ ،‬تفسير آيات من الكتاب‬
‫العزيز‬

‫[الشورى‪:‬‬
‫‪ ،]15‬فإنهً مشتملة على عشر جمل‪ ،‬نبّه على ذلك ابن كثير في تفسير آية‬
‫الشورى‪.‬‬
‫‪3‬ـ اشتملت آية الكرسي على خمسة أسمًء من أسمًء ا‪ ،‬وهي‪ :‬ا‪،‬‬
‫والحي‪ ،‬والقيوم‪ ،‬والعلي‪ ،‬والعظيم‪ ،‬وقد جًء اسم القيوم مقترنً مع اسم‬
‫الحي في ثلث آيًت في القرآن‪ :‬في هذه الية‪ ،‬وفي أول سورة آل‬
‫عمران‪:‬‬
‫‪‬‬ ‫‪‬‬
‫[آل عمران‪1 :‬ـ ‪ ،]2‬وفي سورة طه‪:‬‬
‫‪‬‬ ‫‪‬‬
‫[طه‪ ،]111 :‬وقد جًء اسم الحي مَفردا ا‬ ‫‪‬‬
‫‪‬‬ ‫كمً في قوله‪:‬‬
‫‪‬‬
‫[الفرقًن‪ ،]58 :‬وأمً اسم العلي فقد جًء مقترنً ا بثلثة أسمًء‪ ،‬وهي‪ :‬العظيم‬
‫كمً في هذه الية‪ ،‬وكمً في أول سورة الشورى‪:‬‬
‫‪‬‬
‫‪‬‬
‫[الشورى‪،]4 :‬‬
‫والحكيم كمً في قوله في سورة الشورى‪:‬‬

‫‪‬‬
‫من كنوز القرآن الكريم‪ ،‬تفسير آيات من الكتاب‬ ‫‪224‬‬
‫العزيز‬

‫‪‬‬

‫[الشورى‪ ،]51 :‬والكبير في قوله في سورة الَسًء‪:‬‬

‫[الَسًء‪ ،]34 :‬وقوله في سورتي الحج ولقمًن‪:‬‬


‫‪‬‬
‫‪ ،‬وقوله في سورة سبأ‪:‬‬

‫‪‬‬ ‫‪‬‬
‫‪‬‬
‫‪‬‬
‫[سبأ‪.]23 :‬‬
‫‪4‬ـ قوله‪:‬‬
‫أي إن ا ‪ ‬هو الله الحق الذي ل تكون اللوهية إلّ‬ ‫‪‬‬
‫له‪ ،‬فهو الذي يجب أن يلفرد بًلعبًدة وأن ل يلجعل له شريك فيهً؛ لنه‬
‫متفرد بًلخلق واليجًد‪ ،‬وهو المستحق أن يلعبد وحده ل شريك له‪ ،‬وكلمة‬
‫الخلص تشتمل على نفي عًم وإثبًت خًص‪ ،‬ففيهً نفي العبًدة عن كل‬
‫مً سوى ا وإثبًتهً ل وحده ل شريك له‪.‬‬
‫‪‬‬ ‫‪5‬ـ قوله‪:‬‬

‫وهو سبحًنه وتعًلى الحي في نفسه الكًمل الحيًة‬ ‫‪‬‬


‫‪‬‬ ‫الذي ل يموت أبداا‪ ،‬كمً قًل‪:‬‬
‫‪225‬‬ ‫من كنوز القرآن الكريم‪ ،‬تفسير آيات من الكتاب‬
‫العزيز‬

‫‪.‬‬ ‫‪‬‬

‫وهو سبحًنه وتعًلى القيوم المقيم لغيره الغَي عن كل مً سواه المفتقر‬


‫إليه كل من عداه‪ ،‬وأكد حيًته وقيوميته بقوله‪:‬‬
‫‪‬‬
‫؛ وذلك لكمًل حيًته وقيوميته‪ ،‬فل تعتريه سَة وهي الَعًس‪ ،‬ول مً‬
‫هو أقوى مَهً وهو الَوم‪ ،‬وفي صحيح مسلم (‪ )445‬عن أبي موسى >‬
‫بخمس كلمًت فقًل‪ :‬إن ا ‪ ‬ل يًَم ول‬ ‫قًل‪ (( :‬قًم فيًَ رسول ا‬
‫يَبغي له أن يًَم )) الحديث‪ ،‬وقد قًل ا ‪:‬‬
‫‪‬‬ ‫‪‬‬

‫[الروم‪.]25 :‬‬
‫‪6‬ـ وقوله‪:‬‬
‫‪‬‬
‫بيًن أنه مًلك السمًوات والرض ومً بيَهمً‪،‬‬
‫فهو رب كل شيء ومليكه‪ ،‬المتصرف في ملكه كيف يشًء سبحًنه‬
‫وتعًلى‪ ،‬وهو المَفرد بخلق السمًوات والرض وسًئر المخلوقًت‪ ،‬وهو‬
‫المًلك لهً فل شريك له في خلقه ول في ملكه‪.‬‬
‫‪7‬ـ وقوله‪:‬‬
‫‪‬‬ ‫‪‬‬

‫أي إنه لعظمته وكبريًئه ل يتقدم أحد‬


‫للشفًعة عَده إلّ بعد إذنه للشًفع ورضًه عن المشفوع‪ ،‬كمً قًل ا ‪:‬‬
‫‪‬‬ ‫‪‬‬
‫من كنوز القرآن الكريم‪ ،‬تفسير آيات من الكتاب‬ ‫‪226‬‬
‫العزيز‬

‫[النبيًء‪ ،]28 :‬وقًل‪:‬‬


‫‪‬‬

‫‪‬‬

‫[الَجم‪ ،]26 :‬وقوله‪:‬‬


‫‪‬‬ ‫‪‬‬

‫‪‬‬

‫‪‬‬

‫[طه‪.]109 :‬‬ ‫‪‬‬

‫‪8‬ـ وقوله‪:‬‬
‫‪‬‬

‫‪‬‬

‫‪‬‬

‫أي إن ا عًلم بًلشيًء مًضيهً وحًضرهً ومستقبلهً‪ ،‬وأن ا قد سبق‬


‫علمه بكل شيء ول يخفى عليه خًفية في الرض ول في السمًء وهو‬
‫العليم بذات الصدور‪ ،‬ول يعلم أحد من خلقه إلّ مً علّمه إيًه‪ ،‬فمً شًء أن‬
‫يل زع يلمه أحدا ا من خلقه أعلمه إيًه وأطلعه عليه‪ ،‬ومً لم يلطلع عليه ل سبيل‬
‫إلى علمه‪.‬‬
‫‪9‬ـ وقوله‪:‬‬
‫‪‬‬
‫‪227‬‬ ‫من كنوز القرآن الكريم‪ ،‬تفسير آيات من الكتاب‬
‫العزيز‬

‫‪‬‬ ‫‪‬‬

‫العرش هو أعظم المخلوقًت‪ ،‬والكرسي مخلوق عظيم‪ ،‬وسع السمًوات‬


‫والرض وهو دون العرش‪ ،‬وقد جًء تفسيره عن ابن عبًس بأنه موضع‬
‫القدمين رواه الطبراني في المعجم الكبير (‪ )12404‬بإسًَد حسن‪ ،‬ورواه‬
‫الحًكم (‪ )282/2‬وصححه ووافقه الذهبي‪ ،‬وهو سبحًنه ل يلثقله ول‬
‫يكرثه حفظ السمًوات والرض ومن فيهمً و نمن بيَهمً‪ ،‬بل ذلك سهل‬
‫عليه يسير لديه‪.‬‬
‫‪‬‬ ‫‪10‬ـ وقوله‪:‬‬
‫‪ :‬العظيم الكًمل العظمة الذي خضع‬
‫لعظمته كل شيء‪ ،‬وهو العلي العلى‪ ،‬له علو القدر وعلو القهر وعلو‬
‫الذات‪.‬‬
‫***‬
‫ـ قوله‪:‬‬

‫‪‬‬ ‫‪‬‬

‫‪‬‬ ‫‪‬‬
‫‪‬‬
‫[البقرة‪.]256 :‬‬
‫من كنوز القرآن الكريم‪ ،‬تفسير آيات من الكتاب‬ ‫‪228‬‬
‫العزيز‬

‫جًء في سبب نزول هذه الية مً رواه أبو داود في سََه (‪)2682‬‬
‫بسَد صحيح عن ابن عبًس { قًل‪ (( :‬كًنت المرأة تكون مقلةا‪ ،‬فتجعل‬
‫تهوده‪ ،‬فلمً ألجلينت بَو الَضير كًن فيهم‬
‫على نفسهً إن عًش لهً ولد أن ّ ي‬
‫من أبًَء النصًر‪ ،‬فقًلوا‪ :‬ل ندع أبًَءنً‪ ،‬فأنزل ا ‪:‬‬

‫))‪ ،‬قًل أبو داود‪ :‬المقلة التي ل يعيش لهً‬


‫ولد‪.‬‬
‫والعبرة بعموم اللفظ ل بخصوص السبب كمً ذكره ابن كثير في‬
‫تفسيره هذه الية‪ ،‬والمعَى أن الفراد من الكفًر ل يلكرهون على‬
‫الدخول في السلم‪ ،‬وهذا ل يًَفي مً جًء من اليًت في قتًل الكفًر‬
‫حتى يلسلموا أو يعطوا الجزية‪ ،‬مثل قوله تعًلى‪:‬‬

‫‪‬‬

‫‪‬‬

‫‪‬‬
‫‪‬‬ ‫‪‬‬
‫‪‬‬ ‫‪‬‬
‫‪‬‬
‫‪229‬‬ ‫من كنوز القرآن الكريم‪ ،‬تفسير آيات من الكتاب‬
‫العزيز‬

‫[التوبة‪ ،]5 :‬وقوله‪:‬‬ ‫‪‬‬ ‫‪‬‬

‫‪‬‬ ‫‪‬‬
‫‪‬‬
‫‪‬‬
‫[التوبة‪ ،]123 :‬وقوله‪:‬‬

‫‪‬‬
‫‪‬‬
‫[التوبة‪،]73 :‬‬
‫‪‬‬ ‫وقوله‪:‬‬
‫‪‬‬
‫‪‬‬
‫‪‬‬
‫‪‬‬ ‫‪‬‬

‫‪‬‬
‫‪‬‬
‫[التوبة‪،]29 :‬‬
‫وقوله ‪ (( :‬ألمرت أن أقًتل الًَس حتى يشهدوا أن ل إله إل ا وأن‬
‫محمدا ا رسول ا ويقيموا الصلة ويؤتوا الزكًة )) الحديث‪ ،‬رواه‬
‫البخًري (‪ )25‬ومسلم (‪ ،)129‬وفي صحيح مسلم (‪ )4522‬عن بريدة‬
‫من كنوز القرآن الكريم‪ ،‬تفسير آيات من الكتاب‬ ‫‪230‬‬
‫العزيز‬

‫إذا أ لمر أميرا ا على جيش أو‬ ‫بن الحصيب قًل‪ (( :‬كًن رسول ا‬
‫سرية أوصًه في خًصته بتقوى ا ‪ ‬ومن معه من المسلمين خيراا‪ ،‬ثم‬
‫قًل‪ :‬اغزوا بًسم ا في سبيل ا‪ ،‬قًتلوا من كفر بًل ))‪ ،‬وفيه أنهم‬
‫عون إلى السلم‪ ،‬فإن أبنوا ل‬
‫طلب مَهم دفع الجزية‪ ،‬فإن أبنوا قوتلوا‪.‬‬ ‫يلد ن‬
‫عمر‬
‫ل‬ ‫وفي صحيح البخًري (‪ )3159‬عن جبير بن حية قًل‪ (( :‬بعث‬
‫الًَس في أفًَء المصًر يقًتلون المشركين‪ ...‬فَدنبنًَ عمر ـ أي لقتًل‬
‫الفرس ـ واستعمل عليًَ الَعمًن بن مقرن‪ ،‬حتى إذا كًَ بأرض العدو‬
‫وخرج إليًَ عًمل كسرى في أربعين ألفًا‪ ،‬فقًم ترجمًن فقًل‪ :‬ليكلمَي‬
‫رجل مَكم‪ ،‬فقًل المغيرة‪ :‬سل عمً شئت‪ ،‬قًل‪ :‬مً أنتم؟ قًل‪ :‬نحن أنًس‬
‫من العرب‪ ،‬كًَ في شقًء شديد وبلء شديد‪ ،‬نمص الجلد والَوى من‬
‫الجوع‪ ،‬ونلبس الوبر والشعر‪ ،‬ونعبد الشجر والحجر‪ ،‬فبيًَ نحن كذلك إذ‬
‫بعث رب السمًوات ورب الرضين تعًلى ذكره وجلّت عظمته إليًَ نبيً ا‬
‫أن نقًتلكم حتى‬ ‫من أنفسًَ نعرف أبًه وأمه‪ ،‬فأمرنً نبيًَ رسول ربًَ‬
‫تعبدوا ا وحده أو تؤتوا الجزية‪ ،‬وأخبرنً عن رسًلة ربًَ أنه من قتل مًَ‬
‫صًر إلى الجَّة في نعيم لم ير مثله قط ومن بقي مًَ ملك رقًبكم ))‪.‬‬
‫يقول تعًلى‪:‬‬ ‫((‬ ‫قًل ابن كثير في تفسير هذه الية‪:‬‬
‫أي ل‬
‫تلكرهوا أحدا ا على الدخول في دين السلم؛ فإنه ب ييّن واضح جلي دلئله‬
‫وبراهيَه‪ ،‬ل يحتًج إلى أن يلكره أحد على الدخول فيه‪ ،‬بل من هداه ا‬
‫ونور بصيرته دخل فيه على بيَّة‪ ،‬ومن أعمى ا‬‫للسلم وشرح صدره ل‬
‫قلبه وختم على سمعه وبصره فإنه ل يفيده الدخول في الدين مكرهً ا‬
‫مقسورا ا ))‪ ،‬وقًل‪ (( :‬وقد ذهب طًئفة كبيرة من العلمًء إلى أن هذه‬
‫محمولة على أهل الكتًب ومن دخل في ديَهم قبل الَسخ والتبديل إذا‬
‫‪231‬‬ ‫من كنوز القرآن الكريم‪ ،‬تفسير آيات من الكتاب‬
‫العزيز‬

‫بذلوا الجزية‪ ،‬وقًل آخرون‪ :‬بل هي مَسوخة بآية القتًل؛ فإنه يجب أن‬
‫يلدعى جميع المم إلى الدخول في الدين الحَيف دين السلم‪ ،‬فإن أبى‬
‫أحد مَهم الدخول فيه ولم يَقد له أو يبذل الجزية قوتل حتى يلقتل ))‪.‬‬
‫‪‬‬ ‫ـ وقوله‪:‬‬
‫‪‬‬

‫‪‬‬
‫‪.‬‬ ‫‪‬‬

‫المعَى أن من نفى العبًدة عن كل مً سوى ا وأثبتهً ل وحده فقد‬


‫ثبت على الحق والهدى وسلم من الضلل‪ ،‬قًل ابن كثير في تفسيره‪:‬‬
‫(( أي من خلع النداد والوثًن ومً يدعو إليه الشيطًن من عبًدة كل مً‬
‫يلعبد من دون ا‪ ،‬وو لحد ا فعبده وحده وشهد أنه ل إله إلّ هو‬

‫‪‬‬
‫أي فقد ثبت في أمره واستقًم على الطريقة المثلى والصراط المستقيم ))‪.‬‬
‫سورة آل عمران‬
‫ـ قوله تعالى‪:‬‬
‫‪‬‬ ‫‪‬‬

‫‪‬‬

‫‪‬‬

‫[آل عمران‪.]31 :‬‬ ‫‪‬‬ ‫‪‬‬


‫من كنوز القرآن الكريم‪ ،‬تفسير آيات من الكتاب‬ ‫‪232‬‬
‫العزيز‬

‫سبب كل خير وسعًدة في الدنيً‬ ‫المحبة الصًدقة ل ورسوله‬


‫والخرة‪ ،‬والمسلم يحب ا ورسوله ويحب من يحبه ا ورسوله‪ ،‬ويحب‬
‫مً يحبه ا ورسوله ‪ ،‬قًل ‪ (( :‬ثلث من كن فيه وجد حلوة‬
‫اليمًن‪ ،‬أن يكون ا ورسوله أحب إليه ممً سواهمً‪ ،‬وأن يحب المرء ل‬
‫يحبه إلّ ل‪ ،‬وأن يكره أن يعود في الكفر كمً يكره أن يقذف في الًَر ))‬

‫رواه البخًري (‪ )16‬واللفظ له‪ ،‬ومسلم (‪.)165‬‬


‫ومحبة ا ورسوله ل تكون بمجرد الدعًوى‪ ،‬وإنمً تكون بًتبًع مً‬
‫من الكتًب والسَّة‪ ،‬والدعًوى لبد فيهً من إقًمة‬ ‫جًء به الرسول‬
‫البيًَت‪ ،‬وكمً أن المور الدنيوية ل تثبت بمجرد الدعوى‪ ،‬بل لبد من‬
‫إقًمة البيَّة على ذلك‪ ،‬فكذا محبة ا ورسوله‪ ،‬لبد لمدّعيهً أن يقيم البيَّة‬
‫على ذلك وذلك بأن يكون متّبعً ا للرسول ‪ ،‬ولهذا جًء عن بعض‬
‫السلف تسمية هذه الية بآية المتحًن والختبًر‪.‬‬
‫قًل ابن كثير في تفسير هذه الية‪ (( :‬هذه الية الكريمة حًكمة على‬
‫كل من ادعى محبة ا وليس هو على الطريقة المحمدية‪ ،‬فإنه كًذب في‬
‫دعواه في نفس المر‪ ،‬حتى يتبع الشرع المحمدي والدين الَبوي في جميع‬
‫أنه قًل‪:‬‬ ‫أقواله وأفعًله وأحواله‪ ،‬كمً ثبت في الصحيح عن رسول ا‬
‫(( من عمل عملا ليس عليه أمرنً فهو ردص ))‪ ،‬ولهذا قًل‪:‬‬
‫‪‬‬

‫‪‬‬

‫‪ ،‬أي يحصل لكم فوق مً طلبتم من محبتكم إيًه‪ ،‬وهو محبته‬


‫ل‬
‫الشأن‬ ‫إيًكم‪ ،‬وهو أعظم من الول‪ ،‬كمً قًل بعض العلمًء الحكمًء‪ :‬ليس‬
‫أن تحب‪ ،‬إنمً الشأن أن ت ل نحب‪ .‬وقًل الحسن البصري وغيره من السلف‪:‬‬
‫‪233‬‬ ‫من كنوز القرآن الكريم‪ ،‬تفسير آيات من الكتاب‬
‫العزيز‬

‫زعم قوم أنهم يحبون ا فًبتلهم ا بهذه الية فقًل‪:‬‬


‫‪‬‬

‫‪‬‬

‫))‪.‬‬
‫من‬ ‫ل تكون بًلتمسح بمً حول قبره‬ ‫ومحبة الرسول‬
‫الجدران‪ .‬قًل الَووي في المجموع شرح المهذب (‪ (( :)206/8‬ل يجوز‬
‫أن يطًف بقبره ‪ ،‬ويكره إلصًق الظهر والبطن بجدار القبر‪ ،‬قًله أبو‬
‫عبد ا الحليمي وغيره‪ ،‬قًلوا‪ :‬ويكره مسحه بًليد وتقبيله‪ ،‬بل الدب أن‬
‫ينبعلد مَه كمً ينبعلد مَه لو حضره في حيًته ‪ ،‬هذا هو الصواب الذي‬
‫قًله العلمًء وأطبقوا عليه‪ ،‬ول يغتر بمخًلفة كثير من العوام وفعلهم ذلك‪،‬‬
‫فإن القتداء والعمل إنمً يكون بًلحًديث الصحيحة وأقوال العلمًء‪ ،‬ول‬
‫يلتفت إلى محدثًت العوام وغيرهم وجهًلتهم‪ ،‬وقد ثبت في الصحيحين‬
‫قًل‪ (( :‬من أحدث في ديًََ مً ليس مَه‬ ‫عن عًئشة < أن رسول ا‬
‫فهو ردّ ))‪ ،‬وفي رواية لمسلم‪ (( :‬من عمل عملا ليس عليه أمرنً فهو‬
‫ردّ ))‪ ،‬وعن أبي هريرة > قًل‪ :‬قًل رسول ا ‪ (( :‬ل تجعلوا قبري‬
‫ي؛ فإن صلتكم تبلغَي حيثمً كَتم )) رواه أبو داود‬ ‫عيداا‪ ،‬وصلّوا عل ل‬
‫بإسًَد صحيح‪ ،‬وقًل الفضيل بن عيًض ~ مً معًَه‪ (( :‬اتبع طريق‬
‫الهدى ول يضرك قلّة السًلكين‪ ،‬وإيًك وطرق الضللة ول تغتر بكثرة‬
‫الهًلكين ))‪ ،‬ومن خطر ببًله أن المسح بًليد ونحوه أبلغ في البركة‪ ،‬فهو‬
‫من جهًلته وغفلته‪ ،‬لن البركة فيمً وافق الشرع‪ ،‬وكيف يلبتغى الفضل‬
‫في مخًلفة الصواب ))‪.‬‬
‫***‬
‫من كنوز القرآن الكريم‪ ،‬تفسير آيات من الكتاب‬ ‫‪234‬‬
‫العزيز‬

‫ـ قوله تعالى‪:‬‬

‫‪‬‬

‫‪‬‬

‫‪‬‬ ‫‪‬‬

‫‪‬‬ ‫‪‬‬

‫[آل عمران‪.]55 :‬‬ ‫‪‬‬

‫عيسى ابن مريم ـ عليه الصلة والسلم ـ رفعه ا حيًّ ا إلى السمًء‬
‫كمً في هذه الية‪ ،‬وكمً في قوله تعًلى‪:‬‬
‫[الَسًء‪ ،]158 :‬وقوله‪:‬‬

‫[الَسًء‪ ]159 :‬أي‪ :‬قبل موت عيسى‪ ،‬وجًء في‬ ‫‪‬‬


‫متواتر السَّة نزوله في آخر الزمًن وحكمه بشريعة السلم التي جًء‬
‫بهً محمد عليه الصلة والسلم‪ ،‬قًل عليه الصلة والسلم‪ (( :‬والذي‬
‫نفسي بيده ليوشكن أن يَزل فيكم ابن مريم حكمً ا عدلا‪ ،‬فيكسر الصليب‬
‫ويقتل الخَزير ويضع الجزية )) الحديث‪ ،‬رواه البخًري (‪،)3448‬‬
‫ومسلم (‪.)389‬‬
‫ومً جًء في هذه الية من تقديم التوفي على الرفع محمول على أن‬
‫المراد بًلوفًة الَوم‪ ،‬وقد جًء في القرآن إطلق الوفًة على الَوم في قوله‬
‫‪235‬‬ ‫من كنوز القرآن الكريم‪ ،‬تفسير آيات من الكتاب‬
‫العزيز‬

‫‪‬‬ ‫تعًلى‪:‬‬
‫‪‬‬

‫[النعًم‪ ،]60 :‬وقوله‪:‬‬


‫‪‬‬ ‫‪‬‬

‫‪‬‬

‫[الزمر‪.]42 :‬‬
‫أو أنه على التقديم والتأخير‪ ،‬كمً في قوله تعًلى‪:‬‬
‫‪‬‬
‫[الحًقة‪ ،]4 :‬وعًد في الوجود‬
‫قبل ثمود‪ ،‬أو أنه محمول على أن المراد بًلتوفي أخذله ورفعله إليه‪ ،‬كمً‬
‫ضه وأخذه‪ ،‬قًل شيخًَ الشيخ محمد المين‬ ‫يقًل في توفي الدين‪ :‬قب ل‬
‫الشَقيطي ~ في كتًب (دفع إيهًم الضطراب عن آيًت الكتًب‪ :‬ص‬
‫‪ (( :)57‬والجواب على هذا من ثلثة أوجه‪ :‬الول‪ :‬أن قوله تعًلى‪:‬‬
‫ل يدل على تعيين الوقت‪ ،‬ول يدل‬ ‫‪‬‬
‫على كونه قد مضى‪ ،‬وهو متوفيه قطعً ا يومً ا مً‪ ،‬ولكن ل دليل على أن‬
‫على‬ ‫ذلك اليوم قد مضى‪ ،‬وأمً عطفه‬
‫فل دليل فيه‪ ،‬لطبًق جمهور أهل‬ ‫‪‬‬
‫اللسًن العربي على أن الواو ل تقتضي الترتيب ول الجمع‪ ،‬وإنمً‬
‫تقتضي مطلق التشريك )) إلى أن قًل‪ (( :‬الوجه الثاني‪ :‬أن معَى‬
‫ي‪ ،‬أي في تلك‬
‫أي‪ :‬مَيمك ورافعك إل ل‬ ‫‪‬‬
‫الَومة‪ .‬وقد جًء في القرآن إطلق الوفًة على الَوم في قوله‪:‬‬
‫من كنوز القرآن الكريم‪ ،‬تفسير آيات من الكتاب‬ ‫‪236‬‬
‫العزيز‬

‫‪‬‬ ‫‪‬‬

‫‪ ،‬وقوله‪:‬‬
‫‪‬‬ ‫‪‬‬
‫‪‬‬
‫‪ ،‬وعزا ابن كثير‬
‫هذا القول للكثرين‪ ،‬واستدل بًليتين المذكورتين‪ ،‬وقوله ‪ (( :‬الحمد‬
‫ل الذي أحيًنً بعدمً أمًتًَ‪ ))...‬الحديث‪.‬‬
‫اسم فًعل‬ ‫‪‬‬ ‫الوجه الثالث‪ :‬أن‬
‫(( توفًه )) إذا قبضه وحًزه إليه‪ ،‬ومَه قولهم‪ (( :‬توفى فلن ديَه )) إذا‬
‫على هذا‪:‬‬ ‫‪‬‬ ‫قبضه إليه‪ ،‬فيكون معَى‬
‫ي حيًّا‪ ،‬وهذا القول هو اختيًر ابن جرير‪ ،‬وأمً الجمع بأنه‬‫قًبضك مَهم إل ل‬
‫توفًه سًعًت أو أيًمً ا ثم أحيًه‪ ،‬فًلظًهر أنه من السرائيليًت‪ ،‬وقد نهى‬
‫عن تصديقهً وتكذيبهً))‪.‬‬
‫وأتبًع عيسى الذين فوق الذين كفروا إلى يوم القيًمة هم الذين على‬
‫شريعته المَزلة قبل بعثة نبيًَ محمد ‪ ،‬ثم اتبعوا الشريعة المحمدية‬
‫التي نسخت شريعة عيسى وغيرهً من الشرائع‪ ،‬أمً الذين لم يتّبعوا‬
‫حرف وبلدّيل‪ ،‬وهم‬‫فإنهم غير متبعين لعيسى‪ ،‬بل متّبعون لمً ي ّ‬ ‫محمدا ا‬
‫من جملة الذين كفروا‪ ،‬قًل ‪ (( :‬والذي نفس محمد بيده! ل يسمع بي‬
‫أحد من هذه المة يهودي ول نصراني‪ ،‬ثم يموت ولم يؤمن بًلذي‬
‫أرسلت به إلّ كًن من أصحًب الًَر ))‪ ،‬رواه مسلم (‪.)386‬‬
‫***‬
‫ـ قوله‪:‬‬
‫‪237‬‬ ‫من كنوز القرآن الكريم‪ ،‬تفسير آيات من الكتاب‬
‫العزيز‬

‫‪‬‬

‫[آل عمران‪ 59 :‬ـ ‪.]60‬‬


‫عيسى ابن مريم ـ عليه الصلة والسلم ـ في شريعة السلم هو عبد‬
‫ا ورسوله‪ ،‬وكلمته ألقًهً إلى مريم وروح مَه‪ ،‬وهو عبدن ل يلعبد‪،‬‬
‫فرطوا فيه وأفرطوا‪،‬‬‫ورسول ل يلكذلب‪ ،‬وأمً اليهود والَصًرى فقد ل‬
‫وفرطوا‪ ،‬إذ وصفوه بأنه ابن زنى‪ ،‬والَصًرى أفرطوا؛‬ ‫فًليهود جفوا ل‬
‫حتى غلوا فيه وعبدوه مع ا‪ ،‬وقد خلقه ا ‪ ‬بقدرته من مريم بدون‬
‫أب‪ ،‬كمً خلق آدم من تراب‪ ،‬وخلق حواء من آدم‪ ،‬وخلق سًئر بَي آدم‬
‫من ذكر وأنثى‪ ،‬فهذه القسمة الربًعية انحصر فيهً خلق البشر‪ ،‬وقد ذكر‬
‫ا في أول سورة الَسًء خلق آدم وحواء وبَي آدم غير عيسى‪ ،‬فقًل‪:‬‬

‫‪‬‬
‫‪‬‬

‫[الَسًء‪ ،]1 :‬وكمل بخلق عيسى من أنثى بل ذكر القسمة الربًعية لخلق‬
‫البشر‪ ،‬وليس بغريب ز‬
‫خلق عيسى من أنثى بل ذكر‪ ،‬فإنه دون خلق آدم‬
‫من كنوز القرآن الكريم‪ ،‬تفسير آيات من الكتاب‬ ‫‪238‬‬
‫العزيز‬

‫من غير ذكر وأنثى‪ ،‬ولهذا قًل سبحًنه وتعًلى‪:‬‬

‫[آل عمران‪ ،]59 :‬ز‬


‫فخلق عيسى كًن بـ‬ ‫‪‬‬
‫(كن)‪ ،‬كمً أن ز‬
‫خلق آدم كًن بـ (كن)‪ ،‬وهذا الذي جًء في شريعة السلم‬
‫عن خلق عيسى هو الحق بل امتراء‪ ،‬ولهذا قًل‪:‬‬

‫[آل عمران‪ ،]60 :‬وقًل في سورة مريم‪:‬‬

‫‪‬‬

‫‪‬‬
‫‪‬‬
‫[مريم‪ 34 :‬ـ ‪.]35‬‬ ‫‪‬‬

‫يقول ـ ج لل وعل ـ‪:‬‬ ‫((‬ ‫قًل ابن كثير في تفسير هذه الية‪:‬‬

‫في قدرة ا تعًلى حيث خلقه من غير أب‬


‫فإن ا تعًلى خلقه من غير أب ول أم ‪ ،‬بل‬
‫‪239‬‬ ‫من كنوز القرآن الكريم‪ ،‬تفسير آيات من الكتاب‬
‫العزيز‬

‫‪‬‬
‫‪ ،‬فًلذي خلق آدم من‬
‫غير أب قًدر على أن يخلق عيسى بًلطريق الولى والحرى‪ ،‬وإن جًز‬
‫ادعًء البَوة في عيسى لكونه مخلوقً ا من غير أب‪ ،‬فجواز ذلك في آدم‬
‫بًلطريق الولى‪ ،‬ومعلوم بًلتفًق أن ذلك بًطل‪ ،‬فدعواهً في عيسى أشد‬
‫بطلنً ا وأظهر فسًداا‪ ،‬ولكن الرب ـ ج ّل جلله ـ أراد أن يظهر قدرته‬
‫لخلقه حين خلق آدم‪ ،‬ل من ذكر ول من أنثى‪ ،‬وخلنق حواء من ذكر بل‬
‫أنثى‪ ،‬وخلنق عيسى من أنثى بل ذكر‪ ،‬كمً خلق بقية البرية من ذكر‬
‫وأنثى ))‪.‬‬
‫ومثل هذه القسمة الربًعية في أصل ز‬
‫خلق البشر‪ ،‬القسمة الربًعية في‬
‫خلق بَي آدم‪ ،‬إذ وهب لبعضهم الذكور‪ ،‬ووهب لبعضهم النًث‪ ،‬ووهب‬
‫لبعضهم الذكور والنًث‪ ،‬وجعل من يشًء عقيمًا‪ ،‬كمً قًل ‪:‬‬
‫‪‬‬

‫‪‬‬

‫[الشورى‪ 49 :‬ـ ‪.]50‬‬


‫وكذا القسمة الربًعية في السعًدة والشقًوة‪ ،‬فإن مَهم من يَشأ على‬
‫من كنوز القرآن الكريم‪ ،‬تفسير آيات من الكتاب‬ ‫‪240‬‬
‫العزيز‬

‫السلم ويموت عليه‪ ،‬ومَهم من يَشأ على الكفر ويموت عليه‪ ،‬ومَهم‬
‫من تكون بدايته حسَة ونهًيته سيئة‪ ،‬ومَهم من تكون بدايته سيئة ونهًيته‬
‫حسَة‪ ،‬ويدل للقسمين الخيرين حديث ابن مسعود > وفيه‪ (( :‬فوالذي ل‬
‫إله غيره‪ ،‬إن أحدكم ليعمل بعمل أهل الجَّة حتى مً يكون بيَه وبيَهً إلّ‬
‫ذراع‪ ،‬فيسبق عليه الكتًب فيعمل بعمل أهل الًَر فيدخلهً‪ ،‬وإن أحدكم‬
‫ليعمل بعمل أهل الًَر‪ ،‬حتى مً يكون بيَه وبيَهً إلّ ذراع‪ ،‬فيسبق عليه‬
‫الكتًب‪ ،‬فيعمل بعمل أهل الجَّة فيدخلهً ))‪ ،‬رواه البخًري (‪ )3208‬ومسلم‬
‫(‪.)6723‬‬
‫***‬
‫‪‬‬ ‫ـ قوله‪:‬‬
‫‪‬‬ ‫‪‬‬
‫‪‬‬ ‫‪‬‬ ‫‪‬‬

‫[آل عمران‪.]92 :‬‬


‫دلّت هذه الية على أن المسلم المتصدّق يَفق ممً يحبه ويعجبه‪ ،‬ول‬
‫يعمد إلى النفًق من الرديء‪ ،‬ومثل هذه الية قوله ‪:‬‬
‫‪‬‬

‫‪‬‬ ‫‪‬‬

‫[النسًن‪ 8 :‬ـ ‪،]9‬‬ ‫‪‬‬


‫‪241‬‬ ‫من كنوز القرآن الكريم‪ ،‬تفسير آيات من الكتاب‬
‫العزيز‬

‫وقوله‪:‬‬
‫‪‬‬ ‫‪‬‬ ‫‪‬‬

‫‪‬‬

‫الية‪ ،‬وقًل ا ‪:‬‬

‫‪‬‬ ‫‪‬‬ ‫‪‬‬

‫‪‬‬
‫‪‬‬ ‫‪‬‬

‫[البقرة‪ ،]267 :‬قد دلّت هذه‬ ‫‪‬‬


‫الية على أن المسلم يتصدّق ممً رزقه ا من طيب المكًسب والثمًر‪،‬‬
‫وليس من الخبيث الذي هو الرديء الذي ل يعجبه أن يعطى إيًه‪ ،‬ولو‬
‫أخذه أخذه بإغمًض وحيًء‪ ،‬فيعًمل الًَس بمثل مً يحب أن يعًملوه به‪،‬‬
‫من كنوز القرآن الكريم‪ ،‬تفسير آيات من الكتاب‬ ‫‪242‬‬
‫العزيز‬

‫والخبيث يطلق على الحرام وعلى الرديء ممً هو حلل‪ ،‬وهو المراد‬
‫بًلية‪.‬‬
‫))‬‫ومن إطلق الخبيث على الرديء قوله ‪ (( :‬كسب الحجًم خبيث‬
‫رواه مسلم (‪ ،)4012‬ويدل لكون المراد بًلخبيث في هذا الحديث‬
‫وأعطى الذي حجمه‪ ،‬ولو‬ ‫الرديء‪ ،‬قول ابن عبًس >‪ (( :‬احتجم الَبي‬
‫كًن حرامً ا لم يعطه )) رواه البخًري (‪ )2103‬واللفظ له‪ ،‬ومسلم‬
‫(‪.)4042‬‬
‫أسبق الًَس إلى كل خير وأحرصهم على‬ ‫وأصحًب رسول ا‬
‫كل خير‪ ،‬ولهذا كًنوا يَفقون من أحب أموالهم إليهم‪ ،‬قًل أنس بن‬
‫>‪:‬‬ ‫مًلك‬
‫ي ر بًلمديَة نخلا‪ ،‬وكًن أحب أمواله إليه‬
‫(( كًن أبو طلحة أكثر أنصًر ّ‬
‫بيرحًء وكًنت مستقبلة المسجد‪ ،‬وكًن رسول ا يدخلهً ويشرب من‬
‫‪‬‬ ‫مًء فيهً طيب‪ ،‬فلمً نزلت‬
‫‪‬‬ ‫‪‬‬
‫‪ ،‬قًم أبو طلحة فقًل‪ :‬يً رسول‬ ‫‪‬‬
‫‪‬‬ ‫ا! إن ا يقول‪:‬‬
‫‪‬‬ ‫‪‬‬
‫ي بيرحًء‪،‬‬
‫وإن أحب أموالي إل ل‬ ‫‪‬‬
‫وإنهً صدقة ل أرجو برهً وذخرهً عَد ا‪ ،‬فضعهً يً رسول ا حيث‬
‫أراك ا‪ .‬قًل رسول ا ‪ (( :‬بخ ذلك مًل رابح‪ ،‬ذلك مًل رابح‪ ،‬وقد‬
‫سمعت مً قلت‪ ،‬وإني أرى أن تجعلهً في القربين ))‪ ،‬قًل أبو طلحة‪:‬‬
‫أفع لل يً رسول ا‪ ،‬فقسمهً أبو طلحة في أقًربه وبَي عمه )) رواه‬
‫‪243‬‬ ‫من كنوز القرآن الكريم‪ ،‬تفسير آيات من الكتاب‬
‫العزيز‬

‫البخًري (‪ ،)4554‬ومسلم (‪.)2315‬‬


‫وعن ابن عمر {‪ (( :‬أن عمر بن الخطًب أصًب أرضً ا بخيبر فأتى‬
‫يستأمره فيهً‪ ،‬فقًل‪ :‬يً رسول ا! إني أصبت أرضً ا بخيبر‪ ،‬لم‬ ‫الَبي‬
‫أصب مًلا قط أنفس عَدي مَه‪ ،‬فمً تأمرني به؟ قًل‪ (( :‬إن شئت حبست‬
‫أصلهً وتصدقت بهً ))‪ .‬قًل‪ :‬فتصدّق بهً عمر )) الحديث‪ ،‬رواه البخًري‬
‫(‪ )2737‬ومسلم (‪.)4224‬‬
‫سير بًلجَّة‪ ،‬حكًه القرطبي عن ابن مسعود وابن‬ ‫والبر في الية فل ّ‬
‫سدي‪ ،‬وقًل‪ :‬فًلمعَى‪ :‬لن‬
‫عبًس‪ ،‬وعطًء ومجًهد وعمرو بن ميمون وال ّ‬
‫طوهً حتى تَفقوا ممً تحبون‪.‬‬‫تصلوا إلى الجَّة وتع ن‬
‫سير بًلعمل الصًلح‪ ،‬ومَه قوله ‪ (( :‬عليكم بًلصدق‪ ،‬فإن الصدق‬ ‫وفل ّ‬
‫يهدي إلى البر‪ ،‬وإن البر يهدي إلى الجَّة‪ ،‬ومً يزال الرجل يصدق‬
‫ويتحرى الصدق حتى يكتب عَد ا صدّيقًا‪ ،‬وإيًكم والكذب‪ ،‬فإن الكذب‬
‫يهدي إلى الفجور‪ ،‬وإن الفجور يهدي إلى الًَر‪ ،‬ومً يزال الرجل يكذب‬
‫ويتحرى الكذب حتى يكتب عَد ا كذّابً ا )) رواه مسلم (‪ .)6639‬وفي‬
‫هذا الحديث مقًبلة البر بًلفجور‪ ،‬وقد ذكر ا البرار والفجًر وبيلن‬
‫جزاءهم بقوله‪:‬‬

‫‪‬‬
‫[النفطًر‪ 13 :‬ـ ‪ ،]14‬وقد أمر ا بًلتعًون على البر والتقوى فقًل‪:‬‬
‫‪‬‬
‫‪‬‬
‫‪‬‬
‫من كنوز القرآن الكريم‪ ،‬تفسير آيات من الكتاب‬ ‫‪244‬‬
‫العزيز‬

‫‪‬‬

‫[المًئدة‪ ،]2 :‬وهذان اللفظًن من اللفًظ‬


‫فرق بيَهً في المعَى‪ ،‬وإذا انفرد أحدهمً‬‫التي إذا لجمع بيَهً في الذكر‪ ،‬ي ّ‬
‫شمل المعَيين‪ ،‬فًلبر في هذه الية يراد به فعل الطًعًت‪ ،‬والتقوى يراد‬
‫بهً اجتًَب المعًصي‪ ،‬وإذا ألفرد البر‪ ،‬فإنه يشمل فعل الطًعًت واجتًَب‬
‫المعًصي‪ ،‬وكذا التقوى إذا أفردت تشملهمً جميعًا‪.‬‬
‫***‬
‫ـ قوله تعالى‪:‬‬
‫‪‬‬
‫‪‬‬
‫‪‬‬ ‫‪‬‬
‫[آل عمران‪.]102 :‬‬ ‫‪‬‬

‫تقوى ا ‪ :‬أن يجعل العبد بيَه وبين غضب ا وقًية تقيه مَه‪،‬‬
‫وذلك بفعل الطًعًت واجتًَب المعًصي‪.‬‬
‫وتقوى ا حق تقًته‪ :‬أن يطًع فل يعصى‪ ،‬وأن يلذكر فل يلَسى‪ ،‬وأن‬
‫سرهً بذلك عبد ا بن مسعود >‪ ،‬كمً نقله ابن كثير‬ ‫يشكر فل يلكفر‪ ،‬ف ّ‬
‫عن ابن أبي حًتم عَه بإسًَد صحيح‪ ،‬ومن العلمًء من قًل إن هذه الية‬
‫بقوله‬ ‫مَسوخة‬
‫‪‬‬
‫[التغًبن‪ ،]16 :‬حكًه ابن كثير في‬
‫تفسير هذه الية عن سعيد بن جبير‪ ،‬وأبي العًلية‪ ،‬والربيع ابن أنس‪،‬‬
‫‪245‬‬ ‫من كنوز القرآن الكريم‪ ،‬تفسير آيات من الكتاب‬
‫العزيز‬

‫وقتًدة‪ ،‬ومقًتل بن حيًن‪ ،‬وزيد بن أسلم‪ ،‬والسدي وغيرهم‪ ،‬وقًل‬


‫القرطبي في تفسيره بعد أن حكى القول بًلَسخ عن بعض المفسرين‪،‬‬
‫‪‬‬ ‫قًل‪ (( :‬وقيل‪ :‬إن قوله‪:‬‬
‫بيًن لهذه الية‪،‬‬
‫والمعَى‪ :‬فًتقوا ا حق تقًته مً استطعتم‪ ،‬وهذا أصوب‪ ،‬لن الَسخ إنمً‬
‫يكون عَد عدم الجمع‪ ،‬والجمع ممكن فهو أولى ))‪.‬‬
‫‪‬‬ ‫‪‬‬ ‫وقوله‪:‬‬
‫‪ ،‬المعَى‪ :‬الزموا‬ ‫‪‬‬
‫السلم ودوموا عليه‪ ،‬حتى إذا وافًكم الجل‪ ،‬يوافيكم وأنتم على حًلة‬
‫حسَة‪ ،‬فيلختم لكم بخًتمة طيبة‪ .‬وقد قًل رسول ا ‪ (( :‬أحب العمًل‬
‫إلى ا تعًلى أدومهً وإن ق لل )) رواه البخًري (‪ )43‬ومسلم (‪)1830‬‬
‫واللفظ له‪.‬‬
‫وفي صحيح مسلم (‪ )4776‬من حديث عبد ا بن عمرو بن العًص‬
‫{‪ ،‬وفيه قوله ‪ (( :‬فمن أحب أن يزحزح عن الًَر ويلدخل الجَّة‪،‬‬
‫فلتأته مَيته وهو يؤمن بًل واليوم الخر‪ ،‬وليأت إلى الًَس الذي يحب أن‬
‫يؤتى إليه ))‪ ،‬ومعًَه مثل معَى الية‪ ،‬ملزمة اليمًن والستمرار عليه‬
‫حتى الموت‪.‬‬
‫***‬
‫ـ قوله تعًلى‪:‬‬
‫‪‬‬

‫‪‬‬
‫من كنوز القرآن الكريم‪ ،‬تفسير آيات من الكتاب‬ ‫‪246‬‬
‫العزيز‬

‫[آل عمران‪.]104 :‬‬ ‫‪‬‬ ‫‪‬‬

‫أمر ا ‪ ‬في هذه الية بأن يكون في بلد المسلمين طوائف مَهم‬
‫يدعون إلى الخير ويبصرون بطريق الحق والهدى‪ ،‬ويأمرون‬
‫بًلمعروف ويَهون عن المَكر‪ ،‬وهذا التصدي من هذه الطوائف للقيًم‬
‫بًلدعوة إلى الخير هو من فروض الكفًيًت‪ ،‬وعلى كل مسلم القيًم‬
‫بًلدعوة إلى الخير والمر بًلمعروف والَهي عن المَكر حسب قدرته‬
‫وطًقته‪ ،‬كمً جًء ذلك مبيًَ ا في حديث أبي سعيد الخدري > قًل‪ :‬سمعت‬
‫يقول‪ (( :‬من رأى مَكم مَكرا ا فليغيره بيده‪ ،‬فإن لم يستطع‬ ‫رسول ا‬
‫فبلسًنه‪ ،‬فإن لم يستطع فبقلبه‪ ،‬وذلك أضعف اليمًن )) رواه مسلم‬
‫(‪.)177‬‬
‫وهذا الحديث من جوامع الكلم‪ ،‬وهو الحديث الرابع والثلثون من‬
‫الربعين الَووية‪ ،‬وقد قلت في شرحي‪ (( :‬هذا الحديث مشتمل على‬
‫درجًت إنكًر المَكر‪ ،‬وأن من قدر على التغيير بًليد تعيّن عليه ذلك‪،‬‬
‫وهذا يكون من السلطًن ونوابه في الوليًت العًمة‪ ،‬ويكون أيضً ا من‬
‫صًحب البيت في أهل بيته في الوليًت الخًصة‪ ،‬ورؤية المَكر يحتمل‬
‫أن يكون المراد مَهً الرؤية البصرية‪ ،‬أو مً يشملهً ويشمل الرؤية‬
‫العلمية‪ ،‬فإن لم يكن من أهل التغيير بًليد‪ ،‬انتقل إلى التغيير بًللسًن‪،‬‬
‫حيث يكون قًدرا ا عليه‪ ،‬وإلّ فقد بقي عليه التغيير بًلقلب‪ ،‬وهو أضعف‬
‫اليمًن‪ ،‬وتغيير المَكر بًلقلب يكون بكراهة المَكر وحصول الثر على‬
‫القلب بسبب ذلك‪ ،‬ول تًَفي بين مً جًء في هذا الحديث من المر بتغيير‬
‫المَكر وقول ا ‪:‬‬
‫‪247‬‬ ‫من كنوز القرآن الكريم‪ ،‬تفسير آيات من الكتاب‬
‫العزيز‬

‫‪‬‬
‫‪‬‬

‫[المًئدة‪ ،]105 :‬فإن المعَى‪ :‬إذا‬


‫قمتم بمً هو مطلوب مَكم من المر بًلمعروف والَهي عن المَكر‪ ،‬فقد‬
‫أديتم مً عليكم‪ ،‬ول يضركم بعد ذلك ضلل من ض ّل إذا اهتديتم ))‪.‬‬
‫ولقيًم هذه المة بواجب المر بًلمعروف والَهي عن المَكر‪ ،‬كًنت‬
‫خير أمة أخرجت للًَس‪ ،‬كمً قًل ا ‪:‬‬

‫‪‬‬

‫[آل عمران‪.]110 :‬‬ ‫‪‬‬

‫قًل ابن كثير في تفسير هذه الية‪ (( :‬والصحيح أن هذه الية عًمة في‬
‫جميع المة‪ ،‬كل قرن بحسبه‪ ،‬وخير قرونهم الذين بلعث فيهم رسول ا‬
‫ثم الذين يلونهم‪ ،‬ثم الذين يلونهم‪ ،‬كمً قًل في الية الخرى‪:‬‬

‫أي‪ :‬خيًراا‪،‬‬
‫‪‬‬ ‫‪‬‬
‫‪‬‬
‫‪‬‬
‫))‪.‬‬
‫من كنوز القرآن الكريم‪ ،‬تفسير آيات من الكتاب‬ ‫‪248‬‬
‫العزيز‬

‫وقد للعن من لعن من بَي إسرائيل على ألسَة أنبيًئهم لتركهم المر‬
‫بًلمعروف والَهي عن المَكر‪ ،‬كمً قًل ‪:‬‬
‫‪‬‬

‫‪‬‬ ‫‪‬‬
‫‪‬‬
‫‪‬‬
‫‪‬‬
‫[المًئدة‪ 78 :‬ـ ‪.]79‬‬ ‫‪‬‬ ‫‪‬‬ ‫‪‬‬

‫ولشيخًَ الشيخ محمد المين الشَقيطي ~ عَد الكلم على آية‬

‫‪‬‬
‫الية‪ ،‬في كتًبه أضواء البيًن تحقيقًت‬ ‫‪‬‬
‫جيدة في مسًئل المر بًلمعروف والَهي عن المَكر‪.‬‬
‫***‬
‫‪‬‬ ‫ـ قوله تعالى‪:‬‬
‫‪‬‬
‫‪‬‬ ‫‪‬‬
‫‪‬‬ ‫‪‬‬
‫‪249‬‬ ‫من كنوز القرآن الكريم‪ ،‬تفسير آيات من الكتاب‬
‫العزيز‬

‫‪‬‬

‫[آل عمران‪.]185 :‬‬


‫في هذه الية إخبًر من ا ‪ ‬بحصول الموت لكل نفس‪ ،‬وأنه بعد‬
‫الموت يجًزى ك صل بمً عمل‪ ،‬إن خيرا ا فخير‪ ،‬وإن شرا ا فشر‪ ،‬والموت هو‬
‫الفًصل بين الدنيً والخرة‪ ،‬وكل من مًت جًءت سًعته وقًمت قيًمته‪،‬‬
‫وانتقل من دار العمل إلى دار الجزاء‪ ،‬ومن كًن موجودا ا في آخر الزمًن‬
‫يموت عَد الَفخ في الصور الَفخة الولى‪ ،‬وبذلك يكون الموت قد‬
‫حصل للولين والخرين‪.‬‬
‫‪‬‬ ‫ومثل هذه الية قول ا ‪:‬‬
‫‪‬‬

‫[العَكبوت‪،]57 :‬‬ ‫‪‬‬

‫‪‬‬ ‫وقوله‪:‬‬
‫‪‬‬ ‫‪‬‬

‫[النبيًء‪ ،]35 :‬وقد أورد البخًري في‬ ‫‪‬‬

‫(باب في المل وطوله) أثراا عن عل ّي >‬


‫ب‬ ‫كتًب الرقًق من صحيحه‬
‫ي بن أبي طًلب‪ :‬ارتحلت الدنيً مدبرة‪ ،‬وارتحلت الخرة‬
‫فقًل‪ (( :‬وقًل عل ّ‬
‫من كنوز القرآن الكريم‪ ،‬تفسير آيات من الكتاب‬ ‫‪250‬‬
‫العزيز‬

‫مقبلة‪ ،‬ولكل واحدة مَهمً بَون‪ ،‬فكونوا من أبًَء الخرة ول تكونوا من‬
‫أبًَء الدنيً‪ ،‬فإن اليوم عمل ول حسًب‪ ،‬وغدا ا حسًب ول عمل ))‪.‬‬
‫قًل ابن كثير في تفسير هذه الية‪ (( :‬يخبر تعًلى إخبًرا ا عًمً ا يعم‬
‫جميع الخليقة بأن كل نفس ذائقة الموت‪ ،‬كقوله تعًلى‪:‬‬

‫‪ ،‬فهو‬
‫تعًلى وحده هو الحي الذي ل يموت‪ ،‬والجن والنس يموتون‪ ،‬وكذلك‬
‫الملئكة وحملة العرش‪ ،‬ويَفرد الواحد الحد القهًر بًلديمومة والبقًء‪،‬‬
‫فيكون آخرا ا كمً كًن ّأولا ))‪.‬‬
‫وفي قول ا ‪:‬‬

‫بيًن أن من‬
‫أحسن عمله في الحيًة الدنيً يفوز بهذا الجزاء العظيم من ا ‪ ،‬وهو‬
‫السلمة من الًَر ودخول الجَّة‪ ،‬ويقًبله من أسًء العمل في الدنيً‪ ،‬فإن‬
‫كًن كًفرا ا خلد في الًَر ول سبيل له إلى دخول الجَّة‪ ،‬ومن كًن مؤمًَ ا‬
‫مقترفً ا شيئً ا من المعًصي‪ ،‬فأمره إلى ا ‪ ،‬إن شًء عفً عَه وأدخله‬
‫الجَّة‪ ،‬وإن شًء عذّبه وأدخله الًَر‪ ،‬لكَه ل يخلد فيهً‪ ،‬بل يخرج مَهً‬
‫ويدخل الجَّة‪ ،‬ومن أسبًب الزحزحة عن الًَر ودخول الجَّة‪ :‬ثبًت‬
‫المسلم على السلم وأن يدوم عليه حتى الممًت‪ ،‬وأن يعًمل الًَس بمثل‬
‫في حديث عبد ا بن عمرو {‪ (( :‬فمن‬ ‫مً يحب أن يعًملوه به‪ ،‬لقوله‬
‫أحب أن يزحزح عن الًَر ويلدخل الجَّة فلتأته مَيته وهو يؤمن بًل‬
‫‪251‬‬ ‫من كنوز القرآن الكريم‪ ،‬تفسير آيات من الكتاب‬
‫العزيز‬

‫رواه مسلم‬ ‫))‬ ‫واليوم الخر‪ ،‬وليأت إلى الًَس الذي يحب أن يؤتى إليه‬
‫(‪.)4776‬‬
‫ولمً بيّن عظم الجزاء في الدار الخرة‪ ،‬وهو الفوز بدخول الجَّة‪،‬‬
‫والسلمة من الًَر‪ ،‬بيّن حقًرة الدنيً وهوانهً‪ ،‬وأنهً ليست بشيء‪ ،‬فقًل‪:‬‬
‫‪‬‬

‫‪ ،‬والغرور بضم الغين وهو مً يحصل به‬


‫الغترار‪ ،‬وأمً الغنرور بفتح الغين كمً في قوله تعًلى‪:‬‬

‫[لقمًن‪ ،]33 :‬فًلمراد به الشيطًن‪.‬‬


‫ونقل القرطبي في تفسيره عن ابن عرفة أنه قًل‪ (( :‬الغلرور مً رأيت‬
‫له ظًهرا ا تحبه‪ ،‬وفيه بًطن مكروه أو مجهول‪ ،‬والشيطًن غنرور لنه‬
‫يحمل على محًب الَفس‪ ،‬ووراء ذلك مً يسوء‪ .‬قًل‪ :‬ومن هذا بيع‬
‫يغر وبًطن مجهول ))‪.‬‬‫الغرر‪ ،‬وهو مً كًن له ظًهر بيع ّ‬
‫وممً يبيّن حقًرة الدنيً وهوانهً عَد ا ‪ ‬قوله ‪ (( :‬غدوة في‬
‫سبيل ا أو روحة خير من الدنيً ومً فيهً‪ ،‬ولقًب قوس أحدكم ـ أو‬
‫موضع قدم ـ من الجَّة خير من الدنيً ومً فيهً‪ ،‬ولو أن امرأة من نسًء‬
‫أهل الجَّة اطلعت إلى الرض لضًءت مً بيَهمً‪ ،‬ولملت مً بيَهمً‬
‫ريحًا‪ ،‬ولَصيفهً ـ يعَي الخمًر ـ خير من الدنيً ومً فيهً )) رواه البخًري‬
‫(‪ ،)6568‬وقوله ‪ (( :‬وا مً الدنيً في الخرة إلّ مثل مً يجعل أحدكم‬
‫أصبعه في اليم‪ ،‬فليَظر أحدكم بم ترجع )) رواه مسلم (‪.)2858‬‬
‫من كنوز القرآن الكريم‪ ،‬تفسير آيات من الكتاب‬ ‫‪252‬‬
‫العزيز‬

‫***‬
‫ـ قوله‪:‬‬
‫‪‬‬

‫‪‬‬

‫‪‬‬
‫‪‬‬
‫[آل عمران‪:‬‬
‫‪.]187‬‬
‫هذه الية فيهً توبيخ لهل الكتًب الذين أخذ عليهم الميثًق ببيًن مً‬
‫جًءتهم به رسلهم من البيًَت والهدى‪ ،‬فخًلفوا وكتموا‪ ،‬واشتروا بذلك‬
‫ثمًَ ا قليلا‪ ،‬وفيهً تحذير لعلمًء هذه المة من أن يقعوا فيمً وقع فيه أهل‬
‫الكتًب من الكتمًن‪.‬‬
‫‪ (( :‬من سئل عن علم‬ ‫وعن أبي هريرة > قًل‪ :‬قًل رسول ا‬
‫رواه الترمذي (‪)249‬‬ ‫))‬ ‫علمه ثم كتمه ألجم يوم القيًمة بلجًم من نًر‬
‫بإسًَد حسن‪.‬‬
‫قًل ابن كثير في تفسير هذه الية‪ (( :‬هذا توبيخ من ا وتهديد لهل‬
‫الكتًب الذين أخذ ا عليهم العهد على ألسَة النبيًء أن يؤمَوا بمحمد‬
‫‪ ،‬وأن يَوهوا بذكره في الًَس‪ ،‬فيكونوا على أهبة من أمره‪ ،‬فإذا‬
‫أرسله ا تًبعوه‪ ،‬فكتموا ذلك وتعوضوا عمً لوعدوا عليه من الخير في‬
‫‪253‬‬ ‫من كنوز القرآن الكريم‪ ،‬تفسير آيات من الكتاب‬
‫العزيز‬

‫الدنيً والخرة بًلدون الطفيف‪ ،‬والحظ الدنيوي السخيف‪ ،‬فبئس الصفقة‬


‫صفقتهم‪ ،‬وبئست البيعة بيعتهم‪ ،‬وفي هذا تحذير للعلمًء أن يسلكوا‬
‫مسلكهم‪ ،‬فيصيبهم مً أصًبهم‪ ،‬ويسلك بهم مسل لكهم‪ ،‬فعلى العلمًء أن‬
‫يبذلوا مً بأيديهم من العلم الًَفع الدال على العمل الصًلح‪ ،‬ول يكتموا مَه‬
‫أنه‬ ‫شيئًا‪ ،‬فقد ورد في الحديث المروي من طرق متعددة عن الَبي‬
‫قًل‪ (( :‬من سئل عن علم فكتمه ألجم يوم القيًمة بلجًم من نًر ))‪.‬‬
‫وقد ذم ا الذين يكتمون الحق ويشترون به ثمًَ ا قليلا في آيًت‬
‫أخرى‪ ،‬مَهً قوله تعًلى‪:‬‬
‫‪‬‬

‫‪‬‬

‫‪‬‬ ‫‪‬‬

‫‪‬‬
‫من كنوز القرآن الكريم‪ ،‬تفسير آيات من الكتاب‬ ‫‪254‬‬
‫العزيز‬

‫‪‬‬

‫[البقرة‪ 174 :‬ـ ‪ ،]175‬وقوله‪:‬‬


‫‪‬‬

‫‪‬‬

‫[البقرة‪ ،]159 :‬وقوله‪:‬‬

‫‪‬‬
‫‪255‬‬ ‫من كنوز القرآن الكريم‪ ،‬تفسير آيات من الكتاب‬
‫العزيز‬

‫[آل عمران‪.]77 :‬‬


‫وأثَى ا على بعض أهل الكتًب الذين آمَوا بمً أنزل إليهم وأنزل‬
‫ولم يشتروا بآيًت ا ثمًَ ا قليلا فقًل‪:‬‬ ‫على محمد‬

‫[آل عمران‪.]199 :‬‬


‫سورة النساء‬
‫‪‬‬ ‫ـ قوله تعالى‪:‬‬

‫‪‬‬
‫من كنوز القرآن الكريم‪ ،‬تفسير آيات من الكتاب‬ ‫‪256‬‬
‫العزيز‬

‫‪‬‬
‫‪‬‬
‫[الَسًء‪ 123 :‬ـ ‪.]124‬‬
‫بيّن ا تعًلى في هذه الية أن العمل الذي يَفع صًحبه عَد ا هو‬
‫الذي يكون خًلصً ا لوجهه ومطًبقً ا لسَّة نبيه محمد ‪ ،‬وهذان شرطًن‬
‫‪‬‬ ‫لبد مَهمً في قبول العمل‪ ،‬فإن قوله تعًلى‪:‬‬
‫يدل على الخلص‪ ،‬وقوله‪:‬‬

‫يدل على المتًبعة‪.‬‬


‫وهذا نظير قول ا ‪:‬‬
‫‪‬‬

‫[الكهف‪.]110 :‬‬ ‫‪‬‬

‫وإذا فقد من العبًدة أحد الشرطين فإنهً مردودة‪ ،‬أمً الرد لفقد‬
‫الخلص‪ ،‬فيدل عليه قوله تعًلى‪:‬‬
‫‪‬‬

‫[الفرقًن‪ ،]23 :‬وأمً الرد لفقد المتًبعة‪ ،‬فيدل‬ ‫‪‬‬

‫رواه‬ ‫))‬ ‫من أحدث في أمرنً مً ليس مَه فهو ردّ‬ ‫((‬ ‫‪:‬‬ ‫عليه قوله‬
‫من‬ ‫((‬ ‫البخًري (‪ )6297‬ومسلم (‪ ،)4492‬وفي لفظ لمسلم (‪:)4493‬‬
‫‪257‬‬ ‫من كنوز القرآن الكريم‪ ،‬تفسير آيات من الكتاب‬
‫العزيز‬

‫عمل عملا ليس عليه أمرنً فهو ردّ ))‪.‬‬


‫وكل عًمل يجًزى على عمله كمً قًل ا ‪:‬‬

‫[الزلزلة‪ 7 :‬ـ ‪ ،]8‬وقوله‪:‬‬

‫‪‬‬
‫[الَسًء‪:‬‬
‫‪ ،]40‬وقوله‪:‬‬
‫‪‬‬

‫[طه‪ ،]112 :‬وقوله‪:‬‬

‫‪‬‬
‫‪‬‬

‫‪‬‬
‫[الَحل‪ ،]97 :‬وقوله عن مؤمن آل‬ ‫‪‬‬
‫فرعون‪:‬‬
‫من كنوز القرآن الكريم‪ ،‬تفسير آيات من الكتاب‬ ‫‪258‬‬
‫العزيز‬

‫‪‬‬

‫‪‬‬
‫‪‬‬
‫[غًفر‪.]40 :‬‬
‫‪‬‬ ‫وقوله في هذه الية‪:‬‬
‫أي‪ :‬ل يَقص من حسًَتهم‪ ،‬ول يزاد في‬
‫سيئًتهم ولو كًن شيئً ا يسيراا‪ ،‬والَقير هو الَقرة التي تكون في ظهر نواة‬
‫التمر‪.‬‬
‫‪‬‬ ‫ونظير هذا قوله تعًلى‪:‬‬
‫‪ ،‬والفتيل‪ :‬هو الخيط الذي في شق الَواة‪ .‬وأمً‬
‫القطمير في قوله‪:‬‬
‫‪‬‬

‫[فًطر‪:‬‬ ‫‪‬‬

‫‪ ،]13‬فهو اللفًفة الخفيفة التي تكون على ظهر نواة التمر‪ .‬ذكر تفسير هذه‬
‫الكلمًت بهذا ابن كثير في تفسيره‪ ،‬وجًء بيًنهً بذلك في كتًب (القًموس‬
‫المحيط) للفيروز أبًدي‪.‬‬
‫***‬
‫ـ قوله تعالى‪:‬‬
‫‪259‬‬ ‫من كنوز القرآن الكريم‪ ،‬تفسير آيات من الكتاب‬
‫العزيز‬

‫‪‬‬ ‫‪‬‬ ‫‪‬‬


‫‪‬‬
‫‪‬‬
‫‪‬‬
‫‪‬‬

‫‪‬‬ ‫‪‬‬
‫‪‬‬ ‫‪‬‬ ‫‪‬‬
‫‪‬‬
‫‪‬‬
‫[الَسًء‪.]135 :‬‬
‫اشتملت هذه الية على بيًن كمًل عدل شريعة السلم‪ ،‬وأن المسلم‬
‫عليه أن يقول الحق ولو على نفسه‪ ،‬ول يحمله محبة الخير لَفسه ووالديه‬
‫وأقًربه على أن يقول قولا أو يشهد شهًدة هو مبطل فيهمً‪ ،‬لجلب‬
‫مضرة‪ ،‬وكذلك ل يحمله مً يكون في قلبه من عداوة‬ ‫ّ‬ ‫مصلحة أو دفع‬
‫وشحًَء لغيره ولو كًن كًفرا ا على أن يترك العدل ويصير إلى خلفه‪،‬‬
‫كمً قًل ا ‪:‬‬
‫‪‬‬

‫[المًئدة‪ ،]2 :‬وقوله‪:‬‬


‫من كنوز القرآن الكريم‪ ،‬تفسير آيات من الكتاب‬ ‫‪260‬‬
‫العزيز‬

‫‪‬‬ ‫‪‬‬ ‫‪‬‬


‫‪‬‬

‫‪‬‬ ‫‪‬‬
‫‪‬‬ ‫‪‬‬
‫‪‬‬ ‫‪‬‬

‫[المًئدة‪ ،]8 :‬وقوله‪:‬‬ ‫‪‬‬

‫‪‬‬ ‫‪‬‬
‫[النعًم‪.]152 :‬‬
‫‪‬‬ ‫((‬ ‫قًل ابن كثير في تفسير هذه الية‪:‬‬
‫أي‪ :‬اشهد بًلحق ولو‬ ‫‪‬‬
‫عًد ضررهً عليك‪ ،‬وإذا سئلت عن المر فقل الحق فيه وإن كًن مضرة‬
‫عليك‪ ،‬فإن ا سيجعل لمن أطًعه فرجً ا ومخرجً ا من كل أمر يضيق‬
‫‪‬‬ ‫عليه‪ .‬وقوله‪:‬‬
‫‪ ،‬أي‪ :‬وإن كًنت الشهًدة على‬
‫والديك وقرابتك‪ ،‬فل تراعهم فيهً‪ ،‬بل اشهد بًلحق وإن عًد ضررهً‬
‫عليهم؛ فإن الحق حًكم على كل أحد وهو مقدم على كل أحد‪ .‬وقوله‪:‬‬
‫‪261‬‬ ‫من كنوز القرآن الكريم‪ ،‬تفسير آيات من الكتاب‬
‫العزيز‬

‫أي‪ :‬ل ترعًه لغًَه‪ ،‬ول تشفق عليه لفقره‪ ،‬ا‬


‫يتولهمً‪ ،‬بل هو أولى بهمً مَك‪ ،‬وأعلم بمً فيه صلحهمً‪ .‬وقوله‪:‬‬
‫‪‬‬ ‫‪‬‬
‫أي‪ :‬فل يحملَكم الهوى‬ ‫‪‬‬
‫والعصبية وبغضة الًَس إليكم على ترك العدل في أموركم وشؤونكم‪،‬‬
‫بل الزموا العدل على أي حًل كمً قًل تعًلى‪:‬‬

‫‪‬‬ ‫‪‬‬
‫‪‬‬ ‫‪‬‬
‫))‪.‬‬ ‫‪‬‬

‫‪‬‬ ‫‪‬‬ ‫((‬ ‫وقًل‪:‬‬


‫‪ :‬قًل مجًهد وغير واحد من السلف‪:‬‬ ‫‪‬‬

‫أي‪ :‬تحرفوا الشهًدة وتغيّروهً‪ ،‬واللّي‪ :‬هو‬ ‫‪‬‬ ‫‪‬‬

‫التحريف وتعمد الكذب‪ ،‬قًل ا تعًلى‪:‬‬


‫‪‬‬ ‫‪‬‬

‫الية‪ ،‬والعراض هو‪ :‬كتمًن الشهًدة وتركهً‪ ،‬قًل تعًلى‪:‬‬


‫‪‬‬

‫))‪.‬‬
‫وقد ختم ا آيتي الَسًء والمًئدة بًلمر بًلعدل ببيًن كون ا خبيرا ا‬
‫بأعمًل العبًد‪ ،‬والمعَى‪ :‬أن مً يحصل مَهم من عدل أو جور‪ ،‬فإن ا‬
‫من كنوز القرآن الكريم‪ ،‬تفسير آيات من الكتاب‬ ‫‪262‬‬
‫العزيز‬

‫يعلمه‪ ،‬ول يخفى عليه مَه شيء‪ ،‬وسيجًزي كلل بمً عمل‪ ،‬إن خيرا ا‬
‫شرا ا فشر‪.‬‬
‫فخير‪ ،‬وإن ّ‬
‫وقًل ابن كثير في قوله تعًلى في آية المًئدة‪:‬‬
‫‪‬‬ ‫‪‬‬
‫‪ ،‬قًل‪ (( :‬من بًب استعمًل أفعل‬ ‫‪‬‬
‫التفضيل في المحل الذي ليس في الجًنب الخر مَه شيء‪ ،‬كمً في‬
‫قوله تعًلى‪:‬‬
‫‪‬‬
‫[الفرقًن‪ ،]24 :‬وكقول‬
‫))‪.‬‬ ‫بعض الصحًبيًت لعمر‪ :‬أنت أفظ وأغلظ من رسول ا‬
‫***‬
‫ـ قوله تعالى‪:‬‬

‫‪‬‬
‫[الَسًء‪.]174 :‬‬
‫في هذه الية الكريمة إخبًر من ا تعًلى للعبًد بأنه جًءهم مَه الدلة‬
‫القًطعة الدالة على ربوبيته وألوهيته‪ ،‬وأنه الله الحق الذي ل تكون‬
‫العبًدة إلّ له‪ ،‬وإخبًر بأنه أنزل إليهم نورا ا مبيًَ ا وهو القرآن الذي أنزله‬
‫المشتمل على هدايتهم إلى الصراط المستقيم‪،‬‬ ‫ا على رسوله‬
‫وإخراجهم من الظلمًت إلى الَور‪ ،‬ففي الخذ بًلكتًب والسَة هدايتهم‬
‫‪263‬‬ ‫من كنوز القرآن الكريم‪ ،‬تفسير آيات من الكتاب‬
‫العزيز‬

‫وسعًدتهم في الدنيً والخرة‪ .‬وقد سمى ا مً أنزله على رسوله‬


‫نورا ا لنه يضيء لهم الطريق الموصل إلى مً فيه صلحهم وفلحهم‪.‬‬
‫ومن اليًت التي وصف ا فيهً القرآن بأنه نور‪ ،‬قوله تعًلى‪:‬‬
‫‪‬‬

‫‪‬‬ ‫‪‬‬

‫[التغًبن‪ ،]8 :‬وقوله‪:‬‬

‫‪‬‬

‫[الشورى‪ ،]52 :‬وقوله‪:‬‬


‫‪‬‬

‫‪‬‬ ‫‪‬‬

‫‪‬‬

‫[العراف‪ ،]157 :‬وقوله‪:‬‬ ‫‪‬‬ ‫‪‬‬


‫من كنوز القرآن الكريم‪ ،‬تفسير آيات من الكتاب‬ ‫‪264‬‬
‫العزيز‬

‫‪‬‬

‫‪‬‬

‫‪‬‬

‫[المًئدة‪ 15 :‬ـ ‪.]16‬‬


‫وهذا الَور المعَوي يزيل ظلمًت الكفر والضلل والجهل‪ ،‬كمً يزيل‬
‫ي ظلمة الليل‪.‬‬
‫الَور الحس ر‬
‫سورة المائدة‬
‫ـ قوله‪:‬‬
‫‪‬‬ ‫‪‬‬
‫‪‬‬
‫‪‬‬

‫[المًئدة‪.]35 :‬‬ ‫‪‬‬ ‫‪‬‬

‫أمر ا في هذه الية عبًده المؤمَين بتقواه والتقرب إليه بطًعته‪،‬‬


‫والتقوى إذا أفردت تشمل فعل الطًعًت وترك المعًصي‪ ،‬وإذا قرنت‬
‫بًلمر بًلطًعة تحمل على ترك المعًصي‪ ،‬وقد جمع ا في هذه الية‬
‫بين المر بتقواه وابتغًء الوسيلة إليه الذي هو التقرب إلى ا بطًعته‪،‬‬
‫‪265‬‬ ‫من كنوز القرآن الكريم‪ ،‬تفسير آيات من الكتاب‬
‫العزيز‬

‫فيكون المراد بًلتقوى هًَ‪ :‬ترك المعًصي‪ ،‬ومثل ذلك الجمع بين البر‬
‫‪‬‬ ‫والتقوى في قوله تعًلى‪:‬‬
‫‪‬‬
‫يحمل البر على فعل الطًعًت‪ ،‬والتقوى على ترك المعًصي‪ ،‬وتفسير‬
‫الوسيلة بًلقربة وهي التقرب إلى ا بطًعته‪ ،‬ل خلف فيه بين‬
‫المفسرين كمً ذكره ابن كثير في تفسيره‪.‬‬
‫قًل شيخًَ الشيخ محمد المين الشَقيطي في كتًبه أضواء البيًن عَد‬
‫تفسير هذه الية‪ (( :‬اعلم أن جمهور العلمًء على أن المراد بًلوسيلة هًَ‬
‫هو القربة إلى ا تعًلى بًمتثًل أوامره واجتًَب نواهيه على وفق مً‬
‫بإخلص في ذلك ل تعًلى؛ لن هذا وحده هو الطريق‬ ‫جًء به محمد‬
‫الموصلة إلى رضً ا تعًلى‪ ،‬ونيل مً عَده من خير الدنيً والخرة‪،‬‬
‫وأصل الوسيلة الطريق التي تقرب إلى الشيء‪ ،‬وتوصل إليه‪ ،‬وهي‬
‫العمل الصًلح بإجمًع العلمًء؛ لنه ل وسيلة إلى ا تعًلى إلّ بًتبًع‬
‫رسوله ‪ ،‬وعلى هذا فًليًت المبيَة للمراد من الوسيلة كثيرة جداا‪،‬‬
‫كقوله تعًلى‪:‬‬
‫‪‬‬
‫‪‬‬
‫‪‬‬ ‫[الحشر‪ ،]7 :‬وقوله‪:‬‬
‫‪‬‬ ‫‪‬‬
‫[الَور‪ ،]54 :‬إلى غير ذلك من اليًت‪ ،‬وروي عن ابن عبًس { أن‬
‫المراد بًلوسيلة‪ :‬الحًجة‪ .‬وقًل‪ (( :‬وعلى هذا القول الذي روي عن ابن‬
‫‪‬‬ ‫عبًس فًلمعَى‪:‬‬
‫من كنوز القرآن الكريم‪ ،‬تفسير آيات من الكتاب‬ ‫‪266‬‬
‫العزيز‬

‫واطلبوا‬ ‫‪‬‬
‫حًجتكم من ا؛ لنه وحده هو الذي يقدر على إعطًئهً‪ .‬وممً يبيّن معَى‬
‫هذا الوجه قوله تعًلى‪:‬‬

‫‪‬‬
‫‪‬‬
‫الية‪،‬‬
‫‪‬‬ ‫وقوله‪:‬‬
‫الية‪ ،‬وفي الحديث‪ (( :‬وإذا سألت فًسأل‬ ‫‪‬‬
‫ا ))‪.‬‬
‫ثم قًل ~‪ (( :‬التحقيق في معَى الوسيلة هو مً ذهب إليه عًمة العلمًء‬
‫من أنهً التقرب إلى ا تعًلى بًلخلص له في العبًدة‪ ،‬على وفق مً‬
‫جًء به الرسول ‪ ،‬وتفسير ابن عبًس داخل في هذا؛ لن دعًء ا‬
‫والبتهًل إليه في طلب الحوائج من أعظم أنواع عبًدته التي هي الوسيلة‬
‫إلى نيل رضًه ورحمته‪ ،‬وبهذا التحقيق تعلم أن مً يزعمه كثير من‬
‫ملحدة أتبًع الجهًل المدعين للتصوف‪ ،‬من أن المراد بًلوسيلة في الية‬
‫الشيخ الذي يكون له واسطة بيَه وبين ربه‪ ،‬أنه تخبط في الجهل والعمى‬
‫وضلل مبين‪ ،‬وتلعب بكتًب ا تعًلى‪ .‬واتخًذ الوسًئط من دون ا‬
‫صرح به تعًلى في قوله عَهم‪:‬‬
‫من أصول كفر الكفًر‪ ،‬كمً ّ‬

‫‪‬‬
‫‪‬‬ ‫‪‬‬ ‫‪ ،‬وقوله‪:‬‬
‫‪267‬‬ ‫من كنوز القرآن الكريم‪ ،‬تفسير آيات من الكتاب‬
‫العزيز‬

‫‪‬‬

‫‪‬‬
‫‪‬‬

‫‪ ،‬فيجب على كل مكلف أن‬ ‫‪‬‬


‫يعلم أن الطريق الموصلة إلى رضً ا وجَّته ورحمته هي اتبًع رسوله‬
‫‪ ،‬ومن حًد عن ذلك فقد ض ّل سواء السبيل‬

‫‪‬‬
‫))‪.‬‬
‫ومعَى الوسيلة في هذه الية‪ ،‬هو معَى الوسيلة في قوله تعًلى‪:‬‬

‫‪‬‬ ‫‪‬‬
‫‪‬‬
‫[السراء‪ ،]57 :‬والمعَى‪ :‬أن‬
‫المدعوين من عبًد ا الصًلحين هم أنفسهم يبتغون إلى ربهم الوسيلة‪،‬‬
‫أي‪ :‬يتقربون إلى ا بطًعته‪ ،‬فعلى من دعًهم أن يكف عن ذلك ويدعو‬
‫ا وحده كمً كًن المدعوون يدعون ا وحده‪.‬‬
‫ومثل ذلك مً ذكره ابن كثير في تفسير قوله تعًلى‪:‬‬
‫من كنوز القرآن الكريم‪ ،‬تفسير آيات من الكتاب‬ ‫‪268‬‬
‫العزيز‬

‫‪‬‬ ‫‪‬‬

‫‪‬‬ ‫‪‬‬

‫‪‬‬

‫[السراء‪ ،]42 :‬قًل‪ (( :‬قل‬


‫يً محمد لهؤلء المشركين الزاعمين أن ل شريكً ا من خلقه‪ ،‬العًبدين معه‬
‫غيره ليقربهم إليه زلفى‪ :‬لو كًن المر كمً تقولون وأن معه آلهة تعبد‬
‫لتقرب إليه وتشفع لديه لكًن أولئك المعبودون يعبدونه ويتقربون إليه‬
‫ويبتغون إليه الوسيلة والقربة‪ ،‬فًعبدوه أنتم وحده كمً يعبده من تدعونه‬
‫من دونه‪ ،‬ول حًجة لكم إلى معبود يكون واسطة بيَكم وبيَه‪ ،‬فإنه ل‬
‫يحب ذلك ول يرضًه‪ ،‬بل يكرهه ويأبًه‪ ،‬وقد نهى عن ذلك على ألسَة‬
‫جميع رسله وأنبيًئه ))‪.‬‬
‫وقد روى البخًري في صحيحه (‪ )4714‬عن عبد ا بن مسعود >‬
‫‪‬‬ ‫في قوله تعًلى‪:‬‬
‫‪ ،‬قًل‪ :‬كًن‬ ‫‪‬‬
‫نًس من النس يعبدون نًسً ا من الجن‪ ،‬فأسلم الجن وتمسك هؤلء‬
‫بديَهم ))‪.‬‬
‫***‬
‫ـ قوله تعالى‪:‬‬
‫‪‬‬

‫[المًئدة‪:‬‬
‫‪269‬‬ ‫من كنوز القرآن الكريم‪ ،‬تفسير آيات من الكتاب‬
‫العزيز‬

‫‪.]37‬‬
‫دلت هذه الية على أن الكفًر مخلدون في نًر جهَم إلى غير نهًية‪،‬‬
‫وأنهم يريدون الخروج مَهً ول يحصل لهم ذلك‪ ،‬بل هم بًقون في‬
‫العذاب الدائم الذي ل انقضًء له ول نهًية‪ .‬وقد جًء في هذه الية الكريمة‬
‫قوله‪:‬‬
‫‪ ،‬وجًء في سورة الحجر قوله عن أهل الجَّة‪:‬‬

‫[الحجر‪ ،]48 :‬لن الكفًر يريدون‬


‫الخروج ول يحصل لهم مً أرادوا‪ ،‬وأمً أهل الجَّة فهم ل يريدون‬
‫الخروج‪ ،‬ويخشون من الخراج‪ ،‬فلهذا قًل‪:‬‬
‫‪ ،‬روى‬
‫الترمذي في جًمعه (‪ )2557‬بإسًَد حسن من حديث أبي هريرة >وفيه‪:‬‬
‫(( فإذا أدخل ا أهل الجَّة الجَّة وأهل الًَر الًَر‪ ،‬قًل‪ :‬أتي بًلموت ملببًا‪،‬‬
‫فيوقف على السور الذي بين أهل الجَّة وأهل الًَر‪ ،‬ثم يقًل‪ :‬يً أهل‬
‫فيطلعون مستبشرين‬ ‫فيطلعون خًئفين‪ ،‬ثم يقًل‪ :‬يً أهل الًَر‪ّ ،‬‬ ‫الجَّة‪ّ ،‬‬
‫يرجون الشفًعة‪ ،‬فيقًل لهل الجَّة وأهل الًَر‪ :‬هل تعرفون هذا؟‬
‫فيقولون هؤلء وهؤلء‪ :‬قد عرفًَه‪ ،‬هو الموت الذي و ّكل بًَ‪ ،‬فيضجع‬
‫فيذبح على السور الذي بين الجَّة والًَر‪ ،‬ثم يقًل‪ :‬يً أهل الجَّة خلود ل‬
‫موت‪ ،‬ويً أهل الًَر خلود ل موت ))‪.‬‬
‫ففيه خوف أهل الجَّة واستبشًر أهل الًَر حين يًَدنون‪.‬‬
‫ومن اليًت الدالة على خلود أهل الًَر فيهً خلودا ا مؤبدا ا إخبًره تعًلى‬
‫من كنوز القرآن الكريم‪ ،‬تفسير آيات من الكتاب‬ ‫‪270‬‬
‫العزيز‬

‫بكون أهل الًَر خًلدين فيهً أبدا ا في سورة الَسًء والحزاب والجن‪ ،‬وقوله‬
‫تعًلى‪:‬‬
‫‪‬‬

‫‪‬‬ ‫‪‬‬

‫‪‬‬

‫[فًطر‪ ،]36 :‬وقوله‪:‬‬ ‫‪‬‬ ‫‪‬‬

‫‪‬‬

‫‪‬‬

‫‪‬‬

‫‪‬‬

‫‪‬‬

‫[الَسًء‪.]56 :‬‬
‫ويجمع بين هذه اليًت الدالة على خلودهم في الًَر إلى غير نهًية‪،‬‬
‫وقوله في سورة النعًم‪:‬‬
‫‪‬‬

‫[النعًم‪ ،]128 :‬وقوله في سورة هود‪:‬‬


‫‪‬‬
‫‪271‬‬ ‫من كنوز القرآن الكريم‪ ،‬تفسير آيات من الكتاب‬
‫العزيز‬

‫‪‬‬
‫[هود‪ 106 :‬ـ ‪ ،]107‬بحمل‬
‫الستثًَء على طبقة الًَر التي فيهً عصًة الموحدين‪ .‬وانظر توضيح‬
‫ذلك في كلم شيخًَ الشيخ محمد المين الشَقيطي ~ في كتًبه (دفع‬
‫إيهًم الضطراب عن آيًت الكتًب) في الكلم على آية سورة النعًم‪.‬‬
‫وقًل ابن القيم في كتًبه الوابل الصيب (ص‪ (( :)49 :‬ولمً كًن الًَس‬
‫على ثلث طبقًت‪ :‬ط ييّب ل يشيَه خبث‪ ،‬وخبيث ل طيب فيه‪ ،‬وآخرون‬
‫فيهم خبث وطيب‪ ،‬كًنت دورهم ثلثة‪ :‬دار الطييّب المحض‪ ،‬ودار‬
‫الخبيث المحض‪ ،‬وهًتًن الداران ل تفَيًن‪ ،‬ودار لمن معه خبث وطيب‪،‬‬
‫وهي الدار التي تفَى‪ ،‬وهي دار العصًة‪ ،‬فإنه ل يبقى في جهَم من‬
‫عصًة الموحدين أحد‪ ،‬فإنهم إذا عذّبوا بقدر جزائهم‪ ،‬أخرجوا من الًَر‪،‬‬
‫فأدخلوا الجَّة‪ ،‬ول يبقى إلّ دار الطيّب المحض‪ ،‬ودار الخبيث‬
‫المحض ))‪.‬‬
‫وقًل الشوكًني في تفسير آية هود مفَّدا ا كلمً ا للزمخشري المعتزلي‬
‫اعترض فيه على أهل السَّة في قولهم بإخراج أهل الكبًئر من الًَر‪،‬‬
‫فقًل‪ (( :‬ولقد تكلم صًحب الكشًف في هذا الموضع بمً كًن له في تركه‬
‫المجبرة‪ :‬أن‬
‫ز‬ ‫سعة‪ ،‬وفي السكوت عَه غَى‪ ،‬فقًل‪ :‬ول يخدعَك قول‬
‫ن‬
‫المراد بًلستثًَء خروج أهل الكبًئر من الًَر‪ ،‬فإن الستثًَء الثًني‬
‫يًَدي على تكذيبهم ويسجل بًفترائهم‪ ،‬ومً ظَك بقوم نبذوا كتًب ا لمً‬
‫من كنوز القرآن الكريم‪ ،‬تفسير آيات من الكتاب‬ ‫‪272‬‬
‫العزيز‬

‫صفلق‬
‫روى لهم بعض الَوابت عن ابن عمرو‪ (( :‬ليأتين على جهَم يوم ت ن ز‬
‫فيه أبوابهً ليس فيهً أحد ))‪ ،‬ثم قًل‪ :‬وأقول‪ :‬ومً كًن لبن عمرو في‬
‫ي بن أبي طًلب > مً يشغله عن تسيير هذا‬
‫سيفيه ومقًتلته بهمً عل ّ‬
‫الحديث )) انتهى‪.‬‬
‫وأقول‪ :‬أمً الطعن على من قًل بخروج أهل الكبًئر من الًَر فًلقًئل‬
‫كمً ص ّح عَه في دواوين السلم التي‬ ‫بذلك يً مسكين رسول ا‬
‫هي دفًتر السَّة المطهرة‪ ،‬وكمً ص ّح عَه في غيرهً من طريق جمًعة‬
‫من الصحًبة يبلغون عدد التواتر‪ ،‬فمً لك والطعن على قوم عرفوا مً‬
‫جهلته وعملوا بمً أنت عَه في مسًفة بعيدة‪ ،‬وأي مًنع من حمل‬
‫الستثًَء على هذا الذي جًءت به الدلة الصحيحة الكثيرة كمً ذهب إلى‬
‫ذلك وقًل به جمهور العلمًء من السلف والخلف‪ ،‬وأمً مً ظََته من أن‬
‫الستثًَء الثًني يًَدي على تكذيبهم ويسجل بًفترائهم‪ ،‬فل مًَداة ول‬
‫مخًلفة‪ ،‬وأي مًنع من حمل الستثًَء في الموضعين على العصًة من‬
‫هذه المة‪ ،‬فًلستثًَء الول يحمل على معَى إلّ مً شًء ربك من خروج‬
‫العصًة من هذه المة من الًَر‪ ،‬والستثًَء الثًني يحمل على معَى إلّ مً‬
‫شًء ربك من عدم خلودهم في الجَّة كمً يخلد غيرهم‪ ،‬وذلك لتأخر‬
‫دخولهم إليهً مقدار المدة التي لبثوا فيهً في الًَر‪ ،‬وقد قًل بهذا من أهل‬
‫العلم من قدّمًَ ذكره‪ ،‬وبه قًل ابن عبًس حبر المة‪ ،‬وأمً الطعن على‬
‫وحًفظ سَّته وعًبد الصحًبة عبد ا بن‬ ‫صًحب رسول ا‬
‫عمرو > فإلى أين يً محمود‪ ،‬أتدري مً صَعت؟ وفي أي واد وقعت‪،‬‬
‫وعلى أي جَب سقطت؟ ومن أنت حتى تصعد إلى هذا المكًن وتتًَول‬
‫نجوم السمًء بيدك القصيرة ورجلك العرجًء‪ ،‬أمً كًن لك في مكسري‬
‫طلبتك من أهل الَحو واللغة مً يردك عن الدخول فيمً ل تعرف والتكلم‬
‫‪273‬‬ ‫من كنوز القرآن الكريم‪ ،‬تفسير آيات من الكتاب‬
‫العزيز‬

‫بمً ل تدري‪ ،‬فيً ل العجب مً يفعل القصور في علم الرواية والبعد عن‬
‫معرفتهً إلى أبعد مكًن من الفضيحة لمن لم يعرف قدر نفسه ول أوقفهً‬
‫حيث أوقفهً ا سبحًنه ))‪.‬‬
‫***‬
‫‪‬‬ ‫ـ قوله‪:‬‬
‫‪‬‬
‫‪‬‬ ‫‪‬‬

‫‪‬‬
‫‪‬‬
‫‪‬‬

‫‪‬‬
‫‪‬‬

‫[المًئدة‪ 65 :‬ـ ‪.]66‬‬ ‫‪‬‬

‫بيّن ا في هًتين اليتين أن أهل الكتًب لو حصل مَهم اليمًن بًل‪،‬‬


‫واللتزام بمً أنزله ا على رسلهم من الحق والهدى‪ ،‬وتركوا التحريف‬
‫شرت به كتبهم‪ ،‬لظفروا بمغفرة‬‫الذي ب ّ‬ ‫والتبديل‪ ،‬وآمَوا بمحمد‬
‫من كنوز القرآن الكريم‪ ،‬تفسير آيات من الكتاب‬ ‫‪274‬‬
‫العزيز‬

‫الذنوب‪ ،‬وتكفير السيئًت‪ ،‬ودخول الجًَّت‪.‬‬


‫وفي ذلك الجمع لهم بين التخلية وهي تكفير السيئًت‪ ،‬والتحلية وهي‬
‫التمتع بَعيم الجَّة‪ ،‬وقد قًل ابن كثير ~ في هذا المعَى‪ (( :‬لزلًَ عَهم‬
‫المحذور‪ ،‬وأنلًَهم المقصود ))‪ ،‬وهذا جزاؤهم في الخرة‪ ،‬وأمً جزاؤهم‬
‫‪‬‬ ‫في الدنيً‪ ،‬فبيَّه ا في قوله‪:‬‬
‫‪‬‬ ‫‪‬‬

‫‪‬‬ ‫‪‬‬
‫‪ ،‬أي‪ :‬بمً يَزله لهم من‬
‫بركًت السمًء من المطًر‪ ،‬وبمً يخرجه لهم من بركًت الرض من‬
‫الكَوز والثمًر‪.‬‬
‫وهذا الجزاء الدنيوي والخروي ممً اشتمل عليه الدعًء الجًمع الذي‬
‫كمً في صحيح مسلم (‪ (( :)6840‬عن عبد‬ ‫كًن يكثر مَه الرسول‬
‫العزيز بن صهيب قًل‪ :‬سأل قتًدة أنسًا‪ :‬أي دعوة كًن يدعو بهً الَبي‬
‫أكثر؟ قًل‪ :‬كًن أكثر دعوة يدعو بهً يقول‪ (( :‬اللهم آتًَ في الدنيً‬
‫حسَة وفي الخرة حسَة وقًَ عذاب الًَر ))‪ ،‬قًل‪ :‬وكًن أنس إذا أراد أن‬
‫يدعو بدعوة دعً بهً‪ ،‬فإذا أراد أن يدعو بدعًء دعً بهً فيه ))‪.‬‬
‫‪‬‬ ‫((‬ ‫قًل ابن كثير ~‪:‬‬
‫‪‬‬
‫أي‪ :‬لو أنهم عملوا بمً في الكتب التي‬
‫بأيديهم عن النبيًء‪ ،‬على مً هي عليه من غير تحريف ول تبديل ول‬
‫‪275‬‬ ‫من كنوز القرآن الكريم‪ ،‬تفسير آيات من الكتاب‬
‫العزيز‬

‫تغيير‪ ،‬لقًدهم ذلك إلى اتبًع الحق‪ ،‬والعمل بمقتضى مً بعث ا به‬
‫محمدا ا ‪ ،‬فإن كتبهم نًطقة بتصديقه‪ ،‬والمر بًتبًعه حتمً ا ل محًلة ))‪.‬‬
‫قًل شيخًَ الشيخ محمد المين الشَقيطي ~ في أضواء البيًن‪ (( :‬ذكر‬
‫تعًلى في هذه الية الكريمة أن أهل الكتًب لو أطًعوا ا‪ ،‬وأقًموا كتًبهم‬
‫بًتبًعه والعمل بمً فيه‪ ،‬ليسر ا لهم الرزاق‪ ،‬وأرسل عليهم المطر‪،‬‬
‫وأخرج لهم ثمرات الرض‪ ،‬وبين في مواضع أخر أن ذلك ليس خًصً ا‬
‫بهم‪ ،‬كقوله عن نوح وقومه‪:‬‬
‫‪‬‬
‫‪‬‬

‫‪‬‬

‫‪ ،‬وقوله عن هود وقومه‪:‬‬


‫‪‬‬ ‫‪‬‬
‫‪‬‬ ‫‪‬‬

‫‪‬‬
‫الية‪ ،‬وقوله عن نبيًَ ـ عليه الصلة والسلم‬ ‫‪‬‬
‫‪‬‬ ‫ـ وقومه‪:‬‬
‫من كنوز القرآن الكريم‪ ،‬تفسير آيات من الكتاب‬ ‫‪276‬‬
‫العزيز‬

‫‪‬‬ ‫‪‬‬

‫‪ ،‬وقوله تعًلى‪:‬‬

‫‪‬‬
‫‪‬‬
‫الية‪ ،‬على أحد القوال‪ ،‬وقوله‪:‬‬
‫‪‬‬
‫‪‬‬ ‫‪‬‬
‫‪‬‬

‫الية‪ ،‬وقوله‪:‬‬

‫الية‪،‬‬
‫وقوله‪:‬‬
‫‪‬‬

‫‪،‬‬ ‫‪‬‬
‫ومفهوم الية أن معصية ا تعًلى سبب لَقيض مً يستجلب بطًعته‪ ،‬وقد‬
‫‪277‬‬ ‫من كنوز القرآن الكريم‪ ،‬تفسير آيات من الكتاب‬
‫العزيز‬

‫أشًر تعًلى إلى ذلك بقوله‪:‬‬


‫‪‬‬

‫الية‪ ،‬ونحوهً من اليًت ))‪.‬‬


‫سورة النعام‬
‫ـ قوله تعالى‪:‬‬

‫‪‬‬

‫‪‬‬
‫‪‬‬
‫‪‬‬

‫‪‬‬
‫‪‬‬ ‫‪‬‬
‫من كنوز القرآن الكريم‪ ،‬تفسير آيات من الكتاب‬ ‫‪278‬‬
‫العزيز‬

‫‪‬‬ ‫‪‬‬

‫[النعًم‪ 83 :‬ـ ‪.]86‬‬


‫صه ا عليًَ‬
‫‪1‬ـ من أصول اليمًن اليمًن برسل ا الكرام‪ ،‬من ق ّ‬
‫مَهم ومن لم يقصص‪ ،‬قًل ا ‪:‬‬

‫[الَسًء‪،]164 :‬‬
‫وقًل‪:‬‬

‫[غًفر‪.]78 :‬‬
‫صوا في القرآن خمسة وعشرون‪ ،‬مَهم ثمًنية عشر جًء‬ ‫والذين ق ّ‬
‫ذكرهم في هذه اليًت‪ ،‬والسبعة البًقون هم‪ :‬محمد‪ ،‬وهود‪ ،‬وصًلح‪،‬‬
‫وشعيب‪ ،‬وآدم‪ ،‬وإدريس‪ ،‬وذو الكفل‪.‬‬
‫وهذا العدد مَهم الذي جًء في هذه اليًت هو أكبر عدد جًء في‬
‫سورة من سور القرآن‪ ،‬وقد جًء في سورة النبيًء ذكر سبعة عشر‪،‬‬
‫وجًء في سورة الَسًء ثلثة عشر في قوله‪:‬‬

‫‪‬‬
‫‪279‬‬ ‫من كنوز القرآن الكريم‪ ،‬تفسير آيات من الكتاب‬
‫العزيز‬

‫اليتين‪.‬‬
‫‪2‬ـ هؤلء الثمًنية عشر‪ ،‬خمسة عشر مَهم من ذرية إبراهيم الخليل‪،‬‬
‫والضمير في قوله‪:‬‬
‫قيل‪ :‬إنه راجع إلى نوح‪ ،‬لنه أقرب مذكور وهذا ل إشكًل فيه‪ ،‬وقيل‪ :‬إنه‬
‫راجع إلى إبراهيم‪ ،‬لن سيًق اليًت فيه‪ ،‬ولوط ليس من ذريّته وقد كًن‬
‫في زمًنه‪ ،‬كمً قًل ا ‪:‬‬
‫‪‬‬

‫[النبيًء‪ ،]71 :‬وقًل‪:‬‬


‫[العَكبوت‪.]26 :‬‬ ‫‪‬‬
‫وعلى هذا‪ ،‬يكون دخول لوط مع ذريّته للتغليب‪ ،‬كمً دخل إسمًعيل تغليبً ا‬
‫في آبًء يعقوب في قوله تعًلى‪:‬‬

‫‪‬‬ ‫‪‬‬

‫‪‬‬

‫الية [البقرة‪ ،]133 :‬وكمً دخل إبليس مع‬


‫الملئكة تغليبًا‪ ،‬كمً قًل ‪:‬‬
‫من كنوز القرآن الكريم‪ ،‬تفسير آيات من الكتاب‬ ‫‪280‬‬
‫العزيز‬

‫‪‬‬
‫[البقرة‪ ،]34 :‬ذكر ذلك ابن كثير في تفسيره‪.‬‬
‫‪3‬ـ أسمًء هؤلء الرسل ممَوعة من الصرف إل ستة‪ ،‬فأسمًؤهم‬
‫مصروفة‪ ،‬وهم‪ :‬نوح وهود‪ ،‬وصًلح‪ ،‬وشعيب‪ ،‬ولوط‪ ،‬ومحمد‪ ،‬يجمع‬
‫الحروف اللول من أسمًئهم (( ي‬
‫ص زن شنملنه ))‪.‬‬
‫‪4‬ـ خمسة من هؤلء الرسل هم أولو العزم‪ ،‬وقد ذكرهم ا في قوله‬
‫في سورة الحزاب‪:‬‬

‫‪‬‬
‫‪‬‬
‫[الحزاب‪ ،]4 :‬وفي قوله في سورة الشورى‪:‬‬

‫‪‬‬

‫‪‬‬ ‫‪‬‬
‫‪‬‬
‫‪‬‬ ‫‪‬‬
‫[الشورى‪.]13 :‬‬
‫‪5‬ـ الرسل المذكورون في القرآن ذكروا بأسمًئهم‪ ،‬وقد ذكر يونس‬
‫‪281‬‬ ‫من كنوز القرآن الكريم‪ ،‬تفسير آيات من الكتاب‬
‫العزيز‬

‫بًسمه وبوصفه في موضعين في قول ا ‪:‬‬


‫‪‬‬
‫الية‪ ،‬وفي قوله‪:‬‬

‫‪‬‬ ‫‪‬‬
‫[القلم‪.]48 :‬‬ ‫‪‬‬

‫‪6‬ـ ممً جًء في بيًن أزمًن هؤلء الرسل‪:‬‬


‫أوال‪ :‬إبراهيم ولوط في زمن واحد كمً تقدّم‪ ،‬وكذلك موسى وهًرون‪،‬‬
‫و‬
‫وكذلك داود وسليمًن‪ ،‬وكذا زكريً ويحيى وعيسى‪ ،‬ويحيى وعيسى ابًَ‬
‫خًلة‪.‬‬
‫لقومه‪:‬‬ ‫قًل‬ ‫وقد‬ ‫نوح‪،‬‬ ‫بعد‬ ‫هود‬ ‫ثانيا ل‪:‬‬
‫‪‬‬
‫‪‬‬
‫[العراف‪ ،]69 :‬وصًلح‬ ‫‪‬‬ ‫‪‬‬
‫‪‬‬ ‫بعد هود‪ ،‬وقد قًل لقومه‪:‬‬
‫‪‬‬
‫[العراف‪.]74 :‬‬
‫لقومه‪:‬‬ ‫قًل‬ ‫وقد‬ ‫لوط‪،‬‬ ‫بعد‬ ‫شعيب‬ ‫ثالثا ل‪:‬‬
‫‪‬‬

‫‪‬‬
‫‪‬‬ ‫‪‬‬ ‫‪‬‬
‫من كنوز القرآن الكريم‪ ،‬تفسير آيات من الكتاب‬ ‫‪282‬‬
‫العزيز‬

‫‪‬‬ ‫‪‬‬
‫[هود‪.]89 :‬‬ ‫‪‬‬

‫رابعا ل‪ :‬شعيب قبل موسى وهًرون‪ ،‬لن ا ذكر في سورة العراف‬


‫قوم نوح وهود وصًلح ولوط وشعيب وإهلكه إيًهم ثم قًل‪:‬‬

‫[العراف‪ ،]101 :‬ثم قًل بعد ذلك‪:‬‬


‫[العراف‪:‬‬ ‫‪‬‬
‫‪ ،]103‬فد ّل هذا على أن شعيبً ا متقدّم على موسى‪ ،‬وأمً صهره الذي جًء‬
‫ذكره في سورة القصص‪ ،‬فهو رجل صًلح وليس بشعيب‪.‬‬
‫خامسا ل‪ :‬موسى بعد يوسف‪ ،‬قًل ا ‪:‬‬
‫‪‬‬
‫[غًفر‪.]34 :‬‬
‫سادسا ل‪ :‬داود بعد موسى‪ ،‬كمً في قول ا ‪:‬‬

‫إلى قوله‪:‬‬ ‫‪‬‬


‫‪‬‬

‫‪.‬‬
‫***‬
‫ـ قوله تعالى‪:‬‬
‫‪283‬‬ ‫من كنوز القرآن الكريم‪ ،‬تفسير آيات من الكتاب‬
‫العزيز‬

‫‪‬‬

‫‪‬‬

‫‪‬‬

‫[النعًم‪.]153 :‬‬ ‫‪‬‬

‫أمر ا ‪ ‬في هذه الية بلزوم صراط ا المستقيم‪ ،‬وهو مً جًء في‬
‫‪ ،‬ونهى عن اتبًع السبل المخًلفة لهذا‬ ‫كتًب ا وسَّة رسوله‬
‫الصراط‪ ،‬وقد أفرد الصراط وجمع السبل لن الطريق إلى ا واحد‪،‬‬
‫وهو مً جًء في الكتًب والسَّة‪ ،‬والطرق المخًلفة لذلك كثيرة‪ ،‬ونظير‬
‫ذلك قوله تعًلى‪:‬‬
‫‪‬‬
‫‪‬‬
‫‪‬‬ ‫‪‬‬
‫‪‬‬
‫‪‬‬ ‫‪‬‬
‫[البقرة‪ ،]257 :‬فأفرد‬
‫الَور وهو الحق‪ ،‬وجمع الظلمًت التي هي طرق الضلل‪ ،‬ولهذا يأتي‬
‫كثيرا ا في القرآن المر بًتبًع طريق الهدى والتحذير من اتبًع الطرق‬
‫الخرى كمً في قوله في سورة الفًتحة‪:‬‬
‫من كنوز القرآن الكريم‪ ،‬تفسير آيات من الكتاب‬ ‫‪284‬‬
‫العزيز‬

‫‪‬‬
‫‪ ،‬فًلمسلم يسأل ربه أن يهديه‬
‫الصراط المستقيم‪ ،‬وأن يسلمه من طرق المغضوب عليهم والضًلين‪،‬‬
‫‪‬‬ ‫وقوله‪:‬‬

‫‪‬‬ ‫‪‬‬

‫[العراف‪ ،]3 :‬وقوله‪:‬‬

‫‪‬‬

‫‪‬‬
‫‪‬‬
‫‪‬‬
‫[الشورى‪ ،]13 :‬وقًل‪:‬‬ ‫‪‬‬ ‫‪‬‬
‫‪‬‬
‫‪‬‬ ‫‪‬‬
‫[آل عمران‪ ،]103 :‬وقًل‪:‬‬
‫‪‬‬
‫‪285‬‬ ‫من كنوز القرآن الكريم‪ ،‬تفسير آيات من الكتاب‬
‫العزيز‬

‫‪‬‬

‫‪‬‬ ‫‪‬‬
‫‪‬‬ ‫‪‬‬
‫‪‬‬ ‫‪‬‬ ‫‪‬‬ ‫‪‬‬

‫[آل عمران‪ 104 :‬ـ ‪ ،]105‬وقًل‪:‬‬

‫‪‬‬ ‫‪‬‬
‫‪‬‬

‫‪‬‬
‫[الحزاب‪ ،]36 :‬وقًل‪:‬‬

‫‪‬‬ ‫‪‬‬ ‫‪‬‬

‫[الَور‪ ،]63 :‬قًل ابن كثير في تفسير هذه الية‪ (( :‬أي‪ :‬عن أمر رسول ا‬
‫وهو سبيله ومَهًجه وطريقته وسَّته وشريعته‪ ،‬فتوزن القوال‬
‫من كنوز القرآن الكريم‪ ،‬تفسير آيات من الكتاب‬ ‫‪286‬‬
‫العزيز‬

‫والعمًل بأقواله وأعمًله‪ ،‬فمً وافق ذلك قبل‪ ،‬ومً خًلفه فهو مردود‬
‫على قًئله وفًعله‪ ،‬كًئًَ ا مً كًن‪ ،‬كمً ثبت في الصحيحين وغيرهمً عن‬
‫أنه قًل‪ (( :‬من عمل عملا ليس عليه أمرنً فهو ردّ ))‪ ،‬أي‪:‬‬ ‫رسول ا‬
‫فليحذر وليخش من خًلف شريعة الرسول بًطًَ ا أو ظًهرا ا‬
‫أي‪ :‬في قلوبهم من‬
‫كفر أو نفًق أو بدعة‪،‬‬
‫أي‪ :‬في الدنيً بقتل‪ ،‬أو حدّر‪ ،‬أو‬
‫حبس‪ ،‬أو نحو ذلك ))‪.‬‬
‫ر‬
‫في حديث العربًض بن سًرية عن وجود الختلف‬ ‫وقد أخبر‬
‫في هذه المة‪ ،‬وأنه مع وجوده يكون كثيرا ا حيث قًل‪ (( :‬فإنه من يعش‬
‫عَد وجود هذا الختلف إلى‬ ‫مَكم فسيرى اختلفً ا كثيرا ا ))‪ ،‬ثم أرشد‬
‫الطريق المثل والمَهج القوم‪ ،‬وهو اتبًع السَن وترك البدع‪ ،‬فقًل‪:‬‬
‫(( فعليكم بسَّتي وسَّة الخلفًء الراشدين المهديين من بعدي‪ ،‬عضّوا عليهً‬
‫بًلَواجذ‪ ،‬وإيًّكم ومحدثًت المور‪ ،‬فإن ك ّل محدثة بدعة‪ ،‬وك لل بدعة‬
‫ضللة )) رواه أبو داود (‪ )4607‬والترمذي (‪ )2676‬وقًل‪ :‬حديث حسن‬
‫صحيح‪.‬‬
‫وروى المًم أحمد في مسَده بإسًَد حسن (‪ )4142‬عن عبد ا بن‬
‫ّ‬
‫خطً ا ثم قًل‪ (( :‬هذا سبيل ا ))‪،‬‬ ‫مسعود > قًل‪ (( :‬ل‬
‫خط لًَ رسول ا‬
‫ثم ل‬
‫خط خطوطً ا عن يميَه وعن شمًله ثم قًل‪ (( :‬هذه سبل الشيطًن‬
‫متفرقة‪ ،‬على كل سبيل مَهً شيطًن يدعو إليه ))‪ ،‬ثم قرأ‪:‬‬

‫‪‬‬
‫‪287‬‬ ‫من كنوز القرآن الكريم‪ ،‬تفسير آيات من الكتاب‬
‫العزيز‬

‫‪‬‬
‫‪‬‬
‫))‪.‬‬
‫وقًل ابن عطية‪ (( :‬وهذه السبل تعم اليهودية والَصرانية والمجوسية‬
‫وسًئر أهل الملل والبدع والضللت من أهل الهواء والشذوذ في‬
‫الفروع‪ ،‬وغير ذلك من أهل التعمق في الجدل والخوض في الكلم‪ ،‬هذه‬
‫كلّهً عرضة للزلل‪ ،‬ومظَّة لسوء المعتقد ))‪ ،‬نقله عَه القرطبي في‬
‫تفسيره‪ ،‬وقًل‪ (( :‬قلت‪ :‬وهو الصحيح ))‪.‬‬
‫وقًل أبو عثمًن الَيسًبوري كمً في حلية الوليًء (‪ (( :)244 /10‬من‬
‫أ ّمر السَّة على نفسه قولا وفعلا نطق بًلحكمة‪ ،‬ومن أ ّمر الهوى على‬
‫نفسه قولا وفعلا نطق بًلبدعة ))‪.‬‬
‫وروى أبو داود في سََه (‪ )4612‬بإسًَد صحيح‪ (( :‬أن رجلا كتب‬
‫إلى عمر بن عبد العزيز يسأله عن القدر‪ ،‬فكتب‪ :‬أمً بعد‪ ،‬أوصيك بتقوى‬
‫‪ ،‬وترك مً أحدث‬ ‫ا‪ ،‬والقتصًد في أمره‪ ،‬واتبًع سَّة نبيه‬
‫المحدثون بعد مً جرت به سَّته‪ ،‬و لكفلوا مؤنته‪ ،‬فعليك بلزوم السَّة فإنهً‬
‫لك ـ بإذن ا ـ عصمة‪ ،‬ثم اعلم أنه لم يبتدع الًَس بدعة إلّ قد مضى‬
‫قبلهً مً هو دليل عليهً أو عبرة فيهً؛ فإن السَّة إنمً سَّهً من قد علم مً‬
‫في خلفهً من الخطأ والزلل والحمق والتعمق‪ ،‬فًرض لَفسك مً رضي‬
‫به القوم لنفسهم؛ فإنهم على علم وقفوا‪ ،‬وببصر نًفذ نكفّوا‪ ،‬ولهم على‬
‫كشف المور كًنوا أقوى‪ ،‬وبفضل مً كًنوا فيه أولى‪ ،‬فإن كًن الهدى مً‬
‫أنتم عليه لقد سبقتموهم إليه‪ ،‬ولئن قلتم‪ :‬إنمً حدث بعدهم مً أحدثه إلّ من‬
‫اتبع غير سبيلهم ورغب بَفسه عَهم‪ ،‬فإنهم هم السًبقون‪ ،‬فقد تكلموا فيه‬
‫من كنوز القرآن الكريم‪ ،‬تفسير آيات من الكتاب‬ ‫‪288‬‬
‫العزيز‬

‫صر‪ ،‬ومً فوقهم من‬ ‫بمً يكفي‪ ،‬ووصفوا مَه مً يشفي‪ ،‬فمً دونهم من نم زق ن‬
‫صر قوم دوننهم فجفنوا‪ ،‬وطمح عَهم أقوام فغنلنوا‪ ،‬وإنهم بين‬ ‫سر‪ ،‬وقد ق ل‬
‫نم زح ن‬
‫ذلك لعلى هدى مستقيم ))‪.‬‬
‫***‬
‫ـ قوله تعالى‪:‬‬

‫[النعًم‪.]160 :‬‬ ‫‪‬‬

‫في هذه الية الكريمة بيًن فضل ا ‪ ‬وعدله‪ ،‬وأنه يثيب على‬
‫الحسًَت بمضًعفتهً إلى عشر‪ ،‬وإلى سبعمًئة ضعف‪ ،‬وإلى أضعًف‬
‫كثيرة‪ ،‬ويجًزي على السيئة بمثلهً أو يعفو عَهً‪ ،‬كمً قًل ا ‪:‬‬

‫‪‬‬

‫[الَسًء‪ ،]40 :‬وهذه الية مبيَة لليًت الخرى‬


‫المجملة‪ ،‬مثل قوله تعًلى‪:‬‬
‫‪289‬‬ ‫من كنوز القرآن الكريم‪ ،‬تفسير آيات من الكتاب‬
‫العزيز‬

‫‪‬‬

‫[القصص‪،]84 :‬‬ ‫‪‬‬ ‫‪‬‬

‫وقوله‪:‬‬

‫‪‬‬

‫‪‬‬

‫‪‬‬

‫[الَمل‪ 89 :‬ـ ‪.]90‬‬ ‫‪‬‬

‫وجًء في السَّة توضيح الجزاء على الحسًَت والسيئًت إذا ه ّم بهً أو‬
‫فيمً يرويه عن ربه ‪‬‬ ‫عملهً‪ ،‬فعن ابن عبًس { عن رسول ا‬
‫قًل‪:‬‬
‫(( ل‬
‫إن ا كتب الحسًَت والسيئًت‪ ،‬ثم بيّن ذلك‪ ،‬فمن ه ّم بحسَة فلم يعملهً‬
‫كتبهً ا عَده حسَة كًملة‪ ،‬فإن ه ّم بهً فعملهً كتبهً ا ‪ ‬عَده عشر‬
‫حسًَت إلى سبعمًئة ضعف إلى أضعًف كثيرة‪ ،‬وإن ه ّم بسيئة فلم‬
‫يعملهً كتبهً ا عَده حسَة كًملة‪ ،‬وإن ه ّم بهً فعملهً كتبهً ا سيئة‬
‫واحدة ))‪ .‬رواه البخًري (‪ )6491‬ومسلم (‪ ،)338‬وهذا الحديث أورده‬
‫الَووي في الربعين‪ ،‬وهو الحديث السًبع والثلثون‪.‬‬
‫واعلم أن تًرك السيئة ل‬ ‫((‬ ‫وقد قًل ابن كثير في تفسير هذه الية‪:‬‬
‫من كنوز القرآن الكريم‪ ،‬تفسير آيات من الكتاب‬ ‫‪290‬‬
‫العزيز‬

‫يعملهً على ثلثة أقسًم‪ ،‬تًرة يتركهً ل‪ ،‬فهذا تكتب له حسَة على كفّه‬
‫عَهً ل تعًلى‪ ،‬وهذا عمل ونية‪ ،‬ولهذا جًء أنه يكتب له حسَة‪ ،‬كمً جًء‬
‫جرائي )) أي‪ :‬من أجلي‪.‬‬ ‫في بعض ألفًظ الصحيح‪ (( :‬فإنمً تركهً من ّ‬
‫وتًرة يتركهً نسيًنً ا وذهولا عَهً‪ ،‬فهذا ل له ول عليه‪ ،‬لنه لم يَو خيرا ا‬
‫ول فعل شراا‪ ،‬وتًرة يتركهً عجزا ا وكسلا عَهً‪ ،‬بعد السعي في أسبًبهً‬
‫قرب مَهً‪ ،‬فهذا ّ‬
‫يتَزل مَزلة فًعلهً‪ ،‬كمً جًء في الحديث‬ ‫والتلبس بمً يل ي ّ‬
‫أنه قًل‪ (( :‬إذا تواجه المسلمًن بسيفيهمً‬ ‫في الصحيحين عن الَبي‬
‫فًلقًتل والمقتول في الًَر ))‪ .‬قًلوا‪ :‬يً رسول ا! هذا القًتل فمً بًل‬
‫المقتول؟ قًل‪ (( :‬إنه كًن حريصً ا على قتل صًحبه ))‪ .‬وأمً حديث‪ (( :‬نية‬
‫المؤمن خير من عمله )) فهو ضعيف‪ ،‬ذكر ذلك الحًفظ في الفتح‬
‫(‪ ،)219/4‬وانظر السلسلة الضعيفة لللبًني ~ (‪.)2789‬‬
‫***‬
‫ـ قوله تعالى‪:‬‬

‫[النعًم‪ 162 :‬ـ ‪.]163‬‬


‫في هذه الية الكريمة إخلص العبًدة ل وحده‪ ،‬مً كًن مَهً بدنيً ا‬
‫كًلصلة‪ ،‬ومً كًن مَهً مًليً ا كذبح بهيمة النعًم تقربً ا إلى ا ‪ ،‬وأن‬
‫الحيًة ل تعمر في عبًدته وطًعته‪ ،‬وهي ميدان العمل الذي تلجَى ثمًره‪،‬‬
‫‪291‬‬ ‫من كنوز القرآن الكريم‪ ،‬تفسير آيات من الكتاب‬
‫العزيز‬

‫صل جزاؤه بعد الموت‪.‬‬


‫ويح ّ‬
‫قًل ابن كثير في تفسير هذه الية‪ (( :‬يأمره تعًلى أن يخبر المشركين‬
‫الذين يعبدون غير ا‪ ،‬ويذبحون لغير اسمه أنه مخًلف لهم في ذلك‪ ،‬فإن‬
‫صلته ل‪ ،‬ونسكه على اسمه وحده ل شريك له‪ ،‬وهذا كقوله تعًلى‪:‬‬

‫‪ ،‬أي‪ :‬أخلص له صلتك وذبحك‪ ،‬فإن المشركين كًنوا يعبدون‬


‫الصًَم ويذبحون لهً‪ ،‬فأمره ا تعًلى بمخًلفتهم‪ ،‬والنحراف عمً هم‬
‫فيه‪ ،‬والقبًل بًلقصد والَية والعزم على الخلص ل تعًلى ))‪.‬‬
‫وقًل في قوله‪:‬‬
‫‪ (( :‬قًل قتًدة‪ :‬أي‪ :‬من هذه‬
‫المة‪ .‬وهو كمً قًل‪ ،‬فإن جميع النبيًء قبله كلهم كًنت دعوتهم إلى‬
‫السلم‪ ،‬وأصله عبًدة ا وحده ل شريك له‪ ،‬كمً قًل‪:‬‬

‫‪‬‬
‫‪‬‬

‫[النبيًء‪ ،]25 :‬وقد أخبر تعًلى عن‬


‫‪‬‬ ‫نوح أنه قًل لقومه‪:‬‬

‫‪‬‬
‫[يونس‪ ،]72 :‬وقًل تعًلى‪:‬‬
‫من كنوز القرآن الكريم‪ ،‬تفسير آيات من الكتاب‬ ‫‪292‬‬
‫العزيز‬

‫‪‬‬
‫‪‬‬
‫‪‬‬

‫‪‬‬

‫‪‬‬

‫‪‬‬
‫[البقرة‪ 130 :‬ـ‬ ‫‪‬‬
‫‪ ،]132‬وقًل يوسف ـ عليه السلم ـ‪:‬‬

‫‪‬‬

‫‪‬‬
‫‪293‬‬ ‫من كنوز القرآن الكريم‪ ،‬تفسير آيات من الكتاب‬
‫العزيز‬

‫[يوسف‪ ،]101 :‬وقًل موسى‪:‬‬


‫‪‬‬

‫‪‬‬ ‫‪‬‬
‫‪‬‬
‫‪‬‬

‫‪‬‬
‫‪‬‬
‫‪‬‬
‫[يونس‪ 84 :‬ـ ‪ ،]86‬وقًل تعًلى‪:‬‬ ‫‪‬‬

‫‪‬‬
‫‪‬‬
‫‪‬‬
‫‪‬‬
‫‪‬‬
‫الية [المًئدة‪ ،]44 :‬وقوله‪:‬‬

‫‪‬‬
‫‪‬‬ ‫‪‬‬
‫من كنوز القرآن الكريم‪ ،‬تفسير آيات من الكتاب‬ ‫‪294‬‬
‫العزيز‬

‫‪‬‬
‫[المًئدة‪،]111 :‬‬ ‫‪‬‬
‫فأخبر تعًلى أنه بعث رسله بًلسلم‪ ،‬ولكَهم متفًوتون فيه‪ ،‬بحسب‬
‫شرائعهم الخًصة التي يَسخ بعضهً بعضًا‪ ،‬إلى أن نلسخت بشريعة‬
‫التي ل تلَسخ أبد البدين‪ ،‬ول تزال قًئمة مَصورة‪ ،‬وأعلمهً‬ ‫محمد‬
‫مشهورة إلى قيًم السًعة‪ ،‬ولهذا قًل ـ عليه السلم ـ‪ (( :‬نحن معًشر‬
‫النبيًء أولد علّت ديًََ واحد ))‪ ،‬فإن أولد العلّت هم الخوة من أب‬
‫واحد وأمهًت شتّى‪ ،‬فًلدين واحد وهو عبًدة ا وحده ل شريك له‪ ،‬وإن‬
‫تَوعت الشرائع التي هي بمَزلة المهًت‪ ،‬كمً أن إخوة الخيًف عكس‬
‫هذا‪ :‬بَو الم الواحدة من آبًء شتّى‪ ،‬والخوة العيًن‪ :‬الشقًء من أب‬
‫واحد وأم واحدة ))‪.‬‬
‫سورة العراف‬
‫‪‬‬ ‫ـ قوله تعالى‪:‬‬
‫‪‬‬

‫[العراف‪:‬‬ ‫‪‬‬ ‫‪‬‬


‫‪.]180‬‬
‫أسمًء ا تعًلى كلهً حسَى‪ ،‬أي بًلغة نهًية الحسن وكمًله كمً‬
‫وصفهً ا بذلك في هذه الية‪ ،‬وفي قوله‪:‬‬
‫‪295‬‬ ‫من كنوز القرآن الكريم‪ ،‬تفسير آيات من الكتاب‬
‫العزيز‬

‫‪‬‬
‫[طه‪:‬‬
‫‪ ،]8‬وقوله‪:‬‬
‫[الحشر‪.]24 :‬‬
‫والعلم بأسمًء ا وصفًته من الغيب الذي ل يعرف إلّ بًلوحي‪،‬‬
‫فيلثبت ل ‪ ‬مً أثبته لَفسه وأثبته له رسوله من السمًء والصفًت على‬
‫وجه يليق بكمًل ا وجلله من غير تكييف أو تشبيه‪ ،‬ومن غير تحريف‬
‫أو تعطيل‪ ،‬كمً قًل ا ‪:‬‬
‫‪‬‬
‫[الشورى‪:‬‬
‫‪‬‬ ‫‪ ،]11‬ففي هذه الية الثبًت في قوله‪:‬‬
‫‪ ،‬والتَزيه في‬
‫قوله‪:‬‬
‫‪.‬‬
‫وأسمًء ا غير محصورة بعدد‪ ،‬يدل لذلك حديث ابن مسعود > قًل‪:‬‬
‫قًل رسول ا ‪ (( :‬مً أصًب أحدا ا قط هم ول حزن فقًل‪ :‬اللهم إني‬
‫ي حكمك‪ ،‬عد نل ف ل‬
‫ي‬ ‫عبدك‪ ،‬ابن عبدك‪ ،‬ابن أمتك‪ ،‬نًصيتي بيدك‪ ،‬مًض ف ل‬
‫قضًؤك‪ ،‬أسألك بكل اسم هو لك‪ ،‬سميت به نفسك‪ ،‬أو علّمته أحدا ا من‬
‫خلقك‪ ،‬أو أنزلته في كتًبك‪ ،‬أو استأثرت به في علم الغيب عَدك‪ ،‬أن‬
‫تجعل القرآن ربيع قلبي‪ ،‬ونور صدري‪ ،‬وجلء حزني‪ ،‬وذهًب ه ّمي‪،‬‬
‫إلّ أذهب ا ه ّمه وحزنه‪ ،‬وأبدله مكًنه فرحًا‪ ،‬قًل‪ :‬فقيل‪ :‬يً رسول ا!‬
‫أل نتعلّمهً؟ فقًل‪ :‬بلى‪ ،‬يَبغي لمن سمعهً أن يتعلّمهً ))‪ ،‬رواه المًم أحمد‬
‫من كنوز القرآن الكريم‪ ،‬تفسير آيات من الكتاب‬ ‫‪296‬‬
‫العزيز‬

‫في المسَد (‪ .)3712‬قًل المعلّقون على المسَد‪ :‬إسًَده ضعيف كمً قًل‬
‫الدارقطَي في العلل‪ ،‬وقد نقلوا عن الحًفظ ابن حجر تحسيَه‪ ،‬وص ّححه‬
‫اللبًني في السلسلة الصحيحة (‪ ،)198‬وقد ص ّحح هذا الحديث ابن القيم‬
‫وشرحه شرحً ا واسعً ا في كتًبه (شفًء العليل) في البًب السًبع والعشرين‬
‫مَه (ص‪ 369 :‬ـ ‪.)374‬‬
‫وأمً الحديث الذي رواه البخًري (‪ )2736‬ومسلم (‪ )6809‬عن أبي‬
‫قًل‪ (( :‬إن ل تسعة وتسعين اسمًا‪ ،‬مًئة إلّ‬ ‫هريرة > أن رسول ا‬
‫واحداا‪ ،‬من أحصًهً دخل الجَّة ))‪ ،‬فل يدل على حصر أسمًء ا في هذا‬
‫العدد‪ ،‬بل يدل على أن من أسمًء ا تسعة وتسعين اسمًا‪ ،‬من شأنهً أن‬
‫من أحصًهً دخل الجَّة‪ ،‬كمً لو قًل قًئل‪ :‬عَدي مًئة كتًب أعددتهً‬
‫لطلبة العلم‪ ،‬فإنه ل يدل على أنه ليس عَده إلّ هذا العدد‪.‬‬
‫ولم يثبت في سرد السمًء حديث‪ ،‬وقد أوردت في كتًب (قطف‬
‫الجَى الداني شرح مقدمة رسًلة ابن أبي زيد القيرواني) تسعة وتسعين‬
‫اسمً ا من أسمًء ا الحسَى مرتبة على حروف الهجًء‪ ،‬ومع كل اسم دليله‬
‫من الكتًب أو السَّة‪.‬‬
‫وا تعًلى يلدعى بأسمًئه‪ ،‬فيقًل‪ :‬يً عزيز أعزني‪ ،‬يً رزاق ارزقَي‪،‬‬
‫يً لطيف الطف بي‪ ،‬يً رحمن يً رحيم ارحمَي‪ ،‬وهكذا‪ ،‬ويلتوسل إلى ا‬
‫‪ ‬بأسمًئه وصفًته‪.‬‬
‫واللحًد في أسمًء ا‪ :‬الميل بهً عمً تدل عليه إلى أمور ل تدل‬
‫عليهً‪ ،‬ومَه سمي اللحد في القبر لنه في نًحيته‪ .‬قًل القرطبي في تفسير‬
‫الية‪:‬‬ ‫هذه‬
‫(( واللحًد يكون بثلثة أوجه‪( :‬أحدها)‪ :‬بًلتغيير فيهً كمً فعله‬
‫‪297‬‬ ‫من كنوز القرآن الكريم‪ ،‬تفسير آيات من الكتاب‬
‫العزيز‬

‫المشركون‪ ،‬وذلك أنهم عدلوا بهً عمً هي عليه فسموا بهً أوثًنهم‪،‬‬
‫فًشتقوا اللت من ا‪ ،‬والعزى من العزيز‪ ،‬ومًَة من المًَن‪ ،‬قًله ابن‬
‫عبًس وقتًدة‪( ،‬الثاني)‪ :‬بًلزيًدة فيهً‪( ،‬الثالث)‪ :‬بًلَقصًن مَهً ))‪.‬‬
‫وقًل‪ (( :‬ومعَى الزيًدة في السمًء التشبيه‪ ،‬والَقصًن التعطيل‪ ،‬فإن‬
‫المشبهة وصفوه بمً لم يأذن فيه‪ ،‬والمعطلة سلبوه مً اتصف به‪ ،‬ولذلك‬
‫قًل أهل الحق‪ :‬إن ديًََ طريق بين طريقين‪ ،‬ل بتشبيه ول بتعطيل ))‪،‬‬
‫فًلمشبهة أثبتوا وشبهوا‪ ،‬والمعطلة نزهوا وعطلوا‪ ،‬وأهل السَّة جمعوا‬
‫بين الحسَيين‪ ،‬وسلموا من السًءتين‪ ،‬فأثبتوا ونزهوا‪ ،‬كمً قًل ا ‪:‬‬

‫‪‬‬
‫فبإثبًتهم سلموا من التعطيل‪ ،‬وبتَزيههم سلموا من التشبيه والتمثيل‪.‬‬
‫***‬
‫‪‬‬ ‫‪‬‬ ‫ـ قوله تعالى‪:‬‬

‫[العراف‪:‬‬
‫‪ 199‬ـ ‪.]200‬‬
‫قًل القرطبي في تفسيره‪ (( :‬هذه الية من ثلث كلمًت‪ ،‬تضمَت‬
‫قواعد الشريعة في المأمورات والمَهيًت‪ ،‬فقوله‪:‬‬
‫من كنوز القرآن الكريم‪ ،‬تفسير آيات من الكتاب‬ ‫‪298‬‬
‫العزيز‬

‫دخل فيه صلة القًطعين‪ ،‬والعفو عن‬ ‫‪ ‬‬


‫المذنبين‪ ،‬والرفق بًلمؤمَين‪ ،‬وغير ذلك من أخلق المطيعين‪ ،‬ودخل في‬
‫صلة‬ ‫قوله‪:‬‬
‫الرحًم‪ ،‬وتقوى ا في الحلل والحرام‪ ،‬وغض البصًر‪ ،‬والستعداد‬
‫لدار القرار‪ ،‬وفي قوله‪:‬‬
‫الحض على التعلق بًلعلم‪،‬‬
‫والعراض عن أهل الظلم‪ ،‬والتَزه عن مًَزعة السفهًء‪ ،‬ومسًواة‬
‫الجهلة الغبيًء‪ ،‬وغير ذلك من الخلق الحميدة‪ ،‬والفعًل الرشيدة ))‪.‬‬
‫ونقل عن جعفر الصًدق أنه قًل‪ (( :‬أمر ا نبيه بمكًرم الخلق في‬
‫هذه الية‪ ،‬وليس في القرآن آية أجمع لمكًرم الخلق من هذه الية ))‪.‬‬
‫قًل البخًري في صحيحه‪ (( :‬العرف المعروف ))‪ ،‬وروى (‪)4644‬‬
‫بإسًَد معلق (( عن هشًم عن أبيه عن عبد ا بن الزبير أنه قًل‪ :‬أمر ا‬
‫أن يأخذ العفو من أخلق الًَس‪ ،‬أو كمً قًل ))‪.‬‬ ‫نبيه‬
‫وقًل شيخًَ الشيخ محمد المين الشَقيطي ~ في كتًبه (أضواء‬
‫البيًن)‪ (( :‬بين في هذه الية الكريمة مً يَبغي أن يعًمل به الجهلة من‬
‫شيًطين النس والجن‪ ،‬فبيّن أن شيطًن النس يعًمل بًللين‪ ،‬وأخذ‬
‫العفو‪ ،‬والعراض عن جهله وإسًءته‪ ،‬وأن شيطًن الجن ل مَجى‬
‫مَه إلّ بًلستعًذة بًل مَه‪ ،‬قًل في الول‪:‬‬
‫‪‬‬ ‫‪‬‬

‫‪ ،‬وقًل في الثًني‪:‬‬
‫‪299‬‬ ‫من كنوز القرآن الكريم‪ ،‬تفسير آيات من الكتاب‬
‫العزيز‬

‫‪ ،‬وبين هذا الذي ذكرنً في‬


‫موضعين آخرين‪:‬‬
‫أحدهما‪ :‬في سورة‬
‫قًل فيه في شيطًن النس‪:‬‬ ‫‪‬‬

‫[المؤمَون‪:‬‬ ‫‪‬‬ ‫‪‬‬


‫‪‬‬ ‫‪ ،]96‬وقًل في الخر‪:‬‬

‫‪‬‬

‫[المؤمَون‪ 97 :‬ـ ‪.]98‬‬


‫والثاني‪ :‬في حم (السجدة) قًل فيه في شيطًن النس‪:‬‬

‫[فصلت‪ ،]34 :‬وزاد هًَ أن ذلك ل يعطًه كل الًَس‪،‬‬


‫بل ل يعطيه ا إلّ لذي الحظ الكبير‪ ،‬والبخت العظيم عَده فقًل‪:‬‬
‫من كنوز القرآن الكريم‪ ،‬تفسير آيات من الكتاب‬ ‫‪300‬‬
‫العزيز‬

‫[فصلت‪ ،]35 :‬ثم قًل في شيطًن الجن‪:‬‬

‫‪‬‬
‫[فصلت‪.)) ]36 :‬‬
‫سورة النفال‬
‫ـ قوله تعالى‪:‬‬

‫[النفًل‪.]64 :‬‬
‫اختلف في المعطوف عليه قوله‪:‬‬

‫‪ ،‬فقيل‪ :‬إنه معطوف على لفظ‬


‫الجللة‪ ،‬والمعَى‪ :‬حسبك ا وحسبك أتبًعك من المؤمَين‪ ،‬وقيل‪:‬‬
‫‪،‬والمعَى‪:‬‬ ‫معطوف على الكًف في قوله‪:‬‬
‫حسبك ا وحسزب أتبًعك من المؤمَين‪ .‬وقد عزا القرطبي الول إلى‬
‫الحسن والَحًس‪ ،‬وعزا الثًني إلى الشعبي وابن زيد‪ ،‬وأرجحهمً الثًني؛‬
‫الكًفي‬ ‫وهو‬ ‫الحسزب‬ ‫لن‬
‫‪301‬‬ ‫من كنوز القرآن الكريم‪ ،‬تفسير آيات من الكتاب‬
‫العزيز‬

‫‪،‬‬ ‫لم يرد مضًفً ا إلّ إلى ا ‪ ،‬فهو سبحًنه وتعًلى الكًفي لَبيه‬
‫وهو‬
‫الكًفي لتبًعه من المؤمَين‪ ،‬ولهذا قًل في الية قبلهً‪:‬‬
‫‪‬‬ ‫‪‬‬
‫‪‬‬

‫[النفًل‪،]62 :‬‬
‫فأضًف الحسزب إليه وحده‪ ،‬وجعل التأييد له بَصره وبتوفيقه المؤمَين‬
‫لَصره‪.‬‬
‫‪‬‬ ‫وقًل تعًلى‪:‬‬
‫‪‬‬

‫‪‬‬ ‫‪‬‬

‫‪‬‬ ‫‪‬‬

‫[التوبة‪ ،]59 :‬فأضًف الحسب‬ ‫‪‬‬

‫والرغبة إليه وحده‪ ،‬وأضًف اليتًء في الموضعين إلى ا وإلى الرسول‬


‫‪‬‬ ‫‪ ،‬وقًل تعًلى‪:‬‬

‫وقًل‪:‬‬ ‫‪،]33‬‬ ‫[الَور‪:‬‬


‫‪‬‬
‫من كنوز القرآن الكريم‪ ،‬تفسير آيات من الكتاب‬ ‫‪302‬‬
‫العزيز‬

‫‪‬‬

‫[التوبة‪ ،]74 :‬وقًل‪:‬‬


‫‪‬‬

‫[الحزاب‪،]37 :‬‬
‫فأضًف اليتًء والغًَء والنعًم إلى ا وإلى غيره‪ ،‬ولم يأت إضًفة‬
‫فقًل‪:‬‬ ‫المؤمَين‬ ‫ا‬ ‫مدح‬ ‫وقد‬ ‫غيره‪،‬‬ ‫إلى‬ ‫الحسب‬

‫‪‬‬

‫‪‬‬

‫‪‬‬

‫[آل عمران‪.]173 :‬‬ ‫‪‬‬

‫وانظر كلم شيخًَ الشيخ محمد المين الشَقيطي ~ على هذه الية‬
‫في كتًبه (أضواء البيًن في إيضًح القرآن بًلقرآن)‪.‬‬
‫***‬
‫ـ قوله تعالى‪:‬‬
‫‪303‬‬ ‫من كنوز القرآن الكريم‪ ،‬تفسير آيات من الكتاب‬
‫العزيز‬

‫‪‬‬

‫‪‬‬

‫‪‬‬ ‫‪‬‬

‫[النفًل‪.]70 :‬‬
‫في هذه الية جًءت كلمة (خير) مرتين‪ ،‬الولى في مقًبلة الشر‪،‬‬
‫كقوله تعًلى‪:‬‬

‫[الزلزلة‪ 7 :‬ـ ‪ ،]8‬والثًنية (أفعل) تفضيل‪ ،‬أي‪ :‬أخينر‪ ،‬ويأتي كثيرا ا حذف‬
‫وأشر في (أفعل) التفضيل‪ ،‬وجًء الجمع بين المعَيين‬
‫ّ‬ ‫الهمزة من أخير‬
‫لخير وشر في حديث رواه الترمذي (‪ )2263‬بإسًَد حسن أن الَبي‬
‫خيركم‬ ‫((‬ ‫قًل‪:‬‬
‫من يلرجى خيره ويؤ نمن شره‪ ،‬وشركم من ل يلرجى خيره ول يؤ نمن‬
‫))‪.‬‬ ‫شره‬
‫فـ (خير) و(شر) في الول (أفعل) تفضيل‪ ،‬وفي الثًني مً يقًبل الشر‪.‬‬
‫سورة التوبة‬
‫‪‬‬ ‫ـ قوله تعالى‪:‬‬
‫من كنوز القرآن الكريم‪ ،‬تفسير آيات من الكتاب‬ ‫‪304‬‬
‫العزيز‬

‫‪‬‬

‫‪‬‬
‫‪‬‬

‫‪‬‬ ‫‪‬‬
‫[التوبة‪.]100 :‬‬
‫في هذه الية إخبًر من ا عن رضًه عن السًبقين الولين من‬
‫المهًجرين والنصًر وتًبعيهم بإحسًن‪ ،‬ورضًهم عَه‪ ،‬وأنه أعد لهم‬
‫هم‬ ‫جًَت الَعيم‪ ،‬وأن ذلك هو الفوز العظيم‪ ،‬وأصحًب رسول ا‬
‫التي هي خير المم‪ ،‬وقد جًءت اليًت الكثيرة‬ ‫خير أمة محمد‬
‫والحًديث المتواترة ببيًن فضلهم ونبلهم رضي ا عَهم وأرضًهم‪.‬‬
‫قًل ابن كثير في تفسير هذه الية‪ (( :‬يخبر تعًلى عن رضًه عن‬
‫السًبقين من المهًجرين والنصًر والتًبعين لهم بإحسًن‪ ،‬ورضًهم عَه‬
‫بمً أعدّ لهم من جًَت الَعيم‪ ،‬والَعيم المقيم‪ ،‬قًل الشعبي‪ :‬السًبقون‬
‫الولون من المهًجرين والنصًر‪ :‬من أدرك بيعة الرضوان عًم‬
‫الحديبية‪ ،‬وقًل أبو موسى الشعري‪ ،‬وسعيد بن المسيب‪ ،‬ومحمد بن‬
‫سيرين‪ ،‬والحسن‪ ،‬وقتًدة‪ :‬هم الذين صلّوا إلى القبلتين مع رسول ا‬
‫))‪.‬‬
‫وقًل‪ (( :‬فقد أخبر ا العظيم أنه قد رضي عن السًبقين الولين من‬
‫‪305‬‬ ‫من كنوز القرآن الكريم‪ ،‬تفسير آيات من الكتاب‬
‫العزيز‬

‫المهًجرين والنصًر‪ ،‬والذين اتبعوهم بإحسًن‪ ،‬فيً وي نل من أبغضهم أو‬


‫سبّهم‪ ،‬أو أبغض أو سبّ بعضهم‪ ،‬ول سيمً سيد الصحًبة بعد الرسول‬
‫وخيرهم وأفضلهم‪ ،‬أعَي الصديق الكبر والخليفة العظم أبً بكر ابن‬
‫أبي قحًفة >‪ ،‬فإن الطًئفة المخذولة من الرافضة يعًدون أفضل‬
‫الصحًبة ويبغضونهم ويسبّونهم ـ عيًذا ا بًل من ذلك ـ وهذا يدل على أن‬
‫عقولهم معكوسة‪ ،‬وقلوبهم مَكوسة‪ ،‬فأين هؤلء من اليمًن بًلقرآن إذ‬
‫يسبون من رضي ا عَهم؟ وأمً أهل السَّة فإنهم يترضون عمن رضي‬
‫ا عَه‪ ،‬ويسبون من سبّه ا ورسوله‪ ،‬ويوالون من يوالي ا‪ ،‬ويعًدون‬
‫من يعًدي ا وهم متبعون ل مبتدعون‪ ،‬ويقتدون ل يبتدون؛ ولهذا هم‬
‫حزب ا المفلحون وعبًده المؤمَون ))‪.‬‬
‫قًل شيخًَ الشيخ محمد المين الشَقيطي ~ في (أضواء البيًن)‪:‬‬
‫صرح تعًلى في هذه الية الكريمة بأن الذين اتبعوا السًبقين الولين‬
‫(( ّ‬
‫من المهًجرين والنصًر بإحسًن أنهم داخلون معهم في رضوان ا‬
‫تعًلى والوعد بًلخلود في الجًَت والفوز العظيم‪ ،‬وبيّن في مواضع أخر‬
‫أن الذين اتبعوا السًبقين بإحسًن يشًركونهم في الخير‪ ،‬كقوله تعًلى‪:‬‬

‫الية‪ ،‬وقوله‪:‬‬ ‫‪‬‬

‫‪‬‬ ‫‪‬‬
‫‪‬‬ ‫‪‬‬
‫الية [الحشر‪ ،]10 :‬وقوله‪:‬‬
‫‪‬‬
‫من كنوز القرآن الكريم‪ ،‬تفسير آيات من الكتاب‬ ‫‪306‬‬
‫العزيز‬

‫صرح في هذه‬
‫[النفًل‪ ،]75 :‬ول يخفى أنه تعًلى ّ‬
‫الية الكريمة أنه قد رضي عن السًبقين الولين من المهًجرين‬
‫والنصًر‪ ،‬والذين اتبعوهم بإحسًن‪ ،‬وهو دليل قرآني صريح في أن من‬
‫يسبهم ويبغضهم أنه ضًل مخًلف ل ‪ ،‬حيث أبغض من رضي ا‬
‫عَه‪ ،‬ول شك أن بغض من رضي ا عَه مضًدة له ـ ج ّل وعل ـ‬
‫وتمرد وطغيًن ))‪.‬‬
‫***‬
‫ـ قوله تعالى‪:‬‬

‫‪‬‬ ‫‪‬‬

‫‪‬‬
‫‪‬‬ ‫‪‬‬

‫‪‬‬

‫‪‬‬ ‫‪‬‬ ‫‪‬‬


‫‪307‬‬ ‫من كنوز القرآن الكريم‪ ،‬تفسير آيات من الكتاب‬
‫العزيز‬

‫[التوبة‪.]111 :‬‬
‫في هذه الية الكريمة بيًن فضل الجهًد في سبيل ا بًلنفس‬
‫والموال‪ ،‬وأن جزاءه عظيم عَد ا ‪ ،‬سواء قلتل المجًهد في سبيل‬
‫ا‪ ،‬أو قنتل غيره من الكفًر‪ ،‬وفي هذه الية قلدّمت النفس على الموال‪،‬‬
‫ولم تقدم في موضع آخر في القرآن‪ ،‬وقدمت الموال على النفس في‬
‫آيًت كثيرة جداا‪ ،‬وهو يدل على أهمية الجهًد بًلموال‪ ،‬لن في ذلك‬
‫النفًق على المجًهدين‪ ،‬وتوفير العتًد والسلح‪ ،‬وغير ذلك ممً يلحتًج‬
‫إليه في الجهًد‪.‬‬
‫والجهًد في سبيل ا يكون بًلَفس والمًل واللسًن‪ ،‬كمً قًل ‪:‬‬
‫(( جًهدوا المشركين بأموالكم وأنفسكم وألسَتكم )) رواه أبو داود‬
‫(‪ )2504‬بإسًَد صحيح‪ ،‬ويكون بًلقلب والَية‪ ،‬لقوله ‪ (( :‬إن بًلمديَة‬
‫أقوامً ا مً سرتم مسيرا ا ول قطعتم واديً ا إلّ كًنوا معكم )) قًلوا‪ :‬يً رسول‬
‫قًل‪:‬‬ ‫بًلمديَة؟‬ ‫وهم‬ ‫ا‪،‬‬
‫(( وهم بًلمديَة حبسهم العذر ))‪ .‬رواه البخًري (‪ )4423‬ومسلم‬
‫(‪ ،)4932‬وفي لفظ لمسلم (‪ (( :)4933‬إلّ شركوكم في الجر ))‪.‬‬
‫‪‬‬ ‫وفي قوله تعًلى‪:‬‬
‫دليل على أن قتل النسًن نفسه‬ ‫‪‬‬
‫سه‪.‬‬
‫حرام‪ ،‬وأنه ليس من الجهًد‪ ،‬بل هو من ظلم النسًن نف ن‬
‫قًل ابن كثير في تفسير هذه الية‪ (( :‬يخبر تعًلى أنه عًوض عبًده‬
‫المؤمَين عن أنفسهم وأموالهم إذ بذلوهً في سبيله بًلجَّة‪ ،‬وهذا من فضله‬
‫وكرمه وإحسًنه‪ ،‬فإنه قن يبل العوض عمً يملكه بمً تفضّل به على عبًده‬
‫المطيعين له‪ ،‬ولهذا قًل الحسن البصري وقتًدة‪ :‬بًيعهم ـ وا ـ فأغلى‬
‫من كنوز القرآن الكريم‪ ،‬تفسير آيات من الكتاب‬ ‫‪308‬‬
‫العزيز‬

‫ثمَهم ))‪.‬‬
‫وهذا الجزاء العظيم للمجًهدين في سبيل ا وعد به ا في التوراة‬
‫والنجيل والقرآن‪ ،‬وهي أعظم الكتب المَزلة وأشهرهً‪ ،‬ومن أصول‬
‫أهل السَّة والجمًعة‪ :‬اليمًن بًلكتب‪ ،‬مً سمي مَهً في القرآن ومً لم‬
‫يس ّم‪ ،‬والذي سمي مَهً في القرآن‪ :‬التوراة‪ ،‬والنجيل‪ ،‬والزبور‪،‬‬
‫وصحف إبراهيم وموسى‪ ،‬وقد ورد ذكر النجيل في القرآن كثيراا‪،‬‬
‫وورد ذكر التوراة أكثر بلفظ التوراة‪ ،‬وبلفظ الكتًب‪ ،‬وجًء ذكر الزبور‬
‫في سورة الَسًء والسراء في قوله تعًلى فيهمً‪:‬‬

‫[الَسًء‪ ]163 :‬و[السراء‪ ،]55 :‬وجًء ذكر صحف‬ ‫‪‬‬


‫إبراهيم وموسى في سورة الَجم وسورة العلى‪.‬‬
‫***‬
‫ـ قوله تعالى‪:‬‬
‫‪‬‬
‫‪‬‬ ‫‪‬‬ ‫‪‬‬
‫[التوبة‪.]119 :‬‬
‫الًَس للغزو‪ ،‬ولم يأذن‬ ‫في غزوة تبوك استَفر رسول ا‬
‫بًلتخلف عن هذه الغزوة إلّ لمن حبسه عذر من مرض وغيره‪ ،‬وكًن‬
‫من بين الذين تخلّفوا من غير عذر ثلثة من أصحًبه الكرام }‪ ،‬وعَد‬
‫سؤالهم عن تخلفهم أجًبوا بًلصدق‪.‬‬
‫عن تخلفه‬ ‫وفي حديث كعب بن مًلك > الطويل لمً سأله الَبي‬
‫قًل‪ (( :‬إني وا يً رسول ا لو جلستل عَد غيرك من أهل الدنيً لرأيت‬
‫‪309‬‬ ‫من كنوز القرآن الكريم‪ ،‬تفسير آيات من الكتاب‬
‫العزيز‬

‫سخنطه بعذر‪ ،‬وا لقد أعطيتل جدلا ولكَي وا لقد‬ ‫ز‬


‫أن سأخر لج من ن‬
‫علمتل لئن حدثتك اليوم حديث كذب ترضى به عَّي ليوشكن ا أن‬
‫ي فيه‪ ،‬إني لرجو فيه‬
‫ي‪ ،‬ولئن حدثتك حديث صدق تجد عل ل‬‫يلسخطك عل ل‬
‫عفو ا‪ ،‬ل وا مً كًن لي من عذر‪ ،‬وا مً كَتل قط أقوى ول أيسر‬
‫مَي حين تخلفتل عَك‪ .‬فقًل رسول ا ‪ :‬أمً هذا فقد صدق فقم حتى‬
‫يقضي ا فيك )) رواه البخًري (‪ )4418‬ومسلم (‪.)7016‬‬
‫وقد أنجًه ا وصًحبيه مرارة بن الربيع العمري وهلل بن أمية‬
‫الواقفي لصدقهم‪ ،‬وأنزل ا توبته عليهم في قوله‪:‬‬

‫‪‬‬ ‫‪‬‬

‫‪‬‬
‫‪‬‬

‫‪‬‬ ‫‪‬‬ ‫‪‬‬


‫[التوبة‪.]118 :‬‬ ‫‪‬‬

‫وكًن من شكر كعب بن مًلك > ربله إذ نجًه لصدقه‪ :‬التزامه‬


‫بًلصدق مً بقي‪ ،‬قًل في حديثه الطويل‪ (( :‬فقلت‪ :‬يً رسول ا‪ ،‬إن ا‬
‫إنمً نجًني بًلصدق‪ ،‬وإن من توبتي أن ل أحدث إلّ صدقً ا مً بقيت‪،‬‬
‫فوا مً أعلم أحدا ا من المسلمين أبله ا في صدق الحديث مَذ ذكرت‬
‫أحسن ممً أبلني‪ ،‬مً تعمدت مَذ ذكرت ذلك‬ ‫ذلك لرسول ا‬
‫من كنوز القرآن الكريم‪ ،‬تفسير آيات من الكتاب‬ ‫‪310‬‬
‫العزيز‬

‫إلى يومي هذا كذبًا‪ ،‬وإني لرجو أن يحفظَي ا فيمً‬ ‫لرسول ا‬


‫بقيت ))‪ .‬وأنزل ا بعد آية التوبة عليهم قوله تعًلى‪:‬‬

‫‪‬‬ ‫‪‬‬
‫‪‬‬ ‫‪‬‬
‫‪.‬‬
‫فأمر عبًده المؤمَين أن يتقوه بفعل مً أمروا به‪ ،‬وترك مً نلهوا عَه‪،‬‬
‫وأن يكونوا مع الصًدقين مع أصحًب رسول ا ‪ ،‬أهل الصدق‬
‫واليمًن‪ ،‬وقد جًء في آية صفًت المهًجرين في سورة الحشر وصفهم‬
‫بًلصدق‪ ،‬قًل ا تعًلى فيهم‪:‬‬
‫[الحشر‪.]8 :‬‬ ‫‪‬‬

‫وفي صحيح البخًري (‪ )6094‬ومسلم (‪ )6639‬واللفظ له عن عبد‬


‫ا ابن مسعود > قًل‪ :‬قًل رسول ا ‪ (( :‬عليكم بًلصدق‪ ،‬فإن‬
‫الصدق يهدي إلى البر‪ ،‬وإن البر يهدي إلى الجَّة‪ ،‬ومً يزال الرجل‬
‫يصدق ويتحرى الصدق حتى يكتب عَد ا صديقًا‪ ،‬وإيًكم والكذب‪ ،‬فإن‬
‫الكذب يهدي إلى الفجور‪ ،‬وإن الفجور يهدي إلى الًَر‪ ،‬ومً يزال الرجل‬
‫يكذب ويتحرى الكذب حتى يكتب عَد ا كذّابً ا ))‪.‬‬
‫***‬
‫ـ قوله تعالى‪:‬‬
‫‪‬‬
‫‪‬‬
‫‪‬‬ ‫‪‬‬
‫‪311‬‬ ‫من كنوز القرآن الكريم‪ ،‬تفسير آيات من الكتاب‬
‫العزيز‬

‫‪‬‬
‫[التوبة‪.]123 :‬‬
‫في هذه الية الكريمة المر بًلجهًد في سبيل ا وقتًل الكفًر‪،‬‬
‫القرب فًلقرب‪ ،‬والدنى فًلدنى مَهم‪ ،‬وهذا هو الصحيح في معَى قوله‬
‫تعًلى‪:‬‬

‫[الرعد‪ ،]41 :‬أي‪ :‬بفتح‬


‫المسلمين لبلد الكفًر شيئً فشيئًا‪ ،‬حكى ابن كثير في تفسيره عن ابن‬
‫قًل‪:‬‬ ‫أنه‬ ‫{‬ ‫عبًس‬
‫الرض بعد الرض ))‪ .‬ثم ذكر أقوالا‬ ‫(( أولم يروا أنً نفتح لمحمد‬
‫أخرى وقًل‪ (( :‬والقول الول أولى وهو ظهور السلم على الشرك‬
‫قرية بعد قرية ))‪.‬‬
‫وقد تكلم ابن كثير ~ في تفسير هذه الية بكلم واف نفيس فقًل‪:‬‬
‫(( أمر ا تعًلى المؤمَين أن يقًتلوا الكفًر ّأولا فأولا‪ ،‬القرب فًلقرب‬
‫بقتًل المشركين في جزيرة‬ ‫إلى حوزة السلم‪ ،‬ولهذا بدأ رسول ا‬
‫العرب‪ ،‬فلمً فرغ مَهم وفتح ا عليه مكة والمديَة‪ ،‬والطًئف‪ ،‬واليمن‪،‬‬
‫واليمًمة وهجر‪ ،‬وخيبر‪ ،‬وحضرموت‪ ،‬وغير ذلك من أقًليم جزيرة‬
‫العرب‪ ،‬ودخل الًَس من سًئر أحيًء العرب في دين ا أفواجًا‪ ،‬شرع‬
‫في قتًل أهل الكتًب‪ ،‬فتجهز لغزو الروم الذين هم أقرب الًَس إلى‬
‫جزيرة العرب‪ ،‬وأولى الًَس بًلدعوة إلى السلم‪ ،‬لكونهم أهل الكتًب‪،‬‬
‫فبلغ تبوك ثم رجع‪ ،‬لجل جهد الًَس وجدب البلد وضيق الحًل‪ ،‬وكًن‬
‫ذلك سَة تسع من هجرته عليه السلم‪.‬‬
‫من كنوز القرآن الكريم‪ ،‬تفسير آيات من الكتاب‬ ‫‪312‬‬
‫العزيز‬

‫ثم اشتغل في السَة العًشرة ب نح لجته ح ّجة الوداع‪ ،‬ثم عًجلته المَية‬
‫ـ صلوات ا وسلمه عليه ـ بعد ح لجته بأحد وثمًنين يومًا‪ ،‬فًختًره ا‬
‫لمً عَده‪ ،‬وقًم بًلمر بعده وزيره وصديقه وخليفته أبو بكر الصديق >‪،‬‬
‫وقد مًل الدين ميلة كًد أن يَجفل‪ ،‬فثبّته ا تعًلى به‪ّ ،‬‬
‫فوطد القواعد وثبّت‬
‫الدعًئم‪ ،‬ورد شًرد الدين وهو راغم‪ ،‬وردّ أهل ّ‬
‫الردّة إلى السلم‪ ،‬وأخذ‬
‫الزكًة ممن مَعهً من الطغًم‪ ،‬وبيّن الحق لمن جهله‪ ،‬وأدى عن الرسول‬
‫مً حمله‪ ،‬ثم شرع في تجهيز الجيوش السلمية إلى الروم عبدة‬
‫الصلبًن‪ ،‬وإلى الفرس عبدة الَيران‪ ،‬ففتح ا ببركة سفًرته البلد‪،‬‬
‫وأرغم أنف كسرى وقيصر ومن أطًعهمً من البلد‪ ،‬وأنفق كَوزهمً في‬
‫سبيل ا كمً أخبر بذلك رسول الله‪ ،‬وكًن تمًم المر على يدي وصيه‬
‫من بعده‪ ،‬وولي عهده الفًروق الواب‪ ،‬شهيد المحراب‪ ،‬أبي حفص عمر‬
‫بن الخطًب >‪ ،‬فأرغم ا به أنوف الكفرة الملحدين‪ ،‬وقمع الطغًة‬
‫والمًَفقين‪ ،‬واستولى على الممًلك شرقً ا وغربًا‪ ،‬وحملت إليه خزائن‬
‫الموال من سًئر القًليم بعدا ا وقربًا‪ ،‬ففرقهً على الوجه الشرعي‪،‬‬
‫والسبيل المرضي‪.‬‬
‫ثم لمً مًت شهيداا‪ ،‬وقد عًش حميداا‪ ،‬أجمع الصحًبة من المهًجرين‬
‫والنصًر على خلفة أمير المؤمَين عثمًن بن عفًن > شهيد الدار‪،‬‬
‫فكسً السلم ريًسة حلّة سًبغة‪ ،‬وامتدت في سًئر القًليم على رقًب‬
‫العبًد حجة ا البًلغة‪ ،‬فظهر السلم في مشًرق الرض ومغًربهً‪،‬‬
‫وعلت كلمة ا وظهر ديَه‪ ،‬وبلغت المة الحَيفية من أعداء ا غًية‬
‫مآربهً‪ ،‬فكلمً علوا أمة انتقلوا إلى من بعدهم‪ ،‬ثم الذين يلونهم من العتًة‬
‫الفجًر‪ ،‬امتثًلا لقوله تعًلى‪:‬‬
‫‪313‬‬ ‫من كنوز القرآن الكريم‪ ،‬تفسير آيات من الكتاب‬
‫العزيز‬

‫‪‬‬
‫‪‬‬
‫‪‬‬ ‫‪‬‬
‫[التوبة‪ ،]123 :‬وقوله تعًلى‪:‬‬
‫أي‪ :‬ويجد الكفًر مَكم غلظة‬
‫عليهم في قتًلكم لهم‪ ،‬فإن المؤمن الكًمل هو الذي يكون رفيقً ا لخيه‬
‫‪‬‬ ‫المؤمن‪ ،‬غليظً ا على عدوه الكًفر‪ ،‬كقوله تعًلى‪:‬‬
‫‪‬‬
‫‪‬‬ ‫‪‬‬

‫[المًئدة‪ ،]54 :‬وقوله‬ ‫‪‬‬


‫‪‬‬ ‫تعًلى‪:‬‬
‫‪‬‬
‫‪‬‬
‫[الفتح‪،]29 :‬‬ ‫‪‬‬
‫وقًل تعًلى‪:‬‬
‫‪‬‬
‫‪‬‬
‫[التوبة‪.)) ]73 :‬‬
‫وقًل‪ (( :‬وهكذا المر لمً كًنت القرون الثلثة الذين هم خير هذه‬
‫المة‪ ،‬في غًية الستقًمة والقيًم بأمر ا تعًلى لم يزالوا ظًهرين على‬
‫من كنوز القرآن الكريم‪ ،‬تفسير آيات من الكتاب‬ ‫‪314‬‬
‫العزيز‬

‫عدوهم‪ ،‬ولم تزل الفتوحًت كثيرة‪ ،‬ولم تزل العداء في سفًل وخسًر‪،‬‬
‫ثم لمً وقعت الفتن والهواء والختلفًت بين الملوك‪ ،‬طمع العداء في‬
‫أطراف البلد‪ ،‬وتقدّموا إليهً‪ ،‬فلم يمًنعوا لشغل الملوك بعضهم ببعض‪،‬‬
‫ثم تقدّموا إلى حوزة السلم فأخذوا من الطراف بلدانً ا كثيرة‪ ،‬ثم لم‬
‫يزالوا حتى استحوذوا على كثير من بلد السلم‪ ،‬ول سبحًنه المر من‬
‫قبل ومن بعد‪ ،‬فكلمً قًم ملك من ملوك السلم وأطًع أوامر ا وتوكل‬
‫على ا‪ ،‬فتح ا عليه من البلد‪ ،‬واسترجع من العداء بحسبه وبقدر مً‬
‫فيه من ولية ا‪ ،‬وا المسؤول المأمول أن يمكن المسلمين من نواصي‬
‫أعدائه الكًفرين‪ ،‬وأن يعلي كلمتهم في سًئر القًليم‪ ،‬إنه جواد كريم ))‪.‬‬
‫***‬
‫ـ قوله تعالى‪:‬‬
‫‪‬‬ ‫‪‬‬

‫[التوبة‪.]128 :‬‬
‫في هذه الية الكريمة بيًن امتًَن ا ‪ ‬على عبًده بأعظم مَّة‪،‬‬
‫لهدايتهم إلى الحق‪ ،‬وإخراجهم‬ ‫وهي إرسًله رسوله الكريم محمدا ا‬
‫من الظلمًت إلى الَور‪ ،‬كمً قًل ‪:‬‬

‫‪‬‬

‫‪‬‬ ‫‪‬‬
‫‪315‬‬ ‫من كنوز القرآن الكريم‪ ،‬تفسير آيات من الكتاب‬
‫العزيز‬

‫‪‬‬

‫[آل عمران‪.]164 :‬‬


‫بصفًت عظيمة‪،‬‬ ‫وقد اشتملت هذه الية الكريمة على وصفه‬
‫على هدايتهم وحصول مً فيه نفعهم وسعًدتهم في‬ ‫وهي‪ :‬حرصه‬
‫الدنيً والخرة‪ ،‬وأنه ي ل‬
‫شق عليه كل مً فيه عَت وضرر عليهم‪ ،‬وأنه ذو‬
‫رأفة ورحمة بهم ـ صلوات ا وسلمه وبركًته عليه ـ‪ ،‬وفي هذه الية‬
‫بأنه رؤوف رحيم‪ ،‬وقد جًء في آيًت من القرآن وصف ا‬ ‫وصفه‬
‫تعًلى نفسه بأنه رؤوف رحيم‪ ،‬ومً يضًف إلى ا ‪ ‬من الصفًت يليق‬
‫بكمًله وجلله‪ ،‬ول يشبهه أحد من المخلوقين في صفًته‪ ،‬كمً قًل ا‬
‫‪:‬‬
‫‪‬‬

‫‪.‬‬
‫سورة يونس‬
‫‪‬‬ ‫ـ قوله تعالى‪:‬‬

‫[يونس‪.]25 :‬‬
‫من كنوز القرآن الكريم‪ ،‬تفسير آيات من الكتاب‬ ‫‪316‬‬
‫العزيز‬

‫لمً ضرب ا المثل للدنيً وبيّن زوالهً وفًَءهً‪ ،‬أخبر سبحًنه أنه‬
‫يدعو عبًده إلى دار السلم وهي الجَة‪ ،‬دار البقًء والدوام في الَعيم‬
‫المقيم‪ ،‬ودار السلمة من الفًت والَقًئص‪ .‬ثم أخبر أن من المدعوين من‬
‫هداهم إلى الصراط المستقيم الذي يوصل سًلكيه إلى سعًدة الدنيً‬
‫والخرة‪.‬‬
‫أ ّمتًن‪ :‬أ ّمة دعوة‪ ،‬وأ ّمة إجًبة‪ ،‬فأ ّمة الدعوة هم الجن‬ ‫وأ ّمة محمد‬
‫إلى قيًم السًعة‪ ،‬وأ ّمة الجًبة هم الذين وفّقهم‬ ‫والنس من حين بعثته‬
‫ا للهداية إلى الحق والدخول في الدين الحَيف‪ ،‬وقد اشتملت هذه الية‬
‫‪‬‬ ‫على ذكر ال ّمتين‪ ،‬فقوله‪:‬‬
‫لحذف فيه‬
‫المفعول‪ ،‬والمعَى‪ :‬وا يدعو إلى دار السلم كل أحد‪ ،‬وهذه أ ّمة الدعوة‪.‬‬
‫وقوله‪:‬‬

‫ألظهر فيه المفعول‪ ،‬وهو‪ :‬من شًء ا هدايته وهم أ ّمة الجًبة‪ ،‬فًلدعوة‬
‫عًمة لكل أحد‪ ،‬والهداية إلى الصراط المستقيم خًصة لمن شًء ا هدايته‪.‬‬
‫والهداية في هذه الية هداية التوفيق التي اختص ا تعًلى بهً‪ ،‬ونفًهً‬
‫في قوله‪:‬‬ ‫عن نبيه محمد‬

‫[القصص‪ ،]56 :‬وأمً‬


‫هداية الدللة والرشًد والبيًن‪ ،‬فقد أثبتهً ا لَبيه في قوله‪:‬‬

‫[الشورى‪،]52 :‬‬
‫‪317‬‬ ‫من كنوز القرآن الكريم‪ ،‬تفسير آيات من الكتاب‬
‫العزيز‬

‫و لحذف في هذه الية المفعول‪ ،‬والمعَى‪ :‬وإنك لتهدي كل أحد إلى‬


‫الصراط المستقيم‪ ،‬أي‪ :‬تدله وتبيّن له وترشده‪.‬‬
‫***‬
‫ـ قوله تعالى‪:‬‬
‫‪‬‬

‫‪‬‬

‫[يونس‪.]26 :‬‬
‫في هذه الية الكريمة بيًن أن الذين أحسَوا في عبًدة ربهم وأحسَوا‬
‫إلى غيرهم بأي وجه من وجوه الحسًن‪ ،‬أن جزاءهم عَد ا الحسَى‬
‫وهي الجَّة وزيًدة وهي‪ :‬الَظر إلى وجه ا ‪ ،‬روى مسلم في‬
‫قًل‪ (( :‬إذا دخل‬ ‫صحيحه (‪ )450 ،449‬عن صهيب > عن الَبي‬
‫أهل الجَّة الجَّة‪ ،‬يقول ا تبًرك وتعًلى‪ :‬تريدون شيئً ا أزيدكم؟ فيقولون‪:‬‬
‫ألم تبيّض وجوهًَ؟ ألم تدخلًَ الجَّة وتَجًَ من الًَر؟ قًل‪ :‬فيكشف‬
‫الحجًب‪ ،‬فمً أعطوا شيئً ا أحب إليهم من الَظر إلى ربهم ‪ .‬ثم تل هذه‬
‫‪‬‬ ‫الية‪:‬‬
‫))‪ .‬فد ّل‬
‫هذا الحديث على تفسير الزيًدة بًلَظر إلى وجه ا ‪.‬‬
‫ورؤية المؤمَين ربهم في الدار الخرة جًءت في آيًت‪ ،‬مَهً قوله‬
‫تعًلى‪:‬‬
‫من كنوز القرآن الكريم‪ ،‬تفسير آيات من الكتاب‬ ‫‪318‬‬
‫العزيز‬

‫‪‬‬ ‫‪‬‬

‫[القيًمة‪ 22 :‬ـ ‪ ،]23‬وقوله‪:‬‬


‫‪‬‬
‫[المطففين‪ ،]15 :‬ووجه الدللة‪ :‬أنه‬ ‫‪‬‬ ‫‪‬‬
‫سخطه عليهم‪ ،‬د ّل على أن أوليًءه يرونه‬
‫لمً لحجب الكفًر عن رؤية ا ل ن‬
‫لرضًه عَهم‪ ،‬كمً جًء ذلك عن الشًفعي ~‪ .‬وأمً الحًديث‪ ،‬فهي‬
‫متواترة جًءت عمً يقرب من ثلثين صحًبيًا‪ ،‬ذكرهم ابن القيم‪ ،‬وذكر‬
‫أحًديثهم في كتًبه (حًدي الرواح إلى بلد الفراح ص‪ 186 :‬ومً‬
‫بعدهً)‪.‬‬
‫وممن أنكر رؤية ا في الدار الخرة المعتزلة‪ ،‬ومَهم الزمخشري‬
‫صًحب الكشًف‪ ،‬ولتمكَه في علم البلغة يستدل لمذهبهم البًطل ببعض‬
‫اليًت على وجه ل يتفطن له إلّ القليل‪ ،‬قًل السيوطي في كتًبه (التقًن‬
‫في علوم القرآن‪ (( :)191/2 :‬والمبتدع ليس له قصد إلّ تحريف اليًت‬
‫وتسويتهً على مذهبه الفًسد‪ ،‬بحيث إنله متى لح له شًردة من بعيد‬
‫اقتَصهً أو وجد موضعً ا له فيه أدنى مجًل سًرع إليه‪ .‬قًل البلقيَي‪:‬‬
‫استخرجت من الكشًف اعتزالا بًلمًَقيش من قوله في تفسير قوله‬
‫تعًلى‪:‬‬

‫‪ :‬وأي فوز‬
‫أعظم من دخول الجَّة؟ أشًر به إلى عدم الرؤية ))‪.‬‬
‫‪319‬‬ ‫من كنوز القرآن الكريم‪ ،‬تفسير آيات من الكتاب‬
‫العزيز‬

‫ومثل قوله تعًلى‪:‬‬


‫‪ :‬قوله‬ ‫‪‬‬

‫تعًلى‪:‬‬
‫[الرحمن‪ ،]60 :‬وكمً أن جزاء‬
‫الذين أحسَوا الحسَى وهي الجَّة‪ ،‬فإن عًقبة الذين أسًؤوا السوأى‪ ،‬كمً‬
‫قًل ا ‪:‬‬
‫‪‬‬

‫[الروم‪ ،]10 :‬والسوأى‪ :‬الًَر‪ ،‬وهو أحد‬ ‫‪‬‬

‫القوال في تفسير هذه الية‪.‬‬


‫***‬
‫تعالى‪:‬‬ ‫قوله‬ ‫ـ‬
‫‪‬‬

‫‪‬‬

‫‪‬‬ ‫‪‬‬

‫[يونس‪ 62 :‬ـ ‪.]63‬‬ ‫‪‬‬

‫في هًتين اليتين الكريمتين بيًن أن أوليًء ا هم المؤمَون المتقون‬


‫وهم الذين آمَوا بربوبية ا وألوهيته وأسمًئه وصفًته‪ ،‬واتقوه بًمتثًل‬
‫أوامره‪ ،‬واجتًَب نواهيه‪ ،‬وكل من كًن مؤمًَ ا تقيً ا فهو ولي ل‪ ،‬وليست‬
‫الولية مقصورة على أفراد تدلعى فيهم الولية‪ ،‬ويلغلى فيهم حتى‬
‫صرف لبعضهم مً ل يلصرف إلّ ل‪.‬‬
‫يل ن‬
‫من كنوز القرآن الكريم‪ ،‬تفسير آيات من الكتاب‬ ‫‪320‬‬
‫العزيز‬

‫قًل ابن كثير في تفسير هذه الية‪ (( :‬يخبر تعًلى أن أوليًءه هم الذين‬
‫آمَوا وكًنوا يتقون كمً فسرهم ربهم‪ ،‬فكل من كًن تقيً ا كًن ل وليًا‪ ،‬فـ‬
‫أي‪ :‬فيمً‬ ‫‪‬‬

‫يستقبلونه من أهوال الخرة‪،‬‬


‫على مً وراءهم في الدنيً ))‪.‬‬ ‫‪‬‬

‫سورة هود‬
‫ـ قوله تعالى‪:‬‬

‫‪‬‬
‫[هود‪.]6 :‬‬
‫أخبر ا تعًلى في هذه الية أن كل دابة تدبر في الرض في البر‬
‫والبحر‪،‬‬
‫أنه متكفّل برزقهً‪ ،‬ويصل إليهً مً كتبه ا لهً‪ ،‬وأنه يعلم مستقرهً‬
‫عهً‪ :‬حيث تموت‪ .‬وقيل‪:‬‬ ‫ومستقرهً‪ :‬حيث تأوي‪ .‬ومستود ل‬
‫ر‬ ‫ومستودعهً‪،‬‬
‫مستقرهً‪ :‬في الرحًم‪ .‬ومستودعهً‪ :‬في الصلب‪ .‬حكًهمً ابن كثير عن‬
‫ّ‬
‫ابن عبًس {‪.‬‬
‫وكل هذه الدواب وحركًتهً وسكًَتهً وأرزاقهً في كتًب مبين‪ ،‬هو‬
‫اللوح المحفوظ‪ ،‬كمً قًل ا ‪:‬‬
‫‪321‬‬ ‫من كنوز القرآن الكريم‪ ،‬تفسير آيات من الكتاب‬
‫العزيز‬

‫‪‬‬

‫[الحديد‪ ،]22 :‬وقًل‪:‬‬

‫[النعًم‪:‬‬
‫‪ ،]38‬وفي سَن ابن مًجه (‪ )2144‬بإسًَد حسن عن جًبر بن عبد ا >‬
‫‪ (( :‬أيهً الًَس اتقوا ا وأجملوا في الطلب‪ ،‬فإن‬‫قًل‪ :‬قًل رسول ا‬
‫نفسً ا لن تموت حتى تستوفي رزقهً وإن أبطأ عَهً‪ ،‬فًتقوا ا وأجملوا‬
‫في الطلب‪ ،‬خذوا مً ح ّل ودعوا مً حرم ))‪ .‬وانظر السلسلة الصحيحة‬
‫‪ (( :‬لو أنكم‬ ‫لللبًني ~ (‪ .)2607‬وعن عمر > قًل‪ :‬قًل رسول ا‬
‫لرزقتم كمً يلرزق الطير تغدو خمًصً ا‬
‫حق تو ّكله ل‬
‫كَتم توكلون على ا ل‬
‫وتروح بطًنً ا ))‪ .‬وهو حديث صحيح‪ ،‬رواه الترمذي (‪ )2344‬وغيره‪،‬‬
‫وانظر السلسلة الصحيحة لللبًني ~ (‪.)310‬‬
‫وقًل الشًعر‪:‬‬
‫ص ّمًء ملمومة لم زلس نواحيهً‬ ‫لو كًن في صخرة في البحر‬
‫راسية‬
‫حتى تؤدي إليه كل مً فيهً‬ ‫رزق لعبد براه ا لنفلقت‬
‫لس ّهل ا في المرقى مراقيهً‬ ‫أو كًن تحت طبًق السبع مطلبهً‬
‫من كنوز القرآن الكريم‪ ،‬تفسير آيات من الكتاب‬ ‫‪322‬‬
‫العزيز‬

‫إن ه زي أتته وإلّ سوف يأتيهً‬ ‫حتى تؤدي الذي في اللوح لخ ّ‬


‫ط‬
‫له‬
‫***‬
‫ـ قوله تعالى‪:‬‬

‫‪‬‬
‫[هود‪:‬‬ ‫‪‬‬
‫‪.]112‬‬
‫أن يستقيم هو وأ ّمته على مً أمر‬ ‫أمر ا في هذه الية نبيه محمدا ا‬
‫ا به‪ .‬والستقًمة‪ :‬اللتزام بمً جًء في كتًب ا وسَّة رسوله ‪،‬‬
‫وذلك بًمتثًل الوامر على قدر الستطًعة واجتًَب الَواهي‪ ،‬كمً قًل‬
‫‪ (( :‬مً نهيتكم عَه فًجتَبوه‪ ،‬ومً أمرتكم به فًفعلوا مَه مً استطعتم ))‪.‬‬
‫رواه البخًري (‪ )7288‬ومسلم (‪ ،)6113‬ولمً سأل أحد الصحًبة رسول‬
‫أن يوصيه‪ ،‬أمره بًلستقًمة‪ ،‬ففي صحيح مسلم (‪ )159‬عن‬ ‫ا‬
‫سفيًن بن عبد ا الثقفي > قًل‪ :‬قلت‪ :‬يً رسول ا! قل لي في السلم‬
‫قولا ل أسأل عَه أحدا ا غيرك‪ .‬قًل‪ (( :‬قل آمَت بًل ثم استقم ))‪.‬‬
‫وقد بيّن ا أن جزاء أهل الستقًمة الجَّة‪ ،‬فقًل‪:‬‬
‫‪‬‬
‫‪‬‬
‫‪‬‬
‫‪‬‬
‫‪323‬‬ ‫من كنوز القرآن الكريم‪ ،‬تفسير آيات من الكتاب‬
‫العزيز‬

‫‪‬‬ ‫‪‬‬
‫[الحقًف‪ 13 :‬ـ ‪ ،]14‬وقًل‪:‬‬
‫‪‬‬
‫‪‬‬

‫‪‬‬
‫‪‬‬

‫‪‬‬

‫‪‬‬

‫‪‬‬
‫‪‬‬
‫‪‬‬ ‫‪‬‬
‫[فصلت‪ 30 :‬ـ ‪.]32‬‬
‫قًل ابن كثير في تفسير هذه الية‪ (( :‬يأمر تعًلى رسوله وعبًده‬
‫المؤمَين بًلثبًت والدوام على الستقًمة‪ ،‬وذلك من أكبر العون على‬
‫الَصر على العداء ومخًلفة الضداد‪ ،‬ونهى عن الطغيًن‪ ،‬وهو البغي‪،‬‬
‫فإنه مصرعة حتى ولو كًن على مشرك‪ ،‬وأعلم تعًلى أنه بصير بأعمًل‬
‫العبًد‪ ،‬ل يغفل عن شيء‪ ،‬ول يخفى عليه شيء ))‪.‬‬
‫من كنوز القرآن الكريم‪ ،‬تفسير آيات من الكتاب‬ ‫‪324‬‬
‫العزيز‬

‫آية هي‬ ‫وقًل القرطبي‪ (( :‬قًل ابن عبًس‪ :‬مً نزل على رسول ا‬
‫أشد ول أشق من هذه الية‪ ،‬ولذلك قًل لصحًبه حين قًلوا له‪ :‬لقد أسرع‬
‫إليك الشيب‪ ،‬فقًل‪ :‬شيوبتني هود وأخواتها ))‪.‬‬
‫سورة يوسف‬
‫ـ قوله تعالى‪:‬‬
‫‪‬‬

‫[يوسف‪.]108 :‬‬
‫في هذه الية الكريمة أن يخبر الًَس أن الدعوة إلى‬ ‫أمر ا نبيه‬
‫عبًدة ا وحده ل شريك له‪ ،‬وإخلص العبًدة له هي سبيله وسبيل‬
‫أتبًعه الذين يسيرون على نهجه‪ ،‬وأن هذه الدعوة على علم وبصيرة‪،‬‬
‫وهكذا تكون الدعوة عن علم بمً يدعو الداعي إليه‪.‬‬
‫قًل ابن كثير في تفسير هذه الية‪ (( :‬يقول تعًلى لعبده ورسوله‬
‫إلى الثقلين‪ :‬الجن والنس‪ ،‬آمرا ا له أن يخبر الًَس أن هذه سبيله أي‬
‫طريقه ومسلكه وسَّته‪ ،‬وهي الدعوة إلى شهًدة أن ل إله إلّ ا وحده ل‬
‫شريك له‪ ،‬يدعو إلى ا بهً على بصيرة من ذلك ويقين وبرهًن‪ ،‬هو‬
‫على بصيرة ويقين‬ ‫وك ّل من اتبعه إلى مً دعً إليه رسول ا‬
‫وبرهًن شرعي وعقلي ‪.‬‬
‫أي‪ :‬وأنزه ا‬ ‫وقوله‪:‬‬
‫‪325‬‬ ‫من كنوز القرآن الكريم‪ ،‬تفسير آيات من الكتاب‬
‫العزيز‬

‫وأعظمه وأقدّسه عن أن يكون له شريك أو نظير‪ ،‬أو عديل أو‬ ‫ّ‬ ‫وأجلّه‬
‫نديد‪ ،‬أو ولد أو والد‪ ،‬أو صًحبة أو وزير أو مشير‪ ،‬تبًرك وتقدّس ّ‬
‫وتَزه‬
‫وتعًلى عن ذلك كلّه علوا ا كبيراا‪،‬‬
‫‪‬‬

‫‪‬‬ ‫‪‬‬

‫))‪.‬‬ ‫‪‬‬ ‫‪‬‬

‫***‬
‫ـ قوله تعالى‪:‬‬

‫‪‬‬
‫[يوسف‪.]109 :‬‬
‫في هذه الية الكريمة بيًن أن الرسل من الرجًل ل من الَسًء‪ ،‬ل‬
‫لن‬
‫الرجًل أكمل من الَسًء‪ ،‬قًل ابن كثير ~ في تفسير هذه الية‪ (( :‬يخبر‬
‫تعًلى أنه إنمً أرسل رسله من الرجًل ل من الَسًء‪ ،‬وهذا قول جمهور‬
‫العلمًء كمً د ّل عليه سيًق هذه الية الكريمة‪ :‬أن ا تعًلى لم يوح إلى‬
‫امرأة من بًَت بَي آدم وحي تشريع‪ .‬وزعم بعضهم أن سًرة امرأة‬
‫الخليل‪ ،‬وأم موسى‪ ،‬ومريم بَت عمران أم عيسى نبيًت‪ ،‬واحتجوا بأن‬
‫الملئكة بشرت سًرة بإسحًق ومن وراء إسحًق يعقوب‪ ،‬وبقوله‪:‬‬
‫من كنوز القرآن الكريم‪ ،‬تفسير آيات من الكتاب‬ ‫‪326‬‬
‫العزيز‬

‫الية‪،‬‬ ‫‪‬‬
‫وبأن الملك جًء إلى مريم وبشرهً بعيسى عليه السلم‪ ،‬وبقوله تعًلى‪:‬‬

‫‪‬‬
‫‪‬‬

‫وهذا القدر حًصل لهن‪ ،‬ولكن ل‬


‫يلزم من هذا أن يكن نبيًت بذلك‪ ،‬فإن أراد القًئل بَبوتهن هذا القدر من‬
‫التشريف‪ ،‬فهذا ل شك فيه‪ ،‬ويبقى الكلم معه في أن هذا هل يكفي في‬
‫النتظًم في سلك الَبوة بمجرده أم ل؟ الذي عليه أهل السَّة والجمًعة‬
‫وهو الذي نقله الشيخ أبو الحسن علي بن إسمًعيل الشعري عَهم أنه‬
‫ليس في الَسًء نبية وإنمً فيهن صدّيقًت‪ ،‬كمً قًل تعًلى مخبرا ا عن‬
‫أشرفهن مريم بَت عمران حيث قًل تعًلى‪:‬‬

‫‪‬‬
‫‪327‬‬ ‫من كنوز القرآن الكريم‪ ،‬تفسير آيات من الكتاب‬
‫العزيز‬

‫فوصفهً في أشرف مقًمًتهً بًلصديقية‪،‬‬


‫فلو كًنت نبية لذكر ذلك في مقًم التشريف والعظًم‪ ،‬فهي صديقة بَص‬
‫القرآن ))‪.‬‬
‫وكمً أن الَسًء لسن من أهل الَبوة والرسًلة؛ كذلك ليس لهن ولية‬
‫أن الفرس ولّوا‬
‫لمً بلغه ل‬ ‫عًمة وخًصة على الرجًل‪ ،‬لن الرسول‬
‫عليهم ابَة كسرى قًل‪ (( :‬لن يفلح قوم ولّوا أمرهم امرأة )) رواه البخًري‬
‫(‪.)4425‬‬
‫وفي هذه الية‪ :‬أن الرسل من أهل القرى‪ ،‬وذلك لرقة قلوبهم ولين‬
‫طبًعهم‪ ،‬بخلف أهل البًدية‪ ،‬ومً جًء في هذه الية من أن الرسل من‬
‫أهل القرى‪ ،‬ل يًَفي مً جًء في هذه السورة في قوله تعًلى عن يعقوب‪:‬‬

‫لن من ذهب من الحًضرة إلى البًدية‬


‫فترة من الزمن‪ ،‬ل يخرجه عن كونه حضريًا‪ ،‬كمً أن من جًء من البًدية‬
‫إلى الحًضرة فترة من الزمن ل يجعله حضريًا‪ .‬وانظر كتًب (دفع إيهًم‬
‫الضطراب عن آيًت الكتًب ص‪ )175 :‬لشيخًَ الشيخ محمد المين‬
‫الشَقيطي ~‪.‬‬
‫***‬
‫ـ قوله تعالى‪:‬‬

‫‪‬‬
‫‪‬‬
‫من كنوز القرآن الكريم‪ ،‬تفسير آيات من الكتاب‬ ‫‪328‬‬
‫العزيز‬

‫‪‬‬
‫[يوسف‪.]110 :‬‬
‫قراءتًن‪ ،‬بتشديد‬ ‫‪‬‬ ‫في قوله في هذه الية‬
‫الذال المكسورة وتخفيفهً‪ ،‬فعلى قراءة التشديد؛ تكون الضمًئر كلهً‬
‫راجعة إلى الرسل‪ ،‬ومثل ذلك قوله تعًلى‪:‬‬

‫‪‬‬
‫[النعًم‪ ،]34 :‬وعلى‬
‫قراءة التخفيف؛ يكون رجوع الضمير في قوله‪:‬‬
‫إلى أقوام الرسل ل إلى الرسل‪ ،‬والمعَى‪:‬‬ ‫‪‬‬
‫سل إليهم أن الرسل‬‫حتى إذا استيأس الرسل من إيمًن قومهم‪ ،‬وظن المر ن‬
‫قد لكذيبوا فيمً لوعدوا به من الَصر‪ ،‬جًءهم نصر ا‪.‬‬
‫اختًر ذلك ابن جرير في تفسيره وعزاه إلى ابن عبًس وابن مسعود‬
‫وسعيد ابن جبير ومجًهد والضحًك بأسًنيده إليهم‪ .‬وروى بإسًَده أن‬
‫مسلم بن يسًر سأل سعيد بن جبير‪ ،‬فقًل‪ (( :‬يً أبً عبد ا‪ ،‬آية بلغت مَي‬
‫كل مبلغ‪:‬‬

‫‪‬‬
‫تظن الرسل أنهم قد لكذبوا‪،‬‬
‫فهذا الموت‪ ،‬أن ّ‬ ‫‪‬‬
‫أو ّ‬
‫نظن أنهم قد كذبوا‪ .‬قًل‪ :‬فقًل سعيد بن جبير‪ :‬يً أبً عبد الرحمن‪ ،‬حتى‬
‫‪329‬‬ ‫من كنوز القرآن الكريم‪ ،‬تفسير آيات من الكتاب‬
‫العزيز‬

‫ّ‬
‫وظن قومهم أن الرسل‬ ‫إذا استيأس الرسل من قومهم أن يستجيبوا لهم‪،‬‬
‫كذبتهم‬

‫‪.‬‬ ‫‪‬‬
‫فرجت عَّي ))‪.‬‬
‫فرج ا عَك كمً ّ‬
‫قًل‪ :‬فقًم مسلم إلى سعيد فًعتَقه وقًل‪ّ :‬‬
‫سورة الرعد‬
‫ـ قوله تعالى‪:‬‬

‫‪‬‬ ‫‪‬‬ ‫‪‬‬

‫‪‬‬

‫‪‬‬
‫‪‬‬ ‫‪‬‬

‫[الرعد‪.]11 :‬‬
‫معَى الية ـ وا أعلم ـ‪ :‬أن للعبد ملئكة موكلين بحفظه‪ ،‬وحف ل‬
‫ظهم‬
‫إيًه من أمر ا لهم بذلك‪ ،‬وقيل‪ (( :‬يمن )) بمعَى البًء‪ ،‬أي‪ :‬يحفظونه بأمر‬
‫ا‪.‬‬
‫وقوله‪:‬‬
‫من كنوز القرآن الكريم‪ ،‬تفسير آيات من الكتاب‬ ‫‪330‬‬
‫العزيز‬

‫‪‬‬

‫هو مثل قوله تعًلى‪:‬‬ ‫‪‬‬

‫‪‬‬

‫‪‬‬
‫[النفًل‪ ،]53 :‬قًل ابن كثير في‬
‫تفسير آية النفًل‪ (( :‬يخبر تعًلى عن تمًم عدله وقسطه في حكمه‪ ،‬بأنه‬
‫تعًلى ل يغيّر نعمة أنعمهً على أحد إلّ بسبب ذنب ارتكبه ))‪ .‬يبيّن ذلك‬
‫‪:‬‬ ‫ا‬ ‫قول‬ ‫ويوضحه‬

‫‪‬‬

‫‪‬‬ ‫‪‬‬
‫[الَحل‪،]112 :‬‬ ‫‪‬‬ ‫‪‬‬
‫وقوله‪:‬‬
‫‪331‬‬ ‫من كنوز القرآن الكريم‪ ،‬تفسير آيات من الكتاب‬
‫العزيز‬

‫‪‬‬ ‫‪‬‬
‫[الشورى‪.]30 :‬‬
‫وقوله‪:‬‬
‫‪‬‬ ‫‪‬‬
‫‪،‬المعَى‪ :‬أن مً كتبه ا وقضًه لبد من وقوعه‪ ،‬فإنه مً‬
‫شًء ا كًن‪ ،‬ومً لم يشأ لم يكن‪.‬‬
‫والرادة في الية‪ :‬إرادة كونية قدنرية‪ ،‬لبد من وقوع المراد‪ ،‬كمً قًل‬
‫‪‬‬ ‫ا ‪:‬‬

‫‪‬‬ ‫‪‬‬
‫[يس‪.]82 :‬‬
‫سورة إبراهيم‬
‫ـ قوله تعالى‪:‬‬

‫‪‬‬
‫[إبراهيم‪.]7 :‬‬
‫وعد ا في هذه الية من شكر نعمه بًلزيًدة فيهً‪ ،‬وأوعد من كفرهً‬
‫بًلعذاب الشديد‪ .‬وشكر الَعم سبب ثبًتهً وزيًدتهً‪ ،‬وكفرهً سبب زوالهً‬
‫فرت‪.‬‬
‫قرت‪ ،‬وإذا ككفرت ر‬‫وذهًبهً‪ ،‬كمً قيل‪ :‬النعم إذا شككرت ر‬
‫وقد قًل ا ‪:‬‬
‫من كنوز القرآن الكريم‪ ،‬تفسير آيات من الكتاب‬ ‫‪332‬‬
‫العزيز‬

‫‪‬‬

‫‪‬‬ ‫‪‬‬
‫[الَحل‪.]112 :‬‬ ‫‪‬‬ ‫‪‬‬

‫وشكر ا على الَعم يكون بًلقرار بهً والتحدّث بهً‪ ،‬وحمد ا‬


‫يقرب إليه‪.‬‬
‫عليهً‪ ،‬وصرفهً في طًعته تعًلى‪ ،‬ومً ّ‬
‫ونعم ا ‪ ‬ل تلعد ول تلحصى‪ ،‬كمً قًل ا ‪:‬‬

‫[الَحل‪ ،]53 :‬وقًل‪:‬‬

‫[إبراهيم‪ .]34 :‬وأعظم الَعم نعمة السلم‬ ‫‪‬‬


‫والهداية إلى الصراط المستقيم‪ .‬ومن الَعم‪ :‬نعمة المًل‪ ،‬والرزق‪ ،‬والولد‪،‬‬
‫والصحة‪ ،‬والعًفية‪ ،‬وغيرهً‪ ،‬وقد قًل ‪ (( :‬نعمتًن مغبون فيهمً كثير‬
‫ص ّحة والفراغ )) رواه البخًري (‪.)6412‬‬
‫من الًَس‪ :‬ال ّ‬
‫والقدوة والسوة في شكر الَعم‪ :‬نبيًَ محمد ؛ فقد غفر ا له مً‬
‫ّ‬
‫تتفطر قدمًه‪ ،‬ولمً‬ ‫تقدّم من ذنبه ومً تأ ّخر‪ ،‬وكًن يقوم من الليل حتى‬
‫قًلت له عًئشة < في ذلك‪ ،‬قًل‪ (( :‬أفل أحب أن أكون عبدا ا شكورا ا )) رواه‬
‫البخًري (‪ )4838‬ومسلم (‪.)7126‬‬
‫وأثَى ا على نوح ـ عليه السلم ـ فقًل‪:‬‬
‫[السراء‪،]3 :‬‬ ‫‪‬‬
‫‪333‬‬ ‫من كنوز القرآن الكريم‪ ،‬تفسير آيات من الكتاب‬
‫العزيز‬

‫وأثَى على إبراهيم فقًل‪:‬‬

‫[الَحل‪ ،]121 :‬وأخبر عن شكر سليمًن‬


‫لمً أحضر إليه عرش بلقيس فقًل‪:‬‬

‫‪‬‬
‫‪‬‬

‫‪‬‬ ‫‪‬‬
‫‪‬‬
‫[الَمل‪ ،]40 :‬وقًل عن لقمًن‪:‬‬

‫‪‬‬
‫‪‬‬
‫[لقمًن‪ ،]12 :‬وفي صحيح مسلم (‪ )7500‬عن‬
‫صهيب > قًل‪ :‬قًل رسول ا ‪ (( :‬عجبً ا لمر المؤمن‪ ،‬إن أمره كلّه‬
‫سراء شكر‪ ،‬فكًن خيرا ا‬‫له خير‪ ،‬وليس ذلك لحد إلّ للمؤمن‪ ،‬إن أصًبته ّ‬
‫ضراء صبر‪ ،‬فكًن خيرا ا له ))‪.‬‬
‫له‪ ،‬وإن أصًبته ّ‬
‫سورة الحجر‬
‫من كنوز القرآن الكريم‪ ،‬تفسير آيات من الكتاب‬ ‫‪334‬‬
‫العزيز‬

‫ـ قوله تعالى‪:‬‬

‫[الحجر‪.]9 :‬‬ ‫‪‬‬ ‫‪‬‬

‫أخبر ا في هذه الية عن تَزيله كتًبه الكريم‪ ،‬وحفظه إيًه من‬


‫يتطرق إليه شيء من ذلك‪.‬‬
‫ّ‬ ‫الزيًدة والَقصًن‪ ،‬والتغيير والتبديل‪ ،‬فل‬
‫وقد تحقّق هذا الحفظ من وجوه‪:‬‬
‫على تلقيه من جبريل وتحريكه‬ ‫حرص الرسول الكريم‬‫ل‬ ‫الول‪:‬‬
‫لسًنه به لدى إلقًئه عليه‪ ،‬لئلّ يفوته مَه شيء‪ ،‬وقد نهًه ا عن ذلك‪،‬‬
‫ووعده بتمكيَه من حفظه فقًل‪:‬‬

‫[طه‪ ،]114 :‬وقًل‪:‬‬


‫‪‬‬

‫[القيًمة‪ 16 :‬ـ ‪.]19‬‬


‫وفي صحيح البخًري (‪ )4929‬عن ابن عبًس { وفيه‪ (( :‬فكًن إذا‬
‫أتًه جبريل أطرق‪ ،‬فإذا ذهب قرأه كمً وعده ا ))‪.‬‬
‫مفرقً ا في ثلث وعشرين سَة‪ ،‬وفي ذلك‬ ‫الثاني‪ :‬نزول القرآن مَ ّجمً ا ّ‬
‫وحفظه شيئً ا فشيئًا‪ ،‬كمً‬ ‫تمكين الصحًبة } من تلقيه عن الرسول‬
‫‪335‬‬ ‫من كنوز القرآن الكريم‪ ،‬تفسير آيات من الكتاب‬
‫العزيز‬

‫قًل ا ‪:‬‬

‫[السراء‪:‬‬
‫‪ .]106‬وروى ابن جرير في تفسيره (‪ )74/1‬بإسًَد صحيح عن عبد ا‬
‫بن مسعود > أنه قًل‪ (( :‬كًن الرجل مًَ إذا تعلّم عشر آيًت لم يجًوزهن‬
‫حتى يعرف معًنينهن والعمل بهن ))‪ ،‬وقًل ابن سعد في (الطبقًت‪:‬‬
‫‪ :)172/6‬أخبرنً حفص بن عمر الحوضي قًل‪ :‬حدثًَ حمًد بن زيد قًل‪:‬‬
‫حدثًَ عطًء بن السًئب أن أبً عبد الرحمن السلمي قًل‪ (( :‬إنً أخذنً هذا‬
‫القرآن عن قوم أخبرونً أنهم كًنوا إذا تعلموا عشر آيًت لم يجًوزوهن‬
‫إلى العشر الخر حتى يعلموا مً فيهن‪ ،‬فكًَّ نتعلم القرآن والعمل به‪.))...‬‬
‫وهذا إسًَد حسن‪ ،‬وحمًد بن زيد ممن سمع من عطًء قبل اختلطه‪.‬‬
‫جمع أبي بكر الصديق > القرآن في صحف‪ ،‬ثم ز‬
‫جمع‬ ‫الثالث‪ :‬ز‬
‫عثمًن > القرآن في مصحف‪.‬‬
‫الرابع‪ :‬توفيق ا ‪ ‬لللوف من المسلمين في مختلف العصور‬
‫لحفظه عن ظهر قلب‪.‬‬
‫سورة النحل‬
‫ـ قوله تعًلى‪:‬‬
‫‪‬‬

‫‪‬‬ ‫‪‬‬
‫من كنوز القرآن الكريم‪ ،‬تفسير آيات من الكتاب‬ ‫‪336‬‬
‫العزيز‬

‫[الَحل‪.]36 :‬‬
‫أخبر ا ‪ ‬في هذه الية أنه بعث في كل أ ّمة من المم رسولا من‬
‫رسله الكرام للدعوة إلى عبًدة ا وحده‪ ،‬وترك عبًدة كل مً سواه‪ ،‬وهذا‬
‫معَى‬ ‫هو‬
‫(( ل إله إلّ ا ))؛ فإنهً مشتملة على نفي عًم‪ ،‬وهو نفي العبًدة عن كل‬
‫مً سوى ا‪ ،‬وإثبًت خًص‪ ،‬وهو إثبًتهً ل وحده ل شريك له‪ ،‬وفي‬
‫الية إخبًره تعًلى بأن هذه المم مَهً من وفقه ا للهداية‪ ،‬فآمن بًلرسل‬
‫واستجًب لدعوتهم‪ ،‬ومَهم من كفر بمً جًءت به الرسل‪ ،‬فبقي في‬
‫الضللة‪.‬‬
‫ومثل هذه الية قوله تعًلى‪:‬‬

‫‪‬‬ ‫‪‬‬

‫[النبيًء‪ ،]25 :‬وقوله‪:‬‬

‫‪‬‬ ‫‪‬‬

‫[الَحل‪.]2 :‬‬ ‫‪‬‬

‫ومً جًء في هذه الية من إرسًل الرسل في كل أ ّمة‪ ،‬ل يلشكل عليه‬
‫مً جًء في قوله تعًلى‪:‬‬
‫‪337‬‬ ‫من كنوز القرآن الكريم‪ ،‬تفسير آيات من الكتاب‬
‫العزيز‬

‫‪‬‬

‫[الَسًء‪ ،]163 :‬وقول أهل الموقف يوم القيًمة‬


‫لَوح‪ (( :‬يً نوح إنك أنت ّأول الرسل إلى أهل الرض )) رواه البخًري‬
‫(‪ )4712‬ومسلم (‪ .)480‬لن إرسًل نوح و نمن بعده حصل بعد وجود‬
‫الشرك والخروج عن الفطرة التي فطر ا الًَس عليهً‪ ،‬بخلف مً كًن‬
‫قبل نوح‪ ،‬فإن الًَس كًنوا على الفطرة‪ ،‬والرسل جًؤوا لتقرير مً فطر‬
‫ا عليه الًَس من التوحيد‪ ،‬وانظر كلم شيخًَ الشيخ محمد المين‬
‫الشَقيطي ~ في أضواء البيًن عَد قوله تعًلى‪:‬‬

‫[البقرة‪:‬‬
‫‪.]253‬‬
‫***‬
‫ـ قوله تعالى‪:‬‬

‫‪‬‬

‫[الَحل‪.]90 :‬‬
‫نقل القرطبي عن ابن مسعود > أنه قًل‪ (( :‬هذه أجمع آية في القرآن‬
‫لخير يلمتثل‪ ،‬ولشر يجتَب ))‪ .‬والعدل‪ :‬هو القسط والنصًف‪ ،‬وضدّه الجور‬
‫من كنوز القرآن الكريم‪ ،‬تفسير آيات من الكتاب‬ ‫‪338‬‬
‫العزيز‬

‫والظلم‪ ،‬ويدخل فيه أداء مً فرض ا على عبًده‪ .‬والحسًن يتعدّى‬


‫سن‬‫بَفسه فيلقًل‪ :‬أحسن فلن عمله‪ ،‬أي‪ :‬أتقَه‪ ،‬ويتعدى بًلحرف فيلقًل‪ :‬أح ن‬
‫إلى غيره‪ ،‬أي‪ :‬أوصل إليه بره ومعروفه‪ ،‬وكل من المعَيين مأمور به‬
‫في الية‪ ،‬وإيتًء ذي القربى هو من جملة الحسًن‪ ،‬وألفرد بًلذّيكر لكون‬
‫القرابة أولى الًَس ببر النسًن وإحسًنه‪ ،‬وهو من صلة الرحًم التي أمر‬
‫ا بوصلهً‪ ،‬وقد جًء في القرآن آيًت كثيرة فيهً المر بًلعدل والَدب إلى‬
‫الحسًن‪ ،‬كقوله تعًلى‪:‬‬
‫‪‬‬
‫[الَحل‪ ،]126 :‬وهو عدل‪ ،‬ثم‬ ‫‪‬‬
‫‪‬‬ ‫قًل‪:‬‬
‫‪ ،‬وهو إحسًن‪،‬‬
‫وقًل‪:‬‬

‫‪‬‬ ‫‪،‬وهو عدل‪ ،‬ثم قًل‪:‬‬


‫وهو إحسًن‪ ،‬وقًل‪:‬‬
‫[المًئدة‪،]45 :‬‬
‫وهو عدل‪ ،‬ثم قًل‪:‬‬
‫‪ ،‬وهو إحسًن‪،‬‬ ‫‪‬‬ ‫‪‬‬
‫وقًل‪:‬‬

‫[الشورى‪،]41 :‬‬
‫وهو عدل‪ ،‬ثم قًل‪:‬‬
‫‪‬‬
‫‪339‬‬ ‫من كنوز القرآن الكريم‪ ،‬تفسير آيات من الكتاب‬
‫العزيز‬

‫[الشورى‪ ،]43 :‬وهو إحسًن‪،‬‬ ‫‪‬‬


‫وقًل‪:‬‬
‫[الشورى‪،]40 :‬‬
‫‪‬‬ ‫وهو عدل‪ ،‬ثم قًل‪:‬‬

‫‪ ،‬وهو إحسًن‪.‬‬
‫والفواحش‪ :‬مً فحش وعظم من الذنوب‪ ،‬قًل ا ‪:‬‬
‫‪‬‬

‫[السراء‪ ،]32 :‬وقًل‪:‬‬


‫‪‬‬

‫[الَسًء‪.]22 :‬‬
‫محرم حرمه ا ونهى‬ ‫ّ‬ ‫والمَكر‪ :‬هو مً يقًبل المعروف‪ ،‬وهو كل‬
‫عَه‪ .‬والبغي‪ :‬العتداء والظلم‪ ،‬وهو من جملة المَكرات‪ ،‬لكَه ألفرد‬
‫لخطورته وشدّة ضرره‪.‬‬
‫سورة السراء‬
‫ـ قوله تعالى‪:‬‬
‫من كنوز القرآن الكريم‪ ،‬تفسير آيات من الكتاب‬ ‫‪340‬‬
‫العزيز‬

‫[السراء‪.]9 :‬‬ ‫‪‬‬

‫أنزل ا كتًبه الكريم هدى ورحمة للمؤمَين‪ ،‬ووصفه في هذه الية‬


‫بأنه يهدي للتي هي أقوم‪ ،‬أي‪ :‬للطريقة التي هي أقوم‪ .‬وكتًب ا وسَّة‬
‫فيهمً الحق والهدى‪ ،‬وبًلتمسك بمً فيهمً تحصل السعًدة في‬ ‫رسوله‬
‫الدنيً والخرة‪.‬‬
‫قًل شيخًَ الشيخ محمد المين الشَقيطي ~ في (أضواء البيًن)‪:‬‬
‫(( ذكر ج ّل وعل في هذه الية الكريمة‪ :‬أن هذا القرآن العظيم الذي هو‬
‫أعظم الكتب السمًوية‪ ،‬وأجمعهً لجميع العلوم‪ ،‬وآخرهً عهدا ا برب‬
‫وعل‪،‬‬ ‫ج ّل‬ ‫العًلمين‬

‫‪ ،‬أي‪ :‬الطريقة التي هي أسد وأعدل وأصوب‪ ،‬فـ‬ ‫‪‬‬


‫(( التي )) نعت لموصوف محذوف ))‪.‬‬
‫وقًل‪ (( :‬وهذه الية الكريمة أجمل ا ـ ج ّل وعل ـ فيهً جميع مً في‬
‫القرآن من الهدي إلى خير الطرق وأعدلهً وأصوبهً‪ ،‬فلو تتبعًَ تفصيلهً‬
‫على وجه الكمًل لتيًَ على جميع القرآن العظيم‪ ،‬لشمولهً لجميع مً فيه‬
‫من الهدى إلى خير الدنيً والخرة‪ ،‬ولكًََ إن شًء ا تعًلى سَذكر جملا‬
‫وافرة في جهًت مختلفة كثيرة من هدي القرآن للطريق التي هي أقوم‬
‫بيًنً ا لبعض مً أشًرت إليه الية الكريمة‪ ،‬تَبيهً ببعضه على كله من‬
‫المسًئل العظًم‪ ،‬والمسًئل التي أنكرهً الملحدون من الكفًر‪ ،‬وطعَوا‬
‫بسببهً في دين السلم‪ ،‬لقصور إدراكهم عن معرفة حكمهً البًلغة ))‪ .‬ثم‬
‫وفّى بمً وعد به في أربع وخمسين صفحة من (‪ 488/3‬ـ ‪.)542‬‬
‫وقوة بصيرته‪ ،‬رحمه ا‬ ‫وهو دال على سعة علمه‪ ،‬ودقّة فهمه‪ّ ،‬‬
‫‪341‬‬ ‫من كنوز القرآن الكريم‪ ،‬تفسير آيات من الكتاب‬
‫العزيز‬

‫وغفر له‪.‬‬
‫***‬
‫‪‬‬ ‫ـ قوله تعالى‪:‬‬

‫[السراء‪.]31 :‬‬
‫نهى ا ‪ ‬في هذه الية عن قتل الولد خشية الفقر‪ ،‬وأخبر سبحًنه‬
‫أنه رازق الولد والوالدين‪ ،‬ومثل هذه الية‪ ،‬قوله تعًلى في سورة‬
‫‪‬‬ ‫النعًم‪:‬‬

‫[النعًم‪ ،]151 :‬ولمً كًن الفقر في هذه‬


‫الية متوقعً ا لقوله‪:‬‬
‫قدّم تعًلى نرزقه الولد على نرزق الوالدين‪ ،‬وكأن نرزق البًء حصل‬
‫لرزق الولد‪.‬‬‫بسبب البقًء على الولد‪ ،‬فكًن نرزق البًء تبعً ا ن‬
‫ولمً كًن الفقر في آية سورة النعًم واقعً ا لقوله تعًلى‪:‬‬
‫قدّيم نرزق الوالدين على نرزق‬
‫الولد‪.‬‬
‫وروى البخًري (‪ )4477‬ومسلم (‪ )257‬عن عبد ا بن مسعود >‬
‫‪ :‬أي الذنب أعظم عَد ا؟ قًل‪ (( :‬أن تجعل ل ندا ا‬ ‫قًل‪ :‬سألت الَبي‬
‫من كنوز القرآن الكريم‪ ،‬تفسير آيات من الكتاب‬ ‫‪342‬‬
‫العزيز‬

‫وهو خلقك ))‪ ،‬قلت‪ :‬إن ذلك لعظيم‪ ،‬قلت‪ :‬ثم أ ّ‬


‫ي؟ قًل‪ (( :‬وأن تقتل ولدك‬
‫تزاني حليلة جًرك ))‪.‬‬
‫ن‬ ‫ي؟ قًل‪ (( :‬أن‬
‫تخًف أن يطعم معك ))‪ ،‬قلت‪ :‬ثم أ ّ‬
‫سورة الكهف‬
‫‪‬‬ ‫ـ قوله تعالى‪:‬‬

‫‪‬‬
‫‪‬‬
‫‪‬‬

‫[الكهف‪.]109 :‬‬
‫في هذه الية الكريمة بيًن أن كلم ا ‪ ‬ل يَتهي‪ ،‬وأنه ل نفًد له‪،‬‬
‫وأنه لو كًنت البحور مدادا ا يلكتب به كلم ا‪ ،‬لَفدت البحور ولو‬
‫ضوعفت‪ ،‬لن مًءهً محصور‪ ،‬ول يَفد كلم ا‪ ،‬لنه ل حصر له ول‬
‫نفًد‪ ،‬وذلك أن ا ‪ ‬ل بداية له‪ ،‬فل بداية لكلمه‪ ،‬ول نهًية له‪ ،‬فل‬
‫نهًية لكلمه‪.‬‬
‫‪‬‬ ‫ومثل هذه الية قوله تعًلى في سورة لقمًن‪:‬‬

‫‪‬‬
‫[لقمًن‪:‬‬
‫‪343‬‬ ‫من كنوز القرآن الكريم‪ ،‬تفسير آيات من الكتاب‬
‫العزيز‬

‫‪.]27‬‬
‫سورة مريم‬
‫ـ قوله تعالى‪:‬‬

‫‪‬‬

‫[مريم‪ 71 :‬ـ ‪.]72‬‬


‫أشهر مً قيل في معَى الورود في الية قولن‪ :‬أحدهما‪ :‬أنه الدخول‬
‫فيهً ول يحصل لهم ضررهً‪ ،‬وهذا حكًه ابن كثير عن ابن عبًس‪،‬‬
‫واختًره شيخًَ الشيخ محمد المين الشَقيطي في (أضواء البيًن)‪ ،‬وذكر‬
‫أوجه اختيًر هذا القول‪.‬‬
‫والثاني‪ :‬أنه المرور على الصراط على قدر العمًل‪ ،‬والصراط‬
‫مَصوب على متن جهَم‪ ،‬فًلذي يمر عليه حصل له ورود الًَر‪ ،‬وقد‬
‫حكًه ابن كثير عن ابن مسعود >‪ .‬قًل الشوكًني في تفسير هذه الية‪:‬‬
‫(( ول يخفى أن القول بأن الورود هو المرور على الصراط‪ ،‬أو الورود‬
‫على جهَم وهي خًمدة‪ ،‬فيه جمع بين الدلة من الكتًب والسَّة‪ ،‬فيَبغي‬
‫حمل هذه الية على ذلك‪ ،‬لنه قد حصل الجمع بحمل الورود على دخول‬
‫الًَر مع كون الداخل من المؤمَين مبعدا ا من عذابهً‪ ،‬أو بحمله على‬
‫المضي فوق الجسر المَصوب عليهً وهو الصراط ))‪.‬‬
‫من كنوز القرآن الكريم‪ ،‬تفسير آيات من الكتاب‬ ‫‪344‬‬
‫العزيز‬

‫وممً يقوي القول بأن المراد بًلورود المرور على الصراط‪ :‬مً رواه‬
‫يقول عَد‬ ‫مسلم في صحيحه (‪ )6404‬عن أم لمبن ّ‬
‫شير أنهً سمعت الَبي‬
‫حفصة‪ (( :‬ل يدخل الًَر إن شًء ا من أصحًب الشجرة أحد من الذين‬
‫بًيعوا تحتهً ))‪ ،‬قًلت‪ :‬بلى يً رسول ا‪ .‬فًنتهرهً‪ ،‬فقًلت حفصة‪:‬‬

‫قد قًل ا ‪:‬‬ ‫((‬ ‫‪:‬‬ ‫‪ ،‬فقًل الَبي‬


‫‪‬‬

‫))‪.‬‬
‫قًل الَووي في شرح هذا الحديث‪ (( :‬والصحيح أن المراد بًلورود في‬
‫الية المرور على الصراط‪ ،‬وهو جسر مَصوب على جهَم فيقع فيهً أهلهً‬
‫ويَجو الخرون ))‪.‬‬
‫سورة طه‬
‫ـ قوله تعالى‪:‬‬
‫[طه‪.]114 :‬‬
‫أن يسأله الزيًدة من‬ ‫في هذه الية الكريمة زأمر ا نبيه محمدا ا‬
‫العلم‪ ،‬وذلك دال على فضل العلم الشرعي‪ ،‬ومن أدلته في القرآن قوله‬
‫‪:‬‬
‫‪‬‬

‫‪‬‬
‫‪345‬‬ ‫من كنوز القرآن الكريم‪ ،‬تفسير آيات من الكتاب‬
‫العزيز‬

‫[آل عمران‪:‬‬
‫‪‬‬ ‫‪ ،]18‬وقوله تعًلى‪:‬‬
‫‪‬‬
‫‪‬‬
‫[الزمر‪ ،]9 :‬وقوله‪:‬‬

‫[فًطر‪ ،]28 :‬وقوله‪:‬‬

‫‪‬‬
‫‪‬‬
‫[المجًدلة‪.]11 :‬‬
‫قًل الحًفظ ابن حجر في الفتح (‪ (( :)141/1‬وقوله ‪:‬‬
‫‪ ،‬واضح الدللة‬
‫في فضل العلم؛ لن ا تعًلى لم يأمر نبيه بطلب الزديًد من شيء إل‬
‫من العلم ))‪.‬‬
‫وقد أورد البخًري في صحيحه (‪ )82‬في بًب فضل العلم حديث ابن‬
‫قًل‪ (( :‬بيًَ أنً نًئم ألتيتل بقندنح لبن‪،‬‬ ‫عمر { قًل‪ :‬سمعت رسول ا‬
‫ي يخرج في أظفًري‪ ،‬ثم أعطيت فضلي‬ ‫الر ّ‬
‫فشربت حتى إني لري ي ّ‬
‫عمر بن الخطًب ))‪ .‬قًلوا‪ :‬فمً أولته يً رسول ا؟ قًل‪ (( :‬العلم ))‪.‬‬
‫اللبن بًلعلم‪ .‬وقد جًء في السَّة أمر‬ ‫ففي هذا الحديث تأويل رؤيًه‬
‫بًلدعًء عَد شرب اللبن بطلب الزيًدة مَه‪ ،‬فعَد الترمذي‬ ‫الَبي‬
‫سَه‪ ،‬وعَد ابن مًجه (‪ )3322‬بإسًَدين يقوي بعضهمً‬ ‫(‪ )3455‬وح ّ‬
‫من كنوز القرآن الكريم‪ ،‬تفسير آيات من الكتاب‬ ‫‪346‬‬
‫العزيز‬

‫بعضً ا عن ابن عبًس قًل‪ :‬قًل رسول ا ‪ (( :‬من أطعمه ا طعًمً ا‬


‫فليقل‪ :‬اللهم بًرك لًَ فيه‪ ،‬وارزقًَ خيرا ا مَه‪ ،‬ومن سقًه ا لبًَ ا فليقل‪:‬‬
‫اللهم بًرك لًَ فيه وزدنً مَه‪ ،‬فإني ل أعلم مً يلجزئ من الطعًم والشراب‬
‫إلّ اللبن ))‪ .‬وانظر السلسلة الصحيحة لللبًني ~ (‪.)2320‬‬
‫في هذه الية أن يسأله الزيًدة من‬ ‫والخلصة‪ :‬أن ا أمر نبيه‬
‫أرشد عَد شرب اللبن إلى سؤال ا الزيًدة مَه‪.‬‬ ‫العلم‪ ،‬وأن الَبي‬
‫رؤيًه اللبن في المًَم بًلعلم‪ ،‬وكل مَهمً ورد طلب‬ ‫وقد ّأول الَبي‬
‫الزيًدة مَه‪.‬‬
‫سورة النبياء‬
‫ـ قوله تعالى‪:‬‬

‫[النبياء‪.]34 :‬‬
‫دلّت الية الكريمة على أن مصير البشر إلى فًَء‪ ،‬وأن ا ‪ ‬لم‬
‫يجعل الخلد لحد قبله ‪ ،‬فل يكون له ول لغيره البقًء‪ ،‬بل ك صل صًئر إلى‬
‫الفًَء‪ ،‬كمً قًل ا ‪:‬‬

‫[الرحمن‪ 26 :‬ـ ‪.]27‬‬


‫ويقولون‪:‬‬ ‫قًل بعض أهل العلم‪ (( :‬كًن المشركون يَكرون نبوته‬
‫هو شًعر يلتربّص به ريب المَون‪ ،‬ولعلّه يموت كمً مًت شًعر بَي‬
‫‪347‬‬ ‫من كنوز القرآن الكريم‪ ،‬تفسير آيات من الكتاب‬
‫العزيز‬

‫فلن؛ فقًل ا تعًلى‪ :‬قد مًت النبيًء من قبلك‪ ،‬وتولى ا ديَه بًلَصر‬
‫والحيًطة‪ ،‬فهكذا نحفظ ديَك وشرعك ))‪.‬‬
‫وقد استلدل بهذه الية على أن الخضر ـ عليه السلم ـ قد مًت‪ ،‬سواء‬
‫كًن وليً ا أو نبيً ا أو رسولا‪ ،‬لنه بشر وكًن في زمن موسى عليه السلم‪،‬‬
‫وقد قًل ا ‪:‬‬

‫‪.‬‬
‫سورة الحج‬
‫ـ قوله تعالى‪:‬‬
‫‪‬‬
‫‪‬‬

‫‪‬‬
‫‪‬‬ ‫‪‬‬
‫‪‬‬
‫‪‬‬

‫[الحج‪ 40 :‬ـ ‪.]41‬‬ ‫‪‬‬

‫في هذه الية الكريمة وعزد ا ‪ ‬أنه نًصر من يَصره‪ ،‬ومم ّكن له‬
‫في الرض‪ ،‬ونصر ا ‪ ‬يكون بإقًمة شرعه‪ ،‬والعمل بمً جًء في‬
‫الكتًب والسَّة المطهرة‪ .‬وهذه الية نظير قوله ‪:‬‬
‫من كنوز القرآن الكريم‪ ،‬تفسير آيات من الكتاب‬ ‫‪348‬‬
‫العزيز‬

‫‪‬‬

‫[محمد‪ ،]7 :‬وقوله‪:‬‬

‫‪‬‬
‫‪‬‬
‫‪‬‬

‫‪‬‬
‫[الَور‪.]55 :‬‬
‫وفي الية الثًنية بيًن صفًت المستحقين لَصر ا ‪ ،‬لكونهم‬
‫نصروه وهي‪ :‬إقًمة الصلة‪ ،‬وإيتًء الزكًة‪ ،‬والمر بًلمعروف والَهي‬
‫عن المَكر‪ ،‬قًل شيخًَ الشيخ محمد المين الشَقيطي ~ في (أضواء‬
‫البيًن) بعد إيراد جملة من اليًت التي فيهً بيًن نصر ا ‪ ‬من يَصره‪،‬‬
‫قًل‪ (( :‬وفي قوله تعًلى‪:‬‬
‫الية دليل‬
‫على أنه ل وعد من ا بًلَصر إلّ مع إقًمة الصلة وإيتًء الزكًة‪،‬‬
‫‪349‬‬ ‫من كنوز القرآن الكريم‪ ،‬تفسير آيات من الكتاب‬
‫العزيز‬

‫والمر بًلمعروف والَهي عن المَكر‪ ،‬فًلذين يمكن ا لهم في الرض‬


‫ويجعل الكلمة فيهً والسلطًن لهم‪ ،‬ومع ذلك ل يقيمون الصلة‪ ،‬ول‬
‫يؤتون الزكًة‪ ،‬ول يأمرون بًلمعروف‪ ،‬ول يَهون عن المَكر‪ ،‬فليس لهم‬
‫وعد من ا بًلَصر‪ ،‬لنهم ليسوا من حزبه‪ ،‬ول من أوليًئه الذين وعدهم‬
‫بًلَصر‪ ،‬بل هم حزب الشيطًن وأوليًؤه‪ ،‬فلو طلبوا الَصر من ا بًَ اء‬
‫على أنه وعدهم إيًه‪ ،‬فمثلهم كمثل الجير الذي يمتَع من عمل مً أجر‬
‫عليه‪ ،‬ثم يطلب الجرة‪ ،‬ومن هذا شأنه فل عقل له ))‪.‬‬
‫وقًل‪ (( :‬وهذه اليًت تدل على ص ّحة خلفة الخلفًء الراشدين‪ ،‬لن‬
‫ا نصرهم على أعدائه‪ ،‬لنهم نصروه فأقًموا الصلة‪ ،‬وآتوا الزكًة‪،‬‬
‫وأمروا بًلمعروف‪ ،‬ونهوا عن المَكر‪ ،‬وقد م ّكن لهم واستخلفهم في‬
‫قًل‪:‬‬ ‫كمً‬ ‫الرض‬

‫‪‬‬
‫‪‬‬
‫‪‬‬
‫الية‪ .‬والحق أن اليًت المذكورة تشمل‬
‫وكل من قًم بَصرة دين ا على الوجه‬ ‫أصحًب رسول ا‬
‫الكمل ))‪.‬‬
‫سورة المؤمنون‬
‫ـ قوله تعالى‪:‬‬
‫‪‬‬ ‫‪‬‬
‫من كنوز القرآن الكريم‪ ،‬تفسير آيات من الكتاب‬ ‫‪350‬‬
‫العزيز‬

‫‪‬‬

‫[المؤمنون‪.]60 :‬‬ ‫‪‬‬

‫طون مً يعطون‬‫ذكر ا في هذه الية من صفًت المؤمَين أنهم يع ل‬


‫وهم خًئفون نو يجلون أل يلتقبّل مَهم‪ ،‬لمً يعتري عملهم في ظَّهم من‬
‫التقصير‪ ،‬وروى الترمذي في جًمعه (‪ )3175‬أن عًئشة زوج الَبي‬
‫عن هذه الية‪:‬‬ ‫قًلت‪ :‬سألت رسول ا‬
‫‪‬‬
‫‪‬‬ ‫‪‬‬
‫‪ ،‬قًلت عًئشة‪ :‬أهم الذين يشربون الخمر‬
‫ويسرقون؟ قًل‪ (( :‬ل يً بَت الصدّيق‪ ،‬ولكَهم الذين يصومون ويصلون‬
‫))‬ ‫ويتصدّقون‪ ،‬وهم يخًفون أن ل يقبل مَهم‬
‫‪‬‬

‫‪.‬‬ ‫‪‬‬

‫وأشًر إلى طريق أخرى له عن أبي هريرة >‪ .‬وانظر السلسلة‬


‫الصحيحة لللبًني ~ (‪ .)162‬قًل اللبًني‪ (( :‬والسر في خوف المؤمَين‬
‫أل تقبل عبًدتهم‪ ،‬ليس هو خشيتهم أن ل يوفيهم ا أجورهم‪ ،‬فإن هذا‬
‫خلف وعد ا إيًهم في مثل قوله تعًلى‪:‬‬
‫‪‬‬
‫‪‬‬
‫‪‬‬ ‫‪‬‬
‫‪351‬‬ ‫من كنوز القرآن الكريم‪ ،‬تفسير آيات من الكتاب‬
‫العزيز‬

‫قًل‪:‬‬ ‫كمً‬ ‫عليهً‬ ‫ليزيدهم‬ ‫إنه‬ ‫بل‬ ‫‪]73‬؛‬ ‫[الَسًء‪:‬‬


‫‪‬‬ ‫‪‬‬
‫‪‬‬
‫[فًطر‪ ،]30 :‬وا تعًلى ل يخلف وعده كمً قًل في كتًبه‪ ،‬وإنمً السر أن‬
‫القبول متعلّق بًلقيًم بًلعبًدة كمً أمر ا ‪ ،‬وهم ل يستطيعون الجزم‬
‫صروا في ذلك‪ ،‬ولهذا فهم‬‫بأنهم قًموا بهً على مراد ا‪ ،‬بل يظَون أنهم ق ل‬
‫يخًفون أن ل تقبل مَهم‪ ،‬فليتأمل المؤمن هذا عسى أن يزداد حرصً ا‬
‫على إحسًن العبًدة والتيًن بهً كمً أمر ا‪ ،‬وذلك بًلخلص فيهً له‪،‬‬
‫في هديه فيهً‪ ،‬وذلك معَى قوله تعًلى‪:‬‬ ‫واتبًع نبيه‬
‫‪‬‬

‫‪‬‬
‫[الكهف‪.)) ]110 :‬‬
‫وروى ابن جرير في تفسير هذه الية (‪ )68/17‬عن الحسن أنه كًن‬
‫يقول‪ (( :‬إن المؤمن جمع إحسًنً ا وشفقة‪ ،‬وإن المًَفق جمع إسًءة وأمًَا‪.‬‬
‫الحسن‪:‬‬ ‫تل‬ ‫ثم‬

‫‪‬‬ ‫‪‬‬
‫‪‬‬ ‫إلى‬

‫‪ ،‬وقًل المًَفق‪:‬‬ ‫‪‬‬


‫من كنوز القرآن الكريم‪ ،‬تفسير آيات من الكتاب‬ ‫‪352‬‬
‫العزيز‬

‫))‪.‬‬
‫سورة النور‬
‫ـ قوله تعالى‪:‬‬
‫‪‬‬
‫‪‬‬ ‫‪‬‬

‫‪‬‬

‫‪‬‬
‫‪‬‬

‫‪‬‬

‫‪‬‬
‫[الَور‪.]21 :‬‬
‫نهى ا عبًده المؤمَين في هذه الية عن اتبًع خطوات الشيطًن‪،‬‬
‫وهي طرائقه ومًَهجه ومسًلكه‪ ،‬وأخبر أن من كًن كذلك‪ ،‬فإنه يأمر‬
‫‪:‬‬ ‫ا‬ ‫قًل‬ ‫كمً‬ ‫والمَكر‪،‬‬ ‫بًلفحشًء‬
‫‪‬‬ ‫‪‬‬

‫‪‬‬
‫‪353‬‬ ‫من كنوز القرآن الكريم‪ ،‬تفسير آيات من الكتاب‬
‫العزيز‬

‫‪‬‬

‫الية [التوبة‪ .]67 :‬ونقل‬


‫ابن كثير في تفسيره عن قتًدة أنه قًل‪ (( :‬كل معصية فهي من خطوات‬
‫الشيطًن ))‪ .‬وخطوات الشيطًن هي السبل المخًلفة للصراط المستقيم‪،‬‬
‫وقد نهى ا عن اتبًعهً بقوله‪:‬‬

‫‪‬‬

‫‪‬‬

‫‪‬‬

‫[النعًم‪ ،]153 :‬ثم أخبر تعًلى أن مً يحصل‬ ‫‪‬‬

‫من هداية واستقًمة‪ ،‬فهي بفضل ا ‪ ‬على من يشًء من عبًده‪ ،‬وأنه‬


‫لول فضل ا ‪ ‬ورحمته لم يهتد من اهتدى‪ ،‬كمً قًل ا ‪:‬‬
‫‪‬‬

‫[الكهف‪.]17 :‬‬
‫قًل شيخًَ الشيخ محمد المين الشَقيطي ~ في (أضواء البيًن)‪:‬‬
‫بيّن ج ّل وعل في هذه الية أنه لول فضله ورحمته مً زكً أحد من‬ ‫((‬
‫من كنوز القرآن الكريم‪ ،‬تفسير آيات من الكتاب‬ ‫‪354‬‬
‫العزيز‬

‫خلقه‪ ،‬ولكَه بفضله ورحمته يزكي من يشًء تزكيته من خلقه‪ ،‬ويلفهم من‬
‫الية أنه ل يمكن أحد أن يزكي نفسه بحًل من الحوال‪ ،‬وهذا المعَى‬
‫الذي تضمَته هذه الية الكريمة جًء مبيًَّ في غير هذا الموضع‪ ،‬كقوله‬
‫تعًلى‪:‬‬
‫‪‬‬

‫‪‬‬

‫‪ ،‬وقوله تعًلى‪:‬‬
‫‪‬‬

‫‪‬‬

‫‪‬‬ ‫‪‬‬ ‫‪‬‬

‫‪ ،‬والزكًة‬
‫في هذه الية‪ :‬هي الطهًرة من أنجًس الشرك والمعًصي‪.‬‬
‫وقوله‪:‬‬
‫أي‪ :‬يطهره من أدنًس الكفر والمعًصي‬
‫بتوفيقه وهدايته إلى اليمًن‪ ،‬والتوبة الَصوح‪ ،‬والعمًل الصًلحة‪ ،‬وهذا‬
‫الذي دلّت عليه هذه اليًت المذكورة ل يعًرضه قوله تعًلى‪:‬‬
‫‪ ،‬ول‬
‫قوله‪:‬‬
‫‪355‬‬ ‫من كنوز القرآن الكريم‪ ،‬تفسير آيات من الكتاب‬
‫العزيز‬

‫على القول بأن معَى تزكى تطهر من أدنًس الكفر والمعًصي‪ ،‬ل‬
‫على أن المراد بهً خصوص زكًة الفطر‪ .‬ووجه ذلك في قوله‪:‬‬
‫أنه ل يزكيهً إل بتوفيق ا وهدايته إيًه‬
‫للعمل الصًلح وقبوله مَه‪ ،‬وكذلك المر في قوله‪:‬‬
‫كمً ل يخفى ))‪.‬‬
‫سورة الفرقان‬
‫ـ قوله تعًلى‪:‬‬
‫‪‬‬ ‫‪‬‬

‫[الفرقًن‪:‬‬
‫‪.]32‬‬
‫في هذه الية الكريمة مثًل من أمثلة تعَت المشركين واعتراضهم على‬
‫مفرقًا‪ ،‬ولم يَزل كًلكتب‬
‫الرسول ‪ ،‬وذلك في كون القرآن نزل مَ ّجمً ا ّ‬
‫السًبقة دفعة واحدة‪ ،‬وقد بيّن ا في هذه الية وغيرهً الحكمة في ذلك‪،‬‬
‫وهي ترجع إلى تثبيت فؤاده ‪ ،‬وإلى قراءته على الصحًبة على نم نهل‬
‫ليتمكَوا من حفظه‪.‬‬
‫وفي هذه الية بيًن أنه إنمً نزل مفرقً ا ليثبت ا به فؤاده ‪ ،‬وذلك‬
‫أنه كلمً حصل له شيء من إيذاء الكفًر له ونزل عليه قصة نبي من‬
‫النبيًء‪ ،‬يكون في ذلك تسلية له‪ ،‬وتثبيت لفؤاده‪ ،‬كمً قًل ا في آخر‬
‫من كنوز القرآن الكريم‪ ،‬تفسير آيات من الكتاب‬ ‫‪356‬‬
‫العزيز‬

‫سورة هود‪:‬‬

‫[هود‪:‬‬
‫‪ ،]120‬وجًء في آخر سورة السراء قول ا ‪:‬‬

‫[السراء‪.]106 :‬‬
‫ففي هذه الية بيًن حكمة أخرى لتَزيله كذلك‪ ،‬وهي قراءته‬
‫القرآن على الصحًبة في أوقًت متعددة ليتمكَوا من حفظه والعًَية به‪.‬‬
‫***‬
‫ـ قوله تعالى‪:‬‬
‫‪‬‬ ‫‪‬‬ ‫‪‬‬

‫[الفرقًن‪.]67 :‬‬ ‫‪‬‬

‫بيّن ا تعًلى في هذه الية الكريمة أن من صفًت عبًد الرحمن‬


‫اعتدالهم في النفًق‪ ،‬وتوسطهم فيه بين التقتير والسراف‪ .‬والتقتير‪ :‬هو‬
‫الَقص عن القدر الواجب إنفًقه‪ .‬والسراف‪ :‬هو مجًوزة الحد في‬
‫النفًق‪.‬‬
‫قًل ابن كثير في تفسير هذه الية‪ (( :‬أي‪ :‬ليسوا بمبذّرين في إنفًقهم‬
‫فيصرفون فوق الحًجة‪ ،‬ول بخلء على أهليهم فيقصرون في حقّهم فل‬
‫يكفونهم‪ ،‬بل عدلا خيًراا‪ ،‬وخير المور أوسطهً‪ ،‬ل هذا ول هذا ))‪.‬‬
‫‪357‬‬ ‫من كنوز القرآن الكريم‪ ،‬تفسير آيات من الكتاب‬
‫العزيز‬

‫ومثل هذه الية قوله تعًلى‪:‬‬


‫‪‬‬

‫[السراء‪.]29 :‬‬ ‫‪‬‬ ‫‪‬‬

‫ى بين ضللتين‪ ،‬كمً قًل الخطًبي‪:‬‬


‫والحق وسط بين طرفين‪ ،‬وهد ا‬
‫كـل طرفـي قصد المور‬ ‫ول تغل في شيء من المر واقتصد‬
‫ذميم‬
‫سورة الشعراء‬
‫ـ قوله تعالى‪:‬‬

‫‪‬‬
‫‪‬‬
‫‪‬‬
‫[الشعراء‪ 205 :‬ـ ‪.]207‬‬ ‫‪‬‬

‫في هذه اليًت الكريمًت بيًن ّ‬


‫أن نصيب الكفًر من المتعة واللذة إنمً‬
‫هو في هذه الحيًة الدنيً‪ ،‬ولو ع ي ّمروا مً ع ي ّمروا من السَين‪ ،‬فإذا جًء‬
‫هلكهم انتهت متعتهم ولذّاتهم‪ ،‬قًل ‪ (( :‬الدنيً سجن المؤمن وجَّة‬
‫الكًفر )) رواه مسلم (‪ )7417‬عن أبي هريرة >‪.‬‬
‫‪‬‬ ‫وقًل ا ‪:‬‬
‫‪‬‬
‫من كنوز القرآن الكريم‪ ،‬تفسير آيات من الكتاب‬ ‫‪358‬‬
‫العزيز‬

‫‪‬‬
‫‪‬‬

‫‪‬‬ ‫‪‬‬ ‫‪‬‬


‫[الحقًف‪.]20 :‬‬
‫والكفًر هم أحرص الًَس على الحيًة‪ ،‬ومَهم من يؤمن بًلبعث‬
‫كًليهود والَصًرى‪ ،‬ومَهم من يَكره كًلمشركين الذين بلعث فيهم‬
‫الرسول ‪ ،‬قًل تعًلى‪:‬‬

‫‪‬‬
‫‪‬‬ ‫‪‬‬
‫‪‬‬
‫‪‬‬

‫[البقرة‪:‬‬
‫‪.]96‬‬
‫وهذا الَعيم الدنيوي للكفًر ولو امتدّت بهم العمًر‪ ،‬إذا ذاقوا شيئً ا‬
‫سوه‪ ،‬فلم يكن لهم على بًل‪ ،‬كمً قًل ‪ (( :‬يؤتى‬ ‫قليلا من عذاب الًَر ن ل‬
‫‪359‬‬ ‫من كنوز القرآن الكريم‪ ،‬تفسير آيات من الكتاب‬
‫العزيز‬

‫بأنعم أهل الدنيً من أهل الًَر يوم القيًمة‪ ،‬فيلصبغ في الًَر صبغة ثم‬
‫مر بك نعيم قط؟ فيقول‪ :‬ل وا‬ ‫يقًل‪ :‬يً ابن آدم‪ ،‬هل رأيت خيرا ا قط؟ هل ل‬
‫يً رب‪ .‬ويؤتى بأشد الًَس بؤسً ا في الدنيً من أهل الجَّة‪ ،‬فيصبغ صبغة‬
‫مر بك شدّة قط؟‬‫في الجَّة‪ ،‬فيقًل له‪ :‬يً ابن آدم‪ ،‬هل رأيت بؤسً ا قط؟ هل ّ‬
‫بؤس قط‪ ،‬ول رأيت شدّة قط )) رواه‬
‫ن‬ ‫مر بي‬‫فيقول‪ :‬ل وا يً رب‪ ،‬مً ّ‬
‫مسلم (‪ )7088‬عن أنس بن مًلك >‪.‬‬
‫قًل شيخًَ الشيخ محمد المين الشَقيطي ~ عن هذه الية‪ (( :‬وهذه‬
‫هي أعظم آية في إزالة الداء العضًل الذي هو طول المل‪ ،‬كفًنً ا‬
‫شره ))‪ .‬ذكر ذلك عَد الكلم على آية البقرة في كتًبه (أضواء‬
‫والمؤمَين ّ‬
‫البيًن)‪.‬‬
‫سورة النمل‬
‫ـ قوله تعالى‪:‬‬
‫‪‬‬

‫‪‬‬

‫‪‬‬

‫[الَمل‪ 4 :‬ـ ‪.]5‬‬


‫أخبر ا تعًلى في هذه الية الكريمة عن الكفًر المَكرين للبعث‪ ،‬أنه‬
‫عًقبهم على هذا النكًر‪ ،‬أن زيّن لهم مً هم فيه من البًطل‪ ،‬كمً قًل‬
‫من كنوز القرآن الكريم‪ ،‬تفسير آيات من الكتاب‬ ‫‪360‬‬
‫العزيز‬

‫تعًلى‪:‬‬

‫‪‬‬ ‫‪‬‬

‫‪‬‬
‫‪‬‬ ‫[النعًم‪ ،]110 :‬وقًل‪:‬‬
‫[الصف‪:‬‬ ‫‪‬‬
‫‪ ،]5‬وقًل‪:‬‬
‫‪‬‬

‫‪‬‬

‫[فًطر‪ ،]8 :‬وقًل‪:‬‬ ‫‪‬‬

‫‪‬‬
‫‪‬‬ ‫‪‬‬
‫[محمد‪.]14 :‬‬
‫((‬ ‫قًل ابن كثير في تفسير هذه الية‪:‬‬
‫‪361‬‬ ‫من كنوز القرآن الكريم‪ ،‬تفسير آيات من الكتاب‬
‫العزيز‬

‫‪‬‬
‫أي‪ :‬يلكذبون بهً‪ ،‬ويستبعدون وقوعهً‬

‫سًَ لهم مً هم فيه‪،‬‬


‫أي ح ّ‬ ‫‪‬‬
‫ومددنً لهم في غيّهم فهم يتيهون في ضللهم‪ ،‬وكًن هذا جزاء على مً‬
‫كذبوا به من الدار الخرة‪ ،‬كمً قًل تعًلى‪:‬‬

‫‪‬‬ ‫‪‬‬

‫))‪.‬‬ ‫‪‬‬

‫ثم أخبر تعًلى عن عقوبتهم العًجلة والجلة‪ ،‬فقًل‪:‬‬

‫أي مً يحصل لهم في‬ ‫‪‬‬


‫الدنيً من القتل والسر‬

‫أي‪ :‬أنهم أشد الًَس خسرانً ا في الخرة‪ ،‬لنهم ليس لهم فيهً إلّ‬
‫العذاب الشديد الدائم الذي ل نهًية له‪ ،‬كمً قًل ا ‪:‬‬
‫‪‬‬

‫‪‬‬ ‫‪‬‬
‫‪‬‬
‫من كنوز القرآن الكريم‪ ،‬تفسير آيات من الكتاب‬ ‫‪362‬‬
‫العزيز‬

‫[الشورى‪.]45 :‬‬
‫سورة القصص‬
‫ـ قوله تعالى‪:‬‬

‫‪‬‬

‫[القصص‪.]88 :‬‬ ‫‪‬‬

‫في هذه الية الكريمة بيًن أن الدعًء ـ وهو نوع من أنواع العبًدة ـ ل‬
‫يكون إلّ ل وحده‪ ،‬فل يدعى مع ا غيره‪ ،‬لن ا سبحًنه وتعًلى هو‬
‫الله الحق الذي ل تكون العبًدة إل له‪ ،‬ول يجوز أن يصرف شيء من‬
‫أنواع العبًدة لغيره سبحًنه وتعًلى‪.‬‬
‫يشتمل‬ ‫‪‬‬ ‫وقوله‪:‬‬
‫ي عًم‪ ،‬وهو نفي العبًدة عن كل مً سوى ا‪،‬‬ ‫على نفي وإثبًت‪ ،‬نف ن‬
‫وإثبًت خًص‪ ،‬وهو إثبًتهً له سبحًنه‪.‬‬
‫وقوله‪:‬‬
‫سير بأن ا تعًلى وحده هو الحي الذي ل‬ ‫ف ّ‬
‫يموت‪ ،‬وأنه ل يبقى إلّ هو سبحًنه وتعًلى‪ ،‬وأهل السَّة يثبتون ل صفة‬
‫الوجه على وجه يليق بكمًله وجلله‪ ،‬دون مشًبهة لخلقه‪ ،‬والبقًء يكون‬
‫سير بأن كل‬‫ل ‪ ‬المتصف بصفًت الكمًل‪ ،‬ومَهً‪ :‬صفة الوجه‪ .‬وفل ّ‬
‫‪363‬‬ ‫من كنوز القرآن الكريم‪ ،‬تفسير آيات من الكتاب‬
‫العزيز‬

‫شيء من العمًل ل يَفع عَد ا إلّ مً أريد به وجهه والتقرب به إليه‪.‬‬


‫قًل ابن جرير في تفسير هذه الية‪ (( :‬واختلف في معَى قوله‬
‫فقًل بعضهم‪ :‬معًَه‪ :‬كل شيء‬
‫هًلك إلّ هو‪ ،‬وقًل آخرون‪ :‬معَى ذلك‪ :‬إلّ مً أريد به وجهه ))‪.‬‬
‫وقوله‪:‬‬ ‫((‬ ‫وقًل ابن كثير في تفسير هذه الية‪:‬‬

‫إخبًر بأنه الدائم البًقي الحي القيوم الذي تموت الخلئق ول يموت؛‬
‫كمً قًل تعًلى‪:‬‬

‫فعبّر بًلوجه عن الذات‪ ،‬وهكذا‬


‫قوله هً هًَ‪:‬‬
‫أي‪ :‬إلّ إيًه ))‪.‬‬
‫وقًل مجًهد والثوري في قوله‬ ‫((‬ ‫وقًل‪:‬‬

‫أي‪ :‬إل مً أريد به وجهه‪ ،‬وحكًه البخًري في صحيحه كًلمقرر له ))‪.‬‬


‫وقًل‪ (( :‬وهذا القول ل يًَفي القول الول؛ فإن هذا إخبًر عن كل‬
‫العمًل بأنهً بًطلة إلّ مً أريد بهً وجه ا ‪ ‬من العمًل الصًلحة‬
‫المطًبقة للشريعة‪ ،‬والقول الول مقتضًه أن كل الذوات فًنية وهًلكة‬
‫وزائلة إلّ ذاته تعًلى‪ ،‬فإنه الول والخر الذي هو قبل كل شيء وبعد‬
‫كل شيء ))‪.‬‬
‫وقًل البخًري في صحيحه في أول تفسير سورة القصص من كتًب‬
‫من كنوز القرآن الكريم‪ ،‬تفسير آيات من الكتاب‬ ‫‪364‬‬
‫العزيز‬

‫((‬ ‫التفسير‪:‬‬
‫‪ :‬إلّ ملكه‪ ،‬ويقًل‪ :‬إلّ مً أريد به وجه ا ))‪.‬‬
‫وقًل في كتًب التوحيد‪ (( :‬بًب قول ا ‪:‬‬

‫))‪ .‬وسًق بإسًَده (‪ )7406‬عن جًبر بن عبد ا قًل‪ (( :‬لمً نزلت هذه‬
‫‪‬‬ ‫الية‪:‬‬

‫قًل الَبي‬ ‫‪‬‬


‫‪ (( :‬أعوذ بوجهك )) فقًل‪:‬‬
‫‪ (( :‬أعوذ بوجهك ))‪،‬‬ ‫‪ ،‬فقًل الَبي‬
‫فقًل‪:‬‬
‫‪ (( :‬هذا أيسر ))‪.‬‬ ‫‪ ،‬فقًل الَبي‬
‫وإيراد البخًري الية والحديث في كتًب التوحيد يفيد‪ :‬أن الوجه صفة‬
‫ذاتية ل ‪ ،‬وأهل السَّة والجمًعة يثبتون ل ‪ ‬كل مً ورد في الكتًب‬
‫والسَّة من الصفًت على وجه يليق بكمًل ا سبحًنه وتعًلى‪ ،‬دون‬
‫تكييف أو تشبيه أو تمثيل‪ ،‬ودون تأويل أو تحريف أو تعطيل‪ ،‬كمً قًل ا‬
‫‪:‬‬
‫‪‬‬
‫‪ ،‬فله سبحًنه وتعًلى سمع ل كًلسمًع‪ ،‬وبصر ل كًلبصًر‪ ،‬ووجه‬
‫ل كًلوجوه‪ ،‬وهكذا يقًل في سًئر الصفًت‪.‬‬
‫وأمً قوله في سورة القصص‪ (( :‬إلّ ملكه ))‪ ،‬فًلظًهر‪ :‬أنهً بفتح الميم‬
‫وكسر اللم‪ ،‬والمعَى‪ :‬كل شيء هًلك إلّ نم يلك كل شيء‪ ،‬وهو ا ‪،‬‬
‫‪365‬‬ ‫من كنوز القرآن الكريم‪ ،‬تفسير آيات من الكتاب‬
‫العزيز‬

‫ويكون هذا مثل تفسير من فسره بإلّ هو‪ ،‬أو إلّ إيًه‪ ،‬كمً ل‬
‫مر في كلم ابن‬
‫جرير وابن كثير‪ .‬والفرق بين تعبير من عبّر بهذا من أهل السَّة‪ ،‬ومن‬
‫عبّر به من أهل الهواء‪ :‬أن أهل الهواء يقولون‪ :‬الوجه صلة أي زائد‪،‬‬
‫ول يثبتون ل صفة الوجه‪ ،‬وأمً أهل السَّة‪ ،‬فإنهم يثبتون ل صفة الوجه‪،‬‬
‫ويعتقدون أن البقًء للذات المتصفة بًلصفًت‪ ،‬ومَهً‪ :‬صفة الوجه‪.‬‬
‫سورة العنكبوت‬
‫ـ قوله تعالى‪:‬‬

‫[العَكبوت‪.]69 :‬‬
‫وأصحًبه الكرام‪ ،‬ومن تبعهم‬ ‫الذين جًهدوا في ا هم‪ :‬الرسول‬
‫بإحسًن إلى يوم الدين‪ ،‬والجهًد في ا يكون بجهًد الَفس على طًعة‬
‫ا‪ ،‬وجهًد الكفًر والمًَفقين‪ ،‬والجهًد بًلدعوة إلى الخير‪ ،‬والمر‬
‫بًلمعروف والَهي عن المَكر‪ ،‬ومن جًهد في ا أثًبه ا على جهًده‬
‫بهدايته إلى سبل السعًدة والفلح في الدنيً والخرة‪.‬‬
‫قًل ابن كثير في تفسير هذه الية‪ (( :‬قًل ابن أبي حًتم‪ :‬حدثًَ أبي‬
‫حدثًَ أحمد بن أبي الحواري حدثًَ عبًس الهمداني أبو أحمد ـ من أهل‬
‫عكً ـ في قول ا‪:‬‬
‫من كنوز القرآن الكريم‪ ،‬تفسير آيات من الكتاب‬ ‫‪366‬‬
‫العزيز‬

‫‪ ،‬قًل‪ :‬الذين يعملون بمً‬


‫يعلمون يهديهم لمً ل يعلمون‪ .‬قًل أحمد بن أبي الحواري‪ :‬فحدّثت به أبً‬
‫سليمًن الداراني فأعجبه‪ ،‬وقًل‪ :‬ليس يَبغي لمن ألهم شيئً ا من الخير أن‬
‫يعمل به حتى يسمعه في الثر‪ ،‬فإذا سمعه في الثر عمل به‪ ،‬وحمد ا‬
‫حين وافق مً في نفسه ))‪.‬‬
‫وقًل شيخًَ الشيخ محمد المين الشَقيطي ~ في (أضواء البيًن)‪:‬‬
‫(( ذكر ج ّل وعل في هذه الية الكريمة‪ :‬أن الذين جًهدوا فيه‪ ،‬أنه يهديهم‬
‫إلى سبل الخير والرشًد‪ ،‬وأقسم على ذلك بدليل اللم في قوله‬
‫وهذا المعَى جًء مبيًَ ا في‬
‫آيًت أخر‪ ،‬كقوله تعًلى‪:‬‬

‫‪ ،‬وقوله تعًلى‪:‬‬
‫‪‬‬
‫الية ))‪.‬‬
‫وقًل أيضً ا في الكلم على آخر آية في سورة الَحل‪ (( :‬وهذه المعية‬
‫وكرر هذا‬
‫ّ‬ ‫خًصة بعبًده المؤمَين‪ ،‬وهي بًلعًنة والَصر والتوفيق‪،‬‬
‫المعَى في مواضع أخر‪ ،‬كقوله تعًلى‪:‬‬

‫‪‬‬ ‫‪ ،‬وقوله‪:‬‬

‫‪ ،‬وقوله‪:‬‬
‫‪367‬‬ ‫من كنوز القرآن الكريم‪ ،‬تفسير آيات من الكتاب‬
‫العزيز‬

‫‪ ،‬وقوله‪:‬‬

‫‪ ،‬إلى غير ذلك من اليًت‪.‬‬


‫وأمً المعية العًمة لجميع الخلق فهي بًلحًطة التًمة والعلم‪ ،‬ونفوذ‬
‫القدرة‪ ،‬وكون الجميع في قبضته ج لل وعل‪ ،‬فًلكًئًَت في يده ـ ج لل وعل‬
‫ـ أصغر من حبة خردل‪ ،‬وهذه هي المذكورة أيضً ا في آيًت كثيرة‪،‬‬
‫‪‬‬ ‫‪‬‬ ‫كقوله‪:‬‬
‫‪‬‬

‫‪‬‬

‫‪‬‬ ‫الية‪ ،‬وقوله‪:‬‬ ‫‪‬‬

‫وقوله‪:‬‬ ‫الية‪،‬‬

‫‪ ،‬وقوله‪:‬‬
‫‪‬‬
‫‪‬‬
‫‪‬‬
‫‪‬‬
‫الية‪ ،‬إلى غير‬ ‫‪‬‬ ‫‪‬‬
‫من كنوز القرآن الكريم‪ ،‬تفسير آيات من الكتاب‬ ‫‪368‬‬
‫العزيز‬

‫ذلك من اليًت‪ ،‬فهو ـ ج لل وعل ـ مستو على عرشه كمً قًل‪ ،‬على‬
‫الكيفية اللئقة بكمًله وجلله‪ ،‬وهو محيط بخلقه‪ ،‬كلهم في قبضة يده‪ ،‬ل‬
‫ذرة في الرض ول في السمًء‪ ،‬ول أصغر من ذلك‬ ‫يعزب عَه مثقًل ّ‬
‫ول أكبر إلّ في كتًب مبين ))‪.‬‬
‫سورة الروم‬
‫‪‬‬ ‫ـ قوله تعالى‪:‬‬

‫‪‬‬
‫[الروم‪.]41 :‬‬ ‫‪‬‬

‫سير البحر بًلمصًر والقرى‪ ،‬حكًه ابن كثير في‬


‫سير البر بًلفيًفي‪ ،‬وف ّ‬
‫ف ّ‬
‫تفسيره عن ابن عبًس‪ ،‬وعكرمة‪ ،‬والضحًك‪ ،‬والسدي‪.‬‬
‫وحكى عن آخرين أن المراد بًلبر‪ :‬البر المعروف‪ ،‬وبًلبحر‪ :‬البحر‬
‫المعروف‪ .‬ثم قًل‪ (( :‬والقول الول أظهر‪ ،‬وعليه الكثر‪ ،‬ويؤيده مً ذكره‬
‫صًلح ملك أيلة وكتب له‬ ‫محمد بن إسحًق في السيرة‪ :‬أن رسول ا‬
‫ببحره‪ ،‬يعَي‪ :‬ببلده ))‪.‬‬
‫وفي القًموس المحيط‪ (( :‬والبحرة‪ :‬البلدة‪...‬واسم مديَة الَبي ‪،‬‬
‫وبلدة في البحرين‪ ،‬وكل قرية لهً نهر جًر ومًء نًقع ))‪ ،‬وفي صحيح‬
‫البخًري (‪ )4566‬قول سعد بن عبًدة > في عبد ا بن أب ّ‬
‫ي‪ (( :‬ولقد‬
‫صبوه بًلعصًبة ))‪ ،‬يريد‬
‫اصطلح أهل هذه البحيرة على أن يتوجوه فيع ي ّ‬
‫‪369‬‬ ‫من كنوز القرآن الكريم‪ ،‬تفسير آيات من الكتاب‬
‫العزيز‬

‫وهو تصغير بحرة‪.‬‬ ‫بًلبحيرة‪ :‬مديَة الَبي‬


‫للعرابي الذي سأله عن‬ ‫وفي صحيح البخًري (‪ )1452‬قوله‬
‫الهجرة‪ (( :‬فهل لك من إبل تؤدي صدقتهً؟ ))‪ .‬قًل‪ :‬نعم‪ .‬قًل‪ (( :‬فًعمل من‬
‫وراء البحًر‪ ،‬فإن ا لن ينتي نرك من عملك شيئً ا ))‪ .‬والمراد بًلبحًر‪ :‬المدن‪.‬‬
‫وقًل الشوكًني في تفسير هذه الية‪ (( :‬والبر والبحر همً المعروفًن‬
‫المشهوران‪ ،‬وقيل‪ :‬البر الفيًفي‪ ،‬والبحر القرى التي على مًء‪ ،‬قًله‬
‫عكرمة‪ .‬والعرب تسمي المصًر البحًر‪ ،‬قًل مجًهد‪ :‬البر مً كًن من‬
‫المدن والقرى على غير نهر‪ ،‬والبحر مً كًن على شط نهر‪ ،‬والول‬
‫أولى‪ ،‬ويكون معَى البر‪ :‬مدن البر‪ ،‬ومعَى البحر‪ :‬مدن البحر‪ ،‬ومً‬
‫يتصل بًلمدن من مزارعهً ومراعيهً ))‪.‬‬
‫وقًل في معَى ظهور الفسًد في البر والبحر‪ (( :‬والظًهر من الية‬
‫ظهور مً يصح إطلق اسم الفسًد عليه‪ ،‬سواء كًن راجعً ا إلى أفعًل بَي‬
‫آدم من معًصيهم واقترافهم السيئًت وتقًطعهم وتظًلمهم وتقًتلهم‪ ،‬أو‬
‫راجعً ا إلى مً هو من جهة ا سبحًنه بسبب ذنوبهم كًلقحط‪ ،‬وكثرة‬
‫الخوف‪ ،‬والموتًن ونقصًن الزرائع‪ ،‬ونقصًن الثمًر ))‪.‬‬
‫وقوله‪:‬‬ ‫((‬ ‫وقًل ابن كثير‪:‬‬
‫‪‬‬

‫‪ ،‬أي‪ :‬بًن الَقص في الثمًر‬


‫والزروع بسبب المعًصي‪ ،‬قًل أبو العًلية‪ :‬من عصى ا في الرض‬
‫فقد أفسد في الرض‪ ،‬لن صلح الرض والسمًء بًلطًعة ))‪.‬‬
‫لم لر عليه بجًَزة‪،‬‬ ‫وفي صحيح البخًري (‪ :)6512‬أن رسول ا‬
‫من كنوز القرآن الكريم‪ ،‬تفسير آيات من الكتاب‬ ‫‪370‬‬
‫العزيز‬

‫قًل‪:‬‬
‫(( مستريح ومستراح مَه ))‪ .‬قًلوا‪ :‬يً رسول ا‪ ،‬مً المستريح والمستراح‬
‫مَه؟ قًل‪ (( :‬العبد المؤمن يستريح من نصب الدنيً وأذاهً إلى رحمة ا‬
‫‪ ،‬والعبد الفًجر يستريح مَه العبًد والبلد والشجر والدواب ))‪.‬‬
‫وقوله تعًلى‪:‬‬
‫‪‬‬
‫هو مثل قوله‪:‬‬ ‫‪‬‬
‫‪‬‬ ‫‪‬‬

‫‪ ،‬وقوله‪:‬‬ ‫‪‬‬

‫‪.‬‬ ‫‪‬‬ ‫‪‬‬

‫سورة لقمان‬
‫‪‬‬ ‫ـ قوله تعالى‪:‬‬
‫‪371‬‬ ‫من كنوز القرآن الكريم‪ ،‬تفسير آيات من الكتاب‬
‫العزيز‬

‫[لقمًن‪.]10 :‬‬
‫في هذه الية الكريمة بيًن كمًل قدرة ا ‪ ‬في خلقه السمًوات‬
‫والرض‪ ،‬ومً بث فيهً من الدواب‪ ،‬ومً أخرج مَهً من الرزاق ممً‬
‫يَزله عليهً من السمًء من المطر‪.‬‬
‫وقوله‪:‬‬
‫‪ ،‬قيل‪ :‬إنه نفي للقيد دون المقيلد‪،‬‬
‫والمعَى‪ :‬أن لهً عمدا ا لكَهً ل ترى‪ ،‬وقيل‪ :‬إنه نفي للقيد والمقيلد‪،‬‬
‫والمعَى‪ :‬أنهً مرفوعة بغير عمد مرئية أو غير مرئية‪ .‬ومثل هذه الية‬
‫قول ا ‪ ‬في سورة الرعد‪:‬‬
‫‪‬‬
‫[الرعد‪ ،]2 :‬قًل ابن كثير‬
‫في تفسير آية الرعد‪ (( :‬وقوله‪:‬‬
‫‪ ،‬روي عن ابن عبًس ومجًهد والحسن‬
‫وقتًدة وغير واحد أنهم قًلوا‪ :‬لهً عمد ولكن ل ترى‪ ،‬وقًل إيًس بن‬
‫معًوية‪ :‬السمًء مقببة على الرض مثل القبة‪ ،‬يعَي‪ :‬بل عمد‪ ،‬وكذا‬
‫روي عن قتًدة‪ ،‬وهذا هو اللئق بًلسيًق‪ ،‬والظًهر من قوله تعًلى‪:‬‬

‫فعلى هذا يكون قوله‪:‬‬ ‫‪‬‬


‫تأكيدا ا لَفي ذلك‪ ،‬أي‪ :‬هي مرفوعة بغير‬
‫من كنوز القرآن الكريم‪ ،‬تفسير آيات من الكتاب‬ ‫‪372‬‬
‫العزيز‬

‫عمد كمً ترونهً‪ ،‬وهذا هو الكمل في القدرة ))‪.‬‬


‫ومن كمًل قدرته تعًلى على الخلق ورحمته بًلمخلوقين في الرض‪:‬‬
‫أن ثبلت الرض بًلجبًل لئل تميد بهم وتضطرب‪ ،‬كمً قًل تعًلى‪:‬‬

‫[الَبأ‪ 6 :‬ـ ‪ ،]7‬وكمً خلق الرض وجعلهً‬


‫مهًداا‪ ،‬وثبّتهً بًلجبًل الرواسي؛ فقد ذرأ فيهً من الدواب مً ل يعلمه إلّ‬
‫ا ‪ ،‬وأنزل المطر من السمًء‪ ،‬فأنبت فيهً من أصًَف الَبًت ممً هو‬
‫زيَة للرض ورزق للعبًد‪ ،‬ومثل هذه الية قوله ‪ ‬في سورة البقرة‪:‬‬

‫[البقرة‪.]22 :‬‬
‫سورة السجدة‬
‫‪‬‬ ‫ـ قوله تعالى‪:‬‬
‫‪373‬‬ ‫من كنوز القرآن الكريم‪ ،‬تفسير آيات من الكتاب‬
‫العزيز‬

‫‪‬‬

‫‪‬‬

‫‪‬‬

‫[السجدة‪ 10 :‬ـ ‪.]11‬‬ ‫‪‬‬

‫في الية الولى بيًن تكذيب الكفًر بلقًء ا ‪ ،‬وإنكًرهم البعث‪،‬‬


‫واستبعًدهم حصوله إذا تفرقت أجسًدهم في التراب‪ ،‬وهو معَى ضللهم‬
‫في الرض‪ ،‬ومثل هذه الية قول ا ‪ ‬عَهم في أول سورة (ق)‪:‬‬

‫[ق‪ ،]3 :‬ثم بيّن أنه يعلم مً تفرق من أجسًدهم في‬


‫الرض‪ ،‬وأن ا تعًلى يعيد هذا المتفرق‪ ،‬فقًل‪:‬‬

‫[ق‪ ،]4 :‬ومثلهً قول ا ‪:‬‬


‫‪‬‬

‫[سبأ‪ ،]7 :‬وقد جًء في القرآن الكريم تقرير أمر البعث بثلثة أدلة عقلية‬
‫خلقهم الول‪ ،‬وعلى خلق السمًوات‬ ‫في آيًت عديدة وهي‪ :‬التَبيه على ز‬
‫والرض‪ ،‬وعلى إحيًء الرض بًلَبًت بعد موتهً‪ ،‬ومن اليًت في ذلك‪:‬‬
‫من كنوز القرآن الكريم‪ ،‬تفسير آيات من الكتاب‬ ‫‪374‬‬
‫العزيز‬

‫قول ا ‪:‬‬

‫‪‬‬
‫[يس‪ 78 :‬ـ ‪ ،]79‬وقوله‪:‬‬

‫‪‬‬

‫‪‬‬

‫[الحقًف‪ ،]33 :‬وقوله‪:‬‬


‫‪‬‬

‫[غًفر‪،]57 :‬وقوله‪:‬‬
‫‪‬‬
‫‪375‬‬ ‫من كنوز القرآن الكريم‪ ،‬تفسير آيات من الكتاب‬
‫العزيز‬

‫‪‬‬
‫[فصلت‪.]39 :‬‬
‫وفي الية الثًنية بيًن أن نملنك الموت يتوفًهم‪ ،‬وأنهم مبعوثون‬
‫وراجعون إلى ا‪ ،‬وسيجًزيهم على أعمًلهم بإدخًلهم الًَر وتخليدهم‬
‫فيهً إلى غير نهًية‪ ،‬ومً جًء في هذه الية من ذكر توفي ملك الموت‪ ،‬ل‬
‫يًَفيه مً جًء من توفي الملئكة لهم في قول ا تعًلى‪:‬‬
‫‪‬‬ ‫‪‬‬

‫‪‬‬

‫‪‬‬ ‫‪‬‬

‫[النعًم‪ ،]61 :‬لن ملك الموت له‬ ‫‪‬‬ ‫‪‬‬


‫أعوان‪ ،‬إذا قبض الروح أخذوهً مَه‪ ،‬كمً جًء مبيًَ ا في حديث البراء ابن‬
‫عًزب في مسَد المًم أحمد بإسًَد حسن (‪ ،)18534‬قًل رسول ا‬
‫‪ (( :‬إن العبد المؤمن إذا كًن في انقطًع من الدنيً وإقبًل من الخرة‪،‬‬
‫نزل إليه ملئكة من السمًء بيض الوجوه‪ ،‬كأن وجوههم الشمس‪ ،‬معهم‬
‫كفن من أكفًن الجَّة‪ ،‬وحَوط من حَوط الجَّة‪ ،‬حتى يجلسوا مَه مد‬
‫البصر‪ ،‬ثم يجيء ملك الموت عليه السلم حتى يجلس عَد رأسه‪ ،‬فيقول‪:‬‬
‫أيتهً الَفس الطيبة‪ ،‬اخرجي إلى مغفرة من ا ورضوان‪ ،‬قًل‪ :‬فتخرج‬
‫تسيل كمً تسيل القطرة من في السقًء فيأخذهً‪ ،‬فإذا أخذهً لم يدعوهً في‬
‫يده طرفة عين حتى يأخذوهً فيجعلوهً في ذلك الكفن وفي ذلك الحَوط‪،‬‬
‫من كنوز القرآن الكريم‪ ،‬تفسير آيات من الكتاب‬ ‫‪376‬‬
‫العزيز‬

‫ويخرج مَهً كأطيب نفحة مسك وجدت على وجه الرض‪ )) ...‬إلى أن‬
‫قًل‪ (( :‬وإن العبد الكًفر إذا كًن في انقطًع من الدنيً وإقبًل من الخرة‪،‬‬
‫نزل إليه من السمًء ملئكة سود الوجوه‪ ،‬معهم المسوح‪ ،‬فيجلسون مَه‬
‫مد البصر‪ ،‬ثم يجيء ملك الموت حتى يجلس عَد رأسه‪ ،‬فيقول‪ :‬أيتهً‬
‫الَفس الخبيثة اخرجي إلى سخط من ا وغضب‪ ،‬قًل‪ :‬فتفرق في‬
‫جسده‪ ،‬فيَتزعهً كمً يَتزع السفود من الصوف المبلول‪ ،‬فيأخذهً‪ ،‬فإذا‬
‫أخذهً لم يدعوهً في يده طرفة عين حتى يجعلوهً في تلك المسوح‪،‬‬
‫ويخرج مَهً كأنتن ريح جيفة وجدت على وجه الرض )) الحديث‪.‬‬
‫سورة الحزاب‬
‫ـ قوله تعالى‪:‬‬

‫‪‬‬
‫‪‬‬

‫‪‬‬

‫‪‬‬
‫‪‬‬
‫‪‬‬
‫[الحزاب‪ 1 :‬ـ ‪.]3‬‬
‫في هذه اليًت ونظًئرهً خطًب لمته‪ ،‬وهذا‬ ‫خطًب ا لَبيه‬
‫‪377‬‬ ‫من كنوز القرآن الكريم‪ ،‬تفسير آيات من الكتاب‬
‫العزيز‬

‫أنه له ولمته‪ ،‬إلّ إذا د ّل دليل‬ ‫هو الصل فيمً يخًطب ا به نبيه‬
‫على اختصًصه بًلخطًب‪ ،‬فيختص به الحكم‪ ،‬وفي قوله تعًلى‪:‬‬
‫‪‬‬

‫‪‬‬
‫مً يدل على ذلك‪ ،‬فإنه قًل في أولهً‪:‬‬
‫بًلفراد‪ ،‬وفي آخرهً قًل‪:‬‬
‫‪‬‬
‫بًلجمع‪ .‬ومثل هذه الية‪ :‬قول ا ‪ ‬في سورة‬
‫الروم‪:‬‬
‫[الروم‪ ،]30 :‬ثم قًل بعد‬ ‫‪‬‬
‫ذلك‪:‬‬
‫الية [الروم‪ .]31 :‬ويدل لذلك أيضًا‪ ،‬قول‬ ‫‪‬‬
‫ا ‪:‬‬

‫‪‬‬
‫اليًت‪[،‬الطلق‪.]1 :‬‬
‫وتقوى ا ‪ :‬طًعته بًمتثًل أوامره‪ ،‬واجتًَب نواهيه‪ ،‬ونقل ابن‬
‫كثير في تفسير هذه الية عن طلق بن حبيب أنه قًل‪ (( :‬التقوى‪ :‬أن تعمل‬
‫بطًعة ا على نور من ا‪ ،‬ترجو ثواب ا‪ ،‬وأن تترك معصية ا‬
‫على نور من ا مخًفة عذاب ا ))‪.‬‬
‫وفي الية الولى الَهي عن طًعة الكفًر والمًَفقين وسمًع مً‬
‫من كنوز القرآن الكريم‪ ،‬تفسير آيات من الكتاب‬ ‫‪378‬‬
‫العزيز‬

‫يقولون‪ ،‬وقد قًل ا ‪:‬‬


‫‪‬‬

‫‪‬‬

‫‪‬‬

‫‪‬‬

‫‪‬‬ ‫‪‬‬

‫[آل عمران‪ 149 :‬ـ ‪.]150‬‬


‫والكفًر هم الكًفرون بًل ظًهرا ا وبًطًَا‪ ،‬والمًَفقون‪ :‬هم الذين‬
‫يظهرون اليمًن ويبطَون الكفر‪ ،‬وقد أخبر ا في سورة الَسًء أنهم في‬
‫الدرك السفل من الًَر‪ .‬والكفر أعم من الشرك؛ لنه يشمل الشرك الذي‬
‫غير‬ ‫دعوة‬ ‫هو‬
‫ا معه‪ ،‬ويشمل مً كًن كفرا ا وليس بشرك‪ ،‬ك ن‬
‫سبّ ي ا ‪ ‬أو سبّ ي رسوله‬
‫‪.‬‬
‫وقد يأتي الشرك شًملا مً هو كفر كمً في قوله تعًلى‪:‬‬
‫‪‬‬

‫‪‬‬

‫[الَسًء‪،]48 :‬‬
‫‪ ،‬وجحد‬ ‫فإنله يدخل فيه مً كًن كفرا ا كسبّ ي ا ل‬
‫عز وج لل وسبّ ي رسوله‬
‫مً هو معلوم من دين السلم بًلضرورة كًلصلة والزكًة والصيًم‬
‫‪379‬‬ ‫من كنوز القرآن الكريم‪ ،‬تفسير آيات من الكتاب‬
‫العزيز‬

‫والحج‪ ،‬وانظر فتح البًري (‪.)85/1‬‬


‫وفي الية الثًنية المر بًتبًع الوحي‪ ،‬وهو مً جًء في الكتًب والسَّة‪،‬‬
‫‪‬‬ ‫ومثل هذه الية‪ ،‬قول ا ‪:‬‬

‫‪‬‬

‫‪‬‬

‫[العراف‪.]3 :‬‬
‫وفي الية الثًلثة المر بًلتوكل على ا‪ ،‬وهو العتمًد عليه‪ ،‬وأن من‬
‫توكل على ا ‪ ،‬فإنه سبحًنه وتعًلى حسبه وكًفيه‪ ،‬والتوكل من أنواع‬
‫العبًدة‪ ،‬فل يتوكل إلّ عليه سبحًنه وتعًلى كمً قًل تعًلى‪:‬‬
‫‪‬‬ ‫‪‬‬

‫[المًئدة‪.]23 :‬‬
‫سورة سبأ‬
‫ـ قوله تعالى‪:‬‬
‫‪‬‬

‫‪‬‬
‫من كنوز القرآن الكريم‪ ،‬تفسير آيات من الكتاب‬ ‫‪380‬‬
‫العزيز‬

‫[سبأ‪.]3 :‬‬
‫السًعة تطلق على موت من كًن حيً ا في آخر الدنيً عَد الَفخة‬
‫الولى‪ ،‬وتطلق على البعث عَد الَفخة الثًنية‪ ،‬وإنكًر الكفًر للبعث هو‬
‫المراد بقول ا عَهم‪:‬‬
‫‪.‬‬
‫ومن أدلة إطلق قيًم السًعة على البعث‪ :‬قول ا ‪ ‬عن آل‬
‫فرعون‪:‬‬
‫‪‬‬

‫‪‬‬ ‫‪‬‬
‫‪‬‬ ‫‪‬‬
‫[غًفر‪.]46 :‬‬
‫قًل ابن كثير في تفسير هذه الية‪ (( :‬هذه إحدى اليًت الثلث التي ل‬
‫أن يقسم بربه العظيم على وقوع المعًد‬ ‫رابع لهن ممً أمر ا رسوله‬
‫لمً أنكره من أنكره من أهل الكفر والعًَد‪ ،‬فإحداهن في سورة يونس‪:‬‬
‫‪‬‬
‫‪‬‬

‫[يونس‪ ،]53 :‬والثًنية في هذه‪:‬‬


‫‪‬‬
‫‪381‬‬ ‫من كنوز القرآن الكريم‪ ،‬تفسير آيات من الكتاب‬
‫العزيز‬

‫‪ ،‬والثًلثة في التغًبن‪:‬‬
‫‪‬‬ ‫‪‬‬
‫‪‬‬

‫[التغًبن‪.)) ]7 :‬‬
‫وقًل‪ (( :‬قًل مجًهد وقتًدة‪:‬‬
‫ل يغيب عَه‪ ،‬أي‪ :‬الجميع مَدرج تحت علمه فل‬
‫يخفى عليه مَه شيء‪ ،‬فًلعظًم ـ وإن تلشت وتفرقت وتمزقت ـ فهو‬
‫مرة‪ ،‬فإنه بكل‬
‫عًلم أين ذهبت وأين تفرقت‪ ،‬ثم يعيدهً كمً بدأهً أول ّ‬
‫شيء عليم ))‪ .‬ومثل هذه الية قوله تعًلى‪:‬‬
‫‪‬‬
‫‪‬‬
‫‪‬‬
‫‪‬‬
‫‪‬‬ ‫‪‬‬
‫من كنوز القرآن الكريم‪ ،‬تفسير آيات من الكتاب‬ ‫‪382‬‬
‫العزيز‬

‫[يونس‪ ،]61 :‬وقد اطرد في القرآن عَد ذكر‬


‫الصغر والكبر‪ ،‬والصغير والكبير‪ ،‬تقديم الصغير والصغر‪ ،‬كمً في‬
‫هًتين اليتين‪ ،‬وكمً في قول ا ‪:‬‬

‫‪‬‬
‫‪‬‬ ‫‪‬‬
‫‪‬‬

‫[الكهف‪ ،]49 :‬وقوله‪:‬‬


‫‪‬‬ ‫‪‬‬ ‫‪‬‬
‫الية‪،‬‬
‫‪‬‬ ‫وقوله‪:‬‬
‫‪‬‬
‫))‪.‬‬
‫سورة فاطر‬
‫ـ قوله تعالى‪:‬‬

‫‪‬‬
‫‪383‬‬ ‫من كنوز القرآن الكريم‪ ،‬تفسير آيات من الكتاب‬
‫العزيز‬

‫‪‬‬

‫‪‬‬ ‫‪‬‬

‫‪‬‬
‫‪‬‬

‫[فًطر‪ 32 :‬ـ ‪.]33‬‬


‫يخبر ا تعًلى عن عظيم فضله وامتًَنه أن اصطفى لهدايته إلى‬
‫السلم من شًء هدايته من هذه المة بأقسًمهً الثلثة‪ :‬الظًلمين لنفسهم‬
‫والمقتصدين والسًبقين بًلخيرات‪ ،‬وأن كل من هداه ا للسلم فمآله إلى‬
‫الجَّة‪ ،‬ولو نًله مً نًله من العذاب بسبب ظلمه لَفسه‪.‬‬
‫قًل شيخًَ الشيخ محمد المين الشَقيطي ~ في (أضواء البيًن) في‬
‫تفسير سورة المًئدة‪ (( :‬قوله تعًلى‪:‬‬

‫‪ ،‬ذكر تعًلى في هذه الية الكريمة أن‬ ‫‪‬‬


‫أهل الكتًب قسمًن‪ :‬طًئفة مَهم مقتصدة في عملهً‪ ،‬وكثير مَهم سيء‬
‫سم هذه المة إلى ثلثة أقسًم في قوله‪:‬‬ ‫العمل‪ ،‬وق ل‬
‫من كنوز القرآن الكريم‪ ،‬تفسير آيات من الكتاب‬ ‫‪384‬‬
‫العزيز‬

‫‪‬‬

‫‪‬‬ ‫‪‬‬
‫‪ ،‬ووعد الجميع بًلجَّة بقوله‪:‬‬
‫‪‬‬
‫‪‬‬

‫‪ .‬وذكر القسم الرابع‪ :‬وهو الكفًر‬


‫‪‬‬ ‫مَهً بقوله‪:‬‬

‫الية‪.‬‬ ‫‪‬‬ ‫‪‬‬

‫وأظهر القوال في المقتصد‪ ،‬والسًبق‪ ،‬والظًلم‪ :‬أن المقتصد هو من‬


‫امتثل المر واجتَب الَهي ولم يزد على ذلك‪ ،‬وأن السًبق بًلخيرات هو‬
‫من فعل ذلك وزاد بًلتقرب إلى ا بًلَوافل‪ ،‬والتورع عن بعض‬
‫الجًئزات‪ ،‬خوفً ا من أن يكون سببً ا لغيره‪ ،‬وأن الظًلم هو المذكور في‬
‫‪‬‬ ‫قوله‪:‬‬

‫[التوبة‪:‬‬ ‫الية‬ ‫‪‬‬


‫‪385‬‬ ‫من كنوز القرآن الكريم‪ ،‬تفسير آيات من الكتاب‬
‫العزيز‬

‫‪ ،]102‬والعلم عَد ا ))‪.‬‬


‫وقًل في الكلم على قوله تعًلى في سورة الَور‬
‫‪‬‬ ‫‪‬‬
‫الية [الَور‪ ،]22 :‬قًل‬
‫مستطرداا‪ (( :‬من أرجى آيًت القرآن العظيم قوله تعًلى‪:‬‬

‫‪‬‬

‫‪‬‬

‫‪‬‬ ‫‪‬‬

‫‪‬‬
‫‪‬‬

‫‪‬‬

‫‪‬‬ ‫‪‬‬ ‫‪‬‬


‫من كنوز القرآن الكريم‪ ،‬تفسير آيات من الكتاب‬ ‫‪386‬‬
‫العزيز‬

‫‪ ،‬فقد بيّن‬ ‫‪‬‬


‫تعًلى في هذه الية الكريمة أن إيراث هذه المة لهذا الكتًب دليل على‬
‫أن ا اصطفًهً في قوله‪:‬‬

‫‪‬‬
‫‪ ،‬وبيّن أنهم ثلثة أقسًم‪:‬‬
‫الول‪ :‬الظًلم لَفسه‪ ،‬وهو الذي يطيع ا ولكَه يعصيه أيضً ا فهو‬
‫‪‬‬ ‫الذي قًل ا فيه‪:‬‬

‫‪‬‬
‫‪.‬‬
‫الثاني‪ :‬المقتصد وهو الذي يطيع ا ول يعصيه‪ ،‬ولكَه ل يتقرب‬
‫بًلَوافل من الطًعًت‪.‬‬
‫والثالث‪ :‬السًبق بًلخيرات‪ ،‬وهو الذي يأتي بًلواجبًت ويجتَب‬
‫المحرمًت‪ ،‬ويتقرب إلى ا بًلطًعًت والقربًت التي هي غير واجبة‪،‬‬
‫وهذا على أصح القوال في تفسير الظًلم لَفسه‪ ،‬والمقتصد والسًبق‪ .‬ثم‬
‫إنه تعًلى بيّن أن إيراثهم الكتًب هو الفضل الكبير مَه عليهم‪ ،‬ثم وعد‬
‫الجميع بجًَت عدن‪ ،‬وهو ل يخلف الميعًد في قوله‪:‬‬
‫‪‬‬
‫إلى قوله‪:‬‬
‫والواو في يدخلونهً شًملة للظًلم والمقتصد‬ ‫‪‬‬
‫‪387‬‬ ‫من كنوز القرآن الكريم‪ ،‬تفسير آيات من الكتاب‬
‫العزيز‬

‫والسًبق على التحقيق‪ .‬ولذا قًل بعض أهل العلم‪ :‬حق لهذه الواو أن‬
‫تكتب بمًء العيَين‪ ،‬فوعزده الصًدق بجًَت عدن لجميع أقسًم هذه المة‪،‬‬
‫وأولهم الظًلم لَفسه يدل على أن هذه الية من أرجى آيًت القرآن‪ ،‬ولم‬
‫يبق من المسلمين أحد خًرج عن القسًم الثلثة‪ ،‬فًلوعد الصًدق بًلجَّة‬
‫في الية شًمل لجميع المسلمين‪ ،‬ولذا قًل بعدهً متصلا بهً‪:‬‬
‫‪‬‬

‫‪‬‬ ‫‪‬‬
‫‪‬‬

‫إلى قوله‪:‬‬ ‫‪‬‬ ‫‪‬‬


‫‪.‬‬
‫واختلف أهل العلم في سبب تقديم الظًلم في الوعد بًلجَّة على المقتصد‬
‫والسًبق‪ ،‬فقًل بعضهم‪ :‬قدم الظًلم لئل يقَط‪ ،‬وأ ّخر السًبق بًلخيرات لئل‬
‫يعجب بعمله فيحبط‪ .‬وقًل بعضهم‪ :‬قدم الظًلم لَفسه لن أكثر أهل الجَّة‬
‫الظًلمون لنفسهم‪ ،‬لن الذين لم تقع مَهم معصية أقل من غيرهم‪ ،‬كمً‬
‫قًل تعًلى‪:‬‬
‫‪‬‬ ‫‪‬‬

‫[ص‪.)) ]24 :‬‬


‫سورة يس‬
‫‪‬‬ ‫ـ قوله تعالى‪:‬‬
‫من كنوز القرآن الكريم‪ ،‬تفسير آيات من الكتاب‬ ‫‪388‬‬
‫العزيز‬

‫‪‬‬

‫‪‬‬
‫‪‬‬
‫[يس‪ 10 :‬ـ ‪.]11‬‬
‫قسمًن‪ :‬قسم‬ ‫في هًتين اليتين بيًن أن أمة الدعوة لَبيًَ محمد‬
‫مستفيد من النذار‪ ،‬وهم المستجيبون لدعوته‪ ،‬الداخلون في ديَه الحَيف‪،‬‬
‫وقسم لم تحصل له الفًئدة لعمًه وارتكًسه في الضلل‪ ،‬ومثل الية‬
‫الولى‪ ،‬قول ا ‪ ‬في أول سورة البقرة‪:‬‬
‫‪‬‬ ‫‪‬‬

‫‪‬‬
‫‪‬‬

‫‪‬‬
‫[البقرة‪ 6 :‬ـ‬
‫‪.]7‬‬
‫ومثل الية الثًنية‪ ،‬قوله تعًلى‪:‬‬
‫‪‬‬
‫‪389‬‬ ‫من كنوز القرآن الكريم‪ ،‬تفسير آيات من الكتاب‬
‫العزيز‬

‫‪‬‬
‫[الملك‪ .]12 :‬والمستفيدون من‬
‫النذار هم المتبعون للوحي‪ ،‬المتمسكون بكتًب ا وسَّة رسوله ‪،‬‬
‫الذين يخشون ربهم في السر والعلنية‪ ،‬وقد وعدهم ا ‪ ‬بًلمغفرة‬
‫لذنوبهم‪ ،‬وحصول الجر الكريم الذي فيه رفعة درجًتهم‪ ،‬وعلو مًَزلهم‪.‬‬
‫وفي السبعة الذين يظلهم ا في ظله يوم ل ظل إلّ ظله‪ (( :‬ورجل‬
‫دعته امرأة ذات مَصب وجمًل فقًل‪ :‬إني أخًف ا‪ ،‬ورجل تصدّق‬
‫بصدقة فأخفًهً حتى ل تعلم شمًله مً تَفق يميَه‪ ،‬ورجل ذكر ا خًليً ا‬
‫ففًضت عيًَه )) رواه البخًري (‪ ،)1423‬ومسلم (‪.)2380‬‬
‫سورة الصافات‬
‫‪‬‬ ‫ـ قوله تعالى‪:‬‬

‫‪‬‬

‫‪‬‬

‫[الصًفًت‪ 133 :‬ـ ‪.]138‬‬ ‫‪‬‬

‫في هذه اليًت الكريمًت بيًن تكذيب قوم لوط له‪ ،‬وأن ا تعًلى‬
‫من كنوز القرآن الكريم‪ ،‬تفسير آيات من الكتاب‬ ‫‪390‬‬
‫العزيز‬

‫أهلكهم ون ّجى لوطً ا وأهله إلّ امرأته؛ فإنهً كًنت في الهًلكين‪ ،‬وقد جعل‬
‫ا ديًرهم المدمرة في طريق أهل الحجًز إلى الشًم‪ ،‬وهم يمرون عليهً‬
‫‪‬‬ ‫ليلا ونهًراا‪ ،‬وقًل‪:‬‬
‫أي‪ :‬أفل يعتبرون ويتعظون بمً حل بهم‪ ،‬كمً قًل ا ‪ ‬في آخر قصة‬
‫لوط في سورة هود‪:‬‬
‫‪.‬‬
‫وقد جًء في القرآن الكريم ذكر إهلك المم السًبقة وأن كفًر قريش‬
‫لم يعتبروا بمً حل بمن قبلهم‪ ،‬قًل ا ‪:‬‬

‫‪‬‬

‫[السجدة‪ ،]26 :‬وقًل‪:‬‬ ‫‪‬‬

‫‪‬‬

‫[محمد‪ ،]10 :‬وقًل‪:‬‬


‫‪391‬‬ ‫من كنوز القرآن الكريم‪ ،‬تفسير آيات من الكتاب‬
‫العزيز‬

‫[النعًم‪.]11 :‬‬
‫وجًء مثل هذه اليًت في سورة يوسف‪ ،‬والَحل‪ ،‬والروم في‬
‫موضعين‪ ،‬وسبأ‪ ،‬وغًفر في موضعين‪.‬‬
‫هي بمعَى‬ ‫والبًء في قوله‪:‬‬
‫‪:‬‬ ‫ا‬ ‫قول‬ ‫ومثلهً‬ ‫الظرفية‪،‬‬ ‫(في)‬

‫‪‬‬

‫[الصًفًت‪ ،]145 :‬وقوله‪:‬‬

‫‪‬‬

‫[الحقًف‪ ،]21 :‬وقوله‪:‬‬

‫‪‬‬ ‫[التكوير‪ ،]23 :‬وقوله‪:‬‬


‫[الَجم‪،]7 :‬‬
‫وقوله‪:‬‬
‫[الًَزعًت‪ ،]14 :‬وقوله‪:‬‬

‫‪‬‬

‫[الًَزعًت‪.]16 :‬‬ ‫‪‬‬

‫سورة ص‬
‫من كنوز القرآن الكريم‪ ،‬تفسير آيات من الكتاب‬ ‫‪392‬‬
‫العزيز‬

‫‪‬‬ ‫ـ قوله تعالى‪:‬‬

‫‪‬‬

‫[ص‪ 4 :‬ـ ‪.]5‬‬


‫‪،‬‬ ‫أخبر ا تعًلى في الية الولى عن عجب الكفًر من بعثة محمد‬
‫وهو بشر مثلهم‪ ،‬وادعًئهم أنه سًحر كذّاب‪ ،‬وقد جًء هذا العجب وهذه‬
‫الدعوى في قول ا ‪:‬‬

‫‪‬‬

‫‪‬‬

‫[يونس‪.]2 :‬‬
‫وفي الية الثًنية‪ :‬النكًر عليهم في جحدهم ألوهية ا ‪ ،‬وزعمهم‬
‫إلى ألوهية ا وحده‬ ‫آلهة أخرى يعبدونهً مع ا‪ ،‬وأن دعوة الرسول‬
‫شيء عجيب عَدهم‪ .‬وهذه المور الثلثة التي أنكرهً الكفًر الذين بلعث‬
‫‪393‬‬ ‫من كنوز القرآن الكريم‪ ،‬تفسير آيات من الكتاب‬
‫العزيز‬

‫‪ ،‬اتبعوا في إنكًرهً المم السًبقة‪ .‬أمً التعجب من‬ ‫فيهم رسول ا‬


‫بعثة الرسل من البشر وإنكًر ذلك وإنكًر إفراد ا بًلعبًدة‪ ،‬فيدل عليه‬
‫قوله تعًلى في سورة إبراهيم‪:‬‬

‫‪‬‬ ‫‪‬‬

‫‪‬‬

‫‪‬‬

‫‪‬‬ ‫‪‬‬

‫‪‬‬

‫‪‬‬

‫‪‬‬

‫‪‬‬

‫‪‬‬
‫من كنوز القرآن الكريم‪ ،‬تفسير آيات من الكتاب‬ ‫‪394‬‬
‫العزيز‬

‫‪‬‬

‫‪‬‬

‫‪‬‬

‫[إبراهيم‪ 9 :‬ـ ‪.]10‬‬


‫وأمً وصف الرسل بأنهم سحرة؛ فقد قًل ا ‪ ‬في سورة الذاريًت‪:‬‬

‫‪‬‬ ‫‪‬‬

‫‪‬‬

‫‪‬‬ ‫‪‬‬

‫[الذاريًت‪ 52 :‬ـ ‪.]53‬‬ ‫‪‬‬ ‫‪‬‬

‫ويدل أيضً ا لتفًق الكفًر على الكفر بًلرسل واتبًع مً كًن عليه آبًؤهم‬
‫في عبًدة آلهة مع ا‪ ،‬قول ا ‪ ‬في سورة سبأ‪:‬‬

‫‪‬‬

‫‪‬‬
‫‪395‬‬ ‫من كنوز القرآن الكريم‪ ،‬تفسير آيات من الكتاب‬
‫العزيز‬

‫[سبأ‪ ،]34 :‬وقوله في سورة الزخرف‪:‬‬

‫‪‬‬

‫[الزخرف‪:‬‬
‫‪.]23‬‬
‫سورة الزمر‬
‫ـ قوله تعالى‪:‬‬
‫‪‬‬
‫‪‬‬ ‫‪‬‬
‫‪‬‬
‫‪‬‬ ‫‪‬‬
‫‪‬‬ ‫‪‬‬ ‫‪‬‬
‫‪‬‬

‫‪‬‬

‫‪‬‬
‫من كنوز القرآن الكريم‪ ،‬تفسير آيات من الكتاب‬ ‫‪396‬‬
‫العزيز‬

‫[الزمر‪ 53 :‬ـ ‪.]55‬‬


‫الذنوب كلهً ـ وأعظمهً الشرك ـ يكفرهً التوبة مَهً‪ ،‬كمً في هذه‬
‫الية‪ ،‬وكمً في قول ا ‪:‬‬
‫‪‬‬
‫‪‬‬
‫‪‬‬

‫‪‬‬ ‫‪‬‬

‫‪‬‬

‫‪‬‬ ‫‪‬‬
‫تعًلى‪:‬‬ ‫وقوله‬ ‫[الفرقًن‪ 68 :‬ـ ‪،]70‬‬
‫‪‬‬ ‫‪‬‬
‫‪397‬‬ ‫من كنوز القرآن الكريم‪ ،‬تفسير آيات من الكتاب‬
‫العزيز‬

‫‪‬‬ ‫‪‬‬
‫[النفًل‪ .]38 :‬وفي صحيح البخًري‬
‫(‪ )4810‬ومسلم (‪ )322‬عن ابن عبًس‪ (( :‬أن نًسً ا من أهل الشرك كًنوا‬
‫فقًلوا‪ :‬إن الذي تقول‬ ‫قد قتلوا وأكثروا‪ ،‬وزنوا وأكثروا‪ ،‬فأتوا محمدا ا‬
‫ز‬
‫عملًَ كفًرةا‪ ،‬فَزل‪:‬‬ ‫وتدعو إليه لحسن لو تخبرنً أن يلمً‬
‫‪‬‬

‫‪‬‬ ‫‪‬‬

‫[الفرقًن‪ ،]68 :‬ونزل‪:‬‬ ‫‪‬‬

‫‪‬‬
‫‪‬‬ ‫‪‬‬
‫))‪.‬‬ ‫‪‬‬

‫فًلذنوب كلهً تكفرهً التوبة‪ ،‬والصغًئر تكفر بًجتًَب الكبًئر‪ ،‬كمً‬


‫‪‬‬ ‫قًل ا تعًلى‪:‬‬
‫‪‬‬
‫‪‬‬
‫[الَسًء‪ ،]31 :‬وكل ذنب دون‬
‫الشرك إذا مًت صًحبه من غير توبة‪ ،‬فأمره إلى ا ‪‬؛ إن شًء عفى‬
‫عَه‪ ،‬وإن شًء عذّبه‪ ،‬لقول ا تعًلى‪:‬‬
‫‪‬‬
‫‪‬‬
‫من كنوز القرآن الكريم‪ ،‬تفسير آيات من الكتاب‬ ‫‪398‬‬
‫العزيز‬

‫[الَسًء‪ ،]48 :‬وإذا لم يغفر ا‬


‫لصًحب الكبيرة وأدخله الًَر‪ ،‬فإنه ل يخلد فيهً‪ ،‬بل يخرج مَهً ويدخل‬
‫في‬ ‫الجَّة‪ ،‬كمً دلّت على ذلك الحًديث المتواترة عن رسول ا‬
‫إخراج أهل الكبًئر من الًَر وإدخًلهم الجَّة‪.‬‬
‫وبعد أن أخبر ا ‪ ‬عن فضله وإحسًنه بمغفرته لجميع الذنوب إذا‬
‫تيب مَهً‪ ،‬أمر بًلنًبة إليه والستسلم له بلزوم طًعته‪ ،‬وطًعة رسوله‬
‫‪ ،‬قبل حلول الَقم ونزول العذاب‪ .‬ثم أمر بًتبًع القرآن الكريم المَزل‬
‫‪‬‬ ‫على رسوله الكريم فقًل‪:‬‬

‫[الزمر‪:‬‬
‫‪ .]55‬قًل شيخًَ الشيخ محمد المين الشَقيطي ~ في (أضواء البيًن) في‬
‫الكلم على قوله تعًلى‪:‬‬
‫‪‬‬ ‫‪‬‬
‫‪‬‬ ‫‪‬‬
‫الكريمة‬ ‫الية‬ ‫هذه‬ ‫في‬ ‫تعًلى‬ ‫وقوله‬ ‫((‬ ‫قًل‪:‬‬
‫‪‬‬ ‫‪‬‬
‫أي‪ :‬يقدمون الحسن الذي هو أشد لحسًَ ا على الحسن الذي هو دونه في‬
‫ال لحسن‪ ،‬ويقدمون الحسن مطلقً ا على الحسن‪ ،‬ويدل لهذا آيًت من كتًب‬
‫من الوحي‪،‬‬ ‫ا‪ ،‬أمً الدليل على أن القول الحسن المتبع مً أنزل عليه‬
‫‪399‬‬ ‫من كنوز القرآن الكريم‪ ،‬تفسير آيات من الكتاب‬
‫العزيز‬

‫تعًلى‪:‬‬ ‫كقوله‬ ‫ا‪،‬‬ ‫كتًب‬ ‫من‬ ‫آيًت‬ ‫في‬ ‫فهو‬


‫‪‬‬

‫‪ ،‬وقوله تعًلى لموسى يأمره بًلخذ بأحسن مً‬


‫‪‬‬ ‫في التوراة‪:‬‬
‫‪‬‬
‫‪ .‬وأمً كون القرآن فيه الحسن‬
‫والحسن‪ ،‬فقد دلّت عليه آيًت من كتًبه‪ .‬واعلم ّأولا أنه ل شك في أن‬
‫الواجب أحسن من المَدوب‪ ،‬وأن المَدوب أحسن من مطلق الحسن‪ ،‬فإذا‬
‫‪‬‬ ‫سمعوا مثلا قوله تعًلى‪:‬‬

‫‪ ،‬قدموا فعل الخير الواجب على فعل‬ ‫‪‬‬ ‫‪‬‬


‫الخير المَدوب‪ ،‬وقدموا هذا الخير على مطلق الحسن الذي هو الجًئز‪،‬‬
‫ولهذا كًن الجزاء بخصوص الحسن الذي هو الواجب والمَدوب‪ ،‬ل‬
‫تعًلى‪:‬‬ ‫قًل‬ ‫كمً‬ ‫الحسن‪،‬‬ ‫مطلق‬ ‫على‬

‫‪‬‬
‫[الَحل‪ ،]97 :‬وقًل تعًلى‪:‬‬ ‫‪‬‬

‫‪‬‬
‫[الزمر‪.)) ]35 :‬‬ ‫‪‬‬

‫وقًل‪ (( :‬ومن أمثلة الترغيب في الخذ بًلحسن وأفضليته مع جواز‬


‫من كنوز القرآن الكريم‪ ،‬تفسير آيات من الكتاب‬ ‫‪400‬‬
‫العزيز‬

‫تعًلى‪:‬‬ ‫قوله‬ ‫بًلحسن‬ ‫الخذ‬


‫‪‬‬

‫‪‬‬

‫‪‬‬

‫[الَحل‪،]126 :‬‬
‫‪‬‬ ‫فًلمر في قوله‪:‬‬
‫للجواز‪ ،‬وا ل يأمر‬ ‫‪‬‬

‫إلّ بحسن‪ ،‬فدل ذلك على أن النتقًم حسن‪ ،‬ولكن ا بيّن أن العفو‬
‫والصبر خير مَه وأحسن في قوله‪:‬‬
‫‪‬‬

‫‪ ،‬وأمثًل ذلك كثيرة في القرآن ))‪.‬‬


‫ثم ذكر ~ جملة مَهً‪.‬‬
‫سورة غافر‬
‫ـ قوله تعالى‪:‬‬
‫‪‬‬

‫‪‬‬

‫[غًفر‪.]60 :‬‬
‫في هذه الية الكريمة زأمر الرب سبحًنه وتعًلى عبًده بدعًئه‪ ،‬وو زعدله‬
‫‪401‬‬ ‫من كنوز القرآن الكريم‪ ،‬تفسير آيات من الكتاب‬
‫العزيز‬

‫عدله المستكبرين عن عبًدته بإدخًلهم الًَر صًغرين‬


‫الكريم بًلجًبة‪ ،‬وتو ّ‬
‫حقيرين‪ ،‬والدعًء يطلق على سؤال العبد ربه جلب الخير‪ ،‬ودفع الشر‪،‬‬
‫وهو دعًء المسألة‪.‬‬
‫ويطلق على العبًدة‪ ،‬ومَه ذكر ا ‪ ‬والثًَء عليه‪ ،‬وهو دعًء‬
‫العبًدة‪ ،‬روى الترمذي في جًمعه (‪ )3247‬ـ وقًل‪ :‬حديث حسن صحيح‬
‫الدعًء هو‬ ‫((‬ ‫يقول‪:‬‬ ‫ـ عن الَعمًن بن بشير > قًل‪ :‬سمعت الَبي‬
‫العبًدة ))‪ ،‬ثم قرأ‪:‬‬
‫‪‬‬

‫‪‬‬

‫‪.‬‬
‫قًل شيخًَ الشيخ محمد المين الشَقيطي ~ في (أضواء البيًن)‪:‬‬
‫‪‬‬ ‫قًل بعض العلمًء‪:‬‬ ‫((‬

‫‪ :‬اعبدوني أثبكم عن‬


‫عبًدتكم‪،‬‬
‫ويدل لهذا قوله بعده‪:‬‬

‫‪‬‬

‫‪.‬‬
‫‪‬‬ ‫وقًل بعض العلمًء‪:‬‬
‫من كنوز القرآن الكريم‪ ،‬تفسير آيات من الكتاب‬ ‫‪402‬‬
‫العزيز‬

‫أي‪ :‬اسألوني أعطكم‪ ،‬ول‬


‫مًَفًة بين القولين؛ لن دعًء ا من أنواع عبًدته ))‪.‬‬
‫قوله تعًلى‪:‬‬ ‫((‬ ‫وقًل في سورة البقرة‪:‬‬

‫‪‬‬

‫‪ ،‬ذكر في هذه الية أنه ـ ج ّل وعل ـ قريب يجيب‬


‫دعوة الداعي‪ ،‬وبيّن في آية أخرى تعليق ذلك على مشيئته ـ ج ّل وعل ـ‬
‫وهي قوله‪:‬‬
‫‪‬‬

‫الية‪ .‬وقًل بعضهم‪ :‬التعليق بًلمشيئة في دعًء الكفًر كمً هو ظًهر‬


‫سيًق الية‪ ،‬والوعد المطلق في دعًء المؤمَين‪ ،‬وعليه فدعًؤهم ل يرد‪،‬‬
‫إمً أن يعطوا مً سألوا‪ ،‬أو يدّخر لهم خير مَه‪ ،‬أو يدفع عَهم من السوء‬
‫بقدره‪ .‬وقًل بعض العلمًء‪ :‬المراد بًلدعًء العبًدة‪ ،‬وبًلجًبة الثواب‪،‬‬
‫وعليه فل إشكًل ))‪.‬‬
‫وفي مسَد المًم أحمد (‪ )11133‬بإسًَد حسن عن أبي سعيد أن‬
‫قًل‪ (( :‬مً من مسلم يدعو بدعوة ليس فيهً إثم ول قطيعة رحم‪،‬‬ ‫الَبي‬
‫إلّ أعطًه ا بهً إحدى ثلث‪ :‬إمً أن تلع ّجل له دعوته‪ ،‬وإمً أن يدلخرهً‬
‫له في الخرة‪ ،‬وإمً أن ينصرف عَه من السوء مثلهً ))‪ .‬قًلوا‪ :‬إذا ا نكثر؟‬
‫ا أكثر ))‪ .‬وانظر الكلم في الدعًء وتوضيح دعًء العبًدة‬ ‫((‬ ‫قًل‪:‬‬
‫‪403‬‬ ‫من كنوز القرآن الكريم‪ ،‬تفسير آيات من الكتاب‬
‫العزيز‬

‫والمسألة في أول الجزء الثًلث من كتًب (بدائع الفوائد) لبن القيم‪.‬‬


‫سورة فصلت‬
‫‪‬‬ ‫ـ قوله تعالى‪:‬‬

‫‪‬‬ ‫‪‬‬

‫‪‬‬
‫‪‬‬ ‫‪‬‬
‫[فصلت‪ 19 :‬ـ ‪.]20‬‬
‫أخبر ا ‪ ‬عن أهل الًَر أنهم يحشرون ويسًقون إليهً‪ ،‬ويلجمع‬
‫أولهم وآخرهم ويقذفون في الًَر‪ ،‬كمً قًل ا ‪:‬‬
‫‪‬‬
‫[مريم‪،]86 :‬‬
‫‪‬‬ ‫‪‬‬ ‫وقًل‪:‬‬
‫[الطور‪.]13 :‬‬
‫وأخبر أنهم إذا وقفوا على الًَر شهد عليهم سمعهم وأبصًرهم‬
‫وجلودهم بأعمًلهم التي عملوهً‪ ،‬وفي صحيح مسلم (‪ )7439‬عن أنس‬
‫فضحك فقًل‪ (( :‬هل تدرون مم‬ ‫بن مًلك > قًل‪ :‬كًَ عَد رسول ا‬
‫أضحك؟ )) قًل‪ :‬قلًَ‪ :‬ا ورسوله أعلم‪ .‬قًل‪ (( :‬من مخًطبة العبد ربه‪،‬‬
‫يقول‪ :‬يً رب! ألم تجرني من الظلم؟ قًل‪ :‬يقول‪ :‬بلى‪ .‬قًل‪ :‬فيقول‪ :‬فإني ل‬
‫أجيز على نفسي إلّ شًهدا ا مَي‪ .‬قًل‪ :‬فيقول‪ :‬كفى بَفسك اليوم عليك‬
‫من كنوز القرآن الكريم‪ ،‬تفسير آيات من الكتاب‬ ‫‪404‬‬
‫العزيز‬

‫شهيداا‪ ،‬وبًلكرام الكًتبين شهوداا‪ .‬قًل‪ :‬فيلختنم على فيه‪ ،‬فيقًل لركًنه‪:‬‬
‫انطقي‪ .‬قًل‪ :‬فتَطق بأعمًله‪ .‬قًل‪ :‬ثم يخلي بيَه وبين الكلم‪ .‬قًل‪ :‬فيقول‪:‬‬
‫سحقًا‪ ،‬فعَكن كَت أنًضل ))‪.‬‬
‫بعدا ا لن لك لن و ل‬
‫في قوله‪:‬‬ ‫و‬
‫زائدة لتأكيد الكلم‪ ،‬ومثلهً قوله تعًلى‪:‬‬

‫[البقرة‪ ،]282 :‬وقوله‪:‬‬ ‫‪‬‬

‫[يونس‪ ،]51 :‬وقوله‪:‬‬ ‫‪‬‬


‫‪‬‬
‫‪‬‬
‫‪‬‬
‫[التوبة‪ ،]124:‬وقوله‪:‬‬
‫‪‬‬
‫[التوبة‪:‬‬
‫‪.]127‬‬
‫‪‬‬ ‫ومثل هذه الية‪ ،‬قوله تعًلى في سورة الَور‪:‬‬

‫‪‬‬
‫[الَور‪ ،]24 :‬وقوله في سورة يس‪:‬‬ ‫‪‬‬
‫‪‬‬
‫‪405‬‬ ‫من كنوز القرآن الكريم‪ ،‬تفسير آيات من الكتاب‬
‫العزيز‬

‫‪‬‬

‫[يس‪.]65 :‬‬ ‫‪‬‬ ‫‪‬‬

‫وفي شهًدة أعضًء النسًن عليه بأعمًله التي عملهً في الدنيً‪ ،‬دليل‬
‫على أن البعث والمعًد يكون للجسًد التي كًنت في الدنيً؛ لنهً هي‬
‫التي شهدت مً حصل من أعمًله في الدنيً‪ .‬ويدل على ذلك من السَّة‬
‫يحرقوا جسده ويرموا‬ ‫صة الرجل الذي أوصى بَيه إذا مًت أن ّ‬ ‫حديث ق ّ‬
‫جزءا ا من رمًده في البر وجزءا ا مَه في البحر‪ ،‬فأمر ا ‪ ‬البحر بأن‬
‫يخرج مً فيه‪ ،‬والبر بأن يخرج مً فيه‪ ،‬حتى عًد الجسد كمً كًن‪.‬‬
‫والحديث رواه البخًري (‪ ،)7506‬ومسلم (‪ )6980‬من حديث أبي‬
‫هريرة >‪.‬‬
‫سورة الشورى‬
‫‪‬‬ ‫ـ قوله تعالى‪:‬‬

‫‪‬‬

‫‪‬‬

‫‪‬‬
‫من كنوز القرآن الكريم‪ ،‬تفسير آيات من الكتاب‬ ‫‪406‬‬
‫العزيز‬

‫‪‬‬
‫[الشورى‪ 27 :‬ـ‬ ‫‪‬‬
‫‪.]28‬‬
‫أخبر ا ‪ ‬في الية الولى‪ :‬أن من أسبًب البغي والطغيًن‪ :‬بسزط‬
‫ا ‪ ‬الرزق للعبًد‪ ،‬كمً قًل ا ‪:‬‬

‫[العلق‪ 6 :‬ـ ‪،]7‬‬


‫وقًل‪:‬‬

‫‪‬‬ ‫‪‬‬

‫‪‬‬
‫[السراء‪ ،]16 :‬وقًل‪:‬‬

‫‪‬‬

‫‪‬‬ ‫‪‬‬
‫[الَحل‪،]112 :‬‬ ‫‪‬‬ ‫‪‬‬
‫وقًل‪:‬‬
‫‪‬‬ ‫‪‬‬
‫‪407‬‬ ‫من كنوز القرآن الكريم‪ ،‬تفسير آيات من الكتاب‬
‫العزيز‬

‫‪‬‬
‫‪‬‬ ‫‪‬‬

‫اليًت [القصص‪.]76 :‬‬ ‫‪‬‬

‫‪‬‬ ‫قوله‪:‬‬ ‫((‬ ‫قًل ابن كثير في تفسير هذه الية‪:‬‬

‫‪‬‬
‫أي‪ :‬لو أعطًهم فوق حًجتهم من الرزق‪،‬‬
‫لحملهم ذلك على البغي والطغيًن من بعضهم على بعض أشرا ا وبطراا‪.‬‬
‫وقًل قتًدة‪ :‬كًن يقًل‪ :‬خير العيش مً ل يلهيك ول يطغيك ))‪.‬‬
‫وقًل‪ (( :‬وقوله‪:‬‬

‫أي‪ :‬ولكن يرزقهم من الرزق مً يختًره ممً فيه‬


‫صلحهم‪ ،‬وهو أعلم بذلك‪ ،‬فيغَي من يستحق الغَى‪ ،‬ويفقر من يستحق‬
‫الفقر ))‪.‬‬
‫وقًل القرطبي في تفسيره‪ (( :‬وقًل ابن عبًس‪ :‬بغيلهم طلبهم مَزلة بعد‬
‫مَزلة‪ ،‬ودابة بعد دابة‪ ،‬ومركبً ا بعد مركب‪ ،‬وملبسً ا بعد ملبس‪ .‬وقيل‪:‬‬
‫أراد لو أعطًهم الكثير لطلبوا مً هو أكثر مَه‪ ،‬لقوله‪ (( :‬لو كًن لبن آدم‬
‫واديًن من ذهب لبتغى إليهمً ثًلثً ا ))‪ ،‬وهذا هو البغي‪ ،‬وهو معَى قول‬
‫ابن عبًس‪ .‬وقيل‪ :‬لو جعلًَهم سواء في المًل لمً انقًد بعضهم لبعض‪،‬‬
‫من كنوز القرآن الكريم‪ ،‬تفسير آيات من الكتاب‬ ‫‪408‬‬
‫العزيز‬

‫ّ‬
‫ولتعطلت الصًَئع‪ .‬وقيل‪ :‬أراد بًلرزق المطر الذي هو سبب الرزق‪ ،‬أي‬
‫لو أدام المطر لتشًغلوا به عن الدعًء‪ ،‬فيقبض تًرة ليتضرعوا‪ ،‬ويبسط‬
‫أخرى ليشكروا‪ .‬وقيل‪ :‬كًنوا إذا أخصبوا أغًر بعضهم على بعض‪ ،‬فل‬
‫يبعد حمل البغي على هذا ))‪.‬‬
‫وأخبر تعًلى في الية الثًنية أنه يَزل الغيث وهو المطر في وقت‬
‫قَوطهم وشدّة حًجتهم إليه‪ ،‬فيَشر الرحمة ويعم بفضله الخير‪ ،‬كمً قًل‬
‫تعًلى‪:‬‬
‫‪‬‬

‫‪‬‬

‫[الروم‪ 48 :‬ـ‬
‫‪.]49‬‬
‫ورحمة ا رحمتًن‪ :‬رحمة هي صفة من صفًته‪ ،‬قًئمة بذاته على‬
‫الوجه الذي يليق بكمًله‪ ،‬وا تعًلى من أسمًئه الرحمن والرحيم‪ ،‬ومن‬
‫صفًته الرحمة‪ .‬ورحمة هي من مخلوقًته‪ ،‬وهي من آثًر رحمته التي‬
‫هي صفة من صفًته‪ ،‬ومَه قوله تعًلى في هذه الية‪:‬‬
‫‪ ،‬وقوله‪:‬‬

‫‪.‬‬ ‫‪‬‬ ‫‪‬‬ ‫‪‬‬


‫‪409‬‬ ‫من كنوز القرآن الكريم‪ ،‬تفسير آيات من الكتاب‬
‫العزيز‬

‫سورة الزخرف‬
‫ـ قوله تعالى‪:‬‬

‫‪‬‬ ‫‪‬‬

‫[الزخرف‪ 26 :‬ـ ‪.]28‬‬ ‫‪‬‬

‫أخبر ا ‪ ‬عن براءة إبراهيم رسوله وخليله ممً كًن يعبده أبوه‬
‫وقومه من النداد‪ ،‬وأن عبًدته ل تكون إلّ ل وحده الذي خلقه وهو‬
‫يهديه‪ .‬وهذا هو معَى ل إله إلّ ا‪ ،‬فإن قوله‪:‬‬

‫بمعَى‪ :‬ل إله‪ ،‬وقوله‪:‬‬

‫بمعَى‪ :‬إلّ ا‪ ،‬وهذه هي الكلمة التي‬


‫جعلهً إبراهيم في عقبه‪ .‬ومَهم من وفقه ا ‪ ‬للتمسك بهً‪ ،‬ومَهم من‬
‫كًن بخلف ذلك‪.‬‬
‫ومثل هذه الية‪ :‬قوله تعًلى عن إبراهيم في سورة الشعراء‪:‬‬
‫من كنوز القرآن الكريم‪ ،‬تفسير آيات من الكتاب‬ ‫‪410‬‬
‫العزيز‬

‫‪‬‬

‫‪‬‬
‫[الشعراء‪ 75 :‬ـ ‪ ،]78‬وقوله في سورة الممتحَة‪:‬‬
‫‪‬‬

‫‪‬‬
‫‪‬‬ ‫‪‬‬

‫‪‬‬

‫‪‬‬
‫[الممتحَة‪ ،]4 :‬وقوله في سورة العَكبوت‪:‬‬ ‫‪‬‬

‫‪‬‬
‫‪‬‬
‫‪‬‬
‫‪411‬‬ ‫من كنوز القرآن الكريم‪ ،‬تفسير آيات من الكتاب‬
‫العزيز‬

‫‪‬‬

‫‪‬‬
‫‪‬‬

‫‪‬‬ ‫‪‬‬
‫[العَكبوت‪ 16 :‬ـ ‪ ،]17‬وقوله في سورة النبيًء‪:‬‬

‫‪‬‬

‫[النبيًء‪ 66 :‬ـ ‪ ،]67‬وقوله في سورة‬ ‫‪‬‬


‫الصًفًت‪:‬‬
‫‪‬‬
‫‪‬‬
‫[الصًفًت‪ 95 :‬ـ ‪.]96‬‬
‫وانظر كلم شيخًَ الشيخ محمد المين الشَقيطي ~ في الكلم على‬
‫آية الزخرف هذه في كتًبه (أضواء البيًن)‪.‬‬
‫سورة الدخان‬
‫من كنوز القرآن الكريم‪ ،‬تفسير آيات من الكتاب‬ ‫‪412‬‬
‫العزيز‬

‫‪‬‬ ‫ـ قوله تعالى‪:‬‬


‫‪‬‬
‫‪‬‬
‫‪‬‬ ‫‪‬‬

‫‪‬‬
‫[الدخًن‪ 40 :‬ـ ‪.]42‬‬
‫يوم الفصل هو يوم القيًمة‪ ،‬كمً قًل ا ‪:‬‬
‫‪‬‬
‫‪‬‬
‫‪‬‬
‫[الممتحَة‪ ،]3 :‬فيفصل ا بين المؤمَين‬
‫والكًفرين‪ ،‬فيلدخل الكفًر الًَر ويدخل المؤمَين الجَّة‪ ،‬ويفصل بين‬
‫الخلق فيمً يختصمون فيه‪ ،‬كمً قًل‪:‬‬
‫‪‬‬
‫[الزمر‪:‬‬ ‫‪‬‬
‫‪.]31‬‬
‫والفصل بإنصًف المظلوم من الظًلم‪ ،‬وذلك بإعطًئه من حسًَته وإن‬
‫لم يكن له حسًَت‪ ،‬أخذ من سيئًت المظلوم فوضعت على الظًلم‪ ،‬يدل‬
‫لذلك مً رواه مسلم في صحيحه (‪ )6579‬عن أبي هريرة > أن رسول‬
‫قًل‪:‬‬ ‫ا‬
‫‪413‬‬ ‫من كنوز القرآن الكريم‪ ،‬تفسير آيات من الكتاب‬
‫العزيز‬

‫(( أتدرون مً المفلس؟ )) قًلوا‪ :‬المفلس فيًَ من ل درهم له ول متًع‪ .‬فقًل‪:‬‬


‫(( إن المفلس من أمتي من يأتي يوم القيًمة بصلة وصيًم وزكًة‪ ،‬ويأتي‬
‫قد شتم هذا‪ ،‬وقذف هذا‪ ،‬وأكل مًل هذا‪ ،‬وسفك دم هذا‪ ،‬وضرب هذا‪،‬‬
‫فيعطى هذا من حسًَته وهذا من حسًَته‪ ،‬فإن فَيت حسًَته قبل أن‬
‫يقضى مً عليه‪ ،‬أخذ من خطًيًهم فطرحت عليه‪ ،‬ثم طرح في الًَر ))‪.‬‬
‫ويوم الفصل هو يوم الدين الذي أنكره الكفًر‪ ،‬كمً قًل ا تعًلى‪:‬‬
‫‪‬‬ ‫‪‬‬
‫‪‬‬
‫‪‬‬ ‫‪‬‬

‫[الصًفًت‪ 20 :‬ـ ‪ ،]21‬وهو اليوم الذي‬ ‫‪‬‬


‫يموج الًَس بعضهم في بعض‪ ،‬فيستشفعون بآدم ونوح‪ ،‬وإبراهيم‪،‬‬
‫وموسى‪ ،‬وعيسى‪ ،‬فيعتذر كل واحد مَهم‪ ،‬ثم يأتون لَبيًَ محمد ‪،‬‬
‫ويطلبون مَه الشفًعة إلى ا ‪ ‬لفصل القضًء بيَهم‪ ،‬فيشفع ويش يفّعه ا‬
‫‪ ،‬ويأتي للفصل بين عبًده‪ ،‬وهذه الشفًعة هي الشفًعة العظمى‪ ،‬وهي‬
‫الولون‬
‫ّ‬ ‫أول الشفًعًت‪ ،‬وهي المقًم المحمود الذي يحمده عليه‬
‫والخرون؛ لستفًدتهم جميعً ا من شفًعته ‪.‬‬
‫ويوم القيًمة هو الوقت الذي جعله ا للفصل بين العبًد‪ ،‬كمً في هذه‬
‫‪‬‬ ‫الية‪ ،‬وكمً في قوله‪:‬‬
‫[الَبأ‪:‬‬ ‫‪‬‬

‫‪‬‬ ‫‪ ،]17‬وقوله‪:‬‬
‫‪‬‬
‫من كنوز القرآن الكريم‪ ،‬تفسير آيات من الكتاب‬ ‫‪414‬‬
‫العزيز‬

‫[المرسلت‪ ،]38 :‬وفي ذلك اليوم ل‬


‫يَفع النسًن إلّ مً قدمه من أعمًل صًلحة‪ ،‬ول يغَي فيه قريب عن‬
‫‪‬‬ ‫قريبه كمً في هذه الية‪ ،‬وكمً قًل ا ‪:‬‬
‫‪‬‬

‫‪‬‬

‫‪‬‬ ‫[عبس‪ 34 :‬ـ ‪ ،]37‬وقوله‪:‬‬


‫‪‬‬ ‫‪‬‬

‫[البقرة‪ ،]48 :‬وقوله‪:‬‬ ‫‪‬‬

‫‪‬‬

‫‪‬‬ ‫‪‬‬

‫‪‬‬ ‫‪‬‬ ‫‪‬‬

‫[لقمًن‪ ،]33 :‬وقوله‪:‬‬


‫‪‬‬ ‫‪‬‬

‫‪‬‬

‫[المؤمَون‪.]101 :‬‬ ‫‪‬‬


‫‪415‬‬ ‫من كنوز القرآن الكريم‪ ،‬تفسير آيات من الكتاب‬
‫العزيز‬

‫ول يظفر بًلسلمة في ذلك اليوم إلّ من رحمه ا‪ ،‬كمً قًل تعًلى‪:‬‬

‫‪‬‬
‫وفي ختم اليًت بًسميه العزيز والرحيم‪ ،‬ترغيب وترهيب؛ فهو عزيز‬
‫يعًقب من يستحق العقوبة‪ ،‬ورحيم بمن يتفضل عليه بًلرحمة‪ ،‬كمً قًل‬
‫‪‬‬ ‫تعًلى‪:‬‬

‫[المًئدة‪ ،]98 :‬وقًل‪:‬‬ ‫‪‬‬ ‫‪‬‬

‫‪‬‬ ‫‪‬‬
‫‪‬‬
‫[الحجر‪ 49 :‬ـ‬
‫‪‬‬ ‫‪ ،]50‬وقًل‪:‬‬
‫‪‬‬

‫‪‬‬
‫[النعًم‪ ،]147 :‬وقًل‪:‬‬

‫[النعًم‪.]165 :‬‬ ‫‪‬‬ ‫‪‬‬

‫سورة الجاثية‬
‫من كنوز القرآن الكريم‪ ،‬تفسير آيات من الكتاب‬ ‫‪416‬‬
‫العزيز‬

‫ـ قوله تعالى‪:‬‬

‫‪‬‬
‫‪‬‬
‫‪‬‬

‫‪‬‬
‫[الجًثية‪ 18 :‬ـ ‪.]20‬‬ ‫‪‬‬ ‫‪‬‬

‫لمً أخبر تعًلى أنه آتى بَي إسرائيل الكتًب والحكم والَبوة‪ ،‬ورزقهم‬
‫من الطيبًت‪ ،‬وفضلهم على عًلمي زمًنهم‪ ،‬وأنه آتًهم اليًت البيًَت‪،‬‬
‫وأنهم اختلفوا بعدمً جًءهم العلم بغيً ا بيَهم‪ ،‬وأنه تعًلى يقضي بيَهم يوم‬
‫أن تسلك‬ ‫القيًمة فيمً يختلفون فيه‪ ،‬وفي ذلك تحذير لمة محمد‬
‫أنه جعله على شريعة كًملة‪ ،‬وأن‬ ‫طريقهم؛ لمً أخبر بذلك‪ ،‬أخبر نبيه‬
‫عليه وعلى أمته اتبًع هذه الشريعة‪ ،‬والتمسك بمً فيهً‪ ،‬وأل يتبعوا الهواء‬
‫التي ل تغَي عَهم من ا شيئًا‪.‬‬
‫((‬ ‫تفسيره‪:‬‬ ‫في‬ ‫كثير‬ ‫ابن‬ ‫قًل‬
‫‪417‬‬ ‫من كنوز القرآن الكريم‪ ،‬تفسير آيات من الكتاب‬
‫العزيز‬

‫أي‪ :‬اتبع مً أوحي إليك من ربك ل إله إلّ هو‪ ،‬وأعرض عن المشركين‪.‬‬
‫وقًل هً هًَ‪:‬‬
‫‪‬‬
‫‪‬‬
‫‪‬‬

‫أي‪ :‬ومًذا تغَي عَهم نوليتهم لبعضهم بعضًا‪ ،‬فإنهم‬


‫ل يزيدونهم إلّ خسًرا ا ودمًرا ا وهلكًا‪،‬‬
‫‪ ،‬وهو تعًلى‬
‫يخرجهم من الظلمًت إلى الَور‪ ،‬والذين كفروا أوليًؤهم الطًغوت‬
‫يخرجونهم من الَور إلى الظلمًت‪ ،‬ثم قًل‪:‬‬
‫يعَي‪ :‬القرآن‪،‬‬
‫‪‬‬
‫))‪.‬‬ ‫‪‬‬ ‫‪‬‬

‫والقرآن‬ ‫ومً جًء في هذه اليًت من ذكر شريعة نبيًَ محمد‬


‫المَزل عليه‪ ،‬بعد ذكر إيتًء بَي إسرائيل الكتًب الذي هو التوراة ومً‬
‫ألنزل بعدهً؛ جًء مثله في آيًت مَهً‪ :‬قوله تعًلى في سورة النعًم‪:‬‬

‫‪‬‬ ‫‪‬‬
‫من كنوز القرآن الكريم‪ ،‬تفسير آيات من الكتاب‬ ‫‪418‬‬
‫العزيز‬

‫‪‬‬ ‫‪‬‬
‫الية [النعًم‪ ،]91 :‬ثم قًل‪:‬‬

‫الية‪ ،‬وقًل فيهً أيضًا‪:‬‬


‫‪‬‬

‫الية‪ ،‬وقًل بعدهً‪:‬‬

‫‪‬‬
‫‪‬‬
‫‪.‬‬ ‫‪‬‬ ‫‪‬‬

‫وقًل في سورة النبيًء‪:‬‬


‫‪‬‬
‫‪‬‬
‫[النبيًء‪:‬‬
‫‪ ،]48‬ثم قًل‪:‬‬

‫[النبيًء‪ ،]50 :‬وقًل في سورة القصص‪:‬‬


‫‪‬‬
‫‪419‬‬ ‫من كنوز القرآن الكريم‪ ،‬تفسير آيات من الكتاب‬
‫العزيز‬

‫[القصص‪ ،]43 :‬ثم قًل بعدهً‪:‬‬

‫‪‬‬ ‫‪‬‬

‫‪‬‬ ‫‪‬‬
‫‪‬‬
‫‪‬‬
‫‪‬‬
‫‪‬‬
‫‪‬‬
‫‪‬‬

‫‪‬‬

‫‪‬‬ ‫‪‬‬

‫‪‬‬
‫من كنوز القرآن الكريم‪ ،‬تفسير آيات من الكتاب‬ ‫‪420‬‬
‫العزيز‬

‫‪‬‬
‫[القصص‪ 48 :‬ـ ‪ .]50‬قًل في سورة المًئدة‪:‬‬
‫‪‬‬
‫[المًئدة‪ ،]44 :‬ثم ذكر‬ ‫‪‬‬
‫النجيل وقًل‪:‬‬

‫[المًئدة‪ ،]48 :‬وقًل في سورة البقرة‪:‬‬


‫‪‬‬
‫‪‬‬
‫[البقرة‪ ،]87 :‬ثم‬
‫قًل‪:‬‬

‫‪‬‬
‫‪‬‬ ‫‪‬‬
‫إلى قوله‪:‬‬ ‫‪‬‬

‫‪‬‬
‫‪‬‬
‫‪421‬‬ ‫من كنوز القرآن الكريم‪ ،‬تفسير آيات من الكتاب‬
‫العزيز‬

‫‪‬‬
‫‪‬‬

‫[البقرة‪ 87 :‬ـ ‪.]91‬‬


‫سورة الحقاف‬
‫ـ قوله تعالى‪:‬‬
‫‪‬‬
‫‪‬‬

‫‪‬‬
‫‪‬‬
‫‪‬‬ ‫‪‬‬
‫‪‬‬
‫‪‬‬

‫‪‬‬

‫‪‬‬ ‫‪‬‬
‫‪‬‬
‫من كنوز القرآن الكريم‪ ،‬تفسير آيات من الكتاب‬ ‫‪422‬‬
‫العزيز‬

‫‪‬‬
‫‪‬‬

‫‪‬‬

‫[الحقًف‪ 29 :‬ـ ‪.]32‬‬


‫نفرا ا من الجن‪،‬‬ ‫أخبر ا في هذه اليًت أنه صرف إلى رسوله‬
‫القرآن‪ ،‬وأنه أوصى بعضهم‬ ‫والَفر دون العشرة‪ ،‬يستمعون قراءته‬
‫بعضً ا بًلنصًت لسمًع القراءة‪ ،‬وأنه بعد فراغه من القراءة‪ ،‬انصرف‬
‫هؤلء الَفر إلى قومهم مَذرين لهم‪ ،‬وأنهم أخبروا قومهم بسمًعهم كتًبً ا‬
‫أنزل من بعد موسى يهدي إلى الحق وإلى طريق مستقيم وأنهم قًلوا في‬
‫‪‬‬ ‫إنذارهم‪:‬‬
‫وهو محمد‬ ‫‪‬‬
‫لتظفروا‬ ‫‪‬‬ ‫‪،‬‬
‫بًلمغفرة‪ ،‬وتسلموا من العذاب الليم‪ ،‬وأن من لم يجب هذه الدعوة‪ ،‬فإنه‬
‫ليس بمعجز ا‪ ،‬فيعًقبه على عدم إجًبته‪ ،‬وليس له من يَصره من دون‬
‫ا ‪ ،‬وأنه في ضلل مبين‪.‬‬
‫إلى الجن‪ ،‬ويدل لذلك‬ ‫وفي هذه اليًت دليل على بعثة نبيًَ محمد‬
‫أيضً ا مً جًء في سورة الرحمن من الخطًب للجن والنس‪ ،‬وقوله تعًلى‬
‫فيهً‪:‬‬
‫إحدى‬
‫‪423‬‬ ‫من كنوز القرآن الكريم‪ ،‬تفسير آيات من الكتاب‬
‫العزيز‬

‫مرة‪.‬‬
‫وثلثين ّ‬
‫وفي جًمع الترمذي (‪ )3291‬عن جًبر > قًل‪ (( :‬خرج رسول ا‬
‫على أصحًبه فقرأ عليهم سورة الرحمن من أولهً إلى آخرهً‬
‫فقًل‪:‬‬ ‫فسكتوا‪،‬‬
‫(( لقد قرأتهً على الجن ليلة الجن فكًنوا أحسن مردودا ا مَكم؛ كَت كلمً‬
‫أتيت على قوله‪:‬‬
‫قًلوا‪ :‬ل‬
‫بشيء من نعمك ربًَ نكذب‪ ،‬فلك الحمد ))‪ .‬وله شًهد عن ابن عمر عَد‬
‫ابن جرير‪ ،‬انظر تخريجه في السلسلة الصحيحة لللبًني ~ (‪.)2150‬‬
‫وممً يتعلق في هذه اليًت مسألتًن‪:‬‬
‫الولى‪ :‬أن الجن فيهم نذر‪ ،‬وليس فيهم رسل‪ ،‬ولم يأت دليل يدل على‬
‫بعث رسل من الجن‪ ،‬وأمً مً جًء في قوله تعًلى في سورة النعًم وفي‬
‫سورة العراف وهو قوله تعًلى‪:‬‬

‫‪‬‬
‫اليتين؛ فإنه ل يدل على رسل من الجن‪،‬‬
‫والضمير فيهمً يرجع إلى المجموع ل إلى الجميع‪ ،‬وهو يصدق‬
‫بحصوله من أحد الثقلين وهم الرسل من النس‪ ،‬وفي هذه اليًت إشًرة‬
‫إلى ذلك‪ ،‬لن الجن قًلوا‪:‬‬

‫فلم يذكروا كتًبً ا أنزل على أحد من الجن‪ ،‬ول‬ ‫‪‬‬


‫من كنوز القرآن الكريم‪ ،‬تفسير آيات من الكتاب‬ ‫‪424‬‬
‫العزيز‬

‫رسولا أرسل إليهم‪ ،‬وإنمً ذكروا موسى وكتًبه‪ ،‬وكتًب موسى قد جًء‬
‫بعده الزبور والنجيل‪ ،‬ولم يشيروا إليهمً‪ ،‬مع أنهمً بعد التوراة‪ ،‬لنهمً‬
‫متممًن للتوراة‪ ،‬ومشتملن على شيء من أحكًمهً‪.‬‬
‫والمسألة الثانية‪ :‬هل ثواب الجن على إيمًنهم‪ :‬المغفرة والجًرة من‬
‫العذاب الليم فقط؟ أو ثوابهم ذلك مع دخول الجَّة؟ فذهب بعض العلمًء‬
‫إلى أن ثوابهم‪ :‬مغفرة الذنوب‪ ،‬والجًرة من العذاب الليم فقط‪ ،‬كمً جًء‬
‫في هذه اليًت‪ ،‬وذهب جمهور العلمًء ـ وهو الحق ـ إلى ل‬
‫أن ثوابهم‪:‬‬
‫السلمة من العذاب‪ ،‬ودخول الجَّة‪ ،‬لقول ا ‪:‬‬

‫[الرحمن‪ ،]46 :‬وهي‬


‫شًملة للجن والنس‪ ،‬لن الخطًب لهمً في قوله تعًلى‪:‬‬

‫‪ ،‬ول تًَفي بين مً جًء في سورة‬


‫الحقًف وسورة الرحمن؛ لن مً جًء في سورة الحقًف د ّل على‬
‫بعض الثواب‪ ،‬ومً جًء في سورة الرحمن د ّل على ثواب آخر‪ ،‬هو‬
‫دخول الجَّة‪.‬‬
‫قًل ابن كثير في تفسيره‪ (( :‬وقد استدل بهذه الية من ذهب من العلمًء‬
‫إلى أن الجن المؤمَين ل يدخلون الجَّة‪ ،‬وإنمً جزاء صًلحيهم أن يجًروا‬
‫من عذاب الًَر يوم القيًمة‪ ،‬ولهذا قًلوا هذا في هذا المقًم‪ ،‬وهو مقًم‬
‫تبجح ومبًلغة‪ ،‬فلو كًن لهم جزاء على اليمًن أعلى من هذا لوشك أن‬
‫يذكروه ))‪.‬‬
‫والحق أن مؤمَهم كمؤمن النس يدخلون الجَّة‪ ،‬كمً هو‬ ‫((‬ ‫وقًل‪:‬‬
‫‪425‬‬ ‫من كنوز القرآن الكريم‪ ،‬تفسير آيات من الكتاب‬
‫العزيز‬

‫مذهب جمًعة من السلف‪ ،‬وقد استدل بعضهم لهذا بقوله‪:‬‬

‫‪ ،‬وفي هذا الستدلل نظر‪ ،‬وأحسن مَه‬


‫قوله تعًلى‪:‬‬

‫فقد امتن ا تعًلى على الثقلين بأن‬


‫جعل جزاء محسَهم الجَّة‪ ،‬وقد قًبلت الجن هذه الية بًلشكر القولي أبلغ‬
‫من النس‪ ،‬فقًلوا‪ (( :‬ول بشيء من آلئك ربًَ نكذب‪ ،‬فلك الحمد ))‪.‬‬
‫ليمتن عليهم بجزاء ل يحصل لهم‪ ،‬وأيضً ا فإنه كًن‬
‫ّ‬ ‫فلم يكن تعًلى‬
‫يجًزي كًفرهم بًلًَر ـ وهو مقًم عدل ـ فلن يجًزي مؤمَهم بًلجَّة ـ وهو‬
‫مقًم فضل ـ بطريق الولى والحرى‪ .‬وممً يدل أيضً ا على ذلك عموم‬
‫قوله تعًلى‪:‬‬
‫‪‬‬ ‫‪‬‬

‫‪‬‬
‫[الكهف‪ ]107 :‬ومً أشبه ذلك من اليًت‪ ،‬وقد أفردت هذه المسألة في‬
‫جزء على حدة ول الحمد والمَّة‪ ،‬وهذه الجَّة ل يزال فيهً فضل حتى‬
‫يَشئ ا لهً خلقًا‪ ،‬أفل يسكَهً من آمن به وعمل له صًلحًا؟ ومً ذكروه‬
‫هً هًَ من الجزاء على اليمًن من تكفير الذنوب والجًرة من العذاب‬
‫الليم‪ ،‬هو يستلزم دخول الجَّة‪ ،‬لنه ليس في الخرة إلّ الجَّة أو الًَر‪،‬‬
‫فمن أجير من الًَر دخل الجَّة ل محًلة‪ ،‬ولم يرد معًَ نص صريح ول‬
‫من كنوز القرآن الكريم‪ ،‬تفسير آيات من الكتاب‬ ‫‪426‬‬
‫العزيز‬

‫ظًهر عن الشًرع أن مؤمَي الجن ل يدخلون الجَّة وإن أجيروا من‬


‫الًَر‪ ،‬ولو ص ّح لقلًَ به وا أعلم‪ .‬وهذا نوح ـ عليه السلم ـ يقول لقومه‪:‬‬
‫‪‬‬
‫‪‬‬
‫‪ ،‬ول خلف أن‬
‫مؤمَي قومه في الجَّة‪ ،‬فكذلك هؤلء ))‪.‬‬
‫وفي كلم ابن كثير هذا الستدلل من ستّة وجوه على أن مؤمَي‬
‫الجن في الجَّة‪ ،‬وقد أشًر بقوله‪ (( :‬وهذه الجَّة ل يزال فيهً فضل حتى‬
‫وفيه‪ (( :‬ول يزال‬ ‫يَشئ ا لهً خلقً ا )) إلى حديث أنس > عن الَبي‬
‫في الجَّة فضل حتى يَشئ ا لهً خلقً ا فيسكَهم فضل الجَّة )) رواه‬
‫البخًري (‪ )7384‬ومسلم (‪.)7179‬‬
‫سورة محمد‬
‫ـ قوله تعالى‪:‬‬

‫[محمد‪.]24 :‬‬ ‫‪‬‬ ‫‪‬‬

‫أنكر ا في هذه الية على المعرضين عن تدبر القرآن إعراضهم‬


‫عن تدبر مً فيه من العبر والزواجر والعظًت‪ ،‬التي تحملهم لو تدبروهً‬
‫على ترك مً هم عليه من البًطل‪ .‬وأخبر أن الذي حًل بيَهم وبين ذلك‪:‬‬
‫مً كًن على قلوبهم من أقفًل تحول دون دخول الخير إليهً‪ ،‬وخروج‬
‫الشر مَهً‪.‬‬
‫يقول تعًلى ذكره‪ :‬أفل يتدبر‬ ‫((‬ ‫قًل ابن جرير في تفسير هذه الية‪:‬‬
‫‪427‬‬ ‫من كنوز القرآن الكريم‪ ،‬تفسير آيات من الكتاب‬
‫العزيز‬

‫هؤلء المًَفقون مواعظ ا التي يعظهم بهً في آي القرآن الذي أنزله‬


‫على نبيه ـ عليه الصلة والسلم ـ ويتفكرون في حججه التي بيَهً لهم‬
‫في تَزيله‪ ،‬فيعلموا بهً خطأ مً هم عليه مقيمون؟‬
‫‪‬‬ ‫‪‬‬
‫‪ ،‬يقول‪ :‬أم أقفل ا على قلوبهم‪ ،‬فل يعقلون مً أنزل ا في كتًبه من‬
‫المواعظ والعبر ))‪.‬‬
‫ومثل هذه الية في المر بتدبر القرآن والنكًر على من أعرض عن‬
‫تدبره‪ :‬قول ا تعًلى‪:‬‬

‫‪‬‬

‫[ص‪،]29 :‬‬ ‫‪‬‬


‫وقوله‪:‬‬
‫‪‬‬

‫‪‬‬
‫[الَسًء‪،]82 :‬‬ ‫‪‬‬
‫وقوله‪:‬‬
‫‪‬‬

‫[المؤمَون‪ ،]68 :‬وقوله‪:‬‬


‫من كنوز القرآن الكريم‪ ،‬تفسير آيات من الكتاب‬ ‫‪428‬‬
‫العزيز‬

‫[القمر‪ ،]17 :‬وقوله‪:‬‬

‫[الدخًن‪.]58 :‬‬
‫وقد استوفى شيخًَ الشيخ محمد المين الشَقيطي ~ في كتًبه‬
‫(أضواء البيًن‪ :‬ص ‪ 457‬ـ ‪ )618‬الكلم في هذه الية‪ ،‬وذكر مسًئل‬
‫الجتهًد والتقليد والكلم عليهً‪.‬‬
‫سورة الفتح‬
‫‪‬‬ ‫ـ قوله تعالى‪:‬‬
‫‪‬‬
‫‪‬‬
‫‪‬‬

‫‪‬‬
‫‪‬‬
‫‪‬‬
‫‪‬‬
‫‪‬‬
‫‪429‬‬ ‫من كنوز القرآن الكريم‪ ،‬تفسير آيات من الكتاب‬
‫العزيز‬

‫‪‬‬ ‫‪‬‬

‫‪‬‬
‫‪‬‬
‫‪‬‬
‫‪‬‬
‫[الفتح‪.]29 :‬‬
‫اشتملت هذه الية الكريمة على بيًن فضل أصحًب رسول ا‬
‫وثًَئه تعًلى عليهم في التوراة والنجيل‪ ،‬وأنهم أهل صلة وعبًدة فيمً‬
‫بيَهم وبين ربهم‪ ،‬وذوو رفق ولين وتراحم فيمً بيَهم‪ ،‬وذوو شدّة وقوة‬
‫في جهًد الكفًر‪ ،‬وأنهم يفعلون مً يفعلون من العبًدة والتآلف فيمً بيَهم‬
‫والشدة في جهًد أعدائهم يبتغون الفضل من ا والرضوان‪ ،‬وأنهم فيمً‬
‫يتصفون به من القوة والشدة في جهًد أعدائهم يغيظ ا بهم الكفًر‪ ،‬وأن‬
‫ا ‪ ‬وعدهم المغفرة لذنوبهم والجر العظيم الذي فيه رفعتهم وعلو‬
‫درجًتهم‪.‬‬
‫‪‬‬ ‫وقوله‪:‬‬
‫وصف‪،‬‬
‫ن‬ ‫‪‬‬ ‫مبتدأ وخبر‪ ،‬أو‬
‫معطوف على‬ ‫‪‬‬
‫المبتدأ‪ ،‬والخبر‬
‫‪‬‬ ‫‪‬‬
‫‪ ،‬ومثل هذه الية في التراحم بين المؤمَين‬
‫من كنوز القرآن الكريم‪ ،‬تفسير آيات من الكتاب‬ ‫‪430‬‬
‫العزيز‬

‫والشدّة على أعدائهم قوله تعًلى في سورة المًئدة‪:‬‬

‫‪‬‬
‫‪‬‬
‫‪‬‬
‫‪‬‬ ‫‪‬‬

‫‪‬‬

‫‪‬‬ ‫‪‬‬
‫[المًئدة‪.]54 :‬‬
‫قًل شيخًَ الشيخ محمد المين الشَقيطي في (أضواء البيًن‪)136/2 :‬‬
‫في آية المًئدة‪ (( :‬أخبر تعًلى المؤمَين في هذه الية الكريمة أنهم إن ارتد‬
‫بعضهم فإن ا يأتي عوضً ا عن ذلك المرتد بقوم من صفًتهم الذل‬
‫للمؤمَين والتواضع لهم ولين الجًنب‪ ،‬والقسوة والشدة على الكًفرين‪،‬‬
‫وهذا من كمًل صفًت المؤمَين‪ ،‬وبهذا أمر ا نبيه ‪ ،‬فأمره بلين‬
‫‪‬‬ ‫الجًنب للمؤمَين بقوله‪:‬‬
‫‪،‬‬
‫‪‬‬ ‫وقوله‪:‬‬

‫‪ ،‬وأمره بًلقسوة على غيرهم‬


‫‪431‬‬ ‫من كنوز القرآن الكريم‪ ،‬تفسير آيات من الكتاب‬
‫العزيز‬

‫بقوله‪:‬‬
‫‪‬‬
‫‪‬‬

‫‪ ،‬وأثَى تعًلى على‬


‫نبيه بًللين للمؤمَين في قوله‪:‬‬

‫‪‬‬
‫‪‬‬ ‫‪‬‬
‫وصرح بأن ذلك المذكور من اللين‬
‫ّ‬ ‫الية‪،‬‬ ‫‪‬‬
‫وأصحًبه }‬ ‫للمؤمَين والشدة على الكًفرين من صفًت الرسول‬
‫‪‬‬ ‫بقوله‪:‬‬
‫‪‬‬
‫‪‬‬
‫))‪.‬‬ ‫‪‬‬

‫بًلرفق واللين‬ ‫ومً جًء في هذه اليًت من أمر ا لرسوله‬


‫للمؤمَين والشدة والغلظة على الكفًر والمًَفقين هو لمته أيضًا؛ لن‬
‫أنه له وللمة إلّ إذا د ّل دليل على‬ ‫الصل في خطًب الرسول‬
‫تخصيصه بًلحكم‪ ،‬وقد أمر ا المؤمَين بجهًد الكفًر والغلظة عليهم‪،‬‬
‫فقًل‪:‬‬
‫‪‬‬ ‫‪‬‬
‫من كنوز القرآن الكريم‪ ،‬تفسير آيات من الكتاب‬ ‫‪432‬‬
‫العزيز‬

‫‪‬‬

‫‪‬‬

‫‪.‬‬
‫وقوله‪:‬‬
‫‪‬‬
‫سير‬
‫سير (السيمً) بًلسمت الحسن‪ ،‬وف ّ‬
‫‪:‬ف ّ‬ ‫‪‬‬
‫بًلخشوع والتواضع‪ ،‬حكى ابن كثير في تفسيره الول عن ابن عبًس‪،‬‬
‫والثًني عن مجًهد وغيره‪ ،‬ثم نقل عن ابن أبي حًتم بإسًَد صحيح عن‬
‫مَصور عن مجًهد‪(( :‬‬

‫‪‬‬
‫قًل‪ :‬الخشوع‪ ،‬قلت‪ :‬مً كَت أراه إلّ هذا‬ ‫‪‬‬
‫الثر في الوجه‪ ،‬فقًل‪ :‬ربمً كًن بين عيَي من هو أقسى قلبً ا من‬
‫سين وجوههم‪ ،‬وقًل بعض‬ ‫فرعون ))‪ ،‬وقًل‪ (( :‬وقًل السدي‪ :‬الصلة تح ّ‬
‫السلف‪ :‬من كثرت صلته بًلليل حسن وجهه بًلَهًر ))‪ ،‬وقًل‪:‬‬
‫(( وقًل بعضهم‪ :‬إن للحسَة نورا ا في القلب‪ ،‬وضيًء في الوجه‪ ،‬وسعة في‬
‫الرزق‪ ،‬ومحبة في قلوب الًَس‪ ،‬وقًل أمير المؤمَين عثمًن‪ :‬مً أسر أحد‬
‫سريرة إلّ أبداهً ا على صفحًت وجهه وفلتًت لسًنه ))‪ ،‬وقًل‪:‬‬
‫(( فًلصحًبة } خلصت نيًتهم وحسَت أعمًلهم‪ ،‬فكل من نظر إليهم‬
‫أعجبوه في سمتهم وهديهم‪ ،‬وقًل مًلك ~‪ :‬بلغَي أن الَصًرى كًنوا إذا‬
‫رأوا الصحًبة الذين فتحوا الشًم يقولون‪ :‬وا لهؤلء خير من الحواريين‬
‫فيمً بلغًَ‪ ،‬وصدقوا في ذلك؛ فإن هذه المة معظمة في الكتب المتقدمة‪،‬‬
‫وأعظمهً وأفضلهً أصحًب رسول ا ‪ ،‬وقد لنوه ا بذكرهم في‬
‫‪433‬‬ ‫من كنوز القرآن الكريم‪ ،‬تفسير آيات من الكتاب‬
‫العزيز‬

‫الكتب المَزلة والخبًر المتداولة‪ ،‬ولهذا قًل ههًَ‪:‬‬


‫‪،‬‬ ‫‪‬‬
‫ثم قًل‪:‬‬

‫أي فراخه‪،‬‬
‫أي شدّه‪،‬‬
‫أي شب وطًل‪،‬‬
‫‪‬‬ ‫‪‬‬
‫أي فكذلك أصحًب‬
‫آزروه وأيدوه ونصروه‪ ،‬فهم معه كًلشطء مع الزرع ))‪.‬‬ ‫محمد‬
‫وقوله‪:‬‬
‫‪ :‬هذا أشد شيء على الرافضة الذين‬ ‫‪‬‬

‫يبغضون الصحًبة ويسبونهم ويتبرؤون مَهم‪ ،‬وفي مقدمتهم الخلفًء‬


‫ومن هذه الية‬ ‫((‬ ‫الراشدون أبو بكر وعمر وعثمًن }‪ ،‬قًل ابن كثير‪:‬‬
‫انتزع المًم مًلك ~ في رواية عَه بتكفير الروافض الذين يبغضون‬
‫الصحًبة؛ قًل‪ :‬لنهم يغيظونهم‪ ،‬ومن غًظ الصحًبة فهو كًفر لهذه‬
‫الية‪ ،‬ووافقه طًئفة من العلمًء على ذلك‪ ،‬والحًديث في فضًئل‬
‫الصحًبة والَهي عن التعرض لهم بمسًءة كثيرة‪ ،‬ويكفيهم ثًَء ا عليهم‬
‫ورضًه عَهم ))‪.‬‬
‫وقًل القرطبي في تفسيره‪ (( :‬روى أبو عروة الزبيري من ولد‬
‫الزبير‪ :‬كًَ عَد مًلك بن أنس فذكروا رجلا يَتقص أصحًب رسول ا‬
‫من كنوز القرآن الكريم‪ ،‬تفسير آيات من الكتاب‬ ‫‪434‬‬
‫العزيز‬

‫‪‬‬ ‫‪ ،‬فقرأ مًلك هذه الية‪:‬‬


‫حتى‬ ‫‪‬‬

‫بلغ‬
‫‪‬‬

‫‪ ،‬فقًل مًلك‪ :‬نمن أصبح من الًَس في قلبه غيظ على أحد من أصحًب‬
‫فقد أصًبته هذه الية‪ ،‬ذكره الخطيب أبو بكر ))‪.‬‬ ‫رسول ا‬
‫وقوله‪:‬‬
‫‪‬‬ ‫‪‬‬

‫‪‬‬

‫‪ :‬هذا الوعد الكريم للصحًبة جميعً ا }‪ ،‬ومثله قول ا ‪:‬‬


‫‪‬‬ ‫‪‬‬

‫‪‬‬

‫‪‬‬ ‫‪‬‬

‫‪‬‬

‫[الحديد‪:‬‬
‫(من) فيهً لبيًن الجَس وليست للتبعيض‪ ،‬ومثل هذه الية في كون‬
‫‪ ،]10‬و ي‬
‫(من) للجَس ل للتبعيض‪ ،‬قول ا ‪:‬‬
‫ي‬
‫‪‬‬ ‫‪‬‬
‫‪435‬‬ ‫من كنوز القرآن الكريم‪ ،‬تفسير آيات من الكتاب‬
‫العزيز‬

‫‪‬‬ ‫‪‬‬ ‫‪‬‬

‫‪‬‬

‫(من) في قوله‪:‬‬
‫[المًئدة‪ ،]73 :‬فإن ي‬
‫لكل الذين قًلوا‪ :‬إن ا ثًلث ثلثة وليست‬
‫وفي كتًب‬ ‫((‬ ‫لبعضهم‪ ،‬وقًل ابن هشًم في (مغَي اللبيب‪:)15/2 :‬‬
‫المصًحف لبن النبًري أن بعض الزنًدقة تمسك بقوله تعًلى‪:‬‬

‫‪‬‬ ‫‪‬‬

‫في الطعن على بعض الصحًبة‪ ،‬والحق‬ ‫‪‬‬

‫(من) فيهً للتبيين ل للتبعيض‪ ،‬أي الذين آمَوا هم هؤلء‪ ،‬ومثله‪:‬‬


‫أن ي‬
‫‪‬‬

‫‪‬‬

‫‪‬‬

‫‪‬‬

‫[آل عمران‪ ،]172 :‬وكلهم محسن ومتلق‪،‬‬


‫من كنوز القرآن الكريم‪ ،‬تفسير آيات من الكتاب‬ ‫‪436‬‬
‫العزيز‬

‫‪‬‬

‫‪‬‬ ‫‪‬‬

‫‪‬‬

‫[المًئدة‪ ،]73 :‬فًلمقول فيهم ذلك‬


‫كلهم كفًر ))‪.‬‬
‫سورة الحجرات‬
‫‪‬‬ ‫ـ قوله تعالى‪:‬‬

‫‪‬‬ ‫‪‬‬

‫‪‬‬

‫‪‬‬
‫‪‬‬

‫‪‬‬ ‫‪‬‬
‫‪‬‬
‫‪‬‬ ‫‪‬‬
‫‪‬‬ ‫‪‬‬
‫‪437‬‬ ‫من كنوز القرآن الكريم‪ ،‬تفسير آيات من الكتاب‬
‫العزيز‬

‫[الحجرات‪ 9 :‬ـ ‪.]10‬‬


‫في هًتين اليتين بيًن عظم شأن الصلح بين المقتتلين من‬
‫المسلمين؛ لن ا أمر به فيهمً ثلث مرات‪ ،‬وقد عقد البخًري في كتًب‬
‫اليمًن من صحيحه بًبً ا قًل فيه‪ (( :‬بًب‬
‫‪‬‬

‫‪‬‬ ‫‪‬‬
‫فسمًهم المؤمَين )) مستدلا به على أن‬
‫القتل وغيره من الكبًئر دون الشرك ل يكفر به المسلم‪ ،‬وهذا بخلف مً‬
‫عليه أهل البدع من الخوارج ونحوهم من التكفير بًرتكًب الكبًئر‪ ،‬ولهذا‬
‫قًل البخًري ~‪ (( :‬فسمًهم المؤمَين )) ومثل قول البخًري هذا قول‬
‫أنه قًل في الحسن‪:‬‬ ‫سفيًن بن عييَة عقب حديث أبي بكرة عن الَبي‬
‫(( إن ابَي هذا سيد‪ ،‬ولعل ا أن يصلح به بين فئتين من المسلمين )) رواه‬
‫البخًري (‪ ،)7109‬قًل‪ (( :‬قوله‪( :‬من المسلمين) يعجبًَ جدا ا )) ذكره الحًفظ‬
‫وصف الفئتين في هذا‬ ‫ابن حجر في الفتح (‪)66/13‬؛ وذلك لن الَبي‬
‫الحديث بكونهمً من المسلمين‪.‬‬
‫والطًئفة هي القطعة من الشيء‪ ،‬وتطلق على الواحد فمً فوقه عَد‬
‫الجمهور‪ ،‬قًله الحًفظ في الفتح (‪.)85/1‬‬
‫وقد أمر ا بًلصلح بين الطًئفتين المقتتلتين من المؤمَين‪ ،‬وذلك‬
‫بًلعمل على وقف القتتًل بيَهمً وحصول الصلح الذي به تكف كل‬
‫طًئفة عن الخرى‪ ،‬فإن حصل بغي من إحداهمً على الخرى قوتلت‬
‫البًغية حتى تفيء إلى أمر ا وتترك البغي؛ لقوله ‪ (( :‬انصر أخًك‬
‫ظًلمً ا أو مظلومًا‪ ،‬فقًل رجل‪ :‬يً رسول ا! أنصره إذا كًن مظلومًا‪،‬‬
‫من كنوز القرآن الكريم‪ ،‬تفسير آيات من الكتاب‬ ‫‪438‬‬
‫العزيز‬

‫أفرأيت إذا كًن ظًلمً ا كيف أنصره؟ قًل‪ :‬تحجزه أو تمَعه من الظلم؛ فإن‬
‫ذلك نصره )) أخرجه البخًري (‪ ،)6952‬فإن فًءت تعيلن الصلح بيَهمً‬
‫فيمً حصل لهمً‪ ،‬وذلك بًلقسط وهو العدل والنصًف‪.‬‬
‫ثم بيلن تعًلى عظم شأن الخوة الديَية بين المسلمين في قوله‪:‬‬
‫‪‬‬
‫‪ ،‬وأمر بًلصلح فيمً يحصل بيَهم من خلف‪،‬‬ ‫‪‬‬
‫وقد جًء في السَّة أحًديث كثيرة في ذكر الخوة بين المسلمين المقتضية‬
‫للمر بإيصًل الخير إليهم والَهي عن إلحًق الضرر بهم‪ ،‬مثل قوله ‪:‬‬
‫(( ل يؤمن أحدكم حتى يحب لخيه مً يحب لَفسه )) رواه البخًري (‪)13‬‬
‫ومسلم (‪ ،)170‬وقوله ‪ (( :‬المسلم أخو المسلم‪ ،‬ل يظلمه ول يسلمه‪،‬‬
‫ومن كًن في حًجة أخيه كًن ا في حًجته )) الحديث رواه البخًري‬
‫‪:‬‬ ‫وقوله‬ ‫(‪،)6578‬‬ ‫ومسلم‬ ‫(‪)2442‬‬
‫(( مثل المؤمَين في توادهم وتراحمهم وتعًطفهم مثل الجسد‪ ،‬إذا اشتكى‬
‫مَه عضو تداعى له سًئر الجسد بًلسهر والحمى )) رواه البخًري‬
‫(‪ )6011‬ومسلم (‪ ،)6586‬وقوله ‪ (( :‬إن المؤمن للمؤمن كًلبَيًن يشد‬
‫بعضه بعضًا‪ ،‬وشبّك بين أصًبعه )) رواه البخًري (‪ )481‬ومسلم‬
‫(‪.)6585‬‬
‫وأمً مً جرى بين الصحًبة } من خلف واقتتًل فمذهب أهل السَّة‬
‫والجمًعة الكف عن الخوض فيه إلّ بخير‪ ،‬وأن يلح ن‬
‫سن بهم الظن ويلحمل‬
‫خرج على أحسن المخًرج؛ لنهم مجتهدون ل‬ ‫على أحسن المحًمل ويل ل‬
‫ينعديمون الجر والجرين‪ ،‬قًل ابن حجر في الفتح (‪ (( :)34 /13‬واتفق‬
‫أهل السَّة على وجوب مَع الطعن على أحد من الصحًبة بسبب مً وقع‬
‫عرف المحق مَهم؛ لنهم لم يقًتلوا في تلك الحروب إلّ‬ ‫لهم من ذلك ولو ل‬
‫‪439‬‬ ‫من كنوز القرآن الكريم‪ ،‬تفسير آيات من الكتاب‬
‫العزيز‬

‫عن اجتهًد‪ ،‬وقد عفً ا تعًلى عن المخطئ في الجتهًد‪ ،‬بل ثبت أنه‬
‫يؤجر أجرا ا واحداا‪ ،‬وأن المصيب يؤجر أجرين ))‪.‬‬
‫سورة ق‬
‫ـ قوله تعالى‪:‬‬

‫‪‬‬ ‫‪‬‬ ‫‪‬‬

‫‪‬‬

‫‪‬‬ ‫‪‬‬

‫[ق‪ 16 :‬ـ‬
‫‪.]18‬‬
‫بسره‬
‫أخبر ا تعًلى في هذه الية الكريمة عن خلقه للنسًن و يعلمه ي ّ‬
‫وعلنيته ومً يختلج في صدره‪ ،‬كمً قًل ‪:‬‬

‫‪‬‬

‫[آل‬
‫من كنوز القرآن الكريم‪ ،‬تفسير آيات من الكتاب‬ ‫‪440‬‬
‫العزيز‬

‫وقًل‪:‬‬ ‫‪،]154‬‬ ‫عمران‪:‬‬


‫‪‬‬

‫‪‬‬

‫‪‬‬

‫‪‬‬ ‫‪‬‬ ‫[الملك‪ 13 :‬ـ ‪ ،]14‬وقًل‪:‬‬

‫‪‬‬

‫[آل عمران‪.]29 :‬‬


‫وقوله‪:‬‬

‫سير بتفسيرين‪:‬‬
‫ف ّ‬ ‫‪‬‬

‫أحدهما‪ :‬قربه بًلعلم والقدرة والحًطة‪.‬‬


‫الواقعة‪:‬‬ ‫في‬ ‫قوله‬ ‫نظير‬ ‫الملئكة‪،‬‬ ‫قرب‬ ‫والثاني‪:‬‬

‫[الواقعة‪ .]85 :‬ذكر التفسيرين ابن القيم‬


‫‪441‬‬ ‫من كنوز القرآن الكريم‪ ،‬تفسير آيات من الكتاب‬
‫العزيز‬

‫في مختصر الصواعق (‪ ،)268/2‬ور ّجح الثًني مَهمً واستدل له‪،‬‬


‫ور ّجحه أيضً ا ابن كثير في تفسيره‪ ،‬واقتصر على الول مَهمً ابن أبي‬
‫زيد في مقدمة رسًلته‪ ،‬وقد جًء في القرآن الكريم ذكر الضمير بلفظ‬
‫التعظيم والمراد به الملئكة‪ ،‬كمً في قول ا ‪:‬‬

‫[القيًمة‪ ،]18 :‬والذي قرأه على الرسول‬


‫جبريل‪ ،‬وقوله‪:‬‬

‫‪‬‬ ‫‪‬‬
‫[هود‪ ،]74 :‬وهو إنمً جًدل الملئكة‪ ،‬كمً قًل ا ‪:‬‬

‫‪‬‬ ‫‪‬‬

‫‪‬‬

‫‪‬‬ ‫‪‬‬

‫الية‪ ،‬وممً استدل به ابن القيم لترجيح قرب الملئكة أن ا سبحًنه قيلد‬
‫القرب في الية بًلظرف‪ ،‬وهو قوله‪:‬‬
‫من كنوز القرآن الكريم‪ ،‬تفسير آيات من الكتاب‬ ‫‪442‬‬
‫العزيز‬

‫‪ ،‬فًلعًمل في الظرف مً في قوله‪:‬‬


‫من معَى الفعل‪ ،‬ولو كًن‬
‫المراد قربه سبحًنه بَفسه لم يتقيد ذلك بوقت تلقي الملكين ول كًن في ذكر‬
‫التقييد فًئدة؛ فإن علمه سبحًنه وقدرته ومشيئته عًمة التعلق‪.‬‬
‫ثم بيلن تعًلى أنله و لكل بًلنسًن ملكين يكتبًن الحسًَت والسيئًت‪ ،‬وأن‬
‫كل لفظ يصدر مَه يكتبًنه‪ ،‬ويلعرض ذلك عليه يوم القيًمة‪ ،‬فيلجًزى على‬
‫أعمًله‪ ،‬إن خيرا ا فخير‪ ،‬وإن شرا ا فشر‪ ،‬قًل شيخًَ الشيخ محمد المين‬
‫الشَقيطي ~ في (أضواء البيًن‪ 687 /7 :‬ـ ‪ (( :)688‬والمتلقيًن همً‬
‫الملكًن اللذان يكتبًن أعمًل النسًن‪ ،‬وقد دلّت الية الكريمة على أن‬
‫مقعد أحدهمً عن يميَه ومقعد الخر عن شمًله‪ ،‬والقعيد‪ :‬قًل بعضهم‪:‬‬
‫معًَه القًعد‪ ،‬والظهر أن معًَه ال لمقً يعد‪ ،‬وقد يكثر في العربية إطلق‬
‫الفعل(‪ )1‬وإرادة ال لمفً يعل‪ ،‬كًلجليس بمعَى ال لمجً يلس‪ ،‬والكيل بمعَى‬
‫ال لمؤاكل‪ ،‬والَديم بمعَى المًَدم‪ .‬وقًل بعضهم‪ :‬القعيد هًَ هو الملزم‪،‬‬
‫وكل ملزم دائمً أو غًلبً ا يقًل له قعيد ))‪.‬‬
‫قًل‪ (( :‬والمعَى‪ :‬عن اليمين قعيد‪ ،‬وعن الشمًل قعيد‪ ،‬ف لحذف الول‬
‫بدللة الثًني عليه‪ ،‬وهو أسلوب عربي معروف ))‪.‬‬
‫وقًل‪ (( :‬اعلم أن العلمًء اختلفوا في عمل الجًئز الذي ل ثواب ول‬
‫عقًب عليه‪ :‬هل تكتبه الحفظة أو ل؟ فقًل بعضهم‪ :‬يلكتب عليه كل شيء‬
‫حتى النين في المرض‪ ،‬وهذا ظًهر قوله‪:‬‬
‫‪‬‬ ‫‪‬‬
‫لن قوله‪:‬‬
‫نكرة في سيًق الَفي زيدت قبلهً لفظة‬ ‫‪‬‬

‫(‪ )1‬كذا ولعله (الفعيل)‪.‬‬


‫‪443‬‬ ‫من كنوز القرآن الكريم‪ ،‬تفسير آيات من الكتاب‬
‫العزيز‬

‫(من)‪ ،‬فهي نص صريح في العموم‪.‬‬


‫ي‬
‫وقًل بعض العلمًء‪ :‬ل يلكتب من العمًل إلّ مً فيه ثواب أو عقًب‪.‬‬
‫وكلهم مجمعون على أنه ل جزاء إلّ فيمً فيه ثواب أو عقًب‪ ،‬فًلذين‬
‫يقولون‪ :‬ل يلكتب إلّ مً فيه ثواب أو عقًب‪ ،‬والذين يقولون‪ :‬يلكتب‬
‫الجميع‪ ،‬متفقون على إسقًط مً ل ثواب فيه ول عقًب‪ ،‬إلّ أن بعضهم‬
‫يقولون‪ :‬ل يلكتب أصلا‪ ،‬وبعضهم يقولون‪ :‬يكتب ّأولا ثم يلمحى ))‪.‬‬
‫سورة الذاريات‬
‫ـ قوله تعالى‪:‬‬

‫‪‬‬
‫‪‬‬
‫‪‬‬
‫[الذاريًت‪ 56 :‬ـ ‪.]58‬‬
‫بيّن ا ‪ ‬في هذه اليًت أنه خلق الجن والنس لعبًدته وحده ل‬
‫شريك له‪ ،‬أي ل ن زمرهم ونهيهم‪ ،‬ومن أطًعه أثًبه ومن عصًه عًقبه‪ ،‬وأنه‬
‫سبحًنه وتعًلى الغَي عَهم وهم الفقراء إليه‪ ،‬كمً قًل ‪:‬‬

‫‪‬‬
‫‪‬‬
‫من كنوز القرآن الكريم‪ ،‬تفسير آيات من الكتاب‬ ‫‪444‬‬
‫العزيز‬

‫[فًطر‪ ،]15 :‬وقًل‪:‬‬

‫‪‬‬
‫‪‬‬
‫[النعًم‪.]14 :‬‬
‫قًل القرطبي في تفسيره‪ (( :‬قيل‪ :‬إن هذا خًص فيمن سبق في علم ا‬
‫أنه يعبده‪ ،‬فجًء بلفظ العموم ومعًَه الخصوص‪ ،‬والمعَى‪ :‬ومً خلقت‬
‫أهل السعًدة من الجن والنس إلّ ليوحدون ))‪ ،‬وقًل ابن كثير في‬
‫تفسيره‪ (( :‬أي‪ :‬إنمً خلقتهم لمرهم بعبًدتي ل لحتيًجي إليهم ))‪ ،‬وقًل‬
‫شيخًَ الشيخ محمد المين الشَقيطي في (أضواء البيًن‪ 714 /7 :‬ـ‬
‫‪ (( :)715‬والتحقيق ـ إن شًء ا ـ في معَى هذه الية الكريمة‬
‫أي‪ :‬إلّ لمرهم بعبًدتي‬
‫وأبتليهم‪ ،‬أي‪ :‬أختبرهم بًلتكًليف ثم أجًزيهم على أعمًلهم‪ ،‬إن خيرا ا‬
‫فخير وإن شرا ا فشر‪ ،‬وإنمً قلًَ‪ :‬إن هذا هو التحقيق في معَى الية؛ لنه‬
‫صرح تعًلى في آيًت من‬ ‫تدل عليه آيًت محكمًت من كتًب ا‪ ،‬فقد ّ‬
‫كتًبه أنه خلقهم ليبتليهم أيهم أحسن عملا‪ ،‬وأنه خلقهم ليجزيهم بأعمًلهم‪،‬‬
‫‪‬‬ ‫قًل تعًلى في أول سورة هود‪:‬‬
‫‪‬‬

‫‪ ،‬ثم بيلن الحكمة في ذلك فقًل‪:‬‬


‫‪‬‬
‫‪445‬‬ ‫من كنوز القرآن الكريم‪ ،‬تفسير آيات من الكتاب‬
‫العزيز‬

‫‪‬‬ ‫‪‬‬
‫‪‬‬
‫‪‬‬
‫‪‬‬ ‫‪‬‬
‫‪ ،‬وقًل تعًلى في أول سورة الملك‪:‬‬
‫‪‬‬
‫‪‬‬
‫‪‬‬
‫‪ ،‬وقًل تعًلى في أول الكهف‪:‬‬

‫‪‬‬
‫الية‪ ،‬فتصريحه ـ ج ّل وعل ـ‬
‫في هذه اليًت المذكورة بأن حكمة خلقه للخلق هي ابتلؤهم أيهم أحسن‬
‫‪ ،‬وخير مً‬ ‫عملا يفسر قوله‪:‬‬
‫يفسر به القرآن القرآن‪.‬‬
‫ومعلوم أن نتيجة العمل المقصود مَه ل يتم إلّ بجزاء المحسن‬
‫صرح تعًلى بأن حكمة خلقهم أولا‬ ‫ّ‬ ‫بإحسًنه والمسيء بإسًءته‪ ،‬ولذا‬
‫وبعثهم ثًنيً ا هو جزاء المحسن بإحسًنه والمسيء بإسًءته‪ ،‬وذلك في قوله‬
‫يونس‪:‬‬ ‫أول‬ ‫في‬ ‫تعًلى‬
‫من كنوز القرآن الكريم‪ ،‬تفسير آيات من الكتاب‬ ‫‪446‬‬
‫العزيز‬

‫‪‬‬ ‫‪‬‬

‫‪‬‬
‫‪‬‬

‫‪ ،‬وقوله في الَجم‪:‬‬ ‫‪‬‬ ‫‪‬‬


‫‪‬‬

‫‪‬‬
‫‪‬‬
‫‪‬‬
‫))‪.‬‬
‫واليتًن الثًنية والثًلثة مبييَّتًن لقوله تعًلى في النعًم‪:‬‬
‫‪‬‬
‫‪ ،‬فقوله‪:‬‬

‫ـ والقراءة بكسر الَون ـ مبييَّة‬ ‫‪‬‬


‫‪ ،‬وقوله‪:‬‬ ‫لقوله‪:‬‬
‫‪‬‬
‫مب ييَّة لقوله‪:‬‬ ‫‪‬‬
‫‪447‬‬ ‫من كنوز القرآن الكريم‪ ،‬تفسير آيات من الكتاب‬
‫العزيز‬

‫‪ ،‬والمتين هو الشديد القوة‪.‬‬ ‫‪‬‬

‫وتقديم الجن على النس في الذكر في قوله‪:‬‬

‫لتقدم خلق الجن‪ ،‬كمً قًل تعًلى‪:‬‬

‫‪‬‬
‫‪‬‬

‫[الحجر‪ 26 :‬ـ ‪ ،]27‬وقد قدّيم‬ ‫‪‬‬


‫الجن على النس في اليًت التي ذلكر فيهً الجن والنس إلّ في ثلثة‬
‫مواضع‪ ،‬الول في سورة النعًم في قوله‪:‬‬

‫[النعًم‪،]112 :‬‬
‫والثًني في سورة السراء في قوله‪:‬‬

‫‪‬‬
‫‪‬‬
‫‪‬‬

‫[السراء‪ ،]88 :‬والثًلث في سورة الجن في قوله‪:‬‬


‫من كنوز القرآن الكريم‪ ،‬تفسير آيات من الكتاب‬ ‫‪448‬‬
‫العزيز‬

‫‪‬‬

‫[الجن‪.]5 :‬‬
‫سورة الطور‬
‫ـ قوله تعالى‪:‬‬
‫‪‬‬

‫[الطور‪.]21 :‬‬ ‫‪‬‬

‫في هذه الية الكريمة بيًن تفضل ا ‪ ‬على البًء والبًَء من أهل‬
‫الجَّة الذين تفًوتت مًَزلهم‪ ،‬فيتفضل على البًَء برفعهم إلى مًَزل‬
‫تقر أعيَهم لمرافقة أبًَئهم دون أن‬
‫آبًئهم‪ ،‬ويتفضل على البًء بأن ل‬
‫يَقص البً نء شيئً ا من ثوابهم‪ ،‬ولهذا قًل‪:‬‬

‫‪.‬‬
‫‪‬‬ ‫وقوله‪:‬‬
‫أي مرتهن بعمله فيجًزى عليه‪،‬‬
‫إن خيرا ا فخير وإن شرا ا فشر‪ ،‬ول يلَقص أحد من عمله شيئًا‪ ،‬قًل ابن‬
‫‪449‬‬ ‫من كنوز القرآن الكريم‪ ،‬تفسير آيات من الكتاب‬
‫العزيز‬

‫كثير في تفسيره‪ (( :‬يخبر تعًلى عن فضله وكرمه وامتًَنه ولطفه بخلقه‬


‫وإحسًنه أن المؤمَين إذا اتبعتهم ذريًتهم في اليمًن يللحقهم بآبًئهم في‬
‫لتقر أعين البًء بًلبًَء عَدهم في‬‫المَزلة‪ ،‬وإن لم يبلغوا أعمًلهم؛ ل‬
‫مًَزلهم‪ ،‬فيجمع بيَهم على أحسن الوجوه‪ ،‬بأن يرفع الًَقص العمل‬
‫بكًمل العمل‪ ،‬ول يَقص ذاك من عمله ومَزلته للتسًوي بيَه وبين ذاك‪،‬‬
‫ولهذا قًل‪:‬‬

‫وقوله‪:‬‬ ‫((‬ ‫))‪ ،‬وقًل‪:‬‬


‫‪‬‬
‫لمً أخبر عن مقًم الفضل وهو رفع درجة الذرية إلى مَزلة البًء‬
‫من غير عمل يقتضي ذلك‪ ،‬أخبر عن مقًم العدل‪ ،‬وهو أنه ل يؤاخذ أحدا ا‬
‫‪‬‬ ‫بذنب أحد‪ ،‬بل‬
‫أي مرتهن بعمله‪ ،‬ل يلحمل عليه‬
‫ذنب غيره من الًَس‪ ،‬سواء كًن أبً ا أو ابًَا‪ ،‬كمً قًل‪:‬‬
‫‪‬‬

‫‪‬‬
‫))‪.‬‬
‫((‬ ‫وقًل القرطبي في تفسيره‪:‬‬
‫قيل‪ :‬يرجع إلى أهل‬ ‫‪‬‬
‫من كنوز القرآن الكريم‪ ،‬تفسير آيات من الكتاب‬ ‫‪450‬‬
‫العزيز‬

‫الًَر‪ ،‬قًل ابن عبًس‪ :‬ارتهن أهل جهَم بأعمًلهم‪ ،‬وصًر أهل الجَّة إلى‬
‫‪‬‬ ‫نعيمهم‪ ،‬ولهذا قًل‪:‬‬

‫‪ ،‬وقيل‪ :‬هو عًم‬


‫لكل إنسًن مرتهن بعمله فل يَقص أحد من ثواب عمله‪ ،‬فأمً الزيًدة على‬
‫ثواب العمل فهي تفضل من ا‪ ،‬ويحتمل أن يكون هذا في الذرية الذين‬
‫لم يؤمَوا فل ينلحقون آبًءهم المؤمَين‪ ،‬بل يكونون مرتهَين بكفرهم ))‪.‬‬
‫سورة النجم‬
‫ـ قوله تعالى‪:‬‬
‫‪‬‬
‫‪‬‬

‫[الَجم‪:‬‬
‫‪.]26‬‬
‫هذه الية الكريمة تدل على أن الشفًعة عَد ا ل تَفع إلّ بتوفر‬
‫شرطين‪:‬‬
‫أحدهما‪ :‬رضًه عن الشًفع وإذنه له بًلشفًعة‪.‬‬
‫والثاني‪ :‬رضًه عن المشفوع له‪.‬‬
‫قًل الشوكًني في تفسيره‪ (( :‬و (كم) هًَ هي الخبرية المفيدة للتكثير‪،‬‬
‫ومحلهً الرفع على البتداء‪ ،‬والجملة بعدهً خبرهً‪ ،‬و يلمً في (كم) من‬
‫معَى التكثير جمع الضمير في (شفًعتهم) مع إفراد ال نملنك‪ ،‬والمعَى‬
‫‪451‬‬ ‫من كنوز القرآن الكريم‪ ،‬تفسير آيات من الكتاب‬
‫العزيز‬

‫التوبيخ لهم بمً يتمَون ويطمعون فيه من شفًعة الصًَم مع كون‬


‫الملئكة مع كثرة عبًدتهً وكرامتهً على ا ل تشفع إلّ لمن أذن أن‬
‫يلشفع له‪ ،‬فكيف بهذه الجمًدات الفًقدة للعقل والفهم؟! وهو معَى قوله‪:‬‬

‫أن‬ ‫لهم بًلشفًعة‪،‬‬


‫بًلشفًعة له لكونه من أهل‬ ‫يشفعوا له‪،‬‬
‫التوحيد‪ ،‬وليس للمشركين في ذلك حظ‪ ،‬ول يأذن ا بًلشفًعة لهم ول‬
‫يرضًهً لكونهم ليسوا من المستحقين لهً ))‪.‬‬
‫وقًل شيخًَ الشيخ محمد المين الشَقيطي ~ في قوله تعًلى من‬
‫‪‬‬ ‫‪‬‬ ‫سورة البقرة‪:‬‬
‫‪‬‬ ‫‪‬‬

‫‪‬‬
‫[البقرة‪ ]48 :‬قًل‪ (( :‬والشفًعة في‬
‫مضرة‪ ،‬وأصلهً‬
‫ّ‬ ‫الصطلح هي التوسط للغير في جلب مصلحة أو دفع‬
‫من الشفع الذي هو ضد الوتر؛ لن صًحب الحًجة كًن فردا ا في حًجته‬
‫فلمً جًءه الشفيع صًر شفعً ا أي اثَين‪ :‬صًحب الحًجة ومن يتوسط له‬
‫فيهً‪ ،‬هذا أصل معَى الشفًعة ))‪ ،‬وقًل‪ (( :‬وقد د ّل الكتًب والسَّة أن نفي‬
‫الشفًعة المذكور هًَ ليس على عمومه‪ ،‬وأن للشفًعة تفصيلا‪ ،‬مَهً مً‬
‫هو ثًبت شرعًا‪ ،‬ومَهً مً هو مَفي شرعًا‪ ،‬أمً المَفي شرعً ا الذي أجمع‬
‫عليه المسلمون فهو الشفًعة للكفًر؛ لن الكفًر ل تَفعهم شفًعة البتة‪،‬‬
‫‪‬‬ ‫كمً قًل تعًلى‪:‬‬
‫من كنوز القرآن الكريم‪ ،‬تفسير آيات من الكتاب‬ ‫‪452‬‬
‫العزيز‬

‫‪ ،‬وقًل‬ ‫‪‬‬ ‫‪‬‬


‫عَهم‪:‬‬
‫‪،‬‬ ‫‪‬‬
‫‪‬‬ ‫‪‬‬ ‫وقًل ـ ج ّل وعل ـ‪:‬‬
‫‪ ،‬مع أنه قًل في‬
‫الكًفر‪:‬‬
‫‪ ،‬فًلشفًعة للكفًر ممَوعة شرعً ا بإجمًع‬ ‫‪‬‬
‫لع ي ّمه أبي‬ ‫المسلمين‪ ،‬ولم يقع في هذا استثًَء البتة‪ ،‬إلّ شفًعة الَبي‬
‫طًلب فإنهً نفعته بأن نلقل بسببهً من محل من الًَر إلى محل أسهل مَه‪،‬‬
‫أنه قًل‪ (( :‬لعلّه تَفعه شفًعتي فيلجعل في ضحضًح‬ ‫كمً ص ّح عَه‬
‫من الًَر يبلغ كعبيه‪ ،‬له نعلن يغلي مَهمً دمًغه ))‪ ،‬أمً غير هذا من‬
‫ع لمه أبً‬ ‫الشفًعة للكفًر فهو ممَوع إجمًعًا‪ ،‬وإنمً نفعت شفًعة الَبي‬
‫طًلب في نقل من محل من الًَر إلى محل آخر‪.‬‬
‫والشفًعة المَفية الخرى هي الشفًعة بدون إذن رب السمًوات‬
‫والرض‪ ،‬فهذه ممَوعة بتًتً ا بإجمًع المسلمين وبدللة القرآن العظيم‪،‬‬
‫‪‬‬ ‫كقوله‪:‬‬
‫))‪.‬‬ ‫‪‬‬

‫وقًل‪ (( :‬أمً الشفًعة للمؤمَين بإذن رب السمًوات والرض فهي‬


‫جًئزة شرعً ا وواقعة‪ ،‬كمً دلت عليه نصوص الكتًب والسَّة‪ ،‬كمً في‬
‫‪‬‬ ‫‪‬‬ ‫قوله‪:‬‬
‫‪ ،‬وقوله ـ ج ّل وعل ـ‪:‬‬
‫‪‬‬ ‫‪‬‬
‫‪453‬‬ ‫من كنوز القرآن الكريم‪ ،‬تفسير آيات من الكتاب‬
‫العزيز‬

‫‪‬‬
‫‪ ،‬ونحو ذلك من اليًت والحًديث ))‪( .‬العذب الَمير‪/1 :‬‬
‫‪ 64‬ـ ‪.)67‬‬
‫سورة الحديد‬
‫ـ قوله تعالى‪:‬‬

‫‪‬‬

‫‪‬‬

‫[الحديد‪.]25 :‬‬ ‫‪‬‬

‫أخبر ا ‪ ‬في هذه الية أنه أرسل رسله بًليًت وهي المعجزات‬
‫الدالة على صدق رسل ا‪ ،‬وأنزل الكتًب والمراد به الكتب‪ ،‬وأنزل‬
‫الميزان وهو العدل والنصًف الذي يكون فيمً اشتملت عليه الكتب‪ ،‬وقد‬
‫دلّت الية على أن الكتب مَزلة من ا تعًلى على رسله الكرام‪ ،‬وهذه‬
‫صه ا ‪ ‬عليًَ في القرآن وهو التوراة والنجيل‬ ‫الكتب مَهً مً ق ّ‬
‫من كنوز القرآن الكريم‪ ،‬تفسير آيات من الكتاب‬ ‫‪454‬‬
‫العزيز‬

‫والزبور وصحف إبراهيم وموسى‪ ،‬ومَهً مً لم يلقصص‪ ،‬والواجب‬


‫اليمًن بًلكتب كلهً مً قلص مَهً ومً لم يلقصص‪ ،‬ودلّت الية على أن‬
‫الكتب المشتملة على العدل ألنزلت للعمل بهً والقيًم بًلعدل الذي اشتملت‬
‫عليه‪.‬‬
‫وأخبر ا ‪ ‬في هذه الية أنه أنزل الحديد المشتمل على البأس‬
‫الشديد لردع من لم تؤ يث ّر فيه الكتب‪ ،‬وعلى المًَفع العظيمة الكثيرة للًَس‬
‫في معًشهم‪ ،‬كًلمراكب المتَوعة في هذا الزمًن‪ ،‬وكآلت الحرث والبًَء‬
‫وسًئر وجوه الستعمًل للحديد‪ ،‬وليظهر من يَصر ا ورسله ويتميز‬
‫ممن لم يَصره‪ ،‬فيترتب على ذلك الثواب والعقًب‪ ،‬وقد تقدّم الكلم في‬
‫هذا المعَى في سورة البقرة عَد قوله‪:‬‬

‫‪‬‬
‫‪.‬‬
‫وإنزال الكتب هو من عَد ا ‪ ،‬كمً قًل ا ‪:‬‬

‫[الزمر‪،]1 :‬‬
‫وقًل‪:‬‬

‫[غًفر‪ ،]2 :‬وقًل‪:‬‬


‫‪‬‬
‫‪455‬‬ ‫من كنوز القرآن الكريم‪ ،‬تفسير آيات من الكتاب‬
‫العزيز‬

‫[فصلت‪ 2 :‬ـ ‪ ،]3‬وغيرهً من اليًت‪ ،‬وأمً إنزال الحديد فهو من الجبًل‬


‫التي خلقه ا فيهً‪ ،‬قًل ابن أبي العز الحَفي في شرح الطحًوية في إنزال‬
‫الحديد (ص‪ (( :)197 :‬فًلحديد إنمً يكون من المعًدن التي في الجبًل‬
‫وهي عًلية على الرض‪ ،‬وقد قيل‪ :‬إنه كلمً كًن معدنه أعلى كًن حديده‬
‫أجود ))‪.‬‬
‫وقد جمع ا في هذه الية بين القوتين‪ :‬المعَوية والحسية‪ ،‬والدعوة‬
‫إلى الحق تكون بًلبيًن‪ ،‬فإن نفعت حصل المقصود‪ ،‬وإلّ انتلقل إلى القوة‬
‫الحسية‪ ،‬ففي صحيح مسلم (‪ )4522‬عن بريدة بن الحصيب قًل‪ (( :‬كًن‬
‫إذا أ لمر أميرا ا على جيش أو سرية أوصًه في خًصته‬ ‫رسول ا‬
‫بتقوى ا ‪ ‬ومن معه من المسلمين خيراا‪ ،‬ثم قًل‪ :‬اغزوا بًسم ا في‬
‫سبيل ا‪ ،‬قًتلوا من كفر بًل ))‪ ،‬وفيه أنهم يلدعون إلى السلم‪ ،‬فإن أبوا‬
‫طلب مَهم دفع الجزية‪ ،‬فإن أبوا قوتلوا‪ ،‬قًل شيخًَ الشيخ محمد المين‬ ‫ل‬
‫الشَقيطي ~ في (أضواء البيًن‪ (( :)207/2 :‬واعلم أن الدعوة إلى ا‬
‫بطريقين‪ :‬طريق لين‪ ،‬وطريق قسوة‪ ،‬أمً طريق اللين فهي الدعوة إلى‬
‫ا بًلحكمة والموعظة الحسَة وإيضًح الدلة في أحسن أسلوب وألطفه‪،‬‬
‫فإن نجحت هذه الطريق فبهً ونعمت وهو المطلوب‪ ،‬وإن لم تَجح تعيَت‬
‫طريق القسوة بًلسيف حتى يعبد ا وحده وتقًم حدوده وتمتثل أوامره‬
‫وتجتَب نواهيه‪ ،‬وإلى هذا الشًرة بقوله تعًلى‪:‬‬
‫من كنوز القرآن الكريم‪ ،‬تفسير آيات من الكتاب‬ ‫‪456‬‬
‫العزيز‬

‫‪‬‬

‫الية‪ ،‬ففيه الشًرة إلى إعمًل السيف بعد إقًمة‬


‫الحجة‪ ،‬فإن لم تَفع الكتب تعيَت الكتًئب‪ ،‬وا تعًلى قد يزع بًلسلطًن‬
‫مً ل يزع بًلقرآن ))‪ ،‬وجملة‪ (( :‬إن ا ليزع بًلسلطًن مً ل يزع‬
‫بًلقرآن )) اشتهر نسبتهً إلى أمير المؤمَين عثمًن بن عفًن >‪ ،‬وقد‬
‫عزاهً إليه ابن كثير في البداية والَهًية (‪ ،)301 /2‬وقد وهم في تفسيره‬
‫‪:‬‬ ‫ا‬ ‫قول‬ ‫على‬ ‫الكلم‬ ‫في‬

‫[السراء‪]80 :‬؛ إذ قًل‪:‬‬


‫(( وفي الحديث‪ :‬إن ا ليزع بًلسلطًن مً ل يزع بًلقرآن )) فجعله حديثًا‪،‬‬
‫ومثل هذا الوهم حصل لبن القيم في مسألة أخرى‪ ،‬فقًل في كتًب الروح‬
‫(ص‪ (( :)324 :‬وفي الحديث‪ :‬مً ل نن زفس له سًئلة ل يَجس المًء إذا مًت‬
‫فيه ))‪ ،‬وقًل في كتًب زاد المعًد (‪ (( :)112/4‬وأول من لحفظ عَه في‬
‫السلم أنه تكلم بهذه اللفظة فقًل‪ :‬مً ل نفس له سًئلة‪ :‬إبراهيم الَخعي ))‪،‬‬
‫والمراد بمً ل نفس له سًئلة ‪ :‬مً ل دم فيه كًلَحل والذبًب‪ .‬وفي هذا‬
‫المعَى قًل الشًعر‪:‬‬
‫والسمهري‬ ‫الضبً‬ ‫حدود‬ ‫فمن لم يقومه الكتًب أقًمه‬
‫المثقف‬ ‫فهل يستقيم الدين إلّ بدعـوة‬
‫سَـًن‬ ‫يتلـوهً‬ ‫إلى ا‬
‫‪457‬‬ ‫من كنوز القرآن الكريم‪ ،‬تفسير آيات من الكتاب‬
‫العزيز‬

‫ومرهــف‬
‫وقًل آخر‪:‬‬
‫فإن الحسًم العضب نعم‬ ‫ومن لم يؤدبه البيًن وهديه‬
‫المؤدب‬ ‫فقد أنـزل ا الحـديد وبـأسـه‬
‫لمن سد أذنيه الهوى‬
‫والتعـصـب‬

‫سورة الصف‬
‫ـ قوله تعالى‪:‬‬
‫‪‬‬

‫‪‬‬
‫‪‬‬

‫‪‬‬
‫‪‬‬

‫‪‬‬ ‫‪‬‬
‫‪‬‬
‫من كنوز القرآن الكريم‪ ،‬تفسير آيات من الكتاب‬ ‫‪458‬‬
‫العزيز‬

‫‪‬‬ ‫‪‬‬

‫‪‬‬

‫[الصف‪ 10 :‬ـ ‪.]13‬‬


‫في هذه اليًت الحث على الشتغًل بتجًرة الخرة‪ ،‬وهي في الحقيقة‬
‫التجًرة الرابحة لدوام نفعهً واستمرار ثوابهً‪ ،‬قًل ا ‪:‬‬
‫‪‬‬
‫‪‬‬ ‫‪‬‬
‫‪‬‬ ‫‪‬‬

‫‪‬‬
‫‪‬‬
‫‪‬‬ ‫‪‬‬
‫‪‬‬
‫[فًطر‪ 29 :‬ـ‬ ‫‪‬‬ ‫‪‬‬ ‫‪‬‬
‫‪ ،]30‬وقد وصف ا هذه التجًرة بأنهً مَجية من عذاب أليم‪ ،‬ورأس مًل‬
‫هذه التجًرة هو اليمًن بًل ورسوله والتقرب إليه تعًلى بًلعمًل‬
‫الصًلحة‪ ،‬وفي مقدمتهً الجهًد في سبيل ا بًلَفس والمًل‪ ،‬وأربًح هذه‬
‫التجًرة مغفرة الذنوب وإدخًل الجًَت والظفر بًلَعيم فيهً‪ ،‬ومع هذا‬
‫‪459‬‬ ‫من كنوز القرآن الكريم‪ ،‬تفسير آيات من الكتاب‬
‫العزيز‬

‫الثواب الخروي يحصل في الدنيً الَصر على العداء إذا قًتلهم‬


‫‪:‬‬ ‫ا‬ ‫قًل‬ ‫كمً‬ ‫المسلمون؛‬

‫‪‬‬

‫[محمد‪ ،]7 :‬وقًل‪:‬‬

‫‪‬‬
‫[الحج‪.]40 :‬‬ ‫‪‬‬

‫واليًت التي جًء فيهً ذكر الجهًد في سبيل ا بًلَفس والمًل قدّيم‬
‫فيهً ذكر المًل والَفس على (في سبيل ا) إل في ثلثة مواضع‪ ،‬أحدهً‪:‬‬
‫هذا الموضع‪ ،‬وهو آخر مً ورد في القرآن في ذلك‪ ،‬والثًني‪ :‬وهو أول‬
‫موضع في القرآن قوله في سورة الَسًء‪:‬‬
‫‪‬‬

‫‪‬‬
‫[الَسًء‪ ،]95 :‬والثًلث‪ :‬في سورة‬ ‫‪‬‬
‫التوبة في قوله تعًلى‪:‬‬
‫‪‬‬
‫من كنوز القرآن الكريم‪ ،‬تفسير آيات من الكتاب‬ ‫‪460‬‬
‫العزيز‬

‫‪‬‬
‫‪‬‬

‫[التوبة‪.]20 :‬‬ ‫‪‬‬

‫سورة المنافقون‬
‫ـ قوله تعالى‪:‬‬
‫‪‬‬
‫‪‬‬

‫‪‬‬

‫‪‬‬ ‫‪‬‬

‫‪‬‬ ‫‪‬‬
‫‪‬‬
‫‪461‬‬ ‫من كنوز القرآن الكريم‪ ،‬تفسير آيات من الكتاب‬
‫العزيز‬

‫‪‬‬

‫[المًَفقون‪ 9 :‬ـ ‪.]11‬‬ ‫‪‬‬

‫نهى ا المؤمَين عن الشتغًل بًلدنيً والفتتًن بمً فيهً من مًل‬


‫وولد‪ ،‬بحيث يللهي ذلك عن ذكر ا‪ ،‬وهو كل مً هو طًعة ل ‪،‬‬
‫وأخبر أن من فعل ذلك يكون خًسراا‪ ،‬ثم أمرهم ببذل الموال في طًعته‬
‫تعًلى والنفًق في سبيله قبل حلول الجل الذي ترخص عَده الدنيً على‬
‫أهلهً‪ ،‬وفي صحيح البخًري (‪ )1419‬ومسلم (‪ )2382‬عن أبي‬
‫هريرة > قًل‪ (( :‬جًء رجل إلى الَبي ‪ ،‬فقًل‪ :‬يً رسول ا! أي‬
‫الصدقة أعظم أجراا؟ قًل‪ :‬أن تصدق وأنت صحيح شحيح تخشى الفقر‬
‫وتأمل الغَى‪ ،‬ول تمهل حتى إذا بلغت الحلقوم قلت‪ :‬لفلن كذا‪ ،‬ولفلن‬
‫كذا‪ ،‬وقد كًن لفلن ))‪.‬‬
‫وفي الية تمَي المؤمَين من أهل المًل عَد الموت تأخير الجل ولو‬
‫كًن شيئً ا يسيرا ا ليتصدقوا ويعملوا صًلحًا‪ ،‬وأنى لهم ذلك؟! فقد كتب ا‬
‫أن الجل إذا جًء ل يؤخر‪ ،‬كمً قًل ا ‪ ‬هًَ‪:‬‬
‫‪‬‬

‫‪.‬‬ ‫‪‬‬

‫وأمً تمَي الكفًر تأخير الجل‪ ،‬فقد قًل ا تعًلى عَهم‪:‬‬


‫‪‬‬

‫‪‬‬ ‫‪‬‬
‫من كنوز القرآن الكريم‪ ،‬تفسير آيات من الكتاب‬ ‫‪462‬‬
‫العزيز‬

‫‪‬‬

‫‪‬‬ ‫‪‬‬

‫[إبراهيم‪ ،]44 :‬وقًل‪:‬‬


‫‪‬‬
‫‪‬‬

‫‪‬‬

‫[المؤمَون‪ 99 :‬ـ ‪.]100‬‬ ‫‪‬‬ ‫‪‬‬

‫ومن صفًت المًَفقين غفلتهم عن ذكر ا وكسلهم عن حضور صلة‬


‫الجمًعة وحرصهم الشديد على متًع الدنيً‪ ،‬كمً قًل ا ‪ ‬عَهم‪:‬‬
‫‪‬‬
‫‪‬‬ ‫‪‬‬

‫[الَسًء‪ ،]142 :‬وفي صحيح البخًري‬


‫‪463‬‬ ‫من كنوز القرآن الكريم‪ ،‬تفسير آيات من الكتاب‬
‫العزيز‬

‫قًل‪:‬‬ ‫(‪ )644‬ومسلم (‪ )1481‬عن أبي هريرة > أن رسول ا‬


‫(( والذي نفسي بيده! لقد هممت أن آمر بحطب ليلحطب‪ ،‬ثم آمر بًلصلة‬
‫فيؤذن لهً‪ ،‬ثم آمر رجلا فيؤم الًَس‪ ،‬ثم أخًلف إلى رجًل فأحرق عليهم‬
‫عرقً ا سميًَ ا أو يمرمًتين‬
‫بيوتهم‪ ،‬والذي نفسي بيده! لو يعلم أحدهم أنه يجد ن‬
‫حسَتين لشهد العشًء ))‪ ،‬والعنرق السمين هو العظم عليه بقية اللحم‪،‬‬
‫والمرمًة‪ :‬مً بين يظلف الشًة من اللحم‪ ،‬والمعَى أن المًَفقين الذين‬
‫يتخلفون عن صلة الجمًعة لو يعلم أحدهم أن في المسجد شيئً ا من اللحم‬
‫ولو كًن شيئً ا يسيرا ا في وقت صلة العشًء لشهدوا العشًء للحصول على‬
‫هذا اللحم؛ لن همهم الدنيً وليس همهم الخرة‪.‬‬
‫القراءة في صلة الجمعة بسورتي الجمعة‬ ‫وكًن من هديه‬
‫والمًَفقين‪ ،‬رواه مسلم في صحيحه (‪ )2031‬عن ابن عبًس {‪ ،‬ولعل‬
‫الحكمة في ذلك اشتمًل سورة الجمعة على شيء من أحكًم صلة‬
‫الجمعة‪ ،‬وأمً سورة المًَفقين ففي قراءتهً تَبيه المًَفقين الذين قد‬
‫يحضرون الجمعة إلى مً فيهً من صفًتهم الذميمة لعلهم يستفيدون من‬
‫ذلك‪.‬‬
‫وقد أثَى ا على الذين ل تشغلهم الدنيً عن ذكر ا بقوله‪:‬‬
‫‪‬‬
‫من كنوز القرآن الكريم‪ ،‬تفسير آيات من الكتاب‬ ‫‪464‬‬
‫العزيز‬

‫‪‬‬
‫‪‬‬
‫‪‬‬ ‫‪‬‬
‫‪‬‬

‫‪‬‬

‫[الَور‪ 36 :‬ـ ‪.]38‬‬

‫[وجوه ووجوه]‬
‫سورة القيامة‬
‫‪‬‬ ‫‪‬‬ ‫ـ قوله تعالى‪:‬‬

‫‪‬‬
‫‪‬‬
‫‪‬‬
‫[القيًمة‪ 22 :‬ـ ‪.]25‬‬
‫‪‬‬ ‫‪‬‬ ‫معَى قوله‪:‬‬
‫‪465‬‬ ‫من كنوز القرآن الكريم‪ ،‬تفسير آيات من الكتاب‬
‫العزيز‬

‫‪ :‬أي مشرقة مضيئة حسَة‪ ،‬كمً قًل ا ‪:‬‬


‫‪‬‬
‫[المطففين‪ ،]24 :‬وقًل‪:‬‬

‫‪ (( :‬نضّر ا امرءا ا‬‫[النسًن‪ ،]11 :‬وقًل‬


‫سمع مقًلتي فوعًهً وأداهً كمً سمعهً )) وهو حديث متواتر‪ ،‬جًء عن‬
‫أكثر من عشرين صحًبيً ا من أصحًب الرسول ‪.‬‬
‫ومعَى قوله‪:‬‬
‫‪ :‬أي تَظر إلى ا نظرا ا عيًنًا‪ ،‬وقد تواترت‬
‫أن المؤمَين يرون ربهم في الدار الخرة‪،‬‬ ‫الحًديث عن رسول ا‬
‫قًل ابن كثير في تفسير هذه الية‪ (( :‬وقد ثبت رؤية المؤمَين ل ‪ ‬في‬
‫الدار الخرة في الحًديث الصحًح من طرق متواترة عَد أئمة الحديث‪،‬‬
‫ل يمكن دفعهً ول مَعهً ))‪ .‬ثم ذكر جملة من الحًديث‪ ،‬ثم قًل‪ (( :‬ولول‬
‫خشية الطًلة لوردنً الحًديث بطرقهً وألفًظهً من الصحًح والحسًن‬
‫والمسًنيد والسَن‪ ،‬ولكن ذكرنً ذلك مفرقً ا في مواضع من هذا التفسير‪،‬‬
‫وبًل التوفيق‪ .‬وهذا بحمد ا مجمع عليه بين الصحًبة والتًبعين وسلف‬
‫هذه المة‪ ،‬كمً هو متفق عليه بين أئمة السلم‪ ،‬وهداة النًم ))‪.‬‬
‫ول تًَفي بين هذه الية الكريمة‪ ،‬وقوله تعًلى‪:‬‬
‫‪‬‬
‫؛ لن قوله‪:‬‬
‫قيل‪:‬‬
‫إنه محمول على نفي الرؤية في الدنيً‪ ،‬فيكون مثل قوله لموسى‪:‬‬
‫من كنوز القرآن الكريم‪ ،‬تفسير آيات من الكتاب‬ ‫‪466‬‬
‫العزيز‬

‫أي‪ :‬في الدنيً‪ .‬وقيل‪ :‬إن نفي الدراك‬


‫في الية ل يستلزم نفي الرؤية‪ ،‬وا تعًلى يلرى ول يحًط به رؤية‪ ،‬كمً‬
‫أنه يلعلم ول يحًط به علمًا‪ ،‬ونفي الدراك ـ وهو أخص ـ ل يستلزم نفي‬
‫الرؤية ـ وهي أعم ـ‪.‬‬
‫وتأويل من ّأول قوله‪:‬‬
‫بمعَى‪ :‬انتظًر الثواب غير صحيح؛ لن‬
‫الفعل المتعدي‪ ،‬كمً في قوله‪:‬‬ ‫مع‬ ‫يكون‬ ‫النتظًر‬

‫عدّيي بحرف (إلى)‪،‬‬‫‪ ،‬والَظر في هذه الية ل‬ ‫‪‬‬


‫وهو يدل على الَظر بًلبصر‪ ،‬والفعل (نظر) يتعدى بَفسه‪ ،‬وبـ (في) وبـ‬
‫والمعدلى‬ ‫للنتظًر‪،‬‬ ‫بَفسه‪:‬‬ ‫فًلمعدلى‬ ‫(إلى)‪،‬‬
‫بـ (في)‪ :‬للتفكر والعتبًر‪ ،‬والمعدلى بـ (إلى)‪ :‬يكون للَظر بًلبصًر‪.‬‬
‫قًل ابن كثير‪ (( :‬ومن تأول ذلك بأن المراد‪( :‬إلى) مفرد اللء‪ ،‬وهي‬
‫الَعم‪ ،‬كمً قًل الثوري‪ ،‬عن مَصور‪ ،‬عن مجًهد‪:‬‬
‫فقًل‪ :‬تَتظر الثواب من‬
‫ربهً‪ .‬رواه ابن جرير من غير وجه عن مجًهد‪ .‬وكذا قًل أبو صًلح‬
‫أيضً ا فقد أبعد هذا القًئل الَجعة‪ ،‬وأبطل فيمً ذهب إليه‪ ،‬وأين هو من‬
‫تعًلى‪:‬‬ ‫قوله‬

‫؟ قًل‬ ‫‪‬‬ ‫‪‬‬ ‫‪‬‬


‫الشًفعي ~‪ :‬مً نح نجب الفجًر إلّ وقد ل‬
‫ع يلم أن البرار يرونه ‪ ،‬ثم قد‬
‫بمً دل عليه سيًق الية الكريمة‪،‬‬ ‫تواترت الخبًر عن رسول ا‬
‫‪467‬‬ ‫من كنوز القرآن الكريم‪ ،‬تفسير آيات من الكتاب‬
‫العزيز‬

‫وهي قوله‪:‬‬
‫‪.‬‬
‫‪‬‬ ‫وقًل في قوله تعًلى‪:‬‬
‫‪‬‬
‫‪‬‬
‫‪:‬‬
‫(( هذه وجوه الفجًر تكون يوم القيًمة بًسرة‪ ،‬قًل قتًدة‪ :‬كًلحة‪ ،‬وقًل‬
‫أي‪:‬‬ ‫السدي‪ :‬تغير ألوانهً‪ ،‬وقًل ابن زيد‪:‬‬
‫أي‪ :‬تستيقن‪،‬‬ ‫عًبسة‪.‬‬
‫قًل‬ ‫‪‬‬
‫مجًهد‪ :‬داهية‪ .‬وقًل قتًدة‪ :‬شر‪ .‬وقًل السدي‪ :‬تستيقن أنهً هًلكة‪ .‬وقًل‬
‫ابن زيد‪ :‬تظن أن ستدخل الًَر ))‪.‬‬
‫سورة عبس‬
‫‪‬‬ ‫‪‬‬ ‫ـ قوله تعالى‪:‬‬
‫‪‬‬
‫‪‬‬
‫‪‬‬
‫[عبس‪:‬‬
‫‪ 38‬ـ ‪.]41‬‬
‫أي‪ :‬مضيئة مشرقة‬ ‫‪‬‬ ‫معَى قوله‪:‬‬
‫أي‪ :‬فرحة مسرورة‪،‬‬ ‫مستَيرة‪ .‬وقوله‪:‬‬
‫من كنوز القرآن الكريم‪ ،‬تفسير آيات من الكتاب‬ ‫‪468‬‬
‫العزيز‬

‫‪ :‬بمً أعده ا لهً من الَعيم المقيم‬


‫في جًَت الَعيم‪ ،‬وهذه وجوه المؤمَين‪.‬‬
‫بقوله‪:‬‬ ‫وأمً وجوه الكفًر‪ ،‬فقد وصفهً ا ‪‬‬
‫‪‬‬ ‫‪‬‬

‫‪ .‬قًل القرطبي في‬


‫‪‬‬ ‫‪‬‬ ‫((‬ ‫تفسيره‪:‬‬
‫أي‪ :‬غبًر ودخًن‪،‬‬
‫أي‪ :‬تغشًهً‬
‫أي‪ :‬كسوف وسواد‪ .‬كذا قًل ابن عبًس‪ .‬وعَه أيضًا‪ :‬ذلة وشدة ))‪.‬‬
‫‪‬‬ ‫((‬ ‫وقًل ابن كثير في تفسيره‪:‬‬
‫‪‬‬ ‫‪‬‬
‫أي‪:‬‬
‫‪‬‬ ‫يكون الًَس هًَلك فريقين‪:‬‬
‫‪ ،‬أي‪ :‬مستَيرة‪،‬‬ ‫‪‬‬ ‫‪‬‬
‫أي‪:‬‬
‫مسرورة فرحة من سرور قلوبهم‪ ،‬قد ظهر البشر على وجوههم‪،‬‬
‫‪‬‬ ‫وهؤلء أهل الجَّة‪.‬‬
‫‪‬‬
‫أي‪:‬‬
‫يعلوهً ويغشًهً قترة‪ ،‬أي‪ :‬سواد ))‪.‬‬
‫سورة الغاشية‬
‫‪469‬‬ ‫من كنوز القرآن الكريم‪ ،‬تفسير آيات من الكتاب‬
‫العزيز‬

‫‪‬‬ ‫‪‬‬ ‫ـ قوله تعالى‪:‬‬

‫‪‬‬ ‫‪‬‬
‫‪‬‬

‫[الغًشية‪:‬‬
‫‪ 2‬ـ ‪.]11‬‬
‫إن هذه الصفًت للوجوه وهي كونهً خًشعة عًملة نًصبة‪ ،‬في‬ ‫قيل‪ :‬ل‬
‫صب وتجتهد في العمل‪،‬‬‫الخرة‪ .‬وقيل‪ :‬إنه في الدنيً‪ ،‬أي‪ :‬أنهً تتعب وتَ ن‬
‫وتذيل فيه‪ ،‬فل يَفعهً ذلك في الدار الخرة‪ ،‬لنه مبَي على ضلل‪ ،‬وقًل‬
‫البخًري في التفسير من صحيحه‪ (( :‬وقًل ابن عبًس‪:‬‬
‫‪ :‬الَصًرى‪.‬‬
‫ي >‪ :‬أنهم أهل حروراء؛ يعَي‬ ‫ونقل القرطبي في تفسيره عن عل ّ‬
‫فقًل‪ (( :‬تحقرون صلتكم مع‬ ‫الخوارج الذين ذكرهم رسول ا‬
‫صلتهم‪ ،‬وصيًمكم مع صيًمهم‪ ،‬وأعمًلكم مع أعمًلهم‪ ،‬يمرقون من‬
‫الدّيين كمً يمرق السهم من الرمية‪ ))...‬الحديث‪.‬‬
‫من كنوز القرآن الكريم‪ ،‬تفسير آيات من الكتاب‬ ‫‪470‬‬
‫العزيز‬

‫وقًل ابن كثير في الكلم على قول ا في سورة الكهف‬

‫‪‬‬
‫‪‬‬
‫‪‬‬
‫بعد أن نقل أثرا ا عن سعد بن أبي وقًص أنهم اليهود والَصًرى‪ ،‬قًل‪:‬‬
‫ي بن أبي طًلب والضحًك وغير واحد‪ :‬هم الحرورية‪،‬‬ ‫(( وقًل عل ّ‬
‫ي > أن هذه الية الكريمة تشمل الحرورية‪ ،‬كمً‬ ‫ومعَى هذا عن عل ّ‬
‫تشمل اليهود والَصًرى وغيرهم‪ ،‬ل أنهً نزلت على هؤلء على‬
‫الخصوص ول هؤلء‪ ،‬بل هي أعم من هذا‪ ،‬فإن هذه الية مكية قبل‬
‫خطًب اليهود والَصًرى‪ ،‬وقبل وجود الخوارج بًلكلية‪ ،‬وإنمً هي عًمة‬
‫في كل من عبد ا على غير طريقة مرضية‪ ،‬يحسب أنه مصيب فيهً‪،‬‬
‫وأن عمله مقبول وهو مخطئ‪ ،‬وعمله مردود‪ ،‬كمً قًل تعًلى‪:‬‬
‫‪‬‬ ‫‪‬‬

‫‪.))...‬‬
‫وقوله‪:‬‬
‫‪ ،‬هو مثل قوله تعًلى‪:‬‬
‫‪‬‬
‫‪ ،‬وقوله‪:‬‬
‫‪ ،‬وقوله‪:‬‬
‫‪471‬‬ ‫من كنوز القرآن الكريم‪ ،‬تفسير آيات من الكتاب‬
‫العزيز‬

‫‪ ،‬وقوله‪:‬‬

‫‪ ،‬والمعَى‪ :‬أنه يعذب بًلًَر‬ ‫‪‬‬


‫المتًَهية في الحرارة‪.‬‬
‫ثم ذكر تعًلى شراب أهل الًَر بقوله‪:‬‬
‫‪ ،‬أي‪ :‬في شدّة‬
‫الحرارة والغليًن‪ .‬ثم ذكر طعًمهم بقوله‪:‬‬

‫‪ .‬قًل ابن كثير‪ (( :‬وقوله‪:‬‬ ‫‪‬‬

‫ي بن أبي طلحة عن ابن عبًس‪ :‬شجر من‬ ‫قًل عل ّ‬


‫الًَر‪ .‬وقًل سعيد بن جبير‪ :‬هو الزقوم‪ .‬وعَه‪ :‬أنهً الحجًرة‪ .‬وقًل ابن‬
‫عبًس‪ ،‬ومجًهد‪ ،‬وعكرمة‪ ،‬وأبو الجوزاء‪ ،‬وقتًدة‪ :‬هو الشبرق‪ .‬قًل‬
‫قتًدة‪ :‬قريش تسميه في الربيع الشبرق‪ ،‬وفي الصيف الضريع‪ .‬قًل‬
‫عكرمة‪ :‬وهو شجرة ذات شوك لطئة بًلرض‪ .‬وقًل البخًري‪ :‬قًل‬
‫مجًهد‪ :‬الضريع نبت يقًل له الشبرق‪ ،‬يسميه أهل الحجًز الضريع إذا‬
‫يبس‪ ،‬وهو سم‪ .‬وقًل معمر عن قتًدة‪:‬‬
‫من كنوز القرآن الكريم‪ ،‬تفسير آيات من الكتاب‬ ‫‪472‬‬
‫العزيز‬

‫هو الشبرق إذا يبس سمي الضريع‪ .‬وقًل سعيد‬


‫عن قتًدة‪:‬‬
‫من شر الطعًم وأبشعه وأخبثه‪.‬‬
‫وقوله‪:‬‬
‫يعَي‪ :‬ل يحصل به مقصود‪ ،‬ول يَدفع به‬ ‫‪‬‬
‫محذور ))‪.‬‬
‫وبعد أن ذكر تعًلى أهل العذاب؛ ذكر أهل الَعيم فقًل‪:‬‬
‫‪‬‬ ‫‪‬‬

‫والمعَى‪ :‬أن أهل السعًدة مَعمون في الجَّة بفضل ا ‪ ‬بسبب‬


‫أعمًلهم الصًلحة‪ ،‬كمً قًل ‪ ‬في من يؤتى كتًبه بيميَه‪:‬‬
‫‪‬‬

‫‪‬‬
‫‪‬‬ ‫‪‬‬
‫‪‬‬ ‫‪‬‬

‫[الحًقة‪ 21 :‬ـ ‪.]24‬‬


‫قًل ابن كثير‪ (( :‬لمً ذكر حًل الشقيًء‪ ،‬ثَى بذكر السعداء فقًل‪:‬‬
‫أي‪ :‬يوم القيًمة‪،‬‬ ‫‪‬‬ ‫‪‬‬
‫‪473‬‬ ‫من كنوز القرآن الكريم‪ ،‬تفسير آيات من الكتاب‬
‫العزيز‬

‫‪ ،‬أي‪ :‬يعرف الَعيم فيهً‪ ،‬وإنمً حصل لهً ذلك‬


‫بسعيهً‪ .‬وقًل سفيًن‪:‬‬
‫‪ :‬قد رضيت عملهً‪ .‬وقوله‪:‬‬
‫أي‪ :‬رفيعة بهية في الغرفًت‬
‫آمَون‪.‬‬
‫أي‪ :‬ل يسمع في الجَّة التي هم فيهً كلمة لغو‪.‬‬
‫‪‬‬ ‫كمً قًل‪:‬‬
‫‪ ،‬وقًل‪:‬‬ ‫‪‬‬
‫‪،‬‬ ‫‪‬‬
‫‪‬‬ ‫وقًل‪:‬‬
‫‪‬‬

‫))‪.‬‬
‫‪‬‬ ‫وقد لحذيفت واو العطف في قوله‪:‬‬
‫‪ ،‬وهو من أدلة‬ ‫‪‬‬
‫جواز حذف واو العطف‪.‬‬
‫وهذه المواضع الثلثة‪ :‬في القيًمة‪ ،‬وعبس‪ ،‬والغًشية‪ ،‬قوبل فيهً بين‬
‫وجوه أهل الَعيم وأهل العذاب‪ .‬ومثلهً قول ا ‪ ‬في سورة آل عمران‪:‬‬
‫‪‬‬ ‫‪‬‬
‫‪‬‬ ‫‪‬‬
‫‪‬‬
‫‪‬‬ ‫‪‬‬
‫من كنوز القرآن الكريم‪ ،‬تفسير آيات من الكتاب‬ ‫‪474‬‬
‫العزيز‬

‫‪‬‬
‫‪‬‬

‫‪‬‬ ‫‪‬‬
‫[آل‬
‫عمران‪ 106 :‬ـ ‪.]107‬‬
‫سورة الضحى‬
‫ـ قوله تعالى‪:‬‬

‫[الضحى‪ 6 :‬ـ ‪.]8‬‬


‫أنه كًن يتيمً ا فآواه‪ ،‬وضًلا‬ ‫ممً امتن ا به على نبيه محمد‬
‫من ضللت الجًهلية‪،‬‬ ‫فهداه‪ ،‬وفقيرا ا فأغًَه‪ ،‬وقد صًن ا ‪ ‬نبيه‬
‫فكًن على الفطرة التي فطر ا الًَس عليهً لم يَحرف عَهً‪ ،‬وكًن يتعبد‬
‫قبل أن يوحى إليه‪ ،‬وقد ذكر الحًفظ ابن حجر في الفتح (‪)717/8‬‬
‫قبل الَبوة‪ ،‬وثًلثهً شريعة إبراهيم الخليل ـ‬ ‫القوال فيمً كًن يتعبد به‬
‫عليه الصلة والسلم ـ ثم قًل‪ (( :‬ول يخفى قوة الثًلث ول سيمً مع مً‬
‫نلقل من ملزمته للحج والطواف ونحو ذلك ممً بقي عَدهم من شريعة‬
‫إبراهيم‪ ،‬وا أعلم ))‪ ،‬وفي صحيح مسلم (‪ )7207‬من حديث عيًض بن‬
‫‪475‬‬ ‫من كنوز القرآن الكريم‪ ،‬تفسير آيات من الكتاب‬
‫العزيز‬

‫حمًر مرفوعًا‪ ،‬وفيه‪ (( :‬وإن ا نظر إلى أهل الرض فمقتهم‪ :‬عربهم‬
‫وعجمهم‪ ،‬إلّ بقًيً من أهل الكتًب ))‪ ،‬قًل الَووي في شرحه (‪197 /17‬‬
‫ـ ‪ (( :)198‬والمراد بهذا المقت والَظر مً قبل بعثة رسول ا ‪،‬‬
‫والمراد ببقًيً أهل الكتًب البًقون على التمسك بديَهم الحق من غير‬
‫كونه لم يدر القرآن‬ ‫تبديل ))‪ .‬والمراد بًلضلل الذي كًن عليه‬
‫وشرائع السلم؛ كمً قًل ا ‪:‬‬

‫قبل الوحي لم‬ ‫[الشورى‪ ،]52 :‬أي إنه‬


‫يكن يدري القرآن الذي أنزل عليه ول تفًصيل اليمًن التي بليَت له في‬
‫القرآن‪ ،‬وقًل تعًلى‪:‬‬

‫[يوسف‪ ،]3 :‬أي عن هذه المور‬ ‫‪‬‬


‫التي أوحًهً ا إليه في القرآن الكريم‪ ،‬قًل ابن كثير‪ (( :‬وقوله‪:‬‬

‫كقوله‪:‬‬
‫من كنوز القرآن الكريم‪ ،‬تفسير آيات من الكتاب‬ ‫‪476‬‬
‫العزيز‬

‫‪‬‬

‫قوله‬ ‫((‬ ‫‪ ،‬وقًل القرطبي في تفسيره‪:‬‬


‫تعًلى‪:‬‬
‫أي غًفلا عمً يراد بك من أمر الَبوة فهداك‪ :‬أي‬
‫أرشدك‪ ،‬والضلل هًَ بمعَى الغفلة‪ ،‬كقوله ج ّل ثًَؤه‪:‬‬
‫أي‪ :‬ل‬
‫يغفل‪ ،‬وقًل في حق نبيه‪:‬‬

‫‪ ،‬وقًل قوم‪( :‬ضًلا)‪ :‬لم تكن‬ ‫‪‬‬


‫تدري القرآن والشرائع‪ ،‬فهداك ا إلى القرآن وشرائع السلم‪ ،‬عن‬
‫الضحًك وشهر بن حوشب وغيرهمً‪ ،‬وهو معَى قوله تعًلى‪:‬‬

‫))‪،‬‬
‫وقًل شيخًَ الشيخ محمد المين الشَقيطي ~ في (أضواء البيًن) في‬
‫الكلم على قوله تعًلى عن موسى في سورة الشعراء‪:‬‬

‫‪( ،‬قًل) أي‪ :‬قًل موسى‬


‫‪477‬‬ ‫من كنوز القرآن الكريم‪ ،‬تفسير آيات من الكتاب‬
‫العزيز‬

‫مجيبً ا لفرعون‪ :‬فعلتهً إذاا‪ ،‬أي‪ :‬إ زذ فعلتهً وأنً في ذلك الحين من الضًلين‪،‬‬
‫أي قبل أن يوحي ا إلي ويبعثَي رسولا‪ ،‬وهذا هو التحقيق إن شًء ا‬
‫في معَى الية‪ ،‬وقول نمن قًل من أهل العلم‪:‬‬
‫أي‪ :‬من الجًهلين راجع‬
‫إلى مً ذكرنً؛ لنه بًلَسبة إلى مً علمه ا من الوحي يعتبر قبله جًهلا‪،‬‬
‫أي غير عًلم بمً أوحى ا إليه‪.‬‬
‫وقد بيلًَ مرارا ا في هذا الكتًب المبًرك أن لفظ الضلل يطلق في‬
‫القرآن وفي اللغة العربية ثلثة إطلقًت‪:‬‬
‫الطلق الول‪ :‬يطلق الضلل مرادا ا به الذهًب عن حقيقة الشيء‪،‬‬
‫فتقول العرب في كل من ذهب عن علم حقيقة شيء‪ :‬ضل عَه‪ ،‬وهذا‬
‫الضلل ذهًب عن علم شيء مً‪ ،‬وليس من الضلل في الدين‪ ،‬ومن هذا‬
‫هًَ‪:‬‬ ‫قوله‬ ‫المعَى‬

‫أي‪ :‬من الذاهبين عن علم حقيقة العلوم والسرار التي ل تعلم إل عن‬
‫طريق الوحي؛ لني في ذلك الوقت لم يوح إلي‪ ،‬ومَه على التحقيق‪:‬‬
‫أي‪:‬‬
‫ذاهبً ا عمً علمك من العلوم التي ل تلدرك إلّ بًلوحي‪ ،‬ومن هذا المعَى‬
‫قوله تعًلى‪:‬‬

‫‪ ،‬فقوله‪:‬‬
‫أي‪ :‬ل يذهب عَه علم شيء كًئًَ ا مً‬
‫‪‬‬ ‫كًن‪ ،‬وقوله‪:‬‬
‫من كنوز القرآن الكريم‪ ،‬تفسير آيات من الكتاب‬ ‫‪478‬‬
‫العزيز‬

‫‪‬‬

‫‪ ،‬فقوله‪:‬‬
‫أي‪ :‬تذهب عن علم حقيقة المشهود به‬
‫بدليل قوله بعده‪:‬‬
‫))‪.‬‬
‫قًل‪ (( :‬والطلق الثًني‪ :‬وهو المشهور في اللغة وفي القرآن‪ :‬هو‬
‫إطلق الضلل على الذهًب عن طريق اليمًن إلى الكفر‪ ،‬وعن طريق‬
‫الحق إلى البًطل‪ ،‬وعن طريق الجَّة إلى الًَر‪ ،‬ومَه قوله تعًلى‪:‬‬
‫‪‬‬

‫‪.‬‬
‫والطلق الثًلث‪ :‬هو إطلق الضلل على الغيبوبة والضمحلل‪،‬‬
‫تقول العرب‪ :‬ضل الشيء إذا غًب واضمحل‪ ،‬ومَه قولهم‪ :‬ضل السمن‬
‫في الطعًم إذا غًب فيه واضمحل‪ ،‬ولجل هذا س لمت العرب الدفن في‬
‫القبر إضللا؛ لن المدفون تأكله الرض فيغيب فيهً ويضمحل‪ ،‬وفي هذا‬
‫‪‬‬ ‫قوله تعًلى‪:‬‬
‫الية‪ ،‬يعَون‬
‫إذا دلفَوا وأكلتهم الرض فضلوا فيهً‪ ،‬أي غًبوا فيهً واضمحلوا ))‪.‬‬
‫‪479‬‬ ‫من كنوز القرآن الكريم‪ ،‬تفسير آيات من الكتاب‬
‫العزيز‬

‫سورة الكافرون‬
‫ـ قوله تعالى‪:‬‬
‫‪‬‬

‫[الكًفرون‪ 1 :‬ـ ‪.]6‬‬


‫هذه السورة مع سورة (قل هو ا أحد) يقًل لهمً سورتً الخلص‪،‬‬
‫وقد جًءت السَة بًلقراءة بهمً في بعض الَوافل‪ ،‬في ركعتي الطواف‪،‬‬
‫أخرجه مسلم (‪ )2950‬من حديث جًبر الطويل‪ ،‬وفي الركعتين قبل‬
‫الفجر‪ ،‬أخرجه مسلم (‪ ،)1690‬وفيهمً وفي الركعتين بعد المغرب‪،‬‬
‫أخرجه المًم أحمد في مسَده (‪ )4763‬بإسًَد صحيح‪.‬‬
‫قًل‬ ‫وفي مسَد المًم أحمد (‪ )23807‬بإسًَد حسن أن الَبي‬
‫لَوفل بن معًوية >‪ (( :‬اقرأ عَد مًَمك‬
‫‪،‬‬ ‫‪‬‬
‫قًل‪ :‬ثم نم على خًتمتهً؛ فإنهً براءة من الشرك ))‪.‬‬
‫وفي جًمع الترمذي أن‬
‫تعدل ربع القرآن‪ ،‬روى ذلك‬ ‫‪‬‬
‫من كنوز القرآن الكريم‪ ،‬تفسير آيات من الكتاب‬ ‫‪480‬‬
‫العزيز‬

‫بأسًنيد يقوي بعضهً بعضً ا عن أنس (‪ )2893‬و(‪ )2895‬وابن عبًس‬


‫(‪.)2894‬‬
‫في هذه السورة أن يعلن براءته من عبًدة غير‬ ‫وقد أمر ا نبيه‬
‫ا وأن يقول للكًفرين‪:‬‬
‫‪ ،‬والمعَى‪:‬‬
‫أن الكًفرين ل يعبدون مً يعبده الَبي ؛ لن عبًدة ا ‪ ‬ل تحصل‬
‫إلّ بًلخلص له وترك عبًدة غيره‪ ،‬ثم أكد قوله‪:‬‬
‫بقوله‪:‬‬

‫‪ ،‬وهو تأكيد بًلمعَى دون اللفظ‪ ،‬وأكد قوله‪:‬‬

‫بقوله‪:‬‬
‫‪ ،‬وهو‬
‫تأكيد بًللفظ والمعَى‪.‬‬
‫وقد ذكر ابن كثير في تفسيره في بيًن وجه التيًن بقوله تعًلى‪:‬‬

‫بعد قوله‪:‬‬

‫أربعة أوجه‪:‬‬
‫من معبودات‬ ‫الول‪ :‬حًصله ل‬
‫أن اليتين الوليين في بيًن براءته‬
‫‪481‬‬ ‫من كنوز القرآن الكريم‪ ،‬تفسير آيات من الكتاب‬
‫العزيز‬

‫الكفًر وبراءتهم من عبًدة ا‪ ،‬كمً في قوله‪:‬‬


‫‪‬‬

‫‪‬‬ ‫‪‬‬

‫‪ ،‬واليتين الخريين في بيًن مَهجه‬ ‫‪‬‬


‫وطريقته‪ ،‬وهي أنه يعبد ا وحده ويتبع مً جًءه من الوحي‪ ،‬وهذا بخلف‬
‫الكفًر؛ فإن عبًدتهم للهتهم مبَية على مً اخترعوه وابتدعوه من عبًدة‬
‫غير ا‪.‬‬
‫الثاني‪ :‬مً حكًه عن البخًري أن اليتين الوليين للحًل والمًضي‪،‬‬
‫واليتين الخيرتين للمستقبل‪.‬‬
‫الثالث‪ :‬مً نقله عن ابن جرير عن بعض أهل العربية أن اليتين‬
‫الخيرتين تأكيد لليتين الوليين‪.‬‬
‫الرابع‪ :‬مً عزاه إلى ابن تيمية وأنه نصره في بعض كتبه‪ ،‬وهو أن‬
‫المراد بقوله‪:‬‬
‫نفي الفعل لنهً جملة فعلية‪،‬‬

‫نفي قبوله لذلك بًلكلية؛ لن الَفي بًلجملة‬


‫السمية آكد‪ ،‬فكأنه نفى الفعل وكونه قًبلا لذلك‪ ،‬ومعًَه نفي الوقوع ونفي‬
‫المكًن الشرعي أيضًا‪.‬‬
‫سورة الخلص‬
‫‪‬‬ ‫ـ قوله تعالى‪:‬‬
‫من كنوز القرآن الكريم‪ ،‬تفسير آيات من الكتاب‬ ‫‪482‬‬
‫العزيز‬

‫‪‬‬
‫‪‬‬ ‫‪‬‬
‫[الخلص‪ 1 :‬ـ ‪.]4‬‬
‫تقدم قريبً ا الستدلل لقراءة سورة الخلص مع سورة‬
‫في‬ ‫‪‬‬
‫ركعتي الطواف والركعتين قبل الفجر والركعتين بعد المغرب‪ ،‬وثبت‬
‫أنهً تعدل ثلث القرآن‪ ،‬روى البخًري في صحيحه‬ ‫عن الرسول‬
‫(‪ )7374‬عن أبي سعيد >‪ (( :‬أن رجلا سمع رجلا يقرأ‪:‬‬
‫يرددهً‪ ،‬فلمً أصبح جًء إلى‬ ‫‪‬‬
‫فذكر له ذلك‪ ،‬فكأن الرجل يتقًلّهً‪ ،‬فقًل رسول ا ‪ :‬والذي‬ ‫الَبي‬
‫نفسي بيده! إنهً لتعدل ثلث القرآن ))‪ .‬وروى أيضً ا (‪ )5015‬عن أبي‬
‫لصحًبه‪ (( :‬أيعجز أحدكم أن يقرأ ثلث القرآن‬ ‫سعيد قًل‪ :‬قًل الَبي‬
‫في ليلة؟ فشق ذلك عليهم وقًلوا‪ :‬أيًَ يطيق ذلك يً رسول ا؟ فقًل‪ :‬ا‬
‫الواحد الصمد ثلث القرآن ))‪.‬‬
‫وروى مسلم في صحيحه (‪ )1888‬عن أبي هريرة قًل‪ :‬قًل رسول‬
‫ا ‪ (( :‬احشدوا؛ فإني سأقرأ عليكم ثلث القرآن‪ ،‬فحشد من حشد‪ ،‬ثم‬
‫‪‬‬ ‫فقرأ‪:‬‬ ‫خرج نبي ا‬
‫‪ ،‬ثم دخل‪ ،‬فقًل بعضًَ لبعض‪ :‬إني أرى هذا خبر‬
‫فقًل‪ :‬إني قلت‬ ‫جًءه من السمًء‪ ،‬فذاك الذي أدخله‪ ،‬ثم خرج نبي ا‬
‫لكم‪ :‬سأقرأ عليكم ثلث القرآن‪ ،‬أل إنهً تعدل ثلث القرآن ))‪.‬‬
‫وجًء في السَّة قراءتهً مع المعوذتين في الصبًح والمسًء ثلثًا‪،‬‬
‫روى الترمذي (‪ )3575‬وغيره بإسًَد حسن عن عبد ا بن خبيب قًل‪:‬‬
‫‪483‬‬ ‫من كنوز القرآن الكريم‪ ،‬تفسير آيات من الكتاب‬
‫العزيز‬

‫يصلي لًَ‪،‬‬ ‫(( خرجًَ في ليلة مطيرة وظلمة شديدة نطلب رسول ا‬
‫قًل‪ :‬فأدركته‪ ،‬فقًل‪ :‬قل‪ .‬فلم أقل شيئًا‪ ،‬ثم قًل‪ :‬قل‪ .‬فلم أقل شيئًا‪ ،‬قًل‪ :‬قل‪.‬‬
‫‪‬‬ ‫فقلت‪ :‬مً أقول؟ قًل‪ :‬قل‪:‬‬
‫والمعوذتين حين تمسي وتصبح ثلث مرات تكفيك‬
‫من كل شيء ))‪.‬‬
‫وجًءت السَّة بقراءة هذه السور الثلث عَد الَوم والَفث في اليدين‬
‫والمسح بهمً مً أمكن من الجسد‪ ،‬ففي صحيح البخًري (‪ )5017‬عن‬
‫كًن إذا أوى إلى فراشه كل ليلة جمع كفيه‪ ،‬ثم‬ ‫عًئشة <‪ (( :‬أن الَبي‬
‫‪‬‬ ‫نفث فيهمً فقرأ فيهمً‪:‬‬
‫‪‬‬ ‫و‬
‫و‬ ‫‪‬‬
‫‪ ،‬ثم يمسح‬ ‫‪‬‬
‫بهمً مً استطًع من جسده‪ ،‬يبدأ بهمً على رأسه ووجهه ومً أقبل من‬
‫جسده‪ ،‬يفعل ذلك ثلث مرات ))‪.‬‬
‫وقد اشتملت هذه السورة على أربع آيًت‪ ،‬فًلولى والثًنية في إثبًت‬
‫أحديته وصمديته‪ ،‬والثًلثة والرابعة في تَزيهه عن الصول والفروع‬
‫والشبًه والَظراء‪ ،‬والحد من أسمًئه الحسَى‪ ،‬قًل ابن كثير‪ (( :‬ول‬
‫يطلق هذا اللفظ على أحد في الثبًت إلّ على ا ‪‬؛ لنه الكًمل في‬
‫جميع صفًته وأفعًله ))‪.‬‬
‫سير بعدة تفسيرات ذكرهً ابن كثير في تفسيره‪ ،‬وأولهً‪:‬‬ ‫والصمد فل ّ‬
‫الذي يصمد الخلئق إليه في حوائجهم ومسًئلهم‪ ،‬عزاه إلى ابن عبًس‬
‫{‪ ،‬وهو سبحًنه وتعًلى الغَي عن كل مً سواه‪ ،‬المفتقر إليه كل من‬
‫‪:‬‬ ‫قًل‬ ‫كمً‬ ‫عداه‪،‬‬
‫من كنوز القرآن الكريم‪ ،‬تفسير آيات من الكتاب‬ ‫‪484‬‬
‫العزيز‬

‫‪‬‬
‫‪‬‬
‫‪.‬‬
‫وفي تَزهه سبحًنه وتعًلى عن الولد والوالد والشبيه والَظير تأكيد‬
‫لحديته تعًلى‪ ،‬وتأكيد أيضً ا لصمديته؛ لن تَزهه عمً ذلكر دال على كمًل‬
‫غًَه عن غيره‪ ،‬وأن غيره مفتقر إليه ل يستغَي عَه؛ لن من كًن والدا ا هو‬
‫بحًجة إلى الولد‪ ،‬ومن كًن مولودا ا هو بحًجة إلى الوالد‪ ،‬والمتشًبهًن‬
‫والمتمًثلن يحتًج بعضهمً إلى بعض‪.‬‬
‫سورة الفلق‬
‫‪‬‬ ‫ـ قوله تعالى‪:‬‬
‫‪‬‬

‫‪‬‬

‫[الفلق‪ 1 :‬ـ ‪.]5‬‬


‫ممً ورد في فضلهً مع سورة الًَس حديث عقبة بن عًمر > قًل‪:‬‬
‫قًل رسول ا ‪ (( :‬ألم تر آيًت أنزلت الليلة لم يلر مثلهن قط؟‬
‫‪‬‬
‫‪‬‬ ‫‪،‬‬ ‫‪‬‬
‫رواه مسلم (‪ .)1891‬وحديث‬
‫‪485‬‬ ‫من كنوز القرآن الكريم‪ ،‬تفسير آيات من الكتاب‬
‫العزيز‬

‫في طريق مكة‪،‬‬ ‫عبد ا بن خبيب قًل‪ (( :‬كَت مع رسول ا‬


‫فدنوت مَه‪ ،‬فقًل‪ :‬قل‪ .‬فقلت‪ :‬مً أقول؟‬ ‫فأصبت خلوة من رسول ا‬
‫‪‬‬ ‫قًل‪ :‬قل‪ .‬قلت‪ :‬مً أقول؟ قًل‪:‬‬
‫حتى ختمهً‪ ،‬ثم قًل‪:‬‬ ‫‪‬‬
‫‪‬‬
‫حتى ختمهً‪ ،‬ثم قًل‪ :‬مً تعوذ الًَس بأفضل مَهمً )) رواه الَسًئي‬
‫(‪ )5429‬بإسًَد حسن‪ .‬وحديث أبي سعيد قًل‪ (( :‬كًن رسول ا‬
‫يتعوذ من عين الجًن‪ ،‬وعين النس‪ ،‬فلمً نزلت المعوذتًن أخذ بهمً‬
‫وترك مً سوى ذلك ))‪ .‬رواه الَسًئي (‪ )5494‬بإسًَد حسن‪ ،‬وحديث‬
‫قًل‪:‬‬ ‫عًمر‬ ‫عقبة بن‬
‫أن أقرأ بًلمعوذات في دبر كل صلة ))‪ .‬رواه‬ ‫(( أمرني رسول ا‬
‫أبو داود (‪ )1523‬بإسًَد حسن‪ ،‬ورواه الترمذي (‪ )2903‬ولفظه‪:‬‬
‫أن أقرأ بًلمعوذتين في دبر كل صلة ))‪.‬‬ ‫(( أمرني رسول ا‬
‫‪‬‬ ‫ومعَى‬
‫ألتجئ وأعتصم بًل‪ ،‬وقد اشتملت هذه‬ ‫‪‬‬
‫الية على أنواع التوحيد الثلثة‪ :‬فإن العوذ بًل توحيد اللوهية‪ ،‬و(رب‬
‫الفلق) فيه توحيد الربوبية والسمًء والصفًت؛ لن من أسمًء ا الرب‪،‬‬
‫وهو سبحًنه وتعًلى رب كل شيء ومليكه وخًلقه‪ ،‬ومثله‬

‫في سورة الفًتحة‪ ،‬و‬


‫‪‬‬
‫في سورة الًَس‪.‬‬
‫الصبح في قول جمهور المفسرين‪،‬‬ ‫‪‬‬ ‫و‬
‫من كنوز القرآن الكريم‪ ،‬تفسير آيات من الكتاب‬ ‫‪486‬‬
‫العزيز‬

‫عزاه ابن كثير إلى جًبر وابن عبًس { وغيرهمً‪ ،‬وهو مثل قوله‪:‬‬
‫‪ ،‬وقوله‪:‬‬
‫‪،‬‬ ‫‪‬‬
‫وقوله‪:‬‬
‫‪ ،‬ولعل تخصيصه بًلذكر لهميته في حيًة الًَس‬ ‫‪‬‬
‫ومعًيشهم‪ ،‬قًل ا ‪:‬‬

‫‪‬‬

‫‪.‬‬ ‫‪‬‬

‫ثم ذكر المستعًذ مَه بقوله‪:‬‬


‫‪ ،‬وهو يشمل أي شر من أي مخلوق‪ ،‬ثم نص على‬
‫ث من المخلوقًت‪ ،‬ولعل تخصيصهً بًلذكر مع أنهً داخلة في‬ ‫شرور ثل ر‬
‫ي‬
‫لخطورتهً‬ ‫عموم‬
‫وشدّة ضررهً‪.‬‬
‫وقوله‪:‬‬
‫أي‪ :‬الليل إذا أقبل بظلمه‪ ،‬حكًه ابن‬
‫كثير عن ابن عبًس وغيره‪ ،‬وفي القًموس المحيط‪ :‬وقب الظلم‪ :‬دخل‪،‬‬
‫وهو يقًبل الفلق؛ لن الفلق إقبًل الَهًر‪ ،‬ووقوب الغًسق إقبًل الليل‪،‬‬
‫‪‬‬ ‫ومَه قوله تعًلى‪:‬‬
‫‪‬‬
‫‪487‬‬ ‫من كنوز القرآن الكريم‪ ،‬تفسير آيات من الكتاب‬
‫العزيز‬

‫؛ فإن بعد دلوك الشمس‬


‫ـ وهو زوالهً ـ صلتين همً الظهر والعصر‪ ،‬وفي غسق الليل ـ وهو‬
‫أوله ـ صلة المغرب والعشًء‪ ،‬وفي أول الليل تَتشر الشيًطين كمً في‬
‫صحيح البخًري (‪ )3280‬ومسلم (‪ )5253‬عن جًبر > عن الَبي‬
‫قًل‪ (( :‬إذا كًن جَح الليل أو أمسيتم فكفّوا صبيًنكم؛ فإن الشيًطين تَتشر‬
‫حيَئذ‪ ،‬فإذا ذهبت سًعة من الليل ف لحلروهم‪ ))...‬الحديث‪.‬‬
‫قوله‪:‬‬
‫‪‬‬
‫أي‪ :‬السواحر اللتي يَفثن في العقد في سحرهن‪ ،‬والسحر يكون من‬
‫الرجًل والَسًء‪ ،‬ولعل تخصيص الَسًء بًلذكر لكون السحر فيهن أكثر‬
‫مَه في الرجًل‪.‬‬
‫قوله‪:‬‬
‫‪ ،‬الحًسد هو الذي يتمَى زوال الَعمة عن المحسود‪،‬‬
‫سواء حصلت للحًسد أو لم تحصل‪ ،‬ويدخل في ذلك الحًسد الذي يصيب‬
‫بعيَه والذي ل يصيب بًلعين‪ ،‬وإنمً قيد الستعًذة من شر الحًسد بقوله‪:‬‬
‫لن الضرر مَه يكون بتلبسه بًلحسد‬
‫وتعلق نفسه بحسد المحسود‪.‬‬
‫سورة الناس‬
‫‪‬‬ ‫ـ قوله‪:‬‬

‫‪‬‬ ‫‪‬‬
‫من كنوز القرآن الكريم‪ ،‬تفسير آيات من الكتاب‬ ‫‪488‬‬
‫العزيز‬

‫‪‬‬ ‫‪‬‬

‫[الًَس‪ 1 :‬ـ ‪.]6‬‬


‫تقدم في السورة قبلهً مً يدل على فضل السورتين‪ ،‬وأن الية الولى‬
‫مَهمً مشتملة على أنواع التوحيد الثلثة‪ ،‬وهي‪ :‬توحيد الربوبية‪ ،‬وتوحيد‬
‫اللوهية‪ ،‬وتوحيد السمًء والصفًت‪ ،‬و‬
‫فيه توحيد الربوبية والسمًء والصفًت‪ ،‬و‬
‫فيه توحيد اللوهية والسمًء‬
‫والصفًت‪ ،‬وإنمً ذكر ربوبيته للًَس مع أنه ربر العًلمين‪ ،‬ربر كل شيء‬
‫وملي لكه‪ ،‬لشرف النس‪ ،‬ولهذا ألرسلت مَهم الرسل‪ ،‬وألنزلت عليهم‬
‫الكتب‪ ،‬والجن تبع لهم‪ ،‬كمً تقدم الستدلل لذلك في سورة الحقًف‪.‬‬
‫وقد اشتملت هذه السورة على ثلثة من أسمًء ا الحسَى‪ ،‬وهي‪:‬‬
‫الرب والم يلك والله‪ ،‬فيستعيذ المسلم بربه ومليكه وإلهه من شر‬
‫الوسواس الذي هو الشيطًن‪ ،‬الذي آلى على نفسه بإغواء بَي آدم‪ ،‬إلّ من‬
‫حفظهم ا من شره‪ .‬وهو يوسوس في الصدور عَد الغفلة عن ذكر ا‬
‫وطًعته‪ ،‬وينخَنس عَد ذكر ا ‪ ،‬فيبتعد عن النسًن‪ ،‬كمً قًل ابن‬
‫عبًس‪ (( :‬إذا ذكر ان العبدل نخَنس من قلبه فذهب‪ ،‬وإذا غفل التقم قلبه‬
‫فحدلثه ومًَّه ))‪ .‬نقله عَه القرطبي في تفسيره‪ .‬وقيل‪ :‬المراد بًلوسواس‬
‫الخًَس‪ :‬القرين من الجن‪ ،‬لحديث ابن مسعود > قًل‪ :‬قًل رسول ا‬
‫‪ (( :‬مً مَكم من أحد إلّ وقد و ّكل به قريَه من الجن‪ ،‬وقريَه من‬
‫الملئكة ))‪ ،‬قًلوا‪ :‬وإيًك يً رسول ا؟ قًل‪ (( :‬وإيًي‪ ،‬إلّ أن ا أعًنَي‬
‫‪489‬‬ ‫من كنوز القرآن الكريم‪ ،‬تفسير آيات من الكتاب‬
‫العزيز‬

‫عليه فأسلم‪ ،‬فل يأمرني إل بخير ))‪ .‬رواه مسلم في صحيحه (‪)7108‬‬
‫(‪.)7109‬‬
‫وقوله تعًلى‪:‬‬
‫قيل‪ :‬إنه بيًن للًَس في قوله‬
‫‪ ،‬فيدخل فيه الجن تغليبًا‪.‬‬
‫وقيل‪ :‬إنه معطوف على الوسواس الخًَس‪ ،‬وحذفت واو العطف‪.‬‬
‫وقوله‪:‬‬ ‫((‬ ‫قًل ابن كثير‪:‬‬
‫‪‬‬ ‫‪‬‬
‫هل يختص هذا ببَي آدم ـ كمً هو ظًهر ـ أو‬
‫يعم بَي آدم والجن؟ فيه قولن‪ ،‬ويكونون قد دخلوا في لفظ الًَس تغليبًا‪.‬‬
‫وقًل ابن جرير‪ (( :‬وقد استلعمل فيهم‪ :‬رجًل من الجن‪ .‬فل بدع في‬
‫إطلق الًَس عليهم‪.‬‬
‫وقوله‪:‬‬
‫هل هو تفصيل لقوله‪:‬‬
‫‪‬‬ ‫‪‬‬
‫ثم بيَّهم فقًل‪:‬‬
‫‪ .‬فهذا يقوي‬
‫القول الثًني‪ .‬وقيل‪ :‬قوله‪:‬‬
‫تفسير للذي يوسوس في صدور الًَس من‬
‫شيًطين النس والجن‪ ،‬كمً قًل تعًلى‪:‬‬
‫من كنوز القرآن الكريم‪ ،‬تفسير آيات من الكتاب‬ ‫‪490‬‬
‫العزيز‬

‫‪‬‬

‫))‪.‬‬ ‫‪‬‬

‫ثم بيلن سبحًنه الذي يوسوس بأنه ضربًن‪ :‬جَي‬ ‫((‬ ‫وقًل الشوكًني‪:‬‬
‫وإنسي‪ ،‬فقًل‪:‬‬
‫‪ ،‬أمً شيطًن الجن فيوسوس في صدور‬
‫الًَس‪ ،‬وأمً شيطًن النس فوسوسته في صدور الًَس أنه يلرى نفسه‬
‫كًلًَصح المشفق فيوقع في الصدر من كلمه الذي أخرجه مخرج‬
‫الَصيحة مً يوقع الشيطًن فيه بوسوسته كمً قًل سبحًنه‪:‬‬

‫‪.‬‬
‫وقًل أيضًا‪ (( :‬وقيل‪ :‬يجوز أن يكون المراد‪ :‬أعوذ برب الًَس من‬
‫الوسواس الخًَس‪ ،‬الذي يوسوس في صدور الًَس‪ ،‬ومن الجَة والًَس‪،‬‬
‫كأنه استعًذ بربه من ذلك الشيطًن الواحد‪ ،‬ثم استعًذ بربه من جميع‬
‫الجَة والًَس ))‪.‬‬
‫والحمد ل رب العًلمين وصلى ا وسلم وبًرك على نبيًَ محمد‬
‫وعلى آله وصحبه أجمعين‪.‬‬
‫‪491‬‬ ‫من كنوز القرآن الكريم‪ ،‬تفسير آيات من الكتاب‬
‫العزيز‬

‫الفهرس‬

‫المقدمةا‪147..................................................................................................‬‬
‫الفاتحة ‪149.......................................................................................‬‬ ‫سورة‬
‫سورة البقرة ‪156.........................................................................................‬‬
‫ـ قوله تعًلى‪:‬‬
‫‪157..........................................................‬‬
‫‪160.........‬‬ ‫ـ قوله تعًلى‪:‬‬
‫‪‬‬ ‫ـ قوله تعًلى‪:‬‬
‫‪161............................................................‬‬
‫ـ قوله تعًلى‪:‬‬

‫‪162............................................................‬‬
‫ـ قوله تعًلى‪:‬‬

‫‪163...............................................................‬‬
‫ـ قوله تعًلى‪:‬‬

‫‪164........................................................................‬‬
‫‪‬‬ ‫‪‬‬ ‫ـ قوله تعًلى‪:‬‬
‫‪‬‬ ‫‪‬‬ ‫‪‬‬
‫‪‬‬
‫من كنوز القرآن الكريم‪ ،‬تفسير آيات من الكتاب‬ ‫‪492‬‬
‫العزيز‬

‫‪167..........‬‬
‫‪‬‬ ‫ـ قوله تعًلى‪:‬‬
‫‪‬‬
‫‪169...................................................‬‬
‫ـ قوله تعًلى‪:‬‬
‫‪‬‬
‫‪169.................................................................................................................‬‬
‫ـ قوله تعًلى‪:‬‬

‫‪173...........................‬‬
‫ـ قوله تعًلى‪:‬‬

‫‪175.................................................................................................................‬‬
‫ـ قوله تعًلى‪:‬‬
‫‪‬‬ ‫‪‬‬ ‫‪‬‬
‫‪‬‬ ‫‪‬‬

‫‪176...................................................‬‬ ‫‪‬‬
‫ـ قوله تعًلى‪:‬‬
‫‪‬‬
‫‪178.....‬‬
‫ـ قوله تعًلى‪:‬‬
‫‪‬‬ ‫‪‬‬
‫‪493‬‬ ‫من كنوز القرآن الكريم‪ ،‬تفسير آيات من الكتاب‬
‫العزيز‬

‫‪180.............................................................................................................‬‬
‫‪‬‬ ‫ـ قوله تعًلى‪:‬‬

‫‪181...........................................................‬‬
‫ـ قوله تعًلى‪:‬‬

‫‪182...................................‬‬ ‫‪‬‬
‫ـ قوله تعًلى‪:‬‬
‫‪‬‬ ‫‪‬‬ ‫‪‬‬
‫‪183...‬‬
‫ـ قوله تعًلى‪:‬‬

‫‪184......................................‬‬
‫‪‬‬ ‫‪‬‬ ‫ـ قوله تعًلى‪:‬‬
‫‪‬‬ ‫‪‬‬
‫‪‬‬ ‫‪‬‬ ‫‪‬‬

‫‪185....................................................................‬‬
‫ـ قوله تعًلى‪:‬‬
‫‪187.............‬‬
‫‪‬‬ ‫ـ قوله تعًلى‪:‬‬
‫‪189..........................‬‬ ‫‪‬‬
‫ـ قوله تعًلى‪:‬‬
‫من كنوز القرآن الكريم‪ ،‬تفسير آيات من الكتاب‬ ‫‪494‬‬
‫العزيز‬

‫‪193...................................................................‬‬
‫سورة آل عمران‬
‫‪‬‬ ‫ـ قوله تعًلى‪:‬‬
‫‪195...................................‬‬ ‫‪‬‬
‫ـ قوله تعًلى‪:‬‬
‫‪‬‬
‫‪197....................................................................................‬‬
‫ـ قوله تعًلى‪:‬‬
‫‪199.........................‬‬
‫‪‬‬ ‫ـ قوله تعًلى‪:‬‬
‫‪‬‬ ‫‪‬‬
‫‪201...................................................................‬‬ ‫‪‬‬
‫ـ قوله تعًلى‪:‬‬
‫‪‬‬ ‫‪‬‬
‫‪203...................................................................‬‬
‫ـ قوله تعًلى‪:‬‬

‫‪204..........‬‬ ‫‪‬‬
‫‪‬‬ ‫ـ قوله تعًلى‪:‬‬
‫‪206..............................................................‬‬ ‫‪‬‬
‫ـ قوله تعًلى‪:‬‬
‫‪‬‬
‫‪208...........‬‬
‫‪495‬‬ ‫من كنوز القرآن الكريم‪ ،‬تفسير آيات من الكتاب‬
‫العزيز‬

‫سورة النساء‬
‫‪‬‬ ‫ـ قوله تعًلى‪:‬‬
‫‪210........................................................................................‬‬
‫ـ قوله تعًلى‪:‬‬
‫‪‬‬ ‫‪‬‬ ‫‪‬‬ ‫‪‬‬
‫‪211............................................................‬‬
‫ـ قوله تعًلى‪:‬‬

‫‪213..........‬‬ ‫‪‬‬
‫سورة المائدة‬
‫ـ قوله تعًلى‪:‬‬
‫‪‬‬ ‫‪‬‬
‫‪‬‬
‫‪214........................................................‬‬ ‫‪‬‬
‫‪‬‬ ‫ـ قوله تعًلى‪:‬‬

‫‪216..........................‬‬
‫‪‬‬ ‫ـ قوله تعًلى‪:‬‬
‫‪‬‬
‫‪‬‬ ‫‪‬‬
‫‪219...................‬‬
‫سورة النعام‬
‫من كنوز القرآن الكريم‪ ،‬تفسير آيات من الكتاب‬ ‫‪496‬‬
‫العزيز‬

‫ـ قوله تعًلى‪:‬‬

‫‪221..........................................‬‬ ‫‪‬‬

‫ـ قوله تعًلى‪:‬‬

‫‪‬‬

‫‪224.................................................................................................................‬‬

‫ـ قوله تعًلى‪:‬‬

‫‪227.‬‬

‫ـ قوله تعًلى‪:‬‬

‫‪228....................................................‬‬

‫سورة العراف‬
‫‪‬‬ ‫ـ قوله تعًلى‪:‬‬

‫‪‬‬

‫‪230.............................................................................................................‬‬

‫‪‬‬ ‫‪‬‬ ‫ـ قوله تعًلى‪:‬‬

‫‪232....................................................‬‬

‫سورة النفال‬
‫ـ قوله تعًلى‪:‬‬

‫‪234...............................‬‬
‫‪497‬‬ ‫من كنوز القرآن الكريم‪ ،‬تفسير آيات من الكتاب‬
‫العزيز‬

‫ـ قوله تعًلى‪:‬‬

‫‪235....................................................................‬‬

‫سورة التوبة‬
‫‪‬‬ ‫ـ قوله تعًلى‪:‬‬

‫‪‬‬

‫‪236.................................................................................................................‬‬

‫ـ قوله تعًلى‪:‬‬

‫‪‬‬

‫‪237....................................................‬‬ ‫‪‬‬

‫ـ قوله تعًلى‪:‬‬

‫‪‬‬ ‫‪‬‬

‫‪‬‬ ‫‪‬‬

‫‪239.................................................................................................................‬‬

‫ـ قوله تعًلى‪:‬‬

‫‪‬‬ ‫‪‬‬

‫‪240..‬‬ ‫‪‬‬ ‫‪‬‬

‫‪‬‬ ‫ـ قوله تعًلى‪:‬‬

‫‪243...........................................‬‬ ‫‪‬‬

‫سورة يونس‬
‫‪‬‬ ‫ـ قوله تعًلى‪:‬‬
‫من كنوز القرآن الكريم‪ ،‬تفسير آيات من الكتاب‬ ‫‪498‬‬
‫العزيز‬

‫‪244...............................................‬‬

‫‪‬‬ ‫ـ قوله تعًلى‪:‬‬

‫‪245..........‬‬

‫ـ قوله تعًلى‪:‬‬

‫‪‬‬

‫‪246................................................................‬‬ ‫‪‬‬

‫سورة هود‬
‫ـ قوله تعًلى‪:‬‬

‫‪247........................................................................‬‬

‫ـ قوله تعًلى‪:‬‬

‫‪248............................................................................‬‬

‫سورة يوسف‬
‫ـ قوله تعًلى‪:‬‬
‫‪‬‬
‫‪249........................................................................‬‬

‫ـ قوله تعًلى‪:‬‬
‫‪‬‬

‫‪250....................................................................‬‬
‫ـ قوله تعًلى‪:‬‬
‫‪‬‬
‫‪251.......................................................‬‬ ‫‪‬‬
‫‪499‬‬ ‫من كنوز القرآن الكريم‪ ،‬تفسير آيات من الكتاب‬
‫العزيز‬

‫ـ قوله تعًلى‪:‬‬ ‫سورة الرعد‬

‫‪252........................................................................‬‬ ‫‪‬‬
‫ـ قوله تعًلى‪:‬‬ ‫سورة إبراهيم‬

‫‪253...................................................‬‬
‫ـ قوله تعًلى‪:‬‬ ‫سورة الحجر‬

‫‪254.......................................‬‬ ‫‪‬‬ ‫‪‬‬


‫سورة النحل‬
‫ـ قوله تعًلى‪:‬‬
‫‪‬‬
‫‪256...............................................‬‬
‫ـ قوله تعًلى‪:‬‬

‫‪257..‬‬
‫سورة السراء‬
‫ـ قوله تعًلى‪:‬‬
‫‪258.‬‬ ‫‪‬‬
‫‪‬‬ ‫ـ قوله تعًلى‪:‬‬

‫‪259...................................................................‬‬
‫‪‬‬ ‫ـ قوله تعًلى‪:‬‬ ‫سورة الكهف‬
‫من كنوز القرآن الكريم‪ ،‬تفسير آيات من الكتاب‬ ‫‪500‬‬
‫العزيز‬

‫‪‬‬
‫‪259....................................................................‬‬
‫ـ قوله تعًلى‪:‬‬ ‫سورة مريم‬
‫‪260...............................................................‬‬

‫ـ قوله تعًلى‪:‬‬ ‫سورة طه‬


‫‪261................................................................................‬‬

‫ـ قوله تعًلى‪:‬‬ ‫سورة النبياء‬

‫‪262...............................................................‬‬

‫ـ قوله تعًلى‪:‬‬ ‫سورة الحج‬


‫‪263..............................................‬‬ ‫‪‬‬

‫ـ قوله تعًلى‪:‬‬ ‫سورة المؤمنون‬


‫‪‬‬ ‫‪‬‬

‫‪264.......................‬‬ ‫‪‬‬

‫ـ قوله تعًلى‪:‬‬ ‫سورة النور‬


‫‪‬‬

‫‪‬‬ ‫‪‬‬

‫‪265.......................................................‬‬

‫سور الفرقان‬
‫ـ قوله تعًلى‪:‬‬

‫‪‬‬ ‫‪‬‬
‫‪501‬‬ ‫من كنوز القرآن الكريم‪ ،‬تفسير آيات من الكتاب‬
‫العزيز‬

‫‪267...................................................................‬‬

‫ـ قوله تعًلى‪:‬‬

‫‪‬‬ ‫‪‬‬ ‫‪‬‬

‫‪267.......................................‬‬

‫ـ قوله تعًلى‪:‬‬ ‫سورة الشعراء‬


‫‪268...........................‬‬
‫ـ قوله تعًلى‪:‬‬ ‫سورة النمل‬
‫‪‬‬
‫‪269..‬‬
‫ـ قوله تعًلى‪:‬‬ ‫سورة القصص‬
‫‪270........................‬‬
‫ـ قوله تعًلى‪:‬‬ ‫سورة العنكبوت‬

‫‪272..‬‬
‫‪‬‬ ‫ـ قوله تعًلى‪:‬‬ ‫سورة الروم‬

‫‪274..............‬‬
‫تعًلى‪:‬‬ ‫قوله‬ ‫ـ‬ ‫سورة لقمان‬
‫‪‬‬
‫‪276...........................................................‬‬
‫‪‬‬ ‫ـ قوله تعًلى‪:‬‬ ‫سورة السجدة‬
‫من كنوز القرآن الكريم‪ ،‬تفسير آيات من الكتاب‬ ‫‪502‬‬
‫العزيز‬

‫‪277.‬‬
‫ـ قوله تعًلى‪:‬‬ ‫سورة الحزاب‬

‫‪‬‬
‫‪279...............................‬‬ ‫‪‬‬
‫ـ قوله تعًلى‪:‬‬ ‫سورة سبأ‬
‫‪‬‬
‫‪281...............................................................‬‬
‫ـ قوله تعًلى‪:‬‬ ‫سورة فاطر‬

‫‪‬‬
‫‪282.................................................................................................................‬‬
‫‪‬‬ ‫ـ قوله تعًلى‪:‬‬ ‫سورة يس‬

‫‪‬‬
‫‪284.................................................................................................................‬‬
‫‪‬‬ ‫ـ قوله تعًلى‪:‬‬ ‫سورة الصافات‬
‫‪285.......................‬‬

‫‪‬‬ ‫ـ قوله تعًلى‪:‬‬ ‫سورة ص‬


‫‪286.‬‬

‫ـ قوله تعًلى‪:‬‬ ‫سورة الزمر‬


‫‪‬‬

‫‪‬‬ ‫‪‬‬
‫‪503‬‬ ‫من كنوز القرآن الكريم‪ ،‬تفسير آيات من الكتاب‬
‫العزيز‬

‫‪288...........................................................‬‬ ‫‪‬‬

‫ـ قوله تعًلى‪:‬‬ ‫سورة غافر‬


‫‪‬‬

‫‪290.................................................................................................................‬‬

‫‪‬‬ ‫ـ قوله تعًلى‪:‬‬ ‫سورة فصلت‬

‫‪292...........................................‬‬ ‫‪‬‬ ‫‪‬‬

‫‪‬‬ ‫ـ قوله تعًلى‪:‬‬ ‫سورة الشورى‬

‫‪293......................‬‬ ‫‪‬‬

‫ـ قوله تعًلى‪:‬‬ ‫سورة الزخرف‬

‫‪‬‬ ‫‪‬‬

‫‪295.......................................‬‬

‫‪‬‬ ‫ـ قوله تعًلى‪:‬‬ ‫سورة الدخان‬


‫‪‬‬

‫‪296...............................................................‬‬

‫ـ قوله تعًلى‪:‬‬ ‫سورة الجاثية‬

‫‪298........................................................‬‬

‫ـ قوله تعًلى‪:‬‬ ‫سورة الحقاف‬


‫‪‬‬
‫من كنوز القرآن الكريم‪ ،‬تفسير آيات من الكتاب‬ ‫‪504‬‬
‫العزيز‬

‫‪300..‬‬ ‫‪‬‬

‫تعًلى‪:‬‬ ‫قوله‬ ‫ـ‬ ‫سورة محمد‬

‫‪‬‬

‫‪303........................................................‬‬ ‫‪‬‬

‫‪‬‬ ‫ـ قوله تعًلى‪:‬‬ ‫سورة الفتح‬


‫‪304.......................................................................................‬‬

‫تعًلى‪:‬‬ ‫قوله‬ ‫ـ‬ ‫سورة الحجرات‬


‫‪‬‬
‫‪‬‬
‫‪308......‬‬ ‫‪‬‬
‫ـ قوله تعًلى‪:‬‬ ‫سورة ق‬

‫‪310.....‬‬ ‫‪‬‬ ‫‪‬‬ ‫‪‬‬


‫ـ قوله تعًلى‪:‬‬ ‫سورة الذاريات‬

‫‪312.......................................................‬‬
‫ـ قوله تعًلى‪:‬‬ ‫سورة الطور‬
‫‪‬‬
‫‪314...................‬‬
‫ـ قوله تعًلى‪:‬‬ ‫سورة النجم‬
‫‪‬‬
‫‪315...........................‬‬ ‫‪‬‬
‫‪505‬‬ ‫من كنوز القرآن الكريم‪ ،‬تفسير آيات من الكتاب‬
‫العزيز‬

‫ـ قوله تعًلى‪:‬‬ ‫سورة الحديد‬

‫‪317.........................................................‬‬
‫ـ قوله تعًلى‪:‬‬ ‫سورة الصف‬
‫‪‬‬
‫‪320......‬‬
‫سورة المنافقون ـ قوله تعًلى‪:‬‬
‫‪‬‬ ‫‪‬‬

‫‪321..‬‬
‫وجوه ووجوه‬
‫‪‬‬ ‫‪‬‬ ‫ـ قوله تعًلى‪:‬‬ ‫سورة القيامة‬
‫‪323........................................................................‬‬
‫‪‬‬ ‫‪‬‬ ‫ـ قوله تعًلى‪:‬‬ ‫سورة عبس‬
‫‪325....................................................................‬‬ ‫‪‬‬
‫‪‬‬ ‫تعًلى‪:‬‬ ‫قوله‬ ‫ـ‬ ‫سورة الغاشية‬
‫‪326...............................‬‬ ‫‪‬‬

‫ـ قوله تعًلى‪:‬‬ ‫سورة الضحى‬


‫‪328.......................................‬‬
‫الكافرون‪331.........................................................................................‬‬ ‫سورة‬
‫الخلص ‪333........................................................................................‬‬ ‫سورة‬
‫الفلق ‪335..............................................................................................‬‬ ‫سورة‬
‫الناس ‪337.............................................................................................‬‬ ‫سورة‬
‫من كنوز القرآن الكريم‪ ،‬تفسير آيات من الكتاب‬ ‫‪506‬‬
‫العزيز‬

‫***‬
‫‪507‬‬ ‫من كنوز القرآن الكريم‪ ،‬تفسير آيات من الكتاب‬
‫العزيز‬

‫محتويات ألمجلد ألول‬

‫مقدمة ‪5...........................................................................................‬‬
‫نبذة عن المؤلف ‪6..............................................................................‬‬
‫أسمًء الكتب والرسًئل ‪9......................................................................‬‬
‫كتًب آيًت متشًبهًت اللفًظ في القرآن الكريم وكيف التمييز بيَهً ‪13................‬‬
‫كتًب من كَوز القرآن الكريم‪ ،‬تفسير آيًت من الكتًب العزيز ‪145.......................‬‬
‫فهرس كتًب من كَوز القرآن الكريم ‪339.....................................................‬‬

You might also like