Professional Documents
Culture Documents
اول اعدادي
اول اعدادي
المرحلة الثانوية
1
مقرر سيرة 311
الدرس األول
متطلبات عصر اإلمام علي (ع)
()1
وإن كان النبي (ص) قد خلف في أمته علياً والقرآن فإنما جمع بينهما ليكون القرآن تفسيراً لمعاني
علي العظيم ،ولتكون معاني علي أنموذجا لِمُثٌل القرآن الكريمc.
وإن كان اهلل تعالى قد جعل علياً نفس رسول اهلل (ص) في آية المباهلة فألجل أن يفهم المسلمون أنه
امتداد طبيعي لمحمد (ص) وشعاع متألق من روحه العظيمة.
2
مقرر سيرة 311
وإن كان النبي (ص) قد خرج من مكة مهاجراً خائفاً على نفسه وخلف علياً على فراشه ليموت بدالً
عنه ،فمعنى ذلك أن المبدأ المقدس هو الذي كان يرسم للعظيمين خطوط حياتهما ،وإذ كان البد
للقضية اإللهية من شخص تظهر به وآخر يموت في سبيلها ،فيلزم أن يبقى رجلها األول لتحيى به،
ويقدم رجلها الثاني نفسه قرباناً لتحيى به أيضاً.
وإن كان علي هو الذي أباحت له السماء خاصة النوم في المسجد والدخول فيه جنباً فمفهوم هذا
اإلختصاص إن معانيه معنى المسجد ألن المسجد رمز السماء الصامت في دنيا المادة وعلي هو الرمز
اإللهي الحي في دنيا الروح والعقيدة.
وإن كانت السماء قد امتدحت فتوة علي وأعلنت عن رضاها عليه إذ قال المنادي :ال سيف إال ذو الفقار
وال فتى إال علي ،فإنها عنت بذلك أن فتوة علي وحدها هي الرجولة الكاملة التي ال يرتفع إلى مداها
إنسان وال ترقى إلى افقها بطولة األبطال وإخالص المخلصين.
ومن مهزلة األقدار أن هذه الفتوة التي قدسها الهاتف اإللهي كانت عيباً في رأي مشايخ السقيفة
ونقصاً في علي ويؤاخذ عليه وينزل به عن الصديق الذي لم يكن يمتاز عليه إال بسنين cقضاها كافراً
مشركاً .وأنا ال أدري كيف صار االزدواج ببين الجاهلية واإلسالم في حياة شخصٍ واحدٍ مجداً
يمتاز به عن من خلصت حياته كلها هلل ؟!
ولئن ظهرت للناس في البحوث الجديدة القوة الطبيعية التي تجعل األجسام الدائرة حول المحور
تسير على خط معين ،فلقد ظهرت في علي قبل مئات السنين cقوة مثلها ولكنها ليست من حقائق
الفيزياء،بل cمن قوى السماء وهي التي جعلت من علي مناعة طبيعية لإلسالم حفظت له مقامه األعلى
ما دام اإلمام حياً ،ومحورا تدور عليه الحياة اإلسالمية لتستمد منه روحانيتها وثقافتها وروحها
وجوهرها سواء أكان على رأس الحكم أوالً.
وقد عملت هذه القوة عملها السحري في عمر نفسه،فجذبته إلى خطوطها المستقيمة مراراً حتى قال:
لوال علي لهلك عمر ،وظهر تأثيرها الجبار في التفاف المسلمين حوله في اليوم الذي أسندت فيه
مقدرات الخالفة إلى عامة المسلمين ،ذلك اإللتفاف الفذ الذي يقل مثيله في تأريخ الشعوب.
ونعرف من هذا أن علياً-بما جهزته السماء به من تلك القوة ،-كان ضرورة من ضرورات اإلسالم
التي البد منها وشمساً يدور عليها الفلك اإلسالمي بعد النبي(ص) بحسب طبيعته التي ال يمكن أن
تقاوم حتى التجأ الفاروق إلى مسيرتها كما عرفت.
وتجلى لدينا أيضاً أن االنقالب الفجائي في السياسة الحاكمة لم يكن ممكناً يومئذٍ ألنه -مع كونه
طفرة -يناقص تلك القوة الطبيعية المركزة في شخصية اإلمام علي (ع) ،فكان من الطبيعي أن تسير
السياسة الحاكمة في خط منحنٍ حتى تبلغ النقطة التي وصل إليها الحكم األموي ،تفادياً من تأثير
تلك القوة الساهرة على االعتدال واالنتظام كما ينحني السائق بسيارته عندما ينحرف بها إلى نقطة
معاكسة تحذراً من القوة الطبيعية التي تفرض االعتدال في السيرc.
وهذا الفصل الرائع من عظمة اإلمام يستحق دراسة وافية ومستقلة لكشف شخصية علي المعارض
للحكم والساهر على قضية اإلسالم والموفق بين حماية القوة الحاكمة من االنحراف وبين معارضتها
في نفس الوقت.
وإن كانت مواقف اإلمام كلها رائعة فموقفه من الخالفة بعد رسول اهلل (ص) من أكثرها روعة.
وإن كانت العقيدة اإللهية تريد في كل زمان بطال يفتديها بنفسه ،فهي تريد أيضاً بطالً يتقبل
القربان ويعزز به المبدأ ،وهذا هو الذي بعث بعلي إلى فراش الموت وبالنبي (ص) إلى مدينة النجاة
يوم الهجرة األغر .ولم يكن ليتهيأ اإلمام في محنته بعد وفاة أخيه أن يقدم لها كال البطلين ،ألنه لو
3
مقرر سيرة 311
ضحى بنفسه في سبيل توجيه الخالفة إلى مجراها الشرعي في رأيه لما بقي بعده من يمسك الخيط
من طرفيه ،وولدا رسول اهلل (ص) ]سبطاه[ طفالن ال يتهيأ لهما من األمر ما يريد.
وقف علي عند مفترق طريقين كل منهما حرج وكل منهما شديد على نفسه:
(أحدهما) :أن يعلن الثورة المسلحة على خالفة أبي بكر.
(واآلخر) :أن يسكت وفي العين قذى ،وفي الحلق شجا.
ولكن ماذا كان يترقب للثورة من نتائج؟ هذا ما نريد أن نتبينه على ضوء الظروف التأريخية لتلك
الساعة العصيبة.
إن الحاكمين لم يكونوا ينزلون عن مراكزهم بأدنى معارضة وهم من عرفناهم حماسة وشدة في
أمر الخالفة .ومعنى هذا أنهم سيقابلون ويدافعون cعن سلطانهم الجديد ،ومن المعقول جداً حينئذٍ أن
يغتنم سعد بن عبادة الفرصة ليعلنها حرباً أخرى في سبيل أهوائه السياسية ،ألننا نعلم أنه هدد الحزب
المنتصر بالثورة عندما طلب منه البيعة وقال ( :ال و اهلل حتى أرميكم بما في كنانتي وأخضب سنان
رمحي وأضرب بسيفي وأقاتلكم بأهل بيتي ومن أطاعني ولو اجتمع معكم اإلنس والجن ما بايعتكم)).
وأكبر الظن أنه تهيب اإلقدام على الثورة ولم يجرأ على أن يكون أول شاهر للسيف ضد الخالفة
القائمة ،وإنما اكتفى بالتهديد الشديد الذي كان بمثابة إعالن الحرب ،وأخذ يترقب تضعضع
األوضاع ليشهر سيفه بين السيوف ،فكان حرياً به أن تثور حماسته ويزول cتهيبه ويضعف cالحزب
القائم في نظره إذا رأى صوتاً قوياً يجهر بالثورة فيعيدها جذعة ويحاول إجالء المهاجرين من
المدينة بالسيف cكما أعلن ذلك المتكلم عن لسانه في مجلس السقيفة.
وال ننسى بعد ذلك األمويين وتكتلهم السياسي في سبيل الجاه والسلطان ،وما كان لهم من نفوذ في
مكة في سنواتها الجاهلية األخيرة ،فقد كان أبو سفيان زعيمها في مقاومة اإلسالم والحكومة النبوية،
وكان عتاب بن أسيد بن أبي العاص بن أمية أميرها المطاع في تلك الساعة.
وإذا تأملنا ما جاء في تأريخ تلك األيام من أن رسول اهلل (ص) لما توفي ووصل cخبره إلى مكة
وعامله عليها عتاب بن أسيد بن أبي العاص بن أمية استخفى عتاب وارتجت المدينة وكاد أهلها
يرتدون c،فقد ال نقتنع بما يعلل به رجوعهم عن االرتداد من العقيدة واإليمان.
وليس مرد ذلك التراجع إلى أنهم رأوا في فوز أبي بكر فوزهم وانتصارهم على أهل المدينة كما
ذهب عليه بعض الباحثين ،ألن خالفة أبي بكر كانت في اليوم الذي توفي فيه رسول اهلل (ص) وأكبر
الظن أن خبر الخالفة جاءهم مع خبر الوفاة.
بل تعليل القضية أن األمير األموي عتاب بن أسيد شاء أن يعرف اللون السياسي الذي اتخذته أسرته في
تلك الساعة ،فاستخفى وأشاع بذلك االضطراب حتى إذا عرف أن أبا سفيان قد رضي بعد سخط
وانتهى مع الحاكمين إلى نتائج في صالح البيت ألموي ظهر مرة أخرى للناس وأعاد األمور إلى
مجاريها.
وعليه فالصلة السياسية بين رجاالت األمويين كانت قائمة في ذلك الحين.
وهذا التقدير يفسر لنا القوة التي تكمن وراء أقوال أبي سفيان حينما كان ساخطاً على أبي بكر
وأصحابه ،إذ قال :إني ألرى عجاجة ال يطفيها إال الدم ،وقال عن علي والعباس :أما والذي نفسي بيده
ألرفعن لهما من أعضادهما.
فاألمويّون قد كانوا متأهبين للثورة و االنقالب ،وقد عرف عليٌ منهم ذلك بوضوح حينما عرضوا
عليه أن يتزعم المعارضة و لكنه عرف أنهم ليسوا من الناس الذين يعتمد على تأييدهم ،وإنما يريدون
الوصول إلى أغراضهم عن طريقه ،فرفض طلبهم ،وكان من المنتظر حينئذ أن يشقّوا عصا الطاعة
4
مقرر سيرة 311
إذا رأوا األحزاب المسلحة تتناحر ،و لم يطمئنوا إلى قدرة الحاكمين على ضمان مصالحهم ،و معنى
انشقاقهم حينئذ إظهارهم للخروج عن الدين وفصل مكة عن المدينة.
وإذن فقد كانت الثورة العلوية في تلك الظروف إعالناً لمعارضة دموية تتبعها معارضات دموية ذات
أهواء شتى ،وكان فيها تهيئة لظرف قد يغتنمه المشاغبون ثم المنافقون ،ولم تكن ظروف المحنة
تسمح لعلي بأن يرفع صوته وحده في وجه الحكم القائم ،بل لو فعل ذلك ألنتج ما يلي:
.1لتناحرت ثورات شتى ،وتقاتلت مذاهب متعددة األهداف واألغراض ،و يضيع بذلك الكيان اإلسالمي
في اللحظة الحرجة التي يجب أن يلتف فيها المسلمون حول قيادة موحدة ،ويركزوا cقواهم لصد ما
كان يترقب أن تتمخض عنه الظروف الدقيقة من فتن وثورات.
إن علياً الذي كان على أتم استعداد لتقديم نفسه قرباناً للمبدأ في جميع أدوار حياته منذ أن وُلد في
البيت اإللهي و إلى أن قتل فيه ،قد ضحى بمقامه الطبيعي ومنصبه اإللهي في سبيل المصالح العليا
التي جعله رسول اهلل (ص) وصياً عليها وحارساً لها.
.2ولفقدت بذلك الرسالة المحمدية الكبرى بعض معناها؛ فإن رسول اهلل (ص) لمّا أمره ربه بتبليغ
دعوته و اإلنذار برسالته جمع بني عبدالمطلب و أعلن عن نبوته بقوله( :إني واهلل ما أعلم شاباً في
العرب جاء قومه بأفضل مما قد جئتكم به) .وعن إمامة أخيه بقوله ( :إن هذا أخي و وصيي و
خليفتي فيكم فاسمعوا له و أطيعوا) .و معنى ذلك أن إمامة علي تكملة طبيعية لنبوة محمد (ص)
وأن الرسالة السماوية قد أعلنت عن نبوة محمد الكبير (ص) و إمامة محمد الصغير في وقت واحد.
إن علياً الذي رباه رسول اهلل (ص) وربى اإلسالم معه -فكانا ولديه العزيزينc-كان يشعر بأخوته لهذا
اإلسالم ,و قد دفعه هذا الشعور إلى افتداء أخيه بكل شيء حتى أنه اشترك في حروب الردة التي أعلنها
المسلمون يومذاك ،ولم يمنعه تزعم غيره لها عن القيام بالواجب المقدس؛ ألن أبابكر إن كان قد
ابتزه حقه ونهب تراثه ،فاإلسالم قد رفعه إلى القمة وعرف له أخوته الصادقة وسجلها بأحرف من
نور على صفحات الكتاب الكريم.
وصمد اإلمام على ترك الثورة ولكن ماذا يفعل؟ وأي أسلوب يتخذه لموقفه؟ هل يحتج على الفئة
الحاكمة بنصوص النبي (ص) وكلماته التي أعلنت أن علياً هو القطب المعد ألن يدور عليه الفلك
اإلسالمي والزعيم الذي قدمته السماء على أهل األرض ؟؟
تردد هذا السؤال في نفسه كثيراً ثم وضع له الجواب الذي تعينه ظروف محتنه وتلزمه به طبيعة
األوضاع القائمة،فسكت عن النص إلى حين.
الخالصة ..
لقد كان موقف اإلمام علي (ع) من بيعة السقيفة بعد رفضها وعدم االقتناع بها هو السعي أوالً
إلرجاع األمة إلى الطريق الصحيح ورفع اليد عن البيعة الالمشروعة التي فرضها منطق السقيفة على
المهاجرين و األنصار ثم كان موقفه رسالياً بتمام معنى الكلمة بعد أن الحظ أن الظروف السياسية
ال تسمح بتمزق الكيان اإلسالمي .ومن هنا فصبر وفي العين قذى وفي الحلق شجا ،و ترك الثورة
المسلحة منتهجاً الحلول السلمية البعيدة المدى .و بهذا أعلن للمسلمين مرة بعد أخرى أنه الزال
بطل العقيدة وقربان الرسالة كما كان في عصر الرسول(ص).
المناقشة
5
مقرر سيرة 311
ما هي النصوص التي تفصح عن موقف اإلمام علي (ع) من انحراف السقيفة؟ س:1
ما هي نظرة اإلمام علي (ع) إلى الحكم والسلطة بشكل عام؟ س:2
هل تنازل اإلمام علي (ع) عن حقه في الخالفة؟ ولماذا؟ س:3
ما هي المحاوالت التي قام بها اإلمام (ع) إلرجاع األمة إلى رشدها؟ س:4
لماذا لم ينتهج اإلمام (ع) طريق الثورة المسلحة ضد الحزب المتآمر؟ س:5
ما هو الدليل على رسالية موقف اإلمام (ع) من بيعة السقيفة؟ س:6
لماذا لم يستغل cاإلمام قدرة أبي سفيان التي عرضها عليه؟ س:7
6
مقرر سيرة 311
الدرس الثاني
متطلبات عصر اإلمام علي (ع)
()2
وقد ال يجد الحق صوتاً قوياً يرتفع به في قبال ذلك اإلنكار؛ ألن كثيراً من قريش -وفي مقدمتهم
األمويون-كانوا طامحين إلى مجد السلطان ونعيم الملك ،وهم يرون في تقديم الخليفة على أساس
من النص النبوي تسجيالً لمذهب اإلمامة اإللهية .ومتى تقررت هذه النظرية في عرف الحكم
اإلسالمي كان معناها حصر الخالفة في بني هاشم آل محمد األكرمين وخروج غيرهم من المعركة
خاسراً.
وقد نلمح هذا اللون من التفكير في قول عمر البن عباس معلالً إقصاء علي عن األمر( :إن قومكم
كرهوا أن يجمعوا لكم الخالفة والنبوة) فقد يدلنا هذا على أن إسناد األمر إلى علي في بداية األمر
كان معناه في الذهنية العامة حصر الخالفة في الهاشميين ،وليس لذلك تفسير أولى من أن المفهوم
لجمهرة من الناس يومئذٍ من الخالفة العلوية تقرير شكل ثابت للخالفة يستمد شرعيته من نصوص
السماء ال من انتخاب المنتخبين .فعلي إن وجد نصيراً من علية قريش يشجعه على مقاومة
الحاكمين ،فإنه ال يجد منهم عضداً في مسألة النص إذا تقدم إلى الناس يحدثهم أن رسول اهلل (ص)
قد سجل الخالفة ألهل بيته حين قال :إني مخلف فيكم الثقلين :كتاب اهلل ،وعترتي أهل بيتي.
صحيح مسلم/ج.4
وأما األنصار فقد سبقوا جميع المسلمين إلى االستخفاف بتلك النصوص ،واالستهانة بها ،إذ حدت بهم
الشراهة إلى الحكم إلى عقد مؤتمر في سقيفة بني ساعدة ليصفقوا على يد واحد منهم .فلن يجد علي
فيهم –إذا استدل بالنصوص النبوية-جنوداً للقضية العادلة وشهوداً عليها ،ألنهم إذا شهدوا على ذلك
يسجلون على أنفسهم تناقضاً فاضحاً في يوم واحد وهذا ما يأبونه على أنفسهم بطبيعة الحال.
7
مقرر سيرة 311
وليس في مبايعة األوس ألبي بكر أو قول من قال :ال نبايع إال علياً مناقضة كتلك المناقضة؛ ألن
المفهوم البديهي من تشكيل cمؤتمر السقيفة أن مسألة الخالفة مسألة انتخاب ال نص ،فليس إلى
التراجع عن هذا الرأي في يوم إعالنه من سبيل.
وأما اعتراف المهاجرين باألمر فال حرج فيه ألن األنصار لم يجتمعوا على رأي واحد في السقيفة
وإنما كانوا يتذاكرون ويتشاورون ،ولذا نرى الحُباب بن المنذر يحاول بث الحماسة في نفوسهم
واالستمالة بهم إلى رأيه بما جلجل به في ذلك االجتماع من كالم وهو يوضح أنهم جُمعوا لتأييد
فكرة لم يكن يؤمن بها إال بعضهم.
وإذن فقد كان اإلمام يقدر أنه سوف يدفع الحزب الحاكم إلى إنكار النصوص واالستبسال في هذا
اإلنكار إذا جاهر بها وال يقف إلى جانبه حينئذٍ صف ينتصر له في دعواه؛ ألن الناس بين من قادهم
الهوى السياسي إلى إنكار عملي للنص يسد عليهم مجال التراجع بعد ساعات ،وبين من يرى أن فكرة
النص تجعل من الخالفة وقفاً على بني هاشم ال ينازعهم فيها منازع .وإذا سجلت الجماعة الحاكمة
وأنصارها إنكاراً للنص واكتفى الباقون بالسكوت في األقل فمعنى هذا أن النص يفقد قيمته الواقعية
وتضيع بذلك مستمسكات اإلمامة العلوية كلها ويؤمن العالم اإلسالمي –الذي كان بعيداً عن مدينة
النبي (ص) -على إنكار المنكرين cألنه منطق القوة الغالب في ذلك الزمان.
.2إن علياً لو ظفر بجماعة توافقه على دعواه ،وتشهد له بالنصوص النبوية المقدسة ،وتعارض إنكار
الفئة الحاكمة ،كان معنى ذلك أن ترفض هذه الجماعة خالفة أبي بكر وتتعرض لهجوم شديد من
الحاكمين ينتهي بها إلى االشتراك في حرب مع الحزب الحاكم المتحمس لكيانه السياسي إلى حد
بعيد؛ فإنه ال يسكت عن هذا اللون من المعارضة الخطرة .فمجاهرة علي بالنص كانت تجره إلى
المقابلة العملية ،وقد عرفنا سابقاً أنه لم يكن مستعداً إلعالن الثورة على الوضع القائم واالشتراك
مع السلطات المهيمنة في قتال.
.3ولم يكن لالحتجاج بالنص أثر واضح من أن تتخذ السياسة الحاكمة احتياطاتها وأساليبها الدقيقة
لمحو األحاديث النبوية من الذهنية اإلسالمية؛ ألنها تعرف حينئذ أن فيها قوة خطر على الخالفة
القائمة ومادة خصبه لثورة المعارضين في كل حين.
إن عمر لو التفت إلى ما تنبه إليه األمويون –بعد أن احتج اإلمام بالنصوص في أيام خالفته ،واشتهرت
بين شيعته،-من خطرها الستطاع أن يقطعها من أصولها ،ويقوم بما لم يقدر األمويون عليه من إطفاء
نورها .وكان اعتراض اإلمام بالنص في تلك الساعة ينبهه إلى ما يجب أن ينتهجه من أسلوب فأشفق
على النصوص المقدسة أن تلعب بها السياسة وسكت عنها على مضض ،واستغل بذلك خصومه ،حتى إن
عمر نفسه صرح بأن علياً هو ولي كل مؤمن ومؤمنة بنص النبي (ص).
.4ثم ألم يكن من المعقول أن يخشى اإلمام على كرامة حبيبه وأخيه رسول اهلل (ص) أن تنتقض
وهي أغلى عنده من كل نفيس –إذا جاهر بنصوص النبي (ص) -وهو لم ينس موقف الفاروق من
رسول اهلل (ص) حين طلب دواة ليكتب كتاباً ال يضل الناس بعده أبداً ،فقال عمر( :إن النبي ليهجر
أو قد غلب عليه الوجع) .وقد اعترف فيما بعد البن عباس أن رسول اهلل (ص) كان يريد أن يعين
علياً للخالفة وقد صده عن ذلك خوفاً من الفتنة؟
8
مقرر سيرة 311
وسواء أكان رسول اهلل (ص) يريد أن يحرر حق علي في الخالفة أو ال ،فإن المهم أن نتأمل موقف
عمر من طلبه ،فهو إذا كان مستعداً التهام النبي (ص) وجهاً لوجه بما ينزهه عنه نص القرآن،
وضرورة اإلسالم ،خوفاً من الفتنة ،فما الذي يمنعه عن اتهام آخر له بعد وفاته مهما تلطفنا من
تقديره؟ cفال يقل عن دعوى أن رسول اهلل (ص) لم يصدر عن أمر اهلل في موضوع الخالفة ،وإنما
استخلف علياً بوحي من عاطفته ،بل كان هذا أولى من تلك المعارضة ألن الفتنة التي تقوم بدعوى
على النص أشد مما كان يترقبه عمر من اضطراب فيما إذا كان النبي (ص) قد خلف نصاً تحريرياً
بإمامة علي يعلمه الجميع.
وإذا كان رسول اهلل (ص) قد ترك التصريح بخالفة علي في ساعته األخيرة لقول قاله عمر ،فإن
المفهوم منه أن يترك الوصي االحتجاج بالنصوص خوفاً من قولٍ قد يقوله.
ونتيجة هذا البحث أن سكوت أمير المؤمنين عن النص إلى حين ،كان يفرضه عليه:
)1أنه لم يكن يجد في رجاالت تلك الساعة من يطمئن إلى شهادته بذلك.
)2أن االعتراض بالنصوص كان من الحري به أن يلفت أنظار الحاكمين إلى قيمتها المادية،
فيستعملوا شتى األساليب لخنقها.
)3أن معنى االعتراض بها التهيؤ للثورة بأوسع معانيها ،وهذا ما لم يكن يريده اإلمام عليه السالم.
)4أن اتهام النبي (ص) في آخر ساعاته عرف علياً بمقدار تفاني الحاكمين في سبيل مراكزهم،
ومدى استعدادهم لتأييدها والدفاع عنها وجعله يخاف من تكرر شيء من ذلك فيما إذا أعلن عن
نصوص إمامته.
إذن انتهى اإلمام إلى قرار حاسم ،وهو ترك الثورة وعدم التسلح بالنصوص في وجه الحاكمين جهاراً
وعالنية إال إذا اطمأن إلى قدرته على تجنيد الرأي العام ضد أبي بكر وصاحبيه ،وهذا ما أخذ يحاوله
علي في محنته آنذاك.
فبدأ عليه السالم يطوف سِراً على زعماء المسلمين ورجاالت المدينة ،يعظهم ويذكرهم cببراهين
الحق وآياته ،وإلى جانبه قرينته تعزز موقفه وتشاركه في جهاده السري ،ولم يكن يقصد بذلك
التطواف إنشاء حزب يتهيأ له القتال به ألننا نعرف أن علياً كان له حزب من األنصار هتف باسمه،
وحاول االلتفاف حوله وإنما أراد أن يمهد بتلك المقابالت إلجماع الناس عليه.
وهنا تجيء مسألة فدك لتحتل الصدارة في السياسة العلوية الجديدة ،فإن الدور الفاطمي الذي رسم
هارون النبوة خطوطه بإتقان ،كان متفقاً مع ذلك التطواف الليلي في فلسفته ،وجديراً بأن يقلب
الموقف على الخليفة وينهي خالفة الصديق كما تنتهي القصة التمثيلية ال كما يقوض حكم مركز
القوة والعدة.
وكان الدور الفاطمي يتلخص في أن تطالب الصديقة أبابكر بما انتزعه منها من أموال ،وتجعل هذه
المطالبة وسيلة للمناقشة في المسألة األساسية وأعني بها مسألة الخالفة وإفهام الناس بأن اللحظة
التي عدلوا فيها عن علي (ع) إلى أبي بكر كانت لحظة هوس وشذوذ ،وأنهم بذلك أخطأوا وخالفوا
كتاب ربهم ووردوا غير شربهم.
9
مقرر سيرة 311
وممارسة دور الراعي القيم لشؤون الرسالة تقتضي أن يتولى اإلمام المعصوم أعلى السلطات في
الدولة ،ولكن بعد وفاة الرسول (ص) كما الحظنا قد استبدلت بالسلطة عناصر غير مؤهلة لفهم
وصيانة الرسالة وفي ظرف حرج جداً ،ولم يكن ذلك ليمنع اإلمام (ع) عن ممارسة دوره الرسالي،
ولكن طبيعة الصراع كانت تقتضي أن يعمل اإلمام علي (ع) على محورين في محاولة منه إلصالح
االنحراف الطارئ في األمة والمحافظة على أسس بنائها وكيانها ،وهما:
المحور األول :السعي الستالم مقاليد الحكم وزمام التجربة اإلسالمية الرائدة والنهوض باألمة
باتجاه األهداف اإللهية المرسومة لها ،وقد عمل اإلمام (ع) على هذا المحور بعد وفاة النبي (ص)
مباشرة ،كما عبر عن مسؤوليته تجاه هذا األمر بقوله (ص)( :لوال حضور الحاضر وقيام الحجة
بوجود الناصر وما أخذ اهلل على العلماء أن ال يقارّوا على كظّة ظالم وال سغب مظلوم أللقيت حبلها
على غاربها) .نهج البالغة/الخطبة الشقشقية.
وكثف اإلمام (ع) جهوده لتعبئة األمة باتجاه استقرار القيادة المشروعة في محلها الالئق بها عبر
التوعية الالزمة .ومن هنا تطلب األمر إرجاء المطالبة العاجلة باستالم زمام الحكم حتى يتم توفر
الظروف الموضوعية الكافية لذلك.
إن عدم إمكان استالم اإلمام لزمام الحكم في تلك الفترة الحرجة كان يعود إلى أسباب شتى منها:
.1عدم وعي األمة لرزية يوم السقيفة وما جرى فيها من مؤامرات سياسية وتوجهات خاطئة كانت
خافية على شريحة كبيرة منها.
.2عدم فهم دور ومسؤولية اإلمام وموقع اإلمامة الراشدة ،فقد تصوروه مطلباً شخصياً وهدفاً
فردياً ،حينما كان يكاشفهم اإلمام بأحقيته بمنصب الحكم ومباشرة السلطة.
ولكن الحقيقة أن دخول اإلمام في مواجهة الحاكمين كان بوعي رسالي وإرادة صادقة الستمرار
حركة الرسالة اإلسالمية نقية كما شرعها اهلل بعيدة عن الزيغ واالنحراف ،ومضحياً بكل شيء من
أجل ذلك الهدف اإللهي الكبير حتى لو كان ذلك مستلزماً لغض الطرف عن حقه الشخصي،
فالمقياس عند علي (ع) هو سالمة الرسالة وديمومة حركتها على أسس الحق والعدل اإللهي وهو
القائل( :اعرف الحق تعرف أهله) وقد قال رسول اهلل (ص)( :علي مع الحق والحق مع علي).
كما أن اإلمام علياً (ع) عمل بشمولية وعلى جميع المستويات ساعياً للتوفيق بين النظرية والتطبيق،
فربى أصحابه على أنهم أصحاب األهداف الرسالية ال أصحاب األشخاص والمطامع الذين يميلون مع
هذا الطرف أو ذاك ،كما نالحظ أيضاً أن اإلمام قد رفض أن يستلم الحكم بشرط أن يسير cبسيرة من
قبله ،إذ كانت سيرتهم تتقاطع مع سالمة الرسالة والمجتمع الرسالي.
.3إن الرواسب الجاهلية المتأصلة في فكر األمة ،كانت تعيق األمة من فهم عمق الرسالة وعظمة
الرسول ودور اإلمام من بعده ،من هنا فإنهم كانوا يتصورون أن عهد النبي (ص) بالوصاية لإلمام
علي (ع) إنما هو مجرد ترشيح ألحد أعضاء أسرته ،وأنه قد يهدف إلى إحياء أمجاد أسرة متطلعة
للمجد والسلطان كما هو دأب عامة الحكام.
.4وال نغفل عن دور المنافقين في زعزعة االستقرار األمني والتقدم االجتماعي ،والسعي إلثارة
النوازع واألحقاد بين المسلمين ،وتغلغلهم في صفوف الجهاز الحاكم بعد الرسول (ص).
.5انّ المتصدين للزعامة ،كانوا يعانون من الشعور بالنقص تجاه اإلمام علي (ع) حيث كان اإلمام
(ع) يمثل تحدياً صارخاً لهم بوجوده ،وبصدقه وجهاده ،بصراحته ،وباستبساله وبشبابه .كما ورد
في كتاب معاوية لمحمد بن أبي بكر.
10
مقرر سيرة 311
المحور الثاني :تحصين األمة ضد االنهيار التام وإعطاؤها القدر الكافي من المقومات كي تتمكن من
البقاء صامدة في مواجهة المحنة بعد استيالء فئة غير كفوءة على السلطة والوقوع في الخط
التنازلي بسبب االبتعاد عن جادة الحق والصواب.
فاجتهد اإلمام (ع) في تعميق الرسالة فكرياً وروحياً وسياسياً في صفوف أبناء األمة .وحاول تقديم
الوجه المشرق للرسالة اإلسالمية عبر أساليب عديدة منها:
.1التدخل االيجابي لتوجيه الزعامة المنحرفة بعد أن كانت ال تحسن معالجة كثير من القضايا
البسيطة فضالً عن المعقدة .وإيضاح المسار الصحيح ،فكان دور اإلمام (ع) دور الرقيب الرسالي الذي
يتدخل كلما لزم ذلك.
.2كما أن اإلمام (ع) كان يتصدى للرد على شبهات المنحرفين cبعد اتضاح عجز المتصدين
للزعامة.
.3تقديم المثل األعلى لإلسالم والصورة الناصعة للحكم اإلسالمي والمجتمع الرسالي ،وقد ظهر هذا
واضحاً في عهد الحكم العلوي ،ومن هنا كان قبول اإلمام للحكم بعد أن رفضه ،وقد مارس اإلمام دور
القائد المحنك والحاكم العادل إذ كان اإلنسان النموذجي الذي صاغته الرسالة اإلسالمية فكان أسوة
مثلى يحتذى بها لبلوغ أهداف الرسالة اإلسالمية وهو المعصوم عن الخطأ والزلل والدنس في الفكر
والعقيدة والعملc.
.4تربية ثلة صالحة من المسلمين تُعين اإلمام في حركته اإلصالحية والتغييرية ،وذلك عبر
تحركها في وسط األمة إلنضاج أفكارها وتوسيع قاعدة الفئة الواعية والصالحة ،لتستمر األمة في
مسيرها التكاملي عبر األجيال.
.5إحياء سنة رسول اهلل بالحث على تداولها وتدوينها واإلهتمام بالقرآن تالوة وحفظاً وتفسيراً
وتدويناً c،إذ أنهما عماد الشريعة ،فالبد أن تتفهم األمة حقائق القرآن الكريم ومفاهيم السنة الشريفة.
الخالصة ..
لم يحتجّ اإلمام علي (ع) بالنصوص –بعد أن ترك خيار الثورة المسلحة-ألن االحتجاج بها كان
يؤدي إلى ضياعها وضياع سنة الرسول (ص) وعدم تأثيرها في الطامعين في السلطة الحريصين
عليها.
ومن هنا آثر اإلمام (ع) أن يوظف قضية مصادرة فدك ويعتمد على ابنة الرسول (ص) لالحتجاج
وتهيئة األرضية المناسبة للدخول في حوار واحتجاج جديد عسى أن يوقظ المسلمين ويردع الحزب
المتآمر عن التمادي في طريق الضالل.
وأما تخطيط اإلمام (ع) لمواجهة صدمة االنحراف فكان يتلخص في:
التخطيط الستالم زمام الحكم ولو بعد فترة يقضي فيها على جملة من عوامل االنحراف من .1
خالل التوعية والتثقيف ومواجهة اآلثار السلبية لهذا االنحراف بشكل محسوس.
والعمل على تخطيط بعيد المدى يحصن األمة ضد التنازل عن شخصيتها وهويتها ويعطيها .2
القدرة على مواجهة التحديات الطارئة.
المناقشة
11
مقرر سيرة 311
س :1هل كان االحتجاج بالنصوص مفيداً لردع الحزب المتآمر على اإلمام (ع)؟ ولماذا؟
س :2ما هي األضرار السلبية التي كان يتركها االحتجاج بنصوص اإلمامة لمستقبل خط اإلمامة؟
س :3كيف وظف اإلمام (ع) قضية فدك لالحتجاج على المتآمرين عليه؟
س :4ما هي النتائج التي تركتها مواقف الزهراء (ع) من أبي بكر وعمر واألنصار؟
س :5ما هو التخطيط الذي قام به اإلمام (ع) إليقاظ األمة المسلمة بالنسبة لفداحة االنحراف
السياسي الذي حصل بعد الرسول (ص)؟
س :6ما هو تخطيط اإلمام (ع) لتحصين األمة ضد االنهيار الكامل؟
12
مقرر سيرة 311
الدرس الثالث
متطلبات عصر اإلمام علي (ع)
()3
و نقل السيوطي عن ابن حجر أنه قال :وقد ورد عن علي (ع) أنه جمع القرآن على ترتيب نزوله بعد
وفاة الرسول ،وذكر أيضاً أن محمد بن سيرين cكان يقول :لو أصبت ذلك الكتاب كان فيه العلم.
والظاهر أن اإلمام لم يكتف بجمع اآليات القرآنية بل أشار إلى عامه وخاصه ومطلقه ومقيده
ومحكمه ومتشابهه وناسخه ومنسوخه وعزائمه ورخصه وسنته وآدابه كما أشار أيضاً إلى أسباب
النزول وأملى ستين نوعاً من أنواع علوم القرآن وذكر لكل نوعٍ مثاالً يخصه .راجع بحار األنوار/ج
92و.93
وبعد أن أكمل جمع القرآن أتى به يحمله على جمل فقال :هذا القرآن قد جمعته .تأريخ اليعقوبي/ج
.2
ثم توجه (ع) إلى عمل آخر ال يقل خطورة عن األول وهو جمع ما دونه من أحكام في كتاب واحد
سمي بالجامعة أو كتاب علي.
والجامعة كما عرفتها نصوص أهل البيت (ع) كتاب طوله سبعون ذراعاً من إمالء رسول اهلل (ص)
وخط علي مكتوب على الجلد المسمى بالرق ويبدو أن إضافة الجلود بعضها إلى البعض اآلخر كونت
منه جلداً واحداً طوله سبعون ذراعاً وقد احتوت هذه الجامعة على جميع األحكام حتى أرش الخدش.
أعيان الشيعة/ج.1
13
مقرر سيرة 311
وإذا عرفنا أن أئمة أهل البيت كانوا يتوارثون هذا الكتاب ويعتمدونه كمصدر أساسي في األحكام
الشرعية؛ أدركنا أهمية العمل الذي قام به أمير المؤمنين علي ابن أبي طالب (ع) في تدوين وجمع
األحكام الشرعية بإمالء من رسول اهلل (ص) الذي لم ينطق عن الهوى ،ولوال هذا العمل الجبار
الندرست األحكام الشرعية التي تعتبر تفسيراً لما أشار إليه القرآن الكريمc.
14
مقرر سيرة 311
وزجره قائالً له :إنك واهلل ما أردت بهذا إال الفتنة .الطبري/ج.2
وواصل أبوسفيان استثارته لبني هاشم فكان يمرُّ على البيت الذي فيه علي وجمعٌ من بني هاشم ومن
صحابته فكان يُردِّد cهذه األبيات:
والســــيما تـيــــم بــــن مـــرة أو عــــدي بني هاشم ال تُطمعوا الناس فيكم
ولــــيـس لها إال أبـــو حـســــن فـمـــا األمــر إال فــيـكــم وإلـيـكــمُ
عـــــــــلي
فـــــإنك بـــاألمـــر الــذي يُـرتجى معي أبــا حـسـن فـأشـدد بـها كف حازم
منيع الحمى والناس من غالب قصي وأي امـــرئ يــرمــي قــــصيـاً ورأيـهــا
فقال له اإلمام علي (ع) :إنك تُريد أمراً لسناً من أصحابه ،وقد عهد إلي رسول اهلل عهداً فأنا عليه.
شرح نهج البالغة/ج.2
وعندما يئس أبوسفيان من علي أدار بوجهه نحو العباس بن عبدالمطلب فقال له :يا أبا الفضل أنت
أحق بميراث ابن أخيك أمدد يدك ألبايعك فال يختلف عليك الناس بعد بيعتي إياك فضحك العباس
وقال :يا أبا سفيان يدفعها علي ويطلبها العباس فرجع أبوسفيان خائباً.
وقد وقعت حوادث كثيرة في تلك الفترة كشفت بوضوح عن عظمة الموقف الذي وقفه اإلمام علي
(ع) حيث آثر المصلحة العامة وجعلها فوق كل شيء .فقد هبّ عتبة بن أبي لهب ليشارك بقصائده
في المعركة السياسية إلى جانب اإلمام علي (ع).
وأخذ يستثير العواطف مُحَرِّضاً المسلمين للدفاع عن حق اإلمام علي (ع).
عن هاشم ثم منها عـن أبي حســن ما كنت أحسب أن األمر منصرفٌ
ألـيـس أول مـــن صـــلى لــقــبــلـتكم وأعــلـم الــنـاس بــالـقـرآن والـسـنـن
جبريل عون له في الغسل cوالكفنِ وأقــرب الـنـاس عــهداً بــالـنـبي ومـن
15
مقرر سيرة 311
وليس في القوم ما فيه من الحسن مــا فـيـهم فـــيـهـم ال يــمــتــرون بـــــه
هــا إن ذا غُـبـنـنا مـن أعــظم الغبنِ مــاذا الـــذي ردّهـــم عــنــه فــنـعلـمــه
فبعث اإلمام (ع) إلى عتبة بن أبي لهب فنهاه وأمره أال يعود وقال :سالمة الدين أحب إلينا من غيره.
وعندما انفجرت المعركة اإلعالمية بين األنصار والمهاجرين وكادت أن تنتهي إلى حرب أهلية ال
يعرف عواقبها إال أصحاب الوعي هنا يسارع اإلمام ويُبادر إلطفاء نار الفتنة وليدافع عن األنصار
الذين هم القوة الضاربة في الدولة اإلسالمية فجاء إلى المسجد واجتمع حوله جمعٌ كثير من
قُريش فقال مخاطباً الجمع:
يا معشر قريش إن حب األنصار إيمان وبغضهم نفاقٌ وقد قضوا ما عليهم وبقي ما عليكم واذكروا أن
اهلل رغب لنبيكم عن مكة فنقله إلى المدينة وكره له قريشاً فنقله إلى األنصار ثم قدِمنا عليهم
دارهم فقاسمونا األموال وكفونا العمل فصرنا منهم بين بذل الغنى وإيثار الفقير ثم حاربنا الناس
فوقونا بأنفسهم وقد أنزل اهلل تعالى فيهم آية من القرآن جمع لهم فيها بين خمس نعم فقال( :الذين
تبوأوا الدار واإليمان من قبلهم يُحبون من هاجَرَ إليهم وال يجدون في صدورهم حاجةٌ مما أوتوا
ويؤثرون cعلى أنفسهم ولو كان بهم خصاصة ومن يوق شحَّ نفسه فأولئك هم المفلحون).الحشر/
،9أال وإن عمرو بن العاص قد قام مقاماً آذى فيه الميت والحي ،ساء به الواتر وسر به الموتور
فاستحق من المستمع الجواب ومن الغائب المقت وإنه من أحب اهلل ورسوله أحب األنصار فليكفف
عمرو عنا نفسه .شرح نهج البالغة/ج.6
واعتبر اإلمام الهجوم على األنصار بمثابة الهجوم على الرسالة وبالتالي فهو أمر يعنيه وكأنه هو
المقصود بهذا الهجوم .وكان لكلمة اإلمام هذه أثر كبير في األوساط حيث انتشر صداها بين
المسلمين وسارع البعض إلى عمرو بن العاص ليقول له:
أيها الرجل أما إذا غضب علي فاكفف ،فاضطر عمرو بن العاص على أثر رد اإلمام على محاولته
اليائسة في تفجير الصراع بين المهاجرين واألنصار ،إلى ترك المدينة فخرج عنها حتى رضي عنه
علي والمهاجرون.
وهكذا ،كان علي بن أبي طالب العين الحارسة والحريصة على وحدة المسلمين ...فعلي (ع) يدرك
أهمية الوحدة وأنها كانت رمز قوة المسلمين وانتصارهم .فإذا انفرط هذا الصف الذي كان متماسكاً
على عهد النبي (ص) انكسر المسلمون سيما أن األعداء قد ازدادوا واتسعت دائرة المواجهة هذه المرة
لتشمل المرتدين المنحرفين cعن الدين وكلهم عيونٌ مفتوحة بحثاً عن أية ثغرة تنفعهم
فيستغلونها.
ومرة أخرى يأتي اإلمام ليدافع عن األنصار المستهدفين في المؤامرة ...وقف في المسجد وخطب
قائالً:
يا معشر قُريش! cإن اهلل جعل األنصار أنصاراً فأثنى عليهم في الكتاب فال خير فيكم بعدهم إنه اليزال
سفيه من سفهاء قُريش cوَتَرَهُ اإلسالم دفعه عن الحق وأطفأ شرفه وفضل غيره عليه يقوم مقاماً
فاحشاً فيذكر األنصار فاتقوا اهلل وارعوا حقهم فواهلل لو زالوا لزلتُ معهم ألن رسول اهلل قال لهم:
أزول معكم حيثما زُلتم فقال المسلمون جميعاً :رحمك اهلل يا أبا الحسن قُلت قوالً صادقاً .شرح
نهج البالغة.
16
مقرر سيرة 311
وظل اإلمام يذود cعن األنصار في كل موقع وموقف فقد اعتبر أي هجوم يُشن على األنصار كأنه
هجوم موجه إلى اإلسالم ألنهم يشكلون القوة البشرية واالقتصادية والقدرة العسكرية في الكيان
اإلسالمي.
لقد تمكن اإلمام (ع) أن يحقق من خالل مواجهته لهذه الفتنة ما يلي:
.1أوجد رأياً عاماً معادياً للتمزق والفرقة.
.2أعاد االعتبار لألنصار بشكل يحقق التوازن السياسي في المجتمع اإلسالمي بينهم وبين
المهاجرين.
.3فضح النوايا الشريرة cالتي كان يُبيتها مثيروا الفتن والمشاكل.
.4وكان باستطاعة اإلمام أن يستغل هذه األجواء ويُثيرها cحرباً شعواء ضد الخليفة ومن يقف
إلى جانبه من أصحاب الزعامات القرشية لكنه (ع) لم يفعل ذلك حفاظاً على وحدة المسلمين
وكيان اإلسالم .فلم يكن يُريد أن يتصيد في الماء العكر لو كان في المطالبة بحق ثابت ومشروعc
وهذه منقبة أخرى من مناقب اإلمام في عمله السياسي في عهد الخليفة األولc.
.4إسداء النصيحة والمشورة للخلفاءK
وقف اإلمام علي بروحٍ مغمورة باإليجابية إزاء الخلفاء بالرغم من ابتزازهم لحقه .وقد أوصلت هذه
الروح العظيمة اإلمام علي (ع) إلى قلوب الخلفاء حتى كان عمر بن الخطاب يقول :يا أبا الحسن ال
أبقاني اهلل لشدة لست لها ،وال لبلية لست فيها.
أما الموارد التي شاور فيها الخلفاء علياً (ع) فهي كثيرة منها:
.1في خالفة أبي بكر حين أراد المسلمون غزو الروم فشاور أبوبكر جماعة من أصحاب الرسول
(ص) فرفض بعضهم الفكرة ثم إنه شاور علي بن أبي طالب فأشار إليه بأن يفعل وأخبره بنتيجة
المعركة قائالً:
إن فعلت ظفرت .فقال أبوبكر :بشرت بخير ...فاطمأن الخليفة من تحقق النصر للمسلمين من
كالم أمير المؤمنين فقام في الناس خطيباً وأمرهم أن يتجهزوا إلى الروم .تأريخ اليعقوبي/ج.2
.2عندما أراد عمر بن الخطاب غزو الفرس جمع قادة الجيش مع كبار الصحابة الذين كانوا يمثلون
مجلساً عسكرياً مهمته إسداء المشورة في األمور الحربية وكان من رأي عمر أن يتجهز ويذهب
بجيشٍ من المسلمين ويستقر بين الكوفة والشام ومن هناك تبدأ عملياته الحربية ضد الفرس.
فقام كل واحد من القادة العسكريين وأعطى رأيه وجلس ثم قام عثمان وطلب من عمر أن يكتب إلى
أهل الشام فيسيروا cمن شامهم وإلى أهل اليمن فيسيروا من يمنهم ثم يسير cعمر بجيش من أهل
الحرمين إلى الكوفة والبصرة.
وجاء الدور إلى اإلمام علي فلم يُحبذ خروج أهل الشام ألنهم محاطون باألعداء وهم الروم وليس من
السليم أيضاً خروج أهل اليمن ألنهم محاطون بأعداء كامنين لهم في بالد الحبشة .ولم يحبذ خروج
أهل الحرمين إلى الحرب ألن العرب القابعين في األطراف يستغلون غياب القوة العسكرية فيفعلون ما
يريدون.
وكان مقترح اإلمام أن يستقر أهل األمصار في أماكن سكناهم ويُكتب إلى أهل البصرة فينقسموا إلى
ثالث فرق ،فرقة في حُرمهم وذراريهم ،وفرقة في أهل عهدهم حتى ال ينتفضوا ثم تسير فرقة إلى
إخوانهم بالكوفة مَدَداً لهم فقال عمر هذا هو الرأي .الكامل في التاريخ.
17
مقرر سيرة 311
.3أراد الخليفة عمر أن يضع تأريخاً للمسلمين c،فكان من رأيه أن يُكتب من والدة رسول اهلل ثم قال
من المبعث فشاور اإلمام علياً (ع) ،فكان رأيه أن تكون بداية السنة من هجرة النبي محمد (ص) وقد
أورد ابن األثير أن كتابة التأريخ جاءت بمشورة من علي بن أبي طالب .تأريخ اليعقوبي/ج.2
.4شاور الخليفة عمر بن الخطاب أصحاب رسول اهلل في سواد الكوفة ،فقال له بعضهم :نقسمها بيننا
فشاور علياً فقال:
إن قسمتها اليوم لم يكن لمن يجيء بعدنا شيء ولكن تقرها في أيديهم يعملونها .فتكون لنا ولمن
بعدنا ،فقال :وفقك اهلل هذا الرأي .تاريخ اليعقوبي/ج.2
وبهذا الرأي وضع اإلمام للخليفة عمر معالم السياسة االقتصادية للدولة اإلسالمية .فهذه السياسة
تقوم على ثالثة مبادئ:
األول :إلغاء ملكية األرض الصالحة للزراعة التي تم االستيالء عليها.
فأرض السواد كانت أرضاً زراعية تُضيف للثروة االقتصادية موارد جديدة بشرط أن ال تُستملك.
الثاني :تعزيز السياسة اإلنتاجية بوضع هذه األراضي الصالحة للزراعة في أيدي من يستطيع
استثمارها .فهي في حوزته بشرط االستثمار.
الثالث :وضع خطة إنتاجية بعيدة المدى تستطيع أن توفر السعادة والرخاء لألجيال القادمة خالفاً
القتراح بعض الصحابة بتقسيم أرض السواد.
.5بعد أن تم توزيع الغنائم التي غنمها المسلمون من معركة القادسية بقي بساط كبير طوله ستون
ذراعاً وعرضهُ ستون ذراعاً كانت أكاسرة الفُرس تستخدمه في الشتاء حيث يتخيلون أنهم في
أحدى الرياض ،إذ أُقيم فوق البساط تماثيل للحيوانات والنباتات وشق فوقه األنهار من فصوص
كالدرر ،وكانت العرب تُسميه القطيف ،فطلب عُمر رأي الصحابة بهذا القطيف فمنهم من رأى
تفويض األمر إلى الخليفة ليرى رأيه ،ومنهم من كان رأيه أن يكون ملكاً للخليفة ...
أما علي (ع) فقال :لم يجعل اهلل علمك جهالً ويقينك شكاً ،إنه ليس لك من الدنيا إال ما أعطيت
فأمضيت أو لبست فأبليت أو أقلت فأفنيت وإنك إن تُبقه على هذا اليوم لم تعدم في غدٍ من يستحق
به ما ليس له.
فقال الخليفة عمر :صدقتني ونصحتني فقطّعهُ بينهم .الكامل في التاريخ/ج.2
.6واشتهر أن امرأة قد زنت وشهد عليها أربعة شهداء عدول فأجمعوا على رجمها فلما ذهبوا
ليرجموها ،مر بهم اإلمام علي (ع) فقال:
ما شأن هذه؟! قالوا :مجنونة بني (فالن) زنت فأُمِر بها أن تُرجم.
فانتزعها علي (ع) من أيديهم وردها إلى مأمنها فجاؤوا إلى عمر فاستغرب من عودتهم فقال ما
ردكم قالوا :ردنا علي.
فقال عمر :ما فعل أبو الحسن هذا إال لشيء قد علمه فجاء اإلمام علي فسأله الخليفة ما بالك قد
رددت هؤالء فقال (ع):
أما سمعت قول رسول اهلل (ص) ،رفع القلم عن ثالث :عن المجنون حتى يبرأ وعن النائم حتى
يستيقظ وعن الصبي حتى يعقل فما بال هذه تُرجم؟
حينذاك جعل عمر يُكبر ويقول :لوال علي لهلك عُمر.
18
مقرر سيرة 311
فاهلل اهلل في نفسك فإنك واهلل ما تُبصَّرُ من عمى وال تُعلَّم من جهالة وأن الطريق لواضح بينٌ
وأن أعالم الدين لقائمة فاعلم أن أفضل عباد اهلل عند اهلل إمام عادل هُدى ،فأقام سنة معلومة ،وأمات
بدعة متروكة ،فواهلل إن كال لبيّن وإن السنن كثيرةٌ لها أعالمٌ ،وإن البدع لقائمة لها أعالم ،وإن
شر الناس عند اهلل إمام جائر ضل وأضلَّ c،فأمات سنة وأحيا بدعة متروكة ،وإني أحذرك اهلل سطواته
ونقماته فإن عذابه شديد أليم وأحذرك أن تكون إمام هذه األمة ،الذي يُقتل فيفتح عليها القتل
والقتال إلى يوم القيامة ويلبس أمورها عليها ويتركها شيعاً ال يبصرون الحق لعلو الباطل يموجون
فيها موجاً ويمرجون فيها مرجاً.
فقال الخليفة عثمان :قد علمت واهلل ليقولن الذي قُلت .الكامل في التاريخ/ج.3
ولو عمل الخليفة عثمان بنصيحة اإلمام لما جرى عليه الذي جرى ،ولما تألبت عليه األمصار ولما لقي
ذلك المصير الدامي الذي حذره اإلمام من وقوعه.
كان اإلمام ال يُفتي بشيء إال عن اطالعٍ عميق وبعد في النظر ،وكان الخلفاء ينظرون إليه كأفضل
مشاور لهم.
لم يجد الخلفاء أفضل من علي في المشورة فهو الذي جرّب الناس وعرف مداخل األمور ومخارجها
فوجوده إلى جوار رسول اهلل خالل ثالثة وعشرين cعاماً من تبليغ الرسالة منحته الخبرة واالطالع
الواسع في إدارة الدولة والمجتمع ،وكان وجوده بالقرب من مركز القرار واستعداده الدائم إلسداء
النصح ثروة ال تعوض بأي ثمن ،كما وأن اإلمام -ومن فرط حِرصِه على سالمة الكيان اإلسالمي-لم
يدخر رأياً أو فكرة إال وقدمها للخلفاء عندما وجد عندهم االستعداد الكافي لسماع آرائه والعمل بها.
إن عشر مراجعات للخليفة األول إلى اإلمام علي (ع) وتسعين مراجعة للخليفة الثاني وعشر مراجعات
للخليفة الثالث ،إليه بالرغم من أن اإلمام (ع) لم يتول منصب القضاء رسمياً في عهد الخلفاء تفيدنا
الحقائق التالية:
إن اإلمام (ع) كان يساهم في حفظ عناصر قوة الكيان اإلسالمي. .1
كما أنه كان ال يأنف من تقديم الخدمات الممكنة للدولة اإلسالمية بالرغم من إبعاده عن .2
منصب القيادة والخالفة.
وتشير هذه الحوادث وسواها إلى شدة مراقبة اإلمام (ع) لألوضاع القائمة والحوادث الجارية .3
في الدولة اإلسالمية حتى أنه كان يؤكد لهم أنه األمين على الرسالة والكيان واألمة اإلسالمية.
ومن هنا فإننا بالرغم من االعتراف بوجود دور للخلفاء في صياغة مجموعة من أحداث التأريخ ،ولكن
الموجه غير المباشر لمجريات األمور باتجاه صيانة األمة والرسالة والكيان اإلسالمي من تزايد
االنحراف واشتداده كان هو اإلمام علي بن أبي طالب عليه السالم بالرغم من أن كثيراً من منافسي
اإلمام (ع) كانوا ال يريدون cأن يكون له أي دور في الحياة اإلسالمية.
وسوف نالحظ أن اإلمام (ع) كيف استطاع أن يؤجل المطالبة بالحكم إلى ظرفٍ مالئم بعد أن خلق
رأياً عاماً حول جدارته للحكم مما أدى إلى انثيال الناس عليه بعد مقتل عثمان واإلصرار على
المبايعة معه على استالم زمام الخالفة وإعادة األمور إلى نصابها من جديد.
الخالصة ..
إن أهم إنجازات اإلمام (ع) بعد االنحراف السياسي الحاصل عقيب وفاة الرسول (ص) وإبعاده عن
مركز القيادة تتلخص فيما يلي:
19
مقرر سيرة 311
صيانة الشريعة اإلسالمية ومصادرها من أيدي العابثين. .1
صيانة الكيان اإلسالمي من التصدع واالنهيار. .2
صيانة األمة اإلسالمية بتحصينها ضد التحديات المقبلة. .3
السعي إلقامة حكم إسالمي مشروع وسليم من التناقضات واالنحرافات. .4
وكانت لإلمام (ع) مراقبة مستمرة للجهاز الحاكم وتدخالت إيجابية للحد من االنحراف.
ولم يترك اإلمام (ع) إسداء النصح للخلفاء إذا تطلبت المصلحة اإلسالمية ذلك.
المناقشة
ما هي إنجازات اإلمام (ع) لصيانة الشريعة ومصادرها خالل عهد الخلفاء؟ س:1
ما هي الخطوات التي قام بها اإلمام (ع) لصيانة األمة اإلسالمية من الضياع؟ س:2
ما هي أهم إنجازات اإلمام (ع) في مجال صيانة الكيان اإلسالمي من التفكك؟ س:3
ما هي أهم موارد إسداء النصح للخلفاء؟ س:4
ما هو دور اإلمام (ع) للمحافظة على وحدة الصف بين المهاجرين واألنصار؟ س:5
ما هي األعمال اإليجابية التي قام بها اإلمام (ع) خالل عهد الخلفاء؟ س:6
لماذا كان اإلمام يراقب األوضاع السياسية واالجتماعية والدينية باستمرار؟ س:7
هل استطاع اإلمام (ع) أن يخلق رأياً عاماً حول خالفته هو (ع)؟ وكيف؟ س:8
20
مقرر سيرة 311
الدرس الرابع
مالمح عصر اإلمام الحسن (ع)
فاستطاع أن يكون جيشاً مطيعاً مستسلماً ،عن طريق الخداع والتضليل وشراء الضمائر بأموال
المسلمين ،وكان يوجهه توجيهاً خاصاً عن طريق الوعّاظ والرواة المتملقين ،وكان معزوالً عن
بقية األمصار ،فال يعرف غير معاوية وبيت أبي سفيان ،وال يعرف من اإلسالم إال ما يوجهه به معاوية،
من حيث تأريخ اإلسالم ،وتأريخ رجاله ،فكان الناس يفهمون أن معاوية خال المؤمنين c،وموضع ثقة
الخلفاء السابقين ،وابن عم الخليفة عثمان ،إضافة إلى ما نسبه وعّاظ السالطين إليه من فضائل بعد
غياب الوعي وعدم االختالط ببقية األمصار.
وتربص معاوية بعثمان حتى قتل ،فلم ينصره في حياته ،وإنما استغل مقتله للتمرد على خالفة علي
أمير المؤمنين (ع) ،ومن ثم اإلستقالل الكامل بالشام بعد حرب صفين.
فكان أهل الشام مستسلمين له وحده ،ومنقادين لقيادة واحدة ،وليس له في الشام من ينافسه على
الحكم واإلمرة.
ومما ساعد على تقوية كيان األمويين هو عدم تأمير أحد من بني هاشم في عهد أبي بكر وعمر
وعثمان .النزاع والتخاصم/ص.84
21
مقرر سيرة 311
شخصية معاوية
أسلم معاوية بعد فتح مكة بعد أن اشترك في مواجهات مسلحة مع رسول اهلل (ص) طيلة العهد المكي
والمدني ،لذا لم يكن إسالمه انقياداً حقيقياً هلل ولرسوله ،ولم يتفاعل مع مفاهيم اإلسالم وقيمه
فكرياً وعاطفياً وسلوكياً ،مع كل هذا التأريخ القاتم فقد مارس شتى األسالييب غير المشروعة
لتثبيت حكمه وتقوية كيانه ،كحاكم مسلم وكان منها:
تزوير األحاديث المتضمنة بيان فضله وفضل أهل الشام. .1
اختالق األحاديث التي تشوه سمعة اإلمام علي أمير المؤمنين (ع) وأهل البيت (ع). .2
انفاق األموال في شراء الضمائر ،وتوسيع القاعدة الشعبية له. .3
استغالل المفاهيم العامة للتمويه على األمة. .4
حكمه برأيه دون الرجوع إلى الكتاب والسنة. .5
واستطاع من خالل هذه التصرفات أن يجعل نفسه شخصية مقدسة في نفوس اهل الشام ،وقد تمرن
على المناورة السياسية لعدم تقيده بالشريعة c،وكان مستعداً للدخول في أي معركة متوقعة أو
مفاجأة ،ألن أوامره نافذة في جيشه ،فال يوجد له منافس في أهل الشام ،ليقوم بتثبيط الناس أو صرف
والئهم عنه.
وفي بداية خالفته (ع) تمرد ثالثة ممن اشتهر بالصحبة مع رسول اهلل (ص) وهم عائشة وطلحة
والزبير ،ولم ينته تمردهم إال بمقتل جماعة من الطرفين ،إضافة إلى عدد كبير من الجرحى
والمعوقين.
واستثمر معاوية ظروف حرب الجمل وظروف مقتل عثمان ،فحارب أمير المؤمنين (ع) وانتهت
المعركة بمجموعة كبيرة من القتلى ،من ضمنهم كبار الشخصيات الموالية ألهل البيت (ع).
وأفرزت المعركة ظاهرة االنشقاق في جيش أمير المؤمنين (ع) حيث تمردت عليه جماعة عرفت
فيما بعد بالخوارج وقاموا بخلق البلبلة واالضطراب في داخل قوات اإلمام (ع).
وكان معاوية يشن الغارات المتوالية على أطراف دولته (ع) ،ويقوم بقتل كل موالٍ له واالستيالء
على ممتلكاته.
ولم تسمح الظروف ألمير المؤمنين (ع) كي يبني دولته وجيشه بناءً عقائدياً وسلوكياً.
وكان أغلب المكيين وأهل البصرة ال يدينون بالوالء له.
وإضافة إلى كل ذلك أن المنخرطين في جيشه لم ينخرطوا والءً له ،وإنما تابعوه ألنه على رأس
دولة ،فهم تبع ألي حاكم؛ ال يفرقون بين أمير المؤمنين (ع) وبين غيره من الحكام ،وقد يكون
أقصى تقييمهم أنه (ع) أفضل من معاوية فقط.
22
مقرر سيرة 311
ولم تستمر خالفته سوى أربع سنين حتى اغتالته أيدي المتآمرين ،للحيلولة دون أن يقوم بإكمال
المسيرة التي تحتاج إلى زمن طويل في بناء دولة وكيان ،وتأسيس جيش عقائدي متماسك.
وقد لعبت األهواء والشهوات والمنافع الذاتية دوراً كبيراً في تبدل النوايا عما كانت عليه من قبل،
وقد وصف اإلمام الحسن (ع) هذه الظاهر قائالً( :كنتم في مسيركم إلى صفين ودينكم أمام
دنياكم ،وأصبحتم اليوم ودنياكم أمام دينكم) c.الكامل في التأريخ/ج.3
فحينما يصبح أمر الدنيا مقدماً على أمر الدين وحاكماً عليه؛ فإنه يغير من معادلة الصراع ومعادلة
الموقف ،ويصبح المقاتل تبعاً لمصالحه الذاتية التي تغير من والئه ومواقفه العملية.
فلم تبق إال القلة المخلصة في والئها لإلمام الحسن (ع) ولنهجه السليم كحجر بن عدي وقيس بن
سعد وآخرين ،حيث إن معركة صفين قد أدت إلى فقدان الكثير منهم ،إضافة إلى قيام معاوية بقتل
اآلخرين منهم كمحمد بن أبي بكر ومالك األشتر.
وأفرز تعدد الوالءات وتعدد اآلراء إضافة إلى تقديم الدنيا على الدين الظواهر السلبية التالية:
عدم اإلخالص في القتال. .1
ضعف القدرة على الثبات والصمود إلى آخر المعركة. .2
عدم االنقياد للقيادة الصالحة والتعاطف مع معاوية. .3
االستعداد الفعلي للغدر والخيانة. .4
التأثر باإلشاعات والحرب النفسية. .5
وقد تحقق ذلك بالفعل بااللتحاق بجيش معاوية ،واالستعداد لتسليم اإلمام (ع) إليه ،إضافة إلى
محاوالت اغتياله (ع).
23
مقرر سيرة 311
مستعد الستخدام تلك الوسائل واألساليب غير المشروعة كالخداع والتضليل وشراء الضمائر
بأموال المسلمين وإنفاقها على جماعة خاصة كرؤساء القبائل وقادة الجيش ،فاإلمام (ع) مقيد بقيود
شرعية حاكمة على جميع ممارساته ومواقفه .وليس cهدفه البقاء في السلطة اآلنية ،وإنما هو جزء
من حركة إصالحية تنظر إلى الحاضر من زاوية المستقبل ،لكي تبقى المفاهيم والقيم اإلسالمية هي
الحاكمة على أفكار المسلمين وعواطفهم وممارساتهم العملية على طول الحركة التأريخية لهم.
وكان (ع) حريصاً على المصلحة اإلسالمية الكبرى ،ومصلحة الجماعة الصالحة ،وهي المصالح
الحاكمة على جميع مواقفه ،فقد وجد (ع) أنه ال يستطيع -حسب الظروف القائمة-أن يحسم الموقف
لصالح الوجود اإلسالمي ،وال يستطيع القضاء على رأس الفتنة التي كان يقودها معاوية ،فأصبح أمام
خيارين هما :االستمرار في معركة خاسرة تؤدي إلى إضعاف الكيان اإلسالمي ككل أمام التحديات
الخارجية أو الميل إلى الصلح وحقن الدماء ،والمحافظة على الوجود اإلسالمي ثم ممارسة اإلصالح
من الداخل.
وفي غير ذلك فالمعركة إما أن تؤدي إلى استيالء معاوية على الحكم دون قيد أو شرط بعد مقتل
اإلمام الحسن (ع) وأهل بيته (ع) والخيرة من أصحابه ،وإما أن تؤدي إلى قيام دولتين إحداهما في
الكوفة وأخرى في الشام وتبقى كل واحدة منهما في حالة صراع دائم ،وتنشغل عن مواجهة األعداء
الخارجيين ،وبالتالي إلى إنهاء الوجود والكيان اإلسالمي الذي جاهد الرسول (ص) وخيرة صحابته
وأهل بيته من أجل بنائه.
فاختار (ع) الصلح على االستمرار في المعركة ،مقيداً بشروط فيها مصلحة الكيان اإلسالمي وكيان
الجماعة الصالحة التي تضمن للشريعة بقاءها واستمرار حياتها.
الخالصة ..
oلكي تكون صورة صلح اإلمام الحسن (ع) واضحة في األذهان ،البد من اإلحاطة بظروف الحدث
الذي دخل مرحلة التنفيذ على الرغم من اعتراض مجموعة من المسلمين عليه .فقد كان الصلح
نتيجة تصرف معاوية المعتدي ومن يحيطون cبه ،إذ وجدوا في هذا الصلح مبرّراً الستقرار الحكم
األموي في البالد اإلسالمية.
oومن خالل سياسة الخداع التي مارسها معاوية استطاع أن يكون جيشاً مطيعاً له عن طريق شراء
الضمائر الميتة التي ال تعي موقفاً وال يملك أصحابها إرادة وال صنع قرارٍ .وقد أدى الوعاظ
والرواة المتملقون السائرون في ركاب السياسة األموية دوراً خطيراً في تثبيت دعائم هذا
النظام ،األمر الذي استطاع من خالله معاوية أن يستبد في السلطة وأن يسلط سيف جوره
واستبداده على رقاب األمة .فكان الوعاظ يروجون أن معاوية خال المؤمنين ،وموضع ثقة الخلفاء
السابقين ،وابن عم الخليفة عثمان وأنه كان كاتب وحي رسول اهلل (ص).
oولم تكن عودة الحكم إلى أهله فترة حكم اإلمام علي (ع) كافية ،لألمة التي أغرتها السياسة
األموية بأالعيبها الخبيثة لمعرفة األمة دينها .فما برحت حتى فاجأها القدر باستشهاد اإلمام علي
(ع) ،واضطراب األمور بعد ذلك .فقد غابت شرعية الخالفة عن الساحة،وحجبت القيادة الحقة
عن النور،وكان المنافقون يساندون الحكم األموي لتحقيق مآربهم.
oولم يكن جيش اإلمام الحسن (ع) ،موحداً في أفكاره ووالئه ،بل كان خليطاً من والءات متعددة،
وقد لعبت المنافع الذاتية دوراً منحرفاً في تمزيق الصف وتثبيط العزائم .فوجد اإلمام (ع)
نفسه أمام مرحلة شاقة من الصراعات السياسية والعسكرية واالقتصادية ،وتحيط بها النزاعات
والمطامع ،ولكنه بحكمته وإيمانه وبثقته بنفسه ،وصبره استطاع فضح مؤامرات األعداء.
24
مقرر سيرة 311
oوكان هدفه جزء من حركة إصالحية تنظر من زاوية المستقبل لكي تبقى المفاهيم والقيم
اإلسالمية هي المهيمنة على ذهنية وأفكار المسلمين ،وعواطفهم وممارساتهم العملية على طول
خط الحركة الفكرية والتأريخية لهم .فاختار الصلح على القتال بشروط cأعطت ثمارها ،في
المستقبل القريب والبعيد معاً.
المناقشة
ما هي الظروف التي استثمرها معاوية لبناء كيانه؟ س:1
ما هي العوامل التي شجعت معاوية للتفكير في الوصول إلى الحكم؟ س:2
ما هي العوامل التي أدت إلى تفرد معاوية في سلطته على الشام؟ س:3
ما هي األسباب التي أعاقت أمير المؤمنين (ع) عن بناء دولته وجيشه بناءً محكماً؟ س:4
ما هي مظاهر التعددية في جيش اإلمام الحسن (ع)؟ س:5
ما هي أهم الظواهر السلبية التي اتصف بها جيش اإلمام الحسن (ع)؟ س:6
ما هي أهم الفوارق بين جيش اإلمام الحسن (ع) وجيش معاوية؟ س:7
ما هي النتائج المتوقعة في حالة استمرار اإلمام الحسن (ع) في القتال؟ س:8
25
مقرر سيرة 311
الدرس الخامس
متطلبات عصر اإلمام الحسن (ع)
()1
أوالً :إن معاوية أحكم خطته وأظهر نفسه بمظهر المسالم المحب للصلح ،وحقن الدماء ،وإعادة األلفة
بين المسلمين ،وأراد أن يُلصق باإلمام الحسن (ع) رغبته في القتال وإراقة الدماء ،وقد استطاع أن
يُدخل في عقول المسلمين هذه المغالطات ،فلو لم يستجب اإلمام الحسن (ع) للصلح لكان مخطط
معاوية سيجد له قبوالً ورواجاً ،وسيلقي المسلمون بالالئمة على اإلمام (ع) وينسبون cإليه حبه
للقتال وإراقة الدماء.
ثانياً :إن الظروف التي كانت تحيط باإلمام الحسن (ع) لم تكن في صالحه ،فإن استمرار القتال
سيؤدي إلى قتله من قِبَل عمالء معاوية المندسين في جيشه ،وسيتنصل رؤساء بعض العشائر أو قادة
الجيش ،وفي جميع التقادير سيكون معاوية هو الغالب ،كما ورد ذلك في قول اإلمام (ع) :يزعمون
أنهم لي شيعة ،ابتغوا قتلي وانتهبوا ثِقْلي وأخذوا مالي .واهلل لئن أخذ من معاوية عهداً أحقن به دمي
وآمن به في أهلي خير من أن يقتلوني ،فيضيع أهل بيتي وأهلي .واهلل لو قاتلت معاوية؛ ألخذوا بعنقي
حتى يدفعوني إليه سِلماً ،فواهلل لئن أسالمه وأنا عزيز خير من أن يقتلني وأنا أسيره c،أو يمن علي
فتكون سُبة على بني هاشم إلى آخر الدهر .بحار األنوار/ج.44
ثالثاً :إن تضحية اإلمام الحسن (ع) ستكون بال صدى ،وذلك لقدرة معاوية على احتواء آثارها
وتشويه أهدافها ،وما دام كثير من المسلمين ال يعي طبيعة الصراع ،ويسمع اإلشاعات المستمرة بأن
اإلمام الحسن (ع) كان يقاتل من أجل السلطة ،أو بدوافع قبلية موروثة في الصراع بين بني هاشم
وبني أمية.
رابعاً :إن التضحية ستؤدي إلى القضاء على اإلمامين الحسن والحسين( cع) وبقية بني هاشم،
والصفوة الخيرة الصالحة من أتباع أهل البيت (ع) ،وبالتالي ستخلو الساحة لمعاوية وأنصاره دون
معارضين ودون cغيورين ومصلحين ،وخلو الساحة يشجع معاوية وأتباعه على قلب المفاهيم
اإلسالمية ،وتغيير cالقيم ،وإعادة الجاهلية بلباس إسالمي من جديد.
26
مقرر سيرة 311
وتكفي هذه األسباب ولئال يستمر اإلمام (ع) في القتال المؤدي إلى القضاء على رموز المنهج
اإلسالمي ،وإلى تسلط معاوية على رقاب المسلمين دون قيدٍ أو شرط ،ودون رادع أو معارض ،فلم
يبق له خيار إال الصلح الذي اضطر إليه تحت ضغط الظروف واألوضاع cالتي عرفناها بالتفصيل.
وتتلخص األسباب التي فرضت الصلح على اإلمام (ع) فيما يلي:
أوالً :عدم رغبة جيشه في القتال.
ثانياً :التواطؤ مع معاوية من قبل الكثير من القادة والجنود.
ثالثاً :الخيانات الفعلية المتكررة ،والمتمثلة بااللتحاق بمعاوية ،أو الفرار من المعسكرات.
رابعاً :شيوع البلبلة واالضطراب في صفوف القادة والجنود.
خامساً :عدم اإلخالص للقيادة الشرعية.
وقد عبر اإلمام (ع) عن األسباب التي أجبرته على القبول بالصلح في كثير من أقواله ،كما ركز
(ع) على قلة األنصار الذين ينهض بهم للقتال ،فقال (ع) :واهلل ما سلمت األمر إليه إال أني لم أجد
أنصاراً ،ولو وجدت أنصاراً لقاتلته ليلي ونهاري .بحار األنوار/ج.44
وقال (ع) في موقف آخر :وقد خذلتني األمة وبايعتك يا ابن حرب ،ولو وجدت عليك أعواناً
يخلصون ما بايعتك.
وقد وعد معاوية اإلمام الحسن (ع) بوعود عديدة نذكر منها ما يلي:
.1لك األمر من بعدي.
.2لك ما في بيت مال العراق من مالٍ بالغاً ما يبلغ تحمله إلى حيث أحببت.
.3لك خراج أي كور العراق شئت ،معونة لك على نفقتك ،يجبيها أمينك ويحملها إليك في
كل سنة.
لك أال نستولي عليك باإلساءة. .4
ال نقضي دونك األمور. .5
ال نعصيك في أمر أردت به طاعة اهلل. .6
وفي رواية كتب إليه :إني صالحتك على أن لك األمر من بعدي ولك عهد اهلل وميثاقه وذمته ...ال
أبغيك غائلة وال مكروهاً ،وعلى أن أعطيك في كل سنة ألف ألف درهم من بيت المال ،وعلى أن
لك خراج (منسا) و (دار أبجرد) تبعث إليها عمالك وتصنع بهما ما بدا لك .أنساب األشراف/ج.3
وأهم ما في الوعود هو جعل الخالفة لإلمام (ع) من بعده .اإلصابة/ج.2
27
مقرر سيرة 311
.3الناس آمنون حيث كانوا في العراق والشام والحجاز وتهامة.
.4أمان شيعة وأصحاب علي (ع) على أنفسهم وأموالهم ونسائهم وأوالدهم.
.5أن ال يبغي للحسن وال ألحد من أهل بيته غائلة سراً وعالنية ،وال يخيف cأحد منهم في أفق من
اآلفاق.
.6أن تكون الخالفة لإلمام الحسن (ع) من بعده .أسد الغابة/ج.1
.7أن ال يسميه أمير المؤمنينc.
.8أن ال يقيم عنده شهادة.
.9أن يضمن نفقة أوالد الشهداء من أصحاب اإلمام علي (ع).
.10ترك سب اإلمام علي (ع) والعدول عن القنوت عليه في الصالة.
.11أن ال يتعرض لشيعته بسوء ،ويوصل cإلى كل ذي حق حقه.
و على هذا فإن اإلمام (ع) قد صالح من موقع القوة ،فإن معاوية كان يعلم أن اإلمام (ع) إن استمر
على القتال فإنه سيخسر كثيراً من قادته وجنوده c،وال يستطيع معاوية حسم المعركة إال بتضحيات
جسيمة يخرج منها منهوكاً ال يقوى على النهوض.
ويمكن أن نستشهد بشخصية معاوية أيضاً وذلك أن معاوية كان متيقناً من صعوبة حسم الموقف
لصالحه إال بتقديم خسائر جسيمة ،إذ لو كان يرى سهولة القضاء على جيش اإلمام (ع) لما كان
28
مقرر سيرة 311
يصالح اإلمام (ع) ويقيد نفسه بشروط cوقيود صعبة ،فشخصيته ترفض أن يكون لها نذّ يعارضها ،أو
ينافسها في مجاالت الحياة المختلفة ،وبالخصوص في مجال الحكم والرئاسة ،وترفض أيضاً أن يمنح
الحرية لمعارضيه.
فمن المنطقي أن يكون اإلمام الحسن (ع) قد فوت الفرصة على معاوية ألن يظهر بمظهر المصلح
والمحب لحقن الدماء ،ويكون له قَصب السَبْق في ذلك.
ومما يؤيد ذلك أن اإلمام (ع) كان قد اشترط على المبايعين له بعد استشهاد أبيه (ع) أن يستسلموا
ألوامره إن حارب أو سالم.
وعلى كال الرأيين cفإن اإلمام (ع) قد اتخذ الصلح من أجل حقن الدماء والتفرغ للعمل اإلصالحي
والتغييري بعده ،وبناء القاعدة الشعبية التي انهكتها حروب ثالث في أقل من أربع سنين c.الكامل في
التأريخ/ج.3
29
مقرر سيرة 311
الخالصة ..
تظافرت عدة عوامل أدت إلى أن يقبل اإلمام الحسن (ع) الخيار الصعب من بين الخيارات الماثلة أمامه
وهي :االستمرار في الحرب التي تنتهي بتصفيته جسدياً وتمزيق جيشه ،أو الصلح ،والحكمة التي
تقف وراءه اقتضت أن يختاره –وهو موقف ينسجم cمع المصلحة اإلسالمية في أجمل صورها ،وبذلك
خسر معاوية ما كان يخطط له .وقد تظاهر بمظهر المسالم المحب ،وأشاع بأنه أراد بذلك حقن
دماء المسلمين ،وهي مغالطة وقع في هوتها ،فقد سار إلى حتفه بيده ،وتظاهر وكأنه هو المنتصر،
وكان يقدّر قبل ذلك أن القتال إذا استمر سيسلم المقاتلون اإلمام الحسن (ع) إليه وبذلك يربح
طرفي المعركة اجتماعياً وعسكرياً .ولكن الصلح لم يحقق أهدافه إذ في إطار هذا الصلح حقق
اإلمام (ع) مجموعة من المكاسب والتي كان في مقدمتها حفظ بيضة اإلسالم ،والحفاظ على أصحابه،
وإال فلو وقعت الحرب ألتت على كل شيء يتطلع إليه الحكم األموي.
المناقشة
ما هي العوامل التي تحدد الموقف السياسي في نظر أهل البيت (ع)؟ س:1
ما هي األسباب التي دفعت اإلمام (ع) لعدم االستمرار في القتال؟ س:2
لو كان اإلمام (ع) قد ضحى بنفسه فهل كانت تترتب آثار إيجابية على هذه التضحية؟ س:3
ما هي األسباب التي أكرهت اإلمام (ع) على قبول الصلح؟ س:4
ما هي أهم الوعود التي قطعها معاوية على نفسه؟ س:5
ما هي أهم الشروط cالتي اشترطها اإلمام الحسن (ع) على معاوبة؟ س:6
هل اعترف اإلمام (ع) بشرعية معاوية أم ال؟ وما هو الدليل على ذلك؟ س:7
ما هو الدور اإليجابي لشروط اإلمام الحسن (ع)؟ س:8
30
مقرر سيرة 311
الدرس السادس
متطلبات عصر اإلمام الحسن (ع)
()2
.2الظروف
الظروف بنوعيها :اإليجابي والسلبي هي التي تحدد الموقف وتكون حاكمة عليه ،وهذا واضح من
خالل سيرة رسول اهلل (ص) وسيرة أمير المؤمنين (ع) ،فرسول اهلل (ص) لم يجاهد قريشاً في
المرحلة المكية ألن الظروف ال تسمح بذلك ،وحينما تغيرت في المرحلة المدنية غير (ص) موقفه
واستمر في جهاده إلى أن انتصر على جميع قوى الشرك في المدينة والحجاز واليمن ،وكذلك أمير
المؤمنين (ع) في سيرته مع الخلفاء الذين سبقوه ،ومع المتمردين عليه في خالفته.
المصلحة اإلسالمية
من أساسيات المنهج اإلسالمي أن ألي حكم شرعي مصلحة يتضمنها ،فمن باب أولى أن يكون ألخطر
موقف –وهو الصلح وفي تلك الظروف الحساسة-مصلحة على المدى القريب والبعيد c،فالصلح انطوى
على عدة مصالح آنية ومستقبلية راعاها اإلمام (ع) قبل اتخاذه القرار ،بعضها متعلق بالمصلحة العامة
بالمسلمين ،واآلخر متعلق بمصلحة منهج أهل البيت (ع) في حركته الواقعية في المسيرة التأريخية.
وقد عبر اإلمام (ع) عن صلحه بالقول( :ال تعذلوني فإن فيها مصلحة) .مناقب آل أبي طالب/ج.4
31
مقرر سيرة 311
والنتيجة األخرى :انتصار أحد الطرفين وخروجه من المعركة ضعيفاً ال يقوى على مواجهة األعداء
في الخارج أو بناء الدولة اإلسالمية في الداخل ،وكالهما خسارة فادحة للمسلمين.
فمن أجل وحدة الدولة والمجتمع صالح اإلمام (ع) بعد أن رأى المصلحة في (جمع الكلمة وترك
القتال) ،فنزل عن الخالفة وجعل الملك بيد معاوية حتى تجتمع الكلمة على أمير واحد.
32
مقرر سيرة 311
ثانياً :إفشال المخططات Kالخارجية
إن الكيان اإلسالمي معرض في كل حين لمؤامرات خارجية تسعى للقضاء على الكيان اإلسالمي منهجاً
وسلوكاً ووجوداً ،وإذا كان لكل معركة استحقاقاتها الخاصة ،فإن دخول اإلمام (ع) في معركة مع
معاوية يعني وضع جميع اإلمكانيات والطاقات العسكرية واالقتصادية في صراع داخلي ينهك القوى
ويجعل الكيان اإلسالمي يتهاوى لمجرد أية ضربة متوقعة من الخارج أو فتنة من الداخل ،وعليه فإنه
صالح ألنه وجد أن الكيان اإلسالمي يواجه خطر األعداء إلى جانب خطر المفروضين cعليه باسمه.
فقد أفشل (ع) مخططات األعداء؛ ومنع من تفكيرهم في اإلنقضاض على الوجود اإلسالمي أو تحجيمه
في بقعه جغرافية محدودة.
33
مقرر سيرة 311
لقد واجهت الجماعة الصالحة بقيادة أهل البيت (ع) ومنذ اللحظات األولى لوفاة رسول اهلل (ص)
محاوالت كثيرة لتحديد وتحجيم دورها الريادي في األمة ،خالفاً لوصايا رسول اهلل (ص) الصريحة
على ضرورة تفعيل دور اإلمامة في الحياة اإلسالمية ،وتمكينها من واقع المسلمين بما يحفظ وجود
الكيان اإلسالمي وديمومة المنهج السليم.
وحيث أن القاعدة العريضة من األمة المندرجة في كيان الجماعة تحتاج إلى القائد الذي يوجه
حركتها وسلوكها نحو أهداف اإلسالم الكبرى ،فإن وجود القائد اإلمام المعصوم بعد من أوليات
حفظ هذه الجماعة وتدعيم حركتها نحو وضع التحرك اإلسالمي العام في إطاره الصحيح.
ومن خالل الصلح بقيت القيادة المعصومة حاضرة في األحداث وفي المسيرة بما يحفظ الشرعية
الواعية لألمة وتوجيه الدولة واألمة صوب المسار الصحيح لحركتها.
وباإلضافة إلى الحفاظ على وجود اإلمام الحسن (ع) ووجود اإلمام الحسين( cع) وامتداد خط اإلمامة
بهما ،فإن مصلحة الجماعة الصالحة تمثلت في المظاهر التالية:
34
مقرر سيرة 311
ذلك حققه اإلمام (ع) بصلحه ،وقد عبر عن ذلك قائالً( :أردت صالحكم وكفّ بعضٍ عن بعض،
فارضوا بقدر اهلل وقضائه ،حتى يستريح برٌ أو يستراح من فاجر) .شرح نهج البالغة/ج.16
وجميع المصالح التي تحققت من صلح اإلمام (ع) هي التي جعلت اإلمام (ع) يدفع الحرب بالصلح
على أساس خدمة األهداف اإلسالمية الكبرى ،فقد ضحى (ع) بالسلطة الفوقية من أجل سالمة البنى
التحتية.
وقد عبر اإلمام الباقر (ع) عن هذه المصالح قائالً( :واهلل ،للذي صنعه الحسن بن علي (ع) كان
خيراً لهذه األمة مما طلعت عليه الشمس) .الكافي/ج.8
35
مقرر سيرة 311
الخالصة ..
إن شرعية الموقف والقرار الذي اتخذه اإلمام اتجاه عملية الصلح مع معاوية ،والظروف التي
أحدقت بقرار الصلح ،ومن فوقها المصلحة اإلسالمية العليا كانت كلها مبرراً عملياً وموقفاً عاماً
لتقرير أسلوب الصلح ليكون أسلوباً عملياً في حياة األمة متى ما دعت الحاجة إليه .وال غرو في أن
ما جنح اإلمام (ع) إليه إبان توقيعه على وثيقة الصلح إنما يمثل منعطفاً تأريخياً لمسيرة األمة في
كل زمان باعتباره منهجاً سياسياً وفكرياً وقيادياً تتعامل األمة على أساسه كلما أرادت أن تتخذ
قراراً إلى صالح اإلسالم.
وتقديم المصلحة اإلسالمية يظل مناراً لألمة ترجع إليه في إزهاق الباطل ،وتثبيت الحق،
وتتبلور تلك المصلحة حينما يكون وعي األمة طاغياً على تفكيرها وآفاقها النفسية .وإذا كانت
وحدة األمة هي المحور لتحركها في بناء كيانها؛ فال ريب أن التضحية من أجلها هو الثمن لنجاحها.
فإذا حفظت األمة كيانها وموقعها كان ذلك كفيالً في حقن الدماء ،وإفشال المخططات لإلطاحة
بنظامها السياسي والفكري وحفظ وحدتها .فطالما تتعرض حياة أكثر من أمة حينما تفقد
شخصيتها ،وموقعها القيادي.
ولو قدر لإلمام (ع) اتخاذ قرار الحرب ،وهو يخوضها مع جيش متخاذل طامع في أموال معاوية؛
لكانت نتيجة ذلك ضياع اإلسالم ،وانتصار الباطل على الحق في الساحة العسكرية c،ألن الظروف التي
عاشتها األمة وهي تتابع طغيان حكم معاوية ،جعلتها تعتزل حياة المواجهة مع العدو لكثرة عدده ،وقلة
الناصرين لجبهة الحق.
وغياب القيادة الشرعية عن الساحة الميدانية والعسكرية بقتل اإلمام (ع) يؤدي إلى فقدان األمة
للقائد الذي يقود مسيرتها ويوجه أفكارها وحركتها وسلوكها ،فإقرار المنهج اإلسالمي ،وحقن دماء
األمة ،وإحراز حرية الجماعة الصالحة ،والثبات على المبدأ من معطيات عملية الصلح التي مارسها
اإلمام (ع) ودافع بعد ذلك عنها .وإذا كان اتخاذ القرار منطلقاً للعمل من أجل تقرير المصلحة
اإلسالمية العليا ،فال مجال للتنصل عنه حينما ال يروق ذلك لمن ال يحلم إال بتحقيق مآربه.
وقد عبر اإلمام الباقر (ع) عن هذه المصالح قائالً( :واهلل لَلذي صنعه الحسن بن علي (ع) كان
خيراً لهذه األمة مما طلعت عليه الشمس).
المناقشة
36
مقرر سيرة 311
من أهداف اإلمام (ع) حقن دماء أنصاره ،ما هو الضمان لذلك في حال سيطرة معاوية على س:8
الحكم؟
ما هي أهم األضرار التي ستلحق بالجماعة الصالحة ،في حال االستمرار في القتال؟ س:9
س :10كيف تفسر قول اإلمام محمد الباقر (ع) :للذي صنعه الحسن بن علي (ع) كان خيراً
لهذه األمة مما طلعت عليه الشمس؟
الدرس السابع
الثورة Kالحسينية ()1
]العوامل واألهداف[
الثاني :إن السبب الذي من أجله عقد اإلمام الحسن (ع) الصلح مع معاوية ما دام مستمراً ونافذ
المفعول ،فاإلمام الحسين( cع) ال يتحرك وال يثور ،إال إذا تهيأت الظروف الموضوعية التي تضمن
لثورته تحقيق أهدافها.
وكان السبب في إبرام الصلح مع معاوية أن األمة اإلسالمية -والسيما القطاع الواسع من الموالين
ألهل البيت (ع) -كانت قد سيطرت عليه حالة الشك في رسالية خط أهل البيت (ع) حينما الحظوا
مرارة الصراع بين معاوية واإلمام علي (ع) ،وطلحة والزبير وعائشة مع علي (ع) والخوارج مع علي
(ع) وأنزلوا علياً (ع) إلى مستوى معاوية الذي كان يرمي للوصول إلى الحكم بكل سبب ،ولم يكن
لهذا التصدي منه والحرص على استالم السلطة أي مسوغ رسالي ،وقد سرى هذا الشك في مدى
رسالية حروب اإلمام (ع) إلى جمع من الموالين ألهل البيت (ع) حتى أنهم استبعدوا أن يكون مثل
عائشة أو طلحة أو الزبير على باطل ،فكيف يقاتلهم اإلمام علي (ع) وكلهم صحابة رسول اهلل (ص)؟
وحينما يستفحل هذا الشك ويتحول إلى حالة مرضية-كما حدث ذلك في عصر اإلمام الحسن (ع) -
لم يكن باإلمكان عالجها حتى بالتضحية ،بل البد من الصبر والتأني ليتضح لعامة المسلمين مدى دجل
معاوية ومدى تظاهره باإلسالم والتزام أهل البيت (ع) بمبادئهم الرسالية.
37
مقرر سيرة 311
وقد فضح معاوية نفسه وكشف عن واقعه بعد نقضه لكل بنود الصلح مع اإلمام الحسن (ع) وكان
البد للشاكين في سالمة خط أهل البيت (ع) من االكتواء بلظى النار التي سعّرها لهم معاوية وأخذ
يؤججها بكل ضراوة .وكان ترشيح يزيد cوفرض البيعة له بالخالفة هو آخر الخط لمعاوية وقد مهد
لذلك باغتيال اإلمام الحسن (ع) ليخلو له الجو ،وقد ذكر له التأريخ أكثر من محاولة ومراوغة
لتحقيق مأربه هذا وتحكيم cالجاهلية بثوبٍ جديد في ربوع الدولة اإلسالمية.
38
مقرر سيرة 311
هناك أكثر من دافع وسبب قد ذكره المؤرخون لتعليل النهضة الحسينية ولكن هذه األسباب متداخلة
ومترتبة فيما بينها حيث يكون بعضها سبباً أعمق أو كاشفاً عن سبب.
وهناك أسباب مقبولة لدى عامة المسلمين وقاطعة للعذر بينما ال تكون أسباباً حقيقية ونهائية.
واألسباب الحقيقية البد أن نستلهمها من صاحب الثورة نفسه وال يكفي أن نستند فيها إلى تحليالت
اآلخرين عنها.
وقد الحظنا نصوص اإلمام الحسين( cع) حين أعلن في أكثر من مشهد ،ومنذ بداية تحركه وحتى
نهاية الشوط من حياته :أنه إنما قام لطلب اإلصالح في أمة جده ،واألمر بالمعروف والنهي عن المنكر
المتمثل في التصدي للحاكم الجائر المستحل لحرمات اهلل وحيث ال يتحقق هذا المستوى من األمر
بالمعروف c،والسيما إذا كان تركه يؤدي إلى محق الشريعة وضياع الرسالة التي ال شيء أغلى منها
في ميزان اهلل تعالى.
وللوصول إلى الجواب التفصيلي –الذي كان يحتم على اإلمام الحسين( cع) اختيار طريق التضحية
والشهادة بالنحو الذي اختاره ،فضالً عن تنبؤات الرسول (ص) وإخباراته التي كانت تفصح عن
األسباب الكامنة في واقع األمة ومدى ترديها وهبوطها-البد أن نقف على أبعاد المشكلة الحقيقية التي
كانت تعانيها األمة اإلسالمية في عصر اإلمام الحسن (ع) لتتضح لنا مدى سالمة هذا الطريق أنه هو
الطريق الوحيد الذي كان يستطيع اإلمام (ع) أن يختاره من أجل معالجة هذه المشكلة.
لقد عرفنا أن اإلمام الحسن (ع) قد عالج بصلحه مشكلة التشكيك في مدى رسالية خط أهل البيت
(ع) ،ولكن بعد أن اكتوت األمة بنار المأساة التي أججها الحكم األموي-وقد عرفنا أساليبه التي
استخدمها لتمييع شخصية أبناء األمة وسلب إرادتها وإباحة كرامتها وتخديرها-حتى أصبحت تدرك
الخطر ولكنها ال تقدر على مجابهته .وكلمة الفرزدق المعروفة لإلمام الحسين( cع)( :قلوبهم معك
وسيوفهم عليك) تعبر عن تصوير دقيق وواقعي لهذه الحالة االجتماعية المرضيّة التي انتابت
المجتمع اإلسالمي في عصر الحكم األموي.
إن هناك أكثر من مشهد لتصوير مدى عمق مرض فقدان اإلرادة في جسم األمة وعلى مختلف
المستويات والقطاعات االجتماعية بدءً بأقرب الناس إلى أهل البيت (ع) وانتهاءً بالبُعداء عنهم وعن
ثقافتهم.
والبد أن نستعرض بعض النماذج لرسم صورة عن هذا الواقع المؤلم الذي كان يلمسه اإلمام الحسينc
(ع) بكل وضوحc.
.1لقد أجمعت كلمة عقالء المسلمين على تخويفه -يوم صمم الحسين (ع) أن يرفض بيعة يزيد
ويثور عليه باعتباره معلناً بفسقه مستحالً لحرمات اهلل-وكانوا يمنّونه السالمة ويقترحون عليه
الحلول التي ال تنتهي به إلى الشهادة وكانوا ال يتصورون أن التضحية يمكن أن تكون بديالً للحياة.
ولم يتلق اإلمام (ع) هذه النصائح من عوام الناس بل من سادة المسلمين أمثال :محمّد بن الحنفية
وعبداهلل بن جعفر وعبداهلل بن عباس وعبداهلل بن عمر .لقد كانت تعبر هذه النصائح عن نوعٍ من
االنهيار النفسي الذي شمل زعماء المسلمين فضالً عن الجماهير التي كانت تعيش هذا االنهيار
مضاعفاً في أخالقها وسلوكها وأطماعها.
39
مقرر سيرة 311
.2موقف عامة زعماء البصرة الموالين لخط اإلمام علي (ع) الذين كاتبهم اإلمام الحسين( cع)
واستنصرهم بعد أن أشعرهم بالخطر الذي تواجهه األمة اإلسالمية.
لقد كان رد الفعل لعامتهم هو عدم االستجابة لنداء اإلمام الحسين( cع) بل نرى أثر االنهيار التام
كان بادياً على عبداهلل بن مسعود النهشلي الذي سلم الرسول والرسالة إلى ابن زياد ال حُباً به بل
حفاظاً على نفسه ،ولئال يكتشف ابن زياد فيجعله نقطة ضعفٍ عليه ،فلكي يوفر كل ضمانات البقاء
الذليل قام بهذا الرد الخياني وتسبب في قتل رسول الحسين( cع).
وأما األحنف بن قيس الذي تربى على يدي اإلمام علي (ع) فقد أجاب اإلمام (ع) بآية واحدة فقط
يأمره فيها بالتصبّر والتريّث ،ونلمس في هذا الجواب أن إقدام الحسين( cع) كان يُعد عند هؤالء
نوعاً من العجلة وقلة األناة والخفّة والالتعقّل .وهذه هي أخالقية الهزيمة النفسية التي تقع فيها
األمة بالتدريج.
.3حينما لقي اإلمام الحسين( cع) عبيداهلل بن الحرّ الجعفي استنصره ،وكان عبيداهلل ممّن عرف
الحسين (ع) وعرف خط الحسين( cع) فعّز عليه أن يقدّم قطرة من دمه في سبيل اهلل لكنّه كان
مستعداً ألن يقدم فرسه لمواله.
.4ذهب حبيب بن مظاهر األسدي ليدعو عشيرته بني أسد لنصرة سيّده الحسين (ع) ،وما كان من
العشيرة إال أن غادرت بأجمعها تلك الليلة المنطقة وخشيت أن تبقى حيادية ال إلى الحسين (ع) وال
على عدو الحسين( cع) ،وهل هذه إال الهزيمة النفسية التي مُنيت بها قطاعات األمة بمختلف مستوياتها
يومذاك؟
.5لقد استطاع عبيداهلل بن زياد خالل أسبوعين أو ثالثة بعد مقتل مسلم بن عقيل أن يجند األلوف
من أبناء الكوفة –ممن كانوا يحملون الوالء لعلي (ع) وبنيه-ضدّ الحسين بن علي بن أبي طالب (ع)
وهم كانوا قد حابوا إلى جانب أبيه (ع) في صفين والجمل والنهروان.
وإذا كانت الهزيمة النفسية لألمة هي الحالة المضّية العامة التي قد تعرضت لها األمة المسلمة في
عصر الحسين (ع) ،فالحسين (ع) حين يريد cمعالجة هذا المرض المستشري في جسمها البد له أن
يقدم الموقف النظري والعملي معاً تجاه الوضع القائم ويضع النقاط على الحروف بنحوٍ ينتهي إلى
اجتثاث جذور هذا المرض الخبيث.
ومن هنا كانت الثورة المسلحة بالشكل المثير جداً والذي يستنهض النفوس الميتة ويحييها من
سباتها ويبدِّل جُبنها إلى الشجاعة ووهنها إلى اإلقدام هو الحلّ الوحيد لألزمة التي حلّت باألمة
المسلمة بعد رسول اهلل (ص).
وتفصيل ذلك :أن الحسين( cع) كانت أمامه عدة حلول ممكنة بعد أن طلب يزيد منه البيعة وهدده
بالقتل إن لم يبايع.
الموقف األول :أن يبايع يزيد cكما بايع عليٌ أبابكر وعمر وعثمان.
الموقف الثاني :أن يرفض البيعة ويبقى في مكة أو المدينة.
الموقف الثالث :أن يلجأ إلى بلد من بالد العالم اإلسالمي كما اقترح عليه أخوه محمد بن الحنفية.
الموقف الرابع :أن يتحرك ويذهب إلى الكوفة مستجيباً للرسائل التي وردته من أهلهل ثم يستشهد
بالطريقة التي وقعت.
40
مقرر سيرة 311
وكان اختياره للموقف الرابع قائماً على أساس إدراكه لطبيعة الظرف الذي يعيشه ،فإنه كان عليه
أن يقف موقفاً يعالج فيه عدة أقسام من أفراد األمة اإلسالمية:
القسم األول- :وكان يشكل cجزءاً كبيراً من األمة -كان قد فقد خالل عهد معاوية بن أبي سفيان
إرادته وقدرته على مواجهة الوضع القائم وهو يشعر الذل واالستكانة ،وأن خسارة كبيرة تحيق
باألمة اإلسالمية وهي تبديل الخالفة إلى كسروية وهرقلية.
القسم الثاني- :من األمة-هان عليه اإلسالم ،فلم يهد يهتم بالرسالة بقدر اهتمامه بمصالحه الشخصية،
وتضاءلت أمامه الرسالة وكبر أمامه وجوده ومصالحه واعتباراته.
القسم الثالث :كان من المغفلين الذين كان باإلمكان أن تنطلي عليهم حيلة بني أمية لو سكت صحابة
الرسول عن تحويل الخالفة إلى قيصرية وكسروية ..فإن الخالفة وإن انحرفت عن خطها المستقيم
منذ توفي الرسول (ص) لكن بقي مفهومها هو مفهوم لخالفة غاية األمر اغتصبه أبوبكر ومن ثم
عمر وعثمان .بينما في عهد معاوية ابن أبي سفيان طرأ على نفس المفهوم تغير أساسي إذ لم تعد
الخالفة حكماً لألمة وإنما حولها معاوية إلى حكم كسرى وقيصر ،وهو تحويل خطير في المفهوم
أراد معاوية أن يلبسه ثوب الشرعية ولو كان هذا التحويل cيواجه بسكوت من قبل الصحابة ألمكن أن
تنطلي حيلة معاوية على الكثير من السذّج والبسطاء إذ يرون cفي سكوت الصحابة مضاءً له ..
القسم الرابع :وهو ما يرتبط بتنازل اإلمام (ع) عن المعركة مع معاوية وإعالنه الهدنة باعتباره هو
األسلوب الوحيد الذي كان يحتمه على اإلمام الحسن (ع) موقعه ومركزه كأمين على اإلسالم
والمسلمين –فإن هذا الواقع لم يكن مكشوفاً-بالدرجة الواضحة إال داخل دائرة الجماهير التي كانت
تعيش المأساة عن قرب كالعراق بشكل عام دون من كان يعيش في أطراف العالم اإلسالمي كأقاصي
خراسان حيث لم يعش المحنة يوماً بعد يوم ولم يكتوِ بالنار التي اكتوى بها اإلمام الحسن (ع) في
الكوفة من قواعده وأعدائه ،وإنما كانت تصله األخبار عبر المسافات الشاسعة بين الكوفة وأطراف
خراسان مثالً ..فهو لم يميز أن هذا التنازل هل هو اعتراف بشرعية األطروحة األموية أو هو تصرف
اقتضته الضرورة والظروف الموضوعية التي كان يعيشها اإلمام الحسن (ع)؟
فكان البد لإلمام الحسين( cع) أن يختار موقفاً يعالج فيه مشكلة كل واحد من هذه األقسام األربعة
من األمة ،وليس هذا تقسيماً حدّياً بحيث ال يمكن أن ينطبق قسمان منهما على فرد واحد ،بل يمكن أن
يتصادق عنوانان منها على فرد أو أفراد من األمة اإلسالمية.
فكان البدّ أن يختار الموقف الذي يرجع فيه للقسم األول إرادته التي فقدها بالتميّع األموي ،وإلى
القسم الثاني إيمانه بالرسالة وشعوره بأهمية اإلسالم ،وأن يسلب الدليل عن معاوية على تحويل
الخالفة إلى كسروية وقيصرية ،وذلك عن طريق معارضة الصحابة –المتمثلة فيه وفي البقية
الباقية من الصحابة والتابعين-لعملية التحويل هذه ..وأن يختار الموقف الذي يشرح cفيه -حتى لمن
كان بعيداً عن األحداث-أن تنازل اإلمام الحسن (ع) لم يكن إمضاء لعملية التحويلc.
وتقويم المواقف األربعة من حيث قدرة كل منها على تحقيق األهداف المُشار إليها كما يلي:
أما الموقف األول- :وهو أن يبايع يزيد cبن معاوية-فهو ال يحقق مكسباً على مستوى معالجة تلك
األقسام من األمة ...ألنه لم تكن قصة يزيد cقصة أبي بكر وعمر وعثمان ،ألن التحويل cهنا على
مستوى المفهوم ،ولم يكن باإلمكان أن تمضي دون أن يقف أهل البيت الذين هم القادة الحقيقيون
لألمة الموقف الديني الواضح المحدد من عملية التغيير cهذهc..
41
مقرر سيرة 311
وأما الموقف الثاني :فهو ال يحقق ذلك المكسب الذي يريده cالحسين( cع) أيضاً ،وذلك ألن اإلمام
الحسين (ع) كان يؤكد -والظروف الموضوعية كانت تشهد على طبق تأكيده-أنه لو بقي في
المدينة أو في مكة رافضاً للبيعة لقتل من قِبل بني أمية حتى ولو كان متعلقاً بأستار الكعبة ..وهذا
القتل ليس كالقتل الذي استطاع أن يحرك cالبقية الباقية من عواطفهم ومشاعرهم ال يمكن خالل
قتلٍ عابرٍ سهلٍ من هذا لقبيل ،بل البد من أن تحشد له كل المثيرات والمحركات.
وأما الموقف الثالث :فهو وإن كان أسلم من األول والثاني على الخط القصير ألنه يمكنه أن يعتصم
بشيعته في اليمن مثالً إلى برهة معينة لكنه سوف ينعزل ويحيط نفسه إطار منغلق عن مسرح
األحداث بينما البد أن يباشر عمله التغييري على مسرح األحداث الذي كان وقتئذ هو الشام والعراق
ومكة والمدينة كي يمكن لهذا العملي أن يؤثر تربوياً وروحياً وأخالقياً في كل العالم اإلسالمي.
وعليه كان البد أن يختار الموقف الرابع الذي استطاع أن يهز به ضمير األمة من ناحية ،ويشعرها
بأهمية اإلسالم وكرامة هذا الدين من ناحية ثانية .وأن يدحض عملية تحويل الخالفة إلى كسروية
وقيصرية من ناحية ثالثة ،وأن يوضح لكل المسلمين مفهوم التنازل عند اإلمام الحسن (ع) وأنه لم
يكن موقفاً إمضائياً وإنما كان أسلوباً تمهيدياً لموقف اإلمام الحسين( cع).
الخالصة ..
لم يتحرك اإلمام الحسين (ع) -بعد موت معاوية ألن الحسين( cع) لم يكن مستعداً لنقض بنود
الصلح الموقعة في زمن اإلمام الحسن (ع) بحالٍ من األحوال وهو كان ينتظر توفر كل الشروط
الالزمة للثورة التي لم تكن متوفرة على استشهاد اإلمام الحسن (ع).
ويعود الدافع الحقيقي للثورة بهذا الشكل الذي تحقق -وإن لم يكن فيها أي مكسب آني من حيث
الوصول إلى الحكم-إلى أن إرادة األمة كانت قد أصبحت ميتة بعد أن عرفت حقيقية خط أهل البيت
(ع).
ولم يكن أي إجراء بقادر على تحريك ضميرها إال الشهادة والتضحية التي تغرس في أعماق
وجودها عظمة الدين ورخص النفس والحياة المادية بالنسبة على دين اهلل الذي جاء بكرامة اإلنسان
واستهداف إيصاله إلى الكمال الالئق به.
المناقشة
س :1ما هي األسباب المباشرة وغير المباشرة التي منعت اإلمام الحسين( cع) من الثورة على
معاوية؟
س :2إلى أي مدى وصلت حالة الشك لدى األمة بعد سيطرة معاوية على الحكم؟
س :3لماذا مزّق معاوية وثيقة الصلح التي أبرمها مع اإلمام الحسن (ع)؟
س :4ما هو رأيك في اعتراضات بعض األطراف على اإلمام الحسين( cع) عندما أعلن الخروج إلى
العراق؟
س :5كيف كانت األمة تنظر إلى الدين في عصر اإلمام الحسين (ع)؟
س :6ما هو واجب المسلم إذا واجه منكراً ،أو رأى سلطاناً جائراً مستحالً لحرم اهلل؟
42
مقرر سيرة 311
الدرس الثامن
الثورة Kالحسينية ()2
المقومات والخصائص
نستطيع أن نحدد الموقف العملي للحسين (ع) بأنه موقف مبني على ضوء النظرة اإلسالمية للحكم؛
ألن النظرية اإلسالمية في الحكم تبتني على أساس األطروحة المنفذة في الواقع والمتجسدة في
الخطوات العملية للسلطة ،فإن كانت تلك األطروحة إسالمية فهي وإال فال قيمة إلسالمية الحاكم،
وصالته وتعبده ،ألن المعنى العبادي الحقيقي البد أن ينعكس على سلوك الفرد ومشاعره وأعماله.
ومن هنا فال قيمة إلسالمية يزيد cأو غيره من حكام الجور وال معنى للشعائر التي يؤدونها.
وإذا كان األمر كذلك ،والحكام األمويون ال يطبقون شريعة السماء ،فعلى الحسين( cع) باعتباره
أفضل إنسان يجسد اإلسالم يومذاك وعلى المسلمين جميعاً الوقوف بوجه هؤالء الطغاة والتصدي له
ألنهم يريدون حكم الجاهلية ويحاربون شريعة السماء.
ولكن هذه الجاهلية ارتدت ثوباً جديداً هذه المرة يخفي حقيقتها عن األنظار ،ولقد ثار الحسين( cع)
ليكشف لألمة اختفاء الحكام خلف اسم الدين c،وليفضح أمام المسلمين حقيقية الطواغيت الذين حكموا
الناس باسم خالفة الرسول (ص).
لم تكن واقعة الطف قضية مأساوية عابرة حدثت في مرحلة معينة من التأريخ فحسب؛ بل هي صورة
متكاملة لتجسيد الصراع بين الحق والباطل ،هي مسرحية واقعية تنبض بالحياة ،أدى أدوارها كل
صنف من أصناف البشر وبمختلف األعمار واألجناس ،فيها المعصوم الذي ال يخطأ ساهياً ،والمجرم
الذي ال يتورع عن فعل أدنى األفعال وأبشعها ،فيها المرأة والطفل الرضيع والصبي والشيخ العجوز،
فيها التائب والعاصي ،فيها السمو والرفعة ،وفيها أيضاً الدناءة والخسّة.
وهي وإن لم تعبر عن مرحلة تأريخية لكنها عبرت عن حالة أمة ،انحرف بها الحكام عن جادة الصواب
وأبعدوها عن رسالتها وعقيدتها ،حتى أصبحت أمة ميتة ،ال تفكر إال بهذا المقدار من النفس الصاعد
النازل ،هذه األمة التي بلغ بها الخوف حداً ال يوصف ،فهي تعرف أن الحق ال يعمل به والمنكر ال
يتناهى عنه ،تدرك ذلك وال تحرك ساكناً ،إن هذه األمة جاءها أجلها فماتت ،وإن كانت األجساد
متحركة.
وجاءت واقعة الطف كقضية مأساوية مثيرة ،لتحرك في األمة ضميرها وتعيدها نحو رسالتها وتبعث
شخصيتها العقائدية من جديد ،وكان من الالزم أن يقوم بهذا الدور مجموعة من الناس قادرة بما
تمتلك من قدرات ومقومات تجعل دورها فاعالً ومؤثراً في حياة هذه األمة الميتة ،كما صور ذلك
الفرزدق بقوله لإلمام الحسين( cع) :الناس سيوفهم عليك وقلوبهم معك.
وكانت أهم هذه المقومات (التي اجتمعت في ثورة الحسين (ع) الفريدة) ما يلي:
43
مقرر سيرة 311
.1المقومات الشخصية للثائر:
إن الثائر الذي يقود جبهة الحق كان إماماً معصوماً يمتلك كل المواصفات القدسية بنص حديث
الرسول (ص)( :الحسن والحسين cإمامان قاما أو قعدا) ،فهذه الصفة القدسية التي يمتلكها الحسينc
(ع) تدركها األمة ،خصوصاً مع وجود عدد غير قليل من الصحابة الذين عاصروا الرسول (ص)
وسمعوا منه تلك األحاديث بشأن هذا اإلمام (ع).
وباإلضافة إلى ذلك فاإلمام (ع) يمتلك عنصر النسب الذي ال تشوبه شائبة وال يناله شك :أبوه علي
(ع) وأمه فاطمة (ع) وجده الرسول (ص) ،والصحابة يتذكرون حديث الرسول (ص) بشأنه:
(حسين مني وأنا من حسين) ،يدركون هذا التمازج الروحي والتمازج النسبي ،والحسين( cع) يمتلك
الجاه والشرف c،كيف ال؟! وهو محط أنظار المسلمين وكهف المستغيثين والالجئين ،ويمتلك
اإلمام المال الثروة .أتذكرون يوم عاشوراء حينما خاطب -سالم اهلل عليه-أخته الحوراء قائالً:
ناوليني مالبس استبدل بها مالبسي هذه لئال يطمع القوم فيها فيسلبونها فلما أعطته مالبس رديئة
بالية قال لها مستنكراً (أو يلبس ابن أبيك مثل هذا؟) فلو كان لباسه األول عادياً لقبل تلك الخرق
البالية ،فالبد أن يكون لباسه في أول األمر من أفخر األلبسة وأثمنها ،والروايات تذكر أن القافلة
الهاشمية كانت محملة باألموال الكثيرة ،فالحسين (ع) كان يمتلك كل المقومات الشخصية
للقداسة ،والشرف والجاه ،الغنى والثروة ،والعصمة.
.2الحجة:
ولكي ال تكون الثورة هامشية ،فال تعطي ثمرتها المرجوة ،فقد كان الثائر يمتلك الوثائق الكفيلة
بإضفاء المشروعية على هذه الثورة وأنها الحل الوحيد والخيار الذي ال بديل له .فقد كانت الرسائل
الواردة من زعماء العراق ومن الكوفة خاصة تطلب من اإلمام (ع) بإلحاح القدوم إلى العراق ،وكان
مضمون هذه الرسائل -كما تنقل الروايات :-أقدِم على جند لك مجندة ،فقد طاب الجنان واخضر
المقام.
والشك أن عدم تلبية اإلمام لهذه الطلبات -التي تقدر على أقل الروايات باثني عشر ألف رسالة-سيلزم
اإلمام (ع) الحجة في تفويته للفرصة ،وبالعكس فإن المجيء سيُلزم األمة الحجة إن هي خانت.
واألمر اآلخر إن اإلمام (ع) كان أمامه التهديد األموي إن هو لم يبايع ،ولو بايع فإنه سيعطي في مثل
هذه الحالة الوثيقة الشرعية للحكام األمويين الظلمة ،وسيطفئ بالتالي بصيص األمل الذي ترصده
األمة في تلك الشخصية المعارضة ،أعني شخصية اإلمام (ع).
وفي حالة رفضه فإنه أمام خيارين ،إما الموت الذي قرره األمويون له -ولو كان متعلقاً بأستار
الكعبة-وإما الرحيل إلى إحدى المناطق التي يمتلك فيها شعبية وشيعة ،وال تتعدى هذه المناطق
اليمن ،الكوفة والبصرة ،ومن المعلوم أن الطلب األموي سوف يالحقه في هذه المناطق بال فرق ،وما
دامت الكوفة تحتوي أكثر القواعد الشعبية المؤيدة له -سالم اهلل عليه-باإلضافة إلى الطلب الشديد
من قبل أهلها ،فإن الخيار الصحيح البد أن يكون بالرحيل إلى الكوفة عاصمة أبيه أمير المؤمنين (ع).
ولهذا رفض اإلمام (ع) إلحاح أخيه محمد بن الحنفية وممانعته من الذهاب إلى الكوفة ،كما رفض
طلب ابن عباس (رحمه اهلل) الذي أشار على اإلمام (ع) بالذهاب إلى اليمن.
.3الشعار:
ولكي ال تشوّه هذه الثورة ،خصوصاً وأن اإلمام (ع) قد علم بخيانة أهل الكوفة ،وكيف قتلوا رسوله
مسلم بن عقيل (عليه السالم) وصاحبه هاني بن عروة ،وشردوا بقية األنصار واعتقلوا قسماً منهم .إن
هذه الصورة جعلت الحسين (ع) أمام مواجهة عسكرية ال مناص له منها ،ولكي ال تشوّه هذه الثورة
فقد أعلن الحسين عن أهدافها وطرح شعاراتها ابتداءً من المدينة حتى يوم المجزرة الكربالئية ،فهو
44
مقرر سيرة 311
يقول( :واهلل إني ما خرجت أشراً وال بطراً وال ظالماً وال مفسداً وإنما خرجت لطلب اإلصالح في
أمة جدي آلمر بالمعروف وأنهى عن المنكر) ثم أنه وضع األمة أمام الخيارات التي ال مناص منها
ليجعل من ثورته األسلوب الوحيد أمام التحديات الكافرة ،فبعد أن التقى الحر بن يزيد الرياحي
(رضي اهلل عنه) قال (ع) :هذه أرض اهلل واسعة فدعوني أذهب في شأني ،أو ما يقارب هذه العبارة،
وفي الكلمة -في أقل تقدير-أن يُترك اإلمام (ع) يختار حياة العزلة ،ولكن جيش الحرّ رفض التخلي
عن أوامر السلطة الجائرة فجعجعوا به إلى كربالء ،وهناك أيضاً وضع أصحابه أمام الخيار فلم يرد
إقحامهم في معركة خاسرة من الناحية العسكرية c،لذا جمعهم ليلة العاشر من المحرّم ثم خطبهم
وقال:
إن هذا الليل قد أرخى سدوله فاتخذوه cجمالً ،ليس عليكم منّي ذمام .ولقد رفض هؤالء األخيار هذا
الطلب ،حينما قام زهير بن القين ،فقال :ماذا نقول للعرب -أو :لجدك-أيقتل ابن بنت رسول اهلل ونظل
أحياء؟ّ ال واهلل ال نفعل ذلك أبداً .وقال غيره مثل قوله.
ولمّا كانت المواجهة حتمية وأن السيف هو الحكم الفصل؛ أصرّ الحسين (ع) على خوض هذه
الحرب قائالً :إن كان دين محمد لم يستقم إال بقتلي فيا سيوف خذيني.
وعلى كل حال فقد وضع اإلمام الحسين (ع) أهداف الثورة أمام عينيه منذ حركته من المدينة حتى
مصرعه في الطف ،بل واصلت أخته الحوراء (ع) حمل تلك الرسالة فكانت الوسيلة اإلعالمية التي
تذيع أخبار الثورة ،والمِعوَل الهدّام في العرش األموي الحاكم.
.4المقوّم العاطفي:
وهي عملية إثارة المشاعر في نفوس المسلمين الذين لم تحرك األفكار المنطقية عقولهم.
واألسلوب الثاني :هو أسلوب التذكير والوعظ الذي استخدمه اإلمام (ع) وصحبه (رضوان اهلل
عليهم) فلقد ذكّر اإلمام القوم بقوله( :انسبوني من أنا ،ألست ابن بنت نبيكم؟ ثم يقول لِمَ
تحاربونني ،ألسنّةٍ غيرتها أم لبدعةٍ ابتدعتها؟) وفي موضع آخر يقول :إن لم يكن لكم دين وكنتم
عُرباً -كما تزعمون ،-فكونوا أحراراً في دنياكم ،كان ذلك في إشارة منه للقوم حينما هجموا على
بيوت عقائل الرسالة ،إال أنهم وصلوا حداً لم ينسوا cدينهم فحسب ،بل نسوا حتّى أعرافهم العربية التي
تعودوها وتسالموا عليها ،ولهذا أيضاً نجد اإلمام (ع) يصف حال الناس بقوله :والدين cلعق على
ألسنتهم يحوطونه ما درّت معايشهم فإذا مُحِصوا بالبالء قل الديّانون.
وعلى ضوء ما سبق نكون قد رسمنا صورة موجزة لمقوّمات الثورة من جهة ولحالة األمة أيضاً،
فاألمة -كما قلنا-بلغت حالة االحتضار أو الموت ،بحيث ال تقوى على المعارضة إذ كانت تعيش أزمة
45
مقرر سيرة 311
معقدة من الخوف في الوقت الذي كان يحاول الحكام جرّ األمة إلى الهاوية ،وقتل روح العزّة
والكرامة لديها ،وتفتيت كيانها الحضاري وإبعادها عن رسالتها رسالة السمحاء.
46
مقرر سيرة 311
الدرس التاسع
الزهراء (ع) بعد أبيها رسول هللا (ص)
انشغل cعليٌ وفاطمة (ع) وبنو هاشم ومعهم بعض الصحابة األجالء بفاجعة رحيل الرسول (ص)
وتجهيزه ودفن جسده الطاهر.
بينما تسارع أبوبكر وعمر وأبو عبيدة إلى سقيفة بني ساعدة وتنافسوا وتصارعوا مع األنصار على
الخالفة رافعين شعار القرابة ووراثة السلطة ،ومهددين cكل معارض بالموت كما يتجلى ذلك
بوضوح في النص الذي اشتهر عن لسان منظِّر الحزب الفائز( :من ذا ينازعنا سلطان محمد وميراثه؟
ونحن أولياؤه وعشيرته إال مدلٍ بباطلٍ أو متجانف إلثم أو متورط في هلكة) .اإلمامة والسياسة/ج
.1
وبهذا التهديد خرج الحزب القرشي ظافراً على منافسيه من األنصار للغاية ،لم تشهد األمة اإلسالمية
تنافساً وتكالباً على هذا الحطام أحزّ في النفس منه ،حتى قال عمر بن الخطاب فيما بعد معبراً عن
شدة التنافس ومرراته( :كانت بيعة أبي بكر فلتة وقى اهلل المسلمين شرّها ..أال ومن عاد إلى مثلها
فاقتلوه) .تأريخ الطبري/ج.3
لقد هدد سعد بن عبادة بالقتل وقُتل فيما بعد،كما هُدد عليٌ وذووه cبالقتل أيضاً حينما تخلفوا عن
بيعة أبي بكر.
لقد انتهت مناورات السقيفة الصاخبة بظهور أبي بكر على مسرح الخالفة وفرض على األمة أن تبايعه
حتى كان الحزب الظافر ال يمرون بأحد إال خبطوه وقدموه فمدوا يده فمسحوها على يد أبي بكر
يبايعه شاء ذلك أو أبى .شرح نهج البالغة/ج.1
وبهذا تحققت أول مؤامرة على السلطة بعد وفاة رسول اهلل (ص) -بعد أن فشل المنافقون في أكثر
من موقف للتخلص من سلطة الرسول (ص) بالتآمر على قتله-وتحققت نبوءة الرسول (ص) بتظافر
القوم ضد علي إلبعاده عن مسرح القيادة التي نالها بالتنصيب اإللهي-كما الحظنا ذلك في يوم غدير
خمّ.
وقد أحكم الحزب الظافر قبضته على زمام الحكم مستغالً حراجة الظرف الذي كانت تمر به الدولة
واألمة اإلسالمية بعد وفاة الرسول (ص) بالرغم من أن عامة المهاجرين واألنصار لم يكونوا يشكون
أن علياً هو صاحب األمر بعد رسول اهلل (ص) على حد تعبير ابن إسحاق.
وكان من الطبيعي أن يرفض علي بن أبي طالب (ع) بيعة أبي بكر ،كما كان من الطبيعي أن يرفضها
كل من سمع بتنصيب الرسول لعلي (ع) وآمن بهذا التنصيب اإللهي.
ومن هنا انطلقت االحتجاجات الصارخة من قبل علي وفاطمة والصحابة المؤمنين بإمامته.
47
مقرر سيرة 311
الرجل ،ولو أن زوجك وابن عمك سبق إلينا قبل أبي بكر ،ما عدلنا به ،فيقول علي (ع)( :أفكنت أدع
رسول اهلل (ص) في بيته لم ادفنه ،وأخرج أنازع الناس سلطانه؟).
وكانت فاطمة تقول( :ما صنع أبو الحسن إال ما كان ينبغي له ،ولقد صنعوا ما اهلل حسيبهم
وطالبهم) .اإلمامة والسياسة/ج.1
واستمرت فاطمة (ع) برفقة علي (ع) تدعو األنصار إلى نصرة زوجها ،ولكن لم تجد معيناً على
ذلك.
وكان خالد بن سعيد غائباً فقدم فأتى علياً (ع) فقال( :هلم أبايعك ،فواهلل ما في الناس أحد أولى
بمقام محمد منك) ،واجتمع جماعة إلى علي (ع) يدعونه إلى بيعته .فقال لهم :اغدوا عليّ هذا
محلقين الرؤوس ،فلم يغد عليه إال ثالثة نفر .تأريخ اليعقوبي/ج.2
وبقي بيت فاطمة (ع) مقراً للموالين إلى عليّ (ع) يخططون إلعادة الخالفة إليه ،لكن الحزب
الحاكم كان مصمماً على ضرب المعارضة أنى كانت ومهما كلف األمر ،ومن هنا تجرأوا على
اقتحام بيت الزهراء (ع) وعلي (ع) مهددين بالحرق ومتحدين ابنة رسول اهلل (ص) بكل قوة
وأكرهوا علياً ومن معه على البيعة وهددوهم بالقتل إن لم يبايعوا.
وفي رواية :جاءت تطلب ميراثها من رسول اهلل (ص) :أرضه من فدك ،وسهمه من خيبر ،فلم يجبها
أبوبكر لما طلبت ،فهجرته ولم تكلمه في ذلك حتى ماتت .تأريخ الطبري/ج.3
48
مقرر سيرة 311
وبقيت فدك حقاً مغتصباً تُعاد إلى ولد فاطمة ثم تؤخذ منهم تبعاً لطبيعة الحاكم وعالقته مع أهل
البيت.
ولم تكن فاطمة (ع) تطالب بفدك لكونها أرضاً بل تعبيراً عن الحق المغتصب ،وقد وضح اإلمام
موسى الكاظم (ع) هذه الحقيقة لهارون الرشيد العباسي ،حينما أراد إرجاعها له فقال (ع)( :ال آخذها
إال بحدودها) ،وقد جعل حدودها جميع أراضي الدولة اإلسالمية .ربيع األبرار/ج.1
49
مقرر سيرة 311
وكان دور الزهراء (ع) دوراً مهماً وكبيراً حيث تمثل في مطالبتها أبابكراً بما انتزعه منها من
أموال .حيث جعلت المطالبة وسيلة للمناقشة في مسألة الخالفة وإفهام الناس بأن اللحظة التي عدلوا
فيها عن علي (ع) إلى أبي بكر كانت لحظة غير واعية وبعيدة عن خط الرسالة اإلسالمية ومخالفة
لكتاب اهلل وسنة رسوله (ص).
كانت حركة الزهراء (ع) مخططة ومدروسة قد أعدها اإلمام (ع) منسجمة مع الظروف السياسية
المعقدة؛ إذ رأى في حركة الزهراء (ع) فعالية أكبر ،وتأثيراً أشد.
فقد كان (ع) يريد أن يُسمع المسلمين صوته من دون أن يدخل ميدان المعترك السياسي مباشرة،
منتظراً بذلك اللحظة المناسبة والفرصة السانحة ليتخذ فيها القرار المناسب ،وهو في الوقت ذاته
يُظهر لألمة بطالن الخالفة القائمة وعدم شرعيتها ،وينذر األمة بخطورة الموقف .فعبّرت الزهراء
(ع) عن فكرة اإلمام خير تعبير وأدت دورها خير أداء.
لقد توفرت للزهراء ناحيتان لم تتوفرا لإلمام (ع) فيما لو كان قد تحرك بصورة مباشرة:
األولى :أن الزهراء (ع) كانت تستطيع أن تثير عواطف الجماهير وتذكرهم بأبيها (ص) ومواقفهم
معه ووصاياه لهم لما لها من مكانة عند رسول اهلل (ص) من جهة ،ومن جهة أخرى أنها كانت صاحبة
الحق المغتصب (فدك) وهذه أول خطوة غير مشروعة في مسيرة الخالفة الجديدة.
الثانية :أن منازعة الزهراء (ع) للسلطة الحاكمة مهما بلغت من الشدة فلن تكتسب طابع الحرب
المسلحة ما دامت المطالبة امرأة ،وما دام اإلمام علي (ع) ملتزماً بالهدنة -التي أعلنها-مع السلطة
الحاكمة حتى تتحرك الجماهير وتجتمع عليه.
وبقي اإلمام مراقباً للموقف ليتدخل متى شاء ،متزعماً للثورة إذا بلغت حدّها األعلى ،أو مهدئاً
للفتنة إذا لم يتهيأ له الظرف الذي يريدهc.
50
مقرر سيرة 311
فالزهراء (ع) بحركتها هذه إما أن تحقق انتفاضاً جماعياً على خالفة السقيفة وإما أن ال تخرج عن
دائرة الجدال والنزاع cوال تجرّ إلى فتنة وانشقاق.
51
مقرر سيرة 311
الخطوة الرابعة :حديثها مع أبي بكر وعمر حينما زاراها بقصد االعتذار منها وإعالنها عن غضبها
عليهما وتسجيل cغضب اهلل ورسوله عليهما.
الخطوة الخامسة :خطابها الذي ألقته على نساء المهاجرين واألنصار في أواخر أيام حياتها.
الخطوة السادسة :وصيتها أن ال يحضر تجهيزها ودفنها أحد ممّن آذاها من خصومها ،وإبهام موضع
قبرها كاحتجاج مستمر يمثل نقمتها على الخالفة القائمة.
لم تتمكن الزهراء (ع) في حركتها أن تطيح بالحكومة القائمة؛ ألن الخليفة كان يملك حنكة
سياسية ولباقة واضحة وقدرة على استيعاب الظروف ،وإن تطلب الموقف المباالةً أو تضييعاً لحقّ.
ومن جانب آخر نجحت الزهراء في خطواتها السترداد حقها ،فقد أعطت لمسيرة تصحيح االنحراف
قوة قاهرة وطاقة على االستمرار في النضال وذلك في محاورتها مع أبي بكر وعمر عند زيارتهما
لها .حيث ثبتت عليهما الموقف السلبي لهما من اهلل ورسوله .وهكذا سجّلت النجاح في حركتها
كلّها ،نجاحاً مؤكداً في حساب العقيدة والدينc.
52
مقرر سيرة 311
فقد حزنت على رسول اهلل (ص) وانقطاع الوحي ،وعلى ما طرأ على الرسالة من تشويه وتزييف
وتحريف c،وإلى اتفاق األكثرية على إقصاء علي (ع) من منصبه ،حقداً وحسداً وخوفاً من عدالته
وشدته في ذات اهلل ،ونفاقاً من بعضهم ،والتظافر على هضمها واغتصاب حقوقها مع قلة الناصر
وضعف المعين.
وقد عبرت (ع) عن عظم المأساة التي عاشتها بالقول:
(اللهم ألحق روحي بروحه ،واشفعني بالنظر إلى وجهه ،وال تحرمني أمره وشفاعته يوم القيامة)،
وأخذت تربةً من تراب قبر رسول اهلل (ص) فشمتها ثم أنشأت تقول:
أن ال يَشمَّ مدى الزمانِ غواليا ماذا على من شمَّ تُربةَ أحمدٍ
صـُبت عـلى األيام صِرن لَياليا صُـبـت عـليَّ مـصائـب لـو أنها
تاريخ الخميس/ج.2
وقد تقدمت الرواية من أنها لم تُرَ ضاحكة بعد رسول اهلل (ص).
وفي ذات مرّة طلبت من بالل أن يؤذن -وقد امتنع من األذان بعد رسول اهلل (ص)-فاستجاب لها ،فلمّا
بلغ قوله :أشهد أن محمداً رسول اهلل (ص) شهقت فاطمة (ع) وسقطت على وجهها وغشي عليها.
بحار األنوار/ج.43
وكانت تبكي أباها ليالً ونهاراً ،فقال لها عليّ (ع) :إن شيوخ المدينة يسألونني أن أسألك إمّا أن
تبكي أباك ليالً أو تبكيه نهاراً.
فقالت :يا أبا الحسن c،ما أقل مكثي بينهم ،وما أقرب مغيبي من بين أظهرهمّ
فبنى لها (ع) بيتاً خلف البقيع وسمّاه (بيت األحزان) ،فإذا أصبحت قَدَّمت الحسن والحسين( cع)
أمامها وخرجت إليه ،وهي تمر على البقيع باكية ،فإذا جاء الليل أقبل علي (ع) ورافقها إلى منزلها.
وكان لبكائها دور كبير في كشف الواقع المنحرف الذي عاشته (ع).
53
مقرر سيرة 311
ومما جاء في تأبين علي لها قوله ...( :وستنبؤك ابنتك بتظافر أمتك على هضمها ،فأحفِها السؤال
واستخبرها الحال ،هذا ولم يطل العهد ،ولم يخل cمنك الذكر).
ولم يترك رسول اهلل موقع الخالفة من بعده هدراً؛ وإنما كان المرتكز في أذهان األمة أن
الخليفة هو اإلمام علي من بعد رسول اهلل ،جاء ذلك لكثرة األحداث وسيرة الرسول (ص) التي عمّقت
هذا األمر في أذهان األمة.
حتى أنه لما بويع أبوبكر ندم كثير من األنصار على بيعته والم بعضهم بعضاً وكان موقف
اإلمام علي وفاطمة (ع) من بيعة أبي بكر هو الرفض تمسكاً باالختبار اإللهي بالنصوص الثابتة عن
رسول اهلل (ص) ،ولم تكن السقيفة هي األسلوب الشرعي حيث لم يشارك فيها أهل الرأي كعلي وبني
هاشم وسائر المهاجرين واألنصار.
من هنا نجد فاطمة قد احتجت حينما هجموا على دارها بالقول (ال عهد لي بقوم أسوأ محضر
منكم )...وهكذا وقفت فاطمة إلى جنب علي (ع) توضح مظلوميته قائلة (ما صنع أبو الحسن إال ما
كان ينبغي له) وبقي بيت فاطمة مقراً للموالين لإلمام علي (ع) ممّا اضطر أبابكراً وعمراً أن
يداهما بيت اإلمام الخليفة الشرعي بعد رسول اهلل (ص) ،وأخيراً أقدما على غصب حق فاطمة وإرثها
من أبيها (فدك) خوفاً من أن يكون دعماً للمعارضة واتخذت فاطمة موقفاً سلبياً من الخليفة أبي
بكر جرّاء هذه الممارسات ،وكشفت الواقع المنحرف وتبنت مقام اإلمام علي ،وبقيت حزينة مهضومة
مظلومة حتى توفيت (ع).
المناقشة
س :1ما الدليل على أن موقف فاطمة (ع) من علي (ع) كان موقفاً مبدئياً وليس عاطفياً؟
س :2ما هو نص احتجاج فاطمة (ع) على إثبات إمامة علي (ع)؟ وما هو الدليل الصريح على إمامته
(ع)؟
ما هي أهم مظاهر مساندة فاطمة لعلي (ع) إلعادة الخالفة إليه؟ س:3
أذكر دليلين على هجوم القوم على دار فاطمة. س:4
ما هو الدليل النقلي والعقلي على ملكية فاطمة (ع) لفدك؟ س:5
ما هي األسباب وراء عدم رضا فاطمة (ع) عن أبي بكر وعمر؟ س:6
54
مقرر سيرة 311
س :7ما هي مظاهر االنحراف التي شخصتها فاطمة (ع) في أقوالها؟
س :8كيف عبّرت فاطمة (ع) عن مظلوميتها؟
س :9لماذا لم يحضر أبوبكر وعمر في تشييع فاطمة (ع) ودفنها؟
س :10ارتحلت فاطمة (ع) إلى الرفيق األعلى وهي في سن الثامنة عشرة ،ما هي األسباب والعوامل
التي أدت إلى قصر عمرها؟
55