Download as docx, pdf, or txt
Download as docx, pdf, or txt
You are on page 1of 25

‫صفات املرأة يف أدب العقاد‬

‫إعداد‪:‬‬

‫د‪ .‬إمتثال عبد املاجد عمر‬


‫أستاذ مشارك بكلية الرتبية‬
‫جامعة الزعيم األزهري‬
‫ت ـ ‪0915176477‬‬
‫الربيد االلكرتوين ‪:‬‬
‫‪imtithalabdelmagid@gmail,com‬‬
‫‪--------------------------------------------‬‬

‫‪ 1441‬هـ ‪2019 -‬م‬

‫‪1‬‬
‫املستخلص‬

‫تناولت هذه الدراسة صفات املرأة يف أدب العقاد ‪ ،‬حيث أوضحت أن العقاد قد عرف أكثر من نوع واحد من النســاء ‪،‬‬
‫فقــد عــرف املرأة أمـاً وأختـاً ‪ ،‬وعرفهــا موضــع دراســة أقــام عليهــا دراســاته الــيت اســتخلص من خالهلا آرائــه فيهــا ‪ ،‬مث عرفهــا‬
‫معشـوقة تأخـذ مبجـامع قلبـه‪ ،‬وقـد هـدفت الدراسـة إىل ‪ :‬توضـيح أراء العقـاد يف املرأة من خالل أدبـه ‪ ،‬وتبـيني أن النسـاء‬
‫الاليت عــرفهن العقــاد كن ســبباً الســتنتاج هــذه اآلراء وتعميمهــا على مجيــع النســاء ‪ .‬تتبلــور مشــكلة الدراســة يف هــذه الورقــة‬
‫من أن البــاحثني مل يتعرضــوا لفلســفة احلب عنــد العقــاد وآرائــه املختلفــة حــول املرأة ‪ ،‬منصــبة نفسي للــرد على هــذه اآلراء‬
‫‪،‬وتــربز أمهيــة هــذه الورقــة يف تصــحيح مــا نســب إىل العقــاد من آراء حــول املرأة وتعميمهــا على موقفــه منهن مجيعـاً ‪ ،‬وقــد‬
‫اتبعت الدراســة املنهج الوصــفي التحليلي للوصــول إىل مــا هــدفت إليــه من نتــائج ‪ ..‬معتمــدة على ُأمــات املصــادر واملراجــع‬
‫ْ‬
‫والدواوين الشعرية‬

‫مث ُخ تمت الدراسة خبامتة احتوت أهم النتائج والتوصيات واليت كان من أبرزها إن العقاد إلـتزم موقفـاً واحـداً من النسـاء‬
‫مجيعاً فلم تتنوع مواقفه بتنوع من عرفهن ‪.‬‬

‫الكلمات املفتاحية ‪ :‬صفات ‪ ،‬مرأة ‪ ،‬أدب ‪ ،‬أخالق‬

‫‪Abstract‬‬

‫‪The study handled the‬‬

‫‪woman's attributes in Alagad's literature, it clarified that he knew more‬‬


‫‪than one kind of woman, he knew the woman as a mother and a sister, he‬‬
‫‪knew her as a subject of study where he conducted his studies and‬‬
‫‪extracted his views. He knew the woman as a love that he adored. The‬‬
‫‪study aimed to clarify Alagad's attitudes towards the woman via his‬‬
‫‪literature, and it was revealed that the women he knew were the cause for‬‬
‫‪his views and generalizing them to all the women. The problem of the‬‬
‫‪study is crystallized in the fact that researchers have not exposed Alagad's‬‬
‫‪philosophy of love and his various views about woman. I took upon my‬‬
‫‪shoulders the response to these views. The significance of the paper is‬‬
‫‪represented in correcting what was attributed to Alagad and his different‬‬

‫‪2‬‬
‫‪views about the woman and his stand towards them. The study used the‬‬
‫‪descriptive analytical method to achieve the objectives depending on‬‬
‫‪genuine sources, references and collections of poems. The study concluded‬‬
‫‪with a number of findings and recommendations, the most important one‬‬
‫‪is that Alagad had only one stand towards all the women and his stand does‬‬
‫‪not vary according to the various women he knew.‬‬

‫‪Keywords: Qualities, Mirror, Literature, Ethics‬‬

‫مقدمـ ـ ــة‬

‫اجا لِتَ ْس ُكنُوا ِإلَْي َها َو َج َع َل َبْينَ ُك ْم َم َو َّدةً َو َرمْح َةً ‪[)1( } ..‬‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫قال تعاىل‪ِِ ِ :‬‬
‫{وم ْن آيَاته َأ ْن َخلَ َق لَ ُك ْم م ْن َأْن ُفس ُك ْم َْأز َو ً‬
‫َ‬

‫واضــح من اآلي ــة الكرمية أن املرأة ( س ــكن ) للرج ــل ‪ ،‬وليس من املألوف أن حيذر إنس ــان عن س ــكنه ‪ ،‬أو يتج ــاىف‬
‫عن اهلدوء والطمأنينــة فيــه ‪ ،‬ولكن األســتاذ العقــاد وحبكم معرفــيت بــه – من خالل أدبــه – كثــرياً مــا حيذر ذلــك الســكن ‪،‬‬
‫ويتجــاىف عن اهلدوء والطمأنينــة فيــه ‪ ،‬فقــد عرفتــه شــكاكاً ‪ ،‬يشــك يف املرأة حــىت يف أبســط األشــياء ‪ ،‬فيصــفها بصــفات ال‬
‫ترضاها وال يرضاها مناصريها ‪ :‬كالرياء ‪ ،‬واخليانة ‪ ،‬وجيردها من العطف ‪..‬‬

‫وبعد وقويف على جممل آرائه يف املرأة دفعتين الغرية على حقوق بنات جنسي أن أمجع ورقة حبثيــة يف هــذا املوضــوع‬
‫بعنوان (صفات املرأة يف أدب العقاد ) ‪ .‬حماولة الرد على بعض آرائه يف املرأة ما استطعت إىل ذلك سبيال ‪.‬‬

‫مشكلة الدراسة‪:‬‬

‫تتمثل مشكلة هذه الدراسة يف إثارة عدد من التساؤالت اليت حتاول الورقة اإلجابة عنها‪:‬‬

‫‪ -1‬ما الصفات اليت وصف هبا العقاد املرأة من خالل أدبه ؟‬

‫‪ - 2‬ما األسباب اليت دعت العقاد ليحكم على النساء بالسلوك السافل الدنئ ؟‬

‫‪ -3‬من ِمن حمبوباته جعلته ِّ‬


‫يعمم هذا احلكم على مجيع النساء ؟‬

‫أمهية الدراسة‪:‬‬

‫كل مما يأيت ‪:‬‬


‫تتمثل أمهية الدراسة يف ٍّ‬

‫‪3‬‬
‫‪ -1‬كشف آراء العقاد يف املرأة من خالل أدبه‬

‫توضيح املربرات املنطقية ملواقفه من املرأة عموماً أو من بعض النساء ممن تعرف عليهن يف مسرية حياته‬ ‫‪-2‬‬

‫أهداف الدراسة‪:‬‬

‫تسعى هذه الورقة لتحقيق مجلة من األهداف ؛ أمهها ‪:‬‬

‫‪ -1‬توضيح أراء العقاد يف املرأة من خالل أدبه‬

‫‪ -2‬دحض تعميم آرائه على كل النساء‬

‫منهج الدراسة‪:‬‬

‫التزمت الدراسة املنهج الوصفي التحليلي ‪.‬‬

‫هيكل الدراسة‪:‬‬

‫تقــوم هــذه الدراســة على‪ :‬خطــة قوامهــا ‪ :‬مقدمــة ‪ :‬تضــمنت مشــكلة الدراســة وأمهيتهــا وأهــدافها ‪ ،‬املنهجيــة املتبعــة يف‬
‫ـت املبحث األول ألمنــا حــواء والثــاين ألخالق املرأة ‪،‬‬
‫الدراســة ‪،‬وهيكلــة املوضــوع حيث قُســمت ألربعــة مبــاحث خصصـ ُ‬
‫وكان الثالث للتفاوت بني اجلنسني ‪ ،‬والرابع ومسته بنساء يف حياة العقاد مث خامتة تضمنت أهم النتائج والتوصيات تشفع‬
‫عتمدت يف دراسة هذه الورقة‬ ‫بقائمة املصادر واملراجع اليت اُ ِ‬

‫اجلدير بالذكر أن أراء العقاد حول املرأة ترتكز يف ثالثة حماور كربى ‪ ،‬هي ‪:‬‬
‫أوالً ‪ :‬صفاهتا الطبيعية ‪ ،‬وتشمل الكالم على قدرهتا وكفايتها خلدمة نوعها وقومها‬
‫ثانياً ‪ :‬حقوقها وواجباهتا يف األسرة واجملتمع‬
‫ثالثاُ ‪ :‬املعامالت اليت تفرضها هلا اآلداب واألخالق ‪ ،‬ومعظمها يف شئون العرف والسلوك(‪)2‬‬

‫املبحث األول‬

‫أمنا حـ ـ ـ ـ ـ ــواء‬

‫‪4‬‬
‫حتدث العقــاد عن املرأة منــذ أن أخــرجت حــواء آدم من اجلنــة إىل يومنــا هــذا ‪ ،‬حيث حتدث عنهــا يف كتابــه‬
‫املس ــمى ( ه ــذه الش ــجرة ) معتم ــداً يف ذل ــك على وسوس ــة الش ــيطان حلواء باألك ــل من الش ــجرة ال ــيت هنى اهلل عن أكله ــا ‪،‬‬
‫فيصــف طبيعتهــا بــالولوع بــاملمنوع والــدالل و االغــواء واالغــراء وســوء الظن واملراوغــة والتنــاقض والعنــاد وضــعف اإلرادة‪،‬‬
‫حيث يقــول ‪" :‬رأت املرأة أن الشــجرة جيــدة لألكــل وأهنا هبجــة للعيــون شــهية للنظــر فأخــذت من مثرهــا وأكلت فــأعطت‬
‫بعلهــا معهــا أيضـاً فأكــل ‪ ،‬فــانتفخت أعينهمــا وعلمــا أهنمــا عريانــان ‪ ...‬ونــادى الــرب آدم وقــال لــه أين أنت ؟ فقــال مسعت‬
‫صوتك يف اجلنة فخشيت ألين عريان فاختبأت ‪ ،‬فقال ‪ :‬من أخربك أنك عريان؟ هل أكلت من الشجرة الــيت أوصــيتك أال‬
‫تأك ــل منه ــا؟ فق ــال آدم ‪ :‬املرأة ال ــيت جعلته ــا معي هي أعطت ــين من الش ــجرة ف ــأكلت ‪ ،‬فق ــال ال ــرب للم ــرأة ‪ :‬م ــاذا ال ــذي‬
‫فعلت ؟ فقالت املرأة ‪ :‬احلية غرتين فأكلت ‪)3( " ...‬‬ ‫ِ‬

‫هــذه القصــة اخلالــدة يف األديــان الكتابيــة ‪ ،‬جعلهــا العقــاد رمــزاً خالــداً إىل طبيعــة املرأة ‪ :‬فهي – على حــد قولــه – تفعــل مــا‬
‫تنهى عن ــه ‪ ،‬وهي تغ ــري الرج ــل ‪ ،‬ويف ك ــل من ه ــذين اخللقني ‪ ،‬ي ــرى العق ــاد دليالً جممالً على خالئ ــق وص ــفات مفص ــلة‬
‫تنطوي يف ذلك الرمز الكبري ‪ ،‬معضداً حديثه يف ذلك بقول الشاعر اجلاهلي طفيل الغنوي‪:‬‬

‫مأكول‬
‫ُ‬ ‫املر‬
‫وبعض ِّ‬
‫ُ‬ ‫املرار‬
‫منها ُ‬ ‫إن النساءَ كأشجا ٍر َ‬
‫نبنت معاً‬ ‫َّ‬
‫مفعول (‪)4‬‬
‫ُ‬ ‫واجب ال بد‬
‫ٌ‬ ‫فإنَّه‬ ‫ينهني عن ُخ ٍلق‬
‫إن النساء مىت َ‬

‫حيث يرى أن هذا الشاعر البدوي – ابن الفطرة وابن البادية‪ -‬اُهلِ َم خالصة قصة الشجرة يف بيتيه املطبوعني ‪ ،‬وخالصــتها‬
‫أن املرأة تغــري بأكــل املر الــذي ال يســاغ أو ال يســوغ ‪ ،‬وأهنا تفعــل مــا تنهى عنــه ‪ ،‬فهــو عنــدها ( واجب البــد مفعــول)ـ ‪،‬‬
‫فكل خلق كامن يف املرأة – عنده – يظهر يف هذا الولع املمنوع (‪)5‬‬

‫مث يواصل العقاد يف أن هـذه الشـجرة الـيت أكلت منهـا حـواء ألهنا هنيت عنهـا ‪ ،‬والـيت طعمت منهـا مث أطعمت آدم معهـا –‬
‫هذه الشـجرة هي عنـوان مـا يف املرأة من خضـوع يــؤدي إىل لـذة العصــيان ‪ ،‬ومن دالل يــؤدي إىل لـذة املمانعـة ‪ ،‬ومن سـوء‬
‫ظن وعناد وضعف‪ ،‬واستطالع جهل ‪،‬وعجز يف املغالبة ‪)6( ...‬‬

‫واجلدير بالذكر أن هذه الصفات قد ختتلف من امرأة إىل أخرى ‪ ،‬فقد ختتفي يف امــرأة متامــا ‪ ،‬وقــد تظهــر يف غريهــا‬
‫بنسب متفاوتة – وليس الرجل مبنأى عن بعضها ‪.‬‬

‫مث إن جل كتب التفاسري برأت حواء بل وآدم من اخلطيئة وعزت الغواية إل إبليس حيث يقول الـرازي يف تفسـري اآليـات‬
‫أعاله عرضاً آراء من قال مبعصية آدم عليه السالم مث فند هذه اآلراء بالدليل والربهان فكان من ضمن هذه الوجوه‬
‫آد ُم َربَّهُ َفغَ َوى" ( ‪)7‬وإمنا‬ ‫ص ٰى َ‬ ‫الوجه األول ‪ :‬أنه كان عاصياً والعاصي البد وأن يكون صاحب كبرية لقولهـ تعاىل ‪َ " :‬و َع َ‬
‫ِإ‬ ‫"و َمن َي ْع ِ َّ‬
‫ص اللهَ َو َر ُسـولَهُ فَـ َّن لَـهُ نَ َـار َج َهن َ‬
‫َّم "‬ ‫قلنا إن العاصي صاحب كبرية ألن النص يقتضي كونـه معاقبـاً لقولـه تعـاىل‪َ :‬‬
‫‪5‬‬
‫الر ْشـ ُد ِم َن الْغَ ِّي "(‪ )9‬فجعـل‬ ‫(‪)8‬الوجه الثاين ‪ :‬أنه كـان غاويـاً لقولــه‪" :‬فغــوى" والغي ضـد الرشــد لقولــه ‪ " :‬قَــد تََّبنَّي َ ُّ‬
‫الغي مقابالً للرشد‬
‫ُو‬ ‫ات َفتَ َ ِ ِإ‬ ‫الوجه الثالث ‪ :‬أنه تاب والتائب مذنب ‪ ،‬وإمنا قلنا إنه تاب لقوله تعاىل ‪َ " :‬فَتلَقَّى آدم ِمن َّربِِّه َكلِم ٍ‬
‫اب َعلَْيه نَّهُ ه َ‬ ‫َ‬ ‫ٰ َُ‬
‫اب َعلَْي ِـه َو َه َـد ٰى "(‪ )11‬وإمنا قلنـا التـائب مـذنب ألن التـائب هـو النـادم‬ ‫اجتَبَاهُ َربُّهُ َفتَ َ‬
‫الت ََّّواب َّ ِ‬
‫الرحيم‪ )10("  ‬وقال ‪ " :‬مُثَّ ْ‬ ‫ُ‬
‫على فعــل الــذنب والنــادم على فعــل الــذنب خمرب عن كونــه فــاعالً للــذنب فــإن كــذب يف ذلــك اإلخبــار فهــو مــذنب بالكــذب‬
‫وإن صدق فيه فهو املطلوب‬
‫ِِ‬ ‫ِ‬
‫َّجَر َة "(‪)13‬‬ ‫َّجَر ِة‪َ " )12("  ‬واَل َت ْقَربَـا َٰـه ذه الشـ َ‬ ‫الوجه الرابع ‪ :‬أنه ارتكب املنهي عنه يف قوله " َأمَلْ َأْن َه ُك َما َعن ت ْل ُك َمـا الشـ َ‬
‫وارتكاب املنهي عنه عني الذنب‬
‫ِر لَنَ ــا َوَت ْرمَحْنَ ــا لَنَكُونَ َّن ِم َن‬ ‫ِإ‬
‫الوج ــه اخلامس ‪ :‬أن ــه اع ــرتف بأن ــه ل ــوال مغف ــرة اهلل إي ــاه لك ــان خاس ــراً يف قول ــه ‪َ " :‬و ن مَّلْ َت ْغف ْ‬
‫ِ‬
‫ين " ( األعراف ‪ ) 23‬وهذا يقتضي كونه صاحب كبرية(‪)14‬‬ ‫اخْلَاس ِر َ‬
‫مث يفند الرازي هذه الوجوه من عدة جوانب ‪:‬‬
‫أوالً ‪ :‬إن كالمكم يتم ل ــو أتيتم بالدالل ــة على أن ذل ــك ك ــان ح ــال النب ــوة ‪ ،‬وذل ــك ممن ــوع فلم ال جيوز أن يق ــال إن آدم –‬
‫عليه السالم – حاملا صدرت عنه هذه الزلة مل يكن نبياً ‪ ،‬مث بعد ذلك صار نبياً‬
‫ثاني ـاً ‪ :‬ال نســلم أن آدم وحــواء قبال من إبليس ذلــك الكالم وال صــدقاه فيــه ألهنمــا لــو صــدقاه لكــانت معصــيتهماـ يف هــذا‬
‫التصــديق أعظم من أكــل الشــجرة ألن إبليس ملا قــال هلمــا ‪ " :‬مــا هناكمــا ربكمــا عن هــذه الشــجرة إال أن تكونــا ملكني أو‬
‫تكونــا من اخلالــدين " (‪ )15‬فقــد ألقى إليهمــا ســوء الظن باهلل تعــاىل ودعامها إىل تــرك التســليم ألمــره والرضــا حبكمــه وإىل‬
‫أن يعتقـدا فيــه كـون إبليس ناصــحاً هلمـا وأن الـرب تعـاىل قـد غشـهما ‪ ،‬ال شـك أن هــذه األشــياء أعظم من أكـل الشــجرة ‪،‬‬
‫فــوجب أن تكــون املعاتبــة يف ذلــك أشــد ‪ ،‬وأيضـاً كــان آدم عليــه الســالم عاملاً بتمــرد إبليس عن الســجود وكونــه مبغضـاً لــه‬
‫وحاسداً له على ما أتاه اهلل من النعم ‪ ،‬فكيف جيوز من العاقل أن يقبل قول عدوه مع هذه القرائن ‪ ،‬وليس يف اآلية أهنمـا‬
‫أقدما على ذلك الفعل عند ذلك الكالم أو هبده؟!‬
‫ثالث ـاً ‪ :‬وهــو اختيــار أثــر املعتزلــة ‪ ،‬أنــه عليــه الســالم أقــدم على األكــل بســبب اجتهــاد أخطــأ فيــه ‪ ،‬وذلــك ال يقتضــي كــون‬
‫ِِ‬
‫َّجَر َة "فلفظ "هذه" قـد يشـار بـه إىل الشــخص وقــد‬ ‫الذنب كبرية ‪ ،‬بيان االجتهاد اخلطأ أنه ملا قيل له ‪َ " :‬واَل َت ْقَربَا َٰهذه الش َ‬
‫يشار به إىل النوع ‪ ،‬وروي أنه عليه السالم أخذ حريراً وذهبـاً بيـده وقـال ‪ " :‬هـذان حـل إلنـاث أمـيت حـرام على ذكـورهم‬
‫" (‪)16‬وأراد بــه نوعهمــا ‪ ،‬وروي أنــه عليــة الصــالة والســالم توضـأ مــرة وقــال " هــذا وضــوءٌ ال يقبــل اهلل الصــالة إال بــه " (‬
‫‪)17‬وأراد نوع ــه ‪ ،‬فلم ــا مسع آدم علي ــه الس ــالم قول ــه تع ــاىل ‪َ " :‬واَل َت ْقَربَ ــا ٰـَهـ ِذ ِه ال َّشـ ـ َجَرةَ " ظن أن النهي إمنا يتن ــاول تل ــك‬
‫الشجرة املعينـة فرتكهـا وتنـاول من شـجرة أخـرى من ذلـك النـوع إال أنـه كـان خمطئـاً يف ذلـك االجتهـاد ألن مـراد اهلل تعـاىل‬
‫من كلم ــة " ه ــذه" ك ــان الن ــوع ال الش ــخص واالجته ــاد يف الف ــروع إذا ك ــان خط ــًأ ال ي ــوجب اس ــتحقاق العق ــاب واللعنـ‬
‫الحتمال كونه صغرية مغفورة كما يف شرعنا(‪)18‬‬
‫ه ــذا وإذا ب ـ َّـرأت كتب التفس ــري س ــيدنا آدم من اخلطيئ ــة وع ــزت ذل ــك إلبليس فتربيئ ــه ح ــواء من ب ــاب أوىل ‪ ،‬مث إذا‬
‫سلمنا بأن الغواية كانت من الشيطان ‪ ،‬فإهنا كانت لكليهماـ ‪ ،‬وأن احلديث يف هذا الشأن جاء من اهلل تعاىل بصيغة املثىن‬

‫‪6‬‬
‫ث ِش ـْئتُ َما َواَل َت ْقَربَ ــا َٰهـ ِذ ِه ال َّش ـ َجَر َة َفتَ ُكونَ ــا ِم َن‬ ‫ُك اجْلَنَّةَ فَكُاَل ِم ْن َحْي ُ‬ ‫َأنت َو َز ْوج َ‬ ‫آد ُم ا ْسـ ـ ُك ْن َ‬ ‫يف معظم اآلي ــات { َويَ ــا َ‬
‫ـال َمــا َن َها ُك َـمـا َربُّ ُك َمـا َع ْن َـه ِـذ ِه ال َّشـ َجر ِة ِإاَّل‬
‫ي َعْن ُه َمـا ِم ْن َسـ ْوآهِتِ َما َوقَ َ‬ ‫ِ‬ ‫ِ ِ‬ ‫ِِ‬
‫الظَّالم َ‬
‫َ‬ ‫ي هَلَُمـا َمـا ُوور َ‬ ‫س هَلَُمـا ال َّشـْيطَا ُن ليُْبـد َ‬ ‫ني َف َو ْسـ َو َ‬
‫ِ‬ ‫ِِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫َّجَر َة‬ ‫ني (‪ )21‬فَ َـداَّل مُهَا بغ ُُرو ٍر َفلَ َّما َذاقَـا الشـ َ‬ ‫ين (‪َ )20‬وقَامَسَ ُه َما ِإيِّن لَ ُك َمـا لَم َن النَّاصـح َ‬ ‫ِ‬
‫َأ ْن تَ ُكونَا َملَ َكنْي َْأو تَ ُكونَا م َن اخْلَالِد َ‬
‫َأقُل لَ ُك َمـا ِإ َّن‬ ‫ان َعلَْي ِهمـا ِم ْن ور ِق اجْلَن َِّة ونَ َادامُهَـا ربُّ ُهمـا َأمَلْ َأْن َه ُكمـا َع ْن تِْل ُكمـا الشـ َ ِ‬ ‫ت هَل مـا سـوآتُهما وطَِف َقـا خَي ْ ِ‬
‫صـ َف ِ‬
‫َّجَرة َو ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ َ‬ ‫َ‬ ‫ََ‬ ‫َ‬ ‫بَ َـد ْ َُ َ ْ ُ َ َ‬
‫ني }(‪)19‬‬ ‫الشَّْيطَا َن لَ ُك َما َع ُد ٌّو ُمبِ ٌ‬
‫ث ِش ـْئتُ َما َواَل َت ْقَربَــا َٰـه ِذ ِه ال َّش ـ َجَر َة َفتَ ُكونَــا ِم َن الظَّالِ ِمينَــا‪،‬‬ ‫ُك اجْلَنَّةَ َو ُكاَل ِمْن َهــا َر َغـ ًـدا َحْي ُ‬
‫َأنت َو َز ْوج َ‬ ‫آد ُم ا ْس ـ ُك ْن َ‬ ‫" َو ُق ْلنَــا يَــا َ‬
‫ض ـ ُك ْم لَِب ْع ٍ‬ ‫ِِ‬ ‫مِم‬
‫ض ُم ْس ـَت َقٌّر َو َمتَــاعٌ ِإىَل ٰ‬ ‫ض َعـ ُـد ٌّو ۖ َولَ ُك ْم يِف ْ‬
‫اَأْلر ِ‬ ‫َأخَر َج ُه َـمـا َّا َكانَــا فيــه ۖ َو ُق ْلنَــا ْاهبِطُوا َب ْع ُ‬
‫فَ ََأزهَّلَُـمـا ال َّش ـْيطَا ُن َعْن َـهـا فَ ْ‬
‫ني "(‪)20‬‬ ‫ِح ٍ‬
‫واملالحــظ من اآليــات أعاله أن اخلطــاب مل يكن حلواء بــل كــان لكليهمــا ‪ ،‬فلم خص العقــاد حــواء باخلطيئــة دون آدم عليــه‬
‫السالم ‪ ،‬هذا ما نربر له يف املباحث املقبلة‬

‫املبحث الثاين‬
‫أخـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــالق املـ ـ ـ ـ ـ ـ ــرأة‬
‫خيانة املرأة ‪:‬‬

‫‪7‬‬
‫وصـ ــف املرأة بأهنا خائنـ ــة ختون من حتب ‪ ،‬ويصـ ــفها بعـ ــدم الوفـ ــاء من خالل قصـ ــته ( سـ ــارة ) حيث يقـ ــول على‬
‫لساهنا ‪ ( :‬امسع يافالن إنين ال أؤمن بصداقة املرأة للمرأة ‪ ،‬وال عزاء يل يف معاشــرة الصـديقات املزعومـات على اإلطالق ‪،‬‬
‫فـ ـ ــإن مل يكن إىل جـ ـ ـ ــانيب رجـ ـ ـ ــل أهابـ ـ ـ ــه ‪ ،‬وأحبـ ـ ـ ــه واعتمـ ـ ـ ــد على سـ ـ ـ ــنده ‪ ،‬فأنـ ـ ــا يف وحشـ ـ ــة اهلالكني ‪ ،‬وأنـ ـ ــا ضـ ـ ـ ــعيفة ‪...‬‬
‫ضــعيفة ‪...‬ضــعيفة ‪ ،‬الطاقــة يل على دفــع الغوايــة ‪ .......‬فمــا هــو إال موعــد أو موعــدان حــىت أحس كمــا حيس كــل رجــل‬
‫يفهم طباع املرأة اليت يهواها ‪ ،‬إهنا مل حتافظ على وفائها ‪ ،‬ومل حتفظ جسدها أيام الغياب ) ( ‪)21‬‬

‫ومن هذا النص الذي ساقه العقـاد على لسـان حمبوبتـه سـارة ‪ ،‬نـدرك مـايرمي إليـه وهي أن املرأة خمادعـة غاويـة ‪ ،‬تفـىن‬
‫أمام من حتب لتومهه أنه املقصود بفنائها ‪ [،‬ويصورـ يف إحدى قصائده جتاهلها وخداعها له ‪ ....‬فيقول ‪:‬‬

‫أين يف احلب مطمعي‬ ‫هل درى من أحبُّه‬

‫مثلما قلبه مع ــي‬ ‫هل معي اآلن قلبه‬

‫**********‬

‫أم أرى الطيف بالرجاء‬ ‫هل أراه بناظري‬

‫وهو يف البعد كالسماء‬ ‫رمبا بات زائري‬

‫**********‬

‫ليتين باهلوى أبوح‬ ‫ليته يكشف الضمري‬

‫إن عطر اهلوى يفوح‬ ‫فاكشف الروض ياعبري‬

‫**********‬

‫ما احتياجي إىل شفيع‬ ‫شرعة القلب شرعيت‬

‫يف يدي – زهرة الربيع ( ‪)22‬‬ ‫إن تسلين فحجيت‬

‫[ وليس يف هــذه األبيــات مــا يشــري صــراحة إىل خــداعها أو ارتباطهــا بــه يف ســلوكها ‪ ،‬فعرَّب يف قصــيدة أخــرى ارتباطهــا‬
‫باخلداع ومدى مالزمتها له حىت صارت جزءاً من طبيعتها ؛ يقول يف قصيدة ( املرأة واخلداع ) ‪]:‬‬

‫حب اخلداع طبيعةٌ فيها‬


‫ُّ‬ ‫املالم فليس يثنيها‬
‫خل َ‬ ‫ِّ‬

‫‪8‬‬
‫ورياضةٌ للنفس حتييها‬ ‫هو سرتها وطالءُ زينتها‬

‫من يصطفيها أو يعاديها‬ ‫وسالحها فيمن تكيد به‬


‫ُ‬

‫من طول ذل بات يشقيها‬ ‫وهو انتقام الضعف ينقذها‬

‫ما مل يرده قضاء باريها‬ ‫أنت امللوم إذا أردت هلا‬

‫ختلص إىل أغلى غواليها (‪)23‬‬ ‫خنها وال ختلص هلا أبداً‬

‫وقد أعجبـين رد د عبـداحلي ديـاب على األسـتاذ العقـاد يف مسـألة خـداع املرأة والـدعوة إىل خيانتهـا إذ قـال ديـاب ‪:‬‬
‫« ولست أدري ما احلكمة يف الدعوة إىل خيانة املرأة ؟ هل خيانتها تؤدي حقيقة للوصول إىل قلبهـا ؟ أعتقـد عكس ذلــك‬
‫‪ ،‬وذلــك بأدلــة العقــاد نفســه ‪ ،‬إذ قــال لنــا فيمــا ســبق ‪ :‬إن املرأة أصــدق يف قــوانني األخالق فيمــا تــوحي بــه الفطــرة وأن كــل‬
‫امرأة يف هذه الشئون قادرة أن ترى الطري من مسرية األبد المن مسرية ثالثـة أيـام ‪ ،‬وإذا صـح كالم العقـاد – وهـو الشـك‬
‫وحينئذ تدعوها هذه املعرفة إىل اخلروج عن حد االعتدال ‪ ،‬حيث إن الوفاء حد‬‫ٍ‬ ‫صحيح – فإهنا تعرف خيانات زوجها ‪،‬‬
‫– كما قال العقاد نفسه » (‪)24‬‬

‫التناقض من صفات املرأة ‪:‬‬

‫من الصـفات الـيت تشـكل أخالق املرأة – كمـا يـرى العقـاد – التنـاقض ‪ ،‬والتنـاقض عنـده خلـة ال منـاص منهـا يف تكـوين‬
‫املرأة خاصــة ‪ ،‬ألهنا خلــة مالزمــة لألنوثــة يف الــزم لوازمهــا ‪ ،‬ومها ‪ :‬األمومــة واحلب بشــىت معانيــه ‪ ،‬فاللــذة واألمل نقيضــان يف‬
‫كل كائن حي ‪ ،‬لكن مها ميشيان سوياً يف أحساس املرأة فتجمــع بينهمــا اضــراراً من حيث تريــد ومن حيث ال تريــد إذ إن‬
‫أسعد ساعاهتا هي الساعة اليت تتحقق فيها أنوثتها اخلالدة وأمومتها املشتهاة‪ ،‬وهي ساعة الوالدة (‪)25‬‬

‫ففي تلــك الســاعة يغمرهــا فــرح ال يوصــف إذ هي تنجب ذلــك املخلــوق احلي الــذي صــربت على محلــه حــىت أســلمته إىل‬
‫ال ــدنيا راض ــية مرض ــية ‪ ،‬ولكنه ــا م ــع ه ــذا هي أش ــد س ــاعات اآلالم واألوج ــاع يف جس ــد األم الط ــريح بني املوت واحلي ــاة ‪.‬‬
‫فالنقيضان يف إحساسها يلتقيان ويتجاوران ‪ ،‬فيمتزجـان أحيانـاً فال ينفصـالن ‪ .‬ومن هنـا تراهـا يف غبطـة وهي تعـاين األمل ‪،‬‬
‫وتراها يف أمل وهي ختتلج بالسرور (‪)26‬‬

‫ويفسر لنا سر هذا التناقض بأن املرأة ُخلِقت يتنازعها إحساسان ‪ :‬إحساس العاشـقة والوالـدة ‪ ،‬فـإذا تنبـه فيهـا إحسـاس‬
‫العاشــقة ‪ ،‬رأيت فيهــا مرامــا بعيــداً وســرها أن يكــون مســتعلياً على خصــومه ‪ ،‬وإذا تنبــه فيهــا إحســاس األمومــة آثــرت الرفــق‬
‫وودت لو أن األرض كلها رخاء ( ‪) 27‬‬

‫‪9‬‬
‫مث إن العقاد يرى أن هناك حالتان تضاعفان ظهورـ التناقض عند النساء اال ومها‬

‫طبيعــة املراوغــة ‪ :‬يف تــراوغ وتــدلل ألن قيمتهــا موقوفــة على غريهــا أو معلقــة بنظــرة غريهــا إليهــا ‪ ...‬فهي حتب أن تعــرف‬
‫قيمتها ‪ ،‬وال تعرف قيمتها إال مبقدار ما تكلف الرجل من الصرب عليها واحتمال الدالة احملببـة منهـا والــدالل واملراوغــة نــوع‬
‫وهن الراغبات‬
‫من اإلباء ‪ ،‬أو نوع من املخالفة والعصيان‪ ،‬وإغراء بتكرار الطلب وتكرار املمانعة ‪ ...‬يتمن َّْع َن َّ‬

‫طبيعــة االســتغراق يف الســاعة الــيت هي فيهــا ونســيان مــا قبلهــا ومــا بعــدها ‪ ،‬فيبلــغ العجب أشــده مبن يراقبهــا أن يراهــا تنتقــل‬
‫بني أطواره ــا كم ــا ينتق ــل املمث ــل بني أدواره وال خيل ــط بينه ــا وال يس ــتبقي من س ــوابقها بقي ــة يف تواليه ــا ‪ .‬فمن املش ــاهد أن‬
‫الرج ــل إذا قض ــى يوم ـاً أو أســبوعاً يف من ــاداة اس ــم من األمساء – ال س ــيما ن ــداء املفاجــأة – أخط ــأ فس ــبق ب ــه لس ــانه يف حمل ــة‬
‫أخرى اليود أن يذكره فيها ‪ ،‬بل لعلهـ يـود أن يكتمـه وال يـومئ إليـه ‪ .‬وقلمـا يشـاهد هـذا يف حمادثـات املرأة ولـو تالحقت‬
‫بني س ــاعة وس ــاعة ‪ ،‬ألن الس ــاعة ال ــيت هي فيه ــا تس ــتويل عليه ــا فال ي ــزل لس ــاهنا باإلش ــارة إىل غريه ــا ‪ ،‬ألهنا تس ــتعني هن ــا‬
‫بطبيعتني أصليتني فيها ‪ ،‬مها ‪ :‬طبيعة النفاق ‪ ،‬وطبيعة االستغراق (‪)28‬‬

‫الـذي عنــدي أن العقــاد قـد أصـاب يف احلاق صـفة التنــاقض بـاملرأة ‪ ،‬إذ البـد من التنـاقض يف طبـع األنــثى ألهنا شخصــية‬
‫حيــة خاضــعة للمــؤثرات الــيت تتناوهلا من عــدة جهــات ‪ ،‬فهي مســتجيبة لألثــر احلاضــر ‪ ،‬وقــد تبــدها اآلثــار احلاضــرة من كــل‬
‫صوب ال من صوب واحد‬

‫فاملرأة من جهة عضو يف بيئة اجتماعية هي ‪ :‬األمة أو املدينـة أو القبيلـة ‪ ،‬فهي هنـا زوجـة أو بنت أو أخت أو صـاحبة‬
‫عمل ‪ ،‬جتمعها بتلك البيئة االجتماعية صلة العرف والشريعة‬

‫واملرأة من جهة انثى هلا تركيب حيوي يربطها مبخلوق آخر ال يتم وجوده بغريه‬

‫واملرأة من جهة أخرى أم حتب أبنائها بالغريزة واإللفة ‪ ،‬وتصرب يف سبيلهم على مشـقات وآالم يؤدهـا الصـرب عليهـا يف غـري‬
‫هذا السبيل‬

‫وهي بعــد هــذا كلــه كــائن حي من حيث هي وليــدة احليــاة يف مجلتهــا أي ـاً كــان هــذا النــوع الــذي تنتمي إليــه ‪ ،‬واألمــة الــيت‬
‫تعيش بينها‪ ،‬والعالقة اليت جتمعها بالزوج أو األهل أو البنني‬

‫وقد ختتلف عليها هذه الوجهات مجيعاً ‪ ،‬فال مفر هلا من التناقض معها ‪ ،‬ألن مقاصد الفرد املســتقبل واألنـثى املفتونــة واألم‬
‫اليت تنسى نفسها يف حناهنا ‪ ،‬والكائن االجتماعي الذي يرعى مطالب العرف والشريعة ‪ ،‬أو الكائن احلي الذي هتزه احلياة‬
‫هبذه النوازع كما يهزه مبا عداها‪ -‬كل أولئك خيتلف ويتناقض الحمالة ‪ ،‬وال يتأتى التوفيق بينه إال يف الندرة العارضة‬

‫‪10‬‬
‫والرياء‬
‫املرأة ِّ‬

‫ومن صـ ــفات املرأة ال ــيت تش ــكل أخالقهـ ــا – عن ــد العق ــاد – الري ــاء ‪ ،‬ول ــه يف مس ــألة ري ــاء املرأة آراء قدمية ق ــدم كتابـ ــه‬
‫(اإلنس ــان الث ــاين) حيث ذهب في ــه إىل أن املرأة ُأش ــتُ ِهرت بالري ــاء ‪ ،‬وه ــو من عالم ــات ض ــعف الثق ــة ب ــالنفس ‪ ،‬فتتظ ــاهر مبا‬
‫يروق للناس ويوافق آرائهم ارتياباً منها يف نفسها واستصغاراً لرأيها‬

‫فالعقاد يرى أن األداة البالغة من أدوات اإلغواء واإلغراء هي قدرة املرأة على الرياء والتظاهر بغري ما ختفيــه‪ ،‬فهــذه اخلصــلة‬
‫قد تسمو فيها حىت تبلغ رتبة الصرب اجلميـل والقـدرة على ضـبط الشـعور ومغالبـة األهـواء ‪ ،‬وقـد تسـفل حـىت تعافهـا النفـوس‬
‫كما تعاف أقبح اخلصال والنفاق ‪ ،‬وقد أعانتها عليها روافد شىت من صميم طبيعة األنوثة‬

‫فمن أسباب القدرةـ على الرياء أن املرأة قد ريضـتـ زمنـاً على إخفـاء حبهــا وبغضـها ‪ ،‬ألهنا ختفي احلب أنفـة من املفاحتة بــه‬
‫والس ــبق إلي ــه ‪ ،‬وهي ال ــيت ُخلِقت لتتمن ــع وهي راغب ــة ‪ ،‬وختفي البغض ألهنا حمتاج ــة إىل املداراة كاحتي ــاج ك ــل ض ــعيف إىل‬
‫مداراة األقوياء‬

‫ومن أسباب القدرة على الرياء أو القدرة على ضبط الشعور –كما حتلـو تسـميتها لـه – أن مغالبـة اآلالم قـد عودهتا مغالبـة‬
‫اخلواجل النفسية مادامت يف غىن عن مطاوعتها والكشف عنها‬

‫صفات أخري ‪:‬‬

‫أحلق العقــاد بــاملرأة صــفات هي بريئــة منهــا يف كثــري من األحيــان ‪ ،‬فيجردهــا من صــفة ُجبلت عليهــا منــذ األزل أال‬
‫وهي ( صــفة احليــاء ) ‪ ،‬يقــول العقــاد ‪ « :‬من ضــالل الفهم أن خيطــر على البــال أن احليــاء صــفة أنثويــة ‪ ،‬وأن النســاء أشــد‬
‫اســتحياء من الرجــال ‪ ،‬والواقــع أن املرأة ال تعــرف احليــاء مبعــزل عن تلــك الغريــزة العامــة ‪ ،‬وأن الرجــال يســتحون حيث ال‬
‫تســتحي النســاء ‪ ،‬فيســترتون يف احلمامــات العامــة ‪ ،‬وال تســترت املرأة مــع املرأة إال لعيب جســدي تواريــه ‪ ...‬وال تســرت املرأة‬
‫للفطرة شيئاً ميكنها أن تبديه ‪ ،‬إذا كان يف عرضه جملبة للنظر واالستحسان » ( ‪)29‬‬

‫وحقيقــة األمــر أن هنــاك فئــة من النســاء من هــذا النــوع ‪ ،‬وقــد تكــون هــذه الفئــة ممن عــرفهن العقــاد ‪ ،‬ولكن ليس معــىن‬
‫هذا أن يعمم العقاد حكمه على مجيع النساء ‪ ،‬ألن لكل قاعدة شواذ‬

‫ويــرى العقــاد أن املرأة جاهلــة مســتبدة ‪ ،‬وحــىت النظافــة الــيت جبلت عليهــا منــذ زمن بعيــد – جيردهــا منهــا ‪ ،‬ويــرى أن املرأة‬
‫تتنظف بإيعاز من الرجل وإلرضائه‪)30(،‬‬

‫‪11‬‬
‫وال يتواىن العقاد من إحلاق الصفات املرذولة باملرأة ‪ ،‬فها هو ذا جيردها من الشجاعة ‪ ،‬وهو بذلك خيالف بعض ما عرفت‬
‫به النساء يف الواقع من ذلك أن بعض النساء متتعن بشجاعة وقــوة إرادة فــاقت الرجـال ‪ ،‬وإن كـانت السـمة الغالبــة عليهن‬
‫االحج ــام ‪ ،‬مما جع ــل الرج ــل – ال ــذي بفطرت ــه ‪،‬حب الس ــيطرة – حيظ ــر عليه ــا م ــا حباه ــا اهلل ب ــه ‪ ،‬ويناديه ــا ب ــالرجوع عن‬
‫رأيها ‪ ،‬وجيعلها قابعة يف املنزل ‪ ،‬وإذا أرادت اخلروج عن هذه الدائرة الضيقة ظن هبا الظنون ‪.‬‬

‫مث يص ــف العق ــاد املرأة بأهنا ض ــعيفة ‪ ،‬وعن ــد العق ــاد أن الول ــع ب ــاملمنوع والعن ــاد خالص ــة طب ــائع املرأة ال ــيت تنمي إىل‬
‫أس ــباب كثــرية ال تنحص ــر يف س ــبب واحــد ‪ ،‬ولكن الســبب األكــرب أهنا تُؤمر وتُنهى ‪ ،‬وأهنا تُؤمر وتنهى ألهنا أضــعف من‬
‫آمرهـا وناهيهـا ‪ ،‬والتـزال معـه أبـدًأ بني لـذة اخلضـوع ولـذة العصـيان ‪ ،‬ولعلهـا ال تعصـي إال لتعـود كـرة أخـرى إىل خضـوع‬
‫أعمق وأشهى من خضــوع البدايــة وال تولــع املرأة بـاملمنوع ألهنا حمكومــة وكفى‪ ،‬أو ألهنا حمكومـة لضــعفها واعتمادهــا على‬
‫من مينعه ــا ‪ ،‬ب ــل هي تول ــع ب ــاملمنوع ألهنا تت ــدلل وألهنا تس ــئ الظن وألهنا تعان ــد ‪ ،‬وألهنا جته ــل وتس ــتطلع ‪ ،‬وألهنا موهون ــة‬
‫اإلرادة ال تطيــق الصــرب على حمنــة الغوايــة واالمتنــاع ‪ .‬وكــل أولئــك عنــوان خلصــلة أخــرى من ورائهــا ‪ ،‬هي خصــلة الضــعفـ‬
‫األصيل (‪))31‬‬

‫وإن العطف الذي تُعامل به إمنا هو ناتج عن ضعفها ‪ ،‬وعندي أن هذا الرأي فيه الكثري من التعســف ‪ ،‬وإن نــادت الشــرائع‬
‫اإلسالمية حبسن معاملتهـاـ للمـرأة فهـذا ال يعـين التقليـل من شـأهنا أو أهنا ضـعيفة ‪ -‬كمـا يـزعم العقـاد بـل على العكس فهـو‬
‫ع ــزة هلا وكرام ــة ‪ ،‬فاهلل س ــبحانه وتع ــاىل يق ــدرها ح ــق تق ــدير فق ــد أك ــد اإلس ــالم على دور املرأة يف احلروب ومش ــاركتها‬
‫للرجل يف ذلك مبا يتالءم مع طبيعتها؛ فاملرأة تستطيع مشاركة الرجل يف املعارك من خالل االعتناء باجلرحى والعناية هبم‪،‬‬
‫سجل التاريخ مشاركة بعض النساء يف املعارك من خالل القتال كما فعلتـ نسيبة بنت كعب املازنية الــيت زادت عن‬
‫كما ّ‬
‫رســول اهلل عليــه الصــالة والســالم يــوم معركــة أحــد ‪ .‬ومن مظــاهر تكــرمي اإلســالم كــذلك للمــرأة أن أ ّكــد على حقهــا يف‬
‫التعليم؛ سواءً كان بتحصيل العلم أو تعليم الناس‪ ،‬ومثال على ذلك السـيدة عائشـة رضـي اهلل عنهـا الـيت كـانت تعلم النـاس‬
‫علوم الفقه والشريعة رضي اهلل عنها وأرضاه ‪ ،‬فاملرأة إذن صانعة األجيال وملهمةـ الرجال‬

‫ويس ــتطرد ش ــاعرنا يف وص ــفه للم ــرأة ‪ ،‬حيث يلح ــق هبا ص ــفة العن ــاد ‪ ،‬فهي عني ــدة تفع ــل م ــا تُنهى عن ــه وتنتهي عن‬
‫مــاتؤمر بــه ‪ ،‬وهي تغــري الرجــل ‪ ،‬وعنــده أن كــل ولــع كــامن يف املرأة يظهــر يف الولــع بــاملمنوع (‪ ، )32‬مســتنداً يف ذلــك‬
‫على قول الشاعر اجلاهلي ( طفيل الغنوي )‬

‫مأكول‬
‫ُ‬ ‫املر‬
‫وبعض ِّ‬
‫ُ‬ ‫املرار‬
‫منها ُ‬ ‫إن النساءَ كأشجا ٍر َ‬
‫نبنت معاً‬ ‫َّ‬
‫مفعول‬
‫ُ‬ ‫واجب ال بد‬
‫ٌ‬ ‫فإنَّه‬ ‫ينهني عن ُخ ٍلق‬
‫إن النساء مىت َ‬

‫‪12‬‬
‫ونـ ــراه يع ـ ــزي س ـ ــبب عناده ـ ــا إىل أهنا حمكوم ـ ــة ؛ وأن من دأب احملك ـ ــوم أن حين إىل التمـ ــرد واملخالفـ ــة ‪ ،‬ويتلـ ــذذ العص ـ ــيان‬
‫للمسيطرين عليه ؛ حىت يثبت وجوده ‪ .‬والذي عندي أن مترد احملكوم على حاكمه صفة تشمل الرجال والنســاء على حـ ٍـد‬
‫سواء ال النساء فقط كما يقول العقاد‬

‫املبحث الثالـ ــث‬

‫التفاوت بني اجلنسني‬

‫املرأة واجلرمية ‪:‬‬

‫ويذهب العقاد إىل املقارنـة بني املرأة والرجـل يف كثـري من األمـور ‪ ،‬ففي مسـألة اإلجـرام مثالً ‪ ،‬يقـول األسـتاذ ‪:‬‬
‫إن املرأة ليس ــت بأس ــلم جانبـ ـاً من الرج ــل يف ه ــذا اجلانب ‪ ،‬ألهنا أمي ــل من ــه إىل الش ــحناء والش ــجار ‪ ،‬ولق ـدـ أغناه ــا عن أن‬

‫‪13‬‬
‫تكــون جمرمــة بنفســها أهنا جترم بيــد الرجــل ‪ ،‬ألن أكــثر اجلرائم إمنا يقــع بســببها وألجلهــا ‪ ،‬فهي تــدرك مــا تشــاء من اجلرمية‬
‫دون أن تتحمل تبعاهتا ‪ ،‬وقلما تقع مصيبة أو كارثة – يف رأي العقاد – إال وكانت وراءها امــرأة ‪ ،‬فهي وإن كــانت أقــل‬
‫من الرجل عبثاً فليس أقل منه خطايا وآثام (‪)33‬‬

‫واملرأة وإن أجرمت ‪ ،‬إال إن إجرامها يف الواقع دون إجرام الرجـل ‪ ،‬وليس هنـاك أدىن مقارنـة بني نسـبة إجـرام الرجـل‬
‫وإجرام املرأة ‪ ،‬أياً كان السبب يف ذلك ‪ .‬ومن الغريب أن العقـاد جيعـل املرأة جترم بيـد الرجـل ‪ .‬وال يفعـل الرجـل ذلـك إال‬
‫إذا وصل به الضعف أمامها حبيث ال ميلك نفسه فتشكله املرأة على حسب هواها ‪ ،‬فتجعله جمرماً !!‬

‫هذا ‪ ،‬ويستمر العقاد يف ربطه بني املرأة والرجل يف كل شيء كأهنا كلبه األمني ‪ ،‬فهي عنده ال تستطيع أن تؤدي يف‬
‫حياهتا أبســط األدوار الــيت يقــوم هبا الرجــل ‪ ،‬مث يقــول جميبـاً على من يعــزون ســبب تفــوق الرجــل على املرأة بــأن املرأة كــان‬
‫حمجور عليها يف القرون املاضية – يقــول ‪ :‬إن احلجـر نفســه دليـل على التفـوق ‪ ،‬مث يســتطرد أن املرأة مل يكن حمجـور عليهــا‬
‫يف طبخ الطعــام بــل زاولتــه قبــل الرجــل بــألوف الســنني ‪ ،‬ولكنــه تفــوق عليهــا ‪ ،‬كــذلك احلال يف اســتعمال أدوات الزينــة ‪،‬‬
‫حيث إن املرأة تلجــأ إىل الرجــل يف أفــانني الــتزيني ) (‪ )34‬يقــول يف ذلــك ‪ " :‬فــاملرأة ال تبتــدئ وال تبتــدع يف صــناعة من‬
‫الصـناعات أو فن من الفنــون ‪ ،‬وإن طــال عملهــا فيــه وانقطعت لـه أحقابـاً بعـد أحقــاب ‪ .‬فـإن شـاركها الرجـل يف الطهي أو‬
‫اخلياطــة أو النســيج أو الــتزيني أو التجميــل – وهي صــانعتها الــيت غــربت على مزاولتهــا مئــات األحقــاب – كــان لــه الســبق‬
‫بالتجويد واالفتتان ‪ ،‬واستطاع يف هذه الصناعات نفسها أن يستأثر بإقبال املرأة وثقتها دون أن ينافسـه فيهـا من النسـاء‪" .‬‬
‫(‪)35‬‬

‫مث يستطرد العقاد يف مقارنته بني مقدرةـ املرأة ومقدرةـ الرجل يف شىت اجملاالت إذ يقول ‪ :‬وال ينكشف قصور املرأة وتفوق‬
‫الرجــل عليهــا يف فن من الفنــون ‪ ،‬كمــا ينكشــف يف فن الغنــاء واملوســيقى على اإلمجال ‪ ،‬فقــد ظُ َّن خطــأ أن الغنــاء صــناعة‬
‫نســائية ينبغي أن حتذقها املرأة كمــا حيذقها الرجــل أو تــرىب عليــه ‪ ،‬وقــد ســنحت هلا فــرص احلذق واالتقــان يف هــذا الفن بني‬
‫القصـ ــورـ ويف األكـ ــواخ واألسـ ــواق ‪ ،‬فلم يـ ــؤثر هلا ابتكـ ــار يف التلحني وال اخـ ــرتاع يف اآلالت وال افتنـ ــان يف معـ ــاين التعبـ ــري‬
‫باألحلان واألصوات ‪ ،‬إذ الواقع أن االبتداء بالغناء خاصة من خواص الرجل المعىن لتفوق النساء فيها (‪)36‬‬

‫وقد أعجبين جداً تربير العقاد لتفوق الرجال على النساء يف مسألة الغناء ألنه فعال " كل ميسر ملاخلق لـه" يقـول ‪ " :‬وهلذا‬
‫يستويف صوت الرجل مناءه بعد البلوغ ويعظم جتويف صدره وتكمل أوتار حنجرته وتتم له عــدة املخــارج الصــوتية حينمــا‬
‫تتم ل ــه مقوم ــات الرجول ــة وممتلكاهتا‪ ...‬وينعكس األم ــر إذا ُسـ ـلب ه ــذه املقوم ــات وامللك ــات ‪ ،‬فتض ــعفـ حنجرت ــه وتض ــيق‬
‫كتفــاه ويشــتبه صــوته بأصــوات النســاء واألطفــال ‪ ،‬وقلمــا يظهــر التغيــري على خمارج املرأة الصــوتية بعــد املراهقــة أو بلوغهــا‬
‫مبلغ النساء (‪)37‬‬

‫‪14‬‬
‫وخالفـاً ملا ذهب إليــه العقــاد ؛ مل يكن عــدم تفــوق املرأة على الرجل قصــوراً منهــا ‪ ،‬ولكن األهليــة الــيت وضــعها اهلل‬
‫لك ــل من اجلنس ــني ختتل ــف وظيفته ــا حس ــب ك ــل جنس ‪ ،‬فتف ــوق الرج ــل فيم ــا يناس ــب طبيعت ــه ‪ ،‬بينم ــا تف ــوقت املرأة فيم ــا‬
‫يناســبها ‪ ،‬فلــو قــام الرجـل مثالً فـادعى أنــه يسـتطيع أن يـزاحم املرأة يف احلمـل والــوالدة والرضــاع ‪ ،‬لقــام يف وجهــه مكـذب‬
‫من تركيب اجلسم ونظام أجهزته وأعضائه‬

‫وال يفــوت أســتاذنا العقــاد أن يطــرق بــاب املرأة كعاملــة وأديبــة وينكــر براعتهــا يف األدب ويف شــعر املراثي على وجــه‬
‫اخلصوص ‪ ،‬فعنده أن املرأة منذ القدم كانت تنوح وتبكي وتطيل الرثاء واحلداد وترثي موتاهــا ‪ ،‬لكن مـع ذلـك مل جند يف‬
‫اآلداب العامليــة مرثيــة من نظم شــاعرة تضــارع مــراثي الفحــول من الشــعراء ‪ ،‬الــذين مل ينقطعــوا للرثــاء ومل ينظمــوا فيــه إال‬
‫عرضـاً ‪ .‬والــذي عنــدي أن الشــاعرة الــيت فــاقت الرجــال يف شــعر املراثي موجــودة ‪ ،‬وليس لنــا أن هنضــمها حقهــا ‪ ،‬أال وهي‬
‫اخلنساء ‪.‬‬

‫وهو وإن أنكر براعة املرأة يف األدب والفنون فإن قرحيته أوحت له أن يكتب عن أم كلثوم قائالً ‪:‬‬

‫اً من اهلل بالرجاء‬ ‫أم كلثـ ــوم يا بشري‬

‫وهلل يف الفن أنبياء‬ ‫انت من وحيـ ـ ـ ــه‬

‫ذب من عرشه نداء‬ ‫ذلك الصوت صوتك الع‬

‫خلد لكنه ضياء‬ ‫فيه س ــر من جنة الـ‬

‫ويكشف الغطاء (‪)38‬‬ ‫فيه ما يرفع احلجاب‬

‫واليفوتين يف ختام هذا املبحث أن اسرد نصاً ألحد بنات حواء الذي اعتربه العقاد غروراً لكين أراه عني الصواب ‪ ،‬يقــول‬
‫‪ ":‬ليس إال غرور كغرور بنت حواء يزين هلا أن تقول للرجل ‪ :‬أنا ربة اجلمال وصاحبة القوة فوق اجلمال ‪،‬أسعى ســعيك‬
‫وأدأب دأبك وليس هذا كل ماعندي ‪ ،‬بل إنك لتعمل والعائق لك يثنيك عما أنت آخذ فيه ‪ ،‬أما أنا فأعمـل كمـا تعمـل‬
‫يف حني أهنض بأعبــاء احلمــل والوضــع واحلضــانة والرتبيــة ‪ ،‬فأغــالب عامــل التعب واألمل وأنت تنــوء بواحـ ٍـد منهــا ‪ ،‬والأراين‬
‫وأشد جلداً وأمجل منظراً َّ‬
‫وأحد ذكاءً‬ ‫قانعة بأن أكون مثلك ‪ ،‬فإين ألصلب منك عوداً َّ‬

‫املبحث الرابع‬

‫نساء يف حياة العقاد‬

‫‪15‬‬
‫هــذا ‪ ،‬وبعد العــرض الســريع للصــفات الــيت أحلقهــا العقــاد بــاملرأة من خالل أدبــه ‪ ،‬البــد يل من وقفــة ســريعة مــع نســاء‬
‫ع ــرفهن العق ــاد وارتب ــط هبن يف حيات ــه ‪ .‬ففي قص ــته ( س ــارة) ‪ ،‬جتد أن حمبوب ــة العق ــاد س ــارة مل تكن تع ــرف للحي ــاء س ــبيالً‬
‫شـغلتها جــواذب اجلسـد قبــل أن تفقـه معناهــا وتســمع بامسها ومســماها ‪ ،‬فلمـا كـانت بنيَّة دارجــة يف املدرســة ذهبت يومـاً‬
‫إىل كرســي االعــرتاف تســتغفر الكــاهن عن خمالفــة وصــية من الوصــايا العشــر الــيت حفظتهــا وتتــوب عن مغارفــة اخلطيئــة الــيت‬
‫دعوها يف املدرسة ( متعة أو ترفاً ) – على سبيل الكناية ‪ ،‬فذعر الكاهن ومل يصدق ما يسمع ‪ ،‬واستعادها مـرة بعـد مـرة‬
‫‪ .....‬مــاذا ؟؟؟ فيمــا دون العاشــرة وبني جــدران املدرســة ليس فيهــا إال البنــات والتــزال بنيَّة مل يكعب ثــدياها وتغــرتف أم‬
‫اخلطايا اليت يغرتفها النساء والرجال؟ (‪)39‬‬

‫هــذه هي ســارة إحــدى النســاء الاليت عــرفهن العقــاد ‪ ،‬عــرفت طريقهــا للخطيئــة وهي طفلــة مل تتجــاوز العاشــرة ‪ ،‬والعقــاد‬
‫نفس ــه ي ــذكر لن ــا أهنا ك ــانت ت ــزوره دون تكل ــف وتص ــحبه أينم ــا أراد ‪ ،‬دون أن تلتفت إىل الع ــرف واملب ــادئ واألخالق ‪،‬‬
‫وتذهب هبا اجلرأة أن تعرتف بأن عالقتهــا بالعقـاد مل تكن األوىل ‪ ،‬وتعــرتف بال خجـل بإمياهنا بصـداقة الرجـال دون النســاء‬
‫وخلوهتم هبا هنا وهناك (‪)40‬‬

‫فالعقــاد معــذورـ إن وصــفها بالشــذوذـ والتخلي عن القيم واملبــادئ ‪ ،‬فهي وثنيــة بكــل املقــاييس ‪ ،‬ومعــذورـ أيض ـاً إن‬
‫وصــفها بكــل الصــفات الدنيئــة الــيت تتمثــل فيهــا وتتجســد يف شخصــها ‪ ،‬فهــا هــو ذا يقــول عنهــا ‪ " :‬هي من ذوات املالمح‬
‫والوجوه اللوايت اليطالعنك مبنظر واحد يف حمضرين متتاليني – تراهـا مـرة فـأنت مـع طفلـةـ الهيـة ‪ ،‬تفتح عينيهـا الربيئـتني يف‬
‫دهشة الطفولة و سذاجة الفطرة بغري كلفة وال رياء ‪ ،‬وتراها بعد حني – وقد تراهـا يف يومهـا – فـأنت مـع عجـوز مـاكرة‬
‫أفنت حياهتا يف م ــرامي كي ــد النس ــاء وده ــاء الرج ــال ‪ ،‬تض ــحك ض ــحكة فتع ــرض ل ــك وجه ـاً ال يص ــلح لغ ــري الش ــهوات ‪،‬‬
‫وضحكة أخرى – وقد تكون على إثر األوىل – فذاك عقل يضحك ولب يسخر " (‪)41‬‬

‫إذن كيف للعقاد أن يعيب على املرأة التناقض ‪ ،‬وقد استوىل قلبه على امرأة هبذه الصفات املتناقضة؟؟؟‬

‫وكــل نســاء العقــاد الاليت عــرفهن مل خيرجن من هــذا املســار ‪ ،‬فهن شــبيهات ( بســارة ) وإن كــان لبعضــهمـ بقيــة من حيــاء‬
‫مثل (مي زيادة ) و( هدية الكروان ) ‪،‬‬

‫لكن الذي اليُعقـل أن جيعـل العقـاد هـؤالء النسـوة مثـاالً لكـل نسـاء العـامل فيصـدر احلكم عليهن بالسـلوك السـافل‬
‫الدنئ ‪ ،‬مث إن العقاد نفسه يدرك مكانتهن جيداً ‪ ،‬لذلك وجدناه يصف إحدى حمبوباته (املمثلة) بقوله‬

‫صدقتهم يف املقال‬ ‫لوقيل بنت اهلوى‬

‫ويف شيوع النوال‬ ‫ورثه يف السخاء‬

‫‪16‬‬
‫مل ختطري يل ببال‬ ‫لوكان فيك بقائي‬

‫من باهلوى يبايل‬

‫كوين إذن حيث كنيت‬

‫هنت واهلل ِ‬
‫هنت‬ ‫قد ِ‬

‫بل خذي الناس طرا‬ ‫خذي عشيقني مثلي‬

‫وذاك يلقاك ظهرا‬ ‫يلقاك هذا بالي ـ ــل‬

‫خيدعك نذالن مكرا‬ ‫ان ختدعيين رب نبل‬

‫وتشريب اجلام مرا‬

‫حىت يقال ِ‬
‫جننت‬

‫هنت واهلل ِ‬
‫هنت (‪)42‬‬ ‫قد ِ‬

‫فهــذه املمثلــة خائنــة ولــوع بامللــذات ال حتفــظ جســدها أيــام الغيــاب ومــادامت تلــك صــفاهتا فحــري بالعقــاد أن يصــفها‬
‫بكل الصفات السابقة الذكر ‪ ،‬ولكن ليس من حقـه أن يعمم هـذه الصـفات على مجيـع النسـاء ‪ ،‬إذن هـذه هي املمثلـة كمـا‬
‫عرفها العقاد غادرة غاوية ‪ ،‬ويقول فيها أيضاً‬

‫هي ال خالف وال اشتباه‬ ‫هـ ــذي فتايت هـ ــذه‬

‫هي يف الصبا هي يف حاله‬ ‫هي يف بديع قوامها‬

‫من غوايتها وآه‬ ‫هي يف غوايتها وآه‬

‫**********‬

‫بالوفاء من اللسان‬ ‫ال ختدعين يابنية‬

‫خنا وخنيت وال أقول سلي فالنة أو فالن‬

‫واآلن حنن الباقيان(‪)43‬‬ ‫ذهبت خيانتنا معا‬


‫‪17‬‬
‫كما يصفها بعدم الوفاء إذ يقول‪:‬‬

‫مين اجلواب بال مراء‬ ‫هيا اسأليين وامسعي‬

‫أوفييت يل ؟ كال لكين وفيت لك اجلزاء‬

‫وآه من حلف النساء (‪)44‬‬ ‫وكذاك أنيت وإن حلفيت‬

‫واملالحظــة اجلديرة بالــذكر أعاله قولــة ( وآه من حلــف النســاء ) إذ كــان األجــدر أن يقــول ( حلفــك يامسراء ) بــدالً‬
‫من ( حلف النساء ) – ألن املمثلة كانت تدعى السمراء ‪ ،‬لكنه العقاد يأخذ صفات حمبوباته فيجعلها قاعدة عامة تشــمل‬
‫مجيع النساء‬

‫ويكفي هنا ندحض تعميم آراء العقاد على املرأة بأن نذكره مبحبوبته ( صاحبة الكــروان ) ‪-‬اجلدير بالــذكر أن العقــاد‬
‫ترجم حبه هلذه الفتاة يف ديوان أمساه (هدية الكروان )‪-‬كيــف وصــف بنفسـه قداســتها و عفتهـا وطهرهـا واعتـداهلا ووفائهــا‬
‫(‪)43‬فبعد أن مألت تلك احملبوبة حياة العقـاد هبجـة وضـياء ‪ ،‬وأخـذت حتتـل من قلبـه الكبـري املكـان الـذي كـانت تـرتبع فيـه‬
‫ســارة ‪ ،‬فجــأة يهــدد هــذا اهليــام – ســفر تلــك احملبوبــة إىل الصــعيد يف زيــارة لبعض أهلهــا ‪ ،‬فكــانت خالل غياهبا وفيــة حلبهــا‬
‫تراسل حمبوهبا وتفقده (‪)45‬‬

‫فالعقاد جنده رغم وفاء حمبوبته هذه يصفها باخليانة وعدم الوفاء‬

‫حب اخلداع طبيعة فيها‬ ‫خل املالم فليس يثنيها‬

‫أال يكون حفظ هذه احملبوبة لعهده حىت يف غياهبا عنه ومراسلتها له أثناء البعد –أاليكـون ذلــك دليالً على وفائهــا ‪ ،‬فلمــاذا‬
‫يــاترى جرده ــا من ه ــذه الصــفة ‪ ،‬رمبا ألهنا من النــوع املعتــدل الــذي يعطي بقــدر على خالف حمبوبتــه ســارة وال ــيت كــانت‬
‫ولوعاً بامللذات‬

‫كمــا نــذكره ب ـ (مي زيــادة) الــيت هي واحــدة ممن عشــقهن وهــام هبن كيــف كــانت عفيفــة طــاهرة شــريفة بعيــدة عن اللهــو‬
‫واالغــواء وكــانت إذا غازهلا العقــاد جمرد مغازلـةـ – تــومي لــه بأصــبعها كاملنــذرة املتوعــدة ( ‪)46‬فيبــدو أن مي لعبت أخطــر‬
‫دور يف حياة العقاد ‪ ،‬ألهنا أعطته من السعادة ما مل يكن خيطر له على بال ‪ ،‬ولكنها وقفت أمامه نِداً لند وناوأت رجولتــه‬
‫وسطوته وكربيائه ‪ ،‬وصدمت أحالم العقاد بفرديتها واستغالهلا وشباهبا املتأنق املدرك ألصول العالقات (‪)47‬‬

‫‪18‬‬
‫فالعقاد إذن أصبح حمباً ل ـ ـ ـ ـ (مي ) بكـل مـايف الكلمـة من مع ٍ‬
‫ـان وموحيـات ‪ ،‬وإذا مـا أحب العقـاد فالبـد من أن يكـون حلبـه‬
‫مثرة تطفي غليله الذي احرتق به قلبه وتتنزه هبا أحاسيسه ‪ ،‬ومن هنا نراه يتلهف لتقبيـل يـد حبيبتــه ‪ ،‬ويعـد منعهــا لـه غضـباً‬
‫أو دالالً أو خوفاً من الرقيب ‪ ،‬فيقول‪:‬‬

‫صافحيين أال مصافحة اليوم وال قبلة على الكف عجلى‬

‫أم حذار الرقيب تأنني خجلي (‪)48‬‬ ‫أغضبا حتمنيها أم دالالً‬

‫ويــزداد تلهــف العقــاد على أن يقطــف الفاكهــة احملرمــة ‪ ،‬فهــو ال يرضــى من حمبوبتــه أن يكــون احلب طــاهراً فقــط ‪،‬‬
‫(كيف ال وهي وعيناها حتريان مبا فيهما من شعاع وأنفهـا الـذي جيمـل تقاسـيم وجهـه ‪ ،‬الـذي حيتـل فيـه الفم الـوردي عطـر‬
‫أنوثتهــا وبســمة فمهــا ) (‪ )49‬بــل يريــد منهــا أن متأل قلبــه بــاحلب الطــاهر واحلب امللتهب املتقــد‪ ،‬ولكن ممن يريــد العقــاد أن‬
‫خيطــف تلــك الفاكهــة؟ من مي زيــادة الــيت ُخلقت راهبــة يف ديــر –على حــد تعبــري العقــاد نفســه (‪ - )50‬أمن هــذه يريــد أن‬
‫خيطف الفاكهة كال وألف كال‪ ،‬بل إهنا إذا تعدى حدوده نصبت من نفسها معلمة لـه وأشـارت لـه ليقـف عنـد حـدوده (‬
‫‪)51‬‬

‫هذه هي مي نراها تقف للعقـاد بكـل قـوة وصـرامة تقـف لـه كاملنـذرة املتوعـدة ‪ ،‬أوال يكفي هـذا بـأن يكـون دليالً على قـوة‬
‫املرأة ال ضعفها ؟!‬

‫وبعـ ــد كـ ــل ه ـ ــذه الص ـ ــفات ال ـ ــيت احلقهـ ــا العقـ ــاد بـ ــاملرأة وأغض ـ ــبها هبا ‪ ،‬يرجـ ــع لينصـ ــفها حقهـ ــا ‪ ،‬يف رده على‬
‫(أوتــووبتجر) األملاين الــذي وصــف املرأة بالقســاوة وبالدة احلس مســتنداً على ذلــك بأهنا تســتطيع أن ترافــق املرضــى وتصــرب‬
‫على خدم ــة املص ــابني ‪ .‬يق ــول العق ــاد ‪ ( :‬وأوىل ذل ــك عن ــدي أن يك ــون دليالً على االس ــتغراق يف عاطف ــة الرمحة ال اخلل ــو‬
‫منها ‪ ...‬إىل أن يقول ‪ :‬إن الشفقة إذا جلت بصاحبها فقد ينسى أمل املعذب الذي حرك شفقته حباً إلنقاذه وختفيــف أمله ‪،‬‬
‫وقذ يصرب على رؤيته يف أشد ساعات األمل واحلزن) (‪)52‬‬

‫ومما يعضد دفاع العقاد عن املرأة رده على علقمة بن عبدة يف أبياته اليت يقول فيها‬

‫بَصري بِ َْأدو ِاء الن ِ ِ‬ ‫ِّس ِاء فِإنَّيِن‬ ‫يِن‬ ‫ِإ‬


‫يب‬
‫ِّساء طَب ٌ‬ ‫َ‬ ‫ٌ َ‬ ‫فَ ْن تَ ْسَألُو بالن َ‬
‫ِ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫يب‬
‫س لهُ م ْن ُو ِّده َّن نَص ُ‬
‫أس الْ َم ْرء َْأو قَ َّل َمالُهُ َفلَْي َ‬ ‫ِإذَا َش َ‬
‫اب َر ُ‬
‫يب‬ ‫ِ‬ ‫ِ ِ‬ ‫ي ِرد َن َثراء الْم ِال حي ِ‬
‫ث َعل ْمنَهُ َو َش ْر ُخ الشَّبَاب ع َند ُه َّن َعج ُ‬ ‫ُ ْ َ َ َ َْ ُ‬
‫يقول العقاد يف هذا اجملال مدافعاً عن املرأة ‪ :‬حتب املرأة الشـباب ألنـه نفحـة اخللـود ‪ ،‬وحتب املال ألن بـه تثبت جـدارة‬
‫الرجل ‪ ،‬وال لوم عليها أن تريد ثراء املال وال تعدل به الفقر والفاقة (‪)53‬‬

‫‪19‬‬
‫وفــوق كــل هــذا وذاك جنده صــاحب رأي خــاص يف مســألة نــزول املرأة إىل ميــدان العمــل ‪ ،‬حيث إنــه ال ميانع يف شــغل‬
‫املرأة ‪ -‬فهذا حق من حقوقها – لكنه الشغل الذي يتفق واستعدادها الطبيعي لرعاية البيت واألمومة( ‪)54‬‬

‫طويلــة هي قصــة العقــاد مــع املرأة ‪ ،‬ولعل ـهـ خلصــها لنــا يف ســطور ضــمنها قصــته الوحيــدة ( ســارة ) حني قــال ‪ ( :‬حــواء‬
‫أخرجت الرجـل من جنـة وبناهتا كـل يـوم خُيْـ ِرجن من جنـات ‪ ...‬فهـل املرأة ضـرة اجلنـة تغـار منهـا غـرية الضـرائر ؟ النـدري‬
‫ولكنها هي املرأة أبداً التريد للرجل أن ينعم بغري نعيمها أو يسعد بغــري سـعادهتا ‪ ،‬وليس يعنيهـا أن تفـرح معـه كمــا يعنيهـا‬
‫أن تكون سبب فرحه وينبوع سعادته دون كل ينبـوع ‪ ،‬رمبا أرضـاها أن تكـون سـبب أمله وأملهـا ‪ ،‬ومل يرضـها أن تشـاركه‬
‫السعادة الوافية ‪ ،‬إن كان للسعادة سبب سواها ( ‪)55‬‬

‫ومجلــة مــا ميكن أن يقــال عن املرأة ‪ :‬إهنا تريــد يف كــل احلاالت أن تكــون شــغل الرجــل الشــاغل وقــد كــانت من واقــع‬
‫أدب العقــاد ‪ ...‬فهــو إن وصــفها بتلــك الصــفات ففي نظــره هي الــدنيا بكــل حماســنها ‪ ،‬هي الــدنيا بكــل مــا تزخــر من مجال‬
‫وقبح وفرح وحزن هي الدنيا ‪ ..‬يقول ‪:‬‬

‫ِ‬
‫انت هي الدنيا فهل من مزيد ؟‬ ‫ماذا من الدنيا – لعمري – أريد‬

‫وأجنـ ـ ــم زه ـ ـ ــر وأفق بعيد‬ ‫فيك لنا نــور ونـ ــار معا‬

‫وجوهـ ــر ح ـ ـ ــر و در نضي ــد‬ ‫وفيـك روض مسف ـ ــر عاط ـ ــر‬

‫بنش ـ ــوة منك مت ـ ـ ـ ــاع زهيد‬ ‫ونشــوة اخلمــر إذا قُوبلـ ــت‬

‫جن ــواك لغ ــو باطـل ال يفيد(‪)56‬‬ ‫والف إن مل تك ـ ــن جنواه مــن‬

‫وعلى كل فالعقاد أحب املرأة ‪ ،‬ومهما يقسو عليها فسرعان ما يعود ليربر تلك القسوة‬

‫فاكذبينـي مرتيــن‬ ‫أكذبيـي مــرة أو‬

‫بك يف غش ومي ــن‬ ‫ألف ألف من أعاجيـ‬

‫لن تبيد الفارق اخلالد يا قرة عينــي‬

‫نك يف اللب وبيين‬ ‫والسماوات اليت بيـ‬

‫**********‬

‫‪20‬‬
‫كلما شئيت اكذبيين‬ ‫اكذبيين واكذبيين‬

‫إن أىب أن ختدعيين‬ ‫ما غناء اللب عندي‬

‫منه مهما تسلبيين‬ ‫أنا يف ثروة وف ٍر‬

‫درمهاً أو درمهني(‪)57‬‬ ‫انقصيها أي ضري ؟‬

‫بعد هذا العرض السريع آلراء العقـاد حـول املرأة ‪ ،‬نقـول‪ :‬إذا كـان العقـاد قـد هـاجم املرأة بقسـوة يف كتبـه ومقاالتـه ‪ ،‬حـىت‬
‫حاول أن يسلبها أخص صفاهتا حني قال ‪ ( :‬تضحيات األمومة تتساوى فيها مع بعض إناث احليوان وليست فضالً هلا أو‬
‫فضيلة) ( ‪ )58‬فإن هـذا املوقـف يتالشـى متامـاً يف شـعره وإذا بـه يعتـذر إليهـا ويتحمـل قسـوهتا وتـدللها ويسـمح لنفسـه وهـو‬
‫الشامخ املعتز بكرامته أن يقبل يديها اللتني جترحانه‬

‫ومن باطرائي هلا أصدح‬ ‫أهجوك يا أكرم من أمدح‬

‫أقبل الكف اليت جترح‬ ‫قاسيــة انيت ولكنين‬

‫وأعظم القسـوة تلك اليت يلهو هبا اجملروح بل يفرح( ‪)59‬‬

‫ونقول أيضاً ‪ :‬سواء اهاجم العقاد املرأة أو هادهنا فقد دان هلا وجاش بالدمعـ وما ارتوى يقول‪:‬‬

‫وأعطفه حنوي فيعطف راضيـ ــا‬ ‫وأشكوه ماجييبين فينفر غاضباً‬

‫وحان التنائي جشت بالدمع باكيا‬ ‫وملا تقضى الليل إال أقـلـ ــه‬

‫مث أليس هي املرأة اليت جعلت العقاد يشدو قائالً‬

‫وأعجب كيف يب سكر‬ ‫ويب سكر متلكـ ـ ـ ـ ــين‬

‫لعــل مجالك اخلمر‬ ‫رددت اخلمر عن شفيت‬

‫**********‬

‫وأنت النور والعطـ ـ ــر‬ ‫نعم ِ‬


‫أنت الرحيق لنا‬

‫وهل غري اهلوى سحر؟‬ ‫ِ‬


‫وأنت السحر مقتدراً‬

‫‪21‬‬
‫وعن ــدي أن ليس للم ــرأة أن تغض ــب من العق ــاد ‪ ،‬ب ــل عليه ــا أن تك ــربه ألن ــه وق ــف إىل جانبه ــا يف الع ــام ‪، 1912‬‬
‫فنادى بتعليمها تعليماً عاماً ال نسوياً ‪ ،‬صاعداً هبا إاىل األفق األعلى من الثقافة اإلنسانية الرحبة‬

‫خامت ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــة ‪:‬‬

‫مجعت هذه الورقة بالوصـف والتحليـل آراء العقـاد يف املرأة ‪ ،‬وتعميمـه املغـايل فيمـا وصـفهن بـه من صـفات رذيلـة ‪:‬‬
‫كالريــاء واخليانــة وعــدم الوفــاء ‪ ،...‬معتمــداً فيمــا ذهب إليــه أن من بني النســاء الاليت عــرفهن العقــاد من ال يعــرفن للحيــاء‬
‫ليعممـ آراءه على كل النساء ‪.‬‬
‫سبيالً ‪ ،‬ومنهن الضعيفةـ املتخاذلة اليت ال سند هلا سوى الرجل ؛ فكان ذلك مدعاة له ِّ‬

‫النتائ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــج‬
‫من خالل هذا العرض توصلت الدراسة إىل النتائج التالية‬
‫‪ -1‬إن العقـ ــاد يف عالقتـ ــه بـ ــاملرأة مل يهتم بالصـ ــفات اجلسـ ــدية والتشـ ــبيهات احلسـ ــية ‪ ،‬بـ ــل كـ ــان جـ ــل اهتمامـ ــه بالصـ ــفات‬
‫الروحية ‪ ،‬حيث جلأ إىل الروح يكشف مجاهلا‬
‫‪ -2‬العقاد أحب املرأة بكل نبض من نبضات قلبه ‪ ،‬وكان احلب الشريف الطاهر عنــده (احلب الفــردي) ‪ ،‬فكــان اليرضــى‬
‫أن تكــون املرأة مشــاعة بني الرجــال‪ ،‬وإذا أحب املرأة واكتشــف أن هلا عالقــة برجــل غــريه – تركهــا ‪ ،‬وهــذا مــا فعلــه مــع‬
‫بعض حمبوباته ‪ ،‬فوصفهن باخليانة‬
‫‪ -3‬إن تعميم العقــاد آلرائــه حــول املرأة على مجيــع النســاء كــان مبني ـاً أساس ـاً على أن نوعيــة النســاء الاليت عــرفهن كن من‬
‫هذا القبيل‬
‫التوصيات ‪:‬‬
‫فيما يتعلق مبوضوع املرأة يف أدب العقاد نوصي باآليت‬
‫‪ -1‬دراسة فلسفة اجلمال عند العقاد‬
‫‪-2‬وميكن إفراد دراسة مستقلة لفلسفة احلب عنده ومقارنة ذلك بالصفات اليت أحلقها باملرأة‬
‫‪ -3‬كمــا نوصــي بــإفراد دراســة خاصــة ملن عــرفهن العقــاد – كــل على حــدة –ودراســة صــفات هــؤالء النســوة ملعرفــة مــا إذا‬
‫كان العقاد حمقا‬

‫‪22‬‬
‫اهلوامـ ـ ــش‬

‫‪ -1‬سورة الروم‪ :‬آية ‪21‬‬


‫‪- 2‬عباس حممود العقاد – املرأة يف القرآن –وكالة الصحافة العربية (ناشرون) –اجليزة ‪-‬ص‪5‬‬
‫‪ - 3‬عباس حممود العقاد ‪ ،‬هذه الشجرة ‪ ،‬دار النهضة للطباعة والنشر مصر ‪ ،‬الفجالة القاهرة ص ‪4‬‬
‫‪-4‬طفيل الغنوي ‪ ،‬ديوانه ‪ ،‬شرح األصمعي ‪ ،‬حتقيق حسان فالح أوغلي ‪ ،‬ص ‪82‬‬
‫‪-5‬هذه الشجرة ص ‪5‬‬
‫‪-6‬السابق‪ ،‬ص ‪9‬‬
‫‪-7‬سورة طه ‪،‬آية ‪121‬‬
‫‪-8‬سورة اجلن ‪ ،‬آية ‪23‬‬
‫‪-9‬سورة البقرة ‪ ،‬آية ‪236‬‬
‫‪-10‬سورة البقرة ‪ ،‬آية ‪37‬‬
‫‪-11‬سورة طه ‪ ،‬آية ‪122‬‬
‫‪-12‬سورة األعراف ‪ ،‬آية ‪22‬‬
‫‪-13‬سورة األعراف ‪ ،‬آية ‪19‬‬
‫‪-14‬اإلم ــام فخ ــر ال ــدين حمم ــد بن عم ــر بن احلس ــني بن احلس ــن ال ــرازي ‪،‬التفس ــري الكب ــري ‪ ،‬منش ــورات دار الكتب العلمي ــة‬
‫بريوت ‪ ،‬ط‪2004 2‬م – ‪1425‬ه ـ ‪ ،‬ج ‪ ، 3‬ص ‪12 -11‬‬
‫‪-15‬سورة األعراف ‪ ،‬آية ‪20‬‬
‫تلخيص احلبري ‪ -‬ابن حجر العسقالين ‪ -‬ج ‪ - ١‬الصفحة ‪16- ٣٠٧‬‬
‫كتاب األربعني ‪ -‬احلسن بن سفيان النسوي ‪ -‬الصفحة ‪17-٥٨‬‬
‫‪-18‬التفسري الكبري ‪ ،‬ج‪ ، 3‬ص ‪14-12‬‬
‫‪-19‬سورة األعراف اآليات ‪22 ، 21 ، 20‬‬
‫‪-20‬سورة البقرة ‪،‬آية ‪26-25‬‬
‫‪ -21‬د عبداحلي دياب – املرأة يف حياة العقاد –ص ‪344‬‬
‫‪ -22‬عباس حممود العقاد – ديوان عابر سبيل ‪ -‬هنضة مصر‪-‬اجلزء السابع – ص‪92‬‬
‫‪ -23‬عب ــاس حمم ــود العق ــاد – مخس ــة دواوين للعق ــادـ –الناش ــر اهليئ ــة املص ــرية العام ــة للكت ــاب ‪ -1973 -‬اجلزء الث ــاين –‬
‫أعاصري مغرب – ص‪134‬‬
‫‪ -24‬د عبداحلي دياب – املرأة يف حياة العقاد –ص ‪346‬‬
‫‪ -25‬العقاد – هذه الشجرة ‪ -‬ص‪80‬‬
‫‪ -26‬هذه الشجرة ‪ ،‬ص‪56‬‬

‫‪23‬‬
‫‪ -27‬العقاد – مطالعات يف الكتب واحلياة –دار املعارف ‪-‬الطبعة الثالثة – ‪ – 1966 ، 1386‬ص‪149‬‬
‫‪ -28‬هذه الشجرة ‪ ،‬ص ‪63‬‬
‫‪ -29‬عباس حممود العقاد – هذه الشجرة –دار هنضة مصر للطباعة والنشر ‪ – 2008‬الطبعة ‪ -4‬ص‪6‬‬
‫‪ -30‬عباس حممود العقاد – مراجعات يف األدب والفنون –املكتبة العصرية – ‪ -1966‬الطبعة ‪- 1‬ص‪255‬‬
‫‪ -31‬هذه الشجرة ‪ ،‬ص ‪6‬‬
‫‪ -32‬د عبداحلي دياب – املرأة يف حياة العقاد –الناشر القاهرة – دار الشعب ‪- 1968 -‬ص ‪338‬‬
‫‪ -33‬العقاد – بني الكتب والناس –الطبعة الثانية – دار املعارف ‪ – 1985 -‬ص‪53‬‬
‫‪ -34‬السابق – ص ‪54‬‬
‫‪ -35‬هذه الشجرة‪، ،‬ص ‪41‬‬
‫‪-36‬السابق ‪ ،‬ص‪42‬‬
‫‪ -37‬السابق ‪ ،‬الصفحة نفسها‬
‫‪ -38‬العقاد – بعد األعاصري –ص ‪816‬‬
‫‪ -39‬العقاد‪ -‬سارة – الطبعة الثالثة – دار املعارف ‪ -‬ص ‪84‬‬
‫‪ -40‬السابق‪ -‬ص ‪ 85‬وما بعدها‬
‫‪ -41‬السابق ‪،‬ص ‪99‬‬
‫‪ -42‬مخسة دواوين للعقاد – أعاصري مغرب – ص ‪135‬‬
‫‪ -43‬مخسة دواوين للعقاد – أعاصري مغرب – ص‪127‬‬
‫‪ -44‬ديوان العقاد – بعد األعاصري – ص ‪778‬‬
‫‪ -45‬العقاد‪ -‬هديه الكروان –الطبعة ‪ – 1‬دار العودة للنشر ‪ - 1982 -‬ص ‪ 54‬وما بعدها‬
‫‪ -46‬عـامر العقـاد –غراميـات العقــاد–الطبعـة األوىل – ‪ -1971‬دار الثقافــة العربيــة – مصــر ‪-‬ص ‪ 58‬ومابعـدها و املرأة‬
‫يف حياة العقاد – د عبداحلي دياب – ص‪86‬‬
‫‪-47‬املرأة يف حياة العقاد ‪،‬ص ‪133‬‬
‫‪ -48‬ديوان العقاد ‪،‬اجمللد األول ‪ ،‬ص ‪312‬‬
‫‪ -49‬دواد سكاكيين ‪ ،‬مي زيادة يف حياهتا وآثارها ‪ ،‬دار املعارف ‪ ،‬ص ‪34‬‬
‫‪-50‬راجع سارة ‪ ،‬ص ‪144‬‬
‫‪ -51‬املرأة يف حياة العقاد ‪ ،‬ص ‪86‬‬

‫‪ -52‬مطالعات يف الكتب واحلياة –ص ‪165‬‬


‫‪ -53‬املرأة يف حياة العقاد –ص ‪342‬‬
‫‪ -54‬عامر العقاد – حملات يف حياة العقاد اجملهولة –بريوت – دار الكتاب العريب‪ -1968 -‬الطبعة ‪ - 1‬ص ‪183‬‬

‫‪24‬‬
‫‪ -55‬سارة –ص ‪128‬‬
‫‪ -56‬ديوان العقاد – ج‪ – 4‬أشجان الليل – دار هنضة مصر للطباعة والنشر ص ‪303‬‬
‫‪ -57‬مخسة دواوين – العقاد – أعاصري مغرب – ص‪117‬‬
‫‪ -58‬أمحد عبد السالم ضيف – مع عباس حممود العقاد ‪ -‬الطبعة اخلامسة – دار املعارف – ‪-1988‬ص ‪152‬‬
‫‪ -59‬أشجان الليل –ص ‪302‬‬

‫‪25‬‬

You might also like