Download as pdf or txt
Download as pdf or txt
You are on page 1of 6

‫المثلث الدرامي‪ :‬لعبة نفسية للصراعات إياك أن تقع في ف ّخها‬

‫نظرا لطبيعته االجتماعية ولمجموع ما يحيط به‪ ،‬في عالقات مختلفة مع‬ ‫يدخل اإلنسان‪ً ،‬‬
‫غيره‪ ،‬تختلف صورها وطبيعتها حسب الروابط بين الجهتين‪ ،‬سوا ًء الدراسة‪ ،‬العائلة‪،‬‬
‫الصداقة… ومهما اختلفت هذه العالقات وتعددت فال ب َّد أن يجد الخالف والصراع مكانًا له‬
‫بينها مهما كانت ِحدّته ضعيفة‪ .‬هنا‪ ،‬تظهر العديد من الدراسات النفسية التي سارعت لتحليل‬
‫شخصية األفراد خالل النزاعات‪ ،‬وتدارس طبيعة العالقات التي تجمعهم خالل حدوثها‪.‬‬
‫التعرف على المثلث الدرامي‪ ،‬والذي يُعتبر لعبةً نفسيةً‬
‫ّ‬ ‫من خالل هذا الموضوع سنحاول‬
‫تشرح العالقة بين الناس خالل حدوث صراع مبرزين لكيفية تجنبه‪ ،‬ومن ثم تجنب النزاع‬
‫من األساس‪.‬‬
‫المثلث الدرامي ما هو‬
‫هو وسيلةٌ قدّمها العا ِلم ‪ Karpman‬المثلث الدرامي أو ما يعرف أي ً‬
‫ضا بمثلث كاربمان‬
‫ستيفان كاربمان عام ‪ 1968‬من أجل تمثيل األدوار التي يأخذها األشخاص من أجل تسيير‬
‫العالقة بينهم خالل حدوث نزاع‪ ،‬وقد صنفها حسب رؤيته إلى ثالثة أدوار هي‪ :‬الضحية‪،‬‬
‫الظالم‪ ،‬والمنقذ‪ .‬حسب التمثيل التالي ‪:‬‬

‫تم اعتبار المثلث دراميًّا؛ َّ‬


‫ألن األدوار تشبه تما ًما ما يت ّم تمثيله على خشبة المسرح‪ ،‬فالضحية‬
‫راض عن مكانه وموقفه‪ ،‬ال‬
‫ٍ‬ ‫والظالم والمنقذ ال يريدون تغيير أدوارهم أو حل النزاع‪ ،‬فك ّل‬
‫الظالم الذي يلوم يريد أن يصبح ضحيةً‪ ،‬وال المنقذ الشهم يريد أن يصبح ظال ًما وال الضحية‬
‫ضا – يريد أن يتمتع بسلطة‪ .‬األمر الذي يجعل في حقيقة األمر النزاع يسري في دوامة‬ ‫– أي ً‬
‫دونما القدرة على الخروج منه أو حله‪.‬‬
‫أن األدوار ال ترتبط بالمكانة أو السن‪ ،‬بل بالوضعية ككل‪ً .‬‬
‫فمثال الطفل‬ ‫ضا‪ ،‬يجب معرفة َّ‬
‫أي ً‬
‫الذي يرفع صوته ويرفض الثياب التي اشترتها له أمه هو في الحقيقة ظالم واألم الضحية‪،‬‬
‫بينما األم إن وبخت نفس الطفل‪ ،‬فستغير أدوارهما لتصبح هي الظالمة وهو الضحية‪.‬‬
‫لنتعرف بتفصيل على أدوار المثلث الدرامي ‪:‬‬
‫‪ / Victim‬الضحية‬

‫هو الشخص عديم الثقة في النفس والذي يسارع دو ًما إليجاد األعذار والمبررات العامة التي‬
‫ً‬
‫محاوال تجنب المواجهة‪.‬‬ ‫ال تلغي في حقيقة األمر مسؤوليته‪ ،‬يسارع في الغالب لالعتذار‬
‫فيقنع نفسه بطريقة غير مباشرة بفشله ‪:‬األمر الذي يجعله في الحقيقة يثير انتباهنفسه‬
‫وضعفه‪ ،‬ويحب في حقيقة األمر وضعيته كضحية؛ ألنَّها تسهل عليه األمور – حسب نظرته‬
‫– وتنهي بالنسبة له النقاش باعتذار بسيط أو كلمات قليلة‬

‫‪‬‬ ‫المنقذ ‪ :‬الذي يرى في وجود ضحية فرصةً إلبراز قدراته في اإلنقاذ وحل النزاع‪ ،‬والذي‬
‫سيزيده تعقيدًا في الحقيقة‪.‬‬
‫الظالم ‪ :‬الذي سيجد أمامه ضحيةً جاهزة ً من أجل السيطرة عليها ولومها ‪‬‬

‫ُ‬
‫حيث يجد الشخص نفسه دائ ًما في‬ ‫في الغالب تعاني الضحية من مشاكل في االستقاللية‪،‬‬
‫حاجة لغيره سوا ًء للدفاع عنه أو لقيادته (ومن تم توبيخه أو توجيهه كيفما كانت الطريقة أو‬
‫األسلوب‪.‬‬
‫جمله المستخدم ‪ :‬ال أدري كيف أرضيك”‪“ ،‬ال أستطيع فعل األمور كما يجب”‪“ ،‬حظي “‬
‫سيّئ”‪“ ،‬ليتني مثلك‪ ،‬تبرع في ك ِّل شيء”… وغيرها من الجمل المليئة باإلحباط واإلطاحة‬
‫بالنفس‪.‬‬
‫‪ / Persecutor‬الظالم‬

‫هو الشخصية الثورية التي تصب غضبها في الشخص أمامها (الضحية)‪ ،‬خالل الحوار أو‬
‫العالقة‪ ،‬يكون دائ ًما المسيطر والمتحكم األساسي في اإلدارة‪ ،‬فيأمر ويوجه التوبيخ واللوم‬
‫للضحية‪ .‬نالحظ تواجه هذا المثال في عالقات التسلسل الهرمي كالمدير مع الموظفين أو‬
‫الرئيس مع الطاقم‪ ،‬وغيرها من الوضعيات التي تعطي للسيد القدرة على التحكم التام بشك ٍل‬
‫ال يسمح بتبادل األدوار‬
‫ُ‬
‫حيث َّ‬
‫أن تعريفه علميًا يقتصر‬ ‫ضا أو حالة‪.‬‬
‫صا فقط‪ ،‬بل مر ً‬
‫ضا‪ ،‬قد ال يكون شخ ً‬‫الظالم أي ً‬
‫مثال قد يجعل من الشخص‬‫على “ك ِّل مؤثر يجعل الضحية يصبح ضحيةً”‪ ،‬فتناول المخدرات ً‬
‫فاقدًا لقدراته التحكمية وضعيفًا أمام الجرعات‪ .‬وبالتالي‪ ،‬فهو ضحية أمام ظالم (المخدرات)‪.‬‬
‫جمله المستخدمة‪ :‬ال تستطيع فعل شيء من دوني!”‪“ ،‬ال تتوقف أبدًا عن فعل…”‪“ ،‬‬
‫“أخبرتك بذلك ‪ 100‬مرة”‪“ ،‬لما ال تسمع لتوجيهاتي‪.‬‬
‫‪ / Rescuer‬المنقذ‬

‫قد تعتقد َّ‬


‫أن المنقذ هو الحل للمثلث الدرامي‪ ،‬فهو القادر على التدخل لحل األوضاع‬
‫واألزمات‪ .‬لكن ال! فالمنقذ في هذه الحال ال يبحث عن إصالح األمور بقدر بحثه على‬
‫إظهار صورة حسنة عنه‪ ،‬وترك انطباع الشخص المساعد المحب لفعل الخير عند من‬
‫ٌ‬
‫باحث عن مصلحته الخاصة‬ ‫شخص‬
‫ٌ‬ ‫‪.‬حوله‪ .‬لهذا‪ ،‬فهو من الدرجة األولى‬
‫في الغالب يتدخل المنقذ في اللعبة النفسية دون أن يطلب منه أح ٌد ذلك‪ ،‬ويرى – بالنسبة له‬
‫قرارا أو يعبر عن شيء من دونه‬
‫ً‬ ‫أن الضحية ال يمكنه أن يتخذ‬‫‪َّ –.‬‬
‫جمله المستخدمة‪ :‬اترك األمر لي”‪“ ،‬صحيح أنّني مشغولة للغاية‪ ،‬لكن سأفعل ذلك من “‬
‫تنس أنّني أفعل ذلك ألجلك‪.‬‬
‫أجلك”‪“ ،‬ال َ‬

‫‪ / Psychological game‬اللعبة النفسية‬


‫اللعبة النفسية هي الوضعية التي تسمح بتشكل األدوار الثالثة‪ ،‬مع إمكانية تغييرهم لألدوار‬
‫فمثال نزاع بين زميلين حول كتاب ما‪ ،‬أحدهما ضحية‬ ‫حسب األوضاع وردات الفعل‪ً ،‬‬
‫واآلخر ظالم (الظالم يتهم الضحية بأنَّه قد سرقه)‪ ،‬في هذه الحالة‪ ،‬سيستمر الظالم في توبيخه‬
‫وتوجيه الكالم القاسي للضحية دون أن يتردد أو يتوقف؛ ألنَّه يالحظ انكسار هذا األخير‪.‬‬
‫لكن‪ ،‬وفي حال ثار الضحية فستنقلب األدوار ويصبح خالل تلك اللحظة هو الظالم‬
‫ي اهتمام من الطرفين‬ ‫ضا‪ ،‬في حال تطوع زميل ثالث لحل المشكل (المنقذ)‪ ،‬ولم يالقي أ ّ‬ ‫أي ً‬
‫فمثال إن طلب منه الضحية عدم التدخل فيما ال يعنيه‬‫فقد ينقلب بدوره إلى ضحية أو ظالم‪ً ،‬‬
‫صا ال يستطيع التعبير بدونه)‪،‬‬ ‫(مع العلم أنّنا أشرنا سابقًا إلى أنَّه يرى في الضحية شخ ً‬
‫فسيصبح ظال ًما ويبدأ بتوبيخه‪ ،‬وهنا يصبح الشخص األول تلقائيًّا المنقذ؛ َّ‬
‫ألن الحوار انزاح‬
‫عن موضعه األصلي‪.‬‬

You might also like