Download as pdf or txt
Download as pdf or txt
You are on page 1of 5

‫الشريعة اإلسالمية وعلومها‬

‫العذر بالجهل في ميزان الشريعة اإلسالمية‬


‫الحمد لله الذي جعل في كل زمان فترة من الرس�ل يدعون من‬
‫ضل إلى الهدى‪ ،‬ويبصرون بنور الله أهل العمى (ﮉ ﮊ ﮋ‬
‫ﮌﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ) (المائدة‪)19 :‬‬
‫وأشهد أن ال إله إال الله الذي أحاط بكل شيء علمًا ‪:‬‬
‫(ﰀ ﰁ ﰂ ﰃ ﰄ ﰅ ﰆ ﰇﰈ ﰉ ﰊ ﰋ ﰌ)‬
‫د‪ /‬سعيد عامر‬
‫(*)‬
‫(طه‪)98 :‬‬

‫فقد خلق الله تعالى اإلنسان في مبدأ الفطرة‬ ‫وأشهد أ َّن سيدنا محمدًا عبده ورسوله الذي‬
‫خاليًا من معرفة األش�ياء‪ ،‬ث�م زوده بالمعارف‬ ‫علمن�ا في صحي�ح حديث�ه «‪ ...‬وأ ُ ْر ِس�لْ ُت إلى‬
‫والعل�وم‪ ،‬وهيَّأ ل�ه مفاتيح المعرفة‪( :‬الس�مع‬ ‫بي النَّ ِبيُّ�و َن » (((تخريجه‬ ‫�ق كا َّف ًة‪ ،‬و ُ‬
‫ختِ� َم َ‬ ‫ال َخلْ ِ‬
‫والبصر والفؤاد والش ّم واللمس)‪ ،‬قال عز وجل‪:‬‬ ‫من‪ ،‬اللهم صل وس�لم وبارك على سيدنا محمد‬
‫ﱹﯶ ﯷ ﯸ ﯹ ﯺ ﯻ ﯼ ﯽ‬ ‫وعلى آله وأصحابه والتابعين لهم بإحسان إلى‬
‫يوم الدين‪.‬‬
‫ﯾﯿﰀﰁﰂﰃﰄﰅﰆﰇﰈ‬
‫وبعد‪،‬‬
‫ﰉﰊﰋ ﱸ‬ ‫فإ َّن من نعم الله ومن مظاهر قدرته أ ْن َخلَ َق‬
‫(الملك‪)24 ،23 :‬‬ ‫اإلنسان‪ ،‬وعلمه النطق والبيان والتعبير عما في‬
‫ومن رحمة الله تعالى أن وضع المنهج قبل‬ ‫نفس�ه؛ ليتخاطب مع غيره ويتواصل مع أبناء‬
‫أن يخلق اإلنس�ان‪ ،‬فجاء اإلنسان فوجد المنهج‬ ‫مجتمعه‪ ،‬قال الله ‪-‬عز وجل‪:-‬‬
‫الذي يحدد له الحالل والحرام‪ ،‬والخير والشر‪،‬‬ ‫ﱹﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ‬
‫والمعروف والمنكر‪ ،‬قال سبحانه وتعالى‪:‬‬ ‫ﯪﯫﯬﯭﯮﯯ‬
‫ﱹﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ‬ ‫ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﱸ (النحل‪)78 :‬‬
‫ﭽﭾﭿﮀ ﱸ‬
‫(*) الأمني العام امل�ساعد للوعظ والإعالم الديني‪.‬‬
‫(الرحمن‪)4-1 :‬‬ ‫(‪� )1‬صحيح م�سلم برقم‪ ،)523( :‬والرتمذي يف ال�سنن (‪ )1553‬كالهما‬
‫فالمنه�ج هو م�دار س�عادة الدارين‪ ،‬فهو‬ ‫من حديث �أبي هريرة ‪-‬ر�ضي اهلل عنه‪.-‬‬

‫شعبان ‪ 1442‬هـ ‪ -‬مارس‪ /‬أبريل ‪ 2021‬م‬


‫‪1340‬‬
‫العذر بالجهل في ميزان الشريعة اإلسالمية‬

‫تعالى‪:‬‬ ‫بمثابة الروح والنور‪ ،‬قال تعالى‪:‬‬


‫ﱹﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪﱸ‬ ‫ﱹﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ‬
‫(البقرة‪)273 :‬‬ ‫ﭛﭜﭝﭞﭟﭠﭡﭢﭣﭤ‬
‫وجهلت الشيء‪ :‬إذا لم تعرفه‪.‬‬ ‫ﭥﭦﭧﭨﭩﭪﭫﭬﭭﱸ‬
‫‪ -‬والجهالة‪ :‬أن تفعل فعلاً بغير علم‪ ،‬والفرق‬ ‫(الشورى‪)52 :‬‬
‫بين الجهل والجهالة‪ :‬أن الجهل يكون في حالة‬ ‫وذلك عن طريق رسل الله ‪-‬عز وجل‪-‬‬
‫اتصاف اإلنسان به في اعتقاده أو قوله أو فعله‪.‬‬ ‫ﱹﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ‬
‫والجهال�ة تك�ون في حالة اتصاف الش�يء‬
‫ﮄﮅﮆﮇﮈﮉﮊﮋﮌﮍﱸ‬
‫المجهول بها‪.‬‬
‫(النساء‪)165 :‬‬
‫‪ -‬و َج َّهلْتُه‪- :‬بالتثقيل‪ :-‬نسبته إلى الجهل‪.‬‬
‫وبذلك اكتملت عناص�ر التعليم‪ :‬الكتاب‪ ،‬وهو‬
‫‪ -‬واستجهله‪ :‬عده جاهلاً ‪ ،‬ووجده جاهلاً ‪.‬‬
‫القرآن الكريم‪ ،‬والمعلم‪ ،‬وهو النبي ﷺ ‪ ،‬والمتعلم‬
‫‪ -‬وجهل الحق‪ :‬أضاعه‪.‬‬
‫وهو اإلنسان‪ ،‬وطريق التعلم وكيفيته‪ ،‬وهو البيان‪.‬‬
‫‪ -‬وجهل فالن على غيره جهلاً وجهال ًة‪ :‬جفا‬
‫فم�ن لم يتعل�م وفق ه�ذا المنهج س�يبقى‬
‫وتسافه (((‪.‬‬
‫الجهل فيه متأصلاً ‪.‬‬
‫الجه�ل اصطالحًا‪ :‬هو اعتقاد الش�يء على‬
‫وحي�ث إ َّن الجهل ليس حكمًا مطل ًقا‪ ،‬بل قد‬
‫خالف ما هو عليه‪.‬‬
‫يع�ذر صاحبه وقد يؤاخذ ب�ه‪ ،‬فنحن في أَم َِّس‬
‫وع َّرفه اإلمام تاج الدين السبكي ‪ -‬رحمه الله‬
‫الحاج�ة إلى بيان ه�ذا الموض�وع‪ ،‬أي‪ :‬العذر‬
‫– بأنه‪ :‬انتفاء العلم بالمقصود‪.‬‬
‫«انتف�اء العلم»‪ :‬جن�س وهو ش�امل لما لم‬ ‫بالجه�ل؛ وذلك لتأثيره في األحكام الش�رعية‪،‬‬
‫يدرك أصلاً ‪ ،‬ويسمى الجهل‪.‬‬ ‫ق�ال تعال�ى‪ :‬ﱹﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ‬
‫«بالمقص�ود»‪ :‬أي ما من ش�أنه أن يقصده‬ ‫ﮕﮖﮗﮘﮙﮚﮛﮜﮝﮞﮟ‬
‫اإلنسان ليعلم به (((‪.‬‬ ‫(التوبة‪)115 :‬‬ ‫ﮠﮡﮢﱸ‬
‫العذر لغة‪ :‬الحجة التي يعتذر بها‪ ،‬وهو رفع‬ ‫وم�ن ث�م أردت أن أبي�ن أقوال أه�ل العلم‬
‫اللوم‪.‬‬ ‫المؤيدين للعذر بالجهل وأوضح أدلتهم‪ ،‬وكذلك‬
‫والع�ذر‪ :‬الخروج م�ن الذنب‪ ،‬ومن�ه المثل‪:‬‬ ‫أق�وال المخالفين وأدلتهم‪ ،‬وبي�ان الراجح من‬
‫((( راج���ع‪ :‬ل�س���ان العرب البن منظ���ور‪ ،‬دار املع���ارف‪،)713/9( ،‬‬ ‫هذه األدلة‪:‬‬
‫م���ادة‪« :‬جهل» املعج���م الوجي���ز‪ ،‬ط‪ :‬وزارة الرتبي���ة والتعليم‪،‬‬ ‫اً‬
‫أول‪ :‬مفهوم العذر باجلهل‪:‬‬
‫‪1424‬هـ‪2003/‬م‪�،‬ص‪.125-124 :‬‬
‫((( غاي���ة الو�صول يف �رشح لب الأ�ص���ول للأن�صاري‪ ،‬ط‪ :‬احللبي‪،‬‬
‫الجه�ل لغ�ة‪ :‬نقي�ض العلم‪ ،‬يق�ال‪ :‬جهلت‬
‫�ص‪.24 :‬‬ ‫الش�يء جهلاً وجهال ًة‪ ،‬بخالف علمته‪ ،‬قال الله‬

‫‪1341‬‬ ‫شعبان ‪ 1442‬هـ ‪ -‬مارس‪ /‬أبريل ‪ 2021‬م‬


‫الشريعة اإلسالمية وعلومها‬
‫اإلم�ام الغزال�ي ـ رحم�ه الل�ه ‪ :-‬طائفة مالت‬ ‫«لقد أعذر من أنذر» (((‪.‬‬
‫ع�ن اعتقاد الحق كالكفرة والمبتدعة‪ ،‬فالجافي‬ ‫العذر اصطالحًا‪ :‬هو الس�بب الذي تبطل به‬
‫الغلي�ظ منه�م الضعي�ف العق�ل الجامد على‬ ‫المؤاخ�ذة بذنب أو تقصير‪ ،‬فهو بمنزلة الحجة‬
‫التقليد الممتري على الباطل من مبتدأ النش�وء‬ ‫التي يبديه�ا المؤاخذ بذن�ب‪ ،‬ليظهر أنه بريء‬
‫إلى كبر السن‪.((( ...‬‬ ‫مما نسب إليه‪ ،‬أو متأول فيه‪ ،‬ويقال‪ :‬عذره‪ :‬إذا‬
‫قال الله ‪-‬تعالى‪:-‬‬ ‫قبل عذره وتحققت براءته (((‪.‬‬
‫ﱹﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ‬ ‫أقسام اجلهل‪:‬‬
‫ﭘﭙﭚﭛﭜﱸ‬ ‫ينقس�م الجه�ل باعتب�اره ع�ذ ًرا ف�ي عدم‬
‫(النمل‪)14 :‬‬ ‫المؤاخذة إلى قسمين تحت كل قسم نوعان‪:‬‬
‫فاآلي�ات الدال�ة عل�ى وحدانية الل�ه تعالى‬ ‫القسم األول‪ :‬الجهل بالباطل الذي ال يصلح‬
‫وربوبيته ال تخفى على أحد‪.‬‬ ‫ع�ذ ًرا وهو ما قام علي�ه الدلي�ل الواضح الذي‬
‫يجعل الجه�ل به نوعًا م�ن المكابرة والجحود‬
‫ـ وم�ن ذلك فقد بين الله لنا كيف نش�أ هذا‬
‫وهو نوعان‪:‬‬
‫العالَ�م‪ ،‬وكي�ف أوج�ده الخالق ج�ل في عاله‪،‬‬
‫عذرا‪:‬‬
‫ً‬ ‫النوع األول‪ :‬جهل ال يصلح‬
‫و َفسَّ ر لنا غوامض الكون‪.‬‬
‫وه�ذا الن�وع ال يصل�ح أن يكون ع�ذ ًرا في‬
‫قال تعالى‪:‬‬
‫اآلخرة‪ ،‬وإن كان يصلح عذ ًرا في أحكام الدنيا؛‬
‫ﱹﮠﮡﮢﮣﮤﮥﮦ‬ ‫وذل�ك ألنه جهل مبن�ي على المكاب�رة والعناد‬
‫ﮧﮨﮩﮪﮫﮬﮭﮮﮯ‬ ‫بعد وضوح البرهان القاطع‪ ،‬والدليل الس�اطع‬
‫ﮰﮱﯓﯔﯕﯖﯗﯘﯙ‬ ‫الظاهر أش�د ظه�و ًرا من ظهور الش�مس في‬
‫ﯚﯛﯜﯝﯞﯟﯠﯡﯢﯣ‬ ‫رابعة النهار‪.‬‬
‫ﯤﯥﯦﯧﯨﯩﯪﯫﯬﯭ‬ ‫مثال‪ :‬جهل الكافر بذات الله تعالى وصفاته‬
‫ﯮﯯﯰﯱﭑﭒﭓﭔ‬ ‫يُ َع ُّد جهلاً باطلاً ال يصلح عذ ًرا في اآلخرة؛ ألنه‬
‫ﭕﭖﭗﭘﭙﭚﭛﭜﭝﭞ‬ ‫مكاب�رة وعناد بعد وضوح الدالئل‪ ،‬فيعذب ألنه‬
‫ﭟﭠﭡﭢﭣﭤﭥﱸ‬ ‫مكاب�ر مترفع ع�ن االنقياد للح�ق والنظر في‬
‫اآليات‪.‬‬
‫(فصلت‪9 :‬ـ ‪)12‬‬
‫فالكف�ر جحود بع�د وضوح الدلي�ل‪ ،‬يقول‬
‫ـ ووض�ح الله عالق�ة اإلنس�ان بالكون‪ :‬أن‬
‫يتأمله وينظر فيه ليهتدي به إلى خالقه ومُبدعه‬ ‫((( ل�سان العرب البن منظور‪ ،)2854/32( ،‬واملعجم الوجيز‪� ،‬ص‪.410 :‬‬
‫((( التحرير والتنوير‪ ،‬الطاهر بن عا�شور‪ ،‬م�ؤ�س�سة التاريخ‪ ،‬بريوت‪،‬‬
‫((( االقت�صاد يف االعتقاد‪ ،‬الإم���ام �أبو حامد الغزايل‪ ،‬حتقيق‪� :‬أن�س‬ ‫‪1420‬هـ‪2000/‬م‪ )332/8( ،‬يف قول اهلل ‪ -‬تعاىل ‪-‬ﱹﭠ ﭡ‬
‫حممد عدنان ال�رشقاوي‪ ،‬دار املنهاج‪ ،‬ط‪1429 ،1‬هـ‪2008 ،‬م‪.‬‬ ‫ﭢ ﭣ ﭤ ﭥﱸ (الأعراف‪.)164 :‬‬

‫شعبان ‪ 1442‬هـ ‪ -‬مارس‪ /‬أبريل ‪ 2021‬م‬


‫‪1342‬‬
‫العذر بالجهل في ميزان الشريعة اإلسالمية‬

‫األخ�رى من ش�اطئ الف�رات ولم أجد س�فين ًة‬ ‫لي�رى في عظم�ة المخلوق وروعت�ه‪ ،‬وإحكام‬
‫تحملُني فرأيت أم ًرا عجيبًا‪ ،‬قالوا‪ :‬وماذا رأيت؟‬ ‫خلقه دليلاً على عظمة الخالق‪ ،‬وقال تعالى‪:‬‬
‫قال‪ :‬رأي�ت ألواحً�ا خش�بي ًة تجمعت فجأة‬ ‫ﱹﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﱸ‬
‫من غير ُم َجمِّع‪ ،‬ثم صنعت من نفس�ها س�فين ًة‬ ‫(يونس‪)101 :‬‬
‫من غير صانع‪ ،‬ثم وضع فيها الش�راع من غير‬ ‫ـ ووضح الله لإلنسان عالقتَ ُه بالحياة الدنيا‬
‫واضع‪ ،‬ثم ُش�حنت بالبضائع من غير ش�احن‪،‬‬ ‫أن يتخذها مزرعة للدار اآلخرة‪ ،‬قال تعالى‪:‬‬
‫س�ارت تم ُخ� ُر عُب�ابَ البح�ر تتف�ادى كُ َّل من‬ ‫ﱹﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ‬
‫يقابلها من غير ُربَّان وال قائد‪ ،‬فقال الملحدون‪:‬‬ ‫ﯣﯤﯥﯦﱸ‬
‫إنك لمجنون‪ ،‬كيف؟‬ ‫(البقرة‪)201 :‬‬
‫ق�ال رأيتها بعين�ي‪ ،‬قالوا‪ :‬صنع� ٌة من غير‬ ‫ـ وجع�ل الله صنع الحض�ارة تكلي ًفا قرآنيًّا‬
‫صانع؟‬ ‫قال عز وجل‪:‬‬
‫ادعيت أ َّن‬
‫ُ‬ ‫ق�ال‪ :‬إذا حكمت�م بجنوني؛ ألن�ي‬ ‫ﱹﯻ ﯼ ﯽ ﯾ ﯿ ﰀ ﰁ‬
‫الس�فينة صنعت م�ن غير صان�ع‪ ،‬فأنتم أولى‬
‫ﰂﰃﰄﰅﰆﰇﰈﰉﱸ‬
‫بالجن�ون مني؛ ألنك�م ادعيتم أن هذه الس�ماء‬
‫(هود‪)61:‬‬
‫بشموس�ها وكواكبها‪ ،‬وه�ذه األرض بأقطارها‬ ‫ـ هك�ذا يبي�ن لنا ربن�ا كيف نش�أ العالم؟‬
‫خلقت من غير خالق‪.‬‬ ‫وأنهارها ُ‬
‫ويوض�ح صلة الخال�ق ‪-‬س�بحانه‪ -‬به ويضع‬
‫ـ وس�ئل اإلمام مالك ـ رض�ي الله عنه ـ بم‬ ‫الله لإلنس�ان النظام األمثل لحياته في جوانبها‬
‫عرف�ت الله؟ قال‪ :‬باختلاف األصوات واأللوان‬ ‫المختلف�ة م�ن عب�ادات تقربه من رب�ه‪ ،‬ومن‬
‫وذلك حتى بالنسبة لألش�قاء‪ ،‬ومن العجب في‬ ‫تش�ريعات اجتماعية‪ ،‬واقتصادي�ة وأخالقية‪...‬‬
‫حك�م الل�ه أن البهائم ال تتماي�ز‪ ،‬فنجد األبقار‬ ‫الزمة لحياته في مجتمعه‪.‬‬
‫والجام�وس‪ ،‬ومعظم الفراخ على ش�كل واحد‪،‬‬ ‫ـ والل�ه عز وجل خلق اإلنس�ان وجعله ح ًّرا‬
‫ولكن اإلنسان يتمايز في الصوت والشكل‪.‬‬ ‫مختا ًرا‪ ،‬ولم يخلقه مسخ ًرا كبقية المخلوقات‪...‬‬
‫قال تعالى‪:‬‬ ‫وبَيَّ� َن ل�ه طري�ق الخي�ر وطريق الش�ر‪ ...‬ثم‬
‫ﱹﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ‬ ‫حمَّله مس�ئولية االختيار‪ ،‬فالحرية بالمسئولية‪،‬‬
‫ﮤﮥﮦﮧﮨﮩﮪﮫ‬ ‫والحرية تكريم لإلنسان‪.‬‬
‫ﮬﱸ‬ ‫ـ بع�ض الملحدي�ن كان بينه�م وبين أبي‬
‫(الروم‪)22 :‬‬ ‫حنيف�ة ـ رضي الله عن�ه ـ موع�دًا للمناظرة‪،‬‬
‫ـ فمن الكفار من ال يعرف الحق‪ ،‬ومكابرته‬ ‫فتأخ�ر اإلم�ام أب�و حنيفة ـ رضي الل�ه عنه ـ‬
‫ت�رك النظر في األدلة والتأمل في اآليات‪،‬ومنهم‬ ‫فس�ألوه لماذا تأخرت؟ قال‪ :‬كنت على الناحية‬
‫‪1343‬‬ ‫شعبان ‪ 1442‬هـ ‪ -‬مارس‪ /‬أبريل ‪ 2021‬م‬
‫الشريعة اإلسالمية وعلومها‬
‫قال الله ‪-‬عز وجل‪:-‬‬ ‫من يعرف الحق وينكره مكابر ًة وعنادًا قال الله‬
‫ﱹﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ‬ ‫‪-‬عز وجل‪:-‬‬
‫ﮄﮅﮆﮇﮈﱸ‬ ‫ﱹﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ‬
‫(النساء‪)165 :‬‬ ‫ﭗﱸ‬
‫وقال تبارك اسمه‪:‬‬ ‫(البقرة‪)146 :‬‬
‫فمعن�ى الجه�ل فيه�م ع�دم التصدي�ق‪،‬‬
‫ﱹﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ‬
‫واعتباره�م جاهلي�ن‪ ،‬لع�دم تصديقه�م لم�ا‬
‫ﮦﮧﮨﮩﮪﮫ ﮬﮭ‬ ‫يعرفون�ه ويدركونه ولعدم إذعانهم للحق الذي‬
‫ﮮﮯﮰﮱﯓﯔ ﯕﯖ‬ ‫بي�ن أيديهم‪ ،‬فه�ذا النوع من الجه�ل باطل ال‬
‫ﯗ ﯘﯙﯚﯛﯜﯝﯞﯟ‬ ‫يصلح عذ ًرا في اآلخرة‪.‬‬
‫ح َّج َة اللَّ ِه‬
‫ق�ال ابن القيم ـ رحمه الله‪َ :‬ف� ِإ َّن ُ‬
‫ﯧ‬ ‫ﯠ ﯡ ﯢﯣ ﯤ ﯥ ﯦ‬ ‫ال‬ ‫�ول‪َ ،‬وإِنْ َز ِ‬
‫�ال ال َّرسُ ِ‬ ‫َ�ت َعلَ�ى الْ َعبْ ِد ِب ِإ ْرسَ ِ‬ ‫َقام ْ‬
‫ﯨ ﯩ ﯪﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ‬ ‫وغ َذلِ� َك إِلَيْ ِه‪َ ،‬وتَ َمكُّ ِن ِه مِ َن الْعِ لْ ِم ِب ِه‪،‬‬ ‫اب‪َ ،‬وبُلُ ِ‬ ‫الْ ِكتَ ِ‬
‫ﯰ ﯱ ﯲ ﯳﯴ ﯵ ﯶ ﯷ‬ ‫سَ َواءً َع ِل َم أ َ ْم ج َِه َل‪َ ،‬فكُ ُّل َم ْن تَ َمكَّ َن مِ ْن َمع ِْر َف ِة مَا‬
‫ص َر َعنْ ُه َولَ ْم يَع ِْر ْفهُ‪،‬‬ ‫أ َ َم َر اللَّ ُه ِب ِه َونَهَى َعنْ�هُ‪َ ،‬ف َق َّ‬
‫ﯸ ﯹ ﯺ ﯻ ﯼ ﯽ ﯾﱸ‬
‫َت َعلَيْ ِه الْ ُح َّج ُة‪َ ،‬واللَّ ُه سُ �بْحَانَ ُه لاَ يُ َع ِّذبُ‬ ‫َف َق ْد َقام ْ‬
‫(األنعام‪155:‬ـ‪)157‬‬
‫أَحَ�دًا إِلاَّ بَ ْع َد قِ يَا ِم الْ ُح َّج ِة َعلَيْ ِه‪َ ،‬ف ِإ َذا عَا َقبَ ُه َعلَى‬
‫وقال تبارك اسمه‪:‬‬ ‫ظلْمِ ِه‪ ،...‬ثم قال‪َ :‬وهَ َذا‬ ‫َذنْ ِب ِه عَا َقبَ ُه ِب ُح َّج ِت ِه َعلَى ُ‬
‫ﱹﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ‬ ‫َت‬ ‫آن كَثِي� ٌر‪ ،‬يُ ْخ ِب ُر أ َ َّن الْ ُحجَّ� َة إِنَّمَا َقام ْ‬ ‫فِ �ي الْ ُق ْر ِ‬
‫ﭮﭯﭰﭱﱸ‬ ‫َعلَي ِْه� ْم ِب ِكتَا ِب� ِه َو َرسُ �ولِ ِه‪ ،‬كَمَا نَبَّ َههُ� ْم ِبمَا فِ ي‬
‫(الزمر‪)59 :‬‬ ‫الشكْ ِر‪،‬‬ ‫�ن التَّ ْوحِ ي ِد َو ُّ‬ ‫ط ِرهِ مْ‪ :‬مِ ْن حُسْ ِ‬ ‫ُع ُقولِ ِه ْم َوفِ َ‬
‫(يتبع)‬ ‫الش ْركِ َوالْكُ ْف ِر (((‪.‬‬‫َو ُقب ِْح ِّ‬
‫حممد عبد اهلل‪ ،‬دار التقوى ـ �شربا اخليمة‪2004 ،‬م‪.)591/2( ،‬‬ ‫((( مدارج ال�سالكني‪ ،‬ابن قيم اجلوزي���ة‪� ،‬صححه و�أخرج �أحاديثه‪:‬‬

‫❊❊❊‬

‫شعبان ‪ 1442‬هـ ‪ -‬مارس‪ /‬أبريل ‪ 2021‬م‬


‫‪1344‬‬

You might also like