Professional Documents
Culture Documents
العذر بالجهل في ميزان الشريعة الإسلامية
العذر بالجهل في ميزان الشريعة الإسلامية
العذر بالجهل في ميزان الشريعة الإسلامية
فقد خلق الله تعالى اإلنسان في مبدأ الفطرة وأشهد أ َّن سيدنا محمدًا عبده ورسوله الذي
خاليًا من معرفة األش�ياء ،ث�م زوده بالمعارف علمن�ا في صحي�ح حديث�ه « ...وأ ُ ْر ِس�لْ ُت إلى
والعل�وم ،وهيَّأ ل�ه مفاتيح المعرفة( :الس�مع بي النَّ ِبيُّ�و َن » (((تخريجه �ق كا َّف ًة ،و ُ
ختِ� َم َ ال َخلْ ِ
والبصر والفؤاد والش ّم واللمس) ،قال عز وجل: من ،اللهم صل وس�لم وبارك على سيدنا محمد
ﱹﯶ ﯷ ﯸ ﯹ ﯺ ﯻ ﯼ ﯽ وعلى آله وأصحابه والتابعين لهم بإحسان إلى
يوم الدين.
ﯾﯿﰀﰁﰂﰃﰄﰅﰆﰇﰈ
وبعد،
ﰉﰊﰋ ﱸ فإ َّن من نعم الله ومن مظاهر قدرته أ ْن َخلَ َق
(الملك)24 ،23 : اإلنسان ،وعلمه النطق والبيان والتعبير عما في
ومن رحمة الله تعالى أن وضع المنهج قبل نفس�ه؛ ليتخاطب مع غيره ويتواصل مع أبناء
أن يخلق اإلنس�ان ،فجاء اإلنسان فوجد المنهج مجتمعه ،قال الله -عز وجل:-
الذي يحدد له الحالل والحرام ،والخير والشر، ﱹﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ
والمعروف والمنكر ،قال سبحانه وتعالى: ﯪﯫﯬﯭﯮﯯ
ﱹﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﱸ (النحل)78 :
ﭽﭾﭿﮀ ﱸ
(*) الأمني العام امل�ساعد للوعظ والإعالم الديني.
(الرحمن)4-1 : (� )1صحيح م�سلم برقم ،)523( :والرتمذي يف ال�سنن ( )1553كالهما
فالمنه�ج هو م�دار س�عادة الدارين ،فهو من حديث �أبي هريرة -ر�ضي اهلل عنه.-
األخ�رى من ش�اطئ الف�رات ولم أجد س�فين ًة لي�رى في عظم�ة المخلوق وروعت�ه ،وإحكام
تحملُني فرأيت أم ًرا عجيبًا ،قالوا :وماذا رأيت؟ خلقه دليلاً على عظمة الخالق ،وقال تعالى:
قال :رأي�ت ألواحً�ا خش�بي ًة تجمعت فجأة ﱹﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﱸ
من غير ُم َجمِّع ،ثم صنعت من نفس�ها س�فين ًة (يونس)101 :
من غير صانع ،ثم وضع فيها الش�راع من غير ـ ووضح الله لإلنسان عالقتَ ُه بالحياة الدنيا
واضع ،ثم ُش�حنت بالبضائع من غير ش�احن، أن يتخذها مزرعة للدار اآلخرة ،قال تعالى:
س�ارت تم ُخ� ُر عُب�ابَ البح�ر تتف�ادى كُ َّل من ﱹﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ
يقابلها من غير ُربَّان وال قائد ،فقال الملحدون: ﯣﯤﯥﯦﱸ
إنك لمجنون ،كيف؟ (البقرة)201 :
ق�ال رأيتها بعين�ي ،قالوا :صنع� ٌة من غير ـ وجع�ل الله صنع الحض�ارة تكلي ًفا قرآنيًّا
صانع؟ قال عز وجل:
ادعيت أ َّن
ُ ق�ال :إذا حكمت�م بجنوني؛ ألن�ي ﱹﯻ ﯼ ﯽ ﯾ ﯿ ﰀ ﰁ
الس�فينة صنعت م�ن غير صان�ع ،فأنتم أولى
ﰂﰃﰄﰅﰆﰇﰈﰉﱸ
بالجن�ون مني؛ ألنك�م ادعيتم أن هذه الس�ماء
(هود)61:
بشموس�ها وكواكبها ،وه�ذه األرض بأقطارها ـ هك�ذا يبي�ن لنا ربن�ا كيف نش�أ العالم؟
خلقت من غير خالق. وأنهارها ُ
ويوض�ح صلة الخال�ق -س�بحانه -به ويضع
ـ وس�ئل اإلمام مالك ـ رض�ي الله عنه ـ بم الله لإلنس�ان النظام األمثل لحياته في جوانبها
عرف�ت الله؟ قال :باختلاف األصوات واأللوان المختلف�ة م�ن عب�ادات تقربه من رب�ه ،ومن
وذلك حتى بالنسبة لألش�قاء ،ومن العجب في تش�ريعات اجتماعية ،واقتصادي�ة وأخالقية...
حك�م الل�ه أن البهائم ال تتماي�ز ،فنجد األبقار الزمة لحياته في مجتمعه.
والجام�وس ،ومعظم الفراخ على ش�كل واحد، ـ والل�ه عز وجل خلق اإلنس�ان وجعله ح ًّرا
ولكن اإلنسان يتمايز في الصوت والشكل. مختا ًرا ،ولم يخلقه مسخ ًرا كبقية المخلوقات...
قال تعالى: وبَيَّ� َن ل�ه طري�ق الخي�ر وطريق الش�ر ...ثم
ﱹﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ حمَّله مس�ئولية االختيار ،فالحرية بالمسئولية،
ﮤﮥﮦﮧﮨﮩﮪﮫ والحرية تكريم لإلنسان.
ﮬﱸ ـ بع�ض الملحدي�ن كان بينه�م وبين أبي
(الروم)22 : حنيف�ة ـ رضي الله عن�ه ـ موع�دًا للمناظرة،
ـ فمن الكفار من ال يعرف الحق ،ومكابرته فتأخ�ر اإلم�ام أب�و حنيفة ـ رضي الل�ه عنه ـ
ت�رك النظر في األدلة والتأمل في اآليات،ومنهم فس�ألوه لماذا تأخرت؟ قال :كنت على الناحية
1343 شعبان 1442هـ -مارس /أبريل 2021م
الشريعة اإلسالمية وعلومها
قال الله -عز وجل:- من يعرف الحق وينكره مكابر ًة وعنادًا قال الله
ﱹﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ -عز وجل:-
ﮄﮅﮆﮇﮈﱸ ﱹﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ
(النساء)165 : ﭗﱸ
وقال تبارك اسمه: (البقرة)146 :
فمعن�ى الجه�ل فيه�م ع�دم التصدي�ق،
ﱹﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ
واعتباره�م جاهلي�ن ،لع�دم تصديقه�م لم�ا
ﮦﮧﮨﮩﮪﮫ ﮬﮭ يعرفون�ه ويدركونه ولعدم إذعانهم للحق الذي
ﮮﮯﮰﮱﯓﯔ ﯕﯖ بي�ن أيديهم ،فه�ذا النوع من الجه�ل باطل ال
ﯗ ﯘﯙﯚﯛﯜﯝﯞﯟ يصلح عذ ًرا في اآلخرة.
ح َّج َة اللَّ ِه
ق�ال ابن القيم ـ رحمه اللهَ :ف� ِإ َّن ُ
ﯧ ﯠ ﯡ ﯢﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ال �ولَ ،وإِنْ َز ِ
�ال ال َّرسُ ِ َ�ت َعلَ�ى الْ َعبْ ِد ِب ِإ ْرسَ ِ َقام ْ
ﯨ ﯩ ﯪﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ وغ َذلِ� َك إِلَيْ ِهَ ،وتَ َمكُّ ِن ِه مِ َن الْعِ لْ ِم ِب ِه، ابَ ،وبُلُ ِ الْ ِكتَ ِ
ﯰ ﯱ ﯲ ﯳﯴ ﯵ ﯶ ﯷ سَ َواءً َع ِل َم أ َ ْم ج َِه َلَ ،فكُ ُّل َم ْن تَ َمكَّ َن مِ ْن َمع ِْر َف ِة مَا
ص َر َعنْ ُه َولَ ْم يَع ِْر ْفهُ، أ َ َم َر اللَّ ُه ِب ِه َونَهَى َعنْ�هَُ ،ف َق َّ
ﯸ ﯹ ﯺ ﯻ ﯼ ﯽ ﯾﱸ
َت َعلَيْ ِه الْ ُح َّج ُةَ ،واللَّ ُه سُ �بْحَانَ ُه لاَ يُ َع ِّذبُ َف َق ْد َقام ْ
(األنعام155:ـ)157
أَحَ�دًا إِلاَّ بَ ْع َد قِ يَا ِم الْ ُح َّج ِة َعلَيْ ِهَ ،ف ِإ َذا عَا َقبَ ُه َعلَى
وقال تبارك اسمه: ظلْمِ ِه ،...ثم قالَ :وهَ َذا َذنْ ِب ِه عَا َقبَ ُه ِب ُح َّج ِت ِه َعلَى ُ
ﱹﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ َت آن كَثِي� ٌر ،يُ ْخ ِب ُر أ َ َّن الْ ُحجَّ� َة إِنَّمَا َقام ْ فِ �ي الْ ُق ْر ِ
ﭮﭯﭰﭱﱸ َعلَي ِْه� ْم ِب ِكتَا ِب� ِه َو َرسُ �ولِ ِه ،كَمَا نَبَّ َههُ� ْم ِبمَا فِ ي
(الزمر)59 : الشكْ ِر، �ن التَّ ْوحِ ي ِد َو ُّ ط ِرهِ مْ :مِ ْن حُسْ ِ ُع ُقولِ ِه ْم َوفِ َ
(يتبع) الش ْركِ َوالْكُ ْف ِر (((.َو ُقب ِْح ِّ
حممد عبد اهلل ،دار التقوى ـ �شربا اخليمة2004 ،م.)591/2( ، ((( مدارج ال�سالكني ،ابن قيم اجلوزي���ة� ،صححه و�أخرج �أحاديثه:
❊❊❊