Professional Documents
Culture Documents
النظرية البنائية الوظيفية
النظرية البنائية الوظيفية
ترجع جذور فكرة و مضمون هذه النظرية إلى التراث الفكري اليوناني المنطوي
على رؤية األحداث االجتماعية بأنها مكونة من أجزاء مترابطة مفصليا و وظيفيا
بحيث يكون كل جزء مكمال لآلخر بنائيا وحركيا و وظيفيا لدرجة عدم استطاعة أي
جزء االستغناء عن وجود األجزاء األخرى عند قيامه بحركته و وظيفته على الرغم
أن حركة و وظيفة الكل مختلفة عن حركة و وظيفة أجزائه المكونة له ،و هذا يعني
أن األجزاء تكون متماسكة ارتباطيا و متكاملة حركيا و متكافئة وظيفيا و متناغمة
إيقاعيا .
هذا هو معنى النسق الذي يتنفس و يحيا وجوديا و وظيفيا من خالل تكامل وظائف
أجزائه المترابطة .
تم استعارة هذا المعنى من قبل العلوم الطبيعية و الفيزيائية و علم الضبط و نظرية
المعلومات و البحوث االجرائية و نظرية األنساق االقتصادية إذ طبقت على النسق
االلكتروني و الشمسي ( في الكون ) و العصبي ( في جسم االنسان ) .
و إذا أردنا سبر غور معنى و أبعاد هذه النظرية فإنه من المفيد أن نستعين بتحديد
المنظر األمريكي " :أناتول رابو بوريك )الذي قال فيه :إنه شيء يتكون من
مجموعة كينونات متصلة ببعضها على أشكال بناء متكامل و مترابط و كل كينونة
تمتلك صفة خاصة بها متممة لصفات الكينونات األخرى المرتبطة بها و المتفاعلة
معها .
على الرغم من أن هناك العديد من علماء االجتماع الذين ينتمون إلى االتجاه الذي
يعرف باسم الوظيفية مثل روبرت ميرتون و جورج هومانز و تالكوت بارسونز و
ماريون ليفي و روبرت ميلز و غيرهم .
و على الرغم مما يوجد من اختالفات بين هؤالء العلماء إال أنه يمكننا القول بصفة
عامة أن االتجاه الوظيفي يعتمد على ستة أفكار رئيسية أو مسلمات محورية هي :
أوال :يمكن النظر إلى أي شيء سواء كان كائنا حيا أو اجتماعيا و سواء كان فردا
أو مجموعة صغيرة أو تنظيما رسميا أو مجتمعا أو حتى العالم بأسره على انه نسق
أو نظام ،و هذا النسق يتألف من عدد من األجزاء المترابطة ،فجسم اإلنسان نسق
يتكون من مختلف األعضاء و األجهزة و الجهاز الدوري فيه مثال عبارة عن نسق
يتكون من مجموعة من األجزاء ،و شخصية الفرد نسق يتكون من أجزاء مختلفة
مثل السلوك و الحالة االنفعالية و العقلية ....الخ و كذلك المجتمع و العالم .
ثانيا :لكل نسق احتياجات أساسية ال بد من الوفاء بها و إال فإن النسق سوف يقف
أو يتغير تغيرا جوهريا ،فالجسم اإلنساني مثال يحتاج لألكسجين ،والنتروجين و
كل مجتمع يحتاج ألساليب لتنظيم السلوك ( القانون ) و مجموعة لرعاية األطفال
( األسرة ) و هكذا .
ثالثا :ال بد أن يكون النسق دائما في حالة توازن و لكي يتحقق ذلك فال بد أن تلبي
أجزاءه المختلفة احتياجاته ،فإذا اختلت وظيفة الجهاز الدوري فإن الجسم سوف
يعتل و يصبح في حالة من الال إتزان .
رابعا :كل جزء من أجزاء النسق قد يكون وظيفيا أي يسهم في تحقيق توازن
النسق ،و قد يكون ضارا وظيفيا أي يقلل من توازن النسق و قد يكون غير وظيفي
أي عديم القيمة بالنسبة للنسق .
خامسا :يمكن تحقيق كل حاجة من حاجات النسق بواسطة عدة متغيرات أو بدائل
فحاجة المجتمع لرعاية األطفال مثال يمكن أن تقوم بها األسرة و حاجة المجموعة
إلى التماسك قد تتحقق عن طريق التمسك بالتقاليد أو عن طريق الشعور بالتهديد من
عدو خارجي .
بمعنى مجموعة المفهومات التي يتردد استخدامها في إطار البنائية الوظيفية ،و
على الرغم من أن مفهوما البناء و الوظيفة باعتبارهما مفهومين رئيسين في هذا
اإلطار ،و قد دخال على يد كومت و سبنسر إال أن البنائية الوظيفية شهدت نمو
إطارا تصوريا ،يضم مفهومات مثل النسق والنظام و الدور والقيم و المعايير و
غيرها ترتبط بمفهوم البناء ،هذا من ناحية و من ناحية أخرى كما شهدت ظهور
مفهومات مثل الوظيفة الظاهرة و الوظيفة الكامنة ،و البدائل الوظيفية و المعوقات
الوظيفية ،و غيرها ،ترتبط بمفهوم الوظيفة ،و قد أضيفت هذه المفهومات على يد
علماء مثل ما لينوفسكي و راد كليف براون و بارسونز و ميرتون و ماريون ليفي
وغيرهم .
و يعني النسق في أبسط معانية العالئقية أو االرتباط أو التساند ،و حينما تؤثر
مجموعة وحدات وظيفية بعضها في بعض فإنه يمكن القول أنها تؤلف نسقا ذلك
الذي يتسم بخصائص معينة .
و يستطيع مفهوم النسق الوفاء بكثير من متطلبات التحليل الوظيفي ،و لعل أهمها
أنه يمكننا على مستوى التجريد من التعرف على النشاطات المختلفة و الخصائص
المتميزة للمجتمع ككل ،فالمجتمع ذاته يوصف بأنه نسق اجتماعي متفاعل ،و
تتضمن فكرة النسق اإلشارة إلى البيئة المحيطة به ،و تنطوي هذه البيئة على
أقصى درجات التفاعل و التداخل بين مختلف عناصر و مكونات النسق ،كذلك تثير
مسالة البيئةو مشكلة حدود النسق ،و الحدود هي اإلطار الذي يحيط بالنسق و
يتبادل معه التأثير و التأثر .
و يؤكد سمنر أن النظم تبدأل بأساليب السلوك التي تتحول إلى عادات جماعية و هذه
األخيرة ما تلبث أن تتحول إلى قيم و معايير أخالقية بسبب ارتباطها بالفلسفة
االجتماعية للمجتمع التي تجعل منها ضرورة للصالح العام .
و على الرغم من تعدد تعريفات النظم االجتماعية عند علماء االجتماع إال أنه يمكن
القول :إن هناك شبه اتفاق بين المشتغلين بعلوم االجتماع و اإلنسان ،على أن النظم
االجتماعية هي األساليب المقننة والمتفق عليها اجتماعيا ( سلوك و عالقات و
تفاعالت و أفكار و معايير و مفاهيم و جزاءات ) و التي تستهدف إشباع حاجات
أبناء المجتمع .
أوال :لكل نظام وظيفة أو مجموعة من الوظائف يؤديها داخل المجتمع ،و لعل هذه
الخاصية يمكن استنتاجها من تعريف النظم بأنها أساليب مقننة جماعية لمواجهة
الحاجات اإلنسانية األساسية .
ثانيا :يرتبط النظام بفكرة المعايير أو القواعد الضابطة للسلوك ،فهو ليس مجرد
نماذج سلوكية بل إلى جانب ذلك نماذج مقننة ،أي تخضع لقواعد معينة متفق
عليها ،و يجب على الناس االلتزام بها .
ثالثا :إن التزام الناس بهذه القواعد يرتبط بفكرة الجزاءات االجتماعية ،فإتباع
الناس لنماذج السلوك المعترف بها في المجتمع يرجع إلى التربية أو التنشئة
االجتماعية كأساس أول ،و إذا فشلت فإن األساس الثاني هو الخوف من الجزاءات
االجتماعية السلبية .
رابعا :إن النظام هو السلوك االجتماعي الذي يعترف به أبناء المجتمع ،و يحتاج
السلوك إلى فترة زمنية طويلة حتى يتم قبوله و بالتالي يستمر لفترة زمنية طويلة
أطول من أعمار األفراد .
خامسا :أغلب النظم تتسم بدرجة عالية من التعقيد ،حيث يتضمن كل منها مجموعة
معقدة و متشابكة من النماذج السلوكية ،و ضوابط السلوك و قواعد معينة يجب أن
يتبعها إلى جانب شبكة معقدة من العالقات التي تحتاج إلى كثير من الجهد لفهمها و
تحليلها .
يعد مفهوم الدور مفهوما محوريا سواء لفهم النتائج أو اآلثار أو لفهم مكونات البناء
االجتماعي ،فالدور هو الوظيفة ،بمعنى أنه السلوك الذي يؤديه الجزء من أجل
بقاء الكل ،و تشكل أنماط العالقات االجتماعية بين األدوار الشخصية جوهر البناء
االجتماعي ،وبالمثل تشكل أنماط العالقات بين النظم االجتماعية المفهوم األشمل
لبناء المجتمع ككل .
5ــ الجماعات
تشير الجماعة إلى أي تجمع من أفراد يرتبطون معا بمجموعة معينة من العالقات
االجتماعية ،و ال بد أن يتوفر في الجماعات عنصران أساسيان هما :
ب ــ االستجابة المتبادلة بينهم بحيث تشكل أفعالهم سياق الجماعة ككل .
و كان ميرتون قد أضاف تعريفا شهيرا للوظيفة حيث قال :إنها تلك النتائج أو اآلثار
التي يمكن مالحظتها و التي تؤدي إلى تحقيق التكيف و التوافق في نسق معين "
و طور ميرتون بعد ذلك مجموعة تصورات بدأها بالتفرقة بين الوظائف الظاهرة و
الكامنة ،و دعمه بمفهوم البدائل الوظيفية ،و اختتم اسهامه بمفهوم المعوقات
الوظيفية ،كأداة لفهم التغير االجتماعي .
عندما حاول ميرتون مناقشة موضوع الجهاز السياسي ،كشف بجالء عن أهمية
مفهوم البدائل الوظيفية و تكمن أهمية هذا المفهوم في التحليل ،حينما نتخلى عن
التسليم بفكرة الوظيفية التي ينطوي عليها بناء اجتماعي معين ،و معنى ذلك أنه
يتعين علينا أال نسلم مثال بأن الجهاز السياسي يمثل الوسيلة الوحيدة لمواجهة حاجات
جماعية معينة مثل رجال األعمال ،و الطموحين من أفراد المستويات االجتماعية
الدنيا .
إذن فمفهوم البدائل الوظيفية يركز االهتمام على مدى التنوع الممكن في الوسائل
التي تستطيع أن تحقق مطلبا وظيفيا ،و بذلك فهو يذيب ذاتية ما هو موجود بالفعل
و ما هو محتم أيضا .
2ــ المعوقات الوظيفية :
و أخيرا نجد ميرتون يحذر من االهتمام الشديد بدراسة الجوانب االستاتيكية في
البناء االجتماعي ،و هو اهتمام أواله بعض من ممثلي المدرسة الوظيفية ،وفي هذا
الصدد يستخدم ميرتون مفهوم المعوقات الوظيفية و يشير على النتائج التي يمكن
مالحظتها و التي تحد من تكيف النسق أو توافقه ،فالتفرقة العنصرية مثال قد تكون
معوقا وظيفيا في مجتمع يرفع شعار الحرية و المساواة و يوضح ميرتون أهمية هذا
المفهوم بقوله :إن مفهوم المعوقات الوظيفية بما يتضمنه من ضغط و توتر على
المستوى البنائي يمثل أداة تحليلية هامة لفهم و دراسة ديناميات التغير .
قد ميرتون تفرقة واضحة و تمييزا قاطعا بين الوظائف الظاهرة و الكامنة و سوف
نترك الحديث حولهما لنقدمها بتفصيل أكثر عند حديثنا حول إسهامات روبرت
ميرتون .
اهتم نيقوال تيماشيف بتحديد اإلجراءات و التدابير التي تستخدم عند دراسة
الفروض الوظيفية و اختبارها ،و نظرا ألن الصياغة النظرية لالتجاه الوظيفي ذات
طابع تصوري في بعض جوانبها ،فقد أكد تيماشيف أن التجربة الفعلية إحدى هذه
اإلجراءات و التدابير ،و ذلك العتقاده بأننا نستطيع أن نقدر تصوريا و بشكل عام
ماذا سيحدث في مجتمع ما إذا ما أدى بناء جزئي وظيفته أو اضطرب في تأديتها .
و رغم تأكيد تيماشيف على أهمية التصور أو التجربة الفعلية و مشروعيتها في
إجراء أي تحليل سببي إال أنه يستند إلى رأي " ماكس فيبر " بالنسبة للحدود و
التحفظات التي يضعها عند استخدام هذه األداة أي التصور كإجراء منهجي في
التحليل الوظيفي .
و اإلجراء المنهجي الثاني الذي يستعان به في دراسة و اختبار الفروض الوظيفية
هو المقارنة سواء كانت على المستوى الكيفي النظري بين موقفين اجتماعيين
يختلفان بالنظر إلى وجود أو عدم وجود سمة معينة أو بناء جزئي ،بحيث يمكن
إظهار النتائج المتباينة التي تترتب على هذا االختالف ،و التي تؤثر على وجود
النسق الكلي و تدعمه .
أما اإلجراء المنهجي الثالث الذي يستخدم في التحليل الوظيفي ،فيتمثل في مالحظة
و تحليل النتائج المترتبة على حدوث االضطرابات المختلفة في المجتمع ،تلك
االضطرابات التي قد تنجم عن أحداث داخلية أو خارجية أو عن كال العاملين معا ،
و سواء كان التأكيد على االستقراء التاريخي أو التجربة و المقارنة ،فإن ذلك يشير
إلى ارتباط االتجاه الوظيفي باالتجاه الوضعي في علم االجتماع ،و ذلك يتضح
عندما نكشف عن األصول الفكرية لالتجاه الوظيفي المعاصر و عالقته باالتجاه
البنائي الوضعي العضوي ،عند كال من أوجست كونت ،سبنسر و غيرهم ،و
الفائدة من تلك اإلجراءات المنهجية تتمثل في أن التجربة العقلية و المقارنة و دراسة
الحالة آلثار االضطرابات ،تستخدم في العديد من الدراسات و التي قد ال تنتمي
لالتجاه الوظيفي إال أنها تفيد كثيرا في دراسة و اختبار القضايا الوظيفية .
ينتقد بوبوف عالم االجتماع السوفيتي النظريات الوظيفية على ساس أنها تتصور
المجتمع على أنه نظام أبدي ال يعرف التطور و االنتقال إلى وضع جديد ،كما أنه
يفسر الحياة االجتماعية بمتاهات من الجدل المدرسي الكالمي و التصورات Pالقيمية
البعيدة و المنفصلة عن الحياة الواقعية .
" لم تخلق مدرسة التحليل البنائي الوظيفي أكثر من أطر يمكن فيها وصف النظام
االجتماعي ،و ال أكثر من الوصف ،و ما أشبهها بأن نقول الكرسي مصنوع من
الخشب و أن له أربع قوائم و وظيفته أن نجلس عليه ،و أن هذا الكرسي ال يؤدي
وظيفته إذا كان الجلوس عليه مستحيال ،و على هذا النحو يبدو النظام االجتماعي
فارغ المعنى ...إن هذه النظرية ال تضع في اعتبارها التغير االجتماعي و ال يمكن
أن تكون دليال في الحلول و القرارات التي يجب علينا اتخاذها .
تدور الفكرة الرئيسية لالتجاه الوظيفي حول وجود نسق يتكون من عدة أنظمة أو
عناصر ،و هذه العناصر ال بد لها أن تحافظ على توازن النسق من خالل أداءها
لوظائفها و أن أي تغيير في أداء هذه الوظائف سوف يؤدي إلى اختالل توازن
النسق و نشوء المشاكل فيه .
و هذه الفكرة قد تكون مقبولة في لحظة معينة من تاريخ النسق ،و لكن هذه األبدية
التوازنية تبدو مستحيلة سواء على مستوى الفرد بيولوجيا أو على مستوى المجتمع ،
أن التوازن الطويل األمد ما هو في الحقيقة إال مظهر مرضي ،ألن التغير ال بد منه
حيث هو سنة الحياة .
و المجتمع إذا ما استمر في حالة التوازن هذه و رفض كل جديد فسوف يتحول إلى
مجتمع أقل ما يوصف به أنه مجتمع بدائي ،فليس لدينا مثال أفضل من المجتمعات
البدائية في الوقت المعاصر ،فهي تعيش حالة من النمطية المتوارثة و الحفاظ على
العادات و التقاليد ألجيال عدة ،هذا لو نظرنا لداخل المجتمع و لكن عندما ننظر إليه
كجزء من هذا العالم نرى أنه يعيش حالة مرضية هي حالة انفصال عما حوله ،و
بالتالي هو في الحقيقة عنصر غير وظيفي ضمن النسق العالمي بل يمكن اعتباره
وقتها من المعوقات الوظيفية .
و هذه النظرة و هي النسبية هي ما تغافل عنه االتجاه الوظيفي فهو ال يرى سوى
التوازن داخل النسق و يتناسى في نفس الوقت أن هذا النسق في الحقيقة هو أيضا
عنصر أو جزء نسبة إلى نسق ٍ أكبر .
و كمثال على ذلك نعلم أن المرأة الحامل يحدث شيء من الالتوازن في جسمها فهل
يصح أن نطلق على هذا االختالل بأنه خلل غير وظيفي و ضار بالنسق ( الجسم )
بالطبع ال يمكن اعتبار هذا الخلل شيء مضر بالجسم بل على العكس إن هذا الخلل
يؤدي وظيفة هامة و هي إنتاج األجيال الجديدة للمجتمع .
فلو أستمر جسم المرأة في حالة توازن مستمر لتعطلت وظيفة هامة تؤدى داخل
المجتمع .
إذا فبما أن جسمها ( النسق األصغر ) يظل عنصرا نسبة إلى المجتمع ( النسق
األكبر ) فنخلص إلى أن التوازن Pفي مجتمع ما قد يكون توازنا مرضيا نسبة للنسق
األكبر و الشيء اآلخر أنه ليس كل اختالل داخل النسق هو اختالل ضار و غير
وظيفي .
النقطة األخرى و التي هي أيضا إحدى األفكار الرئيسية لالتجاه الوظيفي هي فكرة
البدائل الوظيفية ،و تعنى أن كل عنصر داخل النسق يؤدي وظيفة ما ،يمكن أن
يكون هناك بديل عنه إذا ما توقف عن أداء هذه الوظيفة و لكن لم يشر المنظرون
الوظيفيون ــ حسب قراءتي لما لدي من مراجع ــ أن هذا البديل الوظيفي مهما ترقى
في درجة أداء هذه الوظيفة يظل عاجزا عن أداءها بنفس أهمية وجود العنصر
األساسي المرتبط بهذه الوظيفة ،فاألسر البديلة مثال ال يمكن لها أن تحقق نفس
االستقرار في حياة الفرد المنتسب إليها عوضا عن األسر الحقيقية ،و لو حدث
بعض الشذوذ ( استقرار ) فإنه يظل الشذوذ الذي يظهر في كل قاعدة .
أهم العلماء المساهمين في االتجاه الوظيفي
تالكوت بارسونز
ولد بارسونز عام 1902م في والية رادو األميركية في مدينة سبرنغ ،منحدرا
من أسرة متيدنة ذات ثقافة رفيعة إذ كان والده بروفيسورا و قسا بروتستانتيا في
كنيسة و رئيسا لعدة كليات جامعية صغيرة .
حصل بارسونز على شهادة البكالوريوس Pمن كلية امهارست عام 1924م ثم
ذهب للدراسات العليا في مدرسة لندن االقتصادية ( المملكة المتحدة البريطانية ) و
بعدها ذهب إلى مدينة هايدلبرغ األلمانية التي كان يعمل فيها ماكس فيبر و توفي
فيها قبل وصول بارسونز إليها بخمس سنوات ،لكن أفكار فيبر بقيت مؤثرة على
مجتمعها و ثقافتها و أنديتها حتى بعد وفاته فتأثر بها بارسونز و سجلها في
أطروحته للدكتوراة و تعامل معها بشكل واضح و بارز .
و في عام 1973م نشر كتابه الموسوم " بناء الفعل االجتماعي " الذي عكس عمله
و مساهمته في بناء النظرية االجتماعية .
و لم يكن عمله العلمي في بداية تعيينه كثيرا بل كان مقال و لم يتثبت في منصبه
كأستاذ جامعي إال في عام 1939م .
بعدها برز تقدمه بشكل ملحوظ بالذات قبل تعيينه رئيسا لقسم علم االجتماع عام
1944م في جامعة هارفارد و بعدها بعامين منح لقب أستاذ كرسي في قسم
العالقات االجتماعية الذي ضم متخصصين من باقي العلوم اإلنسانية و في عام
1949م تم انتخابه رئيسا لجمعية علماء االجتماع األمريكان ،و في عام 1954م
نشر كتابه المعروف " النسق االجتماعي " بعدها برز بارسونز عالما اميركيا المعا
في علم االجتماع ،بيد أنه في نهاية عام 1961م ،واجهه هجوم الذع من الجناح
المتطرف من علماء االجتماع األمريكان الذين كانوا ينظرون إليه بأنه سياسي
محافظ و أن نظريته االجتماعية محافظة أيضا لكن في الثمانينات حصل ابتعاث
لنظريته ليس فقط في الواليات المتحدة األمريكية بل في العالم بحيث وصف كال من
هلتن و تيرنر و سولي و جيرستاين في عام 1986م ،أعماله في النظرية
االجتماعية بأنها مساهمة فاقت مساهماته كال من ماركس فيبر و دور كايم بل و
حتى أكثر من مساهمات الذين أتوا من بعده من منظرين في علم االجتماع .
و كأن تأثيره واضحا على المفكرين المحافظين و على بعض الماركسيين الجدد في
النظرية االجتماعية أمثال جورجن هابرماس األلماني .
و قد نظر إليها بوصفها نسق العوامل المرتبطة ،و هناك أيضا األهمية الرومانتيكية
التي تنسب إلى العوامل الخلقية أو القيمية ،التي تمارس وظيفتها في تدعيم
االمتثال .
إن التكامل الذي حققه بارسونز بين االتجاه الوظيفي و االتجاه الطوعي يمثل
انعكاسا للصراع بين المنفعة و األخالق أو الحقوق الطبيعية الذي وجد في الثقافة
البورجوازية ،و من ثم فإن محاولة بارسونز تمثل مواجهة لهذا الصراع Pالثقافي و
محاولة حله على المستوى النظري .
و في فترة ما بعد الحرب العالمية الثانية تركز اهتمام بارسونز على المجتمع
بوصفه نسقا اجتماعيا مكونا من نظم متفاعلة و متضمنات أخرى متداخلة و في تلك
المرحلة أيضا ظهر تأكيد بارسونز على فكرة التدعيم الذاتي و النسق المتوازن ،و
هو ذلك الكل المعقد الذي يشتمل على الميكانيزمات الخاصة التي تسهم بدورها في
االستقرار الداخلي للمجتمع ،و من ثم كان بارسونز يهتم في فترة ما قبل الحرب
بالقيم األخالقية بوصفها بواعث داخلية على الفعل االجتماعي .
إن هذه الفترة المبكرة كانت تركز على أهمية تدعيم النسق ،أما في الفترة الثانية فقد
نظر إلى استقرار النسق االجتماعي ،باعتباره متوقفا على محاوالته الخاصة التي
يبذلها من أجل التكامل و التوافق ،و ذلك بدال ص من النظر إلى إرادة األفراد و
بواعثهم و لذلك أنصب اهتمام بارسونز على أن تدعيم النسق االجتماعي لتكامله
يجعل األفراد متوافقين مع ميكانيزماته و نظمه ،و يعودهم باستمرار إلى أن عيدوا
النسق بما يحتاج إليه .
والفعل االجتماعي بالتعريف هو سلوك إرادي لدى اإلنسان لتحقيق هدف محدد،
وغاية بعينها ،وهو يتكون من بنية تضم الفاعل بما يحمله من خصائص وسمات
تميزه من غيره من األشخاص .وموقف يحيط بالفاعل ويتبادل معه التأثير.
وموجهات قيمية وأخالقية تجعل الفاعل يميل إلى ممارسة هذا الفعل أو ذاك،
واإلقدام على ممارسة هذا السلوك أو غيره.
ولهذا يالحظ أن بارسونز يدرس الفعل اإلنساني بوصفه منظومة اجتماعية متكاملة،
يسهم كل عنصر من عناصرها في تكوين الفعل على نحو من األنحاء ،وهي مؤلفة
من أربع منظومات فرعية تتدرج من المنظومة العضوية إلى المنظومة الشخصية،
فاالجتماعية فالثقافية والحضارية.
وفي حين تحدد المنظومة العضوية الخصائص العضوية للفاعل ،تتحدد من خاللها
حاجاته وإمكاناته ،وقدراته ،وال يستطيع المرء أن يمارس الفعل االجتماعي إال في
الحدود التي تسمح بها عضويته ،ومكوناتها .وتختلف عن ذلك المنظومة الشخصية
التي تحمل قدراً كبيراً من الخصائص التي تميز الفاعلين من بعضهم بعضا ً بما أوتوا
من تفاضل في القوة والتأثير والقدرة على تحمل المصاعب ،وغير ذلك من الصفات
التي تجعل األفراد يتفاوتون أيضا ً في قدراتهم على ممارسة الفعل االجتماعي
الواحد.
أما المنظومة االجتماعية في الفعل فتنطوي على نظم التفاعل والروابط التي يقيمها
الناس بين بعضهم بعضاً ،ويستطيعون من خاللها ممارسة الفعل على النحو الذي
يصيرون فيه قادرين على ممارسة الفعل ،فهم يتوزعون المواقع االجتماعية التي
تتيح لكل منهم ممارسة الفعل على نحو مختلف تبعا ً للموقع االجتماعي الذي يشغله
في بنية المنظومة االجتماعية ،فالمرء ال يستطيع أن يمارس األفعال االجتماعية إال
في الحدود التي تسمح بها المواقع والمهام التي يشغلها في بنية التنظيم.
وتتجلى وحدة المجتمع بوحدة المنظومة الثقافية والحضارية التي تؤلف مصدر تقويم
األفعال وتوجيهها ،وبفضل وحدة المنظومة الثقافية أيضا ً يتحقق للتنظيم االجتماعي
توازنه واستقراره ،وليس من اليسير أن تتغير معالم المنظومة الثقافية بين عشية
وضحاها ،بل تتأكد من خاللها شخصية التنظيم االجتماعي وهويته ،ومن خاللها
يظهر التباين بين المجتمعات اإلنسانية والحضارات المتعددةP.
ويشير بارسونز إلى جملة من اآلليات (الضوابط) Pالتي تسهم في حفظ النظام
وتوازنه مع اختالف الزمن والمراحل التي يمر بها التنظيم االجتماعي ،ومن ذلك
التنشئة االجتماعية التي ُي َل ّقن من خاللها الفرد ،منذ صغره ،القيم والمعايير الثقافية
التي يعود لها الفضل في ضبط السلوك وأشكال الفعل وتوجيهها.
كما يعود استقرار التنظيم االجتماعي وبقاؤه إلى قدرته على التكيف مع التغيرات
التي تطرأ على تفاعله مع المحيط ،وتلبية الحاجات التي تدعو إليها عمليات التغيير،
وخاصة بالنسبة إلى كل مكون من مكونات التنظيم ،وبذلك يحقق التنظيم االجتماعي
وظيفتين بآن واحد ،تكيفه مع البيئة المحيطة به من جهة ،وتكامل مكوناته من جهة
أخرى.
وتسهم نظرية الفعل االجتماعي التي عمل بارسونز على تطويرها في توضيح
الكثير من القضايا االجتماعية ،مما جعل هذه النظرية تأخذ موقعا ً متقدما ً في
دراسات علم االجتماع في الواليات المتحدة األمريكية ،وفي معظم دول العالم،
والسيما الدول األوربية ،بالنظر إلى ما تحتويه من قدرات تحليلية تمكن الباحث من
معالجة الكثير من القضايا االجتماعية وقضايا علم االجتماع .
أبرز البعض اسهامات بارسونز بالنسبة للنظرية الوظيفية و حصرها في فكرته عن
البدائل النمطية ،للتوجيهات القيمية و التي تنحصر في متغيرات النمط الخمس و
المتمثلة في :
1ــ الوجدانية في مقابل الحياد الوجداني حيث يعتبر النمو وجدانيا إذا كان تتيح
اإلشباع المباشر لحاجة الفاعل بينما يعتبر محايدا من الناحية الوجدانية إذا كان
يفرض النظام ،و يتطلب التخلي عن الخاص ،عن الخاص من أجل مصالح
اآلخرين .
2ــ المصلحة الذاتية في مقابل المصلحة الجمعية ،فقد تعتبر المعايير االجتماعية
أنه من المشروع سعي الفرد وراء مصالحه الخاصة أو تجبره على العمل من أجل
مصالح الجماعة .
3ــ العمومية مقابل الخصوصية و يشير المتغير األول إلى مستويات القيمة التي
على درجة كبيرة من العمومية بينما يشير الثاني إلى المستويات التي لها داللة لفرد
معين في عالقات معينة مع أشخاص معينين .
4ــ األداء في مقابل النوعية و كان بارسونز يسميها أوال الوراثة في مقابل
االكتساب و يعني بها تلك المعالجة ا األولية لشيء على أساس ماهيته في حد ذاته
أي حقيقة مواصفات الشيء ،أو أن يكون الفعل على أساس تحقيق أهداف معينة
موضوعة و هذا هو األداء .
و يعتقد بارسونز أن الفاعل يهدف الوصول إلى أكبر إرضاء و الفروض من
الناحية الواقعية ال يمكن أن يرغب في الحصول على كل شيء ،و لذلك ال بد من
أن يقف محايدا إزاء بعض األشياء ،و من تحليله لهذه البدائل النمطية استطاع أن
يصل إلى فكرته عن متغيرات النمط الخمس والتي ترتبط بنظرية األنساق لبارسونز
،كما أن بارسونز أوضح أيضا وظيفة البناءات ،فذهب إلى أن التحليل البنائي
الوظيفي يتطلب معالجة منظمة ألدوار و مراكز الفاعلين في موقف اجتماعي معين
و باإلضافة إلى معالجة النظم االجتماعية المتضمنة لها .
و يشير المركز على مكان الفاعل في نسق عالقات اجتماعية ينظر إليها باعتبارها
بناء و الدور رغم ارتباطه بالمركز إال أنه بمثابة الوجه الدينامي له ،كما أنه يشير
إلى سلوك الفاعل في عالقته باآلخرين ،أما األنماط النظامية في التوقعات النمطية
أو البنائية فهي التي تحدد السلوك الثقافي المناسب لألشخاص الذين يقومون بأدوار
اجتماعية متعددة و مختلفة .
الضروريات الوظيفية
أشار بارسونز إلى أنه باإلمكان تحليل المجتمعات باعتبارها أنساقا اجتماعية و أنه
إذا كان على أي نسق اجتماعي أن يستمر عليه أن يعمل على تحقيق أربعة شروط
أساسية أو بعبارة أخرى عليه أن يتغلب على أربعة مشاكل أساسية ،و لقد أطلق
على هذه المشكالت أو الشروط المتطلبات الوظيفية أو الضروريات الوظيفية و هذه
المتطلبات ال تهم التنظيم االجتماعي فقط و إنما تتعلق بالحاجات الشخصية ألعضاء
المجتمع أيضا و هذه
التكيف مع البيئة
على كل مجتمع أن يحقق الحاجات الطبيعية ألعضائه إذا كان عليه أن يستمر ،و
لكي يحقق ذلك عليه أن يضع الترتيبات الالزمة مع بيئته الطبيعية ،ويعتبر الغذاء و
المأوى بمثابة حد أدنى من هذه المتطلبات ـ و عادة ما يشتمل مجالها على األنساق
الفرعية الخاصة باإلنتاج و التوزيع .
ينبغي على أي مجتمع أن يتوصل إلى بعض االتفاق المشترك بين أعضائه حول
أهدافهم و أولوياتهم و هكذا عليهم أن يوفروا الترتيبات الضرورية للتعرف على و
اختيار تحديد هذه األهداف الجمعية و توفير الترتيبات البنائية الضرورية لبلوغ هذه
األهداف .
التكامل
لكي يحافظ أي مجتمع على وجوده عليه أن يضمن قدرا من التعاون و الضبط بين
العناصر الداخلية لألجزاء المختلفة من النسق االجتماعي ،و تتعامل المشكلتان
األولى و الثانية ،التكيف مع البيئة و انجاز األهداف الجمعية مع ظروف و
متطلبات تتحقق من خارج النسق و على هذا يمكن النظر إليها على أنها أدائية إلى
حد كبير بمعنى أنها تتطلب أداء مهام مثل تعبئة الوسائل من أجل بلوغ األهداف ذات
القيمة .
و تترتب مشكالت المحافظة على النمط و التحكم في التوتر ،و العمل على التكامل
بين أفعال األعضاء ،تترتب على الحقيقة التي مؤداها أنه يوجد هناك دائما أكثر من
شخص واحد في النسق االجتماعي ،و بعبارة أخرى من المعترف به أن التفاعل
االجتماعي ذاته يثير مشكالت من داخل المجتمع .
و هاتان المشكلتان ينظر إليهما على أنهما يتعلقان بالجوانب التعبيرية إلى حد
كبير ،بمعنى المحافظة على القيم االجتماعية و ضبط التغيرات االنفعالية ،و على
أن مجتمع لكي يحل هذه المشكالت و يحافظ بالتالي على وجوده أن يوفر أربعة
سمات بنائية رئيسية ،و هذه السمات البنائية في نظر بارسونز تتمثل في األنساق
الفعرية الرئيسية المتعلقة باالقتصاد و السياسة و القرابة و التنظيمات الثقافية و
المحلية .
و تؤدي النظم القرابية وظائف المحافظة على األنماط المتوقعة للتفاعل االجتماعي
و تساعد على ضبط التوترات الشخصية المتبادلة إلى حد ٍ كبير من خالل عملية
التنشئة االجتماعية ،و الواقع أن عملية التنشئة االجتماعية هي التي تشكل
شخصيات من يلعبون األدوار بالدافعية الكافية و اإللتزام بقيم المجتمع .
أما النظم الثقافية و المحلية مثل الدين المنظم و التعليم و وسائل االتصال فهي تقوم
بوظيفة العمل على التكامل بين العناصر المتباينة في النسق االجتماعي .
و هذه النظم بإمكانها أن تشكل القيم االجتماعية و تعمل على تدعيمها في الوقت
نفسه ،و قد تكون هذه النظم في حاجة إلى مساعدة تتلقاها من الهيئات الرسمية
الخاصة بالضبط االجتماعي ،مثل قوة البوليس و الجيش أو من نظم قانونية خاصة
بالمحاكم و التشريع خاصة إذا اتضح عدم كفاية هذه النظم الثقافية .
و يتأثر الشكل الخاص الذي تأخذه هذه األنساق البنائية الفرعية أو النظم في أي
مجتمع بنسق القيم الخاص بهذا المجتمع و كان بارسونز متأثرا إلى ح ٍد كبير بأعمال
دور كايم ،ألن كال منهما كان يعتبر المجتمع في أساسه بمثابة كيان أخالقي ،و
عندما يشير بارسونز إلى بناء المجتمع بمعنى البناء االجتماعي ،فإنه يشير إلى
البناء المعياري بمعنى أنه يشير إلى بناء التوقعات الذي يتجسد في عملية لعب
األدوار وكل األنساق النظامية الفرعية مثل القرابة و االقتصاد و السياسة المشار
إليها سلفا تتكون من أدوار .
االنتقادات
بدأت حملة من االنتقادات توجه إلى بارسونز و تتساءل عما إذا كان نسق
المفهومات عند بارسونز يرتبط بأحداث تقع في العالم الحقيقي .
ال جدال أن هذا االتجاه النقدي الموجه إلى بارسونز له أهميته ،ألن إستراتيجية
بارسونز تفترض أنه من الضروري أن نصيغ نسقا محكما من المفهومات ،يدرك
إدراكا مالئما السمات الظاهرة للعالم االجتماعي ،و منه تبرز مجموعة من القضايا
النهائية ،و التحدي األكبر الذي يواجه استراتيجيته و جوهر شكل التنظير الوظيفي
عند بارسونز هو التأكيد بأن النسق الكامل النضج للمفهومات ال يعكس إال سمات
غير مالئمة عن األنساق االجتماعية الواقعية .
د ) و يشير إلى أساليب تحافظ على الوضع الراهن ,بإيجاز فإن صورة المجتمع
التي عرضها بارسونز هي صورة يوتوبية ،ألنها تستبعد حدوث ظواهر مثل
االنحراف و الصراع و التغير .
و رغم ضعف الدليل على إثبات هذه التأكيدات فإنه ألمر طبيعي أن تقلقنا مصادر
النقد ،و لقد تزايدت حملة االتهمات بعد نشر كتاب النسق االجتماعي ،الذي عرض
فيه بارسونز عرضا واضحا لفكرة تكامل األنساق االجتماعية ،وبطريقة تماثل ما
عرضه راد كليف بارون و دور كايم من أن التأكيد على الحاجة أو لزوميات
التكامل في األنساق االجتماعية يؤدي في راي النقاد إلى اهتمام غير مناسب و غير
متوازن بتلك العمليات التي تحدث داخل األنساق االجتماعية ليواجه و يشبع هذه
الحاجة إلى التكامل .
كما كان من ضمن االنتقادات التي وجهت لبارسونز مشكلة الحشو و تكرار المعنى
و هي إحدى االنتقادات األساسية التي تعترض منظور بارسونز الوظيفي ،و
المقصود بالحشو و تكرار المعنى في فكر بارسونز نجده في صياغة بارسونز عن
الحاجات األربعة للنظام حيث نجد أنها مبنية على افتراض أن تلك الحاجات غير
محققة و لذلك فإن بقاء النظام يكون مهددا أو معرضا للخطر ،و مع ذلك فعندما
طبق بارسونز هذا االفتراض أصبح من الضروري التعرف على مستوى الفشل في
مقابلة كال من هذه الحاجات إلبراز أزمة النظام من أجل البقاء ،كيف يستطيع الفرد
أن يحدد متى ال تكون حاجات التكيف مقابلة للنظام .
إنه لما لم يكن هناك بعض الطرق لتحديد ما يعين على بقاء النظام أو عدم بقاءه فإن
االفتراضات المدعمة بالوثائق عن مشاركة إو إسهام البنود بالنسبة لمقابلة حاجات
البقاء تصبح حشوا أو تكرارا للمعنى ،فالجزء أو العنصر يقابل حاجات بقاء أو عدم
بقاء النظام ،ألن النظام موجود و بناء على ذلك يجب على النظام أن يكون باقيا .
إذا فبارسونز لم يقدم إجابة على التساؤالت المتعلقة بمشكلة الحشو و تكرار المعنى
حيث أنه لم يعطي إجابات على المستويات أو المعايير التي بواسطتها يمكننا التعرف
على مدى قابلية النظام للحاجات الوظيفية األربعة من أجل الحفاظ على بقائه و
استمراره ،فعلينا أن نعرف متى تكون حاجات النظام متقابلة أو غير متقابلة .
و بجانب ذلك فإنه كان على بارسونز أن يمدنا بالمستويات الدنيا المطلوبة لمقابلة
كل حاجة من حاجات النظام األربعة لبقائه ،و بمعنى آخر عند أي حد يمكننا القول
بأن النظام يمكن مقابلة حاجاته التكاملية و عند أي وضع يمكننا من خالله تحديد بقاء
النظام أو فشله ،ألن المستويات الدنيا المطلوبة لحاجاته تكون متقابلة .
فأي افتراض عن بقاء النظام بواسطة مقابلة حاجاته األربعة األساسية يكون عديم
المعنى أو االستعمال ،ما لم يتوافر لدينا بعض المعايير التي بواسطتها نستطيع
التعرف على المستويات الدنيا الالزمة لمقابلة حاجات النظام ،و ما يترتب على ذلك
من بقائه أو عدم بقائه .
و يبدو أن بارسونز كان لديه وعي بهذه المشكلة الخاصة بمنهجه و لكنه كان غير
قادر على حلها و التغلب عليها .
اإلسهامات التي قدمها روبرت ميرتون للنظرية البنائية الوظيفية
تأثر ميرتن بشكل مباشر بأساتذته الذين درسوه علم االجتماع بعد مرحلة
البكالوريوس ( Pالماجستير والدكتوراة ) Pأمثال بيرتم سوروكن و تالكوت بارسونز و
هاندرسون ل .ج و جاي ف .و جورج سارتون ،إذا اكتسب من سوروكن األفكار
االجتماعية األةربية ( الذي هاجر من روسيا إلى أمريكا حامال معه رؤى و مناهج
أوروربية تختلف عن األمريكية ) لكن مرتن لم يقتف ِ خطى أستاذه في البحث
االجتماعي ألن بداية أستاذه كانت في العقد الثالث من هذا القرن و طموحات مرتن
غير ذلك ،إال أنه يشعر أنه قريب منه في الفكر والتفكير .
أما أستاذه الثاني ( تالكوت بارسونز ) فقد طعـّم فكرة بمصطلحاته البنائية و
الوظيفية و التي ساعدته في تأليف مؤلفه " البناء االجتماعي للفعل االجتماعي "
أما هاندرسون ( صاحب الخلفية الكيميائية ) أستاذ علم االجتماع فقد تعلم منه أصول
البحث العلمي ،و تعلم األسس االقتصادية في التطور و النمو من أستاذه المخصص
في التاريخ االقتصادي البروفسور جاي .ف .
أما معلموه غير المباشرين فهم اميل دور كايم و جورج زيمل و جلبرت موري ،ثم
تعلم في مراحل حياته األخيرة األشياء الكثيرة من زمالئه في العمل أمثال بول
الزفيلد الذي استفاد منه في مناقشاته و محاوراته معه التي استمرت أكثر من ثالثين
عاما قضاها معه في جامعة هارفارد .
كانت أمنية مرتن تقديم نظرية علمية في علم االجتماع ذات حبكة فكرية و تماسك
منهجي متميز و بالذات في دراسة البناء االجتماعي للفعل االجتماعي و التفكير
الثقافي لتساعده على دراسة المؤسسات االجتماعية و سمات الحياة االجتماعية .
أما االتجاهات العلمية التي طبعات اهتماماته و أعماله فقد ظهرت في العقد الثالث
من هذا القرن حول العلم و التكنولوجيا إبان القرن السابع عشر في بريطانيا .
لكن في العقد الرابع أنصب ولعه العلمي على دراسة السلوك المنحرف و العمل
البيروقراطي ( Pالديواني ) و اإلقناع الجمعي و وسائل االتصال في الحياة
االجتماعية العصرية ،و دور المثقف في المجتمع و مؤسساته الرسمية .
و في العقد الخامس تميز عمله بالتفاتة إلى بناء نظرية اجتماعية في علم االجتماع
كأساس للبناء االجتماعي متضمنا األدوار و المواقع و الجماعة المرجعية .
اقترح روبروت ميرتون إدخال بعض التعديالت على النظرية الوظيفية و لكنه بدأ
من نفس المسلمات النظرية و االيدولوجية التي يبدأ بها كل أصحاب االتجاه الوظيفي
و أصحاب االتجاه العضوي من قبلهم ،و أهم هذه المسلمات أن البناء االجتماعي
في حالة ثبات و أن هناك تكامال بين عناصر هذا البناء ،و أن هناك اجماعا عاما
بين أعضاء المجتمع على قيم معينة ،و أن هناك توازن