Professional Documents
Culture Documents
الزهراوي
الزهراوي
ُولد أبو القاسم خلف بن عباس الزهراوي األنصاري في مدينة الزهراء ،العاصمة األندلسية
الجديدة على مقربة من مدينة قرطبة ،سنة 325هـ936/م .عرف في العالم الغربي باسم
،Abulcasisو هو طبيب عربي مسلم.
مكانته العلمية:
يعد أعظم الجراحين الذين ظهروا في العالم اإلسالمي ،ووصفه الكثيرون بأبي الجراحة الحديثة .أعظم
مساهماته في الطب هو كتاب «التصريفـ لمن عجز عن التأليف» ،الذي يعد موسوعة طبية من ثالثين
مجلدًا .كان لمساهماته الطبية سواء في التقنيات الطبية المستخدمة أو األجهزة التي صنعها تأثيرها الكبير
في الشرق والغرب ،حتى أن بعض اختراعاته ال تزال مستخدمة إلى اليوم.
اسهاماته العلمية:
تخصص الزهراويـ في عالج األمراض ب"ال َك ّي" ،كما اخترع العديد من أدوات الجراحة كالتي يفحص
بها اإلحليل الداخلي (اإلحليل هو قناة تربط المثانة إلى خارج الجسم) ،والذي يدخل أو يخرج األجسام
الغريبة من وإلى الحلق والتي تفحص األذن وغيرها ،وهو أول من وصفـ الحمل المنتبذ (الحمل خارج
الرحم أو الحمل المنتبذ هو أحد مضاعفات الحمل التي يتم فيها انغراس الحمل خارج التجويف الرحمي)
عام 963م .كما أنه أول من عالج الثؤلول (مرض جلدي عبارة عن أورام جلدية حميدة ومعدية تصيب
طبقات الجلد العليا ) باستخدامـ أنبوب حديديـ ومادة كاوية ،وهو أول من استخدمـ خطافات مزدوجة في
العمليات الجراحية ،وأول من توصل إلى طريقة ناجحة لوقفـ النزيف بربط الشرايين الكبيرة قبل الفرنسي
"أمبروز باريه" الذي تُنسب إليه هذه العملية ظلما وهضما للزهراويـ بستمائة عام .وقد وصف الزهراويـ
الحقنة العادية والحقنة الشرجية ومالعق خاصة لخفض اللسان وفحص الفم ،ومقصلة اللوزتين ،والجفت
وكالليب خلع األسنان ،ومناشير العظام والمكاوي والمشارط على اختالف أنواعها.
الزهراويـ أيضًا أول من وصف عملية القسطرة ،وصاحب فكرتهاـ والمبتكر ألدواتها ،وهو الذي أجرى
عمليات صعبة في شق القصبة الهوائية ،وكان األطباء قبله مثل ابن سينا والرازي،ـ قد أحجموا عن
إجرائها لخطورتها .وابتكرـ الزهراوي أيضًا آلة دقيقة ج ًّدا لمعالجة انسداد فتحة البول الخارجية عند
األطفال حديثي الوالدة؛ لتسهيل مرور البول ،كما نجح في إزالة الدم من تجويف الصدر ،ومن الجروح
الغائرة كلها بشكل عام .والزهراوي هو أول من صنع خيطانًاـ لخياطة الجراح ،واستخدمها في جراحة
األمعاء خاصة ،وصنعها من أمعاء الماشية والقطط ،وأول من مارس التخييط الداخلي بإبرتين وبخيط
واحد ُمثبَّت فيهما ،وهو أول من استعمل الفحم في ترويق شراب العسل البسيط ،وأول من استعمل قوالب
خاصة لصنع األقراص الدوائية.
وللزهراوي إضافاتـ مهمة ج ًّدا في علم طب األسنان وجراحة الف َّك ْي ِن ،وكتب في تشوهات الفم وسقف
صا به ،شرح فيه كيفية قلع األسنان بلطف ،وأسباب كسور الحلق ،وقد أفرد لهذا االختصاص فصالً خا ًّ
الفك أثناء القلع ،وطرقـ استخراج جذور األضراس ،وطرق تنظيفـ األسنان ،وعالج كسور الفكين،
واألضراسـ النابتة في غير مكانها ،وبرع في تقويم األسنان .وفي التوليدـ والجراحة النسائية ،وصفـ
وضعية فالشرـ للوالدة ،إضافةً إلى وصف طرق التوليد وطرق تدبير الوالدات العسيرة ،وكيفية إخراج
المشيمة الملتصقة ،والحمل خارج الرحم ،وطرق عالج اإلجهاض ،وابتكر آلة خاصة الستخراج الجنين
الميت ،وهو أول من استعمل آالت خاصة لتوسيعـ عنق الرحم ،وآالت الستئصال أورام األنف وهي
كالسنارة ،وآالت الستخراج حصاة المثانة بالشق والتفتيت عن طريق المهبل ،وأول من بحث في التهاب
المفاصل والسل في فقرات الظهر ،قبل برسيفال بوت بسبعمائة عام ،وأشارـ إلى استخدام النساء في
التمريض ،وهو أول من استعمل القطن إليقاف النزيف .كما صنع الزهراويـ أول أشكال الالصق الطبي
الذي ال زال يستخدمـ في المستشفيات إلى اآلن.
والحق أن ما قام به الزهراويـ وما اكتشفه من العالجات والعمليات الجراحية المعقّدة والدقيقة، -
واألدواتـ الجراحية في مجال األجهزة الطبية ،ال يمكن أن يكفيه تقريرمختصر مثل هذا ،وبسبب هذه
الخبرة الواسعة ،واالستكشافات المذهلة التي اتخذت المنهج العلمي القائم على االستقراء والتجربة
والمالحظة والجراحة باليد ،والعمل المضني الذي استمر نصف قرن في مجال الطب ،وذلك قبل ألف
عام من اآلن ،ليعد أمرا باهرا يستحقـ فيه الزهراويـ هذه المكانة الكبيرة التي اعتُبر فيها أعظم أساتذة
الجراحة في تاريخ الحضارة اإلسالمية
كتاب التصريف:
أتم الزهراوي كتابه «التصريف لمن عجز عن التأليف» عام 1000م ،وهو من ثالثين مجلد من
الممارساتـ الطبية والذي جمع فيه العلوم الطبية والصيدالنية في زمانه ،والذي غطى نطاقـ واسع من
الموضوعاتـ الطبية منها طب األسنان والوالدة التي جمع معلوماته على مدى 50عا ًما من ممارسته
للطب ،واحتويـ على وصف تشريحيـ وتصنيفـ ألعراض حوالي 325مرض وعالجاتها ،والجوانب
الطبية المتعلقة بالجراحة والجراحات التجبيرية والصيدلة وغيرها ،إال أن محتواه األبرز كان في
الجراحة .والذي ترجمه جيراردوـ الكريمونيـ إلى الالتينية في القرن الثاني عشر ،والذي ظل يستخدمـ
لخمسة قرون في أوروبا العصورـ الوسطى ،وكان المصدرـ األساسي للمعرفة الطبية بأوروبا ،واستخدمه
األطباء والجراحون كمرجع لهم ،وظل الكتاب متداوالً ويعاد طبعه حتى النصف الثاني من القرن الثامن
عشر.
ح َل كتاب الزهراوي في الجراحة مح َل كتابات القدماء ،وظل المرجع في الجراحة حتى القرن السادس
عشر ،وقدـ اشتمل هذا الكتاب على صور توضيحية آلالت الجراحة؛ وقدـ ساعدت آالته هذه على وضع
حجر األساس للجراحة في أوروبا.ـ وصف الزهراويـ في كتابه أدوات الجراحة التي صنعها ورسمها،ـ
وحدد طريقة استعمالها ،وشرح ما يفسد الجراحات وما يتوقفـ عليه نجاحها .وقد وصفـ كتاب التصريفـ
ما عُرف بعدئذ بطريقة كوخرـ لمعالجة خلع الكتف ،ووضعية والشر للوالدة .ووصف كذلك كيفية ربط
األوعية الدموية بخيوط من الحرير إليقاف النزف منها قبل أمبروازـ باريه ،وهو أول كتاب يوثّق أدوات
طب األسنان ،ويشرح الطبيعة الوراثية للناعور .ووصفـ الزهراوي كيفية استعمال المالقط في الوالدات
الطبيعية ،وصنع ملقط الستخراج الجنين الميت من الرحم .كما وصف تقنية لالستئصال الجراحي للتثدي.
في علم الصيدلة ،كان الزهراويـ رائدًا في تحضيرـ األدوية باستخدامـ تقنيات التسامي والتقطير.ـ كان كتابه
الذي ترجم إلى الالتينية تحت اسم « »Liber Servitorisله أهمية خاصة ،ألنه يمد القاريء بالوصفات
والشرح لكيفية تحضيرـ عينات من العقاقير المركبة.
عارض الزهراويـ في كتابه رأي القدماء في قولهم بأن الكي ال يصلح إال في فصل الربيع ،وقال بأنه
ضا رأيهم بأن الذهب األفضل للكي ،حيث قال بأنه يفضل استخدام الحديد صالح طوال العام .وعارض أي ً
كونه أنجح من الذهب في تلك الممارسة .وفيـ حديثه عن كي ذات الجنب ،ذكر الزهراويـ خطأ القدماء في
الكي بالحديد ال ُمح ّمى حتى االحمرارـ للوصول إلى الخراج ( تجمع صديديـ في داخل تجويف مسبب عن
التهاب صديدي حاد باألنسجة مع فسادها وتنخرها) وانتزاعه ،قائالً بأن ذلك خطيرـ وقد يؤدي للوفاة أو أن
الخراج قد يعودـ للظهور في نفس المكان.
حياته و وفاته :
كان من الالفت والغريب أن سيرة الزهراوي في حياة معاصريه لم تكن باألهمية التي يتوسعونـ فيها
للحديث عنه ،وأن هذا الطبيب العبقري ذا الخبرة الكبيرة لم يكن من حاشية البالط األموي في األندلس
طبيبا لهم أو مقربا منهم ،فضال عمن دونهم من القادة و ِعلية القوم ،وأنه كان طبيب الفقراء بامتياز!
عاش الزهراويـ طبيبا فقيرا على ما يبدو ،متقشفا ،محبا لطلبة الطب وصنعته ،واصفا لهم في مقدمة كتابه
بـ "أبنائه" ،باذال وقته ومجهوده لمساعدة الفقراء والمرضى،ـ وقد أمدنا هذا الكتاب العظيم "التصريف لمن
عجز عن التأليف" بثالثين مقالة في العلوم الطبية والتشريح والصيدلة وصناعة األدوية ،وأهمها المقالة
الثالثون في علم الجراحة التي تعد قمة التطورـ والثورة الطبية التي ولجها الزهراوي في عصره.
كانت فلسفة الزهراوي الطبية تقوم على أن الطبيب الماهر ال يكون طبيبا إال بعد معرفة تامة ،ودراسة
يرتاض قبل ذلك في علم
َ وافية لعلم التشريح ،يقول" :ألن صناعة الطب طويلة ،وينبغيـ لصاحبها أن
التشريح… ألنه من لم يكن عالما بما ذكرناـ من التشريح ،لم يخ ُل أن يقع في خطأ يقتل الناس به"
وكان اهتمامه بعلم التشريح ودراسته سببا في الفتح الكبير الذي تحقق على يديه في علم الجراحة فضال
عن اختراعاته لألدوات الجراحية ،وكان من الغريب والالفت أن علم التشريح كان علما محتقرا من قبله،
فجاء الزهراويـ ليبدد هذه األوهام ،ويكون من أوائل األطباء الذين يجرون العمليات الجراحية بأيديهم ،فقد
كان األطباء من قبله يوكلون هذه المهمة لعبيدهمـ أو إمائه