Download as pdf or txt
Download as pdf or txt
You are on page 1of 7

‫التخليق في اإلدارة القضائية ‪:‬المسار واآلفاق‬

‫ال شك أن التخليق ومحاربة الفساد في مرافق العدالة ورش كبير‬


‫ومهم ال يقل أهمية عن ورش إصالح المنظومة التشريعية وتبسيط‬
‫اإلجراءات المسطرية‪ ،‬ذلك أن األخالق "هي أساس من أسس الدولة‬
‫تقوم بقيامها‪ ،‬وتنهار بانهيارها"‪ ،‬كما جاء في الرسالة‬
‫الملكية الموجهة إلى المشاركين في الندوة الوطنية "حول دعم‬
‫األخالقيات بالمرفق العام" في ‪ 92‬و ‪ 03‬أكتوبر ‪ ،9222‬ولن تتحقق‬
‫العدالة وترسو دولة الحق والقانون وتثبت مبادئ الديمقراطية‬
‫وحقوق اإلنسان‪ ،‬ولو كانت "الخرسانة" التشريعية صلبة ودقيقة‬
‫في كل جزئياتها‪ ،‬ما لم تكن مصحوبة بالتزام أخالقي رصين وضمير‬
‫مهني حي ممن يعملون في الجهاز القضائي على اختالف درجاتهم‬
‫وتخصصاتهم‪.‬‬
‫ومساهمة منا في بسط النقاش حول هذا الموضوع‪ ،‬فإننا سنحاول‬
‫في هذه الورقة مقاربة مسار التخليق في اإلدارة القضائية و‬
‫كذا اآلليات العملية واألدبية الكفيلة بتحقيق ذلك‪ ،‬مع رسم بعض‬
‫اآلفاق المنظورة لهذا الورش الحيوي في منظومة العدالة‪.‬‬
‫أوال‪ /‬أهداف التخليق باإلدارة القضائية‪:‬‬
‫لم يعد في وسع أحد أن ينكر أن ثمة أنماط سلوكية مشينة‪،‬‬
‫وتجليات أفعال منحرفة في عدد من المرافق القضائية التي تسيء‬
‫إلى سمعة الجهاز القضائي برمته وتتطلب ضرورة المعالجة‬
‫الفورية بل والتصدي الصارم‪ ،‬ويمكن تصنيفها إلى ثالث مستويات‬
‫من االختالالت‪:‬‬
‫أوال‪ /‬اختالالت على مستوى المهام‪ ،‬حيث تطفو سلوكيات التماطل‬
‫والتقاعس والالمباالة والتوظيف السلبي للسلطة التقديرية‬
‫وافتعال أسباب غير معقولة للتغيب وغيرها‪..‬‬
‫ثانيا‪ /‬اختالالت على مستوى التدبير اإلداري‪ ،‬حيث تنتشر سلوكيات‬
‫االختالس واستغالل النفوذ وتحصيل المنافع غير المشروعة‬
‫والتبذير في الممتلكات العامة وغيرها‪..‬‬
‫ثالثا‪ /‬اختالالت تجاه الوافدين على مرافق العدالة‪ ،‬سواء كانوا‬
‫أشخاصا ذاتيين أو معنويين‪ ،‬حيث تبرز سلوكيات االرتشاء‬
‫والمحسوبية والشطط في استعمال السلطة والنصب واالحتيال‬
‫والمعاملة التفضيلية وضحالة الخدمات اإلدارية والقضائية‬
‫وغيرها‪..‬‬
‫إن مواجهة االختالالت بمستوياتها الثالث المشار إليها‪ ،‬تتطلب‬
‫جرأة وصرامة قانونية وأخالقية من طرف جميع الفاعلين في‬
‫اإلدارة القضائية رؤساء ومرؤوسين ومساعدي قضاء وحتى وافدين؛‬
‫ألن من شأن ذلك أن يحقق جملة من األهداف اإلجرائية واآلنية‬
‫لمنظومة العدالة وعلى جميع المستويات الداخلية والخارجية‪،‬‬
‫نوجزها فيما يلي‪:‬‬
‫‪-‬خلق صورة إيجابية لدى الوافدين على مؤسسات العدالة وجعلهم‬
‫يطمئنون إلى العاملين بها‪ ،‬خاصة وأن غالبية المواطنين‪ ،‬من‬
‫المتقاضين أو غيرهم‪ ،‬انطبعت في أذهانهم صورة نمطية سلبية‬
‫وقاتمة عن هذه المؤسسات‪ ،‬مؤداها أن فضاءات العدالة أماكن‬
‫لالبتزاز وممارسة الظلم والتعسف المادي والمعنوي بما يجعلها‬
‫بعيدة كل البعد عن مجرد التحلي بشعار "القضاء قي خدمة‬
‫له تحقيقه وتنزيله على أرض الواقع‪..‬‬ ‫المواطن" بْ‬
‫‪-‬الرفع من جودة الخدمات القضائية واإلدارية المقدمة‬
‫للوافدين على اإلدارة القضائية‪ ،‬وذلك بالتعامل الجدي مع‬
‫طلبات المتقاضين‪ ،‬والمحافظة على التوازن بين المصلحة‬

‫‪www.editorsjudiciaires.blogspot.com‬‬
‫الفردية والمصلحة العامة‪ ،‬دون المساس بجوهر القانون المنظم‬
‫للعمل‪.‬‬
‫‪-‬تطهير الجسد المهني من استفحال بعض السلوكيات والتصرفات‬
‫المشينة التي تضر بصورة اإلدارة القضائية‪ ،‬إذ من شأن انتشار‬
‫القيم اإليجابية في المرفق محاصرة العناصر الفاسدة والتحجيم‬
‫من تأثير سلوكياتها الشاذة‪ ،‬وفي المقابل إعادة المصداقية‬
‫واالعتبار للعناصر الصالحة والمصلحة‪.‬‬
‫‪-‬تخفيف عبء العمل والتحبيب في المهام الممارسة من خالل خلق‬
‫جو مهني واجتماعي سليم بين كافة العاملين بالجهاز القضائي‪،‬‬
‫بعيدا عن أجواء التوتر واالحتقان الناتجة عن البيروقراطية‬
‫المفرطة و هيمنة "الخشبية" في التواصل الداخلي و "عمودية"‬
‫القرار القائمة على أساس "افعل" و"ال تفعل‪"...‬‬
‫‪-‬التقليل من الصراعات الشخصية والحد من النزعات األنانية‬
‫والتحديات والتحالفات الخفية والمقالب والرغبة في اإليقاع‬
‫باآلخرين في محيط العمل‪،‬‬
‫‪-‬المساعدة في التنزيل السليم ألحكام القضاء وقراراته‬
‫العادلة‪ ،‬بحكم أن القواعد األخالقية تقوم بدور المكمل للقاعدة‬
‫القانونية وتساعد على انتشار تطبيقها واحترامها‪..‬‬
‫ثانيا‪ /‬آليات ترسيخ التخليق باإلدارة القضائية‪:‬‬
‫إن بلوغ هذه األهداف‪ ،‬يتطلب وضع آليات إجرائية مصاحبة قادرة‬
‫على جعل التخليق أمرا واقعيا وليس مجرد حلم يراود أذهان‬
‫المخلصين‪ ،‬أو شعارا يوظف لالستهالك وتأثيث منظومة اإلصالح‬
‫المنشود‪ ..‬ويمكن التمييز في هذا اإلطار بين نوعين من اآلليات‪:‬‬
‫أ – آليات التحسيس والتوعية‪:‬‬
‫انخراطا في اإلصالح الشامل لمنظومة للعدالة التي أعلنها جاللة‬
‫الملك منذ خطاب ‪ 93‬غشت ‪ ،9332‬وخاصة في الشق المتعلق بتخليق‬
‫الجهاز القضائي‪ ،‬قامت بعض الجمعيات الفاعلة في قطاع العدل‬
‫بخطوة مهمة تمثلت في مبادرتها إلى إصدار مدونات خاصة بالقيم‬
‫المهنية وقواعد السلوك؛ وهكذا أصدرت الودادية الحسنية‬
‫ّمدونة القيم القضائية"‪ ،‬ضمنتها‪ ،‬كما جاء‬ ‫للقضاة سنة ‪" 9332‬‬
‫في كلمة رئيس الودادية الحسنية‪" :‬مجموعة من القيم والتقاليد‬
‫و األعراف التي تحكم سلوك القاضي وتروم طمأنينة المجتمع إليه‬
‫واحترامه‪ ،‬باعتبارها تدعم استقالله وحصانته وكفاءته ونزاهته‪،‬‬
‫فمدونة القيم القضائية – من هذه المنطلقات – إطار يتعرف‬
‫القاضي والمجتمع من خاللها على الصفات والمزايا الواجب‬
‫التحلي بها من طرف القضاة‪".‬‬
‫ومن جهتها أصدرت ودادية موظفي العدل سنة ‪" 9393‬ميثاق قيم‬
‫وسلوك كتابة الضبط"‪ ،‬ليكون بمثابة مرجع أخالقي ودليل قيمي‬
‫يرشد كتاب الضبط في حياتهم المهنية‪ ،‬ويساعدهم في ضبط‬
‫عالقاتهم مع كافة العاملين بمحيطهم وكذا مع الوافدين على‬
‫مرافق العدالة"‪ ،‬وذلك إيمانا من كتاب الضبط بأن "االلتزام‬
‫بالقيم األخالقية والممارسات الفضلى من طرف العاملين بالمرافق‬
‫القضائية بصفة عامة ومن طرف أطر كتابة الضبط بصفة خاصة‪،‬‬
‫يشكل شرطا ضروريا لتحقيق العدالة وإرساء دولة الحق والقانون‬
‫وتثبيت الديمقراطية التي هي أساس التنمية االجتماعية‬
‫واالقتصادية والثقافية‪".‬‬
‫وحيث إنني كنت من ضمن خلية إعداد وصياغة ومناقشة مختلف‬
‫مضامين هذا "الميثاق"‪ ،‬فال بأس من التوقف عند تفاصيله‬
‫الجزئية مذ كان فكرة في الذهن إلى أن استوى وثيقة متداولة‬
‫تسمى "ميثاق قيم وسلوك كتابة الضبط‪".‬‬
‫فعلى مستوى اإلعداد‪:‬‬

‫‪www.editorsjudiciaires.blogspot.com‬‬
‫تم إنجاز هذا الميثاق بعد أن تم تكوين لجنة من األطر الفاعلة‬
‫في مجاالت التكوين والتأطير والعمل المدني والنقابي المرتبط‬
‫بقطاع العدل‪ ،‬وذلك تحت إشراف السيد مدير تكوين كتاب الضبط‬
‫بالمعهد العالي للقضاء آنذاك األستاذ عبد الرافع أرويحن‪،‬‬
‫وقامت هذه اللجنة بعقد لقاءات تشاورية أولية بكل من الرباط‬
‫ومراكش الستعراض التصورات األولية حول كيفية إعداد مدونات‬
‫السلوك –سواء على المستوى العربي أو الغربي – كما تمت‬
‫االستعانة بخبير دولي في هذا المجال من دولة إيرلندا‪،‬‬
‫وبعد إعداد المشروع األولي المتفق عليه بين أعضاء اللجنة‪،‬‬
‫قامت اللجنة بعدة "مشاورات جهوية موسعة" شارك فيها أزيد من‬
‫‪ 9333‬موظف وإطار من كتابة الضبط بمختلف درجاتهم اإلدارية‬
‫وانتماءاتهم الفكرية وقناعاتهم األيديولوجية وتوجهاتهم‬
‫النقابية‪ ،‬وقد عقدت تلك اللقاءات بكل من طنجة‪ ،‬وفاس‪ ،‬ووجدة‪،‬‬
‫وأكادير‪ ،‬والدار البيضاء‪ ،‬والرباط‪ .‬وعرفت نقاشات حرة‬
‫ّرة أفادت منها‬ ‫وديمقراطية راقية‪ ،‬كما جاءت بعدة اقتراحات ني‬
‫اللجنة في تعديل وإضافة وحذف العديد من المبادئ وتطبيقاتها‬
‫التي جاءت في المشروع األولي للميثاق‪ .‬ثم توج هذا العمل‬
‫الجبار الذي استغرق حوالي سنة كاملة باإلعالن الرسمي عن‬
‫"ميثاق قيم وسلوك كتابة الضبط" يوم الجمعة ‪ 30‬يونيو ‪9393‬‬
‫بالمعهد العالي للقضاء بحضور عدد من المدراء المركزيين‬
‫بوزارة العدل وكذا المدير العام للمعهد للقضاء آنذاك األستاذ‬
‫دمحم سعيد بناني‪ ،‬وعدد من المسؤوليين القضائيين واإلداريين وأطر‬
‫وموظفي وزارة العدل‪.‬‬
‫أما على مستوى لغة الميثاق فتتميز بما يلي‪:‬‬
‫‪-‬االعتماد على البساطة في الصياغة التي تحقق سالسة في الفهم‬
‫وحسن اإلدراك الذي ال يوقع في التأويل في السيء أو التعسف في‬
‫الفهم‪،‬‬
‫‪-‬تجنب األساليب التحقيرية أو التي تحط من كرامة موظفي كتابة‬
‫الضبط‪،‬‬
‫‪-‬عدم اعتماد أساليب اإللزام التي تبدأ بـ "يجب"‪ ،‬حتى ال يفهم‬
‫من "الميثاق" على أنه قانون ملزم يستوجب العقاب في حال‬
‫المخالفة أو عدم االمتثال‪..‬‬
‫‪-‬إال أنه في المقابل جاء غنيا بأساليب التحفيز من مثل‬
‫"يتفانى في كذا"‪ ،‬و"ينأى بنفسه عن كذا"‪ ،‬و"يقاوم كذا"‪ ،‬و‬
‫"يسهر على كذا" وغيرها كثير‪ ،‬أو أساليب الدعم والتوجيه من‬
‫مثل "يرفض كذا"‪ ،‬و "يتفادى كذا" و"يلتزم بكذا"‪ ،‬و "يحترم‬
‫كذا"‪،‬‬
‫‪-‬افتتاح القواعد المبينة لمبادئ الميثاق‪ ،‬وكذا تطبيقاتها‬
‫بفعل المضارعة‪ ،‬للداللة على أن الفعل األخالقي المطلوب االلتزام‬
‫ٍ‪ ،‬وإنما هو فعل مستصحب للحركية‬ ‫ُنته‬
‫به غير جامد أو م‬
‫والديمومة سواء في الحال أواالستقبال‪.‬‬
‫أما على مستوى المضمون‪،‬‬
‫فإن الميثاق جاء متضمنا لتسعة مبادئ أخالقية تبدو في ظاهرها‬
‫على أنها مجرد عناوين منقولة من هنا وهناك ال يحكمها أي‬
‫منهج‪ ،‬إال أن لجنة الصياغة وضعتها وفق نسق معرفي ومنهجي محكم‬
‫ومتكامل يمكن إيضاح معالمه كاآلتي‪:‬‬
‫أوال‪ /‬مراعاة النسقية في ترتيب المبادئ‪ ،‬حيث جاءت الشرعية في‬
‫مقدمتها‪ ،‬للداللة على أن أي فعل أخالقي أو قانوني مهما كان‬
‫ساميا‪ ،‬إذا لم يكن مؤطرا بالقواعد الشرعية المنظمة للعمل ال‬
‫يمكن القبول به بتاتا‪ ،‬إال أن ممارسة الشرعية في الواقع‬
‫العملي تحتاج إلى دعامات إضافية كاشفة ومؤيدة لحسن تصريف‬

‫‪www.editorsjudiciaires.blogspot.com‬‬
‫اإلجراءات وضمان قواعد الشفافية المطلوبة مع المتقاضين‪ ،‬ولذا‬
‫جاءت على التوالي مبادئ التجرد والنزاهة والمساواة‪.‬‬
‫‪-‬وبعد هذه المبادئ العامة‪ ،‬جاء مبدأ الكفاءة‪ ،‬ليكون واسطة‬
‫العقد بين المبادئ التي تبدو أكثر نظرية‪ ،‬والمبادئ ذات‬
‫الصبغة العملية الصرفة‪ ،‬إذ بالكفاءة العلمية والعقلية تدرك‬
‫المعارف النظرية‪ ،‬وبالكفاءة العملية تنجز المهام المهنية‬
‫باقتدار‪ ،‬وذلك من أجل بلوغ النجاعة الالزمة لتحقيق أفضل‬
‫النتائج في المرفق القضائي‪ ،‬كما جاء في المبدأ السادس من‬
‫ميثاق السلوك‪،‬‬
‫‪-‬إال أن هذه النجاعة‪ ،‬التي تتطلب االنخراط الجدي في العمل‪،‬‬
‫والتحلي بروح المبادرة واإلبداع في المهام قدر اإلمكان‪ ،‬تتطلب‬
‫– كذلك ‪ -‬عدم المساس بجوهر القوانين المنظمة للعمل‪ ،‬وفي‬
‫طليعتها كتمان السر المهني وعدم إفشائه ألي جهة غير مرخص‬
‫لها‪ ،‬على حد تعبير المبدأ السابع من الميثاق‪،‬‬
‫‪-‬وألن االلتزام الصارم بجملة المبادئ السالفة يفترض أن يتحلى‬
‫فيه كاتب الضبط بشيء من الصرامة التي قد تؤدي إلى نوع من‬
‫االحتكاكات مع العاملين في الجهاز القضائي أو الوافدين عليه‪،‬‬
‫ّد ذلك – في المبدأ الثامن ‪ -‬بضرورة التزام‬ ‫فإن الميثاق قي‬
‫اللياقة في المظهر واللباقة في التصرف سواء على المستوى‬
‫الداخلي أو عند استقبال الوافدين وتصريف اإلجراءات المطلوبة‬
‫منهم‪.‬‬
‫‪-‬ووعيا من لجنة الصياغة بأن فعل التخليق في اإلدارة‬
‫القضائية‪ ،‬وفي أي إدارة أخرى‪ ،‬ال يمكن أن يؤتي ثماره‪ ،‬إال إذا‬
‫تم في نسق جماعي متضامن ومتعاضد‪ ،‬جعلت آخر مبدأ من هذا‬
‫الميثاق بعنوان "التضامن"‪ ،‬وأكدت فيه على الخصوص على ضرورة‬
‫االعتزاز باالنتماء لجهاز كتابة الضبط‪ ،‬والسعي إلى تقوية‬
‫العمل الجماعي داخل اإلدارة القضائية‪ ،‬وكذا توطيد أواصر‬
‫التعاون بين كافة الفئات المهنية العاملة بفضاء المحكمة‪.‬‬
‫ثانيا‪ :‬اختيار التطبيقات الدالة والصريحة على القيمة‬
‫األخالقية المعبر عنها في القاعدة‪ ،‬وذلك ضمانا لحسن الفهم‬
‫وسالمة التنزيل‪.‬‬
‫ثالثا‪ :‬التوسع في مفهوم التخليق وعدم حصره فيما يحيل على‬
‫المتداول لدى العموم كالرشوة واستغالل المرفق مثال‪ ،‬ولذا جاء‬
‫الميثاق متضمنا لعديد كبير من القواعد السلوكية الالزمة في‬
‫المحيط المهني‪ ،‬يمكن تصنيفها إلى‪:‬‬
‫‪-‬أخالقيات ناظمة للعالقات الداخل بين عموم العاملين باإلدارة‬
‫القضائية‪ ،‬كالتأكيد على مسألة االحترام المتبادل بين الرؤساء‬
‫والمرؤوسين‪ ،‬وتفادي المحسوبية أو الوقوع في التمييز تجاه‬
‫المرؤوسين‪ ،‬وااللتزام بقواعد المروءة والشهامة في التعامل‬
‫بين الزمالء والزميالت‪ ،‬واالمتناع عن إيذاء زمالء العمل أو‬
‫الكيد لهم‪ ،‬وعدم التدخل في الحياة الشخصية والعائلية بما‬
‫يسيء إليها‪ ،‬وااللتزام بالتضامن والعمل بروح الفريق وغيرها‬
‫كثير‪...‬‬
‫‪-‬أخالقيات ناظمة للعالقة مع فضاء العمل‪ ،‬مثل التأكيد على‬
‫تبني قيم إيجابية تثمن المرفق والوظيفة والمهام‪ ،‬والمحافظة‬
‫على الممتلكات العامة الموضوعة رهن إشارة الموظف وحسن‬
‫استغاللها فيما أعدت له‪ ،‬وتنظيم مكاتب العمل بما يحقق جودة‬
‫تصريف اإلجراءات للمتقاضين‪ ،‬والسرعة في إنجاز المهام‪،‬‬
‫وااللتزام بأوقات الدخول والخروج‪ ،‬وعدم افتعال أسباب للتغيب‬
‫عن العمل‪ ،‬وغيرها‪.‬‬

‫‪www.editorsjudiciaires.blogspot.com‬‬
‫‪-‬أخالقيات ناظمة للعالقات مع القضاة ومساعدي القضاء‪،‬‬
‫كالتأكيد على عدم التوسط أو التدخل في القضايا لدى قضاة‬
‫الحكم أو النيابة العامة‪ ،‬واالمتناع عن تقديم استشارات‬
‫قانونية ألي طرف من أطراف الدعوى أثناء سريان المسطرة من‬
‫شأنها أن تضر بمصالح أحدهم‪ ،‬وعدم السماح لمساعدي القضاء‬
‫باستعمال مكتبه أو أي مرفق تحت إمرته كمقر الستقبال الزبناء‪،‬‬
‫واالمتناع عن توجيه المتقاضين نحو أي محام أو موثق أو خبير‬
‫أو عدل أو مفوض قضائي‪...‬‬
‫‪-‬أخالقيات ناظمة للعالقات مع عموم الوافدين على اإلدارة‬
‫القضائية‪ ،‬كالتأكيد على ضرورة التزام المساواة وعدم التمييز‬
‫بين الوافدين سواء على أساس العرق أو الدين أو الجنس أو‬
‫االنتماء الجغرافي أو االجتماعي أو الحزبي أو النقابي‪ ،‬وتمكين‬
‫ذوي الصفة والمصلحة من اإلجراءات المطلوبة‪ ،‬وتسهيل وولوج‬
‫المتقاضين إلى الخدمات القضائية من خالل شفافية الخدمة وتجنب‬
‫أساليب المماطلة أو تجريح الكرامة‪ ،‬وتعليل القرارات الصادرة‬
‫عن اإلدارة القضائية‪ ،‬وتجنب الشطط في استعمال السلطة‪ ،‬وتوخي‬
‫الحذر والتحفظ تجاه دعوات المناسبات والوالئم من األشخاص‬
‫الذين تحوم حولهم شبهات أو المعروفين بترددهم على‬
‫المحاكم‪...‬‬
‫‪-‬أخالقيات داعمة لمفهوم النجاعة القضائية‪ ،‬مثل الدعوة إلى‬
‫االنخراط الجدي في العمل لتحقيق األهداف المساهمة في تحقيق‬
‫العدالة‪ ،‬والتحلي بروح اإلبداع واالبتكار وتتبع المستجدات‬
‫التي تنهض باإلدارة القضائية‪ ،‬والمساهمة في تطوير الجهاز‬
‫القضائي من خالل البحوث األكاديمية والميدانية‪ ،‬واحترام قواعد‬
‫المحاسبة والصفقات العمومية وعدم تبديد المال العام‪..‬‬
‫ب – آليات التنفيذ والمتابعة والمراقبة‬
‫إن مجرد إصدار مدونات للقيم والسلوك المهني للعاملين في‬
‫المرافق القضائية‪ ،‬ال يمكن أن يؤتي ثماره المرجوة على مستوى‬
‫التخليق ما لم يكن مصحوبا بعدد من آليات التنفيذ والمتابعة‬
‫ّا يوميا ال مجرد شعار‬ ‫والمراقبة الكفيلة بجعل التخليق هم‬
‫مناسباتي‪ ،‬وفي أفق تحقيق هذا المبتغى نقترح ما يلي‪:‬‬
‫‪-‬تنمية الرقابة الذاتية‪ ،‬فالموظف الناجح هو الذي يراقب هللا‬
‫تعالى في عمله قبل أن يراقبه المسؤول‪ ،‬وهو الذي يراعي‬
‫المصلحة الوطنية قبل المصلحة الشخصية‪ ،‬وهو الذي يحب عمله‬
‫ووظيفته ويتفانى في خدمة الناس‪ ،‬مهما كانت الظروف واألحوال‪،‬‬
‫ويلتزم بالواجبات قبل المطالبة بالحقوق‪.‬‬
‫فإذا ترسخت هذه المعاني الكبيرة في نفس الموظف فستنجح‬
‫ّ ؛ ألن ذلك دليل قوي على إخالص‬ ‫المؤسسة التي ينتمي إليها بال شك‬
‫العاملين في وظائفهم‪.‬‬
‫فالرقابة الذاتية تنمي كل الصفات الحميدة المتفق عليها بين‬
‫بني البشر في كل بقاع العالم‪...‬فتمنع الخيانة‪ ،‬وتعين على‬
‫األمانة‪ ،‬وترسخ النزاهة والشفافيةـ وتقوي اإلحساس بالمسؤولية‪،‬‬
‫وتزرع الثقة بين الناس‪..‬‬
‫‪-‬التعريف الواسع بميثاق قيم وسلوك كتابة الضبط على كافة‬
‫العاملين بالجهاز القضائي (قضاة‪ ،‬كتاب ضبط‪ ،‬محامون‪ ،‬عدول‬
‫خبراء‪ ،‬موثقين‪ ،‬تراجمة‪ )..‬وذلك بتعميم نشره ومدارسته من خالل‬
‫حلقات تكوينية مشتركة‪ ،‬في أفق إيجاد مدونة موحدة تستهدف‬
‫جميع شركاء اإلدارة القضائية‪،‬‬
‫‪-‬إحياء األيام الوطنية الخاصة بالتخليق في المحاكم (اليوم‬
‫الوطني لمحاربة الرشوة‪ ،‬اليوم الوطني لسياسة الجودة‪ )..‬عبر‬
‫ندوات دراسية وتوزيع ملصقات وغيرها‪...‬‬

‫‪www.editorsjudiciaires.blogspot.com‬‬
‫‪-‬تسهيل الولوج للمعلومة القضائية واإلدارية بالمحاكم (مكاتب‬
‫استقبال عصرية ومجهزة‪ :‬موظفون أكفاء ‪ +‬مطويات إجرائية ‪+‬‬
‫ونوافذ إلكترونية تفاعلية)‪...‬‬
‫‪-‬التكثيف من الحلقات التكوينية الخاصة بمادة القيم والسلوك‬
‫مركزيا وجهويا ومحليا مع ضرورة تعميمها على كافة الموظفين‬
‫والقضاة ومساعدي القضاء‪،‬‬
‫‪-‬التكثيف من الدورات التكوينية الخاصة بتقنيات التواصل مع‬
‫الوافدين على المحاكم‪،‬‬
‫‪-‬تفعيل سياسة األبواب المفتوحة بالمحاكم وإشراك جميع‬
‫الفاعلين في الجهاز القضائي في اإلعداد والتأطير‪،‬‬
‫‪-‬إحداث أوسمة تقديرية للعنصر المثالي العامل بالمحاكم سواء‬
‫أكان قاضيا أو كاتب ضبط أو عون خدمة‪( ...‬وسام النزاهة‪ ،‬وسام‬
‫االنضباط‪ ،‬وسام احترام الوقت‪ ،‬وسام االلتزام بالواجبات‬
‫المهنية)‪،...‬‬
‫‪-‬إحداث شهادات تشجيعية للموظف المبدع والمبتكر في المجال‬
‫المهني‪،‬‬
‫‪-‬العناية بمفهوم "ثقافة خدمة المرفق العام" وذلك من خالل‬
‫التذكير المستمر بأهمية هذا المرفق في خدمة المواطن‪،‬‬
‫‪-‬تفعيل نظام المحاسبة من خالل النصوص القانونية الزاجرة‬
‫للسلوكيات المشينة مثل {االرتشاء (الفصل ‪ 902‬و ‪ 902‬من ق ‪ .‬ج)‬
‫‪ ،‬اختالس األموال ( الفصول ‪ 909‬و ‪ 909‬من ق ‪ .‬ج )‪ ،‬استغالل‬
‫النفوذ (الفصل ‪ 953‬من ق ‪ .‬ج )‪ ،‬الغدر (الفصول ‪ 900‬و ‪ 900‬من‬
‫ق ‪ .‬ج)‪ ،‬تحصيل منافع غير قانونية (الفصول ‪ 905‬و ‪،)902‬‬
‫المحسوبية (الفصل ‪ 950‬من ق‪.‬ج)‪ ،‬الشطط في استعمال السلطة‬
‫وخيانة األمانة (الفصلين ‪ 505‬و ‪ 555‬من ق‪.‬ج)‪ ،‬التزوير‬
‫(الفصلين ‪000‬و ‪ 025‬من ق‪ .‬ج})‪،‬‬
‫‪-‬التأكيد على عنصر القدوة الحسنة في المجال العملي أفقيا‬
‫وعموديا؛ وذلك ألن الكثير من القيم األخالقية والقواعد‬
‫السلوكية المهنية‪ ،‬ال تحتاج في العمل بها إلى مواثيق أو‬
‫مدونات سلوكيات‪ ،‬بقدر ما يمكن اكتسابها عن طريق القدوة‬
‫الحسنة التي يقدمها الرئيس للمرؤوس أو الموظف األعلى للموظف‬
‫األدنى‪ ،‬أو الموظف النشيط للمتقاعس‪ ..‬باعتبارها تنزيال عمليا‬
‫وممارسة واقعية يومية مشاهدة ال تحتاج إلى كثير من التعابير‬
‫والشرح‪.‬‬
‫ويمكن أن تظهر هذه القدوة الحسنة في العمل اإلداري في جوانب‬
‫كثيرة‪ ،‬كالتقيد بالقوانين وأنظمة العمل‪ ،‬وفي االلتزام بأوقات‬
‫العمل في الحضور واالنصراف‪ ،‬وفي تنظيم العمل وجودة الخدمة‬
‫المقدمة للمتقاضين‪ ،‬وفي حسن التواصل مع المحيط الداخلي‬
‫والخارجي‪ ،‬وفي الهندام والمظهر الخارجي‪ ...‬وفي غيرها من‬
‫الجوانب التي تحتاج إلى األعمال أكثر من األقوال‪.‬‬
‫‪-‬إصدار مذكرات توجيهية بخصوص بعض المظاهر السلوكية غير‬
‫الالئقة في اإلدارة القضائية‪،‬‬
‫‪-‬تفعيل المساءلة التأديبية بكامل الشفافية والنزاهة عند‬
‫وجود اختالالت أخالقية أو مهنية‪،‬‬
‫‪-‬إشهار العقوبات التأديبية للعاملين في الجهاز القضائي‬
‫بكافة المحاكم أو عبر البوابة اإللكترونية لمديرية الموارد‬
‫البشرية لوزارة العدل أو ودادية موظفي العدل أو الودادية‬
‫الحسنية للقضاة أو نادي القضاة أو جمعية المحامين بالمغرب‬
‫أو الهيئة الوطنية للعدول أو هيئة المفوضين القضائيين‪ ،‬ألن‬
‫من شأن ذلك أن يفضح العناصر الفاسدة في الجهاز القضائي ويحد‬
‫من توسع دائرة المظاهر السلبية في مرافق العدالة‪..‬‬

‫‪www.editorsjudiciaires.blogspot.com‬‬
‫وأخيرا‪،‬‬
‫نقول إن نجاح التخليق في مرافق العدالة عامة واإلدارة‬
‫القضائية على وجه الخصوص‪ ،‬كفيل بأن يعيد الثقة في القضاء‬
‫المغربي ومحيطه الداخلي والخارجي‪ ،‬وأن يجعل كل من يفد عليه‬
‫غير يائس من عدل قوانينه وال خائفا من شطط أهله‪.‬‬

‫إعداد‪:‬ذ‪/‬دمحم إكيج‬

‫‪www.editorsjudiciaires.blogspot.com‬‬

You might also like