Professional Documents
Culture Documents
التخطيط الحضري في المغرب 2
التخطيط الحضري في المغرب 2
مسلك الجغرافيا
األسدس 6
الحصة الثانية
1
.1التخطيط الحضري
عرفت كل التجمعات البشرية عبر التاريخ اإلنساني شكال من أشكال التخطيط الحضري ،منذ الحضارات القديمة
الرومانية واليونانية وصوال الى الحضارة اإلسالمية ،لكنه كعلم قائم بذاته ،لم يبرز إال في أواخر القرن التاسع عشر
بموازاة للثورة الصناعية التي كان لها أثر بارز في النمو الحضري غير المسبوق في أوروبا .وتختلف المرتكزات
التي يقوم عل يها التخطيط الحضري ،حيث تتوزع بين األبعاد المادية الفيزيقية ،والجانب التنظيمي والبعد الثقافي
االجتماعي.
لقد صار التخطيط الحضري الحديث إحدى الوسائل اإلدارية الحديثة لتدبير الوحدات البشرية والعمرانية ،وتحول الى
تخصص معرفي قائم بذاته ،تتزايد أهميته مع تعقد البنيات المجالية في مدن العالم في اتجاه ما يسمى ببداية نهاية
المجال الريفي وكذا مع اكتساع الظواهر الريفية للمجال الحضري أو ما يسميه بعض الباحثين بظاهرة ترييف المدن.
إن التخطيط الحضري باعتباره تصور مستقبلي لمدينة الغد ،ينطلق من مجموعة من األهداف تختلف من حيث
طبيعتها القطاعية (اجتماعية ،اقتصادية ،تعليمية ،سياسية الخ) وفي مداها الزمني (قصير ،متوسط أو طويل األمد)،
وتختلف أيضا من حيث مداها الترابي (تخطيط وطني ،جهوي ،محلي) .وهكذا تختلف التصنيفات الممكنة ألشكال
التخطيط الحضري حسب المعيار المعتبر .إال أن ما يهمنا في هذا الشأن هو تصنيف التخطيط الحضري الذي
يأخذ أساسه من بعض النظريات المفسرة للتوسع الحضري.
يرجع أصل هذا التخطيط إلى الرومان ،حيث شيدت المعسكرات الحربية حول طريقين رئيسيتين متعامدتين نمت
حولهما شوارع متقاطعة المباني .ويطبق هذا النوع من التخطيط للتحكم في االمتداد العمراني للمدن الكبرى في
العالم .وهو نموذج شائع ليس فقط في البلدان التي خضعت لالستعمار األوربي ولكن أيضا في الواليات المتحدة
وفي كندا وفي أستراليا.
يتميز التخطيط المربعي بسهولة التقسيم العقاري لألراضي وتحديد القطاع اإلداري واالستغالل األمثل للمساحات
بشكل هندسي ومنظم .وتعتبر مدينة نيويورك بشوارع مانهاتن وسان فرانسيسكو مثاال تطبيقيا لهذا التخطيط شأنها
شأن مدينة كوبيو الفنلندية.
2
تخطيط المدينة الحدائقية
اقترح المخطط اإلنكليزي ايبنزر هوارد بناء كل مدينة على حدة ،تكون مجتمعا حضريا متكامال اجتماعيا ،اقتصاديا
وثقافيا ،توفر كل الخدمات األساسية وتكون الملكية جماعية بين ساكنيها .وقد خطط هوارد المدينة على شكل دائري،
ذات مركز تتجمع حوله المباني ،وتنطلق منه ستة شوارع شعاعية تتخللها أحزمة خضراء ،تقسم المدينة إلى ستة
أجزاء مخروطية.
من بين األنواع القديمة لتخطيط المدن ،يتميز بوجود مركز إداري أو مقر حكومي للمدينة تمتد منه الشوارع باتجاه
األطراف لتأخذ شكال نجميا على شكل شعاعات .وقد ظل هذا التخطيط رم از للعظمة الفنية والسياسية للحاكم أو
للمدينة في القرون الوسطى بأوروبا ،حيث تشكل باريس مثاال على ذلك.
يعتمد هذا التخطيط ،الذي يرجع استعماله الى الحضارات القديمة (اإلغريق ،الرومان ،حضارات وادي النيل وبالد
الرافدين) ،على م د شوارع متعامدة تشكل عند تقاطعها قسائم (بقع) منتظمة وسهلة في تخطيطها وبنائها ،شريطة
وجود انبساط عام.
3
التخطيط المرن للمدينة
التخطيط المرن أو اللين عبارة عن تخطيط مركب تنمو فيه المدينة وفق نظام تدريجي يتطور يوما بعد يوم .أي أن
التخطيط الحضري يتحدد وفق النمو المطرد للمدينة .وقد طبق هذا النوع من التخطيط في مدن حديثة كب ارزيليا التي
تطورت على شكل طائرة يشكل جناحاها امتدادا عمرانيا حول بحيرة صناعية قابلة لالمتداد .أما المحور المركزي
فخصص للمباني الحكومية يفصل بينها وبين األحياء السكنية مساحات خضراء.
4
تعاني بعض المدن من نمو حضري سريع وغير منتظم تترتب عنه جملة من المشكالت االجتماعية واالقتصادية
كانتشار أحياء الصفيح ،ومشكالت النقل الحضري والضغط الناتج عن الطلب المتزايد على الخدمات والمرافق
العمومية .وعموما يمكن التمييز بين المدن ذات مجال يسمح بالنمو العمراني ،وهي مبدئيا قابلة للتخطيط أي التحكم
وتنظيم هذا النمو ،وبين مدن محدودة النمو العمراني بسبب ضيق أو محدودية المجال القابل للتعمير (معيقات
طبيعية كالتضاريس أو الواجهة البحرية).
الرؤيا االستراتيجية للتخطيط الحضري يجب أن تستحضر أهمية التراث العمراني للمدينة ،بكيفية تسمح بخلق توازن
بين المظاهر العمرانية الحديثة والخصوصيات الثقافية والهندسية والتاريخية للتراث العمراني لهذه المدينة .ويتأتى
ذلك من خالل:
إحصاء وادراج المباني الواجب الحفاظ عليها في المخططات األساسية للمدينة
حماية المباني ذات الفن المعماري المتميز من الهدم ،وتأهيلها من خالل عمليات الترميم ،الصيانة أو إعادة البناء
أن اقتضى الحال ذلك
ابتكار حلول جديدة وبديلة
عندما يتعلق األمر بمشاكل مرتبطة بقلة أو عدم كفاية الوعاء العقاري للمدينة ،وبالتالي صعوبة النمو الحضري
وعدم قدرة المدينة على استيعاب األنشطة االقتصادية واالستثمارات الموجهة ،يلجأ المخططون إلى إنشاء مدن
جديدة .وهو تدبير استراتيجي ظهر كما رأينا سابقا مع المخطط اإلنكليزي هوارد مع نموذج المدينة الحدائقية ،ليتطور
بعد ذلك في دول أخرى في العالم من بينها المغرب.
كما تجدر اإلشارة إلى ما يسمى بتخطيط المدن الذكية كإحدى الحلول المبتكرة مع التقدم الذي شهدته تكنولوجيا
المعلومات واالتصاالت .حيث صار باإلمكان االنتقال من التدبير التقليدي لبعض الخدمات الى تدبير معلوماتي
(النقل ،حركة المرور ،الطاقة ،النفايات )...يوفر حلوال أنجع للمشاكل االجتماعية والبيئية الناتجة عن الضغط
المتزايد على هذه الخدمات.
بالمغرب ،يرجع االهتمام بالتخطيط الحضري الى غداة الحماية الفرنسية ،حيث صدر منذ أبريل 1914ظهير
بمثابة قانون التصفيف وتصاميم التهيئة وتوسيع المدن واالرتفاقات ورسوم الطرق .هذا الظهير سيضع اللبنة األولى
لمجموعة من المدن الحديثة وفق متطلبات المعمرين .ثم صدر ظهير التجزئات العقارية سنة 1933ثم قانون
التعمير سنة 1952وقانون التجزئات العقارية وتقسيم األراضي سنة بعد ذلك .ومع التحوالت االقتصادية واالجتماعية
وأثرها على النمو الحضري ،صار لزاما تعديل وتحيين الترسانة القانونية بالقانونين 12-90المتعلق بالتعمير
والقانون 25-90المتعلق بالتجزئات السكنية وتقسيم العقارات .عموما يمكن تمييز ثالثة مراحل في المسار
التشريعي والتنظيمي للتخطيط الحضري بالمغرب:
5
فترة السبعينات 1982- 1970
تميزت بالتبعية لسياسات التخطيط الموضوعة خالل الحماية ،والتي لم تستطع أن تواكب تحوالت المجال الحضري
بالبالد ،مما أدى إلى إخفاقها في تحقيق أهداف خدمت باألساس مصالح الحماية .خالل هذه الفترة صدر القانون
اإلطار لتخطيط واعداد التراب الوطني متضمنا التصاميم المديرية للمدن وتصاميم الهيكلة الريفية وتصاميم استعمال
األرض .تاله الميثاق الجماعي سنة 1976يتضمن تحديد وتوسيع اختصاصات الجماعات في مجال التنمية
المحلية عموما ،كما تم التنصيص على خلق مفهوم المجموعة الحضرية كشكل من أشكال التدبير المحلي لمجموعة
من الخدمات والمرافق الحضرية.
تميزت بتراجع دور الدولة في سياسة اإلسكان مقابل إشراك القطاع الخاص والجماعات المحلية .ونتيجة لالضطرابات
االجتماعية التي عرفتها عدة مدن مطلع الثمانينات ،اتخذت عدة إجراءات أهمها تخصيص مدينة الدار البيضاء
بوثيقة تعمير خاصة مع إنشاء أول وكالة حضرية أسندت إليها مهمة تطبيق مقتضيات التصميم التوجيهي للتهيئة.
صدور القانونين 12-90المتعلق بالتعمير والقانون 25-90المتعلق بالتجزئات السكنية وتقسيم العقارات .وأدرجت
الدولة مجموعة من األدوات الحديثة الخاصة بالتهيئة العمرانية من بينها مخططات الهيكلة والتنمية القروية \ الجهوية،
مخططات توجيه التهيئة العمرانية وتصاميم التنطيق وتصاميم التهيئة الحضرية إلخ .ابتداء من سنة 1998مع
تنصيب حكومة التناوب ،تم اإلعالن عن إرادة التغيير في مجال التدبير الحضري من خالل مجموعة من التدابير
أهمها:
على المستوى الجهوي ،تم إنشاء الوكاالت الحضرية لتدبير التخطيط الحضري وتدعيم دور المفتشيات واعداد
التراب الوطني والتعمير
اإلعالن عن تنظيم حوار وطني حول إعداد التراب الوطني سنة 2000
إعداد مجموعة من القوانين والمراسيم ،منها ما لم يخرج إلى الوجود لسبب من األسباب
تبني مجموعة من البرامج القطاعية كبرنامج "مدن بدون صفيح" ومشروع "تأهيل المدن"
عموما ،عرفت الفترة األخيرة تحقيق نتائج هامة في مجالي التعمير واإلسكان ،تمثلت أساسا في تغطية المجال
الترابي للمملكة بوثائق التعمير ( %98في المجال الحضري و %62في المجال القروي حسب معطيات .)2011
كما تم تخفيض العجز السكني ودور الصفيح بنسبة مهمة .إضافة إلى نهج مقاربة مندمجة من خالل إحداث شركات
ومقاوالت عمومية من أجل اإلشراف على بعض المشاريع التنموية الكبرى (ميناء طنجة المتوسط ،ميناء الناظور،
تهيئة ضفتي أبي رقراق ،كا از أنفا .)...لكن ،بالمقابل ،أخفقت بعض اإلصالحات األخرى ولم تجد طريقها للتطبيق
في الواقع (مشروع قانوني 42-00المتعلق بتأهيل العمران ،و 04-04المتعلق بسن أحكام حول السكنى والتعمير)
نظ ار لعدة أسباب أهمها :تشعب المساطر اإلدارية مقارنة بالدينامية العمرانية ،غياب المنظور االقتصادي واالجتماعي
والثقافي والبيئي في تصورات تدبير المجاالت الحضرية إضافة إلى تغليب المصالح الخاصة الضيقة على المصلحة
العامة.
6