Download as pdf or txt
Download as pdf or txt
You are on page 1of 6

‫جامعة ابن طفيل‬

‫كلية العلوم اإلنسانية واالجتماعية‬

‫مسلك الجغرافيا‬
‫األسدس ‪6‬‬

‫التخطيط الحضري بالمغرب‬

‫الحصة الثانية‬

‫األستاذ محمد أيت ناصر‬


‫الدورة الربيعية للموسم ‪2021 - 2020‬‬

‫‪1‬‬
‫‪ .1‬التخطيط الحضري‬
‫عرفت كل التجمعات البشرية عبر التاريخ اإلنساني شكال من أشكال التخطيط الحضري‪ ،‬منذ الحضارات القديمة‬
‫الرومانية واليونانية وصوال الى الحضارة اإلسالمية‪ ،‬لكنه كعلم قائم بذاته‪ ،‬لم يبرز إال في أواخر القرن التاسع عشر‬
‫بموازاة للثورة الصناعية التي كان لها أثر بارز في النمو الحضري غير المسبوق في أوروبا‪ .‬وتختلف المرتكزات‬
‫التي يقوم عل يها التخطيط الحضري‪ ،‬حيث تتوزع بين األبعاد المادية الفيزيقية‪ ،‬والجانب التنظيمي والبعد الثقافي‬
‫االجتماعي‪.‬‬

‫لقد صار التخطيط الحضري الحديث إحدى الوسائل اإلدارية الحديثة لتدبير الوحدات البشرية والعمرانية‪ ،‬وتحول الى‬
‫تخصص معرفي قائم بذاته‪ ،‬تتزايد أهميته مع تعقد البنيات المجالية في مدن العالم في اتجاه ما يسمى ببداية نهاية‬
‫المجال الريفي وكذا مع اكتساع الظواهر الريفية للمجال الحضري أو ما يسميه بعض الباحثين بظاهرة ترييف المدن‪.‬‬

‫إن التخطيط الحضري باعتباره تصور مستقبلي لمدينة الغد‪ ،‬ينطلق من مجموعة من األهداف تختلف من حيث‬
‫طبيعتها القطاعية (اجتماعية‪ ،‬اقتصادية‪ ،‬تعليمية‪ ،‬سياسية الخ) وفي مداها الزمني (قصير‪ ،‬متوسط أو طويل األمد)‪،‬‬
‫وتختلف أيضا من حيث مداها الترابي (تخطيط وطني‪ ،‬جهوي‪ ،‬محلي)‪ .‬وهكذا تختلف التصنيفات الممكنة ألشكال‬
‫التخطيط الحضري حسب المعيار المعتبر‪ .‬إال أن ما يهمنا في هذا الشأن هو تصنيف التخطيط الحضري الذي‬
‫يأخذ أساسه من بعض النظريات المفسرة للتوسع الحضري‪.‬‬

‫أ أشكال التخطيط الحضري‬


‫منذ نهاية القرن ‪ ، 19‬ظهرت العديد من النظريات التخطيطية للمدن التي تنطلق من أشكال توسع المدينة وما‬
‫يصاحب هذا النمو من مظاهر مجالية وعمرانية من أجل تحليل وتفسير ظاهرة النمو الحضري ثم محاولة تنظيم‬
‫والتحكم في هذا التوسع عن طريق التخطيط‪ .‬هذه النظريات تأخذ اسمها انطالقا من الشكل الهندسي العام أو من‬
‫الشكل الذي تمتد من خالله المدينة (المربعي‪ ،‬الشريطي‪ ،‬الدائري‪ ،‬الشبكي‪ )...‬أو من خالل الفكرة التي أسست‬
‫لنشأة المدينة (النظرية الحدائقية)‪ .‬وفيما يلي أهم هذه النماذج‪:‬‬

‫‪ ‬التخطيط المربعي (الشطرنجي)‬

‫يرجع أصل هذا التخطيط إلى الرومان‪ ،‬حيث شيدت المعسكرات الحربية حول طريقين رئيسيتين متعامدتين نمت‬
‫حولهما شوارع متقاطعة المباني‪ .‬ويطبق هذا النوع من التخطيط للتحكم في االمتداد العمراني للمدن الكبرى في‬
‫العالم‪ .‬وهو نموذج شائع ليس فقط في البلدان التي خضعت لالستعمار األوربي ولكن أيضا في الواليات المتحدة‬
‫وفي كندا وفي أستراليا‪.‬‬

‫يتميز التخطيط المربعي بسهولة التقسيم العقاري لألراضي وتحديد القطاع اإلداري واالستغالل األمثل للمساحات‬
‫بشكل هندسي ومنظم‪ .‬وتعتبر مدينة نيويورك بشوارع مانهاتن وسان فرانسيسكو مثاال تطبيقيا لهذا التخطيط شأنها‬
‫شأن مدينة كوبيو الفنلندية‪.‬‬

‫‪2‬‬
‫‪ ‬تخطيط المدينة الحدائقية‬

‫اقترح المخطط اإلنكليزي ايبنزر هوارد بناء كل مدينة على حدة‪ ،‬تكون مجتمعا حضريا متكامال اجتماعيا‪ ،‬اقتصاديا‬
‫وثقافيا‪ ،‬توفر كل الخدمات األساسية وتكون الملكية جماعية بين ساكنيها‪ .‬وقد خطط هوارد المدينة على شكل دائري‪،‬‬
‫ذات مركز تتجمع حوله المباني‪ ،‬وتنطلق منه ستة شوارع شعاعية تتخللها أحزمة خضراء‪ ،‬تقسم المدينة إلى ستة‬
‫أجزاء مخروطية‪.‬‬

‫التخطيط الشريطي للمدينة‬ ‫‪‬‬


‫يوافق هذا النموذج مبدأ المدينة \الشارع‪ ،‬حيث تنمو المدينة على طول شارع رئيسي‪ .‬لذلك يطلق عليها مدن الشارع‬
‫الرئيسي الوحيد‪ .‬ويعتبر سورايا ماتا من رواد هذا النموذج حينما قام بتصميم مدينة مدريد سنة ‪.1894‬‬

‫‪ ‬التخطيط الدائري (اإلشعاعي) للمدينة‬

‫من بين األنواع القديمة لتخطيط المدن‪ ،‬يتميز بوجود مركز إداري أو مقر حكومي للمدينة تمتد منه الشوارع باتجاه‬
‫األطراف لتأخذ شكال نجميا على شكل شعاعات‪ .‬وقد ظل هذا التخطيط رم از للعظمة الفنية والسياسية للحاكم أو‬
‫للمدينة في القرون الوسطى بأوروبا‪ ،‬حيث تشكل باريس مثاال على ذلك‪.‬‬

‫‪ ‬التخطيط الشبكي للمدينة‬

‫يعتمد هذا التخطيط‪ ،‬الذي يرجع استعماله الى الحضارات القديمة (اإلغريق‪ ،‬الرومان‪ ،‬حضارات وادي النيل وبالد‬
‫الرافدين)‪ ،‬على م د شوارع متعامدة تشكل عند تقاطعها قسائم (بقع) منتظمة وسهلة في تخطيطها وبنائها‪ ،‬شريطة‬
‫وجود انبساط عام‪.‬‬

‫‪3‬‬
‫‪ ‬التخطيط المرن للمدينة‬

‫التخطيط المرن أو اللين عبارة عن تخطيط مركب تنمو فيه المدينة وفق نظام تدريجي يتطور يوما بعد يوم‪ .‬أي أن‬
‫التخطيط الحضري يتحدد وفق النمو المطرد للمدينة‪ .‬وقد طبق هذا النوع من التخطيط في مدن حديثة كب ارزيليا التي‬
‫تطورت على شكل طائرة يشكل جناحاها امتدادا عمرانيا حول بحيرة صناعية قابلة لالمتداد‪ .‬أما المحور المركزي‬
‫فخصص للمباني الحكومية يفصل بينها وبين األحياء السكنية مساحات خضراء‪.‬‬

‫ب أهداف التخطيط الحضري‬


‫باعتباره نابعا من احتياجات اجتماعية واقتصادية للمجتمع‪ ،‬فالتخطيط الحضري يسعى حتما إلى تحقيق مجموعة‬
‫من األهداف المرتبطة بهذه االحتياجات‪ ،‬خاصة فيما يتعلق بالتحكم وضبط النمو الحضري‪ ،‬الحفاظ على التراث‬
‫العمراني وتأهيله ثم ابتكار حلول جديدة أكثر فاعلية وواقعية‪.‬‬

‫‪ ‬التحكم في النمو الحضري وحل المشكالت الحضرية‬

‫‪4‬‬
‫تعاني بعض المدن من نمو حضري سريع وغير منتظم تترتب عنه جملة من المشكالت االجتماعية واالقتصادية‬
‫كانتشار أحياء الصفيح‪ ،‬ومشكالت النقل الحضري والضغط الناتج عن الطلب المتزايد على الخدمات والمرافق‬
‫العمومية‪ .‬وعموما يمكن التمييز بين المدن ذات مجال يسمح بالنمو العمراني‪ ،‬وهي مبدئيا قابلة للتخطيط أي التحكم‬
‫وتنظيم هذا النمو‪ ،‬وبين مدن محدودة النمو العمراني بسبب ضيق أو محدودية المجال القابل للتعمير (معيقات‬
‫طبيعية كالتضاريس أو الواجهة البحرية)‪.‬‬

‫‪ ‬الحفاظ على التراث العمراني وتأهيله‪:‬‬

‫الرؤيا االستراتيجية للتخطيط الحضري يجب أن تستحضر أهمية التراث العمراني للمدينة‪ ،‬بكيفية تسمح بخلق توازن‬
‫بين المظاهر العمرانية الحديثة والخصوصيات الثقافية والهندسية والتاريخية للتراث العمراني لهذه المدينة‪ .‬ويتأتى‬
‫ذلك من خالل‪:‬‬

‫إحصاء وادراج المباني الواجب الحفاظ عليها في المخططات األساسية للمدينة‬ ‫‪‬‬
‫حماية المباني ذات الفن المعماري المتميز من الهدم‪ ،‬وتأهيلها من خالل عمليات الترميم‪ ،‬الصيانة أو إعادة البناء‬ ‫‪‬‬
‫أن اقتضى الحال ذلك‬
‫‪ ‬ابتكار حلول جديدة وبديلة‬

‫عندما يتعلق األمر بمشاكل مرتبطة بقلة أو عدم كفاية الوعاء العقاري للمدينة‪ ،‬وبالتالي صعوبة النمو الحضري‬
‫وعدم قدرة المدينة على استيعاب األنشطة االقتصادية واالستثمارات الموجهة‪ ،‬يلجأ المخططون إلى إنشاء مدن‬
‫جديدة‪ .‬وهو تدبير استراتيجي ظهر كما رأينا سابقا مع المخطط اإلنكليزي هوارد مع نموذج المدينة الحدائقية‪ ،‬ليتطور‬
‫بعد ذلك في دول أخرى في العالم من بينها المغرب‪.‬‬

‫كما تجدر اإلشارة إلى ما يسمى بتخطيط المدن الذكية كإحدى الحلول المبتكرة مع التقدم الذي شهدته تكنولوجيا‬
‫المعلومات واالتصاالت‪ .‬حيث صار باإلمكان االنتقال من التدبير التقليدي لبعض الخدمات الى تدبير معلوماتي‬
‫(النقل‪ ،‬حركة المرور‪ ،‬الطاقة‪ ،‬النفايات ‪ )...‬يوفر حلوال أنجع للمشاكل االجتماعية والبيئية الناتجة عن الضغط‬
‫المتزايد على هذه الخدمات‪.‬‬

‫اإلطار التنظيمي للتخطيط الحضري بالمغرب‬ ‫ت‬

‫بالمغرب‪ ،‬يرجع االهتمام بالتخطيط الحضري الى غداة الحماية الفرنسية‪ ،‬حيث صدر منذ أبريل ‪ 1914‬ظهير‬
‫بمثابة قانون التصفيف وتصاميم التهيئة وتوسيع المدن واالرتفاقات ورسوم الطرق‪ .‬هذا الظهير سيضع اللبنة األولى‬
‫لمجموعة من المدن الحديثة وفق متطلبات المعمرين‪ .‬ثم صدر ظهير التجزئات العقارية سنة ‪ 1933‬ثم قانون‬
‫التعمير سنة ‪ 1952‬وقانون التجزئات العقارية وتقسيم األراضي سنة بعد ذلك‪ .‬ومع التحوالت االقتصادية واالجتماعية‬
‫وأثرها على النمو الحضري‪ ،‬صار لزاما تعديل وتحيين الترسانة القانونية بالقانونين ‪ 12-90‬المتعلق بالتعمير‬
‫والقانون ‪ 25-90‬المتعلق بالتجزئات السكنية وتقسيم العقارات‪ .‬عموما يمكن تمييز ثالثة مراحل في المسار‬
‫التشريعي والتنظيمي للتخطيط الحضري بالمغرب‪:‬‬

‫‪5‬‬
‫‪ ‬فترة السبعينات ‪1982- 1970‬‬

‫تميزت بالتبعية لسياسات التخطيط الموضوعة خالل الحماية‪ ،‬والتي لم تستطع أن تواكب تحوالت المجال الحضري‬
‫بالبالد‪ ،‬مما أدى إلى إخفاقها في تحقيق أهداف خدمت باألساس مصالح الحماية‪ .‬خالل هذه الفترة صدر القانون‬
‫اإلطار لتخطيط واعداد التراب الوطني متضمنا التصاميم المديرية للمدن وتصاميم الهيكلة الريفية وتصاميم استعمال‬
‫األرض‪ .‬تاله الميثاق الجماعي سنة ‪ 1976‬يتضمن تحديد وتوسيع اختصاصات الجماعات في مجال التنمية‬
‫المحلية عموما‪ ،‬كما تم التنصيص على خلق مفهوم المجموعة الحضرية كشكل من أشكال التدبير المحلي لمجموعة‬
‫من الخدمات والمرافق الحضرية‪.‬‬

‫‪ ‬فترة الثمانينات ‪1992-1980‬‬

‫تميزت بتراجع دور الدولة في سياسة اإلسكان مقابل إشراك القطاع الخاص والجماعات المحلية‪ .‬ونتيجة لالضطرابات‬
‫االجتماعية التي عرفتها عدة مدن مطلع الثمانينات‪ ،‬اتخذت عدة إجراءات أهمها تخصيص مدينة الدار البيضاء‬
‫بوثيقة تعمير خاصة مع إنشاء أول وكالة حضرية أسندت إليها مهمة تطبيق مقتضيات التصميم التوجيهي للتهيئة‪.‬‬

‫‪ ‬الفترة الحديثة ‪2016-1992‬‬

‫صدور القانونين ‪ 12-90‬المتعلق بالتعمير والقانون ‪ 25-90‬المتعلق بالتجزئات السكنية وتقسيم العقارات‪ .‬وأدرجت‬
‫الدولة مجموعة من األدوات الحديثة الخاصة بالتهيئة العمرانية من بينها مخططات الهيكلة والتنمية القروية \ الجهوية‪،‬‬
‫مخططات توجيه التهيئة العمرانية وتصاميم التنطيق وتصاميم التهيئة الحضرية إلخ‪ .‬ابتداء من سنة ‪1998‬مع‬
‫تنصيب حكومة التناوب‪ ،‬تم اإلعالن عن إرادة التغيير في مجال التدبير الحضري من خالل مجموعة من التدابير‬
‫أهمها‪:‬‬

‫على المستوى الجهوي‪ ،‬تم إنشاء الوكاالت الحضرية لتدبير التخطيط الحضري وتدعيم دور المفتشيات واعداد‬ ‫‪‬‬
‫التراب الوطني والتعمير‬
‫اإلعالن عن تنظيم حوار وطني حول إعداد التراب الوطني سنة ‪2000‬‬ ‫‪‬‬
‫إعداد مجموعة من القوانين والمراسيم‪ ،‬منها ما لم يخرج إلى الوجود لسبب من األسباب‬ ‫‪‬‬
‫تبني مجموعة من البرامج القطاعية كبرنامج "مدن بدون صفيح" ومشروع "تأهيل المدن"‬ ‫‪‬‬
‫عموما‪ ،‬عرفت الفترة األخيرة تحقيق نتائج هامة في مجالي التعمير واإلسكان‪ ،‬تمثلت أساسا في تغطية المجال‬
‫الترابي للمملكة بوثائق التعمير (‪ %98‬في المجال الحضري و‪ %62‬في المجال القروي حسب معطيات ‪.)2011‬‬
‫كما تم تخفيض العجز السكني ودور الصفيح بنسبة مهمة‪ .‬إضافة إلى نهج مقاربة مندمجة من خالل إحداث شركات‬
‫ومقاوالت عمومية من أجل اإلشراف على بعض المشاريع التنموية الكبرى (ميناء طنجة المتوسط‪ ،‬ميناء الناظور‪،‬‬
‫تهيئة ضفتي أبي رقراق‪ ،‬كا از أنفا ‪ .)...‬لكن‪ ،‬بالمقابل‪ ،‬أخفقت بعض اإلصالحات األخرى ولم تجد طريقها للتطبيق‬
‫في الواقع (مشروع قانوني ‪ 42-00‬المتعلق بتأهيل العمران‪ ،‬و‪ 04-04‬المتعلق بسن أحكام حول السكنى والتعمير)‬
‫نظ ار لعدة أسباب أهمها‪ :‬تشعب المساطر اإلدارية مقارنة بالدينامية العمرانية‪ ،‬غياب المنظور االقتصادي واالجتماعي‬
‫والثقافي والبيئي في تصورات تدبير المجاالت الحضرية إضافة إلى تغليب المصالح الخاصة الضيقة على المصلحة‬
‫العامة‪.‬‬

‫‪6‬‬

You might also like