ميركلا نآرقلا يف ةّيهيجوّتلا ةّيجيتارتسلإا هموق عم ملاّسلا هيلع حون تاباطخل ةّيلوادت ةبراقم The guiding strategy in the Quran A deliberative approach to Prophet Noah's discourses with his people

You might also like

Download as docx, pdf, or txt
Download as docx, pdf, or txt
You are on page 1of 21

‫اإلستراتيجيّة التّوجيهيّة في القرآن الكريم‬

‫سالم مع قومه‬
‫مقاربة تداوليّة لخطابات نوح عليه ال ّ‬
‫‪The guiding strategy in the Quran‬‬
‫‪A deliberative approach to Prophet Noah's discourses with his people‬‬

‫الملخص‬
‫ي بين الرّسل وأقوامهم‪ ،‬نستبين مدى تميّزه عن سائر الخطاب ات‪ ،‬ببالغت ه‬
‫الخطاب القرآن َّ‬
‫َ‬ ‫من خالل التأ ّمل في‬
‫وفصاحته وسالسته‪ ،‬وتصريفه وتنويعه وشموليّته‪ .‬واألنبيا ُء والرّس ل ‪ -‬بم ا اص طفاهم هللا وحب اهم ب ه‪ -‬هم أرأف‬
‫النّاس بالنّاس‪ ،‬وأصبرهم عليهم‪ ،‬وهم أقدر النّاس على الكالم والبيان‪ ،‬ويظهر ذلك جليّ ا في مخاطب اتهم المختلف ة‪،‬‬
‫والّتي لم تحظ بكثير عناية‪ .‬وقد جاء في القرآن الكريم استعمالهم إلستراتيجيّات مختلفة لدعوة أقوامهم إلى صراط‬
‫‪.‬‬ ‫ة‪.‬‬ ‫تراتيجيّةُ التّوجيهيّ‬ ‫ا اإلس‬ ‫تقيم‪ ،‬من أبرزه‬ ‫هللا المس‬
‫ويدرج هذا البحث في س ياق الكش ف عن آليّ ات اإلس تراتيجيّة التّوجيهيّ ة في خطاب ات ن وح ‪-‬علي ه ّ‬
‫الس الم‪-‬‬
‫لقومه‪ ،‬وقد قمنا بتحليل جميع اآليات الّتي خاطب فيها نو ٌح قو َمه‪ ،‬والّتي وردت جميعها في ّ‬
‫ست س ور من الق رآن‬
‫الكريم‪.‬‬
‫ويهدف البحث إلى بيان مدى إمكانيّة تطبيق المنهج التّداول ّي في دراسة وتفسير القرآن الكريم‪ ،‬بغية الوصول‬
‫إلى فهم أفضل آلياته‪ ،‬والتّعرّف على ما من شأنه تطوير العمليّة التّواصليّة‪ ،‬وتحقيق الغاية منها‪.‬‬
‫كلمات مفتاحية‪ :‬الخطاب‪ ،‬اإلستراتيجيّة التّوجيهيّة‪ ،‬نوح عليه السّالم‪.‬‬

‫‪1‬‬
Abstract:
By reflecting on the Quranic discourse between messengers and their people, we
find out the extent to which it is distinct from all other sermons by its eloquence,
clarity, smoothness, disposition, diversification and inclusiveness. Prophets and
messengers - by God's words and love - are the kindest to people and most patient
with them, and they are the best at speaking and the most eloquent, which is evident
in their various discourses, which have not received much attention. In the Holy
Quran, they have used different strategies to call upon their people to the straight path
of Allah, most notably the discourse strategy.
This research is included in the context of the disclosure of the mechanisms of
the discourse strategy in Noah's letters – peace be upon him - to his people, and we
have analyzed all the verses in which Noah addressed his people, all of which are
contained in six chapters of the Holy Quran.
The research aims at demonstrating the extent to which the deliberative approach
can be applied in the study and interpretation of the Holy Quran, in order to better
understand its verses and to identify what can develop and achieve the purpose of the
communication process. >
Key words: Discours, Discours strategy, The prophet Noah.
:‫ مقدمة‬.1
،‫ من أحكام ومعامالت وعقائد وعب ادات وأخالق‬،‫ينطوي القرآن الكريم على ك ّل ما يحتاجه النّاس في حياتهم‬
‫ وم ا تعرّض وا ل ه من امتح ان‬،‫ وذكر في ه أح وال أق وام درس وا‬،‫أسس توحيده وعبادته‬
َ ‫ به‬-‫تعالى‬- ‫وقد أرسى هللا‬
‫ وأذك اهم في‬،‫ وجعلهم أفص َح النّ اس وأق د َرهم على البي ان‬،‫ وأرسل األنبي اء والرّس ل بألس نة أق وامهم‬،‫وتمحيص‬
‫ وق د ج اءت ه ذه اإلس تراتيجيّات مبثوث ة في‬،‫واختيار أنجع اإلستراتيجيّات لتحقيق الغاي ة منه ا‬
ِ ‫صناعة خطاباتهم‬
‫ وه و الّ ذي لبث فيهم قريب ا‬،‫ مع قومه‬-‫عليه السّالم‬- ‫ وقد اخترنا منها تلك الّتي استعملها نوح‬،ّ‫كتاب هللا ع ّز وجل‬
.‫ بالحكمة والموعظة الحسنة‬،‫ يدعوهم إلى ما فيه صالح أمرهم‬،‫من ألف سنة‬
ّ ‫ أو‬،‫ ال يعني إهمال غيرها من اإلس تراتيجيّات‬،‫واختيارنا لإلستراتيجيّة التّوجيهيّة‬
‫أن ه ذه األخ يرة أق ّل ش أنا‬
ّ ‫ إضافة إلى‬،‫ولكن المقام ال يسمح بدراسة ك ّل اإلستراتيجيّات في مقال واحد‬
‫أن أه ّم إس تراتيجيّتين في دع وة‬ ّ ،‫منها‬
‫ لذا نج ُد أنفسنا نذكر أثن اء التّحلي ل بعض ا‬،‫ التّوجيهيّة واإلقناعيّة‬:‫النّاس وهدايتهم وتغيير تصوّراتهم وأفكارهم هما‬
ّ ،‫ من آليّات إقناعيّة؛ فكما هو معلوم‬-‫عليه السّالم‬- ‫م ّما استعمله نوح‬
‫فإن المخا ِطب لغيره ال يعتمد على إستراتيجيّة‬
>.‫ وإنّم ا ت أتي اإلس تراتيجيّات متكاتف ة متداخل ة‬،‫واح دة‬
ّ ‫علي ه‬- "‫الس ور الّ تي ورد فيه ا ذك ر اس م "ن وح‬
:‫ هي‬،‫ ثالث عش رة س ورة‬-‫الس الم‬ ّ ‫أن‬ّ ‫وتجدر اإلش ارة إلى‬
2
‫األعراف (‪ ،)64-56‬يونس (‪ ،)74-71‬هود (‪ ،)49-25‬األنبياء (‪ ،)77-76‬المؤمنون (‪ ،)31-23‬الفرق ان (‪،)37‬‬
‫ال ّشعراء (‪ ،)122-105‬العنكبوت (‪ ،)15-14‬الصّافات (‪ ،)82-75‬ال ّذاريات (‪ ،)46‬القم ر (‪ ،)16-09‬التّح ريم (‬
‫‪ ،)10‬نوح (‪.)28-01‬‬
‫والسّور الّتي ورد فيها خطاب نوح لقومه ودعوته إلى التّوحيد ومكارم األخالق ُّ‬
‫ست سور‪ ،‬هي‪ :‬األعراف‪،‬‬
‫يونس‪ ،‬هود‪ ،‬المؤمنون‪ ،‬ال ّشعراء‪ ،‬نوح‪ .‬وهي الّتي سنعرض لها بالتّحليل وفق المنهج التّداول ّي بحول هللا تعالى‪.‬‬
‫وتتمثّل المشكلة األساسية لهذا البحث في األسئلة التّالية‪:‬‬
‫ما المقصود باإلستراتيجيّة التّوجيهيّة؟ وما أه ّم آليّاتها؟‬ ‫‪‬‬
‫ما هي أه ّم آليّات اإلستراتيجيّة التّوجيهيّة الّتي استخدمها نوح ‪-‬عليه السّالم‪ -‬في دعوة قومه؟‬ ‫‪‬‬
‫هل يصلح تطبيق المنهج التّداول ّي لتفسير آيات القرآن الكريم وفهمها أكثر؟‬ ‫‪‬‬
‫وقد سعى هذا البحث إلى اإلجابة عن هذه األسئلة‪ ،‬انطالقا من معالجة اآلتي‪:‬‬
‫اإلستراتيجيّة التّوجيهيّة‪ ،‬وأه ّم آليّاتها اللّغويّة وغير اللّغويّة‪.‬‬ ‫‪‬‬
‫اإلستراتيجيّة التّوجيهيّة في خطابات نوح ‪-‬عليه السّالم‪ -‬لقومه‪.‬‬ ‫‪‬‬
‫‪ .2‬إستراتيجيّة الخطاب‪:‬‬
‫مفهوم الخطاب‪:‬‬ ‫‪1.2‬‬
‫قبل أن نأتي إلى تعريف إستراتيجيّة الخطاب‪ ،‬نشير ‪-‬في عجالة‪ -‬إلى مصطلح (الخطاب)‪ ،‬الّذي يع ّد من أك ثر‬
‫المصطلحات شيوعا‪ ،‬وهو واحد من المفاهيم الحديثة الّتي اختلفت ال ّدراسات‪ ،‬وتع ّددت اآلراء في تحدي دها‪ ،‬وه و‬
‫مفه وم عص ّي عن التّحدي د‪" ،‬غ ي ُر متّف ق علي ه" (ص الح‪ ،1997 ،‬ص‪ ،)189‬تتنازع ه العدي د من التّخصّص ات‬
‫والنّظريّات والحقول المعرفيّة؛ كاللّسانيّات‪ ،‬وعلم االجتماع‪ ،‬وعلم النّفس‪ ،‬والعلوم السّياسيّة‪ ،‬واإلعالم والتّواصل‪،‬‬
‫والنّقد األدب ّي‪ ،‬والفلسفة‪...‬‬
‫ويمكننا تعريف الخطاب ‪-‬في إطار ما يخدم بحثنا‪ -‬بأنّه وحدة تواصليّة قصديّة‪ ،‬كالميّة أو كتابيّ ة‪ ،‬ق د تك ون‬
‫جملة أو نصّا كامال‪ ،‬وسيلتُها اللّغة‪ ،‬يُنشئها مخا ِطب في سياق تواصل ّي اجتماع ّي أو ثقاف ّي‪ ،‬شفويّا أو كتابيّا‪ ،‬يه دف‬
‫من خاللها إلى إفادة مخاطَب‪ ،‬أو إقناعه‪ ،‬أو إفهامه‪ ،‬أو التّأثير فيه‪ ،‬ويتح ّدد نوع الخطاب من خالل المواق ف الّ تي‬
‫يُلقى فيها‪ ،‬وطبيعة األساليب والطّرق الّتي يس تعملها المخ ِ‬
‫اطب في تواص له‪ ،‬فيك ون خطاب ا دينيّ ا‪ ،‬أو تربويّ ا‪ ،‬أو‬
‫سياسيّا‪ ،‬أو اجتماعيّا‪ ،‬أو علميّا‪...‬إلخ‪.‬‬
‫ويختلف الخط اب في اللّغ ات الطّبيعيّ ة من حيث حج ُم ه‪ ،‬فق د ي رد جمل ة‪ ،‬أو مجموع ة من الجم ل‪ ،‬أو ّ‬
‫نص ا‬
‫متكامال‪ ،‬كما قد يختلف من حيث نمطُه‪ ،‬فيكون خطابا سرديّا‪ ،‬أو وصفيّا‪ ،‬أو حجاجيّا‪ ،‬أو فنّيّا‪ ،‬أو علميّا‪ ،‬إلى غ ير‬
‫ذلك من األنماط الخطابيّة المعروفة (المتوكل‪ ،2010 ،‬ص‪.)21‬‬
‫وترجع أصالة مصطلح الخطاب في الثّقاف ة العربيّ ة إلى إطالق ه على لف ظ الق رآن الك ريم والح ديث النّب و ّ‬
‫ي‬
‫ال ّشريف‪ ،‬فقد اعتبره علماء أصول ال ّدين قوال تفاعليّا في حدث فعّال‪ ،‬وليس ّ‬
‫نص ا م ّدونا ثابت ا فق ط‪ ،‬ف أطلقوا على‬
‫ي في س ياق تف اعل ّي أو‬ ‫والس نّة (الخط اب ّ‬
‫الش رع ّي)‪ ،‬فالخط اب في لفظ ه ش ك ٌل لغ و ّ‬ ‫ّ‬ ‫األدلّة ّ‬
‫الش رعيّة من الكت اب‬
‫تواصل ّي‪ ،‬فإن اجتُزئ من سياقه‪ ،‬صار نصّا‪ ،‬كنصّ الكتاب أو األثر المدوّن (عكاشة‪ ،2014 ،‬ص‪.)18،17‬‬
‫‪3‬‬
‫وث ّمة عناصر أساسيّة ال يقوم الخطاب‪ ،‬وال يتبل ور إاّل به ا‪ ،‬وهي "عناص ر س ياقيّة‪ ،‬له ا س مات غ ير ثابت ة؛‬
‫ألنّه ا تج ري ت داوليّا في ّ‬
‫الس ياق" (الش هري‪ ،2004 ،‬ص‪ ،)40‬وهي‪ :‬المخ ا ِطب‪ ،‬والمخ اطَب‪ ،‬والخط اب‪،‬‬
‫و"العناصر المشتركة‪ ،‬مثل العالقة بين طرفي الخطاب‪ ،‬والمعرفة المش تركة‪ ،‬والظّ روف االجتماعيّ ة العا ّم ة‪،...‬‬
‫والقيود الّتي تؤطّر عمليّة التّواصل" (الشهري‪ ،2004 ،‬ص‪.)39‬‬
‫‪ 2.2‬مفهوم إستراتيجيّة الخطاب‪:‬‬
‫تختلف اإلستراتيجيّات باختالف الظّروف المحيطة بالخطاب‪ ،‬والعقبات والعوائق الّتي تعترضه‪ ،‬والتّغيّ رات‬
‫الّتي تطرأ على عناصره‪ ،‬واختالف القدرات ّ‬
‫الذهنيّة للمتخاطبين‪ ،‬وطبيعة العالقة بينهم‪ ،‬لذا يحاول المرسل دائم ا‬
‫التّنويع في اختيار اإلستراتيجيّة المناسبة‪ ،‬و"اس تعمال اللّغ ة بكيفيّ ات منظّم ة ومتناس قة" (الش هري‪ ،2004 ،‬ص‬
‫‪ ،)56‬لتكون مناسبة للسّياق التّواصل ّي‪ ،‬منتهجا في ذلك أسلوبا فعّاال غير مكلّف‪ ،‬وهذا يعني ّ‬
‫"أن الخط اب المنج ز‬
‫يكون خطابا مخطّطا له‪ ،‬بصفة مستمرّة وشعوريّة" (الشهري‪ ،2004 ،‬ص‪.)56‬‬
‫وليتم ّكن المرس ل من اختي ار إس تراتيجيّة الخط اب المناس بة‪ ،‬ينبغي أن يمتل ك كفاي ة تواص ليّة تف وق كفايت ه‬
‫إن "القوانين اللّغويّة تصف ما يس تطيع أن يفعل ه المرس ل‪ /‬المرس ل إلي ه في‬
‫اللّغويّة‪ ،‬تجعله يتكيّف مع السّياق؛ إذ ّ‬
‫لغة معيّنة‪ ،‬أ ّما قوانين التّواصل‪ ،‬فإنّها تصف ما يُستحسن فعله‪ .‬وتتعامل اإلستراتيجيّات م ع عمليّ ة اختي ار أفض ل‬
‫الوسائل تأثيرا من السّلوكيّات التّواصليّة التّبادليّة" (الشهري‪ ،2004 ،‬ص‪ .)59‬ولتفعي ل الكفاي ة التّواص ليّة ال ب ّد‬
‫من وضع آليّة‪ ،‬منهج‪ ،‬خطّة‪ ،‬طريق ة‪ ،‬ينتهجه ا المرس ل ليحقّ ق أهداف ه من خالل خطاب ه‪ ،‬مس تعينا في ذل ك ‪-‬م ع‬
‫اللّغة‪ -‬بك ّل ما يمكنه من إستراتيجيّات علميّة‪ ،‬أو نفسّية‪ ،‬أو اجتماعيّة (محمد نوفل‪ ،‬ص‪.)89 ،80‬‬
‫وتفاوت النّ اس في ق درتهم على إنج از خطاب اتهم واختي ِ‬
‫ارهم لإلس تراتيجيّات الخطابيّ ة المناس بة َم َر ُّده إلى‬
‫تفاوت كفاياتهم التّواصليّة‪ ،‬ويتّضح ذلك "عند قصور البعض في التّعبير عن قص ده‪ ،‬أو دون تحقي ق أهداف ه؛ فق د‬
‫يخفق أحدهم في حين يُوفّق غيره مع تماثل في بعض عناصر السّياق أو تشابه" (الشهري‪ ،2004 ،‬ص‪.)61‬‬
‫ق الكثيرين إلى محاولة تحسين كفايتهم التّواص ليّة‪ ،‬من خالل التّعلّم والم ران واالس تعمال‬
‫وقد دفع هذا اإلخفا ُ‬
‫المكثّف للّغة في مواقف اجتماعيّ ة متنوّع ة‪ ،‬إيمان ا منهم بض رورة ذل ك في تحقي ق أه دافهم وغاي اتهم‪ ،‬ل ذا "تع ّد‬
‫اإلستراتيجيّة عمال إبداعيّا يمارسه ك ّل إنسان سويّ" (الشهري‪ ،2004 ،‬ص‪.)62‬‬
‫إن التّواص ل بين النّ اس ال يعتم د على اللّغ ة‬
‫وألن الخط اب ال يتجلّى دون اس تعمال العالم ات المناس بة‪ ،‬ف ّ‬
‫ّ‬
‫الطّبيعيّة وحدها‪ ،‬وإنّما يحتاج إلى استعمال بعض العالمات غير اللّفظيّة‪ ،‬الّتي قد تجعل الخطاب يوصف بأنّه نوع‬
‫من السّلوك المتأ ّدب أو العدواني‪ ،‬وغير ذلك من األوصاف (الشهري‪ ،2004 ،‬ص‪.)56 ،55‬‬
‫فن يس تعمله المرس ل‪ ،‬وطريق ةٌ يتّخ ذها عن د إنت اج خطاب ه‪،‬‬
‫وعليه يمكننا تعريف إستراتيجيّة الخطاب بأنّها‪ّ :‬‬
‫يسعى من خاللها إلى التّعبير عن مقاصده‪ ،‬وتحقيق أهداف ه‪ ،‬والتّ أثير في غ يره‪ ،‬موظّف ا في ذل ك م ا يُت اح ل ه من‬
‫أساليب التّواصل اللّفظ ّي وغير اللّفظ ّي‪ ،‬مراعيا السّياق وعناصره المختلفة‪ ،‬واللّغة الطّبيعيّ ة المس تعملة‪ ،‬وطبيع ة‬
‫المتلقّي وأحواله‪ ،‬ور ّدة فعله‪ ،‬ومختلف العوائق والعقبات الّتي قد تعترضه‪.‬‬
‫وعموما فإنّ ث ّمة ثالثة معايير تُصنّف حسبها إستراتيجيّات الخطاب‪ ،‬هي (الشهري‪ ،2004 ،‬ص‪:)87،88‬‬

‫‪4‬‬
‫‪01‬ـ معي ار اجتم اع ّي أخالق ّي‪ :‬يمثّ ل العالق ة بين ط رفي الخط اب (المرس ل والمرس ل إلي ه)‪ ،‬تف رّعت عن ه‬
‫اإلستراتيجيّتان التّضامنيّة والتّوجيهيّة‪.‬‬
‫‪02‬ـ معي ار لغ ويّ‪ :‬وه و معي ار ش كل الخط اب‪ ،‬واللّغ ة المس تعملة في ه‪ ،‬وه و معي ار دالل ّي‪ ،‬يعبّ ر عن مقاص د‬
‫المخاطب‪ ،‬تُستعمل فيه ال ّداللة المباشرة‪ ،‬أو التّلميحيّة‪ ،‬وتأسّست عليه اإلستراتيجيّة التّلميحيّة‪.‬‬
‫ِ‬
‫‪03‬ـ معيار هدف الخطاب‪ :‬غايته التّأثير في المتلقّي‪ .‬وتأسّست عليه اإلستراتيجيّة اإلقناعيّة‪.‬‬
‫وقد كثرت البحوث وال ّدراسات لدى العرب والغ رب الّ تي اهت ّمت بإس تراتيجيّات الخط اب وتحدي د أنواعه ا‬
‫تبعا للمجال الّذي ترد فيه‪ ،‬ولع ّل العمل الطّيّب الّذي قام به (عبد الهادي بن ظافر ال ّشهريّ) يحسُن االعتم اد علي ه‪،‬‬
‫والرّجوع إليه؛ إذ قد قام بتجميع هذه اإلستراتيجيّات عارضا إيّاها في أربعة أنواع هي‪ :‬اإلس تراتيجيّة التّض امنيّة‪،‬‬
‫اإلستراتيجيّة التّوجيهيّة‪ ،‬اإلستراتيجيّة التّلميحيّة‪ ،‬اإلستراتيجيّة اإلقناعيّة‪.‬‬
‫‪ .3‬مفهوم اإلستراتيجيّة التّوجيهيّة‪:‬‬
‫يسعى المرسل من خالل اإلستراتيجيّة التّوجيهيّة إلى فرض وصاية وقي ٍد على المرسل إليه‪ ،‬بشكل أو ب آخر‪،‬‬
‫أو ممارسة سلطة عليه‪ ،‬بتوجيهه إلى ما ينفعه‪ ،‬أو صرفه ع ّما يض رّه‪ ،‬ويس تعمل ذل ك حينم ا يك ون ّ‬
‫الس ياق غ ير‬
‫مناسب للخطابات المرنة‪ ،‬والتّأدب التّعامل ّي‪ ،‬وال يعني ذلك السّيطرة التّا ّم ة علي ه؛ ّ‬
‫ألن المرس ل يس عى دائم ا إلى‬
‫الحفاظ على استمراريّة الخطاب‪ ،‬وتحقيق الهدف منه‪ ،‬والحفاظ على عالقته مع المرسل إليه‪.‬‬
‫وتُستعمل اإلستراتيجيّة التّوجيهيّة وفق مقتضيات ومسوّغات‪ ،‬تُرجّح استعمالَها بدال من إستراتيجيّة أخ رى‪،‬‬
‫منها (الشهري‪ ،2004 ،‬ص‪ )328،329‬و (منصور جودي‪ ،2018 ،‬ص‪:)65‬‬
‫ي أو االجتماع ّي أو الطّبق ّي الموجود بين طرفي الخطاب‪.‬‬
‫‪ -01‬فارق المنزلة‪ ،‬وال ّشعور بالتّفاوت الفكر ّ‬
‫‪ -02‬السّياق التّواصلي الّذي قد يفرض تواصال محدودا بين طرفي الخطاب‪ ،‬كالّ ذي يك ون في اللّق اءات الرّس ميّة‬
‫الّتي قد تحدث لمرّة واحدة بينهما‪.‬‬
‫‪ -03‬إع ادة االعتب ار للعالق ة الموج ودة بين ط رفي الخط اب وتص حيحها‪ ،‬الس ترجاع الهيب ة‪ ،‬أو الرّغب ة في‬
‫االستعالء‪ ،‬أو بيان المكانة والمنزلة‪.‬‬
‫‪ -04‬تحقيق الغايات والمقاصد؛ كتح ّدي المرس ل إلي ه‪ ،‬أو إيقاف ه إن تج اوز ح دود العالق ة الموج ودة بين ط رفي‬
‫الخطاب‪.‬‬
‫أن استعمال هذه اإلستراتيجيّة ال يعود إلى مميّزات فر ّدية يتّصف بها المرسل‪ ،‬بقدر م ا يع ود‬
‫ونشير هنا إلى ّ‬
‫إلى مكانته وموقعه في السّلّم االجتماع ّي‪ ،‬وطبيعة عالقته مع المرسل إليه (محبّة‪ ،‬صداقة‪ ،‬قرابة‪...‬إلخ) (الشهري‪،‬‬
‫‪ ،2004‬ص‪.)326‬‬
‫وتتميّز اإلستراتيجيّة التّوجيهيّة بالوض وح في التّعب ير عن المقاص د‪ ،‬وه و م ا ال ي دع للمرس ل إلي ه فرص ة‬
‫لتأويل الخطاب‪ ،‬أو التّملّص من مضمونه (الشهري‪ ،2004 ،‬ص‪.)327‬‬
‫ويع ّد التّوجيه فعال لغويّا‪ ،‬وآليّة مباشرة‪ ،‬و"وظيفة من وظائف اللّغة الّ تي تع نى بالعالق ات ال ّشخص يّة‪...‬؛ ّ‬
‫ألن‬
‫وتأثيره في توجّهات المرسل إليه وسلوكه" (الشهري‪ ،2004 ،‬ص‪ ،)324‬وتتدرّج‬
‫ِ‬ ‫اللّغة تعبير عن سلوك المرسل‬

‫‪5‬‬
‫قوّة األفعال اإلنجازيّة حسب درجة السّلطة ووجودها أو غيابه ا‪ ،‬فمن وجه ة نظ ر التّداوليّ ة تُس تعمل اللّغ ة ب دافع‬
‫تحقيق السّلطة والسّيطرة على المجتمع (الشهري‪ ،2004 ،‬ص‪.)326 ،325‬‬
‫ّ‬
‫والس لطة القائم ة بين‬ ‫ويأتي التّوجيه باستعمال وسائل لغويّة‪ ،‬ووسائل غير لفظيّ ة‪ ،‬يفرض ها س ياق الخط اب‪،‬‬
‫طرفيه‪ ،‬نستعرض أه ّمها في ما يأتي‪:‬‬
‫‪ 1.3‬الوسائل اللّغويّة‪ ،‬ومن بينها‪:‬‬
‫‪ -‬األمر بأدواته المختلفة‪:‬‬
‫األم ُر أس لوب إنش ائ ّي‪ ،‬وه و "اس تدعاء الفع ل ب القول على جه ة االس تعالء" (الش تري‪ ،1999 ،‬ص‪،)16‬‬
‫أن ق ولَهم (اس تدعاء الفع ل)‪ ،‬أو‬ ‫أن اإلشارة ال تس ّمى أمرا‪ ،‬وإن أفادت معناه‪ .‬وي رى ّ‬
‫الش يخ الع ثيمين ّ‬ ‫ومعنى ذلك ّ‬
‫طلبُه‪ ،‬يُخر ُج النّه َي؛ ألنّه طلبُ ترك‪ ،‬وقولهم (على وج ه االس تعالء) يُخ رج االلتم اس‪ ،‬وال ّدعاء‪ ،‬وغي َرهم ا م ّم ا‬
‫يًستفاد من صيغة األمر بالقرائن؛ فااللتماس يكون من مساو‪ ،‬أما ال ّدعاء فيكون من األدنى إلى األعلى (المني اوي‪،‬‬
‫‪ ،2011‬ص‪ .)31‬ونشير إلى ّ‬
‫أن االستعالء صفة لألمر‪ ،‬والعل ّو صفة لآلمر (المنياوي‪ ،2011 ،‬ص‪.)37‬‬
‫ويتحقّق األمر في الخطاب التّوجيه ّي بصيغ أه ّمها‪:‬‬
‫‪ -‬فعل األمر‪( :‬افعلْ )‪.‬‬
‫‪ -‬اسم فعل األمر‪( :‬ايه‪ ،‬صه‪ ،‬مه‪ ،‬ح ّي‪)...‬؟‬
‫الرقَ ا ِ‬
‫ب) س ورة مح ّم د (‬ ‫‪ -‬المص در النّ ائب عن فع ل األم ر‪ :‬كق ول هللا تع الى‪( :‬فَ ِإ َذا لَقِيتُ ُم الَّ ِذينَ َكفَ ُروا فَ َ‬
‫ض ْر َب ِّ‬
‫‪( .)04‬ضرب) مصد ٌر نائب عن فعل األمر‪ ،‬يعني‪ :‬اضربوا الرقاب‪.‬‬
‫ضوا تَفَثَ ُه ْم َو ْليُوفُوا نُ ُذ َ‬
‫ور ُه ْم) سورة الح ّج (‪.)29‬‬ ‫‪ -‬المضارع المقرون بالم األمر‪ :‬كقوله تعالى‪( :‬ثُ َّم ْليَ ْق ُ‬
‫ّ‬
‫والص يغ‬ ‫وث ّمة صيغ أخرى لألمر؛ كاأللفاظ المخصوصة للوج وب (يجب‪ ،‬ينبغي‪ ،‬ال ب ّد‪ ،)...‬وش به الجمل ة‪،‬‬
‫الصّرفية‪ ،‬كالفعل المبني للمجهول‪ ،‬وصيغ اإلخبار (الشهري‪ ،2004 ،‬ص‪.)344‬‬
‫ّ‬
‫الكف على وجه االستعالء‪ ،‬بصيغة مخصوصة هي المضارع‬ ‫‪ -‬النّهي‪ :‬أسلوب إنشائ ّي‪ ،‬وهو "قو ٌل يتض ّمن طلب‬
‫المق رون بال النّاهي ة" (اآلم دي‪ ،2003 ،‬ج‪ ،01‬ص‪ )231‬كقول ه تع الى‪َ ( :‬واَل تَتَّبِ ْع َأ ْه َوا َء الَّ ِذينَ َك َّذبُوا بِآيَاتِنَ ا‬
‫َوالَّ ِذينَ اَل يُْؤ ِمنُونَ بِاآْل ِخ َر ِة) سورة األنعام (‪.)150‬‬
‫الكف بغير ص يغة النّهي‪ ،‬مث ل أن يوص ف الفع ل بأنّ ه مح رّم‪ ،‬أو محظ ور‪ ،‬أو ق بيح‪ ،‬أو ي ذ ّم‬
‫ّ‬ ‫وقد يستفاد طلب‬
‫فاعله‪ ،‬أو يُرتَّب على فعله عقابٌ أو نحو ذلك (المنياوي‪ ،2011 ،‬ص‪ .)37‬فك ّل ما استعمله المرسل ّ‬
‫لكف المرسل‬
‫إليه عن فعل شيء ما يُع ّد توجيها‪ ،‬سواء كان لفائ دة يحص ل عليه ا أح دهما‪ ،‬أو كالهم ا‪ .‬ويك ون ه ذا النّهي وف ق‬
‫درجات متفاوتة‪ ،‬حسب السّياق التّواصلي‪ ،‬وطبيعة المرسل إليه‪ ،‬ومقدار السّلطة الّتي يتمتّع بها المرسل‪.‬‬
‫تخبار؛ قاص دا‬
‫َ‬ ‫ُقص ُد به طلبُ العلم بشيء مجهول‪ ،‬وقد س ّماه (الجرج ان ّي) االس‬
‫‪ -‬االستفهام‪ :‬هو أسلوب إنشائ ّي‪ ،‬ي َ‬
‫به طلب الخبر في أمر غير معروف‪ ،‬فقال "االستفها ُم استخبارٌ‪ ،‬واالستخبا ُر ه ُو طَلبٌ منَ ال ُمخ اطَب أن ي ُْخ برك"‬
‫أن ابن فارس فرّق بين االستفهام واالستخبار‪ّ ،‬‬
‫بأن األوّل طلب العلم بش يء‬ ‫(الجرجاني‪ ،1992 ،‬ص‪ .)140‬غير ّ‬
‫لم يكن معلوما من قبل‪ ،‬والثّاني يكون في ما سبق أوّال (الحيالي‪ ،2008 ،‬ص‪.)114‬‬

‫‪6‬‬
‫ويعمل االستفهام على إثارة المرسل إليه‪ ،‬وتحري ك ش عوره‪ ،‬وتوجيه ه‪ ،‬و"تع ّد األس ئلة ‪-‬خصوص ا األس ئلة‬
‫المغلقة‪ -‬من أه ّم األدوات اللّغويّة إلستراتيجيّة التّوجيه" (الشهري‪ ،2004 ،‬ص‪ ،)352‬ونقصد بذلك األس ئلة الّ تي‬
‫تقتضي التّلفّظ بإجابة صريحة (الشهري‪ ،2004 ،‬ص‪ .)352‬وغاية االستفهام ‪-‬في ظ ّل اإلس تراتيجيّة التّوجيهيّ ة‪-‬‬
‫السّيطرة على ذهن المرسل إليه‪ ،‬وجعله ينقاد ويتفاعل مع الخطاب‪ .‬وقد يخرج االس تفهام عن معن اه األص ل ّي إلى‬
‫معان أخرى‪ ،‬تُفهم من خالل السّياق‪.‬‬
‫‪ -‬التّحذير‪ :‬يع ّد التّوجيه ‪-‬بصوره المختلفة‪ -‬آليّة توجيهيّ ة قويّ ة‪ ،‬ويُقص د ب ه تنبي ه المخ اطَب إلى أم ر مك روه كي‬
‫يتجنّبه‪ ،‬ويحترز منه‪ ،‬وقد يكون المح َّذ ُر منه فيه ض ر ٌر على المرس ل أو المرس ل إلي ه‪ ،‬أو مس اسٌ بش يء يختصّ‬
‫بالمرسل ويتعلّق به‪.‬‬
‫واألصل في التّحذير أن يكون موجّها إلى مخاطَب ما (ابن مالك‪2000 ،‬م‪ ،‬ص‪ ،)432‬وه و ي د ّل على س لطة‬
‫المرسل‪ ،‬وصراحته‪ ،‬وصدقه في التّوجيه‪ ،‬وبه تحص ُل ثقة المرسل إليه وانقيادُه‪.‬‬
‫‪ -‬اإلغراء‪ :‬وله عم ٌل توجيه ّي عكس التّحذير‪ ،‬فـ"التّح ذير ه و توجي ه إبع اد‪ ،‬في حين يك ون اإلغ راء ه و توجي ه‬
‫تقريب" (الشهري‪ ،2004 ،‬ص‪ ،)358‬ويتح ّكم السّياق التّواصل ّي في تحديد قصد المرسل‪.‬‬
‫‪ -‬التّحضيض والعرض‪ :‬هما أسلوبان إنشائيّان من أس اليب الطّلب‪ .‬ويقص د بالتّحض يض "التّح ريضُ على األم ر‬
‫والحث علي ه بق وّة" (أحم د و عب د ال رحيم‪ ،‬ص‪ ،)08‬إ ّم ا على فعل ه أو ترك ه‪ ،‬باس تعمال ح رف من ح روف‬ ‫ّ‬
‫وليهن الماض ي ّ‬
‫كن‬ ‫ّ‬ ‫"وليهن المس تقبل ّ‬
‫كن تحضيض ا‪ ،‬وإذا‬ ‫ّ‬ ‫التّحضيض‪ ،‬وهي‪ :‬هاّل ‪َ ،‬وأال َوأاّل ‪ ،‬ولوال‪ ،‬ولوما‪ .‬ف إذا‬
‫توبيخا" (الشهري‪ ،2004 ،‬ص‪.)358‬‬
‫أ ّما العرض فهو طلبٌ برفق ولين‪ ،‬بأحرف هي‪َ :‬أاَل ‪َ ،‬أ َما‪ ،‬لو‪ ،‬لوال‪ .‬ويكون التّفريق بين التّحضيض والع رض‬
‫باالعتماد على السّياق التّواصل ّي‪ ،‬والتّنغيم المصاحب للكالم ‪.‬‬
‫‪ -‬النّداء‪ :‬هو أسلوب إنشائ ّي قوامه الطّلبُ والخطاب‪ ،‬ويمكن للمرس ل اس تعماله كفع ل ت وجيه ّي تحف يزيّ‪ .‬وي رى‬
‫أن "األصل في النّداء هو التّصويت بالمنادى إلقباله عليك" (خالدي ة‪ ،2019 ،‬ص‪،)301‬‬
‫(حمزة بن يحيى القالي) ّ‬
‫وحمله على اإلصغاء إليك‪ ،‬وقد يستعمل ألغراض توجيهيّة أخرى؛ مثل‪ :‬المدح‪ّ ،‬‬
‫الذ ّم‪ ،‬التّنبي ه‪ ،‬التّهدي د‪ ،‬التّكلي ف‪،‬‬
‫التّح ّدي‪ ،‬العتاب‪ ،‬النّصح‪...،‬إلخ‪.‬‬
‫ي لفظ يستخدمه المرسل بهدف التّوجيه‪ ،‬وذل ك ''بالنّص ح ت ارة والوص يّة‬
‫‪ -‬التّوجيه بألفاظ المعجم‪ :‬ويكون ذلك بأ ّ‬
‫تارة‪ ،‬أو التّوسّل‪ ،‬أو المناشدة‪ ،‬أو اإلشارة‪ ،‬أو االقتراح‪ ،‬وغير ذلك" (الشهري‪ ،2004 ،‬ص‪.)361‬‬
‫‪ -‬ذكر العواقب‪ :‬هي آليّة توجيهيّ ة ص ريحة مباش رة‪ ،‬يس تعملها المرس ل حينم ا تق ّل س لطته على المتلقّي‪ ،‬به دف‬
‫التّخويف من أمر ما أو التّرغيب فيه‪ ،‬ويمكن استعمالها لتحمل دالالت اآلليّات الّتي ذكرناها سابقا‪.‬‬
‫‪ -‬التّوجيه المر ّكب‪ :‬قد يستعمل المرسل آليّتين لغويّ تين أو أك ثر في س ياق تواص ل ّي واح د‪ ،‬بحيث يجعله ا تعض د‬
‫بعضها بعضا‪ ،‬م ّما يزيد من فرص تحقيق الخطاب ألهدافه‪.‬‬
‫‪ 2.3‬الوسائل غير اللّفظيّة في اإلستراتيجيّة التّوجي ّهة‪ :‬تُستعمل الوسائل غير اللّفظيّة ك ذلك ض من اإلس تراتيجيّة‬
‫التّوجيهيّة‪ ،‬ولع ّل أبرزها التّنغيم‪ ،‬ونبرة الصّوت‪ ،‬وقوّته‪ ،‬ووض عيّات الجس م‪ ،‬وحرك ات ال رّأس‪ ،‬ومالمح الوج ه‪،‬‬
‫واإلشارة باليد‪ ،‬والمظهر الخارج ّي (اللّباس‪ ،‬تسريحة ال ّشعر‪ ،‬الرّائحة‪)...‬؛ إذ إنّها تعبّ ر عن م دى س لطة المرس ل‬
‫‪7‬‬
‫وقدرته على التّ أثير في المرس ل إلي ه وتوجيه ه‪ ،‬وهي تُكس ب الخطاب ات دالالت توجيهيّ ة ال يعبِّر عنه ا المع نى‬
‫الحرف ّي‪ ،‬وقد تد ّل على معنى التّوجيه؛ بذاتها‪ ،‬أو مصاحبة للكالم‪ .‬وكمثال بسيط عن ذلك‪ :‬إذا أراد المرسل تح ذير‬
‫المرسل إليه من أمر ما‪ ،‬فإنّه يستعمل وسائل لغويّ ة (ك األمر‪ ،‬والنّهي‪ ،‬وأس لوب التّح ذير)‪ ،‬ويجع ل خطاب ه وف ق‬
‫تنغيم معيّن‪ ،‬ونبرة صوت شديدة قويّة‪ ،‬ويستعمل ال ّسبّابة ملوّحا بها‪ ،‬ومشيرا به ا إلى المرس ل إلي ه‪ ،‬أو إلى األم ر‬
‫المح َّذ ِر منه‪ ،‬وتظهر على وجهه مالم ُح التّحذير؛ كتقريب الحاجبين‪ ،‬وتوسيع العينين‪ ،‬وتقطيب الجبين‪...‬‬
‫سالم‪ -‬مع قومه‪:‬‬
‫‪ .4‬آليّات اإلستراتيجيّة التّوجيهيّة في خطابات نوح ‪-‬عليه ال ّ‬
‫سالم‪ -‬مع قومه في سورة األعراف‪:‬‬
‫‪ 1.4‬خطاب نوح ‪-‬عليه ال ّ‬
‫اب‬‫وحا ِإلَى قَ ْو ِم ِه فَقَا َل يَا قَ ْو ِم ا ْعبُدُو ْا هَّللا َ َما لَ ُكم ِّمنْ ِإلَ ٍه َغ ْي ُرهُ ِإنِّ َي َأ َخافُ َعلَ ْي ُك ْم َع َذ َ‬ ‫قال هللا تعالى‪ :‬لَقَ ْد َأ ْر َ‬
‫س ْلنَا نُ ً‬
‫س و ٌل‬‫ض الَلَةٌ َولَ ِكنِّي َر ُ‬‫س بِي َ‬ ‫ض الَ ٍل ُّمبِي ٍن ﴿‪ ﴾60‬قَ ا َل يَ ا قَ ْو ِم لَ ْي َ‬ ‫يم ﴿‪ ﴾59‬قَا َل ا ْل َمُأل ِمن قَ ْو ِم ِه ِإنَّا لَنَ َرا َك فِي َ‬ ‫يَ ْو ٍم ع َِظ ٍ‬
‫نص ُح لَ ُك ْم َوَأ ْعلَ ُم ِمنَ هّللا ِ َم ا الَ تَ ْعلَ ُم ونَ ﴿‪َ ﴾62‬أ َوع َِج ْبتُ ْم َأن َج اء ُك ْم‬‫ت َربِّي َوَأ َ‬ ‫س االَ ِ‬ ‫ِّمن َّر ِّب ا ْل َعالَ ِمينَ ﴿‪ُ ﴾61‬أبَلِّ ُغ ُك ْم ِر َ‬
‫نج ْينَاهُ َوالَّ ِذينَ َم َعهُ فِي ِك َوَأ ْغ َر ْقنَا‬
‫ِذ ْك ٌر ِّمن َّربِّ ُك ْم َعلَى َر ُج ٍل ِّمن ُك ْم لِيُن ِذ َر ُك ْم َولِتَتَّقُو ْا َولَ َعلَّ ُك ْم ت ُْر َح ُمونَ ﴿‪ ﴾63‬فَ َك َّذبُوهُ فََأ َ‬
‫الَّ ِذينَ َك َّذبُو ْا بِآيَاتِنَا ِإنَّ ُه ْم َكانُو ْا قَ ْوما ً َع ِمينَ ﴿‪﴾64‬‬
‫لقد خاطب نوح عليه السّالم قومه خطابا صريحا لم يترك فيه مجاال للتّأويل‪ ،‬فافتتح ه باس تعمال النّ داء كآليّ ة‬
‫ب ِإ ْقبَا ِل قَوْ ِم ِه ِإلَ ْي ِه‬‫ْس لِطَلَ ِ‬ ‫لغويّة توجيهيّة‪ ،‬إيذانا بأه ّميّة ما سيلقيه عليهم؛ "َأِل َّن النِّدَا َء طَلَبُ اِإْل ْقبَ ِ‬
‫ال‪َ .‬ولَ َّما َكانَ هُنَا لَي َ‬
‫ي‪َ ،‬وهُ َو تَوْ ِجي هُ‬ ‫ال ْال َم َج ِ‬
‫از ِّ‬ ‫َأِلنَّهُ َم ا ا ْبتَ َدَأ ِخطَ ابَهُ ْم ِإاَّل فِي َمجْ َم ِع ِه ْم‪ ،‬تَ َعيَّنَ َأ َّن النِّدَا َء ُم ْس تَ ْع َم ٌل َم َج ا ًزا فِي طَلَ ِ‬
‫ب اِإْل ْقبَ ِ‬
‫َأ ْذهَانِ ِه ْم ِإلَى فَه ِْم َما َسيَقُولُهُ" (بن عاشور‪ ،1984 ،‬ج‪ ،11‬ص‪.)236‬‬
‫وقد اعتمد على مبدأ التّأدب‪ ،‬فقال‪( :‬يا قوم)‪ ،‬وذل ك تحف يزا لقوم ه‪ ،‬واس تمالة وتحبيب ا لهم‪ ،‬كي يُقبل وا علي ه‪،‬‬
‫ويسمعوا كالمه‪ ،‬و"ليأخذوا قوله مأخذ قول النّاصح المتطلّب الخي َر لهم" (بن عاشور‪ ،1984 ،‬ج‪ ،11‬ص‪،)236‬‬
‫واألغراض التّوجيهيّة لهذا النّداء‪ :‬التّنبي ه‪ ،‬والنّص ح‪ ،‬وإرادة الخ ير لهم‪ ،‬وإظه ار ّ‬
‫الش فقة‪ ،‬والرّأف ة بهم‪ ،‬والخ وف‬
‫عليهم‪ ،‬و ّرغبته في اهتدائهم‪ ،‬وقد خاطب "قَوْ َمهُ ُكلَّهُ ْم؛ َأِل َّن ال َّد ْع َوةَ اَل تَ ُكونُ ِإاَّل عَا َّمةً لَهُ ْم‪َ ،‬و َعب ََّر فِي نِدَاِئ ِه ْم بِ َوصْ ِ‬
‫ف‬
‫آص َر ِة ْالقَ َرابَ ِة" (بن عاشور‪ ،1984 ،‬ج‪ ،08‬ص‪.)188‬‬ ‫ْالقَوْ ِم لِت َْذ ِك ِ‬
‫ير ِه ْم بِ ِ‬
‫وهذه القرابة الّتي تجمعه بهم‪ ،‬وخوفُه عليهم‪ ،‬إضافة إلى أنّه مكلّف بتنفي ذ م ا أم ره هّللا ب ه‪ ،‬وم ا أرس له من‬
‫أجله‪ ،‬هي مسوّغات خوّلت له استعمال هذا الفعل التّوجيه ّي (النّداء)‪.‬‬
‫ض عُوا لَ هُ‬ ‫وق د اس تعمل آليّ ة لغويّ ة أخ رى هي األم ر‪ ،‬فق ال‪( :‬اعب دوا هّللا )؛ أي " ِذلُّوا لَ هُ بِالطَّا َع ةَ َو ْ‬
‫اخ َ‬
‫ْس لَ ُك ْم َم ْعبُ و ٌد يَ ْس تَوْ ِجبُ َعلَ ْي ُك ُم ْال ِعبَ ا َدةَ َغ ْي َرهُ"‬
‫بِااِل ْس تِ َكانَ ِة‪َ ،‬و َد ُع وا ِعبَ ا َدةَ َم ا ِس َواهُ ِمنَ اَأْل ْن دَا ِد َواآْل لِهَ ِة‪ ،‬فَِإنَّهُ لَي َ‬
‫(الطبري‪ ،2001 ،‬ج‪ ،10‬ص‪ ،)260‬واألغراض التّوجيهيّة من ذلك هي النّدب والتّأديب واإلرشاد‪ ،‬وهي "معان‬
‫متقاربة‪ ،...‬فالنّدب توجيه إلى ما يرجى به ثواب اآلخرة‪ ،‬والتّأديب توجيه إلى ما ّ‬
‫يهذب األخالق ويُصلح العادات‪،‬‬
‫إن أغ راض ه ذا التّوجي ه أن‬
‫واإلرش اد توجي ه إلى م ا في ه مص لحة دنيويّ ة" (الش هري‪ ،2004 ،‬ص‪ ،)343‬أي ّ‬
‫يصرف نوح ‪-‬عليه السّالم‪ -‬قو َمه من عبادة األصنام إلى عبادة هللا وحده‪ ،‬وخوفه من أن يح ّل عليهم العذاب‪ ،‬ل ذلك‬
‫استعمل آليّة لغويّة مساعدة هي (ذكر العواقب)‪ ،‬فقال (ِإنِّي َأ َخافُ َعلَ ْي ُك ْم َع َذ َ‬
‫اب يَ ْو ٍم ع َِظيم)‪.‬‬

‫‪8‬‬
‫أن قص ده ليس األم ر تحدي دا‪ ،‬به دف التس لّط‬ ‫والنّ داء الّ ذي س بق ه ذا األم ر بيّن ب ه ن وح ‪-‬علي ه ّ‬
‫الس الم‪ّ -‬‬
‫واالستعالء واإللزام‪ ،‬ب ل ه و طلبٌ ودع وة لهم ليفعل وا م ا في ه خ ي ٌر لهم؛ إذ ّ‬
‫إن هللا تع الى لم يُل زم الرّس ل بحم ل‬
‫أقوامهم على اتّباعهم‪ ،‬وإنّما أمرهم بتبليغ رسالته‪ ،‬وبيان طريق الهداية للنّاس‪ ،‬ومصداق ذل ك قول ه تع الى‪( :‬فَ َه ْل‬
‫س ِل ِإاَّل ا ْلبَاَل ُ‬
‫غ ا ْل ُمبِينُ ) {النّحل‪ .}35:‬ومسوّغ استعمال نوح ‪-‬عليه السّالم‪ -‬له ذا الفع ل التّ وجيه ّي (األم ر)‬ ‫َعلَى ُّ‬
‫الر ُ‬
‫هو تلك السّلطة الّتي اكتسبها من كونه رسوال من عند هللا‪ ،‬عالما بما لم يعلمه قومه‪ ،‬وأنّه من المصطفين األخي ار‪،‬‬
‫اصطَفَ ٰى آ َد َم َونُ ً‬
‫وحا َوآ َل ِإ ْب َرا ِهي َم َوآ َل ِع ْم َرانَ َعلَى ا ْل َعالَ ِمينَ ) أل عمران‪.33‬‬ ‫قال تعالى‪ِ( :‬إنَّ هَّللا َ ْ‬
‫أن خلفيّته ومكانته السّابقة هي س لطة في ح ّد ذاته ا‪ ،‬غ ير ّ‬
‫أن‬ ‫فسلطته هي سلطة العلم والمعرفة‪ ،‬إضافة إلى ّ‬
‫خطابه ‪-‬كما سيتبيّن‪ -‬لم ينل القَبول‪ ،‬ألنّه تعارض مع سلطة أقوى من سلطته‪ ،‬هي سلطة التّعصّب لدين اآلباء‪.‬‬
‫وقد ر ّد عليه المأل من قومه مستهزئين به‪ ،‬وم ّك ّذبين له‪ ،‬وهم "الرؤسا ُء من قوم ه واألش راف الّ ذين يمثّل ون‬
‫والقلوب بجاللهم وهيبتِهم واألبص ا َر بجم الهم وُأبّهتهم" (أب و الس عود‪ ،2010 ،‬ج‪،03‬‬
‫َ‬ ‫صدور المحافل بإجرامهم‬
‫َ‬
‫ص‪ ،)235‬قالوا له إنّا نراك في بُعد و"زوال عن الح ّ‬
‫ق" (البيضاوي‪ ،1998 ،‬ج‪ ،03‬ص‪.)17‬‬
‫لم يكن من السّهل على نوح ‪-‬عليه السّالم‪ -‬استخدام اإلستراتيجيّة التّوجيهيّة مع قوم ه‪ ،‬أو لِنق لْ ‪ :‬م ع المأل من‬
‫قومه‪ ،‬الّذين كانوا سادة وأشرافا‪ ،‬يصعب التّواصل أو التّحاور معهم؛ ألنّهم طغاة بُغاة‪ .‬وتكذيبهم ل ه‪ ،‬ووص فهم ل ه‬
‫ضالل دفعه إلى نفي ذلك عن نفسه‪ ،‬ال لتبرئة نفسه فحسب‪ ،‬وإنّما لمواص لة الح وار معهم‪ ،‬وت وجيههم‪ ،‬وتب يين‬
‫بال ّ‬
‫ق لهم‪ ،‬فاستخدم النّداء بالصّيغة نفسها مرّة أخرى‪ ،‬وساق حججا تُس وّغ خطاب ه معهم‪ ،‬فق ال (يَ ا قَ ْو ِم لَ ْي َ‬
‫س بِي‬ ‫الح ّ‬
‫ص ُح لَ ُك ْم َوَأ ْعلَ ُم ِمنَ هَّللا ِ َم ا اَل تَ ْعلَ ُم ونَ )‪ ،‬وق د‬
‫ت َربِّي َوَأ ْن َ‬ ‫س و ٌل ِمنْ َر ِّب ا ْل َع الَ ِمينَ ‪ُ ،‬أبَلِّ ُغ ُك ْم ِر َ‬
‫س ااَل ِ‬ ‫ض اَل لَةٌ َولَ ِكنِّي َر ُ‬
‫َ‬
‫اب هَّللا ِ َعلَى ُك ْف ِر ُك ْم بِ ِه َوتَ ْك ِذيبِ ُك ْم‬
‫يري ِإيَّا ُك ْم ِعقَ َ‬ ‫استعمل آليّة ذكر العواقب م ّرة أخرى‪ ،‬فقال إنّي "َأ ْن َ‬
‫ص ُح لَ ُك ْم فِي تَحْ ِذ ِ‬
‫يحتِي‪َ ( ،‬وَأ ْعلَ ُم ِمنَ هَّللا ِ َم ا اَل تَ ْعلَ ُم ونَ )‪ِ ،‬م ْن َأ َّن ِعقَابَ هُ اَل يُ َر ُّد ع َِن ْالقَ وْ ِم ْال ُمجْ ِر ِمينَ " (الط بري‪،‬‬ ‫َّاي َو َر ِّد ُك ْم ن ِ‬
‫َص َ‬ ‫ِإي َ‬
‫َار ِك ِه ِم ْن َأجْ ِل‬
‫ح لَهُ ْم‪َ ،‬وَأنَّهُ َغ ْي ُر ت ِ‬
‫‪ ،2001‬ج‪ ،10‬ص‪ ،)262‬واستعما ُل الفعل المضارع فيه " َداَل لَةٌ َعلَى تَجْ ِدي ِد النُّصْ ِ‬
‫َك َرا ِهيَتِ ِه ْم َأوْ بَ َذا َءتِ ِه ْم" (بن عاشور‪ ،1984 ،‬ج‪ ،08‬ص‪.)194‬‬
‫ث ّم استعمل آليّة االستفهام قائال‪َ( :‬أ َو َع ِج ْبتُ ْم َأنْ َجا َء ُك ْم ِذ ْك ٌر ِمنْ َربِّ ُك ْم َعلَى َر ُج ٍل ِم ْن ُك ْم لِيُ ْن ِذ َر ُك ْم َولِتَتَّقُ وا َولَ َعلَّ ُك ْم‬
‫ت ُْر َح ُمونَ )؟‪ ،‬وغاي ة ن وح ‪-‬علي ه ّ‬
‫الس الم‪ -‬من ه ذا االس تفهام إث ارتهم‪ ،‬وتحري ك ش عورهم‪ ،‬وت وجيههم‪ ،‬ومحاول ة‬
‫السّيطرة على أذهانهم‪ ،‬وجعلهم ينقادون لخطابه‪ ،‬فسألهم متعجّبا منهم تع ّجبا يدعوهم إلى مراجعة أنفسهم‪ .‬والهمزة‬
‫ْجبُوا ِم ْن هَ َذا فَِإ َّن هَ َذا ليس َ‬
‫بعجب‬ ‫في هذا االستفهام "لإلنكار" (الزمخشري‪ ،1987 ،‬ج‪ ،02‬ص‪)115‬؛ أي "اَل تَع َ‬
‫ُوح َي هَّللا ُ ِإلَى َرج ٍُل ِم ْن ُك ْم َرحْ َمةً بكم ولطفا وإحسانا إليكم" (ابن كثير‪ ،1999 ،‬ج‪ ،03‬ص‪.)388‬‬ ‫َأ ْن ي ِ‬
‫ار‬ ‫ك َش ْي ٍء َغي ِْر َم ْألُ ٍ‬
‫وف‪َ ،‬وقَ ْد يَ ُك ونُ ْال َع َجبُ َم ُش وبًا بِِإ ْن َك ِ‬ ‫ب َأنَّهُ ا ْنفِ َعا ٌل نَ ْف َسانِ ٌّي يَحْ ُ‬
‫ص ُل ِع ْن َد ِإ ْد َرا ِ‬ ‫و" َحقِيقَةُ ْال َع َج ِ‬
‫ب ِم ْنهُ َوا ْستِ ْب َعا ِد ِه َوِإ َحالَتِ ِه" (بن عاشور‪ ،1984 ،‬ج‪ ،08‬ص‪.)195‬‬ ‫ال َّش ْي ِء ْال ُمتَ َع َّج ِ‬
‫ث ّم برّر سبب بعثه رس وال إليهم مس تعمال اإلس تراتيجيّة اإلقناعيّ ة‪ ،‬واإلس تراتيجيّة التّوجيهيّ ة‪ ،‬فاس تخدم آليّ ة‬
‫التّحذير قاصدا تنبيههم ليتجنّبوا عذاب هللا في ال ّدنيا واآلخرة‪ ،‬وليتحترزوا منه ويتّقوه‪ ،‬فقال (لِيُ ْن ِذ َر ُك ْم َولِتَتَّقُ وا)‪ ،‬ث ّم‬
‫استعمل آليّ ة اإلغ راء‪ ،‬فق ال ( َولَ َعلَّ ُك ْم ت ُْر َح ُم ونَ )‪ ،‬و"فائ دة ح رف التّ رجّي التّنبي ه على أن التّق وى غ ير م وجب‪،‬‬

‫‪9‬‬
‫وأن المتّقي ينبغي أاّل يعتم د على تق واه‪ ،‬وال ي أمن من ع ذاب هللا تع الى"‬
‫والتّرحّم من هللا سبحانه وتعالى تفضّل‪ّ ،‬‬
‫(البيضاوي‪ ،1998 ،‬ج‪ ،03‬ص‪.)18‬‬
‫الس الم‪ -‬لإلس تراتيجيّة التّوجيهيّ ة‪ ،‬وب ذل النّص ح لقوم ه‪،‬‬
‫وعلى ال رّغم من اس تخدام رس ول هللا ن وح ‪-‬علي ه ّ‬
‫وصدق رسالته‪ ،‬ورغبته الجامحة في اهتدائهم‪ ،‬ونجاتهم من العذاب؛ إاّل أنّهم بغوا وظلموا أنفسهم‪ ،‬فكان مصيرهم‬
‫الهالك‪( ،‬فَ َك َّذبُوهُ فََأ ْن َج ْينَاهُ َوالَّ ِذينَ َم َعهُ فِي ا ْلفُ ْل ِك َوَأ ْغ َر ْقنَا الَّ ِذينَ َك َّذبُوا بِآيَاتِنَا ِإنَّ ُه ْم َكانُوا قَ ْو ًما َع ِمينَ )‪.‬‬
‫سالم‪ -‬مع قومه في سورة يونس‪:‬‬
‫‪ 2.4‬خطاب نوح ‪-‬عليه ال ّ‬
‫ت هّللا ِ فَ َعلَى‬‫وح ِإ ْذ قَا َل لِقَ ْو ِم ِه يَا قَ ْو ِم ِإن َكانَ َكبُ َر َعلَ ْي ُكم َّمقَ ا ِمي َوتَ ْذ ِكي ِري بِآيَ ا ِ‬ ‫قال هللا تعالى‪َ :‬وا ْت ُل َعلَ ْي ِه ْم نَبََأ نُ ٍ‬
‫ون ﴿‪ ﴾71‬فَ ِإن تَ َولَّ ْيتُ ْم‬ ‫ُنظ ُر ِ‬ ‫ضو ْا ِإلَ َّي َوالَ ت ِ‬ ‫ش َر َكاء ُك ْم ثُ َّم الَ يَ ُكنْ َأ ْم ُر ُك ْم َعلَ ْي ُك ْم ُغ َّمةً ثُ َّم ا ْق ُ‬
‫هّللا ِ تَ َو َّك ْلتُ فََأ ْج ِم ُعو ْا َأ ْم َر ُك ْم َو ُ‬
‫ي ِإالَّ َعلَى هّللا ِ َوُأ ِم ْرتُ َأنْ َأ ُكونَ ِمنَ ا ْل ُم ْ‬
‫سلِ ِمينَ ﴿‪ ﴾72‬فَ َك َّذبُوهُ فَنَ َّج ْينَ اهُ َو َمن َّم َع هُ فِي ِك‬ ‫سَأ ْلتُ ُكم ِّمنْ َأ ْج ٍر ِإنْ َأ ْج ِر َ‬
‫فَ َما َ‬
‫َو َج َع ْلنَا ُه ْم َخالَِئفَ َوَأ ْغ َر ْقنَا الَّ ِذينَ َك َّذبُو ْا بِآيَاتِنَا فَانظُ ْر َكيْفَ َكانَ عَاقِبَةُ ا ْل ُمن َذ ِرينَ ﴿‪﴾73‬‬
‫ّ‬
‫ولكن استعماله إيّاها في هذا الخط اب‬ ‫استعمل نوح ‪-‬عليه السّالم‪ -‬آليّة النّداء (يا قوم)‪ ،‬وقد سبق الكالم عنها‪،‬‬
‫جاء بعد أن أيِس من إيمان قومه‪ ،‬لذلك وظّف أسلوب ال ّشرط كخيار أوّل يق ّدمه ممهّدا به لتح ّديه لهم‪ ،‬فقال‪ :‬ي ا ق وم‬
‫ث بِ ُمنَ ا َوَأتِكم"‬ ‫إن ك ان عظُم وش ّ‬
‫ق عليكم ط ول إق امتي بينكم ل دعوتكم وت ذكيركم بآي ات هللا‪ ،‬ف إنّي " َغ ْي ُر ُم ْكتَ ِر ٍ‬
‫(الزمخش ري‪ ،1987 ،‬ج‪ ،02‬ص‪ )359‬ألنّي على هللا ت و ّكلت‪ ،‬فـ"بِ ِه ثِقَتِي َوهُ َو َس نَ ِدي َوظَ ْه ِري" (الط بري‪،‬‬
‫‪ ،2001‬ج‪ ،12‬ص‪.)230‬‬
‫ث ّم استعمل آليّة األمر بهدف التّهديد والتّح ّدي‪ ،‬فقال‪( :‬فََأ ْج ِم ُعوا َأ ْم َر ُك ْم َوش َُر َكا َء ُك ْم)؛ أي "اجتمعوا كلُّكم‪ ،‬بحيث‬
‫ال يتخلّف منكم أحد‪ ،‬وال ت ّدخروا من مجهودكم شيًئا‪ .‬وأحضروا شركاءكم الّذين كنتم تعبدونهم وتوال ونهم من دون‬
‫ض وا ِإلَ َّي َواَل تُ ْن ِظ ُرو ِن؛ أي "َأ ْنفِ ُذوا َم ا‬
‫هللا ربّ الع المين" (بن عاش ور‪ ،1984 ،‬ج‪ ،11‬ص‪ ،)240‬وق ال‪( :‬ث ّم ا ْق ُ‬
‫تَ َروْ نَهُ ِمنَ اِإْل ضْ َر ِ‬
‫ار بِي" (بن عاش ور‪ ،)1984 ،‬و"ال تمهل وني س اعة من نه ار" (الس عدي‪ ،2000 ،‬ص‪،)369‬‬
‫وتوجّهوا إل ّي لقتلي‪.‬‬
‫والظّاهر ّ‬
‫أن الغرض التّوجيه ّي من هذه اآلليّة هو صرفهم من مجرّد االستهزاء والسّخريّة ب ه إلى المس ارعة‬
‫إلى إهالكه والفتك به‪ ،‬و"هذا برهان قاطع‪ ،‬وآية عظيمة على صحة رسالته‪ ،‬وصدق ما جاء به‪ ،‬حيث كان وح ده‬
‫ال عشيرة تحميه‪ ،‬وال جنود تؤويه" (السعدي‪ ،2000 ،‬ص‪.)369‬‬
‫وقد استعمل قبل األم ر الثّ اني آليّ ة النّهي‪( :‬اَل يَ ُكنْ َأ ْم ُر ُك ْم َعلَ ْي ُك ْم ُغ َّمةً)‪ ،‬لغ رض ت وجيه ّي‪ ،‬وه و أن يجعل وا‬
‫عداوتهم له مكشوفة‪ ،‬عالنيّة ال خفا ًء؛ أي "لِيَ ُك ْن َأ ْم ُر ُك ْم ظَا ِهرًا ُم ْن َك ِشفًا تَتَ َم َّكنُونَ فِي ِه ِم َّما ِش ْئتُ ْم‪ ،‬اَل َك َم ْن يَ ْخفَى َأ ْم ُرهُ‬
‫فَاَل يَ ْق ِد ُر َعلَى َما ي ُِري دُ" (القرط بي‪ ،1964 ،‬ج‪ ،08‬ص‪ ،)363‬وفي كالم ه ه ذا اس تهزاء بهم وتح ّد لهم‪ ،‬وإل زا ٌم‬
‫للحجّة عليهم‪ ،‬ألنّه يعلم علما يقينيّا أاّل قدرة لهم عليه‪.‬‬
‫ث ّم اس تعمل آليّ ة الع رض‪ ،‬من خالل أس لوب ّ‬
‫الش رط‪ ،‬لي تيح لهم فرص ة أخ يرة‪ ،‬قب ل أن ي دعو هللا عليهم‪،‬‬
‫ي ِإاَّل َعلَى هَّللا ِ َوُأ ِم ْرتُ َأنْ َأ ُك ونَ ِمنَ‬ ‫س َأ ْلتُ ُك ْم ِمنْ َأ ْج ٍر ِإنْ َأ ْج ِر َ‬ ‫مس تعينا بإس تراتيجيّة إقناعيّ ة‪( :‬فَ ِإنْ تَ َولَّ ْيتُ ْم فَ َم ا َ‬
‫ض ا َأ ْعت ُ‬
‫َاض هُ‬ ‫سلِ ِمينَ )؛ أي إن "َأ ْع َرضْ تُ ْم َع َّما َدعَوْ تُ ُك ْم ِإلَ ْي ِه‪ ،...‬فَِإنِّي لَ ْم َأ ْسَأ ْل ُك ْم َعلَى َما َدعَوْ تُ ُك ْم ِإلَ ْي ِه َأجْ رًا َواَل ِع َو ً‬
‫ا ْل ُم ْ‬
‫ْت ِم ْن ُك ْم َعلَ ْي ِه ثَ َوابً ا َواَل َج زَ ا ًء‪ِ( ،‬إنْ َأ ْج ِر َ‬
‫ي ِإاَّل‬ ‫ق َو ْالهُ دَى‪َ ،‬واَل طَلَب ُ‬
‫ي ِإلَى َما َدعَوْ تُ ُك ْم ِإلَ ْي ِه ِمنَ ْال َح ِّ‬
‫ِم ْن ُك ْم بِِإ َجابَتِ ُك ْم ِإيَّا َ‬
‫‪10‬‬
‫َعلَى هَّللا ِ)" (الطبري‪ ،2001 ،‬ج‪ ،12‬ص‪ .)236 ،235‬لكنّهم ّ‬
‫كذبوا‪ ،‬فكان مصيرهم الهالك في ال ّدنيا واآلخ رة‪،‬‬
‫كما تبيّن آنفا‪.‬‬
‫سالم‪ -‬مع قومه في سورة هود‪:‬‬
‫‪ 3.4‬خطاب نوح ‪-‬عليه ال ّ‬
‫وح ا ِإلَى قَ ْو ِم ِه ِإنِّي لَ ُك ْم نَ ِذي ٌر ُّمبِينٌ ﴿‪َ ﴾25‬أن الَّ تَ ْعبُ دُو ْا ِإالَّ هّللا َ ِإنِّ َي َأ َخ افُ َعلَ ْي ُك ْم‬
‫س ْلنَا نُ ً‬ ‫قال هللا تعالى‪َ :‬ولَقَ ْد َأ ْر َ‬
‫ش ًرا ِّم ْثلَنَ ا َو َم ا نَ َراكَ اتَّبَ َع َك ِإالَّ الَّ ِذينَ ُه ْم‬ ‫يم ﴿‪ ﴾26‬فَقَ ا َل ا ْل َمُأل الَّ ِذينَ َكفَ ُرو ْا ِمن قِ ْو ِم ِه َم ا نَ َراكَ ِإالَّ بَ َ‬ ‫اب يَ ْو ٍم َألِ ٍ‬
‫َع َذ َ‬
‫ض ٍل بَ ْل نَظُنُّ ُك ْم َكا ِذبِينَ ﴿‪ ﴾27‬قَا َل يَا قَ ْو ِم َأ َرَأ ْيتُ ْم ِإن ُكنتُ َعلَى بَيِّنَ ٍة ِّمن‬
‫ي َو َما نَ َرى لَ ُك ْم َعلَ ْينَا ِمن فَ ْ‬ ‫ي ال َّرْأ ِ‬
‫َأ َرا ِذلُنَا بَا ِد َ‬
‫سَألُ ُك ْم َعلَ ْي ِه َم االً ِإنْ‬
‫َّربِّ َي َوآتَانِي َر ْح َمةً ِّمنْ ِعن ِد ِه فَ ُع ِّميَتْ َعلَ ْي ُك ْم َأنُ ْل ِز ُم ُك ُموهَا َوَأنتُ ْم لَ َها َكا ِرهُونَ ﴿‪َ ﴾28‬ويَا قَ ْو ِم ال َأ ْ‬
‫ي ِإالَّ َعلَى هّللا ِ َو َمآ َأنَ اْ بِطَ ا ِر ِد الَّ ِذينَ آ َمنُ و ْا ِإنَّ ُهم ُّمالَقُ و َربِّ ِه ْم َولَ ِكنِّ َي َأ َرا ُك ْم قَ ْو ًم ا ت َْج َهلُ ونَ ﴿‪َ ﴾29‬ويَ ا قَ ْو ِم َمن‬
‫َأ ْج ِر َ‬
‫ص ُرنِي ِمنَ هّللا ِ ِإن طَ َردتُّ ُه ْم َأفَالَ تَ َذ َّكرُونَ ﴿‪َ ﴾30‬والَ َأقُو ُل لَ ُك ْم ِعن ِدي َخزَآِئنُ هّللا ِ َوالَ َأ ْعلَ ُم ا ْل َغ ْي َب َوالَ َأقُو ُل ِإنِّي َملَ ٌك‬ ‫يَن ُ‬
‫س ِه ْم ِإنِّي ِإ ًذا لَّ ِمنَ الظَّالِ ِمينَ ﴿‪ ﴾31‬قَ الُو ْا يَ ا‬ ‫َوالَ َأقُو ُل لِلَّ ِذينَ ت َْز َد ِري َأ ْعيُنُ ُك ْم لَن يُْؤ تِيَ ُه ُم هّللا ُ َخ ْي ًرا هّللا ُ َأ ْعلَ ُم بِ َما فِي َأنفُ ِ‬
‫صا ِدقِينَ ﴿ ‪ ﴾32‬قَا َل ِإنَّ َما يَْأتِي ُكم بِ ِه هّللا ُ ِإن شَاء َو َما َأنتُم‬ ‫وح قَ ْد َجا َد ْلتَنَا فََأ ْكثَ ْرتَ ِجدَالَنَا فَْأتَنِا بِ َما ت َِع ُدنَا ِإن ُكنتَ ِمنَ ال َّ‬ ‫نُ ُ‬
‫نص َح لَ ُك ْم ِإن َكانَ هّللا ُ يُ ِري ُد َأن يُ ْغ ِويَ ُك ْم ه َُو َربُّ ُك ْم وَِإلَ ْي ِه ت ُْر َج ُع ونَ ﴿‬
‫ص ِحي ِإنْ َأ َردتُّ َأنْ َأ َ‬
‫بِ ُم ْع ِج ِزينَ ﴿‪َ ﴾33‬والَ يَنفَ ُع ُك ْم نُ ْ‬
‫وح َأنَّهُ لَن‬
‫وح َي ِإلَى نُ ٍ‬ ‫‪َ ﴾34‬أ ْم يَقُولُ ونَ ا ْفتَ َراهُ قُ ْل ِإ ِن ا ْفتَ َر ْيتُ هُ فَ َعلَ َّي ِإ ْج َرا ِمي َوَأنَ اْ بَ ِري ٌء ِّم َّما ت ُْج َر ُم ونَ ﴿‪َ ﴾35‬وُأ ِ‬
‫اط ْبنِي ِفي‬ ‫اص نَ ِع كَ بَِأ ْعيُنِنَ ا َو َو ْحيِنَ ا َوالَ ت َُخ ِ‬
‫س بِ َما َك انُو ْا يَ ْف َعلُ ونَ ﴿‪َ ﴾36‬و ْ‬ ‫يُْؤ ِمنَ ِمن قَ ْو ِمكَ ِإالَّ َمن قَ ْد آ َمنَ فَالَ تَ ْبتَِئ ْ‬
‫َس َخ ُرو ْا ِمنَّا فَِإنَّا‬
‫س ِخ ُرو ْا ِم ْن هُ قَ ا َل ِإن ت ْ‬ ‫صنَ ُع كَ َو ُكلَّ َما َم َّر َعلَ ْي ِه َمٌأل ِّمن قَ ْو ِم ِه َ‬
‫الَّ ِذينَ ظَلَ ُمو ْا ِإنَّ ُهم ُّم ْغ َرقُونَ ﴿‪َ ﴾37‬ويَ ْ‬
‫اب ُّمقِي ٌم ﴿‪َ ﴾39‬حتَّى ِإ َذا‬ ‫اب يُ ْخ ِزي ِه َويَ ِح ُّل َعلَ ْي ِه َع َذ ٌ‬ ‫س ْوفَ تَ ْعلَ ُمونَ َمن يَْأتِي ِه َع َذ ٌ‬ ‫س َخرُونَ ﴿‪ ﴾38‬فَ َ‬ ‫س َخ ُر ِمن ُك ْم َك َما تَ ْ‬
‫نَ ْ‬
‫ق َعلَ ْي ِه ا ْلقَ ْو ُل َو َمنْ آ َمنَ َو َم ا آ َمنَ‬ ‫زَو َج ْي ِن ا ْثنَ ْي ِن َوَأ ْهلَ َك ِإالَّ َمن َ‬
‫سب َ َ‬ ‫اح ِم ْل ِفي َها ِمن ُك ٍّل ْ‬ ‫َجاء َأ ْم ُرنَا َوفَا َر التَّنُّو ُر قُ ْلنَا ْ‬
‫س اهَا ِإنَّ َربِّي لَ َغفُ و ٌر َّر ِحي ٌم ﴿‪َ ﴾41‬و ِه َي ت َْج ِري بِ ِه ْم فِي‬ ‫س ِم هّللا ِ َم ْج َراهَا َو ُم ْر َ‬ ‫َم َعهُ ِإالَّ قَلِي ٌل ﴿‪َ ﴾40‬وقَا َل ْ‬
‫ار َكبُو ْا ِفي َها بِ ْ‬
‫ار َكب َّم َعنَا َوالَ تَ ُكن َّم َع ا ْل َكافِ ِرينَ ﴿ ‪ ﴾42‬قَا َل َ‬
‫سآ ِوي ِإلَى َجبَ ٍل‬ ‫وح ا ْبنَهُ َو َكانَ فِي َم ْع ِز ٍل يَا بُنَ َّي ْ‬ ‫ال َونَادَى نُ ٌ‬ ‫ج َكا ْل ِجبَ ِ‬
‫َم ْو ٍ‬
‫َاص َم ا ْليَ ْو َم ِمنْ َأ ْم ِر هّللا ِ ِإالَّ َمن َّر ِح َم َو َحا َل بَ ْينَ ُه َما ا ْل َم ْو ُج َف َكانَ ِمنَ ا ْل ُم ْغ َرقِينَ ﴿‪﴾43‬‬
‫ص ُمنِي ِمنَ ا ْل َماء قَا َل الَ ع ِ‬ ‫يَ ْع ِ‬
‫استعمل نوح ‪-‬عليه السّالم‪ -‬ألفاظا معجميّة تد ّل على التّوجيه‪ ،‬لينصح قومه‪ ،‬ويوص يهم ب أن يخلص وا العب ادة‬
‫هلل وحده‪ ،‬وأن يتركوا ك ّل ما يُعب ُد من دون هلل‪ ،‬ثم استعمل آليّة ذكر العواقب‪ ،‬وهي آليّة مباش رة ص ريحة‪ ،‬بيّن به ا‬
‫خوفه عليهم من أن يح ّل بهم ع ذاب هللا إن هم لم يجيب وه لم ا دع اهم إلي ه‪َ( ،‬أنْ اَل تَ ْعبُ دُوا ِإاَّل هَّللا َ ِإنِّي َأ َخ افُ َعلَ ْي ُك ْم‬
‫ق لإلن ذار‪ ،‬والم را ُد ب ه ي و ُم‬ ‫يم)‪ ،‬وفي خطابه هذا "تعلي ٌل لموجب النّهي‪ ،‬وتصري ٌح بالمحذور‪ ،‬وتحقي ٌ‬ ‫اب يَ ْو ٍم َألِ ٍ‬
‫َع َذ َ‬
‫القيامة‪ ،‬أو يوم الطوفان" (أبو السعود‪ ،2010 ،‬ج‪ ،04‬ص‪)200‬؛ أي إنّكم "ِإ ِن ا ْستَ ْم َررْ تُ ْم َعلَى َما َأ ْنتُ ْم َعلَ ْي ِه َع َّذبَ ُك ُم‬
‫هَّللا ُ َع َذابًا َألِي ًما ُم ِ‬
‫وجعًا َشاقًا" (ابن كثير‪ ،1999 ،‬ج‪ ،04‬ص‪.)274‬‬
‫لكن السّادة واألشراف من قومه ك ّذبوه بح ّج ة أنّ ه بش ر مثلهم‪ ،‬يتّبع ه أراذلهم وس فلتهم "من غ ير تفك ير وال‬
‫ّ‬
‫رويّة" (السعدي‪ ،2000 ،‬ص‪ ،)380‬والّذين هم "في الحقيقة األش رافُ ‪ ،‬وأه ل العق ول‪ ،‬الّ ذين انق ادوا للح ق ولم‬
‫يكونوا كاألراذل" (السعدي‪ ،2000 ،‬ص‪ )380‬الّذين كفروا‪ .‬واحتجّوا أيضا بأنّه ومن آمن به ليسوا بأفض ل منهم‬
‫حتّى يُص ّدقوهم ويؤمنوا بهم‪.‬‬

‫‪11‬‬
‫وقد واصل نوح ‪-‬عليه السّالم‪ -‬خطابه معهم ‪-‬على الرّغم م ّما سمعه منهم‪ ،-‬فناداهم (يَا قَ ْو ِم)‪ ،‬اس تعطافا لهم‪،‬‬
‫وشفقة عليهم‪ ،‬و"ت َْذ ِكيرًا لَهُ ْم بَِأنَّهُ ِم ْنهُ ْم فَاَل ي ُِري ُد لَهُ ْم ِإاَّل خَ ْي رًا" (بن عاش ور‪ ،1984 ،‬ج‪ ،12‬ص‪ ،)50‬ث ّم اس تعمل‬
‫آليّة االستفهام لتوجيههم وإقناعهم في آن‪ ،‬فقال (َأ َرَأ ْيتُ ْم ِإنْ ُك ْنتُ َعلَى بَيِّنَ ٍة ِمنْ َربِّي َوآتَانِي َر ْح َمةً ِمنْ ِع ْن ِد ِه فَ ُع ِّميَتْ‬
‫الرِّس الَ ِة بِ ْالهُ دَى فَلَ ْم‬
‫صفًا بِ َرحْ َم ِة هَّللا ِ بِ َ‬
‫ح‪َ ،‬و ُمتَّ ِ‬‫اض ٍ‬
‫َان َو ِ‬‫َعلَ ْي ُك ْم َأنُ ْل ِز ُم ُك ُموهَا َوَأ ْنتُ ْم لَ َها َكا ِرهُونَ )؛ أي "ِإ ْن ُك ْنتَ َذا بُرْ ه ٍ‬
‫يق بِهَ ا ِإ ْن َأ ْنتُ ْم‬ ‫اعي بِهَ ا؟‪َ ،‬أيْ بِاِإْل ْذ َع ِ‬
‫ان ِإلَ ْيهَ ا َوالتَّ ْ‬
‫ص ِد ِ‬ ‫َظهَ رْ لَ ُك ُم ْال ُح َّجةُ َواَل َداَل ِئ ُل ْالهُ دَى‪ ،‬فَهَ لْ ُأ ْل ِز ُم ُك ْم َأنَ ا َوَأ ْتبَ ِ‬
‫ت ْ‬
‫تَ ْك َرهُ ونَ قَبُولَهَ ا؟ (بن عاش ور‪ ،1984 ،‬ج‪ ،12‬ص‪ ،)50،51‬وفي خطاب ه ه ذا تع ريض ص ريح‪ ،‬فه و يري د أن‬
‫ي وجّههم إلى أن يس تمعوا إلى كالم ه ويت أ ّملوه دون خلفيّ ات مس بقة‪ ،‬ودون كراهي ة وع داوة منهم‪ ،‬أو رؤي ة إلى‬
‫ق من ربّهم‪ ،‬وأنّه صادق‪.‬‬
‫مكانتهم‪ ،‬ألنّهم إن فعلوا ذلك فسيعلمون أنّه الح ّ‬
‫واالستفهام في قوله‪َ( :‬أ َرَأ ْيتُ ْم)؟ استفهام تقريريّ‪ ،‬وفي قوله‪َ( :‬أنُ ْل ِز ُم ُك ُموهَا)؟ إنك اريٌّ ؛ أي "َأنَْأ ُخ ُذ ُك ْم بِال ُّد ُخ ِ‬
‫ول‬
‫فِي اِإْل ْساَل ِم َوقَ ْد َع َّماهُ هَّللا ُ َعلَ ْي ُك ْم" (الط بري‪ ،2001 ،‬ج‪ ،12‬ص‪ ،)383‬ومس وّغ اس تعمال ه ذا االس تفهام ه و ّ‬
‫أن‬
‫اس تَطَا َع نَبِ ُّي هَّللا ِ نُ و ٌح ‪َ -‬علَ ْي ِه َّ‬
‫الس اَل ُم‪-‬‬ ‫"وهَّللا ِ لَ ِو ْ‬
‫سلطة نوح ‪-‬عليه السّالم‪ -‬كانت أق ّل من س لطتهم‪ ،‬وق د ق ال قت ادة َ‬
‫َأَل ْل َز َمهَا قَوْ َمهُ‪َ ،‬ولَ ِكنَّهُ لم يملك ذلك" (القرطبي‪ ،1964 ،‬ج‪ ،09‬ص‪.)26‬‬
‫ث ّم نادهم ‪-‬عليه السّالم‪ -‬مرّة أخرى (يَا قَ ْو ِم)‪ ،‬ت ذكيرا وتأكي دا على حرص ه على م ا ينفعهم‪ ،‬ث ّم بيّن من خالل‬
‫أن دعوته إيّاهم ليست رغب ة في الم ال‪ ،‬أو في ع رض من أع راض ال ّدنيا حتّى يتّهم وه في‬
‫استعمال آليّة الحجاج ّ‬
‫نصيحته‪ ،‬ث ّم نفى نفيا مطلقا أن يطرد من آمن به بعد أن سألوه ذلك‪ ،‬فقال‪( :‬و َما َأنَا بِطَا ِر ِد الَّ ِذينَ آ َمنُ وا ِإنَّ ُه ْم ُماَل قُ و‬
‫(و َم ا نَ َراكَ اتبع ك ِإالَّ ال ذين هُ ْم‬ ‫َربِّ ِه ْم َولَ ِكنِّي َأ َرا ُك ْم قَ ْو ًم ا ت َْج َهلُ ونَ )؛ وه ذا "ج وابٌ ع ّم ا لوّح وا ب ه حين ق ولهم‪َ :‬‬
‫ص َم ْن آ َمنَ بِاهَّلل ِ َوَأقَ َّر بِ َوحْ دَانِيَّتِ ِه‪،‬‬
‫َأ َرا ِذلُنَا)" (أبو السعود‪ ،2010 ،‬ج‪ ،04‬ص‪ ،)202‬وأراد بخطاب ه‪َ " :‬م ا َأنَ ا بِ ُم ْق ٍ‬
‫َوخَ ْل ِع اَأْلوْ ثَا ِن َوتَبَ َّرَأ ِم ْنهَا بَِأ ْن لَ ْم يَ ُكونُوا ِم ْن ِع ْليَتِ ُك ْم َوَأ ْش َرافِ ُك ْم" (الط بري‪ ،2001 ،‬ج‪ ،12‬ص‪ ،)385‬ويعلّ ل ذل ك‬
‫بأنّهم مالقو ربّهم‪ ،‬وسيثيبهم على إيم انهم بجنّ ات النّعيم‪ ،‬ولكنّكم ق وم تجهل ون‪ ،‬و" ِمن َج ْهلِ ُك ْم َس َأ ْلتُ ُمونِي َأ ْن َأ ْ‬
‫ط ُر َد‬
‫الَّ ِذينَ آ َمنُوا بِاهَّلل ِ" (الطبري‪ ،2001 ،‬ج‪ ،12‬ص‪.)385‬‬
‫ص ُرنِي ِمنَ هَّللا ِ ِإنْ‬‫وعلى شاكلة الخطاب السّابق‪ ،‬عاد نوح واستعمل آليّتي النّداء (يا قوم)‪ ،‬واالستفهام ( َمنْ يَ ْن ُ‬
‫ط َأهُ‬‫طَ َر ْدتُ ُه ْم َأفَاَل تَ َذ َّكرُونَ )؟؛ أي من يمنعني من عذاب هللا إن طردتهم؟‪َ" ،‬أفَاَل تَتَفَ َّكرُونَ فِي َما تَقُولُ ونَ ‪ ،‬فَتَ ْعلَ ُم ونَ خَ َ‬
‫فَتَ ْنتَهُوا َع ْنهُ؟" (الط بري‪ ،2001 ،‬ج‪ ،12‬ص‪ ،)386‬وه و ي وجّههم باالس تفهام األوّل إلى أن يرجع وا عن ق ولهم‬
‫بطرد من آمن معه‪ ،‬ويوجّههم باالستفهام الثّاني إلى أن يتدبّروا األمور‪ ،‬ويتف ّكروا في ما هو أنفع لهم وأصلح‪.‬‬
‫ث ّم ساق نوح ‪-‬عليه السّالم‪ -‬مجموعة من الحجج ر ّدا على م ا واجه وه ب ه من إنك ار‪ ،‬وعلى ال ّذرائع الثّالث ة‬
‫الّتي اتّخذوها لتكذيبه‪ ،‬والهدفُ من هذه الحجج هدايتهم‪ ،‬وإقامة الح ّجة عليهم‪ ،‬وبيان صدق نبوّته‪ ،‬فقال‪َ ( :‬واَل َأقُو ُل‬
‫لَ ُك ْم ِع ْن ِدي َخزَاِئنُ هَّللا ِ َواَل َأ ْعلَ ُم ا ْل َغ ْي َب َواَل َأقُو ُل ِإنِّي َملَ ٌك َواَل َأقُ و ُل لِلَّ ِذينَ تَ ْز َد ِري َأ ْعيُنُ ُك ْم لَنْ يُ ْؤ تِيَ ُه ُم هَّللا ُ َخ ْي ًرا هَّللا ُ‬
‫أن عندي خزائن هللا‪ ،‬حتّى تس تدلّوا‬ ‫َأ ْعلَ ُم بِ َما فِي َأ ْنفُ ِ‬
‫س ِه ْم ِإنِّي ِإ ًذا لَ ِمنَ الظَّالِ ِمينَ )؛ أي ال أقول لكم حين أ ّدعي النّبوّة ّ‬
‫بعدمها على كذبي‪ ،‬وال أ ّدعي معرفة الغيب في قولي إنّي لكم نذير مبين‪ ،‬حتّى تسارعوا إلى اإلنكار‪ ،‬فإنّم ا أخ اف‬
‫ب الّ ذي ي َ‬
‫وحى إل ّي‪ ،‬وال أق ول إنّي مل ك حتّى تقول وا م ا أنت إاّل بش ر مثلن ا‪ ،‬ف ّ‬
‫إن‬ ‫اب يَ وْ ٍم َألِ ٍيم عل َم الغي ِ‬
‫عليكم َع َذ َ‬
‫البشريّة ليست من موانع النّب ّوة‪ ،‬بل من مباديها (أبو السعود‪ ،2010 ،‬ج‪ ،04‬ص‪ ،)203‬وال أقول لمن استحقر ْتهُم‬
‫‪12‬‬
‫ُور ِه ْم‪َ ،‬وا ْعتِقَ ا ِد‬
‫صد ِ‬‫ض َماِئ ِر ُ‬ ‫س ِه ْم)؛ أي "بِ َ‬ ‫أعينكم من ضعفاء المؤمنين (لَنْ يُْؤ تِيَ ُه ُم هَّللا ُ َخ ْي ًرا هَّللا ُ َأ ْعلَ ُم بِ َم ا فِي َأ ْنفُ ِ‬
‫ط ُر ُدهُ ْم‬‫ظهَرُوا اِإْل ي َم انَ بِاهَّلل ِ َواتَّبَ ُع ونِي‪ ،‬فَاَل َأ ْ‬‫ك‪َ ،‬وِإنَّ َما لِي ِم ْنهُ ْم َما ظَهَ َر َوبَدَا‪َ ،‬وقَ ْد َأ ْ‬ ‫قُلُوبِ ِه ْم‪َ ،‬وهُ َو َولِ ُّي َأ ْم ِر ِه ْم فِي َذلِ َ‬
‫َواَل َأ ْستَ ِحلُّ َذلِكَ" (الطبري‪ ،2001 ،‬ج‪ ،12‬ص‪ِ( )387‬إنِّي ِإ ًذا لَ ِمنَ الظَّالِ ِمينَ )‪ ،‬و"هذا تأييس منه ‪-‬علي ه ّ‬
‫الص الة‬
‫والسّالم‪ -‬لقومه أن ينبذ فقراء المؤمنين‪ ،‬أو يمقتهم‪ ،‬وتقنيع لقومه‪ ،‬بالطّرق المقنع ة للمنص ف" (الس عدي‪،2000 ،‬‬
‫ص‪.)381‬‬
‫لقد استعمل نوح ‪-‬عليه السّالم‪ -‬هذه التّوجيهات والحجج‪ ،‬وجادل قومه جداال دام ط ويال‪ ،‬ليص رفهم ع ّم ا هم‬
‫فيه‪ ،‬إاّل أنّهم من فرط جهلهم وضاللهم‪ ،‬ر ّدوا عليه ر ّدا عنيفا‪ ،‬و تح ّدوه بأن يأتيهم بع ذاب هللا‪( ،‬قَ الُوا يَ ا نُ ُ‬
‫وح قَ ْد‬
‫والس خرية من ه‪ ،‬إذ‬‫ّ‬ ‫صا ِدقِينَ )‪ ،‬وقد قصدوا بذلك االستهزاء ب ه‬‫َجا َد ْلتَنَا فََأ ْكثَ ْرتَ ِجدَالَنَا فَْأتِنَا بِ َما تَ ِع ُدنَا ِإنْ ُك ْنتَ ِمنَ ال َّ‬
‫كانوا يعتقدون "َأنَّهُ لَ ْن يَ ْق ِد َر َعلَى َش ْي ٍء ِم ْن َذلِكَ" (الطبري‪ ،2001 ،‬ج‪ ،12‬ص‪.)387‬‬
‫فوجّههم ‪-‬عليهم السّالم‪ -‬باستعمال آليّة ذكر العواقب‪ ،‬بقوله‪ِ( :‬إنَّ َما يَْأتِي ُك ْم بِ ِه هَّللا ُ ِإنْ شَا َء) إلى ّ‬
‫أن الع ذاب ليس‬
‫إليه‪ ،‬إنّما هو إلى هللا تعالى‪ ،‬متعلّ ٌ‬
‫ق بمش يئته‪ ،‬وليس إلى أح د س واه‪ ،‬وال ب ّد أن ي أتيهم الع ذاب إن هم اس تمرّوا في‬
‫ض اللهم وتك ذيبهم‪ ،‬ث ّم ق ال‪َ ( :‬و َم ا َأ ْنتُ ْم بِ ُم ْع ِج ِزينَ )؛ أي‪" :‬ب الهرب أو بالمدافع ة كم ا ت دافعونني في الكالم" (أب و‬
‫السعود‪ ،2010 ،‬ج‪ ،04‬ص‪.)204‬‬
‫ص ِحي إنْ َأ َردْتُ َأنْ َأ ْن َ‬
‫ص َح لَ ُك ْم)‪( ،‬ه َُو َربُّ ُك ْم)‪ِ( ،‬إلَ ْي ِه ت ُْر َجعُونَ )‪ ،‬لي بيّن لهم‬ ‫ث ّم استعمل ألفاظ المعجم (اَل يَ ْنفَ ُع ُك ْم نُ ْ‬
‫أن نصحه إيّاهم لن ينفعهم‪ ،‬ول و ح رص على ذل ك ك ّل الح رص؛ ّ‬
‫ألن "إرادة هللا غالب ة" (الس عدي‪ ،2000 ،‬ص‬ ‫ّ‬
‫‪ ،)381‬فهو ربّهم يفعل بهم ما يشاء‪ ،‬ويحكم فيهم بما يريد (السعدي‪ ،2000 ،‬ص‪ .)381‬فإذا لم تنفعهم نص ائح هللا‬
‫تعالى ومواعظ ه وس ائر ألطاف ه‪ ،‬فكي ف ينفعهم نص ح ن وح ‪-‬علي ه ّ‬
‫الس الم‪ -‬؟ (الزمخش ري‪ ،1987 ،‬ج‪ ،02‬ص‬
‫‪ ،)392‬وهذا ليجعلهم يصرفون النّظر إليه كونه بشرا مثلهم‪ ،‬وأن ينظروا إلى من بي ده مص يرهم وزم ام أم رهم‪.‬‬
‫وقد ح ّل بقوم نوح ‪-‬عليه السّالم‪ -‬العذاب نتيجة إعراضهم وتكذيبهم‪ ،‬فأغرقوا‪.‬‬
‫وفي السّياق ذاته نجد خطابه ‪-‬عليه السّالم‪ -‬مع من آمن به‪ ،‬حين وجّههم باستعمال آليّة األمر إلى الرّكوب في‬
‫ساهَا ِإنَّ َربِّي لَ َغفُو ٌر َر ِحي ٌم)‪ ،‬وبخالف خطابه مع المأل الك افرين‬
‫س ِم هَّللا ِ َم ْج َراهَا َو ُم ْر َ‬
‫ار َكبُوا فِي َها بِ ْ‬
‫السّفينة‪ ،‬فقال‪ْ ( :‬‬
‫فإن من ائتمر بأمره‪ ،‬وص ّدقه في أمر ّ‬
‫الس ماء‪ ،‬ليس ل ه أن ي رفض أم ر‬ ‫من قومه‪ ،‬فقد كانت له هنا السّلطة التّا ّمة‪ّ ،‬‬
‫الرّكوب في السّفينة‪ ،‬وقد ذ ّكرهم ّ‬
‫بأن هذه السّفينة ''تجري على اسم هللا‪ ،‬وترس و على اس م هللا‪ ،‬وتج ري بتس خيره‬
‫وأمره" (السعدي‪ ،2000 ،‬ص‪.)382‬‬
‫كما نجد في اآلية خطابه مع ابنه الّذي كفر وكان مع المغ رقين‪َ ( ،‬ونَ ادَى نُ ٌ‬
‫وح ا ْبنَ هُ َو َك انَ فِي َم ْع ِز ٍل يَ ا بُنَ َّي‬
‫ار َك ْب َم َعنَا َواَل تَ ُكنْ َم َع ا ْل َكافِ ِرينَ )‪ .‬استعمل عليه السّالم آليّة النّداء (يَا بُنَ َّي)‪ ،‬اس تمالة البن ه‪ ،‬وليوجّه ه إلى م ا في ه‬
‫ْ‬
‫نجاته‪ ،‬خاصّة وأنّه يرى الطّوفان رأي العين‪ ،‬وليبيّن له أنّه ال يريد إاّل نفعه‪َ ،‬‬
‫"و َكانَ هَ َذا النِّدَا ُء ِم ْن قَب ِْل َأ ْن يَ ْس تَ ْيقِنَ‬
‫ْالقَوْ ُم ْال َغ َرقَ" (القرطبي‪ ،1964 ،‬ج‪ ،09‬ص‪" )39‬إرشادا له‪ ،‬ورفقا به'' (بن عاشور‪ ،1984 ،‬ج‪ ،12‬ص‪،)76‬‬
‫ير فِي َكوْ نِ ِه َم َح َّل‬ ‫ضافًا ِإلَى يَا ِء ْال ُمتَ َكلِّ ِم‪َ .‬وتَصْ ِغي ُرهُ هُنَا تَصْ ِغي ُر َشفَقَ ٍة بِ َحي ُ‬
‫ْث يُجْ َع ُل َكالص َِّغ ِ‬ ‫و"(بن ّي) تَصْ ِغي ُر (اب ٍْن) ُم َ‬
‫الرَّحْ َم ِة َوال َّشفَقَ ِة" (بن عاشور‪ ،1984 ،‬ج‪ ،12‬ص‪.)76‬‬

‫‪13‬‬
‫ار َكب ّم َعنَا)‪ ،‬وعلى الرّغم من كون ن وح ‪-‬علي ه ّ‬
‫الس الم‪ -‬أب ا ل ه‪ ،‬وك ون الح ال ح ا َل‬ ‫ث ّم استعمل آليّة األمر ( ْ‬
‫غرق‪ّ ،‬‬
‫فإن سلطته عليه لم تكن مطلقة‪ ،‬لذا فقد كان هذا األمر التماسا وتفاوض ا م ع ابن ه ل يركب ّ‬
‫الس فينة‪ ،‬ال أم را‬
‫على وجه االستعالء‪ ،‬ومسوّغ استعماله هو الخوف عليه من الغرق‪.‬‬
‫واستعمل كذلك آليّة النّهي ( َواَل تَ ُكنْ َم َع ا ْل َكافِ ِرينَ )؛ أي ال تبقى على وجه األرض خارج الفلك مع الكافرين‪،‬‬
‫(أبو السعود‪ ،2010 ،‬ج‪ ،04‬ص‪ ،)210‬ومسوّغ استعمال هذه اآللية تحذير االبن من الهلكة م ع الك افرين؛ إذ ّ‬
‫إن‬
‫المعطيات كلّها توحي ّ‬
‫بأن هذا عذاب من عن د هللا س يح ّل بهم‪ ،‬ومن ه ذه المعطي ات‪ :‬كف رهم وتك ذيبهم‪ ،‬وص ناعة‬
‫الس الم‪ّ ،-‬‬
‫لكن الهداي ة‬ ‫السّفينة في البرّ‪ ،‬ث ّم انهمار األمطار‪ ،‬وتفجّر عيون األرض‪ ،‬إضافة إلى تح ذير ن وح ‪-‬علي ه ّ‬
‫بيد هللا‪ ،‬فهذه األمارات كلّها‪ ،‬لم تجعل ابن ن وح ‪-‬علي ه ّ‬
‫الس الم‪ -‬يطي ع أم ره‪ ،‬وق د ك ان ل ه النّاص َح األمين‪ ،‬فق ال‪:‬‬
‫ص ُمنِي ِمنَ ا ْل َما ِء)؛ أي "سأرتقي جبال أمتنع ب ه من الم اء" (الس عدي‪ ،2000 ،‬ص‪ ،)382‬فال‬
‫سآ ِوي ِإلَى َجبَ ٍل يَ ْع ِ‬
‫( َ‬
‫أغرق‪.‬‬
‫َاص َم ا ْليَ ْو َم ِمنْ َأ ْم ِر هَّللا ِ ِإاَّل َمنْ َر ِح َم )؛ أي "ال‬
‫ث ّم وجّهه نوح ‪-‬عليه السّالم‪ -‬باستعمال آليّة ذكر العواقب‪ ( :‬اَل ع ِ‬
‫يعصمك اليوم معتصم قطّ من جبل ونحوه سوى معتصم واحد‪ ،‬وهو مكانُ من رحمهم هللا ونجّاهم يع نى ّ‬
‫الس فينة"‬
‫(الزمخشري‪ ،1987 ،‬ج‪ ،02‬ص‪ ،)397‬وهذه دعوة أخرى منه لكي يركب السّفينة‪ّ ،‬‬
‫لكن عذاب هللا ح ّل عليه كما‬
‫ح ّل على قومه‪َ ( ،‬و َحا َل بَ ْينَ ُه َما ا ْل َم ْو ُج فَ َكانَ ِمنَ ا ْل ُم ْغ َرقِينَ )‪.‬‬
‫سالم‪ -‬مع قومه في سورة المؤمنون‪:‬‬
‫‪ 4.4‬خطاب نوح ‪-‬عليه ال ّ‬
‫وحا ِإلَى قَ ْو ِم ِه فَقَا َل يَ ا قَ ْو ِم ا ْعبُ دُوا هَّللا َ َم ا لَ ُكم ِّمنْ ِإلَ ٍه َغ ْي ُرهُ َأفَاَل تَتَّقُ ونَ ﴿‪﴾23‬‬ ‫س ْلنَا نُ ً‬ ‫قال هللا تعالى‪َ :‬ولَقَ ْد َأ ْر َ‬
‫ش اء هَّللا ُ َأَلن زَ َل َماَل ِئ َك ةً َّما‬ ‫فَقَا َل ا ْل َمُأَل الَّ ِذينَ َكفَ ُروا ِمن قَ ْو ِم ِه َم ا َه َذا ِإاَّل بَ َ‬
‫ش ٌر ِّم ْثلُ ُك ْم يُ ِري ُد َأن يَتَفَ َّ‬
‫ض َل َعلَ ْي ُك ْم َولَ ْو َ‬
‫ين ﴿‪ ﴾25‬قَ ا َل َر ِّب ُ‬
‫انص ْرنِي بِ َم ا‬ ‫س ِم ْعنَا بِ َه َذا فِي آبَاِئنَا اَأْل َّولِينَ ﴿‪ِ ﴾24‬إنْ ُه َو ِإاَّل َر ُج ٌل بِ ِه ِجنَّةٌ فَتَ َربَّ ُ‬
‫ص وا بِ ِه َحتَّى ِح ٍ‬ ‫َ‬
‫ون ﴿‪﴾26‬‬ ‫َك َّذبُ ِ‬
‫الس الم‪ -‬آليّ تي النّ داء‬
‫ورد في سورة المؤمنون خطاب مختصر وجّه ه ن وح إلى قوم ه‪ ،‬وق د اس تعمل ‪-‬علي ه ّ‬
‫واألمر‪( :‬يَا قَ ْو ِم ا ْعبُدُوا هَّللا َ)‪ ،‬وقد س بق الكالم عنهم ا‪ ،‬ث ّم اس تعم ّل التّوجي ه الم ر ّكب‪ ،‬اعتم ادا على مجموع ة من‬
‫اآلليّات معا‪ ،‬وهي‪:‬االستفهام االستنكاري والعرض والتّحضيض والتّخويف وذكر الع واقب‪ ،‬وذل ك في قول ه (َأفَاَل‬
‫تَتَّقُونَ )؟؛ أي‪َ'' :‬أاَل تَخَافُونَ ِمنَ هَّللا ِ فِي ِإ ْش َرا ِك ُك ْم بِ ِه؟ (ابن كثير‪ ،1999 ،‬ج‪ ،05‬ص‪ ، )412‬وأال تخافون أن يزي ل‬
‫نعمه عليكم ويُح ّل عذابه ال ّشديد بكم؟‪" ،‬فيهلككم ويعذبكم‪ ،‬برفضكم عبادته إلى عبادة غيره وكفرانِكم نع َمه ال تي ال‬
‫تحصونها" (البيضاوي‪ ،1998 ،‬ج‪ ،04‬ص‪.)85‬‬
‫ّ‬
‫ويحض هم‪ ،‬وي وجّههم‬ ‫ويذكرهم بضرورة خش ية هّللا تع الى واتّق اء عذاب ه‪،‬‬
‫فنوح ‪-‬عليه السّالم‪ -‬يخوّف قومه‪ّ ،‬‬
‫إلى عبادته وحده ال ش ريك ل ه‪ ،‬لكنّهم أب وا واس تكبروا‪ ،‬ف دعا هللا عليهم‪ ،‬ليح ّل بهم الع ذاب‪ ،‬كم ا بيّنّ ا في اآلي ات‬
‫السّابقة‪.‬‬
‫سالم‪ -‬مع قومه في سورة الشّعراء‪:‬‬
‫‪ 5.4‬خطاب نوح ‪-‬عليه ال ّ‬
‫س و ٌل‬ ‫سلِينَ ﴿‪ِ ﴾105‬إ ْذ قَ ا َل لَ ُه ْم َأ ُخ و ُه ْم نُ ٌ‬
‫وح َأاَل تَتَّقُ ونَ ﴿‪ِ ﴾106‬إنِّي لَ ُك ْم َر ُ‬ ‫قال هللا تعالى‪َ :‬ك َّذبَتْ قَ ْو ُم نُ ٍ‬
‫وح ا ْل ُم ْر َ‬
‫س َألُ ُك ْم َعلَ ْي ِه ِمنْ َأ ْج ٍر ِإنْ َأ ْج ِر َ‬
‫ي ِإاَّل َعلَى َر ِّب ا ْل َع الَ ِمينَ ﴿‪﴾109‬‬ ‫َأ ِمينٌ ﴿‪ ﴾107‬فَ اتَّقُوا هَّللا َ َوَأ ِطي ُع و ِن ﴿‪َ ﴾108‬و َم ا َأ ْ‬
‫‪14‬‬
‫فَاتَّقُوا هَّللا َ َوَأ ِطي ُعو ِن ﴿‪ ﴾110‬قَالُوا َأنُْؤ ِمنُ لَ َك َواتَّبَ َع َك اَأْل ْر َذلُونَ ﴿‪ ﴾111‬قَا َل َو َما ِع ْل ِمي بِ َما َكانُوا يَ ْع َملُونَ ﴿‪ِ ﴾112‬إنْ‬
‫ش ُعرُونَ ﴿‪َ ﴾113‬و َما َأنَا بِطَا ِر ِد ا ْل ُمْؤ ِمنِينَ ﴿‪ِ ﴾114‬إنْ َأنَا ِإاَّل نَ ِذي ٌر ُّمبِينٌ ﴿‪ ﴾115‬قَ الُوا لَِئن‬ ‫سابُ ُه ْم ِإاَّل َعلَى َربِّي لَ ْو تَ ْ‬
‫ِح َ‬
‫وح لَتَ ُكونَنَّ ِمنَ ا ْل َم ْر ُجو ِمينَ ﴿‪ ﴾116‬قَا َل َر ِّب ِإنَّ قَ ْو ِمي َك َّذبُ ِ‬
‫ون ﴿‪ ﴾117‬فَا ْفت َْح بَ ْينِي َوبَ ْينَ ُه ْم فَ ْت ًح ا َونَ ِّجنِي‬ ‫لَّ ْم تَنتَ ِه يَا نُ ُ‬
‫ون ﴿‪ ﴾119‬ثُ َّم َأ ْغ َر ْقنَا بَ ْع ُد ا ْلبَاقِينَ ﴿‪ِ ﴾120‬إنَّ فِي‬ ‫َو َمن َّم ِعي ِمنَ ا ْل ُمْؤ ِمنِينَ ﴿‪ ﴾118‬فََأ َ‬
‫نج ْينَاهُ َو َمن َّم َعهُ فِي ِك ا ْل َمش ُْح ِ‬
‫َذلِ َك آَل يَةً َو َما َكانَ َأ ْكثَ ُرهُم ُّمْؤ ِمنِينَ ﴿‪ ﴾121‬وَِإنَّ َربَّ َك لَ ُه َو ا ْل َع ِزي ُز ال َّر ِحي ُم ﴿‪﴾122‬‬
‫كذبوا نبيّهم ولم يص ّدقوه‪ ،‬وذكر أخوّته لهم (ِإ ْذ قَا َل لَ ُه ْم َأ ُخو ُه ْم نُ ٌ‬
‫وح َأاَل تَتَّقُ ونَ )؟‪،‬‬ ‫أن قوم نوح ّ‬ ‫ذكر هللا تعالى ّ‬
‫إن أخ وّة ال ّدين تقتض ي اإليم ان‬ ‫ب اَل ُأ ُخ َّوةُ ِدي ٍن" (القرط بي‪ ،1964 ،‬ج‪ ،13‬ص‪)119‬؛ إذ ّ‬ ‫وهي "ُأ ُخ َّوةُ ن ََس ٍ‬
‫أن أخوّة النّسب هذه سببٌ معين لنوح ‪-‬عليه السّالم‪ ، -‬وحافز كب ير لي ؤمن ب ه قوم ه؛ فه و‬
‫ك ّ‬‫والتّصديق به‪ ،‬وال ش ّ‬
‫ابن جلدتهم‪ ،‬ولن يدعوهم إاّل إلى ما فيه نفعهم وصالحهم‪.‬‬
‫الس الم‪ -‬في قول ه‪َ( :‬أاَل تَتَّقُ ونَ )؟‪ ،‬والظّ اهر ّ‬
‫أن‬ ‫وقد سبق الكالم عن التّوجيه الم ر ّكب الّ ذي اس تعمله ‪-‬علي ه ّ‬
‫ص رِّينَ َعلَى ْال ُك ْف ِر" (بن عاش ور‪،‬‬
‫"ص د ََر بَ ْع َد َأ ْن َد َع اهُ ْم ِم ْن قَ ْب ُل َو َك ر ََّر َد ْع َوتَهُ ْم؛ ِإ ْذ َرآهُ ْم ُم ِ‬
‫قوله‪َ( :‬أال تَتَّقُ ونَ ) َ‬
‫‪ ،1984‬ج‪ ،19‬ص‪.)158‬‬
‫س و ٌل َأ ِمينٌ )؛ أي ص ادق فيم ا آتيكم ب ه من عن د هللا‬
‫وقد استعمل آليّة حجاجيّة مس اعدة في قول ه‪ِ( :‬إنِّي لَ ُك ْم َر ُ‬
‫ار َأوْ‬
‫تعالى‪ ،‬وقد كان مش هورا باألمان ة فيهم (أب و الس عود‪ ،2010 ،‬ج‪ ،06‬ص‪ ،)254‬وقول ه ه ذا "تَ ْعلِي ٌل لِِإْل ْن َك ِ‬
‫ك َوقَ ْد نَهَ ْيتُ ُك ْم َع ْنهُ َوَأنَا َرسُو ٌل لكم َأ ِمين ع ْند ُك ْم؟" (بن عاش ور‪،1984 ،‬‬
‫يض؛ َأيْ َك ْيفَ تَ ْستَ ِمرُّ ونَ َعلَى ال ِّشرْ ِ‬
‫ض ِ‬‫لِلتَّحْ ِ‬
‫سَألُ ُك ْم َعلَ ْي ِه ِمنْ َأ ْج ٍر ِإنْ َأ ْج ِر َ‬
‫ي ِإاَّل َعلَى َر ِّب ا ْل َعالَ ِمينَ )‪ ،‬ليبيّن السّبب‬ ‫ج‪ ،19‬ص‪ ،)158‬ث ّم ساق حجّة أخرى‪َ ( :‬و َما َأ ْ‬
‫الموجب لطاعته‪ ،‬وأنّه ال يرجو منهم جزاء وال ثوابا‪ ،‬إنّما يرجو ذلك من هللا وحده‪ ،‬فمنتهى ما يريده منهم النّص ح‬
‫لهم‪ ،‬وهدايتهم إلى الصّراط المستقيم‪.‬‬
‫ث ّم استعمل آلية األمر بهدف تحذيرهم‪ ،‬وتوجيههم إلى ما ينفعهم‪ ،‬فق ال (فَ اتَّقُوا هَّللا َ َوَأ ِطي ُع ِ‬
‫ون)‪" ،‬فيم ا آم ركم‬
‫به‪ ،‬وأنهاكم عنه‪ ،‬فإن هذا هو الذي يترتب على كونه رسوال إليهم‪ ،‬أمينا" (السعدي‪ ،2000 ،‬ص‪.)594‬‬
‫وفي قوله (فَاتَّقُوا هَّللا َ َوَأ ِطي ُعو ِن) توجي ه بالنّص ح والوص يّة واالق تراح‪ ،‬وفي ه "تَْأ ِكي ٌد لِقَوْ لِ ِه‪َ :‬أال تَتَّقُ ونَ َوهُ َو‬
‫اطفَتَ ْي ِن‪َ .‬و َك َّر َر ُج ْملَةَ‪ :‬فَاتَّقُوا هَّللا َ َوَأ ِطيعُو ِن لِ ِزيَا َد ِة التَّْأ ِكي ِد فَيَ ُكونُ قَ ِد ا ْفتَتَ َح َد ْع َوتَهُ بِ النَّه ِْي‬
‫ا ْعتِ َراضٌ بَ ْينَ ْال ُج ْملَتَي ِْن ْال ُمتَ َع ِ‬
‫َاح‪ ،‬ثُ َّم َعلَّ َل َذلِكَ بقوله‪َ :‬وم ا َأ ْس َئلُ ُك ْم َعلَ ْي ِه ِم ْن َأجْ ٍر‪،‬‬ ‫ضي ِه ُج ْملَةُ ااِل ْستِ ْفت ِ‬ ‫ك ثُ َّم َأعَا َد َما تَ ْقتَ ِ‬
‫ك التَّ ْق َوى‪ ،‬ثُ َّم َعلَّ َل َذلِ َ‬
‫ع َْن تَرْ ِ‬
‫ال‪ :‬فَاتَّقُوا هَّللا َ َوَأ ِطيعُو ِن َم َّرةً ثَانِيَ ةً بِ َم ْن ِزلَ ِة النَّتِ َ‬
‫يج ِة لِل َّد ْع َو ِة َولِتَ ْعلِيلِهَ ا" (بن‬ ‫ثُ َّم َأعَا َد ُج ْملَةَ ال َّد ْع َو ِة فِي آ ِخ ِر كَاَل ِم ِه ِإ ْذ قَ َ‬
‫عاشور‪ ،1984 ،‬ج‪ ،19‬ص‪.)159‬‬
‫لكن قومه اتّبعوا أه واءهم واس تكبروا‪ ،‬فبع د أن أقيمت عليهم الح ّج ة‪ ،‬ورأوا أنّهم ال يمكنهم الطّعن في ص دقه‬
‫ّ‬
‫وأمانته‪ ،‬احتجّوا بحجج واهية منها قولهم‪َ( :‬أنُْؤ ِمنُ لَكَ َواتَّبَ َعكَ اَأْل ْر َذلُونَ )؟؛ أي كيف "نُقِ رُّ بِت ْ‬
‫َص ِديقِكَ فِي َم ا تَ ْدعُونَا‬
‫ت"؟ (الطبري‪ ،2001 ،‬ج‪ ،17‬ص‪ ،)602‬فأجاب‬ ‫ف َوَأ ْه ِل ْالبُيُوتَا ِ‬ ‫ك ِمنَّا اَأْلرْ َذلُونَ ُدونَ َذ ِوي ال َّش َر ِ‬
‫ِإلَ ْي ِه‪َ ،‬وِإنَّ َما َأتَّبَ َع َ‬
‫ش ُعرُونَ ‪َ ،‬و َما َأنَ ا بِطَ ا ِر ِد ا ْل ُم ْؤ ِمنِينَ ‪ِ ،‬إنْ َأنَ ا ِإاَّل نَ ِذي ٌر‬ ‫( َو َما ِع ْل ِمي بِ َما َكانُوا يَ ْع َملُونَ ‪ِ ،‬إنْ ِح َ‬
‫سابُ ُه ْم ِإاَّل َعلَى َربِّي لَ ْو تَ ْ‬
‫ُمبِينٌ )؛ أي ّ‬
‫إن ما يه ّمني كرسول ظاهر أمرهم دون باطنه‪ ،‬وحسابهم على هللا‪ ،‬وهو أعلم بما خفي منهم‪ ،‬وليس لي‬
‫أن أطرد أحدا منهم آمن بي وصّدقني في ما جئت به‪.‬‬
‫‪15‬‬
‫ث ّم استعمل آليّة التّحذير في محاولة أخيرة منه لدعوتهم‪ ،‬وتعليال لعدم قدرته على طرد من آمن ب ه‪ ،‬فق ال‪ِ( :‬إنْ‬
‫ارهُ‪،‬‬ ‫َأنَا ِإاَّل نَ ِذي ٌر ُمبِينٌ )؛ أي َما َأنَا ِإاَّل نَ ِذي ٌر لَ ُك ْم ِم ْن ِع ْن ِد َربِّ ُك ْم ُأ ْن ِذ ُر ُك ْم بَْأ َسهُ َو َس ْ‬
‫ط َوتَهُ َعلَى ُك ْف ِر ُك ْم به‪ ،‬قَ ْد َأبَنت لَ ُك ْم ِإ ْن َذ َ‬
‫يحتي (الطبري‪ ،2001 ،‬ج‪ ،16‬ص‪ .)203‬لكنّهم ّ‬
‫كذبوه وكفروا به وه ّددوه بالقتل رجما بالحجارة‪،‬‬ ‫ص َ‬‫َولَ ْم أكتمكم نَ ِ‬
‫فدعا عليهم‪ ،‬فكان مصيرهم كما بيّنّا آنفا‪.‬‬
‫سالم‪ -‬مع قومه في سورة نوح‪:‬‬
‫‪ 6.4‬خطاب نوح ‪-‬عليه ال ّ‬
‫وحا ِإلَى قَ ْو ِم ِه َأنْ َأن ِذ ْر قَ ْو َم َك ِمن قَ ْب ِل َأن يَْأتِيَ ُه ْم َع َذ ٌ‬
‫اب َألِي ٌم ﴿ ‪ ﴾1‬قَا َل يَا قَ ْو ِم ِإنِّي لَ ُك ْم‬ ‫س ْلنَا نُ ً‬‫قال هللا تعالى‪ِ :‬إنَّا َأ ْر َ‬
‫س ّمًى ِإنَّ َأ َج َل هَّللا ِ‬ ‫َؤخ ْر ُك ْم ِإلَى َأ َج ٍل ُّم َ‬
‫ون ﴿‪ ﴾3‬يَ ْغفِ ْر لَ ُكم ِّمن ُذنُوبِ ُك ْم َويُ ِّ‬ ‫نَ ِذي ٌر ُّمبِينٌ ﴿‪َ ﴾2‬أ ِن ا ْعبُدُوا هَّللا َ َواتَّقُوهُ َوَأ ِطي ُع ِ‬
‫َؤخ ُر لَ ْو ُكنتُ ْم تَ ْعلَ ُمونَ ﴿‪ ﴾4‬قَا َل َر ِّب ِإنِّي َدع َْوتُ قَ ْو ِمي لَ ْياًل َونَ َها ًرا ﴿‪ ﴾5‬فَلَ ْم يَ ِز ْد ُه ْم ُدعَاِئي ِإاَّل فِ َرا ًرا ﴿‪﴾6‬‬ ‫ِإ َذا َجاء اَل يُ َّ‬
‫اس تِ ْكبَا ًرا ﴿‪ ﴾7‬ثُ َّم‬
‫ستَ ْكبَ ُروا ْ‬
‫ص ُّروا َوا ْ‬ ‫ستَ ْغش َْوا ثِيَابَ ُه ْم َوَأ َ‬ ‫وَِإنِّي ُكلَّ َما َدع َْوتُ ُه ْم لِتَ ْغفِ َر لَ ُه ْم َج َعلُوا َأ َ‬
‫صابِ َع ُه ْم فِي آ َذانِ ِه ْم َوا ْ‬
‫اس تَ ْغفِ ُروا َربَّ ُك ْم ِإنَّهُ َك انَ َغفَّا ًرا ﴿‪﴾10‬‬ ‫س َرا ًرا ﴿‪ ﴾9‬فَقُ ْلتُ ْ‬ ‫س َر ْرتُ لَ ُه ْم ِإ ْ‬ ‫ِإنِّي َدع َْوتُ ُه ْم ِج َها ًرا ﴿‪ ﴾8‬ثُ َّم ِإنِّي َأ ْعلَنتُ لَ ُه ْم َوَأ ْ‬
‫ت َويَ ْج َع ل لَّ ُك ْم َأ ْن َه ا ًرا ﴿‪َّ ﴾12‬ما لَ ُك ْم اَل‬‫ال َوبَنِينَ َويَ ْج َع ل لَّ ُك ْم َجنَّا ٍ‬ ‫س َماء َعلَ ْي ُكم ِّم ْد َرا ًرا ﴿‪َ ﴾11‬ويُ ْم ِد ْد ُك ْم بِ َأ ْم َو ٍ‬
‫س ِل ال َّ‬‫يُ ْر ِ‬
‫ت ِطبَاقً ا ﴿‪َ ﴾15‬و َج َع َل ا ْلقَ َم َر‬ ‫اوا ٍ‬ ‫س َم َ‬ ‫س ْب َع َ‬ ‫ت َْر ُجونَ هَّلِل ِ َوقَا ًرا ﴿‪َ ﴾13‬وقَ ْد َخلَقَ ُك ْم َأ ْط َوا ًرا ﴿‪َ ﴾14‬ألَ ْم تَ َر ْوا َكيْفَ َخلَ َ‬
‫ق هَّللا ُ َ‬
‫اج ا ﴿‬ ‫ض نَبَاتً ا ﴿‪ ﴾17‬ثُ َّم يُ ِعي ُد ُك ْم فِي َه ا َويُ ْخ ِر ُج ُك ْم ِإ ْخ َر ً‬ ‫اجا ﴿‪َ ﴾16‬وهَّللا ُ َأنبَتَ ُكم ِّمنَ اَأْل ْر ِ‬ ‫س َر ً‬ ‫س ِ‬ ‫فِي ِهنَّ نُو ًرا َو َج َع َل ال َّ‬
‫ش ْم َ‬
‫سبُاًل فِ َج ً‬
‫اجا ﴿‪﴾20‬‬ ‫ساطًا ﴿‪ ﴾19‬لِتَ ْ‬
‫سلُ ُكوا ِم ْن َها ُ‬ ‫‪َ ﴾18‬وهَّللا ُ َج َع َل لَ ُك ُم اَأْل ْر َ‬
‫ض بِ َ‬
‫استعمل نوح ‪-‬عليه السّالم‪ -‬آليّتي التّحذير والعرض في قول ه‪ِ( :‬إنِّي لَ ُك ْم نَ ِذي ٌر ُمبِينٌ )؛ أي إنّي أح ّذركم من أن‬
‫يح ّل عذاب هللا بكم‪ ،‬وأظه ر لكم "حقيق ة األم ر" (أب و الس عود‪ ،2010 ،‬ج‪ ،09‬ص‪ ،)39‬وأبيّن لكم "ب أ ّ‬
‫ي ش يء‬
‫تحصل النّجاة" (السعدي‪ ،2000 ،‬ص‪.)888‬‬
‫ث ّم بيّن بم ا تحص ل النّج اة مس تعمال آليّ ة األم ر‪( :‬ا ْعبُ دُوا هَّللا َ َواتَّقُ وهُ َوَأ ِطي ُع ِ‬
‫ون)؛ أي و ّح دوا هللا وأف ردوه‬
‫بالعبادة‪ ،‬وخافوا عذابه‪ ،‬وأطيعون فيما أمرتكم به ونهيتكم عنه‪ ،‬ث ّم بيّن ثمرة ذلك إن هم أجابوه إلى ما دعاهم إلي ه‪،‬‬
‫َؤخ ْر ُك ْم ِإلَى َأ َج ٍل ُم َ‬
‫س ّمًى)‪ ،‬ث ّم وجّههم باستعمال ألفاظ المعجم مخوف ا‬ ‫مستعمال آليّة اإلغراء (يَ ْغفِ ْر لَ ُك ْم ِمنْ ُذنُوبِ ُك ْم َويُ ِّ‬
‫ومحذرا لهم‪ ،‬فقال (ِإنَّ َأ َج َل هَّللا ِ ِإ َذا َجا َء اَل يُ َّ‬
‫َؤخ ُر لَ ْو ُك ْنتُ ْم تَ ْعلَ ُمونَ )‪.‬‬ ‫ّ‬
‫الس الم‪ -‬إلى ربّ ه‪ ،‬وتك ذيب قوم ه ل ه‪ ،‬وم ا عان اه في دعوت ه لهم ليال‬
‫ث ّم جاء في اآلي ة اش تكاء ن وح ‪-‬علي ه ّ‬
‫ونهارا‪ ،‬سرّا وعالنية‪ ،‬واستكبارهم عليه‪ ،‬وتماديهم في ال ّزيغ وال ّ‬
‫ضالل‪ ،‬وجاء فيها ما استعمله نوح ‪-‬عليه السّالم‪-‬‬
‫اس تَ ْغفِ ُروا َربَّ ُك ْم)‪،‬‬
‫من جمع بين اإلستراتيجيّتين التّوجيهيّة واإلقناعيّة؛ إذ إنّه قد وجّه قومهم باستعمال آليّ ة األم ر ( ْ‬
‫ودعاهم إلى التّوب ة من كف رهم‪ ،‬وتوحي د هللا س بحانه‪ ،‬واإلخالص ل ه في العب ادة‪ ،‬وأن يس ألوه مغف رة ذن وبهم‪ ،‬ث ّم‬
‫أغراهم بقوله (ِإنَّهُ َكانَ َغفَّا ًرا)؛ ور ّغبهم بما يترتّب عن استغفارهم من مغف رة لل ّذنوب‪ ،‬وان دفاع للعق اب‪ ،‬وس اق‬
‫بأن هذا الخير ليس إاّل من عند هللا وح ده‪ ،‬فق ال‪:‬‬
‫لهم ما سيأتيهم من خير ال ّدنيا العاجل‪ ،‬مقيما الحجّة عليهم‪ ،‬ومبيّنا ّ‬
‫ت َويَ ْج َع ْل لَ ُك ْم َأ ْن َه ا ًرا)‪ ،‬وق د أغ راهم ب ذلك‬ ‫ال َوبَنِينَ َويَ ْج َع ْل لَ ُك ْم َجنَّا ٍ‬‫س َما َء َعلَ ْي ُك ْم ِمد َْرا ًرا‪َ ،‬ويُ ْم ِد ْد ُك ْم بَِأ ْم َو ٍ‬
‫س ِل ال َّ‬
‫(يُ ْر ِ‬
‫ال‪( :‬هَلُ ُّموا ِإلَى طَا َع ِة هَّللا ِ فَ ِإ َّن فِي طَا َع ِة هَّللا ِ َدرْ َ‬
‫ك ال ُّد ْنيَا‬ ‫ص َعلَى ال ُّد ْنيَا فَقَ َ‬ ‫ألنّه علم ‪-‬عليه السّالم‪ -‬أنّهم "َأ ْه ُل ِح رْ ٍ‬
‫َواآْل ِخ َر ِة" (القرطبي‪ ،1964 ،‬ج‪ ،18‬ص‪.)302‬‬

‫‪16‬‬
‫ث ّم استعمل آليّة االستفهام ( َما لَ ُك ْم اَل ت َْر ُجونَ هَّلِل ِ َوقَا ًرا‪َ ،‬وقَ ْد َخلَقَ ُك ْم َأ ْط َوا ًرا)؟‪ ،‬استنكارا منه لتكذيبهم؛ أي "َأيُّ‬
‫ف ِمنَ هَّللا ِ؟" (القرطبي‪ ،1964 ،‬ج‪ ،18‬ص‪ ،)303‬و(قد خلقكم أطوارا)؛ أي من "نُ ْ‬
‫طفَ ٍة ثُ َّم‬ ‫ك ْال َخوْ ِ‬
‫ع ُْذ ٍر لَ ُك ْم فِي تَرْ ِ‬
‫ِم ْن َعلَقَ ٍة ثُ َّم ِم ْن ُمضْ َغ ٍة" (ابن كثير‪ ،1999 ،‬ج‪ ،08‬ص‪" ،)246‬فالذي انف رد ب الخلق والتّ دبير الب ديع‪ ،‬متعيّن أن‬
‫يفرد بالعبادة والتّوحيد" (السعدي‪ ،2000 ،‬ص‪ ،)889‬وغاية ن وح ‪-‬علي ه ّ‬
‫الس الم‪ -‬من ه ذا تخ ويفهم‪ ،‬وت ذكيرهم‬
‫بعظمة هللا تعالى‪ ،‬وصرفهم عن الكفر به سبحانه‪.‬‬
‫ث ّم زادهم تذكيرا ووعظا‪ ،‬ودعاهم إلى النّظر في ملكوت هللا تعالى وخلقه‪ ،‬فقال مستعمال آليّة االستفهام‪َ( :‬ألَ ْم‬
‫اجا)؟‪ ،‬لينبّههم إلى عظم ة‬ ‫س َر ً‬
‫س ِ‬ ‫ت ِطبَاقًا‪َ ،‬و َج َع َل ا ْلقَ َم َر فِي ِهنَّ نُ و ًرا َو َج َع َل َّ‬
‫الش ْم َ‬ ‫اوا ٍ‬
‫س َم َ‬ ‫ق هَّللا ُ َ‬
‫س ْب َع َ‬ ‫تَ َر ْوا َكيْفَ َخلَ َ‬
‫ق أن يعظّم ويُحبّ‬
‫خلق هذه األشياء‪ ،‬وكثرة منافعها "ال ّدالّ ة على رحمت ه وس عة إحس انه‪ ،‬ف العظيم ال رّحيم‪ ،‬يس تح ّ‬
‫ويعبد ويخاف ويرجى" (السعدي‪ ،2000 ،‬ص‪.)889‬‬
‫ث ّم ساق عليه السّالم حججا وأدلّة أخرى على عظمة هللا تعالى وضعفهم‪ ،‬وحاجتهم إلي ه في جمي ع أح والهم‪،‬‬
‫س اطًا‪ ،‬لِت ْ‬
‫َس لُ ُكوا‬ ‫اج ا‪َ ،‬وهَّللا ُ َج َع َل لَ ُك ُم اَأْل ْر َ‬
‫ض بِ َ‬ ‫فقال‪َ ( :‬وهَّللا ُ َأ ْنبَتَ ُك ْم ِمنَ اَأْل ْر ِ‬
‫ض نَبَاتًا‪ ،‬ثُ َّم يُ ِعي ُد ُك ْم فِي َها َويُ ْخ ِر ُج ُك ْم ِإ ْخ َر ً‬
‫اجا)‪ ،‬فذ ّكرهم ببداية خلقهم‪ ،‬وبموتهم في ال ّدنيا‪ ،‬وبعثهم ونشورهم يوم القيام ة‪ ،‬وذ ّك رهم بم ا س خرّه‬ ‫سبُاًل فِ َج ً‬ ‫ِم ْن َها ُ‬
‫هللا لهم من بسط لألرض لالنتفاع بخيراتها‪ ،‬والسّكن على سطحها‪.‬‬
‫‪ .5‬خاتمة‪:‬‬
‫ّ‬
‫إن دراسة خطابات واحد من أولي العزم من الرّسل يحتاج إلى عزم ش ديد‪ ،‬وق د س عينا من خالل بحثن ا إلى‬
‫رصد آليّات اإلستراتيجيّة الخطابيّة التّوجيهيّة في حوارات نوح ‪-‬عليه السّالم‪ -‬م ع قوم ه‪ ،‬واعتم دنا في ذل ك على‬
‫ّ‬
‫توص لنا من‬ ‫آليّات المنهج التّداول ّي‪ ،‬وما يوفّره من إجراءات عمليّة‪ ،‬تُم ّكن من دراسة اللّغة ح ال االس تعمال‪ ،‬وق د‬
‫خالل البحث إلى النّتائج اآلتية‪:‬‬
‫اجتمعت في نوح ‪-‬عليه السّالم‪ -‬صفات ُخلُقيّة ومؤهّالت تواصليّة‪ ،‬م ّكنته من مواصلة التّخاطب مع قوم ه‬ ‫‪‬‬
‫قريبا من ألف سنة‪ ،‬فعلى الرّغم م ّما القاه من إهانة ورفض وتكذيب فقد ظ ّل على تأ ّدبه ولباقته وتواض عه‬
‫أثناء التّوجيهات الّتي ق ّدمها إلى قوم ه‪ ،‬وبقي محافظ ا على م ا من ش أنه تحقي ق األه داف الخطابيّ ة الّ تي‬
‫أن قومه قد تعالوا عليه‪ ،‬وخرقوا مبدأ التّأ ّدب في تعاملهم معه‪.‬‬
‫أرادها‪ ،‬على الرّغم من ّ‬
‫صرّح نوح ‪-‬عليه السّالم‪ -‬في سورة (األعراف) بدعوة قومه إلى التّوحيد‪ ،‬و أنذرهم وخوّفهم من ع ذاب‬ ‫‪‬‬
‫هللا ونقمته في إطار المحّبة‪ ،‬لذا فقد َأشرب ذلك باستمالتهم باللّين وأواصر القرابة‪ .‬أ ّما في سورة (ي ونس)‬
‫فلم يص رّح بدعوت ه إلى توحي د هللا بص ورة مباش رة‪ ،‬إنّم ا ح اول ذل ك من خالل تح ّدي ه آللهتهم‪ ،‬وبي ان‬
‫ّ‬
‫المكذبين‪.‬‬ ‫صفات هللا ‪-‬ع ّز وجلّ‪ -‬وقدرته وكماله المطلق‪ ،‬وبيان مصير‬
‫الس الم‪ -‬إلى التّوحي د ومك ارم األخالق‪ ،‬بلهج ة تتّس م بالتّهدي د والمخاش نة‬
‫وفي سورة (هود) دعى ‪-‬عليه ّ‬ ‫‪‬‬
‫والتّ رهيب‪ ،‬وعلى ال رّغم من ه ذا اإلن ذار‪ ،‬فق د بقي مش فقا عليهم من ع ذاب هللا‪ .‬وق د زاوج في س ورة‬
‫(المؤمنون) بين التّهدي د واالس تعطاف‪ ،‬وك انت دعوت ه إلى التّوحي د بتعب يرات مباش رة مح ّددة واض حة‬
‫وضوح ما يدعو إليه‪.‬‬

‫‪17‬‬
‫ّ‬
‫وحض هم‬ ‫وأ ّما سورة (ال ّشعراء)‪ ،‬فقد ابتدأ خطابَه فيها بالتّهديد‪ ،‬مبيّنا ّ‬
‫أن مه ّمته التّبليغ‪ ،‬وأنّه رسول أمين‪،‬‬ ‫‪‬‬
‫على تقوى هللا وطاعته‪ .‬وقد جاءت سورة (نوح) محيطة بالوسائل الّتي استعملها في السّور السّابقة لدعوة‬
‫قومه‪ ،‬وكانت بمثابة تقرير أخير يق ّدمه نوح ‪-‬عليه السّالم‪ -‬إلى ربّه بعد أن يئس من اهتداء قومه‪.‬‬
‫استعمل نوح ‪-‬عليه السّالم‪ -‬الحوار كوسيلة خطابيّة لتحقيق مقاص د ك برى‪ ،‬من خالل أس ئلته الّ تي ألقاه ا‬ ‫‪‬‬
‫على قومه‪ ،‬والّتي تثير األذهان‪ ،‬وتوجّه إلى العقيدة الصّحيحة‪.‬‬
‫أن اإلستراتيجيّة التّلميحيّة تكاد تكون منعدمة في خطاب ات ن وح ‪-‬علي ه ّ‬
‫الس الم‪ -‬لقوم ه‪ ،‬فهم‬ ‫كشف البحث ّ‬ ‫‪‬‬
‫قوم عرفوا ب الكفر والفج ور‪ ،‬فم ا ك ان التّلميح لينف ع معهم‪ ،‬ل ذا نج د خطاب ه ‪-‬علي ه ّ‬
‫الس الم‪ -‬ارتك ز على‬
‫اإلستراتيجيّات التّوجيهيّة واإلقناعيّة والتّضامنيّة‪.‬‬
‫تُبيّن لنا اإلشارات القرآنيّة في اآليات الّتي سُقناها مدى التزام نوح ‪-‬عليه السّالم‪ -‬بتطبيق أمر ربّه‪ ،‬ومدى‬ ‫‪‬‬
‫العالقة الّتي تربطه بقومه‪ ،‬ورغبته ال ّشديدة وحرصه على هدايتهم وصالح حالهم‪ ،‬ونجاتهم من العذاب‪.‬‬
‫تجلّت اإلستراتيجيّة التّوجيهيّة في خطابات نوح ‪-‬عليه السّالم‪ -‬مع قومه من خالل أفعال التّوجيه المختلف ة‬ ‫‪‬‬
‫الّتي د ّعمه ا بمجموع ة من اآلليّ ات التّض امنيّة واإلقناعيّ ة‪ ،‬الّ تي بقيت تحكمه ا قواع د التّخ اطب وص يغ‬
‫التّهذيب ومبدأ التّأ ّدب‪.‬‬
‫لم يعتمد نوح ‪-‬عليه السّالم‪ -‬على عامل السّلطة في إستراتيجيّته التّوجيهيّة؛ أي باعتبار أنّه نب ّي مرسل من‬ ‫‪‬‬
‫الس لطة ض عيفة م ع ق وم يرمون ه بالك ذب واالف تراء‪ ،‬إنّم ا اعتم د على عام ل‬ ‫عن د هللا تع الى؛ ّ‬
‫ألن ه ذه ّ‬
‫(القصد)‪ ،‬فهو لم يفرض على قومه العمل بمضمون الخطاب‪ ،‬وإن كان ذلك هدف ه‪ ،‬ل ذا فق د س عى إلى أن‬
‫يبلّغ الرّسالة‪ ،‬ويُف ِهم قو َمه مضمونها‪ ،‬وهذا عينُ ما أمر هللا به أنبياءه‪ ،‬ومص داق ذل ك قول ه تع الى‪( :‬فَ ِإنْ‬
‫(و َم ا‬ ‫{الش ورى‪ ،}48:‬وقول ه‪َ :‬‬ ‫ّ‬ ‫غ ۗ‪) ‬‬ ‫ض وا فَ َم ا َأ ْر َ‬
‫س ْلنَا َك َعلَ ْي ِه ْم َحفِيظً ا ۖ ِإنْ َعلَ ْي َك ِإاَّل ا ْلبَاَل ُ‬ ‫َأ ْع َر ُ‬
‫الس الم‪-‬‬ ‫فإن خطاب ن وح ‪-‬علي ه ّ‬ ‫ظا ۖ‪َ  ‬و َما َأنتَ َعلَ ْي ِهم بِ َو ِكي ٍل) {األنعام‪ .}107 :‬وعليه‪ّ ،‬‬ ‫َج َع ْلنَاكَ ‪َ  ‬علَ ْي ِه ْم‪َ  ‬حفِي ً‬
‫منهج ثابت المقاصد‪ ،‬متغيّر اآلليّات غايته تصحيح االنحراف العقدي‪.‬‬
‫الخطاب القرآن ّي خطاب ثريّ‪ ،‬ومليئ بالفوائد‪ ،‬يُمكن للباحث ‪-‬في أ ّ‬
‫ي مجال أو تخصّص ك ان‪ -‬أن يس تفيد‬ ‫‪‬‬
‫منه‪ ،‬ويفي د ب ه‪ ،‬ولكن ينبغي لن ا التّعام ل م ع الخطاب ات القرآنيّ ة بح ذر ش ديد‪ ،‬وإذا أردن ا تط بيق المنهج‬
‫المفس رين المش هود لهم ب العلم؛ إذ ّ‬
‫إن‬ ‫ّ‬ ‫التّ داول ّي على الخط اب الق رآن ّي‪ ،‬فال ب ّد من الرّج وع إلى كتب‬
‫وقول ما لم‬
‫ِ‬ ‫االعتماد على مجهود المحلّل وفهمه الخاصّ قد يوصلنا إلى تضارب شديد‪ ،‬وافتراء على هللا‪،‬‬
‫يقله‪.‬‬
‫الوصول إلى ما لم يصل إلي ه اآلوائ ل وم ا‬
‫َ‬ ‫إن غاية تطبيق ال ّدراسة التّداوليّة على الخطاب القرآن ّي ليست‬
‫ّ‬ ‫‪‬‬
‫خاص ة ّ‬
‫وأن كث يرين منهم اس تفادوا‬ ‫ّ‬ ‫لم يفهموه‪ ،‬فهم أدرى وأعلم بمقاصد الخطاب‪ ،‬وبوجوه اللّغة العربيّة‪،‬‬
‫من صحبتهم للرّسول ‪-‬عليه الصّالة والسّالم‪ ،-‬وآخرين اس تفادوا من ص حابته ‪-‬رض وان هللا عليهم‪ ،-‬وال‬
‫ب ّد أن نعلم ّ‬
‫أن تطبيق هذه المناهج الحديثة في دراسة الخطاب الق رآن ّي س يفتح أمامن ا آفاق ا جدي دة لتبس يط‬
‫وتيسير فهم كتاب هللا ‪-‬ع ّز وجلّ‪ ،-‬مع إمكانيّة االس تفادة من نت ائج ال ّدراس ات والبح وث في خدم ة مج ال‬
‫تعليميّة اللّغات‪ ،‬وتطوير مهارات وإستراتيجيّات التّواص ل‪ ،‬ويمكن االس تفادة من ذل ك في مج ال التّربي ة‬
‫‪18‬‬
‫والتّعليم‪ ،‬بأن تُخصّص برامج دراسيّة للتّالميذ‪ ،‬لها محتوياتها المنتقاة بعناية‪ ،‬وحجمها ّ‬
‫الس اع ّي المناس ب‪،‬‬
‫وطرائق التّ دريس المناس بة‪ ،‬تك ون الغاي ة منه ا إكس اب المتعلّمين القيم التّربويّ ة واالجتماعيّ ة والنّفس يّة‬
‫والتّواصليّة المستفادة من الخطابات المبثوثة في القرآن الكريم (أبو السعود‪.)2010 ،‬‬

‫‪ .6‬قائمة المراجع‪:‬‬
‫المؤلفات‪:‬‬ ‫‪‬‬
‫‪ -‬أبو الفداء إسماعيل بن عمر بن كثير القرشي البصري ثم الدمشقي (المتوفى‪774 :‬هـ)‪ ،‬تفسير القرآن العظيم‬
‫(ابن كثير)‪ ،‬تحقيق‪ :‬محمد حسين شمس الدين‪( ،‬دار الكتب العلمية‪ ،‬بيروت‪ ،‬لبنان‪ ،‬ط‪1419 ،01‬هـ‪1999 /‬م‪ ،‬ج‬
‫‪.)03‬‬
‫‪ -‬أبو القاسم محمود بن عمرو بن أحمد الزمخشري جار هللا (المتوفى‪538 :‬هـ)‪ ،‬الكشاف عن حقائق غوامض‬
‫التنزيل‪( ،‬دار الكتاب العربي‪ ،‬بيروت‪ ،‬لبنان‪ ،‬ط‪1407 ،03‬هـ‪1987 /‬م‪ ،‬ج‪.)02‬‬
‫‪ -‬أبو المنذر محمود بن محمد بن مصطفى بن عبد اللطيف المنياوي‪ ،‬التمهيد ‪ -‬شرح مختصر األصول من علم‬
‫األصول‪( ،‬المكتبة الشاملة‪ ،‬مصر‪ ،‬ط‪1432 ،01‬هـ‪2011/‬م)‪.‬‬
‫‪ -‬أبو بكر عبد القاهر بن عبد الرحمن بن محمد الفارسي الجرجاني (المتوفى‪471 :‬هـ)‪ ،‬دالئل اإلعجاز في علم‬
‫المعاني‪ ،‬تحقيق‪ :‬محمود محمد شاكر أبو فهر‪( ،‬مطبعة المدني بالقاهرة‪ /‬دار المدني بجدة‪ ،‬مصر‪ /‬السّعوديّة‪،‬‬
‫‪1413‬هـ‪1992/‬م)‪.‬‬
‫‪ -‬أحمد المتو ّكل‪ ،‬الخطاب وخصائص اللّغة العربيّة‪( ،‬دار األمان‪ ،‬الرّباط‪ ،‬المغرب‪ ،‬ط‪1431 ،01‬هـ‪2010 /‬م)‪.‬‬
‫‪ -‬بدر الدين محمد ابن اإلمام جمال الدين محمد بن مالك (ت ‪ 686‬هـ)‪ ،‬شرح ابن الناظم على ألفية ابن مالك‪،‬‬
‫تحقيق‪ :‬محمد باسل عيون السود‪( ،‬دار الكتب العلمية‪ ،‬بيروت‪ ،‬لبنان‪ ،‬ط‪1420 ،01‬هـ‪2000/‬م)‪.‬‬
‫‪ -‬حمدي منصور جودي‪ ،‬الحجاج في كليلة و دمنة البن المقفع‪( ،‬مركز الكتاب االكاديمي‪ ،‬عمان‪ ،‬األدرن‪ ،‬ط‪،01‬‬
‫‪2018‬م)‪.‬‬
‫‪ -‬سيف الدين أبو الحسن علي بن أبي علي بن محمد بن سالم بن محمد اآلمدي (المتوفى‪551 :‬هـ)‪ ،‬اإلحكام في‬
‫أصول األحكام‪ ،‬تحقيق‪ :‬عبد الرزاق عفيفي‪( ،‬دار الصميعي‪ ،‬الرياض‪ ،‬السعودية‪2003 ،‬م‪ ،‬ج‪.)01‬‬
‫‪ -‬عبد الرحمن بن ناصر بن عبد هللا السعدي (المتوفى‪1376 :‬هـ)‪ ،‬تيسير الكريم الرحمن في تفسير كالم المنان‪،‬‬
‫تحقيق‪ :‬عبد الرحمن بن معال اللويحق‪( ،‬مؤسسة الرسالة‪ ،‬بيروت‪ ،‬لبنان‪ ،‬ط‪1420 ،01‬هـ‪2000 /‬م)‪.‬‬
‫‪ -‬عبد الهادي بن ظافر الشهري‪ ،‬استراتيجيات الخطاب‪ :‬مقاربة لغوية تداولية‪( ،‬دار الكتاب الجديد المتحدة‪،‬‬
‫بيروت‪ ،‬لبنان‪ ،‬ط‪2004 ،01‬م)‪.‬‬
‫‪ -‬محمد الطاهر بن محمد بن محمد الطاهر بن عاشور التونسي (المتوفى ‪1393 :‬هـ)‪ ،‬التحرير والتنوير‪ :‬تحرير‬
‫المعنى السديد وتنوير العقل الجديد من تفسير الكتاب المجيد‪( ،‬الدار التونسية للنشر‪ ،‬تونس‪ ،‬دط‪1404 ،‬هـ‪/‬‬
‫‪1984‬م‪ ،‬ج‪.)11‬‬
‫‪19‬‬
‫‪ -‬أبو عبد هللا محمد بن أحمد بن أبي بكر بن فرح األنصاري الخزرجي شمس الدين القرطبي (المتوفى‪671 :‬هـ)‪،‬‬
‫الجامع ألحكام القرآن‪ :‬تفسير القرطبي‪ ،‬تحقيق‪ :‬أحمد البردوني وإبراهيم أطفيش‪( ،‬دار الكتب المصرية‪ ،‬القاهرة‪،‬‬
‫مصر‪ ،‬ط‪1384 ،02‬هـ‪1964 /‬م‪ ،‬القرطب ّي‪ ،‬ج‪.)08‬‬
‫‪ -‬محمد بن جرير بن يزيد بن كثير بن غالب اآلملي أبو جعفر الطبري (المتوفى‪310 :‬هـ)‪ ،‬تفسير الطبري‪ :‬جامع‬
‫البيان عن تأويل آي القرآن‪ ،‬تحقيق‪ :‬عبد هللا بن عبد المحسن التركي‪ ،‬عبد السند حسن يمامة‪( ،‬دار هجر للطباعة‬
‫والنشر والتوزيع واإلعالن‪ ،‬القاهرة‪ ،‬مصر‪ ،‬ط‪1422 ،01‬هـ‪2001 /‬م‪ ،‬ج‪.)10‬‬
‫‪ -‬أبو السعود العمادي محمد بن محمد بن مصطفى (المتوفى‪982 :‬هـ)‪ ،‬تفسير أبي السعود‪ :‬إرشاد العقل السليم‬
‫إلى مزايا الكتاب الكريم‪( ،‬دار إحياء التراث العربي‪ ،‬بيروت‪ ،‬لبنان‪ ،‬ج‪.)03‬‬
‫‪ -‬مح ّمد بن ناصر بن عبد العزيز ال ّشتريّ‪( ،‬دار الحبيب‪ ،‬الرّياض‪ ،‬السّعوديّة‪ ،‬ط‪1420 ،02‬هـ‪1999/‬م)‪.‬‬
‫‪ -‬خالدية محمود جبارة البياع شيرو‪ ،‬التكامل بين النحو والصرف والبالغة في التفسير القرآن (الزمخشري‬
‫أنموذجاً)‪( ،‬دار الكتب العلمية‪ ،‬بيروت‪ ،‬لبنان‪ ،‬ط‪2019 ،01‬م)‪.‬‬
‫‪ -‬محمود عكاشة‪ ،‬تحليل الخطاب في ضوء نظرية أحداث اللغة‪ :‬دراسة تطبيقية آلساليب التأثير واإلقناع‬
‫الحجاجي في الخطاب النسوي في القرآن الكريم‪( ،‬دار النشر للجامعات‪ ،‬القاهرة‪ ،‬مصر‪ ،‬ط‪1435 ،01‬هـ‪/‬‬
‫‪2014‬م)‪.‬‬
‫‪ -‬معن توفيق دحام الحيالي‪ ،‬النداء في القرآن الكريم‪( ،‬دار الكتب العلميّة‪ ،‬بيروت‪ ،‬لبنان‪ ،‬ط‪.)2008 ،01‬‬
‫‪ -‬ناصر الدين أبو سعيد عبد هللا بن عمر بن محمد الشيرازي البيضاوي (المتوفى‪685 :‬هـ)‪ ،‬أنوار التنزيل‬
‫وأسرار التأويل‪ ،‬تحقيق‪ :‬محمد عبد الرحمن المرعشلي‪( ،‬دار إحياء التراث العربي‪ ،‬بيروت‪ ،‬لبنان‪ ،‬ط‪،01‬‬
‫‪1418‬هـ‪1998 /‬م‪ ،‬ج‪.)03‬‬

‫المقاالت‪:‬‬ ‫‪‬‬
‫‪ -‬فوزي نوريّة صالح‪ ،‬الخطاب المسرح ّي في النّقد األدب ّي في الخليج العرب ّي‪ ،‬مجلّة فصول‪ ،‬الهيئة المصريّة‬
‫العا ّمة للكتاب‪ ،‬مصر‪ ،‬المجلد‪ ،16 :‬العدد‪1997 ،03 :‬م‪.‬‬
‫‪ -‬مح ّمد خالد عبد الرّحمان أحمد‪ ،‬عبد السّالم مح ّمد عبد الرّحيم‪ ،‬ظاهرة التّحضيض في اللّغة العربيّة ‪-‬دراسة‬
‫تحليليّة في ضوء القرآن الكريم‪( ،-‬جامعة البطانة‪ ،‬كلّيّة التّربية‪ ،‬السودان)‪.‬‬
‫‪ -‬وداد مح ّمد نوفل‪ ،‬التّواصل وإستراتيجيّات الخطاب اإلعالن ّي وبالغته ‪-‬نماذج تطبيقيّة‪( ،-‬مجلّة بحوث كلّيّة‬
‫اآلداب‪ ،‬كلّية التّربية‪ ،‬جامعة المنصورة‪ ،‬مصر)‪.‬‬

‫‪20‬‬
21

You might also like