Professional Documents
Culture Documents
مفاهيم ونصوص فلسفية 1
مفاهيم ونصوص فلسفية 1
مفاهيم ونصوص فلسفية 1
S1
ذ.محمد مزيان
كلية اآلداب والعلوم اإلنسانية(جامعة ابن طفيل/القنيطرة)
مسلك الفلسفة
الموسم الجامعي2021-2020:
الحصة األولى
مدخـــــــل :
يمكن صياغة سؤال الحقيقة كما تداولته أدبيات التأسيس الفلسفي للذات على اختالف
مشاربها كما يلي :ما الحقيقة؟ ونحن نقصد أن ذلك ينطبق على "ديكارت""،اليبنتز"
و"مالبرانش" .غير أن صيغة السؤال هاته ليست من البداهة في شيء بل إنها كأي
سؤال يبدأ بـ "ماهي؟" فهو يتضمن سلفا حقيقة ما يسأل بشأنه .وبما أن الطلب هنا
هو بشأن الحقيقة فحقيقة الحقيقة هي أصال هنا بوصفها معطى حيث اليحضر
السؤال إال كإجراء تقني دون فائدة فلسفية تذكر،ولعل أن مايؤكد ذلك هوتحديد
"ديكارت" للحقيقة على النحوالتالي":لقد وضعت الطبيعة في الفكراإلنساني بعض
البذوراألولى للحقيقة"( .)1اليخلو هذا التحديد من تأكيد للحقيقة باعتبارها معطى
داخليا حميميا وحده الكفيل بأن يجعل منها محموال لـ"األنا" ،أوكما يقول "ديكارت"
"أنا شيء يفكر :وما معنى شيء يفكر؟أي أني شيء يشك،يتصور،يثبت وينفي،يريد
واليريد ويتخيل كما أنه يحس"( .)2بهذا تصيراألنا ذاتا في اللحظة التي تتحدد بها
كأفكار معطاة فطرة،مثلما في اللحظة التي يوضع فيها الفكر في مقابل الجسد ،العقلي
في مقابل الحسي.
صحيح أنه،في حدود علمنا،لم يرد مصطلح "الذات" أبدا في أعمال "ديكارت" إال
أن تحديده للحقيقة بوصفها فطرة أي باعتبارها أشرف من المعطى المحسوس جعل
األنا فاهمة دون الجسد،فاهمة مكتفية بذاتها دون العالم أي اإلرتقاء باألنا إلى مستوى
الذات .بهذا أصبح العالم يشكل دليل نقص حيث حقيقة األنا كذات لن تستقيم إال
باحتراس العقلي مما هوحسي،من هنا قول"ديكارت" إن "المنهج ضروري من أجل
بحث الحقيقة" ثم يضيف":فيما يتعلق بالمنهج فأنا أقصد بذلك مجموعة قواعد يقينية
وبسيطة حيث مالحظتها الحقيقية تجعل أيا كان اليأخذ أبدا بماهو خاطئ بدل ماهو
صحيح"( .)3الترتقي الفكرة إذن إلى مستوى الحقيقة إال بقدر ما يؤكد المنهج
وضوحها وتميزها،األمرالذي ينطبق على فكرة األنا نفسها ولعل ذلك مايريده
"ألكيي" من قوله "إن فكرة األنا وفكرة هللا هي أكثر حضورا] أكثر بداهة[ من
فكرتي المثلث والدائرة"( .)4مايشد إذن فكرة األنا إلى ذاتها حيث تمثل في تطابقها
وقد استحالت ذاتا هو بداهتها المتأتية من كونها جوهرا في مقابل الجسم،أو كما يقول
"ديكارت"":الطبيعة اإلنسانية هي جوهر متميز تماما عن الجسم ...فنحن نعرف
بجالء أننا لكي نكون لسنا في حاجة إلى اإلمتداد وال إلى الشكل وال إلى أي مكان...
وبهذا فنحن نوجد ألننا نفكر"( .)5إن الحقيقة عموما هي كذلك بقدرما هي
عقلية،وحقيقة الذات إذن هي أنها فكر،نشاط عقلي فطري .وبقدرما أنها كذلك فهي
تكتسب يقينها من اكتفائها بذاتها.
حقيقة الذات إذن أنها اكتفاء ذاتي بما يترتب على ذلك من إحقاق لسموها بين عموم
الكائن .وليس صدفة أن تتح ّدد هذه الحقيقة بما هي عطاء الذات،تتح ّدد بوصفها قدرة
على الحكم .الحكم هوسيرورة تعكس إجراءات اإلحتراس من السقوط في الخطأ
حيث ما يفتأ الحسي يتربص بما هو عقلي،لذلك يقتضي الحكم الحدس العقلي أوال ثم
اإلستنباط ثانيا .ينصب الحدس على الطبائع البسيطة التي تدركها الفاهمة على نحو
مباشرأي أنها تمثل بوصفها بداهة بما يميز البداهة من قوة الحضور المباشر للفكرة
في الذهن؛ويشكل هذا الحضورـ الذي ليس إال حضورا للذات أمام ذاتهاـ منطلق
اإلستنباط .لذلك قال "ألكيي" "اإلستنباط وإن كان استدالليا فهو يتحقق من خالل
عالقات مدركة حدسيا بحيث أن تعرف هو أن ترى"( .)6الرؤية العقلية التي تتالفى
الرؤية الحسية من خالل الحدس واإلستنباط العقليين وذلك بغاية اإلثبات الخالص
للذات بوصفها اكتفاءا ذاتيا،وعيا مغلقا.
إن مايؤكد ذلك أكثر هو آلية الشك التي تفيد بضرورة التحقق الدائم من الطبيعة
الخالصة المغلقة للذات،وهو شك إرادي يعلن في كل مرة عن مولد الذات من حيث
إنها إرادة تريد الحكم من خالل الحدس واإلستنباط بشأن ماهية األشياء،إنها إرادة
الحكم على األشياء بمعزل عنها هذا مادام أن الحكم اليصبح متأتيا إال بإجراء درئ
المحسوس باعتباره باعثا على الخطأ،وهذا مايريده "ألكيي"من قوله":يتعلق األمر
إذن بالشك أي باإلنفصال عن الكائن وإثبات الذات من خالل نفي كل عالقة
بالخارج .هكذا فإن الكوجيتو يثبت ذاته من خالل الشك في الموضوع" ثم
يضيف":تجعلنا دراسة الحرية نفهم لماذا اليمكن لإلنسان أن يتأكد إال من خالل
عملية النفي"(.)7
التتأكد إذن ا لذات إال بنفي العالم إنها في جوهرها إرادة نفي،فذلك هو معنى الحرية
عند "ديكارت" .الحرية بوصفها محموال أساسا لإلرادة تلزم اإلرادة على الحكم ،فـ
" أن تكون حرا يعني أن تكون قادرا على اإلختيار"( .)8من هنا امتعاض
"ديكارت" من الطابع الالمبالي الممكن لألنا،امتعاض نلمسه ضمن قوله":الالمباالة
التظهر إال باعتبارها الدرجة األدنى من الحرية فهي بذلك ليست جهال،إنها كشف
عن نقص في المعرفة أكثرمن أن تكون كماال لإلرادة"(.)9
تتشكل األنا بوصفها ذاتا من خالل سيرورة اإلقصاء فهي قوة نفي،ولكي تتشكل
األنا كذات يلزم إثبات مبدئية العقلي بالنظر إلى الحسي بما يقتضيه ذلك من تسييد
للذات كحكم يتحكم في مصير الكون .فالحكم هنا ليس من التأمل النظري في شيء
،بل إنه فعل بماهو تحديد لماهية الشيء كمدخل لتقرير صيغة استخدامه والتعامل
معه .فلم تكن أطروحة "ديكارت" تقتصر على تحديد الحقيقة باعتبارها يقينا بل إن
تحديدها ذاك ما كان له أن يستقيم دون عالقة المفاضلة بين المعقول والمحسوس مما
سمح بمحاكمة العقلي للحسي باعتباراألول شرطا للحقيقة والثاني باعثا على
الخطأ؛بل إن هذه المفاضلة هي األصل البعيد لتشكل األنا ذاتا -فاهمة تعبث باألشياء
وبمصائرها.
هكذا نتبي ن أن ادعاءات الذات بوصفها جوهرا عاقال اليخلو من مغامرة بالنظر إلى
مفاعيله العملية،فتحديد األنا باعتبارها عقال خالصا يترتب عليه مولد الذات
باعتبارها إرادة وحرية هما شرح للحكم كتحكم في الكائن.
إنه مهما سجّلنا من اختالفات بين "ديكارت" و"اليبنتز" فالثابت المشترك بينهما
يظل هو تحديد الذات بوصفها وعيا حميميا مطلقا .وإذا كان الحدس العقلي
واإلستنباط كفيلين ببحث سؤال الحقيقة عموما وحقيقة الذات خصوصا عند
"ديكارت" فإن طرح سؤال الحقيقة عند "اليبنتز" ارتهن باإلرث المنطقي األرسطي
الذي كان "ديكارت" يتفاداه ألسبابه الخاصة.
الئحة المراجع
انتهى