Professional Documents
Culture Documents
الخصوصية والكونية
الخصوصية والكونية
يقر بودريار أن دينامية الكوني كتعالي ،كغاية مثالية و كأوطوبيا تفقد كنهها عندما تتحقق ،خاصة
وأن الكونية التي تحققت في ظ ّل العولمة ليست كونية حقه ،وإنما هي ادعاء للكونية ،إنها العولمة
المتنكرة في ثوب الكونية .ومن هذا المنطلق يشدد بودريار على التقابل بين العولمة والكونية .ألن
العولمة ليست إالّ ا ّدعا ًء للكونية ذلك أن العولمة تتعلق بالجانب االقتصادي والتجاري ،إذ هي
"كونية" السوق والسياحة واإلعالم" ،كونية" تشيّؤ اإلنسان وتنميطه" ،كونية" عنف محض يعمل
.على إقامة عالم متحرّر من ك ّل قيمة إنسانية لفائدة االستهالك
أما الكونية فإنها كونية القيم اإلنسانية الثابتة ،كونية الحرية والديمقراطية وحقوق اإلنسان ،كونية ال
تكون كذلك إال كفكرة و كغاية مثالية .لكن هذا التقابل بين الكوني والعالمي ليس إال تقابال من جهة
الحق ألن الواقع هو واقع عولمة الحرية والديمقراطية وحقوق اإلنسان ،ذلك أن هذه القيم اإلنسانية
أصبحت بضائع تر ّوج وتعبر الحدود كأي منتوج عالمي ،لذلك يرى بودريار أن مرآة الكوني قد
تكسّرت «ألن الكوني كان فكرة ،تنتحر كفكرة ،كغاية مثالية ،عندما تتحقق في العولمي» .ولكن
بودريار ال ينظر إلى تكسّر هذه المرآة باعتباره خسرانا ألن الخصوصيات التي وقع دهسها في
.العولمة انبثقت ،من حسن حظ اإلنسان ،من جديد في شظايا هذه المرآة المكسرة
إن مفارقة الكوني التي أحالنا عليها "هيغل" و المتمثلة قي كون الكوني يتجذر في الخصوصي و
الفردي يضيف إليها "بودريار" مفارقة dأخرى ،مفارقة تحطم الكوني عند تحققه .و لذلك كان
الكوني لـ"بودريار" مجرد اطوبيا تغنت به الحداثة و نظرت إليه و من هنا يميّز "بودريار" بين
كونية عصر التنوير التي ينظر إليها "كانط" من حيث هي كونية إنسانية تبقي على االختالف و
الكونية كما تحققت في العولمة باعتبارها تدمير كل اختالف و دمج بالقوة لكل الثقافات ,قتل
الثقافات و الخصوصية و إعالن شبه كونية تجسدت في عولمة القيم الغربية ,لذلك فان العولمة
ليست شيئا آخر غير الخصوصية الغربية المدعية للكونية .فهذه الثقافة الغربية التي كانت حبلى
بالكوني ،جاءها المخاض فولدت العولمة و ماتت هي بدورها .و لذلك يقر "بودريار" إن الثقافاتd
األخرى كان موتها رحيما ألنها ماتت من فرط خصوصيتها في حين كان موت الثقافة الغربية موتا
شنيعا ألنها فقدت كل خصوصية عبر استئصال كل قيمها السمحة في إطار العولمة و هكذا
".يستخلص "بودريار" إن " الكوني يهلك في العولمة
لكن هل يجب أن نعلن انتصار العولمة و نصرها ؟ هل أن العولمة باتت قدرا ال مناص منه ؟ إن
األمر سابق ألوانه بالنسبة لـ "بودريار" ،ذلك أن الخصوصيات التي اعتبرت مهددة و ماتت أو
كادت انتعشت ,و الخصوصيات التي اعتقدها الغرب قد اندثرت انبعثت من جديد ،لذلك يرى
"بودريار" ضرورة االنتباه و االحتراس مما يروج له إعالم العولمة من أن كل مقاومة للعولمة
ليست إال رفضا قديما و مهجورا للحداثة باسم األصالة .و ذلك أوال الن العولمة ال تمثل الحداثة أو
هي حداثة ساقطة و ثانيا الن حركات المقاومة dهذه هي حركات dأصيلة تتحدى هيمنة الكوني في
شكله المعولم ,هذه المقاومة تتجاوز االقتصاد و السياسة بما هي نوع من المراجعة dالممزقة لما
يعتقد انه مكتسبات الحداثة ,ممزقة لفكرة التقدم و التاريخ كما تتجلى في العولمة ,فحركات dالمقاومةd
هذه هي رفض ال فقط للبنية التقنية العالمية و لكن ايضا رفض للبنية الذهنية التي تدعي توحيد كل
.الثقافات و كل القارات تحت عالمة الكوني المعولم
و تمثل هذه المقاومة في منظور " بودريار" انبجاسا جديدا للخصوصية ,انبجاسا يمكن أن يأخذ
شكل مظاهر عنيفة أو مرضية أو حتى ال عقالنية من منظور العولمة ،فتنبجس في شكل عرقي أو
ديني أو لغوي و لكن أيضا تنبجس في المستوى الفردي في شكل سلوك مزاجي أو حتى عصابي ,و
لذلك يرى " بودريار" انه من الخطأ أن نعتبر هذه المقاومة حركات شعبية معزولة و مهجورة أو
حتى حركات ارهابية فبالنسبة لـ " بودريار" كل ما يحدث اليوم من مناهضة للعولمة هو عالمة
ص ّح ة ,عالمة تمنع العولمي من إعالن انتصاره .و في هذا المنظور يجذر " بودريار" عداوة
اإلسالم للقيم الغربية المعولمة و يعتبر أن اإلسالم هو االحتجاج dاألكثر حدة للعولمة الغربية و لذلك
يعتبر "العدو رقم واحد" لثقافة dالعولمة .و يالحظ " بودريار" ان الغرب اذا لم يدرك هذا فان
اإلنسانية ستذوب في نوع من القبضة الحديدية بين فكر يدعي الكونية ,فكر متيقن من قوته و
خصوصيات غير قابلة للعولمة ,خصوصيات يتزايد عددها يوما بعد يوم .إذ أن المجتمعات التي
تالقحت مع العولمة ال تخلو من حركات dالمقاومة ،ذلك أن ما وقع التضحية به في هذه المجتمعات
في سبيل العولمة لم يمت و إن كان قد انزوى في نوع من التخفي الفاقد للشرعية القانونية .و هذه
.المقاومة dتمثل في معنى ما "مجرم العولمة" التي تالحقها في كل بقاع العالم
و هكذا ينتهي " بودريار" إلى اإلقرار بتصدع العولمة بل حتى اإلقرار بأن تصدعها في العمق
يسير بنسق أسرع من نسق فرضها بالقوة ,فالعولمة لم تنتصر ،و اإلنسانية اليوم أمام وضع معقد و
مركب من ثالث حدود هي عولمة التبادالت ,و كونية القيم و خصوصية اإلشكال الثقافية ,و هذه
الوضعية تتغير بفقدان القيم الكونية لسلطتها و شرعيتها ,ذلك انه كلما تقدمت هذه القيم كقيم وسيطة,
إال و نجحت في ضم الخصوصيات كاختالفات في ثقافة كونية لالختالف و لكن هذه القيم تتراجع
اليوم الن العولمة تقضي على االختالف و على كل القيم بوحشية لذلك يتحسّر " بودريار" على
وضع اإلنساني اليوم و يعتبر أن الكوني كان أمام فرصة تاريخية غير أن الحرية و الديمقراطية و
حقوق اإلنسان خسرت مواجهتها للعولمة من جهة و المقاومة الخصوصية من جهة أخرى ,و رغم
كون وضعية القيم الكونية تبدو اليوم متدهورة فان " بودريار" يعتبر أن العولمة لو تحسم األمر بعد
و لن تحسمه بما أن رهانات الكوني الذي انهزم أمام العولمة تواصلها هذه القوى غير المتجانسة و
المختلفة بل و المتناقضة و غير القابلة لالختزال التي تمثلها المقاومة
الخصوصية والكونية
شعب علمية
تلخيص مادة الفلسفة
الخصوصية والكونية
---------------------------------------------------------------------------------
:مدخل إشكالي
ال أحد يزايد ،اليوم ،في ظ ّل الثورة االتّصالية والمعلوماتية والعولمة االقتصادية ،على ّ
أن العالم قد
تح ّول إلى قرية كونية بالمعنى الجغرافي تتداخل وتتكامل فيها مصالح ومصائر الشعوب على نحو
لم يكن له نظير في العصور القديمة .فقد ولّى بالنسبة للشعوب والجماعات عصر التقوقع واالنغالق
على الذات وح ّل محلّه عصر االنفتاح والتفاعل مع الشعوب األخرى على وجه االختيار
أن لهذا الواقع الحضاري الجديد مزايا ومخاطر :فهو بقدر ما أفاد واالضطرار .ومن المؤ ّكد ّ
الشعوب من جهة التواصل والتثاقف والتكامل االقتصادي وأيقظ الحلم الجماعي بتحويل األرض
"وطنا للجميع" وبجعل الفرد ـ أيّا كانت ثقافته ووضعه السياسي واالقتصادي المحلّي ـ "مواطنا
عالميا" ،بقدر ما طرح ،على أرض الواقع ،من تح ّديات وأزمات عنيدة تتعلّق بالهوية وشروط
حفظها d،وباللقاء باآلخر وكيفية إدارته على نحو يجنّب الشعوب فواجع الحرب واالصطدام
إن مجمل هذه المشكالت يختزلها التوتّر بين الخصوصيّة والكونيّة الذي يع ّد عنوانا جامعا والهيمنةّ .
لكافّة الصراعات االقتصادية والثقافية والسياسية التي أفرزها الواقع الحضاري الجديد بين
.الشعوب
فهل من تعريف للخصوصية على مستوى الوجود الفردي والجماعي؟ هل يفترض حفظ
الخصوصيّة االنغالق ورفض اآلخر؟ dألم يفضي خيار المركزية اإلثنية والثقافية إلى إشعال حروب
صب بين الشعوب والجماعات dوتحويل لقائها إلى صدام قاتل للجميع ؟ لكن في العنصرية والتع ّ
مقابل ذلك إذا اعتبرنا انفتاح الشعوب على بعضها على الرغم من تن ّوع ثقافاتها ونظم عيشها
ّ
وتغذيها اليوم الثورة االتّصالية والعولمة أال يؤ ّدي ذلك ضرورة تمليها استحالة العيش في العزلة
إلى االستالب وتف ّكك الخصوصية وفقدانها ؟ أال يمثّل االنفتاح على الغيريّة الحضاريّة مغامرة قد
يكون ثمنها فقدان الهوية؟ هل العولمة ـ وهي اإلطار ال ّراهن النفتاح الشعوب على بعضها وتفاعلها
االقتصادي والثقافي dـ تجسيد حقيقي للكونية وتكريس لوحدة اإلنسانية ومصيرها المشترك أم أنّها
تؤسّس لعالقات هيمنة بين الشعوب وتنذرها جميعا وعلى ح ّد السواء بموت خصوصيتها ؟ ما
السبيل إذن للمصالحة بين الخصوصية والكونيّة ؟ هل باإلمكان جعل لقاء الشعوب ،على تن ّوع
ثقافاتها ،لقاء حاضنا ومفيدا للجميع بدل أن يكون قاتال للجميع ؟ ما هي شروط الفوز بكونية
تستوعب الخصوصية والتن ّوع وتفعلّهما من أجل تكريس وحدة اإلنسانية ،وتأصيل القاعدة االيتيقية
ق أكثر من غيره في التمتّع بمنافع األرض"؟ ي إنسان ح ّ القائلة "ليس أل ّ
:ـ في داللة الخصوصية /الكونية 1
الخصوصية بصورة عامة هي ك ّل الصفات التي ينفرد بها كائن ما وتميّزه عن غيره ،مطبقّة على
:اإلنسان يمكن التمييز بين
خصوصية فردية = هوية فردية = جملة الصفات المادية والمعنوية الذاتية والموضوعية التي تبقي
.الشخص هو عينه في خضّم التغيّرات التي تطاله والتي تسمح له بقول أنا
خصوصية جماعية = هوية ثقافية = هي أنظمة العيش والتفكير المشتركة بين أفراد جماعة ما
وتسمح لهم بقولنحن وهي تشمل العادات والعقائد والرموز الدينية واللغوية والفنّية والماضي
المشترك .وهي ما يكرّس تن ّوع الجماعات dالبشرية واختالفها عن بعضها ،عادة ما يتالزم الوعي
:بالهوية الشخصية والثقافية
حبّ الذات إالّ في حاالت تأ ّزم الهوية *
الشعور باالستقاللية عن الغير والسّيادة على الذات *
الشعور بالكرامة وهي االعتزاز بالذات وانتظار االحترام من طرف الغير *
Particularismeوبين النزعة الخصوصية Particularitéيجب التمييز أيضا بين الخصوصية
وهي الموقف الفكري الذي يدافع عن الخصوصية إزاء التن ّوع
الكونيّة كلمة تحيل إلى القواسم المشتركة بين البشر على اختالفهم العرقي والثقافي .تستخدم في
سياق وصفي في معنى الصفات اإلنسانية المشتركة بين أفراد النوع البشري وفي سياق معياري في
،معنى اآلمال اإلنسانية المشتركة في الحرية والكرامة والسّلم والتضامن
إذا كانت الهوية الشخصية تحيل على ك ّل ما ينتمي إلى الذات ويجعلها مستقلّة عن الغير وسيّدة
نفسها واله ّوية الثقافية تعني ك ّل ما يؤسّس ويك ّرس انتماء الذات إلى جماعة ّ
فإن الكونية تعني ك ّل ما
يو ّحد أفراد وجماعات النوع البشري في إطار تن ّوعهم العرقي والثقافي
ما الذي يب ّرر النظر في عالقة الخصوصية والكونية في المجال البيثقافي ؟
ـ في ضرورة التفاعل بين الجماعات وتح ّدياته 2
مثلما ال يقدر الفرد على حياة العزلة ال تقدر أي جماعة على العيش معزولة عن الجماعاتd
األخرى .فالتواصل مع اآلخر الحضاري أخذا وعطاء حتمية أنتروبولوجية يفرضها واقع الحياة.
وقد يكون التفاعل /التثاقف سلميا في صورة تبادل تجاري وفكري وقيمي ومصاهرة وتحالفات
سياسية وعسكرية كما يمكن أن يكون تفاعال عدائيا /صداميا يهدف إلى الهيمنة واالدماج
واالستعمار .ما هي التح ّديات التي تواجه الجماعات عند مالقاتها ببعضها ؟
اللقاء باآلخر الحضاري وإن كان ضرورة تاريخية فهو ليس بالضرورة إيجابيا على الدوام .بل هو
":امتحان صعب" و"مغامرة" تحدق بها الكثير من المخاطر .لع ّل أبرزها كما ح ّددها ريكور
خطر الريبية :أي فقدان الجماعة للثقة في أنظمتها الثقافية التي تكرّس خصوصيتها تحت تأثير
االنبهار باآلخر أو بدافع االقتداء والتشبّه به
خطر التلفيقية :اضطرار الجماعة تحت تأثير الجماعات dاألخرى المحت ّكة بها إلى التلفيق بين
خصوصيتها المحلّية ونظم عيش اآلخرين ما يصيب الهوية الجماعية بالتأ ّزم والتص ّدع واالنفصام
خطر الصراع من أجل الهيمنة :اضطرار الجماعة dإلى التزام استراتيجية دفاعية أو هجومية تجاه
اآلخر الحضاري خوفا من الهيمنة والغلبة أو طلبا لها ويتع ّمق هذا الخطر dخصوصا في حالة انعدام
.توازن القوى بين الجماعات dالمتفاعلة
ما الذي ّ
يغذي عالقات الهيمنة بين الخصوصيات الثقافية ؟ ما الذي يجعل من لقاء الجماعات dلقاء
قاتال للجميع ؟
ـ المركزية االثنيّة والثقافية 3
المركزية االتنية والثقافية تعني االستعالء العرقي والثقافي واحتكار صفة اإلنسانية من طرف
جماعة معيّنة تجاه اآلخرين هي النظر إلى التن ّوع العرقي والثقافي على أنّه ظاهرة مثيرة
لالشمئزاز واالحتقار .وهي الموقف األكثر رسوخا وتأثيرا على عالقات الشعوب والجماعات كما
أ ّكد على ذلك كلود ليفي ـ ستروس
أمثلة :قديما بعض القبائل تطلق على نفسها أسماء "الناس" "الطيّبون" "الممتازون" بينما تطلق
"على الجماعات dاألخرى "األشرار" "قرود األرض" "بيض الق ّمل
في الماضي القريب :كان اليونان والرومان يطلقون على األجانب اسم "البربري" /الهمجي
في العصر االستعماري الحديث :كان الغرب يطلق على الس ّكان األصليين للبلدان التي استعمروها
اسم
المتو ّحشون" بم تب ّرر المركزية االتنية نفسها ؟"
:عادة ما تتأسّس المركزية االتنية بما تعنيه من رفض للتن ّوع الثقافي dوالعرقي على وهمين
ضلت أعراقا بشرية على أخرى كما هو شأن نظرية قوبينو حول وهم علمي مفاده ّ
أن الطبيعة ف ّ
تفاوت األعراق البشرية وحول أفضلية البيض على المل ّونين
وهم ديني مفاده ا ّدعاء بعض الجماعات أنّها شعب هللا المختار ّ
وأن رسالتها هي أن تخضع باقي
الشعوب لسلطانها
ما هي المخاطر المترتّبة عن المركزية االتنية ؟
:يفضي انتظام عالقات الجماعات البشرية على أساس المركزية االتنية إلى
"اإلقصاء المتبادل "فالبربري من يعتقد في وجود البربرية
تشريع التع ّ
صب والعنصرية ورفض اآلخر
تبرير الحرب والغزو وعالقات الهيمنة
منع التعايش والتثاقف وتحويل لقاء الجماعات dإلى صدام دموي من أجل الهيمنة
تأجيل أو تعطيل تحقيق الكونية
إذا كان االنغالق والتعصّب مب ّرر عنف وحرب بين الجماعات فهل االنفتاح شرط كاف للح ّد من
ذلك ؟ هل مثل ما شهده العالم اليوم من ثورة اتّصالية وعولمة سبيل لجعل العالم وطنا للجميع ؟ هل
تب ّشر العولمة الراهنة بنهاية عصر االقتتال والتشرذم بالنسبة للشعوب واستهالال لعصر التضامن
الكوني والسلم الدائمة ؟
ـ العولمة 4
العولمة هي مسار انفتاح شعوب العالم اقتصاديا وثقافيا على بعضها البعض .هي ظاهرة التداخل
.والتبعية المتبادلة اقتصاديا بين شعوب العالم
:للعولمة مؤ ّشرات
التدفّق الح ّر لألموال والسّلع والمعلومات عبر العالم *
نم ّو التجارة dالعالمية *
ظهور الشركات عبر القطرية *
:للعولمة أسباب هي خصوصا
الثورة االتّصالية *
انهيار المعسكر الشيوعي *
انتصار اقتصاد السوق *
ما قيمة العولمة من زاوية الرأي السائد ؟
:يعتبر الكثير من الناس والقوى المستفيدة من العولمة ّ
أن هذه األخيرة
تجسيد للقيم الكونية إذ وح ّدت العالم وجعلته قرية كونية *
تم ّكن الشعوب من االستفادة بالتساوي من ثمرات التق ّدم العلمي والتكنولوجي *
تستبدل العالقات االستعمارية بين الدول بعالقات تعاون وتكامل اقتصادي وسياسي *
ما مدى وجاهة هذا التقييم ؟ هل العولمة تجسيد للكونية أم تهديد لها ؟
ـ العولمة كونية زائفة 5
ينبّه بودريار إلى وجود "تشابه خادع" بين الكونية والعولمة .ففي الظاهر كالهما يحيل على ما هو
مشترك بين جميع الشعوب إلى ما يتخطّى الخصوصية ليشمل مصالح ومصائر شعوب العالم كافّة.
وفي الواقع هناك فرق كبير بين العولمة والكونية .العولمة هي راهن حضاري نعيشه بينما الكونية
هي أفق نأمل تحقيقه .العولمة هي عالمية اقتصاد السوق ومشتقّاته التي تفرضها مصالح الرأسمالية
العالمية هي خصوصية مكوننة بينما الكونية هي عالمية المثل والقيم اإلنسانية العليا مثل الحرّيات
ّ
المعذب جرّاء وحقوق اإلنسان والديمقراطية والعدالة والتضامن التي يمليها الضمير اإلنساني
.حروب التعصّب والهيمنة واالستعمار
وبالنظر إلى التباين بين العولمة والكونية يؤ ّكد بودريار ّ
أن العولمة بصفتها عالمية النظام الرأسمالي
هي نظام يعيد إنتاج عالقات الهيمنة بين الشعوب ويقسّم العالم بلغة سمير أمين إلى مراكز وأطراف
.ويه ّدد جميع الشعوب بالموت المحقّقd
فما هي مخاطر التي تطلقها العولمة تجاه شعوب العالم ؟
:العولمة نذير موت للشعوب المهيمن عليها إذ ته ّدد خصوصيتها
:اقتصاديا عبر
إدماجها في االقتصاد العالمي ،نهب ثرواتها ومواردها ،إخضاعها للقوى الرأسمالية الكبرى
وإلزامها بنماذج تنموية مح ّددة
:اجتماعيا عبر
تعميق التفاوت في مستويات العيش بين جنوب العالم وشماله ،تكريس الفوارق بين األغنياء
والفقراء محلّيا وعالميا هي نظام خمس اإلنسانية جدير بالحياة ،إثارة dاألزمات االجتماعية مثل
البطالة والغالء المعيشي واالحتكاروالهجرة والتهريب
:سياسيا عبر
مصادرة القرار dالسياسي الوطني وإضعاف سيادة الدول وإخضاعها إلمالءات البنك العالمي
وصندوق النقد الدولي ومنظّمة التجارة العالمية وباقي المنظّمات العالمية
:ثقافيا عبر
غربنة وأمركة العالم أي نشر نظم عيش وتفكير المجتمعات الغربية حول العالم وتكريس التماثل
والتجانس على نطاق عالمي بإشاعة ثقافة استهالكية موحّدة ته ّدد التن ّوع الثقافي
العولمة نذير موت أيضا بالنسبة للشعوب المهيمنة صانعة العولمة والمستفيدة منها إذ ته ّدد قيمها
الكونية
:عبر )نظمها االيتيقية(
.إرغامها على تصدير قيمها إلى جانب سلعها والحال ّ
أن القيم إذا اقتلعت من بيئتها تموت *
إضعاف تأثير القيم اإلنسانية داخل المجتمعات الغربية نفسها ليح ّل االستغالل مح ّل التضامن *
واالستعباد الناعم مح ّل الح ّرية واالستهالك مح ّل اإلبداع وثقافة البورنوغافيا مح ّل ثقافة الحقيقة
والجمال والخير
سلعنة ( بضعنة ) القيم الكونية بجعل حقوق اإلنسان والح ّرية والعدالة والكرامة ..سلعة عابرة *
شن الحرب عليهاللحدود واستخدامها انتهازيا البتزاز الشعوب األخرى وحتّى ّ
العولمة االقتصادية الرأسمالية ليست اإلطار المناسب لتحقيق التوازن بين حفظ الخصوصية
واالنفتاح على الكونية بل هي عكس المنتظر منها تهديد مزدوج للخصوصية والكونية تب ّشر بنظام
عالمي بال ضمير وبال ألوان ثقافية تحكمه "ديانة توحيدية جديدة هي ديانة السوق" كما يقول
غارودي .لكن هل العولمة الراهنة هي نهاية التاريخ ؟ أال يمكن أن يكون حوار الحضارات dسبيال
للمزاوجة dبين حفظ الخصوصية واالنخراط مع اآلخرين في إرساء الكونية ؟
"ـ حوار الحضارات dمدخل لتأسيس "األرض ـ الوطن 6
حوار الحضارات يعني التفاعل السلمي بين الخصوصيات الثقافية بعيدا عن منطق اإلقصاء
والهيمنة واالستعالء وهو يفترض اعترافا واحتراما متبادال للتن ّوع الثقافي dويهدف إلى إقامة تآلف
وتحالف بينها من أجل ال ّدفاع عن القواسم اإلنسانية المشتركة سواء بتعزيز التعاون والتضامن
والتفاهم المتبادل أو بالمواجهة الجماعية لألخطار المه ّددة للنوع ما كان منها صادرا عن الطبيعة
مثل األوبئة واآلفات الطبيعية وما كان صادرا عن الحضارة dنفسها مثل التق ّدم العلمي والتكنولوجي
.المنفلت من االعتبارات االيتيقية أو اإلرهاب والمجاعة والفقر dوالتل ّوث واالستبداد
كيف يمكن تحقيق هذه األهداف الكونية ؟ ما هي الشروط التي يتوقّف عليها إسهام ك ّل ثقافة في
تأسيس
األرض ـ الوطن" ؟"
يفترض نجاح حوار الحضارات dفي تحقيق األهداف اإلنسانية أن تلتزم ك ّل ثقافة بجملة من الشروط
أه ّمها
بأن لإلنسان فضال عن الهوية الشخصية شروط فكرية :وهي أن تعمد كل ثقافة إلى إقناع منتسبيها ّ
والهوية الثقافية هوية إنسانية تفرض عليه االعتراف باآلخر المختلف عرقيا وثقافيا على أنّه شريك
له في اإلنسانية وتلقي عليه تجاهه التزامات ال تق ّل وجاهة وثقال عن التزاماته تجاه نفسه أو
جماعته .تعميق وعي األفراد باألبعاد الثالثية لوجودهم كأفراد وأعضاء في جماعة وأعضاء في
.النوع البشري هو المدخل الفكري المبدئي لنجاح حوار الحضاراتd
شروط ايتيقية :وهي أن تعمد ك ّل ثقافة إلى تربية منتسبيها على نبذ العنف والتعصّب وعلى قيم
بأن األرض وطنا للجميع ال أحد يملك حقّا أكثر من غيره
الحوار والتسامح .وأن تغرس فيهم الوعي ّ
.في االستفادة من خيراتها
:شروط اتروبولوجية :يفرض نجاح حوار الحضارات dعلى ك ّل جماعةd
أن تتجنّب التلفيقية والريبية وأن تع ّمق ثقتها في نفسها *
أن تعتبر االنفتاح على األخر الحضاري ليس مدعاة للخوف وال مناسبة للهيمنة والصراع بقدر *
ما هو سبيل للتضامن والتعاون والتفاهم المتبادل
أن تزاوج بين الوفاء لماضيها وأصالتها وبين االستمرار في اإلبداع الروحي والمادي حتّى يكون *
لقاؤها مع غيرها لقاء المبدعين يقول بول ريكور "عندما يكون االلتقاء مواجهة بين اندفاعات
أن بين إبداع وإبداع آخرخالّقة أو قل مواجهة بين تحف ّزات يكون االلتقاء عينه خالّقا dإنّني أعتقد ّ
يوجد تناغم في غياب ك ّل توافق" حوار الحضارات ـ وإن مازال يتر ّدد بين وضع ال ّراهن ووضع
األمل المعلّق ـ هو إذن المدخل األكثر واقعية وقابلية لإلنجاز للفوز بح ّل مالئم لمعادلة التوفيق بين
الخصوصية والكونية بالمزاوجة التفاعلية بين واقع التن ّوع الثقافي والحلم الجماعي بوحدة اإلنسانية
.
http://kassebi2013.blogspot.com/2013/04/blog-post_3671.html#
https://fr.scribd.com/upload-document?
archive_doc=32350745&escape=false&metadata=%7B%22context
%22%3A%22archive_view_restricted%22%2C%22page%22%3A%22read
%22%2C%22action%22%3A%22download%22%2C%22logged_in
%22%3Atrue%2C%22platform%22%3A%22web%22%7D#