Download as docx, pdf, or txt
Download as docx, pdf, or txt
You are on page 1of 9

‫العولمـة والكونيـة عند جون بودريار‬

‫يقر بودريار أن دينامية الكوني كتعالي‪ ،‬كغاية مثالية و كأوطوبيا تفقد كنهها عندما تتحقق‪ ،‬خاصة‬
‫وأن الكونية التي تحققت في ظ ّل العولمة ليست كونية حقه‪ ،‬وإنما هي ادعاء للكونية‪ ،‬إنها العولمة‬
‫المتنكرة في ثوب الكونية‪ .‬ومن هذا المنطلق يشدد بودريار على التقابل بين العولمة والكونية‪ .‬ألن‬
‫العولمة ليست إالّ ا ّدعا ًء للكونية ذلك أن العولمة تتعلق بالجانب االقتصادي والتجاري‪ ،‬إذ هي‬
‫"كونية" السوق والسياحة واإلعالم‪" ،‬كونية" تشيّؤ اإلنسان وتنميطه‪" ،‬كونية" عنف محض يعمل‬
‫‪.‬على إقامة عالم متحرّر من ك ّل قيمة إنسانية لفائدة االستهالك‬
‫أما الكونية فإنها كونية القيم اإلنسانية الثابتة‪ ،‬كونية الحرية والديمقراطية وحقوق اإلنسان‪ ،‬كونية ال‬
‫تكون كذلك إال كفكرة و كغاية مثالية‪ .‬لكن هذا التقابل بين الكوني والعالمي ليس إال تقابال من جهة‬
‫الحق ألن الواقع هو واقع عولمة الحرية والديمقراطية وحقوق اإلنسان‪ ،‬ذلك أن هذه القيم اإلنسانية‬
‫أصبحت بضائع تر ّوج وتعبر الحدود كأي منتوج عالمي‪ ،‬لذلك يرى بودريار أن مرآة الكوني قد‬
‫تكسّرت «ألن الكوني كان فكرة‪ ،‬تنتحر كفكرة‪ ،‬كغاية مثالية‪ ،‬عندما تتحقق في العولمي»‪ .‬ولكن‬
‫بودريار ال ينظر إلى تكسّر هذه المرآة باعتباره خسرانا ألن الخصوصيات التي وقع دهسها في‬
‫‪.‬العولمة انبثقت‪ ،‬من حسن حظ اإلنسان‪ ،‬من جديد في شظايا هذه المرآة المكسرة‬
‫إن مفارقة الكوني التي أحالنا عليها "هيغل" و المتمثلة قي كون الكوني يتجذر في الخصوصي و‬
‫الفردي يضيف إليها "بودريار" مفارقة‪ d‬أخرى‪ ،‬مفارقة تحطم الكوني عند تحققه‪ .‬و لذلك كان‬
‫الكوني لـ"بودريار" مجرد اطوبيا تغنت به الحداثة و نظرت إليه و من هنا يميّز "بودريار" بين‬
‫كونية عصر التنوير التي ينظر إليها "كانط" من حيث هي كونية إنسانية تبقي على االختالف و‬
‫الكونية كما تحققت في العولمة باعتبارها تدمير كل اختالف و دمج بالقوة لكل الثقافات‪ ,‬قتل‬
‫الثقافات و الخصوصية و إعالن شبه كونية تجسدت في عولمة القيم الغربية‪ ,‬لذلك فان العولمة‬
‫ليست شيئا آخر غير الخصوصية الغربية المدعية للكونية‪ .‬فهذه الثقافة الغربية التي كانت حبلى‬
‫بالكوني‪ ،‬جاءها المخاض فولدت العولمة و ماتت هي بدورها‪ .‬و لذلك يقر "بودريار" إن الثقافات‪d‬‬
‫األخرى كان موتها رحيما ألنها ماتت من فرط خصوصيتها في حين كان موت الثقافة الغربية موتا‬
‫شنيعا ألنها فقدت كل خصوصية عبر استئصال كل قيمها السمحة في إطار العولمة و هكذا‬
‫‪".‬يستخلص "بودريار" إن " الكوني يهلك في العولمة‬
‫لكن هل يجب أن نعلن انتصار العولمة و نصرها ؟ هل أن العولمة باتت قدرا ال مناص منه ؟ إن‬
‫األمر سابق ألوانه بالنسبة لـ "بودريار"‪ ،‬ذلك أن الخصوصيات التي اعتبرت مهددة و ماتت أو‬
‫كادت انتعشت‪ ,‬و الخصوصيات التي اعتقدها الغرب قد اندثرت انبعثت من جديد‪ ،‬لذلك يرى‬
‫"بودريار" ضرورة االنتباه و االحتراس مما يروج له إعالم العولمة من أن كل مقاومة للعولمة‬
‫ليست إال رفضا قديما و مهجورا للحداثة باسم األصالة‪ .‬و ذلك أوال الن العولمة ال تمثل الحداثة أو‬
‫هي حداثة ساقطة و ثانيا الن حركات المقاومة‪ d‬هذه هي حركات‪ d‬أصيلة تتحدى هيمنة الكوني في‬
‫شكله المعولم‪ ,‬هذه المقاومة تتجاوز االقتصاد و السياسة بما هي نوع من المراجعة‪ d‬الممزقة لما‬
‫يعتقد انه مكتسبات الحداثة‪ ,‬ممزقة لفكرة التقدم و التاريخ كما تتجلى في العولمة‪ ,‬فحركات‪ d‬المقاومة‪d‬‬
‫هذه هي رفض ال فقط للبنية التقنية العالمية و لكن ايضا رفض للبنية الذهنية التي تدعي توحيد كل‬
‫‪.‬الثقافات و كل القارات تحت عالمة الكوني المعولم‬
‫و تمثل هذه المقاومة في منظور " بودريار" انبجاسا جديدا للخصوصية‪ ,‬انبجاسا يمكن أن يأخذ‬
‫شكل مظاهر عنيفة أو مرضية أو حتى ال عقالنية من منظور العولمة‪ ،‬فتنبجس في شكل عرقي أو‬
‫ديني أو لغوي و لكن أيضا تنبجس في المستوى الفردي في شكل سلوك مزاجي أو حتى عصابي‪ ,‬و‬
‫لذلك يرى " بودريار" انه من الخطأ أن نعتبر هذه المقاومة حركات شعبية معزولة و مهجورة أو‬
‫حتى حركات ارهابية فبالنسبة لـ " بودريار" كل ما يحدث اليوم من مناهضة للعولمة هو عالمة‬
‫ص ّح ة‪ ,‬عالمة تمنع العولمي من إعالن انتصاره‪ .‬و في هذا المنظور يجذر " بودريار" عداوة‬
‫اإلسالم للقيم الغربية المعولمة و يعتبر أن اإلسالم هو االحتجاج‪ d‬األكثر حدة للعولمة الغربية و لذلك‬
‫يعتبر "العدو رقم واحد" لثقافة‪ d‬العولمة‪ .‬و يالحظ " بودريار" ان الغرب اذا لم يدرك هذا فان‬
‫اإلنسانية ستذوب في نوع من القبضة الحديدية بين فكر يدعي الكونية‪ ,‬فكر متيقن من قوته و‬
‫خصوصيات غير قابلة للعولمة‪ ,‬خصوصيات يتزايد عددها يوما بعد يوم‪ .‬إذ أن المجتمعات التي‬
‫تالقحت مع العولمة ال تخلو من حركات‪ d‬المقاومة‪ ،‬ذلك أن ما وقع التضحية به في هذه المجتمعات‬
‫في سبيل العولمة لم يمت و إن كان قد انزوى في نوع من التخفي الفاقد للشرعية القانونية‪ .‬و هذه‬
‫‪.‬المقاومة‪ d‬تمثل في معنى ما "مجرم العولمة" التي تالحقها في كل بقاع العالم‬
‫و هكذا ينتهي " بودريار" إلى اإلقرار بتصدع العولمة بل حتى اإلقرار بأن تصدعها في العمق‬
‫يسير بنسق أسرع من نسق فرضها بالقوة‪ ,‬فالعولمة لم تنتصر‪ ،‬و اإلنسانية اليوم أمام وضع معقد و‬
‫مركب من ثالث حدود هي عولمة التبادالت‪ ,‬و كونية القيم و خصوصية اإلشكال الثقافية‪ ,‬و هذه‬
‫الوضعية تتغير بفقدان القيم الكونية لسلطتها و شرعيتها‪ ,‬ذلك انه كلما تقدمت هذه القيم كقيم وسيطة‪,‬‬
‫إال و نجحت في ضم الخصوصيات كاختالفات في ثقافة كونية لالختالف و لكن هذه القيم تتراجع‬
‫اليوم الن العولمة تقضي على االختالف و على كل القيم بوحشية لذلك يتحسّر " بودريار" على‬
‫وضع اإلنساني اليوم و يعتبر أن الكوني كان أمام فرصة تاريخية غير أن الحرية و الديمقراطية و‬
‫حقوق اإلنسان خسرت مواجهتها للعولمة من جهة و المقاومة الخصوصية من جهة أخرى‪ ,‬و رغم‬
‫كون وضعية القيم الكونية تبدو اليوم متدهورة فان " بودريار" يعتبر أن العولمة لو تحسم األمر بعد‬
‫و لن تحسمه بما أن رهانات الكوني الذي انهزم أمام العولمة تواصلها هذه القوى غير المتجانسة و‬
‫المختلفة بل و المتناقضة و غير القابلة لالختزال التي تمثلها المقاومة‬

‫الخصوصية والكونية‬
‫شعب علمية‬
‫تلخيص مادة الفلسفة‬
‫الخصوصية والكونية‬
‫‪---------------------------------------------------------------------------------‬‬
‫‪:‬مدخل إشكالي‬
‫ال أحد يزايد‪ ،‬اليوم‪ ،‬في ظ ّل الثورة االتّصالية والمعلوماتية والعولمة االقتصادية‪ ،‬على ّ‬
‫أن العالم قد‬
‫تح ّول إلى قرية كونية بالمعنى الجغرافي تتداخل وتتكامل فيها مصالح ومصائر الشعوب على نحو‬
‫لم يكن له نظير في العصور القديمة‪ .‬فقد ولّى بالنسبة للشعوب والجماعات عصر التقوقع واالنغالق‬
‫على الذات وح ّل محلّه عصر االنفتاح والتفاعل مع الشعوب األخرى على وجه االختيار‬
‫أن لهذا الواقع الحضاري الجديد مزايا ومخاطر‪ :‬فهو بقدر ما أفاد‬ ‫واالضطرار‪ .‬ومن المؤ ّكد ّ‬
‫الشعوب من جهة التواصل والتثاقف والتكامل االقتصادي وأيقظ الحلم الجماعي بتحويل األرض‬
‫"وطنا للجميع" وبجعل الفرد ـ أيّا كانت ثقافته ووضعه السياسي واالقتصادي المحلّي ـ "مواطنا‬
‫عالميا"‪ ،‬بقدر ما طرح‪ ،‬على أرض الواقع‪ ،‬من تح ّديات وأزمات عنيدة تتعلّق بالهوية وشروط‬
‫حفظها‪ d،‬وباللقاء باآلخر وكيفية إدارته على نحو يجنّب الشعوب فواجع الحرب واالصطدام‬
‫إن مجمل هذه المشكالت يختزلها التوتّر بين الخصوصيّة والكونيّة الذي يع ّد عنوانا جامعا‬ ‫والهيمنة‪ّ .‬‬
‫لكافّة الصراعات االقتصادية والثقافية والسياسية التي أفرزها الواقع الحضاري الجديد بين‬
‫‪.‬الشعوب‬
‫فهل من تعريف للخصوصية على مستوى الوجود الفردي والجماعي؟ هل يفترض حفظ‬
‫الخصوصيّة االنغالق ورفض اآلخر؟‪ d‬ألم يفضي خيار المركزية اإلثنية والثقافية إلى إشعال حروب‬
‫صب بين الشعوب والجماعات‪ d‬وتحويل لقائها إلى صدام قاتل للجميع ؟ لكن في‬ ‫العنصرية والتع ّ‬
‫مقابل ذلك إذا اعتبرنا انفتاح الشعوب على بعضها على الرغم من تن ّوع ثقافاتها ونظم عيشها‬
‫ّ‬
‫وتغذيها اليوم الثورة االتّصالية والعولمة أال يؤ ّدي ذلك‬ ‫ضرورة تمليها استحالة العيش في العزلة‬
‫إلى االستالب وتف ّكك الخصوصية وفقدانها ؟ أال يمثّل االنفتاح على الغيريّة الحضاريّة مغامرة قد‬
‫يكون ثمنها فقدان الهوية؟ هل العولمة ـ وهي اإلطار ال ّراهن النفتاح الشعوب على بعضها وتفاعلها‬
‫االقتصادي والثقافي‪ d‬ـ تجسيد حقيقي للكونية وتكريس لوحدة اإلنسانية ومصيرها المشترك أم أنّها‬
‫تؤسّس لعالقات هيمنة بين الشعوب وتنذرها جميعا وعلى ح ّد السواء بموت خصوصيتها ؟ ما‬
‫السبيل إذن للمصالحة بين الخصوصية والكونيّة ؟ هل باإلمكان جعل لقاء الشعوب‪ ،‬على تن ّوع‬
‫ثقافاتها‪ ،‬لقاء حاضنا ومفيدا للجميع بدل أن يكون قاتال للجميع ؟ ما هي شروط الفوز بكونية‬
‫تستوعب الخصوصية والتن ّوع وتفعلّهما من أجل تكريس وحدة اإلنسانية‪ ،‬وتأصيل القاعدة االيتيقية‬
‫ق أكثر من غيره في التمتّع بمنافع األرض"؟‬ ‫ي إنسان ح ّ‬ ‫القائلة "ليس أل ّ‬
‫‪:‬ـ في داللة الخصوصية ‪ /‬الكونية ‪1‬‬
‫الخصوصية بصورة عامة هي ك ّل الصفات التي ينفرد بها كائن ما وتميّزه عن غيره‪ ،‬مطبقّة على‬
‫‪:‬اإلنسان يمكن التمييز بين‬
‫خصوصية فردية = هوية فردية = جملة الصفات المادية والمعنوية الذاتية والموضوعية التي تبقي‬
‫‪.‬الشخص هو عينه في خضّم التغيّرات التي تطاله والتي تسمح له بقول أنا‬
‫خصوصية جماعية = هوية ثقافية = هي أنظمة العيش والتفكير المشتركة بين أفراد جماعة ما‬
‫وتسمح لهم بقولنحن وهي تشمل العادات والعقائد والرموز الدينية واللغوية والفنّية والماضي‬
‫المشترك‪ .‬وهي ما يكرّس تن ّوع الجماعات‪ d‬البشرية واختالفها عن بعضها‪ ،‬عادة ما يتالزم الوعي‬
‫‪ :‬بالهوية الشخصية والثقافية‬
‫حبّ الذات إالّ في حاالت تأ ّزم الهوية *‬
‫الشعور باالستقاللية عن الغير والسّيادة على الذات *‬
‫الشعور بالكرامة وهي االعتزاز بالذات وانتظار االحترام من طرف الغير *‬
‫‪ Particularisme‬وبين النزعة الخصوصية ‪ Particularité‬يجب التمييز أيضا بين الخصوصية‬
‫وهي الموقف الفكري الذي يدافع عن الخصوصية إزاء التن ّوع‬
‫الكونيّة كلمة تحيل إلى القواسم المشتركة بين البشر على اختالفهم العرقي والثقافي‪ .‬تستخدم في‬
‫سياق وصفي في معنى الصفات اإلنسانية المشتركة بين أفراد النوع البشري وفي سياق معياري في‬
‫‪،‬معنى اآلمال اإلنسانية المشتركة في الحرية والكرامة والسّلم والتضامن‬
‫إذا كانت الهوية الشخصية تحيل على ك ّل ما ينتمي إلى الذات ويجعلها مستقلّة عن الغير وسيّدة‬
‫نفسها واله ّوية الثقافية تعني ك ّل ما يؤسّس ويك ّرس انتماء الذات إلى جماعة ّ‬
‫فإن الكونية تعني ك ّل ما‬
‫يو ّحد أفراد وجماعات النوع البشري في إطار تن ّوعهم العرقي والثقافي‬
‫ما الذي يب ّرر النظر في عالقة الخصوصية والكونية في المجال البيثقافي ؟‬
‫ـ في ضرورة التفاعل بين الجماعات وتح ّدياته ‪2‬‬
‫مثلما ال يقدر الفرد على حياة العزلة ال تقدر أي جماعة على العيش معزولة عن الجماعات‪d‬‬
‫األخرى‪ .‬فالتواصل مع اآلخر الحضاري أخذا وعطاء حتمية أنتروبولوجية يفرضها واقع الحياة‪.‬‬
‫وقد يكون التفاعل ‪ /‬التثاقف سلميا في صورة تبادل تجاري وفكري وقيمي ومصاهرة وتحالفات‬
‫سياسية وعسكرية كما يمكن أن يكون تفاعال عدائيا ‪ /‬صداميا يهدف إلى الهيمنة واالدماج‬
‫واالستعمار‪ .‬ما هي التح ّديات التي تواجه الجماعات عند مالقاتها ببعضها ؟‬
‫اللقاء باآلخر الحضاري وإن كان ضرورة تاريخية فهو ليس بالضرورة إيجابيا على الدوام‪ .‬بل هو‬
‫‪":‬امتحان صعب" و"مغامرة" تحدق بها الكثير من المخاطر‪ .‬لع ّل أبرزها كما ح ّددها ريكور‬
‫خطر الريبية‪ :‬أي فقدان الجماعة للثقة في أنظمتها الثقافية التي تكرّس خصوصيتها تحت تأثير‬
‫االنبهار باآلخر أو بدافع االقتداء والتشبّه به‬
‫خطر التلفيقية‪ :‬اضطرار الجماعة تحت تأثير الجماعات‪ d‬األخرى المحت ّكة بها إلى التلفيق بين‬
‫خصوصيتها المحلّية ونظم عيش اآلخرين ما يصيب الهوية الجماعية بالتأ ّزم والتص ّدع واالنفصام‬
‫خطر الصراع من أجل الهيمنة‪ :‬اضطرار الجماعة‪ d‬إلى التزام استراتيجية دفاعية أو هجومية تجاه‬
‫اآلخر الحضاري خوفا من الهيمنة والغلبة أو طلبا لها ويتع ّمق هذا الخطر‪ d‬خصوصا في حالة انعدام‬
‫‪ .‬توازن القوى بين الجماعات‪ d‬المتفاعلة‬
‫ما الذي ّ‬
‫يغذي عالقات الهيمنة بين الخصوصيات الثقافية ؟ ما الذي يجعل من لقاء الجماعات‪ d‬لقاء‬
‫قاتال للجميع ؟‬
‫ـ المركزية االثنيّة والثقافية ‪3‬‬
‫المركزية االتنية والثقافية تعني االستعالء العرقي والثقافي واحتكار صفة اإلنسانية من طرف‬
‫جماعة معيّنة تجاه اآلخرين هي النظر إلى التن ّوع العرقي والثقافي على أنّه ظاهرة مثيرة‬
‫لالشمئزاز واالحتقار‪ .‬وهي الموقف األكثر رسوخا وتأثيرا على عالقات الشعوب والجماعات كما‬
‫أ ّكد على ذلك كلود ليفي ـ ستروس‬
‫أمثلة‪ :‬قديما بعض القبائل تطلق على نفسها أسماء "الناس" "الطيّبون" "الممتازون" بينما تطلق‬
‫"على الجماعات‪ d‬األخرى "األشرار" "قرود األرض" "بيض الق ّمل‬
‫في الماضي القريب‪ :‬كان اليونان والرومان يطلقون على األجانب اسم "البربري" ‪ /‬الهمجي‬
‫في العصر االستعماري الحديث‪ :‬كان الغرب يطلق على الس ّكان األصليين للبلدان التي استعمروها‬
‫اسم‬
‫المتو ّحشون" بم تب ّرر المركزية االتنية نفسها ؟"‬
‫‪ :‬عادة ما تتأسّس المركزية االتنية بما تعنيه من رفض للتن ّوع الثقافي‪ d‬والعرقي على وهمين‬
‫ضلت أعراقا بشرية على أخرى كما هو شأن نظرية قوبينو حول‬ ‫وهم علمي مفاده ّ‬
‫أن الطبيعة ف ّ‬
‫تفاوت األعراق البشرية وحول أفضلية البيض على المل ّونين‬
‫وهم ديني مفاده ا ّدعاء بعض الجماعات أنّها شعب هللا المختار ّ‬
‫وأن رسالتها هي أن تخضع باقي‬
‫الشعوب لسلطانها‬
‫ما هي المخاطر المترتّبة عن المركزية االتنية ؟‬
‫‪ :‬يفضي انتظام عالقات الجماعات البشرية على أساس المركزية االتنية إلى‬
‫"اإلقصاء المتبادل "فالبربري من يعتقد في وجود البربرية‬
‫تشريع التع ّ‬
‫صب والعنصرية ورفض اآلخر‬
‫تبرير الحرب والغزو وعالقات الهيمنة‬
‫منع التعايش والتثاقف وتحويل لقاء الجماعات‪ d‬إلى صدام دموي من أجل الهيمنة‬
‫تأجيل أو تعطيل تحقيق الكونية‬
‫إذا كان االنغالق والتعصّب مب ّرر عنف وحرب بين الجماعات فهل االنفتاح شرط كاف للح ّد من‬
‫ذلك ؟ هل مثل ما شهده العالم اليوم من ثورة اتّصالية وعولمة سبيل لجعل العالم وطنا للجميع ؟ هل‬
‫تب ّشر العولمة الراهنة بنهاية عصر االقتتال والتشرذم بالنسبة للشعوب واستهالال لعصر التضامن‬
‫الكوني والسلم الدائمة ؟‬
‫ـ العولمة ‪4‬‬
‫العولمة هي مسار انفتاح شعوب العالم اقتصاديا وثقافيا على بعضها البعض‪ .‬هي ظاهرة التداخل‬
‫‪ .‬والتبعية المتبادلة اقتصاديا بين شعوب العالم‬
‫‪ :‬للعولمة مؤ ّشرات‬
‫التدفّق الح ّر لألموال والسّلع والمعلومات عبر العالم *‬
‫نم ّو التجارة‪ d‬العالمية *‬
‫ظهور الشركات عبر القطرية *‬
‫‪ :‬للعولمة أسباب هي خصوصا‬
‫الثورة االتّصالية *‬
‫انهيار المعسكر الشيوعي *‬
‫انتصار اقتصاد السوق *‬
‫ما قيمة العولمة من زاوية الرأي السائد ؟‬
‫‪ :‬يعتبر الكثير من الناس والقوى المستفيدة من العولمة ّ‬
‫أن هذه األخيرة‬
‫تجسيد للقيم الكونية إذ وح ّدت العالم وجعلته قرية كونية *‬
‫تم ّكن الشعوب من االستفادة بالتساوي من ثمرات التق ّدم العلمي والتكنولوجي *‬
‫تستبدل العالقات االستعمارية بين الدول بعالقات تعاون وتكامل اقتصادي وسياسي *‬
‫ما مدى وجاهة هذا التقييم ؟ هل العولمة تجسيد للكونية أم تهديد لها ؟‬
‫ـ العولمة كونية زائفة ‪5‬‬
‫ينبّه بودريار إلى وجود "تشابه خادع" بين الكونية والعولمة‪ .‬ففي الظاهر كالهما يحيل على ما هو‬
‫مشترك بين جميع الشعوب إلى ما يتخطّى الخصوصية ليشمل مصالح ومصائر شعوب العالم كافّة‪.‬‬
‫وفي الواقع هناك فرق كبير بين العولمة والكونية‪ .‬العولمة هي راهن حضاري نعيشه بينما الكونية‬
‫هي أفق نأمل تحقيقه‪ .‬العولمة هي عالمية اقتصاد السوق ومشتقّاته التي تفرضها مصالح الرأسمالية‬
‫العالمية هي خصوصية مكوننة بينما الكونية هي عالمية المثل والقيم اإلنسانية العليا مثل الحرّيات‬
‫ّ‬
‫المعذب جرّاء‬ ‫وحقوق اإلنسان والديمقراطية والعدالة والتضامن التي يمليها الضمير اإلنساني‬
‫‪ .‬حروب التعصّب والهيمنة واالستعمار‬
‫وبالنظر إلى التباين بين العولمة والكونية يؤ ّكد بودريار ّ‬
‫أن العولمة بصفتها عالمية النظام الرأسمالي‬
‫هي نظام يعيد إنتاج عالقات الهيمنة بين الشعوب ويقسّم العالم بلغة سمير أمين إلى مراكز وأطراف‬
‫‪.‬ويه ّدد جميع الشعوب بالموت المحقّق‪d‬‬
‫فما هي مخاطر التي تطلقها العولمة تجاه شعوب العالم ؟‬
‫‪ :‬العولمة نذير موت للشعوب المهيمن عليها إذ ته ّدد خصوصيتها‬
‫‪ :‬اقتصاديا عبر‬
‫إدماجها في االقتصاد العالمي‪ ،‬نهب ثرواتها ومواردها‪ ،‬إخضاعها للقوى الرأسمالية الكبرى‬
‫وإلزامها بنماذج تنموية مح ّددة‬
‫‪ :‬اجتماعيا عبر‬
‫تعميق التفاوت في مستويات العيش بين جنوب العالم وشماله‪ ،‬تكريس الفوارق بين األغنياء‬
‫والفقراء محلّيا وعالميا هي نظام خمس اإلنسانية جدير بالحياة‪ ،‬إثارة‪ d‬األزمات االجتماعية مثل‬
‫البطالة والغالء المعيشي واالحتكاروالهجرة والتهريب‬
‫‪ :‬سياسيا عبر‬
‫مصادرة القرار‪ d‬السياسي الوطني وإضعاف سيادة الدول وإخضاعها إلمالءات البنك العالمي‬
‫وصندوق النقد الدولي ومنظّمة التجارة العالمية وباقي المنظّمات العالمية‬
‫‪ :‬ثقافيا عبر‬
‫غربنة وأمركة العالم أي نشر نظم عيش وتفكير المجتمعات الغربية حول العالم وتكريس التماثل‬
‫والتجانس على نطاق عالمي بإشاعة ثقافة استهالكية موحّدة ته ّدد التن ّوع الثقافي‬
‫العولمة نذير موت أيضا بالنسبة للشعوب المهيمنة صانعة العولمة والمستفيدة منها إذ ته ّدد قيمها‬
‫الكونية‬
‫‪ :‬عبر )نظمها االيتيقية(‬
‫‪ .‬إرغامها على تصدير قيمها إلى جانب سلعها والحال ّ‬
‫أن القيم إذا اقتلعت من بيئتها تموت *‬
‫إضعاف تأثير القيم اإلنسانية داخل المجتمعات الغربية نفسها ليح ّل االستغالل مح ّل التضامن *‬
‫واالستعباد الناعم مح ّل الح ّرية واالستهالك مح ّل اإلبداع وثقافة البورنوغافيا مح ّل ثقافة الحقيقة‬
‫والجمال والخير‬
‫سلعنة ( بضعنة ) القيم الكونية بجعل حقوق اإلنسان والح ّرية والعدالة والكرامة‪ ..‬سلعة عابرة *‬
‫شن الحرب عليها‬‫للحدود واستخدامها انتهازيا البتزاز الشعوب األخرى وحتّى ّ‬
‫العولمة االقتصادية الرأسمالية ليست اإلطار المناسب لتحقيق التوازن بين حفظ الخصوصية‬
‫واالنفتاح على الكونية بل هي عكس المنتظر منها تهديد مزدوج للخصوصية والكونية تب ّشر بنظام‬
‫عالمي بال ضمير وبال ألوان ثقافية تحكمه "ديانة توحيدية جديدة هي ديانة السوق" كما يقول‬
‫غارودي‪ .‬لكن هل العولمة الراهنة هي نهاية التاريخ ؟ أال يمكن أن يكون حوار الحضارات‪ d‬سبيال‬
‫للمزاوجة‪ d‬بين حفظ الخصوصية واالنخراط مع اآلخرين في إرساء الكونية ؟‬
‫"ـ حوار الحضارات‪ d‬مدخل لتأسيس "األرض ـ الوطن ‪6‬‬
‫حوار الحضارات يعني التفاعل السلمي بين الخصوصيات الثقافية بعيدا عن منطق اإلقصاء‬
‫والهيمنة واالستعالء وهو يفترض اعترافا واحتراما متبادال للتن ّوع الثقافي‪ d‬ويهدف إلى إقامة تآلف‬
‫وتحالف بينها من أجل ال ّدفاع عن القواسم اإلنسانية المشتركة سواء بتعزيز التعاون والتضامن‬
‫والتفاهم المتبادل أو بالمواجهة الجماعية لألخطار المه ّددة للنوع ما كان منها صادرا عن الطبيعة‬
‫مثل األوبئة واآلفات الطبيعية وما كان صادرا عن الحضارة‪ d‬نفسها مثل التق ّدم العلمي والتكنولوجي‬
‫‪.‬المنفلت من االعتبارات االيتيقية أو اإلرهاب والمجاعة والفقر‪ d‬والتل ّوث واالستبداد‬
‫كيف يمكن تحقيق هذه األهداف الكونية ؟ ما هي الشروط التي يتوقّف عليها إسهام ك ّل ثقافة في‬
‫تأسيس‬
‫األرض ـ الوطن" ؟"‬
‫يفترض نجاح حوار الحضارات‪ d‬في تحقيق األهداف اإلنسانية أن تلتزم ك ّل ثقافة بجملة من الشروط‬
‫أه ّمها‬
‫بأن لإلنسان فضال عن الهوية الشخصية‬ ‫شروط فكرية‪ :‬وهي أن تعمد كل ثقافة إلى إقناع منتسبيها ّ‬
‫والهوية الثقافية هوية إنسانية تفرض عليه االعتراف باآلخر المختلف عرقيا وثقافيا على أنّه شريك‬
‫له في اإلنسانية وتلقي عليه تجاهه التزامات ال تق ّل وجاهة وثقال عن التزاماته تجاه نفسه أو‬
‫جماعته‪ .‬تعميق وعي األفراد باألبعاد الثالثية لوجودهم كأفراد وأعضاء في جماعة وأعضاء في‬
‫‪.‬النوع البشري هو المدخل الفكري المبدئي لنجاح حوار الحضارات‪d‬‬
‫شروط ايتيقية‪ :‬وهي أن تعمد ك ّل ثقافة إلى تربية منتسبيها على نبذ العنف والتعصّب وعلى قيم‬
‫بأن األرض وطنا للجميع ال أحد يملك حقّا أكثر من غيره‬
‫الحوار والتسامح‪ .‬وأن تغرس فيهم الوعي ّ‬
‫‪ .‬في االستفادة من خيراتها‬
‫‪ :‬شروط اتروبولوجية‪ :‬يفرض نجاح حوار الحضارات‪ d‬على ك ّل جماعة‪d‬‬
‫أن تتجنّب التلفيقية والريبية وأن تع ّمق ثقتها في نفسها *‬
‫أن تعتبر االنفتاح على األخر الحضاري ليس مدعاة للخوف وال مناسبة للهيمنة والصراع بقدر *‬
‫ما هو سبيل للتضامن والتعاون والتفاهم المتبادل‬
‫أن تزاوج بين الوفاء لماضيها وأصالتها وبين االستمرار في اإلبداع الروحي والمادي حتّى يكون *‬
‫لقاؤها مع غيرها لقاء المبدعين يقول بول ريكور "عندما يكون االلتقاء مواجهة بين اندفاعات‬
‫أن بين إبداع وإبداع آخر‬‫خالّقة أو قل مواجهة بين تحف ّزات يكون االلتقاء عينه خالّقا‪ d‬إنّني أعتقد ّ‬
‫يوجد تناغم في غياب ك ّل توافق" حوار الحضارات ـ وإن مازال يتر ّدد بين وضع ال ّراهن ووضع‬
‫األمل المعلّق ـ هو إذن المدخل األكثر واقعية وقابلية لإلنجاز للفوز بح ّل مالئم لمعادلة التوفيق بين‬
‫الخصوصية والكونية بالمزاوجة التفاعلية بين واقع التن ّوع الثقافي والحلم الجماعي بوحدة اإلنسانية‬
‫‪.‬‬
http://kassebi2013.blogspot.com/2013/04/blog-post_3671.html#

https://fr.scribd.com/upload-document?
archive_doc=32350745&escape=false&metadata=%7B%22context
%22%3A%22archive_view_restricted%22%2C%22page%22%3A%22read
%22%2C%22action%22%3A%22download%22%2C%22logged_in
%22%3Atrue%2C%22platform%22%3A%22web%22%7D#

You might also like