Download as docx, pdf, or txt
Download as docx, pdf, or txt
You are on page 1of 3

‫خطبة عن الغيبة‬

‫‪ ‬‬
‫المقدمة‪:‬‬
‫الحمد هلل‪َ ،‬أ ْع َظ َم للمتقين العاملين أجورهم‪ ،‬وشرح بالهدى والخيرات صدورهم‪ ،‬وأشهد أن ال إله إال هللا وحده ال شريك‬
‫له‪ ،‬وفق عباده للطاعات وأعان‪ ،‬وأشهد أن نبينا محمدً ا عبدهللا ورسوله خي ُر َمن علم أحكام الدين وأبان‪ ،‬صلى هللا عليه‬
‫وعلى آله وأصحابه أهل الهدى واإليمان‪ ،‬وعلى التابعين لهم بإيمان وإحسان ما تعاقب الزمان‪ ،‬وسلم تسلي ًما مزيدً ا؛ أما‬
‫بعد‪:‬‬
‫‪ ‬‬
‫الخطبة األولى‬
‫تعريف الغيبة‪:‬‬
‫إن اللسان جارحة ليس هناك أعظم منها فت ًك ا إن سرحها صاحبها في مراتع األعراض‪ ،‬وإن أعظم أسلحتها نس ًفا‬
‫للحسنات سالح الغيبة‪ ،‬التي ما دخلت على الرجل إال أذهبت بدينه ودنياه؛ وقد أوضح لنا النبي المصطفى صلى هللا عليه‬
‫وسلم ما هي‪ ،‬فقال‪(( :‬أتدرون ما الغيبة؟ قالوا‪ :‬هللا ورسوله أعلم‪ ،‬قال‪ :‬ذِك ُرك أخاك بما يكره‪ ،‬قيل‪ :‬أفرأيت إن كان في‬
‫أخي ما أقول؟ قال‪ :‬إن كان فيه ما تقول‪ ،‬فقد اغتبته‪ ،‬وإن لم يكن فيه‪ ،‬فقد بهته))[‪.]1‬‬
‫‪ ‬‬
‫قال المناوي‪ :‬الغيبة "هي ذكر العيب بظهر الغيب بلفظ‪ ،‬أو إشارة‪ ،‬أو محاكاة"[‪.]2‬‬
‫‪ ‬‬
‫قال النووي مفصاًل ذلك‪" :‬ذكر المرء بما يكرهه سواء كان ذلك في بدن الشخص أو دينه‪ ،‬أو دنياه أو نفسه‪ ،‬أو خلقه أو‬
‫خلقه‪ ،‬أو ماله أو والده‪ ،‬أو ولده أو زوجه‪ ،‬أو خادمه أو ثوبه‪ ،‬أو حركته أو طالقته‪ ،‬أو عبوسته‪ ،‬أو غير ذلك مما يتعلق‬
‫به‪ ،‬سواء ذكرته باللفظ أو اإلشارة أو الرمز))[‪.]3‬‬
‫‪ ‬‬
‫بل دقق في هذا حتى قيل لو ُذ كر الرجل فقيل فيه‪" :‬هللا يعافينا‪ ،‬هللا يتوب علينا‪ ،‬نسأل هللا السالمة‪ ،‬ونحو ذلك"[‪ ،]4‬على‬
‫وجه التنقص ‪ -‬لكان من الغيبة‪.‬‬
‫‪ ‬‬
‫حكم الغيبة‪:‬‬
‫ولعظم الغيبة؛ فقد ُحرمت بالكتاب والسنة وإجماع األمة‪.‬‬

‫ِب َأ َح ُد ُك ْم َأنْ َيْأ ُكل َ لَ ْح َم َأخِي ِه َم ْي ًتا َف َك ِرهْ ُت ُموهُ َوا َّتقُوا هَّللا َ ِإنَّ هَّللا َ َت َّو ٌ‬
‫اب َرحِي ٌم‪﴾ ‬‬ ‫ضا َأ ُيح ُّ‬ ‫قال تعالى‪َ  ﴿ :‬واَل َي ْغ َت ْب َب ْع ُ‬
‫ض ُك ْم َب ْع ً‬
‫[الحجرات‪] 12 :‬؛ قال ابن عباس‪" :‬حرم هللا أن يغتاب المؤمن بشيء‪ ،‬كما حرم الميتة"‪.‬‬
‫‪ ‬‬
‫وفي الحديث‪(( :‬إن من أكبر الكبائر استطالة المرء في عرض رجل مسلم بغير حقٍّ ))‪ ،‬وفي رواية‪(( :‬من أربى الربا‬
‫استطالة المرء في عرض أخيه))[‪.]5‬‬
‫‪ ‬‬
‫قيل‪" :‬االستطالة في عرض المسلم بغير حق"؛ أي‪ :‬الوقوع في عرض المسلم بالقول أو الفعل‪ ،‬أو بالغيبة وسيئ القول‬
‫بغير حق‪ ،‬وبغير سبب شرعي يبيح له استباحة عرض أخيه‪ ،‬وبأكثر مما يستحقه من القول أو الفعل‪ ،‬وإذا كان الربا في‬
‫المال محر ًم ا ومن الكبائر‪ ،‬فإن تشبيه النبي صلى هللا عليه وسلم الوقوع في األعراض بالوقوع في الربا المحرم هو‬
‫ضررا وخطور ًة من‬
‫ً‬ ‫على سبيل المبالغة؛ وذلك ألن العرض أعز وأغلى على اإلنسان من المال؛ فيكون الوقوع فيه أشد‬
‫الوقوع في ربا المال[‪.]6‬‬
‫‪ ‬‬
‫ما العمل عند حدوثها؟‬
‫فإن زلت القدم وحدثت الغيبة‪ ،‬كان لها جانبان من حيث الضرر‪:‬‬
‫األول‪ :‬المستمع‪  ،‬فيلزمه عند ذلك أن يرفع اإلثم عن نفسه بإنكارها؛ ففي الحديث‪(( :‬قالت عائشة رضي هللا عنها‪ :‬قلتُ‬
‫ً‬
‫كلمة‪ ،‬لو ُمزج بها البحر‬ ‫ت‬‫للنبي صلى هللا عليه وسلم‪ :‬حسبك من صفية كذا وكذا ‪ -‬تعني‪ :‬قصير ًة ‪ -‬فقال‪ :‬لقد قل ِ‬
‫لمزجته))[‪ ، ]7‬والمعنى‪ :‬أنها لو كانت هذه الغيبة مما يمزج بالبحر‪ ،‬لغيرت لونه وطعمه وريحه مع كثرته وسعته‪ ،‬فكيف‬
‫بالغيبة لو خالطت أعمااًل قليلة ال نعلم قبولها أو ردها؟ فهنا أنكر عليها النبي وبين عظيم إثم الغيبة‪.‬‬
‫‪ ‬‬
‫الثاني‪ :‬صاحبها؛‪  ‬فإما أن يتحلل منها بطلب العفو ممن اغتابه إن لم يكن هناك مفسدة‪ ،‬فإن كان هناك مفسدة كزيادة أ ًذى‬
‫عندما يعلم‪ ،‬أو تكون سب ًب ا للعدوان على المغتاب‪ ،‬أو مفسدة كمال األلفة والمحبة بينهما‪ ،‬فهنا يكفي لصاحب الغيبة أن‬
‫يدعو لمن اغتاب ويستغفر له[‪.]8‬‬
‫‪ ‬‬
‫مواقف وأقوال السلف والعلماء عن الغيبة‪:‬‬
‫وقد كان السلف وعلماء األمة يدركون ضرر الغيبة على الدين وعلى الفرد والمجتمع‪ ،‬فس َّطروا لنا أقوااًل تبين عمق فهم‬
‫هذه المسألة؛ ومن ذلك‪:‬‬
‫دار بين سعد بن أبي وقاص وبين خالد بن الوليد كالم‪ ،‬فذهب رجل ليقع في خالد عند سعد‪ ،‬فقال سعد‪" :‬مه إن ما بيننا‬
‫لم يبلغ ديننا"[‪ ، ]9‬وقد كان عمرو بن العاص يسير مع أصحابه فمر على بغل ميت قد انتفخ‪ ،‬فقال‪" :‬وهللا ألن يأكل‬
‫أحدكم من هذا حتى يمأل بطنه‪ ،‬خير من أن يأكل لحم مسلم"[‪ ، ]10‬وعن عدي بن حاتم قال‪" :‬الغيبة مرعى اللئام"‪،‬‬
‫وعن كعب األحبار‪" :‬الغيبة تحبط العمل"‪ ،‬وقال أبو عاصم النبيل‪" :‬ال يذكر في الناس ما يكرهونه إال سفلة ال دين له"‪.‬‬
‫‪ ‬‬
‫أقول ما سمعتم‪ ،‬وأستغفر هللا من كل ذنب وخطيئة‪ ،‬فاستغفروا هللا إن هللا غفور رحيم‪.‬‬
‫‪ ‬‬
‫الخطبة الثانية‬
‫الحمد هلل على إحسانه‪ ،‬والشكر له على توفيقه وامتنانه‪ ،‬وأشهد أن ال إله إال هللا وحده ال شريك له تعظي ًما لشأنه‪،‬‬
‫وأشهد أن نبينا محمدً ا عبدهللا ورسوله الداعي إلى رضوانه‪ ،‬صلى هللا عليه وسلم وعلى آله وأصحابه وإخوانه؛ أما‬
‫بعد‪:‬‬
‫‪ ‬‬
‫بعض األحوال التي تجوز فيها الغيبة‪:‬‬
‫فقد يحتاج اإلنسان أن يتكلم في غائب بما يكره لمصلحة راجحة‪ ،‬وقد جمع العلماء تلك الحاجة في ستة مواطن؛ هي‪:‬‬

‫األول‪ :‬حال التظلم‪  ‬لمن يقدر على رفع المظلمة‪ ،‬عندها يجوز له أن يغتاب ظالمه بقدر الحاجة مثاًل ؛ قال تعالى‪ ﴿ :‬اَل ُيح ُّ‬
‫ِب‬
‫ِيعا َعلِي ًما‪[ ﴾ ‬النساء‪.]148 :‬‬
‫سم ً‬‫هَّللا ُ ا ْل َج ْه َر ِبالسُّوءِ مِنَ ا ْل َق ْو ِل ِإاَّل مَنْ ُظلِ َم َو َكانَ هَّللا ُ َ‬
‫‪ ‬‬
‫الثاني‪ :‬حال االستفتاء؛‪  ‬قالت هند بنت عتبة تستفتي الرسول صلى هللا عليه وسلم‪(( :‬يا رسول هللا‪ ،‬إن أبا سفيان رجل‬
‫علي جناح أن آخذ من ماله ما يكفيني وبني‪ ،‬قال‪ :‬خذي بالمعروف))[‪.]11‬‬ ‫شحيح‪ ،‬فهل َّ‬
‫‪ ‬‬
‫الثالث‪ :‬االستعانة على تغيير المنكر؛‪ ‬يدل عليه قوله تعالى‪َ  ﴿ :‬و َت َع َاو ُنوا َعلَى ا ْل ِب ِّر َوال َّت ْق َوى َواَل َت َع َاو ُنوا َعلَى اِإْل ْث ِم‬
‫ب‪[ ﴾ ‬المائدة‪.]2 :‬‬ ‫ان َوا َّتقُوا هَّللا َ ِإنَّ هَّللا َ َ‬
‫شدِي ُد ا ْل ِع َقا ِ‬ ‫َوا ْلعُدْ َو ِ‬
‫‪ ‬‬
‫الرابع‪ :‬النصيحة؛‪  ‬حيث قال رسول هللا صلى هللا عليه وسلم لفاطمة بنت قيس عندما طلبت منه النصح فيمن تتزوج‪،‬‬
‫فقال‪(( :‬أما معاوية فرجل َت ِرب ال مال له‪ ،‬وأما أبو جهم فرجل َّ‬
‫ضراب للنساء‪ ،‬ولكن أسامة بن زيد))[‪.]12‬‬
‫‪ ‬‬
‫الخامس‪ :‬المجاهر بالفحش المستعلن ببدعته؛‪  ‬ففي الحديث‪(( :‬استأذن رجل على رسول هللا صلى هللا عليه وسلم فقال‪:‬‬
‫ائذنوا له‪ ،‬فبئس ابن العشيرة‪ ،‬أو أخو العشيرة))[‪.]13‬‬
‫‪ ‬‬
‫السادس‪ :‬التعريف برجل فيه صفة غير مرغوبة‪ ‬وال يعرف إال بها كاألعرج‪ ،‬لكن يجب أال يكون على وجه التنقص‪.‬‬
‫‪ ‬‬
‫الدعاء‪:‬‬

‫َب َل َنا مِنْ لَ ُد ْن َك َر ْح َم ًة ِإ َّن َك َأ ْنتَ ا ْل َوه ُ‬


‫َّاب‪.﴾ ‬‬ ‫♦‪َ  ﴿ ‬ر َّب َنا اَل ُت ِز ْغ قُلُو َب َنا َب ْعدَ ِإ ْذ َه َد ْي َت َنا َوه ْ‬
‫‪ ‬‬

‫سول َ َف ْاك ُت ْب َنا َم َع ال َّ‬


‫شا ِهدِينَ ‪.﴾ ‬‬ ‫♦‪َ  ﴿ ‬ر َّب َنا آ َم َّنا بِ َما َأ ْن َز ْلتَ َوا َّت َب ْع َنا َّ‬
‫الر ُ‬
‫‪ ‬‬

‫♦‪َ  ﴿ ‬قااَل َر َّب َنا َظلَ ْم َنا َأ ْنفُ َ‬


‫س َنا َوِإنْ لَ ْم َت ْغف ِْر َل َنا َو َت ْر َح ْم َنا لَ َن ُكو َننَّ مِنَ ا ْل َخاسِ ِرينَ ‪.﴾ ‬‬

‫‪ ‬‬

‫وب َنا ِغاًّل لِلَّذِينَ آ َم ُنوا َر َّب َنا ِإ َّن َك َر ُء ٌ‬


‫وف َرحِي ٌم﴾‪.‬‬ ‫ان َواَل َت ْج َعلْ فِي قُلُ ِ‬
‫س َبقُو َنا ِباِإْلي َم ِ‬
‫اغف ِْر َل َنا َوِإِل ْخ َوانِ َنا الَّذِينَ َ‬
‫﴿ر َّب َنا ْ‬
‫♦‪َ  ‬‬
‫‪ ‬‬

‫♦‪(( ‬اللهم زدنا وال تنقصنا‪ ،‬وأكرمنا وال ُت َّه نا‪ ،‬وأعطنا وال تحرمنا‪ ،‬وآثرنا وال تؤثر علينا‪ ،‬وأرضنا وارض عنا))‪.‬‬

‫‪ ‬‬

‫♦‪((  ‬اللهم ألف بين قلوبنا‪ ،‬وأصلح ذات بيننا‪ ،‬واهدنا سبل السالم‪ ،‬ونجنا من الظلمات إلى النور‪ ،‬وجنبنا الفواحش ما‬
‫ظهر منها وما بطن‪ ،‬وبارك لنا في أسماعنا‪ ،‬وأبصارنا‪ ،‬وقلوبنا‪ ،‬وأزواجنا‪ ،‬وذرياتنا‪ ،‬وتب علينا إنك أنت التواب‬
‫الرحيم‪ ،‬واجعلنا شاكرين لنعمك مثنين بها عليك‪ ،‬قابلين لها‪ ،‬وأتمها علينا))‪.‬‬
‫‪ ‬‬

‫♦‪  ‬اللهم آمنا في أوطاننا‪ ،‬واحفظ اللهم والة أمورنا‪ ،‬ووفق بالحق إمامنا وولي أمرنا‪.‬‬

‫‪ ‬‬

‫♦‪ ‬اللهم اك ِ‬
‫ف المسلمين كيد الكفار‪ ،‬ومكر الفجار‪ ،‬وشر األشرار‪ ،‬وشر طوارق الليل والنهار‪ ،‬يا عزيز يا غفار‪.‬‬

‫‪ ‬‬

‫س َن ًة َوقِ َنا َع َذ َ‬
‫اب ال َّن ِ‬
‫ار‪.﴾ ‬‬ ‫س َن ًة َوفِي اآْل خ َِر ِة َح َ‬
‫♦‪َ  ﴿ ‬ر َّب َنا آتِ َنا فِي ال ُّد ْن َيا َح َ‬
‫‪ ‬‬

‫♦‪  ‬سبحان ربنا رب العزة عما يصفون‪ ،‬وسالم على المرسلين‪ ،‬وآخر دعوانا أن الحمد هلل رب العالمين‪.‬‬

You might also like