Professional Documents
Culture Documents
عربي فاينل
عربي فاينل
كبيرا ،إذ أفادت من جهود األمويين ثم زادت عليها أضعافا تأليفا وترجمة
ً العصر العباسي األول (232 - )132هـ )846 - 749 ،حققت الدولة اإلسالمية في ظل العباسيين تقد ًما حضاريًا
فضالً عن ازدهار فنون الغناء والموسيقى وا لعمارة ،وازدهار وسائل العيش في المالبس والمساكن والطعام والشراب .وكان لخلفاء بني العباس إسهام كبير في تشجيع المد الحضاري
وتغذيته ،فعقدوا المجالس لألدباء والعلماء والمغنين ،وأجزلوا العطاء ،وأنشأوا المكتبات ودور العلم ،وجلبوا الكتب األجنبية بكثره .كانت دمشق حاضرة الخالفة األموية ،ثم صارت بغداد
حاضرة العباسيين ،وزخرت بالشعراء والعلماء وأهل الفن .وإذا كان األمويون أدخلوا الثقافة البيزنطية ،فإن العباسيين قد تأثروا بالثقافة والحضارة الفارسية .كان من األمور الناجمة عن
الثراء والترف واالمتزاج بالشعوب التي فتحت بلدانها أن نشأت تيارات منحرفة تمثلت في الشعوبية والزندقة والمجون.
أما الشعوبية فهم أولئك القوم الذين عادوا العرب ،ولم يروا فيهم إال بدوا ورعاة غنم وسكان خيام ،ومجرد قبائل لم تجمعهم دول منظمة مثل غيرهم من األمم كالروم والفرس .ويعكس تيار
الشعوبية حقد الشع وب المغلوبة على األمة العربية التي حباها هللا برسالة اإلسالم ،وحقق لها الغلبة على أعداء هذه الرسالة ومن أشهر دعاة الشعوبية :عالن الشعوبي وسهل ابن هارون
وبشار بن برد وأبو نواس .أما الزندقة ،فقد نجمت عن االمتزاج بشعوب من نخل وديانات شتى ،منها المانوية والمزدكية والزرادشتية .وقد تعقب خلفاء بني العباس هذا التيار بحزم ،
وبخاصة الخليفة المهدي ،الذي اتخذ ديوانا خاصا لتعقبهم .وكان للكتب التي حملت أفكار الزندقة أثرها في طائفة من ضعاف النفوس .ويوجد دائ ًما في فترات االنفتاح العقلي من يولع بالتقليد
ألرباب األفكار الشاذة المستوردة ،ويميل إلى اعتناقها والوالء لها أكثر من أربابها .ومن أشهر زنادقة ذلك العصر :ابن المقفع ،الذي قال فيه الخليفة المهدي :ما وجدت كتاب زندقة قط إال
ضا :صالح بن عبد القدوس الشاعر ،وبشار بن برد .وإذا كنا قد خصصنا المهدي باإلشارة في تعقب الزنادقة فإن غيره من خلفاء بني العباس لم وأصله ابن المقفع .ومن هؤالء الزنادقة أي ً
وكثيرا ما كان الحوار يجري بحضور ً حوارا ومناظرة ،
ً سا للعقيدة وتعقبا ألعدائها من الزنادقة .وإذا كان الخلفاء ووالتهم قد تعقبوا الزنادقة قتالً وقمعا ،فإن المتكلمين تعقبوهم
يقلوا عنه تحم ً
ضا أحد الوجوه السلبية لالختالط باألعاجم وانفتاح المجتمع العربي المسلم ضا من خالل نقض آرائهم في مقاالتهم ورسائلهم ومناظراتهم .أما تيار المجون ،فقد كان أي ً الخليفة .كما تعقبوهم أي ً
على عقائدهم وعاداتهم وأخالقهم من خالل هذا االختالط ومن خالل حركة الترجمة والنقل التي اتسعت في هذا العصر اتساعا عظي ًما.
واألمر الذي ال شك فيه أنه كان ثمة عالقة وثيقة بين هذه الظواهر الثالث ،وهي :الشعوبية والزندقة والمجون ،وذلك بحكم أنها جميعها كانت صادرة عن مصدر واحد ،هو المصدر
األجنبي ،كما كانت صبغة العداء للدولة اإلسالمية تشكل عامالً مشتركا بينها .وحين نطالع المصادر األدبية في العصر العباسي يطالعنا أدب مصطبغ بالمجون في شعره وقصصه وأخباره.
وفي كتاب األغاني الكثير من أخبار أبي نواس وأشعاره ،وكذلك مطيع ابن إياس وحماد عجرد ،وسواهم .ومع كل ما تقدم فال ينبغي التصور بأن حياة المجتمع العباسي قد أسلمت قيادها
تما ًما للشعوبية والزندقة والمجون ،وأن هذه الحياة قد تحلت من كل قيود العقيدة واألخالق ،فلقد كان لتيار الدين سلطانه الذي لم يقهر ،إذ ظهر الزهد والزهاد ،بل ظهرت بواكير التصوف
،هذا إلى جماهير العلماء والوعاظ وأهل النسك ،ومجالسهم التي عمرت بها أرجاء بغداد في مساجدها ورباطاتها وقصورها .ومن هؤالء عبد هللا بن المبارك ،وسفيان الثوري ،ومعروف
الكرخي ،وابن السماك .كما كان من وعاظ البصرة :األسواري الذي وصفه الجاحظ بقوله " :كان من أعاجيب موسى الدنيا ،كانت فصاحته بالفارسية في وزن فصاحته بالعربية"
على أنه ينبغي أال تغفل تيار الحركة العقلية ،إذ نضـجت العلوم ،ورسخت مناهج البحث فيها ،وكثرت المؤلفات في علوم الدين عقيدة وشريعة ،فضالً عن المؤلفات اللغوية والنحوية ،
وكتب األدب الخاص ،ودواوين الشعراء وقد كان التيار الديني والتيار العقلي يحاوالن معًا كبح تيارات الشعوبية والزندقة والمجون .وإذا كانت هذه التيارات قد أحدثت آثارها السلبية في
المجتمع فإنها شكلت لو ًنا من ألوان التحدي للعقل العربي ،فراح يقاومها بكل سبيل ،كما حفزت همم أهل الغيرة الدينية للتصدي لها والتغلب عليها .وهكذا شهدت الساحة لو ًنا من الصراع
كبيرا في أغراضهً تطورا
ً العقلي والروحي .فكان لإلسالم تأثيره الواسع في أنحاء الدولة اإلسالمية وانتشرت اللغة العربية ،وتعريت الشعوب األعـجـمـيــة .ولقد حقق الشعر في هذا العصر
وأفكاره وفي شكله الفني ،وز ًنا وقافية ولغة .وهذه نتيجة طبيعية التساع جوانب التجربة العقلية عن طريق الترجمة واالختالط بأجناس بشرية مختلفة ،وتطور المعارف الدينية واللغوية
واألدبية ،واتساع حركة التأليف ،وظهور المعارف الفلسفية .وفي هذا العصر ظهر من يطلق عل يهم الباحثون الشعراء المحدثون ،أو الشعراء المولدون مثل بشار وأبي نواس ومطيع بن
إياس .وترتب على تطور الشعر في تلك الحقبة أن نشأ صراع حاد بين أولئك المحدثين ،ومن تصدّى لهم من المحافظين في ما يسمى اصطالحا قضية عمود الشعر .أي( :األصول التقليدية
المرعية للقصيد ة العربية) .وكان للغويين خاصة دور كبير في تمثيل تيار المحافظين ،وبخاصة في جانبي اللغة والصورة الفنية للقصيدة العربية .وقد تبدت مظاهر التطور الشعري في
األغراض والمعاني والوزن ،والقافية ،وبناء القصيدة ،واللغة .ولكن هناك أغراض جدّت واستحدثت ،وأغراض بقيت على ماكانت عليه ،مع شيء من التجديد في بعض عناصرها .فمما
رمزا بارزا له ،وهناك أبو نواس ،وهو وإن اشتهر بالمجون والخمريات ،فقد ألم بشيء من الزهد في بعض شعره في أخريات حياته .وقد ً ج ًد من األغراض الزهد الذي كان أبو العتاهية
كان هذا الزهد إسالمي الطابع ،ومن هنا حفلت الزهديات بالكثير من قيم التقوى وترقب يوم الحساب واإلعراض عن ملذات الحياة الزائلة .وكان هذا الشعر يمثل تيار رد الفعل لشعر
المجون والخمريات .ومن األغراض الجديدة الشعر التعليمي .كما ظهر لون جديد من الشعر هو الشعر الفكاهي الذي ضم النوادر المضحكة ،والمعاني الفكهة .وقد هيأ لظهور هذا اللون
الجديد جو المرح واللهو في هذا العصر ،وانتشار مجالس األنس والسمر ،خاصة في قصور الخلفاء والوالة واألعيان ومن هذا ما نجده لدى بشار في أبيات له تحكي قصة عشق حمار
ألتان ،وفيها يقول بشار على لسان حماره:
سيدي من بعناني *** نحو باب األصبهاني
إن بالباب أتانا *** فضلث كل أتان
تيمتني يوم رحنا *** بثناياها الحسان
و بحسن ودالل *** سل جسمي وبراني
و لها خـــــــد أسيل *** مثل خد الشيفران
حمارا فاسألوه وواضح أن الكلمة مرتجلة إمعانا من الشاعر في التفكه ،وكان تفسير
ً بشارا عن معنى لفظ الشيفران ،فأجابه بشار :هذا من غريب الحمار فإذا لقيتم ً ثم سأل أحد الجالسين
بشار لها أكثر فكاهة وواض ح من األبيات سخرية الشاعر من شعراء الغزل في عصره خاصة .كما أن هذا اللون الجديد من الشعر الفكاهي قد استخدمه فريق من الشعراء للسخرية والنقد
ضا ما يسمى بشعر الطرديات وهو ذلك الشعر الذي يصف رحالت الصيد والطرائد وكالب الصيد والصقور ،وما لبعض ما ال يروقهم من األفكار والعادات .ولقد ظهر في هذا العصر أي ً
إلى ذلك .وهذا الغرض وإن كانت له جذور فيما سبق من العصور فقد اتسعت جوانبه ،وتفنن فيه الشعراء حتى صار فنا جديدًا ،وكان أبو نواس من أبرز الشعراء ميالً لهذا الغرض .وال
تعبيرا عن بعض مظاهر الفقر ،كما كان سواه صدى لحياة الثراء والترف ، ً شك أن حياة الترف والثراء كانت وراء هذا الغرض الشعري .كما ظهر شعر الشكوى من البؤس ،الذي كان
وقريب من شعر الشكوى من البؤس شعر الشكوى من العاهات ،وهو ضرب من رثاء ما ذهب من األعضاء أو الحواس ،مثل أشعار أبي يعقوب الخريمي الذي أكثر من بكاء عاهة العمى
لديه ،وتصوير مشاهده ومواقفه بكل صدق .وقد كان هذا الغرض الشعري وأمثاله من األغراض نتيجة لعمق الوعي بالذات ،فضالً عـن رقـة المشاعر التي اكتسبها الشعراء ،خاصة بحكم
مــا أصــاب الحيــاة مـــن التحضر والرفاهية .كما أن دقة تصوير الشعراء للنفس البشرية في أدق خلجاتها كانت نتيجة التساع ألوان الثقافة ،التي تثري التجربة الشعرية وتكسبها العمق
واالتساع .أما األغراض التي بقيت مع شيء من التطوير فمنها ،على سبيل المثال ،المديح وهو غرض عريق شائع في الشعر العربي غير أن الشعراء المحدثين أثروه بما أدخلوا عليه من
عمق التحليل للفضائل النفسية و الخلقية ،نتيجة لما اكتسبوه من الثقافات ،ومثل ذلك شعر الهجاء ،فقد تناولوه أيضا بشيء من البسط والتحليل لألخالق ،ولكن في جوانبها السلبية على أن
شعراء هذا العصر بمدائحهم وأهاجيهم قد تغلغلوا في النفس البشرية وكشفوا عن كوامنها ،كما أنهم بتناولهم للفضائل والرذائل رسموا المثل التي ينبغي اإلقبال عليها .ولعل شعر الرثاء ،
وإن كان غرضا قدي ًما ،قد أصابه حظ .قليل من التطور ،فلم يعد رثاء للناس فحسب ،بل صار رثاء للمدن واألماكن ،كرثاء بغداد على أثر ضربها بالمنجنيق في عصر األمين ،حيث
عمها الخراب ،وعاث في جوانبها ال مفسدون .كما طرأ تغير على الرثاء ليصبح رثاء للحيوان والطيور المستأنسة ،وقد استكثر أحمد بن يوسف الكاتب من هذا اللون الطريف ،الذي يدل
على اتساع آفاق اإلبداع الشعري نتيجة التساع آماد الثقافة .ويمكن القول إجماالً أنه ما من غرض شعري قديم إال دخله التطوير والتجديد على أيدي الشعراء المحدثين من حيـث :اللغة ..فلقد
امتدت حركة التجديد في الشعر إلى اللغة وذلك من جملة وجوه توجز فيما يلي :أوالً :سهولة الشعر ،وال يعني هذا أن الشعراء المولعين باللفظ الغريب قد انقرضوا ،فقد بقي منهم أمثال أبي
إنكارا
ً البيداء الرياحي وابن الدمينة وأبي ضمضم الكالبي ،وقد كانوا من أهل البادية ،كما كانوا رواة للشعر القديم وللغة .على أن هذه اللغة السهلة التي عمد إليها الشعراء المحدثون ،لقيت
من علماء اللغة الذين لم يكن ذوقهم يسيغ إال الشعر القديم بألفاظه الغريبة ،وذلك لسببين :األول يتعلق بقضية االحتجاج اللغوي ،والثاني أنهم كانوا يقتصرون على رواية الشعر القديم
ويتخذونه مادة للتعليم ،ويعتقدون أن هذا الشعر القديم هو الوعاء الحقيقي ألصول اللغة .ثانيا استخدام بعض األلفاظ األعجمية ،ومن أشهر الشعراء ذلك أبو نواس إذ كان يستكثر من هذه
األلفاظ ،حتى لتأتي بعض عباراته الشعرية فارسية خالصة ،وال شك أن امتزاج األعاجم بالعرب قد قيض لهذا الشعر شيئًا من الرواج .ثالثا :مخالفة بعض الشعراء لألقيسة المعروفة في
اللغة ،مما جعل نقاد هذا العصر يتهمون الشعراء بالخروج على أصول العربية ،مع أن في كثير من مخالفات هؤالء الشعراء ما يمثل لهجة عربية أو يكون من قبيل الضرورات الشعرية.
عا عن لغة أبي نواس" :وقد كان أبو نواس يُلحْ ُن في أشياء من شعره ال أراه فيها إال حجة من الشعر المتقدم وعلى علة بينة من على النحو" .وخالصة ما تقدم فإن التجديد يقول ابن قتيبة -دفا ً
في عنصر اللغة خا صة قد أثار تيار الصراع بين القديم ،الذي كان يمثله اللغويون بمعاييرهم التقليدية المتشددة ،وبين الشعراء المولدين يساندهم فريق من أنصار حركة التجديد ،وعلى
رأسهم ابن قتيبة .واألوزان :فلقد تطور شعر هذا العصر في أوزانه ،فعمد المولدون خاصة إلى المقطعات وإلى المجزوء ات ،واستكثروا من األوزان الخفيفة الزاخرة باإليقاع وبخاصة
المقتضب والمتدارك والوزن األخير أغفله الخليل واستدركه عليه تلميذه األخفش وفي تجديد الشعراء في القافية استحدثوا ما يسمى بالمزدوج والمسمطات والمزدوج نوع من النظم المتعدد
القوافي ،إذ تختلف القافية فيه من بيت إلى بيت ،ثم تتحد القافية في ال شطرين المتقابلين ،وتكون على بحر الرجز .وقد كثر استعماله في المنظومات التعليمية بوجه خاص .أما المسمطات
فهي قصائد تتألف من أدوار ،يتركب كل دور من أربع شطرات أو أكثر ،وتتفق شطرات كل دور في قافية واحدة ،عدا الشطر األخير ،فإن قافيته تكون مخالفة .ومن حيث بناء القصيدة :
فمن أهم عناصر التجديد الشعري ما يتعلق ببناء القصيدة ،فقد تخلص الشعراء المولدون من المقدمات الطللية التي كانت لدى القدماء ،وتجاوزوها إلى أطالل مستحدثة اقتضتها تطورات
الحياة ،فكان هناك أطالل القصور في المدن تستقل بها قصائد تامة ،وال تتوقف عن د المقدمة ،ومنها سينية البحتري التي وقف فيها على أطالل إيوان كسرى وصور لوحاته الفنية المنقوشة
على جدرانه .وأحيا ًنا يستخدم الشاعر العباسي مقدمات لقصائده في وصف الطبيعة في المدن ،وهي تتمثل في الحدائق التي افتن العباسيون في تنسيقها ،كما اتخذوها متنزهات لهم .وأبرز
ضا ،نضجا في التأليف البالغي الذي ال يعدم صلته بالنقد األدبي .وأبرز األعمال البالغية النقدية كتاب البديعنقاد هذا العصر ابن قتيبة في كتابه الشعر والشعراء .كما شهد هذا العصر ،أي ً
لعبد هللا بن المعتز مع نثار نقدي قليل ومتفرق في كتابه طبقات الشعراء المحدثين ،كما ال يخلو كتاب الكامل ألبي العباس المبرد من نظرات نقدية بالغية .هذا إلى ما للجاحظ من جهود
رائدة في تأسيس البالغة الممزوجة بنظرات نقدية صائبة .وبالجملة فإن القرن الثالث الهجري شهد ظهور أمهات كتب النقد األدبي ،التي غدت مصادر نقدية أساسية للعصور الالحقة.
العصر العباسي الثالث من قيام الدولة البويهية إلى سقوط بغداد 656 - )334( ،هـ 1258 - 945 ،م .بدا واض ًحا في هذا العصر أن الدول واإلمارات التي انقسمت إليها الخالفة العباسية
كانت ،بحكم ما بينها من تنافس ،سببًا في االزدهار األدبي والحضاري ،وإن كانت عامل ضعف سياسي في بناء الخالفة .وإذا كانت حركة الترجمة واالتصال بالثقافات األجنبية قد بدأت
تؤتي ثمارها في العصر السابق ،فقد تأكدت نتائج هذا االتصال بظهور مواهب فنية وعقلية فذة ،كما اتسعت فنون األدب شعره ونثره .ففي مجال الشعر ظهر المتنبي والمعري والشريف
الرض ي .وفي مجال النثر ظهر أبو حيان التوحيدي وبديع الزمان الهمذاني .وفي مجال التأليف ظهر أبو الفرج األصفهاني بموسوعته الكبرى األغاني وبرز أبو منصور الثعالبي بمؤلفه يتيمة
الدهر الذي كان مدرسة فـ التأريخ األدبي احتذاها كثير من المشارقة والمغاربة ،هذا إلى كتب أبي علي التنوخي مثل نشوار المحاضرة بعد الشدة .والفرج ولقد اتسعت حركة التأليف اللغوي
،فشهد هذا العصر لو ًنا جديدًا من البحث اللغوي تمثل في كتاب الخصائص البن ج ّني ،وظهور أنماط شتى من المعاجم اللغوية .كما تمثل في حركة التأليف في التاريخ اإلسالمي والجغرافيا
قادرا على االبتكار واإلسهام في والعلوم اإلسالمية ،والفلسفة والعلوم البحتة والتطبيقية ،إلى غير ذلك من العلوم .ويعكس هذا النشاط التأليفي هضم العقل العربي للثقافات هضما جعله ً
الحضارة اإلنسانية بجهد متميز .أما الفنون األدبية ،فأبرزها ما اصطلح حديثا على تسميته باألدب الشعبي ،مثل ألف ليلة وليلة ذات التأثير الواسع والعميق في اآلداب العالمية ،وسيرة
عنترة ،ثم هذا النوع من القصص االبتكاري ،ومن أبرز نماذجه رسالة الغفران ألبي العالء المعري .كما ظهرت في مجال الشعر فنون شعبية مستحدثة ،منها الموشح والزجل والمواليا.
قاصرا على
ً وهكذا ،فإن الصورة العامة لهذا العصر قد تراها أدبا وع لما ،تدل على ازدهار متميز حقق به اإلبداع العربي نبوغه ومقدرته الفذة على االبتكار .ولم يعد االبتكار الفني والعقلي
بيئة دون أخرى بل اتسعت رقعة هذا االبتكار ليشمل شتى الحواضر العربية ،ثم يتجاوزها إلى ديار األعاجم الذين شاركوا بعمق في حركة االبتكار الفني والعقلي ولقد اصطبغ الشعر بصبغ
قادرا على تجسيد قضايا اإلنسان والكون والحياة ،دون أن يفقد نبضه الوجداني ومقدرته الفذة على التخييل والتصوير ،وقد ظهر أبو الطيب المتنبي نموذجا للشاعر الذي تمثل فكري جعله ً
في عمق شتّى الثقافات ،مع موهبة فنية نادرة النظير وثروة لغوية وارتكاز على التراث األصيل ،وهو يعبر عن هموم عصره من خالل ذاته وفكره .وإذا كان المتنبي والمعري يمثالن
النموذج المتفرد في التعبير اإلنساني ،فقد كان من الطبيعي أن يظهر إلى جوارهما عشرات الشعراء ،ممن كانوا دونهما نبوغا وعبقرية ،لكنهم ،على كل حال ،كانوا يمثلون اتجاهات
شعرية متباينة ومستويات شعرية مختلفة .ومن هؤالء الشعراء :أبو فراس الحمداني ،وكشاجم والواواء الدمشقي والشريف الرضي ومهيار الديلمي وابن نباتة الشغدي .ويزخر كتاب يتيمة
الدهر للثعالبي بجمهور كبير من هؤالء الشعراء الذين ظهروا في بيئات عربية وأعجمية مختلفة .وإذا كان األندلس يفاخر المشرق بفن الموشح ،فإن المشرق ،في محاولة للتميز ،حاول أن
يتفرد بدراسة هذا الفن المستحدث واستخالص قواعده وأوزانه ،فظهر ابن سناء الملك بكتابه دار الطراز في عمل الموشحات ولئن عجز ابن سناء الملك عن استخالص أعاريض الموشح
وحصر أوزانه في كتابه المتقدم فإنه وفق إلى استخالص سائر قواعده من خالل منهج سديد جمع بين النظرية والتطبيق .ونطالع في مرحلة متأخرة من هذا العصر أسماء شعراء مثل البهاء
كثيرا من لغة الحياة الدارجة ،إلى ما ً زهير وابن مطروح ،وهما من أصدق الشعراء تمثيالً لروح العصر ،إذ اتسمت أشعارهما بالرقة والعفوية ،فضالً عن تلك اللغة السهلة التي تقترب
لدى البهاء زهير من نزوع إلى الغزل الذي ،وإن لم يعبر عن معاناة حقيقية يعكس روح الدعابة وخفة الظل لديه .كما نطالع شعر التصوف لعمر بن الفارض ولغيره من الشعراء إذ كان
أثرا في حياة الناس ،خاصة في ديار الشام ومصر ،فمن البدهي أن يترك الشعر الصوفي صدى لتيار التصوف في هذا العصر .وإذا كان الغزو الصليبي يشكل لهذا العصر أعمق األحداث ً
هذا الغزو تأثيره على الشعر إذ راح الشعراء يعبرون عن أحزانهم بهزيمة أو أفراحهم بنصر ،مع رثاء المدن أو مدح السالطين من بني أيوب .ولكن ينبغي االعتراف بأن الشعر العربي
كبيرا في ازدهارا ً
ً شاعرا فحالً في مستوى أبي تمام والمتنبي وهما يعبران في قصائدهما الحماسية عن حركة النضال ضد الروم .ولقد ازدهر ً لهذه الحقبة ،كان من الضعف بحيث ال نجد
هذا العصر منتف عا بما سبق من جهود النقاد ..وأهم النقاد في هذا العصر أبو هالل العسكري والقاضي الجرجاني واآلمدي ،وابن رشيق القيرواني وابن األثير .
متأثرا بشيخه قدامة بن جعفر ،فإن القاضي الجرجاني في الوساطة واألمدي في الموازنة ،يمثالن االتجاه التطبيقي في النقد ً وإذا كان أبو هالل العسكري يمثل االتجاه النظري في النقد
األدبي .أما كتاب العمدة البن رشيق القيرواني ،فيعد أشمل مؤلف في دراسة الشعر ،إذ ال يقتصر على النقد بل يتجاوزه إلى البالغة وبعض الثقافات التراثية التي تُع ّد ،بحق ،مفتا ًحا
لدراسة الشعر العربي القديم وبخاصة الجاهلي .كما أن كتاب المثل السائر في أدب الشاعر والناثر لضياء الدين بن األثير يُعد نموذجا للنقد األدبي الذي يجمع بين الشعر والنثر.
قصيدة ابن الرومي ..نموذجا ً
بكاؤكما يشفي وإن كان اليجدي *** فجودا فقد أودى نظيركما عندي
بكاء كما يا عيني ربما يشفي قليال من الغ ليل ولكنه ال يجدي فتيال فهو لن يرد ابنى الى الحياة فاذرف الدمع السخين والتبخال به فقد فقدت من يماثلكما في القيمة عندي بل هو أغلى
أال قاتل هللا المنايا ورميها *** من القوم حبات القلوب على عمد
لعن هللا الموت كيف يهجم على الناس ويتصيد عن قصد مسبق احباء قلوبهم واالعزاء على نفوسهم.
توخى حمام الموت أوسط *** صبيتي هلل كيف اختار واسطة العقد
لقد تقصد الموت أن يقع اختياره على ابني األوسط أحب ابنائي فكيف انتقى أثمن وأكبر جوهرة في عقد عائلتي واختطفها من أمام ناظري.
على حين شمت الخير في لمحاته *** وأنست من أفعاله آية الرشد
لقد كانت مخايله تدل على ذكاء واعد وفطنة متوقدة وكنت انتظر له مستقبال كبيرا لما كان يبدو عليه من بذور الذكاء والنشاط.
طواه الردى عني فأضحى مزاره *** بعيدا ً على قرب قريبا ً على بعد
لقد غيبه الموت الغادر عن ناظري ورغم أن قبره قريب مني اال انه بعيد عني ال يمكن رؤيته أو االجتماع به فهو بعيد بشخصه رغم قرب قبره ،وقريب بقبره رغم بعد التالقي معه.
لقد أنجزت فيه المنايا وعيدها *** وأخلفت اآلمال ماكان من وعد
كان يتجاذبه في مرضه جاذبان اولهما تهديد الموت المخيف وثانيهما امل واعد بالشفاء ولكن المنايا كانت أقوى واكثر سطوة فحققت تهديدها في حين لم ينجز األمل ما وعدنا به من انقاذه.
لقد قل بين المهد واللحد لبثه *** فلم ينس عهد المهد اذ ضم في اللحد
لم يعش في هذه الحياة الدنيا اال زمنا قليال ،وان المسافة التي تفصل بين والدته ومماته قصيرة فلم يكد ينسى عهد الطفولة حتى فجأه الموت وضمه القبر الموحش.
الح عليه النزف حتى أحاله *** الى صفرة الجادي عن حمرة الورد
لقد ألح ع ليه النزف واستمر يفقد دمه حتى ضعف وذبل وتحول لونه الزاهي الوردي الى صفرة كامدة تشبه صفرة الزعفران.
وظل على األيدي تساقط نفسه *** ويذوي كما يذوي القضيب من الرند
أخذ المرض يأكل منه شيئا فشيئا وتباطا ً خروج روحه فكان يذوب بين ايدينا مثلما يذوب قضيب الغار أو اآلس اذا القي في النار.
فيالك من نفس تساقط أنفسا *** تساقط در من نظام بال عقد
هللف أنت من نفس تذوي وتسقط فتذوي معها وتتساقط انفس محبيها كما تسقط حبات العقد حين ينفرط نظامه
عجبت لقلبي كيف لم ينفطر له *** ولو أنه أقسى من الحجر الصلد
فواعجبا لقلبي كيف بقي في مكانه ولم يتصدع حزنا عليه حتى لو كان هذا القلب من الحجر القاسي الصلب ألن مرأه وهو مريض كان يفتت األكباد.
وإني وان متعت بابني بعده *** لذاكره ماحنت النيب في نجد
سابقى على ذكراه ولن انساه واني ولو سلم لي ابناي الباقيان مقيم على عهده ذاكر أيامه الى االبد ما بقيت النوق المسنة تنوح على اوالدها في نجد
وأوالدنا مثل الجوارح أيها *** فقدناه كان الفاجع البين الفقد
إن أوالدنا قطع منا بل هم اعضاؤنا ،وإن فقدان أي واحد فيهم مؤلم وفاجع وقاس يشبه فصل عضو من أعضائنا عن جسمنا وخسران أي واحد فيهم ال يمكن أن يعوضه وجود اآلخرين.
األدب في العصر الحديث ..والمعاصر
مدرسة أبولو الشعرية :هي إحدى المدارس األدبية المهمة في األدب العربي الحديث .مؤسسها هو الشاعر الكبير أحمد زكي أبو شادي الذي ولد في عام 1892م و التي ضمت شعراء
الوجدان في مصر والعالم العربي .ولقد تشكلت هذه الجماعه في فترات من إحدى أصعب الفترات التاريخية وأقساها في تاريخ مصر الحديث حيث تهادن القصر واالنجليز واتفقا أن يسلبا
مصر من حق ديموقراطي أو دستوري واستطاعتا بمعاونة رئيس الوزراء محمد حمود ثم اسماعيل صدقي أن يوقفا الدستور ويعطال الحياة النيابيه ويقهرا كل رأي ويجهضا أي محاولة
للوقوف ضد استبداد الحكم وتبع ذلك االستبداد السياسي والقهر الفكري خراب اقتصادي وظلم اجتماعي فادحين كما تأخرت حركة التعليم وتعثرت كثير من الصحف والمحالت والنوادي
الثقافيه وفي وسط هذا االطار المتأزم والملتهب سياسيا واقتصاديا واجتماعيا ظهرت جماعة أبولو مابين ( .)1935-1932وهذه الظروف القاسية والتكوينات الخاصه الحالمه دفعت بعض
الشعراء وعلى رأسهم أحمد زكي أبو شادي لتكوين جماعة تنشر روحا من التآخي والتآلف بين الشعراء رغم اختاف مفاهيهم الفنيه وقدراتهم االبداعية وتسمية جماعة أبولو بهذا االسم يوحي
من زاويه خفيفه باتساع مجاالت ثقافتهم وابداعهم كما اتسمت بوظائف (االله االغريقيه أبولو ) التي تتصل بالتنميه الحضاريه ومحبة الفلسفه وإقرار المبادئ الدينيه والخلقيه
أهم الصفات المميزة للمدرسة
وقد وجد هؤالء الرومانسيون على اختالف ابداعاتهم في صورة الحب الحزين والمحروم الذي ينتهي إما بفراق وإما بموت معادال موضوعيا ليأسهم في الحياة وعجزهم االقتصادي وعجزهم
عن التصدي للواقع .وكانت صورة االنسان في أدبهم فردا سلبيا حزينا وهذ انراه واضحا في أشعار إبراهيم ناجي و علي محمود طه وروايات محمد عبد الحليم عبد هللا و محمد فريد أبو
حديد و يوسف السباعي وازدهار المسرح والروايه في هذه المرحله يدل داللة واضحه وأكيده على الرغبه الواعيه في الهروب من الواقع.
مدرسة الديوان :مدرسة الديوان هي حركة تجديدية في الشعر العربي ظهرت في النصف الثاني من القرن الثالث عشر على يد عباس محمود العقاد وإبراهيم المازني وعبد الرحمن شكري
سميت بهذا االسم نسبة إلى كتاب ألفه العقاد والمازني وضعا فيه مبادئ مدرستهم واسمه "الديوان في النقد" .حددت أهداف المدرسة كما يقول العقاد في الديوان:
"وأوجز ما نصف به عملنا إن أفلحنا فيه أنه إقامة حد بين عهدين لم يبق مال يسوغ اتصالهما واالختالط بينهما ،وأقرب ما نميز به مذهبنا أنه مذهب إنساني مصري عربي" ومما تدعو إليه
المدرسة التمرد على األساليب القديمة المتبعة في الشعر العربي سواء في الشكل أو المضمون أو البناء أو اللغة .ولقد نهجت هذه المدرسة النهج الرومانسي في شعرها ومن
أبرز سمات هذه المدرسة:
- 1الدعوة إلى التجديد الشعري في الموضوعات
- 2االستفاد من االدب الغربي
-3االطالع على الشعر العربي
- 4االتجاه إلى الشعر الوجداني القديم
- 5األستعانة بمدرسة التحليل النفسي
مدرسة أدب المهجر :
يطلق أدب المهجر على األدب الذي أنشأه العرب الذين هاجروا من بالد الشام إلى أمريكا الشمالية والجنوبية ،وكونوا جاليات عربية ،وروابط أدبية أخرجت صحفا ومجالت تهتم بشؤونهم
وأدبهم .و من أبرز شعرائهم وكتابهم جبران خليل جبران ،ميخائيل نعيمة ،إيليا أبو ماضي ،أمين الريحاني ،رشيد خوري ،فوزي المعلوف وآخرون.
خصائص أدب المهجر
- 1النزعة الروحية :التأمل في الحياة وفي أسرار النفس البشرية.
2الحنين إلى الوطن :لشعورهم بالغربة في وطنهم الجديد.
-3االتجاه إلى الطبيعة جددوا الطبيعة وجعلوها حية متحركة في صدورهم.
-4التجديد في الموضوعات واألغراض الشعرية :فالشعر لديهم تعبير عن موقف اإلنسان في الحياة ،غرضه تهذيب النفس .ونشر الخير والجمال والسمو إلى المثل العليا
-5التساهل في االستخدام اللغوي.
- 6التحرر من قيود الوزن والقافية.
- 7االهتمام بموسيقى اللفظ مما أدى إلى ظهور الشعر المنثور.
- 8استخدام الرمز.
-9النزعة اإلنسانية :تفاعلهم مع اإلنسان بغض النظر عن لونه وجنسه.
- 10استخدام األلفاظ الموحية.
مدرسة البعث واإلحياء:
تميزت النهضة األدبية على المستوى الفكري بظهور التيار السلفي الذي دعا إلى ضرورة العودة إلى المنابع األولى للدين اإلسالمي بهدف إصالح المجتمع ،وترجم هذا التوجه على المستوى
األدبي في العودة إلى القصيدة العربية القديمة ،في محاولة الستلهام روح القصيدة التقليدية ،سمي هذا التوجه بخطاب البعث واإلحياء.
تتميز هذه المدرسة بالمميزات التالية:
- 1استلهام تقاليد القصيدة القديمة وااللتزام بعمود الشعر العربي القديم من حيث البناء واللغة والتصوير الفني.
- 2إحياء القيم الثقافية العربية عبر استحضار ما حفل به الشعرالقديم من قيم وتمثالت عن الجمال والطبيعة واإلنسان والحياة.
-3المزاوجة بين التقاليد الفنية واالستجابة لضرورة العصر ،ومن ثم اال نخراط في القضايا الوطنية والقومية ،والخوض في المسألة االجتماعية.
إرادة الحياة (ألبي القاسم الشابي)
يب القَ َد ِر ب َي ْو َما أ َ َرا َد ْال َح َياة َ *** فَال بُ َّد أ َ ْن َي ْست َِج َ إذا الش ْع ُ
َو َال بُ َّد ِللَّي ِل أ ْن َي ْن َج ِلي *** وال بُ َّد للقَ ْي ِد أ ْن َي ْن َك ِسر
َ َ
َو َم ْن لَ ْم يُعَا ِنقَهُ ش َْوقَ ْال َح َياةِ *** تَ َب َّخ َر فِي َج ْوهَا َوا ْن َدثَ ِر
َصر فَ َويْل ِل َم ْن لَ ْم تَ ْشقُهُ ْال َح َياة ُ *** ِم ْن َ
ص ْف َع ِة ال َع َد ِم ال ُم ْنت ِ
ت ِلي ال َكا ِئنَاتُ *** َو َح َدثَ ِني ُرو ُح َها ْال ُم ْستَ ِت ِر كذلِكَ قَالَ ْ
الج َبا ِل *** يعش أ َ َب َد ال َّد ْه ِر َبيْنَ ال ُحفَ ِر صعُو َد ِ و َم ْن ال ي ُِحبّ ُ
صد ِْري ِر َياح أُخ ٍَر ت ِب َ ض َّج ْ ب *** َو َ ش َبا ِت ِبقَ ْل ِبي ِد َما ُء ال َّ فَ َع َّج ْ
وب الخَطر وح *** َو َم ْن َي ْستَ ِلذُ ُر ُك َ اس أ َ ْه َل ُّ
الط ُم ِ اركَ فِي ال َّن ِ أ ُ َب ِ
عي ِْش ْال َح َج ِر الز َمانَ *** َو َي ْق َن ُع ِب ْال َعي ِْش َ وال َع ْن َم ْن َال يُ َما ِشي َّ ْ
ي ،ي ُِحبُّ ْال َح َياة َ *** َو َيحْ تَ ِق ُر ْال َميْتَ َم ْه َما َكب ٍُر ُه َو ْال َك ْو ُن َح َّ
مفهوم األدب عبر العصور
إن كلمة أدب من الكلمات التي تطور معناها بتطور حياة األمة العربية وانتقالها من دور البداوة إلى أدوار المدنية والحضــــــارة .وقد اختلفت عليها معان متقاربة حتى أخذت معناها الذي
شعرا أم نثرا.
ً يتبادر إلى أذهاننا اليوم ،وهو الكالم اإلنشائي البليغ الذي يقصد به إلى التأثير في عواطف القراء والسامعين ؛ سواء أكان
العصر الجاهلي|عصر ما قبل االسالم
-العصر الجاهلي هو الفترة التي سبقت ظهور االسالم بمائة وخمسين عاما/قرن ونصف
-كلمة الجاهلية التي أطلقت على هذا العصر ليست مشتقة من الجهل الذي هو ضد العلم ونقيضه إنما مشتقة من الجهل بمعنى السفه والغضب والنزق
كانت القبيلة في العصر الجاهلي تتألف من ثالث طبقات
.1أبناؤها :وهم الذين يربط بينهم الدم والنسب وهم عمادها وقوامها
.2العبيد :وهم رقيقها المجلوب من البالد األجنبية المجاورة
.3الحبشة والموالي :وهم عتقاؤها ،ويدخل فيهم الخلعاء الذين خلعتهم قبائلهم ونفتهم عنها؛ لكثرة جرائرهم وجناياتهم .
الصفات الحميدة التي اشتهر بها العرب
الفروسية -الشجاعة -الصبر -الكرم -منازلة األعداء -الوفاء -نجدة المستغيث.
الصفات الذميمة التي اشتهر بها العرب
الخمر – استباحة النساء – القمار – وأد البنات
كان هناك نوعان من النساء :إماء وحراث
منهج القصيدة الجاهلية
.1تبدأ بالغزل والبكاء على األطالل (بقايا الديار)
.2الوصف (وصف الرحلة ،والطريق ،وحيوانات الصحراء)
.3االنتقال إلى الغرض الرئيس للقصيدة (الفخر -المدح -الرثاء -الهجاء -الغزل. )...
.4أحيا ًنا تُختم القصيدة بالحكمة
-تتالف القصيدة من وحدات موسيقية يسمونها األبيات وتتحد جميع األبيات في وزنها وقافيتها.
الشعر الجاهلي شعر غنائي
-هناك أربعة أضرب من الشعر :شعر قصصي وتعليمي وتمثيلي وغنائي
-يمتاز الشعر القصصي بأن قصائده طويلة فالقصيدة منه تمتد إ لى آالف األبيات ،وتتوالى فيه حلقات من األحداث تنعقد حول بطل كبير ،وقد يوجد بجانبه أبطال ولكن أدوارهم ثانوية وهي
في حقيقتها قصة إال أنها كتبت شعرا ،فالتسلسل القصصي فيها دقيق واالنتقال بين أجزائها منطقي محكم ،وهي قصة تفسح للخيال مجاال واسعا ،ولذلك كانت تكثر فيها األساطير واألمور
الخارقة ،وكانت اآللهة تظهر فيها عند اليونان بدون انقطاع .والشاعر في هذا الضرب القصصي ال يتحدث عن عواطفه وأهوائه؛ فهو شاعر موضوعي ينكر نفسه ،ويتحدث في قصته عن
بطل معتمدًا على خياله ،ومستمدا في أثناء ذلك من تاريخ قومه ،وكل ما له أنه يخ لق القصة ويرتب لها األشخاص واألشياء ،ويجمع لها المعلومات ،ويكون من ذلك قصيدته ،وعادة ينظمها
من وزن واحد ال يخرج عنه.
-يمتاز الشعر التعليمي بانة يتم فية تنظيم طائفة من المعارف على نحو ما
-يمتازالشعر التمثيلي بانة يعتمد على مسرح وعلى حركة وعمل معقد وحوار طويل بين األشخاص ،تتخلله مشاهد ومناظر مختلفة.
-هذه الضروب الثالثة موضوعية فالشاعر فيها ال يتحدث عن مشاعره وأحاسيسه؛ إنما يتحدث عن أشياء خارجة عنه.
-لم يعرف الجاهليون هذة الضروب الثالثة من الشعر ،فشعرهم منظومات قصيرة نادرا ما تجاوزت المائة بيت،وشعرهم ذاتي يمثل صاحبه وأهواءه .
-ولكن الشعر الجاهلي يقترب من الضرب الرابع الغنائي؛ ألنه يجول مثله في مشاعر الشاعر وعواطفه ،ويصوره فر ًحا أو حزينا الشعر الجاهلي شعر موضوعي
-لعل أقدم من حاول تقسيم الشعر العربي جاهليًّا وغير جاهلي إلى موضوعات ألف فيها ديوانا هو "أبو تمام المتوفى" فقد نظمه في عشرة موضوعاتّ .
ووزع قدامة في كتابة "نقد الشعر"
هذا الفن على ســـتــة موضوعات .وحاول بعقله المنطقي أن يرد الشعر إلى موضوعين.
-وجعل "ابن رشيق" موضوعات الشعر في كتابه العمدة تسعة ولكنة نسي موضوع الوصف.
-ويقول "أبو هالل العسكري" وإنما كانت أقسام الشعر في الجاهلية خمسة.
-ويقول "النابغة" ان اقسام الشعر ستة موضوعات ولكنة نسى موضوع الحماسة.
-شعر الرثاء اصله تعويذات للميت حتى يطمئن في قبرة.
-موضوعات الشعر الجاهلي تطورت من أدعية وتعويذات وابتهاالت لآللة إلى موضوعات مستقلة.
الخصائص المعنوية
لعل أول ما يالحظ على معاني الشاعر الجاهلي أنها معان واضحة بسيطة ليس فيها تكلف وال بعد وال إغراق في الخيال؛ سواء حين يتحدث عن أحاسيسه أو حين يصور ما حوله في
الطبيعة؛ فهو ال يعرف الغلو وال المغاالة ،وال المبالغة التي قد تخرج به عن الحدود المعقولة ومرجع ذلك في رأينا إلى أنه لم يكن يفرض إرادته الفنية على األحاسيس واألشياء ؛ بل كان
نقال أمي ًنا ،يُبقي فيه على صورها الحقيقية دون أن يدخل عليها تعديال من شأنه أن يمس جواهرها. يحاول نقلها إلى لوحاته ً
الخصائص اللفظية
-جودة استعمال االلفاظ في المعاني الموضوعة لها دون اضطراب.
-ل قب الجاهليين امرأ القيس بن ربيعة التغلبي بالمهلهل ألنه أول من هلهل ألفاظ الشعر وأرقها ولقبوا عمرو بن سعد شاعر قيس بن ثعلبة بالمرقش األكبر لتحسينه شعره وتنميقه ولقبوا ابن
أخيه ربيعة بن سفيان بالمرقش األصغر ،كما لقبوا طفيال بالمحبر لتزيينه ،شعر ،ولقبوا علقمة بالفحل لجودة أشعاره ولقبوا غير شاعر بالنابغة في شعره.
نبذة عن امرىء القيس
امرؤ القيس هو أهم شعراء العصر الجاهلي وأهم شعراء المعلقات وهو من قبيلة كندة التي سكنت اليمن ،وأمه هي فاطمة أخت المهلهل وكليب ابني ربيعة بن الحارث التّغلبي ،أما اسمه،
وطيش ،وبقي على هذه الحال حتىٍ ب وله ٍوفيُقال إنه ُحندج بن حجر ،إال أنه اشتُهر باسم امرئ القيس نسبةً إلى شدته وشجاعته ،وقد لُقّب بالملك الضّليل .لقد كانت حياة امرئ القيس حياة لع ٍ
جاءه خبر مقتل والده الذي غير حياته رأسا ً على عقب ،فاستفاق من طيشه وانتقل إلى حياة الجد والعزم لألخذ بثأر أبيه.
معلقة امرئ القيس
س ْقط ْال ِلوى بين الدَّخول ف َح ْو َم ِل
ب ومنز ِل *** ب َ
قفا نبك من ذكرى حبي ٍ
يقول :قفا وأسعداني وأعي ناني إذا ما تذكرت الحبيب الذي فارقته ،أو المنزل الذي خرجت منه ،ثم يصف مكان المنزل.
ش ْمأ ِل ف رسمها *** ِل َما نسجتها من جنوب و َ فالم ْق َراةِ لم َي ْع ُ فت ُ ْو ِ
ض َح ِ
يقول أن هذين المكانين لم يذهب أثرهما؛ ألن الريح إذا أتت وغطتها بالتراب؛ جاءت الريح األخرى فكشفت هذا التراب عنه.
صا ِت َها *** وقِ ْي َعا ِن َها كأ َّنه َحبُّ فُ ْلفُ ِل ع َر َ ترى َب ْع َر األ َ ْر ِآم في َ
يقول :انظر كيف أصبحت هذه األرض بعد أن غادرها أهلها ،فصارت مقفرة سكنها الظباء التي ترمي بعرها فيها كأنه حب الفلفل في ساحتها.
ظ ِل ف َح ْن َ ت الحي ناقِ ُ س ُم َرا ِ غ َداة َ ال َبي ِْن َي ْو َم تَ َح َّملُوا *** لَ َدى َ كأ ِّني َ
يقول إنه وقف يوم رحيلهم كجاني الحنظل يستخرجه من الحب ،وذلك من حيرته وصدمته.
ى وتَ َج َّم ِل س ً ي َم ِط ِّي ِه ُم *** يقولون ال تَ ْه ِل ْك أ َ َ علَ َّ
وقوفًا بها صحبي َ
يقول :قد وقف بها صحبي ،وأنا جالس من الحزن واأللم عند رواحلهم ،وقد أمروني بالصبر.
دارس من ُمعَ َّو ِل ٍ رسم
ٍ عب َْرة ُم ْه َراقَة *** فهل عند َّ
وإن ِشفَا ِئي َ
يقول :إن البكاء هو دوائي مما أنا فيه ،مع أن البكاء ال ينفع عند رسم قد درس.
س ِل ب ِب َمأ ْ َ الر َبا ِ
ث قبلها *** وجارتها أم َّ ك َدأْ ِبكَ من أم ال ُح َوي ِْر ِ
يقول لنفسه :عادتك في حب هذه كعادتك في هذه لم تتغير قلة حظك ،ومعاناتك.
ص َبا جاءت ِب َريَّا القَ َر ْنفُ ِل نسيم ال َّ
َ ع المسك منهما *** ض َّو َإذا قامتا تَ َ
يقول :إذا قامت أم الحويرث أو أم الرباب شممت منهما ريح المسك كنسيم الريح التي تهب برائحة القرنفل.
ص َبا َبةً *** على ال َّنحْ ِر حتى َب َّل َدمعي ِمحْ َم ِلي ففاضت دموع العين مني َ
لما تذكرهما سالت دموعه على خديه حتى وصلت إلى حمالة سيفه وبلتها.
ارةِ ُج ْل ُج ِل يوم ِب َد َ ح *** وال ِس َّي َما ٍ صا ِل ٍَأال ُربَّ يوم لك منهن َ
يقول :رب يوم لك فزت به بوصال النساء إال أن خير تلك األيام كان يوم دارة جلجل.
نبذة عن زهير بن ابي سلمى
زهير شاعر جاهلي لم يشهد اإلسالم وتوفي قبل بعثة النبي صلى هللا عليه وسلم .إال أنه كان يقال عنه دائ ًما أنه يتحلى باألخالق الحسنة وكأنه قد تعلم تعاليم اإلسالم فكان صادقًا في قوله وفيًا
في وعده .يحب الخير لمن حوله ،وال يقع في المنكرات والفواحش ويدعو في شعره إلى التحلي باألخالق .وكان موحدًا هلل عز وجل وهذا ظهر في أشعاره التي كان يتضح فيها نزعته
الدينية.
معلقتة
َّ َّ ُ
اج فَال ُمتَثَل ِـمأ َ ِم ْن أ ِ ّم أ َ ْوفَى ِد ْمنَـة لَ ْم تَ َكل ِـم *** ِب َح ْـو َما َن ِة الـ ُّد َّر ِ
ص ِـم اج ْي ُع َو ْش ٍم فِي ن ََوا ِش ِر ِم ْع َ ْـن َكأ َ َّن َهـا *** َم َر ِ الر ْق َمتَي ِ
َو َدار لَ َهـا ِب َّ
طال ُؤهَا َي ْن َهضْنَ ِم ْن ُك ِّل َمجْ ثَ ِم ِب َها ال ِعي ُْن َواأل َ ْرآ ُم َي ْمشِينَ ِخ ْلفَـةً *** َوأ َ ْ
َّار َب ْع َد ت ََو ُّه ِـم ع َر ْفتُ الد َ َوقَ ْفتُ ِب َها ِم ْن َب ْع ِد ِع ْش ِرينَ ِح َّجةً *** فَـأل َيا ً َ
ض لَ ْم َيتَثَلَّ ِـم س ْفعا ً فِي ُمعَ َّر ِس ِم ْر َجـ ِل *** َونُـؤْ يا ً َك ِج ْذ ِم ال َح ْو ِ ي ُ أَثَـافِ َ
الر ْب ُع َوا ْسلَ ِـم ص َباحا ً أ َ ُّي َها َّ َّار قُ ْلتُ ِل َر ْب ِع َهـا *** أَالَ أ َ ْن ِع ْم َع َر ْفتُ الد َ فَلَـ َّما َ
ق ُج ْرث ُ ِـم اء ِم ْن فَ ْو ِ ـن *** تَ َح َّم ْلـنَ ِب ْال َع ْل َي ِ ص ْر َخ ِل ْي ِلي ه َْل ت ََرى ِم ْن َ
ظ َعا ِئ ٍ تَ َب َّ
َان ِم ْن ُم ِح ٍّل َو ُمحْ ِـر ِم ين َو َح ْزنَـهُ *** َو َكـ ْم ِبالقَن ِ ع ْن َي ِم ٍ َجعَ ْلـنَ القَنَانَ َ
ق و ِكلَّـ ٍة *** ِو َرا ٍد َح َوا ِش ْي َهـا ُمشَا ِك َهةُ الـد َِّم علَ ْـونَ ِبأ َ ْن َمـاطٍ ِعتَا ٍ
َ
ـن َد ُّل ال َّنـا ِع ِم ال ُمتَ َن ِ ّع ِ
ــم علَ ْي ِه َّ ُ
ان َي ْعل ْونَ َم ْتنَـهُ *** َ
سو َب َِو َو َّر ْكنَ فِي ال ُّ
الشرح
استفتح زهير معلقته بالحديث عن أطالل حبيبته التي فارقها من عشرين سنة وصور ديارها أنها أصبحت من بعدها خرابًا ال حياة فيها وماتت فيها الظباء واألبقار .ومن شدة تغير حالها فإنه
لم يعد يستطيع أن يعرفها إال بعد أن ينظر إليها طويال
بعد أن انتهى زهير من وصف أطالل بيت حبيبته .قام بوصف ساعة الرحيل التي ذهبت فيها وكانت في وقت السحر قبل شروق الشمس .ووصف من خاللها بهاء راحلتها وموكبها .وكيف
كانت تمر من أمام عينيه بفخامة كما وصف األقمشة التي كانت تحيط بالموكب أنها كانت فاخرة وثمينة.
ثم شرع زهير في الحديث عن الغرض األساس ي من معلقته .وهو الثناء على األشخاص الذين تبنوا الصلح بين قبيلتي ذبيان وعبس .وأخذ يمدح ويثني على الجهود التي بذلوها ليعم السالم.
وتحقن الدماء وخص في شعره مدح شخصين من القبيلتين قاموا بكفالة دية القتلى من الجانبين.
بدأ زهير في توجيه حديثه إلى القبيلتين الم تخاصمتين .وحثهما على االلتزام بالصلح والبعد عن محاولة الغدر به ألن هللا سبحانه وتعالى سيكون شاهدًا على ذلك .وبدأ يعدد لهم المصائب
والويالت التي تسببها الحروب للشعوب وحذرهم من الوقوع في هذه المهالك وإعادة الفوضى بين القبيلتين مرة أخرى وقدم لهم رجاء بأن يحافظوا على هذا الصلح.
في نهاية معلقته بدأ في سرد الحكم والمواعظ وكان يتحدث في أحدها على أن اإلنسان ال يمكن أن يجد مهربًا من قدره الذي كتبه هللا عليه وخوفه من الموت لن يمنع الموت عنه حتى لو
استطاع الصعود إلى السماء عبر سلم.
١٩٦٥
في عام ألف وتسعمائة وخمسة وستين
في عام خمسة وستين وتسعمائة وألف