Professional Documents
Culture Documents
الأوامر الإلـهية والفلسفة الأخلاقية؛ مُقاربة ائتمانية
الأوامر الإلـهية والفلسفة الأخلاقية؛ مُقاربة ائتمانية
مقا الت
عـدنان بن صالح فكريـة
ـمتوسطي،
ِّ ر شــال املغــرب وعالقاتــه بحضــارات الحــوض الــ
((( باحــث بســلك الدكتــوراه ،مخت ـ َ
كليــة اآلداب والعلــوم اإلنســانية ،تطــوان.
3
ت ُسـتَ ْق َبل كُتُــب الفيلســوف املغــريب الكبــر طــه عبــد الرحمــن باهتــام فــوق العــادة،
ويحتفــي مبشــاركاته العلميــة يف بعــض النــدوات واملحــارضات ،الباحثــون والطلبــة
والجامعــات ومراكــز األبحــاث ،ويتعــ ّزز حضــور فكــر ومقاربــات الفيلســوف كلــا
جعلهــا يف الســنوات األخــرة دائــرة ضمــن نِطــاق املقاربــة
أصـ َدر جديــد مؤلَّفاتــه التــي َ
ْ
االئتامنيــة.
ُمنا ِقشً ــا ألطروحاتهــا عــى ضــوء نَظريتــه الجديــدة التــي يُطلِــق عليهــا «النظريــة
((( مــن مواليــد مدينــة نيويــورك بتاريــخ 21ينايــر ،1928تأثَّــر باملدرســة الهنديــة يف الفلســفة الروحيــة
يف مبدينة ِســيدونا
واألخالقيــة ،ويف مرحلــة الحقــة ،زاول مهنــة التعليــم ُمد ِّرســا لـــفلسفة (األدفايتــا) .تــو َ
يــوم 2مــارس .1997
((( فيلســوف أمريــي مــن مواليــد 22يونيــو ،1940ع ِمــل محــا ً ِ
ضا يف جامعــة جــورج تــاون ،وأســتاذا
يف جامعــة بــراون وجامعــة نوتــردام ،متخصــص يف الفلســفة .وافتــه املنيــة عــن 64ســنة ،يــوم 15
نوفمــر .2004
أمــاَّ «النظريــة األَ ْمـــرية» فــرى أنهــا تقــوم عــى ا ّدعــاء تَبعيــة الفلســفة األخالقيــة
ن األوامــر اإللهيــة ،وبالتــايل فهــي ت ُقيــ ُم َ
األخــاق هــي عــ ُ ُِ
وتعتــر لألوامــر اإللهيــة،
ـت طائلــة آفتــن اثنتــن: جعلهــا يف نَظ ـرِه وا ِقعــة ت َحـ َ
للمســألة ت َطابُ ًقــا أو ُمطابَق ـةً ،مبــا ي َ
•األول :الق ْ
َصد باملعنى العام.
•الثاين :الق ْ
َصد باملعنى الخاص.
والـ َم ِ
قصدان يَؤوالن إىل فرعني أساسني كذلك:
الل ِحق.
•الثاين :القَصد اإللهي ّ
ـح
ال بُ ـ َّد إذن مــن نَظريــة ت َدف ـ ُع اآلفــات واالعرتاضــات وتَ ـ ُر ُّد عــى الشُّ ـ ُبهات ،وت َفسـ ُ
الــ َمجال آلفــاق فلســفية ال تتَّ ِسـ ُع لهــا ال ّنظريتــان املذكورتــان أعــاه .وتَضطلــع «النظرية
االئتامنيــة» مــن وجهــة نظــر الدكتــور بهــذه الـــ َمه ّمة ،وذلــك لكَونِهــا قامئــة عــى
خاصيتــن أساســيتني:
ِّ
ـل روح التّديُّــن بــروح التَّـــفل ُْسف ،وال ِقي َمـ ُة التــي تُ ثِّــل
•الخاصيــة األوىل :أنهــا ت َِصـ ُ
ـل اإلنســان يُــدر ُِك مســؤولية التّكليــف أنهــا تَق ـ ُع «قَ ْبــل
-إ َّن «ال َّنظــر االئتــاين» يجعـ ُ
جعــل ِمن « َمبــدأ االختيار» أســاس تَلَ ِّقــي األوا ِمــر» ،و«قَبْــل تَبَـ ُّ ُ
ـن القُصــود اإللهــي» ،مبــا ي َ
املســؤولية عنــد اإلنســان ،والقَصــد اإللهــي الســابِق عــن بَــدء مســؤولية التكليــف عنــد
ِ
الالحــق؛ ال َصــد اإللهــي
ـت إىل ذلــك نظريــة (فيليــب كويــن) كــا الق ْاإلنســان كــا ذَهبـ ْ
يَس ـتَو ِعبان فكــرة ومبــدأ الحريــة واالختيــار عنــد اإلنســان دومنــا إكــراه وال إجبــار ســوا ٌء
يف «القَـ ـبْلِ » أ ِو «البَ ْعد».
و َعــود ًة إىل املفاهيــم التــي احت َكــم إليهــا الدكتــور يف مناقشــة النظريتــن الســابقتني؛
جــا معرف ًيــا ل ِتبيــان ـي «الـ ـ ُمنكَر» و«الــ ـ َمعروف» ِمثـ ً
ـال أو أمنوذ ً فإنــه يتّ ِ
خ ـ ُذ مــن مفهو َمـ ْ
ـر بــأ َّن «املنكر» الصلبــة بــن نَظريتــه االئتامنيــة والنظريتــن املذكورتــن ،فيَعتَـ ِ ُ الفُروقــات َّ
يف ال ّنظــر االئتــاين عبــار ٌة عــن ال ِف ْعــل الــذي ائْتَـ ـ َم َن اإلل ـ ُه اإلنســان عــى تَ ْر ِكــه ،وأ َّن
ـض «املعــروف» عبــارة عــن ال ِف ْعــل الــذي ملْ يأتَ ِــن اإللـ ُه اإلنســان عــى تَركِــه ،وثَ ّـ َة بعـ ُ
ـر ِك»_ ،ويَســوق يف ذلـ َ
ـك أمثلـ ًة ـر ُك» و« َعـ َد ُم الـ َّ ْ
األفعــال التــي يكــون فيهــا ال َوجهــان _«الـ ّ
ـرح ال يَ َسـ ُع املجــال هنــا ِ
لذكْرهــا. وضوبًــا مــن الـ َّ
ُ
ر أ َّن أبــر َز فكــرة تقــوم عليهــا «ال َّنظَريــة االئتامنيــة الطَّهاَئيــة» يف بــاب فَ ْهــم األوا ِمــر
غـ َ
ـب االم ِتثـ َ
ـال» ،إ ْن أ ْمـ ًرا بال َّن ْهي أو اإللهيــة وتَبعيــة األخــاق لل ِّديــن؛ هــي أ ّن «االئْ ِتـــا َن يو ِ
جـ ُ
ـرا
ـرا ونقـدًا وتأطـ ً
((( طُروقــه لهــذا املوضــوع وهــذه القضايــا الشــائكة ليــس بجديــد ،بــل نجــد لــه تنظـ ً
يف مؤلفاتــه األخــرى ،ومنهــا« :ســؤال األخــاق؛ ُمســاهمة يف انلقــد األخــايق للحداثــة الغربيــة»،
عــن املركــز الثقــايف العــريب ،الطبعــة األوىل ،2000و«بــؤس الدهرانيــة؛ النقــد االئتــاين لفصــل
األخــاق عــن الديــن» ،عــن الشــبكة العربيــة لألبحــاث والنــر ،الطبعــة الثانيــة ،2014و«رشود مــا بعــد
الدّ هرانيــة؛ النقــد االئتــاين للخــروج عــن األخــاق» ،عــن املؤسســة العربيــة للفكــر واإلبــداع ،الطبعــة
األوىل .2016
تَ تــا ُز املقاربــة االئتامنيــة عــن ال َّنظريتــن األخريتــن القامئتــن عــى «التّغييــب»؛
باســتحضارها لــــ «التّشــهيد» ،وِفاقًــا ملــا بــدأَهُ الدكتــور يف مرشوعــه الرائــد «روح الديــن،
ِمــن ضَ يــق ال َعلامنيــة إىل َســ َعة االئتامنيــة» الصــادر ســنة ،2012خاصــة عندمــا قَــ َّدم
أي «جدليــة العالقــة بــن ال ّديــن
معالجــة روحيــة غــر مســبوقة لإلشــكال األكــر حضــو ًرا؛ ْ
ـل فيهــا الغيبــي باملـ ْريئُ ،مؤكِّـ ًدا هنــا فَضْ ـ َ
ـل التّعا ُمــل الشَّ ــهودي عــى والسياســة» ،ت َ َداخـ َ
حــــضو ٌر للــه َمعــه! ولذلــك؛ فالنظريــة
التَّعا ُمــل الغيــايب؛ إذ إ َّن تَعا ُمــل اإلنســان مــع اللــه؛ ُ
حضــور مــع الحضــور» ،وأ ّن العالقــة مــع اإللــه ـح عــى «الشّ ــهود» باعتبــاره « ُ االئتامنيــة تُلِـ ُّ
الباطــنِ امللكــويت ال عالَــم الظّا ِهــر ال ّدن َيــوي الشــكالين ،و ِمــن ثَـ َّم فهــي
َمرجِعهــا عالَــ ُم ِ
تَ تــا ُز عــن نظريــات التيــار األخالقــي الســالِفة ال ِّذكْــر بالقــو ِل «إ ِّن الشّ ــهود األ ّول _أو
الصلــة األصلِيــة_ هــو أسـ ُ
ـاس ِّ مــا يُسـ ِّميه طــه عبــد الرحمــن يف «روح الديــن» بـــالذاكِّرة ْ
ُصــود اإللهــي». امللكوتيــة ،و ِبــه َع ـ َرف اإلنســا ُن ال ُوصـ َ
ـول إىل األوامــر اإللهيــة والق ُ
مراجع:
•(عبــد الرحمــن) طــه« :روح الديــن؛ مــن ضَ ـــيق العلامنيــة إىل َســعة االئتامنيــة»،
الصــادر عــن املركــز الثقــايف العــريب باملغــرب ،يف طبعتــه األوىل ســنة 2012
•« :--------بــؤس الدهرانيــة؛ النقــد االئتــاين لفصــل األخــاق عــن الديــن» ،عــن
الشــبكة العربيــة لألبحــاث والنــر ،الطبعــة الثانيــة ،2014
•« :--------رشود مــا بعــد الدّ هرانيــة؛ النقــد االئتــاين للخــروج عــن األخــاق»،
عــن املؤسســة العربيــة للفكــر واإلبــداع ،الطبعــة األوىل .2016
َّ َ َ ۡ َ ُ َّ َ َ ۡ ُ ُ
((( ﴿إِياك نعبد ِإَوياك نست ِعني﴾ ،سورة الفاتحة.