الأوامر الإلـهية والفلسفة الأخلاقية؛ مُقاربة ائتمانية

You might also like

Download as pdf or txt
Download as pdf or txt
You are on page 1of 10

‫األوامر اإللـهية‬

‫والفلسفة األخالقية؛ ُمقاربة ائتامنية‬

‫مقا الت‬
‫عـدنان بن صالح‬ ‫فكريـة‬

‫جميع الحقوق محفوظة ‪2022‬‬ ‫‪ 31‬مايو ‪2022‬‬


‫األوامر اإللـهية والفلسفة األخالقية؛‬
‫ُمقاربة ائتامنية‬
‫عـدنان بن صالح‬
‫(((‬

‫ـمتوسطي‪،‬‬
‫ِّ‬ ‫ر شــال املغــرب وعالقاتــه بحضــارات الحــوض الــ‬
‫((( باحــث بســلك الدكتــوراه‪ ،‬مخت ـ َ‬
‫كليــة اآلداب والعلــوم اإلنســانية‪ ،‬تطــوان‪.‬‬

‫‪3‬‬
‫ت ُسـتَ ْق َبل كُتُــب الفيلســوف املغــريب الكبــر طــه عبــد الرحمــن باهتــام فــوق العــادة‪،‬‬
‫ويحتفــي مبشــاركاته العلميــة يف بعــض النــدوات واملحــارضات‪ ،‬الباحثــون والطلبــة‬
‫والجامعــات ومراكــز األبحــاث‪ ،‬ويتعــ ّزز حضــور فكــر ومقاربــات الفيلســوف كلــا‬
‫جعلهــا يف الســنوات األخــرة دائــرة ضمــن نِطــاق املقاربــة‬
‫أصـ َدر جديــد مؤلَّفاتــه التــي َ‬
‫ْ‬
‫االئتامنيــة‪.‬‬

‫نصــا علم ًيــا بالــغ األهميــة موضوعــه «األوامــر اإللهيــة‬


‫نســرجع يف هــذا املقــال ًّ‬
‫حتِزيـ َن فيــه من الوقــوع يف ُ‬
‫ج ْرم التَّـــجزيء‬ ‫والفلســفة األخالقيــة»‪ ،‬يعــود لســنة ‪ُ ،2017‬م َ‬
‫أو اإلنقــاص أو التَـ ـ َزيُّد عــى ال ّنــص ومــا ت َق ـ َّدم بــه الدكتــور طــه عبــد الرحمــن‪ ،‬وهــو‬
‫أوراق يتأبَّطهــا ويَقرأُهــا مــن البَ ْسـ َملة إىل ال َ‬
‫حم َدلــة‪ ،‬يف‬ ‫َ‬ ‫املــــعهود فيــه تــاوة كَلمتــه ِمــن‬
‫ن عــى نَ ْقــل ال ِفكــرة أو النظريــة أو الجديــد الــذي يدعــو إليــه ويُبـ ِّ‬
‫ـر بــه؛‬ ‫ِح ـ ْر ٍ‬
‫ص أم ـ ٍ‬
‫للق ـ ّراء واملتابِعــن‪.‬‬

‫‪ -1‬الفلســفة األخالقيــة املعـ ِ‬


‫ـاصة؛ نظــرات وانتقــادات للنظريتني‬
‫«األ ْمرية» «والـ َمقْصدية»‪:‬‬

‫(‪)1997 -1928‬‬ ‫روبرت آدمز‬


‫(((‬
‫•ال ّنظرية األَ ْمــرِية‪ :‬لصاحبها الفيلسوف‬ ‫ ‬

‫(‪)2004 – 1940‬‬ ‫(((‬


‫•ال ّنظرية الـ َمقْصدية‪ :‬لصاحبها الفيلسوف فيليب كوين‬ ‫ ‬

‫ُمنا ِقشً ــا ألطروحاتهــا عــى ضــوء نَظريتــه الجديــدة التــي يُطلِــق عليهــا «النظريــة‬

‫((( مــن مواليــد مدينــة نيويــورك بتاريــخ ‪ 21‬ينايــر ‪ ،1928‬تأثَّــر باملدرســة الهنديــة يف الفلســفة الروحيــة‬
‫يف مبدينة ِســيدونا‬
‫واألخالقيــة‪ ،‬ويف مرحلــة الحقــة‪ ،‬زاول مهنــة التعليــم ُمد ِّرســا لـــفلسفة (األدفايتــا)‪ .‬تــو َ‬
‫يــوم ‪ 2‬مــارس ‪.1997‬‬
‫((( فيلســوف أمريــي مــن مواليــد ‪ 22‬يونيــو ‪ ،1940‬ع ِمــل محــا ً ِ‬
‫ضا يف جامعــة جــورج تــاون‪ ،‬وأســتاذا‬
‫يف جامعــة بــراون وجامعــة نوتــردام‪ ،‬متخصــص يف الفلســفة‪ .‬وافتــه املنيــة عــن ‪ 64‬ســنة‪ ،‬يــوم ‪15‬‬
‫نوفمــر ‪.2004‬‬

‫‪4‬‬ ‫متئا ةبراقُم ؛ةيقالخألا ةفسلفلاو ةي هـلإلا رماوألا‬


‫ْــرى الفيلســوف (طَــه) ناقــ ًدا ِمــن غــر‬‫االئتامنيــة»‪ ،‬وعــى نَ ْهــج اإلمــام الغــزايل؛ ان َ‬
‫ت َشــنيع‪ ،‬ومفـ ِّككًا ِمــن غــر تَ ْييــع‪ ،‬وبَانيًــا ِمــن غــر ترقيــع‪ ..‬ومم ِّهـ ًدا للــدالالت األخالقية‬
‫يف كِال ال َنظريتــن مــن ِخــال تحديــد َعــدد مــن املفاهيــم‪ ،‬مــع ّ‬
‫التكيــز عــى مفاهيــم‪:‬‬
‫املعــروف – املنكَــر – الواجــب – املبــاح‪.‬‬

‫أمــاَّ «النظريــة األَ ْمـــرية» فــرى أنهــا تقــوم عــى ا ّدعــاء تَبعيــة الفلســفة األخالقيــة‬
‫ن األوامــر اإللهيــة‪ ،‬وبالتــايل فهــي ت ُقيــ ُم‬ ‫َ‬
‫األخــاق هــي عــ ُ‬ ‫ُِ‬
‫وتعتــر‬ ‫لألوامــر اإللهيــة‪،‬‬
‫ـت طائلــة آفتــن اثنتــن‪:‬‬ ‫جعلهــا يف نَظ ـرِه وا ِقعــة ت َحـ َ‬
‫للمســألة ت َطابُ ًقــا أو ُمطابَق ـةً‪ ،‬مبــا ي َ‬

‫ •األوىل‪ :‬آف ـ ُة ت َشــبيه ِّ‬


‫الصلــة باإللـــه باالجتــاع البَــري (األ ْمرِيــة اإللهية‪/‬األ ْمريــة‬
‫اإلنســانية)‬

‫ •الثانية‪ :‬آف ًة ت َجزيء تقسيم ِّ‬


‫الصفات اإللهية‪.‬‬

‫را مــن األمثلــة وال ّنصــوص مــن خــال َمظــا ّن فلســفية و َم ِ‬


‫نطقيــة مــن‬ ‫رد عــددا كبـ ً‬
‫ويَـ ُ‬
‫ٍ‬
‫انحــراف مــن انحرافاتهــا؛ أرجــا‬ ‫ِعلــم الكيميــاء يَ ُ‬
‫عــر اســتيعابُها‪ ،‬وكلُّــا وقَــف عــى‬
‫نَق ـ َده لهــا‪ ،‬أو بَ ِديلَ ـ ُه عنهــا إىل ِحــن الحديــث عــن خصائــص النظريــة وميزاتهــا التــي‬
‫يَدعــو إليهــا اليــوم «النظريــة االئتامنيــة»‪.‬‬

‫ْص ِدية» أو «نَظريــة القُــ ُ‬


‫ـصود اإللهــي» فــرى أ َّن انبناءهــا قائــم عــى‬ ‫أ ّمــا «ال َّنظريــة الــ َمق َ‬
‫ت َفريقــن أساســيني‪:‬‬

‫ •األول‪ :‬الق ْ‬
‫َصد باملعنى العام‪.‬‬

‫ •الثاين‪ :‬الق ْ‬
‫َصد باملعنى الخاص‪.‬‬

‫والـ َم ِ‬
‫قصدان يَؤوالن إىل فرعني أساسني كذلك‪:‬‬

‫السابِق‪.‬‬ ‫ •األ ّول‪ :‬الق ْ‬


‫َصد اإللهي ّ‬

‫الل ِحق‪.‬‬
‫ •الثاين‪ :‬القَصد اإللهي ّ‬

‫‪5‬‬ ‫متئا ةبراقُم ؛ةيقالخألا ةفسلفلاو ةي هـلإلا رماوألا‬


‫ب»‬ ‫«الس ـ َب َ‬
‫ومــا ت ّدعــي نظريــة (فيليــب كويــن) حــول الفلســفة األخالقيــة؛ إنســابَها َّ‬
‫ـق ِ‬
‫صفَتــه األخالقيــة‪ ،‬كــا لــو أ َّن اإللــه يُ ِق ـ ُّر‬ ‫ُصــود اإللهــي باعتبــاره هــو الــذي يَخلُـ ُ‬
‫للق ُ‬
‫ـوب طَـــه إىل علــم‬
‫مقاصــد يف ذلــك‪ ،‬وهنــا يَئـ ُ‬ ‫ِ‬ ‫أ ْمـ ًرا بال ّنهــي أو اإلتيــان دون أن يكــون لــه‬
‫ـا‪...« :‬و ِمــن الـ ـ ُمحا ِل أ ْن يأ ُم ـ َر اإللــه مبــا ال يَق ِ‬
‫ْصــد»‪.‬‬ ‫ِ‬
‫مقاصــد الرشعيــة اإلســامية قائـ ً‬
‫وا ِّدعــا ُء النظريــة بــأ َّن الصفــات اإللهيــة معارِض ـ ٌة للصفــات اإلنســانية يجعلهــا يف نَظــر‬
‫«الصفــات‬
‫ِّ‬ ‫«الصفــات اإللهيــة؛ كَــاالت»‪ ،‬بينــا‬ ‫ِّ‬ ‫طــه عبــد الرحمــن ت َـ ـ ْغف ُُل عــن كَــون‬
‫اإلنســانية؛ أخالقيــات»‪ ،‬و ِمــن ث ـ َّم ف ِهــي _ كســابِقتها_ ضالِع ـ ٌة يف آفتــن اثنتــن‪:‬‬

‫ •األوىل‪ :‬آفة ت َشبي ِه شؤون اإلله ِ‬


‫الباطنة باألحوال النفسية لل َبرشية‪.‬‬

‫ •الثانية‪ :‬آفة سوء ف ْهم ِّ‬


‫الصفات اإللهية ك َم ْدخَل ملعرفة األوامر اإللهية‪.‬‬

‫ـرتْ أ ّن لإلله اعتقــادات(((‪،‬‬


‫ـت أب َعد مــن ذلــك ُمغــاال ًة ومجافــا ًة للمنطــق‪ ،‬فا ْعتَـ َ َ‬
‫بــل ذَهبـ ْ‬
‫وأ ّن لــه تعليــات(((‪ ،‬وأ ّن لإللــه إحساســات(((‪ ،‬وأ ّن أفعاله تُجـ َّزئ وتُب ّعض(((!‬

‫بديل وأ ُفقًا فلسف ًيا أخالق ًيا‪:‬‬


‫ً‬ ‫‪ -2‬النظرية االئتامنية؛‬

‫ـح‬
‫ال بُ ـ َّد إذن مــن نَظريــة ت َدف ـ ُع اآلفــات واالعرتاضــات وتَ ـ ُر ُّد عــى الشُّ ـ ُبهات‪ ،‬وت َفسـ ُ‬
‫الــ َمجال آلفــاق فلســفية ال تتَّ ِسـ ُع لهــا ال ّنظريتــان املذكورتــان أعــاه‪ .‬وتَضطلــع «النظرية‬
‫االئتامنيــة» مــن وجهــة نظــر الدكتــور بهــذه الـــ َمه ّمة‪ ،‬وذلــك لكَونِهــا قامئــة عــى‬
‫خاصيتــن أساســيتني‪:‬‬
‫ِّ‬

‫ـل روح التّديُّــن بــروح التَّـــفل ُْسف‪ ،‬وال ِقي َمـ ُة التــي تُ ثِّــل‬
‫ •الخاصيــة األوىل‪ :‬أنهــا ت َِصـ ُ‬

‫((( يُسميها الفيلسوف طه عبد الرحمن «االعتـقادية»‪.‬‬


‫((( يُطْلِق عليها اسم «التّـ ْعـلِـيلِـية»‬
‫((( يُس ّميها «الوجدانية»‪.‬‬
‫ِ‬
‫ـبـعـيضـية» يف تعبري طه‪.‬‬‫((( وهي «التّ‬

‫‪6‬‬ ‫متئا ةبراقُم ؛ةيقالخألا ةفسلفلاو ةي هـلإلا رماوألا‬


‫ـب انتقــال اإلنســان‬ ‫روح التديــن عنــد (طــه) هــي قيمــة‪« :‬اإلحســان»‪ ،‬التــي تو ِ‬
‫جـ ُ‬
‫ِمــن ظا ِهــر األعــال وشَ ــكالنيتها؛ إىل تَحقُّقهــا ِ‬
‫بصفــة آيــات تكليفيــة ال ُمج ـ ّرد‬
‫أشــكال رشعيــة‪ .‬وأ ّمــا القيمــة التــي تُ ثِّــل عنــده روح التَّفلســف؛ فهــي قيمــة‪:‬‬
‫ـا‬ ‫ـال الــ َعقْل مــن ظا ِهــر األشــياء إىل ِ‬
‫باطنهــا‪ ،‬جاعـ ً‬ ‫ـب انتقـ َ‬
‫جـ ُ‬‫«التف ُّكــر»‪ ،‬الــذي يو ِ‬
‫منهــا آيـ ٍ‬
‫ـات تكوينيــة ال ُمج ـ َّرد أشــكا ٍل طبيعيــة ظاهريــة‪.‬‬

‫ •الخاصيــة الثانيــة‪ :‬أنّهــا ت َســتَث ِم ُر يف الوصــول إىل ال ّداللــة البعيــدة لل ِميثاق ْ‬


‫َــن‬
‫ۡ َ َ َ َ ُّ َ‬
‫جليلني‪« :‬ميثــاق اإلشــهاد»‪ ،‬مصداقًــا لقوله تعــاىل‪ِ﴿:‬إَوذ أخــذ ربك‬ ‫ال َعظيمــن الــ َ‬
‫ُ‬
‫ـت ب َربكـ ۡ‬ ‫ّ‬ ‫ُ‬ ‫ۡ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ع أنف ِ ۡ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ۡ‬ ‫َ‬
‫ـم َوأشـ َ‬ ‫َ‬ ‫َّ‬
‫ـم ذ ّريت ُهـ ۡ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫ِمـ ۢن بَـ ٓ َ َ َ‬
‫ـهده ۡم ٰٓ‬ ‫ۡ‬
‫ـمۖ‬ ‫سـ ِهم ألسـ ِ ِ‬ ‫ـي ءادم ِمــن َ ظهورِهِـ ِ‬ ‫ِ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫ۡ‬ ‫ْ‬ ‫ُ‬ ‫ٓ‬ ‫ُ ْ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫ۡ‬ ‫َ‬ ‫َّ‬
‫ـى شـ ِهدنا ۚ أن تقولــوا يــوم ٱلقِيٰمـةِ إِنــا كنــا عــن هٰــذا غٰفِلِــن‪،(((﴾١٧٢‬‬
‫َّ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ۡ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ۡ‬ ‫َ‬ ‫قَالــوا بَـ ٰ‬
‫َ‬
‫ۡ‬ ‫َّ‬
‫ـل يف ســورة األعــراف‪﴿ :‬إِنــا َع َرض َنــا‬ ‫جـ ّ‬ ‫و«ميثــاق األمانــة»‪ ،‬مصداقًــا لقولــه عـ ّز و َ‬
‫َ‬ ‫ۡ‬ ‫ۡ‬ ‫َ‬ ‫ۡ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ۡ‬ ‫ۡ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ ۡ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ ۡ‬ ‫ۡ َ َ َ َ َ َ َّ َ َ َ ۡ َ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫ٱلبــا ِل فأبــن أن ي ِملنهــا وأشــفقن مِنهــا‬ ‫ت وٱل ِ‬ ‫ٱلمانــة ع ٱلســمٰو ٰ ِ‬
‫ۡرض و ِ‬
‫ومــا َج ُهــول ‪ .(((﴾٧٢‬وكِال هذيــن امليثاقــن‬
‫ٗ‬ ‫ــهۥ َك َن َظلُ ٗ‬ ‫ــن إنَّ ُ‬ ‫حلَ َهــا ۡٱل َ ٰ ُ‬ ‫َو َ َ‬
‫نس ۖ ِ‬ ‫ِ‬
‫تَ َعـ َّرض لهــا فضيلــة الدكتــور بالــرح الوافــر يف كتابــه (روح ال ّديــن؛ مــن ضَ يــق‬
‫ال َعلامنيــة إىل َســعة االئتامنيــة)((( بحيــث اســتنتج أ ّن ُمــروق اآلدميــة مــن الوفــاء‬

‫((( سورة األعراف‪ ،‬اآلية ‪172‬‬


‫((( ســورة األحــزاب‪ ،‬اآليــة ‪ ،72‬اســتَنتَ َج الفيلســوف طَــه عبــد الرحمــن مــن هــذه اآليــة العظيمــة وهــذه‬
‫الدعــوى الفلســفية مســائل كثــرة‪ ،‬منهــا‪ :‬أ َّن األمانــة اب ِتــاء ‪ -‬أ َّن األمانــة عــى نَوعــن‪ ،‬أمانــة اح ِتفــاظ (يف‬
‫ر الـــمسؤولية ‪ -‬أ َّن األمانــة قَبْلهــا اخ ِتيــار‪ ،‬وبَ ْعدَهــا اخ ِتيار‬
‫الودائــع) وأمانــة اع ِتنــاء (يف الفضائــل) ‪ -‬أ َّن األمانــة غـ ُ‬
‫ـب كــالَ ال َعقـ ِل ومتــا َم ال َعــ ْد ِل ‪ -‬وأ َّن لألمانــة ِضدَّيــن با ِرزَيــن هــا «الحيــازة» و «املكانــة»‪.‬‬
‫‪ -‬أ َّن األمانــة تو ِجـ ُ‬
‫((( مــن أهــم األعــال العلميــة للدكتــور طــه عبــد الرحمــن التــي دشّ ــن بهــا التنظــر والتقعيــد لنظريتــه‬
‫االئتامنيــة‪ ،‬كتابــه القيــم «روح الديــن؛ مــن ضَ ـــيق العلامنيــة إىل َســعة االئتامنيــة»‪ ،‬الصــادر عــن املركــز الثقــايف‬
‫العــريب باملغــرب‪ ،‬يف طبعتــه األوىل ســنة ‪ ،2012‬تنــاول فيــه العالقــة بني التعبــد والتدبــر‪ ،‬أو الدين والسياســة‪،‬‬
‫لــدى الديــاين – اإلســامي والعلــاين‪ ،‬وق ّعــد فيــه ملفاهيــم الديــن والتديُّــن والعلامنيــة‪ ،‬وجاءنــا مبقاربــة لهــذه‬
‫املشــكلة ليســت مــن جنــس املقاربــات املعهــودة؛ ألنهــا ال تخاطــب العقــل املج ـ ّرد يف اإلنســان‪ ،‬وإنّ ــا‬
‫تخاطــب عقلــه املؤيّــد بالــروح؛ إذ تُقــرر أن اإلنســان أشــبه بالكائــن الطائــر منــه بالكائــن الزاحــف‪.‬‬

‫‪7‬‬ ‫متئا ةبراقُم ؛ةيقالخألا ةفسلفلاو ةي هـلإلا رماوألا‬


‫لــت مــا كان‬
‫َص ْ‬ ‫بالعهــد أَ ْو َدا َهــا إىل نســيان ْ‬
‫أصــل اإلشــهاد وحقيقــة األمانــة‪ ،‬فف َ‬
‫مفصــول‪ ،‬وذلــك يف مجــال ال ِّديانــة‪ ،‬كــا‬
‫ً‬ ‫ووصلــت مــا مل يكــن‬
‫ْ‬ ‫موصــول‪،‬‬
‫ً‬
‫السياســة‪ ،‬ويف مجــال األخــاق((( أيْضً ــا‪.‬‬
‫ِّ‬

‫ـل اإلنســان يُــدر ُِك مســؤولية التّكليــف أنهــا تَق ـ ُع «قَ ْبــل‬
‫‪ -‬إ َّن «ال َّنظــر االئتــاين» يجعـ ُ‬
‫جعــل ِمن « َمبــدأ االختيار» أســاس‬ ‫تَلَ ِّقــي األوا ِمــر»‪ ،‬و«قَبْــل تَبَـ ُّ ُ‬
‫ـن القُصــود اإللهــي»‪ ،‬مبــا ي َ‬
‫املســؤولية عنــد اإلنســان‪ ،‬والقَصــد اإللهــي الســابِق عــن بَــدء مســؤولية التكليــف عنــد‬
‫ِ‬
‫الالحــق؛ ال‬ ‫َصــد اإللهــي‬
‫ـت إىل ذلــك نظريــة (فيليــب كويــن) كــا الق ْ‬‫اإلنســان كــا ذَهبـ ْ‬
‫يَس ـتَو ِعبان فكــرة ومبــدأ الحريــة واالختيــار عنــد اإلنســان دومنــا إكــراه وال إجبــار ســوا ٌء‬
‫يف «القَـ ـبْلِ » أ ِو «البَ ْعد»‪.‬‬

‫و َعــود ًة إىل املفاهيــم التــي احت َكــم إليهــا الدكتــور يف مناقشــة النظريتــن الســابقتني؛‬
‫جــا معرف ًيــا ل ِتبيــان‬ ‫ـي «الـ ـ ُمنكَر» و«الــ ـ َمعروف» ِمثـ ً‬
‫ـال أو أمنوذ ً‬ ‫فإنــه يتّ ِ‬
‫خ ـ ُذ مــن مفهو َمـ ْ‬
‫ـر بــأ َّن «املنكر»‬ ‫الصلبــة بــن نَظريتــه االئتامنيــة والنظريتــن املذكورتــن‪ ،‬فيَعتَـ ِ ُ‬ ‫الفُروقــات َّ‬
‫يف ال ّنظــر االئتــاين عبــار ٌة عــن ال ِف ْعــل الــذي ائْتَـ ـ َم َن اإلل ـ ُه اإلنســان عــى تَ ْر ِكــه‪ ،‬وأ َّن‬
‫ـض‬ ‫«املعــروف» عبــارة عــن ال ِف ْعــل الــذي ملْ يأتَ ِــن اإللـ ُه اإلنســان عــى تَركِــه‪ ،‬وثَ ّـ َة بعـ ُ‬
‫ـر ِك»_‪ ،‬ويَســوق يف ذلـ َ‬
‫ـك أمثلـ ًة‬ ‫ـر ُك» و« َعـ َد ُم الـ َّ ْ‬
‫األفعــال التــي يكــون فيهــا ال َوجهــان _«الـ ّ‬
‫ـرح ال يَ َسـ ُع املجــال هنــا ِ‬
‫لذكْرهــا‪.‬‬ ‫وضوبًــا مــن الـ َّ‬
‫ُ‬

‫ر أ َّن أبــر َز فكــرة تقــوم عليهــا «ال َّنظَريــة االئتامنيــة الطَّهاَئيــة» يف بــاب فَ ْهــم األوا ِمــر‬
‫غـ َ‬
‫ـب االم ِتثـ َ‬
‫ـال»‪ ،‬إ ْن أ ْمـ ًرا بال َّن ْهي أو‬ ‫اإللهيــة وتَبعيــة األخــاق لل ِّديــن؛ هــي أ ّن «االئْ ِتـــا َن يو ِ‬
‫جـ ُ‬

‫ـرا‬
‫ـرا ونقـدًا وتأطـ ً‬
‫((( طُروقــه لهــذا املوضــوع وهــذه القضايــا الشــائكة ليــس بجديــد‪ ،‬بــل نجــد لــه تنظـ ً‬
‫يف مؤلفاتــه األخــرى‪ ،‬ومنهــا‪« :‬ســؤال األخــاق؛ ُمســاهمة يف انلقــد األخــايق للحداثــة الغربيــة»‪،‬‬
‫عــن املركــز الثقــايف العــريب‪ ،‬الطبعــة األوىل ‪ ،2000‬و«بــؤس الدهرانيــة؛ النقــد االئتــاين لفصــل‬
‫األخــاق عــن الديــن»‪ ،‬عــن الشــبكة العربيــة لألبحــاث والنــر‪ ،‬الطبعــة الثانيــة ‪ ،2014‬و«رشود مــا بعــد‬
‫الدّ هرانيــة؛ النقــد االئتــاين للخــروج عــن األخــاق»‪ ،‬عــن املؤسســة العربيــة للفكــر واإلبــداع‪ ،‬الطبعــة‬
‫األوىل ‪.2016‬‬

‫‪8‬‬ ‫متئا ةبراقُم ؛ةيقالخألا ةفسلفلاو ةي هـلإلا رماوألا‬


‫صلــة بالــذات‬ ‫ـق هــذه ال ّنظريــة فيــا لــه ِ‬
‫أمـ ًرا باإلتْيــان (املنكر‪/‬املعــروف)‪ .‬والعالقــة ِوفْـ َ‬
‫َــنِ»‪ُ :‬مـ ْؤت َــــ ِم ٌن‬
‫ن «ذات ْ‬ ‫اإللهيــة والــذات اإلنســانية (األوامرِ‪/‬األفعــال) هــي عالقــ ٌة بَــ َ‬
‫ن «أفعــال األ ْمــر» الصــادرة عــن اللــه‪ ،‬أي األوا ِمــر اإللهيــة‪ ،‬و»أفْعــال‬
‫و ُمــــ ْؤتَ َ ٌن‪ ،‬بــ َ‬
‫الطّاعــة» الواجِبــة مــن ِقبَــل البــر‪ْ ،‬‬
‫أي األفعــال اإلنســانية‪.‬‬

‫تَ تــا ُز املقاربــة االئتامنيــة عــن ال َّنظريتــن األخريتــن القامئتــن عــى «التّغييــب»؛‬
‫باســتحضارها لــــ «التّشــهيد»‪ ،‬وِفاقًــا ملــا بــدأَهُ الدكتــور يف مرشوعــه الرائــد «روح الديــن‪،‬‬
‫ِمــن ضَ يــق ال َعلامنيــة إىل َســ َعة االئتامنيــة» الصــادر ســنة ‪ ،2012‬خاصــة عندمــا قَــ َّدم‬
‫أي «جدليــة العالقــة بــن ال ّديــن‬
‫معالجــة روحيــة غــر مســبوقة لإلشــكال األكــر حضــو ًرا؛ ْ‬
‫ـل فيهــا الغيبــي باملـ ْريئ‪ُ ،‬مؤكِّـ ًدا هنــا فَضْ ـ َ‬
‫ـل التّعا ُمــل الشَّ ــهودي عــى‬ ‫والسياســة»‪ ،‬ت َ َداخـ َ‬
‫حــــضو ٌر للــه َمعــه! ولذلــك؛ فالنظريــة‬
‫التَّعا ُمــل الغيــايب؛ إذ إ َّن تَعا ُمــل اإلنســان مــع اللــه؛ ُ‬
‫حضــور مــع الحضــور»‪ ،‬وأ ّن العالقــة مــع اإللــه‬ ‫ـح عــى «الشّ ــهود» باعتبــاره « ُ‬ ‫االئتامنيــة تُلِـ ُّ‬
‫الباطــنِ امللكــويت ال عالَــم الظّا ِهــر ال ّدن َيــوي الشــكالين‪ ،‬و ِمــن ثَـ َّم فهــي‬
‫َمرجِعهــا عالَــ ُم ِ‬
‫تَ تــا ُز عــن نظريــات التيــار األخالقــي الســالِفة ال ِّذكْــر بالقــو ِل «إ ِّن الشّ ــهود األ ّول _أو‬
‫الصلــة‬ ‫األصلِيــة_ هــو أسـ ُ‬
‫ـاس ِّ‬ ‫مــا يُسـ ِّميه طــه عبــد الرحمــن يف «روح الديــن» بـــالذاكِّرة ْ‬
‫ُصــود اإللهــي»‪.‬‬ ‫امللكوتيــة‪ ،‬و ِبــه َع ـ َرف اإلنســا ُن ال ُوصـ َ‬
‫ـول إىل األوامــر اإللهيــة والق ُ‬

‫‪ -3‬ال ُوصول البرشي إىل معرفة األوامر اإللهية‪:‬‬

‫تصــانِ بامل َــرء إىل َمعرفــة األوا ِمــر اإللهيــة مــن‬


‫إذا كانــت النظريتــن الغَربيتــن ِ‬
‫والصفــات والــذات اإللهيــة‪،‬‬ ‫ّ‬ ‫والصفــات اإلنســانية لألفعــال‬‫ِّ‬ ‫« ُمطابَقــة» األفعــال البرشيــة‬
‫و ِمــن «ت َشــبيه» شــؤون اإللــه ِ‬
‫الباطنيــة بأحــوال ال ّنفــس ال َبرشيــة؛ فــإ ّن ال َّنظــر االئتــاين‬
‫ـل إىل َمعرفــة األوا ِمــر اإللهيــة مــن خــال َمعرِفــة ِّ‬
‫الصفــات اإللهيــة _ «منوذج‬ ‫يج َعلنــا ِ‬
‫نصـ ُ‬
‫حســنى» _‪ ،‬ولتقريــب املعنــى ِمــن األفعــال؛ يســوق الدكتــور عبــد الرحمــن‬ ‫أســاء اللــه ال ُ‬
‫ـال عــى قيمــة «الرحمــة» التــي ال ت ُف َهــم إال كَونهــا ِمــن اســم اللــه ِ‬
‫وصفَتــه «ال ّرحمــن»‪،‬‬ ‫ِمثـ ً‬
‫الصفــات اإللهية‪.‬‬ ‫ـب املنظومــة ال ِقــ َي ِمية واألخالقيــة من ْ‬
‫أصــل ِّ‬ ‫وبالتــايل فاإلنســانية ت َكتسـ ِ‬

‫‪9‬‬ ‫متئا ةبراقُم ؛ةيقالخألا ةفسلفلاو ةي هـلإلا رماوألا‬


‫وت َـ ْب ِنـــي ال َّنظَرِي ـ ُة االئتامني ـ ُة مو ِقفهــا وقَولَهــا الفَصــل يف عالقــة األخــاق اإلنســانية‬
‫باألوامــر اإللهيــة عــى مســأل ِة واضحــة‪« ،‬عالقـ ٌة قامئـ ٌة دامئ ٌة بــن (الوا ِجـ ِ‬
‫ـب) و(األمـرِ)»‪.‬‬
‫أي اإلشــهاد اآلدمــي‪ ،‬هــو الــذي و َّرث َنــا ال ِق َيــم واألخــاق‪ ،‬وأ ّن األوا ِمــر‬
‫وأ َّن شُ ــهو َدنا األ َّول؛ ْ‬
‫اإللهيــة ال تــأيت إال بخــر‪ ،‬و َغ ْرزُهــا «ال َعبْ ِديــة»((( و«الحريــة» يف اإلنســان يــؤول إىل وجـ ٍه‬
‫واحـ ٍ‬
‫ـد لحقيقـ ٍة واحــدة‪ ،‬تتمثَّــل يف أنّ‪:‬‬
‫ • َعبْ ِدية ال ِعباد ِمن الله؛‬

‫حرية ال ِعباد من الله‪.‬‬


‫ •و ُ‬

‫ـاص اآل ِخ ـ ِذ نَظَـ ُره‬


‫يخلُــص فيلســوف األخــاق إىل القــول بأنّــه لــن يَق ـ ِدر ال ِفكــر الغــريب املعـ ِ‬
‫بِضَ يــقِ ال َعلامنيــة وتنظــرات ال َّد ْهرانيــة أ ْن يَسـتَو ِعب َسـ َعة االئتامنيــة وخصائــص ال َّنـــظَر االئتامين‪.‬‬

‫مراجع‪:‬‬
‫ •(عبــد الرحمــن) طــه‪« :‬روح الديــن؛ مــن ضَ ـــيق العلامنيــة إىل َســعة االئتامنيــة»‪،‬‬
‫الصــادر عــن املركــز الثقــايف العــريب باملغــرب‪ ،‬يف طبعتــه األوىل ســنة ‪2012‬‬

‫ •‪« :--------‬ســؤال األخــاق؛ ُمســاهمة يف النقــد األخالقــي للحداثــة الغربيــة»‪ ،‬عــن‬


‫املركــز الثقــايف العــريب‪ ،‬الطبعــة األوىل ‪2000‬‬

‫ •‪« :--------‬بــؤس الدهرانيــة؛ النقــد االئتــاين لفصــل األخــاق عــن الديــن»‪ ،‬عــن‬
‫الشــبكة العربيــة لألبحــاث والنــر‪ ،‬الطبعــة الثانيــة ‪،2014‬‬

‫ •‪« :--------‬رشود مــا بعــد الدّ هرانيــة؛ النقــد االئتــاين للخــروج عــن األخــاق»‪،‬‬
‫عــن املؤسســة العربيــة للفكــر واإلبــداع‪ ،‬الطبعــة األوىل ‪.2016‬‬

‫ •‪« :--------‬األوامــر اإللهيــة والفلســفة األخالقيــة»‪ ،‬محــارضة ألقاهــا الفيلســوف‬


‫برحــاب كليــة أصــول الديــن والحضــارات‪ ،‬بتاريــخ ‪ 30‬مــارس ‪.2017‬‬

‫َّ َ َ ۡ َ ُ‬ ‫َّ َ َ ۡ ُ ُ‬
‫((( ﴿إِياك نعبد ِإَوياك نست ِعني﴾‪ ،‬سورة الفاتحة‪.‬‬

‫‪10‬‬ ‫متئا ةبراقُم ؛ةيقالخألا ةفسلفلاو ةي هـلإلا رماوألا‬

You might also like