Professional Documents
Culture Documents
المصطلح القرآني وعلم الاجتماع
المصطلح القرآني وعلم الاجتماع
إعداد
599
600
باسم هللا الرحمان الرحيم والصالة والسالم على أشرف املرسلين
» الحمد هللا الذي له العزة والجبروت ،وبيده امللك وامللكوت ،وله األسماء الحسنى والنعوت،
العالم فال يغرب عنه ما تظهره النجوى أو يخفيه السكوت ،القادر فال يعجزه ش يء في السموات
واألرض وال يفوت ،أنشأنا من األرض نسما واستعمرنا فيها أجياال وأمما ويسر لنا منها أرزاقا وقسما
تكنفنا األرحام والبيوت ،ويكفلنا الرزق والقوت ،وتبلينا األيام والوقوت ،وتعتورنا اآلجال التي خط
علينا كتابها املوقوت ،وله البقاء والثبوت ،وهو الحي الذي ال يموت ،والصالة والسالم على سيدنا
وموالنا محمد النبي العربي املكتوب في التوراة واإلنجيل املنعوت ،الذي تمحض لفصاله الكون
قبل أن تتعاقب اآلحاد والسبوت ،ويتباين زحل واليهموت ،وعلى آله وأصحابه الذين لهم في
صحبته وأتباعه األثر البعيد والصيت ،والشمل الجميع في مظاهرته ولعدوهم الشمل الشتيت،
صلى هللا عليه وعليهم ما اتصل باإلسالم جده املبخوت ،وانقطع بالكفر حبله املبتوت ،وسلم
1
كثيرا«.
َ ْ َ ْ ُ َّ َّ َ ْ َ َ َ َ َ ْ ْ َ َ َ
2
اب َول ْم َي ْج َع ْل ل ُه ِع َو ًجا". "الحمد ِلل ِه ال ِذي أنزل على عب ِد ِه ال ِكت
َ ُ َ ْ ً ََ ْ 3 ص ِد ًقا ِ َملا َب ْي َن َي َد ْيه م َن ْالك َ نزل َنا إ َل ْي َك ْالك َت َ
اب ب ْال َح ِق ُم َ َ َ َْ
اب ومهي ِمنا علي ِه". ِ ت ِ ِ ِ ِ ِ ِ ِ ِ ِ "وأ
َّ َ ْ ُ َ ُ َ َّ َ َّ َّ َ
صلى الل ُه َعل ْي ِه َو َسل َم َي ُقو ُل: عن علي بن أبي طالب رض ي هللا عنه قال :س ِمعت رسول الل ِه
ُ َ َ ُ َ َُ َ َ ُ ُ َ ٌ ُ ْ ُ َ َ ْ َ ْ َ ُ ْ َ َ َ َ ُ َّ َ ُ َّ
اب الل ِه ِف ِيه ن َبا َما ق ْبلك ْمَ ،وخ َب ُر َما ََ ْع َدك ْم، ،كت "ستكون ِفتن .قلت وما املخرج ِمنها قال ِ:كتاب الل ِه ِ
َ َّ
ص َم ُه الل ُه َو َم ْن ْاب َتغى س ب ْال َه ْزلُ ،ه َو َّالذي َم ْن َت َر َك ُه م ْن َج َّبار َق َ َ ُ ْ ُ َ ََْ ُ ْ ُ َ َْ ْ َْ
ٍ ِ ِ وحكم ما بينكم ،هو الفص ُل لي َ ِ ِ
َّ امل ْس َتق ُ َ ْ َ َ َّ ُ َّ ُ َ ُ َ َ ْ ُ َّ ْ َ ُ َ ُ َ ِ ْ ُ ْ َ ُ َ ُ َ ِ َ ُ ْ ُ ْ َ
يم َو ُه َو ال ِذي ِ الصراطالذكر الح ِكيم وهو ِ ال ُهدى ِفي غي ِر ِه اضله الله فهو حبل الل ِه امل ِتين وهو ِ
ْ ْ َ ُ َ َ َ ْ َ ُ ْ ُ ْ ُ َ َ ُ َ َ َ ْ َ ُ َ ْ َ ْ َ َّ َ َ َ َال َتز ُيغ ب ِه ْاأل ْه َو ُاء َوَال َت ْل َتب ُ
الر ِ ِد َوال ت ْنق ِض ي س ِب ِه األل ِسنة وال يشبع ِمنه العلماء وال يخلق عن كثر ِة ِ ِ ِ
1مقدمة ابن خلدون ،حتقيق درويش اجلويدي ،املكتب العصرية 2003 ،ص 9
2سورة الكهف ،آية1 :
3سورة املائدة ،آية48 :
601
َع َجا ِئ ُب ُه َو ُه َو َّال ِذي َل ْم َي ْن َت ِه ْالج ُّن ْإذ َسم َع ْت ُه ْأن َق ُالوا َّإنا َسم ْع َنا ُق ْر ًانا َع َج ًبا ُه َو َّال ِذي َم ْن َق َ
ال ِب ِه ِ ِ ِ
َ َ ُ َ َ َ ْ َ ُ َ ََ َ ْ ََ َ َ ْ َ َ
1
اط ُم ْست ِقيم". صدق و َمن حك َم ِب ِه عد َل و َمن ع ِم َل ِب ِه ا ِج َر و َمن دعا اإل ْي ِه ه ِد َي ِالى ِص َر ٍ
ونقرأ في الورقة التقديمية للمؤتمر» :وما اجتمعت هذه األمة ولن تجتمع يوما إال على الرؤية
الجامعة واملنهاج الجامع والشخصية الجامعة .وكل ذلك في القرآن أو من صنع القرآن .ومفاتيح
القرآن التي أضاعت األمة بالتدريج عددا من نسخها األصلية عبر القرون ،هي مصطلحاته الحاملة
ملفاهيمه املكونة ألنساقه الصغرى والكبرى والنسق العام الكلي .وهي هي أبواب "علم القرآن" الذي
هو العلم" .وإنما أبواب كل علم مصطلحاته".
ُ
ولن تسترجع حق االسترجاع إال بـ "إقامة املصطلح األصل وما تقتضيه" .ثم بتتبع آثارها سلبا
وإيجابا في "املص ـ ـ ــطلح الفرع" :مصطلح علوم األمة متفاعلة مع الزم ـ ـ ــان واملك ـ ــان واإلنسان عبر
القرون ،ثم بتصور حض ـ ـ ـ ــورها في مختلف أصناف العلوم :الشرعية واإلنسانية واملادية ضمن
الرؤية الجامعة الصانعة لغد األمة« .
ً 2 َّ َ"و َم ْن َأ ْ
ص َد ُق ِم َن الل ِه ِقيال"
َ
3
"وتمت كلمات ربك صدقا وعدال ال ُم َب ِِد َل ِلك ِل َم ِات ِه"
َّ ُ َ َّ َ َ ْ َ َ ُ ُ ُ َ َّ َ الله ُن ٌ
ور َو ِك َت ٌ َ ْ َ َ ُ ِ َ َّ
4
السالم". اب ُّم ِب ٌين يهدي ِب ِه الله م ِن اتبع ِرضوانه سبل "قد جاءكم ِمن ِ
َ َ ْ َ ْ َ َ َّ ُ ْ 5
ود ال ِذين يخشون ربهم"
َ ً ُّ َ َ ً َّ َ َ َ ْ َ ُّ ْ ُ ُ ُ ُ َّ َّ ُ َ َّ َ َ ْ َ َ ْ َ
يث ِكتابا متش ِابها مثا ِني تقش ِعر ِمنه جل "الله نزل أحسن الح ِد ِ
واآليات تترى في هذا الباب ،فكلمة هللا هي الكلمة ،واملفهوم القرآني هو املفهوم ومصطلحه
َّ َ َ َ
هو املصطلح"َ ،و َما ِع ْن َد الل ِه خ ْي ٌر َوأ ْبقى" ،6ألنه خير مدلول ويتخطى الزمان واملكان.
ََ ْ َّ َ َ َ ْ َ َّ َ َ ْ َ ْ َ َ َ َ َ َ
ض َوال ِج َب ِال فأ َب ْي َن
ِ راأل ْ و ات
ِ اوم الس ى ل يقول َعض املفسرين لقوله تعالى"ِ :إنا عرضنا األمانة ع
وما َج ُهوال " ،7زيادة على الفرائض والنواهي،8
ً ان َظ ُل ً َأن َي ْحم ْل َن َها َو َأ ْش َف ْق َن م ْن َها َو َح َم َل َها ْ َ ُ
ان ،إ َّن ُه َك َ
اإلنس ِِ ِ ِ
602
ُْ
إن مدلول األمانة هنا هو "إدخال الوحي في شتى مناحي الحياة" ،فيمتزج معها فتصبح ربانية و"تؤ ِتي
ْ َُُ ُ
أكل َها ك َّل ِح ٍين ِب ِإذ ِن َ ِرِب َها" ،1ومن باب أولى أن يدخل الوحي العلوم ،وخاصة اإلنسانية منها،
ألهميتها ودورها الخطير في بناء املفاهيم والتصورات.
َِ َ َ َ ْ َ ْ ُ َ ْ َ َ َ َ َ َ َ ُ َِ 2 ُ َّ َ َ ْ ْ َ ً ِ َ
"قل ل ْو كان ال َبح ُر ِمدادا ِلك ِل َم ِ
ات رِبي لن ِفد البحر قبل أن تنفد ك ِلمات رِبي".
هذه الكلمات في فهمنا اإلنساني-مفاهيم ومصطلحات إال أن لها خصوصية متفردة لكونها
كالم رب العاملين.
إن الخوض في كتاب هللا عز وجل يستدعي اإلملام باللغة العربية ،ومعرفة املحكم واملتشابه،
والناسخ واملنسوخ وأسباب النزول ،املكي واملدني ...إلخ ،وليس لي في هذه املجاالت ال حول وال
قوة ،فمعذرة ان أخطأت ،وبفضل هللا إن اقتربت من الصواب.
ملا طلب مني أن أعد مداخلة عن عالقة املصطلح القرآني َعلم االجتماع ،غامرتني الظنون
والشكوك ،هل درايتي بكتاب هللا العزيز كافية ،وهل إحاطتي َعلم االجتماع شاملة؟ فتهيبت من
ذلك ،ورجعت إلى نفس ي أسائلها :هل أكون من أصحاب االعتذار أم أحاول أن ألحق بركب أهل
االقتدار؟ واالعتذار واالقتدار سيان عند من يعرف قدر نفسه فيقف عنده .وقفت بين خوف
ورجاء ،خوف من مزالق القول بالرأي في القرآن أو اإلنتاج املجانب للصواب ،ورجاء في العمل على
تثويره وتنوير نفس ي بنوره .فركبت التوكل وعقدت العزم واستلهمت الهداية ورجوت التوفيق.
ً
ففتحت كتاب هللا العزيز فوجدته كما سبعة وسبعين ألف كلمة وأربعمائة وتسعا وثالثين
ُ َ ً ً
كلمة ،3ووجدته رسما ومعنى بحرا زاخرا ،يغشاه نور من فوقه نور ومن تحته نور " ،ق ْد َج َاءك ْم
ُ َ ُْ
الذي أن ِز َل َم َع ُه أول ِئ َك َ َ َ ُ ُ َ َ َ ُ َ َ َ ُ ُّ َ "،ف َ َ َ ُ ُ ٌ َ ُ َ 4
ِم َن هللا نور ِوكتاب م ِبين"
الذين أمنوا ِب ِه وعزروه ونص ُروه واتبعوا النور ِ ِ
6 َُ ُ َ ََ َُ ْ ُ ُ ْ ُْ ُ َ َ ْ َ ْ َ ْ َ َ 5
هم املف ِلحون" " ومن لم يجع ِل هللا له نورا فماله ِمن ن ٍ
ور".
603
ً
فقلت اقتباسا :
وضعت من خيفتي كفي على بصـري ملا نظرت إلى أن ـ ـ ــواره سطعت
فلست أنظ ـ ـ ـ ــره إال عل ــى ق ـ ـ ــدر خوفا على بصري من وهج حجته
األنوار من ن ـ ـ ــوره في نوره غ ـ ــرقت واآلي منه مثل طلـ ــوع الشمس والقمـر
فنظرا لضيق وقت التحضير وقلة اإلملام ،اكتفيت بالتطرق إلى البعض القليل من املصطلح
القرآني الذي وجدت أنه على صلة َعلم االجتماع.
إشكاليات
-1عندما يستعمل علم االجتماع مصطلحا قرآنيا ،هل يستعمله انطالقا من هذا النعت أم
يعتبره كأي مصطلح آخر مبثوث في لسان العرب؟
-2عند استعمال املصطلح القرآني من طرف علم االجتماع هل يستمر هذا املصطلح في
الداللة على مفهومه القرآني أم يحمل مضمونا آخر؟ وبلغة أهل علم املصطلح :هل يحتفظ
املصطلح القرآني في هذا اإلطار ببعده اللغوي وبعده املرجعي وبعده املفاهيمي؟
-3هل الجهاز املصطلحي لعلم االجتماع في حاجة للداللة عل تصورات جديدة ومفاهيم
مستحدثة للمصطلح القرآني؟
-4اللغة '' جارية على االستخدام ،قائمة على التطور ،نزاعة إلى متساوقات حاجات اإلنسان
وتقلب صنيعه في الزمن واملكان '' ،1فهل يجاري املصطلح القرآني هذا التقلب أم هو حمال
ملضامين متعددة يكفي للمشتغل َعلم االجتماع أن يبحث عنها ويخرجها من األذهان إلى األعيان
عبر اللسان؟
-5ملاذا نتكلم عن املصطلح القرآني وصالحية استعماله في مجال علم االجتماع وهو محدود
ًّ
كما بين دفتي املصحف ،ومفهوما في مختلف املعاني املبثوثة في كتب التفاسير .فكيف للمحدود
أن يساير املتجدد املتمطط وتغير الوقائع وأحول االجتماع اإلنساني؟
604
-6هل من املمكن تتبع ما ينتج كمصطلحات على الصعيد العالمي في مجال علم االجتماع
وتعقبها والبحث في مدلولها 1.وتزداد هذه الصعوبة استفحاال مع ضعف الترجمة إلى العربية .يقول
األستاذ مونجي بوسنينة '' :لم يترجم العرب أجمعون منذ زمن الخليفة العباس ي املأمون إلى غاية
القرن العشرين سوى 100ألف كتاب .هذا العدد حققه اإلسرائيليون في أقل من 25سنة ،وحقق
2
نفسه البرازيليون خالل 4سنوات ،أما االسبان فحققوه في سنة واحدة'' .
منطلقات
ملاذا املصطلح القرآني؟
ُ
.1يقول جالل الدين السيوطي رحمه هللا" :فألفاظ القرآن هي ل ِب كالم العرب وزبدته،
وحكمهم ،وإليها مفزع حذاق
وواسطته ،وكرائمه ،وعليها اعتماد الفقهاء والحكماء في أحكامهم ِ
الشعراء والبلغاء في نظمهم" 3فاملصطلح القرآني هو املرجع ،واللغة العربية هي الوعاء الجامع ،التي
ما كان يمكن لغيرها "أن تكون املهد الذي تنشأ فيه املعجزة الكبرى في تاريخ البشرية" ،4كما يقول
5
محمد عبد الواحد حجازي ،و"هللا أعلم حيث يجعل رسالته"
.2الرجوع إلى األصل أصل " ...ومنذ أجيال وأجيال ،حيل بين األمة وكتاب ربها بأشكال فكان
6
ما كان ،ولتعود املياه إلى مجاريها يجب إعادة وصل اإلنسان بالقرآن وإحالل القرآن في اإلنسان"...
1مثال :مصطلح '' احلقل الديين '' هو مفهوم أصله عامل االجتماع الفرنسي بيري بورديو ،ونقله إىل اجملال التداويل املغريب
الباحث املغريب حممد الطوزي .ذكره نور الدين لشهب يف مقاله :علماء البالط وحماربة اإلرهاب ...خلفيات القصور
وسياقات الشغور – عن جريدة هسربيس ،السبت 17مارس 2017
2رهانات القرن العشرين ،موجني بوسنينة ،الطبعة األول’ االلكسو ،تونس ،2007ص 79
3املزهر يف علوم اللغة وأنواعها ،جالل الدين السيوطي ،حتقيق حممد أمحد جاد املوىل وآخرون ،دار أحياء الكتب العربية،
عيسى البابلي احلليب وشركاؤه ،ج 1ص.201:
4أثر القرآن الكرمي يف اللغة العربية ،حممد عبد الواحد احلجازي-الطبعة 2ص10.
5سورة األنعام ،اآلية 124
6حنو معجم تارخيي للمصطلحات القرآنية املعرفة ،الشاهد البوشيخي ،دراسات مصطلحية ،8ص3.
605
"وياليت قومي يعلمون بأن "املسألة املصطلحية" هي قلب اإلشكال ومفتاح اإلقالع ومحرك
ً
التجديد ،وذلك بأنها تتعلق ماضيا بفهم الذات ،وحاضرا بخطاب الذات ،ومستقبال ببناء
الذات" ،1فباستعمال املصطلح القرآني نحافظ على األصل ونعزز الهوية ونستعمل أفضل مبنى
ألحسن معنى.
.3املصطلح القرآني معجز من حيث مبناه ومعناه ،فهو يمثل الصدق والحق واليقين وال
ْ َ ُ َ َ َ َّ َ ُ ُ ْ ْ َّ
ين أوتوا ال ِعل َم ال ِذي أ ِنز َل ِإل ْي َك ِمن َّرِِب َك ُه َو ال َح َّق تشوبه االهواء وال تعتريه الظنون "ويرى ال ِذ
2
يد". َو َي ْهدي إ َل ٰى ص َر ْ َ ْ َ
اط الع ِز ِيز الح ِم ِ
ِ ِ ِ ِ
.4انفراد املصطلح القرآني باإلعجاز التأثيري من دون سائر املصطلح .وللدكتور عبد الكريم
الخطيب 3كالم بديع في هذا اإلعجاز حيث يقول » :إن كلمات القرآن التي كانت على فم الناس،
كان لها رحلة إلى املأل ،من األرض إلى السماء ،من أفواه الناس إلى عالم الروح ،والحق والنور،
ً ً
وهناك في هذا العالم /عالم الروح والحق والنور /عاشت تلك الكلمات دهرا طويال بين مالئكة،
ً ً ً
وولدان ،وحور ،فنفضت عليها هذه الحياة الجديدة ،روحا من روحها ،وجالال من جاللها ونورا
من نورها ،حتى إذا أذن لها الحكيم الخبير أن تعود أدراجها إلى األرض وتلقى في أفواه الناس مرة
ً
أخرى ،وتطرق أسماعهم ،وتتصل َعقولهم وقلوبهم ،لم ينكروا شيئا من وجودها ،وإن سرى إليهم
من هذا الوجود ما يخطف األبصار ويخلب األلباب ،فاملؤمنون في شوق متجدد معه وفي خير
ً ً متصل منه ،وفي عطاء موصول من ثمره ،كلما ِ
مدوا أيديهم قطفوا من أدبه أدبا عاليا ومن علمه
ً ِ ً ً ً
قيما ،وغير املؤمنين في عجب من أمره ودهش .يتناولونه بألسنة علما نافعا ،ومن شريعته دينا
4
حداد ،ويرمونه َسهام مسنونة ،وبكيد عظام ،فما يصل إليه من كيدهم ش يء«.
1حنو تصور حضاري للمسألة املصطلحية ،الشاهد البوشيخي ،دراسات مصطلحية ،3ص.3
2سورة سبأ ،اآلية 6
3مفكر إسالمي معاصر ،امسه الكامل عبد الكرمي حممود يونس اخلطيب .ولد سنة 1910م (1328هـ) ،يف حمافظة
سوهاج من صعيد مصر .تويف سنة 1406ه1985 ،م .أهم آثاره " :التفسري القرآين للقرآن " 16جملدا " قضية األلوهية
" جزآن " إعجاز القرآن " جزآن " التعريف باإلسالم " " املسيح يف القرآن والتوراة واإلجنيل " " القضاء والقدر " " بني
الفلسفة والدين " " السياسة املالية يف اإلسالم ".
4انظر موقعhttp://quran-m.com/quran/printarticles/2487 :
606
ملاذا علم االجتماع؟
.1لإلجابة عما طلب في إطار هذا املؤتمر من رصد حضور املصطلح القرآني في الجهاز
املصطلحي لعلم االجتماع.
ً
.2لكون علم االجتماع ،في صورته الطاغية اليوم ،أحد العلوم االجتماعية األكثر تأثيرا في
الساحة ولكونه ما يزال يتشكل شيئا فشيئا ،لحداثته بالنسبة لبعض العلوم اإلنسانية األخرى.
ً ً
.3لكون النص القرآني في حد ذاته نصا إالهيا في اإلصالح االجتماعي.
ومما يجب التأكيد عليه هو '' أن الوحي قرآنا وسنة مجموعة من املفاهيم ،إذا حصلت
كليات الدين ،وإذا لم تفقه ،لم يفقه الدين'' .1واملصطلح القرآني ال يمكن فهمه إال في إطار نسقه
املفاهيمي '' ،وضرورة فقه النسق ،كضرورة فقه املفاهيم لفقه الدين'' .2وإذا أصابت التشوهات
التصورات ،يجب الرجوع إلى املفهوم والتشبع بمعناه ومقصده ،داخل النسق العام املنظم للنص
القرآني.
1القرآن الكرمي والدراسة املصطلحية ،الشاهد البوشيخي ،دراسات مصطلحية ،4سنة ،2002ص 6
2نفس املصدر السابق ،ص7
607
الفراغ املصطلحي في علم االجتماع ال يمكنه من اقتحام مجال ال يهتم به وهو تنظيم
عالقة اإلنسان بخالقه ،هذه العالقة تهيمن على تصور اإلنسان للكون وتحدد وضعية ومكانة كل
فرد داخل املجتمع .وهنا ينفرد ويتفرد املصطلح القرآني.
يقول املثل الالتيني "حيث يوجد مجتمع يوجد قانون" ،1والقانون هو مجموعة من
املفاهيم واملصطلحات التي تنشأ في البيئة االجتماعية أو تغرس فيها ،ثم تصير َعد ذلك منظمة
لهذه البيئة ومحددة ملعاملهما املستقبلية ،ويستمر التفاعل على هذا املنوال .والقرآن الكريم مؤطر
للمنظومة القانونية ،وأثر النظريات املنبثقة عن علم االجتماع على املجتمعات الحالية كبير،
وصلب هذه النظريات مفاهيم ومصطلحات ،ومن مصلحة البشرية أن تأوي هذه املفاهيم
واملصطلحات إلى ركن شديد.
علم االجتماع يبحث في الحقائق االجتماعية بآليات قد تكون مالئمة أو غير مالئمة،
والقرآن الكريم يقدم حقائق األشياء ،بقطعيه ثبوته وبمضامين الحق املطلق التي َيشتمل عليها.
علم االجتماع علم نسبي يقل فيه اليقين وتكثر فيه األطروحات والنظريات ،لذا ،من منحى
املفاهيم ،يجب التوجه إلى مصدر أعلى يثق فيه املشتغل َعلم االجتماع ويتخذه موجها له في املبنى
واملعنى .وليس هناك أثبت من القرآن الكريم مفاهيميا ومصطلحيا ،ليس لكونه يتسم بالدقة
2
واملوضوعية فحسب ولكن لكونه كالم هللا تعالى ،وهو روح األمة.
بحسب أحد فالسفة العلوم الغربيين الكبار في القرن العشرين ،گاستون باشالر":3ليست
هناك حقائق أولى ،بل أخطاء أولى" ،4نظرا لعدم قدرة اإلنسان على اكتشاف الحقائق للوهلة
َ َ َ َ األولى وأن العقل العلمي يمر في تكوينه عبر مرحلة األخطاء األولى" ،ف َأ َّما َّالذ َ
ين َآم ُنوا ف َي ْعل ُمون أ َّن ُه ِ
ْ
ال َح ُّق ِمن َّرِِب ِه ْم" ،5حيث اختصر الحق سبحانه وتعالى الطريق عليهم وأمدهم بحقائق ثابتة عبر
مفاهيم ومصطلحات القرآن الكريم.
608
هناك مجاالت يعترف علم االجتماع نفسه أنه ال يمكن إخضاعها ملناهج بحث "علمه
الدقيق" ،وأن اقتحامه لها يكون عن طريق التخمين والظن ،كنشأة األديان وأصول اللغات وظهور
َّ َ َّ َ ْ َ
النظم االجتماعية .بينما يحسم النص القرآني في مجاالت عدة كهاته"َ ،و َما َيت ِب ُع أكث ُر ُه ْم ِإال ظ ًّنا ِإ َّن
َ ْ َّ َ ْ
الظ َّن ال ُيغ ِني ِم َن ال َح ِ ِق ش ْي ًئا".1
ملاذا أولية املصطلح القرآني:
إن سمو املصطلح القرآني يؤهله للهيمنة على ما سواه من كثير من مصطلحات علم
االجتماع ،وذلك العتبارات متعددة نذكر من بينها:
-1مسألة التعارض بين النظريات االجتماعية تعتبر من القضايا الشائكة التي تثار ضد علم
االجتماع ،و " يبلور هذا التعارض من خالل إبراز نوع العوامل التي تستند إليها كل نظرية في تفسير
التغيرات االجتماعيةَ .عض النظريات تعتبر الذكاء اإلنساني عامال حاسما في إحداث التطور
االجتماعي ،بينما هذا الذكاء نفسه عند آخرين ،متغير تاَع لعوامل أخرى .العامل الديني ،أو البيئي
أو االقتصادي أو االجتماعي'' .2وال تعارض نظري وال مفاهيمي بين مصطلحات القرآن الكريم.
-2مسألة التحيز التي كانت سببا في تسديد سهام النقد لعلم االجتماع عندما يقدم َعض
التفسيرات لظواهر ووقائع اجتماعية ،حيث يتجلى مفهوم التحيز في التمركز حول الذات واالنغالق
فيها ورؤية العالم انطالقا من التجربة الشخصية الضيقة ،ونفي اآلخر خارج إطار التاريخ أو
الوجود أو العلم ،والسعي نحو استبدال هويته وماهيته بمحتوى يتفق مع الذات املهيمنة
وأهدافها .وذلك من خالل نسق تراه ،انطالقا من هيمنتها ،األمثل طبقا ملنظورها الترابي الذي ال
يتيح لها رفع رأسها إلى السماء .وهذا ما حدث بالفعل لعلماء اجتماع الغرب حينما أطلوا على
العالم اإلسالمي.
-3مسألة الحقيقة الهالمية ،حيث إذا سلمنا جدال أن العلوم الطبيعية املادية فيها حقائق
ثابتة أو لها قوانين ثابتة ،فبالنسبة لعلم االجتماع ،حيث ال توجد تجربة مخبرية ،ال يمكن الحديث
609
عن حقائق أو قوانين ثابتة فباألحرى عن مفاهيم قطعية الداللة والثبوت .ومفاهيم القرآن الكريم
قطعية الثبوت وفي غالبيتها العظمى قطعية الداللة.
-4مسألة قطبية املنهج اإلالهي واملنهج الوضعي ،حيث يهرب علم االجتماع من الوحي بحكم
ما يمليه منهجه الوضعي ،إال إذا كان الوحي موضوع درس علم االجتماع من جملة مواضيع أخرى،
وليس كمرجع ثابت يحتوي على تفسيرات وحقائق اجتماعية مطلقة .واملنهج الوضعي له مفاهيمه
ومصطلحاته ،واملصطلح القرآني بقطعيته خير وأبقي.
-5مسألة املنهج املعياري واملنهج الوضعي ،حيث صهر الفكر املعاصر علم االجتماع في املنهج
الوضعي ونآى به عن املنهج املعياري الرباني .هذا باإلضافة إلى أن املنهج الوضعي يزج َعلم
االجتماع في النظرة األحادية والجزئية ،بينما يدعو القرآن الكريم إلى النظرة الشمولية التي تشمل
العاملين ،ومن هذا املنحى كان مصطلحه أشمل وأرقى .ويمكن التأكيد على أنه عندما تصاغ
تصورات الحياة االجتماعية وفق نموذج ومفهوم معينين انطالقا من املفهوم القرآني ،فإنها
تتطابق مع ما يقول به عقالء علماء االجتماع.
-6مسألة محدودية ''العلم '' ورحابة الوحي ،ونقصد بالعلم هنا علم االجتماع وهل يمكن أن
نسميه تجاوزا ''علما'' .فلقد كان هناك سجال كبير حول '' علمية '' علم االجتماع ،حيث أن هناك
من قال ال حاجة لنا َعلم االجتماع ال في شكله العام وال حتى َعد تأصيله ،بل أسماه خرافة القرن
ً
العشرين .1ومما يزيد األمور تعقيدا أن علم االجتماع ال يستند على موقف نظري موحد ،وأن
أصحابه لم يتحرروا من انتماءاتهم القيمية واالجتماعية ،وأنه يعرف من خالل مفاهيم ال يمكن
تعريفها إال من خالل علم االجتماع نفسه .ينعته البعض ب ''العلم الذي ال موضوع له '' حيث
تذهب َعض التيارات ا لسوسيولوجية إلى أنه ليس ثمة وجود موضوعي مادي ملا نطلق عليه ''
املجتمع'' .نطلق اسم املجتمع عندما يتواجد األفراد معا ...أما الوجود الحقيقي فهو الوجود
الفردي .األفراد هم املوجودون بالفعل أما املجتمع فهو موجود باالسم .2وكان األستاذ عبد اللطيف
الحجامي رحمه هللا يقول'' :ما نسميه اليوم علما ال يعدو أن يكون سوى تقنية وصنعة ،إنما العلم
1التأصيل اإلسالمي لعلم االجتماع ،إشكالية املفهوم واملنهجية ،عبد العزيز بن علي بن رشيد الغريب ،موقع احلوار اليوم،
2013
2أسس علم االجتماع ،حممود عودة ،الدار النهضة العربية – بريوت – ص 29
610
ما يوصلك إلى الحقائق املطلقة الصادرة عن العالم الحكيم حيث يكون هو مصدرها وأنت
َ ِ
طالبها'' .1ومرد العلم بهذا املفهوم '' ...إلى ما ينبغي له من الوحي الذي هو العلم ''َ '' ،2ول ِئن ات َب ْع َت
َ َ َ ْ َأ ْه َو َاء ُهم َيعد َّالذ َ
ين َج َاء َك ِم َن ال ِعل ِم َمال َك ِم َن هللا ِم ْن َو ِل ِي َوال ن ِصير 3'' .إن منطق األشياء يدعو ِ
إلى هيمنة الوحي في شموليته ويقينيته على محدودية الصنعة البشرية التي تسمى تجاوزا '' علما ''.
611
Nationalisme )قومية (قوم Dialectique جدل Allégeance والء
Nationalisation تأميم Discrimination تمييز Ambivalence ثنائية وجدانية
Changement تغيير Divorce طالق Colère غضب
Besoin حاجة Domination سيادة Angoisse كرب
Négativisme سلبية Elite صفوة Aptitude استعداد
Nomadisme )بداوة (بدو Envie حسد Arbitrage تحكيم
Héritage إرث Egalité مساواة Artisan صانع
Vieillesse شيخوخة Psychisme نفس Ascétisme زهد
Paria منبوذ Eudémonisme )مذهب (السعادة Association رابطة
Physionomie )سيماء (سحنة Emigration هجرة Bande عصبة
Plaisir متعة Faction )زمرة (مشاكسة Croyance اعتقاد
Préjudice تحيز Fatalisme قدرية Natalité نسل
Prévention وقاية Peur خوف Fraternité أخوة
Primarité أولية Fétiche وثن Religion ملة
Primaire أولى Faiblesse ضعف Dot صداق
Priorité أسبقية Vengeance تأثر Caste طائفة
ُ
Prohibition تحريم Force قوة Caractère خلق
Propensité َم ْيل Don هبة Clan عشيرة
Propriété ملكية Gouvernement حكومة Clique ثلة
Prophète نبي Grandeur عظمة Coercition إكراه
Prostitution ِبغاء Habitat سكن Cognation )رحم (قرابة
Punition عقاب Hommo sapiens إنسان Collectivisme جماعية
Raison عقل Humaniste إنس ي Mariage زواج
Rébellion عصيان Humanité إنسانية Conjoint زوج
Régression نكوص Idéalisme مثالية Femme إمرة
Religion ديانة Ignorance جهل Femmes نسوة
Responsabilité مسؤولية Analphabétisme أمية Compromis تراض
Retraité تقاعد Intériorisation استدخال Imitation تقليد
Révélation وحي Jugement حكم Immortalité خلود
Sacré مقدس Justice عدالة Inceste غشيان املحارم
Salutation تحية Travail عمل Incitation تحريض
Sanction جزاء Langue لسان Individualisme فردانية
Satisfaction رض ى Loi شرعة Individualité تفرد
Epargne ادخار Législation تشريع Individualisation تفريد
Sceptique متشكك Lignée النسب Métier صنعة
Scepticisme مذهب الشك Amour حب Industrialisation تصنيع
Secte فرقة Envie شهوة Infériorité دونية
Insensible فاقد اإلحساس Magie سحر Institutionnalisation تأسس
Servitude عبودية Shura شورى Courant املذهب
Sévérité قسوة Majorité أكثرية Intention قصد
Comportement social سلوك اجتماعي Medium وسط Intentialité قصدية
Transcendantalisme نزعة التعالي Statique علم السكون Causalité sociale سببية اجتماعية
Trahison خيانة Stérilité عقم Changement social تغيير اجتماعي
Tyrannie طغيان Stérilisation تعقيم Justice sociale عدالة اجتماعية
Village قرية Succession تعاقب Réforme social إصالح اجتماعي
Rêvasserie أضغاث أحالم Tendance ميل Ame نفس
612
Théisme االعتقاد باإلاله Esprit روح
Transcendance تعال Etat دولة
ثم وجدت في الكتب واملراجع التي وقعت تحت يدي وتتعلق َعلم االجتماع ما يربو على مائة
وخمسين مصطلحا قرآنيا ومشتقاته فكانت كالتالي:
َ
أمةَ ،شر ،إنسان ،ناس ،دين ،رعاء ،مشيد ،سيارة ،تداول ،علم ،مسجد ،مساكن ،امل ِلك،
ُْ
امللك الفحشاء ،املعروف ،املنكر ،امرأة ،رجل ،نساء ،شهداء ،ظلم ،عجم ،نبأ ،وسواس ،وقر،
أجير ،عقد ،تغيير ،نميم ،رعاية ،رعية ،األعلون ،مؤمنون ،أخ ،إمام ،أئمة ،إخوة ،عصبة،
مستضعفين ،مستكبرين ،كادح ،ملوم ،مسحور ،الرزق ،الكسب ،أموال ،بنين ،تجارة ،نعمة،
فقر ،إنفاق ،إسراف ،خوف ،حزن ،تثبيت ،ذهب ،فضة ،كنز ،أنانية ،امليزان ،التوازن ،العنف،
تبوء ،اإليثار ،الخصاصة ،الشح ،املسكين ،اليتيم ،األسير ،الحب ،الكره ،النفاق ،األرض ،القوم،
الوالدين ،األقربين ،ذوي القربى ،وسطا ،الوسطية ،املسؤول ،الظن ،الحق ،أمم ،الكرامة،
الذكر ،األنثى ،الشعوب ،القبائل ،شعب ،املتقين ،املسلمون ،البر ،اإلثم ،العدوان ،املشرق،
املغرب ،ابن السبيل ،السائل ،الوفاء ،الهلع ،الجزع ،الشر ،املنع ،منافع ،العمران ،الصنعة،
ى ُ
امل ْ
ص ِلح ،اإلصالح ،العصيان ،التعدي ،الظن ،الحكمة، املحروم ،الحياة ،اإليمان ،القر ،
املوعظة ،الخيانة ،األمانة ،الطالق ،الرجعة ،النشوز ،الحكم ،العدل ،القسط ،الكذب ،الخالف،
االختالف ،التخلق ،التعصب ،الحسنة ،السيئة ،العداوة ،الولي ،األهل ،املودة ،الرحمة ،البعل،
السكون ،الهيمنة املعاشرة ،خليفة ،الشورى ،الحتمية ،الفطرة ،الحزب ،العمال ،ال ِعشرة،
الشرعة ،الشريعة.
وال شك أن هناك العشرات من املصطلحات القرآنية األخرى مبثوثة هنا وهناك في جوف
الكتب لم أحصها ،وأن ما اشتمل عليه املعجم املوحد السالف الذكر من مصطلحات علم
االجتماع إنما هو َعض من كل ،لكونه ذي مدخل إنجليزي اعتمد فيه على مراجع أجنبية ال تتسم
بالشمولية .كذلك الكتب واملراجع التي استعملتها إنما تمثل عينة َسيطة مما كان يمكن االطالع
عليه وتتبع املصطلح القرآني في طياته.
613
إن املصطلح القرآني حاضر في املنظومة املصطلحية لعلم االجتماع ،إال أن النظرة الغالبة
ترجع به إلى اللسان العربي كمصدر أكثر مما ترجعه إلى كتاب هللا العزيز .ذلك أن '' العقل العلمي''
املعاصر كما ِش َيء له أن يتشكل ،يجعل من الدين موضوعا للبحث االجتماعي واإلنساني وليس
ً
تصورا للكون ،حامال لحقائق ثابتة وتفسيرات يقينية .يقول محمد قطب رحمه هللا " :وأنا أعلم أن
1
الذعر يصيب َعض املشتغلين بالعلم حين يذكر اسم الدين".
1اإلنسان بني املادية واإلسالم ،حممد قطب ،دار الشروق ،الطبعة ،1978 ،5ص 10
2سورة األنبياء ،اآلية 79
3سورة يوسف ،اآلية 36
614
املثال األول :منهجية معاذ بن جبل رض ي هللا عنه في مرجعتيه عندما َعثه رسول هللا صلى
هللا عليه وسلم قاضيا إلى اليمن وسأله بم يقض ي ،قال "بكتاب هللا'' ثم '' َسنة رسوله '' ثم اجتهد
رأيي'' وقد أقره الرسول صلى هللا عليه وسلم على هذه املنهجية .فحضور املصطلح القرآني في
ً
الجهاز املصطلحي لعلم االجتماع ،ال يكون حضورا فعليا إال إذا عملنا على جعل هذا الحضور أمرا
واقعا بإدخال املصطلح القرآن ملجال هذا العلم مع مراعاة الشروط املطلوبة في ذلك ،على اعتبار
أن املصطلح القرآني أدق في املعنى ،وأغزر في العبارة وأيسر في االستعمال وأكبر من كل هذا أن
ً 1
هللا ِقيال''. الحق سبحانه وتعالى اختاره واستعمله وعلمنا إياهَ '' ،و َم َن َأ ْ
ص َد ُق م َ
ن
ِ ِ
املثال الثاني :منهجية ابن خلدون في تجديد املصطلحات ومدلوالتها ،حيث يقول علي عبد
الواحد وافي بهذا الخصوص '' :ملا كانت بحوث ابن خلدون في االجتماع قد انتهت به إلى أفكار وآراء
ً ً
جديدة ،ال يوجد في الكلمات املألوفة ما يعبر عنها تعبيرا دقيقا اضطر إلى أن يشتق من َعض
األصول العربية مفردات لم يسبق اشتقاقها منها...وقد عبر ابن خلدون نفسه عن هذه الضرورة،
إذ يقول في أثناء حديثه عن أهل التصوف '' :ثم إن لهم مع ذلك آدابا مخصوصة لهم
واصطالحات في ألفاظ تدور بينهم ،إذ األوضاع اللغوية إنما هي للمعاني املتعارفة ،فإذا عرض من
املعاني ما هو غير متعارف اصطلحنا على التعبير عنه بلفظ َي َت ِي َّس ُر فهمه منه" 2.فالرجوع إلى
املصدر واستعمال االشتقاق وما تيسر فهمه ،يفي بالغرض في هذا الباب كما ونوعا ،وفي املصطلح
القرآني آيات للسائلين ،منه اشتق ابن خلدون مصطلحاته ملفاهيمه الجديدة حيث استعمل كلمة
''العمران'' في الداللة على االجتماع اإلنساني و "علم العمران" على البحوث التي تدرس وقائع هذا
االجتماع واالطالع على القوانين املتحكمة فيها ،و "العصبية " على القوة واملنعة الناشئتين من
أواصر اللحمة بين أفراد العصبة .ولكل هذه املصطلحات أصل قرآني.
املثال الثالث :منهجية تتبع التطور والتجدد اللذين هما من سنن حياة البشر عموما
واالجتماع اإلنساني على وجه الخصوص .ومن خالل هذه املنهجية ينبري إشكال التجديد في الدال
أم في املدلول ،سيما وأن علم االجتماع يعالج ظواهر متغيرة بخالف العلوم املادية األخرى التي
تعالج ظواهر مستقرة .فالدال رسما ال يتغير وإنما املفاهيم هي التي يطالها التغيير وهي التي تسهم
615
في تغيير العقليات ومنها إلى تغيير املواقف والسلوك .إال أن هذه املنهجية ال بد وأن تؤطرها معالم
محددة حتى ال تخلط على الناس مفاهيمهم وتبقى لصيقة باملعاني التي يرشح بها املصطلح القرآني
كمرجع أسمى.
املثال الرابع :من املفترض أن توثيق هذه العالقة ينبني في َعض جوانبه ،بالنسبة
للمشغلين َعلم االجتماع على وجه الخصوص على ما يلي:
)1الدراية بكتاب هللا عز وجل من مختلف الجوانب ،حيث أنه عندما يغوص الباحث فيه
فإنه ينير له السبيل .وال يفوت هنا أن نذكر بما كان للقرآن الكريم من كبير األثر على أعمال ابن
خلدون رحمه هللا ،وأن نذكر كذلك ببعض الدعوات التي نحت منحى إَعاد القرآن الكريم عن
حقول ''العلم واملعرفة'' ،وتقديم تأويالت مغرضة حتى في شأن عالم كابن خلدون .يقول في هذا
الصدد ناتانيل شميت ،وهو أستاذ بجامعة كورنل بأمريكا ،عن ابن خلدون "إذا كان يذكر خالل
ً
بحثه كثيرا من آيات القرآن ،فليس لذكرها عالقة جوهرية بتدليله ،ولعله يذكرها فقط ليحمل
قارئه على االعتقاد بأنه في بحثه متفق مع نصوص القرآن " ،1فلماذا هذا التشكيك؟ لنشك في
منهجية قراءة ابن خلدون للتاريخ ،ال ،بل نشك في موضوعية هذا األستاذ لكونه استعمل لفظة
''لعله''.
)2تغليب استعمال املصطلح القرآني ،مبنى ومعنى في حقل علم االجتماع وهو مسؤولية
املشتغلين َعلم االجتماع من مدرسين وباحثين ،في دروسهم ،وفي مقاالتهم ،وفي أبحاثهم ،وفي
محاضراتهم وكذا في املقررات الدراسية واملؤلفات املتخصصة .فباالستعمال يترسخ املصطلح
َ َُ ْ ُ ُ ََْ ُ َ َ َ َ َ ً
اب فإذا َدخ ُلت ُموه فإنك ْموينتشر ويكون له الغلبة طوعا أوكرها من باب '' ادخلوا علي ِهم الب
َ َ
غ ِال ُبون".2
)3اإلسهام في بناء حقل معرفي واسع في مجال علم االجتماع ،تكون مفاهيمه ومصطلحاته
وثيقة العالقة باملصطلح القرآني ،وال ننتظر إنتاج املصطلح هنا أو هناك ثم نعمل على تعريبه أو
ترجمته مع نقل رسوبياته املفاهيمية عند استعماله .ذلك أن من وضع املصطلح مفهوما أو مبني
616
هو الذي يحدد حمولته ،وكلما كانت الجهة الواضعة له تتمتع بالقوة الثقافية والحضارية ،كان
املصطلح أكثر استعماال واتساعا .لقد ذكر املرحوم محمد عابد الجابري في إحدى محاضراته
بالرباط بمناسبة دعم القضية الفلسطينية ،أنه ألول مرة مند حقبة طويلة دخل مصطلح عربي
إلى اللغات اإلنجليزية والفرنسية وهو ''االنتفاضة'' ،الذي لم يجد له الغربيون مقابال فاستعملوه
كما هو .وفي موسوعة ويكبيديا نقرأ '' :انتفاضة ،مصطلح عربي يدل على (ثورة) وهو حقيقة كبرى
في إطار الصراع الفلسطيني – اإلسرائيلي" .وفي محرك البحث '' غوغل '' هناك 4,5مليون نتيجة
عندما نبحث عن مصطلح ''انتفاضة'' .وفي القاموس الفرنس ي الروس'' :انتفاضة ثورة شعبية
بالبلدان العربية ضد نظام قمعي أو عدو خارجي'' .ولم يشر هذا القاموس إلى األصل الذي هو
االنتفاضة الفلسطينية ضد آلة القمع الصهيونية .فما نقشته في معاجم الغرب قوة الحجر ،لم
ينقشه ضعف إبداع البشر .فعندما تكون األمة قوية ثقافيا وحضاريا فإن ذلك ينعكس على
لسانها فتصبح له سطوة على ما سواها .يضرب األستاذ محمد حميد هللا رحمه هللا مثال بهذا
الخصوص فيقول '' :إن متاحف الشرق والغرب تحتفظ َعمالت ضربت بكلمات عربية ،أقدمها
يعود للخليفة عمر بن الخطاب رض ي هللا عنه .وال شك أن أكثرها إثارة لالهتمام هي تلك التي ترجع
مللك انجلترا ''أوفى'' الذي عاصر شارملان واملنصور وهارون الرشيد العباسيين ،حيث ضرب سكة
ذهبية على شاكلة الدينار العباس ي ،تحمل في وسطها اسم امللك ''أوفى ريكس'' بالالتينية ،وحوله
بالعربية كلمة التوحيد '' ال إله إال هللا '' ...وتوجد هذه القطعة النقدية حاليا باملتحف البريطاني
بلندن .1وأورد األستاذ حميد هللا صورة لها بكتابه الذي أخدنا منه هذا املقتطف.
)4إخراج املعجم التاريخي للمصطلحات القرآنية لحيز الوجود ليكون مرجعا للباحثين
والدارسين ،لترسيخ استعمال املصطلح القرآني في الحقل املعرفي لعلم االجتماع ،من بين سائر
2
العلوم األخرى.
1
Six originaux des lettres diplomatiques du Prophète de l’Islam, Muhammad
Hamidullah, première édition Paris, 1406h, 1986, page 58
2هناك حاليا مشروع القواميس العلمية التخصصية الذي تشرف عليه املنظمة العربية للرتمجة -بريوت -لبنان.
617
)5إحداث منتدى افتراض ي على الشابكة بموقع مؤسسة البحوث والدراسات العلمية،
ً
خاص باملصطلح القرآني وعالقته بمختلف العلوم ،يكون امتدادا لهذا املؤتمر وتنزيال ملخرجاته على
أرض الواقع.
وأعم ومنه تشتق الصفة املشبهة '' الجهدي '' (البروليتاري) و'' الجهديون'' البروليتاريون .وكان
املصطلح القرآني أشمل وأعم ألنه ال يقف عند األجير وعامل الفالحة بل يتعدى أولئك إلى كل
شخص أو فئة اجتماعية ال تملك إال جهدها لكسب رزقها ،سواء كان عضليا أو فكريا.
-2مصطلح الصراع الطبقي ،الذي هو مصطلح كثر تداوله وأصبح يشكل إحدى املسلمات
في التفسير االجتماعي لوقائع تاريخية أو آنية .هذا املصطلح الذي يجسد الصدام االجتماعي
ويرسخ فكرة حتميته ،حتى صار نظر الباحث مغش ى به ،يسقطه على جميع املجتمعات موضوع
بحثه .فهذا املصطلح هو في نفس الوقت مفهوم وتفسير ،وهذا الخلط جعل التفسير يسبق
618
ً
املفهوم في كثير من األحيان .فتفسر الواقعة االجتماعية تفسيرا ينزلق بها ويحيد عن
املوضوعية ،عندما تفسر الواقعة في عمومها دون الرجوع إلى خصوصيات املجتمع الذي ظهرت
فيه .فحري باملشتغلين بالدراسات االجتماعية ،وخاصة عندما يتعلق األمر باملجتمعات املسلمة
أن يشتغلوا من منظور مصطلح '' التفاضل'' الذي هو مصطلح قرآني يؤصل ملفهوم مخالف،
حيث يدعو إلى فهم التباينات االجتماعية والتعامل معها بواقعية ،من شأنها أن تعزز التآزر
والتعاون بين سائر مكونات املجتمع البشري ،عوض الزج بها في أتون يؤجج الصراع ويجعله
قاعدة التعامل .والقول الفصل عندما قال جمع من الصحابة رض ي هللا عنهم لرسول هللا صلى
هللا وعليه وسلم '' :يا رسول هللا ،ذهب أهل الدثور باألجور '' ...وبعد األمر والفعل والحوار ،قال
َ
ضل هللا ُيو ِت ِيه َم ْن َيشاء '' 1والتفاضل هنا ال يستدعي حتمية عليه الصالة والسالم '' َذل َك َف ْ
ِ
َ َ َ
التصادم بقدر ما يؤسس إلى التضامن والتآزر '' َوفي أ ْمواله ْم َح ُّق ل َ
لسا ِئ ِل وامل ْح ُروم 2''.ومفهوم ِ ِِ ِ
التفاضل هنا ال يستدعي الخضوع والخنوع ،بقدر ما يعزر مفهوم الحق ،حق الفقير في مال
الغني ،هذا الحق الذي لم تشر إليه الصكوك الدولية الحالية املتعلقة بحقوق اإلنسان.
-3مصطلح الكرامة اإلنسانية ،وهنا نتكلم عن الدال واملدلول ،فكثيرة هي أدبيات ومواثيق
حقوق اإلنسان التي تطرقت إلى هذا املفهوم ،لكنها لم ترق جميعها إلى املضمون الذي أقره
القرآن الكريم عندما نسب هللا سبحانه وتعالى تكريم ابن آدم إلى ذاته العلية ،ولم يوكل بذلك
أي مخلوق آخر ،تعظيما ملدلول الكرامة هاته .وال أكبر في كالم البشر وال أشمل حتى في أحدث
ما تفتق عنه الفكر البشري في مجال حقوق اإلنسان ،مما قاله رسول هللا صلى هللا وعليه
َ َ َ َ ْ ُ َ ُ َ َّ َ َّ َّ َّ
صلى الل ُه وسلم في كرامة املسلم :عن َع ْبد الل ِه ْبن ُع َم َر رض ي هللا عنهما قال" :رأيت رسول الل ِه
َ َ َ َ وف ب ْال َك ْع َبة َو َي ُقو ُل َما َأ ْط َي َبك َو َأ ْط َي َب ر َ َ َ ْ َ َ َّ َ َ ُ ُ
يح ِكَ ،ما أ ْعظ َم ِك َوأ ْعظ َم ُح ْر َم َت ِك، ِ ِ ِ ِ علي ِه وسلم يط
َّ َ َ ُ ً َّ ُ ُْْ َ َ َ َو َّال ِذي َن ْف ُ
س ُم َح َّم ٍد ِب َي ِد ِه ل ُح ْر َمة املؤ ِم ِن أ ْعظ ُم ِع ْن َد الل ِه ُح ْر َمة ِم ْن ِكَ ،م ِال ِه َو َد ِم ِه َوأ ْن نظ َّن ِب ِه ِإال
َ
3
خ ْي ًرا" .رواه ابن ماجة
619
األخطار واملزالق
ً
-1افتتان الناس باملصطلح الوافد '' ذلك االفتتان الذي يبدأ هينا ميسورا ثم يتطور
ويتضخم حتى يقف ملواجهة عقيدة التوحيد الخالصة في اإلسالم كنقيض لها ،1''.ذلك املصطلح
الحمال ليس فقط ملعان محددة بل كذلك لتمثالت اجتماعية وثقافية ،توحي للخلق ،في َعض
األحيان ،بما هو غير الحق.
-2استعمال املصطلح القرآني رسما واإلخالل بمضمونه أو حتى قلب مفهومه .فاملوازين ''
الق َي َام ِة 2''،أصبحت علما على '' تظاهرة ثقافية '' أثارت جدال واسعا َ ين ْ ض ُع املَ َواز َ
َون َ
وم ِالقس ِط ِلي ِ
ِ ِ
داخل املجتمع املغربي ،وال يهمنا هنا إقحام الذات في الحكم ،إنما نتتبع استعمال املصطلح القرآني
وكيف انتقل من مفهوم إلى مفهوم .وال تهمنا التظاهرة في حد ذاتها ،بقدرة ما يهمنا مدلولها
االجتماعي والرسائل التي تبعث بها وما يرسخ في أذهان الناس من تلبيس إبليس .إن املصطلح
القرآني له قدسيته.
استعمال مضمون املصطلح القرآني ،الذي نبه هللا تعالى به العباد من السقوط، -3
استعماال ألمر يراد .فعلى سبيل املثال هناك برنامج بإحدى القنوات العربية يسمى » «Arab Idolوهو
برنامج على شكل مسابقة لصناعة ''الرموز الثقافية '' املستقبلية العربية .فتسمية هذا البرنامج
تقدم هكذا بالرسم العربي '' أراب أيدول '' ومعناها ''صنم العرب '' أو '' وثن العرب '' ،وتقديم
هذه التسمية مترجمة بمعناها إلى العربية كان سيلقى معارضة شديدة من جهات عدة ،فارتأى
أصحابه أن يبقوا على تسميته باإلنجليزية ،مع كتابتها بالحرف العربي ،ألن ذلك أسلك في عقول
الناس .لكن العاقل منهم يدري أن األمر يتعلق حقا بصناعة '' املثل '''' ،النموذج الحي لالقتداء ''
َ ُْ ُ َ ْ ً َ َ َ َ
ص َن ًاما ف َنظ ُّل ل َها َع ِاك ِفين'' 3الساعات الطوال أمام الشاشة، عن وعي أو غير وعي '' ،قالوا نعبد أ
ال تؤاخذنا إن نسينا أو أخطأنا) ،وبناء عليه ،ينقل احلديث من '' ضعيف اجلامع الصغري'' و'' ضعيف سنن ابن ماجه'' إىل
صحيحيهما.
1مقال يف العدل االجتماعي ،عماد الدين خليل ،دار الرسالة ،1979ص 18
2سورة األنبياء اآلية 47
3سورة الشعراء اآلية 71
620
ص َن َام ُك ْم ََ ْع َد َأ ْن ُت َو ُّلوا ُم ْدبر َ
ين '' ، 1كان نعته وإن قال قائل ،ولو غيرة أو جرأة '' َو َتاهللِ َ َألكيد َّن َأ ْ
ِِ ِ ِ
جاهزا وأصبح من املنبوذين.
-4تحوير مفهوم املصطلح القرآني وإلصاق نعت قدحي به لصرف حتى املسلمين عن
ْ َ َ ََ ُ ُ َ َ
ابلين'' 2فمصطلح ''اإلخوان'' أصبح استعماله .وأسوق هنا مثالين للتدليل''ِ :إخوانا على س ُر ٍر متق ِ
َ
لدى فئات عريضة من بني جلدتنا وغيرهم يدل على الشر والكراهية واإلرهاب '' .ف ِإ َن ِح ْز َب هللا ُه ُم
َ َ
الغ ِال ُبون'' 3فمصطلح '' حزب هللا '' َغض النظر عمن شخص هذا املصطلح ،ألننا نهتم هنا
باملصطلح وباملصطلح فقط ،قد أصبح منبوذا في املحافل الدولية وقورن بمصطلح اإلرهاب،
فخاف الناس واشمأزوا ،وأصبح املصطلح القرآني محل تعريض وتشنيع ،يتحاش ى أهله استعماله،
ويضعه غيرهم في خانة املنبوذات.
-5خطر االنغالق و االنطواء :من فرط الخوف من املصطلح الوافد يمكن أن يشكل هذا
ُ
الخوف نوعا من االنغالق ورفض ما يمكن أن تنتجه باقي مكونات اإلنسانية ،فلربما تكون في طي
هذا املنتوج نعمة تطلب أو معرفة تقوم وتسدد ،وهنا يبرز دور علماء األمة ليبصروا الناس بذلك.
يقول السلطان العثماني عبد الحميد الثاني في مذكراته '' :عندما أمرت بتدريس الفلسفة في
ً
مدرسة مليكة شاهانه ،تمرد الطالب جميعهم وقالوا :يريدون أن يجعلونا كفارا .ولكني كنت أعرف
أن الكفر ليس في العلم ولكنه في الجهل .وتمسكت بتدريس الفلسفة .ودرسوها مع تعديل في
االسم .غيرنا االسم إلى (الحكمة) .كما أمرت بتدريس هذه الدروس في الجامعة باسم (الفيزيقا)''.4.
-6خطر التكييف وذوبان املصطلح واملفهوم الوافد في لسان األمة وفكرها .وهنا يقوم
اإلعالمَ ،سطوته وجبروته ،بدور كبير في هذا املجال ،علما أو جهال ،عن طريق التكرار واالستنزاف،
فيترسخ املفهوم ،كما دبر بليل ،من خالل املصطلح ويصير استعماله متعودا ال حرج فيه .وهنا
يبرز كذلك دور علماء األمة في التدليل واإلرشاد ،هؤالء العلماء الذين قال عنهم األستاذ الشاهد
البوشيخي '' :ومن رجالها -وهم القلة النادرة -من يقفونه في حدود األمة الحضارية للسؤال،
621
والتثبت من الهوية وحسن النية ،ودرجة النفع ،وقد يتعقبونه في مختلق املجاالت والتخصصات
التي قد يكون عشش فيها أو باض وفرخ َغير حق ،فإن سويت وضعيته -كما يقولون -فذلك ،وإال
طهر فكر األمة منه فإنه رجس '' .1ونقرأ ألسعد سيد أحمد ،الناشر ملذكرات السلطان عبد الحميد
على ظهر الغالف'' :هذه مقتطفات من مذكرات السلطان عبد الحميد التي تنشر ألول مرة محققة
َعد أن وصفه اليهود بحكم الفرد املطلق ،واملستبد األعظم ،واالستعمار العثماني ،وعهد
الجاسوسية والحريم ...ومن ثم وقر في قلب املسلمين عامة والعرب خاصة هذه املفاهيم ...ثم قالوا
بها !! ''
خ ـ ــاتمـ ـ ــة
وال أجد خاتمة أفضل مما كتبه عماد الدين األصفهاني حيث يقول " :إنني رأيت أنه ال يكتب
ُ
أحد كتابا في يومه اال قال في غده :لو غير هذا لكان أحسن ،ولو زيد هذا لكان يستحسن ،ولو قدم
هذا لكان أفضل ،ولو ترك هذا لكان أجمل ،وهذا من أعظم العبر ،وهو دليل على استيالء النقص
2
على جملة البشر" .
املراجع واملصادر
كتاب هللا عز وجل برواية حفص
أخالقنا االجتماعية ،مصطفى السباعي ،الطبعة 3املكتب اإلسالمي
أثر القرآن الكريم في اللغة العربية ،محمد عبد الواحد حجازي ،الطبعة ،2ص10
أسلمة املعرفة ،إسماعيل راجي الفاروقي ،ترجمة عبد الوارث سعيد ،دار البحوث العلمية،
الكويت.1983 ،
الحلول املستوردة وكيف جنت على أمتنا ،يوسف القرضاوي ،مؤسسة الرسالة 1398ه /
1977م.
عبقريات ابن خلدون ،على عبد الواحد وافي ،عالم الكتب ،القاهرة 1973
622
العقل وفهم القرآن ،الحارث بن أسد املحاسبي ،تحقيق حسين القوتلي دار الكندي ،دار
الفكر ،طبعة 1982 ،3
القرآن الكريم والدراسة املصطلحية ،الشاهد البوشيخي ،دراسات مصطلحية 4
مذكرات السلطان عبد الحميد ،ترجمة محمد حرب ،دار األنصار ،القاهرة1978 ،
مصطلح األمة بين اإلقامة والتقويم واالستقامة ،الشاهد البوشيخي ،دراسات مصطلحية 8
منهج البحث بين الوضعية واملعيارية ،محمد محمد أمزيان ،املعهد العالي للفكر اإلسالمي
1991 / 1412م
مع سيد قطب في فكره السياس ي والديني ،مهدي فضل هللا ،مؤسسة الرسالة الطبعة ،2
1979
مع القرآن الكريم ،شعبان محمد إسماعيل ،دار اإلتحاد العربي للطباعة 1978
مستقبل اللغة العربية ،عبد العزيز بن عثمان التويجري ،منشورات املنظمة اإلسالمية
للتربية والعلوم والثقافة1425 ،ه 2004 /م
معجم كلمات القرآن الكريم -محمد زكي محمد فضر 1426 ،هـ2005 ،م.
املعجم املفهرس أللفاظ القرآن الكريم -محمد فؤاد عبد الباقي.
املزهر في علوم اللغة العربية وأنواعها ،جالل الدين السيوطي ،تحقيق محمد جاد املولى
وآخرون ،دار أحياء الكتب العربية ،عيس ى البابلي وشركاؤه ،ج ،1ص 201
نحو معجم تاريخي للمصطلحات القرآنية املعرفة ،الشاهد البوشيخي ،دراسات مصطلحية 5
نحو تصور حضاري للمسألة املصطلحية ،الشاهد البوشيخي ،دراسات مصطلحية 3
نظرات في املصطلح واملنهج ،الشاهد البوشيخي ،دراسات مصطلحية 2
نظرات في قضية املصطلح العلمي في التراث ،الشاهد البوشيخي ،دراسات مصطلحية 6
نظرية التبعية بين القرآن الكريم وعلم االجتماع ،صالح املازقي2012 ،
L’islam et la morale universelle, Abdelaziz BENABDALLAH, Najah Jadida 1966
Les enjeux du siècle nouveau, Mongi Bousnina, première édition, ALECSO, Tunis,
2007
623
L’islam, concepts et préceptes, Abdelaziz BENABDALLAH, Mission de l’islam
volume II, 1ère édition, 1995
Six originaux des lettres diplomatique du prophète de l’Islam, Muhammad
Hamidullah, première édition Paris 1406 h/1986.
624