‫ﺑﯿﻦ اﻷدب واﻟﺴﯿﺎﺳﺔ‬

‫ﻟﻸدﯾﺐ أﺣﻤﺪ اﻟﻄﺎﻫﺮ‬

‫اﻟﻌﺪد)‪(١٢٤‬‬
‫‪١٩٣٥-١١-١٨‬‬

‫ﻧﻘﺼﺪ ﺑﺘﺎرﯾﺦ اﻷدب ‪ -‬ﻫﻨﺎ ‪ -‬ﻛﻞ ﻣﺎ ﯾﺘﻨﺎول اﻟﺤﯿﺎة اﻷدﺑﯿﺔ ﻟﻸﻣﺔ‪ ،‬ﻣﻤﺎ ﯾﻄﺮأ ﻋﻠﯿﻬﺎ ﻣﻦ‬
‫اﻟﻘﻮة أو اﻟﻀﻌﻒ‪ ،‬واﻟﺼﻌﻮد أو اﻟﻬﺒﻮط‪ ،‬وأﺳﺒﺎب ذﻟﻚ‪ ،‬وﻣﺎ ﯾﻨﺘﺠﻪ أﺻﺤﺎب اﻟﺒﯿﺎن‬
‫ﻓﻲ ﻣﺨﺘﻠﻒ ﻣﻨﺎﺣﻲ اﻟﻘﻮل‪ ،‬ودراﺳﺔ ﺣﯿﺎة أوﻟﺌﻚ اﻟﻤﻨﺘﺠﯿﻦ‪ ،‬وأﺛﺮ ﻣﺎ اﻧﺘﻀﺤﺖ ﺑﻪ‬
‫ﻗﺮاﺋﺤﻬﻢ ﻓﻲ اﻟﻠﻐﺔ‪.‬‬

‫ً‬
‫أﯾﻀﺎ ‪ -‬ﻣﺎ ﯾﻄﺮأ ﻋﻠﻰ اﻷﻣﺔ ﻣﻦ أﺣﺪاث‬ ‫وﻧﻘﺼﺪ ﺑﺎﻟﺘﺎرﯾﺦ اﻟﺴﯿﺎﺳﻲ واﻻﺟﺘﻤﺎﻋﻲ ‪ -‬ﻫﻨﺎ‬
‫وﺗﻐﯿﯿﺮ ﻓﻲ ﻧﻈﺎﻣﻬﺎ اﻟﺴﯿﺎﺳﻲ وﻋﻼﻗﺔ اﻟﺤﺎﻛﻢ ﺑﺎﻟﻤﺤﻜﻮم وﻧﻈﺎم اﻟﺤﻜﻢ ﻓﯿﻬﺎ‪ ،‬وﻋﻼﻗﺔ‬
‫اﻷﻣﺔ ﺑﻐﯿﺮﻫﺎ ﻣﻦ اﻷﻣﻢ‪ ،‬وﻛﺬا ﺣﺎﻟﺘﻬﺎ اﻻﻗﺘﺼﺎدﯾﺔ واﻟﻤﺎﻟﯿﺔ‪ ،‬وﻋﻼﻗﺔ ذﻟﻚ ﺑﻤﺮاﻓﻘﻬﺎ‪.‬‬

‫وﻣﺎ ﺳﻘﻨﺎ ﻫﺬا اﻟﺘﻌﺮﯾﻒ ‪ -‬وﻫﻮ ﻏﯿﺮ ﺟﺎﻣﻊ وﻻ ﻣﺎﻧﻊ ‪ -‬إﻻ ﻟﻨﺤﺪ ﺑﻪ ﻣﻮﺿﻊ اﻟﺒﺤﺚ ﻓﻲ‬
‫اﻟﺼﻠﺔ ﺑﯿﻦ اﻟﺘﺎرﯾﺨﯿﻦ‪ ،‬وﻫﻲ ﺻﻠﺔ وﺛﯿﻘﺔ واﺷﺠﺔ‪ّ .‬‬
‫ﻓﻘﻞ أن ﯾﺘﺄﺛﺮ أﺣﺪﻫﻤﺎ ﺑﻌﺎﻣﻞ ﻣﻦ‬
‫اﻟﻌﻮاﻣﻞ دون أن ﯾﺒﺪو ﻟﺬﻟﻚ أﺛﺮ ﻓﻲ اﻵﺧﺮ ﯾﺒﺪل وﺟﻬﺘﻪ وﯾﻐﯿﺮ دﯾﺒﺎﺟﺘﻪ ‪ -‬ذﻟﻚ ﻣﺎﻻ‬
‫ﺧﻼف ﻓﯿﻪ‪ .‬أﻣﺎ ﻣﺎ اﺷﺘﺠﺮ ﻓﯿﻪ اﻟﺮأي وﻇﻬﺮ اﻟﺨﻠﻒ‪ :‬ﻓﺄﯾﻬﻤﺎ ﯾﺴﺒﻖ اﻵﺧﺮ ﻓﯿﻤﻬﺪ ﻟﻪ‬
‫اﻟﻄﺮﯾﻖ وﯾﻌﺒﺪ ﻟﻪ اﻟﻤﺴﻠﻚ؟ وأﯾﻬﻤﺎ أﺑﻠﻎ أﺛﺮاً ﻓﻲ اﻵﺧﺮ؟ وﻓﻲ ﻫﺬا ﻧﺴﻮق اﻟﺤﺪﯾﺚ‪:‬‬
‫ﻓﺠﻤﻬﺮة اﻷدﺑﺎء ﻋﻠﻰ أن اﻟﺘﺎرﯾﺦ اﻷدﺑﻲ ﯾﺴﺒﻖ اﻟﺴﯿﺎﺳﻲ واﻻﺟﺘﻤﺎﻋﻲ‪ :‬ﻓﯿﻨﻬﺞ ﻟﻪ‬
‫ً‬
‫ﻋﻘﯿﻤﺎ‪ ،‬ﺣﺴﺒﻤﺎ ﺗﻬﯿﺄ ﻟﻪ‪.‬‬ ‫ً‬
‫ﻣﻨﺘﺠﺎ أو‬ ‫ً‬
‫ﺿﻌﯿﻔﺎ‪،‬‬ ‫اﻟﺴﺒﯿﻞ‪ ،‬وﯾﻤﻬﺪ ﻟﻪ اﻟﻤﻨﺒﺖ‪ :‬ﻓﯿﻨﺸﺄ ً‬
‫ﻗﻮﯾﺎ أو‬

‫وأﻏﻠﺐ اﻟﻈﻦ أن ﻫﺬا اﻟﻘﻮل ﻋﻠﻰ إﻃﻼﻗﻪ ﻻ ﯾﻘﺼﺪ ﺑﻪ أن ﯾﻜﻮن ﻗﺎﻋﺪة ﯾﻌﺘﺒﺮ ﻣﺎ ﺷﺬ‬
‫اﺳﺘﺜﻨﺎء؛ ذﻟﻚ ﺑﺄن اﺳﺘﻘﺼﺎء ﺗﻮارﯾﺦ اﻷﻣﻢ وﺗﻘﺮﯾﻪ ﯾﻘﻒ ﺑﻨﺎ ﻓﻲ ﻣﺮاﺣﻞ ﻋﺪة ﻧﺠﺪ‬
‫ً‬ ‫ﻋﻨﻬﺎ‬
‫ﺳﺎﺑﻘﺎ ﻟﻠﺘﺎرﯾﺦ اﻷدﺑﻲ‪ ،‬ﻣﺆﺛﺮاً ﻓﯿﻪ أﺛﺮاً ﻋﻠﯿﻪ ﻃﺎﺑﻊ‬
‫ً‬ ‫ﻓﯿﻬﺎ اﻟﺘﺎرﯾﺦ اﻟﺴﯿﺎﺳﻲ واﻻﺟﺘﻤﺎﻋﻲ‬
‫اﻟﺴﯿﺎﺳﺔ وﺳﻤﺘﻬﺎ‪ .‬ﺑﺤﯿﺚ ﻻ ﯾﺴﻊ ﻣﺆرخ اﻷدب إﻻ أن ﯾﻌﺘﺮف ﺑﻔﻌﻞ اﻟﺴﯿﺎﺳﺔ ﻓﯿﻪ‪،‬‬
‫وأﺛﺮﻫﺎ ﻓﻲ أﻛﺜﺮ ﻣﻈﺎﻫﺮه وﻧﻮاﺣﯿﻪ؛ وﻧﺰول اﻷدب ﻋﻠﻰ ﺣﻜﻢ اﻟﺴﯿﺎﺳﺔ‪ ،‬وﻛﺜﺮة ﻫﺬه‬
‫اﻟﻤﺮاﺣﻞ ﻻ ﻧﻄﻤﺌﻦ ﻣﻌﻬﺎ إﻟﻰ اﻟﻘﻮل ﺑﺄﻧﻬﺎ اﺳﺘﺜﻨﺎء ﻟﻠﻘﺎﻋﺪة‪ ،‬وﻟﻌﻞ ﻣﻦ اﻟﺨﯿﺮ أﻻ ﻧﻘﺮر‬
‫ﻗﺎﻋﺪة ﺑﻌﯿﻨﻬﺎ ﻓﻲ ﺗﺤﺪﯾﺪ ﻫﺬه اﻟﻌﻼﻗﺔ‪.‬‬

‫ً‬
‫ﺣﻈﺎ ﻣﻦ اﻟﺤﻀﺎرة واﻟﺤﺮﯾﺔ‪ ،‬إذا وﻗﻊ ﻓﯿﻬﺎ اﻧﻘﻼب‬ ‫ﻓﺎﻷﻣﻢ اﻟﺤﯿﺔ اﻟﻘﻮﯾﺔ اﻟﺘﻲ ﻧﺎﻟﺖ‬
‫ﺳﯿﺎﺳﻲ أو اﺟﺘﻤﺎﻋﻲ‪ ،‬أو ﻗﻠﺒﺖ ﺻﻔﺤﺔ ﺟﺪﯾﺪة ﻓﻲ ﺳﺠﻞ ﺣﯿﺎﺗﻬﺎ اﻟﺴﯿﺎﺳﯿﺔ ﻗﻞ أن ﯾﺤﺪث‬
‫ﻓﯿﻬﺎ ﻫﺬا اﻻﻧﻘﻼب دون أن ﺗﺴﺒﻘﻪ ﻧﻬﻀﺔ أدﺑﯿﺔ ﺗﻬﯿﺌﻪ ﻟﻠﻮﺟﻮد‪ ،‬وﺗﻌﺪه ﻟﻠﻨﻬﻮض ﺑﻤﺎ‬
‫ﺗﻔﻌﻞ ﻓﻲ اﻟﺸﻌﺐ ﻣﻦ إﯾﻘﺎظ اﻟﺸﻌﻮر ﺣﺘﻰ اﻹﺣﺴﺎس ﺑﻀﺮورة اﻟﺘﻐﯿﯿﺮ‪ ،‬وﺣﻔﺰ اﻟﻬﻤﻢ‬
‫ﺣﺘﻰ ﺗﺼﺪق اﻟﻌﺰاﺋﻢ ﻋﻠﻰ اﻟﻤﻀﻲ إﻟﻰ اﻟﻐﺎﯾﺔ‪ ،‬وﺗﻤﺤﯿﺺ اﻟﺮأي ﺣﺘﻰ ﻻ ﯾﺘﻌﺜﺮ ﻓﻲ‬
‫درﺟﻪ ﻣﻊ ﺳﯿﻞ اﻟﺤﻮادث‪.‬‬

‫ذﻟﻚ ﻓﻀﻞ اﻷدﺑﺎء واﻟﺸﻌﺮاء واﻟﺨﻄﺒﺎء واﻟﻜﺘﺎب‪ ،‬وﻣﻮﺿﻊ اﻷدب ﻫﻨﺎ ﻣﻮﺿﻊ‬
‫اﻟﺴﺎﺑﻖ ﻣﻦ اﻟﻤﺴﺒﻮق‪ ،‬واﻟﻤﺘﺒﻮع ﻣﻦ اﻟﺘﺎﺑﻊ‪.‬‬
‫وﻻ ﻧﻐﻔﻞ ﻫﻨﺎ أن اﻷدب ﻻ ﯾﻜﺘﻔﻲ ﺑﺎﻟﺴﺒﻖ‪ ،‬وﻻ ﯾﻘﻨﻊ ﺑﺎﻟﻘﯿﺎدة‪ :‬ﺑﻞ إﻧﻪ ﻟﯿﻠﻘﻰ اﻻﻧﻘﻼب‬
‫اﻟﺴﯿﺎﺳﻲ ﻓﻲ اﻟﻤﯿﺪان ﺑﻌﺪ أن أﻓﺴﺢ ﻟﻪ اﻟﻄﺮﯾﻖ ﻓﯿﺪارﺟﻪ وﯾﺮﻋﺎه ﺑﻤﺎ ﯾﻘﻮﯾﻪ‪ ،‬وﯾﺒﻌﺚ‬
‫اﻟﻨﺸﺎط ﻓﻲ ﻧﻮاﺣﯿﻪ‪ ،‬وﯾﻬﺪي اﻷﻣﺔ ﻓﻲ ﺟﻬﺎدﻫﺎ ﻓﯿﻪ‪ ،‬وﯾﻘﻒ اﻟﺘﺎرﯾﺦ اﻟﺴﯿﺎﺳﻲ‬
‫واﻻﺟﺘﻤﺎﻋﻲ ﺣﯿﺚ ﻗﺪر ﻟﻪ أو ﺣﯿﺚ أراد‪ ،‬وﻟﻜﻦ اﻟﺘﺎرﯾﺦ اﻷدﺑﻲ ﻻ ﯾﻘﻒ ﻋﻨﺪ ﻫﺬه‬
‫اﻟﻐﺎﯾﺔ‪ .‬ﺑﻞ ﯾﺴﯿﺮ ﺑﻌﺪ ذﻟﻚ وﯾﻤﺘﺪ أﺛﺮه‪ :‬ﻓﻤﺎ ﯾﺰال أﻫﻞ اﻷدب ﺑﻌﺪ اﻟﺤﺪث اﻟﺴﯿﺎﺳﻲ أو‬
‫اﻻﺟﺘﻤﺎﻋﻲ ﯾﺤﺒُﻮن اﻷﻣﺔ ﺑﻔﻀﻠﻬﻢ‪ ،‬وﯾﺘﻌﻬﺪوﻧﻬﺎ ﺑﺒﺮﻫﻢ‪ ،‬وﯾﺨﺮﺟﻮن ﻟﻬﺎ ﺟﻤﯿﻞ آﺛﺎرﻫﻢ‪،‬‬
‫وﻧﺘﺎج ﻗﺮاﺋﺤﻬﻢ‪ :‬ﯾﺘﺤﺪﺛﻮن ﻋﻦ اﻟﻤﺎﺿﻲ وﻣﺎ ﻛﺎن ﻓﯿﻪ‪ ،‬وﯾﺬﻛﺮون اﻟﺤﺎﺿﺮ‪،‬‬
‫وﯾﺴﺘﺸﺮﻓﻮن ﺑﺎﻷﻣﻞ ﻓﻲ اﻟﻤﺴﺘﻘﺒﻞ‪ ،‬ﻓﺘﺮﺑﻮ ﺛﺮوة اﻷدب وﺗﻨﻤﻮ‪ .‬وﯾﺘﺴﻊ ﻣﺠﺎل اﻟﻘﻮل‪،‬‬
‫وﺗﺨﻠﺪ ﻟﻸﻣﺔ آﺛﺎر ﺗﺒﻘﻲ ﻣﺎ ﺷﺎء اﷲ ﻋﻠﻰ ﺗﻄﺎول اﻟﺰﻣﻦ‪.‬‬

‫وﻻ ﻧُﻐﻔﻞ ﻛﺬﻟﻚ أن اﻷدب ﻓﻲ ﻫﺬا اﻟﻮﺿﻊ ﯾﻔﻀﻞ اﻟﺴﯿﺎﺳﺔ ﻣﻦ ﺣﯿﺚ ﻣﺎ ﺗﻔﯿﺪ اﻷﻣﺔ ﻣﻦ‬
‫ﻛﻠﯿﻬﻤﺎ‪ :‬ذﻟﻚ ﺑﺄن اﻻﻧﻘﻼب اﻟﺴﯿﺎﺳﻲ أو اﻻﺟﺘﻤﺎﻋﻲ ﻏﯿﺮ ﻣﺄﻣﻮن اﻟﻌﺎﻗﺒﺔ‪ :‬ﻓﺎﻷﻣﺔ ﻓﻲ‬
‫ﺳﺒﯿﻠﻬﺎ إﻟﻰ اﻟﻐﺎﯾﺔ اﻟﺴﯿﺎﺳﯿﺔ أو اﻻﺟﺘﻤﺎﻋﯿﺔ اﻟﺘﻲ ﺗﻘﺼﺪ إﻟﯿﻬﺎ ﯾﻌﺮض ﻟﻬﺎ ﻣﺎ ﯾﻌﺮض‬
‫ﻟﻠﻀﺎﻋﻦ ﻓﻲ ﻃﺮﯾﻘﻪ‪ :‬ﻓﻘﺪ ﺗﻌﯿﺎ ﻓﻼ ﺗﺼﻞ إﻟﻰ اﻟﻐﺎﯾﺔ‪ ،‬أو ﺗﺘﻜﺎءدﻫﺎ ﻋﻘﺒﺎت ﺗﺤﻮل دون‬
‫اﻟﻔﻮز ﺑﺎﻟﻤﻘﺼﺪ؛ وﻗﺪ ﺗﻬﺐ ﻋﻠﯿﻬﺎ ﻣﻦ أﯾﺔ ﻧﺎﺣﯿﺔ إﻋﺼﺎر وأﻧﻮاء ﺗﺼﺪف ﺑﻬﺎ ﻋﻦ‬
‫اﻟﻤﺤﺠﺔ‪ ،‬وﺗﻠﻮي ﺑﻬﺎ ﻋﻦ اﻟﻘﺼﺪ‪ ،‬وﺗﻀﻠﻬﺎ ﻋﻦ اﻟﺴﻤﺖ‪ ،‬ﻓﻼ ﺗﺒﻮء اﻷﻣﺔ ﺑﻌﺪ ﺟﻬﺎدﻫﺎ‬
‫اﻟﻄﻮﯾﻞ أو اﻟﻘﺼﯿﺮ إﻻ ﺑﺎﻟﻔﺸﻞ ﻓﯿﻤﺎ ﻗﺼﺪت إﻟﯿﻪ‪ ،‬وﺧﺴﺮان اﻷﻧﻔﺲ واﻷﻣﻮال ﻓﯿﻤﺎ‬
‫ﺳﻤﻌﺖ ﻟﻪ‪َ ،‬ﺑْﻠ َﻪ ﺟﺰﯾﺮة ذﻟﻚ ﻋﻠﻰ ﺣﺎﺿﺮﻫﺎ وﻣﺴﺘﻘﺒﻠﻬﺎ‪.‬‬

‫أﻣﺎ اﻟﻨﻬﻀﺔ اﻷدﺑﯿﺔ ﻓﻘﺎﻋﺪﺗﻬﺎ ﺑﻘﺎء اﻷﺻﻠﺢ‪ .‬وﺣﻜﻤﻬﺎ ﻓﻨﺎء اﻟﺴﻘﯿﻢ‪ :‬ﻓﻤﺘﻰ ﻧﻬﺾ أﻫﻞ‬
‫اﻷدب وﺑﺮزوا ﻟﻠﻨﺎس ﺑﻔﻀﻞ أﻗﻼﻣﻬﻢ ﻓﺬﻟﻚ ﻫﻮ اﻟﺨﯿﺮ اﻟﺬي ﻻ ﺳﺒﯿﻞ إﻟﻰ اﻟﺘﺸﻜﻚ ﻓﯿﻪ‬
‫ﻣﻦ ﺣﯿﺚ ﻫﻮ ﺛﺮوة وﻋﺘﺎد ﻓﻲ اﻷدب‪ .‬واﻟﺒﻘﺎء ﻣﻜﻔﻮل ﻟﻬﺬه اﻟﺜﺮوة ﻣﺎ ﺑﻘﻲ ﻓﻲ اﻟﺪﻧﯿﺎ‬
‫أدﺑﺎء وﻣﺆرﺧﻮن؛ وﻻ ﺑﻘﺎء ﻟﻸدب اﻟﺮﺧﯿﺺ ﻓﺈﻧﻪ ﯾﺬﻫﺐ ﺟﻔﺎء ﻓﻲ اﻟﻠﺤﻈﺔ اﻟﺘﻲ ﯾﻈﻬﺮ‬
‫ﻓﯿﻬﺎ ﻟﻠﻮﺟﻮد‪ .‬وﻣﻬﻤﺎ ﺗﻜﻦ اﻟﻨﺘﺎﺋﺞ اﻟﺴﯿﺎﺳﯿﺔ أو اﻻﺟﺘﻤﺎﻋﯿﺔ اﻟﺘﻲ ﻣﻬﺪت ﻟﻬﺎ اﻟﻨﻬﻀﺔ‬
‫اﻷدﺑﯿﺔ أو ﻛﺎﻧﺖ ً‬
‫ﺳﺒﺒﺎ ﻓﯿﻬﺎ ﻓﻬﺬه اﻟﻨﻬﻀﺔ اﻷدﺑﯿﺔ ﻟﻬﺎ ﻗﯿﻤﺘﻬﺎ ﻓﻲ ذاﺗﻬﺎ وﻓﯿﻬﺎ ﺧﯿﺮﻫﺎ ﻣﻦ‬
‫ﺳﺎﻋﺔ ﻣﯿﻼدﻫﺎ‪ :‬ﻻ ﯾﻐﺾ ﻣﻦ ﺷﺄﻧﻬﺎ‪ ،‬وﻻ ﯾﻨﻘﺺ ﻣﻦ ﻗﺪرﻫﺎ‪ ،‬وﻻ ﺗﻤﺘﺪ إﻟﯿﻬﺎ ﯾﺪ‬
‫ﻏﺎﺻﺐ‪ ،‬وﻻ ﺗﻌﺒﺚ ﺑﻬﺎ ﯾﺪ ﻇﺎﻟﻢ‪ .‬وﻻ ﻧﻘﺼﺪ ﺑﻘﻮﻟﻨﺎ إن اﻷدب اﻟﺮﺧﯿﺺ أو اﻟﺴﻘﯿﻢ ﻻ‬
‫ﻗﯿﻤﺎ ً‬
‫ﺛﻤﯿﻨﺎ‪ ،‬إﻧﻤﺎ ﻗﺼﺪﻧﺎ إﻟﻰ أن‬ ‫ﯾﻘﻮى ﻋﻠﻰ اﻟﺤﯿﺎة أن أدب اﻷﻣﺔ ﻣﺎ ﺑﻘﻲ ﻻ ﯾﻜﻮن إﻻ ً‬
‫اﻷدب ﻓﻲ ﻓﻀﻠﻪ وﻣﺎ ﯾﺘﺮوى اﻟﻨﺎس ﻣﻨﻪ ﻛﺎﻟﻜﻨﺰ ﯾﺨﺮج ﻣﻦ ﺑﻄﻦ اﻷرض ﻟﻪ ﻗﯿﻤﺘﻪ‬
‫ً‬
‫ﻣﻌﺪﻧﺎ دون اﻟﺬﻫﺐ واﻟﻔﻀﺔ‪ ،‬وﻣﻬﻤﺎ ﯾﻜﻦ‬ ‫وﻗﺪره‪ ،‬وﻗﺪ ﯾﻜﻮن اﻟﻜﻨﺰ ً‬
‫ذﻫﺒﺎ أو ﻓﻀﺔ أو‬
‫ﻣﻦ ﺷﺊ ﻓﻬﻮ ﺛﺮوة ﻟﻬﺎ ﻗﺪرﻫﺎ ووزﻧﻬﺎ‪.‬‬

‫ً‬
‫ﻓﻀﻼ ﻋﻠﻰ أﻣﺘﻪ‪ ،‬وﯾﺒﻠﻎ‬ ‫ً‬
‫ﺷﺮوﻃﺎ ﻻ ﺑﺪ ﻣﻦ وﻓﺎﺋﻬﺎ ﺣﺘﻰ ﯾﻔﯿﺾ اﻷدب‬ ‫وﻟﻜﻦ ﻫﻨﺎك‬
‫اﻟﻘﺼﺪ ﻣﻦ ﻣﺤﺠﺘﻪ‪ ،‬ﻓﻲ ﻫﺬا اﻟﻮﺿﻊ اﻟﺬي ﺑﯿﱠﻨﺎ‪ :‬أوﻟﻬﺎ أن ﺗﻜﻮن ﻓﻲ اﻷﻣﺔ ﺣﯿﺎة أدﺑﯿﺔ‬
‫ﺗﺜﺒﺖ وﺟﻮدﻫﺎ ﻗﺒﻞ اﻷﺣﺪاث اﻟﺴﯿﺎﺳﯿﺔ‪ ،‬وﺗﺴﺘﻄﯿﻊ أن ﺗﺸﻖ ﻃﺮﯾﻘﻬﺎ ﻓﻲ ﻇﻠﻤﺎت‬
‫اﻻﻧﻘﻼب‪ ،‬وﺗﺴﻠﻚ ﻧﻬﺠﻬﺎ ﺗﺤﺖ ﻋﻮاﺻﻒ اﻟﺜﻮرة‪ ،‬وﺗﻘﻮى ﻋﻠﻰ اﻟﺒﻘﺎء ﺑﻌﺪ أن ﺗﻬﺪأ‬
‫اﻟﻌﺎﺻﻔﺔ؛ وﺛﺎﻧﯿﻬﺎ أن ﺗﻜﻮن اﻷﻣﺔ ﻣﻮﻓﻮرة اﻟﺤﻖ ﻓﻲ اﻟﻤﺘﻌﺔ ﺑﺤﺮﯾﺔ اﻟﻘﻮل واﻟﺒﯿﺎن ﻋﻦ‬
‫ﺟﺪارة واﺳﺘﺤﻘﺎق ﻓﻼ ﺗﻜﺘﻢ ﻋﻦ اﻟﺤﻖ أﻓﻮاه اﻟﺨﻄﺒﺎء‪ ،‬وﻻ ﺗﻜﺘﻢ ﻋﻦ اﻟﺼﺪق أﻧﻔﺎس‬
‫ً‬
‫ﻣﺜﻘﻔﺎ‬ ‫اﻟﺸﻌﺮاء‪ ،‬وﻻ ﺗﺰم ﻋﻦ اﻟﻜﺘﺎﺑﺔ أﻧﺎﻣﻞ اﻟﻜﺘﺎب‪ .‬وﺛﺎﻟﺜﻬﺎ‪ :‬أن ﯾﻜﻮن ﺳﻮاد اﻷﻣﺔ‬
‫ﺛﻘﺎﻓﺔ أدﺑﯿﺔ؛ ﻓﺒﻐﯿﺮ ﻫﺬا ﻻ ﯾﻨﺒﺖ ﻷﻫﻞ اﻷدب زرع‪ ،‬وﻻ ﯾﺪر ﻟﻬﻢ ﺿﺮع‪ ،‬وﻻ ﯾﺼﯿﺦ‬
‫ﻟﻬﻢ ﺳﻤﻊ‪ .‬وأﻗﺮب اﻟﻤﺜﻞ ﻟﻬﺬا اﻟﻮﺿﻊ وﻫﺬه اﻟﻨﺘﺎﺋﺞ اﻟﺜﻮرة اﻟﻔﺮﻧﺴﯿﺔ وﻧﻬﻀﺔ اﻷدﺑﺎء‬
‫ﻗﺒﻠﻬﺎ وأﺛﻨﺎءﻫﺎ وﺑﻌﺪﻫﺎ‪ .‬وذﻟﻚ ﻣﺎﻻ ﯾﺤﺘﺎج إﻟﻰ ﺑﯿﺎن‪.‬‬
‫أﻣﺎ اﻷﻣﻢ اﻟﻮاﻫﻨﺔ اﻟﻤﺴﺘﻀﻌﻔﺔ ﻓﺎﻟﻌﻼﻗﺔ ﺑﯿﻦ ﺗﺎرﯾﺨﻬﺎ اﻟﺴﯿﺎﺳﻲ واﻻﺟﺘﻤﺎﻋﻲ وﺗﺎرﯾﺨﻬﺎ‬
‫ﺣﯿﻨﺎ وﺗﺘﺼﻞ ً‬
‫ﺣﯿﻨﺎ‪،‬‬ ‫اﻷدﺑﻲ ﻣﻀﻄﺮﺑﺔ ﻣﺘﺒﻠﺒﻠﺔ‪ ،‬ﻻ ﺗﺴﯿﺮ ﻋﻠﻰ ﻧﻬﺞ واﺿﺢ‪ ،‬وﺗﻨﻘﻄﻊ ً‬
‫وﺗﻀﻌﻒ وﺗﻘﻮى؛ ذﻟﻚ ﺑﺄﻧﻬﺎ ﻟﻀﻌﻔﻬﺎ واﺳﺘﻜﺎﻧﺘﻬﺎ وﻓﺮط ﻣﺎ ﻛﺮﺛﺘﻬﺎ اﻟﺤﻮادث ﺗﺴﻠﻢ‬
‫ﺳﺠﻞ ﺗﺎرﯾﺨﻬﺎ اﻟﺴﯿﺎﺳﻲ ﻟﻠﻘﺪر‪ ،‬أو ﻟﻤﻦ ﺑﯿﺪه أﻣﺮﻫﺎ؛ ﯾﻘﻠﺐ ﺻﺤﺎﻓﺘﻪ ﻛﻤﺎ ﯾﺸﺎء‪ ،‬وﯾﻤﺤﻮ‬
‫وﯾﺜﺒﺖ ﻓﯿﻪ ﻣﺎ ﯾﺸﺎء‪ .‬ﻓﻼ ﻣﻮﺿﻊ ﻟﻠﻘﻮل ﺑﺄن ﻷدﺑﺎﺋﻬﺎ أو ﻟﺘﺎرﯾﺨﻬﺎ اﻷدﺑﻲ أﺛﺮاً ﻓﻲ ﺧﻠﻖ‬
‫اﻧﻘﻼب ﺳﯿﺎﺳﻲ ﻓﯿﻬﺎ‪ ،‬أو اﻟﺘﻤﻬﯿﺪ ﻟﻪ‪ ،‬أو ﺗﻘﻮﯾﺘﻪ‪ ،‬أو ﺗﻌﻬﺪه‪ .‬ﻓﺈذا ﺣﺪث ﻓﯿﻬﺎ اﻧﻘﻼب‬
‫ﺳﯿﺎﺳﻲ ﻓﻬﻮ ﻓﻲ أﻏﻠﺐ اﻷﺣﯿﺎن ﻣﻘﻄﻮع اﻟﺼﻠﺔ ﺑﺤﺎﻟﺘﻬﺎ اﻷدﺑﯿﺔ؛ ﻋﻠﻰ أﻧﻪ إذا ﺟﺪ اﻟﺠﺪ‪،‬‬
‫وﻗﻮﯾﺖ ﺣﺮﻛﺔ اﻻﻧﻘﻼب اﻟﺴﯿﺎﺳﻲ وﻏﻠﺖ ﻣﺮاﺟﻠﻪ ﺣﺘﻰ ﺗﻨﻔﺴﺖ ﻋﻦ ﺛﻮرة ﺣﺎدة‪ ،‬أو ﻣﺎ‬
‫ﯾﺸﺒﻪ اﻟﺜﻮرة اﻟﺤﺎدة‪ ،‬ﻓﻘﺪ ﯾﺆﺛﺮ ذﻟﻚ ﻓﻲ ﺗﺎرﯾﺦ اﻷﻣﺔ اﻷدﺑﻲ‪ ،‬ﻓﯿﻄﻠﻖ اﻷﻟﺴﻨﺔ ﻣﻦ‬
‫ﻋﻘﺎﻟﻬﺎ‪ ،‬وﯾﻤﺪ اﻟﻘﺮاﺋﺢ ﺑﻐﺬاﺋﻬﺎ‪ ،‬ﻓﺘﻨﻄﻠﻖ ﻓﻲ اﻟﺠﻮ ﺻﯿﺤﺎت ﺗﻜﻮن ﺧﺎﻓﺘﺔ ﻓﻲ ﻣﺒﺪﺋﻬﺎ‪،‬‬
‫وﺗﺴﺘﺴﻠﻢ ﺑﻌﺪ ذﻟﻚ ﻟﻸﻗﺪار‪ ،‬ﻓﺄﻣﺎ أن ﺗﻘﻮى وﺗﺸﺘﺪ‪ ،‬وأﻣﺎ أن ﺗﻀﻌﻒ وﺗﺮﺗﺪ‪.‬‬

‫ً‬
‫ﻓﻀﻼ آﺧﺮ ﻻ ﯾﺠﻮز إﻏﻔﺎﻟﻪ‪ :‬ذﻟﻚ ﺑﺄن اﻷﻣﺔ اﻟﺘﻲ وﺻﻔﻨﺎ ﻗﺪ‬ ‫وﻫﻨﺎ ﻧﺮى ﻟﻸدب‬
‫ﺗﻌﻮزﻫﺎ ﻓﻲ ﺟﻬﺎدﻫﺎ اﻟﺴﯿﺎﺳﻲ وﺳﺎﺋﻠﻪ وﻋﺪﺗﻪ‪ ،‬أو ﯾﻘﻌﺪ ﺑﻬﺎ ﺿﻌﻔﻬﺎ ﻋﻦ اﻟﻨﻬﻮض ﻟﻪ‬
‫ﻓﺘﺴﺘﺨﺬى وﺗﺴﺘﺴﻠﻢ ﻟﻀﻌﻔﻬﺎ أو ﻗﻮة ﻏﻠﺒﻬﺎ‪ .‬أﻣﺎ أﻫﻞ اﻷدب ﻓﻼ ﯾﻨﻀﺐ ﻟﻬﻢ ﻣﻌﯿﻦ‪ ،‬وﻻ‬
‫ﯾﻘﻔﺮ ﺑﻬﻢ ﻣﻨﺒﺖ‪ ،‬ﻓﻬﺬه اﻟﻈﻠﻤﺎت اﻟﻤﺤﯿﻄﺔ ﺑﺎﻷﻣﺔ ﯾﻨﺴﺠﻮن ﻣﻦ ﺧﯿﻮﻃﻬﺎ ﺷﻌﺮاً‪ ،‬وﻫﺬه‬
‫ﺻﺨﻮر اﻟﻈﻠﻢ واﻻﺳﺘﻌﺒﺎد ﯾﻔﺘﺘﻮﻧﻬﺎ ﺑﺄﺳﻨﺔ اﻷﻗﻼم وﯾﺒﺴﻄﻮﻧﻬﺎ ﻟﻠﻨﺎس ﻧﺜﺮاً‪ ،‬وﻣﻦ ﻫﺬا‬
‫ﯾﺤﺎوﻟﻮن إﺣﯿﺎء ﺷﻌﻮر أﻣﺎﺗﻪ اﻟﻈﻠﻢ‪ ،‬وإﺛﺎرة ﻫﻤﻢ ﻗﻌﺪ ﺑﻬﺎ اﻟﺨﻨﻮع‪ .‬وﻗﺪ ﯾﻔﻠﺤﻮن‬
‫ﻓﯿﺼﻠﻮن ﺑﺎﻷﻣﺔ إﻟﻰ ﻏﺎﯾﺔ ﺳﯿﺎﺳﯿﺔ ﻣﺤﻤﻮدة‪ ،‬وﻗﺪ ﯾﺨﻔﻘﻮن وﻟﻜﻦ ﺑﻌﺪ أن ﯾﺘﺮﻛﻮا ﻟﻸﻣﺔ‬
‫ﺛﺮوة أدﺑﯿﺔ؛ وﻻ ﺗﻨﺲ أن ﺟﻬﺎدﻫﻢ ﺷﺎق وﻋﺴﯿﺮ‪ ،‬وأن ﺑﻼءﻫﻢ ﻣﺮﻫﻖ وﻣﺮﯾﺮ‪.‬‬
 ‫ً‬
‫وﺗﺎﺑﻌﺎ؛ واﻷول‬ ‫ً‬
‫ﻻﺣﻘﺎ‬ ‫ً‬
‫وﻣﺘﺒﻮﻋﺎ‪ ،‬واﻟﺘﺎرﯾﺦ اﻷدﺑﻲ‬ ‫ً‬
‫ﺳﺎﺑﻘﺎ‬ ‫وﻫﻨﺎ ﻧﺠﺪ اﻟﺘﺎرﯾﺦ اﻟﺴﯿﺎﺳﻲ‬
‫ً‬
‫ﺿﻌﯿﻔﺎ‪ ،‬وﻗﺪ ﯾﺒﺮز اﻷول ﻓﻲ اﻟﻤﯿﺪان ﻓﻼ ﯾﺘﺒﻌﻪ اﻟﺜﺎﻧﻲ‬ ‫ﻣﺆﺛﺮ ﻓﻲ اﻟﺜﺎﻧﻲ أﺛﺮاً ً‬
‫ﻗﻮﯾﺎ أو‬
‫ً‬
‫أﯾﻀﺎ ﻓﻲ ﻫﺬه اﻟﺤﺎﻟﺔ أن‬ ‫وﻻ ﯾﺠﺎرﯾﻪ‪ ،‬وإن ﺗﺒﻌﻪ ﻓﻔﻲ ﺗﺆدة ووﻧﺎء‪ .‬ﻋﻠﻰ أﻧﻪ ﯾﺸﺘﺮط‬
‫ﺗﻜﻮن اﻷﻣﺔ ﻣﺜﻘﻔﺔ إﻟﻰ ﺣﺪ ﻣﻌﯿﻦ ﺣﺘﻰ ﺗﺴﺘﻄﯿﻊ ﻓﻲ وﺳﻂ ﻫﺬا اﻟﻤﻀﻄﺮب أن ﺗﺮى‬
‫ﻗﺒﺲ اﻟﻨﻮر ﯾﻨﺒﻌﺚ ﻣﻦ ﻗﺼﺒﺎت اﻷﻗﻼم ﻓﺘﻤﺸﻲ ﻋﻠﻰ ﻫﺪاه‪ ،‬وأن ﺗﺴﻤﻊ ﺻﻮت اﻟﺤﻖ‬
‫ﻣﻦ اﻟﺨﻄﺒﺎء ﻓﺘﻠﺒﻲ ﻧﺪاه‪ .‬ذﻟﻚ أن أﺗﯿﺢ ﻟﻸدﯾﺐ أن ﯾﻜﺘﺐ‪ ،‬وﻟﻠﺨﻄﯿﺐ أن ﯾﺨﻄﺐ‪.‬‬

‫وﻻ ﯾﺘﺪاﺧﻠﻨﺎ اﻟﻌﺠﺐ ﻣﻦ أن ﯾﺴﺒﻖ اﻟﺘﺎرﯾﺦ اﻟﺴﯿﺎﺳﻲ وﯾﺘﻘﺪم واﻟﻤﺜﻞ أﻣﺎﻣﻨﺎ واﺿﺤﺔ‬
‫ﺑﯿﻨﺔ‪ .‬ﻓﺘﺎرﯾﺦ اﻷدب اﻹﺳﻼﻣﻲ إﻧﻤﺎ ﺗﺄﺛﺮ ﺑﻤﺎ ﺳﺒﻘﻪ ﻣﻦ ﻋﻮاﻣﻞ ﺳﯿﺎﺳﯿﺔ واﻗﺘﺼﺎدﯾﺔ‬
‫واﺟﺘﻤﺎﻋﯿﺔ ﻛﺎن ﻣﻦ ﻣﻈﺎﻫﺮﻫﺎ ﻧﺸﻮء اﻷﺣﺰاب اﻟﺴﯿﺎﺳﯿﺔ وﻣﺎ ﻓﺘﺢ اﷲ ﻟﻠﻤﺴﻠﻤﯿﻦ ﻣﻦ‬
‫ﺑﻘﺎع اﻷرض؛ ذﻟﻚ أﺛﺮ ﻓﻲ اﻟﻌﻘﻠﯿﺔ اﻟﻌﺮﺑﯿﺔ ﻓﻐﯿﺮ ﻓﻲ أﺳﻠﻮب اﻟﺸﻌﺮ واﻟﺨﻄﺎﺑﺔ‬
‫واﻟﻜﺘﺎﺑﺔ وﻣﻮﺿﻮﻋﺎﺗﻬﺎ ﺗﻐﯿﯿﺮاً ﻇﺎﻫﺮاً‪ .‬وأﻗﺮب ﻣﻦ ﻫﺬا اﻟﻤﺜﻞ ﺗﻠﻚ اﻟﺤﺮب اﻷورﺑﯿﺔ‬
‫اﻟﺘﻲ اﻧﺪﻟﻌﺖ ﻧﺎرﻫﺎ ﻓﻲ اﻟﻐﺮب‪ ،‬واﻣﺘﺪ ﻟﻬﯿﺒﻬﺎ إﻟﻰ اﻟﺸﺮق‪ ،‬ﻓﺤﺮﻛﺖ اﻟﻨﻔﻮس وﺣﻔﺰت‬
‫اﻟﻬﻤﻢ‪ ،‬وأﺛﺎرت اﻟﻤﻄﺎﻣﻊ‪ ،‬وأﺑﺮزت ﻓﻲ اﻟﺸﺮق ﻃﺒﻘﺔﺻﺎﻟﺤﺔ ﻣﻦ اﻟﻜﺘﺎب واﻷدﺑﺎء‪ ،‬ﻣﺎ‬
‫زاﻟﻮا ﯾﻌﻤﻠﻮن وﻣﺎ زال اﻟﺸﺮق ﯾﺮﺟﻮ ﻣﻦ ﻏﯿﺜﻬﻢ ﺧﯿﺮاً ﻓﻲ اﻷدب وﻓﻲ اﻟﺴﯿﺎﺳﺔ؛‬
‫أﻟﯿﺴﺖ ﻫﺬه ﻧﻬﻀﺔ أدﺑﯿﺔ ﻗﺎﻣﺖ ﻋﻠﻰ أﺛﺮ ﺣﺮﻛﺔ ﺳﯿﺎﺳﯿﺔ؟‬

‫وﻟﯿﺲ ﺳﺒﻖ اﻟﺘﺎرﯾﺦ اﻟﺴﯿﺎﺳﻲ ﻋﻠﻰ اﻷدﺑﻲ ﻗﺎﺻﺮاً ﻋﻠﻰ اﻷﻣﻢ اﻟﻀﻌﯿﻔﺔ أو‬
‫اﻟﻤﺴﺘﻀﻌﻔﺔ‪ ،‬ﻓﻘﺪ ﯾﻘﻊ ﻫﺬا ﻓﻲ اﻷﻣﻢ اﻟﻘﻮﯾﺔ ﻛﻤﺎ ﯾﺘﻀﺢ ﻣﻦ أﺛﺮ ﺗﻠﻚ اﻟﺤﺮب ﻓﻲ‬
‫اﻟﻐﺮب‪ ،‬وأﻛﺜﺮ أﻣﻤﻪ ﻗﻮﯾﺔ ﻣﺘﺤﺮرة‪ ،‬ﻓﻘﺪ ﺗﻘﺪﻣﺖ اﻟﺤﺮب وأﺣﺪاﺛﻬﺎ‪ ،‬ﺛﻢ ﺗﺒﻌﻬﺎ ﺗﻐﯿﯿﺮ ﻓﻲ‬
‫ً‬
‫ﻣﺴﺘﻮﯾﺎ‬ ‫اﻵداب ﻣﻦ ﺣﯿﺚ اﻷﺳﻠﻮب وﻧﻈﺎم اﻟﻘﺼﺔ وﻃﺮﯾﻘﺔ اﻟﺘﻔﻜﯿﺮ‪ ،‬وﻛﺎن ﺗﻐﯿﯿﺮاً‬
‫ﻛﺎﻣﻼ ً‬
‫ﻗﻮﯾﺎ‪ ،‬ﺑﻞ ﻛﺎن ﻧﻬﻀﺔ ﺣﺎدة ﻓﺘﯿﺔ‪.‬‬ ‫ً‬
‫أﻟﯿﺲ ﻣﻦ اﻟﺨﯿﺮ ﺑﻌﺪ ﻫﺬا أﻻ ﻧﻠﺘﺰم ﻗﺎﻋﺪة ﺑﻌﯿﻨﻬﺎ ﻧﺠﺮي ﻋﻠﻰ ﺳﻨﻨﻬﺎ اﻷدب واﻟﺴﯿﺎﺳﺔ‬
‫وﻧﻘﯿﺪ ﺑﻬﺎ ﻣﻮﺿﻊ أﺣﺪﻫﻤﺎ ﻣﻦ اﻵﺧﺮ وأﺛﺮه ﻓﯿﻪ؟‬

‫ذﻟﻚ ﻣﺎ أراه ﻓﻲ ﻫﺬا اﻟﺒﺤﺚ‪ ،‬ﻓﺈن رأى أﺋﻤﺔ اﻟﺒﯿﺎن وأﻫﻞ اﻷدب ﻏﯿﺮه وﺟﻠﻮا ﻟﻲ وﺟﻪ‬
‫اﻟﺼﻮاب وﺑﺼﺮوﻧﻲ ﻣﺴﺎﻗﻂ اﻟﺮأي ﻓﺈﻧﻨﻲ ﻟﺸﺎﻛﺮ وﺳﻌﯿﺪ‬