Professional Documents
Culture Documents
بيار بورديو الممارسات لبثقافية
بيار بورديو الممارسات لبثقافية
الممارسات
الثقافية عند
بيار بورديو
بصير جيهان
بركات يسرى
1
بيار بورديو
2
الممارسات الثقافية "بيار بورديو"
مقدمة
-رهان طبقي
-منطق انتاج
السمت
الحقل ومجاالته
العنف الرمزي
الهيمنة الذكورية
إعادة اإلنتاج
اإلنعكاسية
السلطة الرمزية
خاتمة
1
المقدمة :
شكلت الثقافة وممارساتها مفصال ومفهوما أساسيا في الفكر المعاصر حيث عكف الكثير من
المفكرين على البحث في مدلولها وفقا لمرجعياتهم وتنشئتهم االجتماعية ،ذلك كآليه يعول
عليها لخلق الهيمنة ونشر االيديولوجيا المراد فرضها ،بطابع تجديدي رمزي يدير ويهيكل
العالقات االجتماعية ،يصيغ القوانين ويشكل مدركات العالم.
هذا الذي كان للمفكر بيار بورديو رأي فيه اذ سعى من خالل أعماله على إثراء الحقل
السوسيولوجي بشكل عام والثقافي بشكل خاص ،وكشف عن آليات الهيمنة مع اعطاء
المهيمن عليهم األدوات الفكرية والعملية لرفض شرعيتها وشرعنتها و منه :فيما تتمثل هذه
الممارسات الثقافيه عند بيار بورديو؟
2
المرجعية الفكرية لبيار بورديو :
له عدة إسهامات "-مفاهيم ،مقاربات ،شروحات ،توجهات ،تحليل ظواهر ،عالقات...
-فلسفته السوسيولوجية لم تكن صدفة فهي نتاج مسار شخصي ،تكوين مدرسي ،األستاذية
وهذا ما أنتج تيار فكري مسيطر
-لم ابن ضفاف la Seine ,بل قرية في الجنوب الغربي الفرنسي ،له جذور ضمن تجربة
مريرة بعد إلتحاقة بثانوية Lous le grand ,المدرسة العليا لألساتذة في "50االصل
اإلجتماعي ،إجتناب تصنيف األشخاص ،تمرد من تأثير الطبقة والتمييز ،المجتمع
البرجوازي +التعالي
-اإلنسان بإمكانه التموقع مع كل الناس+الذوق لألفضليات الذي كان مصنفا إجتماعيا
- 1930 /اب موظف 1962/تزوج و له 3أبناء /درس في كلية الجزائر لألداب 's 58
- 60كانت الركيزة األساسية,تجربة القبائل ,ادخل مفاهيم للحقل السوسيولوجي ،أفق فكري
فند به مسلمات أوروبية "األهالي لديهم فكر غير معقول و هذا كان تحد للمركزية
-الدراسات كولونيالية أخذت منه حيز كبير ،حلل خطابات ،مقوالت،المجتمع
القبائلي=سيطرة الصيغة القانونية
-البناء النظري الفلسفي ليس من فراغ ،سوسيولوجيا الجزائر ,1962الجزائريون
,1962العمل والعمل في الجزائر ,1963اإلقتالع، 1964الطالب و تعليمهم ,1964الورثة
،الطالب و الثقافة ,,1964حب الفن ،اعادة اإلنتاج 1970مختصر نظرية الممارسة
-عايش فترة الفكر السارتري الذي كان مسيطر و موريس ميلونتي ،الوجود و الظواهر و
الوجود ،السلطة و السياسة ،الحرية و اإللتزام ،باشالر مساهماته في العلوم،الفلسفة ،تاريخ ،
-ماكس وبيار =اإلنتاج الراس مالي و فكرة الطبقية
3
-دور كايم = سلوك اإلنسان ،التفسير ,الحاالت السابقة .
1
1احمد موسى بدوي،مابين الفعل والبناء االجتماعي،بحث في نظرية الممارسة لدى بيير بورديو.
4
الثقافة:
الثقافة رهان طبقي:
إن علم اجتماع الثقافة ال يمكن فصله عن نظرية السيطرة لبيار بورديو:فمن خالل
الثقافة يضمن المسيطرون سيطرتهم كما أن الثقافة هي منظومة من الدالالت
المتدرجة:ألن الثقافة هي كذلك رهان للصراعات بين المجموعات االجتماعية،الغاية
من هذا الرهان هي الحفاظ على الفوارق التمييزية بين الطبقات االجتماعية.وبالتالي،
نجد أنفسنا أمام ميدان لتحليل الصراعات والعنف الرمزي
يؤدي إلى التساؤل حول اآلليات التي من خاللها يساهم المسيطر عليهم في قبول
السيطرة عليهم.وعلم اجتماع الثقافة يؤدي إلى تحليل منطق الممارسات الثقافية
والتي ال يمكن فهمها إال بالرجوع إلى الثقافة المسيطرة.
الثقافة:رهان للصراعات:
5
2الممارسات والتمثالت المسيطرة.والوحدة الثقافية التي تفترض وجود ثقافة متشابهة
3
بالنسبة لكل األفراد يحل محلها التنوع .وعكس المجتمعات التقليدية،فإن المجتمعات
المصنعة تتعقد وأن موقع األفراد في البنية االجتماعية غير متشابه ويترتب عن ذلك
وجود ثقافات مختلفة.وهذه الثقافات يمكن أن تؤسس على خصوصيات جهوية
ولكن كذلك على االنتماء إلى جماعات اجتماعية متمايزة كالثقافة العمالية.ونسمي
ثقافة فرعية CULTURE- SOUSلتعيين السلوكات والقيم الخصوصية لجماعة
إن قراءة أعمال بورديو حول الثقافة أصبحت صعبة خاصة وأن الكاتب يستعمل
بصفة غير تمييزية المعاني المختلفة .فهو ال يعتبر الثقافة بمثابة الوصول
إلى التراث الثقافي والفني فحسب ولكن كذلك كتدرج للقيم والممارسات.إال أن ما يهم
في التحليل هو أن الثقافة لها كل خصائص رأس المال وبالتالي فهي رهان
للصراعات في حقل له استقالليته
منطق إنتاج "الثقافي" يمر على استقاللية الحقل الثقافي:
كما هو حال كل الحقول،فإن الحقل الثقافي يشتغل كالسوق بمعنى فيه العارضون
والمستهلكون.المنتجون تكمن مهمتهم في إنتاج "القوانين الرمزية"المنظمة في شكل
منظومات ثقافية متمايزة.وهذه المنظومات الثقافية مكونة من طرائق الرؤية فيما
يتعلق بالسينما والتلفزيون واإلشهار والرسم..وطرائق التفكير فيما يتعلق بالتمرن
المدرسي على الرياضيات وفن تلخيص النص والتعليق...إن هذا العالم الرمزي
يكتسب تدريجيا استقاللية تسمح له بدوره بهيكلة العالقات االجتماعية و إن عمل
صياغة "القوانين الرمزية" يفترض إذن دائما استقاللية األعوان والتي تكون
ممارستهم مرتبطة بهذا اإلنتاج الثقافي والذين
ينزعون إلى التخصص.وعلى سبيل المثال يمكن دراسة الظهور التاريخي
ل"المثقف".
أنيسة صلعي ،نريمان عماني ،مفهوم إعادة اإلنتاج االجتماعي عند بيار بورديو ،مذكرة ماستر ،قسم الفلسفة ،كلية العلوم واالجتماعية ،قالمة. 2
6
منذ النهضة،بدأ االنتقال من ثقافة تابعة للكنيسة نحو حقل ثقافي متفتح على العلوم
الجديدة،واآلداب والفنون.وتقدم الطباعة الذي كان سببه الطلب المتزايد على
المطبوعات مما أدى وبسرعة إلى ترقية صناعة جديدة.
أما اليوم ،فإن حقل اإلنتاج الثقافي حصل على استقالليته وهو متكون من العديد من
المنتجين المتخصصين،والتحاليل والنظريات المتنافسة هي في نهاية
المطاف ثمار عمل هؤالء المختصين.إن الحقل الثقافي يذكرنا بأن الثقافة ليست
ببساطة مجموعة من األعمال وإنما كذلك صياغة لمختلف إدراكات العالم وكذلك
طريقة خصوصية لوصفه ولفهمه.إن الثقافة هي مجموعة من بنى اإلدراك،هذه البنى
مصاغة من قبل األفراد الذين لهم رأسمال ثقافي مرتفع وسلطة شرعية
معترف بها كالمثقفين المكرسين والصحافيين المهمين وقادة الحركات الممثلة المؤثرة
كالنقابات وجماعات الضغط.
إن المعتقدات والقيم والبناءات النظرية والنظريات االجتماعية تتطور مبدئيا داخل
هذه األوساط المحدودة.ولكن انتشار هذه التمثالت على كل المجتمع وتبنيها ال يتم
4
بصفة تلقائية.
7
الجهاز اإلصطالحي :
1-مفهوم هابيتوس:
عرف الهابيتوس بأنه نسق من االستعدادات المكتسبة التي تحدد سلوك الفرد ونظرته إلى يُ ّ
نفسه وإلى العالم الذي يكتنفه ،وهو أشبه ما يكون بطبع الفرد أو بالعقلية التي تسود في
الجماعة لتشكل منطق رؤيتها للكون والعالم .ووفقا لهذا التصور يعد “الهابيتوس” جوهر
الشخصية والبنية الذهنية المولدة للسلوك والنظر والعمل ،وهو في جوهره نتاج لعملية
استبطان مستمرة ودائمة لشروط الحياة ومعطياتها عبر مختلف مراحل الوجود بالنسبة للفرد
والمجتمع .يرى بورديو في هذا السياق أن “الهابيتوس” نسق من التكوينات اإلدراكية
المكتسبة عبر الزمن والتربية والتنشئة واألوضاع االجتماعية .والهابيتوس وفقا لهذا
التصور يشكل الطاقة الفعلية التي تقوم بتوجيه سلوكات الفرد أو الجماعة اعتمادا على
مرجعية معينة تقع في البنية الذهنية ،أي :في العقلية التي تحكم نسق الممارسات والفعاليات
السلوكية للفرد والجماعة على ح ّد سواء ،وهو تعبير عن استبطان الشروط الموضوعية
للوجود االجتماعي على نحو سيكولوجي ،وهو بوضعيته هذه يضفي المشروعية على
وضعيات اجتماعية مهمة مثل التحيزات الطبقية والعنف الرمزي والشعور بالهوية الفردية
والجمعية .يرى بورديو أن اإلنسان االجتماعي يسلك ويتصرف وفق حتميات الشعورية أي
دون أن يعرف لماذا يسلك على هذا النحو ويتصرف على تلك الطريقة .ويمكن تفسير
السلوك في منحاه هذا على أنه ترجمة طبيعية وعفوية لنظام من المعطيات والعمليات
السيكولوجية المتأصلة في عقل اإلنسان وفي نظامه الذهني الداخلي .وبالتالي فإن هذه
المعطيات تفرض على اإلنسان أن يفكر ويسلك ويتصرف ويتخذ ردود أفعاله بطريقة ما
تحت تأثير هذه المعطيات الذهنية التي تشربها منذ مرحلة الطفولة فتشبع بدالالتها وقدرتها
8
على توجيه السلوك بصورة عفوية ال تجد تفسيرا لها إال في ذاتها وفي كينونتها الداخلية.
ويطلق بيير بورديو على هذه العفوية السلوكية مفهوم “الهابيتوس”.5
2-الحقل و مجاالته:
الحقل من المفاهيم األساسية عند الباحث االجتماعي الفرنسي بيير بورديو .في صياغته،
الحقل هو إطار مكون من الوكالء والمواقع االجتماعية .يتحدد موقع كل وكيل في الحقل
نتيجةً للتفاعل بين قواعد الحقل الخاصة وطبيعة الوكيل (الخلقة) وقدراته (االجتماعية
واالقتصادية و الثقافية) .تتفاعل الحقول مع بعضها ،وتكون بنيتها هرمية :القسم األكبر أدنى
من الحقل األكبر من ناحية السلطة والطبقة.
بدالً من حصر تحليله للعالقات االجتماعية والتغير االجتماعي في إطار الوكالة الطوعية أو
في زاوية المفهوم البنيوي للطبقة االجتماعية ،يستخدم بورديو مفهوم الحقل الذي يصل بين
الوكالة والبنية :فالحقل عنده ساحة اجتماعية تاريخية غير متجانسة يتحايل فيها الناس
ويناضلون في سعيهم لنيل الموارد المرغوبة.
ب-النظام االجتماعي:
عند بورديو ،الحقل نظام من المواقع االجتماعية (على سبيل المثال ،مهنة كالقانون) تنظمها
داخل ًيا عالقات القوة (كاختالف القوة بين القضاة والمحامين) .وبشكل أكثر تحديدًا ،يعد
الحقل ميدانًا اجتماعيًا للنضال من أجل السيطرة على أنواع معينة من القدرة – والقدرة هي
ما يراه الوكيل االجتماعي مه ًما (المثال الواضح هو القدرة المالية) .تُنظم الحقول وفق
مستوى عمودي وآخر أفقي .ما يعني أن الحقول ال تماثل تما ًما الطبقات ،وغال ًبا ما تكون
مساحات مستقلة للتفاعل االجتماعي .يمتاز حقل القوة بأنه «أفقي» يعبر كافة الحقول وأن
النضال فيه يتحكم «بسعر صرف» أشكال القدرة الثقافية أو الرمزية أو المادية بين الحقول.
يتكون الحقل من الفروق النسبية في مواقع الوكالء االجتماعيين ،وتبدأ حدود الحقل حيث
ينتهي تأثيره .يمكن أن تكون الحقول المختلفة مستقلة أو مترابطة (تأمل الفصل بين السلطة
القضائية والسلطة التشريعية على سبيل المثال) .توجد حقول وعالقات أكثر في المجتمعات
األكثر تعقيدًا.
5مح مد بقوح(:األصول الفلسفية لمفهوم الهابيتوس عند بيير بورديو) ،مقال منشور على شبكة االنترنت في موقع الحوار المتمدن ،العدد
4142,2013
9
الممارسات الثقافية:
االنشطة االجتماعية ،الثقافية ،الترويجية المختلفة من طرف اإلنسان
الراس مال الثقافي:
العالقات التفاعلية ،ثروة،رأس مال رمزي،مواد ذات تقدير من أفراد المجتمع و له
مهارات ،مؤهالت ،ثروات رمزية ،رموز ،ثقافة يعاد إنتاجها
العنف الرمزي :
ضرر رمزي ،اللغة الهيمنة اإليديولوجية السائدة من أفكار ،إعالم ،تلقين من طرف
مؤسسات رسمية.
10
إعادة اإلنتاج والتغير االجتماعي:
آليات الحفاظ على النظام االجتماعي يبدو أنها تحتل الصدارة في المجتمعات المعاصرة.
تبين الدراسات حول الحراك االجتماعي أن هناك نزعة قوية إلى إعادة اإلنتاج االجتماعي
والحراك االجتماعي يعني مرور األفراد بين الفئات أو الطبقات االجتماعية وهناك الحراك
داخل األجيال أو الحراك المهني المتمثل في إنتقال أفراد فئة معينة إلى فئة أخرى خالل
نفس الجيل،وهناك الحراك بين األجيال المتمثل في إنتقال فرد من جماعة اجتماعية التي
تنتمي إليها عائلته إلى جماعة
أخرى.وفي هذه الحالة نقارن بين وضعية الجيلين ،أي بين وضعية اآلباء ووضعية
األبناء.وحسب منحى االنتقال نقارن بين الحراك العمودي الصاعد(الصعود
االجتماعي)والحراك النازل(التقهقر االجتماعي أو االنحدار في مستوى السلم االجتماعي)
تقوم الدراسات حول الحراك االجتماعي على جداول الحراك وهي جداول إحصائية ذات
مدخلين يتقاطع فيهما الموقع االجتماعي للفرد في وقت معين بموقع
أبيه.وقراءة المنحنى تعطينا معلومات هامة واألرقام الموجودة فيه تزودنا بمؤشرات تتعلق
بإعادة اإلنتاج ومكملها :السيولة االجتماعية.وبالفعل،كلما كانت
معطيات المنحنى مرتفعة كلما اعتبر المجتمع ثابتا،ألن عدد األفراد الذين لهم نفس
المكانة كآب ائهم يظلون مسيطرين.في هذه الحالة نتحدث عن إعادة اإلنتاج االجتماعي أو
كذلك عن الوراثة االجتماعية وعكس ذلك كلما كانت أرقام المنحنى
ضعيفة كلما كان الحراك االجتماعي قويا،فنقول أن في المجتمع سيولة.
6كلثوم بن عبد الرحمان ،السلطة واآلليات الرمزية عند بيار بورديو ،أطروحة دوكتوراه ،قسم الفلسفة ،كلية العلوم اإلنسانية واالجتماعية ،جامعة
الحاج لخضر -باتنة-
الجزائر.
11
إستراتيجيات االستثمار االقتصادي التي توجه نحو إستدامة أو زيادة الرأسمال االقتصادي
في كل أشكاله.ويتعلق األمر في ذات الوقت بمراكمة الرأسمال
االقتصادي وكذلك الرأسمال االجتماعي ،وتهدف إستراتيجيات االستثمار االقتصادي إلى
إقامة أو إلى صيانة العالقات االجتماعية القابلة لالستعمال مباشرة
أو القابلة للتجنيد،سواء في األمد القريب أو البعيد،وذلك بتحويلها إلى التزامات
دائمة،والسيما من خالل تبادل النقود والعمل والوقت.واإلستراتيجيات الزواجية تمثل في
ذلك حالة خصوصية.
إن استراتيجيات إعادة اإلنتاج المتعددة والتي هي في ذات الوقت مستقلة إلى درجة الصراع
والتي يدبرها كل األعوان المعنيين ،هذه اإلستراتيجيات هي التي تساهم باستمرار في إعادة
إنتاج البنية االجتماعية،ولكن بمشاكل وخسائر ناتجة عن التناقضات المالزمة للبنى
وللصراعات أو التنافس بين االعوان
ان المجتمع ليس بمجموعة موحدة،فهو مكون من العديد
من الحقول والتي تتشابه بنيته مع بنية الفضاء االجتماعي وحركية الحقول مرهونة بلعبة
المشاركين فيها.ولكن هذين الموضوعين ال يوجدان كواقع ملموس فهما إنتاج عمل
التموضع الذي يقوم به عالم االجتماع.إن هذا التصور الخاص بالمجتمع يالزمه تعريف
خصوصي
الهيمنة الذكورية حسب بيير بورديو في كتابه" الهيمنة الذكورية "
هي خاصية كونية متجذرة في الوعي األفراد ذكورا كانوا أو إناثا ،وبالرغم من أنها ال
تعلن عن نفسها باعتبارها معطى طبيعيا فإنها تظل في األصل بناء تاريخيا واجتماعيا
وثقافيا في أن معا تعيد مجموعة من المؤسسات إنتاجه وتكريسه .
يبدأ بورديو كتابه بنظرية " مفارقة المعتقد ) ، " ( paradoxe de la doxaوالمعتقد عند
بورديو هو الرأي السائد والمشترك الذي يخفي حقيقة األشياء والوقائع ،ومفاده أن " العالم
أو نظام الكون بمختلف تناقضات أو انتهاكاته وانقالباته وجنوحاته يعد مقبوالً ومحترما ً
وكان كل شيء فيه مقبول كما هو المحالة ،وال يمكن عده مصدرا ً للمعرفة العملية بقدر ما
هو شرعنة ال واعية في مستوى الرأي للممارسات السائدة ،ولذلك فإن حل إشكالية الهيمنة
الذكورية هو في إرجاع المعتقد إلى سمته المفارقة بأن يثبت أنه ليس مبرراً عمليا ً ألن
يحدث ما يحدث ،إنما هو – المعتقد -من صنيع الطرف المهيمن ليبرر هيمنته ،وكذلك من
12
خالل تفكيك اليرورات التاريخية المسئولة عن تحول التاريخ إلى " طبيعة " وتحويل
االعتباطية الثقافية بأن تكون طبيعية.
يرى "بورديو" أن مجتمعات البحر متوسطية تتقاسم نفس النظرة للجنسين .حيث تجعل
من الرجل مركز كل األشياء.فالمجتمع "القابيلي" تطغى عليه النظرة "الفالونرجسية" و"
الكوسمولوجيا األندرومركزية" .هذه النظرة مشتركة بين سائر مجتمعات البحر األبيض
المتوسط لكنها تتأرجح في درجاتها من مجتمع إلى آخر إال أنها تتجسد في شكلها األقصى
داخل المجتمع "لقبايلي".
و يرى بورديو ان هذا األخير يعكس الصورة المثالية و القصوى لما يمكن أن نجده و لو
بشكل بسيط من هيمنة ذكورية داخل البنيات االجتماعية األخرى المتموقعة جغرافيا في
منطقة البحر األبيض المتوسط
يرى "بورديو" أيضا ،في مقاربته للمجتمع "القبايلي" أن ما يظهر" للقبايليين" كنظام طبيعي
لألشياء هو في األصل بناء اجتماعي يعمل على تأسيس و كذا المحافظة على الهيمنة
الذكورية ذات الطابع الكوني ،و التي تعلن عن نفسها وليدة الطبيعة .و بهذا فهي تقي نفسها
شر التشكيك و المساءلة كبناء تاريخي-ثقافي-اجتماعي من الممكن تغييره.
بعد هذا ،سينتقل "بورديو" لمقاربة الجسد داخل المجتمع "القبايلي" كبناء تاريخي-ثقافي-
اجتماعي يعكس هيمنة ذكورية داخل المجتمع "القبايلي" .انطالقا من االختالفات
الفيزيولوجية المالحظة ،يتم خلق تصنيف جسدي تعسفي يوسع الفوارق السوسيوثقافية بين
الذكور و اإلناث .
Actesexuel
Masculin
13
Féminin
Haut
Bas
Actif
Passif
Chaud
Froid
-Donner de la fraicheur
-Donner à boire
من خالل هذا الجدول نستنتج مع "بورديو" أن كل ما هو إيجابي مرتبط بالجسد الذكوري
أما السلبي فهو مرتبط بالجسد األنثوي .هذا "االمتياز" "الذكوري" الذي تغذيه إيديولوجية
ثقافية ذكورية ،ينطلق من الجسد ثم ينعكس على تمظهراته و حركاته و كذا نشاطاته.
إذن يمكننا أن نستخلص مما تقدم مع بورديو أن المجتمع ينتج الرجل والمرأة على حد سواء
ويضع لكل منهما الحدود التي يسير بداخلها وال يتعداها ،من خالل االمتثال لجملة من
األفعال والسلوكيات ،فالرجل عليه أن يتميز بالفحولة والصراع والمنافسة لينتزع
االعتراف ،بينما المرأة فعليها الخنوع والخضوع ،وبذلك فهي تتحول إلى شريك في
المحافظة على هذه الهيمنة وإعادة إنتاجها .إنها تستدمج بطريقة غير واعية من خالل
التنشئة االجتماعية التي تعمل على ترويض جسدها وانفعاالتها حيث يعمل النظام
االجتماعي على فرض وترسيخ االستعدادات لديها ،ف مثال فيما يخص الحياة المهنية ،
توجه النساء دائما نحو الوظائف التي تحتل فيها وضعية التابع للرجال ¹...
في الفصل الثاني من الكتاب يتخدث بيير بوظيو عن كون الهيمنة الذكورية ثقافة وممارسة
كونية ،جعلت "بورديو" يفكر في ال وعي مشترك ذو طابع عتيق
14
يركز "بورديو" في هذا الفصل على مفهوم "اإلنتظارات االجتماعية" ،التي تجعل من
بعض األشياء سوية و طبيعية و من أخرى مرضية و غير سوية .إن المجتمع يرسم لكل
جنس توجهاته و مساراته ،مثال فيما يخص الحياة المهنية ،توجه النساء دائما نحو الوظائف
التي تحتل فيها وضعية التابع للرجال و هذا في ما يظهر لنا جليا من خالل الجدول التالي:
Métier
Féminin
Masculin
Infermière/ secrétaire
Médecin/ patron
يلخص لنا هذا الجدول فكرة أساسية مفادها :أن كل األعمال ذات القيمة المجتمعية ،ال
من حيث الحظوة و ال من حيث التعويض ،تبقى من نصيب الرجال أما النساء ،فال يشغلن
سوى المناصب البسيطة و التي تكون في غالب األحيان تابعة لسلطة عليا ذكورية .كما أن
الذكورية بالنسبة ل "بورديو" ،تعبر عن نفسها كنوع من النبالة و القداسة .و على هذا
األساس فكل ما يرتبط بالذكورة يعتبر مقدسا اجتماعيا
يشير الكاتب في الفصل الثالث الى اان كل شيء متغير في المجتمع باستثناء البنيات الجنسية
التي تبقى محافظة على استقرارها و استمرارها .هذه الديمومة ،ال عالقة لها بنظام طبيعي
جامد ال يمكن تغييره لكنها ثمرة بناء و إعادة بناء مستمر لبنيات الهيمنة الذكورية ،التي
تساهم مجموعة من المؤسسات االجتماعية في استمرارها عن طريق إعادة إنتاجها،
ك األسرة التي ترجح كفة األطفال الذكور عند تقسيم العمل بين الجنسين و الكنيسة التي تؤكد
على قوامة الذكور و هناك أيضا الدولة التي تمركز كل سياساتها حول الذكور .خالصة
القول فالمجتمع حسب "بورديو" تتضافر كل مكوناته إلعادة إنتاج و ضمان استمرار الهيمنة
الذكورية .و على هذا األساس يرى "بورديو" أنه على الحركات النسوية االنتباه لكل هذه
البنيات و الكف عن التركيز على مؤسسة األسرة كالبنية االجتماعية الوحيدة التي تنتج و
تعيد إنتاج الهيمنة الذكورية.
و في نفس السياق يرى" بورديو" أن المكانات و اإلنجازات التي حققتها النساء بمعية
الحركات النسوية ال يجب أن تغطي على الفوارق الشاسعة التي ال زالت تفصل بين عالم
الذكور و عالم اإلناث.
15
الرأس مال:
_ ان كلمة (رأسمال) عند بورديو تحتمل تعريفات عدة ،بعيدة عن مصطلحات العلوم
االقتصادية ،وهي تسمح بكشف صراعات أخرى غير الصراعات ذات الطابع االقتصادي،
وإذا ما فهمنا الرأسمال على أنه كل طاقة اجتماعية قابلة ألن تنتج (تأثيرات ) Effectsفإنه
من الالزم اعتبار كل طاقة أن تكون مستخدمة (بشكل واعٍ أو ال واعٍ) كأداة في عملية
التنافس االجتماعية بمنزلة رأسمال ،فاألفضل إذاً األخذ بعين االعتبار كل الممتلكات التي
يستخدمها الفاعلون في ممارساتهم .حيث يمثل رأس المال عنصرا ً أساسيا ً لتشكيل الطبقات
االجتماعية ،من حيث السيطرة والخضوع للسيطرة ،يميز بورديو بين ثالثة نماذج عامة
لرأس المال ،والتي تفترض لكل منها مجاالً ذا محتويات خاصة وهذه األنواع من رأس
المال هي :رأس المال االجتماعي ،ورأس المال الثقافي ،ورأس المال االقتصادي.
الرأسمال االجتماعي:
_ مفهوم رأس المال االجتماعي هو مصطلح حديث نسبياً ،ورغم التنوع في أشكال رأس
المال إال أن هذه األشكال ال تعمل بشكل مستقل بل إنها تعتمد على بعضها البعض ،فرأس
المال االجتماعي يلعب دورا ً كبيراً في تشكيل وتطوير رأس المال البشري والعكس صحيح
ويتسم رأس المال االجتماعي بذات صفة العلوم االجتماعي.
_ رأس المال الرمزي Symbolic capitalفيقصد به يورديو تلك الموارد المتاحة للفرد
نتيجة امتالكه سمات محددة كالشرف والهيبة والسمعة الطيبة والسيرة الحسنة والتي يتم
إدراكها وتقييمها من جانب أفراد المجتمع .ويتأسس رأس المال الرمزي على القبول أو
االعتراف أو االعتقاد بقوة أو بسلطة من يملك مزايا أكثر ،أو شكالً من االعتراف
بالشرعية ،أو قيمة تمنح المرء مكانة عالية في مجتمعه .ويرى بورديو أن رأس المال
الرمزي هو مثل أي ملكية أو أي نوع من رأس المال (طبيعي ،اقتصادي ،ثقافي ،
اجتماعي) يكون مدركا ً من جانب فاعلين اجتماعيين تسمح لهم مقوالت إدراكهم بمعرفتها
واإلقرار بها ،ومنحها قيمة (مثال الشرف في المجتمعات العربية).
_ ويدخل رأس المال الرمزي مختلف الحقول والمجاالت ومختلف أشكال السلطة والهيمنة
وفي مختلف أشكال العالقات االجتماعية ،فكل عالقة سلطة تتضمن -بشكل ما -رأس مال
16
رمزياً .فخاصية الشرف مثالً تحمل معاني أخالقية محددة ،ويكون الشخص الشريف موضع
احترام وثقة وتقدير تبعا ً لما يملكه من رأس مال رمزي ،ومن ثم يرتبط رأس المال الرمزي
بأهمية الموقع الذي يشغله الفرد في الفضاء االجتماعي من جهة ،وبالقيمة التي يضفيها
الناس عليه من جهة أخرى.
السلطة الرمزية:
_ ينطلق بيير بورديو في مفهمته للسلطة الرمزية من تقسيم العالم االجتماعي الى مجموعة
من الحقول ،و البحث في كيفية اشتغال حقول ذلك العالم و ذلك لفهم طبيعة عملها و
المنطق الداخلي الذي يسيرها ،و في عالقته الجدلية بمفهوم السلطة.يقول بيير"إن السلطة
ليست شيئا متموضعا في مكان ما إنما هي عبارة عن نظام من العالقات المتشابكة ،ونجد
أن كل بنية العالم االجتماعي ينبغي أن تؤخذ بعين االعتبار،من أجل فهم آليات الهيمنة و
السيطرة " .
ومن هذا المنطلق يتبين أن السلطة عند بورديو نظام معقد يخترق كل العالقات
والترابطات التي تشتغل داخليا ً بواسطة آليات دقيقة وفعالة تتحكم في البنية العامة لذلك
النظام .لذلك يحرص "بورديو" على ربطها بمفاهيم النسق ،الحقل ...التي تعد ذات أهمية
بالغة في مشروعه الفكري .
اعتمد بيير بورديو في تصوره لمفهوم السلطة الرمزية على الكثير من الدراسات
النظرية والبحوث الميدانية والتي أفضت إلى أن السلطة الرمزية تقوم دوما على االختفاء:
"السلطة الرمزية هي سلطة ال مرئية وال يمكن أن تمارس إال بتواطؤ أولئك الذين يأبون
االعتراف بأنهم يخضعون لها بل ويمارسونها " .ولكون هذه السلطة غير مرئية فتأثيرها
أشد وقعا ألنها تستهدف المستوى النفسي والذهني للفرد بطرق و اساليب منظمة مبنية على
التستر وراء االقنعة المعتادة كالتقاليد و القوانين و ما هو شائع بين الناس.
17
_ الممارسات الثقافية تتميز باالنتماء االجتماعي ومؤسسة على منطق التمييز وجود ثقافة
شرعية يهيكل المؤسسات:
: استهالك الثروات الثقافية يدخل ضمن إستيراتجية التمييز االجتماعي -
_وهكذا فإن معرفة واستهالك هذه الثروات تصبحان عامال مصنفا،وبهذا المعنى فإن
األعو ان االجتماعيين يصنفون أنفسهم ويتعارضون في الوقت الذي يقومون بهذه الممارسة
أو بتلك ،ويعبرون كذلك عن أذواقهم.إن الحقل الثقافي يشتغل إذن كمنظومة من التصنيف
المؤسسة على تدرج ينطلق من األكثر شرعية إلى األقل شرعية وباستعمال اللغة العادية من
المتميز إلى المبتذل.و يسمح الحقل الثقافي لألعوان االجتماعيين إعداد إستراتيجيات للتمييز
تجاه أعضاء الطبقات األخرى.إن فرص إظهار التمييز متعددة وال يمكن حصرها وحتى في
الممارسات األكثر بساطة :اللباس،التأثيث الداخلي،السياحة،الترفيه،الرياضة،الطبخ وكما
كتب أيضا بورديو في التمييز فإن األذواق هي كذلك ال أذواق:األذواق تشتغل في نفس
الوقت كعوامل إدماج تشهد على االنتماء الطبقي وكذلك كعوامل إقصاء.
18
بيار بورديو أن الدخول الديمقراطي ألي ممارسة ثقافية يظل مطبوعا باإلنتماء الطبقي الذي
هو إنتاج ملكة خصوصي.
_ وهكذا الشأن بالنسبة لممارسة التصوير،إن الدراسات التي قامت بها فرقة بيار بورديو
من 1961إلي 1964كانت موضوعا لكتاب عنوانه "فن متوسط " MOYEN ART
UNالذي يعطينا نموذجا حول االستعمال والتمثل المتمايز لنشاط في متناول كل األعوان
االجتماعيين.وبالفعل،فال يوجد عائق تقني وال اقتصادي يحول دون إنتشار ممارسة
التصوير ألن سهولة استعمال اآلالت وانخفاض أسعارها يساهمان في ذلك بكثير،إضافة إلى
أن ذلك ال يتطلب أي تحضير فكري وتكوين خصوصي .إن هذا التبسيط سيخضع ممارسة
التصوير عند مختلف الجماعات االجتماعية لمعايير مختلفة وهو كذلك فرصة لتبيين
الفوارق والتمايز .نالحظ عند الفئات الشعبية مواقف واتجاهات متمايزة .عند الفالحين فإن
التصوير يعتبر كتجل للثقافة الحضرية وهو موضوع لمقاومات شديدة والتصوير ينظر إليه
وكأنه ترف :تعطي الملكة"الفالحية" األولوية للمصاريف المتعلقة باالستثمار وتحديث
اآلالت قبل مصاريف الترفيه واالستهالك المعتبر وكأنه تافه.
_ أما في األوساط العمالية وعكس ذلك فإن ممارسة التصوير هي موضوع النضمام
سريع،لكن المعنى الجمالي للممارسة مغيب تماما وما يهم هنا هو وظيفة
التصويرفقط:ضمان وحدة العائلة وتطوير ممارسات األلفة االجتماعية حول تمثيل مختلف
األحداث العائلية (زواج،اعتماد).
أما أعضاء البرجوازية الصغيرة فهم يرفضون العالقة الشعبية مع التصوير،ويعتبرونه كفن
وليس كتراث من الذكريات،ألن النشاط التصويري ينظر إليه في مقابل الرسم،والبعض
يرى في هذه الممارسة توكيدا للتمايز عن الثقافة الشعبية وذلك بتجاوز عالقة التصوير
باألحداث العائلية،وذلك باتخاذ مواضيع "ال تستحق" صورة تفاصيل في بناية،يد شخص ...
أما الطبقات الراقية وعلى النقيض من ذلك،فإنها تضع ممارسة التصوير في أسفل سلم
الممارسات الجمالية،فال تعيرها اهتماما كبيرا ألنها تعتبر التصوير"فنا دونيا" وتكفي بساطة
وانتشار الممارسة ألن توصف وكأنها مبتذلة.إن الثقافة "المثقفة " CULTIVEE
CULTUREكما بين ذلك بورديو في كتابه "حب الفن" ،تقوم أساسا على زيارة المتاحف
والذهاب إلى األوبرا .وبعد خمسة عشر سنة من نشر النتائج األولى،تساءل بورديو من
جديد في كتابه "التمييز"حول عالقات الطبقات االجتماعية المختلفة بالتصوير << .إن كانت
ممارسات التصوير قد انتشرت بكثرة،فإن السؤال المطروح يكمن في تحديد المعنى الذي
يعطيه لها الممارسون الهواة>> إن طبيعة األحكام تترجم تدرج الكفاءات الفنية،فالطبقات
الشعبية تجند بنى "اإليطوس" لتوصيف التصوير دون اللجوء إلى األحكام الجمالية
19
المحضة،فهم ينتظرون أن تؤدي كل صورة وظيفة،وكلما ارتقينا في السلم االجتماعي،فإن
الحديث عن التصوير يصبح تجريديا أكثر فأكثر.
_ إن االستهالك الثقافي يتغي حسب الطبقات االجتماعية،فهو رهين الموقع الذي نشغله في
الفضاء االجتماعي،بمعني حجم وبنية الرأسمال الذي نملكه وهكذا فإننا نالحظ تشابها
وتماثال بين بنية الطبقات وبنية األذواق والممارسات .تحاول الطبقة المسيطرة الحفاظ على
موقعها من خالل استراتبجية التمييز وذلك بتحديد وبفرض"الذوق السليم "GOUT BON LE
على باقي المجتمع .ويكمن منطق التمييز في إبقاء مسافة تمييزية بين الممارسات ،فكلما
انتشرت ممارسة فإنها تفقد من سلطتها التمييزية،وبالتالي ال بد من تعويضها بممارسة
أخرى مخصصة ألعضاء الطبقات المسيطرة.مثال في ميدان الترفيه الرياضي،فإن تعميم
ممارسة التنس صاحبه انسحاب الطبقات المهيمنة من ممارسة هذه الرياضة .الطبقات
المهيمنة تفرض كذلك دالالت جديدة بواسطة اللغة والكالم وتتحكم في استعمالهما أكثر من
الفئات األخرى،وحسب بيار بورديو فإن الطبقات المهيمنة تملك احتكار الكفاءة اللغوية
الشرعية أي المطابقة للقواعد النحوية ولألسلوب الذي يضمن فعاليتها ألن عالقة الطبقات
المهيمنة مع الثقافة تتم حسب ووفق أسلوب التماسف والقراءة وراء السطور .تتميز
البرجوازية الصغيرة ب"حسن النية الثقافية" ألن ملكتها تترجم من خالل إضفاء احترام
منتظم للثقافة المسيطرة،وباعتراف بالثقافة الشرعية وبالرغبة في اكتسابها،فهي تحاول
محاكاة الممارسات النبيلة أو القيام بممارسات تعويضية.
_إن هذه السمات تظهر بقوة لدى البرجوازية الصغيرة الصاعدة ألن أعضاءها يستثمرون
في األشكال الدنيا لإلنتاج الثقافي ويهتمون بالسينما والجاز ويقرؤون مجالت التبسيط العلمي
والتاريخي،كما أنهم في اضطراب مستمر خشية السقوط في ما هو مبتذل (وبالتالي في ما
هو شعبي) ولديهم إرادة "التمايز" بمعنى ما يحاول أن يجعل منهم برجوازيين .إن هذه
الوضعية "المزيفة" تتجلى خصيصا في عالقة أعضاء البرجوازية الصغيرة باللغة والكالم
والمتميزة بالتصحيح اللغوي المفرط،وهي نزعة تهدف إلى مطاردة عندهم وعند اآلخرين
كل أشكال الخطأ .أما الطبقات الشعبية والتي حسب بورديو تتميز ملكتها ب"اختيار
الضروري" وبتثمين الفحولة فلها ممارسات ثقافية تجد منطقها في رفض االندماج مع
20
البرجوازية الصغيرة،وهكذا فإن "الثقافة المثقفة" ينظر إليها على أنها تخل عن مبدأ الفحولة
والمواضيع التي لها صبغة أو طابع "برجوازي" فهي محظورة ومحرمة في محادثاتها.
وحسب بيار بورديو فإنه ال توجد ثقافة شعبية في المعنى السوسيولوجي للكلمة ولكن توجد
فقط مجموعة من الممارسات والتمثالت والتي هي عبارة عن » أجزاء متناثرة لثقافة عالمة
قديمة نوعا ما(كالمعارف الطبية) منتقاة ومؤولة حسب المبادئ األساسية للملكة الطبقية
ومدمجة في الرؤية السائدة للعالم المترتب عنها « وعليه،فال وجود لثقافة شعبية مضادة ألن
الشرعية الثقافية للمهيمنين ليست محل مراجعة .وبالتالي ،فإن علم اجتماع الثقافة ،في
المعنى المزدوج للمصطلح،قائم على نظرية الهيمنة الثقافية ،فلكل موقع في السلم االجتماعي
ثقافة خصوصية:ثقافة نخبوية ومتوسطة وجماهيرية وهي على التوالي متميزة بالتمييز
واإلدعاء والحرمان.
21
اإلعالم كوسيلة هيمنة:
وقد عُرف بورديو بأنه عالم اجتماع ،ووضع في هذا المجال مؤلفات كثيرة في نقد
المجتمعات المعاصرة ،ومنذ مطلع التسعينيات أخذ بورديو بنقد الفكر الليبرالي ،ونقد اآلليات
التي يتوسَّلها هذا الفكر في تصريف أفكاره ورؤاه ونظرياته ومأموالته· وفي هذا الخضم
النقدي وضع بورديو كتابه الموسوم بـ 'التلفزيون وآليات التالعب بالعقول' والذي يبدو حتى
اآلن في غاية األهمية ،هنا نحاول قراءة الكتاب وتقديم خالصة عنه:
في مقدمته أشار الفيلسوف الفرنسي إلى أن التلفزيون يكشف عن خطر كبير يهدد الحياة
السياسية والديمقراطية ،فالتلفزيون وجزء من الصحافة مدفوعين بمنطق اللُهاث وراء مزيد
من اإلقبال الجماهيري أتاحا وسمحا بظهور المحرضين على الممارسات واألفكار
العنصرية والمعادية لآلخر ،وبروز نظرة شوفينية قصيرة ضيقة األفق ،بل يمكن القول إنها
نزعة قومية للعمل السياسي· وربما يكون الشيء األساسي الجديد في تفشي حالة العداء
لآلخر ،وتصاعد المشاعر القومية التي نراها في كل من تركيا واليونان ويوغسالفيا السابقة
وفرنسا أو في أماكن أخرى هو إمكانية استغالل هذه المشاعر األولية إلى أقصى ح ٍ ّد من
جانب وسائل اإلعالم الحديثة اليوم·
المسرح والكواليس
وتحت عنوان 'المسرح والكواليس' خاض بورديو تجربة نقدية تجاه التلفزيون تداخل فيها
وقف كثيرا ً عند اشتراك النخب
َ البُعد الشخصي مع التجارب اليومية أو الموضوعية ،لكنه
ي ٍ وغير مسؤول ،وهنا قال بورديو: في الظهور على الشاشة الصغيرة على نحو مجان ّ
'بقبولنا االشتراك في برنامج تلفزيوني من دون أن يشغل بالنا معرفة فيما إذا كان من
الممكن أن يقال شيء مما يجب قوله ،فإن ذلك يعتبر بشكل واضح خيانة ،فوجودنا في
برنامج ليس لشيء ما إنما ألسباب أخرى تماماً ،بل وعلى نحو خاص حتى نُشاهَد من قبل
اآلخرين وأن نكون موضع رؤيتهم فذلك يعني أن تُدرك من خالل شاشات التلفزيون ،ولكي
22
تكون صورتك مقبولة من جانب األوساط الصحافية ،كما أنه من الحقيقي أنهم ال يستطيعون
أن يعتمدوا على أعمالهم لكي يكونوا حاضرين باستمرار ،فليس لدى هؤالء من طرق
متكرر كلما كان ذلك ممكنا ً على شاشة التلفزيون ،وبالتالي أن ِّ ّ أخرى إال الظهور بشكل
يكتبوا على فترات منتظمة وأيضا ً مختزلة بقدر اإلمكان ،كتبا ً وظيفتها تأمين دعوتهم إلى
البرامج التلفزيونية ،ولهذا السبب أصبحت شاشة التلفزيون اليوم نوعا ً من مرآة نرجسية بل
مكان الستعراض حب الذات ·· شغلت موضوعة الرقابة اهتمام بورديو ،فهو يفترض أن
الرقابة موجودة بكثافة في كل العمل التلفزيوني من ألف ِّه إلى يائ ِّه ،ويعتبر هذه الرقابة سلطة
بل سطوة يتالعب أهل الشاشات عبرها بعقول الناس ولهذا قال' :إن االشتراك في برامج
التلفزيون الذي توجد فيه رقابة هائلة ،ويفتقد االستقاللية يوحي بحقيقة أن الموضوع
المعروض قد ت َّم فرضه ،كما أن شروط االتصال والحوار في البرامج التلفزيونية قد تم
فرضها ،عالوة على أن تحديد الزمن المفروض على خطاب المشاركين يفرض بشكل
خاص حدوداً صارمة بحيث يصبح من غير المحتمل وجود إمكانية لكي يقال شيء ما· وفي
هذا السياق افترض بورديو في عمليات الرقابة الخفية كما يسميها أن لديها آليات خفية بل
مجهولة للمشاهد ،وهي اآلليات التي من خاللها تُمارس الرقابة على كل المستويات والتي
تجعل من التلفزيون أداة هائلة للحفاظ على النظام الرمزي·'!
-سطوة الرقابة
ولكي يُدلل بورديو على سطوة الرقابة نراه يلجأ إلى متابعة الرقابة في الندوات التلفزيونية
أو متابعة سلسلة مستويات الرقابة ،فهناك المستوى األول الذي يلعب مق ّدِّم البرنامج الدور
الرئيس في برامجه ،وهو الدور الذي يصدم مشاهدي التلفزيون عندما يقوم المقدم بتدخالت
ثان من
جبرية حاسمة بل هو الذي يفرض الموضوع على المتحاورين معه· وهناك مستوى ٍ
الرقابة يكمن في االستعدادات التي تم القيام بها مسبَّقا ً عن طريق محادثات تحضيرية مع
المشاركين المتوقعين·
وعن سياسات الحجب التي يمارسها التلفزيون وجد بورديو أنه عندما يتم عرض ما هو
مرئي عبر شاشة التلفزيون تظل هناك أشياء يتم إخفاؤها عن طريق عرضها بوساطة
عرض شيء آخر غير ذلك الذي يجب عرضه من خاللها ،هذا في حال تم عمل المفروض
عمله أي إعالم المشاهد ،أو كذلك الذي يؤكد التلفزيون على وجوب عرضه ،ولكنه يعرض
بطريقة ال تسمح بعرضه أو بأن يصبح غير ذي مغزى أو عندما يقوم بإعادة تشكيله بحيث
يأخذ معنى ال يقابل الحقيقة على اإلطالق·وهكذا نرى بورديو يفترض بنية خفية تتح َّكم بقدر
ما تؤثر في المشاهدين وتؤثر في الضيوف ،لكنه أيضا يخرج من أستوديو البرامج باحثا ً
عن المؤثرات الخارجية أو الموضوعية بوصفها قوى للتأثير والتحكم والحجب ،ومن ذلك
ما تتركهُ رحى المنافسة الجارية في أسواق المال والتجارة والمضاربات في األسهم ،وما
23
7تفرضه من سياقات من شأنها اللجوء إلى ابتزاز الشاشات الصغيرة لمصالح الشركات
حرر كل األطراف اليومية واالستراتيجية·في الخاتمة ،دعا بورديو إلى تقديم إمكانية ما ت ُ ِّ ّ
عن طريق استعادة الوعي بهيمنة هذه اآلليات وربما اقتراح برنامج للعمل المشترك بين
الفنانين والكتّاب والعلماء والصحافيين الحائزين على احتكار كل أدوات ووسائل التوزيع·
وأكد أن مثل هذا التعاون فقط يسمح بالعمل بكفاءة على انتشار المكتسبات األكثر عالمية
للبحث ،ومن ناحية أخرى يسمح بعولمة تطبيقية وعملية لشروط الوصول إلى ما هو
8
عالمي·
7المرجع نفسه,ص101
8عبد الكريم بزاز ،علم اإلجتماع بيار بورديو ,2006,2007،ص140
24
الخاتمة :
في نهاية المطاف ساعد المنهج البنيوي التكويني بيير بورديو على النظر الى الصراعات
االجتماعية داخل الحقول االجتماعية ال بوصفها احتدام بين الطبقات من أجل السيطرة على
وسائل اإلنتاج المادية وعلى ملكية رأس المال االقتصادي وما يرافق ذلك من عنف فيزيائي
مادي بل النظر اليها كنزاع حول رأس المال الثقافي بوصفه رأس المال الرمزي ومن أجل
التمايز االجتماعي وما يستوجب ذلك من عنف رمزي داخل الحقل الحيوي والمحتوى
الثقافي ومن اعادة انتاج الواعية للمنزلة الطبقية للفاعلين.
لقد أقام بورديو الثيمة االجتماعية على جملة من العناصر هي نسق من المواقف والمصالح
بالنسبة الى الفاعلين االجتماعيين وتفاعل بين حلقات مترابطة في هذا النسق تتكون من
جملة من األبعاد االيديولوجية والرمزية واالجتماعية واالقتصادية والسياسية و ومن عدد
من المؤسسات والهياكل التي تتراوح بين الذاتي والموضوعي وبين الفردي والجماعي وبين
الخاص والمشترك وبين الخارج والداخل.
25
قائمة المراجع :
1/احمد موسى بدوي،مابين الفعل والبناء االجتماعي،بحث في نظرية الممارسة لدى بيير
بورديو.
2/أنيسة صلعي ،نريمان عماني ،مفهوم إعادة اإلنتاج االجتماعي عند بيار بورديو ،مذكرة
ماستر ،قسم الفلسفة ،كلية العلوم واالجتماعية ،قالمة.
4/محمد بقوح(:األصول الفلسفية لمفهوم الهابيتوس عند بيير بورديو) ،مقال منشور على
شبكة االنترنت في موقع الحوار المتمدن ،العدد 4142,2013
5/كلثوم بن عبد الرحمان ،السلطة واآلليات الرمزية عند بيار بورديو ،أطروحة دوكتوراه
،قسم الفلسفة ،كلية العلوم اإلنسانية واالجتماعية ،جامعة الحاج لخضر -باتنة-
الجزائر.
26