Download as pdf or txt
Download as pdf or txt
You are on page 1of 28

‫الجمهورية الجزائرية الديموقراطية الشعبية‬

‫وزارة التعليم العالي و البحث العلمي‬

‫جامعة صالح بوبنيدير قسنطينة –‪-3‬‬

‫الفوج ‪1‬‬ ‫كلية عوم االعالم و االتصال و السمعي بصري‬

‫التخصص ‪:‬سمعي بصري‬

‫الممارسات‬
‫الثقافية عند‬
‫بيار بورديو‬

‫إشراف األستاذ‪:‬‬ ‫من إعداد ‪:‬‬

‫بوروبي عبد الهادي‬ ‫بعزيزي خلود‬

‫بصير جيهان‬

‫بن داود تهاني‬

‫بركات يسرى‬

‫السنة الدراسية ‪2023/2022:‬‬

‫‪1‬‬
‫بيار بورديو‬

‫‪2‬‬
‫الممارسات الثقافية "بيار بورديو"‬

‫مقدمة‬

‫‪-2‬المرجعيات الثقافية لبيار بورديو ؛‪-‬السيرة الذاتية‬

‫اإلنتماء الفكري و الفلسفي‬

‫الثقافة –رهان للصراع‬

‫‪-‬رهان طبقي‬

‫‪-‬منطق انتاج‬

‫‪-3‬الجهاز اإلصطالحي لبيار بورديو ؛‬

‫الرأس مالي‬ ‫‪-‬‬

‫السمت‬

‫الحقل ومجاالته‬

‫الراس مال الثقافي‬

‫العنف الرمزي‬

‫الهيمنة الذكورية‬

‫إعادة اإلنتاج‬

‫اإلنعكاسية‬

‫راس مال رمزي‬

‫راس مال إجتماعي‬

‫السلطة الرمزية‬

‫‪-3‬الممارسات الثقافية و منطق التمييز‬

‫‪-4‬الممارسات الثقافية في مجال علوم اإلعالم واإلتصال (اإلعالم كآلية للهيمنة‬

‫خاتمة‬

‫‪1‬‬
‫المقدمة ‪:‬‬

‫شكلت الثقافة وممارساتها مفصال ومفهوما أساسيا في الفكر المعاصر حيث عكف الكثير من‬
‫المفكرين على البحث في مدلولها وفقا لمرجعياتهم وتنشئتهم االجتماعية‪ ،‬ذلك كآليه يعول‬
‫عليها لخلق الهيمنة ونشر االيديولوجيا المراد فرضها ‪،‬بطابع تجديدي رمزي يدير ويهيكل‬
‫العالقات االجتماعية‪ ،‬يصيغ القوانين ويشكل مدركات العالم‪.‬‬
‫هذا الذي كان للمفكر بيار بورديو رأي فيه اذ سعى من خالل أعماله على إثراء الحقل‬
‫السوسيولوجي بشكل عام والثقافي بشكل خاص‪ ،‬وكشف عن آليات الهيمنة مع اعطاء‬
‫المهيمن عليهم األدوات الفكرية والعملية لرفض شرعيتها وشرعنتها و منه ‪ :‬فيما تتمثل هذه‬
‫الممارسات الثقافيه عند بيار بورديو؟‬

‫‪2‬‬
‫المرجعية الفكرية لبيار بورديو ‪:‬‬

‫له عدة إسهامات ‪"-‬مفاهيم ‪،‬مقاربات ‪،‬شروحات ‪،‬توجهات ‪،‬تحليل ظواهر ‪،‬عالقات‪...‬‬

‫‪-‬فلسفته السوسيولوجية لم تكن صدفة فهي نتاج مسار شخصي ‪،‬تكوين مدرسي ‪،‬األستاذية‬
‫وهذا ما أنتج تيار فكري مسيطر‬
‫‪-‬لم ابن ضفاف‪ la Seine ,‬بل قرية في الجنوب الغربي الفرنسي ‪،‬له جذور ضمن تجربة‬
‫مريرة بعد إلتحاقة بثانوية‪ Lous le grand ,‬المدرسة العليا لألساتذة في ‪"50‬االصل‬
‫اإلجتماعي ‪،‬إجتناب تصنيف األشخاص ‪،‬تمرد من تأثير الطبقة والتمييز ‪،‬المجتمع‬
‫البرجوازي ‪+‬التعالي‬
‫‪-‬اإلنسان بإمكانه التموقع مع كل الناس‪+‬الذوق لألفضليات الذي كان مصنفا إجتماعيا‬

‫‪- 1930 /‬اب موظف‪ 1962/‬تزوج و له ‪ 3‬أبناء ‪/‬درس في كلية الجزائر لألداب ‪'s 58‬‬

‫‪- 60‬كانت الركيزة األساسية‪,‬تجربة القبائل ‪,‬ادخل مفاهيم للحقل السوسيولوجي ‪،‬أفق فكري‬
‫فند به مسلمات أوروبية "األهالي لديهم فكر غير معقول و هذا كان تحد للمركزية‬
‫‪-‬الدراسات كولونيالية أخذت منه حيز كبير ‪،‬حلل خطابات ‪،‬مقوالت‪،‬المجتمع‬
‫القبائلي=سيطرة الصيغة القانونية‬
‫‪-‬البناء النظري الفلسفي ليس من فراغ ‪،‬سوسيولوجيا الجزائر ‪ ,1962‬الجزائريون‬
‫‪,1962‬العمل والعمل في الجزائر ‪,1963‬اإلقتالع‪، 1964‬الطالب و تعليمهم ‪,1964‬الورثة‬
‫‪،‬الطالب و الثقافة ‪,,1964‬حب الفن ‪،‬اعادة اإلنتاج ‪1970‬مختصر نظرية الممارسة‬

‫‪-‬اإلنتماء الفكري و الفلسفي ‪:‬‬

‫‪-‬عايش فترة الفكر السارتري الذي كان مسيطر و موريس ميلونتي ‪،‬الوجود و الظواهر و‬
‫الوجود ‪،‬السلطة و السياسة ‪،‬الحرية و اإللتزام ‪،‬باشالر مساهماته في العلوم‪،‬الفلسفة ‪،‬تاريخ ‪،‬‬
‫‪-‬ماكس وبيار =اإلنتاج الراس مالي و فكرة الطبقية‬

‫‪-‬ماكس فيبر و بيار بورديو = البعد الرمزي و الشرعية‬

‫‪3‬‬
‫‪-‬دور كايم = سلوك اإلنسان ‪ ،‬التفسير‪ ,‬الحاالت السابقة ‪.‬‬
‫‪1‬‬

‫‪ 1‬احمد موسى بدوي‪،‬مابين الفعل والبناء االجتماعي‪،‬بحث في نظرية الممارسة لدى بيير بورديو‪.‬‬

‫‪4‬‬
‫الثقافة‪:‬‬
‫الثقافة رهان طبقي‪:‬‬

‫إن علم اجتماع الثقافة ال يمكن فصله عن نظرية السيطرة لبيار بورديو‪:‬فمن خالل‬
‫الثقافة يضمن المسيطرون سيطرتهم كما أن الثقافة هي منظومة من الدالالت‬
‫المتدرجة‪:‬ألن الثقافة هي كذلك رهان للصراعات بين المجموعات االجتماعية‪،‬الغاية‬
‫من هذا الرهان هي الحفاظ على الفوارق التمييزية بين الطبقات االجتماعية‪.‬وبالتالي‪،‬‬
‫نجد أنفسنا أمام ميدان لتحليل الصراعات والعنف الرمزي‬
‫يؤدي إلى التساؤل حول اآلليات التي من خاللها يساهم المسيطر عليهم في قبول‬
‫السيطرة عليهم‪.‬وعلم اجتماع الثقافة يؤدي إلى تحليل منطق الممارسات الثقافية‬
‫والتي ال يمكن فهمها إال بالرجوع إلى الثقافة المسيطرة‪.‬‬

‫الثقافة‪:‬رهان للصراعات‪:‬‬

‫الثقافة حسب بورديو هي رأسمال منتج في حقل خصوصي‪.‬وأن مصطلح "ثقافة"له‬


‫معان متنوعة‪،‬هناك أوال المعنى األنثروبولوجي‪ ،‬والذي يعني طرائق الفعل‬
‫واإلحساس والتفكير الخاصة بجماعة اجتماعية‪.‬وهذا المفهوم الشامل صيغ في مقابل‬
‫مفهوم الطبيعة‪،‬ويدخل ضمن الثقافة كل ما هو مكتسب وموروث أي منقول‬
‫في مقابل ما هو فطري أي كل ما يجعل من الناس كائنات خالقة لظروف وجودها‬
‫الخاصة‪.‬وفي هذا المعنى فإن كل جماعة إنسانية تشترك في ثقافة‪،‬خاصة وأن كل‬
‫مجتمع مهما كان يقوم بصياغة ممارسات تقنية وقواعد للسلوك ويبني تمثال‬
‫للعالم‪...‬ووفق هذا المنطق فإن الثقافة تؤسس الهوية الجماعية لمجموعة كبيرة‪ ،‬عندما‬
‫نتحدث مثال عن الثقافة الغربية وعن هوية جماعة محدودة‬
‫والثقافة في المعنى العام والجاري تعني المعارف العلمية والفنية واألدبية للفرد ‪،‬وهي‬
‫تقابل اإلنسان المثقف بالفرد "الجاهل" وعلى مستوى المجتمع الشامل فإنها تعني‬
‫التراث الخاص باألعمال الفكرية والفنية ولرفع اللبس‬
‫إن استعمال المصطلح في صيغة الجمع "ثقافات"يرجع إلى مفهوم التعدد‬
‫الثقافي‪.‬وبالتالي فداخل نفس الثقافة يمكن أن تتعايش جماعات ال تتقاسم نفس‬

‫‪5‬‬
‫‪ 2‬الممارسات والتمثالت المسيطرة‪.‬والوحدة الثقافية التي تفترض وجود ثقافة متشابهة‬
‫‪3‬‬
‫بالنسبة لكل األفراد يحل محلها التنوع‪ .‬وعكس المجتمعات التقليدية‪،‬فإن المجتمعات‬
‫المصنعة تتعقد وأن موقع األفراد في البنية االجتماعية غير متشابه ويترتب عن ذلك‬
‫وجود ثقافات مختلفة‪.‬وهذه الثقافات يمكن أن تؤسس على خصوصيات جهوية‬
‫ولكن كذلك على االنتماء إلى جماعات اجتماعية متمايزة كالثقافة العمالية‪.‬ونسمي‬
‫ثقافة فرعية ‪ CULTURE- SOUS‬لتعيين السلوكات والقيم الخصوصية لجماعة‬

‫معينة داخل المجتمع الكلي‪،‬وثقافة مضادة ‪ CULTURE- CONTRE‬عندما تعارض‬


‫الجماعات الثقافة المسيطرة وتبحث عن ترقية وإحالل قيم ثقافية جديدة‪.‬‬

‫إن قراءة أعمال بورديو حول الثقافة أصبحت صعبة خاصة وأن الكاتب يستعمل‬
‫بصفة غير تمييزية المعاني المختلفة ‪.‬فهو ال يعتبر الثقافة بمثابة الوصول‬
‫إلى التراث الثقافي والفني فحسب ولكن كذلك كتدرج للقيم والممارسات‪.‬إال أن ما يهم‬
‫في التحليل هو أن الثقافة لها كل خصائص رأس المال وبالتالي فهي رهان‬
‫للصراعات في حقل له استقالليته‬
‫منطق إنتاج "الثقافي" يمر على استقاللية الحقل الثقافي‪:‬‬
‫كما هو حال كل الحقول‪،‬فإن الحقل الثقافي يشتغل كالسوق بمعنى فيه العارضون‬
‫والمستهلكون‪.‬المنتجون تكمن مهمتهم في إنتاج "القوانين الرمزية"المنظمة في شكل‬
‫منظومات ثقافية متمايزة‪.‬وهذه المنظومات الثقافية مكونة من طرائق الرؤية فيما‬
‫يتعلق بالسينما والتلفزيون واإلشهار والرسم‪..‬وطرائق التفكير فيما يتعلق بالتمرن‬
‫المدرسي على الرياضيات وفن تلخيص النص والتعليق‪...‬إن هذا العالم الرمزي‬
‫يكتسب تدريجيا استقاللية تسمح له بدوره بهيكلة العالقات االجتماعية و إن عمل‬
‫صياغة "القوانين الرمزية" يفترض إذن دائما استقاللية األعوان والتي تكون‬
‫ممارستهم مرتبطة بهذا اإلنتاج الثقافي والذين‬
‫ينزعون إلى التخصص‪.‬وعلى سبيل المثال يمكن دراسة الظهور التاريخي‬
‫ل"المثقف‪".‬‬

‫أنيسة صلعي ‪،‬نريمان عماني ‪،‬مفهوم إعادة اإلنتاج االجتماعي عند بيار بورديو ‪،‬مذكرة ماستر ‪،‬قسم الفلسفة ‪،‬كلية العلوم واالجتماعية ‪،‬قالمة‪.‬‬ ‫‪2‬‬

‫‪6‬‬
‫منذ النهضة‪،‬بدأ االنتقال من ثقافة تابعة للكنيسة نحو حقل ثقافي متفتح على العلوم‬
‫الجديدة‪،‬واآلداب والفنون‪.‬وتقدم الطباعة الذي كان سببه الطلب المتزايد على‬
‫المطبوعات مما أدى وبسرعة إلى ترقية صناعة جديدة‪.‬‬

‫أما اليوم ‪،‬فإن حقل اإلنتاج الثقافي حصل على استقالليته وهو متكون من العديد من‬
‫المنتجين المتخصصين‪،‬والتحاليل والنظريات المتنافسة هي في نهاية‬
‫المطاف ثمار عمل هؤالء المختصين‪.‬إن الحقل الثقافي يذكرنا بأن الثقافة ليست‬
‫ببساطة مجموعة من األعمال وإنما كذلك صياغة لمختلف إدراكات العالم وكذلك‬
‫طريقة خصوصية لوصفه ولفهمه‪.‬إن الثقافة هي مجموعة من بنى اإلدراك‪،‬هذه البنى‬
‫مصاغة من قبل األفراد الذين لهم رأسمال ثقافي مرتفع وسلطة شرعية‬
‫معترف بها كالمثقفين المكرسين والصحافيين المهمين وقادة الحركات الممثلة المؤثرة‬
‫كالنقابات وجماعات الضغط‪.‬‬

‫إن المعتقدات والقيم والبناءات النظرية والنظريات االجتماعية تتطور مبدئيا داخل‬
‫هذه األوساط المحدودة‪.‬ولكن انتشار هذه التمثالت على كل المجتمع وتبنيها ال يتم‬
‫‪4‬‬
‫بصفة تلقائية‪.‬‬

‫‪ 4‬المرجع نفسه‪,‬ص ‪90‬‬

‫‪7‬‬
‫الجهاز اإلصطالحي ‪:‬‬
‫‪1-‬مفهوم هابيتوس‪:‬‬

‫عرف الهابيتوس بأنه نسق من االستعدادات المكتسبة التي تحدد سلوك الفرد ونظرته إلى‬ ‫يُ ّ‬
‫نفسه وإلى العالم الذي يكتنفه‪ ،‬وهو أشبه ما يكون بطبع الفرد أو بالعقلية التي تسود في‬
‫الجماعة لتشكل منطق رؤيتها للكون والعالم‪ .‬ووفقا لهذا التصور يعد “الهابيتوس” جوهر‬
‫الشخصية والبنية الذهنية المولدة للسلوك والنظر والعمل‪ ،‬وهو في جوهره نتاج لعملية‬
‫استبطان مستمرة ودائمة لشروط الحياة ومعطياتها عبر مختلف مراحل الوجود بالنسبة للفرد‬
‫والمجتمع‪ .‬يرى بورديو في هذا السياق أن “الهابيتوس” نسق من التكوينات اإلدراكية‬
‫المكتسبة عبر الزمن والتربية والتنشئة واألوضاع االجتماعية‪ .‬والهابيتوس وفقا لهذا‬
‫التصور يشكل الطاقة الفعلية التي تقوم بتوجيه سلوكات الفرد أو الجماعة اعتمادا على‬
‫مرجعية معينة تقع في البنية الذهنية‪ ،‬أي‪ :‬في العقلية التي تحكم نسق الممارسات والفعاليات‬
‫السلوكية للفرد والجماعة على ح ّد سواء‪ ،‬وهو تعبير عن استبطان الشروط الموضوعية‬
‫للوجود االجتماعي على نحو سيكولوجي‪ ،‬وهو بوضعيته هذه يضفي المشروعية على‬
‫وضعيات اجتماعية مهمة مثل التحيزات الطبقية والعنف الرمزي والشعور بالهوية الفردية‬
‫والجمعية‪ .‬يرى بورديو أن اإلنسان االجتماعي يسلك ويتصرف وفق حتميات الشعورية أي‬
‫دون أن يعرف لماذا يسلك على هذا النحو ويتصرف على تلك الطريقة‪ .‬ويمكن تفسير‬
‫السلوك في منحاه هذا على أنه ترجمة طبيعية وعفوية لنظام من المعطيات والعمليات‬
‫السيكولوجية المتأصلة في عقل اإلنسان وفي نظامه الذهني الداخلي‪ .‬وبالتالي فإن هذه‬
‫المعطيات تفرض على اإلنسان أن يفكر ويسلك ويتصرف ويتخذ ردود أفعاله بطريقة ما‬
‫تحت تأثير هذه المعطيات الذهنية التي تشربها منذ مرحلة الطفولة فتشبع بدالالتها وقدرتها‬

‫‪8‬‬
‫على توجيه السلوك بصورة عفوية ال تجد تفسيرا لها إال في ذاتها وفي كينونتها الداخلية‪.‬‬
‫ويطلق بيير بورديو على هذه العفوية السلوكية مفهوم “الهابيتوس‪”.5‬‬

‫‪2-‬الحقل و مجاالته‪:‬‬

‫الحقل من المفاهيم األساسية عند الباحث االجتماعي الفرنسي بيير بورديو‪ .‬في صياغته‪،‬‬
‫الحقل هو إطار مكون من الوكالء والمواقع االجتماعية‪ .‬يتحدد موقع كل وكيل في الحقل‬
‫نتيجةً للتفاعل بين قواعد الحقل الخاصة وطبيعة الوكيل (الخلقة) وقدراته (االجتماعية‬
‫واالقتصادية و الثقافية)‪ .‬تتفاعل الحقول مع بعضها‪ ،‬وتكون بنيتها هرمية‪ :‬القسم األكبر أدنى‬
‫من الحقل األكبر من ناحية السلطة والطبقة‪.‬‬
‫بدالً من حصر تحليله للعالقات االجتماعية والتغير االجتماعي في إطار الوكالة الطوعية أو‬
‫في زاوية المفهوم البنيوي للطبقة االجتماعية‪ ،‬يستخدم بورديو مفهوم الحقل الذي يصل بين‬
‫الوكالة والبنية‪ :‬فالحقل عنده ساحة اجتماعية تاريخية غير متجانسة يتحايل فيها الناس‬
‫ويناضلون في سعيهم لنيل الموارد المرغوبة‪.‬‬

‫ب‪-‬النظام االجتماعي‪:‬‬
‫عند بورديو‪ ،‬الحقل نظام من المواقع االجتماعية (على سبيل المثال‪ ،‬مهنة كالقانون) تنظمها‬
‫داخل ًيا عالقات القوة (كاختالف القوة بين القضاة والمحامين)‪ .‬وبشكل أكثر تحديدًا‪ ،‬يعد‬
‫الحقل ميدانًا اجتماعيًا للنضال من أجل السيطرة على أنواع معينة من القدرة – والقدرة هي‬
‫ما يراه الوكيل االجتماعي مه ًما (المثال الواضح هو القدرة المالية)‪ .‬تُنظم الحقول وفق‬
‫مستوى عمودي وآخر أفقي‪ .‬ما يعني أن الحقول ال تماثل تما ًما الطبقات‪ ،‬وغال ًبا ما تكون‬
‫مساحات مستقلة للتفاعل االجتماعي‪ .‬يمتاز حقل القوة بأنه «أفقي» يعبر كافة الحقول وأن‬
‫النضال فيه يتحكم «بسعر صرف» أشكال القدرة الثقافية أو الرمزية أو المادية بين الحقول‪.‬‬
‫يتكون الحقل من الفروق النسبية في مواقع الوكالء االجتماعيين‪ ،‬وتبدأ حدود الحقل حيث‬
‫ينتهي تأثيره‪ .‬يمكن أن تكون الحقول المختلفة مستقلة أو مترابطة (تأمل الفصل بين السلطة‬
‫القضائية والسلطة التشريعية على سبيل المثال)‪ .‬توجد حقول وعالقات أكثر في المجتمعات‬
‫األكثر تعقيدًا‪.‬‬

‫‪ 5‬مح مد بقوح‪(:‬األصول الفلسفية لمفهوم الهابيتوس عند بيير بورديو) ‪،‬مقال منشور على شبكة االنترنت في موقع الحوار المتمدن ‪،‬العدد‬
‫‪4142,2013‬‬

‫‪9‬‬
‫الممارسات الثقافية‪:‬‬
‫االنشطة االجتماعية ‪،‬الثقافية ‪،‬الترويجية المختلفة من طرف اإلنسان‬
‫الراس مال الثقافي‪:‬‬
‫العالقات التفاعلية ‪،‬ثروة‪،‬رأس مال رمزي‪،‬مواد ذات تقدير من أفراد المجتمع و له‬
‫مهارات ‪،‬مؤهالت ‪،‬ثروات رمزية ‪،‬رموز ‪،‬ثقافة يعاد إنتاجها‬
‫العنف الرمزي ‪:‬‬
‫ضرر رمزي ‪،‬اللغة الهيمنة اإليديولوجية السائدة من أفكار ‪،‬إعالم ‪،‬تلقين من طرف‬
‫مؤسسات رسمية‪.‬‬

‫‪10‬‬
‫إعادة اإلنتاج والتغير االجتماعي‪:‬‬

‫آليات الحفاظ على النظام االجتماعي يبدو أنها تحتل الصدارة في المجتمعات المعاصرة‪.‬‬

‫تبين الدراسات حول الحراك االجتماعي أن هناك نزعة قوية إلى إعادة اإلنتاج االجتماعي‬
‫والحراك االجتماعي يعني مرور األفراد بين الفئات أو الطبقات االجتماعية وهناك الحراك‬
‫داخل األجيال أو الحراك المهني المتمثل في إنتقال أفراد فئة معينة إلى فئة أخرى خالل‬
‫نفس الجيل‪،‬وهناك الحراك بين األجيال المتمثل في إنتقال فرد من جماعة اجتماعية التي‬
‫تنتمي إليها عائلته إلى جماعة‬
‫أخرى‪.‬وفي هذه الحالة نقارن بين وضعية الجيلين‪ ،‬أي بين وضعية اآلباء ووضعية‬
‫األبناء‪.‬وحسب منحى االنتقال نقارن بين الحراك العمودي الصاعد(الصعود‬
‫االجتماعي)والحراك النازل(التقهقر االجتماعي أو االنحدار في مستوى السلم االجتماعي)‬

‫تقوم الدراسات حول الحراك االجتماعي على جداول الحراك وهي جداول إحصائية ذات‬
‫مدخلين يتقاطع فيهما الموقع االجتماعي للفرد في وقت معين بموقع‬
‫أبيه‪.‬وقراءة المنحنى تعطينا معلومات هامة واألرقام الموجودة فيه تزودنا بمؤشرات تتعلق‬
‫بإعادة اإلنتاج ومكملها‪ :‬السيولة االجتماعية‪.‬وبالفعل‪،‬كلما كانت‬
‫معطيات المنحنى مرتفعة كلما اعتبر المجتمع ثابتا‪،‬ألن عدد األفراد الذين لهم نفس‬
‫المكانة كآب ائهم يظلون مسيطرين‪.‬في هذه الحالة نتحدث عن إعادة اإلنتاج االجتماعي أو‬
‫كذلك عن الوراثة االجتماعية وعكس ذلك كلما كانت أرقام المنحنى‬
‫ضعيفة كلما كان الحراك االجتماعي قويا‪،‬فنقول أن في المجتمع سيولة‪.‬‬

‫استراتجيات اعادة اإلنتاج‪:‬‬


‫اإلستراتيجيات الوراثية التي تهدف إلى ضمان انتقال اإلرث المادي بين األجيال وذلك من‬
‫خالل أقل تسرب ممكن‬
‫اإلستراتيجيات التربوية التي تهدف إلى إنتاج أعوان اجتماعيين مؤهلين وقادرين على تلقي‬
‫إرث هذه الجماعة‪،‬بمعنى نقله بدورهم إلى الجماعة‪.6‬‬

‫‪ 6‬كلثوم بن عبد الرحمان ‪،‬السلطة واآلليات الرمزية عند بيار بورديو ‪،‬أطروحة دوكتوراه ‪،‬قسم الفلسفة ‪،‬كلية العلوم اإلنسانية واالجتماعية ‪،‬جامعة‬
‫الحاج لخضر ‪-‬باتنة‪-‬‬
‫الجزائر‪.‬‬

‫‪11‬‬
‫إستراتيجيات االستثمار االقتصادي التي توجه نحو إستدامة أو زيادة الرأسمال االقتصادي‬
‫في كل أشكاله‪.‬ويتعلق األمر في ذات الوقت بمراكمة الرأسمال‬
‫االقتصادي وكذلك الرأسمال االجتماعي ‪،‬وتهدف إستراتيجيات االستثمار االقتصادي إلى‬
‫إقامة أو إلى صيانة العالقات االجتماعية القابلة لالستعمال مباشرة‬
‫أو القابلة للتجنيد‪،‬سواء في األمد القريب أو البعيد‪،‬وذلك بتحويلها إلى التزامات‬
‫دائمة‪،‬والسيما من خالل تبادل النقود والعمل والوقت‪.‬واإلستراتيجيات الزواجية تمثل في‬
‫ذلك حالة خصوصية‪.‬‬

‫إن استراتيجيات إعادة اإلنتاج المتعددة والتي هي في ذات الوقت مستقلة إلى درجة الصراع‬
‫والتي يدبرها كل األعوان المعنيين ‪،‬هذه اإلستراتيجيات هي التي تساهم باستمرار في إعادة‬
‫إنتاج البنية االجتماعية‪،‬ولكن بمشاكل وخسائر ناتجة عن التناقضات المالزمة للبنى‬
‫وللصراعات أو التنافس بين االعوان‬
‫ان المجتمع ليس بمجموعة موحدة‪،‬فهو مكون من العديد‬
‫من الحقول والتي تتشابه بنيته مع بنية الفضاء االجتماعي وحركية الحقول مرهونة بلعبة‬
‫المشاركين فيها‪.‬ولكن هذين الموضوعين ال يوجدان كواقع ملموس فهما إنتاج عمل‬
‫التموضع الذي يقوم به عالم االجتماع‪.‬إن هذا التصور الخاص بالمجتمع يالزمه تعريف‬
‫خصوصي‬
‫الهيمنة الذكورية حسب بيير بورديو في كتابه" الهيمنة الذكورية "‬

‫هي خاصية كونية متجذرة في الوعي األفراد ذكورا كانوا أو إناثا ‪ ،‬وبالرغم من أنها ال‬
‫تعلن عن نفسها باعتبارها معطى طبيعيا فإنها تظل في األصل بناء تاريخيا واجتماعيا‬
‫وثقافيا في أن معا تعيد مجموعة من المؤسسات إنتاجه وتكريسه ‪.‬‬

‫يبدأ بورديو كتابه بنظرية " مفارقة المعتقد ) ‪ ، " ( paradoxe de la doxa‬والمعتقد عند‬
‫بورديو هو الرأي السائد والمشترك الذي يخفي حقيقة األشياء والوقائع ‪ ،‬ومفاده أن " العالم‬
‫أو نظام الكون بمختلف تناقضات أو انتهاكاته وانقالباته وجنوحاته يعد مقبوالً ومحترما ً‬
‫وكان كل شيء فيه مقبول كما هو المحالة ‪ ،‬وال يمكن عده مصدرا ً للمعرفة العملية بقدر ما‬
‫هو شرعنة ال واعية في مستوى الرأي للممارسات السائدة ‪ ،‬ولذلك فإن حل إشكالية الهيمنة‬
‫الذكورية هو في إرجاع المعتقد إلى سمته المفارقة بأن يثبت أنه ليس مبرراً عمليا ً ألن‬
‫يحدث ما يحدث ‪ ،‬إنما هو – المعتقد‪ -‬من صنيع الطرف المهيمن ليبرر هيمنته ‪ ،‬وكذلك من‬

‫‪12‬‬
‫خالل تفكيك اليرورات التاريخية المسئولة عن تحول التاريخ إلى " طبيعة " وتحويل‬
‫االعتباطية الثقافية بأن تكون طبيعية‪.‬‬

‫في هذا السياق يعتمد المؤلف على اداتين منهجيتين ‪:‬‬

‫• المالحظة ل المشاركة باعتبار معايشته للمجتمع القبائلي ب الجزائر من خالل ظراسة‬


‫اثنوغرافية من خالل السنوات ‪" 1964 -1958" :‬‬

‫•و تحليل محتوى ب االعتماد على مضمون رواية فرجينيا و وولف‬

‫•الجسد باعتباره موضعا لفرض الهيمنة ‪:‬‬

‫يرى "بورديو" أن مجتمعات البحر متوسطية تتقاسم نفس النظرة للجنسين‪ .‬حيث تجعل‬
‫من الرجل مركز كل األشياء‪.‬فالمجتمع "القابيلي" تطغى عليه النظرة "الفالونرجسية" و"‬
‫الكوسمولوجيا األندرومركزية"‪ .‬هذه النظرة مشتركة بين سائر مجتمعات البحر األبيض‬
‫المتوسط لكنها تتأرجح في درجاتها من مجتمع إلى آخر إال أنها تتجسد في شكلها األقصى‬
‫داخل المجتمع "لقبايلي‪".‬‬

‫و يرى بورديو ان هذا األخير يعكس الصورة المثالية و القصوى لما يمكن أن نجده و لو‬
‫بشكل بسيط من هيمنة ذكورية داخل البنيات االجتماعية األخرى المتموقعة جغرافيا في‬
‫منطقة البحر األبيض المتوسط‬
‫يرى "بورديو" أيضا‪ ،‬في مقاربته للمجتمع "القبايلي" أن ما يظهر" للقبايليين" كنظام طبيعي‬
‫لألشياء هو في األصل بناء اجتماعي يعمل على تأسيس و كذا المحافظة على الهيمنة‬
‫الذكورية ذات الطابع الكوني‪ ،‬و التي تعلن عن نفسها وليدة الطبيعة‪ .‬و بهذا فهي تقي نفسها‬
‫شر التشكيك و المساءلة كبناء تاريخي‪-‬ثقافي‪-‬اجتماعي من الممكن تغييره‪.‬‬

‫بعد هذا‪ ،‬سينتقل "بورديو" لمقاربة الجسد داخل المجتمع "القبايلي" كبناء تاريخي‪-‬ثقافي‪-‬‬
‫اجتماعي يعكس هيمنة ذكورية داخل المجتمع "القبايلي" ‪ .‬انطالقا من االختالفات‬
‫الفيزيولوجية المالحظة‪ ،‬يتم خلق تصنيف جسدي تعسفي يوسع الفوارق السوسيوثقافية بين‬
‫الذكور و اإلناث ‪.‬‬

‫‪Actesexuel‬‬

‫‪Masculin‬‬
‫‪13‬‬
‫‪Féminin‬‬

‫‪Haut‬‬

‫‪Bas‬‬

‫‪Actif‬‬

‫‪Passif‬‬

‫‪Chaud‬‬

‫‪Froid‬‬

‫‪L’homme aui désire‬‬

‫‪Les femmes sont capable de : - éteindre le feu‬‬

‫‪-Donner de la fraicheur‬‬

‫‪-Donner à boire‬‬

‫من خالل هذا الجدول نستنتج مع "بورديو" أن كل ما هو إيجابي مرتبط بالجسد الذكوري‬
‫أما السلبي فهو مرتبط بالجسد األنثوي‪ .‬هذا "االمتياز" "الذكوري" الذي تغذيه إيديولوجية‬
‫ثقافية ذكورية‪ ،‬ينطلق من الجسد ثم ينعكس على تمظهراته و حركاته و كذا نشاطاته‪.‬‬

‫إذن يمكننا أن نستخلص مما تقدم مع بورديو أن المجتمع ينتج الرجل والمرأة على حد سواء‬
‫ويضع لكل منهما الحدود التي يسير بداخلها وال يتعداها ‪ ،‬من خالل االمتثال لجملة من‬
‫األفعال والسلوكيات ‪ ،‬فالرجل عليه أن يتميز بالفحولة والصراع والمنافسة لينتزع‬
‫االعتراف ‪ ،‬بينما المرأة فعليها الخنوع والخضوع ‪ ،‬وبذلك فهي تتحول إلى شريك في‬
‫المحافظة على هذه الهيمنة وإعادة إنتاجها ‪ .‬إنها تستدمج بطريقة غير واعية من خالل‬
‫التنشئة االجتماعية التي تعمل على ترويض جسدها وانفعاالتها حيث يعمل النظام‬
‫االجتماعي على فرض وترسيخ االستعدادات لديها ‪،‬ف مثال فيما يخص الحياة المهنية ‪،‬‬
‫توجه النساء دائما نحو الوظائف التي تحتل فيها وضعية التابع للرجال ‪¹...‬‬
‫في الفصل الثاني من الكتاب يتخدث بيير بوظيو عن كون الهيمنة الذكورية ثقافة وممارسة‬
‫كونية‪ ،‬جعلت "بورديو" يفكر في ال وعي مشترك ذو طابع عتيق‬

‫‪14‬‬
‫يركز "بورديو" في هذا الفصل على مفهوم "اإلنتظارات االجتماعية"‪ ،‬التي تجعل من‬
‫بعض األشياء سوية و طبيعية و من أخرى مرضية و غير سوية‪ .‬إن المجتمع يرسم لكل‬
‫جنس توجهاته و مساراته‪ ،‬مثال فيما يخص الحياة المهنية ‪ ،‬توجه النساء دائما نحو الوظائف‬
‫التي تحتل فيها وضعية التابع للرجال و هذا في ما يظهر لنا جليا من خالل الجدول التالي‪:‬‬

‫‪Métier‬‬

‫‪Féminin‬‬

‫‪Masculin‬‬

‫‪Infermière/ secrétaire‬‬

‫‪Médecin/ patron‬‬
‫يلخص لنا هذا الجدول فكرة أساسية مفادها ‪ :‬أن كل األعمال ذات القيمة المجتمعية‪ ،‬ال‬
‫من حيث الحظوة و ال من حيث التعويض‪ ،‬تبقى من نصيب الرجال أما النساء‪ ،‬فال يشغلن‬
‫سوى المناصب البسيطة و التي تكون في غالب األحيان تابعة لسلطة عليا ذكورية‪ .‬كما أن‬
‫الذكورية بالنسبة ل "بورديو"‪ ،‬تعبر عن نفسها كنوع من النبالة و القداسة‪ .‬و على هذا‬
‫األساس فكل ما يرتبط بالذكورة يعتبر مقدسا اجتماعيا‬
‫يشير الكاتب في الفصل الثالث الى اان كل شيء متغير في المجتمع باستثناء البنيات الجنسية‬
‫التي تبقى محافظة على استقرارها و استمرارها‪ .‬هذه الديمومة‪ ،‬ال عالقة لها بنظام طبيعي‬
‫جامد ال يمكن تغييره لكنها ثمرة بناء و إعادة بناء مستمر لبنيات الهيمنة الذكورية‪ ،‬التي‬
‫تساهم مجموعة من المؤسسات االجتماعية في استمرارها عن طريق إعادة إنتاجها‪،‬‬
‫ك األسرة التي ترجح كفة األطفال الذكور عند تقسيم العمل بين الجنسين و الكنيسة التي تؤكد‬
‫على قوامة الذكور و هناك أيضا الدولة التي تمركز كل سياساتها حول الذكور‪ .‬خالصة‬
‫القول فالمجتمع حسب "بورديو" تتضافر كل مكوناته إلعادة إنتاج و ضمان استمرار الهيمنة‬
‫الذكورية‪ .‬و على هذا األساس يرى "بورديو" أنه على الحركات النسوية االنتباه لكل هذه‬
‫البنيات و الكف عن التركيز على مؤسسة األسرة كالبنية االجتماعية الوحيدة التي تنتج و‬
‫تعيد إنتاج الهيمنة الذكورية‪.‬‬

‫و في نفس السياق يرى" بورديو" أن المكانات و اإلنجازات التي حققتها النساء بمعية‬
‫الحركات النسوية ال يجب أن تغطي على الفوارق الشاسعة التي ال زالت تفصل بين عالم‬
‫الذكور و عالم اإلناث‪.‬‬

‫‪15‬‬
‫الرأس مال‪:‬‬

‫_ ان كلمة (رأسمال) عند بورديو تحتمل تعريفات عدة‪ ،‬بعيدة عن مصطلحات العلوم‬
‫االقتصادية ‪ ،‬وهي تسمح بكشف صراعات أخرى غير الصراعات ذات الطابع االقتصادي‪،‬‬
‫وإذا ما فهمنا الرأسمال على أنه كل طاقة اجتماعية قابلة ألن تنتج (تأثيرات )‪ Effects‬فإنه‬
‫من الالزم اعتبار كل طاقة أن تكون مستخدمة (بشكل واعٍ أو ال واعٍ) كأداة في عملية‬
‫التنافس االجتماعية بمنزلة رأسمال‪ ،‬فاألفضل إذاً األخذ بعين االعتبار كل الممتلكات التي‬
‫يستخدمها الفاعلون في ممارساتهم‪ .‬حيث يمثل رأس المال عنصرا ً أساسيا ً لتشكيل الطبقات‬
‫االجتماعية ‪ ،‬من حيث السيطرة والخضوع للسيطرة‪ ،‬يميز بورديو بين ثالثة نماذج عامة‬
‫لرأس المال‪ ،‬والتي تفترض لكل منها مجاالً ذا محتويات خاصة وهذه األنواع من رأس‬
‫المال هي ‪ :‬رأس المال االجتماعي‪ ،‬ورأس المال الثقافي‪ ،‬ورأس المال االقتصادي‪.‬‬

‫الرأسمال االجتماعي‪:‬‬

‫_ مفهوم رأس المال االجتماعي هو مصطلح حديث نسبياً‪ ،‬ورغم التنوع في أشكال رأس‬
‫المال إال أن هذه األشكال ال تعمل بشكل مستقل بل إنها تعتمد على بعضها البعض‪ ،‬فرأس‬
‫المال االجتماعي يلعب دورا ً كبيراً في تشكيل وتطوير رأس المال البشري والعكس صحيح‬
‫ويتسم رأس المال االجتماعي بذات صفة العلوم االجتماعي‪.‬‬

‫_ يكتب بورديو أن الرأسمال االجتماعي هو مجموعة الموارد‪ ،‬سواء فعلية أم افتراضية‪،‬‬


‫التي تحدث لشخص أو لجماعة بسبب امتالك شبكة مستمرة من العالقات المؤسساتية‪ ،‬سواء‬
‫قلت أم كثرت‪ ،‬من المنفعة والتقدير المتبادل‪.‬‬

‫الراسمال الرمزي ‪:‬‬

‫_ رأس المال الرمزي ‪ Symbolic capital‬فيقصد به يورديو تلك الموارد المتاحة للفرد‬
‫نتيجة امتالكه سمات محددة كالشرف والهيبة والسمعة الطيبة والسيرة الحسنة والتي يتم‬
‫إدراكها وتقييمها من جانب أفراد المجتمع‪ .‬ويتأسس رأس المال الرمزي على القبول أو‬
‫االعتراف أو االعتقاد بقوة أو بسلطة من يملك مزايا أكثر‪ ،‬أو شكالً من االعتراف‬
‫بالشرعية‪ ،‬أو قيمة تمنح المرء مكانة عالية في مجتمعه‪ .‬ويرى بورديو أن رأس المال‬
‫الرمزي هو مثل أي ملكية أو أي نوع من رأس المال (طبيعي ‪ ،‬اقتصادي‪ ،‬ثقافي ‪،‬‬
‫اجتماعي) يكون مدركا ً من جانب فاعلين اجتماعيين تسمح لهم مقوالت إدراكهم بمعرفتها‬
‫واإلقرار بها‪ ،‬ومنحها قيمة (مثال الشرف في المجتمعات العربية‪).‬‬

‫_ ويدخل رأس المال الرمزي مختلف الحقول والمجاالت ومختلف أشكال السلطة والهيمنة‬
‫وفي مختلف أشكال العالقات االجتماعية‪ ،‬فكل عالقة سلطة تتضمن ‪-‬بشكل ما‪ -‬رأس مال‬
‫‪16‬‬
‫رمزياً‪ .‬فخاصية الشرف مثالً تحمل معاني أخالقية محددة‪ ،‬ويكون الشخص الشريف موضع‬
‫احترام وثقة وتقدير تبعا ً لما يملكه من رأس مال رمزي‪ ،‬ومن ثم يرتبط رأس المال الرمزي‬
‫بأهمية الموقع الذي يشغله الفرد في الفضاء االجتماعي من جهة‪ ،‬وبالقيمة التي يضفيها‬
‫الناس عليه من جهة أخرى‪.‬‬

‫السلطة الرمزية‪:‬‬

‫_ ينطلق بيير بورديو في مفهمته للسلطة الرمزية من تقسيم العالم االجتماعي الى مجموعة‬
‫من الحقول ‪ ،‬و البحث في كيفية اشتغال حقول ذلك العالم و ذلك لفهم طبيعة عملها و‬
‫المنطق الداخلي الذي يسيرها‪ ،‬و في عالقته الجدلية بمفهوم السلطة‪.‬يقول بيير"إن السلطة‬
‫ليست شيئا متموضعا في مكان ما إنما هي عبارة عن نظام من العالقات المتشابكة ‪،‬ونجد‬
‫أن كل بنية العالم االجتماعي ينبغي أن تؤخذ بعين االعتبار‪،‬من أجل فهم آليات الهيمنة و‬
‫السيطرة ‪" .‬‬

‫ومن هذا المنطلق يتبين أن السلطة عند بورديو نظام معقد يخترق كل العالقات‬
‫والترابطات التي تشتغل داخليا ً بواسطة آليات دقيقة وفعالة تتحكم في البنية العامة لذلك‬
‫النظام‪ .‬لذلك يحرص "بورديو" على ربطها بمفاهيم النسق‪ ،‬الحقل ‪...‬التي تعد ذات أهمية‬
‫بالغة في مشروعه الفكري ‪.‬‬

‫اعتمد بيير بورديو في تصوره لمفهوم السلطة الرمزية على الكثير من الدراسات‬
‫النظرية والبحوث الميدانية والتي أفضت إلى أن السلطة الرمزية تقوم دوما على االختفاء‪:‬‬
‫"السلطة الرمزية هي سلطة ال مرئية وال يمكن أن تمارس إال بتواطؤ أولئك الذين يأبون‬
‫االعتراف بأنهم يخضعون لها بل ويمارسونها "‪ .‬ولكون هذه السلطة غير مرئية فتأثيرها‬
‫أشد وقعا ألنها تستهدف المستوى النفسي والذهني للفرد بطرق و اساليب منظمة مبنية على‬
‫التستر وراء االقنعة المعتادة كالتقاليد و القوانين و ما هو شائع بين الناس‪.‬‬

‫‪17‬‬
‫_ الممارسات الثقافية تتميز باالنتماء االجتماعي ومؤسسة على منطق التمييز وجود ثقافة‬
‫شرعية يهيكل المؤسسات‪:‬‬

‫‪:‬‬ ‫استهالك الثروات الثقافية يدخل ضمن إستيراتجية التمييز االجتماعي‬ ‫‪-‬‬

‫_ ان إرادة مراكمة الرأسمال الرمزي تسمح بتفسير الممارسات الثقافية‪.‬وأن كل الدراسات‬


‫االمبيريقية تبين أن الطبقات المسيطرة هي التي تتردد بكثرة على المتاحف أو األوبرا‬
‫والمكتبات وعلى شراء الكتب‪،‬وبالتالي ال يكون الحصول على الثروات الثقافية غير متساو‪،‬‬
‫وعدم التساوي ال يعكس فقط التفاوت االقتصادي ولكن هو كذلك انعكاس إلستراتيجيات‬
‫التمييز بمعنى للصراع الطبقي في الميدان الثقافي‪.‬إن الصراع الطبقي يظهر يوميا في شكل‬
‫غير معروف ومتوارى من أشكال الصراع من أجل خلق تدرج شرعي في مختلف‬
‫الممارسات بمعنى الصراع من أجل التصنيفات االجتماعية‪ .‬ويرى بورديو أن الثروات‬
‫الثقافية مصنفة حسب تدرجات ‪:‬المسرح الكالسيكي يقابله مسرح الشارع ورياضة الغولف‬
‫تقابلها كرة القدم‪...‬وتوجد ميادين ثقافية نبيلة كالموسيقى الكالسيكية والنحت واألدب‬
‫وممارسات أقل نبال وفي طريق المشرعة (السينما والتصوير واألغنية والجاز ‪ )...‬ولكن‬
‫داخل كل من هذه القطاعات نجد مستويات مختلفة من التمييز‪ ،‬فداخل الموسيقى الكالسيكية‬
‫يمكن أن نعثر على الذوق الشعبي والذوق المتوسط والذوق المتميز‪.‬‬

‫_وهكذا فإن معرفة واستهالك هذه الثروات تصبحان عامال مصنفا‪،‬وبهذا المعنى فإن‬
‫األعو ان االجتماعيين يصنفون أنفسهم ويتعارضون في الوقت الذي يقومون بهذه الممارسة‬
‫أو بتلك ‪،‬ويعبرون كذلك عن أذواقهم‪.‬إن الحقل الثقافي يشتغل إذن كمنظومة من التصنيف‬
‫المؤسسة على تدرج ينطلق من األكثر شرعية إلى األقل شرعية وباستعمال اللغة العادية من‬
‫المتميز إلى المبتذل‪.‬و يسمح الحقل الثقافي لألعوان االجتماعيين إعداد إستراتيجيات للتمييز‬
‫تجاه أعضاء الطبقات األخرى‪.‬إن فرص إظهار التمييز متعددة وال يمكن حصرها وحتى في‬
‫الممارسات األكثر بساطة ‪:‬اللباس‪،‬التأثيث الداخلي‪،‬السياحة‪،‬الترفيه‪،‬الرياضة‪،‬الطبخ وكما‬
‫كتب أيضا بورديو في التمييز فإن األذواق هي كذلك ال أذواق‪:‬األذواق تشتغل في نفس‬
‫الوقت كعوامل إدماج تشهد على االنتماء الطبقي وكذلك كعوامل إقصاء‪.‬‬

‫التمايزات االجتماعية توجد في شكل وفي طبيعة الممارسات‪:‬‬ ‫‪-‬‬

‫_ التمايزات االجتماعية تظهر في نفس الممارسة‪.‬إن المقاربة في شكل ثقافةالتمايزات‬


‫االجتماعية توجد في شكل وفي طبيعة الممارسات جماهيرية تدعو إلى التفكير بأن امتالك‬
‫ممارسة ثقافية أمر ممكن من قبل كل األعوان االجتماعيين وأن معنى الممارسات هو‬
‫متشابه بالنسبة للجميع‪.‬وضد هذه "الشيوعية الثقافية ‪" CULTUREL COMMUNISME‬بين‬

‫‪18‬‬
‫بيار بورديو أن الدخول الديمقراطي ألي ممارسة ثقافية يظل مطبوعا باإلنتماء الطبقي الذي‬
‫هو إنتاج ملكة خصوصي‪.‬‬

‫_ وهكذا الشأن بالنسبة لممارسة التصوير‪،‬إن الدراسات التي قامت بها فرقة بيار بورديو‬
‫من ‪ 1961‬إلي ‪ 1964‬كانت موضوعا لكتاب عنوانه "فن متوسط ‪" MOYEN ART‬‬
‫‪UN‬الذي يعطينا نموذجا حول االستعمال والتمثل المتمايز لنشاط في متناول كل األعوان‬
‫االجتماعيين‪.‬وبالفعل‪،‬فال يوجد عائق تقني وال اقتصادي يحول دون إنتشار ممارسة‬
‫التصوير ألن سهولة استعمال اآلالت وانخفاض أسعارها يساهمان في ذلك بكثير‪،‬إضافة إلى‬
‫أن ذلك ال يتطلب أي تحضير فكري وتكوين خصوصي‪ .‬إن هذا التبسيط سيخضع ممارسة‬
‫التصوير عند مختلف الجماعات االجتماعية لمعايير مختلفة وهو كذلك فرصة لتبيين‬
‫الفوارق والتمايز‪ .‬نالحظ عند الفئات الشعبية مواقف واتجاهات متمايزة‪ .‬عند الفالحين فإن‬
‫التصوير يعتبر كتجل للثقافة الحضرية وهو موضوع لمقاومات شديدة والتصوير ينظر إليه‬
‫وكأنه ترف‪ :‬تعطي الملكة"الفالحية" األولوية للمصاريف المتعلقة باالستثمار وتحديث‬
‫اآلالت قبل مصاريف الترفيه واالستهالك المعتبر وكأنه تافه‪.‬‬

‫_ أما في األوساط العمالية وعكس ذلك فإن ممارسة التصوير هي موضوع النضمام‬
‫سريع‪،‬لكن المعنى الجمالي للممارسة مغيب تماما وما يهم هنا هو وظيفة‬
‫التصويرفقط‪:‬ضمان وحدة العائلة وتطوير ممارسات األلفة االجتماعية حول تمثيل مختلف‬
‫األحداث العائلية (زواج‪،‬اعتماد‪).‬‬

‫أما أعضاء البرجوازية الصغيرة فهم يرفضون العالقة الشعبية مع التصوير‪،‬ويعتبرونه كفن‬
‫وليس كتراث من الذكريات‪،‬ألن النشاط التصويري ينظر إليه في مقابل الرسم‪،‬والبعض‬
‫يرى في هذه الممارسة توكيدا للتمايز عن الثقافة الشعبية وذلك بتجاوز عالقة التصوير‬
‫باألحداث العائلية‪،‬وذلك باتخاذ مواضيع "ال تستحق" صورة تفاصيل في بناية‪،‬يد شخص ‪...‬‬

‫أما الطبقات الراقية وعلى النقيض من ذلك‪،‬فإنها تضع ممارسة التصوير في أسفل سلم‬
‫الممارسات الجمالية‪،‬فال تعيرها اهتماما كبيرا ألنها تعتبر التصوير"فنا دونيا" وتكفي بساطة‬
‫وانتشار الممارسة ألن توصف وكأنها مبتذلة‪.‬إن الثقافة "المثقفة ‪" CULTIVEE‬‬
‫‪CULTURE‬كما بين ذلك بورديو في كتابه "حب الفن" ‪ ،‬تقوم أساسا على زيارة المتاحف‬
‫والذهاب إلى األوبرا‪ .‬وبعد خمسة عشر سنة من نشر النتائج األولى‪،‬تساءل بورديو من‬
‫جديد في كتابه "التمييز"حول عالقات الطبقات االجتماعية المختلفة بالتصوير‪ << .‬إن كانت‬
‫ممارسات التصوير قد انتشرت بكثرة‪،‬فإن السؤال المطروح يكمن في تحديد المعنى الذي‬
‫يعطيه لها الممارسون الهواة>> إن طبيعة األحكام تترجم تدرج الكفاءات الفنية‪،‬فالطبقات‬
‫الشعبية تجند بنى "اإليطوس" لتوصيف التصوير دون اللجوء إلى األحكام الجمالية‬

‫‪19‬‬
‫المحضة‪،‬فهم ينتظرون أن تؤدي كل صورة وظيفة‪،‬وكلما ارتقينا في السلم االجتماعي‪،‬فإن‬
‫الحديث عن التصوير يصبح تجريديا أكثر فأكثر‪.‬‬

‫_ وإذا كانت الممارسة التصويرية قد انتشرت على مستوى كل الفئات االجتماعية‪،‬فإن‬


‫إستراتيجيات التمييز تظل قائمة عند الفئات المهيمنة وذلك برفض االستعماالت المشتركة‬
‫وبمنحها قيمة جمالية لمواضيع تعتبر بسيطة ‪،‬وعليه فإن ممارسة التصوير تدخل ضمن‬
‫جملة من الممارسات التي تنضوي تحت "الثقافة المثقفة‪".‬‬

‫_العالقة مع الثقافة تختلف حسب االنتماء الطبقي‪:‬‬

‫_ إن االستهالك الثقافي يتغي حسب الطبقات االجتماعية‪،‬فهو رهين الموقع الذي نشغله في‬
‫الفضاء االجتماعي‪،‬بمعني حجم وبنية الرأسمال الذي نملكه وهكذا فإننا نالحظ تشابها‬
‫وتماثال بين بنية الطبقات وبنية األذواق والممارسات‪ .‬تحاول الطبقة المسيطرة الحفاظ على‬
‫موقعها من خالل استراتبجية التمييز وذلك بتحديد وبفرض"الذوق السليم ‪"GOUT BON LE‬‬
‫على باقي المجتمع‪ .‬ويكمن منطق التمييز في إبقاء مسافة تمييزية بين الممارسات ‪،‬فكلما‬
‫انتشرت ممارسة فإنها تفقد من سلطتها التمييزية‪،‬وبالتالي ال بد من تعويضها بممارسة‬
‫أخرى مخصصة ألعضاء الطبقات المسيطرة‪.‬مثال في ميدان الترفيه الرياضي‪،‬فإن تعميم‬
‫ممارسة التنس صاحبه انسحاب الطبقات المهيمنة من ممارسة هذه الرياضة‪ .‬الطبقات‬
‫المهيمنة تفرض كذلك دالالت جديدة بواسطة اللغة والكالم وتتحكم في استعمالهما أكثر من‬
‫الفئات األخرى‪،‬وحسب بيار بورديو فإن الطبقات المهيمنة تملك احتكار الكفاءة اللغوية‬
‫الشرعية أي المطابقة للقواعد النحوية ولألسلوب الذي يضمن فعاليتها ألن عالقة الطبقات‬
‫المهيمنة مع الثقافة تتم حسب ووفق أسلوب التماسف والقراءة وراء السطور‪ .‬تتميز‬
‫البرجوازية الصغيرة ب"حسن النية الثقافية" ألن ملكتها تترجم من خالل إضفاء احترام‬
‫منتظم للثقافة المسيطرة‪،‬وباعتراف بالثقافة الشرعية وبالرغبة في اكتسابها‪،‬فهي تحاول‬
‫محاكاة الممارسات النبيلة أو القيام بممارسات تعويضية‪.‬‬
‫_إن هذه السمات تظهر بقوة لدى البرجوازية الصغيرة الصاعدة ألن أعضاءها يستثمرون‬
‫في األشكال الدنيا لإلنتاج الثقافي ويهتمون بالسينما والجاز ويقرؤون مجالت التبسيط العلمي‬
‫والتاريخي‪،‬كما أنهم في اضطراب مستمر خشية السقوط في ما هو مبتذل (وبالتالي في ما‬
‫هو شعبي) ولديهم إرادة "التمايز" بمعنى ما يحاول أن يجعل منهم برجوازيين‪ .‬إن هذه‬
‫الوضعية "المزيفة" تتجلى خصيصا في عالقة أعضاء البرجوازية الصغيرة باللغة والكالم‬
‫والمتميزة بالتصحيح اللغوي المفرط‪،‬وهي نزعة تهدف إلى مطاردة عندهم وعند اآلخرين‬
‫كل أشكال الخطأ‪ .‬أما الطبقات الشعبية والتي حسب بورديو تتميز ملكتها ب"اختيار‬
‫الضروري" وبتثمين الفحولة فلها ممارسات ثقافية تجد منطقها في رفض االندماج مع‬

‫‪20‬‬
‫البرجوازية الصغيرة‪،‬وهكذا فإن "الثقافة المثقفة" ينظر إليها على أنها تخل عن مبدأ الفحولة‬
‫والمواضيع التي لها صبغة أو طابع "برجوازي" فهي محظورة ومحرمة في محادثاتها‪.‬‬
‫وحسب بيار بورديو فإنه ال توجد ثقافة شعبية في المعنى السوسيولوجي للكلمة ولكن توجد‬
‫فقط مجموعة من الممارسات والتمثالت والتي هي عبارة عن » أجزاء متناثرة لثقافة عالمة‬
‫قديمة نوعا ما(كالمعارف الطبية) منتقاة ومؤولة حسب المبادئ األساسية للملكة الطبقية‬
‫ومدمجة في الرؤية السائدة للعالم المترتب عنها « وعليه‪،‬فال وجود لثقافة شعبية مضادة ألن‬
‫الشرعية الثقافية للمهيمنين ليست محل مراجعة ‪ .‬وبالتالي ‪،‬فإن علم اجتماع الثقافة ‪،‬في‬
‫المعنى المزدوج للمصطلح‪،‬قائم على نظرية الهيمنة الثقافية ‪،‬فلكل موقع في السلم االجتماعي‬
‫ثقافة خصوصية‪:‬ثقافة نخبوية ومتوسطة وجماهيرية وهي على التوالي متميزة بالتمييز‬
‫واإلدعاء والحرمان‪.‬‬

‫‪21‬‬
‫اإلعالم كوسيلة هيمنة‪:‬‬

‫رغم تطور وسائل اإلعالم والتوصيل فإن التلفزيون‬


‫مازال يحوز على اهتمام قطاعات وشرائح واسعة من المجتمعات في الشرق والغرب‪ ،‬وفي‬
‫مراحل متأخرة من القرن الماضي زاد اهتمام النخب الفكرية بأدائه وسلطته وتأثيره على‬
‫المجتمع‪ ،‬بل صار مدار اهتمام الفالسفة الغربيين ومنهم الفيلسوف الفرنسي بيير بورديو‬
‫الذي توفي في يناير‪ /‬كانون الثاني ‪ 2002‬وترك لنا تراثا ُ فكريا ً ونقديا وفلسفيا ً كان له تأثيره‬
‫الكبير في المشهد الفكري والفلسفي بل والثقافي المعاصر·‬

‫وقد عُرف بورديو بأنه عالم اجتماع‪ ،‬ووضع في هذا المجال مؤلفات كثيرة في نقد‬
‫المجتمعات المعاصرة‪ ،‬ومنذ مطلع التسعينيات أخذ بورديو بنقد الفكر الليبرالي‪ ،‬ونقد اآلليات‬
‫التي يتوسَّلها هذا الفكر في تصريف أفكاره ورؤاه ونظرياته ومأموالته· وفي هذا الخضم‬
‫النقدي وضع بورديو كتابه الموسوم بـ 'التلفزيون وآليات التالعب بالعقول' والذي يبدو حتى‬
‫اآلن في غاية األهمية‪ ،‬هنا نحاول قراءة الكتاب وتقديم خالصة عنه‪:‬‬

‫في مقدمته أشار الفيلسوف الفرنسي إلى أن التلفزيون يكشف عن خطر كبير يهدد الحياة‬
‫السياسية والديمقراطية‪ ،‬فالتلفزيون وجزء من الصحافة مدفوعين بمنطق اللُهاث وراء مزيد‬
‫من اإلقبال الجماهيري أتاحا وسمحا بظهور المحرضين على الممارسات واألفكار‬
‫العنصرية والمعادية لآلخر‪ ،‬وبروز نظرة شوفينية قصيرة ضيقة األفق‪ ،‬بل يمكن القول إنها‬
‫نزعة قومية للعمل السياسي· وربما يكون الشيء األساسي الجديد في تفشي حالة العداء‬
‫لآلخر‪ ،‬وتصاعد المشاعر القومية التي نراها في كل من تركيا واليونان ويوغسالفيا السابقة‬
‫وفرنسا أو في أماكن أخرى هو إمكانية استغالل هذه المشاعر األولية إلى أقصى ح ٍ ّد من‬
‫جانب وسائل اإلعالم الحديثة اليوم·‬

‫المسرح والكواليس‬
‫وتحت عنوان 'المسرح والكواليس' خاض بورديو تجربة نقدية تجاه التلفزيون تداخل فيها‬
‫وقف كثيرا ً عند اشتراك النخب‬
‫َ‬ ‫البُعد الشخصي مع التجارب اليومية أو الموضوعية‪ ،‬لكنه‬
‫ي ٍ وغير مسؤول‪ ،‬وهنا قال بورديو‪:‬‬ ‫في الظهور على الشاشة الصغيرة على نحو مجان ّ‬
‫'بقبولنا االشتراك في برنامج تلفزيوني من دون أن يشغل بالنا معرفة فيما إذا كان من‬
‫الممكن أن يقال شيء مما يجب قوله‪ ،‬فإن ذلك يعتبر بشكل واضح خيانة‪ ،‬فوجودنا في‬
‫برنامج ليس لشيء ما إنما ألسباب أخرى تماماً‪ ،‬بل وعلى نحو خاص حتى نُشاهَد من قبل‬
‫اآلخرين وأن نكون موضع رؤيتهم فذلك يعني أن تُدرك من خالل شاشات التلفزيون‪ ،‬ولكي‬

‫‪22‬‬
‫تكون صورتك مقبولة من جانب األوساط الصحافية‪ ،‬كما أنه من الحقيقي أنهم ال يستطيعون‬
‫أن يعتمدوا على أعمالهم لكي يكونوا حاضرين باستمرار‪ ،‬فليس لدى هؤالء من طرق‬
‫متكرر كلما كان ذلك ممكنا ً على شاشة التلفزيون‪ ،‬وبالتالي أن‬ ‫ِّ ّ‬ ‫أخرى إال الظهور بشكل‬
‫يكتبوا على فترات منتظمة وأيضا ً مختزلة بقدر اإلمكان‪ ،‬كتبا ً وظيفتها تأمين دعوتهم إلى‬
‫البرامج التلفزيونية‪ ،‬ولهذا السبب أصبحت شاشة التلفزيون اليوم نوعا ً من مرآة نرجسية بل‬
‫مكان الستعراض حب الذات ·· شغلت موضوعة الرقابة اهتمام بورديو‪ ،‬فهو يفترض أن‬
‫الرقابة موجودة بكثافة في كل العمل التلفزيوني من ألف ِّه إلى يائ ِّه‪ ،‬ويعتبر هذه الرقابة سلطة‬
‫بل سطوة يتالعب أهل الشاشات عبرها بعقول الناس ولهذا قال‪' :‬إن االشتراك في برامج‬
‫التلفزيون الذي توجد فيه رقابة هائلة‪ ،‬ويفتقد االستقاللية يوحي بحقيقة أن الموضوع‬
‫المعروض قد ت َّم فرضه‪ ،‬كما أن شروط االتصال والحوار في البرامج التلفزيونية قد تم‬
‫فرضها‪ ،‬عالوة على أن تحديد الزمن المفروض على خطاب المشاركين يفرض بشكل‬
‫خاص حدوداً صارمة بحيث يصبح من غير المحتمل وجود إمكانية لكي يقال شيء ما· وفي‬
‫هذا السياق افترض بورديو في عمليات الرقابة الخفية كما يسميها أن لديها آليات خفية بل‬
‫مجهولة للمشاهد‪ ،‬وهي اآلليات التي من خاللها تُمارس الرقابة على كل المستويات والتي‬
‫تجعل من التلفزيون أداة هائلة للحفاظ على النظام الرمزي·'!‬

‫‪-‬سطوة الرقابة‬

‫ولكي يُدلل بورديو على سطوة الرقابة نراه يلجأ إلى متابعة الرقابة في الندوات التلفزيونية‬
‫أو متابعة سلسلة مستويات الرقابة‪ ،‬فهناك المستوى األول الذي يلعب مق ّدِّم البرنامج الدور‬
‫الرئيس في برامجه‪ ،‬وهو الدور الذي يصدم مشاهدي التلفزيون عندما يقوم المقدم بتدخالت‬
‫ثان من‬
‫جبرية حاسمة بل هو الذي يفرض الموضوع على المتحاورين معه· وهناك مستوى ٍ‬
‫الرقابة يكمن في االستعدادات التي تم القيام بها مسبَّقا ً عن طريق محادثات تحضيرية مع‬
‫المشاركين المتوقعين·‬
‫وعن سياسات الحجب التي يمارسها التلفزيون وجد بورديو أنه عندما يتم عرض ما هو‬
‫مرئي عبر شاشة التلفزيون تظل هناك أشياء يتم إخفاؤها عن طريق عرضها بوساطة‬
‫عرض شيء آخر غير ذلك الذي يجب عرضه من خاللها‪ ،‬هذا في حال تم عمل المفروض‬
‫عمله أي إعالم المشاهد‪ ،‬أو كذلك الذي يؤكد التلفزيون على وجوب عرضه‪ ،‬ولكنه يعرض‬
‫بطريقة ال تسمح بعرضه أو بأن يصبح غير ذي مغزى أو عندما يقوم بإعادة تشكيله بحيث‬
‫يأخذ معنى ال يقابل الحقيقة على اإلطالق·وهكذا نرى بورديو يفترض بنية خفية تتح َّكم بقدر‬
‫ما تؤثر في المشاهدين وتؤثر في الضيوف‪ ،‬لكنه أيضا يخرج من أستوديو البرامج باحثا ً‬
‫عن المؤثرات الخارجية أو الموضوعية بوصفها قوى للتأثير والتحكم والحجب‪ ،‬ومن ذلك‬
‫ما تتركهُ رحى المنافسة الجارية في أسواق المال والتجارة والمضاربات في األسهم‪ ،‬وما‬

‫‪23‬‬
‫‪7‬تفرضه من سياقات من شأنها اللجوء إلى ابتزاز الشاشات الصغيرة لمصالح الشركات‬
‫حرر كل األطراف‬ ‫اليومية واالستراتيجية·في الخاتمة‪ ،‬دعا بورديو إلى تقديم إمكانية ما ت ُ ِّ ّ‬
‫عن طريق استعادة الوعي بهيمنة هذه اآلليات وربما اقتراح برنامج للعمل المشترك بين‬
‫الفنانين والكتّاب والعلماء والصحافيين الحائزين على احتكار كل أدوات ووسائل التوزيع·‬
‫وأكد أن مثل هذا التعاون فقط يسمح بالعمل بكفاءة على انتشار المكتسبات األكثر عالمية‬
‫للبحث‪ ،‬ومن ناحية أخرى يسمح بعولمة تطبيقية وعملية لشروط الوصول إلى ما هو‬
‫‪8‬‬
‫عالمي·‬

‫‪ 7‬المرجع نفسه‪,‬ص‪101‬‬
‫‪ 8‬عبد الكريم بزاز ‪،‬علم اإلجتماع بيار بورديو ‪,2006,2007،‬ص‪140‬‬

‫‪24‬‬
‫الخاتمة ‪:‬‬
‫في نهاية المطاف ساعد المنهج البنيوي التكويني بيير بورديو على النظر الى الصراعات‬
‫االجتماعية داخل الحقول االجتماعية ال بوصفها احتدام بين الطبقات من أجل السيطرة على‬
‫وسائل اإلنتاج المادية وعلى ملكية رأس المال االقتصادي وما يرافق ذلك من عنف فيزيائي‬
‫مادي بل النظر اليها كنزاع حول رأس المال الثقافي بوصفه رأس المال الرمزي ومن أجل‬
‫التمايز االجتماعي وما يستوجب ذلك من عنف رمزي داخل الحقل الحيوي والمحتوى‬
‫الثقافي ومن اعادة انتاج الواعية للمنزلة الطبقية للفاعلين‪.‬‬
‫لقد أقام بورديو الثيمة االجتماعية على جملة من العناصر هي نسق من المواقف والمصالح‬
‫بالنسبة الى الفاعلين االجتماعيين وتفاعل بين حلقات مترابطة في هذا النسق تتكون من‬
‫جملة من األبعاد االيديولوجية والرمزية واالجتماعية واالقتصادية والسياسية و ومن عدد‬
‫من المؤسسات والهياكل التي تتراوح بين الذاتي والموضوعي وبين الفردي والجماعي وبين‬
‫الخاص والمشترك وبين الخارج والداخل‪.‬‬

‫‪25‬‬
‫قائمة المراجع ‪:‬‬
‫‪ 1/‬احمد موسى بدوي‪،‬مابين الفعل والبناء االجتماعي‪،‬بحث في نظرية الممارسة لدى بيير‬
‫بورديو‪.‬‬

‫‪ 2/‬أنيسة صلعي ‪،‬نريمان عماني ‪،‬مفهوم إعادة اإلنتاج االجتماعي عند بيار بورديو ‪،‬مذكرة‬
‫ماستر ‪،‬قسم الفلسفة ‪،‬كلية العلوم واالجتماعية ‪،‬قالمة‪.‬‬

‫‪3/‬عبد الكريم بزاز ‪،‬علم اإلجتماع بيار بورديو ‪2006,2007،‬‬

‫‪4/‬محمد بقوح‪(:‬األصول الفلسفية لمفهوم الهابيتوس عند بيير بورديو) ‪،‬مقال منشور على‬
‫شبكة االنترنت في موقع الحوار المتمدن ‪،‬العدد ‪4142,2013‬‬

‫‪ 5/‬كلثوم بن عبد الرحمان ‪،‬السلطة واآلليات الرمزية عند بيار بورديو ‪،‬أطروحة دوكتوراه‬
‫‪،‬قسم الفلسفة ‪،‬كلية العلوم اإلنسانية واالجتماعية ‪،‬جامعة الحاج لخضر ‪-‬باتنة‪-‬‬

‫الجزائر‪.‬‬

‫‪26‬‬

You might also like